آخر 10 مشاركات
وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          90 -حبيب الأمس - جين سامرز -عبير دار الكتاب العربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          صمت الجياد (ج2 سلسلة عشق الجياد) للكاتبة الرائعة: مروة جمال *كاملة & روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قدرها ان يحبها شيطان (1) .. سلسلة زهرة الدم. (الكاتـب : Eveline - )           »          381 - الانتقام الاخير - كيت والكر (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          402 - خذ الماضي وأرحل - مارغريت مايو (الكاتـب : عنووود - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-04-20, 10:43 PM   #3071

هبه السعدنى

? العضوٌ??? » 459001
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 56
?  نُقآطِيْ » هبه السعدنى is on a distinguished road
افتراضي


فى الانتظار على نار انا هنا 😁😁😁😁

هبه السعدنى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 10:50 PM   #3072

ام ثائر حبايبة

? العضوٌ??? » 470372
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 62
?  نُقآطِيْ » ام ثائر حبايبة is on a distinguished road
افتراضي

ابدعت الانامل سلمت يداك

ام ثائر حبايبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 10:53 PM   #3073

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السادس والثلاثون

أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ

بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ وَلَكِنَّ مِثلي لا يُذاعُ لَهُ سِرُّ

إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ

تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ

مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ

حَفِظتُ وَضَيَّعتِ المَوَدَّةَ بَينَنا وَأَحسَنَ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَكِ العُذرُ

*
*******

رفعت مرح ملعقة الحساء مرة أخرى وقربتها من فمها الصغير المزموم بنزق ثم قالت بحماس: "ستخرجين اليوم.. أتعلمين بأن أولاد الجيران ينتظرونكِ وقالوا بأنهم لن يبعدوا أمل مرة أخرى عن اللعب معهم"

قالت بفظاظة الأطفال وهي تُبعِد يدها: "لا أريدهم.. أنا أريد دوحا"

ردت مرح بعبوس :"لقد غادر منذ دقائق.. ألم تعودي تريدني معكِ؟!"

:-"أنتِ مزعجة تبكين دائماً ولولو تصرخ.. تصرخ طوال الوقت.."

امتعضت مرح وهي تقول ساخرة: "وأبوكِ وزير السعادة.. ناشر البهجة وقاهر الكآبة ..منذ أن عرفته لم أراه يضحك ولو لمرة واحدة على سبيل أن يظهر صف أسنانه ليس إلا"

نفضت أمل كتفيها بعدم فهم ثم قالت بخفوت "ولكن أمل تحبه كثيراً، وهو يضمني بقوة ويخبرني أني.. امممم"

صمتت فجأة وبطبيعة الحال قاموسها اللغوي لا يسعفها عن تفسير مشاعرها أو تكرار ما يخبرها به كل ليلة.. ابتسمت مرح بمعاناة ثم همست "أنكِ ابنته الصغيرة.. عطيته وبسمة قدره التي لن يسمح لها بأن تتألم أبداً"

توسعت عيناها الخضراوان ولمعتا كمرآة نقية تعكس صورة لمشاعرها وانبهارها بوضوح جلي ثم قالت "أخبريه أن يأتي معنا للمنزل, لقد أتى لي بسيارة جديدة وقال أنه سيعلمني كيف ألعب بها"

قالت مرح بصوت غريب تدرجت فيه الأحاسيس "ماذا لو أخبركِ بابا بأنه يريد أن يأخذكِ معه بعيداً.. هل ستذهبين وتتركيني يا أمل؟"

هزت رأسها ذو الضمادة فآلمها قليلاً جاعلا ملامحها تجفل فاقتربت منها مرح بلهفة تثبتها مكانها وهي تهمس "لا تتحركي صغيرتي"

همست بغصة بكاء طفولية "إنه يؤلم ماما.. هنا يؤلم أمل.. أنا أريد اللعب"

قالت مرح ضاحكة ودامعة العينين "أيام قليلة بعد وسنُعاود اللعب سويًا"

لم تستعجب عندما ضحكت بسعادة، إذ أن الأطفال تزول همومهم سريعاً فور إعلانهم عن ألمهم وإن بقيت رواسبه.. لكنها هي من جعلتها تشعر بالذعر حقاً هذه المرة عندما قالت بحماس شديد "مولي ستذهب مع بابا بعيداً وتلعب معه, سيهتم بي مثلكِ ماما ولن يتركني أبداً مرة أخرى"

تحشرج صوت مرح وهى تهمس بأسى "وتتركيني يا أمل؟"

تغيرت ملامح الفتاة للحزن كانعكاس لما تراه على وجه مرح ثم قالت بطفولية بريئة: "تعاليّ معنا.. أنا أخاف أن يذهب بابا ولا يعود.. أنا أريده معي دائماً ليعرف أمل ويحبها"

:-"يمكنه أن يعرفكِ ويحبكِ وأنتِ معي يا أمل"

رفعتا رأسيهما نحو لورين التي دخلت الغرفة بمعطفها الأبيض وسماعتها على كتفها تنظر إلى ابنتها بعينين ضيقتين وكأنها كالعادة مؤخراً تجاهد حتى لا يكشف القلق وخوف الفقد بينهما..

كمشت أمل ذراعيها بطريقة طفولية بحتة ثم قالت باكية: "أنتِ سيئة لولو, لم أعد أحبكِ لأنكِ طوال الوقت تصرخين في وجه دوحا وتجعلينه يتركني"

انقبض قلب لورين بقوة ماثلت قبضتيها النافرتان بالغضب والقهر بجانبيها، بينما الألم يسري في جسدها مثل النار متذكرة ماضي مشابه محفور في ذاكرتها كنقش الحكايا على جدران المعابد المصرية.. بمعجزة دحرت كل ذعرها جانباً، واقتربت منها وهي تقول برفق "ولكن أنا لن أستطيع العيش دونكِ يا مولي"

كتفت أمل يديها الصغيرتين على صدرها وهي تشيح بوجهها جانباً.. أسندت لورين بحرص إحدى وركيها على طرف الفراش ثم مسدت على رأسها وهي تقول بخفوت: "لن يحبكِ أحد مثل ماما يا أمل.. أنتِ تعلمين أني أمكِ الحقيقية مثل ممدوح صحيح؟"

ببطء أزاحت أمل رأسها ودفنته في خاصرة مرح التي حاوطتها بساعدها ثم نظرت إليها بهدوء وهي تضع إبهامها في فمها ولم تمنحها أي إجابة فقط عيناها الواسعتان ترصدها بتعجب!

أطبقت مرح شفتيها بحنق.. ثم قالت بخفوت "ألم تتأخري قليلاً في مطالبتها بالتذكر؟"

رفعت لورين وجهها إليها ثم قالت بخفوت واهي: "لم أحتاج لقولها قبلاً إذ أني كنت أوصل لها مشاعري جيداً دون ألقاب تملكية.. أنتِ قمتِ بهذا الدور جيداً.. ألسنا نحن بنات أيوب من تعاهدنا بعد لم شملنا أن نكون يد وكيان واحد؟"

حدقت فيها مرح بسطوة مخيفة.. بنظرة رغم غموضها ولكنها بسلاسة كانت تقتلها: "لسنا كذلك.. نحن بقايا إنسانية قبيحة الخلق يا لورين.. ضحايا حروب.. ضحايا عنصرية، انعكاس لتجارب مريعة هادمة.. بالكاد كل فرد منا يرمم ما تبقى من نفسه.. هذا إن بقي في الروح بقية"

ارتجفت شفتا لورين قليلاً فكلماتها تسبب لها ضغط هائل في مجرى تنفسها "دائماً ما كنتِ الغامضة فينا، البئر المظلم بأسراره المتحكمة فيما تظهرين منكِ، حتى ظننت أنكِ لم تعاني حقاً"

قالت مرح بيسر "أنا اخترت أن أبدأ بعد أن انتهيت.. عكسكِ أنتِ تماماً إذ أنكِ ترفضين أن تحرري الماضي وتَخُطِين نهايته.. لقد اخترت الحياة يا لورين وأن أكمل رسالتي التي بدأتها مع فرح.. أمنح الحب والاهتمام وأكون فرداً مسؤولا يمنح ببذخ لمن يحتاجني.. وأمل منذ يوم ولادتها عرفت بأنها إحدى أقداري"

دمعه عزيزة كانت تهبط من عين لورين وهي تنظر لأمل التي ترصدهما باهتمام حتى وإن لم تفهم شيء من حديثهما.. ثم قالت بخفوت "ما الذي تحاولين الوصول إليه.. مؤخراً أصبحت أشعر أن جميع الأيدي تشير نحوي باتهام صارخ.. تعلمين بأني أحبها.. تذكرين اقتراحكِ عليّ بأن أتخلص منها حتى لا أتذكر كيف جاءت.. وأنا من تمسكت بها جنيناً قطعة من قلبي وأصررت أن أمنحها الحياة"

أحنت مرح رأسها بطريقة مترصدة.. ثم قالت بنبرة قاسية: "يوم ولدتِ أمل أنا ندمت على نصيحتي تلك.. أما أنتِ فبداخلكِ ندمتِ على عدم الأخذ بها"

انتقضت لورين وهي تقول من بين أسنانها المضغوطة بشدة وبنبرة حازمة قاطعة كانت صادقة للغاية بها: "كذب.. لم أندم ولو للحظة واحده على منحها الحياة.. أمل ابنتي أنا.. عطيتي بعد مِحَن.. الأمر الجيد الوحيد الذي خرجت به من تلك التجربة الخاطئة التي أدخلت نفسي فيها بكل غباء"

قالت مرح ببرود مرددة "تأخرتِ في مطالبتها ومطالبتي بتذكر أمومتكِ, وسأعيد عليكِ لن أسامحكِ يا لورين إن حُرِمتُ منها بسببكِ"

انقبض قلب لورين مرة أخرى والدماء تفور بصخب صارخ داخل أذنيها تاركة إياها لاهثة وهي تسأل "لماذا تكررين هذا؟ أعرف أنكِ اقتربتِ جداً منه في الأيام الماضية.. هل أخبركِ شيء تخبئينه عني؟"

انتصبت مرح بظهرها قبل أن تستنشق أكبر قدر من الهواء ثم قالت بجفاء: "أنتِ أختي لن أبيعك لأي إنسان ولو كان المقابل حياتي رغم جحودك علينا يا لورين.. إن عرفت شيء كهذا لكنت أخبرتكِ.. ولكن..."

سألت بلهفة مرتعشة: "ولكن ماذا؟"

أغلقت مرح عينيها قبل أن تقول بمرارة "يبدو أنكِ نسيتِ أن الحياة لا تعطي كل شيء.. فهي كريمة جداً حين تمنح وقاسية بشكل مذهل حين تطالب بالتعويض.. رائعة حين تقرر أن ترطب الجروح، ومريعة حين تنوي فتح موضعها الرطب.. وأمل إحدى عطاياها يا لورين, هل ظننتِ أن الماضي كان فاتورة جيدة دفعنا بها ثمن ابنتكِ.. إذن أنتِ واهمة يا حمامة أيوب"

"تجربتنا هي من تجعلكِ فاقدة للثقة في الدنيا.. نحن سددنا ما علينا كاملاً.." قالت لورين بعدم اقتناع مطلق..

ساد صمت متوتر ومرح مستمرة في غلق جفنيها حتى فتحتهما أخيراً تنظر إليها بنواح أسود.. جعل قلب لورين يرتجف بين أضلعها إذ أنها أبداً لم تلمح ذلك الطيف العجيب مطلقاً في تلك العينين الملونتين بسرية غريبة..

ثم سمعتها أخيراً تقول متجنبة تعقيبها السابق "بعض الأدوار في حياتنا لا تبدل.. ربما أنا أحب أمل أكثر منكِ وربما أنا مجرد واهمة.. ولكني أبداً لم أكن كافية.."

نظرت لوجه لورين الذي شحب وأكملت بقسوة "أخبريني يا لورين هل كانت والدتكِ بالتبني رغم كل الحب الذي قدمته لكِ تعويضاً عن نسرين.. هل أحببتها مثل أمي؟!"

توترت بشكل مؤلم وهي تحرك كفها على صدرها ثم رفعتها تمسد على جانب عنقها بضيق وهي تهمس: "ما الذي تحاولين الوصول إليه؟"

شردت عيناها للبعيد.. البعيد جداً حتى ظنت أنها انتقلت بطريقة خيالية داخل ثقب زمني، وعادت لماضي مهيب تاركة كل ما حولها يمر عبرها بطريقة شفافة.. حتى قالت بأسى: "لا شيء, فقط أردت أن تواجهي نفسكِ قبل فوات الأوان.. أن تعرفي ما يمنعكِ عنها حقاً، نحن بنات أيوب كما قوميتنا كتب علينا الوجع الخوف من المجهول والموت ألف مرة على أنقاض ماضينا.. ولكننا مثلهم أيضاً نتمسك بالأمل.. نحب الحياة جداً.. ولا ننسى قضيتنا أبداً.. أليست هذه دمائنا الحرة التي انحدرنا منها.. لا تجعلي عقدة والدتنا تفقدكِ أكثر مما فقدته، كفى تظاهراً.. أنتِ لستِ بخير.. نحن لسنا بخير يا لورين... لا ترتكبي نفس الغباء.. لا تجعليني أفقد أمل.."

*********

عندما دخل مراد الممر الطويل للمشفى يبحث عن ممدوح هناك كما اتفقا منذ ساعة على الهاتف، لمحه يقف أمام حائط غرفة ابنته، محني الكتفين بضغط هائل يضم قبضته بعنف ويسندها على الحائط فوق رأسه بينما عينيه الخضراوين كانتا تحترقان بلهيب الجحيم وكأنه أخذه كله لحسابه يتلظى وحده بناره..

نظرة خاطفة نحو الباب المفتوح قليلاً عرف سر ذلك الغضب الذي تأجج، لقد كان يمنعه بصعوبة هو وأيوب وأيضاً تلك الفتاة الحلوة الصغيرة مرح بمعجزة حقاً عن مرمى التشابك مع لورين.. تخطاهم سريعاً وهو يمسك كتفه بقوة لم يهتم لها ممدوح بينما يقول مراد بهدوء: "لماذا عدتَ إلى هنا.. ألم نتفق أن لا تتصادم معها من أجل فتاتك، هذه ساعاتها التي تقضيها معها"

قال ممدوح بجمود بينما يرفع بين يديه علبة كرتونية دهست بين أصابعه: "لقد أرادت أمل شوكولاتة بالحليب، لم أستطع تأجيل جلبها لها"

مط مراد شفتيه بينما يحيد بعينيه ليلمح تلك البقعة المبتلة بالحليب الذي تساقط جانبه، ثم قال وهو يأخذ العلبة "وقد أفسدت محاولتك الأبوية اللطيفة.. لذا لما لا تأتي معي الآن وإن شاء الله عندما نعود إلى مصر سنشتري لها بقرة تعطي حليب الشكولاتة"

ابتسم ممدوح دون مرح طال روحه ثم قال بهدوء قاتل "هل تظن نفسك كما زوجتك تهادن طفل مسلوب الأهلية والعقل؟"

زفر مراد بأسى بينما يشعر بوجع شرس ينهش أحشائه ندماً أنه لم يحاول أن يراه في الصورة يوماً وأن يمد له يد المساعدة كما فعل مع إسراء.. كيف غفل عن رؤية تحطم الشاب المظلم الذي يغلف أفعاله بطيش وهمي، بينما كان في الحقيقة يصرخ بالحاجة أن يراه أحد أو يعطف عليه بشر، لقد عرفه مراهقاً منطوياً وشاباً جامحاً بحدة غضبه وجحيم نفسه الذي يلحق الأذى بروحه فقط بكل أفعاله..

"كانت طرفة.. ألا يحق لي أن أمازحك؟!"

"أريد أن أحرقها حية، رغم مرور الأيام ونجدة صغيرتي لا أستطيع أن أخرج تلك الصورة الشنيعة لها بين أيدي الكلاب من رأسي، أحاول بكل جبروت أن أزيح التهمة عن أمها بأنها السبب ولكني أعجز عن هذا"

كما توقع بالضبط إن ممدوح يحتاج لكثير من امتصاص الغضب، لجذب كل طاقته العنيفة وحبسها دخل قمقم من صنعه هو قبل أن يواجه أيوب ولورين بما يحضر له..

"لماذا لا نخرج قليلًا، لقد أعجبتني شوارع هذا البلد، أعتقد بأن الحديث ونحن نتمشى فيها سيمنح كلينا بعض التركيز لما أتيت أخبرك به"

أومأ ببساطة شديدة وهو يعتدل ليمشي بجواره خارجاً من أبواب المشفى أخيراً..

استمر الصمت لبعض الوقت.. صمت امتاز بالشرود من جانب ممدوح، وهو يمشي أمامه بنظرة تجمد الحمم من قسوته برودها.. لن ينكر أنه كان يخشاه في بعض الأحيان, يفضل ثورته وغضبه عن جليده، إذ أن بروده الغامض والقاتم كان أشد رعباً من كل جنونه المشتعل مجتمعاً: "لقد استلمت تصريح السفر لأمل اليوم, أليس كذلك؟"

تأفف ممدوح وهو يقول بجفاف "ما سبب السؤال؟ ألم تكن معي؟"

قال مراد بهدوء عميق "بل لأعرف خطوتك التالية, كيف ستقنع زوجتك بسفر ابنتك معك؟"

أغمض عينيه قبل أن يتوقف مكانه ويستدير نحوه وهو يقول بغضب: "لم تعد تملك رفاهية القبول والرفض.. ابنتي لي؟"

هز مراد كتفيه بلا مبالاة ثم قال: "آه بالطبع.. ولكن هل نتحدث عن تلك الابنة التي لم تعرف عنها شيئاً قبل شهر وبضعة أسابيع.. بينما عاشت عمراً تترغد وتكبر بين ذراعي أبيها -جدها- وأمها وخالتيها.. العائلة الوحيدة التي تعرفها وتألفها؟!"

صمت مراد لبرهة قبل أن يضع يديه في جيبي بنطاله وهو يكمل بصبر: "ماذا تعرف عن تربية الأطفال يا ممدوح.. إذا لم تخني ذاكرتي فأنت لم تقترب من أولادي قط, لم تلتفت إليهم، ليس قسوة منك أعرف ولكنك كنت أكثر انطواءً من أن تنتبه لتلك الكائنات البريئة الرقيقة والصاخبة في نقائها"

جفلت ملامحه معبراً عنها بانتفاضة عرق في فكه ثم قال ببهوت رغم ثقته "أمل تختلف، لا أستطيع تفسير ذلك الحب المجنون والتملك الغريزي نحوها، والذي قابلته هي بتعلق هوس مشابه.. ولكنك والد ستفهم دون حاجة لي لشرح نفسي"

ابتسم مراد برزانة رغم ابتهاج عينيه الحنونة وطيف أول أطفاله وسر سعادته تمر كالنسمة داخله ثم قال: "إنه أمر معقد جداً لشرحه رغم بساطته، أعرف ما تعنيه رغم أني عكسك كنت أول من حمل ميرا فور ولادتها"

قال بحسرة رغم تأجج الكره الغاضب في عينيه: "لم تتح لي تلك اللحظة، كما اتضح لك.. إذ أني كنت أقل من أن أستحق معرفته في تفكير امرأتي"

عقد مراد حاجبيه بتفكر للحظات حتى قال أخيرا بسلاسة "وهل تظن أن حرقها الآن بحممك وتحطيم رأسها هو من سيساعد ابنتك؟!"

"الغل الذي بداخلي لا أستطيع إخراجه يا مراد" صرخ بها دون سيطرة

أمسك مراد بكتفه بقوة ثم هتف فيه بسيطرة حازمة: "اهدئ وتذكر أنك هنا لتصلح, لتثبت أنك رجل جديد كلياً ويستحق ما يسعى إليه من حياة جديدة وفرصة عادلة.. أنتَ هنا لتبني لا تهدم"

قال بصوت مظلم "لن أبني مجدداً في أرض لورين إذ أن الأساس معطوب"

تعقدت ملامح مراد بشكل أكبر وهو يسأل بخفوت: "أنتَ جاد إذاً.. تريد الانفصال عنها؟"

قال بجمود حاد كحد السكين "نحن منفصلان بالفعل منذ زمن.. وأنا من ارتكبت فعلة فادحة أخرى عندما..."

قاطعة مراد دون قصد "عندما رددتها لعصمتك"

قال ممدوح بتصلب ساخر: "بل عندما أملت فيها مصدقاً وعدها لي بكل حماقة الرجال.. بالله عليك هل تصدق إلى أين وصل جنوني بأن أثق في وعد امرأة تفننت في غزل حبال كذبها حولي؟!"

ساد الصمت مجدداً إلى أن تكلم مراد أخيراً باختصار "لم تتح لي معرفتها جيداً ولكني أظن بأن ما يقودك هو قهرك الآن وصدمتك في معرفة كل الحقائق وأهمها بالطبع أمل.. لذا لا تريد الإقرار بأنها كانت وما زالت تعاني من جروح وماضي يفوق ما عانيته أنتَ"

نظر إليه بنظرة قاتمة غير قابلة للتنازل فقال مراد بهدوء "خلقنا رجال نمتاز عنهن.. ليس لغرور ذكوري أحمق ولكن لقدرتنا المفترضة على التحمل، تخيل كل قهرك هذا الذي تشعره ولا تتحمل وزره بكل رجولتك تلك.. ثم أضربه في عشرة وتوقع كيف تحمله امرأة كلورين وتتحرك به هنا وهناك.. والله لو أنها جبل لكانت خرت منهارة وتساوت بالأرض القاحلة"

لم يبدو عليه التنازل أو التراجع عن سخطه أيضاً لذا تابع مراد بهدوء مبطن: "هل تذكر يوم أتيت إلي ّتخبرني عن مكان إسراء ورغم وقاحتك وقسوتك وأنتَ تلقي حقيقة تواجدها في بيت طليقها بعد هجري؟"

تقبضت يد ممدوح بجانبه بينما يقول باقتضاب "نعم، أردتك دون قول مباشر أن تنتشلها من بؤرة الضياع، لم أتحمل أن أفقدها هي الأخرى، إذ أنها كل ما تبقى لي من أمي"

جنون غريب بغيرة عصيبة طاف في عيني مراد قبل أن يسيطر عليها جيداً مروضها كالعادة ثم قال ببساطة: "فور أن غادرت أنتَ، صعدت لأول طائرة وجدتها وشيء واحد يتراقص برداء قبيح في عينيّ وعقلي سأجد إسراء ثم أقتلها ببساطة وأمثل بجثتها بطريقة تخلد في الأساطير لتكون مثال حيّ لكل امرأة وقحة ومعقدة مثلها"

ابتسم ممدوح رغماً عنه.. ابتسامة بؤس أيضاً كعادته "التخيل في حد ذاته مريح، إذ أني أتمنى فعل هذا مع لورين"

قال مراد ببساطة: "ولكن كما ترى أنا لم أفعل، بل أعدتها لي بعد طول غربة رغم تواجدنا سنين تحت سقف جدران بيت واحد.. كسبتها بعد جهد جهيد وعالجت قيحها، وكللت نجاحي هذا باستقرار طفلتينا وولادة سيف.. من يصدق الآن عندما يرى إسراء الحنون الرائعة والزوجة العطوفة المذهلة والمتسامحة أنها ذات المرأة الجافة الق..."

صمت مبتلعاً ريقه ثم أكمل باقتضاب "ما كانت عليه وقتها"

قال بعدم اقتناع "الأمر مختلف تمامًا"

قال مراد بقوة: "يتشابه في شيء إن كنت تغيرت فعلاً فأنهي دون أن تهدم.. طالب بحقك وانتزعه دون أن تتجبر.. واجه بدون أن تجعل أحد يمسك غلطة واحدة ضدك.. تعامل بذكائهن يا بشمهندس وليس بعضلاتك فاقدة العقل فخصمك ليس سهل ودرس جيداً كل نقاط ضعفك ويحفظ كيف يوقعك في الغلط دون أن تبتل يديه حتى"

**********

"أنا راوي وأنتَ راوي.. لنرى من منا سيحقق وعده"

ابتسم راشد بطريقة ميتة وهو يقول: "أعتقد بأنكِ غير أهلٍ لوعدٍ سبق وأثبتُّ لكِ بالطريقة الصعبة أنكِ غير جديرة بتحقيقه"

كانت عيناها الملونتان العاصفتان تحدقان فيه بغير تنازل وهي تتمتم من بين أسنانها :"وهذا سبب أدعى كي أُصر أن أهزمك, لن أقف مكتوفة الأيدي مرة أخرى وأنا أراقبك تسلب أم حقها"

أخفض راشد وجهه بطريقة مرعبة ثم قال بجمود شرس: "أليست صحوتكِ تلك متأخرة وفي غير محلها يا نوة؟ إن مساندة جوان لن تمحو تخاذلكِ في حق أختكِ"

بهتت ملامح نوة بطريقة تعصر القلب بل وشعرت به يصفعها دون صوت بينما أمسكت جوان يدها وهي تهمس باعتذار وعذاب "كفى.. آسفة يا نوة"

صمتت بغتة ثم نظرت إليه متوسلة وهي تقول بتعثر "مرة واحدة يا راشد, ارحمني, أرجوك.. سأراها لأطمئن عليها وأختفي"

قبل أن يرد عليها بأي شيء شعر بجلبة خافتة ورائه تزامنت مع ابتعاد خالد عنه سريعاً.. فاستدار ببطء ليجد سَبنتي هناك تستند على إطار الباب بكتفها بينما يدها معلقة في جبيرة على صدرها, فدعمها خالد ليتلقى كل حملها عليه.. عيناها البنفسجيتان متوسعتان بذهول المفاجأة وبطريقة بعيدة كل البعد عن النفور أو الكره مثبتة نظراتها على أمها باشتياق لمع ببريق لم يرى له مثيل.. سمع شهقة مكتومة جارحة خرجت من صدر جوان وهي تهتف: "يا حبة قلبي.. ماذا فعلوا بكِ؟"

ارتبكت ملامحها قليلاً وهي تنظر إليها بشغف غريب ثم همست بخفوت مبحوح لأذن خالد "حسناً لم تبدو فِعْلًا خرقاء مثلكم وتدعي الاندهاش أني قد كبرت"

ابتسم خالد بشجن بينما يديه تلتف حول خصرها تلقائياً مانحها دعمًا "تريدين لقائها؟" همس بينما ما زال الموقف بينهما على أوج نيرانه..

