آخر 10 مشاركات
الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          أنفاس أحمد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : سامراء النيل - )           »          52 - خداع المرايا - أجاثا كريستي (الكاتـب : فرح - )           »          ربما .. يوما ما * مميزة و مكتملة * (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رواية البوليس السري - سيلينا دولارو (الكاتـب : ahmad2006771 - )           »          الرواية الثانية بقلمي..أسألك الرحيلا.. *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : sweettara - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          [تحميل]ليالي.. الوجه الآخر للعاشق / للكاتبة رحاب ابراهيم ، مصرية ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-04-20, 11:25 PM   #2611

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7


الفصل الرابع والثلاثون

كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً.. فإنَّ قلبي دائماً غفورُ

اغضب!

فلنْ أجيبَ بالتحدّي..

فأنتَ طفلٌ عابثٌ.. يملؤهُ الغرورُ..

وكيفَ من صغارها تنتقمُ الطيورُ؟

نزار قباني

************

كان يجلس منذ ساعات في أحد اجتماعات الغرفة التجارية الذي يرأسه أحد وكلاء الوزارة أو الوزير بحد ذاته في كثير من الأحيان، زفر أنفاسه بعد نهايته وأخذ يرتب أوراقه من جديد، وبالكاد استطاع أن يخرج فالتقط هاتفه وأخذ يقلب فيه لثوانٍ حتى رأى مكالمتها... ضغط على زر الرسالة المسجلة على الفور وسمع حديثها القصير مع إحداهن، أحس بقلبه يخفق بقوة وكأنه يكاد يقفز من بين أضلعه وبعقله ينصهر داخل رأسه وعُمِيَت عينيه باللون الأحمر المخيف و ذلك لا يعني إلا شيء واحد.. شحذ مخالب نمر الراوي الساكن في الحالات العادية ليقفز فجأة من مكانه بهدف واحد لا غيره.. الفتك وسفك دماء كل من تجرأ واقترب من أبنائه...

لحظات بالكاد هي لحظات ما قطعها وهو يركض نحو سيارته يضع الموقع الذي أرسلته أمامه ويجري اتصال سريع بكل رجاله أن يتبعوه..

وهمس متوعداً: "لقد انتهوا هم وذويهم لا محالة، إن وجدت إصبع واحد منهم قد وضع على ابنتي!"

************

كل خلية في جسدها كانت ترتجف بالذعر تقلب عينيها بينهم وهي تجلس بركبتيها على الرمال الحارة وصوت مروان القميء يأمرها بتشفي بشع "هيا اركعي يا حلوة قبل أن أفقئ هذه العين التي تجرأت ونظرت لي بترفع.. ثم سأنتقل لتلك اليد التي..."

لم يكمل جملته وهو يتذكر صفعتها التي أحطت كثيراً من قدره أمام زملائه.. اقترب منها بدون تردد وصفع وجهها مرة تعقبها أخرى... فصرخت كما كانت تفعل منذ جرها من سيارتها.. صرخت باسم واحد ترجو النجدة..

"اركعي يا ابنة الراوي"

توقفت صرخاتها حتى وإن لم يتوقف ارتجافها خوفاً..

"أبداً.." نطقت من بين أسنانها بنبرة جازمة لم يخطئ الكبرياء فيها.

جذب شعرها بعنف فأطلقت زمجرة ألم وهي تراه يرفع يده بتلك العتلة الحديدية وبدون تردد يهبط بها على إحدى ذراعيها التي يمسكانها صديقيه...

"أنتَ وقّعت لتوك على ورقة موتك... سيقضي عليك رجال الراوي لا محالة!"

ابتسم بتشفي وهو يراها تحاول أن تخفض رأسها ألماً، تتأوه بصوت مكتوم من شدة الوجع، لم يكف عن جذب خصلاتها حتى شعرت أنه سيقتلعها من منبتها... ثم نطق بصوت هزته نشوة الانتصار "وهذا ما كنت أنتظره بالضبط يا عاهرة، لذا أمامنا يوم طويل.. أنتِ ونحن!"

"جبان" هتفت من بين شهقاتها المتوجعة

لم يرد بالكلمات على الأقل.. بل كور قبضته ثم هبط مرة واحده على بطنها.. وهوى مرات ومرات على معدتها بكل ما يملك من قوة..

كتمت ببأس صراختها إذ أنها أبداً لن تمنحهم مزيد من المتعة بانهيارها.. بينما تركها زميليه تهوي على الأرض فتكورت في وضع الجنين محاولة أن تحمي نفسها دون أمل من اعتدائهم.. واقترب الآخرون يشاركونه ضرب ما تطالهم أقدمهم من جسدها... كانوا كأنهم مجرد ضباع عفنة مُلئت بالخسة وجدوا أحد الأسود المنهكة فالتموا عليه يمارسون ساديتهم وقذارة أنفسهم بضربات موجعة وقبضات أيديهم..

جذب شعرها بيد مايا مراراً وكأنه يسبب لها عقدة ما... بجانب الألفاظ النابية التي أسمعوها إياها... أنّت بصوت مكتوم... لقد كان طلبهم واحد ولن يتنازلوا عنه وهو "إذلالها وتصويرها راكعة تحت أقدام مايا ومروان حتى يتمرغ هذا الأنف في التراب"

بينما هي كانت فكرة واحدة ويقين لا يغادرها "أنه سيأتي، ستتحمل قليلاً و لن تركع أو تخضع... هو سيأتي... اذ إنه دائماً ما يفعل!!"

ولكنها أنهكت بالفعل, إذ أن ما تتعرض له الآن أكثر من طاقة أي بشر.. كم مرة هي أحصت عد الأرقام لتنهي تلك اللحظات.. هل وصلت لرقم ألف بعد.. لقد خارت كل قواها حتى ما عاد بها قوة للتعبير عن ألمها لقد وصلت لحد موجع حتى أصبح مجرد التنفس كأنه ركلة أخرى تؤلمها بصدرها في الداخل كما الخارج...

"كل هذا ليس مهم.. يجب أن تبقى واعية.. يجب أن لا تغيب عن الدنيا ... يجب عليها أن تتمسك بملابسها وأن لا يصل أحدهم لشيء آخر معها.. إن اقتصر الأمر على الضرب فهي راضية" هذا ما كان يدور برأسها

عندما أطلقت رغماً عنها صرخة أشد رعباً من سابقيها عند خروج أفكارها للسطح لتسيطر عليها وتضم ركبتيها أكثر إلى نفسها.. ثم تحاوطهما بذراعيها المصابتين رغم الوجع العظيم الذي يشتد بهما.. حركتها تلك أظهرت خوفها الشديد والشيء الوحيد الذي تهتم به.. فدفعت الفكرة العنيفة لعقل مروان لامعة هناك داخل عقله المعتم، انحنى نحوها يهمس بصوته القميء داخل أذنها لاهثاً "أهذا هو فقط ما تهتمين به، ترى كيف سيكون شعوركِ يا سَبنتي ونحن نتناوب فوقكِ؟!"

هزت رأسها دون أن تجرؤ على النظر إليه ويديها تتشبث حول ركبتيها أكثر بينما تطلق آهات مكتومة رداً على الأحذية التي ما زالت توجه الضربات إليها...

شهقت بقوة ثم قالت من بين دموعها بنبرة مرتجفة متقطعة "لن تستطيع.. لن تصل لي إلا وأنا ميتة... سيقتلك راشد بعد أن يشرب خالد من دمائك ويأكل لحمك حياً"

ضحك مروان بصوت أكثر بشاعة, صوت اتحدت فيه كل نبرات القذارة وانعدام الرجولة... عندما جاء إلى هنا هو لم يكن في رأسه إطلاقاً أن يعاشرها... هو لا يحتاج بالأساس أن يأخذ فتاة رغمًا عنها إذ أنه دائماً يفضلهن راغبات وإنما كان هدفه الأوحد كسر كبريائها.. ولكن الآن وبعد ما تبديه من قوة هو يعتقد أن بعض التسلي لن يضر ليجعل أعصابها تنهار تمامًا.. سيجعلها ببساطة تجن.. وقبل أن يصل إليها أو يأمر رفاقه بتكتيك آخر بتجريدها من ملابسها .. كان صديقه يصرخ برعب: "مروان هناك سيارات تقترب على الطريق!"

وبدون شرح أكثر كان يفهم من زميله الذي أوقفه أول الطريق أن مؤكد تلك السيارات جاءت لنجدتها.. فمن السرعة المجنونة للسائق الذي يندفع ناحيتهم بالذات لم يحتج للتوقع...

"تباً العاهرة، لقد أعلمتهم بالمكان!"

أمرهم بغضب أن يصعد كل شخص لسياراته بينما وقفت مايا تضرب صدر سبَنتي بعنف بمقدمة حذائها وتجذب شعرها وهي تهتف بعند "لن أتركها حتى تذل تمامًا!"

لف مروان خصرها بيده يبعدها عنها وهو يقول بعصبية "اللعنة مايا سنفعل المرة القادمة .. سيجدوننا ولن نجد فرصة أخرى للنيل منها!"

نثرت مايا الرمال نحوها وهي تصرخ بغل: "لن أغادر قبل أن تتحطم تمامًا!"

لم يهتم لما تقوله وهو يدفعها في السيارة ثم يفر نحو عجلة القيادة وينطلق... مرت دقيقة واثنتان ربما خمسة... حتى اختفى هديرهم تمامًا ولم يبقى حولها غير الصمت التام.. هل تستطيع الآن سحب أنفاسها، ولكن كيف وما زال كل جزء منها يرتجف بالألم والذعر؟!

أوقف خالد سيارته على بعد أمتار قليلة من الجسد المكوم فوق الرمال.. وترجل منها وهو يندفع نحوها لا يرى ولا يسمع هتاف لانا خلفه والتي كانت أكثر وعياً لتطلب سيارة إسعاف ثم ترسل رسالة نصية مختصرة بما يحدث إلى هاتف بدور...

لقد فقد عقله تماماً عندما وصل إليها شاعراً بقلبه ينخلع من مكمنه ودُعِس في مكانٍ ما مبهم.. ثبت مكانه يحدق بذهول في الجسد الهامد الملطخ بالدماء وسؤال مرعب يتردد في رأسه بجذع "هل وصل متأخراً؟"

همس بلوعة "رباه، سَبنتي!"

هبط على ركبتيه جانبها ومال فوقها بينما كفيه اندست سريعاً تحت جسدها ليضمه إليه فانتفضت مرة أخرى بعنف وتشنجت بقوة بينما يديها أخذت تبعده عنها مقاومة إياه دون أن تنظر له: "ابتعد.. ابتعد!"

هدرت دمائه داخل جسده صاعدة إلى رأسه لينبض عقله بوحشية هناك.. بصوت خطه الذعر والرأفة التي علم أنها تحتاجها همس "اهدئي حبيبتي.. هذا أنا!"

للحظات فتحت جفنيها تحدق فيه بينما تضم فمها وكأنها تستوعب وجوده ثم فتحتمها مرة واحدة وهمست بقهر ولوم من بين شفتيها المرتعشتين "تأخرت كثيراً... لقد نالوا مني"

صدر صوت رافضاً متحشرج من حلقه.. أسندت إحدى يديه ظهرها مقربها لصدره بينما يده الأخرى تحركت بعشوائية بحتة فوق ملابسها يتفحصها بنوع من الهوس المخالط للجنون..

"خالد أتركها ليس هذا وقت ما تفعل!" كان الألم يفعل بقلب لانا الأفاعيل ولكنها تشبثت بإنسانيتها وهي ترى وجه وجسد سَبنتي الدامي بين يده... لم يرها أو يسمعها أيضاً... بل رفع عينيه التي اشتعل فيهما الغضب والقسوة نحو وجهها المنهك ثم قال متوعداً بصوت محترق نزعت منه الرحمة واحتلته الوحشية "سيقطع من أجسادهم أضعاف كل ضربة نالت منكِ حبيبتي"

تغضن وجهها لدقائق وهي تحدق فيه وكأنها تحاول الاحتفاظ بوعيها ودعم نفسها ساحبة إياها من بقعة الخوف مطمئنة نفسها بقوة إنه هنا من أجلها.. سيحميها من أي كلب قد هدد بالرجوع إليها...

ازداد تدفق الدموع من عينيها مرفقاً بصوت آهاتها المنحورة مما دفعه أخيراً أن يسيطر على يديها التي كانت تبعده بوهن ليضمها بقوة وتشدد داخل صدره، ثم أطلق آهة مكتومة وطويلة تنعى وتشبع ذراعان قد اشتاقا للوعة طيفها الذي حُرِمَ منه لسنوات "أنا هنا... دائماً سأكون هنا حبيبتي"

لجأت إليه ورفعت ذراعيها المكسورتين لتحاوط عنقه شاعر بسخونة دمائها الذى لطخت نحره ..بينما دست رأسها داخل صدره واستكانت عليه ورددت مرتجفة "أنا خائفة.. خائفة للغاية" حركتها تلك وتسليمها إليه مع همسها الضعيف جعل البقية المتبقية منه تنهار تمامًا غير مخففة من وطأة ما يشعر به من ألم على الإطلاق.. جذبها إليه دافناً رأسهه في كتفها للحظة محاولا مداراة دموعه التي فاضت داخل عينيه قبل أن يتراجع إلى الوراء موازناً نفسه على ساقيه وشد أزره ثم وقف حاملها معه فحذرته لانا "أرجوك لا تحركها على الأقل... ربما هناك كسور داخلية... ستصل سيارة الإسعاف قريباً!"

هز رأسه دون معنى.. بينما يشعر بها تسكن إليه.. لا بل تسكن تماماً وتستسلم لنوع من الغيبوبة العقلية التي تزور عادةً من يتعرض للألم الشديد والرعب النفسي.. علّ غياب عقلها يمنحها مسكناً تحتاجه لما تشعر به...

تحرك نحو سيارته كإنسان آلي وجلس في المقعد الخلفي بعد أن فتحه له أحد رجاله, وازن نفسه هناك دون أن يتخلى عن ضمها بين ذراعيه ثم خاطب رجاله وقد أدرك أخيراً وجودهم حوله بصوت لا حياة فيه "أريد أحدكم ليقود السيارة بينما بقيتكم مهمتهم الوحيدة أن يطاردوا هؤلاء الأوغاد، ويأتون بهم إلى إحدى مخزننا قبل أن يسدل الليل ستاره.. لا يتعرض لهم أحد بسوء إلى أن أراهم أنا"

كجثة هامدة لا حياة فيها استقلت لانا مقعدها ولم تحاول مخاطبته مرة أخرى.. لم تعرض عليه حتى أن تفحصها كطبيبة أو تضمها هي عنه كفتاة مثلها بل ظلت تحدق فيهما بعينين جامدتين... تراه ذاهب العقل وهو يحرك أنامله يمسح وجهها الشاحب الذي غطته الدماء ثم يلمس شعرها محاولا أن ينفض عنه آثار التراب فانتفضت بين ذراعيه بقوة متشنجة من شدة الألم رداً على لمسته.. احنى رأسه نحوها بينما السيارة تنطلق وقال بصوت عصفت به العاطفة "أنتِ آمنة معي.. آمنة تمامًا الآن، لن أسمح بأذيتكِ مرة أخرى بعد أن عدتِ لي.. ستكونين آمنة كما كنتِ معي دائماً!"

***********

اقتحم راشد باب طابق المشفى الذي تتلقى فيه العناية مدفوعاً بقهره ورعبه الصافي ففتح الباب المزدوج على مصرعيه وتحرك للخارج والداخل لدقائق من عنف اقتحامه.. وتبعته بدور التي نبهته بوسط الطريق إنها بالفعل آمنة الآن مع خالد في المستشفى ، كان العالم أجمع ملون أمامه بالأحمر الدامي، لا يتراقص أمام عينيه إلا جلوس خالد القرفصاء واضعاً كلا كفيه فوق رأسه المنحني للأسفل أمام إحدى الغرف، توجه إليه على الفور يمسكه بعنف ساحبه لأعلى من قمة ملابسه وهو يهدر "أين ابنتي.. ماذا فعلوا بها؟!"

لم يظهر على وجه خالد أي شعور بالصدمة ولا حتى لديه نية للاشتباك.. بل كان يشعر بإحساس آخر.. بألم فتاك يحطم من شدة وجعه أعتى الرجال وبإحساس الخسارة قال "لقد وعدتها أن أصل إليها قبل أن يمسوها ولكني تأخرت!"

وكأنه صب الزيت على النار المتقدة بالأصل عندما هزه بشدة وهو يصرخ فيه بخشونة "اللعنة عليك وعلى وعودك الناقصة دائماً.. ماذا حدث لها؟!"

هتف خالد بصوت مجروح "لا أعرف.. لست المذبوح الوحيد هنا، أنا أيضاً أكاد أجن.. لا.. أنا جننت فعلا!"

تقدمت بدور بخطوات حاسمة وأمسكت ذراعيه تشده نحوها في محاولة بائسة لتهدئ من روعه وهي تقول " صب غضبك عليه لن يفيد بشيء.. دعنا نطمئن عليها ثم نرمي بعضنا بالاتهامات كما نعشق أن نفعل دائماً"

التفت نحوها مرة واحدة ثم قال دون تفكير مدفوع بقسوة رعبه "ليس وقتكِ الآن.. وكأنكِ تهتمين؟!"

كانت أكثر تَعقُلا من كلا الرجلين وهي تُنَحِي خوفها الخاص جانباً ثم قالت بهدوء: "بلى اهتم، بأختي التي نشأت أمام عيني وبين جدران منزلنا.. اهتم وارتعب مثلك تماماً على فتاة منحت ابني كل ما كان ينقصه!"

للحظات ظل يحدق فيها بشحوب، حتى رأت أخيراً دمعتين حائرتين التمعتا في عينيه وهو يقول "إن حدث لها شيء لن أسامح نفسي.. أنا لم أكن هناك عندما احتاجتني!"

ذعره وجزعه وهمسه بتلك الكلمات لم يكن خيراً على الإطلاق لخالد الذي اندفع مرة واحدة يخبطه بقبضته التي تكورت حتى طفرت كل عروقه في رقبته وساعديه وخطت كل إصبع على حدة على كتفه.. وهو يصرخ فيه بغل "منذ أن انتزعتها مني وأنتَ لم تكن هناك.. كل الأذى تعرضت له وهي معك، لم تحميها كما وعدت كما كنت أنا أفعل.. اللعنة عليك يا راشد... اللعنة عليك.. وحدك السبب.. وحدك من كنت المسؤول أن تصل للمقابر قديماً.. ثم تخطفها مني والآن هذا.. أنتَ من دمرت عالم حبيبتي"

هتف من بين أسنانه "وتجرؤ على أن تدعوها حبيبتي يا وغد؟!"

"توقفا" صرخت بدور فيهما بصوت مرتجف أخرجت فيه كل خوفها أخيرًا... علّ العقل يزور أيٍ منهما... بينما سمحت لرأسها أن يستدير جانباً لتجد لانا هناك تجلس على أحد المقاعد تنظر لخالد وحده بعينين فاض فيهما الدمع والحرج مصطحباً بابتسامة حزينة.. حزينة جداً وساخرة فهمت معناها جيداً..

وامتثل كلاهما للأمر ليس من أجلها بل عندما خرجت الطبيبة من غرفة الطوارئ تنظر إليهم بنوع من الحذر.. فاندفع خالد نحوها بلهفة يسأل بريق جاف: "كيف هي؟!"

قالت الطبيبة بهدوء: "هناك كسر بإحدى ذراعيها وشرخ بسيط في الآخر، بالطبع بجانب كدمات وجروح متفرقة في وجهها وجسدها!"

لم يستطع راشد أن يستمع لما تقوله بل كان يهزه القهر وهو يمرر كفيه المرتعشين على رأسه ثم يحيطها بذراعه وهو يمنحهم ظهره مستنداً على أقرب حائط شاعراً بساقيه يكادان تخذلانه..

بينما اقترب خالد من الطبيبة التي طلبها بنفسه هي وطاقم الممرضات والمساعدات من الإناث عندما دخل حاملها بين يديه يجري بها في أروقة المشفى كالمغيب عن وعيه.. ثم سأل بصوت ضعيف هزه القهر الشديد: "هل.. هناك نزيف.. أنا أعني..."

تقطع صوته كما غابت حدقتيه من داخل عينيه الحمراوين حين خارت جفونه ثم همس "لقد كان المعتدين كلاب سكك... أنا أقصد...!"

لم تحتج الطبيبة للشرح أكثر وإن تفاجأت من فحوى السؤال إذ أن ملابس الفتاة الخارجية.. بنطالها الجينز على الأقل كان سليماً عدا عن التراب الذي كان يغطيها.. همست بتفهم تطمئنه بعملية "لن نحتاج لفحص من هذا النوع، إذ أن ملابسها الداخلية سليمة تماماً... وليس هناك أي أثر للدماء من تلك الناحية!"

التقط أنفاسه التي احتجزت في صدره طويلاً، وبدأ عقله يعود إليه ببطء مسترداً معه وعيه وهو يدفن وجهه في كفيه كان يحتاج لان يتأكد من أجلها فقط إذ أنها ما كانت لتتحمل أبداً مصيبة كتلك بل كانت لتقتل نفسها.."

مجرد تخيل بأنه قد كان على وشك خسارتها.. فقدانها للأبد.. لا هو حتى لا يستطيع التعاطي مع هذا... لا يقدر أبداً على تحمل خسارة الفتاة التي لا يحبها فقط بل إن عشقها توغل في فؤاده زارعاً جذورها هناك منذ الصبا حتى وإن ادرك متأخر..

"حمداً لله.. حمداً لله" قال أخيراً بصوته المرتجف وهو يسمح لساقيه أن ينهارا على أقرب مقعد استطاع أن يصل إليه...

تمالك راشد نفسه واستدار مرة أخرى نحو الطبيبة يسألها بشحوب: "هل أجريتِ أشعة.. ربما هناك نزيف داخلي أو شيء ما؟"

فكرت الطبيبة وهي تنظر إليه أنها أخيراً حصلت على أحد عاقل متماسك تستطيع التعاطي معه.. قبل أن تقول "هي بطريقها الآن لإجراء الأشعة، وبالطبع ترميم عظام اليد، الخبر الجيد أنها لن تحتاج لأي شرائح"

رفع خالد وجهه الشاحب وسأل: "هل أفاقت؟!"

قلبت نظراتها بينهم لدقيقة ثم قالت: "لا.. ولا أتوقع إفاقة قريبة بجانب الحالة التي دخلت بها، نحن نمنحها مسكنات قد تبقيها دون وعي لفترة طويلة.. بالإذن منكما يجب أن أعود للمريضة"

أومأ كلاهما دون صوت.. ثم تحرك راشد يجلس بجانبه.. وعاد يدفن وجهه داخل يديه.. ثم قال بصوت مرعب لم يخطئ خالد الشر فيه: "إنه فخ جرتها له فتاة.. لقد كانت سبَنتي من الذكاء أن تترك لي دليل قبل أن..."

