آخر 10 مشاركات
عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          القدر المحتوم _ باتريسيا ليك _ روايات غادة (الكاتـب : الأسيرة بأفكارها - )           »          عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          مع كل فجر جديد"(58) للكاتبة الآخاذة :blue me كـــــاملة*مميزة (الكاتـب : حنان - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          1020 - فتاة الأحلام - جيسكا ستيل- ع د ن (كتابة /كاملة **) (الكاتـب : Breathless - )           »          قلبك منفاي *مكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-20, 06:04 AM   #2311

سرو هانم

? العضوٌ??? » 407875
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 107
?  نُقآطِيْ » سرو هانم is on a distinguished road
افتراضي


رؤعه ررغت باتى رؤعع رؤعع رؤغع رؤعه رؤعه رؤعه رؤعه رؤعع رؤعه رؤعه رؤعه رؤعه رؤعه رؤعه

سرو هانم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 12:59 PM   #2312

مهمة صعبة
 
الصورة الرمزية مهمة صعبة

? العضوٌ??? » 80237
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 1,174
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مهمة صعبة is on a distinguished road
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل رائع يانور

مهمة صعبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 02:57 PM   #2313

homsaelsawy

? العضوٌ??? » 462680
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 183
?  نُقآطِيْ » homsaelsawy is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايديك كالعادة جميل جدا جدا جدا جدا جدا

homsaelsawy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 04:12 PM   #2314

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

مساء الورد .. تم تعديل كل اللخبطات الي حصلت بتنزيل الفصول واعادة تنسيقها ووضع الروابط في اول مشاركة
بالتوفيق يا رب
اي شي تحتاجيه تقدري تراسلي احدى المشرفات


كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 05:21 PM   #2315

Hoda.alhamwe
 
الصورة الرمزية Hoda.alhamwe

? العضوٌ??? » 456087
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 273
?  نُقآطِيْ » Hoda.alhamwe is on a distinguished road
افتراضي

واخيرا الفصول اتزبطت ❤❤❤❤❤❤ الحمد لله

Hoda.alhamwe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 05:25 PM   #2316

Hoda.alhamwe
 
الصورة الرمزية Hoda.alhamwe

? العضوٌ??? » 456087
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 273
?  نُقآطِيْ » Hoda.alhamwe is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور بانتظار الفصل ❤❤❤❤

Hoda.alhamwe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 05:38 PM   #2317

omar alaa

? العضوٌ??? » 456137
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » omar alaa is on a distinguished road
Rewity Smile 1

انا جيييييت
الله على المشاعر اللي في الفصل تسلم ايدك حبيبتي 💖 💖 💖 💖


omar alaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 05:58 PM   #2318

omar alaa

? العضوٌ??? » 456137
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » omar alaa is on a distinguished road
El7qoni

تسجيل حضور هاي هاي كابتن

omar alaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 06:04 PM   #2319

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الثانى الثلاثون

جعلتك كعبة من الأرض يأتي إليك الناس من كل البقاع وصغت هواك للدنيا نشيدا تراقص حالما مثل الشعاع وكم ضمتك عيناي اشتياقا وكم حملتك في شوق ذراعي وكم هامت عليك ظلال قلبي وفي عينيك كم سبحت شراعي رجعت لكعبتي فوجدت قبرا وزهرا حوله تلهو الأفاعي عبدتك في الهوى زمنا طويلا وصرت اليوم أهرب من ضياعي



" فارق جويدة "


...........:...:..........................


ركنت سيارتها حديثة الطراز، والتي اشتراها لها راشد منذ يومين لا أكثر قاصدًا مشاكستها إذ أنها اشترطت عليه أن يأتي لها بأخرى متواضعة.. نفخت بغيظ وهي تبادله الحديث على الهاتف مخبره إياه بعناد "سأتخلص من هذه السيارة في أقرب وقت، أبلغك فقط حتى لا تصدم"

دار بمقعده وهو يقول بمرح "لا أعتقد هذا، فإن فعلتِ لن يكون أمامكِ خيار آخر غير أن يصاحبكِ أحد الحراس في كل خطواتكِ ولا أعتقد أنكِ تحبين هذا"

فقالت "حسناً سيد راشد تذكر أني سأنتقم من كل هذا قريبًا.. جامعة خاصة وفخمة, سيارة فارهة ومصاريف باهظة.. أذكر أننا اتفقنا على البساطة"

تنهد وهو يقول بسلاسة "إن زُهد هناك لن يفلح هنا، للأسف صغيرتي الوضع الحالي يحتم عليّ وضعكِ بتلك الصورة"

ترجلت من سيارتها وتخطت الباب الضخم نحو جامعتها الجديدة وهي تُقيّم مبانيها، وما زالت تكمل حديثها معه بعدم رضى وهي تقول بحنق "إن هذا ليس عالمي, لا شيء هنا يشبهني أبداً"

فقال بهدوء "سَبنتي أعلم جيداً أنكِ لا تحبين لفت الأنظار ولكن يجب أن تتذكري صغيرتي أنكِ كبرتِ الآن، وحجبكِ بعيداً بحجة صغر عمركِ وعدم انتهاك عالمكِ الطفولي ما عادت تنفع، بصفتك الابنة الوحيدة لبلال الراوي وشقيقتي عاجلًا أو آجلاً ستجذبين أنظار الصحافة والمجتمع المخملي إليكِ!"

توجهت نحو المبنى الإداري بخطوات رشيقة حادة وهي تقول: "لقد وعدت أن تُبعدهم عني قدر الإمكان"

"سأفعل أعدكِ.. والآن أخبريني ماذا ستفعلين اليوم؟!"

قالت بهدوء "سأتسلم بعض الأوراق، ثم أتوجه للمبنى الخاص بقسمي وآخذ مواعيد المحاضرات، وسأحاول أن أفهم من أحد الأساتذة ما فاتني لأدركهم"

قال بهدوء "جيد، لا تتأخري, إن إياب في المنزل وحيد مع جليسة الأطفال لذا أرغب في عودتكِ إليه قريباً!"

"إنه صلب الرأس، لماذا رفض البقاء مع بدور؟!"

قال بصوت أجش "كان يشتاق إليّ وأمام دموعه لم أقوى أنا أو هي على رفض طلبه.. على كل حال أنوي أن أوصله إليها بنفسي اليوم"

قالت بعبث مشاغب "أو ربما تبقيه لديك كحجة مقنعة لتجذب ضحيتك المسكينة ليلاً إلى عرينك مرة أخرى"

قهقه عالياً وهو يقول "تأدبي بقة وأنتِ تتحدثين مع والدكِ"

قالت باسمة "أحدثك كرفيقي الآن، أو ربما في تضامن أنثوي مع المسكينة"

تنهد مرة أخرى وهو يقول بصدق "لا أنوي اللعب معها، فقط سأحاول تعويضها وابني أوصلهما ببعضهما رغم صعوبة اعترافي بهذا ولكن أنا قررت تركها لحال سبيلها"

"هل إن أخبرتك أنك كاذب سَتُعد وقاحة؟!" همست بخفوت

"نعم ويستوجب ذلك عقابكِ"

"إذاً أنا لن أسحبها..!"

أومأ بيأس وهو يقول "إلى اللقاء, يجب أن أعود للعمل, انتبهي لنفسكِ!"

استغرقت الإجراءات بعض الوقت كما أن اجتماعها مع هذا المعيد الذي رتب لها راشد لقائه.. لكنها نجحت في الحصول على ما جاءت من أجله، ومثل المرة الماضية منذ يومين.. كانت تنهي أمورها وتنصرف سريعًا دون أن تعير أحد من الطلاب والطالبات اهتماما أو تلقي سلام، متجنبة النظرات الفضولية إليها ورافضة أي محاولة من الطلاب للتقرب منها والحديث معها، ليس تكبر أو حتى خجل ولكنها ببساطة لطالما تعودت أن تكون مخفية عن الأعين غير اجتماعية على الإطلاق ولا تحبذ بأي صورة تكوين الصداقات...

ولكن من الواضح أن هذه الجامعة التي تحوي نخبه من أولاد صفوة المجتمع لم تكن كما جامعتها هناك.. إذ أنهم رفضوا تركها تمضي لحال سبيلها دون فرض أنفسهم عليها.. وفي طريقها للخروج وجدت أحد الأشخاص يصطدم فيها بتعمد واضح فتراجعت خطواتها للوراء وهي تنظر إليه بغضب فأسرع يقول بابتسامة واسعة "أسف لفظاظتي, لم انتبه، كما أنتِ أيضاً"

حركت خطواتها محاولة تجنبه وهي تقول باقتضاب "لا مشكلة"

تحرك بالتزامن معها وهو يمد يده في سلام وقال "مروان سليم، السنة الرابعة صيدلة، وأنتِ سَبنتي الراوي اليس كذلك؟!"

أومأت برأسها في محاولة فاشلة للطف دون أن تمد يدها ثم قالت "مرحباً.. ووداعاً"

قال بود متصنع "أليس من عدم التهذيب أن، تردي مبادرة زميلكِ في التعرف عليكِ؟!"

قالت بهدوء: "بغض النظر عن قلة تهذيبك أنتَ.. ولكن لما أحتاج للتعرف على شخص من الواضح أنه بحث عن هويتي بالفعل؟!"

تقدم خطوة وهو يقول بابتسامة متلاعبة "هل إن أخبرتكِ أني مرشدكِ الجديد، الذي سيهتم بكِ ويعرفكِ على كل ما تجهلينه يعد حجة مناسبة؟!"

مدت شفتيها وهي تقلب نظراتها عليه من رأسه حتى أخمص قدميه بتقليل مقصود وقالت ببرود "لا يعد ولست مهتمة بعرضك.. والآن هل تتحرك من أمامي أم أني سأكون مضطرة لمناداة الحرس؟!!"

رمقها بنظرة تراوحت ما بين الغيظ والغضب، قبل أن يتحرك من أمامها فاسحاً لها الطريق وانحنى أمامها بنوع من الاستخفاف..

تحركت مغادرة المكان دون التفوه بالمزيد.. بينما هو تراجع يقف بين ثلاث شبان آخرين وفتاتين وهم ينفجروا في الضحك عليه والاستخفاف منه مما دفعه يصرخ خلفها بغيظ "إن الجولة لم تنتهي بعد يا حمراء الشعر وغريبة العينين.. ستخضعين لي"

قال أحدهم بسخرية "إن الصيد صعب هذه المرة.. أنصحك بتركها"

هتف بسخط "تباً لها, ومن تظن نفسها؟!"

قالت إحدى الفتيات بقرف ودافعها هو الغيرة العمياء "لقد أخبرتك أنها لطالما كانت مغرورة، تضع أنفها في الأعلى، صدقني فأنا أعرفها منذ المرحلة الثانوية قبل أن تختفي"

استرعت انتباه مروان التام فقال بعتاب "لم تخبريني مايا عن هذا بالمرة الماضية!"

هزت مايا كتفيها في برود ثم قالت "أنتَ لم تسأل, بل أبديت نوعاً من الهوس وأنت تقطر العامل مبلغاً ضخماً ليمنحك اسمها"

اقترب مروان يضع ذراعه على كتفي مايا بأريحية ثم قال بخبث متلون "حبيبتي المفضلة، أنتِ استرعيتِ اهتمامي الكامل الآن ..هيا أخبريني كل شيء تعرفينه عنها"

قالت بغضب "تباً مروان.. وما الذي يميز تلك الوضيعة عن غيرها؟!"

لمعت عينا مروان بشيء غريب ثم قال "لن تفهمي إن أخبرتكِ"

هتف أحد أصدقائه وقال بوقاحة "نوع جديد، ذاك الذي يدّعي الثقل والتهذيب, يستفز في الوحش كل أسلحته لافتراسها وترويضها, وفور أن ينالها ستلقى بعيداً كغيرها"

دفعت مايا ذراع مروان بعيداً ثم هتفت غاضبة "ليس هذه المرة, تلك المتعالية تظن أنها فوق البشر ولن تفلح أي خطط معها"

قالت صديقتها الأخرى "شباب لما لا نتركها فقط, إذا كانت غير مهتمة أن تنضم إلينا ربما هي فقط... اممم مهذبة!"

نطقت جملتها بنوع من اللامبالاة مما دفع مايا أن تقول "ونحن ماذا رشا هانم؟!"

عاد مروان يجذب مايا تحت ذراعه ملامسها بنوع من الفجاجة ثم قال بمهادنة "حبيبتي لما كل هذا الغضب، أنا فقط أريد كسر أنف تلك المتعالية قبل أن تجذب أنظار الجميع وتسرق الأجواء منا.. فكما ترين كم الاهتمام الذي حصلت عليه من ثلاث زيارات لا أكثر!"

جزت مايا على أسنانها قبل أن تقول "أتمنى هذا من كل قلبي ولكن ما لا تعرفه أنها كانت دائماً تحت حراسة مشددة، فكما كنت أعلم أنها الأخت الصغرى لراشد وعزام الرواي، والاسم وحده يكفي ليجعل آبائنا ينصحوننا بالابتعاد عن طريقها"

قال مروان بعدم اهتمام بينما عيناه تلمع بالتصميم في الحقيقة أن يصل إليها أكثر "بعض العبث لن يضر.. لا أعتقد أنها إن انضمت إليّ... أعني إلينا ستخبر أحد"

قالت مايا بغل صريح وهي تنظر لرشا "إنها ما زالت كما أعرفها, فهي لن ترضخ لإغوائك، إذ أن تلك الوضيعة تحيا قصة غرام ملتهبة منذ زمن مع ابن عمها، أذكر أنه هشم قدم أحد الصبية في أحد المرات لأنه تسبب في جرح ساقها عن غير قصد"

ضيق مروان ما بين عينيه الشبيهتين بأعين ضبع خسيس متربص ثم قال بعد برهة بتشكك "هل تقصدين خالد الراوي؟ ألم يتزوج بالفعل قبل مدة بسيطة؟!"

سخرت وهي تقول بنبرة ملتوية "خطوبة فقط، وإن كانت تلك الحشرة كما أذكرها, فثق بي سرعان ما ستستعيده سارقة إياه من حبيبته المسكينة"

شردت عينا مروان للبعيد نحو الطريق الذي غادرت منه سَبنتي، ثم حرك يده مخرج أحد السجائر وأشعلها ثم أخذ منها نفساً طويلاً قبل أن يطلق دخانها الكثيف وهو يقول بنبرة متوعدة "ليس إن تغذيت عليها أنا أولاً، فدائماً ما يكون للحم الجديد رائحة مميزة تخبر عن مدى نظافته، وأنا لن أكون مروان سليم إن لم ألتهمها!"



بطرف عينه تمكّن راشد من رؤية الغضب الذي يتصاعد بالتدريج على ملامح خالد بينما هو منحني على ملف في يده ويقول شارحاً: "وكما أخبرتك هذا ما سلمه لي المحامي بعد اجتماعنا معه, وأخبرني أن هذه هي الوصية الحقيقية لوالدك في حال تم رفض الوصية الأولى من جميع الأطراف كما توقع"

تمالك خالد نفسه وهو يسأل بهدوء "وما الذي اختلف؟! إنها نفس الشروط تقريباً"

رفع راشد رأسه ناظرًا إليه مباشرة وقال "نستطيع القول أن هذه أكثر منطقية عن الجنون السابق"

قال خالد بحدة "أي منطق في تسليم أمر بدور لك مرة أخرى؟! ألم يتعلم أبي أبداً مما حدث؟!"

قال بهدوء "كما فهمت أنه يحاول منح أختك وإياب فرصة لا أكثر، إن الأمر ليس منوط بي على الإطلاق كما تعتقد"

قال خالد ببساطة "أريد أن اقرأ الرسائل التي تركها لنا!"