أخذت نفساً طويلاً جارحاً ثم تقدمت خطوة دافعة يده بعيداً عنها بحدة مرئية للجميع ووقفت أمام راشد مواجهة إياه بنفس صلابته وأحنت رأسها قليلاً لتنظر لعيني نوة وهي تقول بابتسامة ناشفة: "تعلمين بأني أحبكِ وأحترمكِ يا نوة ولكنكِ لا تملكين وضع وعود فيما لا يخصكِ"

ابيضّ وجه نوة بشكل مؤلم بينما فغرت فاها لاهثة وكأنها تلقت ركلة قوية في معدتها مباشرة.. لم تمنحها سَبنتي فرصة للرد بينما تعود عيناها لتصعد لوجه جوان الشاحب بخوف يسرق منها كل أثر للحياة والأمل في قبولها لها.. حتى قالت أخيراً بخفوت شديد "لقد كبرت كفاية لأتخذ القرارات عن نفسي يا راشد.. أنا أريد الجلوس مع أمي قليلاً من فضلك"

نظر راشد لعينيها ببرود شديد السواد ثم قال ببطء "والدتكِ ماتت منذ عشرين سنة إثر صراع شديد مع المرض وتركتكِ لي كذكرى منها يا سَبنتي بلال الراوي"

أخذت سَبنتي نفسًا طويلاً قبل أن تقول بصبر: "هل تذكر نفسك بكذبة وجودي أم تذكرهم هم؟ أريد جوان الآن"

ظل راشد ينظر إليها بجموده للحظات وهو متصلب الفك وغير متنازل على الإطلاق ربما هي الوحيدة التي تملك سلطة عليه والتي يسمح لها بمراجعته ومقارعته وأحيانًا قليلة انهزامه وتسليم أدرعه.. ولكنها تعرف أن هذا الأمر بالذات من المحرمات التي لن يسمح لها حتى بالنقاش فيها.. ولكنها أيضاً إن امتلكت بعض من صفاته بحكم التربية فهي الشراسة في المطالبة بما تريده.. لم يتحرك أحدهم ولم ينبس أحد بكلمة بينما تراقب بطرف عينيها جوان التي تنتفض كمن ينتظر تنفيذ الإعدام عطشاً والماء أمامها.. حتى انفك ذاك الحصار أخيراً في بادرة أمل عندما تحرك خالد ليقف بجانب راشد ثم أمسك ذراعه بقوة وتشدد وهمس بصرامة مؤازرة: "اتركها تختار لمرة واحدة ما تهفوا إليه.. ألا يكفيك إجبارها على زواجها مني؟"

تحرك وجه راشد جانباً ناظرا إليه باستنكار غاضب إذ أن الأمرين لا يقارنا... حتى فقال خالد بهدوء وهو ينظر إليه "لن تستطع إنكار أنك أخذت موافقتها جبراً.. كما أن من حق والدتها أن تطمئن عليها وتنال ودها.. إن الدعسوقة لم تعد صغيرة يا راشد فلتقرر ما ترغبه"

بتردد.. تردد شديد مصاحب للتوتر كان راشد ينزاح عنه خطوة تبعتها خطوات حتى عاد يجلس على تلك المقاعد الفخمة وهو يتحاشى تماماً النظر إليهما.. إلا أنه كان يسمع رفرفة جوان وهي تندفع بهستيريا بكائها لتتخطاه واصلة إليها...

أفلت نفساً خشناً من فم سَبنتي بينما يدها الحرة تقابل عناق جوان بعناق أشد وأغلقت جفنيها لبرهة متنعمة بهذا الشعور الجميل.. جميل جداً بطريقة تكاد تقسم أنها لم تجربه أبداً من العنصر الأنثوي.. ربما منى الراوي ربتها وعطفت عليها وأحبتها.. ولكن لا شيء في العالم قد ينافس ما تحصل عليه في هذه اللحظة من مجرد حضن وكلمات منزوعة من قلب أمها النابض: "وأنا اشتقت إليكِ أمي, لم تغيبي عن بالي يوماً واحداً"

ابتعدت جوان عنها دون أن تحررها وأمسكت وجهها المكدوم بين يديها، ثم قالت بحرقة "يا قلب أمكِ أنتِ، لقد كبرتِ وازددتِ جمالا وبهاءً, كيف لمن مثلي أن تستحق بنوتكِ؟"

لم تتخلى سَبنتي عن ابتسامتها البهية وهي تنظر إليها بنفس تلك اللمعة العجيبة الصامتة حتى قالت أخيراً بهدوء فظيع: "لا يجب أن تستحقيها ولكنكِ أمي التي تعذبت من فراقي وانتهينا"

شحبت ملامح جوان بارتياع شاعرة بها تصفعها بقسوة غير مرئية بينما ارتفعت إليها وجوه الجميع كالطلقة.. حتى قالت سَبنتي مرة أخرى أمام أنفاس أمها المنقطعة: "ليس على كل الآباء أن يستحقوا نعمة الإنجاب ولكن رغم كل شيء تبقين أمي التي رغم كل ما نالته أمام منحي الحياة لم تكرهني أو تنفرني.. لم تراني شيئاً ناقصاً أو غير مثالي لمواصفاتها بل ظلت تطارد حلم ضمي إليها لسنوات.. لذا أنا أحبكِ أيضاً رغم معرفتي الزهيدة بكِ يا جوان"

الآن كانت صفعات سَبنتي تنهال على وجه خالد بكل قوة وشدة دون أن تحاول النظر إليه حتى ولكن عند المثالية والنقص لن تحتاج توضيح ليدرك ما تعنيه..

تحشرج صوت جوان وتعثرت مرة أخرى وهي تقول بصوت مضني "سَبنتي أنا..."

لمست وجهها بطريقة عذبة ماسحة عينيها مربتة عليها بنقاء ثم همست "أنتِ أمي التي اشتقت إليها.. واشتاقت لي.. لا تحتاجي للدفاع أكثر من هذا لأفهمكِ"

ابتعدت جوان عنها خطوة بخيبة موجعة وكأنها تنوي الهرب منها.. ولكن سَبني لم تسمح لها عندما أمسكت يدها بقوة وهي تهمس "لا تتركيني بهذه السرعة.. أرجوكِ أمي"

انتفضت جوان مرة أخرى بدموع مكبوتة اهتز لها صدرها ثم سرعان ما كانت تندفع بحرقتها لتعود لضمها مقبلة إياها في كل إنش قد تطاله منها..

*****

اختفت سَبنتي مع جوان داخل غرفتها كما طلبت أن تكونا وحدهما دون شريك.. بينما انسحب خالد خارجاً دون استئذان بملامح صامتة مغدورة وقد بدا كميت مصفوع بسادية !!

حرك راشد رأسه عدة مرات دون سبيل بينما راقبته نوة يمسد على صدره عدة مرات وكأنه يحاول أن يجعل دمائه تجري في شرايينه متجنباً تجلطها.. كانت عيناه مثبتتان بمشاعر غامضة رغم جديتها على بدور التي خرجت من خلف الباب تستند إليه دون أن تنبس ببنت شفة وقد شاركتهم هذا المشهد من بدايته ولم تحاول التدخل.. حتى تحركت أخيراً بخطوات هادئة نحو باب الخروج وهي تسأل بهدوء: "أين إياب؟"

تكلمت نوة بصوت جامد لم يفيق بعد مما نالته من راشد والصغيرة "مع والدتكِ وشذى، لقد أخبرتهم بأن تنتظرا بالأسفل، لقد نال الولد كفايته من التوتر في الأيام الماضية "

:-"سأغادر إذن"

أغلق راشد جفنيه بقوة وقد بدت ملامحه شاحبة وبلا تعبير وهو يهمس بجمود: "سبب آخر لترددي في العودة.. ستحطمون ابني كما حطمتم زرعتي فيها"

انهزمت ملامح نوة بشيء مؤلم ولكنها لم تقل شيء.. بينما تراجعت بدور خطوة وهي تسأل بتوتر: "هل قلت شيئاً؟!"

ساد صمت ثقيل لحظي حتى رفع عينيه نحوها وهو يقول برجاء مخفي "ابقي قليلاً... بجا... أعني هنا"

فقط وجودها أمامه سيمنحه شيء من السلام وبعضٍ من الراحة فبرغم كل عواصف بدور وكرهها الذي تعلنه دائماً ورفضها له لكنه بكل بؤس العالم يعترف أن وجودها بجواره يشبع احتياجه شبعاً ما بعده شبع..

أطرقت برأسها للحظات تحاول إخفاء تأثرها واحمرار وجنتيها من مجرد النظر إليه وتذكر ما حدث منذ قليل من انفجار للمشاعر بينهما ثم.. ثم خفقان قلبها الممتع بوجع من طلبه البسيط الذي لم يكمله...

"اللعنة عليك يا راشد"

بهدوء وأناقة ملكية كانت تساوي خطواتها الرزينة لتحول مشيتها نحو النافذة المقابلة تقف أمامها في موافقة لطلبه دون كلمات..

ابتسم.. رغم هذا الموقف الكارثي كان ببساطة يبتسم وهو ينظر لجسدها المنحوت بينما فِكْرَه يشرد للقاءاتهم السرية كعاشقين حين كان يطالبها بغرور محب منحته حق حصري وملكية أن تبقى قليلاً أمامه لخمسة دقائق فيمتد تنعمه بدفئها الناعم النزيه لساعات...

حتى جذبت نوة انتباهه أخيراً وهي تقول بنفس مكتوم: "انهي هذا الصراع.. إن كنا جميعاً بعد عودتك اتفقنا على شيء واحد فهو إصلاح ما اقترفناه.. فمن حق جوان أن تنال سلامها"

لم يرد عليها راشد على الفور بل حول عينيه إليها في حرب قوية عنيفة متبادلة حتى قال بازدراء ساخر قاسي "بالطبع ولما لا.. وما رأيكِ أن نعلنها في الجرائد منذ الغد معيدين كل حق لديَّ لصاحبه.. إن سَبَنتي الراوي لها أم في منتصف الثلاثينات.. أم لا تحمل أي صفة قانونية أو شرعية ولكنها تبدو هستيرية فاقدة السيطرة كل حين مما أجبرني على الاعتراف.. اممم وبالطبع أي شخص سيحاول أن يلوح بالأمر القذر الذي أفنيت عمري لإخفائه سنأتي به قاطعين لسانه آمرين إياه أن اخرس يا صعلوك نحن أصحاب السلطة والمال نفعل ونقول ما نريده دون أن يجلدنا المجتمع ويوصم الفتاة بالعار"

لم تتغير ملامح نوة بل رفعت رأسها تنظر إليه بثبات ثم قالت بخفوت "لم أقل بأن تفعل هذا يا راشد.. بل أحاول إفهامك كما تفضلت وذكرت لتوك جوان أم مجروحة لا شيء قادر على ترميمها مهما حاولت التظاهر وكلما دفعتها عن طريق الفتاة أكثر كلما أبدت تمسكاً مرضياً لا أستطيع لومها عليه"

أظلمت ملامح راشد ثم أطرق برأسه مرة أخرى ينظر للأرض بكتفين منحيين وهو يهمس بسواد "ظننته قد شفاها ومنحها أملا وحياة تستحقها.. فرصة تجعلها تتشبث بالحياة دون أن تدمر نفسها وسبنتي"

تنفست نوة بجفاء ثم قالت "لا أعرف عن من تتحدث فهي قد اختفت مع ذلك الحارس يوم أن اختفيت أنتَ ولم يتتبع أثرها أحد"

قال بفم ملتوي: "ومن سيخبركِ شيء يا نوة.. فهل تكرمتِ ووضعتِ أنفكِ مكانه في وجهكِ؟"

هدرت نوة من بين أسنانها بينما يدها تخبط جانب المقعد جانبها بعنف :"لا لن أصمت لقد اكتفيت من أن أنوأ بنفسي، لقد خدعتني مرة وبسببك قدمت لك قلب أختي على طبق من فضة.. ورغم كل هذا وما خسرته ها أنا أتقبلك بصدر رحب.. أناقشك وأحاورك لأمنحك ما نود جميعاً فعله وهو الإصلاح فلقد اكتفينا.. والله اكتفينا"

استدارت بدور نحوهما ثم قالت بصرامة أنيقة "اخرجيني من حساباتكِ أو المقارنة يا نوة، أنا وابني لسنا كبشيّ فداء لأحد"

تنفست نوة بشكل مؤلم مرة أخرى وهي تنظر إليها بصمت.. بينما كانت بدور في عالم آخر تواري عينيها العسليتين الواسعتين تأثراً بعينيه الغامضتين بتسلط جعل جسده المتحفز بذبذبات سلبية تشعرها حتى وهو على بعد منها فيهدأ وينطفئ تمامًا..

"اسمع ما تريد قوله فهي جيدة في رصّ الكلمات.. وإن لم تعجبك انفضها عنك ونفذ ما في رأسك كعادتك" قالت بدور بهدوء شديد وهي تهز جانب كتفها ثم استدارت مرة أخرى ببساطة تنظر إلى ظلام الليل المنعكس في زجاج النافذة..

تكلمت نوة عندما لم يبادر هو بقول شيء متجنبة شعور الاستياء الذي يسيطر عليها: "جوان ستظل تطاردها وبناءً على ما فعلته بالسابق من خلف ظهرنا أدرك مخاوفك جيداً.. ولكن يا راشد سَبَنتي عرفت وعانت وما زالت والضرر قد وقع بالفعل.. لذا لما لا نمنحها فرصة القرب منها أمامنا نحن وبيدك أنتَ على الأخص... ربما اللقاء خفية في بيتك أو أي مكان خاص لن يضر.. سَبَنتي ليست الفتاة الهشة أو الضعيفة التي نخشى عليها من التأثر.. وجوان أيضاً ليست امرأة سيئة بل هي أم كل ما تطالب به هو الرأفة ووصال ابنتها"

قال راشد بجفاف "الأمر ليس بهذه السهولة والبساطة يا نوة"

رفعت نوة حاجبيها بتفكر ثم قالت بسلاسة: "إن رتبت للأمر بنفسك، وتعاملت معه بعقلية رجل الأعمال وحسبته كصفقة مرهقة.. ربما بها بعض المخاطرة ولكن مكاسبها أكثر.. ستحكم كل خيوطها بين يديك بسهولة.. وكما اتضح الآن أيضاً أن سَبنتي تنوي ودها.. فلم لا تقدم بنفسك تلك المنحة لكلتيهما.. لن تخسر يا راشد صدقني بل ستقدم فعلاً إنسانياً يهدئ روح جوان المغتالة ويحمي الصغيرة من أي شيء قد يحدث من وراء ظهرك"

عبست ملامحه ولكنه بدا وكأنه يقيم الأمر ويقلبه في عقله بشيء من الاقتناع وكأنها كانت فكرة بعيدة جداً تدور في رأسه بالفعل ولكنه لم يتمكن من إمساك طرفها ليطوعها.. رفع رأسه مرة أخرى ينظر نحو بدور التي عادت تواجهه تقف هناك بشموخ أنيق مكتفة كلا ذراعيها فوق صدرها تبادله نظراته.. لقد بدا وكأنه يشاركها لأول مرة في شيء يخصه ببساطة مذهلة... اهتزت عضلة بجانب فمها الشهي الذي بدا منتفخ انتفاخ طفيف لم تدركه إلا عيناه التي اتقدت فيها ناراً جعلت فؤادها يقرع كالطبول دون أن تتحرك فيها شعرة واحدة ظاهرياً حتى قطعت حرب النظرات بينهما وهي تمنحه برأسها إيماءة بسيطة موافقة ومصدقة على ما بدأ هو يقتنع به ببطء وحرص....

لم يحرك نظره بعيداً عنها أيضاً بل ظل يلتهمها كلها بصمت شديد وقد بدا وجودها في تلك اللحظة كنسمة رائعة تمر على وجه حار فترطبه وقلب مشتعل فتطفئه.. لتحركه بطريقة أخرى فيهدر بعنف لها وحدها..

ليته ما أذنب.. ليته ما حطم أو جرح لكان يحق له الآن ضمها عناقها وإشباع روحه المستعرة معها وفيها.. ولكن منذ متى كانت ليت تعيد ما كان؟!!

رنين هاتفه المستمر قطع ذلك الجنون الذي كاد يجرفهما سوياً مرة أخرى وقد بدا كلاهما في أشد حالاته ضعفاً وحاجة...

منحت له فرصة قد يخفض نظراته مبتلعة ريقها بصعوبة مضغوطة ليوازن نفسه.. تناول الهاتف وهو يقف من مكانه بتوتر طفيف مانحاً كلتيهما ظهره...

"نعم.."

أتاه صوت نضال في أشد حالاته اضطراباً وقلق "آسف لاتصالي يا راشد... هل جوان عندك؟"

زفر راشد بعنف مسيطراً على نفسه أن لا ينفجر فيه ويلومه لماذا أخبرها.. ولكن جزءاً صعباً داخل نفسه جعله ينطق بهدوء مطمئنه "نعم منذ بعض الوقت.. هي مع سَبنتي الآن داخل الغرفة"

زفر نضال بضيق شديد بدا أشبه بالانفجار وكأنه يعاني أمراً يفوق قدرته وهتف بخشونة وكأنه يحتاج أي بشر أياً كانت صفته ليخبره بخسارته لكل شيء على غفلة منه.. لقد نال خوفه من سعادته التي أرساها بتعب وكسر..

"لقد حاولت منعها والالتزام بجانبي من اتفاقنا.. وظننت بأني قد أفلحت لوقت طويل.. ولكن كل عللها عادت تطفو على السطح عند وجود ابنتها.. جوان أبداً لن تتخطاها ولن تستطيع منع نفسها حتى وإن حطمت كل شيء بغباء.. لقد أفسدت كل شيء.. بيتنا.. أنا وأمي لقد خسر كلينا والدتي بسبب هذيانها"

وتبخر كل شيء فجأة بينما ارتسم على وجه راشد المطعون ملامح سوداء فظيعة ومرعبة وهو يحسب كل المعطيات الجديدة واضعاً أجزاء الأحجية بجانب بعضها لتتكون الصورة البشعة: "والدتك عرفت بأمر سَبَنتي؟"

لم يكن يسأله بنبرته المظلمة تلك بل كان يقر بها دون جدال مما دفع نضال لأن يهتف بشرر مدركا الآن خطورة ما تفوه به "لقد كانت مصدومة.. لقد كانت أكثر هستيرية.."

قاطعه هادراً بصرامة: "وهل هذه حجة؟ تباً لك ولها ولليوم الذي عرفتكم فيه يا نضال"

لم يتح لنفسه فرصة لسماع هدر نضال وتهديده أيضاً إن مسها.. بل دون أن يشعر كان يمسك الهاتف ضاربه بعرض الحائط في نوبة عصبية مفرطة وهو يتوجه نحو الباب دون تردد منادياً بنفاذ صبر خالياً من كل المشاعر: "جوان..."

*******
يتبع الان
:25-1-rewity



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 21-04-20 الساعة 12:22 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:12 PM   #3074

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع السادس والثلاثون


دخل ممدوح وراء أيوب مكتبه الذي يقع بغرفة مخفية قليلاً وبعيدة عن ضجيج مطعمه الصاخب المليء بالزوار عادةً.. راقب أيوب يجلس أولاً على أحد المقاعد المزخرفة على الطراز العربي متخلياً عن رسمية مكتبه ثم أشار نحوه بهدوء وهو يشعل موقد صغير خاص بصنع القهوة على صينية نحاسية الشكل مزركشة برسوم العصر الأموي "اجلس بني ودعنا نتحدث فيما جئت من أجله بهدوء"

عرج نحوه دون جدال وجلس في مواجهته بنفس طريقته مربع الساقين وشامخ العصب.. ثم قال بجفاء: "لقد أتيتك من قبل وتحدثت معك في نفس المكان بمكاشفة هادئة وماذا جنيت... لا شيء"

أخذ أيوب نفساً لا بأس به ثم قال "ما أخبرتني به في المرة الماضية إن لم أكن متعقلا تماماً لكنت أفرغت سلاحي في صدرك كرد فعل أولي.."

قال ممدوح ببرود قاسي كسمٍٍّ زعاف :"وما منعك فِعْل ابنتك وكذبها المستمر.. أم أقول صدمتك في معرفتك متأخرا بأنها لا تراك من الأساس، ولا يردعها رادع، لا تحترم حكمك كما لم تحترم أحد يوماً.. امرأة لا تعرف كيف تتوقف عند حدها"

أظلمت عينا أيوب ويده تتشنج على دلة القهوة.. ثم هدر "الزم حدود الأدب وإياك أن تفكر في توجيه إهانة.. لقد فتحت لك بيتي كما صدري لأنك والد حفيدتي ولأني رأيت الظلم قد وقع عليك كما أبنائي"

أخفض ممدوح وجهه بينما ظل الغضب والقسوة مهيمنة بهالة وطاقة عنيفة حوله ثم همس "أريد ابنتي.. لا أستطيع التخلي عنها بعد أن علمت بوجودها"

تنفس أيوب مهدئاً أعصابه وقاتل كل انفعالاته كما تعود منذ زمن مضني لقي فيه شتى أنواع العذاب والحرمان فهذب كل ما كان عليه يوماً وأصبح أكثر حكمة.. أكبر قوة وتفهم لمن جارت عليهم الأقدار مثل من أمامه بالضبط "لن يجرؤ أحد على التفكير في حرمانك منها"

ارتسمت ابتسامة ساخرة حزينة على شفتي ممدوح لم يتحكم في ظهورها ثم قال "هذا على أساس أنك لم تنكرها مني.. محققاً رغبة ابنتك في حرماني من المعرفة بوجودها حتى"

انحنى كتفا أيوب وهو يطرق برأسه بهمٍ شديد لم يخلو من التفكير.. ثم قال بخفوت: "هذا ذنبي إذاً، اعذرني لقلة بصيرتي ولترددي وخوفي.. إن أمل ليست مجرد حفيدة لي بل كانت نسمة أتت بعد طول احتراق.. غيمة محملة بخير المطر بعد طول جفاف لأرضي.. ابنتك كانت تعويض ظننت أني قادر على منحها ما حرم أولاد أيوب منه.. لقد صدقت أمها بأنك لم ترغبها فعزمت على أن أحسن تربيتها وتعويضها عنك.."

اتقدت نار ثورية داخل عينيه الخضراوين.. نار مخفية ومعمية سرعان ما كانت تتحول لرماد وهو ينفث: "لا شيء يعوض الآباء.. لا أحد قادر على أن يحل مكانهم ويرمم الصدع الذي يحدثونه في أنفسنا.. إن كنت استمررت في إنكار أمل مني لم تكن لتجني إلا روح مشوهة أخرى، خاصة أنها تعرفني وظنت بأني تخليت عنها بإرادتي وأكرهها"

أسبل أيوب جفنيه وقال بهدوء خافت "لن أجادلك في قولك الحق، وتجربتي خير دليل على هذا.. زوجتك بالذات تثبت النظرية التي تقولها إذ أنها حصلت على أب غيري وانظر للنتيجة"

استقرت عينا ممدوح على وجه أيوب وهو يقول بقهر: "لماذا أنكرتها إذاً.. لما ساعدت أمها في جنونها؟ كلما أفكر في حادثتها.. عندما أغمض عيناي وأرى تلك الصورة وهؤلاء الكلاب..." صمت إذ أن صوته تدرج من القهر للغضب المستعر في نظرة أقرب للرغبة في القتل.. حتى هبطت قبضته أخيراً على الأرض جانبه مطلقا صدى مرعب.. مما دفع أيوب أن يهدر فيه مرة أخرى مفيقه من نوبة جنون قريبة قد تصيبه كالتي رآها منه منذ أيام في مخفر الشرطة عندما تواجه مع هؤلاء المجرمين.. وأزاحوه من فوق أحدهم والذي لمس أمل بالذات بمعجزة حية لقد كان على بعد إنش واحد من إزهاق روحه.. ليس هذا ما أخاف أيوب وقتها وجعل قلبه ينخفض نبضه برعب.. بل تذكر النظرة في عيني من أمامه إذ كان كأنه لا ينتقم من ذلك المجرم بل وكأنه يواجه جزءاً مظلماً من نفسه مريعا فيئده حياً أخيراً منتقما فيه ومنه...