أغلق عينيه مرة أخرى بينما تشنج عضديه وغضبه المستعر يتأجج.. فأكمل خالد بنبرة خافتة منزوعة الرحمة: "أعرف لقد اتصلت بي على الفور.. وتركت الهاتف مفتوحاً بيننا.. بحق كل صرخة ذعر واستنجادها باسمي.. وبحق قهري وأنا اشعر بالعجز لأن أصل إليها في الوقت المناسب.. سيدفع هؤلاء وذويهم الثمن دون رأفة"

التفت راشد ينظر إليه بوجه شرس وعينين تجسد بهما شيطان نمره ثم فتح فمه لثوانٍ بتلك الابتسامة المروعة التي تهز قلوب أعتى الرجال رعباً ثم قال "رأفة ورحمة.. ماذا تعني تلك الكلمات تحديداً... أنا لم أسمع بها قط ولا أفهم ما قد تعنيه أو الغرض من وجودها يا خالد؟!"

بهدوء كان خالد يخرج هاتفه وهو يمنحه نفس النظرة التي عنت أنهما اتفقا على شيء أخيراً ثم أرسل لضلعهم الثالث الذي يختبئ مترصداً في الظلام يشحذ أسنانه متشوقاً لفرصة كهذه ليقضي على كل من حاول أن يؤذى ابنة زوجته والفتاة التي راعاها معظم سنين عمرها تقريبا (سَبنتي قد تعرضت لحادث اعتداء.. أنا الآن أطلق رجالي لملاحقتهم.. أريدهم معلقين كالأضاحي الجاهزة للسلخ قبل أن تستفيق هي من غيبوبة أرسلوها هم فيها يا نضال!)

*********



"يا مسكينة هل ما زالت والدتي تمارس طقوسها المريبة عليكِ؟!"

ضحكت جوان بخفوت وهي تهمس لشقيقة زوجها "بل أخوك المسكين وحده ، سوف تتسبب له في وعكة قريباً، بالأعشاب التي تصر أن يتناولها ناهيكِ عن الطعام"

همست هبة بمرح وعيناها تترصد والدتها بنوع من الحذر "لقد فعلت هذا مع زوجي بعد أن تأخرت في الإنجاب لمدة عام"

لمعت عينا جوان المختلفتان ثم قالت "ونجح، ها أنتِ تَجُرين ورائكِ مجموعة من المجرمين الصغار مسببة لزوجكِ جلطة"

أومأت هبة بتفاخر قبل أن تقول بطريقة مسرحية "بالطبع، تستطيعين القول أن الحجة عفاف.. خبرة!"

انفجرت ضحكات جوان بينما ترمق وجه نضال الغاضب وهو يلوك الطعام الذي يملأ فمه بغيظ بينما تغرف عفاف أمامه المزيد وهي تأمره بحزم "ابتلع الكوارع بالشوربة.. إن فيها الشفاء والدواء"

همست هبة بنبرة ذات مغزى "بماذا أخبرتِ أمي يا داهية، إذ من الواضح أنها تعتقد أن التقصير من ناحيته؟!"

احمرت وجنتي جوان قبل أن تهمس بتآمر "عفاف عنصرية بطريقة ما، إذ أنها لا تحيد عن فكرة أن النساء دائماً أرض خصبة وبالطريقة السليمة للرجل يستطيع زرع بذرته كما يشاء"

تأملته هبة بعينين مقيمتين وبحيادية بحتة ثم قالت "لا يبدو لي أن أخي يحتاج لدعم من أي نوع، بل أشفق عليكِ أنتِ من تحمل كل هذا!"

غصت جوان بطعامها حرجاً ولكنها صدقت بوقاحة نميمة النساء التي تعلمتها على يدي صديقتها الجديدة هبة "دعي شفقتكِ لنفسكِ.. الأمر يناسبني"

"توقفا.. أنا اسمع كل ما تقولانه" هتف نضال بحنق وهو يتجنب النظر لوجه أخته...

بينما شرقت هبة وهي تبتلع لسانها تقريباً مشيحة وجهها عنه وهي تتمتم بكلمات تسب نفسها فيها بحرج.. بينما هزت جوان كتفيها ببراءة وكأنها تغسل يدها من الحديث الجانبي إذ أنه يعلم أن ما بالأمر حيلة في مُجَاراة عفاف وهبة..

رفع حاجبه وهو ينظر إليها مهدداً بأن الأمر لن يمر بسلام.. ومع الكمية التي تناولها من ذلك الشيء اللزج الهلامي الذي يدعى كوارع هي تتوقع هذا ومستعدة بكل شوقها..

وقف نضال معلناً أنه اكتفى ، فقالت عفاف بتسلط "لم تنتهي بعد، اجلس قبل أن أجبرك وأحشوك حشواً"

قال نضال بحنق "الرحمة يا حاجة، أناأافعل ما عليّ وأكثر وصدقًا تلك الأعشاب ستحولني لمدمن قريباً.. وليس أداة إخصاب لتلك الحمراء!"

توسعت عينا عفاف وهي تهب واقفة من مقعدها فتحركت الطاولة عِدة إنشات رهبةً من صوتها وإجلال لجسدها المكتنز "هل أخبرته عن وصفاتي يا جوان؟!.. ليلتكِ مثل القطران"

ارتدت جوان للوراء تحدق فيها برعب ثم نفت بإصبعها وهي تقول مدعية الخوف "لم يحدث خالتي، هو من يتجسس على أحاديثنا.. العيب عند ابنكِ.. عار عليك يا نضال!"

دبت عفاف على المائدة مصدقة إياها تمامًا واثقة فيها ثم قالت بشراستها المحببة "إذاً ليلته هو التي لن يكون لها آخر.. هل تلاحق كنتي؟!"

كتف نضال يديه بغيظ ناحية جوان التي انسحبت بحذر من عراكهم بينما تعلو على وجهها ابتسامة تسلي عندما سمعته يقول "إن العيش معكما يستلزم الحيطة.. لقد أصبحت على بعد خطوة من الجري ناحية العطارين أحيالهم (شمة وحياة أولادك) لرجل جعلته أمه مدمناً للأعشاب"

تغضنت ملامح عفاف وتراجع بعض غضبها ثم قالت: "هل تلوم أمك لخوفها عليكما.. أريد أن أرى ذريتك منها قبل أن أموت"

هتفت هبة بقلب ارتجف وهي تهرع إليها تقبل يديها وقالت "سلامة قلبكِ يا غالية, نحن بدونكِ لا شيء.. لا تقولي هذا مرة أخرى وتخيفيني"

انضم نضال إليهن يقبل رأس أمه ثم قال بهدوء "سلامتكِ يا أمي من كل شر.. ولكن حقاً ما تفعلينه أنتِ وهذه المجنونة لن يقدم مشيئة الله.. إذ أني على يقين وثقة فيه أنه سيمنحني ذلك الطفل الذي سيقر عينكِ وهي في الوقت الذي يأذن به"

تبسمت في وجهه وهي تقول "طالما أنتَ راضي أنا راضية.. ولكن لن أتوقف عن مساعدة جوان في سعيها لذا..."

صمتت فنظر إليها بحذر ويأس.. عندما قالت بنبرة ضابط الدرك : "اشرب الشوربة يا نضال، التهرب لن يفيدك"

*******

وقفت جوان أمام الحوض تفرغ الأطباق في آنية جانبية، ثم انحنت تصفهم في غسالة الأطباق التي أصرت هي على شرائها واشتبكت مع عفاف بالطبع في شجار دام لأسابيع متهمة إياها بالأجنبية الكسولة إذ أنها اعتبرت تلك الغسالة نوع من الإهانة التي دخلت بيتها...

شعرت بيديه الضخمتين تمسكان خصرها، بينما يهمس لها "لماذا لم تسمحي لهبة بمساعدتكِ؟!"

قالت بهدوء "إن لديها عصابة تفقدها عقلها كما أنها تأتي إلى هنا لترتاح قليلاً من أعمال منزلها الشاقة، إذن لن أجعلها تهلك نفسها هنا أيضاً"

"إذن هل تسمحين لي أنا بالمساعدة؟!"

"يمكنك تحضير الشاي.. إذ أن عفاف ما زالت تشكو من الذي أحضره أنا"

تحرك ناحية الموقد ووضع الإبريق على النار بينما يراقبها تشرع في رص الأكواب الزجاجية على صينية.. ثم قال "تعلمين أن كل تعليقاتها مشاكسة ليس إلا"

رمقته باستنكار ثم قالت "هل تخبرني بهذا بعد العمر الذي قضيته معها.. بالطبع أعرف, والأمر لا يزعجني بل يمنحني كل ما افتقدته طويلاً"

صمتت قبل أن تطلق تنهيدة حزينة شاردة وهي تقول "أنا لم أعش مع أمي كل هذا.. عالمي كان مختلف تماماً عنك"

اقترب يحتضنها من الوراء ودفن رأسه في عنقها ومسه بطرف شفتيه ثم قال "أعلم، ولكن كل هذا انتهى الآن"

استدارت بين ذراعيه وأسندت رأسها هناك تحت ذقنه ثم قالت "أحياناً أخاف أن أفقد كل هذا.. إذ أن لا شيء يدوم للأبد، لا شيء يبقى ثابت على حاله.. أنا أخاف يا نضال أن لا أستطيع مجاراتكم.. أنتم دائماً في رباط على قلب واحد، تنزعون الأنا من داخلكم، مستعدين للتضحية بأنفسكم من أجل كل فرد فيكم وهنا لا أقصد عائلتك فقط بل كل هذا المجتمع الذي زرعتني فيه.. البسيط المظهر والغالي في الجوهر.. ارتعب أنه برغم كل جهدي في أن اشبهك أن لا أستطيع مجاراتكم"

ابتسم بلطف وهو يمد أنامله تحت ذقنها رافعاً وجهها لتنظر إليه ثم قال بحنان "ولكنكِ تفعلين الآن يا جوان، أما عن شعوركِ هذا دعينا نقول أن اثنان وثلاثون عاما من العيش في عالم مختلف كلياً لن ينزع منكِ بسهولة بعض التصرفات أو حتى الكلمات التي تصدر منكِ بعفوية ليس هي من تشكلكِ بل ربما تمنحكِ تميز محبب، نشاكسكِ به اما داخلكِ هو ما يصقلكِ بالتدريج مظهراً جوهركِ الحقيقي.. أنتِ فقط كنتِ تحتاجين فرصة واحدة عادلة لتُكَفري عن أخطائكِ... بداية جديدة منحتكِ أفضلية التائبين وأوضحتِ أي جميلة بريئة أنتِ"

"أحبك"

ابتسمت عيناه بتلاعب ثم استرق قبلة من فمها خاطفاً معها نبض قلبها الذي اضطرب ثم تركها لاهثة جائعة للمزيد وهمس ويديه تداعب خصرها العارى من تحت ملابسها ثم قال "أنتِ لا تملكِين خياراً آخر لتحبيني لذا دعينا من تلك الحقيقة غير القابلة للتأويل.. أنتِ معاقبة.. أتبيعينني لعفاف؟! أنا متجسس يا جوان؟!"

عضت شفتيها بحرج ثم قالت "دعنا ننظر للجانب الجيد, لا مزيد من الأسرار.. أصبح كل اللعب مكشوفاً"

قال بخفوت متلاعب "لا أحد سيكشف الليلة سواكِ، لا مزيد من قمصان عفاف الصغيرة تلك"

قهقهت وهي تقول "بعد أن علمت بما يفعله ذلك الشيء اللزج مؤكد أني لن أبيت معك في غرفة واحدة.. أنا أريد طفل وليس الانتهاء تحتك"

كشر بأنفه وهو يضم خصرها بكلا ذراعيه رافعها بسهولة من على الأرض ليوازي رأسها رأسه ثم قال "بل ستستلمين بعد أن تفعلي تلك الطقوس المريبة.. ماذا تسميها؟!"

همست مدعية الغضب "النتوياج، والاسكراب، ولوشى.. ليس مريباً!"

ادعى نضال الرعب وهو يهتف "اللهم إن كان ما نطقته زوجتي سحراً فأبطله"

دفعته بنزق وهي تقول "ليس ظريفًا على فكرة.. ابتعد!"

حايلها وهو يزرع قبله تحت أذنها بموقع ذلك الشريان النابض جاعل كل جسدها يرتجف بين يديه تأثراً ثم همس بلوم "وهذا ليس طريف!"

همست بصوت محبوح "نضال أختك ووالدتك هنا قد يدخلان في أي لحظة.. ابتعد"

همس بخبث "أو أحملكِ إلى غرفتنا، ستحب عفاف أن ترى نتيجة أعشابها"

لم تجاريه بل فجأة دفعته بعيداً ووجهها كله يتغضن بنوع من الألم وهي تضع كلا كفيها على قلبها، فاغرة فمها وكأنها تحاول التنفس دون جدوى.. أفلتها مساوي وقفتها على الأرض وهو يسأل بقلق "ماذا هناك؟!"

نظرت إليه بضعف مس قلبه ثم قالت بتحشرج "لا أعرف, وكأن أحدهم غرز سكين داخل صدري، هناك شيء سيء للغاية يحدث ولا أستطيع تفسيره ولكن قلبي يشعر به, وهذا لا يعني إلا شيء واحد.. رباه ابنتي، هناك أمر لا يبشر بالخير أبداً يحدث مع سَبنتي يا نضال"

**................... يتبع ألان


https://www.rewity.com/forum/t459560-265.html



التعديل الأخير تم بواسطة رغيدا ; 07-04-20 الساعة 02:12 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:33 PM   #2612

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الاربعة والثلاثون

لماذا في مدينتنا ؟ نعيش الحب تهريباً وتزويراً؟ ونسرق من شقوق الباب موعدنا ونستعطي الرسائل والمشاويرا لماذا في مدينتنا ؟ يصيدون العواطف والعصافيرا لماذا نحن قصديرا ؟ وما يبقى من الإنسان حين يصير قصديرا ؟
.................................................. .................................................. ..............

كان يهرول ببدن مسلوب الإرادة داخل أروقة المشفى بينما يضم صغيرته المضرجة بدمائها على صدره.. يلاحقه عويل بنات أيوب بدموعهن وبكائهن بينما تحاول لورين التي قيدتها يدا أبيها باستماتة أن تنزعها منه، وهي تبكي بفاجعة خسارتها الوشيكة لصغيرتها!!!

لقد اتصل نفس الجار الذي لحقه ليطاردوا المجرمين بالدكتور طه حتى يستقبلهم.. وقد فعل عندما قابلهم وهو يدفع أحد الأسرة أمامه جرياً مع بعض من طاقم التمريض... بلهفة كان يمد يديه ليأخذ منه الصغيرة.. فيضمها ممدوح إليه وهو ينظر لوجهها بعينين غرقت في الدموع التي لم تتوقف عن الجريان على خديه منذ أن راقب مخالب هؤلاء الذئاب تنهش في جسد صغيرته الجاهلة، متلمسين إياها بشهوة شرهة واعدين أنفسهم بالمزيد... خرجت منه شهقة عالية خشنة وهو يحدق فيها ثم ليدي طه الممدودة "رباه... لا أقدر"

"سيد ممدوح إن أمل تنزف وما تفعله لن ينقذها"

بيد مهتزة كما ذراعيه كان يغلق عينيه ويمدها له بتردد شديد متذكراً بقسوة خوف الجبناء عندما أدركا عجزهما عن الإفلات منهم فألقوها دون تردد على الإسفلت من دراجتهم المسرعة، فأخذت كل الصدمة على رأسها الذي شعر بتهشمه داخل رأسه هو.. قلبه هو الذي تهشم معها حتى وإن لم يسمع صوته.. لقد كان كل ما يحدث معها كل ما تعانيه وكأنه يشطره هو لقطع صغيرة.. صغيرة للغاية وكأنه يقطع من جسده وهو على قيد حياة... وقف مكانه وهو يفتح جفنيه يراقب طه يندفع جريًا.. داخل غرفة بدت بعيدة وكأنها بآااااخر الدنيا.. كان يبتعد ويبتعد كما تتحرك الدنيا من حوله وكأنها شريط سينمائي.. كان كل شيء يجري بخطى مجنونة يتغير ويتبدل.. بينما هو واقف مكانه كالحجر الثابت، لا يقدر على الصراخ والاعتراض وتمني النجاة.. ولكن كل ذرة بداخله تهدر بالكثير ويعيش كل الويلات.. يعود العويل ليصم أذنيه، بكاء مرح وفرح، تضرع أيوب.. هجوم لورين نحوه، تتجرأ وهي تضرب صدره باتهامه أنه السبب.. وأن أمل تدفع فاتورة اقترابه منها.. أنه رجس لا فائدة من وجوده ولا بديل عن جلبه الدمار لكل شيء تلمسه أصابعه الملعونة...

كان يرفع حاجبيه وهو ينظر إليها دون شعور حقيقي إذ أن بجانب حركتهم المسرعة تلك كان كل شريط حياته يمر حوله بلقطات من ذكريات عن ماضي طفولته، مراهقته ثم شبابه ووجه مريم "لاااااا.. ليس أنتِ الآن، ابنتي دفعت الفاتورة كاملة عني، ليته قتلني لما فعلت يا مريم"

تمر اللقطة سريعا بلمحات وومضات تجري من حوله وهو ما زال ثابت في مكانه حتى يصل لكل لحظة عاشها مع تلك القاسية.. المتجبرة.. المتحجرة.. الكاذبة.. المخادعة.. مخادعة وعند وصوله لهذه النقطة.. عند الومضة التي خصتها وهي تتخايل برجل آخر بجانبها وتنكر ابنته عليه.. عند ذلك المشهد الذي لم ترحم فيه الصغيرة وهي تنزعها عن صدره مهددة إياها بالعقاب.. كان كل شيء ينفجر في وجهها دون إنذار وكأنه جماد دبت الروح فيه، ليتذوق معنى الشعور لأول مرة, معنى الحرية.. وأنه روح هدها الدمار وانتشر فيها رماد الحروب...

اندفع ممدوح ليمسكها من عضديها بقسوة يهزها بعنف يخضها بكل ما يمتلك من قوة وهو يزأر بنبرة وحشية "توقفي.. توقفي.. من تظنين في نفسكِ؟! ما أنتِ إلا امرأة استفحل فيها الغباء ونالت منها عقدها حتى طالت برجسها فتاة صغيرة بلا حول ولا قوة"

انكمشت وهي تحدق فيه من بين دموعها وكأنها هي الأخرى تستفيق من حالة الجنون والفزع الذي سيطر عليها تمامًا..

"أمل ابنتي.. انطقي ما عاد هناك مجال للإنكار.. هي ابنتي" كرر بصوت جهوري صارخ بإثبات وثقة فيه لم يتيحا أمامها إلا خيار واحد..

عندما نظرت إليه بعينيها الواسعتين وهتفت بخشونة ونبرة كان الذهول مرافق لعدم الوعي فيها "هي ابنتك... ماذا كنت تظن وكل جزء منها حمل سرك بداخلها... أمل ابنتك التي كبرت أمامي وبين ذراعي لتجلدني وتتحداني إن كنت سأقدر على نسيانك يوماً.. لقد حملت عيناك.. ورثت نقطة ضعفك وضعفي.. تباً لك أنتَ السبب.. أنتَ السبب!"

انهارت بين يديه فتوقف عن هزها وهو ينظر إليها بذهول وكأن نطقها صراحة دمره وترك أثر لن يمحى فيه.. حتى وإن كان يجزم بالحقيقة من قبل همس بحقد "أنتِ شيطانة يا لورين، شيطانة تغذت على لحظات ضعفي ولم تكتفي بل استمريتِ في غِيِّكِ"

تركها دون تردد نافرها بعيداً عنه وكأنها مرض عضال سترديه قتيلاً.. بل كأنها إحدى تلك الساحرات المتشحات بالسواد و اللاتي ملأن الأساطير قديماً بأنهن أغرقن العالم في ظلام الطاعون الأسود...

تلقتها مرح بين يديها بينما وقف أيوب أمامه يحدق فيه بعينين رأى الضعف فيهما إذ أن أمل تمثل له شيئاً عظيماً وغالي للغاية.. لن يبالغ إن أقسم انها أغلى من كل أولاده مجتمعين..

"لقد أتيتك أرجوك رحمة من قلب أب عرف معنى حرمان الضنى.. أن تنظر لي بعين إنسان أخطأ وظَلم وظُلم .. أن تكون لي والد لم أعرف عطفه قط ولكنكَ مثل أي شخص مر في حياتي، فاستغليت رجائي لتؤمن ابنتك وتبعد حفيدتك عني بأنانية"

"ممدوح أنا كنت أحاول حماية أمل.. لقد كنتما تعيدان الماضي بحذافيره"

تغضن وجه ممدوح بكل علامات البؤس ثم خرجت من شفتيه شهقة مكتومة أخرى و قال بنبرة خرجت من بين ضلوعه مصحوبة بدموعه الأبوية "وهل هي الآن أمنة كما رغبت؟ انظر لم تخطف على يد مغتصبين ولم ينفجر رأس ابنتي على الإسفلت البارد ولم تلوث دمائها البريئة ملابسي ولعبتها!"

رفع يده في أشارة علي الوضع الحالى وهو يبتسم بسخرية بينما دموعه تجري على خديه غير مستوعب حتى كيف بقي ذلك الدب بين كفيه وسط كل هذا..

انهار أيوب على أقرب مقعد وانفجر دون خجل في البكاء بينما يتضرع لله أن يقف بجانبه وأن لا يفقدها..

بينما تراجع ممدوح بعيداً عنهم خطوات وخطوات للوراء.. حتى وجد بقعة غير مرئية للأعين المراقبة فتوارى فيها ليدفن رأسه بين ركبتيه وينهار في بكائه مثل الأطفال... أخرج هاتفه وطلب رقماً وانتظر للحظات قبل أن يأتيه صوتها "حبيبي لقد اشتقت إليك!"

"أنا لديّ ابنة.. أصبحتِ عمة يا إسراء"

تصاعد القلق داخلها وهي تتشبث بالهاتف مستمعة لانهيار بكائه الذي كاد أن يوقف أنفاسه وقالت بجزع: "يا قلب أختك، وهل هذا الخبر يدعك بتلك الحالة؟!"

لم يكن يشعر بنفسه, إنه فقط يحتاج أن يفرغ ذلك الضغط الهائل بداخله حتى لا يفقد عقله هذه المرة ويركض للخارج رامياً نفسه تحت أول سيارة "أمل.. اسمها أمل، لقد ورثت عيناي.. عينا والدتنا، عندما تضحك تشرق الدنيا، أنا لأول مرة أفهم معنى أن تغرد العصافير.. هل تتخيلين أنا الآن أتغنى بالشعر الذي كنت أسخر منه؟!"