رفض راشد ببعض المهادنة وقال "لا أملك هذا الاختيار للأسف، حتى ننفذ جميع شروطه وأجد أنك وهي مستعدان لتفهّم دوافعه"

تحرك خالد من مقعده ووقف أمام النافذة يحدق للبعيد حتى قال أخيراً دون انفعال "إذاً كما فهمت جيداً، أنتَ ستعود لترأس المجموعة بينما الإدارة ستترك مشتركة بيني وبين بدور، وأن القرارات النهائية ستعود لك وحدك للبتّ فيها"

أومأ راشد موافقا "بالضبط، مع شرائي بعض الأسهم حتى نعيد التوازن بنسبة ثمانون بالمئة على الأقل وبناءً على وصيته التي يعلم الله وحده سر تمسكه بهذا، سنترك عشرون بالمئة لهذا الرجل الذي يُدعى تميم"

قال خالد بهدوء "إن تميم ليس بالرجل السهل، لقد حاولت بالفعل إقصائه ولم أفلح فالرجل يجيد الالتواء والإبقاء على ما يريده"

قال راشد بخبث رجل الأعمال "لهذا تحديداً ترك والدك كل شيء بيدي, وإن لم تفلح أنتَ أعدك أن أمنحك الخبرة الكافية بإرشاداتي, كيف تكسب كل ما ترغبه دون أن تمنح للطرف الآخر أي فرصة للنجاح، وأيضاً دون كسبه عدو"

استدار خالد ينظر إليه بنظرة ذات معنى ثم قال متهكماً "لا أحتاج لهذا, صدقني.. فأنا أثق جيداً بتحريكي لكل الفرسان مسقطاً إياهم، دون أدنى انتباه منهم"

وقف راشد من مقعده وتوجه إليه ثم قال وهو يشد على كتفه "وهذا درس آخر لتتعلمه يا خالد، راقب عدوك جيداً، من حين لآخر بينما أصدقاءك لا ترفع عيناك أو تركيزك عنهم أبداً.. إن الضربة الموجعة القاسمة دائماً تأتي من مصدر الأمان لنا"

قال خالد باستنكار "أنتَ تتحدث وكأننا في غابة لا مكان للصداقة ولا الأمان فيها"

قال راشد بهدوء "وهذا درس آخر لتعرفه، إن العالم بالفعل أشبه بغابة والبقاء فيها للأقوى والأذكى.. وإن تحدثت بلغتك أنتَ سأخبرك بوضوح أن الله لا يحب القوم الأغبياء والمستضعفين بإرادتهم"

صمت قبل ان يكمل ببعض الجفاء" الضربة من الاقربون تقسم الظهر والروح !"



افتر جانب فمه في شيء شبه ابتسامة ثم قال بهدوء "في الواقع أنا مصدوم بعض الشيء.. لقد أصبحت تتحدث كثيراً بنوع من الإيمان، كما أن إياب يحفظ جزء لا بأس به من القرآن وكما فهمت أنك تحرص على غرز شعائر ديننا فيه!"

غمز بعينه وهو يقول مدعياً المرح: "لقد حاولت التعلم من والدتك، إذ أني رغبت في أن يكبر ابني على طريق الفارس قبل أن يسقط عن حصانه ويستسلم"

تصلب خالد وهو يفهم مغزى الهجوم الصريح ثم قال باقتضاب "لم يسقط.. فقط سلم راياته ليحفظ ما تبقى من مملكته, إذ أنه تلقى طعنات غدر لا ترحم من قائد جيشه وحاميه!!"

لم يرد راشد بل كان يحدق فيه من تحت جفونه بنظرة أحرقته في مكانه تجلده للصميم ثم قال ببرود شديد "دعنا من كل هذا، والآن أريد بدور هنا حتى نتفق على الصيغة التي سنخبر فيها أخواتك بشروط والدك، إذ إنهن إن أردن ميراثهن سأحوله فوراً على هيئة أموال"

قال خالد "إن نوة وشذى قد أخبرتاني بالفعل بقرارهن وهو توكيلي لإدارة أسهمهن, إذ أنهن لا تريدان أموال"

"جيد ومريم؟!"

تنهد خالد وقال: "لقد تحدثت مع إيهاب بالفعل ونصحني بعدم فتح الأمر معها حتى لا أخسرها, إذ أنها ترفض بشكل قاطع أي ميراث من رجل تقول أنها لم تشعر يوماً بأبوته!"

تحرك راشد نحو مكتبه مره أخرى وهو يقول بعملية "لا علاقة للشرع في مشاعرها، جد طريق معها لنحدد موقفها وننهي هذا الأمر"

حدق فيه خالد بصمت لدقيقة قبل أن يقول باقتضاب "وبدور؟!"

سكن راشد مكانه لبرهة قبل أن يقول بنبرة خالية من الروح "لا داعي لشرع أسلحتك في حمايتها يا خالد، أنا أتنازل عن طلب والدك في زواجي منها"

قال خالد من بين أسنانه "هذا هو الظلم بعينه, إنها من رفضتك.. فكيف له أن يمنحك أنتَ الأفضلية والقرار الأوحد في أخذ التحكم؟!"

فتح راشد ذراعيه باستسلام محاولا أن يحافظ قدر الإمكان على هدوئه ثم قال "والله لست أنا من وضع الشروط, وإن كنت أتفهم لماذا وضع شرط الزواج وإن أتى الرفض مني يعتبر لاغياً، إذ أنه يدرك رغم كل شيء أن قرارات بدور دائماً عاطفية وهوجاء عندما يتعلق الأمر بي"

اقترب منه خالد ثم وضع كلا يديه على المكتب يميل نحوه بنوع من التهديد ثم قال من بين أسنانه "لن تقرأ بدور تلك الوصية.. لا أعرف كيف ولكنك ستخفيها جيداً يا راشد.. وأنتَ والمحامي ستخبرونها أنه ترك القرار لها"

استرخى راشد في مقعده وهو ينظر إليه بهدوء ثم قال "رغم إعجابي الشديد بتوحشك في حمايتها ولكن أريد إخبارك أنها تعرف بالفعل أم أنك لم تقرأ الملف الذي منحته لها؟!"

شحب وجه خالد وهو يتراجع للوراء ثم قال "قرأته جيداً، ولكن لم أرى ذلك الشرط بينهم..."

أسبل جفنيه ثم قال بغموض "إذاً هي أخفته عنك بطريقة ما ولسبب لا أحد يعلمه غيرها ..وذلك ليس ذنبي وإن كنت ترغب في نصيحة مني ادّعي أنتَ الجهل بمعرفتك به أو لا تتحدث عنه من الأساس"

صمت خالد وهو يلقي نحوه نظرة أخرى عابرة ليس لها معنى، فقال راشد "والآن هل يمكن استدعاء بدور لنخبرها بكل ما ناقشناه؟!"

قال ببرود "ولماذا لا تحدثها أنت؟!"

قال باستفزاز "ربما أشرع في استخدام سلطاتي عليك بتوجيه الأوامر!"

انحنى خالد بنوع من المسرحية "سمعاً وطاعة"

ضحك راشد وهو يقول "إن العمل معك سيكون ممتع أكثر بكثير من محاولتي اكتساب جانبك في مراهقتك دون نجاح يذكر"

ابتسم خالد قبل أن يقول بحزن "أهذا ما تعتقده؟! بل أنتَ الوحيد الذي كسب انتمائي.. لقد كنت رغم كل شيء مثال أعلى وأب روحي لي قبل أن....."

صمت مبتلعاً ريقه مشيحاً بوجهه عنه مما دفع راشد للوقوف متوجهاً نحوه مرة أخرى، وقال "إن أسفي لن يمحو ما كان، ولكنِ إن كان يعزيك أنك كنت أكثر أسباب ندمي وشعوري بالذنب، فأنا أخبرك بهذا"

حرك رأسه رافضاً ثم قال بهدوء "لا يكفي يا راشد.. إذ أن كل اعتذاراتك لن تصلح ما فعلته بي، بالجحيم الذي اتلظى فيه وسأبقى عمري أفعل، أسفك لن يمحو الظلم الذي أوقعته عليّ وعلى أخرى ليس لها ذنب"

تصلب جسد راشد وهو يفهم مقصده ثم قال من بين أسنانه "أنا لن أعتذر يوماً عن هذا الجانب إذ أنه خطيئتك وحدك، إياك أن تحاول إلقائها على أحد غيرك، وتذكر أني أخبرتك يوماً أنك راوي وأنك ستؤذي... وتبجحت أمامي أنك ستفعل، وكم خاب رهانك كما أملي فيك"

لم يسيطر على نفسه وهو يصرخ فيه "بل بسببك.. و ذنبها وحدها كلاكما من غدر، لقد كانت دائماً بجانبي أمامي وتدور في فلكي ولم تتركه أبداً، انتظرت وانتظرت وبالنهاية عرفت أني أطارد السراب"

لم يهتز براشد شعرة واحدة وهو يقول "أيها الغر المسكين، هل كنت تنتظر أن تحارب هي من أجلك كالعادة؟ وماذا عن جانبك أنتَ يا فارس الورق؟!"

برزت عروقه في نحره وهو يقول بنوع من عدم السيطرة "هي من عودتني على هذا، فدائماً من كانت هي من تبحث عني"

قال راشد بغضب "تقصد دائماً من كانت تتنازل برقة وبراءة منها وأنت تلتهم كل مشاعرها لتُشبِع غرورك من تعلقها بك، بينما أنت تتخبط في عالمك رافضاً الاعتراف بدورك حتى بات تنازل ابنتي واجباً عليها وليس تفضلاً منها"

ارتد رأس خالد للوراء بعنف وهو يحدق فيه بعينين مظلمتين ثم قال "أنا قدمت اعترافاتي لك ولأبي ولها.. لم استمر في تخبطي.. لقد طلبتها منك كما كنت أتوسلها في كل سجدة"

"اعتراف لم تكن على قدر مسؤوليته.. إن أحببتها بصدق كنت انتظرت حتى تأتي إليك وتفهم منها"

"لقد انتظرت خبر منها لأربع أعوام" قال من بين أسنانه

رفع راشد رأسه وهو يضع كفيه في جيبا بنطاله ثم قال بمنتهى الهدوء وكأنه لم يكن يشتعل بحرقته على قلب صغيرته التي يعلم جيداً رغم إنكارها مدى تهشمها "وأنا انتظرت غفران أختك تسعة أعوام، محرماً أجساد النساء على نفسي ومستعد أن أنتظر مثلهم، وهذا هو الفرق بيننا يا خالد.. أنا أحببت وآذيت دون قصد مني وندمت.. ولكن أنتَ آذيت بقصد ولم تندم أبداً"

تراجع خالد نحو الباب ناوياً المغادرة وكأنه يحاول الهرب من مواجهة نفسه مع مرآته الحقيقية الصادقة، ثم توقف فجأة وهو ينظر إليه بمرارة وقال "أنتَ مخطئ، بل أنا نادم الآن، ولكني عاجز عن فعل أي شيء حتى لا أرتكب مزيداً من الضرر"

نظر إليه راشد من تحت جفونه بجفاء غير شاعر باى تعاطف معه وهو يراقبه كيف قبض على الباب بتوتر شديد قبل أن يهمس مرة أخرى باضطراب بينما يحجب عنه عينيه التي ترقرقت فيهما دموع أبت الهبوط "كانت آخر كلمات أبي لي أن لا أظلم، ونطق اسم مريم و.... وهي"

"شيءٌ متوقع منه فهو أراد لك تلك الفتاة، حتى وإن كان سيقدم على قتل نفسه"

أدار خالد رأسه من فوق كتفه ببطء ناحيته ثم قال بغصة تكورت في حلقه "لقد أوصاني أن أمنحها أرض ووطن بعد أن حطمناها جميعاً"

انمحت انفعالًات راشد كما تهدلت كتفيه وهو ينظر إلى خالد بعدم تصديق وهو يكمل قوله "لقد منحني مخرجاً مناسباً لأرمم ما دمرته, ولكن كالعادة سقط فارسكم عن صهوة حصانه.. ربما أنا لا أليق بالفعل بتلك المكانة.. أنا من لا يستحق سَبنتي يا راشد"



دخلت سَبنتي سريعاً من الباب وهي تسأل المربية: "كيف حاله؟!"

أجابت المربية التي استعانوا بها بنوع من الذنب "إنه صلب الرأس, لم أستطع إقناعه حتى بتجاذب الحديث معي أو حتى إطعامه!"

ابتسمت وهي تقول بأسى: "لا جديد إذاً!"

صعدت السلم تلتهم درجاته برشاقة وقبل أن تصل لوجهتها وجدته يجلس على باب غرفتها يضم يديه إلى صدره يحني رأسه بعبوس فسألته "ما الذي تفعله هنا؟"

رفع جفنيه ينظر إليها بذات العبوس ثم قال "أنا لا أحب هنا، ولا أحب تلك السيدة"

جلست أمامه وهي تربع ساقيها ثم قالت "ومنذ متى أحببت أحد؟! اممم يذكرني تعجرف مشاعرك بإحداهن!"

"لماذا لا نعود لبيتنا، هناك كان بابا وأنتِ دائماً معي"

هزت كتفيها وهي تقول: "مرحباً بك في عالم أختك يا نبض الفؤاد، ليس كل ما نتمناه ندركه"

ضيق عينيه بعدم فهم، فتنهدت وهي تسحب ذراعه بلطف توقفه على قدميه، قبل أن تنفجر ضحكتها وهي تلاحظ ما كان يخبئه هناك.. سحبت سَبنتي غطائه جانباً ثم أمسكت قميصه وقطعة ملابس داخلية وهي تسأله "لماذا تتنقل بملابسك سيد إياب؟!"

جذب منها حاجياته بغضب ثم قال "ليس من شأنك"

قالت بتحايل وهي تقربه منها مقبلة رأسه "حسناً.. أنا أعتذر على تركك وحدك.. هل نحن على وفاق الآن؟!"

قال بمساومة "إن ذهبتِ معي للملاهي سأغفر لكِ"

"اممم يبدو أن جينات النمر تطفو علي السطح بقوة"

منحها أجمل ابتسامة حتى وهو يجهل فحوى جملتها... وقفت ترفعه وتضمه بين ذراعيها مدغدغة إياه كالعادة بشفتيها لتنطلق ضحكاته الصافية ماحية لأي جروح أو هموم..

"أنا أحبك جدا يا إياب" قالت وهي تتأمل ملامحه متذكرة تجرؤها أول مرة وهي تتسلل إلى غرفة راشد ساحبة ذلك الصغير من تحت ذراعه الحامية وهو نائم ملقياً نفسه في غيبوبة تقريباً.. ووجدت نفسها تنصاع أخيراً لطلب راشد فتقدم لذلك الصغير كل مشاعرها وتتفاعل معه.. تذكرت أنه هدأ على الفور عندما نظر إلى وجهها وكأنه يدرك أنها اختياره الأمثل الذي سيعوض كلاهما عن جزئه المفقود بحنان أخيه..

"وأنا أحبك ماما"

نظرت إليه بارتباك لحظي قبل أن تقول بتردد "إياب أنتَ ما زلت تذكر أني لستُ ماما الحقيقية؟"

حاوط رقبتها بذراعيه الصغيرتين ثم قال بحزن "نعم أذكر، فأنا ليس لي ماما كباقي الأطفال"

حركت كتفها وهي تدعي المرح ثم قالت "أخبرتك أني مثلك أيضاً، لذا لا تحزن ، اذ اننا عوضنا بعضنا في النهاية !

وبتصرف طفولي بحت تبدل مزاجه وهو يقول بنزق "هل سنذهب الآن؟!"

اومأت "بالطبع بعد أن نبدل لك ملابسك"

وصلا إلى غرفته ووضعته على الفراش ثم جذبت شيء مريح ومناسب وعادت إليه وشرعت في تبديل منامته وهي تقول "هل لي أن أسال الآن، ماذا كنت تفعل بتلك الملابس التي ليس لها علاقة ببعضها؟!"

قال بخجل الصغار المحبب "لو تأخرتِ قليلا كنت سأغادر إلى صديقتي الجديدة"

رفعت عيناها تنظر إليه باهتمام وفرح ثم قالت بلؤم "هل تقصد لوليتا؟!"

عبس بشدة وهو يهتف بتذمر "أنا لا أحب تلك الفتاة الحشرية.. هي ليست صديقتي"

ادّعت الجهل وهي تسأله "من تقصد إذاً؟!"

لمعت عيناه وهو يصفق بسعادة ثم هتف "السيدة بدور، إنها طيبة ولم تعد شريرة وأنا وعدتها بالعودة واللعب معها، اممم ربما سأبقي معها بهذا القدر فقط ثم أعود إليكِ" رفع سبابته والوسطى في علامة عن المدة..

انتهت من هندمته ثم انحنت تضع جواربه وحذائه وهي تقول "هل معنى هذا أنك تريد أن تُشركها في رحلتنا؟!"

أومأ سريعاً عدة مرات في لهفة وتأكيد "نعم"

انتهت وهي تعتدل مقبلة وجنته ثم قالت "أنتَ فتى طيب مثلها... والآن سأبدل ملابسي قبل أن نذهب للسيدة بدور لنرى رد فعلها على بداية اشتياقك لها"



ألقت سلام عابر وهي تتقدم داخل مكتبه قابلها هو بوقوفه احتراماً وتوجه إليها بلهفة ماداً يده ليأخذ بيدها ويقبلها كالمرات السابقة والمحدودة ولكنها منعته وصدته بتجهم وهي تقول "لقد أخبرتك أني لا أحب هذا الفعل يا سيد تميم"

لقد تعمدت وضع الحدود بشكل قاطع لا يقبل التأويل ثم جلست على مقعد مواجهة لمكتبه تضع ساق فوق أخرى بأناقة ولاحظت بشكل واضح انقلاب ملامحه وتحولها إلى برود صارخ قد احتل قسماته... ثم قال بسلاسة متصنعة "أرى إنكِ ما زلتِ غاضبة، أم نقول خائفة؟!"