"اهدئ.. لقد طلبت لقاء عاقل"

كرر ممدوح بصوت أكثر وضوحاً "إلى متى كنت تنوي إنكارها مني؟ ألهذا الحد كنت تراني مثلها مجرد حيوان لا يرقى لآدمية معرفة ضناه... مهلاً لحظة ربما أنا شيء أقل إذ حتى الحيوان مسموح له برؤية صغيره للمرة الأولى ومعرفته"

عاد أيوب يميل نحوه ويمسك كفه المضمومة بعنف ويضغط عليها وكأنه يحاول منحه تواصل إنساني يحتاجه.. تربيتة إنسانية مليئة بمشاعر الرحمة التي لم يجربها قط.. "خفت أن أرى مأساتي تكرر، وأنتَ وزوجتك لم تتركا لي مجال للاختيار، أمل قبل كل شيء.. قبل لورين حتى وليس أنتَ فقط"

مرت دقيقة أو اثنتان وكان يراقب فيها ذلك الغضب يندثر شيئاً فشياً من على وجهه.. وتلك الغمامة تنحصر من عينيه، كما انفك قليلاً تصلب جسده المتحفز وكأن ذلك التواصل الإنساني يفعل في ذلك الرجل الأفاعيل أو ربما نبرة أيوب الأبوية تحفز بداخله نوع من الشعور الذي حرم منه ولم يعرفه.. حتى نطق أخيراً بصوت غريب: "لم أمنح الفرصة.. لقد حاولت رغم ظلمة روحي أن أمنحها ونفسي وطناً فقدناه ولكنها أبت واستكبرت.. لم أظلمها ربما توحشت في انتقامي منها.. ولكنيأابداً لم أرد أن أوقع بها ظلماً، لقد حذرتها قبل كل شيء بأن روحي مظلمة داكنة وموحشة ولن تجد فيها إلا الوجع.. وهي من اختارت أن تمضي معي في طريق كان يرسم نفسه"

ارتاحت يدا أيوب وهو يعود ينتصب في مجلسه.. ثم أطرق برأسه يزن حروفه وهو يهمس: "أبت ورغبت في عقابك.. كما تمعنت في عقاب والدتها لأنها عادت لي"

صمت ممدوح مرة أخرى مبتلعاً ريقه الجاف بألم، مسيطر على نفسه بشكل يثير الإعجاب حتى قال أخيراً متجنباً فتح جروح الماضي معه: "أريد ابنتي عماه"

قال أيوب بهدوء "بمعنى؟؟ وضح لي ما تقصده؟"

قال ممدوح بصلابة "قبلاً أريد أن أخبرك بأن أمل ليست مجرد ابنة ظهرت لي وتشبثت بها لمجرد العناد والانتقام كما تحاول لورين زرع تلك الفكرة في رأس الجميع"

رمقه أيوب قبل أن يقول بصوت أجش "ماذا تراها إذاً؟"

قال بصوت حازم قاطع: "فرصة للحياة.. حبل حقيقي ينتشلني من الظلمة التي عشت فيها طويلاً.. ضوء واضح وساطع كالشهب في سمائي التي طالت عتمتها منذ سنين طويلة.. طويلة جداً أصبحت أنسى عددها.. شيء خيالي ينتشلني من بؤرة الضياع.. يغسل ذنوبي وآثامي.. بيت أعود إليه ووطن أشعر بانتماء روحي له.. ولكن لم يمنحني أحد أبداً تلك الفرصة إن تعلقي من أول لحظة بالصغيرة.. لأنها تلك المنحة التي جبرني الله بها.. رسالة تخبرني أن الأوان لم يفت وبأنه يوماً ما سيقبل توبتي ويغفر لي ما لم يغفره البشر"

صمت مبتلعاً ريقه قبل أن تبتسم ملامحه أخيراً بشيء أشبه بالرضا وهو يقول بخفوت: "منحة أتت على غفلة مني"

هز أيوب رأسه عدة مرات متفهماً بينما كانت عيناه أبعد ما تكون عن جلستهما تلك ثم قال أخيراً بصوت أجش "أفهمك وأعرف غلاة الضنى وجحيم فقده.. لذا لن أستطيع حرمان لورين ونفسي وبناتي منها وإعطائها لك"

نظر إليه ممدوح برباطة جأش.. ثم قال بصوت قوى شديد الجدية "أنا لا آخذ رأيك في حقي بها.. بل احترمك كفاية لأبلغك ما أقوم به حالياً بمساعدة زوج أختي.. أنا استخرج لأمل تصريح سفر من السفارة الأمريكية لأستطيع التنقل بها كما شئت"

شحبت ملامح أيوب حتى ابيضت الخطوط الزمنية التي تتراكم على وجهه.. قبل أن يهدر بصوت قاتم "تريد تكرار الماضي الذي حدث معك ومع أمها.. تضعها في نزاع سيدمرها أكثر وتختطفها منا.. بماذا فرقت عنهم؟!"

قال ممدوح بصوت حاد كالسيف المصقول في حدته "أريد منح ابنتي أرض ووطن أنتمي إليه.. أن أزرع جذورها في مكانها الصحيح هذه المرة, لا أن تعيش مشردة متخبطة يقصف فروعها الضعيفة أقل هبة ريح.. أنا أرغب في منح أمل ما حرمنا منه عماه"

بهتت ملامح أيوب كما بدت ملامحه مجهدة متعبه وحزينة بشكل يثير الشفقة إذ أنه كما يبدو ودون أن يدرك ضرب على وتر حساس جداً داخل نفس الرجل..

فرك ممدوح وجه بكلا كفيه بعصبية مطلقة قبل أن يقفز من مكانه وهو يقول "أنا آسف.. لم أقصد مطلقاً أن ألومك على شيء لم يمكن بيدك.. بل كلنا شركاء في مصيبتك عماه بطريقة أو أخرى.. بضعفنا وسكوتنا.. بقلة حيلتنا.. وبعضنا بجهله التام كما كنت أنا طويلاً"

قال أيوب بصوت خافت "لا ألومك ولكنك الآن.. وجدت بحجتك هوى داخل نفسي"

دفن ممدوح يده في شعره الذي يتدرج لونه ما بين البني القاتم والأصفر الصارخ يتخلله بعصبية مفرطة حتى قال أخيراً "لا أنوي حرمانها من أمها ولا منكم.. ولكن أنا اكتفيت.. تعبت من مطاردة أشياء وهمية وحب منقوص، من البحث عن غفران امرأة تمعنت في ذبح كرامتي وكبريائي.. أحبها لن أنكر ولكن ليس لحد أن استمر في إهدار نفسي بعد كل ما عرفته"

أطرق أيوب بوجهه مرة أخرى ثم سأل بوضوح "على ماذا تنوي إذاً؟"

قست عيناه وهو يقول بصوت مشتت "الخلاص لكلينا، ربما تبرأ جروحها، ويزاح ندمها من ارتباطها بي"

كان الهم أكبر من أن تتحمله كتفا أيوب، الذي ظن بغشامة أنه قادرا على التخطي ببناته لبر الأمان كما وعد "شقي روحه على الضفة الأخرى"

:-"ظننتك أتيت لتكفر ذنب.. وترمم تصدعكم؟"

قال ممدوح بهدوء شديد يثير العجب: "نعم.. ولكنك لا تملك لومي بعد أن رأيت بعينك وسمعت بأذنك كل الحقائق.. ربما لورين قدمت لي ما سأظل عمري شاكراً لها.. ولكن الثمن الذي أخذته كان أكبر بكثير.. أنا انتهيت"

قال أيوب بصلابة "هل أتيت لتأخذ إذني قبل أن تنفذ؟"

هز رأسه نفياً قبل أن يقول بجمود "لا أحتاج لإذن أحد.. لم يكن لي كبير أو قدوة يوماً.. ولكنِ اخترت أن أحترمك وأقدرك وأدخلك في الصورة كما فعلت من أول مرة معك عماه"

الضربة المطوية تحت كلماته كانت صعبة بشكل غير محتمل.. ببساطة كان يهدف لأن يذكره ما كانت تفعله لورين أمامه دون أدنى احترام له.. أو رادع لأهميته.. عندما لم يرد أيوب بشيء.. تابع ممدوح بصوت أكثر لين: "حتى اللحظة ما زالت زوجتي، لذا أردت إخبارك أني سأقابلها في مكان منعزل قليلاً بعيداً عن منزلك.. وبعيداً عن العامة.. أحتاج للحديث معها قبل أن آخذ أمل و..."

أغلق جفنيه معتصرهما بقوة وكأن ما ينتويه يجرح روحه جرحاً لن يبرأ هذه المرة.. يشق صدره مخرجا قلبه وملقيه أرضاً عارفاً أنه سيقضي على كل أمل له في أن ينبض مرة أخرى.. استطاع أن يكمل أخيراً بصوت متخاذل: "قبل أن أعلمها أني اكتفيت وسأمنحها حريتها لتشق طريقها بعيداً عني وعن لعنتي.. أخبرها فقط بنفسك بأني لا أنوي حرمانها من أمل أبداً"

عم صمت مهيب بينهما مرة أخرى حتى ظن ممدوح أن الرجل لم يعد في جعبته مرة أخرى ما قد يخبره به.. فآثر المغادرة وتركه لحاله ليتعاطى مع ما أخبره به.. ولكن قبل أن يتحرك خطوة واحدة نحو الباب كان أيوب يقول بهدوء: "كيف ستمنح أمل ما حرمت منه وهي ستعيش في بلد وأمها في بلد.. هل فكرت في تبعات قرارتك جيداً؟"

أخذ ممدوح نفس حاد أوجع قلبه قبل أن يقول بجمود: "كلا الحلين مر، أنا كنت دائماً طير مهاجر لم يعد لموطنه الأصلي أبداً.. روح شاردة لم تعرف الانتماء تحت أي راية أو سماء تواجدت بها.. لذا أرغب بكل كياني في منح ابنتي الشيء الذي فقدته باستفاضة.. من قال أن الأوطان بالرايات، أحياناً شخص واحد كافي لأن يشبع ذلك الحنين لانتماء وهذا ما تفتقد لورين معرفته.."

قال أيوب بهدوء ظاهري "ما دخل كل هذا في سؤالي يا ممدوح؟"

مالت شفتاه بشيء غريب لم يستطع أيوب تصنيفه لإحساس معين.. ثم سمعه يقول: "أحاول إخبارك أن بعض الحروب خسارتها مؤكدة ولكننا من اليأس والوجع أن نقر بذلك.. فنظل نحارب طواحين الهواء، منتظرين معجزة.. خلاصة القول عماه أنا لا أعاقب لورين بل أريد أن أمنحها فرصة مريحة من وشم روحها بي الذي مثلته بابنتي.. ووقتها إن قررت أنها تريد تعويض الصغيرة عن ما جنته يداها أنا لن أرفض أبداً وإن أرادت رؤيتها في حدود الزيارة كأي والدين منفصلين متحضرين.. إذ أن الجرح حدث وانتهى.. وأمل ممدوح أصبح كل العالم بالفعل يتمحور حولها"

ضيق أيوب بين عينيه وكأنه يحاول أن يستوعب كلماته متفكراً فيها.. حتى توسعت حدقتيه أخيراً وهو يومئ له بموافقة..

ظل ممدوح في مكانه دقيقة كاملة أخرى ينظر إليه بشبه ابتسامة حزينة.. ثم قال أخيراً "أشكرك لرحابة صدرك, فهو أمر لا أجده عند الكثيرين"

تنهد أيوب وهو ينظر للأرض بتعب ثم قال: "لم تشرب قهوتك؟"

رفع ممدوح حاجبيه بدهشة وكأنه لم يتوقع أن ينتهي اللقاء بدعوة قهوة: "ظننت بأننا اتفقنا على شيء ما بني.. فلما العجب الآن؟"

:-"توقعت أن ينتهى اللقاء بضربي وطردي ككل مواجهاتنا؟"

ضحك أيوب بحزن ثم قال "تمنيت لو عرفتك في وقت وظروف أخرى"

:-"ثق بي لست الشخص الذي تندم على عدم معرفته"

صمت أيوب لبرهة قبل أن يقول بخفوت "لا أستطيع جرح ابنتي.. لا يمكنني تعذيبها وحرمانها من صغيرتها.. ولن أحكم عليك أيضاً مثلها إن معدنك جيد يا ممدوح ثق بنظرة رجل عصرته الحياة عصرًا بين أمواجها المتزاحمة.. أنتَ فقط كنت تحتاج لجراح ماهر ينظف عطبك ويمنحك الدواء الشافي دون آثار جانبية.. أو منقب شديد الإخلاص يزيح عنك التراب والأوساخ التي تسبب فيها من حولك.. وقتها كنت لتصبح شاب مبهر ورجل مهيب وأب رائع كما تحاول أن تفعل الآن"

هل كان يطيب روحه؟!

أغمض ممدوح عينيه ظافر بحدة مؤلمة ثم همس أخيراً "أنا لا أشرب القهوة العربية إذ أنها تخلف في حلقي مراراً كالعلقم وأنا اكتفيت من استحسان طعم الحداد في قلبي"

******

انتفضت جوان التي كانت تأخذ سَبنتي على صدرها مغمضة العينين وتتنفس بارتياح كمن كان يركض طوال عمره وأخيراً حصل على فسحه ضئيلة لالتقاط أنفاسه...

"هلّا أحسنت التحدث مع والدتي, هي ليست أحد موظفينك" هتفت سَبنتي في وجهه بشراسة مدافعة..

راجعها راشد بنظرة معتمة للغاية قاسية لا تعرف الرأفة أو التفاهم: "عندما أتحدث أنا أنتِ تخرسين تماماً كأي طفلة مهذبة"

"أنا لستُ...."

صرخ راشد فيها كالمجنون بطريقة لم تسمعها منه أبداً من قبل: "اصمتي يا سَبنتي"

ظهر في عيني سَبنتي تعبير جرح عميق إلا أنها التزمت أمره بالفعل ولم تراجعه.. بينما كانت كلى يديها كما مشاعرها تضغط على جوان بحماية مفرطة وكأنها هي طفلتها لا العكس...

لم يعد راشد لصراخه كما توقعت على الفور بل تحرك في الغرفة بخطوات واسعة عصبية وكأنه نمر أرقط وجد نفسه داخل سجن سيرك هزلي كارثي... كانت نوة وبدور أيضاً انضمتا إليهما ينظرن إليه بقلق بحت.. حتى امتلكت جوان بعض الثبات لتسأل أخيراً "هل يمكنك أن تفهمني ما الذي حدث ليتجدد جنونك ضدي؟"

مر راشد بعينيه طويلاً على وجهها بقصد حتى قال أخيراً بنبرة كحد السيف الباتر "هل صرحتِ وسط نوبات هستيريتكِ المعتادة عن أمومتكِ لسبنتي اسماً ولقباً يا جوان؟ هل أخبرتِ والدة زوجكِ عن حملكِ في الحرام؟"

شهقت سَبنتي بصدمة ليس من المعرفة بل من اللقب اللعين الذي ظلت لأعوام تتجنب سماعه منذ أن أذلها به ياسر الراوي ذلاً وهو يدفعها عن ابنه.. لتسمعه الآن من راشد بالذات دون غيره وعلى مرأى من ثلاث نساء...

التفت إليها راشد يراقب كل الانفعالات التي تمر داخل عينيها.. بوجع عصره وحطمه هذه المرة بحق ولكن تلك التي تجلس بجانبها تحتضنها وكأنها تهمها حقاً كانت لها سلطة على غضبه أشد سطوة وعندما أجبرته على النظر إليها وهي تتخلى عن جانب سَبنتي وتقف باهتزاز ضعيف وهي تقول بحجة هزيلة: "لم أدري بنفسي.. كانت الصدمة أكبر مني.. أنا لا أعرف حتى ما قد فهمته وأخبرتها به صراحة.. ولكن نعم.. نعم عرفت بأمر صغيرتي"

ساد صمت مهيب بين الجميع بينما تبخر كل التعاطف الذي كان منذ وقت في عيني نوة متحول إلى اللاشعور أو الإحساس.. ببساطة كانت تتراجع أكيد لتقف بعيداً وتلتزم صمت طُلب منها..

بينما ظل راشد ينقل نظراته عليها وسبنتي بلهيب عنيف إلى أن قال مجدداً بنبرة ميتة قاسية "دائماً ما كانت صداماتكِ هي ما تحرككِ.. دائماً ما كنتِ أكثر انشغالا بأنانيتكِ لتنظري لصورة أكبر وأشمل داخل محيطه.. قديماً حطمتِ طفلتي البريئة وآذيتِ روحها وجررتها دون ذرة شعور لنفس قبركِ.. فخرجتِ أنتِ يا جوان وبقيت روح سَبنتي هناك حتى اللحظة"

أطرقت جوان وجهها الباهت وهي تفقد كل صوت فيها لترد بشيء.. فأكمل هو بصوت عنيف: "وسط هستيريتكِ تلك أيضاً نسيتِ أن تخبريها الحقيقة المجردة فكدت أنا أن أفقدها وهي تعتقد أني والدها النذل الدنيء الذي عبث معكِ وأنكرها"

"هل انتهيت؟!" قالت في محاولة ضعيفة لإيقاف طعناته إذ بدا كأنه يخرج كل أفعالها وكل أخطائها وينشرها أمام عينيها واحداً تلو الآخر صافعها بحقيقة كانت غائبة عنها..

هدر فيها بقوة: "لا يا جوان لم أنتهي.. إذ أنكِ نلتِ مني أنا الآخر بطريقة ما.. لولاكِ ما كان زاد جنون تلك المرأة "بدور" وخسرت حياتها كما خسرت أنا وابنتكِ وابني بينما كل ما نلته أنتِ صفقة رابحة مع رجل ضحى بنفسه وكرامته ووالدته.. لقد فتح لكِ بيت جديد وحياة جديدة لعلكِ تجدين العلاج أخيراً.. وماذا كانت النتيجة؟"

رجفة بدن مقهورة نالت من بدور ولكنها لم تبديها بل ظلت تنظر إليه بسخرية سوداء ميتة وموجعة حد الغثيان.. وعندما حولت وجهها لسبنتي كانت تبدو في عالم آخر.. دنيا من الألم البحت بينما عيناها كانت تحدق فيهم بصلابة خالية من الشعور لا تسمع ولا ترى ولا تتنفس..

قال راشد مجدداً بصوت مشتد بالغضب ناكئ الجرح "وسط حاجتكِ أنتِ وإرضاء أمومتكِ لا يهم شيء.. لا مشكلة أن تكسري نضال أمام والدته، ليس مهم إن جرحتِ امرأة عجوز احتضنتكِ.. وليس مهم على وجه الإطلاق إن كشف سر ابنتكِ وفضح أمرها لتدفن رأسها الحرة في وحل لم يكن لها يد فيه لم يكن خطأها بل فعلتكِ أنتِ"

هتفت جوان صارخة: "كفى يا راشد"

قال بصوت أعلى متسلط وصارم: "أنتِ هستيرية، لا تصلحين لشيء.. امرأة أنانية يا جوان, هل تفهمين هذا؟ لا يحتاج السر إلا لفرد واحد لتفوح رائحته العفنة وأنتِ من يوم دخولكِ في حياتها كشف كل شيء, والآن امرأة غريبة كشفت الستر.. كل ما حاولت بنائه أنتِ تهدميه.. أنتِ لعنة.. ملعونة أمومتكِ المؤذية.. ملعونة لوعتكِ المحطمة"

همست سَبنتي أخيراً وهي تكاد تسقط في غيمة دخانية "يا إلهي.. أنت تقتلني يا أبى تقتلنى انا"

لم يشعر بنفسه ولم يعلم حتى متى اصبح يشرف عليها كلها يداري رقرقت دموع طفيفة داخل عينيه بينما يسند رأسه على جبهتها وهو يهمس بلوعة:

"ليتنى استطيع اغتيال كل ما يؤذيكِ..هل فهمت الأن ان كل ما فعلته لم يكن قسوة منىّ بل لأجنبك الأعراض الجانبية القاتلة لظهورها"

فغرت سَبنتى شفتيها تشهق دون صوت وتبكى دون دموع فقط كان يراقب اهتزاز صدرها وكأنها تعانى نوبة صرع..دفعته بكلا كفيها من صدره ثم قالت بأنين :"لا تؤذيها..فقط تعقل ولا تجن في حمايتنا لقد حدث الضرر يا راشد"

تحركت جوان نحوها بينما دموعها تهبط مدراراً حتى غشت الرؤية امامها..فهتف راشد امامها بقسوة"اياكِ ولمسها مرة أخرى..لقد اتيت في طلب محدد وحصلتى عليه..بينما هي كالعادة لم تنال منكِ الا المصائب،اخرجى من هنا يا جوان وجِدِي حل لحياتك التي هدمتيها أيضاً باندفاعك بعيداً عنا"

اهتز فم جوان وهى تقول بقنوط :"لا املك القدرة على فراقها مرة أخرى يا راشد"

قال راشد بعنف وهو يتحرك نحوها أخيرا وقبل ان يصل اليها ويرفع اصبعه المحذر في وجهها كان يحس بيد قاسية قوية تمسكه من كتفه شادة إياه بعنف نحوها تنهره بدور بتصلب :"أفق لعقلك من تواجه جبروتك امرأة يا راشد الراوى"

لم يتحرك انش واحد ولم يعدل عن نيته بل استمر في قسوته وهو يقول لجوان :"من حسن حظك انك أمها..ومن سوء حظها انها ابنتك.. سأمنحك خمسة دقائق أخرى هنا تلملمى فيها انهياراتك التي لا تنتهى،وبعدها ان قابلتك في طريقى ولو صدفه سأحرص على علاجك بنفسى هذه المرة..وصدقينى ان اخترتى الموت بيديكِ ....أهون منىّ"

ثم حرر يد بدور ودون البقاء للحظة واحده كان يندفع للخارج بجل جنونه لاهث الأنفاس بقسوة جعلته على شفى فرقعة اصبع من جلطة دموية..بينما ظلت كل واحدة منهن على حالها للحظات حتى قالت سَبنتى اخيراً برجاء اختلج له قلب بدور:"اخرجي ورائه الحقي به ارجوكِ لا تجعليه يبقى وحيداً وهو بهذه الحالة..ارجوكِ يا بدور ارجوكِ"

أنهت جملتها القلقة وهى تحاول النهوض بنفسها وكأنها تريد هي اللحاق به فجلست جوان بجانبها..وتجرأت بعد كل هذا وضمتها الى صدرها عنوة تهزها للأمام والخلف وكأنها مجرد رضيعة تجهل التعامل معها ولكن حبها زرع داخلها بالفطرة وقد بدت في حاله عجيبة فاقدة للاتزان وشاردة البصيرة التي فتحت رغماً عنها على واقع كارثى عملته بيديها لقد خسرت كل شيء فعلاً...

............

لحقت بدور راشد عند باب المصعد جرياً تهتف بإسمه محاولة إيقافه وصوتها يتداخل مع صوت كعب حذائها العالى.."راشد انتظر"

كان الباب قد فتح ودخل هو اولاً معتدلا ليواجها وقبل ان يغلق الباب كان يشدها لتبقى بالداخل معه..قالت بنفس مبهور"هل يمكنك ان تهدا هذه الانفعالات كثيرة جداً عليك في يوم واحد"

لم يرد بل مد يده يضغط على ذر الإيقاف ليبقى هو وهى فقط في تلك المساحة الصغيرة معلقان بين السماء والأرض..كحالهم دائماً"

عاد اليها يحاصرها هناك بضخامة جسده فوضعت كفيها كحاجز بينهما تمنعه بصلابة من مسها مرة أخرى وهى تهتف بقوة :"أقدر حالتك الان ولكن وربى ان مسستنى مرة أخرى لأحطم رأسك يا راشد"

قال بغضب واستياء"اقسم انى انا من سيحطم رأسك يوماً لماذا اتيت ورائى اذاً؟"

رفعت حاجبيها وهى تقول بحذر:"هل انتَ ابله يا راشد حقاً أسألك ؟هل يصيبك نوع من الغباء المفاجئ الذى تخصنى به وحدى؟"

صمتت للحظات بينما عينيها الواسعتين بالأصل يزيد اتساعها الضعف ليظهر عسل عينيها الصافى كشمسين متوجهتين بأشعة تلاحق الظل خجلاً اثر سماعها سيل من الشتائم ال.."المنحرفة"هل هذا لفظ يكفى ما يكاد يخرم طبلة أذنيها النظيفة..

"لم أتبعك لاخذ رأسك على صدرى او أشد ازرك حتى ولكنى مازلت أتشبث بغباء شديد ان تحافظ على حياتك اذ انى أطالب بحق إياب بك أريدك انت من تربى ابنى لا غيرك"

قاطعة سيل سخطه وعنفه وهى تهمس بهدوء انيق واثق امام عينيه..تحشرجت أنفاسه داخل صدره بسطوة..وهو يدفن يده تحت ذقنها مثبتاً عينيها داخل عينيه..لتسمع كل حرف يقوله بوضوح تام:"لهذا أيضاً انا خِفت..لا أريد لإياب ان يعيش هذا يا بدور"

مرت بضع لحظات أخرى بصمت متوتر حتى قالت هي ببرود :"يعيش ماذا تحديداً..لا افهمك"

احمرار الغضب عاد يبرق في عينيه وهو يقول بجمود:"هل رأيتى النظرة التى علت وجه سَبنتى يا بدور؟هل سمعتى نواحها وتهشم روحها الصامت؟"

اغرورقت عينيها بدموع ماسية عزيزة وهى تجيب:"نعم.."