لم تسيطر إسراء على نفسها وهي تبكي لبكائه دون حتى أن تفهم أسبابه بعد.. فقط كان قلبها يخبرها أن شيئاً سيئاً للغاية قد حدث وجعل أخاها في حالة اللاوعي هذه.. فقالت بصوت أجش "هذا ما يفعلونه بنا حبيبي.. عندما تحمل أول طفل منك يسرق عالمك ويزرعك في دنيا جديدة كلياً جاعلك تلج لداخل عالم سحري يُمحَى فيه كل ماضيك ويعدك بمستقبل جديد!"

ضحك بطريقة لم تفهمها ثم قال باكياً مرة أخرى..

"أمل ممدوح، لقد أجادت أمها تسميتها.. لقد سرقتني أمل العفريتة بالفعل... وسرقوها مني"

همست بخفوت: "ليس مهم ما حدث.. أنتَ الآن معها"

"هل كنتِ تعرفين فأمها كانت صديقتكِ؟!"

"لا والله أبداً.. لم تخبرني لقد قاطعت كل شيء يخصنا"

كرر مرة أخرى باستسلام موجع "أمل ممدوح.. أملي الأخير بين الحياة والموت وكأن ذنب مريم لن يسدد أبداً"

تجمدت إسراء مكانها بينما تسأله بهلع "ماذا تقصد.. من التي بين الحياة والموت؟!"

"ابنتي.. لقد خُطِفت أمام عينيّ ووضعوا أيديهم النجسة عليها أمامي.. ثم ألقوها دون رحمة على الأرض الصلبة لتنازع أمامي أيضاً.. قبل أن أضمها إليّ.. قبل أن أخبرها أني لست الرجل الوسيم الذي يحب اللعب معها بل إنها مِني كما أنا أصبحت منها.. لم تتح لي الفرصة لأخبرها أن تذكر نفسها ليلاً أني أبيها!"

أجهشت إسراء بالبكاء وهي تهدر فيه بذهول "كيف؟ ممدوح لا تخلع قلبي، لا تتلاعب بي... كيف حدث هذا لابنتك؟!"

"ذنبي، الله يخبرني أن توبتي لم ولن تُقبل"

شهقت قائلة: "لا تقل هذا يا قلب أختك، أنا آتية إليك ولن أتركك هناك وحدك.. ممدوح هل تسمعني؟!"

أغمض عينيه ويديه تلامس زر الإغلاق ثم أمسك الدب يحدق فيه من بين دموعه بنظرة يعجز أي بشر عن وصفها... عاد يحدق هناك في البعيد، في الطريق الذي انتهى بالغرفة التي توارى طه بابنته فيها فبدت له كأميال وأميال من الأشواك التي قُدِرَ له السير عليها بقدميه العارية ليصل إليها..

*********

دخل مراد سريعاً وأغلق غرفة النوم ورائه بعد أن طلب من ابنته الكبرى أن تأخذ أخويها لغرفتها حين رأى انهيار والدتهم الغير مسبوق.. لم يستعجب وهو يراها في حالة من الانفصال عن الذات تلقي بعض الملابس بعشوائية بحتة في حقيبة صغيرة مفتوحة على الفراش، ثم تتحرك بتخبط تعبث بكل أدراجها المنظمة وهي تهتف بانهيار من بين دموعها "أين جواز سفري؟ لقد كان هنا... أحتاج للوصول إليه.. إن أخي وحيد في مصيبته كما كان دائماً"

تقدم مراد منها يمسك بكتفيها ساحبها لتستدير إليه "هل يمكن أن تهدئي..."

"لا لن أفعل.. ليس قبل أن أراه وأشد عضده بي.. أقف بجانبه لأدعمه دون قسوة.. دون جلده بذنوبه كما فعلت في الماضي"

"وجودكِ لن يقدم له المساعدة التي يحتاجها"

صرخت في وجهه منفعلة "لا تحاول أن تمنعني, سأذهب لأخي هو يحتاج لي، لحناني ودعمي لأفهمه أنه سدد فاتورته كاملة وأن الله أرحم من أن يعذبه أو يرفض توبته"

قال مراد بهدوء حاسم "أنا سأذهب إليه, إنه يحتاج لمن يستطيع التصرف سريعاً، شخص لا يزيد حمله بل يقدم له العون بأمور قد يغفل عنها عقله في ظل المصيبة التي يعيشها"

رفعت عينيها التي فاضت بالدموع تنظر إليه بضعف أهلكه ثم همست "أخي لديه طفلة صغيرة لم يكد يستوعب وجودها حتى وضع في اختبار فقدها أي قسوة تحملها تلك القلوب.. أي غباء واستعلاء حملته لورين حتى لا تخبرنا عنها.. لقد وقفتُ بجانبها ودعمتها هي، أفرغت كل غلي وسخطي فوق رأسه.. رباه أنا لم أرحمه يا مراد في وقت كان يحتاج لأن أضمه على صدري فقط"

سحبها يضمها بقوة إليه ثم همس "بل فعلتِ.. إياكِ أن تحملي نفسكِ ذنب لم ترتكبيه.. لقد جلستِ معه فوق العام وراعيته مبتعدة عن بيتكِ، نازعة سلام أولادكِ معكِ وعدتِ لبلد كنا قد أقسمنا بعدم دخولها أبداً... لقد قدمتِ كل ما في استطاعتكِ ودعمتيه كما يجب ليحدد طريقه أخيراً ويشفي من كل الشرور التي أهلكت روحه.. أنتِ صنعتِ منه رجلاً آخر وأخرجتِ ذلك الآخر الذي استطاع أن يتحمل مسؤولية نفسه، متفاخراً بما صنع وقادر أن يطالب بغفران مما طالتهم أذيته وسط تخبطه.. لقد نجا يا إسراء وما يحدث معه الآن ما هو إلا اختبار أخير ليثبت كل ما أصبح عليه!"

أجهشت في البكاء فوق صدره وهي تقول "مهما قلت أنا قصرت معه... أخي لم ينجو تمامًا ما زال هناك موضع الألم يئن بجروحه"

ربت على ظهرها بحنان وأطراف أصابعه تلامس شعرها الناعم ثم قال "عندما تنجو أمل سنعود بها سوياً إليكِ لتمنحيها حبكِ سيمحى كل هذا.. أعدكِ"

أغمضت عينيها وهي تردد بحرقة "نعم.. ستنجو.. ستنجو لأجله, يجب أن تفعل إنها أمله الأخير كما أخبرني.. أمل ممدوح!"

قال برقة وهو يدفعها إليه أكثر ليحتويها كما يفعل دائماً فيمنحها من قوته وثقته كما اعتادت أن تتقبل عطاياه بنهم "ستبقين هنا مع أولادنا وسأذهب أنا إليه, حتى لا يبقى وحيداً، يجب أن يسانده رجل من أهله في محنته"

هزت رأسها ببقايا رفض غير قادرة على تقبل فكرة عدم رؤيته الآن وضمه إليها مانحة إياه من دعمها عارفة أن لا أحد قد يستطيع أن يتفهم ويحب أخاها مثلها... ثم اشتعل عقلها الذي لا يطفئ فجأة وهي تبتعد عنه، فرفض إفلاتها بينما هي ترفع عينيها البنيتين تسأله بجمود من بين دموعها "كيف علمت باسم أمل، أنتَ لم تستمع لحديثنا وأنا لم أخبرك؟!"

"تباً!" هذا أول ما نطقه لسانه متذكراً أنه التزم بوعده لإيهاب ولم يخبرها وأيضاً لم يجد الوقت ليرد على رسالة ممدوح إذ فور قراءتها بعد ساعات بعد أن انهى عمله وأتى إلى منزله مرسلا له رده.. كان هو يتصل بإسراء ويخبرها بما حدث معه

"هل كذبت عليّ.. أنتَ كنت تعلم وأرسلته إلى هناك وحيداً ومهزوزاً مقطوع الدعم من العائلة كما كان دائماً يا مراد؟!" همست مصدومة فيه، بينما كلها يثور مقاومة إياه تبعده عنها..

"إسراء تماسكي, ليس وقت عتاب، للأسف إيهاب ألزمني بعهد لم أستطع خيانته مرة أخرى"

صرخت فيه منهارة "تباً لك.. وتباً لإيهاب هو الأخر، ألم يكفيكما كل ما جرى له؟.. اللعنة عليك يا مراد إن كنت نسيت سأذكرك أنا لم أخن إيهاب.. ولا يعنيني شعورك أنتَ"

اقترب محاولا احتواءها بينما يشعر بغضبه وتملكه المعتاد يشتعل لتطرق كلاهما لحدث استطاعا دفنه بصعوبة "ششش.. توقفي لا تذكري هذا الأمر.. نحن لدينا بالفعل كارثة يجب حلها"

اشتعل الغضب في عينيها معبرة عنه باصطكاك ضروسها ببعضها محدقة فيه بإحساس بشع من البرد... برد لم تفهم أسبابه وكأنها في لحظة غمرت في شعور قريب من الخسارة.. من التهديد أن تفقد كل ما تعبت وكافحت ليبنياه سوياً.. لبنة تتبعها لبنة بروية وتأني وأحياناً بإخفاق "إياك أن تسمح لأي بشر أن يجعلني أعود لنقطة الصفر معك أو ألا أثق فيك فهذا يعني موتي مرة أخرى.. وأنا أريد الحياة بك يا مراد"

راقب كيف كفكفت عيناها من الدموع عدا عن قطرة وحيدة أخذت تجري على وجنتها حتى سقطت على صدرها صانعة بقعة تكاد لا ترى لأي أحد إلا لعينيه.. بقعة كان لها صدى داخل روحه لينتابه فجأة شعور بالخوف وهو الذي لم يخشى شيء أبداً إلا فقدها هي فقال بصدق "فاتورة أخيرة.. أعدكِ أن لا أسدد سواها"

أومأت بوجهها الشاحب ثم قالت محذرة بصوتٍ أجش "من الأفضل لك أن تفعل، سأكون زوجة متفهمة ولن أعاتبك الآن ولكن هذا لن يمنِعني من إخبارك بأني غاضبة وبشدة!"

سمح لنفسه أن يقترب منها يمسك وجهها بين كفيه ثم يحرك إبهاميه نحو عينيها يمررهما هناك برقة ثم همس "عندما أعود سأحرص على امتصاص كل غضبكِ وأن أكفر بالطريقة التي تريدين"

ابتلعت ريقها ثم قالت "عد بأخي وابنته بخير، وأنا سأنسى كل هذا!"

ابتسم بلطف قبل أن يقول بصوته الرخيم "حسناً جوازات السفر في غرفة مكتبي سأذهب لآخذ ما يخصني فقط بينما أنتِ تجهزين لي حقيبتي يا أم سيف الدين"

أومأت موافقة بينما هو تلكأ في تركها لبرهة.. ثم استجمع كل رباط نفسه ليتحرك أخيراً منفذاً ما قاله... أتاه صوتها المرتعش فجأة من وراء ظهره "مراد هل تعد قلة إحساس مِني إن أخبرتك أن لا تغادر قبل أن تضمني بقوة وتقبلني؟!"

ابتسم بتسلية قبل أن يستدير نحوها, يقترب منها على عجل ثم يسحبها سريعاً لتستقر هناك في مكانها الدائم داخل رحابة صدره العريض وهو يهمس "لم أكن لأجرؤ وأغادر قبل أن أفعلها!"

نظرت له بعينين ترقرقت الدموع فيهما مرة أخرى ثم همست باستسلام "أنا لم أخطئ عندما أحببتك.. نحن لا ندين لأحد بشيء.. هل تفهم.. أنتَ حياتي قلبي وحبيبي.. أنا أحبك يا مراد"

رباه كيف بعد أكثر من ثلاثة عشر سنة من زواجه منها ما زال يهدر قلبه بصخب وتغلي دمائه داخل عروقه بل يكاد يفقد كل ثباته عند تفوهها بحبه الذي يجبرها تقريباً على الصراخ به عند كل علاقة حميمية بينهما وكأنها سمفونية عذبة تزيد نهمه وجموحه الذي ما زال بينهما كأول ليلة..

همس قبل أن يلتقط شفتيها في قبلة شرهة جشعة لا تكفي أبداً من النهل من رحيقها "وأنا أحبكِ يا فتاتي شرقية الملامح"

**********



عندما أدارت لانا عينيها في الوجوه القلقة للمرة الثانية... وجهت لنفسها السؤال بقسوة... ما الذي تفعله هنا وسط أناس لم يظهروا لها للحظة واحدة أنها تنتمي إليهم.. عائلة لا تراها ولا تهتم بها.. ولم يكلف واحد منهم نفسه أن يقترب منها ويجبر بخاطرها, يخبرها أنها الأساس هنا وأن لهفته على "محبوبته" ما هي إلا مشاعر طبيعية لفتاة كبرت معه حتى ولو كذباً ومن باب المجاملة..

السؤال كان وحشاً ينهش من أنوثتها من فؤادها المحطم، ولكنه كان في وقته تماماً إذ كانت تستحق وقفة حازمة مع نفسها لا تخضع فيها لأبويها.. ولا لعاطفة مهينة..

ما الذي قدمه لها خالد وأسرته... لا شيء... هي حاولت إذ كان واجبه عليها أن تصبر قليلاً وتحارب أشباحه تلك كما طالبها ولكن إلى هنا وكل شيء انتهى بعد الساعات العصيبة الماضية.. بعد أن فضح لسانه في تلك اللحظات المريرة بصدق ما يكتمه في نفسه ما عاد أي شيء في العالم يجبرها على القبول بتلك العلاقة المهينة لروحها.. هي أرادت خالد نعم، رغبت به كزوج توافرت فيه كل الصفات التي تمنتها ....، لن تخدع نفسها إذ أنه فعل ولكن شيء واحد أدركته بعد فوات الأوان أنه لن يناسبها أبداً قلبه الذي تدرك أنه ملك فتاة واحدة.. لن يخلعها منه أبداً..

ما الذي كانت تفعله بنفسها.. كيف رضيت بكل هذه الإهانة.. هي ما كانت أبداً ترغب في سرقته منها، لم تفكر أصلاً في أي نوع من التحدي.. هي فقط وافقت بكل المنطق والعقل على الشاب الذي رآها أخيراً في الصورة وأتى إليها راغباً.. وإن لم يمتلك هو الشجاعة لأن يفعل.. إن كان ما زال يتمسك بأخلاق الفرسان ويوفي بوعده لها وأد روحه معها.. هي أبداً لن تسمح.. لن تقبل برجل يتواجد معها جسدا بينما عقله وقلبه وروحه وكل ذرة فيه تصرخ باسم امرأة أخرى...

"كما وعدته.. ووعدت نفسها يوماً لن يسدل أحد الستار على تلك الحكاية إلا يدها هي"

*****

كان الدور أغلق الآن بجميع أفراد عائلته، حتى مريم انضمت إليهم وصديقتها وذلك النزار ... اشتعلت عيناه بغيرة خانقة وهو يتذكر وقوفها معه، تمنحه ما ضنت عليه هو به منذ رجوعها... تقبضت يداه بعنف جانبه مذكراً نفسه بقوة أن ما عاد شيء يهم إلا هي وعقاب هؤلاء الكلاب...

كانت لانا ما تزال في مكانها تنتظر لحظتها المناسبة ليستعيد كل شيمه وببساطة مع تعاطيه الآن مع والدته واحتضانه لشيماء المنهارة علمت أنه فعل لذا تقدمت نحو مقعده ووقفت أمامه وهي تهمس بصوت ضعيف: "خالد أحتاج للحديث معك"

رفع رأسه وهو يترك شيماء التي تبكي تحت ذراعه ببطء.. ينظر لوجه لانا الشاحب و... المصدوم...

حرك كفه على رأسه بعصبية مفرطة متسائلا فجأة عن كم الألم الذي سببه لها، إذ أنه يدرك الآن فقط أي فقدان سيطرة كان فيه وأي طعنات وجهها إليها وهي بجانبه طوال الوقت ولم يكن يراها..

"لانا" تمتم بخفوت

قالت بشحوب "ليس هنا من فضلك.. "

وقف بجانبها وتحرك يرافقها بخطوات رتيبة للخارج مدركاً لوجه أمه وأختيه الذي يشيعانه بغموض وغضب، عندما قطعا خطواتهما لخارج المبنى.. وقفت لانا أمامه موقفة إياه عن المزيد من التقدم ثم قالت بصوت أجش "لا تبتعد أكثر من هذا ستحتاجك فور أن تستفيق... لا تخذلها يا خالد"

شحب وجهه وهو ينظر إليها بعدم تصديق في حين كانت هي تتحاشى النظر إليه حامية نفسها من انهيار محقق ثم قالت "ظننت أني قادرة على محاربة أشباح تلك الطفولية العبثية.. إذ أنها لا تليق بك ودائماً ما كنت أراها هكذا"

هز رأسه مستنكراً جملتها التي طابقت تمامًا حجج والده لإقناعه بأن سَبنتي لم تكن مقدرة له يوماً "أنا لم أقصد إيذائكِ، كل ما يربطني بها يقيدني يا لانا.. لن يُفِيد إن حاولت أن أتخلص منها سأموت قاتلا أرواح بريئة معي كما خيبت كل آمالكِ وفعلت معكِ"

سيموت إن ابتعد عنها.. إنه لا يرى غيرها.. لم تحتاج لأن يقر بها إذ أنها أجزمت من تلقاء نفسها سابقاً بما يقول..

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقترب منه خطوة ثم بهدوء شديد كانت تخلع خاتمه الذي قيدها.. ذلك الذي ألبسه لها واعدها معه بالحب بالاستقرار وبعدم جرحها أبداً أو تنكيله بوعده ولم يقدم لها شيء سوى الجرح..

"أنا أحررك من كل وعودك لي يا خالد... ليس تضحية مني أو خوف على حياتك أن تموت كما تقول في بعدك عنها... ولكن لأني أنا أستحق من هو أفضل منك"

توتر فمه وهو يقول "لم أقصد إيذائكِ.. لقد توهمت أن رغبتي آنذاك حقيقية"

صححت له بحزم "بل أردت أن تنساها بي.. بتلك البساطة ولكن كما أخبرتك أنت لم تعد تستحق أن أتنازل عن كبريائي وأن أتحول لمسخ قبيح، يصنع المكائد لأبعدها عن طريقك... أنا حتى لم أعد أدرك من منا التي استولت على حق الأخرى فيك ولكن ما أجزم به أنه لا يوجد رجل جدير بأن تتنازل الفتاة عن كرامتها من أجله.. ليتك ومن مثلك يتقي الله في مشاعر بنات الناس وأن يقيم قلبه جيداً ويحقق وعده الذي قطعه لأول فتاة ادّعى حبها.."

صمت أمام وجهها الذي أشاح عنها متجنباً الرد ومقدراً لجرحها الرطب ثم صدمته وهي تقول "هل وعدت سَبنتي من قبلي... هل أحببتها بالفعل؟!"

أغمض عينيه بقوة وهو يقول "من الأفضل لكِ أن لا تسمعي الإجابة التي تعرفينها يقيناً كما كل فرد محيط بنا أدركها قبل أن نقر أنا وهي بها حتى"

بدأت تبكي بصمت وهي تقول بصوت مرتجف "إذاً لماذا أقدمت على خيانتها.. إن كان الأمر منوط بي سأخبرك أنك لا تستحقها كما لم تستحق أي من هوسي بك لأربع سنوات"

"لانا أنا لم أكن أنوي الغدر بأي وعود قدمتها لكِ.. كنت سأخلص لكِ وحدكِ للنهاية.. ولكن..."

قالت بخشونة "تقدم لي مظهر اجتماعي فارغ.. بينما كلك لها جسدك عاطفتك وقلبك وحتى لسانك, كل ما فيك ملكها هي.. لقد رأيت الصورة بأعلى وضوح اليوم"

"نعم أنا كذلك بالفعل يا لانا, لقد حاولت أن أقدم لكِ كل ما أملك بداخلي.. ولكن عند عودتها أدركت بمرارة أنه ليس هناك أي شيء يمنح لسواها لقد سبق وأخذت منذ زمن طويل كل شيء"

تلك النبرة التي أقر بها، تلك النظرة التي أطلت من عينيه قتلتها ببطء ومحتها من الوجود.. ثم بطريقة غريبة كانت تحييها من جديد لتشمخ برأسها في وجهه وهي تقول "سعيدة لسماع اعترافك هذا وأسعد أني من وضعت نهاية كل هذا العبث بنفسي، كما بدأت خيوط حكايتك معي أنا من ستنهيها... إذ أنه لا يوجد لديك شيء يا خالد قد أرغب فيه أو أحلم به كامرأة... وداعاً يا ابن الراوي"

ثم بهدوء كانت تضع خاتمها في كفه واستدارت مغادرة إياه مبتعدة شيئاً فشيئاً سامحة لنفسها بعد حرب طويلة أن تتنفس بحرية حتى وإن كانت سببت لها جرح سيحتاج وقتاً من الزمن ليشفى ... إذ هي كانت بالفعل تستحق من يحارب العالم لأجلها.. لا هي من تحط من قدرها لاكتسابه... الصورة أصبحت واضحة تنظر إليها من بعيد بعمليتها المعتادة، بعقلانيتها التي تتجنب الآن جرحها العميق وإحساس الفشل.. إن رأت سَبنتي مجرد سارقة خطفت خطيبها منها... فماذا كانت تراها وهي الأولى في حياته.. من قدم وعده وقلبه لها.. من استهلك كل مشاعره الأولى معها.. مؤكد تراها مجرد مجرمة حرمتها مما كان لها الحق فيه.. ربما تستطيع أن تلوم خالد وحده الآن، كما يجب أن يلام كل رجل مثله.. بالنهاية لا يرى إنسان نفسه مخطئ، الجميع عندما يضع هو داخل الصورة يرى نفسه بريء مظلوم جار عليه الآخرون.. متجنب أن يفكر ماذا قد يرى الطرف الآخر من الحكاية.. أليس من الممكن أن يرى نفسه مجرد مظلوم آخر...

**********



استطاع منذ وقت أن يستعيد بعض من توازنه وإن كان لم يمحو رهبة الموقف الذي وضع فيه بعد.. جلس أمام غرفة الطوارئ التي أخذوا فيها ابنته متجنباً أي تماس مع لورين أو عائلتها، إذ أصبح كل ما يهمه الآن هو ابنته فقط...