حدقت فيه بلا معنى ثم قالت ببرود "بل غاضبة بالطبع... خائفة.. يبدو أنك لم تعرفني جيداً.. أنا لا أخشى شيء أبداً وإلا ما كنت صمدت في مكاني رغم المصائب العديدة التي مررت بها"

جلس تميم في مقعد مواجهاً لها متخلياً عن مكانه خلف مكتبه ثم قال بهدوء "إذاً سأدخل في الأمر مباشرة, واسأل عن سبب الزيارة!"

أظلمت ملامحها وهي تنظر إليه بعينين أكثر قساوة مما يعرف وأكثر شراً وأكثر تحكماً ثم قالت بنبرة خالية من الروح "ابتعد عن طريقي، سأكررها عليك للمرة الألف.. أنا لست امرأة ضعيفة أو جائعة للاهتمام والمشاعر يحاوطني بها رجل يا تميم"

استرخى في مقعده دون سكينة تذكر ثم قال ببرود "أنتِ خائفة منه إذاً، وليكن في معلوماتكِ أنا لستُ كذلك وما زلت عند إصراري بجعلكِ زوجة لي"

اعتدلت لتضع كلا ذراعيها على وركيها ثم شبكت يديها في بعضهما وقالت بجفاف "من الواضح أنك لم تفهمني جيداً، لا أنتَ ولا غيرك له أي أمل معي.. لا خاصتي تعني لا.. أنت لست أول رجل يطاردني سيد تميم وإن اختلفت غاياتكم"

قال بفظاظة "أنا لست عزام الراوي ولا أريد إدخالكِ في حرب رجل منتقم بل رجل معجب بكِ.. اممم أو نقول يحبكِ!"

لم تهتز فيها شعرة واحدة وإن ارتفع طرف فمها بابتسامتها الشرسة الشهيرة ثم قالت بنوع من القسوة "اممم حب!! حب مذيل بتذكرة درجة أولى للسيطرة على إمبراطورية آل الراوي..."

ارتبك من التصريح الفج، وانحنى للأمام، عالماً أنها نالت منه بضربة واضحة "ليس عيباً أن يبحث الرجل عن امرأة تقوي موقفه، وإن كان هذا سبب باهت جداً أمام رغبتي الحقيقية بكِ كزوجة"

هزت رأسها ببطء ثم أسبلت جفنيها وهي تقول "ربما أنت صادق وربما لا.. فكما أخبرتك أنت لم تكن أول من يطاردني وهنا لا أعني عزام فقط بل منذ ظهوري بجانب والدي قد أعلن البعض عن رغبته بي... ولكن تتوقف رغبة الجميع عند من تريده طاووس الراوي..."

ضحك بعصبية وهو يقول "ألا يعد تفاخركِ هذا غروراً؟"

قالت بشموخ "غرور.. كبرياء، رأس يماثل حجر الصوان سمّها ما شِئت لا أبالي"

أطلت من عينيه لمحة ضعف مفعمة بعاطفة عابرة لم تفهم سرها قبل أن يقول بصوت أجش "وإن كنت مصراً على طلبي، وإن أخبرتكِ أني معجب بكِ حقاً ومتقبل لكل ما أنتِ عليه"

تنهدت بعمق قبل أن تقول "أنتَ توهم نفسك لسبب لا يعلمه إلا الله وحده، أنا لستُ غبية أو صغيرة لأغفل عن بعض لمحات منك تحاول أن تغلفها بغموضك.. أنا لست نصفك الآخر يا تميم, ابحث عن قطعة أحجيتك الناقصة بعيداً عني"

حاول الالتفاف وهو يقول "إن كنتِ مقتنعة بما تقولين، لماذا جئتِ إليّ إذاً؟!"

وقفت من مكانها بأناقة شديدة ثم قالت بهدوء "لأني بصراحة مطلقة لن أترك أي مصدر تهديد محتمل يبعدني عن ولدي بعد أن عاد إليّ.. تستطيع القول أني أحاول تجنب الماضي ...كما أحميك أنت أيضاً!"

عبس وهو يقول بنبرة تلونت بالغضب المستنكر "تحميني أنا؟!!"

لم تتخلى عن هدوئها وهي تقول "بالضبط.. أنتَ في الوقت الحالي لن تصمد أمام هجمات راشد إن قرر محاربتك، نصيحة صديقة خذها على محمل الجد، ابتعد عن كل ما يستفزه إن رغبت في استمرار تلك الشراكة"

قال من بين أسنانه "أنتِ تستخفين بي كثيراً"

تحركت نحو الباب وهي تقول "بل أفهم راشد جيداً مما يدفعني من أجل ابني ألا أعيد أخطاء الماضي، وأنبهك حتى لا تقع بين أنيابه فهو عندما يقرر تصفية الحسابات يتجرد من كل ذرة رحمة وإنسانية"

سخر "هل رفعتِ راياتك إذاً واستسلمتِ؟!"

نظرت إليه من خلف كتفها وهي تقول ببرود "الأمر لا يخصك مطلقاً سيد تميم"

افتر فمها عن ابتسامة غامضة لم يستطع فهم فحواها قبل تعتدل منصرفة من أمامه أخيراً وهي تهمس لنفسها "أبداً... أنا لن استسلم عن محاربته أبداً حتى وإن أعدت ترتيب جنودي لمراوغته هذه المرة"



"مرحباً سيدة بدور"

ابتسمت بدور وهي ترد على الهاتف "هل هذه محاولة لإغاظتي؟!"

"ربما، أين أنتِ؟"

قالت بملل "في طريقي للعمل، ما سر هذا الاتصال الغريب؟!"

قالت سَبنتي بمراوغة حلوة "لديّ سؤال هام جداً جداً من شخصين مشردين ومسكينين.. يجلسان في انتظاركِ أمام عتبة منزلكِ"

قالت بلهفة "إياب معكِ؟!"

"واحزري ماذا.. هو من طلب القدوم معلناً اشتياقه لصديقته الطيبة"

ارتعش فؤادها وهي تهمس بصوت أجش "لا تتلاعبي بي"

قالت ضاحكة "لا أفعل، إنه هنا بناءً على رغبته"

أدارت المقود سريعاً كاسرة أحد الإشارات غير مبالية بأبواق السيارات التي انطلقت اعتراضاً على فعلتها "أنا في طريقي إليكما.. إياكِ والتحرك من عندكِ"

قالت سَبنتي بمشاكسة بينما تخبط كفها بكف إياب بانتصار "هل آمل أنكِ تملكين بعضاً من ملابس المشردين مثلنا؟!"

"عفواً؟!"

نظرت إلى السماء بملل قبل أن تقول "فقط حاولي حل تلك المعضلة.. إن كنتِ لا تملكيها, فأنتِ ستحتاجينها ثقي بي!"



بعد ساعتين كانت تضمه إليها بقوة كل بضعة دقائق كأنها لا تصدق ما سمعته من سَبنتي مقبلة رأسه.. يديه وكل قسمة من وجهه المليح ..مما دفع سَبنتي لأن تقول مازحة "ارحمي الفتى, ستخنقينه بما تفعلينه"

قبل أن ترد بدور كان إياب يهتف مدافعاً "ليس من شأنكِ أنا أحب قبلات صديقتي الجديدة، امنحيني المزيد يا بدور وأغيظيها"

قالت بلهفة بينما تشعر بقلبها يتقلص بداخل صدرها بفرحة وكسرة في آنٍ واحد مقبلة عينيه ووجنتيه "حقاً حبيبي.. هل توقفت عن كراهيتي؟!"

أومأ بتأكيد بينما يده الرقيقة تمسد ذيل حصانها بسلاسة ثم قبل وجنتها بقوة وقال "أها، أنتِ أجمل من أختي؛ بل أحلى من كل النساء"

نظرت إليها بدور مستفسرة وهي تقول "بغض النظر عن جملته المريبة بحق كل النساء وهو في هذا العمر.. ماذا يعني؟!"

احمرت وجنتا سَبنتي دون سبب واضح لها أو فهمته عندما قالت ا وهي تنفجر في الضحك "أعتقد أن جينات راشد عالية لديه اليوم, إذ أنه أعلن اشتياقه إليكِ ويحب تقبليكِ ويراكِ أجمل النساء"

ارتبكت للحظة واللون الأحمر يزحف لوجهها قبل أن تقول "قليلة أدب، مؤكد هو لا يقصد هذا"

قالت من بين أنفاسها الضاحكة "إذاً افهمي منه سره، ولا تسألينني"

قالت مدعية الغضب وهي تنحني واضعة إياب على الأرض ثم أمسكت يده بقوة "كنت أعلم أن تقبل الصداقة معك خطأ جسيم سأرتكبه"

امتعضت سَبنتي وهي تقيم ملابسها البسيطة من بنطال جينز باهت وقميص قطني من اللون الأسود وتخفي نصف وجهها تقريباً تحت نظارة ضخمة داكنة وذيل حصانها.. والذى رغم جهدها الواضح في زهد مظهرها لم تستطع محو أناقتها ورقيها الفطري ..ثم قالت أخيراً "لما كل هذا التنكر، هل تخشين أن يراكِ أحد وأنتِ تقومين بدوركِ الطبيعي في المرح مع ابنكِ؟!"

قالت بلطف "بالطبع لا, ولكن لا أريد لفت الأنظار، أرغب في أن يخلد هذا اليوم في ذاكرتي بسعادة, دون أن ينغصها عليّ خبر زائف من إحدى الصحف عن تجولي هنا وهناك رغم وفاة أبي منذ فترة قصيرة.. وبالطبع اتفقت مع راشد أن نحافظ على خصوصية إياب أكبر قدر ممكن"

قالت بهدوء "أتفهمكِ"

صمتت قبل أن تتابع بتهكم "كان يفعل معي هذا وإن كانت الأسباب مختلفة تماماً"

"أذكر أنكِ من كنتِ تحبين الاختباء خلف ظهره إن كان متواجد.. أو خلف ظهر خال.... أعني أي أحد متوفر"

قالت بنزق مدعية عدم الانتباه لذكره .. "لا تدّعي أنكِ تذكرين أي شيء يخصني يا بدور، أنتِ لم تريني من الأساس يوماً"

توقفت بدور تنظر إليها من تحت نظارتها ثم قالت بخفوت "بل كنت أكثر من يراكِ، أنتِ أحد ذنوبي التي تجلدني, وسؤال دائماً يطرحه عقلي دون أن يجد إجابة شافية.. تُرى إلى أي حد آذيتكِ ولماذا لم تفعلي المثل مع ابني؟!"

بهتت ملامح سَبنتي بشكل مؤلم قبل أن تشيح بعينيها بعيداً وهي تقول بحزن "بل أنا من آذيتكِ وأدخلتكِ حرب لم تكوني في حاجة إليها عندما كذبت فيما أخبرتكِ به"

تفجر قلب بدور بالألم وهي تستدير نحوها مجفلة إياها وهي تحيط وجنتها بدفء غريب عليها منها ثم قالت بهدوء "إن حاوطتكِ مرة واحدة، إن كنت تخليت عن حقدي وغيرتي منكِ وضممتكِ لمرة واحدة فقط ما كنتِ آذيتني أبداً.. أنا غفرت لكِ كذبتكِ منذ زمن يا سَبنتي وتفهمت دوافعكِ إذ أنكِ كنتِ مجرد ضحية مثلي ووالدتكِ!"

نظرت سَبنتي إليها بذهول عاجزة عن إيجاد رد ذكي قد تخبرها به على اعتراف لم يخطر على ذهنها أبداً...

ربتت بدور على وجنتها ثم قالت مغيرة الموضوع "هل نذهب الآن؟ هناك ألعاب أخرى أرغب في مشاركة إياب فيها.. أتعلمين منذ متى لم أذهب لمدينة الملاهي؟!"

تخلصت من ارتباكها وهي تقول بنبرة عادية "لا.. وإن كنت لا أتخيلك تمرحين مطلقًا، كنت أعتقد دائماً أنكِ ولدتِ هكذا ناضجة وعابسة!"

ضحكت وهي تقول "أتوقع أن رفقتكِ ستكون مرحة جداً وهذا الجانب الإيجابي الوحيد في صداقتنا"

طرقعت سَبنتي بلسانها قبل أن تقول بإغاظة "أنتِ لستِ صديقتي يا سيدة بدور ..بل رفيقة أخي"

رمقتها بدور بترفع ثم قالت "ستندمين على فكرة؟!"

"لن أفعل, إذ كان لديّ بالفعل أخت بنكهة صديقة ولا أنوي استبدالها أبداً!"

قالت بهدوء وهم يصلون لمنطقة الأطفال "تقصدين صديقة بنكهة أخت"

"لا أخت بنكهة صديقة إذ أنها أصدق في خوفها وأكثر قوة في رابط لن ينفصل أبداً ..اذ إن دقات قلبنا متوحدة ومتصلة دائماً"

ابتسمت دون أن تحاول سجالها ثم قالت "أتعلمين أتعجب من علاقتكما تلك، فرغم إبتعادكِ أنتِ كل تلك الفترة عدتما وكأنكما لم تنفصلا أبداً..."

صمتت قبل أن تضيف مازحة "كانت شوشو طوال الوقت تتحدث عنكِ. سَبنتي قالت، سَبنتي طلبت.. لدرجة أني شككت أنكِ تتواصلين معها، ولكني عدت أنفي بقوة, إذ أن شيماء برقتها وطيبتها من المستحيل أن تراقبني أتعذب وهي لديها خيط يوصلني لكم"

شحبت ملامح سَبنتي بقوة شاعرة بمغادرة كل ذرة دماء في وجهها، وهى تستدير سريعاً محاولة وضع كل ما تملك من ثبات في نبرتها وهي تقول "سأبحث عن مكان يبيع الماء, بينما تنهين تلك الجولة معه"

نظرت بدور بتعجب في أثر هروبها، بينما طعنة مؤلمة تخترق صدرها، تحاشتها بإصرار وهي تهمس دون صوت "هذا غير ممكن، لا تتبعي وسواس شر نفسكِ وتنبشي وراء أبواب من الرحمة أن تبقى مغلقة"





"ما بكِ متوترة؟!"

قالت مازحة "البقاء مع بدور لساعات وحدي مرهق جداً، لما لا تأتي وتشاركينا؟!"

ادّعت شيماء الذعر وهي تقول "هل أنتِ جادة، كادت أن تكشفكِ وأنتِ الأكثر قوة والأسرع بديهة، فتريدين حشرنا كلتانا معها باقي اليوم"

قالت سَبنتي برقة "توقفي عن وصفها وكأنها فزاعة.. لقد اكتشفت كم هي نقية ومسكينة تحت كتلة التظاهر بالغرور والجفاف تلك"

قالت شيماء بنبرة قاطعة "بدور أي شيء غير وصفها بمسكينة!"

"أنتِ محقة"

"أرى أن إعجابكِ القديم بها بدأ يطفو على السطح مرة أخرى"

أخذت سَبنتي نفساً عميقاً قبل أن تقول "ومن قال أني توقفت قط عن تمني أن أكون مثلها؟!"

"بالنسبة لي أنتِ أقوى بكثير يا سَبنتي"

زفرت مرة أخرى بهم ثم قالت بهدوء "هيا تعالي, أنتِ تحتاجين لتلك النزهة مثلنا كما أني أريد أن أفهم منكِ كل تفاصيل لقائكِ معه"

ارتبكت شيماء وهي تقول "لقد أخبرتكِ بكل شيء بالفعل"

قالت بمداعبة "كل شيء.. كل شيء.. حتى انهياركِ بين يديه كما تحطم الأحمق أمام دموعكِ؟!"

هتفت بحنق "الواشية مريم, كيف وصلتِ إليها يا داهية؟!"

ضحكت وهي تقول مدافعة "لا والله, لم أستطع بعد الوصول لقطعة الشوكولاتة البيضاء ولكن لديّ مصادر أخرى..!"

قالت شيماء بتشكك "لا مستحيل.. هل تتواصلين معه؟!"

"تعاليّ إلى العنوان الذي أرسلته لهاتفكِ.. وسأخبركِ"

هتفت فيها بغيظ "سَبنتي إن أغلقتِ الهاتف..."

