آخر 10 مشاركات
رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          145 - وشم الجمر - ساره كرايفن - أحلام القديمة ( كتابة / كاملة ) (الكاتـب : فرح - )           »          [تحميل] انتَ غرامي وجنوني للكاتبه : @@الجوري-22@@(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          411 - سارقة القلوب - جاكلين بيرد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          298 - هروب إلي النسيان - مارغريت واي (الكاتـب : عنووود - )           »          18- الدوامة - شارلوت لامب (الكاتـب : فرح - )           »          الغرق فى القرآن (الكاتـب : الحكم لله - )           »          دَوَاعِي أَمْنِيَّة .. مُشَدَّدَة *مكتملة* ( كوميديا رومانسية ) (الكاتـب : منال سالم - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-06-20, 10:59 PM   #3721

sara_soso702
 
الصورة الرمزية sara_soso702

? العضوٌ??? » 325067
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 375
?  نُقآطِيْ » sara_soso702 is on a distinguished road
افتراضي


دستور يا نور شوية شخلعة بقا هاهاها 😂😂

sara_soso702 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:02 PM   #3722

frau zahra

? العضوٌ??? » 417089
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 190
?  نُقآطِيْ » frau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond reputefrau zahra has a reputation beyond repute
افتراضي

انا اهو تسجيل حضور

frau zahra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:07 PM   #3723

أمل رياض

? العضوٌ??? » 388080
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 169
?  نُقآطِيْ » أمل رياض is on a distinguished road
افتراضي

منتظرين
علي
🔥
🔥
🔥
دمتي
مبدعة


أمل رياض غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:10 PM   #3724

اهات منسية

? العضوٌ??? » 377814
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 432
?  نُقآطِيْ » اهات منسية is on a distinguished road
افتراضي

بانتظار الفصل باذن الله

اهات منسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:11 PM   #3725

ديدي امبابي

? العضوٌ??? » 366569
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 742
?  نُقآطِيْ » ديدي امبابي is on a distinguished road
افتراضي

في إنتظارك يا قمر 😍

ديدي امبابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:11 PM   #3726

هبة الله 4

? العضوٌ??? » 394064
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 789
?  نُقآطِيْ » هبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

في انتظار الفصل على نار

هبة الله 4 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:12 PM   #3727

besomahd
 
الصورة الرمزية besomahd

? العضوٌ??? » 127637
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 391
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » besomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nice
افتراضي

تسجيل حضور بانتظار الفصل



besomahd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:13 PM   #3728

ونلقي

? العضوٌ??? » 392416
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 35
?  نُقآطِيْ » ونلقي is on a distinguished road
افتراضي

يا نور نزلي الفصل بسرعة عايزة اطمن على دوحه قبل ما انام

ونلقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:16 PM   #3729

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الثامن والثلاثون


رائحة الماضي ..الأماكن العتيقة كأصحابها نمضي عنها ،ويبقى لها في القلب لذة ، كرشفة قهوة بعد الغياب ،كعناق مباغت يبعثر النفس ...كقبلة مهاجرة قبل الرحيل..
هي الغصة التي ستبقى وتلاحق النفس معاتبة كيف تركناها لتصبح مجرد محطة ؟ صفحة في كتاب ستكثر أسماء عابريها و تُنسى .
تُنسى كأنها هرمة و مثقلة ،والذاكرة ولد عاق يرمي بها الي مأوى العجزة فلايذكرها إلا عندما تدركه صحوة متأخرة ، أو يدق كأس نخب جديد ليراهن عليها ..
وربما قد تصبح واجهة فنية لملاحقة صور عصرية دون أدنى الحب ...
نبال_مناصرة


....................................