قال راشد سريعاً بعنف مكبوت"رحلت ثم عدت لأجل خاطر واحد حتى وان بدا الفعلين متضاربين تمامًا ولكن السعي واحد..لا اريد لاياب نفس تلك النظرة..لا اريد لابنى ان يعانى من التطرف والجنون..ان يدفع ثمن غالى لجرم لم يفتعله"

انتفض شريان على طول نحرها الأبيض وهى تهمس بغضب مصدوم:

"مع احترامي الكامل لسبنتى وامها .كيف تقارن الامر في عقلك؟"

رد راشد بصوت يرتجف انفعالا:"يا غبية..كل هذا ولم تفهمي من تلك التي تقارن بك..من تلك التي ولدت على الأرض في الماضى او الحاضر او حتى المستقبل لتليق بأن أقارنها بك..لو وجدت ما كنا عانينا كل هذا ما كنت اهدرت نفسى خاسرها واحرقتك معىّ"

بهتت ملامح بدور وهى تستمع الى كل كلمة تخرج بنفس محترق من شفتيه بقلب يخفق عنفاً وترتج نبضاته حتى بدى دويها كاللغط..

"ما اوجعنى منك وصدمني فيكِ انك فقدتى عقلك وخسرتى نفسك حتى نزلتى من عليائك لتقارنِ نفسك بهن..كيف تجرأتى ان تفعلى؟كيف خنتى عليائك..قبلى؟"

همست بصوت منخفض بدا كاللحن عذب النغمات رغم بؤسه :"راشد..لقد فات الأوان وتاخر جداً وكل ما تقوله الان ذر ملح كاوياً للجرح المنكئ"

امسك كتفيها بقوة يهزها بعنف صامت يعيش في معاناة قاتلة حتى قال اخيراً مكرراً :"يكفينى خسارة طفل واحد،و تحطيم ابنة واحده..ارجوكِ يا بدور لا تجعلى إياب يعيش تلك اللحظات بسببى وسببك لا توصليه لان يواجه وحوشنا القبيحة المرعبة يوماً"

هبطت دمعه على طول خدها الان ثم أغلقت جفنيها بالالم فاهمة مقصده تماماً اخيراً ثم قالت بصوت اجش"عهد علىّ ان أفصل لحمى عن جسدى لن اجعل ابنى يعانى بسببى مرة أخرى..بموتى يا راشد ان جعلته يلمح اشباحى يوماً"

قال بقهر مرددا عهدها:"وعهد علىّ ان افعل مثلك وأكثر..اطلبى الان ان احرق نفسى ولن أتردد"

فتحت عينيها الى وجهه مرة أخرى وهى تهمس بمرارة:"اكرهك يا راشد..اكرهك للمرة الالف..اكرهك حد أنى لا استطيع ان أؤذيك او نفسى مرة أخرى"

"وانا احبك..احبك..بل أعشقك من جديد للمرة الألف حد انى سأبتعد عن طريقك ولن أؤذيك مرة أخرى بمحصارتي"

................................


(بدون موضوع)
البريد الوارد
x

Nora Ali‏
4:00 م ‎(قبل 6 دقائق)‎
أنا


بعد أسبوع :

دخلت لورين بخطوات ثابتة قوية تنظر إلى عينيه المستخفة دون تنازل أو توسل وكأن كل ما حدث منذ أسابيع لم يكن وها هي قد عادت من جديد مجرد نفس باردة وصلبة ..كما اعتادها دائماً..

فور أن وقفت في منتصف الحجرة أغلق ممدوح باب غرفة الفندق الذي يقيم فيه وهو يسمعها تقول بفتور “ها قد أتيت مخاطرة بسمعتي إن رأني أحد هنا ..ماذا تريد؟"

تحرك بهدوء شديد وجلس على كرسي مستطيل الشكل دون دعامة ظهر مبطن بطبقة من الجلد الأسود ..يقع على بعض إنشات من طاولة صغيرة بمقعدين وتفصل بينها وبين فراشه المزدوج ..رفعت حاجب واحد وهى تناظره ببرود أشد وكأنها تستوعب لما اختار هذا المكان بالذات؟!

حتى قال أخيراً :"ما عادت أفكاركِ تدهشني للحقيقة .. وكأنكِ لم تصعدي إلى هنا إلا بعد أن تأكدت إدارة الفندق أنكِ زوجتي بموجب هويتكِ وعقد الزواج الذي تركت صورة منه بالأسفل؟"

التوت شفتيها بقسوة وهى تقول :"وأنتَ تدهشني في الحقيقة ..لقد أصبحت الأن تفهم في الشرع والأصول وتحترم كيان المرأة"

قال بهدوء شرس :"عليّ أن أفعل عندما أراها تستهتر بسمعتها التي تدعى حرصها عليها ..وأنا أرصدها بكل تبجح تتمسك بخاتم خِطبة شخص رغم معرفتها أنها مازالت زوجة لرجل آخر"

اتسعت عينا لورين بغضب وهى تنظر إليه بتحدي كريه وهى تقول لاهثة من شدة الغضب "لقد انسحب بسببك ..لقد دُمِرت حياتي التي أفنيت وقت طويل في بنائها بسببك ..اللعنة عليك أي زواج وعقد تطالب به ،كيف تجرؤ على ردي بالأساس دون موافقتي؟"

أطرق برأسه للحظات ويديه تتقبض بجانبه بعنف كما خطوط جبينه التي عقدت بطريقة عنيفة تشي بحدة غضبه ..حتى أنها جهزت نفسها بكل دفعاتها لتتلقى نوبات وحشيته المعتادة التي قبلت دعوته بسببها بالذات حتى تجد سبب أكبر ورادع لوأد أي ضعف قد لاح بداخلها تجاهه بسبب "أمل" ولكنه صفعها حقاً حتى وإن لم يتحرك من مكانه عندما رفع لها وجهه الجليدي وهو يقول بفتور "لقد استخدمت حق يتيحه لي الشرع كأي رجل عربي تلهثين حالياً للارتباط به لأنه يشبه جذوركِ ..إن لم تعرفي بعد هذا يحدث في ذلك القطر على الدوام ..اطلقكِ حين أرغب وأردكِ متى أشاء"

للحظات وقفت مكانها وقد طغى التوتر على أي شعور آخر حاولت جاهدة التسلح به ..ثم قالت أخيراً بصوتٍ جامد "أنت تزور الحقائق ،وتتلاعب بما تعانيه مجموعة مجني عليها من النساء هنا أو في أي مكان آخر لأجل مصلحتك"

ضحك مستهجناً ثم قال بنبرة ميته ساخرة :"مهلاً ،ما دخلي أنا في مشاكل النساء العالمية منذ قديم الأزل ..طرحتي سؤالاً ومنحتكِ إجابة ..لذا لا تدخليني في حوارات عقيمة أنتِ أخر شخص يصلح لمناقشتها ..أنتِ لست مسكينة ولا ضعيفة يا لوسيرو"

أشتعل سواد عينيها بنار مظلمة قبل أن تقول "ماذا تريد إذاً؟ غفران لاغتصابي ؟في أحلامك ..أخذك ابنتي؟ سأقتلك قبل أن تلوح الفكرة برأسك حقاً"

هتف ممدوح دون تفكير أو تردد للحظة واحدة "ولكنكِ ذبحتني ،ومثلتي بجثتي منذ زمن ولى يا لوسيرو ،فكيف ستفعلينها مجدداً مع رجل ميت؟"

ارتجفت شفتيها قليلاً وهي تقول ببرود جارح "لقد كنت دائماً ميتاً ..رجل بلا روح ،باع نفسه لشياطينه فلا تحاول أن تلقى الأن باللوم عليً"

اغمض ممدوح عينيه بقسوة وكأنه يحتاج لقوة جبارة ليتناسى وجودها أمامه وأن يتغاضى عن نبرتها المحطمة ، عن تحديها الصارخ واستمرارها في غيها ..حتى قال اخيراً :"وأنتِ كنت مجرد ضحية ،نحرتها على مذبح ظلامي ..أليس كذلك؟"

أغمضت عينيها مثله هذه المرة وقدميها تتراجع للخلف وكأنها باتت فجاءة تحتاج لشيء صلب يدعم ادعائها الكاذب في الثبات أمامه :"ما الذي تريده ..أربعة أعوام وجراح لا تحصى وذل ليس بعده ذل رأيته على يدك ..ما الذي تريده منيّ؟"

وقف من مكانه يقترب منها بتمهل خطر وكأنه دون إنذار تحول لذئب شرس حشر ضحيته في المصيدة التي نصبها لها بالطريقة الصحيحة تماماً ..ثم قال بصوتٍ اجش عميق رغم موت المشاعر فيه :"هل أجبرتكِ أن تدخلي حياتي يا لورين؟ هل كذبت والتففت عليكِ لأوقعكِ في غيابات جبي؟"

فتحت عينيها مرة واحدة تنظر إليه بحدقتين اهتزتا حتى لاح فيهما الذعر الذي سرعان ما سيطرت عليه ..ولكنها فشلت أن تدارى ارتجاف كل جزء حيوي فيها وهى تقول :"أحببتك بغباء وقتها ..أردت ان أمنحك فرصة لكي تقف على قدميك ،رغبت في.."

قاطعها هادراً صارخاً وكأنه طفح به الكيل وما عاد قادر على التظاهر بجموده وهو يقول :"تباً لكِ ..سؤالي واضح هل خدعتكِ بما ليس فيّ ؟هل غششتكِ؟"

غامت عينيها للحظة وهى تميل برأسها جانباً في محاولة مضنية لأن تبتعد عن مرمى أنفاسه الحارقة بغضبه المكبوت ثم همست :"أنت خراب لم تقدم لي إلا ازهاق روحي ..يدك تدمر كل ما تلمسه وكأنك لعنة"

تسمرت عيناه للحظة فوق جانب عنقها ..ليس تأثراً كما ظنت ولا شوقاً كما تعتقد ،عندما أتت إلى هنا واضعة في عقلها أنه مازال يرغبها ويريدها في حياته وبأن حبها الذي شابه مرض عضال بين أضلعه مازال يحركه متغذياً على نوبات سخطه الجنونية ،لتستفزه محركة فيه جانبه الوحشي كما فعلت قديماً لتدفعه لفعل آخر مدمر حتى تستطيع ان تأخذه حجة قوية تشهرها في وجه الجميع كدافع منطقي اخر لطرده من حياتها وتكسب بها جانب أسرتها من جديد ..هكذا كانت لورين دائماً لا تعترف بالخطأ أبداً معه وأفضل طريقة للدفاع عن نفسها هي الهجوم على غريمها ..وهو لم يعد ذلك الرجل قليل المنطقية والحيلة ليفهم ألاعيب امرأته ..تكلم أخيراً بصوت غامض أجش "جيد مازلتِ تذكرين ،إذاً لما الكذب وإلصاق تهم بي لم افعلها يا لورين؟"

اظلمت ملامحها كلياً ،بينما حركت رأسها بعنف لتواجه بتصلب وهي تقول من بين أسنانها "لم أكذب ..لقد جملت حقيقة ارتباطي بوغد حقير مثلك ،لم أستطع البوح بأني تنازلت عن الكثير من أجلك وبالنهاية لم أنل إلا دعسك إياي ،ومخلوقة تعيسة زرعتها في أحشائي رغم إرادتي"

قال بجمود مقاوم كل ذرة في جسده ألا يأخذ رأسها بين يديه ويضربه في الحائط بعنف حتى يهمشه :"مخلوقة لم أعرف عنها شيء ولم اتخيل وجودها بالأساس ،إذ أنكِ كنتِ من الكبر والترفع أن تنوي الإنجاب مني ..فكيف لي بمعرفة توقفكِ عن تلك الوسيلة؟"

هتفت فيه وهى تخبط يدها بعنف محاولة إزاحته عنها وانهاء اقترابه المهدد لها :"لقد توقفت لأنها لم تعد ذات قيمة ،لقد هجرتني ،هل تذكر أنك طردتني من فرا.."

لم تكمل جملتها إذ أوقفها هذه المرة بحدة وبعض من غضبه يخرج من عقاله عندما مد إصبعيه يخبط على جانب رأسها بقوة هاتف فيها بصوت أكثر قسوة مصححاً :"ابعدتكِ عني عندما حولتني لكل شيء أكرهه ،عندما وجدت نفسى فجاءة نسخة من كل عقدي ..الرجل الناقص الذي تتعطف عليه زوجته كل حين تجره لمعاشرتها وتذله بحاجته.. تلين بين ذراعيه بتغنج ثم عند اللحظة الحاسمة تنفر منه آمره إياه بتركها لأنه غبى حيوان تشمئز منه وتنفر من أنفاسه"

صمت وهو يتنفس بعنف وبصوت مسموع بينما هي شحبت ملامحها ،وانكمشت غريزياً وهى تقول بصوت خشن أثر انفجاره :"لم يكن الامر بهذا الشكل أنا كنت أعاني وقتها ..لم أستطع مبادلتك الغرام وأنا أخطط لما فعلته"

التوى فكه بطريقة مخيفة أشد تهديد من سابقتها ..قبل أن يصرخ فيها بعنف :"لا تستطيعي الاستمرار معي لأني ناقص ..رجلكِ الناقص يا لورين الذي أدركتِ أنه لا يناسبكِ ..كيف كنت غبي ولم أدرك منذ اكتشافي أول كذبك؟؟ إياك وتسمية ما كان بيننا غرام ..ليس من جانبكِ على الأقل"

اظلمت تقاسيم وجهها أكثر بغلالة من العذاب وهى تقول :"لم أراك ناقصاً.. بل رفضت أن أجعلك تحول نفسك لواحد منهم ،كنت أريد منحك فرصتك، أن انجدك من سجن مقعدك ،إذ كان لك الفرصة في حياة أخرى ترفض بكل غباء استغلالها"

اقر بجمود: "رأيتِ أيوب آخر فيّ فرغبت بكل جوارحكِ أن تمارسي عليه عقدكِ وتفعلي معي ما كنتِ عاجزة عن منحه إياه وقت أن حلت عليكم مصيبتكم وخطفك وإخوتك منه بقانون شرعي"

بهتت بقوة قبل أن يشتعل غضبها وكأنه ضغط على زر قنبلة موقوتة فيها لم تشعر بنفسها وهى تمد كلاً كفيها تضربه على صدره بعنف مراراً حتى نجحت في إزاحته عنها هذه المرة وهى تصرخ فيه بفقدان سيطرة :"أنت لست مثله ..لا ترقى أن تكون بالأساس بل مجرد حقير ..لقد أحببتك، أويتك، احتضنتك عندما نفرك كل من يعرفك ..وثقت أن حبك لي سيغفر لقد راهنت عليك وخذلتني ..اخبرني الأن وأنت تذهب هنا وهناك حراً طليقاً على قدميك ماذا كانت جريمتي؟ أنت الأن تتباهى برجولتك بفضلي"

أزاح يديها كما دحرها كلها بكفه بخفة ..ثم أمسكها سريعاً من شعرها في حركه كان يفعلها قديماً جاعلها تكتم صرخة مجفلة وهى تنظر له بعدم تركيز ..بينما هو يقول بعنفٍ "إن كنت ستستمرين بوضع نفسكِ داخل خانة الضحية المجني عليها دعيني أذكركِ بوضوح ..أني سلمتكِ كل شيء وحاولت منحكِ كل ما أملك دون أن تطلبي ،غيرت نفسي من أجلكِ ،ولم أخجل أن أضع رأسي بين ذراعيكِ وأشكوكِ كل الماضي كالأطفال ..لهذا الحد كنت مغفل معمياً بكِ ..معتقداً بكل غباء العالم أنك سلمتِ أننا كيان واحد ..أرواح ضالة وجدت بعضها ،مانحين أنفسنا علاج ما عانيناه"

احنت رأسها قليلاً لتخفف وطأة إمساكه بها بينما نظرت إليه من جانب وجهها المرفوع وهى تقول بعدم تركيز "وأنا فعلت ما أوجبه عليّ ضميري"

قرب فمه من صفحة وجهها بحدٍ مرعب قبل أن يكمل بصوتٍ وضع فيه كل نفوره و يأسه :"أخبرتكِ وقتها أنكِ المرأة الوحيدة التي أمنت بها ..أنكِ أول إنسان في الكون أثق به ،فسلمتكِ كل جروحي، عثراتي وأملي ..وكل ما طلبته منكِ هو عدم الكذب أو الغدر بي ..لماذا غدرت ومنذ البداية؟! انهى جملته وهو يصيح في وجهها بينما يديه تشتد على رأسها بقسوة أكبر دون أن يشعر ..كتمت آنين متوجع وهي تنظر إليه بعينين دامعتين لم يتركا أي أثر في نفسه أو يمنحاها تعاطف جزء ضئيل ملعون داخلها كان يتعشم به ..قالت مدافعة بحجتها الضعيفة الهزيلة أمام بركان غضبه "كان هدفي من البداية علاجك ..أنا أردت"

هزها وهو يصرخ فيها مجدداً :"أنتِ مريضة عليلة النفس ..كنت تمنحيني ترياق الوهم بيد بينما يدكِ الأخرى تدار من خلف ظهري لتطعنيني بسكينكِ التلم ..لقد حققتِ كل مخاوفي ..أخرجتي كل عفاريتي ولاعبتني بهم ببساطة وقسوة دون أن تهتز شعرة واحدة ..دون أن تعطفي عليّ ولو من باب الشفقة ..قيدتني كطفل عاجز ،سلبتي إدارتي وحريتي ..حولتني لمجرد كم مهمل ليس له قيمة في حياتكِ مجرد جسد هزيل خانع ملقى على مقعد متحرك ينتظر الطبيبة العظيمة لوسيرو أنخيل حين تتذكره في أوقات فراغها كل حين فتعود إليه ..ليس لشيء إلا أن تجره لفراشها مذلة إياه بما يقدمه لها ثم تلقيه لحين استخدام آخر..

عند هذا الحد كانت لورين تطلق صوت مستنكر ومذهول أشبه بصوت استغاثة :"لم يكن الأمر بيننا أبداً بتلك البشاعة التي تصورها ..ما قدمته لي كان حباً ،وكنت أحتاجه و متقبلة إياه لأني.."

بصق حروفه في وجهها بنفور "لأنكِ أحببتني ..لأني زوجكِ أليس هذا ما كنت تكرريه يا جاحدة ومخادعة؟"

صمت ملتقطاً أنفاسه ثم دون أن يشعر كان يعود ينفرها بعنف من بين يديه ليصدم جانب كتفها بالحائط وهو يكرر :"لم يكن حباً من جانبكِ بل حالة مَرضية أسرتكِ لتخرجي فيها كل عقدكِ"

أجهشت في البكاء محررة دموعها أخيراً وهى تصرخ فيه بنبرة أشبه بالعواء :"لم استطع رؤيتك مقيد في عجزك ،جانب الطبيبة مني ضميري المهني لم يقاوم أن يتخطى كل الجوانب الأخلاقية ..كل وعود الحب والعهود بالوفاء التي منحتك إياها ..أفهم لم أقدر كان يجب أن تخضع لفرصة علاجك التي تضاءلت كل يوم عن ذي قبل حتى كادت أن تنعدم"

زأر فيها بخشونة ساخرة "جانب الطبيبة إذاً هو من دفعك للزواج مني وعلاجي ..على هذا الحال إن زوجنا كل دكتورة لحالة خاصتها لن نجد عدد كاف منكن للمرضى أمثالي"

صرخت مرة أخرى وهى تمسد ذراعها بألم :"أنت بالفعل غبي كما قلت ،كل هذه السنين لم تستوعب أني فعلت هذا بدافع.."

قاطعها مرة أخرى هادراً :"بدافع إكمال رجل ناقص لا يليق بكِ"

هتفت بيأس :"لو رأيتك ولو مرة واحدة ناقصاً ما كنت تزوجتك يا أحمق ،ولما فتحت لك قلبي دافعة داخل صدرك كل وجعي ،إن كنت أنت بكيت على صدري كالطفل كما تهدر فأنا كنت ألجأ إليك بكل نوبات ضعفي ..لقد نفرت أيوب وقتها ورفضت لمس أخواتي اللواتي طاردت حلم احتضانهن طويلاً ،وعدت لذراعيك أنت.."

صمتت وهى تلتقط أنفاسها المحشورة داخل جوفها بغصات بكاء متقطعة ثم قالت بنبرة أشبه بالنواح "لقد اخترتك أنت ،تعشمت فيك أنت ،خيل لي بكل غباء أنك ستغفر و ستفهم ما فعلته من أجلك ..من أجلنا"

تصلب في مكانه ينظر إليها بعينين ميتتين وكأنه قد تسمر تماماً وعجز أن يبدي أي حركة نحوها أو يخرج مزيد من مشاعره المتكومة داخله ..حتى قال أخيراً بنبرة قاتمة:

"لقد تنازلت من أجلكِ أيضاً كنت أخضع لطلباتكِ ،فقط كنت أحتاج الوقت والتفهم من جانبكِ ،رغبت في امرأة تفهم وجع روحي ..أن تحتضن جروحي وترأف بظلمتي وتخرجني من جحيمي ..لا تحكم عليّ كسجان أو تغتالني على مقصلة الإعدام ..أردتِ منحي الكمال ،ومن أخبركِ أني لم أرده لتفخري بزوجكِ ،لأمنحكِ أكثر مما تطلبين ،لأسير بجانبكِ وأركض معكِ في الضواحي هناك ..أعطيكِ كل ما فشلتِ أن تجديه أو أجربه أنا؟ بالنهاية أنا كنت مثلكِ أتوق بكل جوارحي لأجد أرضاً فيكِ"

استدارت ببطء تريح ظهرها على الجدار بتعب شديد نال منها بينما ترفع له عينا الحداد المصدومتين بتوسع مفجوع وبدت كأنها لا تجد ما قد ترد به ..فأكمل بصوتٍ أجوف :"لم أرد عقابكِ ..فكرت فيه كل ليلة وأنا مقيد على فراش المرض لأسابيع طويلة وشهور منقوصة ،أتوق لليوم الذي سأخرج فيه من تلك الغرفة بأمر زوجتي ..وبرغبة ولية أمري"

أطلقت شهقة ارتياع وكل خيلائها وبقايا كبرها الذي دخلت به منذ وقت لهذه الغرفة ينهار تماماً ولم يبقى إلا كم مهول من الوجع وصدمة مواجهة ماضي كانت فيه إنسانة بشعة معه ..ورفضت بكل جبروت أن تفكر فيه ليأتي هو ببساطة الأن يلوح به أمام وجهها كفزاعة مرعبة ..سمعته يكمل بصوته الأجش القاتم:

"رباه لن تتخيلي شتى أنواع العذاب التي كنت أغذيها بجحيمي مستلذا بتخيل تهشيم كل نفس فيكِ ..أردت اذلالك ..ذلاً بشع لا يتحمله أنس ولا جن ..ولكنى فور دخولي لبيتنا مرة أخرى كل شروري اندثرت ،وكل النوايا السيئة تبخرت مدركاً بمرارة أنكِ حطمتي البقية مني بالفعل اغتصبتِ رجولتي و كبريائي وانتهى الأمر وكل ما كنت أنوي فعله بكِ لن يعيد أو يعالج ما كان ..لذا قررت أن أحرركِ بكل بساطة وأرحل راميكِ أنتِ وماضيكِ بعيداً عن حياتي"

اندفعت إليه كالمجنونة تمسك بتلابيب قميصه بعنف وكأنها تريد جبره على افتعال عراك معها تعلم يقيناً أنه سينتهى بهزيمتها هي ثم هتفت في وجه بغل مدوي :"أتلبس ثوب الضحية الأن ،لقد توعدت بالحرف الواحد أنك ستمزقني ..كما مزقت ورقة زواجي منك ثم ..ثم.."

صمتت قبل أن ترفع إليه عينين أشد جنوناً تهزه دون أن تؤثر فيه مقدرا ذرة متأوهه بعذاب كحيوان ذبيح يتخبط ناشراً دمائه حوله طالباً النجاة من جزاره ربما يعطف عليها ويفعل معجزه ليعيد شريان حياته ..استحال هجومها بعد لحظات لضربات قوية شديدة القسوة وهى تستطيع القول:

"لقد اعتديت عليّ ..لم يكن حتى لقاء زوجي قاسي أدرك جيداً افلات زمامه منك إذ جربته معك ..لقد تعمدت ضربي انهلت على كل جزء حساس مني بصفعاتك ،لقد نزفت ..أنا نزفت أثر لقائك ،كدماتك ظل أثرها بوشم موجع لروحي لأسابيع طويلة ..أنا ..أنا.."

عجزت مرة أخرى عن الإكمال بينما كلها ينهزم لتنحني كتفيها وهى تقول بعذاب "أحيانا مازلت أراه عندما انظر لمرآتي"

كل ما كانت تقوله لم يهزه إطلاقاً ، لم يؤثر فيه ..وهو من ظن قبل أن يجدها بأنه سيفعل المستحيل ليدفعها للتحدث فيركع تحت قدميها إن تطلب الأمر متوسلها مسامحته ..لقد جاء بأمل واحد أنها مازالت تعانى محبوسة داخل ظلمه لها ولكن كل ما وجده مزيداً من نحرها إياه بخنجر سام من الوريد للوريد "رجل آخر كانت ستعالج روحها عبره ..وبنت مظلومة مثله هو وأخته تُلقى في بيت جدها لتربى محرومه منها ومنه..