خرج طه أخيراً جاذباً اهتمامه كما اهتمامهم فهرعوا إليه بوابل من الأسئلة الجزعة... بتماسك قال طه "بخير وحالتها مستقرة حتى الآن، الحمد لله أنه لم يحدث كسر في الجمجمة أو ارتجاج في المخ"

أطلقت لورين شهقة طويلة، ثم انهارت بين يديّ أبيها التي تلقتها.. بينما جاورته مرح وهي تقول سريعاً ببديهة حاضرة "أريد أن أراها مع والدها"

اتبعها ممدوح وهو يقول بصوته الذي هزه القهر "نعم، كما قالت أريد أن تلمحها عيناي لأطمئن"

عينا طه انحرفت قليلاً نحو لورين مانحها نظرة تعاطف غامضة، ثم عاد لممدوح الذي انمحت كل أسباب العداء بينهما في هذا الوقت العصيب ولم يبقى إلا علاقة مهنية رحيمة بين طبيب ووالد لطفلة ضحية ذلك الحادث الذي يعلم الله وحده ماذا كان سيكون نهايته إن لم يروها في الوقت المناسب.. ربما اغتصاب، تجارة أعضاء، بيعها لدول أخرى لأغراض جنسية أيضاً.. أو حتى التربح منها للتبني.. كل الأفكار المريعة مطروحة إذ أصبحت تلك الفئة الملعونة تغزو كل المجتمعات شرقية كانت أو غربية...

"بالطبع تستطيع، ولكن أرجوك فقط تمالك أعصابك وأن تضع في رأسك أنها تتلقى رعاية طبية أي بعض الأجهزة موصلة بجسدها كما...."

قاطعة ممدوح هاتف بتوتر "أعرف كل هذا, فقط دعني أراها"

******

دخل الغرفة بخطوات مترددة، نظرته لا تحيد عن الوجه الصغير الشاحب والغائب عن الوعي، إلى الضمادات التي تحيط ذراعها وأحد جانبيها، وجزء كبير من رأسها...بينما بعض الأسلاك موصولة كما قال الطبيب عليّ صدرها موضع القلب...

دمعت عيناه مرة أخرى وهو يقترب من الفراش غافلا عن مرح التي تتبعه محاولة كتم بكائها بكلا كفيها وهي تراقب صغيرتها بتلك الحالة...

ركع ممدوح بجانب الفراش يمرر أنامله ببطء على كفها الموضوع بجانبها يتأملها بجمود متذكراً أول مرة رآها، وكل مرة اندفعت إليه فيها تحارب قلبه بجهلها أن يستدل عليها وحده.. صغيرته البريئة الشقية والمرحة تتسطح الآن بسبب أناس بشعين الروح, شياطين قذرة مثله.. مثلما كان ينال هو بكل حقارة من مراهقة بريئة..

دفن رأسه في الفراش بينما يسحب يدها يقبلها بهوس وهو يهمس "هذا ما جناه أبوكِ يا أمل.. أنتِ دفعتِ ثمن جرمي أنا.. الآن أفهم يا صغيرتي لما يصعب عليه الغفران، الآن فقط أنا أحس بما جعلته يشعر به.. العجز والخسارة. والكسر المرافق للقهر... سأمزقهم لن أرحمهم كما أبدى هو رحمة لي"

"ممدوح.. أرجوك اهدئ ما عاد كل هذا يهم، إلا أنها بيننا.. الأذى لم يمسها"

رفع رأسه يلتفت ناحيتها وهو يقول بجمود: "وما الذي تعرفينه أنتِ عن الأذى.. ربما هي تجهل ما رأته عيناي.. لن تفهم ما كانوا يخططون له.. ولكن أنا أعرف جيداً أننا مهما فعلنا لن يمحى أثره منها.. لقد طالها الأذى يا مرح.. وبسبب لورين وحدها"

"ربما أنا أعرف أكثر مما تفهم أنتَ.. ولكني أتشبث برحمة رب العالمين أنه لم يدعها تعيش نهش جسدها حية... رحمةً بها وبك وبنا، أنها مجرد جاهلة كل ما ستتذكره هو ألم الاصطدام"

ظل ينظر إليها بلا معنى... بلا روح نظرات غير مفهومة رغم فرط التعب الكامن فيهم... ثم قال بهدوء شديد بنبرة شبه حد السيف الباتر "أنا ألوم نفسي منذ اللحظة الأولى، كنت طوال تلك الأسابيع كلما اقترب منها وألمسها أحاول كبح نفسي وأبعدها عني, إذ أني أدمر كل ما تلمسه يداي كما قالت أختكِ المصون.. ولكن الآن وبطريقة ما أعلم أنها غير منصفة.. لا أقدر إلا على لومها هي.. هي السبب وحدها إن كانت صارحتني بها منذ مولدها لكان تغير الكثير في حياتي كما كبرت ابنتي تحت رعايتي... إن لم تكن تكبرت وتجبرت وأنكرتها مني كما حدث لكنت الآن أحتضنها محاولا أن أعوضها كل المشاعر التي حرمتني منها، كما وضح جوع ابنتي لها حتى وإن كانت لا تستطيع تفسيرها والمطالبة بها.. إن لم تكن طردتني أمامها في كل مرة وقطعت بيننا الأمل ما كانت تسللت صغيرتي للبحث عني وتعرضت لكل هذا.. لكانت الآن بين ذراعي أبيها تشاركه اللعب كما تفسر مشاعرها بطفولة حبها لي ربما هذا غير عادل.. ولكن لن أقدر على أن أتجنب التفكير به.. أنتِ التي أوصلتِ أمل إلى هنا يا لورين"

التفتت مرح ببطء نحو حدقتيه التي اشتعلتا بخضار مخيف وهو ينظر نحو الباب الذي فتح جانبياً ووقفت عنده لورين بوجه شاحب وتطلق نشيجاً خافتاً فهمت مرح من خلاله أنها سمعت كل شيء وأن كل كلمة خرجت منه كانت موجهة إليها منذ البداية..

بعد لحظات من الصمت كان تشبع فيها من كل شيء فنهض من مكانه وطبع قبلة على شعرها الأسود الناعم الذي قص جزء كبير منه لتخيط جرحها.. ثم وضع بجانبها ذلك الدب بإصرار أن يترك جزء من روحه معها وهمس بخفوت "بابا هنا الآن يا أمل.. بابا هنا حبيبتي ولن يترككِ لتضيعي في هذا العالم القاسي، سيحميكِ بروحه يا كل روحه ممزقاً كل من قد يحاول لمسكِ بأذى مرة أخرى"

ثم اعتدل يمنحها نظرة أخيرة صامتة.. وانسحب تارك لهن الغرفة حتى حين قريب جداً..

********



فتحت عيناها فجأة وبدون إنذار.. محاولة القفز من مكانها وكأنها تحاول الهروب من كابوس أسود أبى إلا أن يتكرر أثناء غيبوبتها... يئن سائر جسدها بألمٍ فتاك جعلها تطلق صرخة مختنقة مصحوبة بالوجع ورهبة الموقف الذي لم يتركها بعد...

"سَبنتي، أنتِ هنا صغيرتي معنا!"

كانت كلها تختض بعنف بينما تجبر جفنيها أن يفتحا ببطء تنظر للوجوه التي حولها برهبة ثم انكمشت لدقائق غير مستوعبة الزمان والمكان الذي تتواجد به... مد راشد يده بحذر محاولا أن يتواصل معها بينما اندفعت بدور للخارج تنادي الطبيبة الخاصة بها... ووقفت منى فوق رأسها من الناحية الأخرى تراقب بعينين قلقتين حالتها من الأجهزة الموصولة بها ثم قالت "علاماتها الحيوية بخير.. فقط ربما هذا أثر صدمة أول إفاقة بعد ما حدث"

أومأ موافقًا بينما يداه ما زالت تحاول أن تتواصل معها فلمس يديها وهو يهمس مختنقاً: "أنا هنا صغيرتي"

عادت تحدق فيه بنوعٍ من الصدمة وكأنها تحاول أن تتعرف عليه من جديد، أو تطرد خيالات ترهق عقلها، مصحوبة بالذعر الشديد الذي عاشته تحت رحمة المعتدين...

"سَبنتي أريد أن أطمئن أنكِ تريني، وتسمعيني، سأضمكِ الآن, هل تسمحين لي؟" نطق راشد بحذر وأصابعه تصل لوجنتها يمسدها ببطء ماسحاً دمعة وحيدة هبطت من حدقتيها التي اهتزت وهي تنظر له بضعف أهلكه.. جلس راشد على الفراش ثم رفعها بتمهل شديد، مستمعاً لنصيحة الطبيبة التي انضمت اليهم و أمرته بالحذر...

لم تخيب صغيرته أمله إذ أنها على الفور اندست محتمية فيه تدفن وجهها تحت ذراعه ثم أطلقت تأوه طويل.. مكتوم حطمه هو..

استمع للطبيبة وهي تقرأ بعض البيانات من على الحاسوب ثم تتجه إليها محاولة فحصها وهي تقول "هناك بعض الأسئلة التي يجب أن تجيبي عليها"

قال راشد دون أن ينظر إليها أذ أن كل مشاعره واهتمامه مع تلك التي تحتمي فيه" هل يمكن أن تؤجل؟!"

ردت بعملية "لا, المريضة هنا منذ عصر الأمس ودخلت في غيبوبة وليس إغماء بسيط.. يجب أن أطمئن على مؤشراتها الحيوية كما ذاكرتها"

همست بضعف من بين طيات قميص راشد "لم يتم ضربي على رأسي, وأنا أذكر من أنا وكل ما حدث بالتفصيل.. ربما أشعر ببعض التشوش ولكني بخير"

تنهدت الطبيبة بابتسامة صغيرة ثم قالت "أنتِ طالبة صيدلة كما عرفت"

همست بصوت متحشرج في اعتراض بسيط أنها لن تستطيع منحها ما تحاول الوصول إليه "أريد ماء، حلقي جاف"

سألت بدور بقلق "هل يمكنها؟!"

ردت الطبيبة بهدوء وهي تسحب إحدى كفيها جاعلة إياها تجفل بين أحضان راشد "يمكنها بالطبع... ستكون بخير"

دقائق أخذتها تغير ضمادات كفيها دون أن تحاول تحريكها من مكانها بينما ناولت بدور الكوب لوالدتها التي ساعدتها على تناول بعض منه.. ثم اعتدلت الطبيبة أخيراً وهي تقول "الزجاج الذي أخرجناه من هنا كان سميك جداً أوضح أي مقاومة قمتِ بها, إذ أنه تبين أنكِ كنتِ تتمسكين بشيء محاولة الهرب"

اهتز كتفاها بقوة مع نشيج متقطع مكتوم وهي تحرك رأسها بالرفض على صدر أخيها "أخر... أخرجها"

رفع عيناه الحارقة نحوها... بينما تدخلت منى سريعاً تقول بتعقل "هل يمكن إجراء هذا الحديث لاحقاً؟"

"سيدة منى" قالت الطبيبة معترضة على رفضهم التام لتدخل الشرطة في الأمر، كما أمر هذا المتسلط مدير المشفى بأن يتم التكتم بل وهدد بالويل للجميع إن تسرب أي خبر بوجود أخته هنا...

قالت منى بهدوء بينما تسحبها معها للخارج بلطف "من فضلكِ، لقد رأيتِ بنفسكِ الحالة التي كانت عليها حين جاء بها ابن عمها.. واعتقد حالته آن ذاك لن تشكك أبداً بأن ما حدث ليس لنا يد فيه"

قالت الطبيبة "أعرف صدقيني إن خوفكم الصادق قد أكد هذا لي ولكن هكذا ستضيعون حقها.. إن لم تنقذ الفتاة في الوقت المناسب ربما كانت لفظت أنفاسها"

ابتسمت منى ابتسامة رائعة حنونة كالعادة ثم قالت ببساطة مذهلة "كوني على ثقة أن من فعل في ابنتي هذا سيندم على اليوم الذي ولدته امه فيه, فعائلة الراوي ليست متسامحة على الإطلاق نحو أي أحد تُسَوِل له نفسه بالنظر لإحدى نسائها"

توجست الطبيبة وهي تنظر لها ببعض التوتر, ربما وجهها الجميل ونبرتها المريحة وهي تتحدث تخدع من يسمعها, ولكن ذلك الغضب الذي يختبئ بين طيات الكلمات يجعلها تحمد لله أنها لا تنتمي لهؤلاء المعتدين بأي صورة...

*******



"هل فاقت؟"

اندفع خالد نحو الباب وهو يهتف بوالدته التي أوقفته تنظر إليه بنوع من الغضب وهي تقول "وجودك لن يكون في صالحها يا خالد"

قال خالد بعصبية "أنا لن أتحرك من هنا قبل أن أنظر لعينيها مباشرة وأطمئن أنها عادت إليَّ"

نظرت منى لولدها الذي لم يتحرك منذ الأمس من أمام غرفتها بل بات ليلته رافضاً كل محاولات راشد المستفزة لدفعه للمغادرة..

قالت منى من بين أسنانها "سَبنتي ليست لك.. لا تُجن.. أنت وجدت امرأتك المثالية.. هل تذكر؟!"

كان على شفى حفرة من الانفجار وهو يقول: "دعيني أمر أمي وبعدها سنتحدث"

أزاحت نفسها من طريقه وبقيت خارجاً بينما شعرت ببدور تنضم إليها وهي تقول "سأحدث شيماء لأن تأتي, لقد وعدتها إن غادرت واعتنت بإياب من أجلي سأخبرها بإفاقتها حتى تعود إلى هنا"

منعتها منى وهي تقول بغموض "انتظري بعض الوقت, ما سيحدث قريباً يفضل أن لا تسمعه شيماء"

سألت بدور بهدوء "هل علمتِ؟!"

مال فم منى بضحكة ساخرة ثم قالت "وكيف لا أعرف بعد أن اتصلت ابتسام بي تهدد وتتوعد واتهمت ربيبتي بخراب بيت ابنتها ثم تطلب مني أن أعقل ابني... تلك المرأة لم تحاول أن تسألني ولو مجاملة عن الفتاة التي كانت بين الحياة والموت"

هزت بدور رأسها بأسى ثم قالت "لقد فعلت لانا الشيء الصحيح أخيراً... رغم إشفاقي عليها حقاً من تلك المرأة المدعوة أمها"

*****

قَبَّل راشد جبهتها وهو ينظر إليها بعينيه الدامعتين ثم قال بحزن "لا أنفك أفكر أني السبب, لو لم أجبركِ على العودة إلى هنا.. لو لم أصر على تلك الجامعة؟!"

لم ترد ليس لعدم رغبتها بل لعجزها عن التفاعل الآن بأي طريقة.،محبوسة داخل الحدث، فقط دموعها تهبط بعجز مغرقة ملابسها..

"آسف حبيبتي, ليت ألف رصاصة دخلت صدري ولا مكروه أصابكِ" همس راشد بوجع

حركت رأسها يميناً ويساراً وكأنها تحاول أن توصل إليه رفضها لما يقوله... قبل أن تشعر فجأة بطيفه الذي ملأ المكان برائحته التي تسللت لأنفها متذكره صوته من بين غيبوبتها يقول بقسوة داخل أذنيها هامساً لها بوعده أن يأتي لها بحقها، وأن لا يسمح لتحطيم آخر أن ينال منها...

"حمد الله على سلامتكِ يا بقة" قال خالد بخفوت وهو يميل إلى الأمام نحوهما..

رد فعل جسدها العنيف لم يخطئه راشد على الإطلاق.. رد فعل لم يتسم بالرفض كما كانت تحاول أن توهمه عندما دست رأسها كله مختبئة فيه.. بعيداً عنه رافضة التواصل معه.. بل كان رد فعل مزق نياط قلبه إذ علم إلى أي حد ما زالت تحبه و تتأثر به.. وكم وصل قهرها وخذلانها وخيبة أملها العظيمة فيه...

عم الصمت بين ثلاثتهم عدا أنفاسهم التي ملأت أجواء الغرفة بالتوتر..

"سَبنتي هل يمكنني الاطمئنان عليكِ؟!"

كان رد فعلها الوحيد أن حشرت نفسها حشراً داخل راشد، بينما يراقب ساقيها تنكمش تحت غطاء المشفى الأبيض برهبة!

"اخرج يا خالد.. ها أنتَ أديت واجبك وهي أصبحت بخير"

نظر إليه مبتلعاً ريقه بينما يعود ذلك الغضب ليشعل كل جنونه... لم يفكر على الإطلاق قبل أن يندفع مغادر الغرفة والمشفى والمنطقة كلها متوجهاً إلى مكان واحد كان قد أجّل ذهابه إليه حتى يسرق نظرة واحدة منها ضنت عليه بها..

أخرج هاتفه واتصل بصديقه: "نضال"

رد رفيقه بهدوء "نحن في انتظارك منذ منتصف ليل الأمس، هذا ليس تعامل رحيم، إن أضاحيك معلقة في السقف منتظرة ساطورك الرقيق يا خالد"

*******

دخل خالد إلى أحد مخازنهم على أطراف المدينة الصناعية واستقبله نضال ورجاله الذين كانوا ينتشرون هنا وهناك... وببطء كان يخلع سترته ثم سحب أزرار قميصه واحداً وراء الأخر وهو يقترب من فرائسه كوحش جائع لا يشبع روحه ولا يهوى إلا إراقة الدماء..

"ألن تتحدث معهم؟!"

نظر خالد لنضال بعينيه الحارقتين ثم قال بصوت مرعب "أتحدث عن أي شيء؟ هي لم تخطئ ولا أحتاج السماع منها لأعرف.. إنها ضحية لمجموعة من قذرين النفس عدماء الشرف"

أومأ نضال وهو يفسح له الطريق جاعله يتحرق لرؤية الخمس شباب الذين علقوا في السقف من أرجلهم، كما طلب بالضبط...

الأمر لم يكن صعب للحقيقة إذ فور أن تلقى نضال رسالة خالد لم يحتاج لأن يخابره بل تهرب من جوان على الفور حتى لا يشعرها بالشيء الذي عَلِمَه حدسها الأمومي مسبقاً... ثم هاتف أحد رجال خالد الذين كانوا تحت إمرته ودربهم بنفسه في الماضي وأخبره بالتفصيل بكل ما حدث و يحدث فلحقهم إلى هنا بعد أن قبضوا على هؤلاء في استراحة قريبة يحتفلون بما فعلوه "بابنة زوجته"..

مد نضال وجهه للأمام وهو يحرك رقبته يمين ويسار مطرقعاً معها عضلاته مثل الطريقة الشهيرة لهؤلاء المصارعين...

"هل بدأتم الحفلة بدوني؟" قال خالد وهو يكور يديه بغضب ثارت له كل عروقه منتفضة في عنقه وغطت أصابعه بلون أخضر وكأنه يتحول لتلك الشخصية الشهيرة "هالك!"

"تأخرت.. ولم أستطيع مقاومة نفسي"

"تأخرت.. لقد نالوا مني" اشتد جنونه عند هذه الكلمة ليفرغ جام غضبه في أول جسد قابله موجهها نحو معدته مباشرة... سامعاً الصرخات المذعورة من تحت اللجام الذي وضعوه على فم كل واحد منهم.. وهو بالطبع لن يحرره.. إذ أن كل ما يفكر فيه الآن هو صوتها المتألم وجسدها المنهار ورعبها وهي وحيدة في مكان نائي، يعصف بعقلها كل التصورات التي يمكن أن يفعلوها بها... ثم عجزه وهو مقيد ببعد المسافات وبالوقت الذي لم يكن في صالحه على الإطلاق وهو يسمع صوتها تستنجد باسمه...

وكانت لحظة الانفجار وهو يضرب كالثور الأعمى في أجسادهم وكأنهم مجرد أكياس ملاكمة تتحداه باهتزازها الخائف في محاولة مضنية للإفلات... فلا يرد عليهم إلا بزيادة ضرباته جنوناً وهوساً بل وربما سادية مكتسبة منهم هؤلاء الحقراء.. خمسة من معدومي الذكورة يجتمعون حول ضحية واحدة لم توجه إليهم أي خطأ يُذكر...

كان زئيره يزداد بينما جسده يتصبب عرقاً من المجهود المبذول ولكن غيظه لم يهدأ وغضبه لم يبدد... حتى وإن كانت طاقة جسده نفذت... لم يتردد للحظة أن يفك حزام بنطاله ذو الجلد الحر والحديدة العريضة بأوله.. "غالي الثمن ولكنه لن يغل على أجسادهم" قال بنفس قد أنهك ثم أشار لأحد رجاله وأمره: "جردهم من ملابسهم" ترافق مع صراخهم وتحركاتهم الآلية من شدة الألم..

قال نضال بحزم: "خالد أنت لست مجرم.. رجاءً تعقل, سنجد عقاباً آخر!"

لكنه لم يسمع ولا يرى أمامه وهو يعيد زئيره آمراً بوحشية: "أريدهم مجردين من ملابسهم, سيكسر كل كلب فيهم كما..."

صمت مغلقا عينيه بقوة ثم سأل بصوت مرعب "من مروان؟!"

همهمات صدرت من أربعتهم وهم يحاولون الإشارة نحو أحدهم بمنتهى الخضوع والجبن...

حرك خالد كتفيه قبل أن يثني حزامه مفرقعاً به في الهواء وهو يهمس بشرر "جيد.. جيد للغاية يا مروان، هذا أنا إن لم تكن تعرفني.. خالد الذي سخرت من استنجادها بي"

زام مروان وهو يحدق فيه برأسه المقلوب بذعر... اقترب خالد منه خطوة ثم أمال رأسه بشدة يحدق فيه وهو يجذب فروة رأسه ساخراً ثم قال "أنتَ لك معاملة خاصة قبل أن أجعلك تركع على ركبتيك ويديك مثلك مثل أي حيوان.. مع الاعتذار للحيوان بالطبع.. وتتذلل لي لأرحم ضعفك"

زام مروان مرة أخرى وهو ينتفض بجنون ورعب خالص لم يحرك في خالد أي شيء، بل في برهة كان يخلع عنه قميصه ثم يجلده على ظهره وذراعيه دون أن يرف له جفن...

لقد فتح خالد أبواب الجحيم ولا ينوي أن يغلقها في وقت قريب بأي صورة..

*********


يتبع ألان
:a555::a555::a555::a555:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:46 PM   #2613

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الاربعة والثلاثون
عيناكِ. من حُزْني خلقتُهُما ما أنتِ؟ ما عيناكِ؟ من دُوني فمُكِ الصغيرُ.. أدرتُهُ بيدي.. وزرعتُهُ أزهارَ ليمونِ.. حتى جمالُكِ. ليس يُذْهلني إن غابَ من حينٍ إلى حينِ.. فالشوقُ يفتحُ ألفَ نافذةٍ خضراءَ.. عن عينيكِ تُغنْيني لا فرقَ عندي. يا معذّبتي أحببتِني. أم لم تُحبّيني.. أنتِ استريحي.. من هوايَ أنا.. لكنْ سألتُكِ.. لا تُريحيني..
.................................................. ................................................

"مساء الخير أمي"

أدارت هناء وجهها ترمقه بنظرة عابسة قبل أن تقول باقتضاب: "مساء النور"

اقترب منها نزار يمنحها ابتسامته العابثة ثم قال مهادناً "ما بكِ تغلين كالمرجل؟!"