دخلت الغرفة تتسحب ببطء وعلى شفتيها ترسم ابتسامة حنان حزينة تتأمله وهو ينام على ظهره والعفريتة تتسطح على بطنه وتضم بذراعيها الصغيرين عنقه حتى وهما نائمين وهو لم يكن أقل منها تملكًا إذ أنه يلف أحد ساعديه على ظهرها بينما يده الأخرى تستريح فوق عينيه..
همست لنفسها بقنوط "لماذا يصعب عليّ مثلهم تفهم حبك الفطري والشديد لابنتك.. ترى هو تشبث بأمل أخير تمنحه لك وفرصة صحيحة لحياة سوية كما أخبرني مراد.. أم هو عناد الحاجة وتمسكك بأي جزء من زوجتك فيها.. أم أنه عقاب قاسي أوقعته على أمها المسكينة؟!"
زفرت إسراء بغصة مؤلمة وهي تجلس ببطء على طرف الفراش تتأملهم بعينين مغيمتين آسفتين لتفكيرها المتطرف, إذ أنه رغماً عنها.. بالنهاية هي أم ومجرد تخيل الوجع الذي تعاني منه لورين الآن خاصة بعد معرفتها أنها منحته الفتاة رغماً عنها يقتلها ويحطم فؤادها... لا شيء يضاهي حرمان أم من وليدها إلا الموت وهي حية, حرق الجسد والروح العاجزة وهي مقيدة.. إنه لا يعني غير شيء واحد الجنون المتطرف وسلب المرأة كل تعقلها...
أخرجت نفس حار من بين شفتيها بينما تتأمل أخاها بألم متذكرة أنه هو الآخر أخذ كفايته وتعذب وسحق سحقاً من الجميع، لقد كفر بكل الطرق عن جرمه وعن كل أخطائه الشنيعة التي ارتكبها وهو مغيب في ظلامه فتجد نفسها تقر بخزي مرير أن كلا الطرفين مجرمين بطريقتهم.. كلاهما أوجع الآخر وإن كان رابط الأخوة يجعلها تفكر بتطرف أن لورين لها نصيب الأسد في كسر أخيها بكل الطرق.. إذ أنها لم تترك حكم إعدام واحد لم تنفذه فيه سواء قصدت أم لا...
بتعب كانت تمد كلا يديها الرقيقتين تسحب منه الفتاة في نية عادية لوضعها في فراش كانت جهزته لها في غرفة تاليا حتى يستطيع أخوها التقاط أنفاسه والحصول على قسط جيد من الراحة بعد الأسابيع الطويلة الصعبة التي قضاها في بلد آخر.. ولكن قبل أن تتمكن حتى من تحريكها كانت تجده يقفز تقريباً من نومه يمسك يدها بعنف حتى شعرت أنه كاد يحطمها بينما يده الأخرى لفها حول ابنته بشراسة مخيفة..
"ابتعدي"
عقدت إسراء حاجبيها بصدمة مخالط الألم وهي تحدق في عينيه الخضراوين المعتمتين بشيء أشبه بالهلع والتوحش فحاولت أن لا تفقد هدوءها وهي تقول "هذه أنا حبيبي, اهدأ حتى لا تصيبها بالهلع"
للحظات راقبته يحدق فيها بتشوش ثم يحرك عينيه بأرجاء الغرفة وكأنه يستعيد ببطء واقعه ويتذكر أين هو تحديداً, وعندما عادت حدقتيه ترمق فتاته على صدره اختفى كل تحفظه وكأن أحد ألقى عليه تعويذة فحرر يده ثم وازن ابنته ليسطحها على حجره وأخذت يده تمسد على شعرها برفق وهو يقول بتعب مرتبك "أنا آسف, الأمر أني لم أعتد على الوضع بعد"
مسدت إسراء بأصابعها موضع الألم قبل أن تقول بوضوح "لا أعتقد أن هذا ما يدور في عقلك.. بل ما زلت تعاني من تلك الحادثة"
أظلمت عيناه وهو يزفر نفس حانقا قبل أن يقول بحدة "ربما هذا صحيح ولذا رفضت عرضك وزوجك أن تنفصل بعيداً عني, كان يجب عليكِ احترام رغبتي"
قالت إسراء بخفوت "هذا ليس حلاً, أنتَ لن تبقى عمرك كله آخذها على صدرك يا ممدوح, فالذي حدث لن يطاردها داخل البيت أيضاً!"
قال ببرود "تلك مشكلتي وحدي..."
غمغمت إسراء بحذر شديد "لم تصبح كذلك... الفتاة هنا وأنتَ تجهل التعامل السوي معها، كما أن خبرتك في تربية الأطفال منعدمة بجدارة أي أنك مجبر لتركي لأتعامل أنا معها وأساعدك بإرشاداتي في تربيتها"
نظر إليها ساخراً بمرارة ثم قال "ومنذ متى ساعدني أحد لأعرف ما يجب عليّ فعله.. أرجوكِ إسراء اتركينا لحالنا, ودور الوصية هذا أنسيه إلا لو كان عندكِ نية بأن ترفعي قضية أخرى للحجر عليّ وسرقة حضانة ابنتي مني!"
شحب وجه إسراء بقوة شاعرة بأنه صفعها بقسوة مذكرها بوضع استغلته منذ سنوات وكم تشعر بتأنيب الضمير لفعله ولكنها كانت تملك هدف نبيل لولاه ربما كان ما زال ضائعاً مشرداً، أو حتى انتهى به الحال ملقى في مشفى أمراض نفسية أو الأسوأ منتحراً..!
قالت أخيراً بخفوت "لن أفعل, بل أرى أنك أحق بها منا جميعاً.. يكفيني جداً ما رأيته منها, كيف تحبك وتتعلق بك لدرجة أن تتخلى عن كل عالمها في سنها الصغير هذا من أجلك؟!"
سمعته يقول بصوت متباعد "استطاعت أن ترى قبس نور وبقعة نظيفة بداخلي تتشبث بها بكل قوتها لتمنحني حقي العادل في الدنيا.. شيء عجز كل من مر في حياتي عن رؤيته.."
وضعت إسراء ابتسامة مرتجفة على شفتيها وكلها رغبة في عدم جره لهوته المظلمة القديمة ثم همست وهي تربت على صدره بحنان أمومي "إذاً دع الماضي جانباً، واقبل مساعدتي.. الفتاة بالفعل كان لها عائلة كبيرة محبة، دعنا حبيبي نمنحها شيء مماثل تستحقه, اسمح لي بمد يد المساعدة حتى لا تفقدها.."
صمتت لبرهة وهي تلاحظ خطوط المعاناة التي تتصارع على ملامحه بوضوح جلي كموج البحر فأردفت بصوت باهت متجرعة مرارة الحسرة "لا تجعلنا نعيد الماضي يا ممدوح, ليس مع أمل بالذات.. اجعل صغيرتك تلمس كم نحبها وبأن لديها عائلة مترابطة سوية تمتن لوجودها, بأنها فرد هام بل إن صغيرتك أملنا جميعاً وكل الدنيا لكل فرد فينا"
لان شيء على ملامحه وهو يطرق برأسه يحدق فيها بعينين دامعتين باسمتين ثم همس أخيراً "هي بالفعل كذلك وأكثر..."
همست إسراء برفق "إذا اعطها لي, دعها تتعود على حياة طبيعية وتعيش طفولتها بحرية, امنحها الفرصة لتنسى تمامًا تلك الحادثة, بأن لا تتسبب لها في عقدة أو مرض نفسي ما دون أن تقصد"
ظلت عيناه ضائعتان شريدتان على وجه ابنته وبدا وكأنه ما زال يصارع جحيم نفسه قبل أن يرفعها أخيراً ثم تمدد على جانبه واضعها أمامه وقال بهدوء نسبي "ربما في يوم آخر, أنا لست مستعد بعد ولا هي, إذ أن لدينا اتفاق قبل أن آتي بها"
سألته "ما هو؟!"
ضحك بخشونة خافتة هذه المرة قبل أن يقول بفخر "أمل ليست فتاة سهلة, لا يغركِ ضآلة حجمها, إذ أنها وضعت قائمة عريضة من الشروط قبل أن توافق لتأتي معي.. أهمها بالطبع أن تنام بجانبي ليلاً وتذهب للعمل معي نهاراً"
ابتسمت إسراء بود ثم قالت مازحة وهي تنحني تداعب شعرها بين ذراعيه "حبيبتي القوية.. يبدو أنها من ستصلح بالفعل أخلاقك من جديد.."
همس شارداً "أو دعينا نقول أنها تخاف من شبح الفقد, أخبرتكِ أمل كبرت على اعتقاد موجع لطفولتها بأني أسافر بعيداً ولن أعود لها أبداً لأني لا أرغب بها.."
ظلل البؤس ملامح إسراء وهي تقول "صدمتي في لورين غير محتملة, لا أصدق أنها بتلك الوحشية!"
زفر ممدوح نفساً حارقاً قبل أن يقول بنفس مكتوم "لورين ليس لها يد في هذا... أمل استنتجت من تلقاء نفسها بناءً على ما أخبرته به لورين وما كانت تسمعه من حديث متفرق عني"
ربتت إسراء على ذراعه برفق ثم قالت بهدوء "لا يهم ما كان, الماضي حدث بكل مرارته والحاضر والمستقبل بيدك الآن لذا لا تلتفت ورائك وتظل ثابت مكانك... الحزن والغضب وتمنّي عودة ذاك الماضي لن تفيد بشيء.. فامضي قدماً وتابع طريقك حتى لا تهدر من عمرك بقيته في أحقاد لن نجني منها شيء"
لدقيقة كان ممدوح يتأملها بعجب وإعجاب شديد.. حتى قال أخيراً بصدق "أنا سعيد من أجلكِ... سعيد جداً وفخور بكِ"
وقفت من مكانها بكسل وهي تقول مازحة "أتمنى من الله أن أكون ملهمة لحد أن تتبع خطاي وتجعلني فخورة بك أيضاً قريبا"
ضم إبنته بقوة رغم رقتها ثم أغلق عينيه وهو يقول "طالما هذه العفريتة السفاحة هنا، تأكدي بأني سأصبح أفضل منكِ"
ضحكت بصفاء وهي تهز رأسها يأساً ثم خرجت كما جاءت مؤجلة كل شيء ليوم آخر ربما يكون فيه أكثر ليناً وعملية للتحدث بعقل..
****
وفور أن أغلقت الباب وتوجهت لغرفتها سحبت هاتفها وهي ترسل بإيجاز شديد "الفتاة بأفضل حال, لا تقلقي أنا هنا لمساعدته"
"أريد أن أراها.. أرجوكِ.. أن أسمع صوتها.. كلميه أنتِ.. تدخلي في الأمر ليعيدها لي"
أرسلت إسراء بإيجاز أكبر "قديماً جار عليكِ فكنت معكِ ضده وانتقمت لكِ بطريقتكِ, أكثر من هذا يعد خيانة لأخي يا لورين.. كما أني وهو أكثر الناس معرفة بوجع فراق طفل عن أحد والديه جبراً.. إن غفلت عن صحيفة جرائمكِ الطويلة مع أخي ودمي.. مؤكد لن أستطيع تجاوز أن ابنتك ترغب في البقاء معه وفضلته عنكِ"
" إنها طفلة بحق الله!"
أرسلت إسراء بصرامة "بالضبط طفلة لم تلوثها الأحقاد ولا سواد القلوب بعد, صغيرة بريئة تعرف جيداً كيف تمنح مشاعرها دون زيف.."
"إسراء أرجوكِ أنا أموت قهراً"
أغلقت إسراء جفنيها بقوة قبل أن ترسل بصرامة باردة "آسفة من أجلكِ.. تصبحين على خير لورين"