كان ثابتاً في مكانه ينظر إليها بعينين غريبتين صلبتين ..دون أن تجد أي أثر لتفهم أو ندم ..اخفضت يديها فجاءة تنظر إليه بذهول صامت تبتعد عنه ببطء شديد يكاد لا يلاحظ بينما سمعته يقول بصوت جامد جليدي:

"أتذكر صورتكِ بوضوح جلي في رأسي وأنتِ بثوب عرسكِ المبهر تقفين بجانب طه بخيلاء وأمل متفاخر بحياتك الجديدة ..لم يكن هناك أي أثر للحنين لقصتكِ معي ..لم تبدي شاردة أو خائفة كما يفترض أن تكون من في مثل حالتكِ ..لذا لا تدعي خوفاً مرضياً لا تعانيه يا لورين أنا لم أترك أي بقايا بداخلكِ ..إذ أنك رحلتِ مع أبيكِ وأخواتكِ ..تاركة إياي خلفكِ كما أبويكِ بالتبني ..أكملتِ حملكِ وأنجبتِ ثم لاحقتي مشواركِ المهني كالعادة ،صرختي بحلمكِ بعودة موطنكِ ..ثم وجدتي شريك حياة مثالي ..بينما وقفت أنا في مكاني أحاول أن أشفي جروحي وأرمم بعض ما تبقى مني معلقاً كل أحلامي على ايجادكِ"

تجمدت عيناها عليه وجفت دموعها لتتحول جفونها في لحظة لبركتي وحل جافة مشققة بالخيبة والعجز "أنا كنت.."

هز رأسه بنفيٍ ساخر وهو يقول بصوتٍ كالجليد :"أنتِ لم يعد لديكِ أية حجة تنطقين بها إلا الهراء ..لقد أخبرتك ما عانيته على يديّ كان عجز آخر مني نتيجة استفزازكِ إياي هل تذكرين القرف الذي تفوهتِ به مشعلة جنوني ،لأنتقم منكِ بالطريقة الوحيدة التي أجيدها كما اخبرتكِ أيضاً"

راقب كيف انكتم صدرها بانفعال مهتز ..بينما تابع هو "هذا هو أنتِ يا لورين تستكبرين على اقراركِ بالخطأ ..أجدتِ مهاجمتكِ نحوي بدل إبداء ندمكِ مخرجة لكل شياطيني ..هل سمعتِ من قبل عن حيلة أنظر العصفورة؟"

بهتت بشكل مؤلم حتى انقلب وجهها الأسمر إلى لون الجدران خلفها "هذا ما استخدمته معي تحديداً ..وأتيت اليوم لفعله أيضاً حتى أتخلى عن أمل وتكسبين ورقة رابحة ضدي لتفرقيني عنها كما تخططين"

قالت بصوتٍ كئيب غامض :"إذاً كما توقعت أنا المذنبة وأنت الضحية؟"

هدر فيها بعنف :"أنا أكبر من أكون ضحية لأحد خاصة لامرأة مثلكِ وأتنازل عن الدور بكل رضا لكِ وحدكِ"

قالت بملامح ماثلت الرخام :"امرأة مثلي؟"

هتف فيها بنفاد صبر "كفي عن أسلوبكِ الرخيص هذا ..فهو لا يليق بكِ على وجه الإطلاق ولن يثير بداخلي إلا مزيداً من النفور نحوكِ!"

فغرت شفتيها لتقول بخفوت "أنت من سعيت إليّ ..لذا أخر ما أريده منك تعاطفك ..بل كل ما أرغب فيه رحيلك عني لأرمم الدمار الذي احدثته كعادتك!"

تجدد غضبه وجحيمه الذي اضعفه مراد بصعوبة ليستطيع أن يتحدث معها ظافراً بما يريد دون أن يحدث كارثة ..كان يتحمل الحديث معها بصعوبة ،مواجهتها بشق الأنفس وكم يعلم الله وحده ذلك الغبن الطاغي الذي يكلف أكثر ما بوسعه ..اقترب منها خطوة حتى لامس جسده النحيل برجولية مهلكة قدها ليشعل فيها شعورين كاسحين ومتناقضين تماماً .. الافتقاد والاشتياق لعاطفة مجنونة لم تعرفها ولم تجربها إلا على يديه ..والنفور المليء بالرعب البحت الذي تسبب فيه هو أيضاً ..حتى نطق أخيراً بأنفاس أحرقتها ملقية إياها في غيابات بئرها الضحل القديم

"سأفعل ما عاد لديكِ ما يستهويني ،ما عدت أريد غفران باهت منكِ لن يرضيني ولا حتى ندم تبديه لما فعلتيه ..أنتِ قضية خاسرة وانتهت"

تصلبت وهى ترفع له وجهها مصعوقة بصدمة لم تخلو من الغضب البحت "ما الذي يمنعك إذاً ..حررني وأرحل اللعنة عليك"

شق فاهه ابتسامة قاسية بوحشية مخيفة حتى قال :"سأرحل غداً مع أمل"

لاحت الصدمة على وجهها مجدداً بشعور اشد فتكاً بينما فغرت فاهها بغباء وكأنها لا تستوعب ما يقوله ..فأكمل بخفوت مضني:

"سأخذ ابنتي التي عذبتكِ طويلاً مذكرة إياكِ بي ،صغيرتي التي تنازلتِ حتى عن سماع لقب أمومتكِ منها ،أمل التي كنت تتمنين ألا تزرع بين ضلوعكِ فقط لأنها مني"

توحشت وثارت وجنت بسرعة فرقعة الإصبع وهى تهدر فيه رافعة كلا يديها نحو نحره ناوية خنقه كما يبدو بفقدان سيطرة وهوس كامل: "سأقتلك ..سأقتلك قبل أن تمسها ..قبل أن تخطفها مني"

سيطر على يديها سريعاً وفتح فمها بينما اشتدت كل عروق عنقه باحمرار مهلك وهو يقول بجنون مماثل :"أنا لا أخطف حقي ..ابنتي التي حرمتني منها وحرمتها مني ..صغيرتي التي لم تتردد في اختياري عندما أخبرتها برحيلي ..أمل لي وسآخذها رغماً عن أنفكِ وبمباركة أبيكِ نفسه"

حركت رأسها بعنفٍ هستيري يميناً ويساراً لتنفك عقدة شعرها الغزير كسواد الليل متحرك معها بجنون منحها صورة مماثلة لامرأة على وشك فقدان عقلها وهى تهذي :"أنت تكذب ..مستحيل أن يفعل، مستحيل أن تقدر على تكرار قصتك واسراء مع أمل، لن تأخذ أمل وتحرمني من فرصتي لتصحيح خطئه الشنيع معها ،كما حرمت من ذراعي نسرين"

كان قد انتهى من كل شيء ،محمل بكل طاقات ملعونة على وشك الانفجار، وهو لم يعد يريد أن يخلف ضحايا خلفه لقد اكتفى ..اكتفى من ذنوبه وطفح الكيل به منها ،لقد حان وضع خط النهاية لقصة قد طالت جداً خيوطها ..هو امتلئ حتى الاكتفاء ..لذا حررها تاركها بعيداً ووقف في مكان قصى عنها ..أمام باب غرفته تحديداً ثم قال بخفوت غامض و فظيع صلف :"حلي عقدكِ بعيداً عني وعن ابنتي ..لم أتي بكِ لتجديد عهود بيننا كما قرأت في عينيكِ وأنتِ تحدقين في الفراش خلف جلستي"

اشمأزت وهى تنظر إليه بجل جنون لم يغادر عينيها :"هل ظننت أني قد أرغب في معاشرتك ،أنا اكرهك؟"

ضحك بانتشاء اشد فظاظة ثم قال بتجبر "لم ترغبي ولكنك تمنيتِ أن أفعلها ليس لحاجتكِ إليه ولا حتى رغبة بي أنتِ تشمئزين مني فعلا لقد اقتنعت ..ولكن رغبتكِ تلك كدليل قذر تتحاملين به ضدي غافلة أنه عندما يكره الرجل يزهد ونفسه تعف"

اتسعت عينا لورين بذهول وهى تستمع إلى ما يقوله ،شاعرة بأن كل كلمة منه توجه إليها كطعنة تصيب كبد الحقيقة وهمس مرة أخرى:

"الكبر تذكرة الوصول إلى الجحيم"

عجزت عن مقارعته مرة أخرى وأخرى وأخرى كما فعلت منذ أول اللقاء فلم تجد إلا أن تصرخ فيه وهى تلهث من فرط ما تشعر به: "اخرس.."

وكان رده هو هذه المرة كمدفع دبابة أبادتها مفجرة أشلائها حرفياً :

"أنتِ طالق ..طالق يا لورين وبشهادة أبيكِ هذه المرة"

.....................................



عندما عادت إلى منزلهم وكانت ماتزال مصدومة للتعاطى مع ما حدث،لتخرج من ذلك الجب الملعون القاسى الذى أعادها بعنف لتلك الفترة التي خسرت فيها أهم ما كان يميزها نقاء سريرتها،وبآس عزيمتها

انحنت لورين تملس معدتها بألم مبرح ثم وقعت على ركبتيها،غير قادرة على المقاومة أو التظاهر مرة أخرى..ثم تقيأت بعنف وكأنها تخرج كل القذارة التي حملتها بداخلها وتحملت سماعها والتفكير بها خلال مواجهتهم،أغلقت عينيها بقوة وأجهشت في بكاء قاسي حين تذكرت مرة أخرى آخر كلمات خرجت من فمه بصورة عجيبه وهو ينظر إليها وقد تبدلت كل ملامحه،سقطت كل أقنعته واحداً وراء الآخر ،سامحاً لها أن تراه عارياً من كل دروعه فلم يعد هناك أثر للقسوة والسخرية أو حتى الحقد والغضب..ولم يبقى هناك إلا ملامح رجل متعب ومنهك الروح حتى النخاع،رجل يتمسك بأخر وأول شخص حقيقى منحه الحب النقي والتقبل دون شرط..دون زيف ودون أن يجلده بماضيه أو حقيقته..كائن بريء نقى أحبه من أجل نفسه فقط وأختاره عن الدنيا حتى وهو لا يعرفه إلا من وقت قصير جداً،جنية مشاغبة تتمسك في ذيله وتمنحه ولائها دون أن تطالبه بأى مقابل"أمل"

أطلقت شهقة وجع طويلة وهى تتلفظ باسم ابنتها،وكأنه أيقونة أو تعويذة سحرية جميعهم قد حملها كل أحلامهم وكل أملهم الباقى من الحياة،وأكثر مما تتحمل كتفى صغيرتها..إبنتها الجميلة التي تقر الآن بما لا يقبل الشك أنها خذلتها هي

الأخرى عندما أقامت بينهما حاجزاً تعدى على كل عقدها..

إعتدلت مرتكزه على الحائط الخلفى لمنزلهم..تضم ركبتيها على صدرها تنتفض بعنف وجد صداه داخل قلبها المرتعش..سيأخذ أمل منها!لقد أنهى قصتهما بالطريقة الصحيحة هذه المرة وبمباركة أيوب..وربما دعم مرح..لقد خسرت .خسرت كل شيء لصالحه وبكل غباء،كيف لم تعمل حساب لهذا اليوم.."لا..على جثتى إن سلبني أحد إياها"

قفزت من مكانها ثم انطلقت نحو الباب الخلفى تخبط عليه بعنف وهى تعلم أنه ماعاد أحدهم يأمن تركه مفتوحاً،بعد حادثة أمل..

"مرح.."صرخت بخشونة مجهده

لم تكمل هتاف آخر إلا وكان الباب يفتح لتجد أمامها فرح المذعورة تنظر إليها كمن يراقب. بلهاء فاقدة عقلها وتقتحم منزلهم..

"ما بك،لورين؟"

"أين ابنتى ؟"

جاوبتها فرح بشحوب وهى تراقبها تدفعها من كتفها،وتدخل كالإعصار نحو ساحة المنزل"مع مرح،بالخارج لقد طلبت منها أمل أن يبتاعا بعض الحلوى كالعادة"

إلتفتت نحوها بحدة وهى تقول من بين أسنانها"ومن منحها الحق لتخرج بإبنتى بالأساس"

إرتدت فرح وهى تنظر إليها بعينين متوسعتين مصدومتين"ومنذ متى إحتجنا لهذا مرح أمها..."

دبت لورين على صدرها بعنف وهى تقول بخفوت قاسى:"بل إبنتى أنا ..إختيارى أنا أنا وحدى من قررت إنجابها ومنحها حق في الحياة مثلنا..لا أحد يملك حق فيها غيرى"

توسعت عينا فرح بشكل أكبر مؤلم وهى تتراجع عنها بخوف غريزى تحدق فيها كمن ينظر لامرأة غريبة فقدت عقلها وكل ركائزها وبدت واحده أخرى غير من تعرفها..!

"ألم تتأخر حميتك الأمومية تلك قليلاً يا لورين"

على بعد خطوات منها كان يقف أبيها بكل شموخه بكل تصلبه وبملامح غامضة،قرصت قلبها بخطورة مخيفة

"وهل كان علىّ قولها وتذكيركم بها،أمل إبنتى أنا وإن كنت سمحت لك أن تعوض فيها ما حرمتنا منه أو أتحت لمرح أن تجد فيها علاج لفقدها..هذا لا يعنى أنها ملكية لأحدكم"

إلتوى فم أيوب بإستياء وهو يضغط جانبي رأسه بقوة ناظراً إليها بعينين صقريتين تذبحها ذبحاً وتجردها تعرى روحها أمام نفسه بطريقة مرعبة..حتى قال بتهكم هادئ "شاكرين أفضالك علينا اذاً يا طبيبة،فبدونك ما كنت أعرف كيف سأرمم نفسى وأخواتك"

وقفت مكانها تحدق فيه بتلك الهستيرية التي سرعان ما تحولت شيئاً فشيئاً لإحساس أشبه بالخذلان.. إنحنى كتفيها وعودها الصلب إنكسر وكلها كان مهزوماً بينما كان مظهرها بائس بطريقة مريعة،شعرها الأسود مفكوك من عقاله ليلف كتفيها وظهرها وجزء من أول صدرها بعشوائية مريعة بينما بنطالها الأسود الواسع كان عالق فيه بعض التراب وحشائش الحديقة أما عن قميصها القطنى حدث ولا حرج ببقايا القيئ المتعلق بها..لم تشعر بنفسها وهى ترفع له عينين ضائعتين ثم هدرت بدون تعقل"وها أنت تغدر بى مرة أخرى وترد فضلي عليك،بخساسة وتسلم صغيرتى لأب بشع سيضيعها مثلما ضيعتنا"



كان أول رد فعل حصلت عليه من فرح التي شهقت بإرتياع مستنكر ومصدوم وهى تضع كلا كفيها على فمها،غير مستوعبة للحظة ما تجرأت ونطقت به..بينما شحب وجه أيوب والألم غير محتمل خط تقسيم وجهه فجعله يبدو كأنه كبر لمئة عام أخرى..

"كيف تجرأتَ ومنحتَ ما لا تملك لمن لا يستحق يا أيوب؟ إبنتى أملى تعطيها لرجل سيغتالها كما فعل معي"

كانت اثناء٦ حديثها الخافت الهستيري الفاقد للعقل والمنطق..لا تلاحظ إقتراب أبيها منها بخطوات رزينة جداً وموزونة حتى وقف أمامها تماماً وقبل أن تتفوه بشئ آخر كان صفيراً حاداً ومزعج يصم أذنيها،مع إنفجار رهيب شعرت به يضخ دماء غير مرئية داخل طبلة أُذنها بينما أصابع كالنار تعلم واحداً تلو الأخر على وجنتها..

قال أيوب بصوت جامد رغم عجزه وبقسوة رغم إجهاده "لقد تأخرت أنا أيضاً في فعلها منذ أن قدمت إلى عتبة بيتك وأسمعتيني كلامك السام الذي شل بدنى..كيف لى أن أغفل عن إضطرابك؟!كيف لى أن لا أقر وأعترف أنكِ لا تحترمين أحد ؟لا تفعلين حساب لوالدك الذى كسرتى هامته مِرَاراً ودهستى كلمته أمام القريب قبل الغريب"

"أبي لماذا؟"لم تكن هي من قالتها أيضاً معترضه ومترجيه بل فرح التي إنطلقت تقف بينهما حاميه إياها خلف ظهرها تنظر إليه بإستعطاف معاتب..فمد أيوب يده يسحب فرح ورائه ثم أكمل أمام وجه لورين المنخفض والتي تضع يدها على وجنتها بينما عينيها المذهولتين كان يدور فيهما صراع عنيف وغامض..كانت وكأنها تجاهد لأن تنهض مرة أخرى وأخرى..كمرات عدة كالعنقاء من بين رمادها لتواجهم ولكنها فشلت هذه المرة إذ أن الإحتراق قد إخترق جوهرها..

"أتنتقم منىّ إذن بمنحه موافقتك لأخذها منىّ"

ظلل عينا أيوب ظلام متألم قبل أن يقول بصوت أجش "هل هذا ما ترينني عليه؟هل كانت كل هذه السنين التي تتنعمين بها بحمايتى ووجودى مجرد مسرحية هزلية يا لورين..بينما صورتى الحقيقية داخل عقلك لم تُمحى أبداً مجرد رجل خسيس،قاسى يدمرك والآن إنتهازي يحطم أمومتك وينتقم منك بحفيدتى؟"

مع كل كلمة جارحه منه كانت تهز رأسها يميناً ويساراً نفياً مكذبة ما تسمع بضعف أحرق أُبوته من أجلها..حتى إنتهى لتقول أخيراً بخفوت متعثر"لم يحدث،بل كنت أخيراً أنطلق هنا وهناك بحرية بحته وعزم كبير،وقوة مضاعفة لمجرد الشعور بوجودك جوارى وعودتك لتعوضنى ما قاسيته"

إنعقد حاجبي أيوب بشدة ثم قال لائماً مصححاً"كاذبة مرة أخرى..لم تصارحينى أبداً بماضيك بل إكتفيت ببعض القشور المزورة..وأنا صمت عند إكتشافى متعشماً فيكِ أن لا تخذلينى،ولكنك عُدتى بجمود جاحد وقسوة باردة،تكسرين كل كلمة منىّ أمام زوجك وذلك الخطيب والذى كانا كلاهما أفضل من ابنتى فأحدهم إحترمنى

لآخر المطاف والآخر قدرنى وإنسحب من لعبتك المنتقمة"

صرخت"لم أكن أنتقم لما لا تريد أن تفهم كنت أحمى نفسى وإبنتى"

أمسك أيوب بساعدها يشدها بحزم ثم قال ضاغط على ضروسه"لا ترفعي صوتك..إحترمى نفسك وأنتِ تتكلمى معىّ لا أريد أن أُهينك يا لورين وأنال منك أكثر أنا من له السلطة والقوة هنا حتى مماتي..بعد أن أموت إفعلى ما بدا لك يا لوسيرو أناخيل"

ضمت كفها المعلقه في قبضته بقوة ثم قالت بصلابة" إياك أن تدعونى بهذا الاسمبغرض الإهانة،كما يفعل هو"

قال بجمود " بل أناديك به لأذكرك بأنك باردة كالحجر وتتهربين من أصلك ونسبك وحقيقة واحده مجردة..أنك ابنتى أنا يُفترض أن تنحنى لى إحتراماً تندمجين بين أسرتك ولا تبعدى نفسك عنا،وأن لا تخسرى كل شيء كما فعلتى الآن بغبائك"



قالت ببقايا بلاهة باردة"ما دخل هذا في إعطائك إياه صغيرتى كيف فكرت أنى سأستسلم بالأساس..ياالله لقد قلتَ أن أمل آخر حماماتك وأهمهم كيف إستطعت تسليمها لهذا..."

قاطعها أيوب بصوت متكسر بينما عيناه أظلمت بأسى مرهق " لقد قررت منحها ما حرمتكم منه..أعطيت أمل الفرصة أن لا تتحول لكائن بشع مثلك،لقد فقدت أمل تحت سقف بيتي دون أن أدرك إنتمائها إلى صدر أمها..لذا لن أحرم حفيدتى ما تتوق إليها بكل كيانها"

إغرورقت عينا لورين بالدموع بينما فغر فمها بذهول وهى تنحنى بكتفيها وتشير بإحدى يديها مشوحه هاتفه بإستنكار"بمنحها لرجل غريب لا تعرف عنه إلا صورة،أمل مجرد طفلة صغيرة جاهلة وغير واعية لما في صالحها..تتعلق بخيال وهمى رسمته أنا لها بغباء وحماقة شديدة..نحن أسرتها يا أبى نحن فقط عائلتها ممدوح لا شيء لا شيء لإبنتى"

عم صمت جزئى وكلاهما يحدق في الآخر بعتاب وألم مخالط لتوسل عينيها أن يفهم ويرحم..بينما كانت يدى فرح تلتصق على ظهره أكثر طالبه منه الحماية تحتضن كتفيه لأول مرة دون حواجزها المعتادة وهى تهمس " الأباء لا تحطم أبيها لن يؤذيها سيعالجها ويحميها..سيقبل كل شيء منها كل العلل وقرف لوثَت به لن يخذلها أو يجلدها"

حدقت فيها لورين بصاعقة"حتى أنتِ يا فرح!اللعنة ما الذى فعله ليجعلكم مسلمين بالأمر؟ما الذى قدمة لها إلا الأذى؟بل هو يؤذى يا فرح كما أذى أباكِ ..يحطم ويجر لطريق بلا عودة كما فعل ممدوح معي ومع إبنتى منذ أسابيع"

"إخرسييي" صوته الجهورى صاحب صفعه أخرى إعتدل لها جسدها المائل وصم فمها المتطاول

حرر أيوب نفسه من فرح بلطف مناقض تمامًا لتجهم ملامحه وهو يمسك كتفى لورين بخشونة ينظر لعينيها بسلطة حازمة ثم قال بنبرة منزوعة الرحمة"تقولين إبنتك جاهلة لا تعرفين

صالحها..وماذا عنك أنتِ يا ناضجة وكبيرة كفاية لتعرفين الظلم الذى وقع على والديكِ لتدركِ الحاجة الماسه لأمكِ الراحلة لتراكِ وتحتضنك فيطمئن قلبها،على واحد منكم..ربما أمل طفلة بعقل جاهل فعلاً ولكنها تملك من الرحمة والرأفة والتفهم ما يفوقكِ أنتِ يا طبيبة القلوب أضعاف"

كانت عيناها الآن غارقتان في بحريين من الدموع الصافية بينما الألم يغزل على ملامحها شتى ألوان العذاب..أخفضت وجهها بجهل موجع لم يفهم سببه" أنا ..آسفه .آسفه لها ولك ولممدوح أيضاً..لكن لا يعاقبنى أحد في إبنتى لقد تداركت خطأي يا أبى وسأعوضها"

أخذ أيوب نفساً قوياً بينما يديه ترتخى من على كتفيها متحوله لمجرد راحتين من الهلام وواحتين من التعاطف وهمس"لقد تأخرتى يا ابنة أيوب كما عادتك دائماً،إن ارادتِ أمل أبيها لن أستطيع الوقوف في وجهها ومساعدتك"

كانت لورين تنظر لعينيه وهو يتكلم حتى قالت أخيراً بعذاب" إن لم أُعزز رابطي بها كما يجب لتختارنى أنا ..لن تجازف بترك مرح أمها..أختى ستساعدنى"

أومأ أيوب برأسه دون إجابة شافية تريحها بينما يفكر أن العلاج قاسى وموجع على روحها هذه المرة،إنه صفعة داميه ستهشمها ولكن ربما هذا آخر دواء وترياق قد يمنحه لها من نفس ذلك المرض اللعين الذى نخرها..ربما بعدها تستفيق من غيبوبتها لتدرك أهمية كل بشر ودوره حولها"كما حرمتيه منها أربع سنوات..من حقه أن يجد فرصته معها هو لن يحرمك منها يا لورين بل وعد أنه سيأتى بها أو يستقبلنا كلما أردنا رؤيتها"

هزت رأسها نفيا ثم توسلته

" أرجوك..أرجوك ..أرجوك هذا ليس حلاً لا تدفعنى لأقوم بجنون قد يفقدنا جميعاً إياها"

أقر أيوب بوهن"لن تجازفى بتكرر نفس الخطأ..لن تسمحى لأوغاد بخطف إبتتكِ شرعياً بموجب قانون وحشي كما فعلوا معك..لن تدخلى أمل صراع يا لورين،إذ أنه هو الآخر قد يقدم على نفس الفعلة"

إرتجفت بقسوة بينما تنظر إليه بتيه ثم همست"لقد طلقنى مرة أخرى..أنتَ كنت تعرف نيته أليس كذلك.؟!

أغلق أيوب جفنيه بقوة بينما تصلب فكه وهو يقول بصوت مبحوح"خيراً فعل..ها قد منحك الفرصة كاملة لتتابعين حياتك بعيداً عن أوزاره ووشمه"

تأوهت بعذاب وبصوت عال وهى ترمى نفسها على صدره تتمسك بهندامه بقوة..رفع أيوب يديه بتردد قليلاً سرعان ما تحول لعاطفة أبوية خالصة بينما يسمعها ترجوه" إفعل شيئاً يا أبى ،سأموت إن حُرِمتَ منها..والله سأموت إن إبتعدت عنىّ أنا أحبها والله..والله أنى أحبها أكثر من نفسى هي روحى ودمى..حياتى وقلبى"

لم يستطع أيوب الرد فقط دموعه كانت تنساب بصمت بينما يدفعها إليه أكثر بحمائية قوية متمنياً إن كان قادراً أن يغلب نفسه ويزيح عنها الوجع ويتشبث بحفيدته ويمنحها لها محارباً ممدوح بكل شراسته..ولكن ما يقف حائل بينه وبين تلك الرغبة هي حفيدته وحدها فعند حقوق الأبناء فليحترق الأباء بغبائهم الذى طال

"ليته عند وقعته وجد يد واحدة تفيقه من غيبوبته وتوقظه من سباته فتحميه من غيِهِ

ما كان ليصل به الحال إلى هنا وفَقْدْ جميع أبنائه حتى وإن كان قد نجح الآن في لململة بعض من أشلائهم..فقط ما وجده الآن واحتضنه حوله هو بعض من أشلاء أبناء أيوب"


..............................