زفرت قائلة بنزق "لا شيء, فقط أنا قلقة على الفتاة وأريد زيارتها مرة أخرى ولكن جنابك بلا إحساس تدعو صديقك هذا للغداء رغم معرفتك بقلقي"

وضع نزار ذقنه على كتفها يقيم الطعام الذي تعده ثم قال بنبرة خبيثة "كعكة السندويتش.. كرات اللحم السويدية.. لفائف القرفة.. هل اشتقتِ لزيارة ستوكهولم أمي؟!"

ارتبكت لدقيقة قبل أن تدفعه بعيداً وهي تقول بغضب: "بل صنعتهم من أجلك أنت!"

راقص حاجبيه قبل أن يقول ببساطة "أنا أحب صينية البطاطس والفتة المصرية يا هناء... إن هذا الطعام مفضل لشخص آخر!"

أمسكت هناء سلاحها المعتاد معلقتها الخشبية ثم ضربته بخفة على ساعدة وهي تعنفه قائلة "اخرج من هنا.. لا ينقصني إلا أنتَ بعد أن تخلصت من أبيك بصعوبة"

أطلق صوتاً خشناً مدعياً فيه الألم قبل أن يهز كتفيه بلا معنى ثم يغادر المطبخ... هذا هو مربط الفرس إذن كما يقولون, فغياب والده التام وعدم زيارته منذ ما حدث قبل أسبوعين أو أكثر الآن، إن فؤاد أمه من يعدهم بالدقيقة لا هو... لقد لاحظ بشكل لا يقبل الشك حزنها من فراقه حتى وإن كانت تداريه، غضبها وتوترها الدائم عندما يأتي اسمه عرضاً والسؤال الأهم الذي فلت منها على حين غرة "هل اكتفى منها حقاً ورحل؟!"

ربما والدته ما زالت تعاني من آثار الجرح الذي تركه والده بداخلها, إذ أنها لن تقدر على أن تمنحه الغفران على ما جعلها تعيشه في الماضي.. إلا أنها أيضاً تحتاجه وما زالت تحبه وترغب إن استطاعت بإيجاد فرصة أخرى معه.. وهو برغم غيرته المجنونة عليها وكرهه للأمر ولكنه لم يعد قادرا على إخراس صوت ضميره الذي يلح عليه بفكرة واحدة "لما لا؟!"

إذ أن كلا أبويه يستحقان أن يحصلا على بعض من سعادتهم التي طالت جداً جداً ابتعادها عنهما.. فإن كانت أمه تعذبت وضاع عمرها وشبابها ودفعت ثمن تهورها وزواجها من رجل ليس من دينها ولا من قوميتها.. فأبوه أيضاً قد حرم من كليهما، ودفع ثمن تهوره وتملكه هذا كاملاً والأهم ورغم كل المغريات أنه بقي وفياً لها فقط.. ويحاول تعويضها... كما أنه عاد الآن وشرع كل أسلحته في وجه آل الراوي ليعوض عصفورته عن كل الأذى النفسي الذي سببه لها في موجة غضبه وتحطيمه التي طالت الكثيرين...

"الباب يا نزار!" نفض رأسه منتبهاً لصوت والدته.. فأبعد كل أفكاره تلك جانباً وهو يهتف "رجاءً افتحيه أنتِ فأنا مشغول"

خرجت من المطبخ ممسكة بتلك الملعقة مشوحة بها وهي زعلى ضروسها "بعد أن ينصرف صديقك هذا.. أعدك أن أمدك على قدميك كما كنت صغيراً"

ادّعى الصدمة وهو يقول "هل كنتِ تعنفيني؟! لم أكن أعلم بهذا.. من الجيد أنكِ أخبرتني لأطالبكِ بتعويض"

فتحت هناء يديها جانبها بتلك الحركة الشهيرة للأمهات ثم قالت قاصفة جبهته: "أو ترفع عليّ قضية تحبسني بها.. طبعاً فهذا ما تجيده يا قلب هناء"

ارتد وجه نزار بحرج ورفع يده يحك شعره في حركة ليس لها معنى قبل أن يقول بسماجة: "الرجل ينتظر على الباب، افتحيه وبعدها "مديني" كما ترغبين"

تمتمت بشيء لم يسمعه و توجهت إلى الضيف... بينما هو يهمس: "هذا إن لم تفصلي رأسي عن جسدي أولاً عقب أن تعرفي الكارثة التي سأحشركِ بها"

"جوشوا" اضطربت عندما فتحت الباب ووجدته واقفاً أمامها يسند يده على إطار الباب وهو يخفض وجهه أليها بملامح متجهمة...

بينما هي لم تستطع أن تمنع تلك السعادة الغبية التي تراقص لها قلبها طرباً.. لقد عاد بنفسه مرة أخرى ولم يكتفي ويبتعد كما اعتقدت.. لكم افتقدت وجوده ورهبة أن يكون ذلك اللقاء آخر شيء بينهما.. عدا طبعاً عن رؤيته لها بالأمس في المشفى وتجنبه التام لها!

أدركت عندما طالت وقفتهما أنه لم يرد على همسها المبحوح باسمه فعبست ملامحها وهي تشمخ رأسها بكبرياء لا يليق أبداً مع مريول المطبخ الذي ترتديه ولا بعض خصلاتها التي تمردت خارج حجابها الذي تلفه كما اتفق على رأسها ووجها المتعرق... شوحت هنا كالعادة بملعقتها الخشبية وهي تقول بتسلط "ما الذي أتى بك إلى هنا, ألم ننتهي من مطاردتك السخيفة؟!"

تكورت قبضة جوش بجانبه كاتماً غيظه بصعوبة ثم قال بقسوة "لم آتي من أجلكِ فلا تغتري.. ابني من دعاني إلى هنا لأمرٍ يخصه"

انمحت سعادتها وأطل الحزن من عينيها وهي تشيح بوجهها قائلة باقتضاب "بالطبع بروفيسور.. تفضل إنه بالداخل"

هز رأسه وهو يخطو للداخل وقال "كما توقعت لم يخبركِ أني سآتي وإلا ما كنتِ بقيتِ في المنزل"

قالت بوجوم وهي تنصرف من أمامه "أصبت، لو كنت أعلم ما تصادمت معك"

"قاسية" همس وهو يراقبها تغادره في خطوات متمكنة وموزونة وكأنها لم تبعثر كل كيانه الذي اشتاق لطيفها خلال أيام القطيعة التي فرضها هو على نفسه كنوع من الضغط بأسلوب آخر علها تشعر.. تسمع، وتعطف عليه.. لقد أتعبه وأنهكه البعد برغم قربها منه.. إن روحه تهفو لأن تسكن إليها علهما يتداركان كل ما فاتهما.. إذ أنه لم يعد في العمر بقية ليضيعاها في طلب غفران تضن عليه بمنحها له!

********

بعد وقت قليل كان ثلاثتهم يجلسون على الطاولة بتأهب كل لأسبابه... بالطبع جوشوا كان يتجنبها تماماً ويتعامل مع وجودها ببرود شديد كأنها لا تجلس على بعد مقعد واحد منه، حتى أنه لم يبدي أي رد فعل على الطعام الذي جهزته بالصدفة البحتة أو ربما بالفعل كما قال نزار نوع من الحنين إليه... طعام تعلمته اثناء زواجها منه ومن أجل عينيه هو...

قطع الصمت القاتل جوش أخيراً وهو يقول بهدوء "هل ذهبت لصديقتك مرة أخرى.. كيف حالها الآن؟"

قال نزار مصححاً "سَبنتي ليست صديقتي أنا، بل شيماء.. ولا لم أذهب.. أردت رؤيتك هنا أولاً"

قال ببرود "المسميات لا تعنيني يا فتى، ولكن كما فهمت منك أن هناك علاقةً ما تربطكم"

حرك نزار عينيه على والدته التي ترمقه بغضب محذر، ثم قال "لقد طلبت منها تقديم المساعدة لأصل لحبيبتي إذ أنها تأبى أن تتنازل وتتقبلني في حياتها"

هتفت هناء في وجهه بغضب "كنت أعرف أنك ستجن وتطاردها، لا فائدة من الجينات المجنونة التي ورثتها منه، ألم أخبرك أن تترك الفتاة وشأنها.. هي لا تحتاج في حياتها البائسة لأحمق يدمرها"

"أحبهاااااااااا يا أمي, لقد حاولت أن أتجنب مشاعري تلك.. أن أخلعها من قلبي ولم أستطع، أنا أحب شيماء ولا أستطيع رؤية امرأة غيرها"

"وهي لا تريدك" هتفت هناء بغضب بحت.. لا يشغل عقلها إلا شيء واحد الخوف على فتاة قد راقبتها وهي ترمم حياتها بصعوبة..

تدخل جوش وهو يقول بصقيع شديد "هناء لن تفهم معنى أن يفني رجل عمره في حب امرأة, لذا لا تحاول معها!"

زمت شفتيها بعنف ثم قالت "هذا على أساس أنك من تعرف ما يعنيه الحب، أنتَ كابنك مجرد متملك لا يرى غير رغباته"

صمت للحظات.. ثم قال دون أن ينظر إليها "رغبات تجد لها صدى عند المرأة المنشودة ولكنها أكثر عناد وغباء حتى ترى الصورة واضحة.. إنها أجبن من أن تواجه نفسها والعالم بما تريده هي.. تصرح أنها تستحق فرصة لتحيا مع نصفها الآخر.. فكما ترين حظ ابني العاثر أوقعه كما أباه في حبيبة لديها تخلف في المشاعر"

شهقت هناء بذهول ثم قالت بشرر "أنا متخلفة؟!"

أشاح جوش وجهه بدون اهتمام, دون رد حارمها من كلمات غزله ونظراته العاشقة التي تلهبها.. ثم قال وهو ينظر لوجه ابنه الذي يكتم ضحكة مشاكسة "شيماؤك جميلة أحسنت الاختيار يا حمار أبيك.. تبدو لي فتاة هشة ورقيقة بقلب ملائكي لا يحمل الضغائن والسواد كما البعض!"

قهقه نزار بصوت مكتوم قبل أن يقول وهو يراقب عينا هناء التي توسعت صدمة "رغم رفضي البحت لمغازلتك زوجتي المستقبلية ولكن أنا سعيد لتضامنك"

قال جوش بهدوء "أنتَ تحبها إذن انتهى الأمر من ناحيتي، وحتى تهديدي القديم لوالدها بأنها لو كانت آخر فتاة في العالم لن أسمح لك بالزواج منها قد ذهب مع الريح، بصراحة لقد خطفت قلبي وأتمنى لقائها مرة أخرى والحديث معها"

هنا انقلبت ملامح نزار ثم قال بحماقة "قلب من الذي خطفته، اسمع كونك أبي لا يمنحك حق النظر لها مرة أخرى"

قالت هناء بنفس منطق حماقة ابنها "بالضبط بني اجعله يعرف حدوده، كيف يجرؤ على النظر لفتاة أصغر منك.. ألا يراعي عُمره؟!"

فغر جوشوا فاهه باستنكار قبل أن يقول ببرود بحت "غيرتكِ التي تتراقص في حروفكِ غير منطقية نهائياً، أنتِ امرأة عجوز عاقلة.. بينما أنا رجل حر يا هناء ملك نفسي أنظر لمن أشاء وأتغزل في من أرغب"

شاطت مكانها وعجزت أن تقصفه بشيء يليق إذ أنه استخدم حجتها لثلاث أعوام لتوه..

"تباً هل حقاً يرى الرجل جمال امرأته من خلال عينيها هي وحديثها عن نفسها؟!"

ارتسم البؤس على ملامحها قبل أن تندفع مغادرة المائدة خوفاً من أن يلاحظ حزنها وجرحه لأنوثتها...

فور أن غادرت هناء.. التفت جوشوا ينظر في أثرها بأسى شديد، وتمنى من الله كم كان يرغب أن يهرع إليها يشدها على صدره يمطرها بكلمات الغزل يمحو كل حزنها هذا مخبرها كم يحبها ويراها أجمل من كل النساء...

هل يكون منصفاً إن قال بصدق أنها تبدو بمريول المطبخ ومظهرها المزري هذا أصبى من حبيبة ابنهما؟!

"يا حج جوشوا ركز معي إن تكرمت ودعك قليلاً من الملكة الفرعونية"

استدار جوش نحوه وزم فمه بغضب قبل أن يقول "أحياناً تبدو لي فكرة إبراحك ضرباً مريحة للغاية... لما دعوتني إلى هنا؟!"

ما مشكلة كل من يعرفهم بالضبط.. هل هناك شيء في وجه يصرخ فيهم "أرجوك أضربني أو ارغب في قتلي؟!"

تنحنح ثم قال بجدية شديدة "لنأمل بتحقيق رغبتك تلك إذ أعتقد أن هناء من ستقوم بها عقب أن تعرف الصفقة التي سأعرضها عليك"

جذب اهتمامه الكامل وهو يسأله "ماذا تريد؟!"

أخذ نزار نفس طويل وهو يدعو في قلبه بكل الآيات المحصنة لتحميه من شر والدته.. ثم قال "أريد أن أتزوج شيماء.. لقد اعتقدت في البداية أن عقبتي الوحيدة معها ستكون أخوها ولكن بعد التواصل معها هي وسبنتي عرفت أن الأمر مستحيل تقريباً"

ارتخى جوشوا في مقعده بملكية مهيمنة ثم رمق ولده بنظرة ذات معنى، وهو يسأله بترفع "وبعد؟!"

تنحنح نزار وهو يقول "شيماء أنا كفيل بها، أعرف كيف احتوي سخطها وأسترق منها موافقتها... ولكن..."

لمعت عينا والده الشبيهة بخاصته بنظرة شامتة متشفية ثم قال "ولكن تحتاج مساعدتي وتدخلي لأتحدث مع ذويها؟!"

قال نزار بسماجة: "هناك مثل مصري يقول (من ليس له كبير يشترى واحد) وأنا لديّ الأمير جوشوا هابر بحد ذاته!"

قال جوشوا في برود "وما الذي يجعلني أساعدك.. ألم أكن أنا نفس الرجل الذي خان الطفل المسكين ونظر لوالدته بطريقة سيئة بعد ان آمنه عليها؟!"

هرش نزار في رأسه مرة أخرى بحرج شديد ثم قال بتثاقل: "قلتها بنفسك.. طفل وأحمق.. وحِمار كبير أيضاً.. هل ستأخذ على كلام حِمار أهوج تحركه غيرته على والدته؟!"

أومأ جوش ثم قال ببساطة "نعم سأفعل، حتى تعرف مرارة الرفض والحرمان من الحبيبة"

وضع نزار يده على الطاولة وافتعل حركة بيديه كما أولاد البلد، لم يفهمها جوشوا وارتاب منها ثم قال "اسمع يا كبارة البلاد، أنا أفهمك الآن، وليس لديّ مانع أن أحقق رغبتك إن ساعدتني"

تجنب طريقته ولهجته الغريبة، ثم سأله بتحفز "وهذا بمعنى؟!"

وقف نزار محاولا أن يهيمن بأي طريقة على حضور والده الملكي ثم قال بنبرة خفيضة تراوحت ما بين الشجاعة والإقدام.. والغيرة الحارقة والجبن "أوصلني لحبيبتي لأتزوجها... وأنا سأزوجك أمي نظير مساعدتك"

الشهقة المستنكرة المرتاعة بشدة مع دوي بعض الأواني على الأرض الرخامية مؤكد لم تكن تنتمي لأي منهما.. التفت جوشوا نحوها بشماتة متشفية... بينما كان ابنه عكسه تماماً وهو ينظر لها برهبة متمنياً أن يجد أي جدار ليختبئ فيه منها... دبت هناء على صدرها بكلا كفيها وهي تقول بصدمة: "أتبيع أمك يا نزار من أجل فتاة؟!"

قال نزار سريعاً بجزع مرتبك: "ليس بيع يا غالية, أنا فقط أخاف عليكِ من أشباح الوحدة، الرجل فقط سيرعاكِ"

اقتربت هناء منه خطوة ثم قالت "وحدة... أمك ولا شيماء يا نزار؟!"

ابتعد نزار عنها خطوتين ثم قال بنبرة قاطعة باترة أوهمتها أنه سيختارها بالطبع.. ولكنه خيب كل أحلامها عندما نطق: "ما هذا السؤال يا هناء.. شيماء طبعاً!"

"يا خَيبَتِي فيك... هل هذا جزائي؟!"

أومأ بدون تردد مرة أخرى.. بينما وقف جوشوا ناصباً جسده الصلب أمامها بكبرياء وشمخ برأسه وهو يتخطاها ثم قال بحزم مغرور "لقد قبلت صفقتك، أخبر أمك أن تتجهز كأي عروس راغبة في وصال حبيبها، لحين انتهائي من مقارعة ومحاربة رجال الراوي بالحجة لأظفر لكَ بحبيبتك"

هتفت هناء في ظهره بغيظ: "هذا أبعد من أنفك، أنا لن أتزوجك"

قال جوش بفظاظة دون الالتفات لها "لقد وافق ولي أمركِ وعندما نعقد كتابنا وتصبحين بين ذراعي تتنعمين بغرامي سنناقش كل أسبابكِ كما تريدين سيدة هابر..."

ثم انصرف ببساطة وبرود شديدين تاركها مكانها تغلي غيظاً.. ويتراقص قلبها بين أضلعها طرباً كما احمرت وجنتيها خجلاً وكأنها عادت مجرد شابة صغيرة وافقت على طلب زواج المتملك المتسلط والحبيب... غطت وجنتيها التي أضرمت فيهما النيران بباطن كفيها وهي تهمس "تباً.. سأرفع رايتي وأستسلم لأرى ما يخبئه المستقبل.. عله يرمم جراح الماضي"

"مهلاً.. هل قال غرام وذراع وحضن وصدر و... لاااا.. انتظر يا أبي.. لقد غيرت رأيي"

التفتت إليه هناء وهي تسحب ملعقتها من على الطاولة ثم توجهت إليه بكل غلها منه وهي تقول "اخرس.. وتعال إليّ يا قلب أمك لأعيد تربيتك التي فشلت فيها"

*********



بصعوبة شديدة كان يمنعه نضال مع أحد الحرس من كيل المزيد لهم، ولكنه كان كصخر الجبل صامد رافض ان يتزعزع ومغيب الفهم تماماً، وكأن تمزيق أجسادهم حرفياً وعلامات حزامه ويديه التي سيبقى أثرها طويلاً عليهم لم تشفي غليله بعد.. بصعوبة نزعوا الحزام من يده ثم أجلسه نضال على أحد المقاعد الخشبية مكتفاً يديه وهو يقول بحزم "يكفي, هذا لن يعيد ما فعلوه فيها، فلنحمد الله أنك كنت هناك في الوقت المناسب وأنها آمنة"

(تأخرت.. نالوا مني... انحني تحت أقدام مايا، سنتناوب فوق...)

أغلق جفنيه بقوة بينما الغضب الشديد يعود يطفو على السطح وهو يزمجر بعنف ثم قال بقسوة "لم أكن.. لقد خذلتها مرة أخرى"

قال نضال بتحكم "لقد تركتك تفرغ جام غضبك، كما فعلت أنا قبلك وكما أظن راشد سيفعل وإن كان بطريقة أخرى على ما أعتقد ولكن إلى هذا الحد وكفى.. أنتَ لست مجرماً يا خالد لتنهي حياة أحد هؤلاء الخنازير على يديك"

لم ينظر إليه.. ولم يمنحه أي رد قد يطمئنه أنه قد هدأ ليتحدث معه بعقلانية مما دفع نضال أن يقول "عندما قابلت رجالك وجدتهم يحبسون فتاتين مع هؤلاء... لذا أريد أن أسأل ماذا أنتَ فاعل بهن؟!"

رفع وجهه الغاضب ثم قال مستنكراً "وماذا قد أفعل بالنساء، أضربهن كأي جبان... كيف استطعت طرح الأمر حتى؟!"

حرك نضال كتفيه ثم قال "حسناً, أنا لا أملك أخلاق الفرسان مثلك ففكرت أن احتجازهن ليلة هنا قد يمنحهن عقاب مناسب... نهاية عندما يَعُدنَ لأهاليهن وتكونا مجبرتين لتبرير موقفهن"

قال خالد بجمود "وهل لو لهن آباء حريصون عليهن أو أجادوا نشأتهن كانا فعلتا ما فعلنه!"

"إذاً.. ما قرارك؟!"

صمت لبرهة ينظر للوجوه المعلقة في السقف والدامية بالطبع، ثم قال باصقاً الحروف من فمه بقرف "دع أحد الحراس يوصلهن لمنازلهن في الوقت الحالي.. واحرص أن ترويا مروان بيك وتابعيه بتلك الحالة... وبعدها هناك أمراً مختلف تماماً يحضر لهم جميعاً"

أنهى جملته وهو يتحرك نحو قميصه الذي رماه على الأرض بإهمال، ثم أعاد وضعه على جذعه يعيد إغلاقه ببطء.. عندما سمع نضال يقول: "كنت أرغب في رؤيتها ولكن حسبت أن هذا ليس في صالح أحد"

أومأ خالد بهدوء ثم قال "حتى وإن أقدمت على هذا.. سَبنتي تعيش الآن حالة من الاضطراب والضياع"

"إنها مصدومة فما حدث ليس سهلاً"

رمقه خالد لبرهة قبل أن يأخذ نفساً حادا وهو يقول "كل ما حدث معها منذ قرارك ببيعها لزوجتك.. لم يكن سهلاً ليتني كنت أكثر قوة وحكمه وقتها لأمنعك أنت وهو من أخذها من حمايتي"

"خالد..." حاول نضال أن يدافع عن موقفه..

منعه خالد وهو يقول "لم يعد مهم الآن ذكر أخطائنا جميعاً.. بل كيف سنعمل على إصلاحها"

قال نضال بهدوء "نحن نحتاج لنتحدث كصديقين, هناك أشياء حان وقت مواجهتك بها"

"سنفعل.. ولكن بعد أن يدفع كل فرد فيهم الثمن، الأمر لم ينتهي عند إفراغ غضبي بكم جلدة وضربهم ستختفي من على أجسادهم ثم يعيثوا فسادًا مرة أخرى... أخبرتك أنا وراشد شرعنا بالفعل في فتح أبواب الجحيم عليهم كما ذويهم"

*********

بعد ساعات طويلة كان يعود للمشفى مع يقين أن والدته وراشد ما زالا باقيان معها وإن انسحبت بدور الآن عائدة لابنها.. من الجيد أن لا أحد من أصدقائهم أو أفراد العائلة متواجد الآن.. أذ أن ما هو على وشك قوله سيقلبهم عليه تمامًا...