.....
لم تكد تضغط زر الإرسال إلا وشعرت بجسدها يطير من على الأرض وباب غرفتها يغلق بعنف مقصود بينما صوت مراد الهادر بأنفاسه يقول "يسلم لي الصارم المتوحش في الدفاع عن صغاره"
استقرت بين ذراعيه ورفعت وجهها بحنق وهي تقول بفظاظة "هل تتجسس على رسائلي؟!"
قال ضاحكاً بصدق "آخر رسالة فقط إذ أني رغبت أن أعلم من تلك التي أخذت كل تركيزكِ حتى لم تشعري بجسدي المتلهف ورائكِ؟!"
حركت كتفها بصلف ثم قالت "بل شعرت ولكني لم أبالي كثيراً"
ألقاها على الفراش بجفاء بينما العبث يتراقص على ملامحه كما يديه التي أخذت تفك أزرار قميصه واحد تلو الآخر وهو يقول متجنب تأوهها الضيق "علمت هذا منذ تجنبكِ لي في المطار, أنتِ لو تقصدين نفوري منكِ وبحثي في مكان آخر عن من تقدر أشواقي لن تتصرفي هكذا!"
اعتدلت تنظر له بعينين كالعقيق المتحجر.. هذا المزاح بالذات مؤذي وجارح لحد موجع ولكنها أصبحت من الثقة الآن أنه لن يتعدى مجرد مزاح مغيظ من قبله, ربما في بعض الأحيان ترفضه جملةً وتفصيلاً وتثور عليه وتعاقبه بالهجر والدلال أيام على إثره.. ولكنها أيضاً باتت تحفظ مراد عن ظهر قلب إذ أنه يفتعل ذلك التهديد من حين لآخر ليطمئن أن كل شيء بخير معها...
نطقت أخيرا بغرور "ومن منعك, تفضل الباب أمامك والعالم مليء بالنساء القذرة التي تهفوا لخطف رجل متزوج وفساد بيت أخرى, ولكني أعلم أنك أضعف من أن تبتعد عني يوم واحد, سرعان ما ستعود تتبع خطواتي كطفل بائس يرجو حنان أمه"
رمى ملابسه على الأرض في حركة مستفزة يعلم أنها تثير هوسها الشديد بالنظام والترتيب.. ثم انضم إليها يقبض علي كتفيها بعنف دافن رأسه كله في عنقها وهو يقول بسخط "كفاكِ كبر وتبجح بمعرفتكِ قدركِ لديّ.. أحياناً يصيبني بالحنق"
ارتعشت إثر لمساته الجائعة وانتفض قلبها المشتاق المفتقد له ثم قالت ببرود متصنع "تلك هي الحقيقة, لما الهرب منها إذاً، أنت لن تقدر على بعدي أو رؤية أخرى غيري, أمر واضح وصريح كلانا تعلمناه بطريقة صعبة للغاية!"
شفتاه المتلهفة كانت تغزوها بشراهة ويداه الجريئتان أخذت تستبيح حلاها مجردها من ملابسها قطعة قطعة بتروي حار غامد ناره فيه ومشعل جحيم عاطفتها ثم همس لاهثاً "صدقتِ يا مغرورة, سلم لي عقلكِ وذكاءكِ الأنثوي أخيراً!"
أرجعت رأسها للوراء سامحة له بأن ينال من مفاتنها أكثر مسلمة له بلين أنثى تعلم متى ترخي حبالها ومتى تشدها حتى تطير عنقه..
ثم همست "لا تمزح مرة أخرى بالأمر وأنت مقبل على وقت خاص معي.."
صوته كان حاراً مغيب وهو يميل بها حتى استقرت على نعومة الوسائد وهو يهمس بخشونة "اشتقت... اشتقتكِ بجنون.. أطفئي عقلكِ الآن واسمحي لي أن أصهركِ سيدتي الشرقية"
قلبها كان يرتجف وكل كيانها انقلب وهي تشد كتفيه أكثر وظهرها يتقوس برغبة ملحة لينالها ولكنها قالت بحزم زائف "آخر مرة كان هناك حديث معلق وشجار لم ينتهي و...."
شدها كلها تحته قبل أن يهدر بأنفاسه العنيفة بصوت أجش "اخرسي.."
ضحكت بصوت جلجل في مساحة غرفتهم الواسعة سالبة لبه ومشعلة جموحه المتقد في الأساس... وخرست مستقبله غيثه كزخات المطر العنيفة المثمرة..
***********
"الخطأ خطأي من البداية, كيف لم أنتبه لتواطئكِ معه, لقد ذكرتِ تفاصيل حدثت معه لم أخبركِ بها كما أنه يقع باسمكِ كثيراً في الرسائل الصوتية التي يرسلها لي؟!"
زفرت سَبنتي بفتور وهي تحاول ارتداء كنزة سوداء ثقيلة بصعوبة حتى قالت "هل يمكنكِ الكف عن التظاهر بأن لقائه أزعجكِ وساعديني في وضع ذراعي داخل الكم الطويل..."
اقتربت منها شيماء ثم دون تردد لكزتها في بطنها وهي تقول بحنق "لا أتظاهر يا حمقاء ولكن نهاية هذا اللقاء كانت كارثية فوالده ضبطنا وأصر على أن يخبر راشد.. حمداً لله أنه لم يهاتف خالد وإلا كان قتل نزار وأنا قبله"
تأوهت قبل أن تمتعض شفتا سَبنتي وهي تضع طرف الكنزة في يدها لتسرع في مساعدتها ثم قالت بحنق "وها أنتِ لم تُقتلي, هلا أخبرتني بالتفصيل البطيء عن ما أثمر عنه لقائكم؟!"
ارتباك أصابعها الحساسة مع احمرار وجهها لم يخفى عن عيني سبنتي المترصدة فسألت ببطء "إذاً المحامي الهمام فعلها.. هيا شيماء لا تيبسي رأسكِ, الرجل يحبكِ وأنتما تستحقان السعادة ..بالطبع إن تغاضينا عن أنه أحمق متهور من الطراز الرفيع"
أتمت شيماء مهمتها ثم تلكأت وهي تسألها مهاجمة "وأنتِ أين اختفيتِ بالتزامن مع خالد، عندما عدت فجراً لم أجدكِ هنا ولا في غرفتكِ وأجبرت على أن أكذب على راشد عندما أصر على أن يهاتفني ليطمئن أنكِ نائمة داخل حجرتي, لقد منعته بدور بمعجزة أن لا يتوجه لمعتزل زوجكِ العزيز؟!"
احمرت بقوة وارتبكت بحق وهي تحاول أن تبعد يد شيماء التي ارتفعت تتحسس السخونة على وجنتيها، وكأنها تحاول أن تحصل على دليل قاطع من خلال انفعالها "إذاً كنتِ معه.. هل جننتِ؟!"
تلعثمت وهي تقول "لقد كنا نتحدث والوقت سرقنا.. ثم ما المشكلة تحديداً إنه زوجي بناءً على رغبة راشد فلما يحاسبني الآن؟!"
قالت شيماء بلوم مغيظ "دعينا من راشد, تحدثتما فقط ببراءة مطلقة وطوال الليل ..حديث فقط.. فقط يا بقة؟!"
زجرتها بحنق وهي تقول "لا ينقصني الآن إلا أنتِ.. وكأن ما يفعله أخوكِ لا يكفيني؟!"
ضحكت شيماء بصخب ثم قالت بخبث "وماذا فعل شيخنا, بالطبع كان يُسمّع لكِ كتب الفقه ولم يقم بأي شيء خارج يدعوني لإخبار راشد انتقاماً منكِ حتى يحطم عظام كليكما.."
ارتبكت أكثر واحتقن وجهها المزدهر ولم تعلق ممتنة جداً لعدم رؤية شيماء لما تعانيه الآن ثم قالت بخفوت "أنتِ أصبحتِ لا تطاقي!"
زفرت شيماء قبل أن تسألها بجدية "أريد الاطمئنان عليكِ، ربما أنا سعيدة من أجلكِ ومن أجل خالد على الأقل حقق حلمه وأراح قلبيكما بعد طول فراق ..ولكن أيضاً لن أسمح لكِ بأن تقللي من نفسكِ من أجله أو تتنازلي سريعاً إذ أن فعلته ووجعه لكِ لا يغتفر!"
قالت سَبنتي بصوت باهت "اطمئني شيماء, أنا لم ولن أتنازل مرة أخرى لا من أجله ولا من أجل خاطر أي بشر..."
"إذاً ما الذي حدث، ولماذا بقيتِ معه حتى الصباح؟!
لا تنكري لقد شعرت بكِ تندسين بجانبي وأنتِ ترتجفين تقريبا ولكن لم أرد الضغط عليكِ حتى تستعدي أنفاسكِ"
ابتعدت سَبنتي عنها خطوات وهي تسحب تنورتها الكاروهات بالأسود والأحمر بموديل ضيق والتي تصل حتى أسفل ركبتيها ترتديها على عجل أمام المرآة تنظر لوجهها للمرة المائة بعجب ورهبة, تحدق داخل عينيها وكأنها تراهما للمرة الأولى كما وصفهما هو عندما كان يهمس بصوت خشن مجنون داخل أذنيها.. بنفسج قاتم وحدقتين غائمتين بمشاعر غريبة يضويان كالنجوم المشتعلة، لقد قال إن ذلك العبث والبراءة التي تسلبه تحكمه يخصانه فقط ..بأنها كانت تنظر إليه بالماضي بتلك الطريقة...
رباه، ارتعشت وهي تضم جسدها بكلا ذراعيها ترفع رأسها مرة أخرى بتردد سامحة لعقلها أن يتطرق بخجل لتلك اللحظات العاصفة... هي حتى لا تعلم ما الذي حدث، كيف استسلمت لاجتياحه لها، كيف جمدت بين يديه برقة ووداعة مرتجفة للأعماق كغصن بان... كعصفور هزيل مهاجر داخل عالم مجهول لا يعرف منه حتى أبجديات حروفه... فقط كانت تكتفي بالتحديق فيه برهبة وذهول وشيء آخر بدا كاشتياق جارح!!
فقط أمر تجهله وهو كان يمنحه لها عبر سحقها على صدره ومن خلال تلك الشفتين الرجوليتين القاسيتين رغم رقة العالم التي سكنتهما وهو يلثم شفتيها تارة بخشونة وتارة أخرى بنعومة قاتلة لقد كان وكأنه يستكشفها... يشبع خيالات أرهقته في توقع مذاقها وعندما رحمها واستجاب لمقاومتها الضائعة، وحرر فمها ما كان إلا أن يغرس وجهه كله بين جيدها ونحرها ثم لثمه بخفة زادت نيرانه هو لا هي... وهمس داخل أذنها بكلمات حارة جميلة وحلوة حلوة حتى النخاع في لذتها...
رفعت أناملها بخجل أشد تلامس فمها المنتفخ بجمال تعلم أسبابه واجتاحتها نفس تلك الرعشة العنيفة وكأن أمواج من البرد القارص عبرت خلالها مثلما حدث بالضبط وهي بين يديه..
"يا غبية لقد كنتِ كالتمثال لم تبدي أي اعتراض واحد على ما فعله بكِ مرة أخرى يا سَبنتي الحمقاء.. مرة أخرى تسمحين لخالد باستغلالكِ لتحقيق أحلامه وتزيدين من غروره.. لا.. لا أنتِ لم تكوني كالتمثال حتى, لقد كنتِ مذهولة مما يحدث وكأنه أصابكِ خرس وإطفاء وعيكِ, لقد استغل اضطرابكِ ليس إلا!! تكذب.. هي تكذب.. هي كانت مصدومة من أن يحدث هذا بينها وبين خالد بالذات.. كيف لها أن تتخيل ذلك الجانب من علاقتهم الفطرية... إنه خالد؟!!!!!!!"