قطعت جملتها وهي تسمع انقطاع الخط بالفعل, سبت بعنف وهي تهم بالمغادرة بحنق فتحت هاتفها وهي تتلمس الحروف المنقوشة بطريقة "بريل" مرسلة إياها لهاتف سائقها الخاص..

وعندما خرجت من المبنى منتظرة إياه أن يتقدم بالسيارة كالعادة لم تجده، بل جذبها إلى ذراعيه آخر شخص تريده في هذه اللحظة "خالد ما الذي تفعله هنا؟!"

قبل جبهتها بحنان قبل أن يقودها لسيارته وهو يقول "اشتقت إليكِ ولم نتحدث منذ وقت وحدنا وكنت قريب من هنا فخيرت نفسي لما لا تأتي إليكِ.. كيف حال عصفورتي؟!"

قالت بتعجل بينما يلاحظ التوتر على ملامحها "بخير، ولكن أحتاج لسائقي، يمكننا أن نؤجل اهتمامك الأخوي للغد"

قال بلوم وهو يفتح باب سيارته الخلفي "دائماً صريحة ومباشرة, أين أختي الصغرى التي كانت تخاف على مشاعري؟!"

قالت ساخرة "ذهبت مع الريح كما ذهب شيخنا!"

فور أن تموضعت في المقعد أتاها صوت لانا الرقيق وهي تقول "كيف حالكِ شوشو.. اشتقت لكِ؟!"

"تباً, هذا ما كان ينقصني" سخطًت دون صوت ثم قالت "كنت بخير حال حتى دقيقة سابقة"

مال خالد نحوها يهمس داخل أذنها بتحذير "كفّي عن تلبس دور الوقاحة، وتعاملي معها برقي!"

همست من بين أسنانها "على أساس انك اشتقت للحديث معي وحدنا؟!"

أغلق الباب بهدوء.. قبل أن يلتف محتل مقعده وقال "سنوصل لانا للمشفى ثم سنذهب سوياً للمنزل"

قالت شيماء سريعاً "أنا لا أريد أن أذهب للمنزل"

تقبضت يداه بتوتر لم تراه هي بالطبع ولكن عينا لانا المتابعة انفعاله بالألم كانت تلتقطها بوضوح وهو يقول بنبرة مكتومة "هل ستذهبين لبيت راشد؟!"

قالت بهدوء "لا, بل إلى مكان آخر أرغب بالذهاب إليه"

عبس ثم قال "إلى أين؟!"

"لا أستطيع إخبارك.. من الأفضل إن تتصل بسائقي وتخبره بالعودة لي"

تدخلت لانا وهي تقول بلطف "لماذا كل هذا العند شوشو؟ أخبري أخاكِ وهو سيوصلكِ بنفسه ويطمئن عليكِ"

ارتخت شيماء بمكانها ثم قالت بهدوء "ثقي بي يا لانا، الشخص الذي سأذهب للقائه آخر من تريدين معرفته"

أصرت وهي تقول بمنطق بحت "بالعكس سأرحب بمعرفته حتى نطمئن أنكِ في أمان نظراً لحالتكِ"

شحب وجه شيماء بقوة وهي تنكمش حول نفسها شاعرة بالضآلة وال...ضعف.. بينما سمعت صرخة خالد المحذرة "لانا انتبهي لكلامكِ"

توترت وشعرت بالحرج ثم قالت محاولة توضيح نفسها "لم أقصد.. أنا فقط.. أخاف عليها.. إذ أنها...!"

قاطعها وهو يقول من بين أسنانه بغضب ووجه آخر شرس لم تره منه قط طوال فترة علاقتها به "إياكِ حتى أن تجرؤي وتعيدي ذكر الأمر... إنها تعتني بنفسها أفضل من مئة مثلكِ طوال عمرها.. ومؤكد لا تنتظر قلبكِ المهتم نحوها"

ترقرقت الدموع في عيني لانا وهي تقول "هل تدرك ما تحاول قوله لي؟!"

أشاح بوجهه وهو يغلق عينيه مطلقاً استغفار بصوت عال ثم قال بجفاء "أخبرتكِ أن أخواتي خط أحمر لا تحاولي تخطيه أو التعامل معه بعقليتك الفذة بأي صورة"

لم تستطع التحلي بالعقل والمهادنة أكثر وهي تهتف في وجهه بغضب "انتبه لحديثك معي, اخبرتك أني لم أعني ما قلت بتلك الصورة"

تدخلت شيماء وهي تقول بصبر "هلّا توقفتما.. لا تعجبني تلك الحرارة الرهيبة المفاجئة بينكما, أفضل رؤيتكما كزوجين باردين فهذا يليق بكما أكثر"

التفت إليها الاثنان في وقت واحد ينظران إليها باستنكار فتابعت بهدوء "حسناً، تذكري أنكِ من طلبتِ أن أخبر أخي نظراً لحالتي... سأذهب لملاقاة سَبنتي في الملاهي"

هي بالتأكيد لم ترى شحوب وجه لانا وكأنه ألقي عليها أعنف اللعنات للتو... ولا توتر أخيها وهو يحاول بكل جهده السيطرة على ارتعاش يديه دون نجاح يذكر ولكن مؤكد سمعت بأذنيها المرهفة أنفاس لانا الناهتة وكأنها تحاول الصعود لقمة جبل عال ثم سقطت قبل حتى أن تصل لمنتصفه.. بينما أخوها.. حسناً.. هي لا تحتاج لسماع شيء لتفهم سر نبرته الخالية من الروح وهو يقول باقتضاب "سنوصل لانا في طريقنا.. ثم سآخذكِ إليها"

"لا" الرفض القاطع لم يخرج منها بالتأكيد ولكن من لانا التي لمعت عيناها بالتصميم والغضب وهي تكمل "سأذهب معكما.. أحتاج أنا الأخرى لتغيير الأجواء"

قال بهدوء مفتعل "أنا لن أبقى هناك يا لانا"

منحته ابتسامة رائعة يختفي خلفها الكثير من القهر وهي تقول "لا مشكلة, سأبقى أنا مع عائلتي الجديدة, لقد حان وقت مد جسور الود بيننا بشكل صحيح هذه المرة"

أمام تصميمها لم يستطع أن ينبس ببنت شفة في وجود شيماء على الأقل والتي عادت تسترخي في مقعدها بمنتهى الهدوء والتشبع كمن تناول لتوه طبق من القشطة،

"فلتحيا حبيبي إياب.. إذ أني أشعر بأن هذا الوقت المرح سيغير الكثير"



تواصلت مع بدور حتى وصلوا لمكانهم على وجه الدقة، ونظراً لخلو المكان نسبياً في هذا الوقت لم يكن من الصعب العثور عليها...

إذ وجدتها تجلس على أحد المقاعد الرخامية مواجهة للعبة سيارات الصدام وقفت بدور من مكانها ببطء والاستنكار ملئ قسماتها وهي تنظر لخالد ولانا اللذان يتبعا تقدم شيماء متجاورين، فور أن استقبلتها ماسكة بيدها سألت هامسة "لقد دعتكِ أنتِ فقط، ما الذي يفعله المستفز والعلقة هنا؟!"

كتمت شيماء ضحكتها وهي تهمس "فاجئاني أمام المدرسة وفور أن أخبرته بمقابلتي لسبنتي جن جنون خطيبته وأصرت على القدوم معنا"

قالت بدور بيأس "والله إن أخاك غبي أو عديم الرحمة لظهوره معها أمام سَبنتي!"

قالت شيماء بهدوء "الغضب لن يحل الوضع الحالي, لقد قُدِما وانتهى الأمر"

"لقد وعدتها بأن لا أجعلها تصطدم به مرة أخرى"

قالت شيماء ببعض التعقل "سيتقابلون وكثيراً يا بدور, يجب أن يجد جميع الأطراف حل مثالي للتعامل, ألستِ من قال أن المواجهة خير حل ؟!"

هزت رأسها وهي ترسم ابتسامة مجاملة ثم التفت نحوهما وهي تقول "مرحباً لانا، سعيدة برؤيتكِ"

مدت لانا يدها تبادلها السلام "وأنا أيضاً، كيف حال إياب؟!"

"بخير.. شكرا لسؤالكِ"

قالت وهي تبحث بعينيها في الجوار بتوتر واضح "أين هو أريد لقائه؟"

عادت للجلوس مكانها وهي تقول بنبرة عادية "مع سَبنتي، لقد أخذته ليكمل مرحه إذ أني استنفذت كل طاقتي"

صمتت قبل أن تنظر لعيني أخيها المتلهفة كمن يبحث عن شيء افتقده ويحتاج بقوة لأن يتأمله ولو للحظة واحدة مسروقة حتى يشبع فجوته الفارغة.. ثم قالت بنبرة ممطوطة مربكة إياه على حين غرة "يمكنك الذهاب الآن, خطيبتك في أمان معي يا خالد"

تمتم "آه بالتأكيد، أنا دخلت فقط للاطمئنان على وصولهما إليكِ..."

نظرت إليه بسخرية وهي تقول "حقاً؟!"

منحها نظرة تحذيرية قبل أن يستدير نحو لانا وهو يقول بلطف "أراكِ لاحقاً، بدور ستوصلكِ مكان ما تريدين قبل عودتهم للمنزل"

ابتسمت في وجهه بتصنع زائف، إذ أن داخلها ما زال يغلي من شجارهما غير المنتهي ولم يحاول حتى مراضاتها وتقديم اعتذار تستحقه بعد إهانته لها أمام أخته الصغرى..

بينما أشاحت بدور ممتعضة من جزمه بعرض هي لم تقدمه، وهل لانا حميدة تحتاج منه لتلك الحماية المبالغ فيها.. تستطيع أن تجري اتصال صغير ليرسل لها والدها أسطول من السيارات وليس واحدة.. تباً هذه الفتاة لا تترك له مجال حتى للتنفس منذ خطبتهما.. إذ أنها بحكم قربها القوي من خالد تعلم جيداً اتصالاتها بداعي وبدون داعي ليأخذها من هنا ويوصلها إلى هناك وكأنه تحول لسائق خاص بسيادتها...

استدار مرة أخرى يفحص المكان بتلكؤ قبل أن يهم بالمغادرة وكاد أن يفعل بكل صدق... ولكنه في لحظة تجمد مكانه وتحول لقطعة من الجمر، أو كبركان خامد قرر الانفجار فجأة مهدداً بحرق كل ما يحاوطه، نظراته تحدق بغضب.. بحرقة وهلع وغيرة عمياء، ذلك الجسد الأنثوي الذي يتقافز بمرح داخل قميص قطني واسع مطبوع على صدره شعار أحد الجامعات و يصل بالكاد أعلى فخذيها، بينما تحته ترتدي بنطال قصير من القماش اللاصق لا يغطي حتى أعلى ركبتيها ..هذا إن استطاع أن يطلق على هذا الشيء بنطال من الأساس إذ كاد يعدم وجوده.. هتف على الفور في وجه بدور بغضبه

"ما هذا؟ كيف وافقتِ على خروجها معكِ بهذه الملابس؟!"

رفعت بدور وجهها تنظر إليه ببرود وهي تقول "عفواً ومن أنتَ أو أنا لنعترض على تصرفاتها أو طريقة حياتها؟!"

أحس بوجهه يزداد احمرار إن كان يصلح أن يزيد غضبه الذي هز كيانه بالفعل وهو يقول بصوت خشن "دائماً ما كان لي كل الحق وحدي لأتحكم فيها"

وقفت بدور تضم يديها على صدرها ثم قالت بفظاظة "كنت يا ابن أبي ..وكان فعل ماضي قطع وانقطع قبل زمن ولم يعد له محل من الإعراب"

تدخلت شيماء وهي تهتف بشماتة "أحسنتِ يا بدور, معلوماتكِ في اللغة العربية دقيقة وواضحة ولا تحتاج أبداً للاختباء تحت ستار الكذب على النفس"

بينما كانت لانا تقلب نظراتها بينهم بقلب دامي، تحدق فيه دون اعتراض على غضبه وكأنها تحاول لمرة أخيرة تجميع خطوطه وترتيبها لتأخذ قراراً باتراً وصحيحاً.

هتف بخشونة "وكأنه ينقصني تضامنكِ المعتوه.."

ثم دون تردد كان يستدير متوجها إلى وقفتها هي وإياب على سياج حديدي لتلك اللعبة ...فهتفت بدور من خلفه بسخط "توقف، ولا تقدم على فعل أخرق, لا نحتاج للفت الانتباه!"

ولكنه لم يبالي وهو يصل إليها بخطوات واسعة.

استدارت بدور نحو لانا وهي تقول بعصبية "ألن تُبدي انزعاجكِ من هذا الوضع وتوقفيه عند حده؟!"

جاهدت للتماسك ويعلم الله وحده كم كلفها هذا الكثير من مشاعرها وأعصابها وهي تقول بتعقل "من حقه أن يبدي اعتراضه على وضع يراه غير مناسب قد يضر باسم عائلتنا"

نظرت إليها بلا معنى قبل أن تهمس بتهكم "عائلتكِ.. أتعلمين يا لانا لن أندهش إن دخل يوماً عليكِ وأخبركِ أنه سيستخدم حقه الشرعي ويتزوج عليكِ ..أنتِ ستتعاملين بكل عقل وحكمة للزوجة المطيعة و تخبرينه بموافقتكِ!"

رسمت ابتسامة مهتزة تخللها القهر فكادت أن تشعر نحوها بالأسى والتعاطف عندما قالت "هو ليس من هذا النوع، خالد يثبت بكل الطرق أنه رجل لامرأة واحدة"

تغافلت بدور عن الشجار الذي نشب خلفها وهي تقول "جروح القلب الغائرة علاجها الصحيح يكمن في ترميمها بعيدًا عن المتسبب فيها، قبل أن تنتهك روحكِ جاذبة إياكِ لطريق متعرج مظلم ليس منه عودة وبنهايته لن تجدي إلا الهلاك"

تشنج وجه لانا وقد أطل منه القهر والرفض للنصيحة من المرأة التي لم تتورع لحظة واحدة من قبل حتى خطبتها بأخيها أن تشهر في وجهها كل رفضها، بل واشمئزازها أحيانا ثم أخيراً أعادت تلك الدخيلة لعلاقتهما الوليدة قبل أن تنجح هي في حمايتها وتقويتها بكل السبل.. ثم ما لبثت أن قالت أخيراً ببرود "شكراً لنصيحة لا أحتاجها نحن على ما يرام وكل ما تحاولين دفعه لرأسي مجرد وهم يا بدور أنا أوعى من أن أصدقه!"

حسناً ماذا قال راشد مرة ساخراً منها؟؟ اه

(من يحمل قربة مثقوبة لن تنقط مائها إلا فوق رأسه)

عادت تلتف نحو شقيقتها التي تحاول أن تصفي الأصوات المتداخلة، لتستمع للشجار الدائر دون أمل.. ثم أمسكت يدها وهي تجلسها بجانبها وقالت بلا مبالاة "هل تريدين فشار, لديّ البعض منه سيحلى الجلسة, وأنا أصف لكِ المشهد"

قالت شيماء بلهفة فضولية "بالطبع, فهذا مشهد لن يتكرر بكل أسف ولا أريد تفويته!"

"أو ربما قد يفعل إذ أنه لن يصمد أمام فقده تحكمه ومكانته القديمة عندها "

قبل دقائق..

انتفضت مرة واحدة وهي تلتفت بصدمة نحو اليد الغاشمة التي التفت حول ذراعها مديرها بعنف بينما وجهه كان مركزا للغضب والحقد وهو يهدر دون تردد "ما الذي ترتدينه.. هل ظننتِ بعقلكِ المحدود أني سأوافق على تلك المهزلة؟!"

انمحت كل بهجة من وجهها وهي تحدق فيه بذهول فاقدة فصاحتها في الرد للحظة وهي تسمعه يتابع بتشنج "استديري أمامي الآن واصعدي لسيارتي دون اعتراض يا سَبنتي"

" ما الذى أتى بك الي هنا ؟!"

زمجر " من حسن حظى ، حتى أرى تلك المهزلة ...انجرى امامى. ، لأوصلكِ لمنزلكِ قبل أن أمزقكِ إرباً"



احتقن وجهها بغضب مماثل بينما استطاعت أن تتحرر أخيراً من. سكونها وهي تسأله "بأي صفة؟!"

أحس بناره تتعاظم داخله حتى ما عاد هناك متسعاً داخل صدره ليحتويها وهو يهدر "لا أحتاج لصفة لأعيد تهذيبكِ!"

أطلقت شهقة مستنكرة وهي تردد "تهذيبي!!"

هتف بصوت كان يتصاعد بهستيرية "نفذي ما قلته وإلا..."