جلس راشد بجانب منى فوق المقاعد الكثيرة التي تناثرت في أنحاء الردهة الواسعة أمام غرفتها..

"اذهب فأنتَ تحتاج للاستحمام ولتغيير ملابسك وخذ قسط من الراحة ثم عد"

قال بهدوء "لن أستطيع فعل هذا ليس قبل أن تتبدد حالة الذعر التي ما زالت تحيا فيها"

قالت منى بتردد "هل ساعدها أحد الأطباء في الماضي، أنا فقط أسأل كي يربط اللاوعي عندها الحادثتين!"

تنهد وهو ينحني بجذعه للأمام يضع كلا ساعديه على ركبتيه وشبك أصابعه في بعضهم لتنفتح سترته فتهدل جانبيها حوله "لم تكن متعاونة جداً مع الطبيبة، الأمر لم يكن سهل على الإطلاق يا زوجة عمي, إن سَبنتي ظلت لأكثر من عام ترفض الخروج من المنزل، أو أن تبدي أي رغبة في الحياة.. لقد كان إعادة بنائها كالنقش على الماء"

سألت منى بوجوم "أخشى إخبارك أني رأيت هذا فور عودتها، ربما أنا نجحت في خلق فتاة قوية صامدة.. ولكنك لم تقضي على سر وجعها.. إن صغيرتي تتألم!"

"أعرف.. وإن كان لم يكن لدي حل آخر وقتها، فسَبنتي إن استمرت هنا وعادت لتكمل حياتها بينكم لكانت تحطمت تمامًا.. لم يكن ليتركها أحد في حالها يا زوجة عمي"

اغرورقت عينا منى بالدموع قبل أن تقول "هل تقصد عمك؟!"

قال بوجوم "الجميع وليس هو فقط، بدور وقتها بكل اضطرابها النفسي الذي كانت فيه ما كانت لتتركها لحالها... وبالطبع جوان كانت لتطاردها غير راحمة إياها وأنا لا ألومها لهذا ولكن لن أستطيع تسليمها ابنتي لينهشها مجتمع لا يرحم... أما السيد خالد الذي منحني كلمة رجولية قاطعة أن لا يجرحها أبداً ....فهذا قضية أخرى"

أخذت منى نفساً عميقاً قبل أن تقول "هذا لا يبرر فعلتك يا راشد.. أعرف أن الوقت غير مناسب ولكنك جُرتَ على حق ابنتي كما..."

لم يمنحها فرصة لتكمل إذ قال بغلظة "أنا لم أَجور على بدور.. بل أجرمت في حقها وحق ابني وهذا ما لن أغفره لنفسي.. ولكنِ لم أملك حل آخر.. بعض الحلول تكون دامية وقاتلة ولكنها فعالة، أنا لم يكن في يدي حل آخر إلا إنقاذ طفلاي من جحيم كان سيبتلعهما لا محالة"

صمت لبرهة قبل أن ينظر لعينيها مباشرة وهو يقول "أخبريني الآن أني وقتها لم يكن لدي حق... قولي لي بصدق إن كانت بدور وقتها تصلح لتربية ابني.. أنا قَسَوت ولكن كنت مضطر"

"كما ستكون مضطر الآن لحل تلك المشكلة بجعلها تبتعد عن البلد وعني مرة أخرى"

رفع كلاهما رأسه بغتة يحدقان في الجسد الرجولي الناضح بالتوتر والسخط... قال راشد ببرود شديد "عنك أنتَ بالذات قد أفعل"

تمركز خالد بوقفته المتحدية أمام جلسته بالضبط ثم قال "كما توقعت، لذا لن أجازف بإبعادها عني وسرقتك إياها.. إن كانت سَبنتي تحتاج للترميم والمساعدة هذه المرة فلن يفعلها سواي"

افتعل راشد ضحكة ساخرة قبل أن يقول "وهل ستساعدها وحدك.. أم ستتلقى التضامن من خطيبتك؟!"

قال خالد بجمود: "لقد فسخت الخطبة"

تحرك راشد من مكانه قبل أن يزيح طرف معطفه مخرج علبة سجائره وشرع في إشعالها وهو ينظر بعينين ضيقتين إليه من بين كفيه التي تشعل النار ثم تمتم بلا اهتمام والسجارة معلقة بين شفتيه "مبارك عليها.. والآن ماذا تريد؟!"

انسحبت أنفاسه داخل رئتيه وهو يتلفت في المكان متأكداً من عدم تواجد أحد غيرهم إذ أن بالفعل استخدم راشد بعض من سلطاته ليقتصر ذلك الجانب عليهم فقط... فتح فمه أخيراً يقول بقوة جازمة "أريد أن أتزوج سَبنتي"

حدق راشد في الشعلة بين يديه والتي كانت تتدرج ألوانها بسرعة غريبة بين الأحمر، البرتقالي.. واللون الأزرق شديد الحرق، ثم سمح لها أن تطفئ قبل أن يصفق فجأة بكلا كفيه بسخرية مسرحية وهو يقول "أحسنت... أنت تأمر تطاع... لا أحب سَبنتي الخائنة التي باعتني، وسأتزوج لانا بالطبع تأمر فتطاع.. لانا لا تناسبني.. سأتزوج سَبنتي هذا من حسن حظها..."

توقف قبل ان يقول بأستخفاف

" مهلاً من تظن نفسك؟!"

اقترب خالد منه وهو يقول بشرر "بل من تظن أنتَ نفسك؟ تعلم أني أحبها منذ أدركت معنى أن أفسر مشاعري، رضوخي لإلحاح والدي والضغوط التي كانت على رأسي كان لك يد فيها أيضاً.. زوجني سَبنتي يا راشد"

طرقع راشد بلسانه وهو يرمقه من رأسه حتى أخمص قدميه ثم قال وهو ينثر رماد سيجارته في وجهه "لا..."

فقط لم ينطق بغيرها وهو يستدير نحو أحد النوافذ فأوقفه خالد الذي كان أمامه في لحظة يقف في وجهه بتحفز وكأنه يبغي القتال.. عبس راشد وهو يحرك رأسه جانباً بتعجب، مقيماً ابن عمه الشاب بنظرة عابرة، كان خالد يفوقه هو شخصياً طولاً رغم أنه يتمتع بصفات عائلته الجسمانية الضخمة ولكن عند هذا الشاب المندفع كان الأمر مختلف... حرك عينيه نحوه مرة أخرى يقيم وجهه المتعرق وعضلاته التي تكاد تقفز خارج قميصه المشعث، متناغمة مع أنفاسه الحادة ثم قال أخيراً بهدوء "اذهب للمنزل وارتاح قليلاً، ولا تعود إلى هنا، وستجد أن طلبك هذا تبخر في الهواء كما كل تأكيداتك بحبها"

قال خالد بجفاف "لن أخرج من هنا قبل أن تزوجها لي.. أريد سَبنتي يا راشد، لا تحاول التلاعب أو الانتقام مني تعلم أني أحبها ولم أحب سواها"

قال راشد بقسوة "هل تريد مني أن أزوجك ابنتي عقب حادثها ليجد المجتمع القذر فرصة لأكل لحمها مطلقين إشاعات أنك اضطررت للتستر عليها؟"

هتف خالد: "كلنا يعلم أنها بخير، كما انى ما عدت أهتم بمن يقول وماذا يقول"

اكمل راشد بلهجة لاذعة "إذاً أنتَ أناني طفولي، كسرت لعبتك الجديدة ، والآن تريد مني منحك لعبتك القديمة"

راقب الدماء تنسحب من وجه ابن عمه وهو يقول بتوتر "هي من انسحبت بنفسها بالأمس.. إذ أنها أدركت أني ما عدت أملك شيء أقدمه لها أو لسواها.."

"توقف..."

راقب راشد اندفاع زوجة عمه نحو ابنها تشده من ذراعه بشراسة ثم انفجرت في وجهه مرة واحدة وكأنها كانت تنتظر طويلاً أن تفرغ قهرها من ابنها في الوقت المناسب.. صرخت منى في فقدان سيطرة نادر في وجهه "توقف.. يا خيبة أملي فيك.. لقد ربيتك لتكون فارساً وحامياً لأخواتك ولي... كبرتك لتكون عكس كل ما كرهته في والدك.. أراقبك لسنوات تتغير وتكابر.. تظلم ربيبتي مرة وتغدر بها مرات.. ثم تعود لتدخل فتاة غريبة في قصتك، ولا تمنحها إلا الخواء والقهر... وتعود الآن لأنك فقط تريد وترغب ..تطلب أخرى وأنت لم يمر على فسخ خطبتك إلا ساعات... من أنتَ يا خالد.. أصبحت مسخ خبيث يتألم قلبي كلما نظرت إليه... أين ولدي الذي ربيته على الحلال والحرام.. على تقوى الله في الناس من حوله... أين ذهب ابني؟!"

أمسك راشد كتفي زوجة عمه محاولا إبعادها وتهدئتها.. بينما رن صمت ثقيل ومخيف في أرجاء الردهة الطويلة... يحدق أحدهم في الآخر دون أن يجرؤ على قطع حدة الموقف..

حتى تحرك خالد أخيراً يمسك رأسه بين يديه بعصبية مفرطة، ينفخ صدره بكبت رهيب طارت معه أزرار قميصه ..لوهلة نظر إليه راشد مشفقاً على فتى كان يأمل أن يكون زرعتهم جميعًا الرائعة و المثالية.. متناسياً وزوجة عمه أن ابنها مجرد بشر يجب أن يخطئ، يتخبط ويجازف كي يتعلم من تجاربه الكاملة...

نطق خالد أخيراً بصوت أجش مشحون "هل تريدين معرفة من أنا... حسناً يا أمي... أنا نفسي لا أعرفني، ما حدث لي خلال أربعة أعوام لم يكن جديد عنكِ.. لقد راقبتني أتحول ببطء لذلك المسخ دون أن تحاولي إيقافي..."

قالت منى بجمود "حاولت ولكنك رفضت الاستماع لي، متبعاً أبوك وأنت تظن أنك هكذا تكفر عن أخطاء الجميع وتقدم له ولأخواتك ما يحتاجونه منكَ... ناسياً أن تنظر ما الذي رغبته أنتَ ومتجنباً موازنة ما كنت عليه وما أصبحت فيه... بر والدك وحماية أخواتك لم يعني أبداً أن تقتل روحك ومبادئك ورغبتك أنتَ يا خالد"

"لم يكن هناك مجال، إما أترك كل شيء يضيع.. أو انحني لما خلقت من أجله"
هبطت دموع منى بأسى وهي تقول "دائماً هناك حل لا يحطم، لقد كنت كل أملي يا خالد... كما كان راشد ولكن كلاكما خذلتماني... ليس هذا ما ضيعت عمري من أجله... ليس هذا ما ضحيت من أجله... أنتَ مسخ متخبط.. وأختك امرأة مفطورة الفؤاد وضائع عمرها، شيماء ما زالت محبوسة في متاهتها تتظاهر بالقوة.. وسبنتي....!"

أشارت بيدها بقهر قبل أن تنظر بوجهيهما وهي تردد "لقد كنتما آخر أمل لي كي تصلحا كل أوجاع الماضي، أن أجد صورتي فيكما أخيراً جميلة بالداخل كما الخارج.. ولكن ماذا وجدت أنا بالنهاية؟! لا شيء.. لقد ضاع عمري وحصادي عبثاً.."

سحبها راشد يجرها إلى أحد المقاعد ثم قال بتوتر إذ أنه كان أبعد من خياله أن تنفجر في وجهيهما أو حتى أن تكون ما زالت تأمل فيه "أهدئي..."

هتفت بانفعال "لن أفعل قبل أن ينسحب من هنا.. وينسى تماماً ما قاله"

أغمض خالد عينيه بقوة متجرعاً بقلب خافق كل ما قالته.. ولكنه كان أكثر إصرار على طلبه.. لا يرى أمامه إلا شيء واحد طارده لزمن طويل وحرموه منه بتعسف... لا هو لن يسمح له أن يجازف.. ولن ينتظر.. لذا قال لكليهما وكتفيه ينحنيان باستسلام "أنا أحبها.. لا أحتاج لوقت لأعرف هذا، كما طلبتِ مني بالسابق... أحبها لحد يمنحني القوة أن أقف في وجه كل من يبعدني عنها مرة أخرى... أحبها لحد أقبل بكرهها لي ورفضها الذي أوقن أنه لن يقل عن رفضكما بشاعة... ولكني لن أتنازل أو أتزعزع عن موقفي... سأتزوجها وعندما تصبح حلال لي، زوجتي أخيراً وتعود لحمايتي، وقتها أنا أعلم كيف أعيد الدعسوقة كما كانت وأمحو عن قلبها أي جرح فعلته يدي أو تسبب فيه غيري..."

هزت منى رأسها بيأس وإن كان دق قلبها العطوف ألماً على نبرة ولدها الصادقة جداً والمتوجعة... بينما رفع راشد جفونه يحدق في وجهه بنظرة غامضة وغريبة...

اقترب خالد منهما مرة أخرى وجلس القرفصاء أمام والدته ثم أمسك بيدها المعقودة على حجرها وهو يكرر برجاء "أنا أحبها يا أمي.. كما أن قلبي يخبرني أنها لن ترى رجل غيري أبداً.. جميعكم يعلم تلك الحقيقة الواضحة كنور الشمس، أحبها لحد يزلزلني يعصف بكل ما كُنت عليه فور أن غادرتني... ثم أعادتني من جديد لتزرعني مكاني فور أن أعادها لي.. لا تقفي ضدي.. دعيني لمرة واحدة أفعل الشيء الوحيد الذي لا أتخبط فيه، الأمر المسلم به في حياتي.. ساعديني لأكون لها انتماءً جديداً ووطناً!"

***********

بعد يومين..

جلس ممدوح على الأرض بجوار سرير ابنته كعادته منذ ما حدث إذ أنه كان يرفض تماماً تركها رغم محاولات أيوب العديدة.. وبالطبع مراد الذي صدمه وجوده بعد ساعات من اتصاله بشقيقته...

بالطبع لورين لم تغادر أمل كما شقيقتيها ولكن كان مانع أي احتكاك بها أو بأحد على وجه الإطلاق.. يكفيه الصدمات التي يتلقاها واحدة تلو الأخرى... مثلما تفاجأ أن ابنته تأخذ اسمه ولقبه، والسؤال الذي جعله يكاد يفقد عقله "ما الذى كانت تحاول لورين فعله, إذ أنها نسبت ابنتها إليه وعرفتها به؟ لماذا إذاً ذلك الجحود والقسوة؟ لما أنكرتها منه؟"

شعر بيد مراد على كتفه وهو يقول "ممدوح الطبيب طه أخبرك أن جلوسك هنا ليس له جدوى.. نحن لن نعلم متى ستفيق الصغيرة"

تنفس ممدوح بعمق قبل أن يقول بإصرار "وإن ظلت ألف عام، لن أتركها قبل أن تفتح عيناها وأمنحها لقبي الصحيح الذي كانت تتحير في نطقه...ليس قبل أن أضمها"

انتهت جملته بنبرة مبحوحة.. وهو يحدق في السرير الأبيض على أمل أن تقفز منه أمل قريباً وتشاكسه كما أول مرة رآها...

"أتعلم بماذا أخبرتني أول مرة رأيتها؟!"

نظر إليه مراد بتعاطف وهو يهز كتفيه بجهل.. قال ممدوح بغصة عميقة "قالت أني آذيتها إذ خبطت ساقها بغير قصد... أنا لم أرها وآذيتها كما صدقت صغيرتي، إذ كنت معمياً بحب فاشل هدمني أكثر مما منحني للحقيقة ..وأنا هنا الآن أرى الصورة بوضوح أن لورين لم تمنحني أي شيء.. لقد كانت تبحث من خلالي عن تصحيح ماضيها هي"

جلس مراد جانبه باستسلام.. واضعاً ساقيه الطويلتين أمام جذعه بإهمال.. ثم قال بصوت رخيم "هل تريد رأيي.. إن كلاكما تحملان جروح عميقة، بحثتما داخل بعضكما عن الدواء.. ما حدث يا ممدوح كان نهاية واقعية للغاية إذ أنكما لم تحكما العقل بل اندفعتما باحثين عن عاطفة وحاجة نفسية بحتة"

قال ممدوح بهدوء "أنا لم أكن أنوي استغلالها بل أحببتها، أعترف بأني كنت أحتاجها بجانبي إذ أنها كانت المرأة الوحيدة التي استطاعت أن تلج لداخلي، أن أثق فيها وأسلمها كل أمري... وكم كنت أحمق غبي وتغاضيت عن كل العلامات التي كانت تخبرني أن انسحب..."

أخذ مراد نفساً عميقاً قبل أن يقول بهدوء "حسناً لنركز على خطوتك القادمة.. هل أنتَ متأكد أن لا نطالب بسفر ابنتك لتتلقى العلاج في أمريكا؟!"

هز رأسه برفض قاطع قبل أن يقول "أنا أثق في الأطباء هنا.. كما أن أمل ستفيق قريباً.. وبعدها..."

صمت قاطع كلامه قبل أن يقول بجمود "بعدها سأقابل جدها وأخبره بما أرتب له، قبل أن أقوم بخطوة أخيرة، ما كان يجب أن أتراجع عنها في الماضي"

بسط مراد ساقيه على الأرض قبل أن يلتف نحوه يسأله بقلق" هل تعني أنك...."

بحركة آلية لا حياة فيها.. وقف ممدوح من مكانه وهو يقول بجمود "نعم هذا ما عنيته... وقبل أن تقول شيء لا أحد يملك حق التدخل بيننا..."

وقف مراد متبعاً إياه ثم سأله بوجوم "إن كنت ستتصرف من رأسك لماذا قبلت بوجودي إذاً.. ظننت أننا أخوة يا ممدوح"

قال ممدوح بهدوء "ما بيني وبين أم ابنتي لن أناقشه مع أحد.. بالطبع أنا شاكر لوجودك.. كما أنك تفعل ما في استطاعتك حتى تكمل أوراق أمل في أقرب وقت"

تمتم مراد "الأمر ليس سهلاً, إن الفتاة لا تحمل إلا الجنسية الأمريكية وبالطبع أحتاج لتوقيع كليكما لنخرج لها جواز سفر.. ومع الوضع الراهن لا أعتقد أن زوجتك ستوافق"

صمت للحظات قبل أن يغمغم "دعنا نكتفي بتصريح السفر، أما أمر لورين اتركه لي"

قال مراد محذراً "ممدوح، أمها يجب أن تعلم بنيتك، إذ أننا لو أخذنا الطفلة وقررت هي الإبلاغ عن الأمر.. ستأخذ من كليكما وترسل لأميركا حتى يبت القاضي في أيكما يستحق ان يمنح حضانتها"

أشاح بوجهه عنه يداري قهره وضيق تنفسه، من تذكره ماضي كليهما المشابه ثم قال بصوت مثقل "أنا لا أنوي أخذها تجبراً.. كما أن لورين من المستحيل أن تعرض ابنتنا لقوانينهم..."

صمت مرة أخرى وهو يحدق في صغيرته.. ثم قال "فقط فلتفيق، وتعود ضحكتها الحلوة تملأ المكان، وبعدها سنرى ما سيحدث"

*********

ليلاً..

وقف ممدوح بصحبة لورين وطه وأيوب يتلقى من أحد عناصر الشرطة خبر قبضهم على الشابين وتم حبسهم في المخفر حتى يذهب هو ووالدتها ليتعرفا عليهما..

"إن رأيت أحدهما سأنفذ فيه حكم الإعدام، قبل أن أمنحك إجابة"

أمسكه أيوب مبعده عن وجه الشرطي الذى تحدث بتفهم "لن تقتل أحد، لقد عرفت أن لكِ ابنة تحتاجك"

قال ممدوح بلهجة لاذعة "ابنة تعلم كيف ألم فقد والجهل بأي شيء عنها، ورغم هذا لم تتردد في جعلي أجرح براءتها بجهلي"

"ربما لأنك وزوجتك لم تستحقاها، انظرا أين نحن بسبب عنادكما"

حدق فيه ممدوح بذهول قبل أن ينفجر في ضحكة غريبة ومريرة كالعلقم ثم هتف بدون تردد "إن ما نحن فيه بسبب ابنتك، إن لم تدفعني بعيداً ما كانت أمل خرجت للبحث عنى لتلتهمها الذئاب"

نظرت له لورين بعجز ولم ترد، وكأن وجود ابنتها في تلك الأزمة جعل كل شيء يتبخر من عقلها.. ويضعفها..

"دكتور طه نحتاجك هنا" هتفت إحدى الممرضات بقلق من خلال باب غرفة أمل قاطعة سجالهم...

اندفع طه وهو يسحب سماعته من على عنقه بينما وقفت لورين على الباب عاجزة كلياً عن تقديم أي مساعدة لصغيرتها... لقد تحطمت لمليون قطعة عجزت يديها المرتعشة أن تمسها، ولم تتجرأ وتباشر حالتها بنفسها.. تقدمت مرح تضم كتفي أختها التي انهارت وهي تسمع أوامر طه لبعض الممرضات.. وصراخه الحاد طالباً من ممدوح أن يغادر الغرفة...

"يا الله، احميها، لا تحرمني منها, امنحني فرصة أخيرة أعوضها ابتعادي عنها، يا رب لا تأخذ مني أمل، لقد منحتها لي كهدية لأستطيع أن أصمد وأحارب" تضرعت لورين على صدر مرح بانهيار من بين شهقاتها المتقطعة...

مرت دقيقة حتى امتدت لربع ساعة يعيشون على خط النار في رعب تام قبل أن يخرج طه أخيراً ينظر للوجوه المترقبة برعب... ثم قال أخيراً بابتسامة بطيئة "لقد هددتني إن لم أسحب ذلك السلك المزعج عن يدها ستفتح رأسي"

*********

بحذر كما أمر طه كان كل فرد منهم يدخل تِباعاً ليطمئن عليها.. حتى لم يبقى غيره... عقب أن خرجت لورين بصعوبة من عندها إذ أنها كانت تصر لتتواجد معها..

وقف ممدوح يعرج بتثاقل وارتباك نحو الغرفة وكأنه يجري ليرى أعظم ذنوبه وأجملها.. فتح الباب ببطء وتقدم نحو فراش صغيرته التي هلل وجهها الشاحب فور أن رأته ثم قالت "لن تسافر.. وتترك أمل!"

دمعت عيناه تأثراً وهو يقول باختناق "لن أغادر أمل أبداً.. سأبقى بجانبها دائماً"

تغضنت ملامحها بالألم ثم بكت عيناها وهي تشير بضعف نحو رأسها "هنا يؤلمني.. الرجل السيء أوقع أمل"

خرجت شهقة مروعة من صدره وهو يصل إليها يجلس بجانبها ببطء يلمس رأسها وهو يقول "أمل فتاة قوية... فور أن نعد ثلاثة هكذا..."