أخفضت وجهها مجدداً بعيداً متذكرة بعجب كيف أنزل ساقيها الضعيفتين عنه ثم وازنها ومنحها دقيقة كي تستعيد وعيها.. وهي ما زالت ترفع له وجه مذهول صارخ بعشق ملعون لا يريد تحرير صدرها أبداً.. ثم في لحظة وجدته يريح وجهه و أنفاسه الهادرة على كتفها بينما يديه تتقبض بجانب رأسها على الباب بعنف وكأنه يقاوم ألف رجل ويحاربهم لإخمادهم ثم همس بشراسة أجفلتها "افتحي الباب وغادري حالاً.. اركضي نحو البيت وإياكِ أن تلتفتي نحوي.. إن وجدتني أطاردكِ أو آمركِ بالتوقف اصرخي حتى توقظي أمي"
وبمنتهى الغباء سألته "لماذا؟!"
تورد وجهها بحرج لاعنة غباءها مليون مرة.. كيف لم تعرف لماذا.. هي ليست بريئة لهذا الحد على الأقل مجال دراستها الآن يجعلها تفهم تأثر الرجل جسدياً خاصة أنهم كانا في وضع متوفر من كل الجوانب.. ولكنها لم تُكذب خبر فور إن ابتعد عنها ينظر لها بتوتر واستكشاف من خلال عينيه الضارمتين بنار مخيفة إن تأخرت لحظة واحدة كانت التهمتها حية، وجدت نفسها تشهق جزعًا وفي لحظة كانت تفتح الباب وتترك لنفسها العنان هاربة منه ولم تتوقف إلا وهي تحتل جانبها من فراش شيماء..
همست لنفسها بإصرار "من الجيد أن الأمر انتهى عند هذا الحد, يجب عليّ أن أتصرف سريعا قبل أن أخسر المزيد معه"
"هاااي أين ذهبتِ؟! هل سؤالي صعب لهذه الدرجة؟!"
ارتجفت شفتا سَبنتي وهي تخلع ذلك المشهد بعيد عن عقلها بصعوبة ثم همست "لا ولكنكِ... أعني... أعتقد أنه يجب أن أسرع في الحصول على الطلاق وترك هنا... لقد عرفت بالأمس أن لا حل أمامي غير التحرر من خالد إذ يستحيل عليّ العيش معه"
شهقت شيماء بارتياع ثم هاجمتها وهي تقول "أي هراء هذا؟! هل جننتِ لتوكِ.. كنتِ تخبرينني أن أسامح نزار وأمنحه ونفسي فرصة للسعادة!"
قالت سَبنتي بحدة "الأمر لا يقارن يا شيماء, نزار يحبكِ بحق كما أنكِ تليقين به، لا رجل سيذلكِ ويذبحكِ على مقصلة غله عند أول اختلاف بينكما"
قالت شيماء بفظاظة "لقد عايرني من قبل بعمى عينيّ.. أعمى القلب والمنطق !"
قالت سَبنتي بصوت ميت "أنتِ لستِ ابنة حرام يتزوج منها فارس الراوي وهو يعرف حقيقتها, أنتِ لم تذلي من والده وهو يخبركِ كم أنتِ شيطانة ناكرة للجميل حطمتِ كلا ولديه... لم يُسمعكِ بأذنيكِ ويريكِ بعينيكِ... كم أنتِ مجرد قمامة لا ترقى لابنه والذي فور أن ابتعدتِ عنه نسيكِ"
اقتربت منها شيماء كالطلقة تخبط فيها حتى أمسكت ذراعها تضغط عليه بقوة وهي تقول "وندم لقد سمعته بأذني يوصيه أن يجدكِ ويعيدكِ إليه حتى وإن لم يفعل ليس من العدل أن يدفع ثمن وحشية أبي... هذا ظلم يا سَبنتي خالد يحبكِ وليس اليوم ولا منذ أربع سنوات بل حبكِ ينمو في قلبه حتى دون أن يدرك, منذ زمن طويل عمركِ كله تقريبًا"
انفجرت في ضحكة طويلة وعجيبة أصابت قلب شيماء بالقهر من أجلهما حتى قطعتها أخيراً وهي تقول بصوت خالي من الروح "الأمر ليس والدكِ فقط, خالد من البداية يقاوم مشاعره نحوي وأنا وقتها كنت من الجهل وانعدام الكرامة لأفهم أخيكِ منذ أن أصبحت وهو ندور حول بعضنا في حلقة مفرغة من تغير مشاعرنا إتجاه أحدنا الآخر وهو يرفضني جملة وتفصيلاً, يتبجح بمواصفات امرأته المثالية والتي كلها على النقيض مني تمامًا ..لكم قهرني وأنا مجرد طفلة حمقاء.. لكم من المرات تعامل معي بعنف ووضاعة، كم مرة فضّل جانب لانا عني، أخبرني أمامها بكل وحشية أني طفلة غبية، وبأنها امرأة بحق تليق بأن يفضل جانبها... وووو... الكثير... شوشو تعلمينه جيداً ولا تفضلين الآن أن أُذكركِ به وأخيراً خالد لو آخر رجل بالعالم لن أسلمه نفسي وقلبي, هذا حكم بالعذاب الأبدي عليّ وأنا لا أستحق كل هذا الألم"
صمتت للحظة وهي تقاوم غصة في حلقها ثم قالت باختناق "ربما هناك جزء صغير مني ما زال يتعلق به.. ولكني ما عاد بي قدرة على محاربة أشباحي لقد نلت الكثير من الأذى منذ أن عرفت... عرفت..."
صمتت مرة أخرى غير قادرة على النطق فوجدت ذراعي صديقتها يضمانها بقوة متضامنة وهي تهمس "أعرف حبيبتي، ولكن البكاء على الماضي لن يغيره، هو يحبكِ وأنتِ تعلمين هذا جيداً, لا تحكمي على نفسكِ بالموت .. وحدي أعرف كم تعذبت في بعدكِ عنه"
يداها ارتاحت على ظهر شيماء كما وجهها دفن داخل كتفها ثم قالت بألم "رغماً عني إن حاولت ترميم خطأه هو وتعايشت مع تخبطه في تلك المرحلة كما يدعي، كيف لي تجنب هسيس والدكِ في أذني.. لقد قال الحقيقة التي يرفض الجميع التفوه بها.. خالد يوما ما سيشعر بأني غير كافية وبأن حقيقة ولادتي ستظل وصمة مرعبة إن كشفت ستضر بفارس الراوي أمام المجتمع واصمة إياه بإثمي قريباً كان أو بعيد خالد سيعود ليكتشف بأني غير كافية"
"سَبنتي أرجوكِ ذلك وسواس رجيم غير حقيقي, حبيبتي تمسكي بالأمل وتوقفي عن شعور الدنيوية والسلبية"
همست سَبنتي "لقد كنت بخير حتى أتيت هنا.. أكملت حياتي دونه وحذفته من دفاتري لو لم أعد, لو كان تركني راشد لحال سبيلي..."
"هذا عذاب يا سَبنتي أن تحكمي على كليكما بالألم"
قالت ببهوت "عذاب لن يناله غيري صدقيني فور أن أبتعد سيعود خالد يبحث عن مثاليته، ويشرع في تأسيس حياة تتوق إليها روحه دون تهديده بأشباحي هذه المرة أنا بالنسبة إليه فقط خطة لم تكتمل أو منطقة خادعة بألوانه تاقت روحه للسكن فيها.. وسرعان ما سيعرف بأنها مجرد صحراء خاوية خربة، ما عاد فيها أمر يغويه فسيشد رحاله ويغادر عنها ليحل في أرض يبتغيها"
قالت شيماء بغضب "أنتِ مجنونة, هذا أغبى وأبشع تشبيه تفوهتِ به على الإطلاق"
أسفرت شفتاها عن ابتسامة حزينة مقتضبة ثم قالت وهي تتركها "ربما ولكنه لن يغير خططي, سأقنع راشد بأني ما عدت أريد خالد لأي سبب ثم سأحصل على فسخ لهذا العقد وأغادر من هنا بعيدا بغير عودة"
*********