يتبع الان


:sm1 0:



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 21-04-20 الساعة 12:20 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:22 PM   #3075

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تاببببببببببببببببببع السادس والثلاثون

بعد أسبوعين...

قطعت سَبنتى الطريق الرخامي الذى يشق أشجار حديقة آل الراوى العريقة وهى تضع الهاتف على أذنها هامسه بغضب :"أقسم بالله إن جن جنونك أوتطرفت في أفعالك فلن أجعلك ترى طيفها مرة أخرى حتى وإن لفظت أنفاسك أمامى"

ضحك نزار بكسل ثم قال بهدوء:"لن تحتاجين لتلويث يدك فزوجك كتلة الغضب المتحركة يوشك على فعلها"

صرخت فيه بغضب أخرق أجبره ليبعد الهاتف عن أذنه لعدة إنشات:"ليس زوجى،كررها مرة أخرى وأقسم لأنسحب من خطتك المجنونة كلها"

وضع نزار إصبعه داخل أذنه وكأنه يسلكها من هذا

الإعتداء الغاشم ثم قال بتفكه :"لقد بدا متشبثاً بالوصف منذ يومين ونحن ننهي أوراقك في الجامعة..بصراحة لقد أحصيت ذكره للأمر لقد قال أنك زوجته مئة مرة خلال ساعة واحدة"

إبتسمت سَبنتى دون مرح فقط إلتواء بسيط غيم على فمها وهى تقول:"فليقل ما يشاء...إن لم أقر أنا بها فلا يحق لأحدكم بتصديقه"

تنهد نزار بتعب ثم قال بهدوء حازم تتيح له صداقة من نوعٍ ما قد نشأت بينهما:"لا أعرف ما جرى معكما..ولا أدرى سر إرتباطه بأخرى وأنتِ بعيدة ولكنه يحبك يا سَبنتى،المُحِب يستطيع التعرف على العاشق بسهولة وكشفه وذلك البعبع المتجهم غارق بك حتى النخاع"

أغلقت عينيها وهى تقف على باب خلوته تخرج مفتاح صغير كان منحه لها يوم أن خرجت من المشفى وقد أصرت السيدة منى بكل تعنت بقائها عندها حتى تمر فترة نقاهتها..بالطبع رفض راشد بقوة وشب شجار حاد معتاد ولكنه بالنهاية رضخ لقرارها هي فصلابة رأس زوجة عمه التى وَعَدَتْ أن خالد لن يقترب منها ولن يزعجها ومع رفضها هي العنيف له بالأساس والواضح للجميع إطمئن ووافق بالنهاية..بالطبع هي تذهب للمنزل كل يومين برفقة إياب ولكن إقامتها الأكثر هنا في غرفة شيماء بطبيعة الحال..تتخذ منها درع وزريعة لتزن على أذنيها مشتبكة معها أحياناً بتسلط أن تمنح ذاك الأشقر-الدكتور العاشق-فرصة ولكنها مازالت ترفض بكل تعنت...

"إنها أحداث كثيرة معقدة يا نزار..قصتك وأسباب شيماء لرفضك جانب مما بينى وبين خالد من حائل منيع..يبدو كالعبث المسرحى والهزلى..."

قال بخفوت"لما لا تفهمينى اذاً ربما أستطيع تقديم أى عون لكِ"

همست:"لو أخبرتك...سأهلك"

هتف بدهشة متحيرة:"إلى هذا الحد..أنا لا اقدر حتى على التخيل ما قدتحملينه حد هلالك إن نطقت به"

شردت بعينيها قليلاً وهى تفتح باب الغرفة ثم تركز بصرها على ذلك المكتب الأخضر الأنيق لا غيره-مكتب أخضر من قد يصمم أو يقتنى مكتب دراسى باللون الأخضر-عبست ببلاهه وهى تفكر بينها وبين نفسها...ثم تحاشت بإصرار تفحص باقى محتويات الغرفة ونفضت من رأسها أي أسباب قد تخصه أو تفاصيل تعنيه فهو أصبح منطقه محرمة لإقتحامها أو الاهتمام بها...أخرجت مفتاح الباب السرى الخلفى الذى كانت تعرف في الماضى أنه يقتنيه ولا يعرفه غيره..ثم خرجت سريعاً كما دخلت ووضعت الهاتف على أذنها مرة أخرى والذى كانت ثبتته

على يدها ذات الجبيرة ثم قالت بفظاظة"هل ركزت على معضلتك؟أم أصبحت دكتور نفسى أو معالج قلوب جنابك ؟"

قال بعبوس مستفز:"يا ناكرة.. العيب علىّ انى أحاول مساعدتك وإقناعك بزوجك..زوجك ذلك البعبع...زوجك هذا الذى كاد يحطم وجهى وأنا أنهى أوراقك فتشبث بعناد الأطفال لمرافقتنا.."

هتفت فيه سَبنتى بجنون ساخط :"قولها مرة أخرى وأقسم يا نزار أن أقنعها غداً بالارتباط بأول رجل يقابلنا في الشارع ولو صدفة..أنِ تعرف أنى سحرية التأثير عليها صحيح ؟"

قال بحذر مهادن :"حسناً يا بقة سأتركك الآن وأحدثك في وقت آخر اذ أنكِ مجنونة..."

"نزار ساعد نفسك أولاً بالله عليك..وأقنع الفتاة التي تكرهك الآن أكثر من المجرمين والسفاحين"

تنحنح بحرج آخر ثم قال بهدوء "كيف ستقنعيها بمرافقتنا اذاً"

تنهدت بهدوء قبل أن تقول"لهذا تحديداً أخبرتك أن تنتظرني أمام هذا الباب الخفى..سنخرج من هناك ولن أخبرها حتى نصعد سويًا لسيارتك..إذ أني لو أخبرتها بوجودك مستحيل أن تقبل"

لم يرد على الفور بل عقد حاجبيه الأشقرين بتفكر قبل ان يسأل بهدوء" لماذا تساعدينى يا سَبنتى رغم رفض عائلتك ورفقيتك أيضاً ؟"

إرتجفت سَبنتى قليلاً وغامت عينيها بنظرة لم يراها بالطبع...ثم قالت بقوة"لأنك صادق وفيِّ لعهدك...أنتَ لن تخون و لن تجرح مرة أخرى...سترمم شوشو من جديد ولن تغدر بها أبداً أليس كذلك يا نزار؟"

قال نزار بعنف ودون أن يتردد للحظة واحده "بروحى والله..بموتى إن غدرت..أنا لا أصلح لغيرها بالأساس..فقط فلتتعطف علىّ وتقبل بى في حياتها وأنا سأثبت لكِ ولها صدق وعدي"

صدقت بإختناق" وأنا أصدقك..لطالما كان لى فراسة في الناس والقلوب لم تخطئ إلا مع شخص واحد فقط...إلا أنى أصدقك وأثق فيما يخبرنى به قلبى تجاهك"

.................................................. ..

"ياربى..هل يمكن أن تتوقفى قليلاً لأفهم أين تأخذينى؟"

جرتها من ساعدها وراءها بإصرار وهى تقول"توقفى عن التذمر لقد طفح بى الكيل منكِ ومن أخواتك ومن أخيك

الأخرق"

دفعت شيماء عصاها نحوها لتخبطها أينما تقع ثم قالت بإستياء

"لا تجمعينى مع شلة المجانين أخواتى مرة أخرى بقة الكئيبة المغرورة"

توقفت سَبنتى مكانها وإستدارت إليها فجأة مسببة لها في التعثر خطوة حتى إصطدم صدر شيماء في جبيرتها بقوة جاعله إياها تهتف بحنق" والآن أصاب عقلك عطب لقد أوجعتينى"

"اسحبى نعتي بالغرور حالاً فهذا لقب حصرى لبدور وليس أنا "

إمتعضت شيماء وهى تقول بعناد"لن أفعل فأنت فُقْتِيها غرور وكآبة"

قالت بسخط"وماذا فعلت إن شاء الله شيماء هانم لتتهمينى بهذا ؟"

قالت شيماء ببرود متصنع" ألا يكفيني ترفعك في الحديث مع أخى المسكين...أنتِ تغترين بالفعل بتعاملك معه أين صديقتى العبثية المتسامحة التي كانت تمنحه....."

قاطعتها سَبنتى بجمود"تمنحه ما فوق طاقتها لتزيد من تعجرفه في ملاحقته...تحايله بإنعدام كرامة تام بينما هو يكتفى بأن يمنحها نظرة مجرد نظرة متفضلة تقابلها هي بفيض سعادة وتسامح غير مشروط حتى أصبحواجب عليها لا كرم منها....هل تريدنى أن أعود معدومة الكرامة تلك؟"

زمت شيماء فمها المتكور الصغير كخاتم من الذهب الأحمر ثم قالت بقسوة دون تردد" إن تنازلتِ عن كرامتك معه لن أتردد في تهشيم عصاى تلك فوق رأسك..هى من الحديد القابل للطى بالمناسبة"

ضحكت سَبنتى بصفاء وهى تعود لتجذب يدها وتسندها على ذراعها المعلق ثم قالت"ها قد عدنا على قلب واحد محبتان متفاهمتان وبائسات للغاية..."

عانقتها شيماء وهى تقول برقة"ومن هذا الذى يستطيع أن يفرقنا لنعود يا بقة سنبقى دائماً على دقة قلب واحده"

تنهدت سَبنتى وهى تنجرف بها داخل الحديقة من طريق آخر غير ممهد وبعيداً عن أعين الحراس وساكني المنزل ثم قالت بشرود"كاد العام والعِدَة أشهر التى قضيتهم بعيداً عن محادثتك أن يصيبنى الجنون لولا وجودك أنتِ بالأعوام التي تلت تواصلنا،لا أعرف ماذا كان سيحدث لي"

قالت شيماء بهدوء"كانت حاجتنا متبادلة لبعضنا اأنتِ الأخرى كنت نعم العون لى رغم ما حدث عقب إكتشاف أبى تواصلنا صدفه،ذلك اليوم وما قاله لك..."

توقفت شيماء مكانها تلهث بعنف بينما نور عينيها المنطفئ يبرق بشرر مرعب عقدت سَبنتى حاجبيها بتعجب هل يمكن بالفعل لتلك العينان أنتمنحه ذلك

الإنفعال القابل للكبح...إحتوت رفيقتها بهدوء كابحة مشاعرها هي الخاصة ثم قالت ببساطة صادمة"فعل ما

إقتضى عليه واجبه الأبوى ، ورغم قسوة ما قاله لا تستطيعين الإنكار أنهكان محق"

عبست شيماء وهى تقول بصدمة"ماذا؟؟هل جننتى

أى حق هذا لقد حطمك وداس على قلب خالد متسبباً في إرباكه"

غلبتها دموعها الآن لكنها سيطرت عليها ببساطة أشد عن ذي قبل ثم قالت مدعية المرح"لم أحطم ها أنا أمامك بالطبع إن تناسينا ضربي على يد تلك الشلة..."

تحركت يد شيماء بتخبط حتى وجدت ضالتها ثم بسطت راحة يدها على صدر سَبنتى موضع قلبها تماماً وهى تقول بصوت أجش" لا تتظاهرى أمامى أنا وأنتِ منذ زمن طويل لا نحتاج للشرح لنفهم جروح بعضنا جيداً..أنا أعرف أنكِ تعانين و تتألمي وتعجزى تماماً عن تخطى جرحك"

قالت سَبنتى بهدوء وهى تحضن كفها بكلتا يديها" أنا لست مجروحة شوشو بل رافضة و كارهة للوضع الذى وجدت نفسى فيه..ثقى بى والدك لم يخطئ حبيبتى كان قاسى قليلاً ولكنه قال الحقيقية ليس إلا.. .إلى متى سننكر وضعى ربما أنا رائعة كثيرة جداً على أحدهم ولكن ليس أخيكِ...إذ أننى منذ البداية وقبل حتى أن يكشف السر لم أكن كافية لخالد لم أصل لعروسه المثالية"

قالت شيماء بإقتضاب"لقد إرتبط بتلك المثالية وها قد عاد نادم راكع ومُقِر بغبائه"

قالت سَبنتى ببرود عاكس الألم الذى ينحر صدرها بوحشية "ما يعيشه الآنفقط فقاعة الحب المعمية فور حصوله علىّ وعودتى للحياه ومنحه ما يفتقده كما يعتقد..ستزول تلك الغيمة وينكشف ذلك السراب ليجد أن ذلك الحب ما هو إلا عشق أجوف غير مناسب له بل وموحش لروحه التواقه للمثالية"

شحب وجه شيماء وهى تقول برفض قوى"لا لا..انتِ ظالمة يا سَبنتى خالد ليس بهذا السوء..بل العكس تمامًا ما حدث وعرف بالطريقة الصعبة أنهاليست هي من تملأ فراغه يوماً بل أنتِ وحدك"

عم صمت جزئي للحظات حتى قالت سَبنتى بهدوء شديد" إن كنتِ واثقة لهذا الحد رغم نقضه لعهده معىّ...لماذا يغلبك رعبك لن أقول غبائك بل خوفك الشديد من تقبل نزار؟"

قالت شيماء بنفاذ صبر" ها قد عدنا ألم تملين من الإلحاحومنحه الحجج"

قالت سَبنتى بصوت عالٍ يوشك علي الإنفجار "غباء غباء..إن أولاد ياسر الراوى أغبياء عاطفياً بإمتياز،إن وضعت مسابقة للتخلف العاطفى صدقينى ستحتلين أنتِ وإخواتك المراكز الأولى يا بلهاء"

قالت شيماء بجدية شديدة" أنا في غنى عن التشاجر معك بسبب روميو المتهور..فهل تفضلت وأخذتينى لذلك المكان السرى الذى قلتِ عليه لنعود للمنزل أنا أشم رائحة الليل يلوح في الأفق"

توسعت عينى سَبنتى قبل أن تقول ببلاهة"تشمى رائحة الليل...وهل لليل رائحة؟"

تقدمت شيماء منها وهى تسحب يدها تحثها دون قول على إرشادها في طريقهما ثم قالت"لكل شيء رائحة لا يعرفها إلا فاقد النعمة من نعم الله ليدرك بكل رضا أهمية باقى حواسه التي أنعم عليه بها...فلا تتعجبى إنأخبرتك أن للخوف رائحة..كخوفى وخوفك من تحطم آخر يلحقنا ممن وثقنا بهم كما الحياة وإعتقادنا بكل حماقة أنهم سيعاملونا بمقدارِنا البشرى لا كنواقص"

قالت سَبنتى ببهوت"نحن لسنا ناقصات"

قالت شيماء بهدوء وكبرياء شامخ"بالطبع نحن لسنا كذلك ولكن هم من أشعرونا بنقاط ضعفنا وضغطوا عليها بقسوة..لا يوجد بشر كامل يا سَبنتى على وجه الأرض ولكن بنى آدم مكابر آفاق بطبعة المغرور يرى نفسه فوق كل المخلوقات ويعامل من كشف ضعفه على أنه أقل منه ويتفضل عليه بإقترابه"

أطلقت سَبنتى زفرة طويلة جارحه إختلجت لها دواخل شيماء بتعاطف ثم أكملت بشرود"لليل الطويل المظلم رائحة..ولشعاع الشمس الخجل المحارب كل يوم في بزوغه ليقضى على عدوه الشرس الذى يبتلع نجم الشمس المتوهج كل يوم في كبد الغسق الأحمر رائحة...لكل نعم الله رائحة وصوت لمن يهتم بكشفها وأنا يا صديقتى أعيش طوال عمرى في عتمه لا تنتهى،فطوعت كل حواسى لتشبع بكل الروائح المحيطة وأحفظها بكل جوارحى لتنير بعض من ظلماتى"

همست سَبنتى عندما لمحت ذلك الباب الصغير الذى بالكاد يساع خروج شخص واحد بجانبه"شوشو..أنا أحبك أكثر من نفسى والله هل تعرفين هذا؟"

ضحكت شيماء برقة وهى تقول" أثق بالطبع في هذا ولكن ما سبب تلك العواطف الجامحة المفاجئة ؟"

أخرجت سَبنتى المفتاح من جيب بنطالها الأسود الرياضى الضيق ثم قالت"فور أن أفتح هذا الباب..ستحتاجين أن تُذَكِرى نفسك بهذا قبل أن تقطعى معرفتك بى"

توجست ملامح شيماء وهى تردد" أقطع معرفتى..عن أى باب تتحدثين وأين نحن أصلاً؟"

فتحت سَبنتى الباب بحذر حتى تتجنب صريره ثم خرجت وشدتها عنوة ورائها حتى كادت أن توقعها على وجهها ثم قالت"والله أنا أُقدم على فعل هذا لمصلحتك..حتى تحددين جدياً قرارك"

عقدت شيماء حاجبيها ثم سرعان ما تبدل كل حذرها للجنون المطلق وأنفها الصغير ينكمش مع جلدها تشم المحيط حولها كمحقق قدير يكشف جريمة ذات رائحه عطبه..أو فأرة صغيرة تتبع بكل هِمة قطعة الجبن المخفية...إندفعت تتخبط باحثه على ذلك الباب وهى تهتف بسخط أحمق

"يا خائنة..روميو عصره ابن هناء تتآمرين ضدى معه..."

قبل أن تجد مسعاها كان نزار يخرج كل جسده من باب سيارته وهو يصرخ في سَبنتى صراخ خافت آمر ومربك"زجيها لداخل السيارة ماذا تنتظرين؟"

إنقلب الموقف لعبث بحت وإرتبكت بشدة ولكنها بكل

بلاهة فعلت وأدخلتها كما إتفقا وهى تسمع منها سيل شتائم حمقاء..ثم أغلقت الباب خلفها والذى سرعان ما تحكم فيه نزار بقفل إلكتروني من الأمام...وقبل أن تفتح سَبنتى الباب الأمامي لتحتل المقعد جانبه لتحضر ذلك اللقاء كما إتفقا كان...المتهور الأخر نقض عهدها وإنطلق بالسيارة...جرت خطوتين ورائه وهى تهتف بشرر"توقف يا نزار..سأتصل بخالد وراشد سوياً متهمه إياك بخطفها...نزار أيها الأشقر الأحمق..سأضربك أقسم بالله لأضربك!

..............

"تُرى ما سيكون رد فعل زوجك العزيز وكبير عائلة الراوى الجديد عندما يعرف أن_ زوجته المصون_ سلمت أخته الهشة الضعيفة لرجل غريب كلياً لا من ديننا ولا وطننا؟"

صوت قمئ...قمئ للغاية تسلل لمسامعها كما خلايا جسدها جاعلا إياها تنتفض خوفًا..وغل مرادف لعدة خناجر حاده طعنت في كل جزء منها دون رحمه...

ثبتت مكانها بعجز وكأنها زرعت في تلك البقعه عاجزة بشكل مؤلم عن الإستدارة ولكن هو لم يمنحها إختياراً عندما مد كلا كفيه وأمسك كتفيها من ثم أدارها إليه ببطئ شديد بينما عينيه المظلمتين المخيفتين كانتا حكاية أخرى من الغرابة والعمق وهو يتفرس فيها دون تنازل نظرة عيناه إلى عينيها كانت في حد ذاتها طعنة موجعة وعاصفة مهددة..فجعلها تكاد أن تنهار أرضاً متسببة لها في عجز مؤقت وصمت مجفل..

بينما هو كان يهمس سراً وهو يحملق فيها"لم أُنفى كل هذه الأعوام وأسجن وسط حفنه عفنة من البشر لشهور طويلة بل ويجبرنى ياسر والمحامي لأتزوج تلك القذرة نادين لعامِ كامل مكبلا بها حتى أخرج من قضية الدعارة الملفقه..ليفوز هو بكل شيء بالنهاية...بإنتمائك أنتِ وبحكم العائلة من جديد متفرداً..وإبن مَن محبوبتى التي عاد ليحوم حولها ويأسرها..بعودته عاد كل شيء وأنا مستحيل أن أتركه إلا خاسراً أو قتيلاً يجب أن أسلبه كل شيء"

حررتها إحدى يديه بينما أنامله تجرأت ومرت على ملامحها بتفحص مريع لها وإشتياق عجيب له..ثم همس

أخيراً بصوت بلا حياة فيه "رغم أنى أراقبك من بعيد منذ عودتك لهذا البيت العفن..ولكنى لم ألاحظ كم كبرتى..وزدتى جمالا بعنفوان آسر"

فتحت شفتيها تخرج منها نفس ساخن مرتعش بينما يكمل وهو يلامس جانب عينيها "لو عرفت منذ كنت نطفه في أحشاء تلك _القذرة _أنكِستصبحين بذلك الجمال المختلف،ما كنت فرطت في أبوتك لحظة للسارق الآخر الذى أخذ ولائِك منىّ تجبراً"

وكأنه ضغط على لغم ساكن لينفجر في صدرها كما وجهه عندما قالت من بين أسنانها بغل"جمالى؟!هل من منعك على الإقتراب منىّ وإعترافك بى هو قبح توقعته في وجهى؟؟اذاً فلأحمد الله...الحمد لله حمداً كثيراً مبارك أنكإعتقدت هذا حتى أنتمي لأبى راشد الذى يتقبلنى بكل قبحى وذمى ، ونسبى المسلوب لإبنة الحرام خاصتك"

إشتعلت عيناه بنار الحقد وغضب قاتم وقاحل ويده تشد على ذراعها بعنف وهو يقول بإهتياج مكبوت"مازلتى غبية كما أنتِ حتى بعد معرفتك لمن يجب أن يكون

ولائك...ذلك الحقير المغتصب لكل ما أملكه ليس أبوكِ بل أنا أبوكِ وسأظل حتى نهاية حياتك البائسه مهما تظاهر هو بالعكس أو أنكرتِ أنتِ"

إتسعت عينا سَبنتى بذهول..إلا أنها لم تتنازل عن رفع رأسها نحوه بكبرياء رافضه أبداً أي نوع من الألم إثر ضغطه ثم قالت بوقاحة

"ظننتك مجرد خبيث ذو روح عفنه بعقل خارق الذكاء

لأكتشف الآن أنك مجرد مريض نفسى فاقداً لكل منطق...هل تظن إن نطفتك القذرة التي زرعتها داخل أمى غصباً وغلاً من أخيك ستمنحك أي أبوة مزعومة ؟أنا إبنة راشد الراوى بحق التربية..بحق حبى الذى لا ينافسه حباً أبداً...هل تسمع أحبه والداً...وأحبببببببه إلى أن تنتهي حياتي التي لم تكن ذات قيمة أبداً عندك"

إشتعل غضبه ولم يدرى بنفسه وهو يزيحها بعنف لتصطدم بإطار الباب الحديد فأطلقت صرخه متألمة أفاقته قليلاً من عماه..ليجد نفسه للحظة وغريزياً يحيطها كلها وهو يقول بنبرة تراوحت بين القهر الشديد والغيظ

"يا حمقاء لم آتى لأذيتك..لماذا تصرين أن تخرجين عفريته في وجهى"

ابتلعت غصة مفزعة وهى تقول بإختناق بينما يدها السليمة تقاوم بإصرار إحتوائه إياها"لماذا عُدتَ ؟وجودك وحده مؤذي كفاية،تذكرى أننى منك مؤذى وقاتل...لماذا عُدتَ ألا يكفى ما أعيشه بسببك؟"

ضاقت عيناه وتحولت حدقتيه لمجرد جمرتين من النار وهو يقول من بين أسنانه " لقد عُدتُ لكِ هذه المرة ، منذ أن إختفطك وحرمها هي عليّ ونفيت في السجن بل ومن الحياة..عندما طردنى ياسر بعيداً وأنا أعيش على أمل واحد مواجهتك..أنتِ إبنتى أنا ..لي أنا وليس هو"

هتفت بتشدد يائس"لستُ ابنتك...أنا إبنة جدى وراشد..إبتعد عنىّ إنسانى إمحيني من ذاكرتك كما كنت تفعل دائماً...كما كنت تراقبنى لستة عشر عاماً وأنا أتلطم بيتمي ما بين جدران بيت ياسر وشفقة راشد علىّ دونأن تحاول مسي بل أستغللتنى في لعبة قذرة لتصل إليها هي وليتك حتى ربحت حبك المزعوم بل حطمتها بروحك القبيحة"

قال عزام بصوت أجش خشن وخبيث...خبيث حتى النخاع في حبك كذبته"لماذا لم تواجهينى إذاً؟لم لم تأتى تحرقينى بالمعرفة...لم أتركك برغبتى فعمك من أجبرنى على التخلى عنك..وجدك هو الذى أصر على عدم نسبك إلىّ..وأنا..أنا خفت من الإقتراب من جريمتي خفت عليكِ أنتِ من قباحة نفسى"

إستطاعت الإستواء أخيراً على ساقيها..بينما كانت تتنفس بصوت عالٍ تردد صداه في أذنيه ثم قالت بذهول "مازلت تكذب...مازلت تعتقد أنك تواجه الصغيرة البائسه التي رغم جحودك معها الغير مفسر تطاردك كأخ أكبر وتحاول كسب حبه ووده لتحصل منه على حضن واحد كانت تشعر خلاله بمشاعر جميلة تفلت منك غصباً..ولكنك ترفضها!كنت ترفضنى يا عزام لم ترأف حتى ليتمي وغربتي التي كنت أداريها بمشاعري الفياضة وعبثي"

تقبضت يديه بقوة بينما بدت ملامحه مظلمة مخيفة وكأنه على وشك إرتكاب جريمة قتل أحدهم"لأنكٍ كنت طفولية وغبيه بريئه مثل أمك تماماً تتنازلين عن كرامتك ، تدوسين على كبريائك وتمنحى حبك وثقتك لكل من لا يستحق..أَتذكرين سَبنتى لقد حذرتك إحترسى جيداً ولا تعطى عاطفتك وقلبك لمن لا يستحقه"

قالت بملامح صلبة وصوت خافت قاسى"حسناً وها أنا أفعل الآن ..أنت لا تستحق أي شفقه،غادر من هنا ولا تعد لا أريدك في حياتى بأي صفة لا أخاً لى..ولا أب بيولوجي عفن"

قال بصوت خافت أشد شراً "تحلمين يا ابنة أبيكِ الحلوة..أنا لن أتركك أوأتركهم لحالهم بل ها أنا أعود لأخذ كل حقوقى وأولهم أنتِ وهذه المرة أطمئنك أنى أصبحت أشد حرصاً وأدق خِططاً"

أغمضت عينيها بإرهاق شديد ليس إرهاق جسدى ولكن إرهاق مشاعر وأقدار تحملها فوق طاقتها ثم قالت بخفوت ضائع " لو إمتلكت ذرة ذكاء أو أي خطط ما كنت أخبرتنى أنا بالذات من بين كل البشر..إذ أنك تعلم جيداً أن كل ولائى لراشد وسأخبره..وإن لم أفعل فأنا الآن ...أنا زوجة خالد وحقه عليّ تحذيره من الثعبان السام الذى سيهدده وأخواته"

ضحك بإستهجان ضحكة عالية قميئة ثم قال أخيراً بنبرة نافست سكين تَلِم في عنقه وهو يذبح طيراً ذو حظ عاثر"ااااه هذا يا إبنه عزام ما جعلنى أظهر أخيراً من مخبئي لأواجهك بعد أن كدت أفقد عقلى بالأسابيع الماضية عندما عرفت بوجودك في المشفى..زواجك من خالد..هل تزوجتى الفارس المدلل يا معدومة الكرامة؟؟الشاب الذى نفرك وكان لأعوام طويلة مع فتاة أخرى يتفاخر بها هنا وهناك بينما أنتِ إكتفيت أن يعقد عليكِ سراً ولم يجاهر بها حتى اللحظة"

تجمدت الدماء في عروقها وما يقوله بغرض الإنتقام منها أصاب كبد الحقيقة تمامًا مغتالة أى أثر لبقايا جمال فيها..كانت الطعنة مؤلمة..مؤلمة بحق هذه المرة أن ينطقها أحد..أن يجاهر بها في وجهها أمر مختلف وقاتل تمامًا حتى وإن كانت تقرها هي بينها وبين نفسها همست بأول جملة خطرت على بالها"كيف عرفت اذاً....."