رفع أصابعه الخمسة كما فعلت قبل أيام.. ثم أكمل "ستطيب كل الجروح يا صغيرة"

تغضنت ملامحها بقوة بينما يدها تتحرك على صدرها وبطنها تحكهما في حركة دفاع غريزية حتى وإن كان عمرها لن يستطيع أن يفسر سبب إحساسها هذا ولكنه فهم عندما قالت "لقد أمسكني هنا بقوة، أنا لم أحب هذا لقد بكيت وأخبرته أن يتركني إذ أنه يؤلمني.. ولكنه قال أنه سيصطحبني عندك"

كفى.. إنها تقتله وتشعل النار في كل عضلة فيه، كل حرف منها, كل حركة عفوية تصدر عنها توجه إلى عنقه كالخناجر ذابحة إياه من الوريد للوريد "سأشرب من دمائهم، كما كنت استحق أنا قبل أن يطالك ذنبي"

"دوحا!" رفع ممدوح كفيه المضطربتين يمسح وجهه بعصبية شديدة محاولاً أن يحجب غضبه وقهره.. وانهياره بعيداً عن عينيها... ثم أخذ دقائق قبل أن يقول باختناق "أمل هل تذكرين يوم أن سألتكِ من أنا ولم تجيبيني؟!"

منحته ابتسامة شاحبة واسعة، كانت حقاً أجمل ابتسامة حصل عليها في عمره البائس... ثم همست ببراءة شديدة، جاعلة فؤاده ينتفض بعنف بين أضلعه "أنتَ بابا الحقيقي"

لم يشعر بنفسه وهو يدفن يديه تحت قامتها الصغيرة، يدفنها بين ذراعيه بقوة.. ثم يقبل وجهها، ضمادة رأسها، يديها التي تؤلمها وهو يهتف بصوت أجش من حدة البكاء "نعم، أبوكِ الذي قتله الغباء ليسافر بعيداً ويترك كل هذا الجمال.. بابا الذي لن يترككِ بعيداً يا أملي... أنا أحبكِ يا أمل، إياكِ أن تصدقي غير تلك الحقيقة, سأمنحكِ عمري وقلبي فداءً للحظة ألم واحدة لكِ يا كل أملي أنتِ"

ذراعيها الهزيلتين أحاطت عنقه، ورأسها الذي تشعر بثقله ارتاح على كتفه ثم أغلقت جفنيها وهي تقول "وأنا أحب بابا.. سأنام الآن، لا تبتعد"

قال مجاريها "لن أسافر، أنا أريد اللعب بسيارة أمل"

همست مرددة وهي تستسلم لدفئه أخيراً لصدق مشاعره ولهفته، لإقراره بعد طول عذاب بأبوته "بابا مولي لن يسافر، سيبقى معها بعد أن عاد لأنه يحبها..."

"مولي!" أغلق جفنيه بقوة ويده تمسد على ظهرها بحنان يتلمسها وكأنه يتأكد من وجودها و نجاتها، وأنها حقيقية وليست خيال صوره عقله المضطرب له..

"مولي خضراء العينين... مولي كانت تفتقد وجود أبيها.. وهو يعدها أن لا يجعلها تجرب مرارة الحرمان الذي عاشه هو.. أعدكِ صغيرتي أن أفعل المستحيل حتى لا تقاسي ما جربته أنا وأمكِ"

فتح جفنيه مرة أخرى ببطء وهو ينظر من أعلى كتف صغيرته نحو يد لورين التي امتدت تمسد على رأسها بين ذراعيه..

"تفضل اسم مولي ولكني كنت أصر أن أحرمها من سماعه" همست لورين من بين دموعها بنبرة أشبه بالنواح.. لم تجد له أي صدى من التعاطف عنده وهو يزيح يدها عن ابنته لتسقط بجانبها بتخاذل..

"كل شيء كنت قادر على غفرانه وعلى إنكار ذنبكِ فيه.. إذ أني لم أكن أرى إلا ذنبي.. ولكن هذا يا لورين.. طفلة حرمتيني منها متعمدة رغم علمكِ أنني لو عرفت بوجودها لكان تغير الكثير.. لن أغفرها لكِ أبداً.. إن كنتِ تتوقين للخلاص فقد حصلتِ عليه لتوكِ والثمن غالي على كلينا هذه المرة"

********

يتبع الان
:heeheeh::heeheeh::heeheeh:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:58 PM   #2614

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الاربعة والثلاثون
ما هو المطلوبُ حتّى أدخلَ البحرَ .. وأَستلقي على دفءِ رمالِكْ ؟ إنني نفَّذْتُ – حتى الآنَ – آلافَ الحماقاتِ لإرضاء خيالِكْ وأنا اسْتُشْهِدتُ آلافاً من المرَّاتِ من أجل وصالِكْ .. يا التي داخَتْ على أقدامِها أقوى الممالِكْ .. حَرِّريني .. من جُنُوني .. وجَمالِكْ .. ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُعْلِنَ للعشق وَلاَئي ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُدْفَنَ بين الشُهَدَاءِ ؟
راشد \ خالد

.................................................. .................................................. ..............
لاحظ راشد وقفة بدور المتوترة وهي تنظر في ساعتها...

رفعت عينيها إلى سبَنتي وقالت "لقد اطمأننت عليكِ.. تعافي سريعاً إياب يشتاقكِ"

هزت رأسها المستريح على الوسادة ثم همست "لا تخبريه بشيء"

وقفت بدور من مقعدها ثم ربتت على شعرها بحذر شديد، حتى لا تتسبب في إجفالها ثم قالت "يلح في طلبكِ، ولكنِ كما اتفقنا استمررت في إخباره أنكِ مشغولة في دراستكِ"

أومأت دون رد وهي تحدق في الفراغ بشرود... منذ أن أفاقت ترفض الحديث عما جرى مع أحد، فقط ما يحصلوا عليه منها هو دموع صامتة ونظرة قاتلة مملؤة بشعور الإذلال.. لقد حطموا المتبقي منها.. الأوغاد.. فقط لأنها رفضت الانجرار لعالمهم القذر.. لقد حصل راشد على استجواب كامل من الفتاة الأخرى التي تدعى هاجر وأخبرته فيه بالتفصيل الممل عن كل ما حدث منذ ظهور سَبَنتي في الجامعة... بالطبع ما زال ذلك القذر المذهول مروان ورفاقه، مقيدون في أحد المخازن، ورغم توسل عائلاتهم لمقابلة راشد وتسوية الأمر معه بعيداً عن الشرطة والصحافة وبالطبع الأذى لأولادهم.. ولكنه رفض وتمسك بأن يأتي بقرار رفض نهائي من الجامعة لجميع من اشترك في الأمر... أما خالد فهو متحيز بعقل حجر لحبسهم في ذلك المخزن، منفذاً فيهم قرار إعدامهم نفسياً... بالطبع الأمر لم ينتهي على هذا فقط إذ أنها تعلم جيدا أن راشد ما زال في جعبته الكثير وتحطيم مستقبلهم كان البداية فقط...

راقبته يتحرك ليجلس بجانبها مقابل شيماء التي تمسكت هي الأخرى بعودتها ومجاورتها حتى تخرج من أزمتها..

وسمعته يقول "هل أحضر لك شيء..."

هزت رأسها بالنفي متمسكة بحالتها الصامتة...

"راشد!"

نادته بدور بخفوت جاذبة بعض من اهتمامه إذ رفع لها عينين مستفسرتين! فسألته ببعض التردد "الوقت تأخر وأريد العودة.. و.. وأرغب أن توصلني أنتَ"

رغم أن الفكرة مغرية بعد كل هذا الجحيم الذي عاشه.. أن يستفرد بها هي ولوقت قصير، وبناء على طلبها والذي يُعَد معجزة, لعلّ وجودها وتجاذب الحديث معها حتى وإن كان نارياً كالمعتاد يمنحه السكينة.. ولكنه ببساطة تردد وهو ينقل بصره بينها وبين سَبَنتي...

نظرة الإحباط الممزوجة بنغزة ألم التي ظهرت على ملامحها الجسورة والتي دارتها بمهارة لم تخفى عن ناظريه فثبتتا فوق صفحة ملامحها الجميلة وقرأ بوضوح ما يدور في رأسها ويعنفها داخليا ..كيف تجرؤ لوضعه في محل اختيار بينهما إذ تعلم النتيجة مسبقاً.. أن كفة سَبنتي سترجح لا محالة...

"لا عليك يمكنك البقاء هنا.. أنا فقط راغبة في الحديث معك في أمر ما.. يمكن تأجيله" قالت بلطف، قبل أن تستدير بأناقتها المعهودة متوجهة نحو الباب..

"انتظري"

نظرت له من فوق كتفيها رافعة حاجبيها باستفسار مترفع... وقف من مكانه وهو يمسك يد سَبنتي يقبلها بحنان فوق ضمادتها ثم قال "هل ستكونين بخير إن تركتكِ مع شيماء لساعة واحدة؟!"

ابتسمت عيناها ببطء وكان هذا أول رد فعل يحصل عليه منها منذ ما حدث.. هزت رأسها موافقة وهي تهمس ببحة مختنقة أثر صمتها الطويل "اذهب.. أنا دائماً سأكون بخير مع شوشو"

قال راشد بوجوم: "ولكني لن أكون بخير أبداً يا سَبنتي..."

أشاحت بوجهها المكدوم بعيداً وقد انمحى انفعالها رافضة التطرق في الحديث.. قال راشد وهو يسند يدها على خصرها برفق "البعبع في الخارج يحرس الغرفة كطرزان... ورغم غيظي منه أنا الآخر ولكن كلانا يعلم أنكِ ستكونين بأمان معه..."

"ارحل.. راشد!" همست بضعف وهي تحاول أن تسيطر على دموعها بصعوبة...

تحرك من مكانه قبل أن يرمقها بنظرة أخيرة... ثم ينسحب مغادرا بجانب بدور، مانحها شيء يسير وتفضيل لأول مرة..

**********

"لم يتيح لي الوقت منذ ما حدث أن أخبرك أني آسفة حقاً لما حدث!" قالت بدور أخيراً كاسرة حدة الصمت الذي خيم على أرجاء سيارته منذ أن استقلوها...

قال بجفاف "لا أنفك ألوم نفسى في كل لحظة، لو لم أكن أصررت على عودتها إلى هنا... لو كنت أكثر حزماً معها وجعلت الحراس يتبعونها... لو أني كنت هناك وقت ما اتصلت بي"

نظرة إليه بدور بمزيج من الشفقة والتفهم ثم قالت بهدوء "كل تلك المبررات عقيمة يا راشد، خالد كان أقرب إليها منك، ولم يستطع أن يصل إليها في الوقت المناسب.. دعنا نقول أن هذه _لو_ المتمنية لن تغير ما حدث.."

أوقف راشد السيارة على جانب الطريق في منطقة خالية في هذا الليل نسبياً، وعلى بعد أمتار قليلة من أول طريق الكورنيش...

ثم استدار ينظر لها بنوع من الفضول ثم قال بتعجب: "ما الذي يحدث معكِ.. أشعر بأني لا أعرفكِ، أين الهجوم والشماتة.. عتابي وجلدي حتى، وإقناعي أن الحادثة خطئي بالفعل"

رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ثم قالت بتألق "لديك ذنوب كافية لأجلدك بها الباقي من عمرك.. أما حادث سَبنتي، دعنا نقول أني سألقي خطئه على شخص آخر.. كان دوره من قبل وباعترافه أن تخبره عن أي شخص يزعجها ولولا جرحه لها ربما كان عرف من البداية، ودفعهم بعيداً عنها!"

ضيق ما بين عينيه وهو يتأملها وكأنه لا يصدق كلمة مما تقول... ضغطت بدور على الزر بجانبها ليهبط زجاج النافذة.. والتفت تأخذ أكبر قدر ممكن من الأكسجين وهي تتأمل الخارج بشرود، بينما أصابعها الطويلة الناعمة الشهية تمسد جانب عنقها الأبيض العاري بحركة دائرية بسيطة... سلبت عينا وقلب من يجاورها..

كانت بدور امرأة جميلة بأدق تفاصيلها بحركتها العفوية.. برقيها الفطري.. بأناقتها الشديدة.. كل هفوة منها كانت تعيده لنقطة الصفر حارقة قلبه وكيانه وروحه... لا توجد امرأة في الكون تضاهيها.. بل كل النساء مقارنة بها سواءُ... حرك بعض نسمات الهواء خصلات من شعرها الذي رفعه في كعكة أنيقة فوق رأسها.. محركاً معها عطرها اللاذع، جاعلة إياه يفقد سيطرته لوهلة وهو يحدق فيها، بانبهار وكأنه عاد مجرد مراهق، يلتقي بحبيبته لأول مرة...

تمتمت أخيراً بتردد وكأنها تخرج من تلك الهالة الناعمة التي أدخلتهما فيها ومنحته بعض من الصفاء: "إن خالد لأول مرة يأخذ قرار صحيح.. لقد فاق أخيراً من التخبط الذي عاشه لسنوات.. وطلب زواجه منها هو البداية فقط"

حملق فيها للحظة بنوعٍ من الإجفال ثم قال "أهذا ما أردتني لأجله؟!"

رفعت حاجبيها ببرود قبل أن تقول: "وماذا ظننت غير هذا؟!"

قال بامتعاض "شجار آخر تجذبين عقلي فيه من حالته المرهقة"

"وهل شجارك معي هو ما يجلب لك الصفاء؟!" قالت باستنكار

أومأ بتأكيد مستفز قبل أن يقول "أقدر موقفكِ من خالد.. ولكن أنا لن أستطيع وضع مستقبل وحياة ابنتي في يد رجل لا يعرف ما يريده"

أدارت وجهها عنه وهي تغلق جفنيها، وكأنها تجلب لعقلها حالة من التخدير الذاتي التي تساعدها على إنكار أن من تحاور من أجل اخيها هو راشد الراوي.. عدوها اللدود... "إذاً أنتَ تعيد الماضي بحذافيره.. أتذكر أن والدي رفضك بنفس النبرة وجعلنا نصارع طواحين الهواء لعامين وإن اختلفت الأسباب"

تغيرت تعابير وجهه ولاح نفاذ الصبر عليه وهو يقول "إن خالد وسبنتي لا يشبهانا بأي طريقة.. نحن كنا راغبين ببعضنا يا بدور، أنا على الأقل كنت واثق من خطوة زواجي منكِ، لم أهرع لخطبة فتاة أخرى.. ثم عدت لطلب وصالكِ"

تحركت ساقيها بعصبية قبل أن تقول بانفعال "نعم لم تفعل، ولكنك فور أن امتلكتني جريت لأحضان أول امرأة طرقت بابك لتفرغ حاجتك المقرفة معها.."

نفخ بغل وهو يقول: "أنا لن أعود لهذه النقطة.."

صرخت فيه بعصبية "وأنا لا أريد التطرق لها ولكن أحببت أن أمنحك الصورة كاملة إن كانت غابت عنك... خالد ليس مثلك تعلم جيداً انه لن يخونها أبداً.. هو يحبها بصدق يا رجل لماذا لا تريد أن تفهم؟!"

قال بصقيع "وهي لا تريده، لقد أخبرتني مراراً أن خالد لن يكون شريك في قصتها أبداً"

قالت دون تردد "وأنتَ تعلم جيداً أنها تكذب، لقد استولى خالد على كل مشاعرها حتى أني أكاد أقسم أن سَبنتي لن تعرف كيف هو الحب إن رغبت في إيجاد فرصتها مع سواه"

"ما الذي تحاولين الوصول إليه؟!" سأل واجماً..

قالت بعد برهة من الصمت "أن أوضح موقفه، الذي تعلمه ولكنك تتغافل عنه، حماية لابنتك.. أنا لا ألومك هذا دورك الطبيعي نحوها ولكن أن تظلم خالد أيضاً رميه باتهام أنه متلاعب هذا ظُلم بين!"

تقبضت أصابعه حتى تيبست سلامياته على المقود قبل أن يقول "لم يستطع الانتظار يا بدور وهرع لفتاة أخرى يعدها بالزواج والحب.. لقد قالها في وجهي أخبرني في نوبة غضب أنها من تليق به وأنه أخطأ حين نظر لسبنتي.."

قالت بصوت أجش "جميعنا يعلم أنه يتخبط منذ أن كان مراهق، يرفض عالم الأعمال ببشاعته، يرهب فكرة أن يكون نسخة مكررة من والدي.. وفجأة وبدون إنذار وجد نفسه يحمل كل شيء فوق عاتقه فالجميع انسحب، الجميع تركه في ذلك العالم الوحشي وحده بفكر مضطرب وعقل مشوش وقلب مكسور على الفتاة الوحيدة التي حركته بحق، سَبَنتي لم تكن مجرد فتاة صغيرة أحبها بل إن مشاعره معها تبدلت بالتدريج في كل مراحل حياتها، لقد راقبها رضيعة، واهتم بها طفلة وكبرت أمام عينيه وتحت حمايته هو، لتستحيل بقته شيء فشيء لمراهقة مرحة وحشية الجمال وتتعلق به وكأن حياتها تتوقف على وجوده... هو فقط صدم بعد كل هذا أنها استطاعت فراقه.. خالد لم يفكر أبداً في الخيانة، هو لا يشبه أحد أنا اقتربت منه جداً حد أني أفهم كل ما يعانيه"

كعادته كانت كل مشاعره التي تتحرك نحو ابن عمه مع كلماتها غامضة ومخفية داخل صدره... محتفظاً بملامح وجهه الجامدة فقال ببرود "وكان الحل بإقدامه على الزواج من أخرى"

تنهدت بدور بإرهاق قبل أن تصحح له صورة ربما غابت عنه "لقد تعرض لضغط هائل من الجميع, وجود الفتاة الملحة حوله.. إصرار أبي ومطالبته ليل نهار وإقناعه أن حبه القديم مجرد وهم سيتخطاه فور أن يبني حياة جديدة.. حسناً كما أن عمره وخبراته في الحياة محدودة للغاية يا راشد.. الأمر ليس مخجلاً لأخبرك أن خالد كان ببساطة يحاول الهرب من شبح سَبَنتي.. وفشل!"

"وظلم أخرى في طريقه"

قالت بدور بنفاد صبر "هل تقتنع بحرف واحد مما تقول.. حسناً.. لانا أيضاً تحمل جزء من الذنب.. إذ أنها رأت بعينيها هوسه القديم نحو سَبَنتي، وما أكاد أجزم به كامرأة أنها كانت تشعر أيضاً أن قلبه ما زال ملكِ لأخرى الحب ليس شيء مادي نحركه كما شئنا أو أعتقد هو أو خطيبته السابقة.. إن كان بهذه البساطة ما كانت استمرت الحروب الأبدية بين الرجال والنساء"

أدار وجهه نحوها وهو يبتسم بتلكؤ.. أكملت هي بارتباك "إن خالد أخطأ ولكنه لم يقصد ظلماً لأحد، لقد ظن نفسه قادر وفشل.. فهل نغتاله ونظل نجلده لما تبقى من حياته؟!"

قال بخشونة "الأمر ليس بهذه البساطة يا بدور.. أخوكِ أيضاً اتهمها هي بخيانته والغدر به"

ردت بخشونة "وها هو أدرك فداحة تفكيره، دعنا نمنحهما الفرصة ليصفيا حساباتهما سوياً، لتحدثه هي عن أسبابها.. ويمحو هو الجرح الذي تسبب فيه لها..

بانت بعض المشاعر على وجه راشد وهو يقول بخفوت "سَبنتي الآن أكثر هشاشة من أن تتقبل فكرة ارتباطها به, بجانب حالتها النفسية السيئة للغاية.. فما تعرضت له ليس سهلاً وصدمتها بطلب زواجه منها بالأساس لن توافق"

تلكأت قبل أن تعود تلمس طرف عنقها بحركتها الناعمة تلك ثم قالت بنبرة رقيقة حالمة ذكرته بطاووسه المفعمة بالحيوية والغرام.. قبل أن يهدم عالمهما الخاص..

"وافق على الزواج، وامنحه الفرصة ليقترب منها كما يريد، ليشعرها هي بأنه لها كما يشعر هو أنها ملكه.. وقتها فقط باحتوائه وحبه وبعشقه الذي ستلمسه وهما بجانب بعضهما كما كان قديماً سيتخطيان كل هذا سوياً، أنا أثق به معها.. خالد قادر على إصلاح كل الخراب الذي صنعه بداخلها"

لوهلة كان يشعر أنه أصيب بصمم أو خلل في طبلة أذنه ليسمع من بدور بالذات هذا الحديث, لم يمنع نفسه أن يقصفها بالقول: "أسمح له أن يحتويها وهي ستستسلم وتغفر عندما تشعر بمقدار عشقه.. هل أنتِ جادة، أم أنكِ تعاطيتِ شيئاً ما؟!"

رفعت رأسها في المساحة الصغيرة للسيارة ثم قالت باستعلاء بارد: "كل رجال العالم يستحقون فرصة أخرى مع نسائهم عادا أنتَ لا تستحق الحياة بالأساس"

لم يجادلها كما اعتقدت.. بل نظر إليها بهدوء قبل أن ينحني كتفاه للأسفل بتعب، وصمت تمامًا تاركا لملامحه حرية التعبير في لحظة نادرة من نوعها.. لقد بدا يائسًا للغاية ومنهك للغاية، ومتألم.. اكتسى وجهه بالحزن وتبددت كل وقاحته وسخريته.. وهو يقول فجأة: "عندما أخذت منكِ إياب حاولت أن أميزه عنها، أوليه كل اهتمامي مذكراً نفسي مراراً أنه ابني من صلبي"

رغم انقباض قلبها للذكرى ولكنها دهشت حقاً لما ينطقه لسانه "ماذا؟!"

رفع عيناه وهو يمسد بكلا كفيه رقبته بضيق ثم قال بغضب شديد "أنا لست ملاك لهذه الدرجة كنت أتألم، بل احترق منكِ، وعلى يدي طفلي الذي حرمته لتوه من أمه.. فأخبرت نفسي أن ابني يجب أن يكون له كل الأولوية والأفضلية فوق الجميع.. أنا لا أقول أني قررت إهمالها.. لا على الإطلاق ولكن قصدت أمور القلب.."

راقب لمعان عينيها بدموع خفيفة بينما تحدق فيه بصمت تام.. اكمل باستسلام "لم أستطع فعل هذا يا بدور... ما يربطني بسبنتي شيء رغم عني تصرخ به أبوتي، هي مني أنا، ابنتي أنا, كبيرتي وحبيبة أبيها، لم أقدر أن أميز إياب عنها فكلاهما في مرتبة واحدة... هل تتفهمين ما أحاول قوله؟!"