"أريد هذا... أممم وهذا أيضاً"
سحب ممدوح باستسلام كل ما أشارت إليه ووضعه أمامها في عربة التسوق...
ولكنها سرعان ما كانت تقف تدس إصبعها المستفز داخل فمها وهي تشير نحو عبوات من النوتيلا بصمت متحدي... هز رأسه بيأس وهو يمد يده آخذاً لها كمية كبيرة وقال "ولكن عمتكِ قالت بأن لديها منه وعرضت عليكِ بعضه عندما تناولنا الفطور"
أخرجت إصبعها وهي تشير نحوه بتحذير منعش "هذا لي وحدي.. أما الذي في المنزل سيشاركني به ذلك الفتى غير المهذب سيف"
امتعض ممدوح وهو يقول "سيف غير المهذب.. على أساس أنه من قام بعضكِ؟!"
قالت بفظاظة طفولية "هو من طلب... وسارع في البكاء لوالده... طفل مزعج!"
رفع ممدوح حاجبيه حتى لامس جبهته ثم قال بذهول "هو طفل؟! وأنتِ ماذا إن شاء الله؟!"
حركت ذراعيها بخيلاء ثم قالت "مولي الجميلة الحلوة.. هو قبيح"
توسعت عيناه بينما يتذكر سريعاً ملامح سيف الدين بوسامة هادئة ثم قال "دعينا من غروركِ فهو متوارث من الجانبين والدتكِ وعمتكِ, وأخبريني الآن كيف الفتى المسكين طلب منكِ أن تعضيه؟!"
جلست مرة أخرى في العربة ثم وضعت كنوزها الثمينة على ساقيها وهي تقول ببساطة مذهلة وكأنها تخبره عن حالة الطقس "لقد سألته عندما مدّ يده أمامي وأخذ بعض من فطائري هل يريد ساعة فأجاب بنعم فطبقت على يده بأسناني ومنحتها له..."
فغر ممدوح فاهه وهو ينظر لها بتوجس, حسناً ابنته ليست سفاحة فقط ولكنِ عضاضة أيضاً.. فليعينه الله على تلك البلطجية...
"دوحا..."
أخفض ممدوح جسده نحوها وهو يقول بحنق "دوحا.. هل تظنين أني رفيقكِ وألعب معكِ.. ناديني بابا!"
نظرت إليه ببرود ثم أشارت بلامبالاة نحو مزيد من أنواع الشكولاتة وهي تقول "أريد من هذا أيضاً, لورين تأتي لي بالكثير منها عندما ترحل (مشغولة)"
اهتزت ابتسامته قليلاً وابتلع غصة واضحة هائلة في حلقه قبل أن يعتدل دون كلمة إضافية ويسحب لها من الرف ما ترغبه ولكنه توقف متنحي جانباً وهو يلاحظ فتاة ما سدت طريقه مدعية تصادم عفوي وهي تنظر إليه بإعجاب وانبهار لا يستطيع أحد إغفاله.. ثم همست برقة "أعتذر منك.. لم أنتبه"
حرك ذراعيه بلا اهتمام بينما بداخله لم يتخلى عن سخريته من جنس حواء كله.. ثم قال بلغتة العربية الركيكة "لا عليكِ, مؤكد كنتِ مشغولة البال"
وقفت الفتاة تسند ظهرها إلى الرفوف ثم قالت بنبرة منبهرة ناضحة وفاضحة "هل أنت أجنبي, اعتقدت هذا ملامحك غربية, ما رأيك في بلدنا؟ هل أعجبتك؟ هل تريد أي مساعدة؟ أنا لديّ بعض المعارف..."
قاطعها ممدوح ببرود "أنا من هنا وشكراً للعرض..."
قالت مصرة "ولكن لكنتك تقول غير هذا, هيا.. لا تخجل نحن نحب المساعدة..."
هذه المرة لم يكن هو من أوقفها بل صغيرته التي وقفت تستطيل مستندة على عربة التسوق ثم شدت شعر الفتاة وهي تقول بغضب "ابتعدي عن بابا.. هو لمولي فقط.. هل تريدين أن أفتح رأسكِ بالنوتيلا؟!"
هتفت الفتاة بحنق وهي تحاول أن تحرر شعرها عبثا "ابتعدي يا مجنونة.."
أمسك ممدوح ذراعي أمل محاولاً بكل قوته محاربة غضب الصغيرة التي أخذت تصرخ "تقولين لي مجنونة.. أتركني أمنحها ساعة وأفتح رأسها المزعجة.. لا أحد يقول لي مجنونة..."
سيطر ممدوح على ابنته قبل أن يدفع العربة أمامه سريعا غير قادر على السيطرة على ضحكاته المنطلقة وهو يقول من بين أنفاسه "تربية الشعلة وجيناتي ظلمتكِ يا ابنتي.. أنتِ مجنونة فعلاً يا أمل"
أزاحت يده ثم جلست تكتف ذراعيها على صدرها وتطرق برأسها لأسفل بينما وجهها عابس وفمها مزموم بحنق...
لم يحاول مراضاتها على الفور بل توجه للمحاسب يدفع ثمن ما اشتراه ثم أخيراً بعد وقت من الصمت رفعها لأعلى يداعب بطنها بوجهه وهو يقول "أمل ست البنات.. مولي أعقل فتاة عرفتها.. بابا يحب أمل كثيرا كثيرا.. لا تغضبي"
قالت باستبداد "لو ابتعت لي فستان جديد ولعبة قد أمنحك قبلة!"
أو تسامحه هو يعلم أنها تستبدل مشاعرها ببعض الشروط أو المساومات وهذا كما فهم بصعوبة لعجزها أحيانا كثيرة رغم ذكائها وشقاوتها في التعبير عن نفسها...
حمل ممدوح أكياس المشتريات في يده ثم حملها هي على ظهره لتلتف يديها حول نحره بينما يده الأخرى توازن جسدها من للوراء ثم مشى بها نحو محلات الأطفال والتي عرف وصفها من إسراء التي سبق ومنحته عنوان هذا المجمع التجاري الضخم ثم قال "تأمرين تطاعي ولكن لا تأخدي على هذا, فور أن نعود لأميركا هناك قوانين جديدة وصارمة سوف تؤخذ"
وضعت رأسها على كتفه ثم سألت ببراءة "ما هي أميركا تلك, ألن نعود لزيارة بابا أيوب؟!"
قناع من الجمود كسا وجهه ثم قال باقتضاب "لقد وعدته ومرح أن لا نحرمهم منكِ, ولكن صغيرتي يصعب عليّ الجلوس هنا.. فور إنهاء أوراق تسجيلكِ وإثبات مصريتكِ سنغادر.. ليس لنا أحد ولا مكان في بلد نزعوا جذوري منه تجبراً"
ضيقت أمل ما بين عينيها بجهل ثم قالت "لا أفهم بابا.."
أطلق ممدوح نفس طويل ثم قال شارداً "يوماً ما ستصبحين كبيرة كفاية لتفهمي ولتدركي بأني كنت أتمنى أن نحصل أنا وأنتِ على أي أمل وبيت كالوتد يزرعنا في أرض تشبهنا..."
لم تفهمه أيضاً ولكنها لم تجادل إذ أنها اعتادت منه على الحديث بكلام كبار لا تستوعبه ولكنه أبوها الذي تحبه كما هو يحبها وهذا في حد ذاته كافي جدا..
"بابا..."
عدل ممدوح وضعها من جديد على ظهره ثم قال "عينا بابا..."
ردت بخجل "لا أريد فستان ولا لعبة"
"لماذا؟!"
همست بحزن عميق "أريد ماما مرح، أنا اشتقت لها.. مرح لا تترك أمل بعيداً أبداً.."
توقف ممدوح مكانه بينما كل ملامحه تلبسها الجمود والخوف.. أيعقل حدوث هذا سريعاً؟!
وضع الأشياء على مقعد خشبي يتوسط الممرات الواسعة كسبل استراحة للمتسوقين ثم عدلها لتواجهه وجلس آخذها على ركبته وقال في محاولة مضنية لتلبس الهدوء "لن نستطيع العودة الآن.. وهي بعيدة جدا.. أتريدين تركي والذهاب عندها, أمل أخبرتكِ أني لن أغضب"
هزت رأسها نفياً بقوة ثم قالت بصوتها الرفيع الصادق "لا, أريد البقاء مع بابا ولكن أيضاً اشتقت لمرح ..أعرف بأنها تبكي الآن على غياب أمل..."
مسح على رأسها للحظات شارداً قبل أن يهمس بخفوت "يمكننا أن نحدثها على الهاتف كما الأمس، قبل أن تنامي ما رأيكِ؟"
تهللت أساريرها وهي تصفق بحرارة ثم منحته ابتسامة عريضة وقبلة حارة وهو يفتح هاتفه ويطلب رقم مرح..
"مرحباً يا شعلة, هل تجلسين على زر الرد؟!"
"منك لله يا ابن مولي يا مفرق الجماعات يا كئيب الوجه وبائس الطلة.. أعطني أمل"
رفع ممدوح حاجبيه حتى لامسا مقدمة رأسه ثم قال بامتعاض "ولما أنا مصدوم.. فأمل خير دليل على لسانكِ المهذب والجميل والعاقل والراقي.."
شتمته مرح دون تردد بلفظ إنجليزي خارج.. ولكنه لم يبالي وهو يقول "احفظي لسانكِ وتهذبي, أمل تشتاق لأسوأ نموذج أمومي على سطح الكوكب"
عبست وهي تقول "هل طلبت لورين؟!"
سخر قاصفها "بالطبع لا, بل أنتِ.. لورين مقارنة بلسانكِ ملاك بأجنحة"
"اسمعوا من يتحدث, والله وأصبح لك رأي تبديه وتمزح أيضاً... يا صندوق الكآبة المتحرك"
سأل ساخراً "حقاً يا مرح هل صادف في أحد المرات أن تعاملتِ مع أحدهم كفتاة مطيعة حليمة من باب التغيير؟!"
امتعضت قبل أن تقول بلا مبالاة "على الإطلاق.. بل أحب فتح رأس من يتجرأ ويتحدث معي.. كما أرغب في فعلها معك من يوم أن رأيتك"
تمتم بحسرة "الآن فقط عرفت لماذا تحل ابنتي كل مواقفها بالعنف"
قصفته دون حرج "ربما الأمر وراثة, فأبوها خير مثال على وضاعة التصرف..."
قال باقتضاب "أمل معكِ.. اخرسي قليلاً"
منح ابنته الهاتف والتي أخذت تهلل وتقبله بقوة رداً على ما يبدو لما تفعله مرح "اشتقت لكِ ماما ..تعاليّ أنتِ.. أحبكَِ مرح.."
أخذ ممدوح ينظر إليها بقتامة بينما يشعر بألف سكين تجرحه للأعماق... أمل لم تطلب مهاتفة لورين ولا مرة واحدة بل لم تذكرها من الأساس, كل من أعلنت عن إفتقادهم وحدّوثها بالأمس أيضا هم جدها وخالتيها...
يا للحسرة.. لا يصدق أبداً ولا يستوعب أنها تمتلك كل هذا الجحود مع الصغيرة.. همس بلوعة حزينة "آسف صغيرتي, يبدو بأنه مكتوب عليكِ أن تعيشي قدر أبيكِ ولكني لن أسمح يا صغيرة أن تتكرر المعاناة حتى وإن عشت الباقي من عمري أمنحكِ كل دور تحتاجينه.."


‫يتبع الان
:7r_001

ru'a and كريم الشيخ like this.

Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-20, 11:20 PM   #3730

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الفصل الثامن و الثلاثون




ضحكاتها السعيدة لم تغفل على أحد بينما تجلس بأريحية مربعة الساقين على الأريكة وإياب يستقر في المنتصف يمسك في يده جهازه الإلكتروني كانت ابتاعته له اليوم خصيصاً بعد أن أخبرها من بين هذره بمنع راشد لأي أجهزة إلكترونية متبع خطوات تربية صارمة... بينما حاوطها من الجانبين إياس وليبرتا والذين شاركا في تعليم إياب سريعاً كيف يتعامل معه إذ أنها أيضاً كانت تحدت إيهاب في عيد ميلادهم الخامس وابتاعت لهما نفس الجهاز اللوحي المخصص للأطفال...
"أنتِ أسوأ مثال أمومي" قالت مريم مازحة وهي ترتاح بحرص شديد على مقعد أمامها ثم تطوي ساقيها ملتهمة بنهم طبق حلوى شرقية كانت قد طلبته منها متآمرة صباحاً بعيدا عن زوجها... عبست قليلاً متشككة في أمرها ولكنها قالت بإمتعاض "هذا نفس ما أخبرني به راشد وزوجكِ قبله... بالله عليكم هذا الجنون بعينه ساعة واحدة من اللعب لن تضر بدل من النظر للأطفال في المدرسة والنادي نظرة الجراء المحرومة"
هزت مريم كتفيها بلا اهتمام ثم قالت "من جهتي أنا ليس لدي أي مانع, كما أني بصراحة أكره طرق التربية الحديثة ..الطفل الذكي لا يحتاج لحرمانه من شيء يرغبه بحجة أن تلك الألعاب خطرة وتزيد معدل البلاهة"
قالت بدور مازحة "وأنتِ أكبر مثال على هذا.. إذ أنكِ لم تستخدمي أي أجهزة إلكترونية في صغركِ وكما أخبرتني كان إيهاب يحاول أن يزيد معدل ذكائكِ بالكتب وغيرها.. وانظري للنتيجة ها أنتِ منذ سبع أعوام لم تستطيعي التخرج من الجامعة!"
غصت مريم بقطعة حلوى من بلح الشام غير غافلة عن ضحكات السيدة منى وأختيها ثم قالت بحنق "الأمر مختلف, أنا أعاني نتيجة الاهتمام بزوج وتوأمين يكادان يفقداني عقلي, الأمر ليس سهلاً"
"ها وكأنني أصدقكِ"
قالت بغضب "تركت الذكاء لسيدة الأعمال الناجحة,
هلا تكرمتِ وتركتني لأستمتع بطعامي؟!"
امتعضت شذى وهي تعلق بفتور واضعة ساق فوق أخرى فاردة ظهرها بشكل مثير للإعجاب "أنتِ تأكلين وكأنها آخر وجبة لكِ ..وزنك سيزداد إن استمررت على هذه الحالة!"
نظرت لها مريم بارتباك للحظة سببه البحت أنه رغم اجتماعهم سوياً على مر أعوام ورغم تحسن العلاقة بينهم هناك حاجز رقيق يمنعها من أخذ راحتها في المزاح والحديث بانطلاق معها هي ونوة بالذات..
"أشتهيها ولا أستطيع التوقف عن التفكير بها منذ وقت قصير"
قالت شذى بنبرة عادية رغم تكلفها الفطري "تحكمي في نفسكِ إذاً.. لا يليق بسيدة مجتمع أن تأكل بهذه الطريقة والشراهة ثم إن.."
قاطعتها نوة بمرح "بكيزة هانم تركنا الرسالة لكِ... دعي الفتاة فهي مرتاحة لطريقة حياتها كما أننا جميعًا نترك لكِ دور سيدة المجتمعات.. نحن مجرد أمهات بائسات نبحث عن أي وقت وأي شيء يشعرنا بالحرية وتذوق ملاذ الحياة.."
قالت شذى بفتور "هي لا تمانع لذا اخرسي أنتِ.."
تدخلت منى وهي تقول بهدوء "لماذا لا نغلق هذا الحوار الأخوي اللطيف وكل منكما تصمت.. أحتاج لهدنة اليوم من المشاحنات بينكم"
قالت بدور دون اهتمام وهي تبدي تركيز شديد مع الأطفال "لماذا لا نطردهما ونرتاح أمي, لقد مللت من وجودهن بكل صراحة"
قالت نوة ببرود "نعتذر منكِ يا جناب الملكة الموقرة ولكن بما أن زوجينا العزيزين ضاقا ذرعاً بجلوسنا هنا وإرسالهم لأولادنا بالفعل فنحن لن نترك البيت قريباً"
"يا للمصيبة, كيف سأتحمل وجودكن مع أطفالكن المعاتيه؟!" قالتها بدور ببرود
مما دفع شذى لأن تقول عابسة "غنوة ورويد عاقلين جداً ومهذبين"
علقت مريم ضاحكة "أكثر من اللازم في الحقيقة, لقد دعاني ابنكِ بالسيدة خالتي"
قالت بدور بتهكم "يظل أفضل من أن يدعوكِ ببدور هانم.. ابن أختي ذو أحدى عشر عام يدعوني هانم.. هل تصدقين؟!"
قالت شذى بفتور "هذا إتيكيت يا جاهلة.. أنا أعلم أولادي الأصول"
همست نوة بتآمر "هل رأيتن ابنتها لقد أصرت على أن تدخل إلى المائدة من الجانب الأيمن ورفضت أن تتناول الشوربة دون المعلقة المخصصة لها كما أنها نظرت لي وكأنها ستقتلني عندما استبدلت أدوات المائدة بيدي وأخبرتني بأن هذا لا يليق بسيدة في مكانتي!"
قالت منى وهي ترفع فنجان قهوتها قاصفة جبهتها "تظل أفضل حال من ابنتيكِ, لقد صعقت بالأمس من الغرفة التي تحولت لإسطبل خيول!"
احمرت نوة وهي تقول بحنق "أنا أدعهن يعشن حياتهن بحرية دون قيد، سيكبرن ويعرفن من تلقاء أنفسهن سبل الترتيب والتنظيم"
قالت منى بهدوء "بالضبط, إذاً كفوا عن التعليقات السخيفة.. لا أحد يشبه الآخر كل منكم لديه أساليبه التي يراها مناسبة في تربية أولاده..
وأنتِ تمهلي ستنفجرين أو يعلو سكر دمكِ!!" قالت مخاطبة مريم بحزم ولكنها لم تبالي أو تنزعج بل ظلت تلتهم من طبقها بنهم يخالطه خوف من قادم تعرف جيداً أن إيهاب لن يرحمها فيه...
علا شجار ليبرتا قاطعة هذرهن وهي تقف متخصرة باحتجاج "أنت مزعج أحمق، كفّ عن دفع يدي.. ماما بدور هذبيه أو سأضربه"
رمقها إياب بنظرة باردة قبل أن يضم الجهاز نحو إياس وكأنه يخبئه معه وهو يقول "وأنتِ فتاة مزعجة, لا أحب اللعب معكِ"
حدثته بدور سريعاً وهي تلاحظ الدموع التي تهدد بالسقوط من عينيّ الصغيرة "توقف إياب, أخبرتكِ بأن ما يزعج إياس ولوليتا يحزنني.."
هز كتفيه قبل أن يقول "إذاً أخبريها أن تبتعد عني"
وقف إياس متجهم في نية واضحة لمغادرته والانضمام لأخته... ولكن بدور تحكمت فيه وهي تضمه مرة أخرى وتعيد لوليتا بجانبها ثم همست في أذنه "على ماذا اتفقنا.. إنه طفل صغير لم يعتد بعد على العائلة, جاره قليلاً من أجلي وأنا سأطيب خاطر لوليتا"
"ولكن ماما هو لا يكف عن إزعاجها وأنا لا أحب هذا ..أنا فقط من أزعج أختي"
كتمت بدور ضحكتها المنعشة قبل أن تقول بصوت واضح "إياب سيعتذر الآن منها والدور القادم سيشاركها معه"
نظر إليها طفلها العنيد ثم قال "لا, فهي مزعجة دائماً تأخذ الألعاب لنفسها و... أممم... لا أحبها"
"أعتقد أنه يقصد بأنها طفلة مدللة أكثر من اللازم، تستخدم حسنها لتطوع كل ما تريده لنفسها.. وهذا مزعج.. إياب لديه حق بدور هانم، تلك الفتاة مزعجة ومغيظة"
فغرت النساء أفواههن ببلاهة بينما استدرن ببطء ينظرن للفتى الذي لم يتخطى عمره الحادي عشر بعد يضع يديه في جيبي بنطاله الرمادي بتكبر وثقة ويتأمل الفتاة بعينين غاضبتين غير مفهوم سرهما..
"عفواً ومن أنت لتبدي ملحوظاتك الفظيعة تلك عن ابنتي.. بل ما دخلك بالأمر بالأساس؟!" قالت مريم مدافعة بغضب..
فالتفت إليها البارد وهو يقول "أعتذر منكِ سيدة خالتي, ولكني ألاحظ هذا كل مرة أراها فيها، ابنتكِ تحتاج لتدخل صارم يمنعها من استخدام دلالها الزائد لتحصل علي كل شيء تريده"
"أنا لا أحب هذا الولد" قالت ليبرتا بحنق شديد ..ثم اندست في صدر بدور بنوع من الرهبة..
تنحنحت شذى بحرج قبل أن تقول بصرامة "رويد لقد تخطيت حدودك.. اعتذر من خالتك حالاً وليبرتا أيضاً"
قال بهدوء صادم في ثباته "أعتذر إن كنت قد أزعجتكِ سيدة خالتي"
صمت قبل أن يتابع بعينين مشتعلتين وهو ينظر لعينيّ ليبرتا التي ترمقه بحاجبين معقودين من تحت ذراع بدور "ولكن تلك المدللة ليس لديّ ما أخبرها به"
"رائع وكأن هذا التاريخ الذي يعيد نفسه لن يتوقف عبر الأجيال.." همست نوة بحنق بينما تراقصت ابتسامة مريبة على شفتي منى...
"كفّي عن الالتصاق بالفتى" همس الآن رويد ببعض الغضب نحو ليبرتا
مما دفع شذى لأن تهتف بحزم "اذهب إلى غرفتك.. أنت معاقب"
أوقفها دخول خالد الهادئ الرزين وهو يحيط كتفي رويد بذراعه ثم قال ضاحكاً "مرحباً يا بطل.. ما زلت تطارد "‏اليونيكورن" الصغير خاصتي؟! ماذا أخبرتك آخر مرة, ألم نتفق على أنها أصغر من أن تضع عقلك بعقلها؟!"
احتقن وجه رويد بالخجل ولكنه قال "أنا فقط أريدها أن تنتبه لتصرفاتها وأن لا تفرض نفسها على أحد"
قالت مريم بفتور "الأمر لا يخصك يا ابن شذى، قرابتنا الرهيبة والبعيدة جداً بالمناسبة لا تتيح لك تلك الميزة"
وجم الجميع من تعليقها ولكن لم يعلق أحد..
تعثر رويد أخيراً وهو يعتذر منها مردداً "أنا أخاف عليها كغنوة وأرغب في نصحها "
قال خالد بخفوت "إن وصلت لهذا الحد فيجب عليّ أن أحذرك من الوقوع في فخ محكم ليس منه خلاص يا بطل"
عبس رويد وهو ينظر إليه بعدم فهم...
بينما ارتفع حاجب واحد على وجه كل واحدة من أخواته اللاتي وضعن أصابعهن على طرف أذقانهن ينظرن إليه بتهكم..
تنحنح بحرج قبل أن يقول بصرامة عله يشتت انتباههن "وعقاب لك لتتذكر عدم الاقتراب منها ستخرج لتغسل سيارتي بنفسك ودون مساعدة"
قال بعدم رضى "لم أفعل شيء لأعاقب، هي من تتدلل لحد مستفز"
كرر خالد غير آبه لاعتراض شذى "الآن يا رويد"
غادر دون كلمة إضافية وشذى تهتف "ابني أنا يمسح سيارات، هل تمزح؟!!"
دخل خالد الغرفة أخيراً وهو يقول "يمكنكِ مشاركته العقاب إذا كنتِ معترضة، ولكن كلاكما يعلم أني لن أغير رأيي..."
شمتت ليبرتا وهي تندفع نحوه "أنا أحبك خالي، هذا الولد يستحق"
رفعها على كتفه بينما وضع حقيبته جانباً وقال مداعباً "علينا أن نكفّر عن أخطائنا عبرك يا برينسيس قوس قزح"
تمايعت وهي تطبع قبلة على خده "أحب أن تناديني بالأميرة"
ابتسم بهدوء وهو يضعها أرضاً دون أن يعلق ثم توجه نحو مريم وطبع دون تردد قبلة على رأسها توترت لها قليلاً ولكنها لم تمانع أو تبعده كما الماضي, إذ منذ وفاة والدهما وانهيارها بين ذراعيه أصبحت علاقتها معه أخوية وطبيعية أخيرا..
"كيف حالكِ يا مريم؟!"
قالت "بخير حال.. وأنتَ وعروسك المجنونة، هل رضيت عنك أم ما زالت تمنحك نيشان لا يمحى؟!"
مسد خالد جبهته وهو يقول بيأس "أنتن لن تكفن عن استغلال الأمر؟!"
قالت "ولما لا.. إنه ممتع؟!"
ردت نوة سريعاً "أتعلمن أعتقد أن تلك العلامة من الفتاة ضئيلة الحجم زادته وسامة"
علقت شذى بتفكر "اتركن الوسامة جانباً, إذ أن تلك العلامة توضح أن أخانا مخيف المظهر ما هو إلا وحش مسكين مسالم يسهل ترويضه، وتهزمه مجرد بقة كان يخيفها في الماضي"
ردت بدور "شخصياً أرى أن خالد قبل العلامة يختلف كلياً عن خالد بعد العلامة"
احتقن وجه خالد وهو ينظر إليهن بغضب متمني أن ينقض عليهن ويصم أفواههن.. حرك عيناه نحو والدته التي غطت فمها بكفها بأناقة ضاحكة..
"يعجبكِ تنمر بناتكِ عليّ.. صحيح؟!"
رقصت منى حاجبيها وهي تقول "جداً، وأدعو لصغيرتي الحبيبة أن تزداد قوة عليكَ"
قال بتجهم "هن بناتكِ وهي صغيرتكِ ..وأنا ما هو موقعي تحديداً؟!"
قالت نوة بمرح "ديك البرابر.. يا قلب نوة"
قال خالد بصرامة "لولا مكانتكِ كأختٍ كبرى لكنت هذبت لسانكِ يا نوة"
قبل أن تجيب نوة كانت بدور تهتف "سيطر على زوجتك أولاً بدل أن تسببت في تشويهك, وبعدها يحق لك أن تهذبنا كما تشاء"
قالت نوة بامتنان "حبيبتي القاصفة أنتِ يا طاووسي الفاخر"
قالت بدور ببرود "لولا رغبتي في تذكيره بنشيانه شامتة, لكنت بنفسي ساعدته لتخييط فمكِ تماما تماماً.."
نشب شجار بسيط بينهن وبينه بينما تراقبه مريم بانبهار ...أما منى كانت ترتسم ابتسامة حنين وحنان متذكرة طفولتهن المشاغبة..
"مساء الخير"
دخلت شيماء الغرفة بصحبة سَبنتي قاطعة عبثهم، والتي فور أن رأته يستدير ناحيتها وتقع عيناه عليها احمرت بخجل فطري إثر تلك النيران التي اشتعلت وهو يرمقها كلها بنظرة وكأنه يتذكر ما كان بينهما منذ ساعات ولكنه سريعاً سيطر على نفسه بمهارة بينما نوة تعلق بخبث متناسية هذرهم وكأنه لم يكن "في وقتكِ بالضبط يا بقة، هل هذا ما يطلق عليه قلوب متصلة ببعضها أم هو اتفاق بينكما؟!"
قالت منى بهدوء "توقفي عن إحراج الفتاة يا نوة"
قالت ببراءة "ماذا فعلت الآن.. إنه سؤال عفوي"
تقدمت سَبنتي متجنبة الاصطدام به بأعجوبة وادّعت أنها لم تسمع نوة من الأساس وهي تجلس بجانب بدور تدّعي الانشغال مع الأطفال المنهمكين في الجهاز وكأن زوبعة رويد لم تحدث من الأصل أو تؤثر على اندماج الصغار أو لوليتا...
بينما سمعت صوت خالد الهادئ جداً والمتزن يقول بمغزى "كم يحزنني أن أقطع عليكن تسليتكن المرحة، ولكن رجاءً لا أحد منكن يحاول إحراج زوجتي بأمر لا تقر به أو تتقبله بعد"
قالت شذى بتفكه "أول زوجتي.. من تراهن منكن على أنه سيصل لرقم مئة في التفوه بها خلال هذه الجلسة القصيرة؟!"
عبس خالد وهو يقول بجدية "وما المشكلة؟! إنها زوجتي فعلاً"
علقت مريم "الثانية.. ونعم أقبل الرهان"
احمرت سَبنتي بشكل مؤلم ولكنها لم تعلق بل مدت يدها تحرر شعرها من رباطه لينسدل حول وجهها مانحها ستار جيد وهي تميل بشقها نحو إياب محجوبة عنهم..
"أنا لن أتحملكن, سأصعد لغرفتي..." قال خالد
قالت بدور بمكر جعله يثبت في أرضه "تعجبني هذه التنورة، من أين ابتعتها؟!"
انحدرت عينا خالد تلقائياً نحو ما أشارت بدور وهو يلاحظ تمسيد سَبنتي فوق ركبتيها بإرتباك وقالت "أملكها من فترة و..."
قاطعها خالد هادراً ووجه يحمر غضباً مقترب منها وهو يتتبع ساقيها العاريتين بسخاء ملفت "هل تقولين بأنكِ ارتديتِ هذا الشيء قبلاً وخرجتِ به؟!"
رفعت إليه عيناها بغضب بارد ثم قالت بوقاحة "نعم، وأملك أيضا الكثير من البناطيل القصيرة مثل تلك التي أثارت جنونك وغضبك يوم الملاهي"
جزّ على أسنانه محارب نفسه بصعوبة أن لا يسبها أمام أخواته ثم قال بصرامة "لهو من الجيد تذكركِ.. إذ أن هذا العصر من الانفلات انتهى.. أنتِ ستلتزمين بقوانيني كما كنتِ قديما"
قالت بتحدي صرف "في أحلامك, أنتَ لا تملك أي صفة لتملي عليّ تصرفاتي"
وقفت مريم تنضم لجلسة نوة وشذى وشيماء بجانب بدور ليصبحن ملاصقات لبعضهن ينظرن للشجار اللذيذ بضحكة هبلاء حمقاء متسلية.. وهمست شيماء بحماس "أريد فشار.. الكثير منه.. هذا عرض لا يعوض"
قالت بدور بترفع " انا تناولنا المسليات في كل مرة نشاهد عرضهم الدارمى الجبار ، لن نجد كفايتنا فى اكبر محلات البلد.."
ردت شذى بتسلى " بغض النظر عن موضوع المسليات نوة كان لديها حق الأمور بين هذان الاثنان تزداد اشتعال مسلى "
"الصبر من عندك يا رب على هذه الزواج، أرجوك يا إلهي أن تتمم على خير" همست منى بنفاذ صبر
ضحكت نوة وشذى بطريقة هبلاء بحتة مشاركات أخواتهن ..وهن ينظرن للحدث بحماس عندما اقترب خالد منها يشدها لتقف قبالته ممسكاً بمعصمها وهو يقول بغضب "زوجكِ.."
نطقت بدور بفتور "الثالثة!"
التفت خالد وسبنتي يرمقانها شذرا في آن واحد حتى عاد يلتفت إليها وهو ممسك بمعصمها لأعلى يهزها منه و يكمل "الآن أملك إجابة سؤالكِ المتبجح عن صفتي... أنا زوجكِ وأنتِ حلالي..."
قالت منى بفتور "الرابعة والخامسة سوياً"
"مرحى.. أمي انضمت لنا.." همست شيماء بحماس
ولكنه أكمل بلا أدنى اهتمام "أنتِ ستنفذين رغم أنفكِ ما أطلبه منكِ.. منذ اللحظة سترتدين ملابس لا تظهر منكِ إنش واحد.. أتفهمين؟!"
"أترك أختي يا خالي.." صرخ إياب وهو يقفز نحوه يتعلق في ساقه وهو يحاول زجه بعيداً بغضب..
نظر خالد للأسفل عاقد حاجبيه قبل أن يحررها وهو ينحني ليرفع إياب وقال بهدوء متصنع "أنا أخاف عليها يا إياب.. لذا أنصحها"
قال إياب بغضب مقاومه "بل أنتَ تريد سرقتها مني وتغضبها كثيرا.. لقد أخبرت بابا أنها لا تحبك ولا أنا أيضاً"
أظلمت عيناه وهو ينظر إليها ثم قال باقتضاب "لن آخذها منك بعيداً بل في الحقيقة أنا أحاول إبقائها جانبك إلى الأبد عوض عن جنون أفكارها، سأعيد عقلها داخل رأسها..."