زفر عزام قبل أن يمد أصابعه الجامدة نحو يدها المعلقة في كتفها،ولمس أصابعها الواضحة بالخاتم الذى ألبسها إياه راشد ثم عاد خالد يصر أن يضيف إليه دبلة ملونة كتب عليها إسمه وإسمها ثم قال بصوت واضح

"لديَ مصادرى يا فتاة..وللأسف أنا عرفت بحادثتك كلها عقب عقد القرآن..إن كنت أعلم ما كنت سمحت به وإن إضطررت لإفتعال جريمة"

لم ترد على الفور بل ظلت تنظر إليه بجمود وثبات فرغم الألم الذى نخر عظامها وحطم كيانها فتابع عندما إحتضن وجهها بكفيه

"لا تتغابين ،أنتِ مجرد أضحية يقدمها راشد لابن عمه،مجرد صفقة عابره يرغبها الفارس المدلل منذ أعوام طويلة وبالطبع لن يتيح له الوصول إليك إلا بالحلالً..أنتِ أكبر من أن تكونى لعبة بين أيديهم،شيء سرعان ما سيمله كما الفتاة التي قبلك..وسيرميك جانباً"

همست بهدوء غريب"وأنتَ أتيت أخيراً في حمية أبوية مفاجئة لتنجدنى من غبائى"

أطلق ضحكة مقتضبة متوترة ثم قال"لقد كنت أتحين الفرصة المناسبة للقائك إذ أنى أعلم غبائك في الحماية براشد ولكن منذ معرفتى بذلك الزواج وأنا أحترق عليك وأصررت أن أنجدك منهم صغيرتى"

إحمر وجهها بالحزن لا الغضب وإرتعشت شفتيها وهى تقول "أنا مجرد لعبة لفارسهم قدمنى راشد له كترضيه..رباه لم أكن أعرف...."

قال بلهفه حريصة" إنه رباكِ لينتقم منىّ لا أكثر وها هو يقدمك لآخر محقق خطته،مثلما أخذ محبوبتى منىّ بدور كانت لى قبله..كانت لتكون لى لو لم يحوم حولها"

رمشت سَبنتى بعينيها تبعد دموع علقت في أطراف أهدابها جبراً ثم قالت بهدوء عاصف شديد القسوة "هل تعتقد أن كل رجال عائلة الراوى بلا شرف أو عِرض مثلك..عزام؟"

توسعت عينا عزام ذهولاً وبدا للحظة كمن تلقى صفعة باردة ومفاجئة تمامًا وغير متوقعه ثم دون تردد كان يرفع يده ناوياً ضربها..ولكنها إنحنت مبتعدة عن مرماه بمهارة ثم تحركت مرة أخرى ممسكة يده بعنف وهى تهتف بشراسة من بين أسنانها "أنا أخت راشد وإبنته التي رباها،ولست صفقة لأحد،،أما عن خالد فهو زوجي قبل أن اختفى حتى...زوجى وحقى بميثاق عقد غليظ كان بيننا..أنا من رغبته..أنا من أحببته وأنا من عدت لآخذ كل حقوقى رغماً عن أنفك وأنف الجميع أتفهم ؟"

قال بصرامة غادرة "غبية..ومازلتى طفولية غبية مثلها تماماً ستتحطمى يا سبنتى..وسيرميك راشد يوماً فور أن يتزوج من أخرى ويحصل على أطفال كثر..هذا إن لم يكن تخلص منك بالفعل الآن ليتفرغ لإبنه ووقتها ستعودين وحيدة يتيمة تأتى إليّ ولكن أنا سأكون أفضل منكِ سأفتح لك بيتى بعد أن أَذِل أنفك هذا"

إبتلعت ريقها في محاولة مضنية لمنع دموعها..ثم تركت يده ببساطة شديدة وتراجعت..تراجعت بقوة حتى أصبحت داخل بيت الراوى يفصل بينها وبينه ذلك الباب الخلفي والسري وكأنه شيء قبيح تعمد أهل البيت نسيانه..ثم قالت بهدوء"كنت أحضر للقائك أنا الأخرى في رأسى لأسمع منك لما وصمتنى بالعار علِ أقتنع بحججك ولكن الآن ...."

صمتت مرة أخرى وهى تهز رأسها بخيبة شديدة وإزدراء ثم قالت أخيراً بنبرة باترة "أنت لم تسألنى حتى من فعل بى هذا ؟وإلى أين وصل بهم إغتيالي؟ كانوا خمس شباب مستهترين قذرين مثلك بالمناسبة ربما أسباب زواج خالد بى بدافع الشفقة والتستر البحت"

والجنون..الجنون بعينه بهسترية مرعبة هي ما إحتلت عينيها وإغتالت قامته المنتصبة وهو يندفع نحوها صارخاً برعب وكأنه يواجه أعتى شياطينه وأكثر ذعراً..مكبلينه بحديد من نار ورامين إياه في الهلالك"ماذا تعنين؟؟لا مستحيل..ماذا تقصدين؟"

ولكنه لم يحصل على إجابة بل خبطة بصرير عالٍ تردد صداها في الأجواء من الباب الحديدي وملامح متصلبه شامتة بعينين يغليان بهيمنة خطرة...ثم توارى كل شيء وصمت عدا عن طرق المجنون على الباب...طرق جبان تعلم جيداً أنه أبداً لن يجرؤ على فعل غيره...حتى وإن كان سيعود يطاردها سرًا وهى ستكون مستعدة بكل أسلحتها لمواجهته"

.....................

بعد وقت كانت تحاول أن تعيد تركيزها عبثاً..تفكر في أي شيء ماحية تلك المقابلة من عقلها ولكن هيهات"هذا كثير والله ياربي كثير لماذا أنا ؟ما الذى يريدوه منىّ ألا يكفينى ما أنا فيه؟".

دمعت عينيها وهى تزفر نفساً خشناً علها تخرج ذلك الصهد الذى يحرقها..لقد خرب كل شيء،وتحققت كل مخاوف راشد دون جدال..فجوان عادت إليها مرة أخرى ..ولكن أين هي الآن ؟ فعقب لقائهما المدمر قد إختفت و توارت بشكل تام حتى عن نضال نفسه كما فهمت من بحثه المجنون...لقد هربت وتركت رسالة قصيرة لكليهما أنها لن تعود مرة أخرى حتى تجد طريقة لتعالج أضرارها..بينما قبيح النفس ذلك الذي ظهر الآن ليغتال ما تبقى منها ويسندها لتبقى واقفه شامخة دون إنهيار..بينما شيماء!!رباه شوشو وسط كل هذا مازال قلبها يقرع كالطبول زعراً على رفيقتها فأخرجت هاتفها وإتصلت مراراً ..ولكن لا مجيب مجرد رنين طويل حتى قطع الخط

"أرجوك َكفى جنون..لا توقعها وتوقع نفسك في مصيبة..حدثنى الآن أو عود بها!"

كتبت رسالة قصيرة وهى تلوم نفسها شاعرة بندم شديد غير مسبق..أنهاتثق أنه لن يؤذيها ولكنها لا تجذم إن كشف أحدٌ أمره فستحدث كارثه..

وضعت هاتفها في جيب سترتها السوداء التي رسمت جسدها بدقه شديدة..ثم إنحنت بقامتها لأسفل تسند يدها على ركبتها بتعب بينما شفتيها ينفتحان علها تخرج ذلك الضغط الذى تشعر به والألم الذى ينحر صدرها بوحشية...إنتصبت مرة أخرى فجأة مسببه إجفال

لأنسجتها التي تعانى ودون مقدمات أو تفكير كانت تركض..تركض بكل قوتها..تركض بعنف دون هدف دون دليل ودون شعور..تركض بينما شهقتها كانت مصحوبة ببكاء خافت يقطع نياط القلب... علَّ ذلك المجهود أن يرميها في نوبة من ألا إحساس...

"أنتِ بلا كرامة....تزوجك لرغبة سيملها سريعاً...أنتِ شيطانة لا تليق بوريث..سرعان ما سيدرك خالد خطئه الفادح معك..سيحب ويتزوج عروسه المثالية.......خطبة خالد الراوى رجل الأعمال الشاب على كريمة حميدة في إرتباط _مثالى_ومتكافئ للشابان اللامعان..ثم صورتهما سوياً وهى تتأبط ذراعه وتضع كفها في كفه..مبتسم هو بسعادة....سعادة شديدة عبر عنها بنشر صورتهما على صفحته الرسمية بينما وضعت هي كل عبارات الحب والعشق والإرتياح لإرتباطهم رسمياً أخيراً...أخيراً ولما لا وهى من كانت تجاوره لأربع سنوات..من كانت تزهو به آخذه كل ولائه وإهتمامه لأربع سنوات....بينما هي الغبية كانت تراقب بقلب مفطور وأمل غبى معدم....."

وتوقفت خطواتها اللاهثة أخيراً وإن لم يكن بفعلها..بل أرض رحبه وغيمة ورديه خادعة...لفتها لفاً..وصدر صلد واسع كان يهدر بصخب كصدى مزعج للهاث أنفاسها...

"حسناً إهدئي..ستؤذين نفسك ما الذى تحاولين فعله؟ أنتِ مازلت في طور النقاهة.."الصوت القلق الذى يذوب حناناً كان يخترق كل تلك الأصوات التي تكرر داخل رأسها ينفي قبحها..ولكنه لم يفلح في تبديد حدة الوجع...

كان وجهها شديد التعرق حد أن شعرها الذى إستطال قليلاً الآن ليتخطى كتفيها بأعجوبة...كان يلتصق في عنقها وملتحف بوجنتيها..قدها كله يختض بين يديه التي أبعدتها قليلاً راحماً نفسه من عذاب وصالها البعيد...رفعت عينيها البنفسجيتين نحوه لتراه بنظرة بعيدة..بعيدة للغاية لملايين الأميال..بينما كانت أسنانها تصطك بوضوح شديد إثر فمها المفتوح في محاولة يائسه لإدخال الهواء لرئتيها..

كلمها مرة أخرى وكأنه يهادن طفل أخرق "حسناً تنفسي بتهمل...أنا هنا معكِ حبيبتى!"

أطبقت جفنيها سريعاً بشدة ثم أطرقت بوجهها وهى تهزه نفياً ثم قالت بتحشرج" أنا لست حبيبتك!"

نفخ صدره بقنوط قبل أن يسحبها ببساطة..ثم يجلسها على مقعد رخامى يتواجد أمام غرفته فتحت عينيها بصدمة وهى تتفحص المكان ثم همستبإرتياع "كيف وصلتُ إلى هنا؟أنا كنت أركض تجاه البيت!"

خلع خالد سترة بدلته الرسميه ثم رماها أرضاً بإهمال..ملحقها بربطة عنقه وجلس دون تردد على ساقيه أمامها وهو يقول بهدوء "أنتِ تركضين ذ منذ نصف ساعة أو أكثر في حلقات مغلقة بين الأشجار تدوري وتدوري وتعودي دون وعى على ما يبدو لتلك البقعه!"

فتحت فمها ببراءة شديدة وهى تسأله"حقاً...أفعلت..كيف..لماذ ا؟!"

إبتسم بحنان وهو يقول بنفس حار"لأن جزءاً منك يعلم أنكِ مهما إبتعدتى وهربتٍ..إدعيتِ كرهي ستعودين لي....لي أنا حبيبتي"

إهتزت كتفيها في بكاء صامت بينما فتحت عينيها أخيراً تنظر إليه بحزن متحسر...فإنقبض قلبه بين أضلعه بقوة وتصاعدت أنفاسه كصدى موجع لأنفاسها "يا الله ساعدنى لأصلح ما حطمته يداي..كن عوناً لىّ لأحتويها..أسألك القوة والصبر لأعيدها كما كانت مطيبها من كل ما تعانى!"

إختار أن يشغل نفسه في هذه اللحظة..بأن يخرج من جيب بنطاله مناديل ورقية ثم بهدوء كان يلمس وجهها برقة شابهت رفرفة الفراشة ماسحاً قطرات العرق عنها ومزيحاً تلك الخصلات الحمراء عن وجهها ومعيدها للوراء...بينما كل خلجة فيه كانت تعانى تأثراً...محارباً طواحين الهواء أن لا يضمها بالقوة الآن ويشبعها تقبيلًا واصمها به..معيدها إليه علها تقتنع أن رابطهما الجديد غير قابل للرفض أو الإنفصام يوماً....

حركت كتفيها مرة أخرى بإنزعاج محاولة إبعاده دون إعتراض حقيقي...ثم سمعته يهمس بخفوت كالصهد"لم أدرك كم أنا مفتون بكِ إلا عندما غادرتى...حبك كان ترياق حياة يحيينى وعندما غادرتِ أنا مِتْ يا سَبنتى...مِتْ كل يوم وليلة وأنا أبحث حولي وخلفي ولا أجدك تتبعينى آسره إياى كما إعتدتي!"

ساد الصمت لبضع لحظات حتى قالت بهمس حذر"الفتنة لا ترقى للحب يا خالد بل هي مجرد شعور بشري مخزي..سرعان ما يندثر فور حصولك عليه ولا يبقى غير الندم"

إبتسم مرة أخرى بينما كانت أصابعه الآن تداعب وجنتها الناعمة التي شابهت في ملمسها الحريرى نقاء بشرة الأطفال...ثم قال بهدوء

"دعينى أخبرك اذاً..أن فتنك لى تختلف عن أي فتنة زائلة إن كنتِ تعمدتي تحاشى إعترافي الآن بحبك"

قالت بإصرار حانق " بلى هي نفس الفتنة ال...ال..."

عقدت حاجبيها بتفكير لإيجاد وصف مهذب ومناسب...فضحك هو بقوة ثم قال"يذهلني شلل لسانك الجديد،ونسيانك بعض المفردات"

صمت قبل أن يكمل بخبث ماكر"سَبنتى أنتِ لا تملكين أى فتنة جسدية..طولك لم يزداد إنش واحد ووزنك أيضاً..أنتِ تبدين كالعصى معدومة أي إمكانيات أنثوية!"

تأففت ووجها يحمر بالخجل وهى تقول بنفاذ صبر"وأنتَ الآن أصبحت الشاب الخطير الضليع في تقيم إمكانيات النساء!"

قال ببساطة"بكِ أنتِ فقط..فأنا كثير التحرش بك في خيالى..وأكاد أخذ رسالة علمية في البحوث التى أجريتها على كل إنش منك في أحلامى!"

رغم أن تقاسيم وجهها زادت خجلاً..ولكنها لم تبعد عينيها عن حصار عينيه..ولم تحاول أن تحرر وجنتها من إجتياحه إياها..بل ظلت تنظر إليه بتأمل...بينما هو كان ينظر لها بحرارة و إفتقاد كبير"سَبنتى..أنا أح......."

قطعت إعترافه جاعلة إياه يبتره بتراً من شفتيه عندما قالت بنبرة أقرب للأنين "لماذا يا خالد.....السنة بها ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً..وإثنى عشر شهراً..كل شهر يحوى أربعة أسابيع..وكل أسبوع سبع أيام...يبدو عمراً طويلا وأياماً كثيرة...لماذا يا خالد عندما إخترت أن تطعننى ، فعلتها في يوم لم يكن ميلادي فقط بل عهد كبير بيننا...وعد ظننتك أكثر حبًا لتنفذه..أكثر إصراراً وقوة أن لا تحيد عنه!"

أظلمت ملامحه وإبتعدت يداه عنها بينما ظل في مكانه على حاله يستوى على ساقيه أمامها حتى قال اخيراً بصوت جاف

"لماذا إخترتي هَجْري؟ لما نقضتِ عهدك أولاً قبلى....لا يبقى وعد يا سَبنتى إن تنازل أحد أطرافه عنه...هل تذكرين ما أخبرتينى إياه في المطار"

أطرقت بوجهها حتى لا يرى أثر ذلك القلب العطب على ملامحها..غير مدركاً لكل الأشباح التي عادت تكبلها كرد فعل جانبي على تذكرها كلمات ياسر مع مقابلتها الدامية لعزام منذ وقت قصير...ثم قالت أخيراً بنبرة مرتجفة ضائعة" أريد أن أعلم السبب أحتاج لهذا يا خالد..وبعدها سأخبرك بسري أنا الأخرى"

كان هو الآخر يبدو شارداً..فارغًا رغم الندم الذى ينهش قلبه نهشاً بغير عدل ثم قال بصراحة قاسية"لم أختاره أنا يا سَبنتى..بل لوح أبى رحمة الله بالفكرة أمامى...وأنا إقتنصتها بكل ود زائف لهدف واحد لا غيره أثبت لنفسى نسيانك..وأنكِ لم تمثلين ذلك العشق الأسطورى بداخلى..أردت في نفس يوم وعدَكِ أن أهب نفسى لأخرى رغم معرفتى أنها لا تُحرك بي أى عواطف"

شحب وجهها بشدة بينما تشعر بسكينة باردة حاده تنغرس بداخلها كألف طعنه"إخترته لمجرد إستبدالى...لتقتلنى بينما أنا أعيش على حلم واحد أتشبث به رافضه إستبداله العوده إليك لتحمينى لتطيب قلبى ولتثبت لأبيك أنى لم أكن وهماً بل عشقاً خالصاً...توحد كيان إفترق بعقاب قاسى"

شعر خالد بإحساس غريب يربكه ويزلزل ثوابته..يمحيه من على وجه الدنيا ندماً ليته ما نطق ما كان آلمها أكثر ..في حركة واحده كان يقف منتصب متصلب ثم جذبها عنوة لتقف أمامه وهو يقول "كنت أعاني والضغط من كل جانب .لم يتركنى أحد فى حالى..ظننت أنى فقدتكِ وأنك لو عدتى يوما لن ترينى ثانية !"

توسعت حدقتيها الآن بشكل أكبر وغرق البنفسج الندي في بحر من الدموع الآن بينما قالت بشهقه مبتورة

"وكانت الخيانة حلاً....كيف تكون الخيانة حلاً جميلاً...كيف إستطعت منح ما ملكتني إياه بتعب شديد منىّ لغيري...كيف يا خالد كيف كانت هي إمرأتك المثالية بينما كنت أنا مجرد........."

كان يقف محاوطها الآن ساعده يلتف حول خصرها ويدها مسنده على صدرها بينما رأسها مرفوعاً ليواجه وجهه الذى إنحنى إنشات نحوها...."لم أمنحها شيء من عواطفك ليس لعيب فيها ولكن صعباً علىّ ظلمها بإدعاء ما ليس فيها..ولكن لم أقدر لأنكِ قد إمتلكتى كل شيء حتى ما عاد هناك بقية لغيرك!"

نظرت إليه بنوع من الغرابة..كأنها تحملق في إنسان بلا مشاعر بينما هي كانت ببساطة تحترق..قالت بصوت يوشك على الإنهيار

"هل تظن أن هذا سيساعدنى..عد إليها اذاً يا خالد خذ كل ما تحتاجه منىّ الآن وعد إليها ..إستعيد ما سلبته منكَ و إمنحه لها فهي تستحقه...أعطها ما يليق بقدرها...وأتركني أمضي في حال سبيلي...لقد نزعتك من قلبي بصعوبة..ولكن مازال جرحك متقيح وأنتَ الآن بكل وضاعة عدت تعبث به كما...عبث بى!"

أظلمت عينيه بشكل بشع وإتقدت نيران مبهمه ومختلفه فيهما ثم قال من بين أسنانه بفك يتصلب قسوة "لم أعبث بك بل أحببتك...لانا لم تحرك بى ساكن رغم سنين تواجدها حولى...أنتِ كنتِ ملكي ومازلتِ ...لن أكذب عليكِ ولن أُجمل الحقائق..لقد حاولت يعلم الله وحده كم جاهدت لأخرجك من قلبى أو تغيبين عن عقلى ولم أستطع لم أمتلك تلك القدرة فالقلوب بيده هو سبحانه ليس بيدى ولا بيدك !"

صرخت فيه بصوت مجروح ودون وعى

"بيد ياسر الراوى فهو أدارك كما شاء وتلاعب بك كما وعد...كما سممنى بقذارة قوله....."

صمتت تبتلع غصة شقت حلقها نصفين حتى شعرت بجفاف ما بعده جفاف مما جعل صرختها الأخرى الملتاعة أشبه بشوك من العذاب ينغرس هناك"أنا صمدت،بررت بجانبى من الوعد ووثقت بك واجهته بقوة..تحديته بك..راهنت عليكَ أنتَ ولكنك خذلتنى...عامين ونصف أعيش في ترقب..أرى بعين دامعه وقلب يعتصر بقبضة غاشمة صورك معها..ولكنى أغمض عيناي بطفولية حالمة غبيه أتخيل ذراعيك تلتف حولى وبصوتك يهمس "أنتِ ستكونين حلالى يا بقة...أنتِ نصفى التائه بقة الغبية سأتوحد معكِ سَبنتى الحمقاء..ثم دون إنذار أفتحهم على فاجعة خطبتك منها..وينهار كل شيء وكسب هو رهانه..فارسي الهمام ما هو إلا مجرد مخادع...رجل يبحث عن إمرأته المثالية فاق أخيراً من وهم إرتباطه من إبنة الزنا التي لا تليق..."

كان في صدمة مهولة يسمع منها كل حرف والفهم يغزوه ببطئ كسم زعاف ينخر عظامه ويشل بدنه ويصم حواسه...بؤس ما بعده بؤس وعذاب لم يُكتب يوماً في كتاب....كان يعرف مكانها تحدث معها وأبعدها عنه...وضع خالد يده على فمها يكتمه بعنف وإصرار..رافضاً ترديدها لذلك اللقب القاتل ملصقة إياه بنفسها...بينما هي كانت تتنفس بقوة ولهاث عنيف بينما عينيها تكسرت الآن وغامت بشكل موجع وأصبح رأسها يدور كما جسدها تنهار قوته شيء فشيء"هل وصل إليكِ ؟كيف؟وماذا قال؟هل أفهم من هذا أنك عُدتِ لتبحثي عني!"

بكت بإنيهار إثر سماعها السؤال ثم أبعدت يده عن فمها فحررها وظن أنها ستمنحه إجابه شافيه ولكنها قالت بنبرة أشبه بإنعدام التوازن والحياة سوياً

"لقد تألمت بما يفوق قدرتك على التخيل وما عدت أريد أن أشعر بهذا حررنى من قلبك أرج............"