أزاحت يده دون تردد إلى صدره بشراسة ثم كررت من بين أسنانها "ليس قبل أن تجيب على سؤالي ..بأي صفة؟!"

وكأن صفيحة من الماء البارد صبت فوق رأسه وهو يستوعب فحوى السؤال ..ازدرد ريقه وتفاحة آدم تتحرك في نحره وكأنها سكين تلم يشقه نصفين صعود وهبوط وهو يقول "أنا..."

قاطعته وهي تقول بصوت غير متزن "أنتَ لا أحد ولا تملك أي صفة ولا أي مكانة.. لقد تنازلت عنها بمحض إرادتك الحرة"

هتف بصوت أجش وكأنه يحاول النجاة من ورطة أوقع نفسه بها، وأقرت هي إياها للتو "ألا تكفي صفة ابن عمكِ؟!"

بوجه ثابت الانفعال وبصوت جامد خالي من المشاعر كانت تقول دون تردد "كلانا يعلم أنك لست ابن عمي .. في الواقع انا بلا انتماء .. ..لذا مالك أمري والذي يملك كل الحقوق ليبدي كل هذا الغضب المتصنع من قبلك هو راشد... لذا من الأفضل أن تستدير وتعود مكان ما كنت وحاول أن تتعلم التحكم في نفسك نحوي، من أجل كرامة زوجتكِ على الأقل"

انزاح كل غضبه جانباً وهو يقول باضطراب "سَبنتي.. أنا لن أسمح باستمرار تلك المهزلة.. من الأفضل للجميع أن تنفذي ما قلته!"

نفخت بملل قبل أن تحمل إياب بهدوء على ذراعيها ثم خاطبته بمرح "دورنا أتى أخيراً هل ستكون كالعادة رجل قوي وتحميني إذ أني أخاف من تلك اللعبة!"

قال خالد من بين أسنانه "عندما أحدثكِ لا تتجنبيني!"

قالت وهي تهز رأسها بيأس: "خالد أنا لا أتجنبك كما تعتقد, بل لا أراكِ من الأساس.. بالإذن منك"

اقترب أكثر وهو ينوى جذبها من ذراعها مستخدما الإجبار إن كان لم يفلح معها الطلب بلطف، وما لم يتوقعه أن توقفه يد إياب وهو يقول بحماية وغيرة ذكرته بنفسه قديماً "لا تلمس أختي مرة أخرى وابتعد قبل أن أخبر أبي بكل شيء"

"سَبنتي" نطق بحنق

لم تعره أدنى اهتمام وهي تتقدم شارعة تذكرة مرورها نحو الشاب الذي أخذها بلطف زائد عن الحد بل ورافقها إلى أحد العربات وهو يتجاذب أطراف الحديث معها والذي رحبت به هي بكل رقة ...أنه ببساطة كان يحترق بنيرانه لقد تركته مكمود باشتعال لا هو قادر على تحريرها لتحرق المكان بمن فيه ولا يجد السبيل يوماً لإطفائها... ورغم كل ما يعاني كانت عينيه تجوب في المكان المخصص بتقييم ليدرك على حين غرة أن هناك بالفعل بعض الشباب يقف متلهف ليشارك تلك العنيدة المتهورة لعبة التصادم.. حسناً يا سَبنتي، القليل من استخدام قدراتي لن يضر ولكن سيعكر مزاجكِ..

بعد ربع ساعة انتظار في مكانها داخل اللعبة أوشكت على أن تنفجر من الغيظ وهي تلاحظ خلو المكان من الركاب.. بل كانت وحدها عادى عن وجه الشاب الذي ينظر إليها بسخط غير مفهوم وكأنه قيد بشيء ما، وعجز أن يتقدم نحوها يقدم مجاملته اللطيفة كما كان يفعل قبل ظهور المزعج في المكان...

ثم أتاها أخيراً صوته عن بعد وهو يشيح بوجهه عنها "هل أنتم مستعدين، رجاء الالتزام بإجراءات السلامة سأشغل اللعبة الآن"

نقلت نظراتها بدهشة مرة أخرى بين المنتظرين الذين تفوح منهم عبارات الاعتراض وبين الباب الحديدي الصغير الذي أغلق بأقفال بينما أحد العاملين الذي وضح من ملابسه أنه أعلى سلطة من الشاب يقول "نعتذر ولكن المكان حجز بالسابق طوال اليوم لشخصين فقط!"

انهال السباب والتهديد بالشكوى بينما اندفع ذلك الرجل نحو الجموع الغاضبة يعدهم بتعويض مناسب بل وإرجاع القيمة المالية لتذكرة الشاملة لكل فرد منهم.

فغرت فمها بذهول بينما تدفع السيارة على التحرك دون تركيز يذكر، ثم دون مزيد من الجهل كان يطل عليها وجهه الغاضب من خلف السياج وهو يحرك شفتيه دون صوت "وقت ممتع ابقي وحدكِ مقدار الوقت الذي تريدينه، سيدة... ما صفتك؟!"

"هل تقولين أنه دفع تقريبا لكل شخص متواجد هنا اليوم من أجل أن لا يخالطها أحد ويحتك بسيارة الاصطدام خاصتها؟!"

همست شيماء بذهول لبدور التي تقص عليها كل شاردة وواردة باستمتاع شديد وكأنه فيلم سينمائي لأحد الأبطال ذو الجاذبية وسوء الطباع والأخلاق في آنٍ واحد.

لم ترد بدور بشيء بل نقلت نظراتها المراقبة نحو لانا التي لم يرف لها جفن واحد عن مراقبته بعينين كالزجاج المهشم ويمتلئان بدموع مهددة بالسقوط في أي لحظة.. أطرقت بوجهها شاعرة بالأسى نحوها بما جنته يديها، إذ أنها ليست حجر أو مجردة من الإنسانية لتشمت فيها لهذا الحد، لقد جربت من قبل تلك الطعنة الغادرة حتى وإن اختلفت الصورة كليًا!

زفرت وهي تقول مخاطبة إياها "تعالي يا لانا وأريحي ساقيكِ, إياب لن ينتهي من مرحه في وقت قريب"

رمشت بعينيها وهي تنظر إليها بصرخة موجوعة دون صوت محاولة حجب دموعها بعيداً ثم قالت "تقصدين أخوكِ لن ينتهي من لعب دور حامي الفتيات الخارجات عن السيطرة قريباً؟!"

قالت بدور بهدوء بينما تضغط على يد شيماء المتحفزة في علامة على أن تلتزم بالصمت "ليس من حقكِ اتهامه بشيء كما تلمحين كانت تجهل حدوثه، أعتقد أنكِ تعرفين سَبنتي جيداً لتفهمي أنها تتصرف بعفوية مطلقة، كما أن تنقلها بين بريطانيا وهنا ثم سفرها خلال الأربعة أعوام الماضية يجبرها للأسف على التطبع ببعض التصرفات العفوية في نظرها والمرفوضة من جانبنا"

سخرت لانا "وإن كنتِ عاقلة لهذا الحد, لماذا لم تنصحيها أنتِ مذكرة إياها برفضكم لعفويتها المقرفة؟!"

قالت بدور بنبرة باردة "لن أرد عليكِ بما سيؤلمكِ إذ أني أتفهم تماماً غيرتكِ عليه، لنكن واضحين إن لم يبدي خالد كل هذا الجنون أنتِ لن تبدي أي اهتمام بها، ولن تطلقي على مظهرها القرف.. رغم أني سأذكر جيداً أن سَبنتي تلتزم جداً في طريقة ملبسها وأن اليوم استثناء لا أكثر"

"الالتزام لا يقبل التجزئة يا بدور، إما أن تحتشمي دون مبررات عقيمة أو لا.. الأمر بسيط جداً"

"سَبنتي ليست محجبة، كما أني لم أخبركِ أنها تدعي شيء لم تصل للقناعة به بعد.. وكما أخبرت خطيبكِ إن كان ولي أمرها لا يبدي اعتراض على طريقتها لا أحد يملك حق التدخل وإن وجب النصيحة بهدوء دون تطرف"

جلست لانا بجانبها تنظر نحوه بنوع من الشرود قبل أن تقول بتردد "لطالما كانت عائلتكم لغز أحاول فكه، إذ أن كل فرد منكم لا يشبه الآخر في التصرفات الخارجية على الأقل، فمثلاً السيدة منى ونوة محجبات، بينما شذى رغم حشمتها الشديدة لم تلحق بهن كما شيماء، أما أنتِ... أمم حسناً.."

حدقت فيها بنظرة متلاعبة ثم قالت "هل تنتقضينني أنا الآن محاولة اتهامي بالمنظر المقرف؟!"

هتفت لانا سريعا باختناق "لا والله لم أقصد, كل ما عنيته أني أجد تركيبتكم غريبة فكيف لمنزل واحد أن يخرج هذا الكم من الاختلاف.. حتى وإن صنفت الرجال فخالد على سبيل المثال مختلف تمامًا عن أبناء عمومته بل أستطيع القول دون مبالغة مختلف عن جميع من قابلتهم من شباب وسطنا"

قالت بصوت اجش دون المزيد من محاولة مراوغاتها "سأخبركِ جملة قالها أبي قديماً ولم أفهمها إلا قريباً، نحن مجرد نموذج صغير لبشر تعيش في مجتمع أكبر، لا أحد فينا يشبه الآخر كل إنسان يحمل طباعه وأيدولوجيته الخاصة التي ولد بها، ثم اكتسب مجموعة من الأفكار متأثر بالبيئة المحيطة، وطورها هو من منظوره الخاص لتناسب طباعه فخلقت كيان وشخصية مختلفة تماماً عن غيره، وبالنهاية أن نحاول احترام وجهة نظر كل واحد فينا ونتعايش بسلام دون اتهامات ودون أحكام مسبقة، أو نستمر في جلد بعضنا يتهم كل واحد منا الآخر لمجرد اختلافه عنه ببشاعة القول ونخلق فجوة كبيرة نقف على فهوتها لتلتهمنا تباعاً مدمرة كل محيطنا!"

سألت بتردد "وهل نجحتم؟!"

أطلقت زفرة حارقة وهي تقول بحزن "ما زلنا نعافر محطمين في طريقنا الكثير ولكن بت أكثر إيماناً الآن بأننا سنصل لهذا السلام يوماً"

......



قطع تجاذبهن أطراف الحديث اندفاع إياب نحوها وهو يمد يديه في دعوة ان تحمله فإستقبلته بلهفه وحنان وهى تضمه اليها سريعاً وهى تقول "مرحباً حبيبي، هل استمعت ؟!"

قال بعبوس حانق :"لا، ذلك الرجل افسد اللعبة وأصبحت ممله كما انه أزعج ماما ،هلاّ أمرتيه ان يبتعد عنها !"

أدارت رأسها نحو وقفتهما التي تنشر طاقة غضب سلبيه في المكان موضحه ان شجارهما لم ينتهى ، وقفت من مكانها متوجهة اليهما ناوية فض هذا النزاع وركل خالد دون تردد بعيداً ان لزم الامر بينما كانت تلاحظ كما تسمع بوضوح سر نشوب العراك مرة أخرى .. اذ ان كان خالد خلع سترته الصفوية ماداً إياها نحوها وهو يقول بنفاذ صبر وكأنه يقاوم نفسه بصعوبة ان لا يرطم رأسها في اقرب جدار كما كان يتوعدها دائماً قديماً

"كفى غباءاً، وخذى السترة ولفيها حول خصرك ؟!"

رفعت كفيها بتصلب نحو السماء وهى تقول "الصبر يا الله على تلك المصيبة ، ما الذى لا تستوعبه في قولي اتركنى وشأنى ؟انتَ شخص غريباً كلياً عنى لتبدى كل هذا ..هذا ..."

تدخلت بدور وهى تصل اليهما ثم قالت "الجنون،التطرف ،او عدم الاتزان ورجاحة العقل لتستوعب ان زوجتك المستقبليه تُجرَح الان وهى تراقب هذا العرض "

ازدادت أنفاسه عنفاً ويده تتكور فتنقبض بقوة على تلك السترة ،مكافحاً افكاره العنيفه وتجنب النظر الى لانا وهو يقول بريقٍ جاف

"ان لانا تفهمنى جيداً وتعلم ان الامر ليس به اى شيء يدعو لجرح احد ، انا فقط اتصرف بما يمليه علىّ واجبي !"

وضعت سَبنتي سبابتها على وجنتها بينما باقي أناملها تحت ذقنها تنظر اليه كمن يراقب شخصاً يهذى ثم قالت

"ان إياب محق ،لقد اصبح الامر ممل كما الأجواء امتلأت بالغبار الخانق فجاءة لذا نحن سنغادر !"

قالت بدور بنبرة عادية "موافقه ، هيا امامى سنأخذ شيماء ونرحل ، اما هو سيوصل خطيبته على امل ان يعتذر منها للعبه دور الفتى الشرير خشن الطباع مع حريمه !"

لم يبالي مطلقاً وهو يكرر ببرود "لن تتحرك من هنا خطوة واحده قبل ان تضع تلك السترة حول خصرها !"

قفزت من مكانها على قدم واحده بفقدان سيطرة وهى تصرخ في وجهه "انتَ جننت اقسم انك فقدت عقلك حتى لا تستوعب كل ما أخبرتك إياه !"

لم تتغير ملامحه الباردة وهو يكرر ماداً يده نحوها"السترة ان تكرمتِ الان ؟!"

جذبتها منه بغل شديد ثم انصرفت من امامه والشياطين تلاحقها لاعبه في عقلها بمفتاح صلب ان تستدير نحوه نابشه بأسنانها الحادة في تلك اليد المستفزة حتى تدميها ..

بينما عنفته بدور وهى تهمس بفجاجة"ما مشكلتك تحديداً ؟حقاً انهما مجرد ساقين ذهبيتين !"

ارتد رأسه بعنف بينما ارتجفت كل عضلة فيه وهو يهمس بصدمة:

"ماذا تقولين؟!"

نفخت في وجهه بملل قبل ان تكرر بفطاظة

"كما سمعت . كما سمعت مجرد ساقين جاذبيتين ذهبيتين وملفوفتين بتناغم شهى ، وجميلتان جداً بالمناسبة ....لا تقل ان هذا ما يربك شيخنا،غض بصرك يا اخ خالد ان تكرمت !"

ثم تركته خلفها كومة من الرماد نافضه يديها من ذنبه بينما هو اخذ يحدق في أثرهن لوهله بذهول ثم همس "اللعنة عليكن مجموعة من المعاتيه فاقدات العقل !"

شعر برأسه ينفجر كالمفرقعات النارية وهو يراقبها تربط كمى سترته حول خصرها الدقيق ليهبط لاسفل مزيد مظهرها البسيط اغراء ... اللعنة علي غبائك .. واللعنة عليها هي الأخرى.. متى أصبحت سَبنتى جميلة شهية لهذا الحد ..وناضجة حد انه لم يعد يشعر بأى ذنب ان تخيلها في اكثر أحلامه انحراف ..

..................................

يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 06:10 PM   #2320

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الفصل الثانى الثلاثون


اروع ما في حبنا أنه ليس له عقل ولا منطق اجمل ما في حبنا أنه يمشي على الماء ولا يغرق. - نزار قباني



كانت تتسم الرحلة القصيرة للوصول للسيارة بالصمت التام من الجميع ..وكأن كل واحد منهم لا يجد ما يقوله بعد ما حدث..

نفذت بدور ما وعدت به بالطبع رافضة عرض خالد أن يصطحب شيماء برفقته كما أتت...

تفرقت جمعتهم أخيراً لتتنفس سَبنتي الصعداء سامحة لضعفها أن يظهر، لغضبها أن يتصاعد بينما تهمس بنبرة ميتة "ما الذي يريده مني؟؟ ألم يكتفي بعد؟!"

قالت بدور بشعور بالذنب "لا أعرف يا سَبنتي, أصبحت أجهله كُلياً مؤخراً.. أنا حقاً آسفة لم أقصد أن أفسد يومك"

ابتسمت باهتزاز وهي تقول "لا داعي لاعتذاركِ, لم يكن ذنبكِ هذه المرة"

أدارت بدور محرك السيارة وهي تمنحها نظرات متقطعة يشوبها بعض الاضطراب قبل أن تسأل بتقطع "هل ما زلتِ تحب... أعني ذلك التعلق القديم، أنا أسفة حقاً ولكنكِ تفهمين ما أقصد"

"لا.. بالطبع لا بالكاد كنت أتذكره هناك" همست بنبرة تدرجت ما بين الدفاع الشديد حتى تحولت لبحة بكاء مكتوم..