صرخ إياب فيه "لا تريدك, ابتعد عنها وكفّ عن إزعاجها"
أسقط بيده ولم يعرف ما قد يخبره لفتى في عمره غير "أنها أمور كبار.. لا تتدخل"
وقفت بدور تأخذ منه إياب تهمس له بكلمات مهدئة رفضها!!
فأُجبرت لأن تحمله بعيداً عنهم لتحجب صراخه المتحدي بعيداً..
بينما ظلت سَبنتي ترمقه بتحدي عاصف لم يقل عن منظره المرعب في هذه اللحظة وهو يقول "من الأفضل لكِ عدم مقارعتي, اذهبي لتبديل ملابسكِ يا سَبنتي"
"لا" طرقعت بلسانها وهي تنطق بنبرة قاطعة
قال بنفاذ صبر "لا تتحديني حتى لا أحرجكِ بتصرفي القادم"
جلست واضعة ساق فوق أخرى غير مبالية بما ظهر من ساقيها المغريتين ثم قالت ببرود مغيظ
"بأي صفة؟! أخبرتك من قبل عقدك هذا بله واشرب مائه"
سمع ضحكات أخواته العالية دون مراعاة لإحراجه أو معاناته.. تباً.. هذا هو الحال المريع أن تكون أخ وحيد لخمس من السيدات الموقرات المجنونات..
عاد خالد للاقتراب منها ثم انحنى نحو جلستها فتوترت وهي تنظر بجانب عينيها نحو والدته التي تشرب قهوتها وتراقب المشهد بهدوء وكأنها تتابع فيلم مريع تبغضه... همس خالد داخل أذنها بصرامة خافتة متصنع مرح زائف "لم أعد أحتاج لعقد، فما حدث صباحاً كان إقرار منكِ أكثر فاعلية.. إذ أن توقيعي الناري ما زال أثره يوشم فمكِ الغبي الجميل.."
همست بحنق "أيها..."
صرّ على أسنانه وهو يقول ساخرا "أقسم بالله أنا أراعي خجلكِ, إلا إنكِ إن لم تحترمي نفسكِ لحملتكِ مثل جوال بطاطا وصعدت بكِ إلى غرفتي لأعرفكِ هذه المرة بطريقة الكبار من أنا يا بقة المذهولة..."
لم يمنحها فرصة للرد إذ أنها كانت تحدق فيه بصدمة فعلاً.. وهو يعتدل متجنباً النظر لأخواته ولها أيضاً ثم قال بود زائف ساخراً "هيا يا سَبنتي تعقلي ..وإن لم تملكي ما ترتدينه تحت التنورة الجميلة تلك فأنا لدي البديل.. عزيزتي.."
الغضب اشتعل أخيرا متفجر بداخلها ليس من تحكمه ولا بتذكيره النذل بما حدث.. بل للفظ واحد مريع مريع للغاية أحرقها وهي تتذكر مناداته الدائمة لأخرى به عند كل موقف كان يجمع ثلاثتهم سوياً.. استدار خالد في نية للانصراف محاول بقدر الإمكان أن يعيد ملامحه الوقورة ولكن ما لم يتوقعه إطلاقا هو أن تقف العبثية الغاضبة وهي تهتف فيه "خالد"
اعتدل نحوها مرة أخرى ليجدها تغلي غليان وهي تتوجه نحوه كالطلقة ثم دون تردد كانت تمسك معصمه بحدة وأزاحت كم قميصه مطبقة بأسنانها الظريفة على ساعده بكل غل وقهر وغيرة أنثى بحتة..
توسعت أعين الجميع ذهولاً وصدمةً بينما هو حاول تحرير نفسه منها دون نجاح يذكر...
احمر وجهه متحمل الألم مائلاً بجذعه بعيداً وكفه الأخرى تسند جبهتها منتظرها حتى أفرغت كل مشاعرها وعندما انتهت اعتدلت تنظر إليه من موقع منخفض هتفت بشراسة غريبة "إياكَ ثم إياكَ أن تجرؤ وتناديني بعزيزتي مرة أخرى.. أنا لست عزيزتك بل زوجتك حتى إشعار آخر.. أتفهم؟!"
علقت مريم بتعجب وكانت أول من استطاع الكلام "وما بها عزيزتي.. هل حرموها على المتزوجين؟!"
قالت بدور بابتسامة يائسة وعيناها ما زالت متوسعتين تنظر لكلا الزوجين الصغيرين المتوهجين بشررهم "سأخبركن أنا, خالد كان ينادي......." قطعت كلامها وهي تضم ولدها الذي عاد لغضبه وصراخه محاولاً أن يصل لخاله وهي تهتف بدهشة "تباً.. ما الذي يحدث؟!"
ضاعت الحروف على شفتي بدور بينما شهقت والدتها بارتياع عندما راقبته ينحني دون تردد ويحملها على كتفه رأسا على عقب خارجاً بها في خطوات واسعة لساحة المنزل ثم الدرج متوجه للأعلى غير مبالي بصرختها المحرجة..
"أخاكن جن، يا إلهي.."
وقفت منى بسرعة محاولة إعاقته وهي تسمع صوت سَبنتي الصارخ "انزلني حالاً.. هل تظن نفسك ظريفاً؟!"
أحكم يديه على ساقيها وهو يهدر "تركنا الظرف لكِ.."
أوقفت بدور والدتها وهي تقول "اتركيهما يا أمي, هذا هدفنا من الأساس من عقد القران أن يحلا مشاكلهما بقرب وتعقل"
قالت منى بقلق "وهل ما يحدث به رائحة عقل.. لقد فقدا صوابهما!"
ردت نوة بهدوء "بل ما يحدث هو الصحيح, وإن تطرف ابنكِ عن عاداته قليلاً ولكننا نحاول أن نعيدها هي لما كانت عليه قبلاً وبكل صراحة دائماً ما أجادت سَبنتي إخراج عفاريته وهو تفوق في إخراج كل ما يقلقها"
قالت منى بتوتر "ولكن ليس وهو غاضب.. أنا أخشى فقط أن يتطرف أو يقدم على فعل متهور"
"بالله عليكِ يا أمي وماذا قد يفعل وهو يعلم أننا نملؤ المنزل ونترقب كل تصرف منهما, اهدئي رجاءً واتركيه يتعامل معها"
تراجعت منى تنظر إلى أعلى بتوتر داعية الله في سرها أن يتوصلا لحل لمعضلتهما..
وجلست بدور وهي تضم ذراعي فتاها محاولة تهدئته وهي تقول "سَبنتي غاضبة وهو يراضيها لتتوقف عن البكاء، فهل هدأت؟!"
قال إياب ساخطاً "هو ليس بابا، ولا أخوها ايضاً، بل يزعجها.. سأخبر أبي"
قالت باسمة وهي تمسد وجهه برقة "حسنا سنخبره سوياً ليعاقبه، فخالد ضخم جدا جداً وأنت لن تستطيع مساعدتها لوحدك"
"بلى أستطيع ..اتركيني يا بدور"
ضمته بقوة إليها معيدة همسها الدافئ الواعد بعقاب خالد محاولة صرف تفكيره ..بينما انمحى كل المرح من وجه شيماء ولم يبقى إلا الخوف المخلوط بالحزن وشعور الظلم... سَبنتي أختها توأم روحها ولكن ليس عدلاً أيضاً أن يمنح خالد أمل في سعادة يستحقها ثم تحرمها منها سَبنتي بسبب مخاوفها.. ما كان يحدث الآن ليس عناد أو شجار معتاد بينهما بل أمل ينمو بداخل أخيها وروح جديدة تتجدد... هو عاد لما كان عليه... منذ متى لم تسمع صوته بكل تلك الحيوية، وتلك النيران والدفء الذي أذاب جليد قلبه الذي كان يسكن ألمه... الإجابة بسيطة.. منذ عودتها هي لحياته..
همست لنفسها بإصرار "لن تسمحي لهذا أن يحدث حتى وإن انهار العالم فوق رأسكِ.. ربما الحقيقة ستؤذي الكثيرين ولكنها تظل أفضل حال من كتمانها وتضييع فرصتها وخالد معاً.. كما أنه من العدل أن يعلم راشد بما حدث من وراء ظهره ربما وقتها يعرف كيف آذى بدور من أجل لا شيء.."
******
يداها كانت تستندان على ظهره محاولة رفع رأسها المنقلب لأعلى وهي تقول باختناق "أشعر بالدوار، انزلني"
قال ببساطة وهو يفتح باب غرفته "أفضل.. عله يلجم لسانكِ ويكسر أسنانكِ يا متوحشة"
أفلتت استنادها وكفيها يتشبثان في إطار الباب هاتفة بذعر "انزلني حالاً ..أنا لن أدخل هذه الغرفة"
لف خالد يده جانباً ثم أزاح كفهيا وأدخل جسده عنوة وهو يقول ببرود شديد "لماذا.. هل تخافين أن أكتشف كذب ادعائكِ بكرهي إن قبّلتكِ مجدداً"
دون تفكير كانت تخبط جبهتها في ظهره بغرض إيلامه ثم نشبت أسنانها في ظهره كمصاصي الدماء عند هجومهم على الضحية..
أطلق خالد صوت خشن معترضاً وهو يهتف "يا متوحشة.. هل يجوعكِ راشد أم أصبحتِ من آكلي لحوم البشر؟!!"
قالت من بين انطباق اسنانها على لحمه صارخة "بل آكلك وحدك ....يا حبيبها"
لم يفكر مرتين وهو يرميها من على كتفه فوق فراشه...
همست بشراسة وهي تقفز من هناك دون أن تعطي نفسها فرصة للتوازن "يا مجرم.. أكرهك يا خالد.."
ضحك خالد بغضب وانمحى المرح وهو يقول بهجوم مباغت "تحرقكِ عزيزتي.. حسناً يا سَبنتي.. كانت عزيزتي..و حبيبتي.. عزيزتي.."
اندفعت تهجم عليه وهي تضربه في صدره صارخة "أيها الجاحد عديم الرحمة.. توقف.."
أمسك كلا كفيها ولفهم وراء ظهره ممسكهما بين أصابعه لتصبح محيطه خصره بذراعيها ومد وجهه للأسفل نحو عينيها المرتبكة إثر تلك الحركة ثم قال "لماذا.. هل تحبينني مثلا وتغارين عليّ من تودد منحته لغيركِ كانت أكثر من راضية ومتلهفة لسماعه مني مطالبة بالمزيد لمعلوماتكِ؟!"
توسعت عيناها بألم وهي تنظر إليه بشيء كطعنة.. عينان واسعتان غارقتان في دموع أبت أن تهبط وأنف متوسط محمر، يعلو شفتين مكورتين بطفولية بائسة لقد بدت في تلك اللحظة بشعرها الأحمر الهائج كما صاحبته أشبه بتلك الشخصية الكرتونية الملقبة "بو"...
رقت ملامحه لمرآها بتلك الصورة بازغة الذكريات من بعيد.. فمد يده الأخرى يمسح على وجنتها برفق وهو يقول "حسناً.. حسناً, لا تحزني, نلتِ مني بتلك العينين المستضعفتين... لن أتلفظ بها مرة أخرى"
أطرقت بوجهها ولم تعلق وهي تتملص منه مبتعدة خطوات عن مرماه .. فتنهد خالد بتعب متحولاً عنها متجه لخزانته المنعزلة عن غرفته عملية الأثاث وكأنه لا يعيش فيها أو يستخدمها إلا لغرض تبديل ملابسه فقط ولما العجب وهي تعلم مسبقاً أنه لا يجد في أي مسكن أو منزل راحة له إلا معزله بالخارج!!
غاب بالداخل لدقيقة قبل أن يأتي بأكياس عديدة يضعها على فراشه وهو يقول بتردد مشيحاً عينيه عنها "هذه جواربكِ القديمة، كنت أطلبها لكِ بشكل منتظم حتى في غيابكِ.. لاحظت أنكِ لم تعودي لاستخدامها"
لم ترفع بصرها نحوه أيضاً وهي تقول باختناق "لم أجدها مهما اجتهدت في البحث عنها"
قال بخفوت وهو يقترب منها "وجدتها من أجلكِ.. الأمر كان أقوى من أن أقاومه، وقتها ظننت بأني سوف أتوقف وتظل تلك الكمية هنا دون أمل في أن تعودي لاستخدامها ولكن..."
صمت قبل أن يدفن أنامله تحت ذقنها يرفع وجهها نحوه يتأمل ملامحها المرهقة بحنان ثم قال "ولكن ها أنتِ هنا.. تستردين كل حقوقكِ التي حرمتني منها.. ها هو حلمنا المستحيل يتحقق عبثيتي ظريفة الأسنان.."
لم تتغير نظراتها الحزينة وهي تتبع ملامحه ببطء بنفس نظرة الزهور التي تلاحق أشعت الضوء رهبة! إبهامه يتحسس طارف ذقنها برقة ثم قال بصوت أجش "ارتدي أحدهم فهو طويل كفاية ليغطيك حتى تعتادي ببطء وتعودي لمظهركِ المحتشم القديم"
قالت معاندة رغم انخفاض نبرتها "أرفض تحكمكِ بي"
أخذ نفس هادئ وهو يقول بحلم "لنكن واضحين.. أنا لا أحاول التحكم بكِ.. ولكني أغاااار يا بقة.. أغار ولا أقبل أن تشاركني أي عين فيكِ"
صمت مكتفي بذلك السبب محتفظ الآن بمبدئه الأكبر حتى حين ليس ببعيد, فهو لن يسمح لزوجته بأي طريقة بمخالفة تعاليم الدين الواضحة بستر نفسها.. ولكنه أخذ قرار منذ عقد القران أن يأخذها لطريق الالتزام ببطء وخطوة خطوة حتى لا تنفر أو تشعر أنه فرض عليها...
أخرجته من أفكاره وهي تهمس فجأة "وافق على زواج شيماء من نزار وأنا سأمنحك كل ما تريده مني؛ سأطيعك في كل ما تريده كما الماضي"
نطق بذهول بينما غضب أحمر يشتعل في عينيه "ماذا؟!"
عضت شفتها السفلى بتوتر ولكنها قالت بشجاعة "أخبرتني بأنك لم تقدم لي مهر يليق بي بعد... وأنا أطلب منكَ مهري الآن هذا حقي الشرعي أيضاً... وافق على زواجهما.. وأنا سأخبر راشد أني وافقت على عقد زواجنا"
قال بصرامة حادة "سَبنتي لا تتلاعبي, لقد حدث بيننا تقارب بالفعل، أم نسميه تجاوز؟!"
تورد وجهها خجلاً ثم أطرقت بعينيها بعيداً وهي تقول بخفوت "إذاً وافق ودعني أنفذ وعد قديم كنت منحته لشوشو.. وأنا سأقر الآن بأني وافقت على العقد منذ اللحظة الأولى"
أصابعه ضغطت على ذقنها أكثر رافعاً وجهها مانعها من التهرب من النظر إليه ثم سأل بهدوء "وعد ماذا؟!"
أغلقت جفنيها بقوة مصرة على تهربها منه ثم همست بتقطع شارد "نفس الوعد الذي منحته أنتَ لي ليلة ميلادي.. أخبرتها يومها أني دائماً سأكون عون لها وأرفع عنها حزنها وأشاطرها سعادتي.."
صمتت قبل أن تمنحه ما يحتاجه وهي تحدق فيه بعينين منصهرتين وجعاً وهي تهمس مختنقة "أريد أن أحافظ على وعدي هذا, أحدنا يفعل طالما أنت نكثت به قبلاً!"
أغلق خالد عينيه بقوة ثم دون تردد ضمها إلى صدره محيطها من تحت كتفيها بكلا ذراعيه ورأسها استند أسفل قلبه وهو يهمس بتحشرج "اصمتي، لما كل كلامكِ مؤذي؟!"
ساد الصمت للحظات متخلله صوت دقات قلبه العنيفة، وتنفسها البطيء المصاحب لتقبض يديها بتشدد في قميصه طاوية إياه بعجز بين أصابعها..
"كيف أبعدكِ عني.. لماذا مَلك من القسوة أن يذبحكِ ويحطم قلبي.. أخبريني كل شيء على الأقل لأعلم ما هي أسبابه القاسية التي جعلته يراقب بدور تذبح كل ليلة وهو معه الطريقة لكف الأذى عنها؟!"
عصرت جفنيها وهي تمرغ وجهها على أضلعه ثم همست بتضرع "لا تسأل.. أرجوك.."
انحنى خالد ولمس أعلى شعرها بشفتيه قبل أن يقول بهدوء "لا أملك حق التغافل أو التظاهر بأنه أمر لم يفعله.. أخبريني يا سَبنتي عن كل ما حدث منذ أن غادرتِ ذراعي ليلة أن منحتني أمل البقاء في حديقة راشد... حتى عدتِ لي أخيراً"
لكل شيء نهاية كما البداية ولكن بعض النهايات تصبح مخيفة مرعبة وسريعة بشكل محطم كما نهاية ضمه لها الآن... ليتها تستطيع تخطي كل أوجاعها وتبقى بين ذراعيه أبد الآبدين..
أبعدت نفسها عنه لمسافة كافية دافعة إياه لتركها لحريتها ثم قالت بإصرارمردده "وافق على نزار يا خالد, أنا أصر على أن أطالبك بمهري، هذا حق شرعي لي"
"اطلبي العالم سأمنحكِ إياه"
هزت رأسها نفياً بإصرار ثم همست "هذا مهري لا غيره، ولن أتنازل عنه.. شيماء ستشاركني سعادتي"
ابتسمت عيناه وهو يسألها بهدوء "وهل أنتِ سعيدة معي حقاً يا سَبنتي، هل تتلهفين كأي عاشقة لموعد زفافنا؟!"
ارتبكت للحظة قبل أن تهمس "ليس مهم ما أشعره أنا, هم يعتقدون بهذه السعادة الزائفة إذاً لماذا لا أشارك رفيقتي الأمر وأمنحها سعادة حقيقية مع الرجل الذي لم يغيره شيء في عشقها.. لا جرم والدك في حقه ولا الفضيحة التي كسرته وكان ياسر أيضاً السبب بها"
صمتت ثم تابعت بنبرة باهتة "العاشق لا تغيره الظروف ولا تتحكم فيه الأسباب.. حبه حقيقي لأنه ازداد عشقاً وإخلاصاً في بعدها أكثر من قربها"
كل كلمة منها كانت تجلده وبقوة.. ولكنه ظل ينظر إليها بثبات حتى قال "وأنتِ هل ازداد هذا الحب في بعدي؟!"
قالت بصقيع زائف "أنا لم أحبك من الأساس, أنتَ كنت وهم مراهقة كما قالت والدتك يوماً.. ولكنك تصر على عدم التصديق"
اقترب منها مرة أخرى حتى أشرف عليها بضخامته شاعرة بنفسها ضئيلة ضعيفة وكأنها بالفعل مجرد كائن ملون يقف بثبات عبثي أمام فرع نبات العمالقة ضخم مهول لا يتزعزع حتى أمام أعتى الرياح.. ثم نطق أخيراً بنبرة خاصة غاضبة "كرهكِ كما حبكِ نار تحرق الأحشاء.. وأنا رجل يعشق الغوص داخل البراكين يا عبثية حتى وإن أُجبرت للقبول ومنحكِ مهركِ لتكوني لي روحاً وقلباً وعقلاً"
لم يقل جسداً.. أليس هذا الأمر المنفر بالذات كان حجته القوية للزواج سريعاً حتى يجد فتاة تعفه على حد تعبيره؟!
هل لا يجدها جذابة... الغبي الجلف ال... طارت الحروف والأفكار مرة أخرى وهي تشهق بصدمة عندما انحنى بكل عنجهية يلثم شفتيها بخفة ثم همس "إن لمحت إنش واحد منكِ مكشوف مرة أخرى سأعلقكِ في سقف "خلوتي" و ببنطالك القصير فقط يا سَبنتي إذ أن هناك جزء علوي من مفاتنكِ سلب عقلي وأنا أرغب في استرداده"
بحثت عبثاً عن أي شيء قريب تفتح به رأسه وهي تهتف حرجاً وغضباً "يا قليل الأدب... سأخبر راشد"
ضحك بجفاء قبل أن يمسك كفيها يرفعهما لأعلى وهو يقول بانتعاش "أتحداكِ أن تفعلي بقتي العبثية الغاضبة"
********