قالت بصوت أجش "نعم، الآن أتفهمك.. حب الأبناء ليس اختيار"

قال بصوته الرخيم "الحب في حد ذاته يا بدور ليس اختيار أو قرار, هو قدر يأتي في لحظة خاطفة كنسمة بريئة لتجد نفسك غارق حتى النخاع... ليس منه مهرب ولا تجدي فيه حرية النسيان"

نظرت إليه بطريقة لم يفهمها جيداً.. ولكنها أوجعته بشدة، إذ أوضحت إلى أي حد كلماته البسيطة أثرت فيها وأعادتها لنقطة لم يكن يرغب فيها.. كانت بدور تتعذب وهذه الحقيقة في حد ذاتها كانت كافية لتحرق أحشائه وتمزقه تمزيقًا "زوجهما ولا تقف في طريق المحبين حتى وإن أنكرا بغباء ورعونة سنهما بجانب رواسب الماضي.. أكررها عليك لا ترتكب نفس فداحة أخطاء أبي.. خالد ليس أنتَ وسبنتي ليست أنا"

قاوم.. يا الله.. قاوم أن لا يسمح ليديه أن تستطيل لتلمس وجنتها.. ولكنه كان يحتاج لهذا بكل كيانه لأن يصدق رغم كل حديثهما هذا أن بدور هي من معه وتتحدث مقنعة إياه بتلك الطريقة.. حركت كتفها في حركة عصبية ولكنها لم تنفر يده بعيداً لحسن حظه همست "لا تقف في طريق سعادة ستزور بيت الأشباح خاصتنا لقد عانينا طويلاً.. وحسناً أنا أشعر بأمل أن يكون خالد وسبنتي أول الطريق في استقرار تستحقه عائلة الراوي"

همس "الأمر لا يتوقف عليّ فقط يا سنونو"

قالت بخفوت "لن ترفض لك قرار، ثق بي، الفتاة تتعذب في حبه ستقاوم هذا أكيد ستحرقه بحمم غضبها كما أتمنى بكل جوارحي.. ولكنها ستتغير معه فالذي تعرضت له طوال حياتها لم يكن هين، دعنا بعد أن زالت كل العقبات أن نمنح سَبنتي سعادة تستحقها، بتزويجها من شيخنا الأحمق"

لم يرد فقط هو كان يتأملها بشرود بينما يده تتجرأ أكثر لتلامس شفتيها... عند هذا الحد كانت تصده دافعة يده بعيدي تقول "انتهى ما كنت أرغب قوله، هلا أوصلتني للمنزل؟!"

"بدور نحن نحتاج للحديث"

قالت بنبرة انقلبت للنقيض تمامًا "ليس بيننا أي شيء يحتاج للنقاش، نحن مجرد أبوين نحاول إيجاد طريقة للتواصل الحضاري مع ابننا..."

قال بخشونة "هناك أشياء كثيرة نحتاج توضيحها، أنتِ لم تسأليني حتى لماذا لم آتي إليكِ فور معرفتي بدخولكِ المصح؟!"

التفت نحوه بحدة، ثم منحته نظرة كراهية خالصة.. نظرة شديدة الحقد والتعقيد قبل أن تقول "لقد فكرت أنك ستفسر تعاطفي مع سَبنتي وخالد خطأ... أنتَ قضية خاسرة يا راشد، افهم أنا لن أمنحك غفراني أبداً"

شغل محرك السيارة بينما كله يغلي بالغضب.. بمرارة الخسارة والتعب.. حتى قال بنبرة مكتومة: "تباً لغفرانكِ ومن يريده... لقد فسرتِ محاولتي معكِ خطأ، أنا أريدكِ كلكِ يا بدور، برضاكِ, رغماً عنكِ, بغفرانكِ أو عدمه"

"ماذا؟" أطلقت صوتاً استنكاري وهي تنظر له بصقيع..

تمتم بقرف: "كما سمعتِ بالضبط فأنا للأسف لدي جزء أحمق مثل أخوكِ وبت في حاجة عنيفة لامرأة في حياتي، وبالطبع لن أقبل بأقل منكِ.. ولسوء حظي الشديد أن العالم لم ينجب إلا حجر صوان واحد"

*********



كان الوقت قد تأخر كثيراً عندما استطاعت بصعوبة أن تسمح للتعب أن ينال منها وتغلق جفنيها المرهقتين، لقد رفضت اليوم أن تأخذ أي نوع من المهدئات.. وليتها لم تفعل إذ أنها كلما أغلقت عينيها ترى صورتها بقهر بين أيديهم وهم ينالوا من كرامتها وكبريائها وهي تحت رحمتهم يستبيحون آدميتها... انتفضت بشكل مؤذي وهي تتذكر كلمات مروان ومايا القميئة, تلك الألفاظ الشنيعة التي لم تسمعها قط في حياتها... رباه كيف لهؤلاء الناس أن يكونوا بكل هذا الحقد والغل الموجه بغير سبب حقيقي، كيف يتحملون أرواحهم المشوهة، الشيطانية؟!!

أدارت رأسها في حركة شديدة الرفض.. محاولة أن تبعد نفسها بقوة عن تلك البقعة علها ترفع عن نفسها ذلك الإذلال الشديد الذي عاشته، لو لم يأتي في الوقت المناسب، ربااه ماذا كان سيحدث بها...

قاطع سيل أفكارها السوداوية فراء ناعم يتلمس ذراعها الممدودة خارج الفراش.. ثم فمه الرطب، يتلمس بنوع من الهوس والأنين موضع جرح كفيها "شلبي، هل هذا أنتَ؟!"

فتحت عيناها بتشوش وهي تنظر للكلب الذي جلس على قامتيه الخلفيتين في أدب أثر صفير صدر مسيطراً على انفعاله حتى لا يقدم على حركة عديمة الفهم قد تؤذيها.. أنّ شلبي في عوائه وهو ينظر لها بحزن شديد وتأثر فمسحت سَبنتي دموعها سريعاً وهي تنظر إليه بابتسامة متوسعة ثم همست: "لا تخف، أنا بخير بعد أن أتيت لرؤيتي"

"فكرت أنه القادر على إخراجكِ من حالة الجمود، وقد أصبت"

رفعت عينيها ببطء نحو القامة الطويلة.. الطويلة جداً بالنسبة لها، يقف على مدخل الغرفة يسده بقامته الضخمة قبل أن يحرك قدمه خطوة للداخل، ليحتل الغرفة بكيانه كله..

"أين شوشو؟!"

جر الكرسي الفخم المنجد بحرص.. حتى أصبح على بعد إنشات من فراشها.. ثم قال بلا اهتمام "استدرجتها للخارج حتى أراكِ أخيراً بمفردنا"

أشاحت بوجهها بعيداً وهي تأمره "اخرج!"

مال لإمام قليلاً ينحني بكتفيه ويسند كلا مرفقيه على ساقيه ثم قال بهدوء "للأسف طلبكِ مرفوض.. ولا أخشى إخباركِ أني أشتاق بشدة للقول لك.. اخبطي رأسكِ في أفضل جدار رداً على عبوسكِ وغضبكِ"

أغلقت عيناها رداً على كلامه، تضم فمها بعنف في حركة حازمة وصامتة سيبقى الوقت الذي يريد فهي لن تمنحه شرف الرد...

حرك خالد يده على رأس شلبي قبل أن يقول "السماح له بالدخول إلى هنا لم يكن سهلاً على فكرة، من الجيد أننا نملك أسهم في هذا.. لن أقول راشد فقط من يملك..."

لم ترد أيضاً بل أدارت جسدها جانباً مانحة إياه ظهرها... صمت خالد ثم قال أخيراً بزمجرة قاسية "لقد انتقمت لكِ يا سَبنتي وقطعت من أجسادهم كما وعدتكِ وتلك البداية فقط..."

لم ترد فقط تقلصت كتفيها بتشنج، ثم اهتز ظهرها في حركة أوضحت له أنها تبكي... هب من مكانه ليستدير نحوها على الفور وجلس القرفصاء مقابل وجهها وهو يكرر بصوت أجش: "جميعهم سيدفع الثمن لمجرد مرور اسمكِ في عقولهم، ربما لن أستطيع مس الفتاتين بأذى جسدي ولكني حرصت صدقيني أن يدفعا ثمناً غالياً.. حتى حريتهما المزعومة التي ظنا أن أهلهما مهملين سأحرمهم منها.. سيحبسون في منازلهم تحت مراقبة شخصية مني"

تدفقت الدموع من عينيها، إن حديثه لم يزيد إلا سياط لاذعة فوقها... حتى فتحت فمها أخيراً وهي تقول "وهل أتيت لتخبرني.. لأنك تريد وسام شجاعة، أم ترغب بأن تراني أرقص طرباً مهللة لبطلي المنقذ؟!"

ارتد رأسه للوراء بعنف وكأنه لا يستوعب ردها... أكملت بجمود وهي تمسح عينيها بعنف بضمادات يديها البيضاء، مسببة لنفسها إجفال بسيط بسبب الألم من جرحها..

"هل يرغب الشيخ خالد في أن أرتمي بين ذراعيه وأخبره كم هو شجاع وقوي لأنه أدب الفتيان السيئين؟!"

"أنا لن آخذ على كلامكِ الآن، وأقدر حالتكِ النفسية"

صفقت بمسرحية بطرف أصابعها على باطن كفها نحو ذراعها الذي احتوته جبيرة كبيرة ثم قالت بتهكم شديد "هللوا.. خالد الراوي يقدر حالتي النفسية، لن يتهمني بالانحلال، أو ربما بأني السبب في مطاردة هؤلاء الكلاب لي"

أمسك يدها يمنعها من أذية نفسها بحركتها العصبية تلك ثم قال من بين أسنانه بغيظ: "ما حدث مع نزار في ذلك النهار كان غيرة مجنونة, لقد فقدت سيطرتي وأنا أراكِ تسمحين له بقرب حرمتني منه"

قالت من بين أسنانها بصوت كالفحيح "اللعنة عليّ إذن، كان يجب أن أعود أطاردك وأركع تحت قدميك وأحايلك أن تترك خطيبتك وتقدم لي تعاطفك... هل هذا ما أردته يا خالد أن أركع لك بإذلال كما أرادوني أن أفعل... هل هذا ما أثيره بداخل قلبك القاسي السادي.. إذلالي؟!"

انتفض وهو يقول بنبرة باترة "أنتِ غالية للغاية, غالية يا سَبنتي الراوي.. سأقطع إرباً أي أحد قبل أن يحاول إذلالكِ.."

دموعها سقطت رغماً عنها وهي تقول: "الضرب الذي أخذته كان مؤذي.. لم أتحمله.. أنا خفت وارتعبت وعندما هددني بأن...."

صمتت غير قادرة على قولها, على نطق ما كاد يفعله وهو يعدها بنيله جسدها... "وقتها أنا كنت مستعدة للركوع.. فقط حتى لا يلمسني، لا أنفك أفكر إن لم تصل في تلك اللحظة، لكنت فعلتها.. لقد نال الحقير من تفكيري.. أنا لا أصدق أني كدت أن أفعل إن اقترب هو من... رباه..."

حاوط وجهها المتألم بكفيه الكبيرتين ثم حدق داخل عينيها وهو يقول بنبرة كانت كالمشارط الحادة التي تقسم قلبه لنصفين "ما كنتِ لتفعليها.. وما كنتَ أنا لأترككِ.. كنت سأصل كما فعلت يا سَبنتي، أنتِ كنتِ تعرفين هذا، تدركين أني دائماً آتي لأخرجكِ من عتمتكِ"

هتفت بصوت أجش وهي تنقل وجهها بعيداً عن مرمى كفه "لم أعد أريدك أن تخرجني من شيء وهذا ما يؤلمني أكثر.. ويغضبني من راشد رغم تفهمي لحالة الجنون والقلق الذي يعيشها عليّ حتى وإن لم يظهرها... أنا لجأت إليك مكرهة... وأكره نفسي بشدة لهذا"

امتقع وجهه وقد اختفت كل مشاعرة دفعة واحدة "لهذا الحد؟!"

قالت بقسوة "وأكثر، إن لم ينجح مروان في إذلالي.. فأنا فعلت بنفسي عندما سمحت لك أن تراني بهذه الحالة.. مضروبة, مقهورة ومرمية على أطراف الصحراء كالحثالة"

"لم أركِ هكذا يا سَبنتي... بل أدركت إلى أي حد أنا الغبي الذي فرط في حمايتكِ وفي تأمينكِ... عرفت بالطريقة المرة أني لا أستطيع إخراج نفسي من حياتكِ.. أو المجازفة بكِ"

سقطت رأسها على كتفها سادة أذنها هناك وهي تقول شبه صارخة "اخرج، لا أريد رؤيتك وسماع أكاذيبك"

ابتعد عنها خطوة ليس لشيء إلا أن يحاول تحجيم يديه الطويلة الغير قابلة للكبح في حضرتها بعيدا عن ملامستها... تباً لكل عضلة محمومة بداخله تخبره بسيطرة على عقله أن يحتضنها الآن وأن يعيدها تحت جناحه، أن يجبرها لأن تستكين بين حنايا ضلوعه ويخبرها كم كان سيقتل نفسه إن فقدها مرة أخرى...

"أنا لا أكذب.. بل لأكون واضحاً فعلت مرة واحدة عندما أوهمت نفسي بأني قادر على حب فتاة سواكِ.. وكم كشفت كذبتي للجميع سريعاً"

اصفر وجهها واتسعت عيناها بنوع من الصدمة.. هل جن بحق، في ماذا تفكر وتعاني هي... وبماذا يهرتل هو... قالت بقسوة "أنتَ تحتاج أن تخبر لانا هذا كله وتصارحها كم هي فتاة أحلامك، امرأتك المثالية، بدلا أن تأتي وتحاول استغلال فتاة مضطربة.. كما فعلت قديماً يا كاذب"

أخذ خالد نفساً عميقاً قبل أن يقول بصوت أجش "لم يعد هناك لانا.. لا يوجد أحد سواكِ يا بقة كما كنتِ دائماً!"

للحظات اضطربت وهي تنظر له بنوع من الصدمة.. لا هي لم تفرح، لم تشعر بأي بهجة بداخلها بل ما تمكن منها هو التثاقل والغضب... وكأنها لم تسمعه, تحاشت تماماً ما قاله... وكأنه لا شيء عندما نطقت أخيرا بقسوة نمرة "كل ما تفعله أنت وراشد محض هراء.. أريدهم أن يركعوا تحت قدماي يا خالد.. أرغب في أن آخذ انتقامي بنفسي"

خفق قلبه بمعدل غير مسبوق وهو يحدق فيها بذهول يخالطه العجز عن استيعاب ما تقوله وكررته "لا تدعي الصدمة.. أنا أيضاً لديّ جانب راوي سيء للغاية، مروان ومايا سيأتيان إلى هنا يركعان تحت قدميّ، كما أردا فعلها بي بالضبط.. أرغب في انتقامي وانتقام أشخاص آخرين مؤكد فعلوا بهم هذا وأكثر ولكنهم عجزوا عن إيجاد من يأخذ لهم حقهم مثلي..."

ظل ينظر لعينيها التي تقابل عينيه بلا تنازل ثم قال أخيراً بحزم "لكِ هذا، إن كان سيهدئ من ألمك"

ارتخت على وسادتها مرة أخرى.. ولم تمنحه أي إجابة معلنة أنها انتهت منه رغم مشاهدته لأصابعها التي تحركها بحذر على فرو شلبي.. وببطء شديد كانت تغلق جفنيها، لتهرب بالنوم من واقعها..

حدق فيها متذكر أن بعض العادات لا تتغير أبداً.. استنشق خالد أكبر قدر من الهواء مستعداً لمعركته الأكبر، إذ أنه قرر أن يضرب على الحديد وهو ساخن، لن يترك حوارهما أن ينتهى بهذه الصورة لذا قال بنبرة قاطعة مسيطرة مخيفة ..تلك التي لا يستخدمها إلا مع موظفيه مسبباً في قلوبهم الرهبة "سَبنتي.. أنا طلبت من راشد أن يزوجكِ لي، في أقرب وقت ممكن"

لثوانٍ لم يفهم رد فعلها إذ توقفت يدها عن الحركة كما تصلب جسدها كله تحت الملائة البيضاء الرقيقة.. وجمدت ملامح وجهها تماماً وخلت من أي مشاعر، وشيئاً فشيئاً كان يتقوس فمها بعنف، ويحتل تقاسيم وجهها النفور.. الغضب..

لقد كانت تغلي في أعماقها عندما انتفضت من نومها تسحب إحدى الأجهزة الطبية الثقيلة من جانبها ودون تردد وقبل أن يأخذ أي ساتر كانت تلقيها نحوه مصيبة إياه بعنف ومسيلة دمائه...

ثم صرخت "عندما تطير الفيلة يا خالد.. أنتَ آخر رجل في العالم قد أوافق عليه"

********

انتهى

قراءة سعيدة
[
/size]

الشماتة فى خالد بالدور هههههههه :a555::a555::a555:



Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:01 AM   #2615

fatma r

? العضوٌ??? » 460604
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 93
?  نُقآطِيْ » fatma r is on a distinguished road
افتراضي

قلب الام طبعا
انا نفسي خفت من رجالة الراوي ونضال استر يارب بس يستاهلوا
بدور العاقلة love v m
لانا لاتعليق سبحان الله بردوا مش قادرة اتعاطف معاها


fatma r غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:10 AM   #2616

omar alaa

? العضوٌ??? » 456137
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » omar alaa is on a distinguished road
Rewitysmile23

ونقول بسم الله ♥️♥️♥️

omar alaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:11 AM   #2617

نور شمس الصباح

? العضوٌ??? » 460539
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 22
?  نُقآطِيْ » نور شمس الصباح is on a distinguished road
افتراضي

ف الانتظار للباقي

نور شمس الصباح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:12 AM   #2618

Reem adly

? العضوٌ??? » 460538
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 22
?  نُقآطِيْ » Reem adly is on a distinguished road
افتراضي

سبنتااااااي عااااااا منك لله يامروان الكلب انت ومايا بوز القرد دي

Reem adly غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:20 AM   #2619

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 558 ( الأعضاء 185 والزوار 373)
‏اجزخنجية, ‏bas bas, ‏merna zregat, ‏Mera22, ‏روان أحمد فهمي, ‏Saraa Hasan, ‏tafanegm, ‏Mira Gabr, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏mariamsh94, ‏عائشه عمر, ‏هبه رفعت, ‏نهى خليل, ‏Aya 611, ‏emytroy2, ‏imy88, ‏Maramahmed, ‏Aya nasser, ‏wafaa_manssour, ‏زينب حسين, ‏Menna23, ‏awttare, ‏نور شمس الصباح, ‏kokyyou, ‏frau zahra, ‏Reem adly, ‏هناء عبدالله, ‏وسام عبد السميع, ‏غرام بلا حدود, ‏أمينه محسن, ‏لانا ا, ‏alyaa elsaid, ‏داليا حسام, ‏رجاب عبد, ‏besomahd, ‏رقيةرقية16, ‏mariam sayed, ‏ايفا جايدون, ‏دلال الدلال, ‏omar alaa, ‏لصق, ‏أميرة صابرة, ‏رودينة محمد, ‏S.Raa, ‏Nasro 12, ‏redrose2014, ‏الحب كده, ‏حنان راقد, ‏mamanoumanoul, ‏Nor BLack+, ‏Agaiaa, ‏مريم جمال, ‏amira salim, ‏حنان حجاج, ‏Yasmin yousef, ‏سوووما العسولة, ‏هدى ابراهيم ابو خلف, ‏Nsro, ‏عبير دندل, ‏aber alhya, ‏Dr Nada Baghdady, ‏nourelhayat233, ‏Shyra, ‏نسيم88, ‏Gogo8, ‏هبة الله 4, ‏sira sira, ‏Zozaaaaa, ‏Diego Sando, ‏امل زهرة, ‏هامة المجد, ‏Aengy, ‏نورهان1997, ‏ريم1996, ‏ملاك وشيطان, ‏hanane aba, ‏فاطمة اهينى, ‏amana 98, ‏Hend SAyed1, ‏Lazy4x, ‏homsaelsawy, ‏رضا الرحمن غايتي, ‏Hoda.alhamwe, ‏مها العالي, ‏om elez, ‏أسيا أحمد 31, ‏myryam, ‏fatma r, ‏shimaa1, ‏Shoshoh, ‏fatma ahmad, ‏Nagat farouk, ‏حميدة تونس, ‏Noor Alzahraa, ‏موجة هادئة, ‏walaasaad, ‏همهماتى, ‏Bassma Rabie, ‏بيون نانا, ‏Um-ali, ‏مريم ياسمين, ‏Soumeye, ‏sara_soso702, ‏املي بالله كبير, ‏Ayaomar, ‏hanamady, ‏رسوو1435, ‏مهمة صعبة, ‏hedia1, ‏Lutesflower, ‏Manonasser, ‏اسما نينا, ‏ماهي ماهر, ‏مساهيل, ‏نورا كمال, ‏eithar, ‏Ingyamer, ‏Sara sedkey90, ‏soso#123, ‏Heba Atef, ‏nanitajoseph, ‏Heckenrose, ‏Ghaaly5, ‏ayamahdy, ‏Marwa Gehad, ‏pooh10, ‏شيرين الحق, ‏تالن يوسف, ‏اسمااء محمد, ‏ام تقوى التونسية, ‏yasser20, ‏[email protected], ‏هشومة, ‏Omsama, ‏totajjkh2, ‏لولو73, ‏هنا بسام, ‏الياسمين14, ‏hayat sheta, ‏Popos saied, ‏همسات ناعمه, ‏تونس وفاء, ‏Tokagahrieb, ‏nanash, ‏noorhaan bekheet, ‏جنا احمد, ‏رقيه عماد, ‏جمان عثمان, ‏mango20103, ‏nur vattar, ‏Iraqi1989, ‏Hoba Nasry, ‏hanem Atef, ‏اسراء رفاعي, ‏Doaa yousry, ‏H.Samah, ‏Abeer el, ‏Latofi, ‏داليا انور, ‏حلا هشام, ‏bella vida, ‏Dalia Huzaien, ‏Rozana samih, ‏Romareem, ‏وردة الطيب, ‏حسناء_, ‏Noha Saeid, ‏ندى أحمد عبد الفتاح, ‏Mon abdou, ‏رندوش9, ‏Somyaa, ‏basama, ‏saftey, ‏Yasmin samy, ‏نورالهداا, ‏راما الفارس, ‏فرح وهبة, ‏Ollaa, ‏ارض اللبان, ‏MohgaMaher, ‏malak osama, ‏همسة الحنين., ‏manar.m.j, ‏Abeer gazal
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:22 AM   #2620

مها العالي

? العضوٌ??? » 372455
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 132
?  نُقآطِيْ » مها العالي is on a distinguished road
افتراضي

الله الله الفصل جبار 😍😍😍😍

مها العالي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:06 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.