شعرت بيد شيماء تربت على كتفها في مؤازرة تمنحها القوة للثبات.. بينما قالت بدور بتهكم مؤلم مواري للحقيقة المعكوسة لجملتها "إذاً أنتِ نجحت فيما أنا نجحت فيه, بالتأكيد تخطينا الوهم, أليس كذلك؟!"

تنهدت بصوتٍ عالي في محاولة لإخراج حرقتها بعيداً عن صدرها... دون أن تحاول الرد..

"ماما" التفتا ليجيبا مناداته قبل أن تعود بدور لتركز في طريقها ولهفتها تخبو بعيداً تاركة لسَبنتي المجال للرد "نعم حبيبي!"

سأل بأدب "أنا جائع, هل يمكننا أكل البيتزا؟!"

قالت سَبنتي بهدوء "عندما نصل للمنزل سنطلب وجبة ضخمة, ما رأيك؟"

"لا, أنا أريد أن آكل الآن!"

بحثت بدور سريعاً عن مخرج من الطريق ثم قالت بمرح "أنتَ فقط تأمر سيد إياب, أنا سأدعوك على البيتزا حالاً!"

صفق بيديه وهو يهتف بسعادة "أنتِ أفضل صديقة حصلت عليها!"

شرعت في تجاذب الحديث معه وهي تسأل بمرح "وهل هن كثر؟!"

رفع يده يعدد بطفولية لذيذة وقال "معلمتي للقرآن وسبنتي وبابا، وصديقى في مدرستي.. وأنتِ"

"أوه يبدو أن جدولك كان مشغول جداً، ولكن بالنظر للشيء الجيد أنا أفضلهن"

"أصبحت كذلك منذ أن أعدتني لبابا"

ارتعش جانب فكها دون أن تعلق بينما سؤال الحسرة الأناني يشتعل في عقلها "ماذا لو لم يحرمني منكَ؟ ألم يكن كل هذا التعلق لي وحدي؟!"

هزت رأسها رافضة التفكير بهذا الشكل في الوقت الحالي إذ أن ضميرها يحتم عليها الاعتراف رغم رفض كل خلية فيها لهذا الإقرار..

راشد قد فعل ما كانت تنوي هي فعله معه بالضبط.. وبالنهاية لم يخسر أحد في ذلك النزاع الدامي غير صغيرها...؟!!!



عندما دخلت المطعم لم تتفاجأ بأخيها الذي تبعها فهزت رأسها بيأس وهي تنقل نظراتها بينه وبين لانا التي ما زالت تحافظ على ثباتها وصمتها ...تقدمها خالد وهو يتوجه نحو مكانٍ معزول في المطعم الشهير.. تحدث لبرهة مع أحد الموظفين قبل أن يقول بهدوء "لقد حجزت تلك الصالة بأكملها"

قالت بدور بحنق "ألا تجد نفسك تبالغ قليلاً؟!"

قال بهدوء "ليست أول مرة يا بدور إنه فعل اعتيادي سواء في عشاء عمل أو دعوة عائلية وحتى تكونوا على راحتكم بالطبع"

عادت سَبنتي وشيماء وإياب من دورة المياه بعد أن غسلوا أيديهم ووجوههم مجددين نشاطهم قليلاً... واحتل كل واحد مقعده بروتينية ..هن بجانب بعضهن بينما ترأس هو المائدة تجاوره لانا... بعد التقليب الممل المعتاد في القائمة.. قالت بدور "ليس لها داعي, إياب يريد تناول البيتزا وأنا سأشارك صديقي الصغير"

اومأ خالد باسماً ثم قال "وأنتِ شيماء؟"

قالت بلا اهتمام "أي شيء.. لن تفرق"

بنفس الابتسامة الواسعة كان يقول للانا برفق "وأنتِ عزيزتي؟!"

منحته أجمل ابتسامة قابلت بها أحدهم يوماً بينما يتبدد كل حزنها في لحظة وهي تقول "سلطة خضراء وشريحة لحم مشوية"

وقف من مكانه فأمسكت يده بقوة وهي ترمق الأخرى بطرف عينيها بنظرة مخفية ثم قالت برقة "هل يمكنك أن تجعله يعجل بالمشروبات، أشعر بالعطش حبيبي"

ارتبك للحظة دون أن يحاول بأي صورة النظر لمن تجلس في آخر الطاولة محاولة التخفي تقريبا "بالطبع دقيقة وسيكون هنا"

صمت قبل أن يضيف "سأخبرهم بطلباتكم في طريقي للحمام حتى لا يزعجكم أحد"

لم يحاول أن يسألها مثلهم، لم يعنيها بسؤال كرره على الجميع قاصداً متعمداً للتعامل مع وجودها وكأنها لا شيء كما هتفت في وجهه قبل ساعة!

نظرت بدور في أثره بذهول يخالطه الغضب بينما همست شيماء بحنق "لا أصدق وقاحته ..ماذا عن سَبنتي؟!"

ادعت لانا الحزن وهي تقول بنبرة من حقق نصره أخيراً "أوه عزيزتي, كيف لم ينتبه لكِ؟ سأذهب بنفسي إليه في الحال ألومه على عدم ملاحظتكِ؟!"

أغلقت عينيها بقوة وبتعب غير راغبة في نشوب أي حرب كلامية.. مسدت رقبتها بكفها وهي تنهي ذلك السخط والشماتة بينهن "لا مشكلة يا لانا, بكِ الخير حبيبتي، سأشارك إياب وجبته كعادتنا"

قالت لانا باستنكار "لا, هذا لا يمكن, لن أرضى بهذا!"

خاطبت سَبنتي بدور بإعياء بسبب هذا الكم الهائل من الضغط خلال ساعات قليلة "من فضلكِ أخبري زوجة أخيكِ أن تتوقف, ليس لي أي رغبة في التسبب بشجار بينهما ليس له أي داعي"

قالت لانا بهدوء " أنتِ لن تصلى يوماً لأى درجة ولو صغيرة ...قد تمكنك من نشوب أي خلاف بيننا !"

قالت سَبنتى بهدوء بارد " أذن توقفى عن دورك الدفاعى ..عن ارتعادك رعب وتعلق في ذراعه ... لا داعى للذعر على زوجك فأنتم في أمان تام؟!"

هتفت شيماء على الفور ببرود "تقصدين خطيبته!"

ها وكأنها تفرق "عزيزتي وحبيبي!" سخرت سَبنتى بمرارة بينما تعجز أن تفسر هذه المرة ذلك الألم الذي يحتل كل دواخلها ..إذ أنها لن تتمكن من العثور على كلمات تفي مشاعرها المغدورة... حقها في الوصف...

سمعت صوت لانا يقول ببرود معتاد "لن تفرق كثيراً شيماء, على كل حال يجب أن يقتنع الجميع بأني من اختارها بمحض إرادته وأني هنا الأساس والطرف الحقيقي في تلك المعادلة.. وأن أي شخص يحاول التفريق بيننا وصنع المكائد هو مجرد دخيل عديم الضمير وخراب بيوت!"

عندما همت شيماء بمقارعتها أوقفتها بدور وهي تفرك وجهها بتعب ثم قالت "وقت مستقطع، اللعنة عليكم جميعاً وهو أولكم، لقد حولتم وقتي الوحيد السعيد مع ابني منذ عودته لي إلى كارثة وشجار وغيرة نسائية بينما الطرف المعني سيدة لانا بكل مصداقية لا يهتم مطلقاً بعريس الغفلة خاصتك فهل تكرمتِ وشيماء بغلق فمكما وإلا سأغلقه أنا بطريقتي وبكل ضمير أيضاً أخبركن أنها لن تعجب أحد"

كتمت شيماء فمها على مضض، بينما شمخت لانا برأسها ترمقها بتعالي لم يخلُ من الامتعاض..

"بدور تقول كلمات عيب.. كما أخبرتني معلمتي!"

همس إياب داخل أذن سَبنتي التي أسندته بيدها وهي تقول بتآمر "لقد أخبرتك أنها مجنونة لم تصدقني، هل رأيت أني أفضل صديقة ، فأنا لا أسب أبداً"

همس مرة أخرى وهو يقول بذكاء "بل تفعلين عندما تتشاجرين مع بابا، أو تنشغلين بهاتفكِ وتسبين أحد الأشخاص دائماً وصفاه بالتخلف"

ضيقت ما بين عينيها وهي تلوي ملامح وجهها في حركة سخيفة مرحة ثم قالت "هل كنت تراني.. ياااال العار أين أخبئ وجهي منك الآن؟!"

ضحك بقوة رداً على جملتها وحركتها تلك مما جذب انتباه بدور التي كانت تراقبهما بالطبع فقالت مداعبة "على ماذا تتآمران؟!"

تحول إياب إليها ثم قال بمشاكسة "هل أخبرها بسرنا؟!"

دغدغت بطنه بأناملها ناشرة بهجته في قلب محبيه وهى تقول بصوت طفولي "إن فعلت لا مزيد من النزه السرية ولا السهر من خلف ظهر بابا تحت غطاء فراشي وبالطبع لن أشاركك الحلوى السرية خاصتي"

أخرج لسانه من بين قهقهته ثم قال "رفيقتي الجديدة ستفعل, لقد وعدتني بتحقيق أي شيء أريده ..أخبريها بدور"

كورت سَبنتي شفتيها مدعية الحزن ثم قالت وهي تعتدل ضامة ذراعيها لصدرها "أنا لن اتحدث معك مرة أخرى, لقد بعت كل ما بيننا لأنها فقط أجمل النساء, هذا غير عادل بالمرة!"

تحرر إياب من ذراع بدور الحامي ثم طوق رقبة سَبنتي وهو يقول بحزن "لا، ماما أنتِ أختي المفضلة أيضاً, أنا كنت أمزح معكِ لا تغضبي"

سخرت لانا وهي تراقب المشهد ثم همست محركة شفتيها

"كما أنتِ، أفعال طفولية عابثة وبراءة زائفة تخبئ بين طياتها الكثير من اللؤم والخبث لتسرقي ما لم يكن لكِ يوماً!"

سمعتها تقول مرة أخرى "حمداً لله أني ما زلت أختك المفضلة"

صمتت قبل أن تقول "ولا أنا لست غاضبة بل في الواقع سعيدة مثلك تماما بصديقتنا الجديدة"

قالت بدور بهدوء "وأنا أيضاً لم أعد حزينة بعلاقتكِ الوثيقة به.. بل لديّ أمل يزدهر بأني سأصل إليه يوماً برابط لن ينفره أبداً، أو ينفصل عنه"

هزت كتفيها بمرح ثم قالت "مؤكد أنك ستفعلين فأنا أخته المفضلة، ما زال عقل صغيري ينبش عن فؤاد والدته ليوجه لها كل طاقة حبه وحنانه الذي تتوق إليه"

عندما عاد خالد إلى الطاولة كان يدعي انشغاله في الهاتف وهو يقول "ألم يصل الطعام بعد؟"

لم ترد عليه إحداهن فقط لانا التي قالت "ليس بعد, أين اختفيت أنتَ كل هذا الوقت؟!"

"كانت معي مكالمة عمل"

فركت لانا يدها بتوتر فوق الطاولة مسترعية انتباهه عندما قال "هل حدث شيء؟!"

نفت سريعاً "لا حبيبي، ولكن..!!"

صمتت مرة أخرى ووجهها يتورد بالخجل فحثها أن تكمل "ولكن ماذا؟!"

همست بتوتر "أعلم أن التوقيت ما زال غير مناسب ولكن مهندسة الديكور الخاصة ببيتنا ..اتصلت بي مراراً لتأخذ رأينا في بعض التفاصيل غير الواضحة إليها ولم أعرف بماذا أخبرها؟"

قال بصوت باهت وهو يقاوم انسحاب الدماء من وجهه "سنناقش الأمر لاحقاً, كما قلتِ التوقيت ليس مناسب ولا المكان يا لانا"

للمرة الثانية كانت ترمقها من طرف جفونها وهي تشيح بوجهها بعيدًا مخبئة مشاعرها، بينما أناملها تمسد جانب عنقها بتوتر تحت شعرها القصير المنسدل على كتفيها.. هل من العدل أن تشعر بالتشفي فيها، فلتجرب إذاً حرقتها وهي تراقب غيرته المجنونة عليها..

أسبلت لانا جفنيها أخيراً شاعرة بالألم غير المحتمل، لم تكن للغيرة أو حتى الحب دخل فيه على الإطلاق بل هو وجع الإحساس أنك تهوي للأسفل فالأسفل ..فاقداً نفسك ومبادئك مع جزء كبير من كرامتك من أجل ماذا؟؟ السراب أو التمسك بقرارات عقلية بحتة لتحصل على المناسب بالضبط، المرتب له بعناية من قبل والديها كما كانت كل حياتها في بيت الدمى خاصتها..

عاطفة بقرارات عقل بل قلب.. هي انسلاخ الروح من الجسد، تفارقك بعيداً لتتركك تتخبط في دوامة ليس لها قرار..

تقدم إلى الطاولة أخيراً نادلين يحملان أطباق الطعام ثم تقدما يرصان ما بين أيديهما بهدوء، قالت شيماء مازحة كاسرة حدة الصمت التي حلت بينهم "حمداً لله، لقد كنت بدأت اشعر بالشبع من المشروبات والمقبلات التي قدمت منذ نصف ساعة أو أكثر!"

اعتذر النادل بلطف قبل أن يشير إليه خالد بالانصراف وهو يضع طبق لانا أمامها.. بينما جذبت بدور أحد الأطباق وهي تضعه أمام إياب بينما ترفع الغطاء الذي يحفظ سخونة الطعام "وأخيرا بيتزا إياب الخاصة!" خبت نبرتها ببطء وهي ترفع عينيها كألف طلقة نحوه.. خالد....

بينما إياب قال بتذمر "تلك ليست بيتزا!"

قالت من بين أسنانها "آسفة حبيبي, أخطأت مؤكد هذا طبق شوشو!"

اهتزت عضلة في وجه خالد بينما يتخطى وجه بدور لينظر إليها مباشرة وهو يقول بجمود "لا... بل للبقة, لقد جهز من أجلها خصيصاً كما تفضل تناوله"

شحبت ملامح سَبنتى وهي تشيح بعينيها التي ما عادت تقدر على حجب دموعها أكثر وهي تغطي فمها بأحد يديها ثم تتقبل بصمت تام، دفع بدور الطبق نحوها... رفعت شوكتها تضعها هناك وهي تحدق في المكونات... صلصة قليلة و خضروات متنوعة مع أربع أنواع جبن مختلفة وأعواد باستا مقصوصة بعناية!

قدم طبق شيماء أمامها ببطء وهو يقول دون أن ينظر إليها مرة أخرى "المقص المستخدم نظيف ومعقم لذا تستطيعين تناول طعامكِ دون قلق!"

للحظة كل ما أرادته لانا وهي تلمح طبق الباستا خاصته المشابه للآخر أن تقفز عليه وتمزق وجهه بأظافرها كراهيةً للكذبة السخيفة التي ما زال يدعيها وورطها فيها دون ذنب ظالماً إياها إلا إنها حتى وهي معمية بالقهر كان هناك صوت صارخ داخل عقلها يخبرها أنها من وافقت من البداية على ارتباطها برجل كانت تعلم بحبه لأخرى في الماضي، أوهمت نفسها بكذبته وأنه نسيها ..أنها الأولى والأخيرة بينما هي في الحقيقة المغفلة الوحيدة هنا.. تهان وتخان علناً في مشاعرها دون قدرة لها على الصراخ الاعتراض أو إيقافه عند حده.. ليتها ما أصرت واستفزت شيماء.. ليتها تجنبت هذا العذاب، لولاها هي ولولا تصرفها الطفولي المتعجرف ما كانت رأت كل هذا ..بل ما كان هو تصادم معها بالأساس!

رفعت رأسها أخيراً بجهد كبير ترسم ابتسامتها المزيفة وهي تقول "أشعر بالسخف الشديد الآن لغضبي منه معتقدة أنه نسيك كما اتهمته.. بينما هو يذكر الكثير يا بقة!"

لم تحاول سَبنتى النظر اليها والدفاع عن نفسها ...

بينما امتقع وجهه وهو يقول مفسرا متحاشياً عن اتهام سَبنتي إياه "إنها بعض العادات لا أكثر ..أتذكر أنها لا تحب تناول الطعام بالخارج إلا في أطباق محدودة!"

قالت لانا بلهجة لاذعة "بالطبع حبيبي فأنت دائماً تأخذ دور الفارس المغوار بكل جدية حتى في عدم نسيان أدق تفاصيل من يهمونك؟!"