لم تكمل جملتها إذ أنها في لمح البصر كانت تغلق عينيها وتهوي في دوامة سوداء إبتلعتها دون هواده...بينما تلقاها هو بين يديه يثبت إتزانها بل دافنها على صدره..لوقت ليس بقليل كان يتأمل ملامحها بصلابة وندم..ذلك الندم الذى لا يداوى ولا يُصلِح..ندم ينهشه ويتركه خالى الوفاض والمنطق..وبعد لحظات تحرك وبدلاً أن يتوجه نحو المنزل طالباً مساعدة أخواته ووالدته..كان يتوجه نحو معزله الخاص..يفتح الباب ثم دخل حاملها ومغلقه بقدمه..توجه نحو سريره ذو اللون الأخضر ووضعها هناك في منتصفه ثم بروتينية بحته..كان يخلع حذائها ويفتح سحاب الجاكت الرياضى خاصتها..وحررها منه لتبقى ببلوزة قطنية حمراء اللون ينافس لون ملاءة سريرة وتناسب بشكل مذهل غطاءه الأسود الذى دثرها به جيداً إلى تحت نحرها ثم جلس أخيراً يده تمسد برقة شارده على وجهها تزيح دموعها الرطبة سامعاً نهنهات لم تختفى من صدرها بعد..لقد كانت وكأنها مازالت تبكى حتى في غيبوبتها فهمس

"أُحرركِ من قلبى وأرحمكِ من عبثى بجرحك!!ومن سيرحمني ويحررني من آسرى في سجنك ياعبثية"

..............................

كانت نائمة داخل غيمة جميلة تلفها لفً وداخل بحر من الأمواج الناعمة تجرفها هنا وهناك مغرقة إياها بجمال رائع...يغطيها الماء كلها فتغرق أكثروأكثر .منذ متى لم تسبح ؟لقد مر وقت لا بأس به لم تجرب جمال البحر لتسبح فيه مجدفة بذراعيها..وتشم بأنفها رائحة

مهلاً لحظة...رائحة مزعجة لازعة شابهت الأكسيد إنكمش أنفها قليلاً هنا وهناك...بينما مازال ذلك البحر العاتى يجذبها داخله والماء يحيط بها في بكل مكان...سحبت نفسها من بين غيابات النوم تحاول أن تعود لواقعها..ورمشت عينيها ببطئ لتجد نفسها مازالت تحدق في سقف غرفتها...اذاً كيف لازالت تشعر بالبلل...لقد فقدتى عقلك يا بدور لا محالة..أو ربما هو إرهاق شديد وعقلها الباطن يضغط عليها لتتوقف قليلاً وتبتعد عن كل شيء وتذهب لأى مدينة ساحلية ووو

"بدووووور أنا إفتعلت حادثة على فراشك!"

توسعت حدقتيها بقوة بينما كل جسده يثبت مكانه بنوع من الصدمة إثر ذلك الصوت الخافت الممطوط الذى تسلل لأذنيها وكأن المتحدث عفريت ما تسلل إليها من وسط الظلام ليرعبها...

"بدووووووور إستيقظى نحن غرقنا!"

"على الأقل الآن عرفت سر هذه الأمواج العاتيه"

...لماذا لم يخبرها أحد لكانت أخذت إجراء إحترازي وأحضرت عوامة وطوق نجاة!"

"بدور هل متِ غرقاً لم تكن كبيرة لهذه الدرجة؟!"نطق إياب مرة أخرى بإصدار وهو يهزر دون حتى أن يخاف أو يهتز كأى طفل في موقفه...

إعتدلت أخيراً ملبيه مطلبه ومقيمة المشهد البحرى بإمتياز ..

ثم عادت تنظر إلى جسده الصغير ووقوفه بثقة وصلابة يحدق فيها بلا مبالة تناقدت تماماً مع كل ملابسة المبتلة..

ثم نطقت أخيراً وهى تدب على صدرها في حركة هزلية بحته كانت إلتقطتها من فيلم ما"تبولت..يا إياب...عيب على طولك وسنك"

هز كتفيه بلا إهتمام ثم قال"لقد توقفت منذ فترة طويلة فأنا رجل كما يقول بابا...ولكنِ عندما أغضب أو يزعجنى شيء أفعلها سَبنتى تقول لابأس الجميع يحدث له تلك الحوادث...ألم تفعليها من قبل"

إمتعضت وهى تغادر الفراش ثم قالت بهزلية"بالطبع فعلتها أنا وسبنتى وخالاتك وخالك..وأبيك أيضاً..أتعرف نحن أحيانا نفعلها كحفل جماعى من باب التغيير والمشاركة الفعالة للقضاء على مشكلة تصحر الأراضي الزراعية"

عقد جبينه بعدم فهم ثم قال"لا أفهمك ..هل أنتِ غاضبة !؟"

رفعت هاتف داخلي طالبه أحد الخدم للصعود..ليجدوا

حلاً لتلك الكارثة ثم عادت إليه ترفعه بين ذراعيها ووضعته أرضاً ثم سحبت الملاءة والغطاء وحملتهم بين أيديها متوجه للحمام وهى تقول برفق" أغضبمن ماذا..إنه شيء ليس بإرادتك حبيبى..تعال ورائى!"

دخلت ثم وضعت ما بين يديها في سلة كبيرة..ثم خلعت ملابسه أولاً ووضعتها أيضاً في السلة..ثم وقفت تخلع قميص نومها هي الأخرى وهى تقول بتفكه" أدر وجهك للحائط يا فتى"

توسعت عينيه السوداويتين أكثر ثم قال ببراءة"لماذا أفعل ..أنا لا أخجل منك وأسمح لك بتغير ملابسى"

هزت رأسها وهى تضحك بيأس ثم قالت"ولكن أنا أخجل منك"

قال بعناد"لن أفعل مثلما أسمح لكِ أن تغيرى

ملابسى..ستفعلي مثلى"

"والله أنتَ حالة ميؤسه منها كأبوك؟!"همست لنفسها بإمتعاض..قبل أن تخلع قميصها وتبقى بالملابس الداخلية...وضعت بواقى كارثته في تلك السلة ثم أخرجتها في غرفة تغير الملابس..لتأخذها الخادمة..وشرعت فى ملأحوض الإستحمام لكليهما بالماء وفقعات الصابون الملونة التي يحبها...

"هل ستسحمى معىّ"توسعت عيناه مرة أخرى بإنبهار المشاركة..جلست في الحوض أولاً دون أن تتخلى عن سترها..ثم أخذته من ذراعيه وأجلسته أمامها وهى تقول بخفوت شابه بعض الحزن

"نعم..لقد فعلناها سابقاً في أول حمام منحته لك..أخذتك على صدري وحممتك خفت أن تنزلق منىّ..ففكرت أن أفضل وسيلة أن لا أخلعك من على قلبى"

تلاعب بالفقعات قليلاً كالعادة ضاحك بإبتهاج غير مدرك لما أخبرته ثم قال"أختى تقول عيب..ورفضت كثيراً أن تشاركنى!"

فركت رأسه بالماء بحنان ثم قالت"سَبنتى ليست والدتك مثلى...."

صمتت متداركه ما قالته بينما هو رفع عينيها المتفرستين ملتقطاً ذلتها بإهتمام شديد فقالت سريعاً بتوتر "أعنى صديقتك...وأيضاً هي صغيرة..اما أنا كبيرة كفاية لأمثل دور والدتك!"

صمتت مرة أخرى متلاهية في فرك جسدها الذى غرق بأثار كارثته..بينما نظراته لم تترك مرحه أمامها لبرهة واحده...حتى وقف أخيراً وأندفع الى صدرها يطوق عنقها بذراعيه ويربت عليها بحنو شديد إهتز له قلبها كمجيب لفعلته ثم قال ببراءة" أنا أحبك يا بدور..لم أعود أريد العودة لبيتى هناك...ولا أريد مدرستى بل أرغب في البقاء معك إلى الأبد !"

ضمته بقوة وهى تهمس مغلقة العينين"يا قلب بدور...يا روح بدور أنتَ ومن سيسمح لك بتركها مرة أخرى..موتٍ واحد كافياً جداً في بعدك يا إياب"

................

بعد وقت طويل خرج كليهما من الحمام المنعش تحمله بين يديها وتدثره بروب الإستحمام و كما توقعت كانت إختفت السلة الآن ولكن مازال صوت حركة خافته يدور بالخارج..أنزلته ولفته ببشكير كبير ثم أغلقت الباب الجرار وسحبت له ملابس ثقيلة يرتديها أولاً..ثم إرتدت هي أول بنطال من الجينز قابلها وبلوزة حريرية بأكمام قصيرة بلون عينيها المتوهج ثم خرجت ممسكه يده...وهى تنظر للخادمة التي قالت بهدوء

"الفراش تدمر لا أعتقد أنك تستطيعِين إستخدامه الليلة"

قالت بمرح"لا عليك سنحاول أن نجد أي غرفة خالية..وإن لم يتيح هذا سنحتل غرفتك!"

ضحكت الفتاة وهى تقول"على الرحب ولكن بصراحة لم أستطيع المجازفة بأن أغرق ...أين كنت تخبئ تلك الكمية يا ابنى؟!"

عبس إياب بغضب...بينما ضحكت بدور بطرفة نادرة...ثم قالت وهى تعيد حمله..

"لا تزعجى حبيبي..ولن أخبرك طبعاً هذا سر لن نخبر به أحد!"

هتف إياب معترض"لماذا سرا..انا لم افعل شيء مشين أنتِ قولت أن الجميع يفعلها"

قالت الفتاة"ما شاء الله العين تطرقك ،هل تتفاخر أيضاً لو كان ابنى!"

هنا تنحنت بدور بجدية مانعة إياها من الإسترسال..ثم تخلت عن وجهها المرح المتباسط والنادر وهى تقول بهدوء صارم"سنخرج نحن وأنتِ أتركِ الأمر الآن وصباحاً ، مرى أحد الحراس لإخراجها...سأستبدلها"

قالت الفتاة بتهذيب"أمرك يا سيدتي"

............................

"هل تعرف أنك تملك غرفة هنا"

قال بلا مبالة معتاده " أعرف ولكن لا أريدها...بل أرغب في المثلجات"

رفعت بدور حاجب شرير ثم قالت"ترغب في ماذا....

والآن "

أومأ مؤكداً بعناد"مثلجات ومن الخارج لا أحب تلك التي في المطبخ"

قالت بعناد مماثل"في أحلامك الوقت تعدى منتصف الليل...سننام الآن وغداً نبحث في الامر"

قال بهدوء عنيد وبنبرة أعلى من صرامتها"بل الان..وستشترى لى قمع كبير جداً بعدة طبقات من الشكولاتة والڤانليا والمانجو ايضاً"

إستمرت حرب النظرات العنيدة كالحجر بينهما لبعض الوقت..حتى أخفضت هي رايتها وهى تقول بإستسلام"حسناً يا إياب...سنخرج الآن كأى حامل خرقاء تتوحم على المثلجات ليلاً"

ربت على وجنتها ببرود ثم قال" أحسنتِ يا بدور..بعدم التحدى"

فغرت فاها عن آخرة ثم قالت بدهشة"بالله عليكَ على ماذا كان يربيك هذا الرجل؟!"

قال مكرر بجدية"فانيليا وشكولاتة والكثير من المانجو"

إمتعضت وهى تهمس ساخرة"مانجو..اذاً انت تريد درس خاص من خالتك في تناول المانجو يا حبيبي..وليس مثلجات ليفسد تماماً المتبقى من أخلاقك الغير موجودة اصلاً؟!"

"هل قلتِ شيء يا بدور؟"

"لا يا قلب بدور..هيا بنا أمري لله"

.............

بعد ساعة كانت الشوارع خالية من البشر عادةً عن أم بائسة عقدة الحظ ، وابن نشط مشاكس وعنيد بشكل غير محتمل لغيرها...

جلست بدور على كرسي رخامى عريض..من ذلك المتناثر على أرصفة كورنيش النيل..بعد بحث مضني وتفتيش صعب بكل هنا ونشاط حتى وجدت له محل مفتوح لهذا الوقت..في وسط البلد..وبالطبع مع تمسكه بإصرار على عدم العودة مختتمًا بأنه يريد أن يراقب المراكب الساكنة على سطح الماء..رضخت له دون جدال...

"لم أتخيل أن يفعلها معكِ..كيف خاطرتى بنفسك أصلا"

جفلت وتصلب ظهرها حين سمعت الصوت الرخيم بخشونة مميزة من ورائهما...إلتفت إياب قافزاً بسعادة وهو يهلل"بابا...أنت هنا"

تلقاه راشد وهو يركع على الأرض بركبتيه يقبله بشوق وحنان وهو يقول

"لقد إتصل الحارس وأخبرنى أنك أخذت صديقتك للخارج..ففكرت أن أشارككما المرح"

لمعت عينيه وهو يلف ذراعيه حول عنقه غير مبالياً بتلطيخ قميصه بالمثلجات ثم قال بمرح فخور "لقد إفتلعت حادثة على سرير بدور..ثم كافأتنى بشراء المثلجات"

وقف راشد حامله معه ثم رفع حاجبيه وهو يتفحص وجهها بينما قالت هي ضاحكة" إضطررت لهذا فهو قدم خدمة جليلة ستنفع المجتمع فكما ترى هو فخور جداً بنفسه!"

جلس بجانبها ثم وضعه على ركبتيه وهو يقول بهدوء "هو من أصر أليس كذلك؟"

" نعم"

قال راشد بهدوء وهو يسند رأس ولده على قلبه ومحيطه بذراعيه "عندما يوتره شيء يحدث هذا لقد توقف باكراً بعد أن عودته على إستخدام المرحاض..في عمر العامين تقريباً"

وضعت ساق فوق أخرى ثم قالت ببرود"جيد لقد قمت بدوري جيداً"

قال بسخرية "ليس أمرًا مبهرا لتتحسرين على فقدانه..ثقي بي إنه خدمة جليلة لكِ منىّ..على كل حال ها هو عاد لتعويضك كيف كان الأمر؟"

أشاحت بيديها وهى تقول بإسهاب "بحور ومحيطات..وأنهار لا تنتهى..ونعم التويج يا ابنى أه والله"

ضحك راشد بصخب ثم قال بمرح "مع تمنياتنا بتجربة ممتعة أخرى في القريب العاجل"

قالت بخفوت" مع تفاخر ابنك..أتوقع هذا"

"الأن هو ابني"قال بإمتعاض ...

مطت شفتيها وهى تقول بغرور "بالطبع كل ما هو جيد فيه..فهو إبنى..وكل كارثة هو ينتمى إليك كلياً!"

هز رأسه وهو يضحك مرة أخرى بيأس...

فقالت هي بهدوء بارد"هل يراقبنى أحد الحراس يا راشد؟"

أخذ نفساً عميقاً ثم قال بهدوء"لو لم أثق بكِ ما كنت أعدته إليكِ إن كان هذا ما تلوحين به!"

قالت بهدوء"اذاً ما معنى إتصال الحارس بك؟!"

أجاب ببساطة" الرجل عندما رآاكِ تخرجين في هذا الوقت قلق..فاتصل بخالد ولم يجيبه..فاضطر أن يهاتفني أنا بناءًا على تعليمات سابقة من أخيكِ..تطبق عليكم جميعاً..وبالتالي أنا بريء بالمرة"

رفعت جانب وجهها تنظر إليه بصلف بارد "حقاً بريء..تبدو الكلمة عجيبة على أذني!"

تنهد راشد مرة أخرى قبل أن يخلع ربطة عنقه المرتخية ويدسها في جيبه ثم حل زر ثالث من قميصه ليظهر صدره العضلى الأسمر بوضوح..جابرها أن تخفض عينيها بعيداً بتوتر طفيف حتى قال بتهكم

"بالطبع غريبة فأنا الشرير الذى يتسبب في كل شيء يزعجكم جميعاً"

تجنبت الإجابة ثم قالت بخفوت هل كنت في الشركة إذ أنك مازلت بنفس الملابس"

أجابها وهو يمسح وجه إياب الملطخ بكفه"لقد أخبرتك أن هناك أمراً هام أحتاج لدراسته جيداً ومن كل الجوانب بسرية تامة قبل أن أشرع في عرضه عليكِ وتنفيذه"

رفعت رأسها مرة أخرى نحوه وسألت بعملية"هل يمكنك أن تلمح ببعض المعلومات..لا أحبذ الغموض في العمل"

إبتسم بطريقة فتاكة مخيفة قبل أن يقول بغموض"أمراً لو تم كما أرتب له بهدوء وسرية دون أن

ننكشف..سنعود لنسيطر على كل الأسهم في المجموعة ونمنح حميدة وشركائهالإلهاء المناسب ليبتعدوا عن خالد نهائياً!"

"الرجل جن جنونه منذ فسخ الخطبة وكأن حياته هو التي تتعلق بها..لا الفتاة التي إحترمتها أخيراً لإنهائها الأمر كله"

قال راشد"ولكن يبدو أن أبيها يرفض الإستسلام ..ما علينا هل يمكن أن نؤجل هذا الحديث ونركز مع ابننا؟!"

"بابا أريد هذا"

أشار إياب نحو عربة خشبية يعلوها الكثير من أكواز الذرة الخضراء يتوسطها شواية صغيرة مشتعلة بالفحم..لم ينتظر أن يأخذ منه موافقه بل هبط سريعاً..وجرى نحو الرجل البسيط الذى إستقبله ببشاشة قائلاً ببهجة بلغته البسيطة "أهلاً بالعريس ماذا تريد؟!"عبس إياب وهو يقول مجادلا بغضب غير موجه له "أنا لست عريس..بل خالد الذي عضضت ذراعه لأنه يريد أخذ أختى"

ضحك الرجل وهو ينحنى يجلبه نحوه ثم قال بإهتمام "حسناً فعلت المرة القادمة افتح رأسه إلا الأخت يا بنى..ما اسمك بالمناسبة؟"

قال"إياب..ولكن لن أفتح رأسه فأختى فعلت"

قال الرجل بفخر "حسناً فعلت..سلمت يمناها"

"يا فضيحتك يا خالد في شوارع المحروسة"همس راشد بينما غطت بدور فمها بكلا كفيها علها تسيطر على ضحكاتها المفرطة الرنانة...

أمسك الرجل بيده بمودة ثم قال

"تعال يا بطل..إختار ما تريد وعلى حسابي"

إلتمعت عينا إياب بنهم طفولى ثم قال بحماس"كورن..أحبه.. .. أريد إثنان لى ولصديقتي "

أفلت الرجل وهو يفتح الورق الأخضر المبطن بطبقات تمنع سخونته ثم قال"ووالداتك ووالدك..ألا تريد البعض لهم؟"

عبست ملامحه مرة أخرى ثم قال بخفوت"بابا هنا ولكن ماما...صمت وكأنه تردد في الإعتراف بما يثقل كاهله الصغير..

وضع الرجل ثلات من أكواز الذرة في كفيه ثم قال بمحبة" إن صورة ثلاثتكم هنا في هذا الوقت بجانب بعضكم تشرح القلب الحزين..يا بطل حافظ على والداتك ووالدك..كما أختك"

أمسك راشد ابنه ثم قال بهدوء بينما يشعر بفؤاده يهدر بين أضلعه بدماء هجومية حاده"شكراً لك..."

قال الرجل البسيط مبتسماً "على ماذا..ولدك يسرق القلب سرقة ويزرع في الصدر بهجة من مجرد النظر إليه ...حفظه الله لكما"

أخرج راشد مبلغ من المال وقدمه له..فأرجع الرجل يده بإصرار وهو يقول"عيب يا بك إنهم هدية..أم انك أكبر من أن تقبل هدية من رجل على باب الله"

إبتسم راشد بتهذيب ثم قال شارداً" كلنا على بابه نتمنى رحمته وغفرانه"

ابتسم الرجل ببشاشة مرة أخرى ثم إنصرف من أمامه يجلس على عربته آمراً حصانه بالتحرك..

بينما أخذ يردد لحن عذب تاركً نغماته تتردد ورائه في سكون الليل..بشجن حزين..

"قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي،​روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ

لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي​لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي

ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،​في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ

فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛​يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي​ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ

عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي​منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي،​والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي

لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ​سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ

واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى​جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟

....



عندما عاد للجلوس جانبها صامتاً كانت بدور ترتجف بطريقة مهولة و مازالت تنظر في إثر هذا الرجل بتعجب..

ظن راشد أنها بردت بسبب ملابسها الخفيفة فخلع معطفه ووضعه على كتفيها بينما همست بإنبهار"عجيبٌ أمره وفصاحة لسانه"

قال راشد بهدوء "معظم أهل الجنوب فصيحى اللسان وجهاء كانوا أوبسطاء"



لمللمت المعطف على جسدها ثم حركت أصابعها بإرتباك وهى تقول"القصيدة جميلة أيضاً سأبحث عنها..لقد جذبتنى"

جلس راشد مرة أخرى ثم وضع إياب مكانه على ركبتيه وقال بصوت أجش" نعم جميلة وصفت حال ومعاناة الرجل الطويلة في بضع كلمات"

ناولها إياب كوز الذرة مبتسماً ثم قال بمرح "كورن لذيذ"

قال راشد مجادلا "أخبرتك أنها ذرة"

قال بعناد وهو يشرع في قضمها ساخنة "بل كورن"

عبس راشد وهو يقول "بل ذ...ر...ة..جرب نطقها"

قال بغير تنازل "ك..و...ر..ن"

فركت بدور ما بين عينيها وهى تقول بإرهاق "هل أنتما دائمي الجدال؟ظننت أنكما شديدى الصداقة..ولكن مؤخراً ألاحظ..العكس"

ضمه راشد مسنداً رأسه مرة أخرى على رأسه ثم قال بهدوء"نتأرجح بين هذا وذاك..فقط هي علاقة طبيعية لأب وابنه"

نظرت بدور أمامها لسطح النيل الساحر حتى وهو غارق في ظلامه ثم قالت بشرود "لا أذكر إن كان بين والدى وخالد ما يشبه هذا بأي طريقة"

قال راشد بتفهم" كان والدك له طريقته وفكره المختلف"

أفلت منها صوت أشبه بضحكة متهكمة...ثم عادت تنظر إليه بعينين قرأ فيهما النعاس بوضوح حتى وإن كانت تقاومه" أنت أب رائع..لقد حان أن أعترف بهذا بكل مصداقية"

ابتسم وهو يقول بصوت حار خافت وأنتِ ام مذهلة يا طاووس..يليق بك الأمر لقب وفعل"

عادت تفرك شعرها بيدها ثم تمطت بتعب مرة أخرى وهى تقول متثائبة

"أم تغرق..وتغرق...فى بحور هائلة ثم تقضى ليلتها في الشارع..يااال بؤسي وفشلي"

ببطئ ماكر كان يحرك ساعده ليلتف حول خصرها دافعها إليه بغتة فهتفت فيه بغضب "أنت لم تنضج ابداً ماذا تظن نفسك فاعل..إبتعد"

ولكنه لم يفعل بل مد كتفه تحت ذقنها يحركه بإغراء وهو يقول بخبث "إن غرضى بريء إرتاحى هنا انتِ تكادي تفترشين الأسفلت من نعاسك"

نظرت إليه بترفع معتاد بارد..ثم قالت"ألم أخبرك أن نوع من البله يصيبك معي و.....خخخخخخخخخخخخخ>’

لم تكمل جملتها وكان رأسها يسقط بالفعل غالباً عقلها المتحجر..فزاد من ضمها إليه كما وضع ذقنه فوق رأسها الذي حشر على نحره...

"إن بدور مزعجة فهي تطلق أصوات عاليه...هذا عيب "

ضم راشد إبنه أكثر على ذراعه الآخر ثم أغلق عينيه وهو يشعر لأول مرة منذ تسعة أعوام بالراحة و أنه يملك الدنيا ومن عليها وأن لا أحد فى العالم أجمع الآن أكثر منه حظا وسعادة منه..حتى وإن كانت مجرد لحظات مسروقة من إمراتة العنيدة والسبب فيه!!!!!!!!.....ضحك بخفوت ثم همس لإبنه

"عيب عليها الشخير...بينما كارثتك أنت عرضية وتستحق التفاخر...نم يا قرموط الليل ودعنى أبتهل لله أن لا تستيقظ الآن وترمينى أنا وأنتَ تحت هذه المراكب"

.............................



انتهى قراءة سعيدة


























التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 21-04-20 الساعة 12:18 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:23 PM   #3076

Engy Mohamed Mostafa

? العضوٌ??? » 457976
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » Engy Mohamed Mostafa is on a distinguished road
افتراضي

نقول بسم الله الرحمن الرحيم 💝💝💝💝
قراءة ممتعة ان شاء الله


Engy Mohamed Mostafa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:24 PM   #3077

راويه السيد

? العضوٌ??? » 470381
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » راويه السيد is on a distinguished road
افتراضي

روايه اكتر من رائعه

راويه السيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:25 PM   #3078

تيتو عبده

? العضوٌ??? » 470376
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 19
?  نُقآطِيْ » تيتو عبده is on a distinguished road
افتراضي

هاي هاي كابتن🙈🙈🙈🙈

تيتو عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:27 PM   #3079

awttare

? العضوٌ??? » 793
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 728
?  نُقآطِيْ » awttare is on a distinguished road
افتراضي

روايه رائعه........ ... متابعه وبشغف

awttare غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:29 PM   #3080

ليلى عمرو

? العضوٌ??? » 470384
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 49
?  نُقآطِيْ » ليلى عمرو is on a distinguished road
Oo26

تسجيل حضوور وشكر. جداا ليكي ي بووسي انك وقفتي جمبي😘😘

ليلى عمرو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:06 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.