صمتت.. هل تسأله الآن عن طبقها هي المفضل وتذبح نفسها بسكين تلم أمامهم؟ مؤكد ستلتزم بالدور الذي رسم لها بدقة.. فتاة مناسبة وعاقلة، خالية من النزق الأنثوي الذي يبغضه.. عروس باردة كما وصفتها تلك الحقيرة يوماً..

وقفت بدور من مكانها ببطء ثم قالت وهي ترمي فوطة المائدة بقرف "سَبنتي هل بإمكانكِ القدوم معي للحمام؟!"

كانت شاحبة.. عيناها غائرتان في محجرهما وهي تهمس دون تركيز "لا أريد الذهاب الآن"

جذبتها بدور من ذراعها دون تردد ثم قالت بلطف زائف "من فضلكِ، أريد إصلاح شيء في ملابسي وأحتاجكِ لتراقبي المكان"

عندما وصلتا للباب, دفعتها بدور أمامها ثم فتشت سريعاً متأكدة من خلوه لحسن الحظ ثم عادت لتغلق الباب سريعاً ..وقفت سَبنتي أمامها وهي تضم ذراعيها على صدرها تحدق فيها بجمود وسألتها "ماذا هناك.. هل جن جنونكِ في أحد حالاتكِ الغريبة مرة أخرى؟!"

أمرتها بتسلط صارم "ابكي"

تجمدت مكانها ..عيناها واسعتان وهي تحدق فيها مذهولة وبشحوب تام "ماذا؟!"

تقدمت بدور نحوها كوحش شرس يحاصر فريسته الضعيفة في الزاوية ثم قالت "ابكي.. امنحكِ المجال لتفرغي شحنتكِ هنا والآن قبل أن تذلي نفسكِ وتنفجري أمام عديم الرحمة والضمير الذي بالخارج ...ابكي يا سَبنتي كما تنهارين في غرفتكِ ويراقبكِ ابني بعجز أن يكفكف دمعك أو يشفي ألمكِ كما أخبرني..!"

حركت رأسها يميناً ويساراً بينما تتراجع بظهرها للخلف وهي تقول من بين قطراتها التي تساقطت مدرارًا على وجنتيها "لا.. لا.. مستحيل أن أفعل"

تقدمت بدور نحوها مرة أخرى بينما تتحول ملامحها الرخامية للوجع الصافي ثم قالت "هيا ابكي كما كنت أفعل أنا طوال خمس سنوات فور أن أغلق باب غرفتي واختلي بروحي المجروحة... ابكي وانعي قلبكِ البائس وحظكِ العاثر الذي أوقعكِ في الشخص الخاطئ ووقفتِ على مفترق طرق لا أنتِ قادرة على التقدم ولا تملكي رفاهية التراجع!"

أفلتت منها شهقة ضائعة وهي ما زالت تهز رأسها يميناً ويساراً بالرفض.. بينما ترفع كلا كفيها متضامنين كاتمة بهما فمها بقوة "ابكي فهذا كل ما نجيده نحن النساء.. في مجتمع يصم أذنيه بإصرار عن صرخاتنا المطالبة بالرحمة والعدل"

كانت وصلت إليها لتنعدم المسافة بينهما تنظر داخل حدقتيها الهلعتين التي تجمعت فيهما كل مشاعر الوجع ..ثم انفجر كل شيء مرة واحدة وهي ترتمي داخل ذراعيها تصيبها بالصدمة لوهلة, بالعجز عن التعامل مع الأمر حتى انصهر كل شيء مرة واحدة.. تمسكت سَبنتي بصدرها كالغريق الذي يتشبث بريشة أمل في النجاة

"لقد لمسها أمامي.. تودد لها على مسامعي.. صرخ بها لوالدتكِ أنها الفتاة الوحيدة التي رغبها بكل كيانه امرأته المناسبة.. وماذا عني أنا يا بدور؟! ماذا عن ضمه لي وهو يناديني حبيبتي؟! لقد وعدني بالوفاء الأبدي ..أن أكون جزءاً منه وحلالاً له بينما يخذلني ويبعثر قلبي وهو يخطبها هي في نفس الليلة التي وعدني بها.. لقد حقق وعده مع أخرى.. أنا لم أخنه, لم أبعه أبداً.. أربع سنوات انتظرت، أعيش على ملامحه المطبوعة في فؤادي، أضم نفسي لنفسي وأعيش في وهم تذكر ضمه هو ..ألجأ إليه وأبثه شكواي وألمي ...أرفض أن أمنح غيره ولو نظرة.. إذ أني ملكه وحلاله ذلك الخائن.. الكاذب... ال...!"

صمتت كما انفجرت فجأة في حديثها غير المرتب على الإطلاق.. بينما كان جسدها الضئيل ينتفض مختضاً بعنف بين ذراعيها المحيطة بها فتحثها أكثر على عناقها أقوى وأقوى متمنية أن تجد أي قوة سحرية لتخفف عنها ذلك الألم غير المحتمل "ما زلتِ صغيرة جداً لتحملي كل هذا يا شقية..!"

شهقتها المكتومة على صدرها كانت تخرج متقطعة مشحونة بجحيم يعتمل داخل قلب الدعسوقة البريء.. كيف لها أن تتحمل؟!"

بكت بدور معها وهي تحني رأسها دافنة إياها في كتفها.. بينما تحرك ذراعها على ظهرها دافعة إياها أكثر فأكثر..

همست بنبرة بحت من شدة القهر بينما لم تتوقف عن الانتفاض لحظة واحدة "لقد ذبحني.. لقد راهنت الجميع عليه وخذلني، لقد كنت أثق فيه أكثر من نفسي حتى.. لماذا فعل هذا بي؟ ما جريمتي ليعذبني؟ انا لم أفعل شيء استحق عليه أن يدوس على قلبي، لقد كان خالد كل شيء لي.. كل شيء.. بينما أنا كنت لا شيء له"

"هششش.. أعرف، صدقيني أفهم ذلك الإحساس البشع, إفاقتك فجأة من غمامة خادعة لتجدي نفسكِ كطائر مسكين قصّ جناحيه وحبس داخل قفص ذهبي بنيّ من الوهم وتُرِكَ ليواجه مصيره المحتوم"



أمام منزل راشد كان ظلام الليل قد أسدل ستاره أخيراً معلناً عن انتهاء يوماً كان أبشع من أن تصفه...

فتحت سبنتي باب السيارة وهبطت منها دون تبادل أي حديث, فكل شيء بعد انفجارها في البكاء بين ذراعيها أصبح صعباً عليها لتتعايش معه.. حتى عندما سحبتها بدور متسللتين خارج المطعم دون أن تعودا لمكان تواجده لم تحاول الاعتراض.. إذ أنها كانت وما زالت في حالة من الهشاشة والضياع لأن تراه مرة أخرى و تتعامل مع صورته مع أخرى... كانت بدور قد هاتفت شيماء بالفعل لأن تأتي بإياب، متلمسة طريقها للخارج بهدوء دون لفت انتباهه لتسللهم.. وإن كانت سمعت أيضاً كلمات متفرقة، لم تحتاج جهد لأن تربطها مع بعضها لتفهم أن بدور هددته تقريباً أن يتجرأ ويلحق بهم أو يقترب مرة أخرى من محيطها...

همست شيماء عندما فتحت الباب الخلفي لتأخذ إياب تسألها باهتمام "هل ستكونين بخير؟!"

"أبداً.. لن أكون" صرخ صوت بشع بداخلها ولكنها استبدلته بالقول الهادئ "بالطبع لا تقلقي عليّ, سأنتظركِ غداً بعد أن أعود من الجامعة"

ثم مدت يديها في دعوة وهي تقول "هيا حبيبي, بابا ينتظرنا بالداخل"

لاحظت تردد الفتى وكأنه يصارع بين رغبتين بداخله.. مفتقداً كالعادة مشاعر لا يفهمها حتى.. مقارناً بين بقائه كما أخبرها صباحاً مع بدور وبين اندفاعه لداخل المنزل لملاقاة والده..

كانت بدور قد ترجلت من السيارة ووقفت خلفها وهي تنظر لإياب الذي لم يتحرك من مكانه وملتزم الصمت فسألته "هل ستبقى معي كما وعدتني؟!"

لم يرد إياب وهو ينظر نحو سَبنتي وكأنه كالعادة ينتظر منها أن تجعله يفقه ما يريده حقيقة فقالت برقة "بدور أخبرتني أنها تفتقد الحديث معك، وضمك إليها وأنتَ نائم، ما رأيك أن تمنح صديقتك رغبتها وأعدك أن بابا سيسعد بالأمر"

قال بخفوت "ولكن أنا أشتاق لأبي!!"

قالت بدور بلهفة وهي تتقدم سَبنتي برقة، ثم تمد أناملها نحو وجهه تمررها برفق "أعدك أن أعيدك غداً، فقط الليلة ابقى معي!"

قال ببراءة "ولماذا لا تبقي أنتِ معي؟!"

اضطربت وهي تقول بتوتر "لأنه ليس منزلي!"

عبس وهو يقول "وهذا منزلي... وأنا أبقى في منزلك والأصدقاء يمكنهم أن يزوروا بعضهم في منازلهم كما كنت أفعل مع أصدقائي في بيتي القديم"

مجرد الفكرة وطلبه البريء كان يبث نار حارقة داخل صدرها.. عاجزة عن فهم سر ذلك القهر الذي بثه لها ..وهي غير قادرة على إخباره برد مناسب "أنا ..أنا كبيرة وهذا لا يجوز.. هناك أشياء لن تفهمها!"

"أنا ذكي جدا كما يقول بابا.. أخبريني وسأفهم"

اعتدلت تمرر يدها على جبهتها بتوتر ثم قالت "هل هو دائم الجدال هكذا؟!"

توسعت عيناها وهي تلاحظ أخيراً وقوف راشد خلف ظهر سَبنتي واضعاً يديه في جيبي بنطاله وهو يراقبها بابتسامة استمتاع مستفزة ثم قال بصوت رخيم "لقد أخبرتكِ، إياب ليس بالطفل سهل الإقناع على وجه الإطلاق.. يذكرني بأحدهم في طفولته"

هزت رأسها ..دون أن تنظر إليه ثم قالت بصوت باهت "أعتقد أنك تقصد سَبنتي.. فمن الواضح أني كنت ملاك سهل التعامل بجانبه"

رفع حاجبيه مدعياً الدهشة وابتسامته تتوسع مدعياً الصدمة وهو يقول "حقاً.. وأنا من ظننت العكس تمامًا، أنتِ كنتِ جبارة يا بدور، أشفق بحق على الفتى المسكين من ميراثه منكِ"

ابتعدت سَبنتي خطوة ثم قالت "أشتمّ رائحة شجار ..وأنا اكتفيت حقاً اليوم.. تصبحان على خير ورجاءً إن حاول أحدكما قتل الآخر فابتعدا عن أخي المسكين"

أخرج راشد يده فاتحاً ذراعيه فاندفعت نحوه سريعًا فضمها إليه بحنان وهو ينحني بجذعه لتقبل وجنته ثم همست "ليلة سعيدة"

"ألن تنتظريني لنتحدث سوياً عن يومكِ؟!"

قالت بابتسامة مجهدة "أحتاج لأن أنام"

أفلتت نفسها متقدمة على الفور مختفية داخل المنزل.. وقبل أن يعود ينظر لبدور والتي كانت تشيح بوجهها غامض الانفعال ..كانت شيماء تهبط سريعاً وهي تقول "هل يمكنني البقاء الليلة معها؟!"

عبس وهو يقول "ومنذ متى احتجت للسؤال؟!"

قالت بهدوء "منذ أن حرمتني منها وقررت أن تنهي كل الروابط الأسرية فغدرت بكل فرد فينا"

تصلب جسد راشد كما خلا وجهه من التعبير وهو يقول باقتضاب "إذن هناك شخص آخر غير خالد وجب عليّ الاعتذار منه"

تحركت تنبش بعصاها الطريق أمامها ثم قالت بفظاظة "اعتذار غير مقبول على الإطلاق, وإن كنت للأسف الشديد ما زلت أحبك واطمئن لعودتك وتواجدك بيننا.. تصبح على خير وكما قالت صديقتي حاول أن لا تستفزها لقتلكِ أخيراً.. فإياب وسبنتي ما زالا يحتاجانك!"

كان حاجبيه قد لامسا مقدمة رأسه الآن وهو يحدق فيها بذهول ..ثم أشار بأصابعه وهو يردد بصدمة "هل من شتمتني تقريباً هي عصفورة الراوي الهشة؟!"

قالت بدور ببرود "لا وجود للعصافير إلا داخل رأسك ..فأن جميع أفراد هذه العائلة لديهم مخالب وإن اختلف مكان تواجدها ووقت إعلانهم عنها"

اقترب راشد خطوة متلقياً ولده الذي قفز تقريبًا من ورائها حاسماً قراره بأنه يشتاق لأبيه..

"وأنتِ متى ستشرعين مخالبكِ وتحاسبيني على ما كان؟!"

"العتاب يعني أنك ما زلت تملك شيئاً بداخلي فأحتاج لمحاسبتك والانفجار فيك ربما بعدها اقتنع بغباء مبرراتك.. لقد وقعت في هذا الخطأ من قبل ومؤكد لن أكرره إذ أنك ما عدت تفرق معي!"

بادل إياب عناقه كالعادة مستمعاً بصبر لكل هدر إياب الذي انفجر في وجهه ..بينما ينظر إليها من تحت جفونه بسخرية تامة...

حتى توقف عند تلون نبرة إياب بالغضب وهو يهمس "وذلك الرجل أزعج سَبنتي كثيراً وأمسكها هكذا..." مد كفه يمسك في كتف أبيه بقوة وهو يصر على أسنانه محاولا أن يمنحه صورة لما رآه... ثم قال بعدها

"ولكن أنا منعته وطلبت من بدور أن تبعده عنها"

الغضب سكن عينيه وهو ينظر لبدور قبل أن يقول مزمجراً "وهل أبعدته؟!"

"نعم، لقد غضبت عليه وأيضاً قالت كلمة سيئة ولكنه يستحقها.. أليس كذلك؟!"

قال ببعض الهدوء مخاطباً بدور "يستحق أكثر من هذا.. يبدو أنه لن يتوقف حتى أضعه عند حده بنفسي هذه المرة"

صمتت بدور للحظات قبل أن تقول بهدوء "لأول مرة اتفق معك ..احمي طفلتك بما تراه مناسب, لا أحد يملك حق لومك لهذا"

أنزل إياب على الأرض ثم قال "حتى الآن أتعامل معه ببعض التعقل متفهماً تخبطه الواضح في مشاعره ..ولكن إن آذاها مرة أخرى.. أنا...!"

صمت وهو يغرز أنامله في شعره بعنف ثم قال "أجد صعوبة في معاقبة خالد حقاً ولكن كل العلاقات والمشاعر تنتهي عندها هي و إياب"

لم تقل أي شيء بل سحبت إياب من يده برفق ثم رفعته ضامة إياه إليها وهي تخاطبه محايلة "لقد رأيت أباك, ألن تأتي معي كما وعدت؟!"

فهم دون حاجة لقول المزيد أنها تمضى في طريق واحد معه ولن تحيد عنه, هدنة باردة لكسب ابنها فقط..

فاقترب يداعب رأس إياب وهو بين ذراعيها ثم قال

"هل يمكنك فعل هذا من أجلي ..إن بدور تحتاجك وألحت في الطلب وليس من التهذيب أن ترفضها؟!"



أسند إياب رأسه على صدرها ثم احتضن كتفيها متشبثاً فيها وأومأ بأدب دون مزيد من الجدال ..هل كل ما يحتاجه هو جملة بسيطة لا تعني شيء مطلقاً من أبيه؟!

ابتلعت ريقها بألم دون أن تحاول حجب عينيها عن عينيه هذه المرة ثم حركت شفتيها غير قادرة على كتمان مشاعرها "أنا أكرهك"

قال بتهكم "وما الجديد, أنتِ تفعلين منذ تسع سنوات"

منحته نظرة قاسية باردة ..باردة للغاية قبل أن تشيح بجسدها بعيدًا عنه معيدة إياب لمكانه بالمقعد الخلفي للسيارة ثم أغلقت الباب وهي تتوجه بصمت نحو مقعد السائق...

كان يحتاج للمزيد معها ..أن تطيل تواجدها بأي صورة حتى يُخرِج كلاهما من تلك البقعة الجليدية... وبقدر رغبته تلك بقدر ما كان هو الآخر يكرهها بالقدر ذاته.. يكرهها لإيقاف حياته حتى نسيَ نفسه و نسي كيف يعيش كرجل طبيعي له حاجاته ورغباته.. نسيَ أن يمضي قدماً ويتحرر من تنفسها مع كل ذرة هواء تدخل صدره ...قال بمكر "إن المحامي سيأتي غداً ليبلغ الجميع بوصية والدكِ الحقيقية بعد أن تنافت الحاجة للمهزلة السابقة ...لقد ناقشت خالد بالفعل في أمور العمل وانتهينا من ترتيب كل شيء تقريباً ولم يتبقى إلا إعلان موافقتكِ أنتِ"

التفتت إليه بحدة ثم هتفت بغضب أعمى بصيرتها "أي مهزلة التي انتهت وأنتَ ستتواجد معي في مكان واحد بل.. وتملك تقرير مصيري؟!"

قال بهدوء "أنتِ تزورين الحقائق, لقد نصّ الشرط حرفياً على تراجعي في حالة رفضك"

هتفت في وجهه بسخط "بل إن رفضت أنتَ الزواج ووجدت نفسك اكتفيت مني سيلغي شرطه، أي عدم رحمة أو عدالة بهذا، أنا من اشمئز منك وأكره رؤيتك, أقرف من ذكر حتى اسمك إن مر على عقلي صدفة ..وبالنهاية يترك هو وصية ملعونة تمنحني لك على طبق من ذهب ولك حرية تقبلي أو دفعي بعيدًا"

اقترب منها خطوة ثم قال بنبرة قاسية "ربما لأنه يعلم أنكِ مجرد كاذبة، يقودكِ الحقد وعمى البصيرة, لا تري أبعد من أنفكِ ...لقد أراد عمي مخرجاً لعذابكِ مدة تسعة أعوام، عاجزاً عن تخطي تجربتك معي ..رغب بكل كيانه أن يربط ابني الذي ظًلِمَ بأفعالكِ وهو مجرد لفافة صغيرة كان كل ما يحتاج إليه أن يحصل على أمه وأبيه في بيت واحد... كان إياب يستحق ذلك!"

صرخت كالمجنونة "مهلاً.. مهلاً.. وكأني أنا من خطفته بعيداً وأنكرت عليه معرفته بأمه.. أنا الأنانية الجانية لحرمان ابني من كل لحظة كان يستحق فيها حمايتي وحناني... أيها الحقير المجرم.. نذل مريض.. اللعنة عليك وعليه هو الآخر في قبره.. كيف تجرُآن؟"

كانت انفعالاتها تتصاعد بنوع من الهستيرية وهي ترفع يدها تضربه على صدره بعنف مع كل كلمة تنطق بها..

حاوطت أنامله معصميها مانعها من الاستمرار ومسيطراً عليها بسهولة ثم قال بنبرة ميتة "بالضبط.. أنا مريض ومجرم ولكن أنتِ من تركته مع والدتكِ يبكي باحثاً عن صدر أمه التي ذهبت لتتزوج من آخر... ربما أنا الحقير بالفعل مثل أي رجل قذر تجره رغباته وتعميه عن أناس هم قطعة من روحه وجزء من دمائه, ولكنكِ أيضاً الأم التي ضحت به وأدخلته في حرب انتقامية بين رجلان لم يكونا يستحقان لحظة واحدة تقضيها بجانب ابنكِ.. نعم اختطفته وهربت به بعيداً عن نفسكِ المشوهة المريضة التي كانت تحطم كل من حولها وأولهم أنتِ ...وإن عاد الزمن وقمتِ أنتِ بنفس أفعالكِ كنت لأحرمكِ منه ألف مرة يا بدور"

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تهز رأسها بهستيرية "ما كنت لأؤذيه.. لا.. لا.. هذا غير صحيح ..أنا توقفت عندما ضممته إليّ.... أنا...."

قاطعها بسخرية قاسية "أنتِ ماذا.. رفضتِ تصديقي وقطعتِ يدي التي مددتها بتوسل لكِ كي ترحمي ضعفي نحو ابني.. أنا فعلت بالضبط ما قمت به أنتِ أولاً.. لست أنا من كان يبحث عن رفع قضية لحرماني من ولدي"

"أيها الحقير ..ما زلت تصدق نفسك، أنت من كنت الجاني الأول، أنت وحدك من..."

"خنتكِ.. تركتكِ بعيداً ورحلت ثم عدت اركع تحت قدميكِ لتغفري لي وماذا فعلتِ أنتِ بالمقابل؟ هل أحتاج لتذكيركِ بينما ابننا ينظر إلينا خائفاً الآن؟"

الشيء الجيد الوحيد في هذا الرجل أنه دائماً ينتبه لأدق التفاصيل إذ أنها للحظة غفلت عن رؤية إياب.. وهما...

كنت تنتفض ومعصميها ما زالا معلقان بين يديه حتى وهي تقول بقهر "كل مبرراتك باهتة عقيمة ..وأنتَ تفهم هذا جيداً.. كل شيء في الدنيا يمكن غفرانه إلا أن تفصل أم عن ولدها، نحري بإياب لن أغفره لك أبداً.. كما لن يرحمك الله من عقابه في الآخرة.. أنا لن أسامحك على ما فعلته بالماضي وما تحاول تقييدي به الآن في وجود ابني"

قال من بين أسنانه بغضب وانتشاء في الوقت ذاته من مواجهته القصيرة التي أشعل خلالها أول الخيط الذي سرعان من سيلتهم بعضه لتنفجر بمواجهة تليق بها وتكون فيها بكل استعدادها وعتادها لمحاربته ..ربما بعدها يستطيع كل واحد منهما أخذ حقه من الآخر ليمضي قدماً في حياته متحرراً بشكل حقيقي من حلقته النارية التي كشف وهم وزيف خروجه منها...

"وهذا هو الفرق بيننا أني دائماً أتلقى عقابي برحابة صدر .. اعترف بذنوبي بشجاعة لا تملكينها ..لقد حطمت السنونو البريء بخيانتي.. نعم فعلت و ندمت وما زلت نادم.. اخطأت في أخذ ابنكِ منكِ نعم أيضاً فعلت.. ولكني غير نادم وأنا من لن يسامحكِ أبداً لحرمان ابني من حقه فيكِ.. من كل لحظاته التي مرت وهو يبحث عنكِ دون أن يجدكِ حوله.. لن أغفر لكِ دموع ابني وهو يسألني لماذا لا يملك أم كباقي الأطفال؟ أنتِ تعذبتِ وماذا عنه وعني؟!"

رفعت قدمها تركل قصبة ساقه بهستيرية وهي تصرخ فيه

"ولماذا لم تخبره.. لما لم تعرفه بي حتى وإن أخبرته أني احترقت أو مت، أي شيء غير أن يعود كارهني غير معترف بي.. أي شيء إلا حزنه وهو يكرر مراراً أمام أولاد أختي أنه لا يملك أم مثلهم.. اللعنة عليك.. اللعنة عليك.. أنا أكرهك.. أكرهك.. أكرهك.."

ابتعد عنها محررها أخيراً راحماً نفسه من قسوة قربها.. دون أن يملك الحق في ضمها إليه وسحقها فوق صدره.. وفي لمح البصر تلبس قناعه البارد المتحكم وهو يقول بصرامة "كرهكِ نوع من المشاعر ..ومرة أخرى أدرك مدى نجاحي في أن أذيب قمة جبل الجليد الذي تخبئين حممكِ تحتها .. تكرهينني ربما، تتجنبيني وتتلبسين ثوب الحضارة والتعقل معي فأنتِ مجرد كاذبة فاشلة"

راقب وجهها الذي استحال لونه إلى لون الرخام بينما بدت مضطربة مشتتة التركيز، متخبطة في إيجاد ما تخبره به...

"انتبهي لإياب جيداً ..أو مرحباً بكِ إن أردت أن تبقي الليلة في منزلي" نطق مرة أخرى ببساطة مستفزة...

لم ترد ليس لعجز هذه المرة ولكنِ اكتفاء.. إذ أنها أدركت في هذه اللحظة أن الصمت أحياناً قد يكون أبلغ رد على متجبر مثله..

كما أنها وللوجع ترغب بكل كيانها أن تهرب بابنها قبل أن يتمكن منه الذعر ويستبدلها باللجوء إليه..

فتحت باب سيارتها ثم احتلت المقعد محركة السيارة...

عاد هو واقترب ثم قال بهدوء شديد.. هدوء عاصف "إن الجميع سيعلم بالغد أنكِ من رفضتِ العودة إليّ وأنكِ من ملكتِ حق تقرير مصيرنا بينما أنا كنت أرغب في تلك الفرصة... ثم سنُجدد كل شيء في العمل مرة أخرى ونعيده لطبيعته ونغلق تلك الصفحة إلى الأبد"

رفعت إليه عينان علقت فيهما لمعة دموع بينما كانت كل ملامحها التي تحاول أن تتماسك تنتفض دون انفعال "هل ما زلت تظن أن هذا الموقف الشهم سيمحنك أي تميز؟؟ أنت مجرد وغد يا راشد" همست بخفوت شديد بنبرة شابهت مشرط حاد مرر داخل صدره..

ادخل رأسه داخل السيارة ينظر لإياب من خلف ظهرها وهو يمنحه ابتسامة مطمئنة ثم همس بهدوء "آخر ما أرغبه لعب دور البطولة, ولكنِ أيضاً لن أسمح بأن يتسرب أي خبر أنه تم رفضكِ من قِبَلِي وبوصية من والدكِ، إن ألسنة الجاهلين لا ترحم سيسارعون في إطلاق شائعات قاسية... ومن أجل إياب سأفعل أي شيء مثلكِ لحمايتكما!"

اعتدل مرة أخرى عندما اطمئن لاستقرار ابنه الذي بدت عليه بوادر النعاس بالفعل ...ثم قال وهو يقرب وجهه من وجهها ببطء وتأني حتى شعرت بأنفاسه تضرب وجنتها وجانب نحرها "ولا, ليس هناك شهامة, ولكن أنا لن أكذب مرة أخرى ..أنتِ من رفضتِ العودة ..بينما أنا تمنيت أن أنفذ وصية عمي بكل حذافيرها يا حجر الصوان!"

تقبضت يدها بعنف على المقود بينما تفغر فمها وكأنها تجد صعوبة بالتنفس.. تشعر بتقلص رئتيها وفروغهما من الهواء تحرك مبتعداً وهو يغلق باب السيارة أخيراً قبل أن يقول "قودي بتهمل ..سأتبعكِ حتى اطمئن لوصول إياب بأمان معكِ!"



كان كالعادة شارداً في عالم خاص جداً، أدركت الآن بوضوح لا يقبل الشك .. أنه عالم يجمعه مع الأخرى..

بينما هي كانت ببساطة محبوسة داخل دوامة ليس لها قرار من الوجع... أفكارها تعصف داخل رأسها مهددة بالانفجار في أي لحظة ..ما الذي تفعله بنفسها؟ ماذا تبقى من مبررات لإثبات فشل تلك العلاقة التي قبلت بها؟ هل أذنبت يوم أن أعجبت بشاب يناسبها؟ هل أجرمت يوم أن تمنت رجل كل ما فيه يتطابق مع فتى أحلامها؟ إنها ليست الشريرة هنا.. فهي لم تختطفه من زوجة أو خطيبة .. هي لم تذنب عندما قبلت برجل طلب يدها بنفسه مخبرها عن انتهاء قصة كئيبة قبل أن تبدأ حتى.. ألم يكن هو بذاته من ردد بأنه لم يحب يوماً؟ هي فقط وثقت في وعده القاطع وكلماته المنمقة ..هي اختارت بكامل إرادتها أن تستمع لنصيحة والديها منذ أعوام طويلة، ساندته و وقفت بجانبه لم تتركه بينما الأخرى من اختارت التخلي عنه والهرب...

" ماذا الذي أفعله بنفسي؟!"

دفنت وجهها داخل كفيها حاجبة لحظات انهيارها، تشتتها وغضبها الذي وجهته كاملا لنفسها قبله.. نعم هي تشعر بالغدر والخيانة إذ أنها التزمت بجانبها من ذلك الرابط وحاولت أن تنجح وتنجو به بكل عزمها ..بينما هو لم ينطق إلا بالأكاذيب ولم يحاول أن يبذل أي جهد ليتحرر من طيف سَبنتي!

"هل أنتِ بخير؟!" أدركت أنه أوقف السيارة داخل أسوار منزلها..

رفعت وجهها تنظر إليه بمرارة.. ثم قالت "بخير حبيبي، شكراً لانتباهك لي أخيراً"

قال بهدوء "أنا معكِ منذ منتصف النهار.. متى بالضبط لم أوليكِ اهتمامي؟"

نظرت له بعينيها السوداوين العميقتين تتفحص ملامحه بتحدي قبل أن تقول "هل يمكنك مرافقتي لباب المنزل, أشعر بأني لست على ما يرام؟!"

ترجل من السيارة على الفور كما فعلت هي ثم اقتربت تمشى بجانبه، بتروي حتى وقفت وهي تستدير إليه ثم سألته بغتة "هل تحبني؟!"

توتر فمه وهو يقول "بالطبع.. ومن يقاوم الإعجاب بفتاة مثلكِ؟!"

كان هدوءها يتلاشى شيئاً فشيئا حتى ظهر الغضب بالنهاية وهي تهتف من بين أسنانها "لم أسألك عن الإعجاب.. هل تحبني يا خالد؟ الإجابة بسيطة وواضحة نعم ..أم لا؟!"

قال على الفور وبدون تردد "وعدتكِ بأني سأفعل بعد الزواج"

راقب نيران الغضب تشتعل داخل عينيها وهي تقول "وماذا عن الآن ..الإعجاب وحده لا يكفي ..لا يكفي!"

هز كتفيه وهو يقول ببرود "أذكر أنكِ من قلتِ أن الزواج الناجح يعتمد على العقل فقط.. على الاختيار الدقيق والمناسب وأنا وافقت ووعدتكِ بأنه بعد العقل سيأتي الحب وتكونين المرأة الأخيرة التي تسكن قلبي"

أطلقت شهقة مستنكرة ثم هتفت "قبل أسابيع كنت الأولى والأخيرة.. ماذا حدث لذلك الوعد؟"

اضطرب خالد بينما يشيح بوجه بعيداً متحاشياً النظر إليها.. ماذا قد يخبرها؟ أنه أدرك كم هو حقير كاذب.. أقر لنفسه ممزقاً أنه أصبح كل ما كان يهرب منه يوماً... مجرد رجل خائن لوعوده محطماً لقلب فتاة ليس لها ذنب..

قال أخيراً بنبرة مكتومة "كل هذا لا يهم يا لانا ..طالما زواجنا سيكتمل أنا لن أتخلى عنكِ ولن أوجعك بالغدر أبداً"

أطرقت بوجهها وهي تهزه يميناً ويساراً بالرفض.. ثم قالت "لم أعد اكتفي بالمنطق، لا أستطيع التظاهر ومنحك ما يناسبك، أنا أحتاج للعاطفة التي أسمع عنها.. أرغب أن أرى داخل عينيك لهفة الخاطبين وأنت رغم كل شيء ورغم كل مبادئك لا تستطيع أن تقاوم لمس يدي وتتلهف لسماع صوتي ورؤيتي"

استدار وهو يقول بغضب "نحن مع بعضنا كل يوم تقريباً.. كما أني أخبرتكِ بأني لن أتخطى الحدود يوماً طالما أنكِ لستِ زوجتي، لم ابتعد عن كل المحرمات طوال عمري لأقع فيها الآن"

"وماذا عنها؟ أرى أنك تفعل الكثير متناسياً نفسك وعالمك" صرخت في وجهه جعلته يتوتر مرة أخرى وهو يقول "أنتَ تتوهمين.. أنا لم أقترب من سَبنتي يوماً.."

يكذب.. يعلم جيداً أنه يكذب وسيحترق بالجحيم يوماً سيدفع عقاب ما فعله، في الآخرة كما يدفعه الآن بحرمانه منها ..إنه يكذب.. إذ أن دفء جسدها الضئيل لم يغادر صدره أبداً... يكذب.. إذ أنه لم يتخلص مطلقاً من ملمس الحرير لشفتيها عندما قبلها مرة معمياً بغضبه، مدفوعاً بغله لمعاقبتها...

"قبلني يا خالد"

قفز للوراء كمن لدغه ثعبان كوبرا لتوه وهو يحدق فيها بذهول.. غير مستوعب لما طلبته..

اقتربت لانا منه خطوة حتى كادت أن تلامس قماش قميصه ورفعت عينيها المليئتين بالدموع نحوه وهي تقول بتوسل ألا يهدم المتبقي منها برفضه.. وهو عرف ولاحظ اهتزازها وضعفها إنها تضعه داخل اختبار حقيقي..

"إن كنت صادق في وعدكِ لي فقبلني والآن يا خالد!"

*********

انتهى

قراءة سعيدة


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.