صباح اليوم التالي دخلت سَبنتي قاعة المحاضرات التي أرشدها إليها نزار عندما قابلها على باب الجامعة الكبير, فلتحمد الله فقط أن الجلف خاصتها تراجع عن توصيلها بنفسه ونزل عند رغبة راشد الذي خصص لها سيارة بسائق وحارس خاص يتبعها...
تمتمت بحنق وهي تجلس على درجة متوسطة من المدرج الكبير الفارغ الآن... "تنازل بعد جدال حاد، كادا أن يفتكا فيه ببعضهما وهما يتشاحنان من منهما له حق ملكيتها، اللعنة على رجال الراوي وكأنها شيء بلا عقل أو استقلالية يملك حق تقرير مصيره بنفسه.."
نفخت بضجر قبل أن تحاول التركيز على دراستها ماحية من عقلها كل أسباب التشتت إذ أنها نظراً لكل الاحداث السابقة تحتاج لجهد جبار حتى تستطيع أن تلحق عامها الدراسي وهذا لا يعني إلا شيء واحد التخلص من الإضطراب والتوتر الذي يسببه وجود خالد، وأحداث العائلة الدرامية.. وهذا بالطبع في أحلامها قد يتحقق....
رفعت وجهها للسقف بقلق وهي تقول "ها أنتِ تعودين لنفس النقطة.. ركزي حتى تتخرجي وتملكين شهادة محترمة ومهنة جيدة قد تمنحكِ الاستقلال بحياتكِ بعيداً عن قيودهم كما خططتِ من البداية"
القاعة الدراسية كانت بدأت الآن في الامتلاء بالطلبة الذي يدخلون بتتابع مما دفعها أن تصرف كل تفكيرها بعزم، وهي تشرع في فتح دفاترها وتبدأ في ترتيب أفكارها قبل دخول المعيد ..ولكنها مرغمة عادت للتفكير فيه بحنق إذ أنه أصر بالأمس على منحها دفاتر جديدة تليق بشخصيتها الفريدة... الوغد لقد كان يسخر منها متسلياً على حسابها إذ أن كل تلك الدفاتر مطبوع غلافها بحشرة الدعسوقة واسعة العينين ضاحكة الوجه، عادت الابتسامة تتراقص على شفتيها بخجل متذكرة همسه المتباهي وهو يقول بلوم مذكرها "صيدلة يا سَبنتي!!"
أي مادة الكيمياء التي كانت تدعي في الماض جهلها بها وغبائها الشديد في فهمها فكانت تجبره لساعات طويلة أن يجلس قبالتها ويشرحها لها درساً درسًا... ومعادلة معادلة بتروي وبطء...
تذكرت ردها البارد وهي تقول مهاجمة "ليست مشكلتي أنك كنت من الحماقة كفاية ألا تفهم أني بارعة في المواد العلمية أكثر منك إذ أني كنت أصحح وراءك معظم ما تشرحه لي"
أغلقت عيناها بضجر وهي تهمس "أنتِ تتخبطين، والله إنكِ تتخبطين ولم تعودي تعلمين ما الذي تريدينه؟!"
....
"أنتِ جديدة هنا.. لم أركِ من قبل؟!"
رفعت وجهها مجفلة تنظر للفتاة مستديرة الوجه مليحة القسمات وهي تجلس بجانبها دون استئذان, توترت بألم وهي تحدق فيها بقلق متذكرة كيف طاردها مروان ومايا بالسابق وبنفس الحجة..
تنحنحت الفتاة بحرج ثم قالت مازحة بتآمر "العذر منكِ ولكن هذا مكاني الدائم وصديقاتي.. إذ أننا نرغب منه في بعض الدقائق المحجوبة بعيد عن الدكتور والطلبة، ونستطيع فيه تناول طعامنا بحرية... أليس كذلك يا علياء؟!"
توسعت عيناها بدهشة وهي تراقب الفتاة الأخرى والتي جلست بجانبها من الناحية الأخرى، لا بل في الحقيقة فتاتين إحداهن ترتدي النقاب وتلك المدعوة علياء ترتدي حجاب كبير يلف جسدها النحيل حتى كادت تختفي فيه...
نطقت الأولى مرة أخرى باهتمام "ما بكِ؟! لا تتحدثي، هل أكل القط لسانكِ, أخبريني ما اسمكِ على الأقل؟"
مسدت سَبنتي جانب عنقها المخفي تحت شعرها القصير المفرود ثم همست بتردد "أنتِ لا تعرفين من أنا إذاً؟!"
ارتسمت ابتسامة ناعمة بطيئة على شفتي الفتاة تنافت مع قولها القاصف "وهل يجب عليّ أن أعرفكِ.. هل أنتِ رئيسة مراجيح مولد النبي؟!"
خبطت كلا الفتاتين على الجهتين بعنف بينما قالت علياء بقوة محذرة "شهيرة ارحمي الفتاة، لقد أذهبت دراسة الصيدلة بعقلكِ فعلاً!"
عقدت شهيرة حاجبيها وقطبت للحظة وهي تتأمل سَبنتي التي لم تنزعج كما توقعت ولكنها رسمت ضحكة بطيئة وهي تقول أخيراً "أنا جديدة فعلاً، لقد كنت أدرس بالخارج و... و... حدثت بعض الظروف وها قد عدنا"
قالت شهيرة مازحة وهي تفتح حقيبتها ثم تخرج منها أكياس نظيفة ومنظمة "ليتكِ ما عدتِ.."
خبطت كلا صديقتيها بيأس مرة أخرى بينما توسعت عينا سَبنتي بذهول.. بينما قالت شهيرة مدافعة عن المبدأ "يا ابنتي هذا لصالحكِ ..هذه الجامعة أعني هذا القسم الملعون المشابه لبيوت الرعب.. هذا الفرع الذي يدعى صيدلة في الظاهر بينما هو في الباطن مقبرة الأحلام, مغتال النساء, قاهر الفتيات.. هذا ال..."
أوقفتها سَبنتي ضاحكة بقوة "مفهوم, وصلت وجهة نظركِ ولكن دعيني أخبركِ أن الصيدلة قسم مرعب وقاهر في كل جامعات العالم وليس هنا فقط"
تنهدت شهيرة بحسرة وهي تقول "آه يا ابنتي لو تعلمين ما فعلته بي.. لقد شاب شعري وكسرت عظامي وانحنى ظهري وأصابني عته متأخر بين أروقة هذا القسم"
نظرت إليها سَبنتي بتوجس تحاول أن ترى ما تصفه ولكنها لم تجد إلا وجه جميل الطلة وجسد متناسق تحت ملابس واسعة وشعر... حسناً ذلك الحجاب الجميل حول رأسها منعها من معرفة صدق ابيضاض شعرها..
مدت علياء يدها تخطف ذلك الكيس بضجر ثم قالت "لا تصديقها إنها تبالغ وإن كنت أوافق على موضوع العته ذاك, فأنتِ عرفته بنفسكِ ومن أول خمس دقائق"
وقفت شهيرة بغيظ ثم خطفت كيس الطعام منها وفتحته وهي تقدم أحد الشطائر لسبنتي وهي تقول "تفضلي يا حمراء المحاضرة ستطول، أفرغي غلكِ هنا بدل أن تطقي من الآتي"
همست سَبنتي بحرج متردد "لا أنا سأجلس في مكان آخر, من الواضح أنكن صحبة ولا أريد إزعاجكن"
قالت شهيرة بغضب سريعا "تزعجين من, هل تعتقدين أن دخول الحمام مثل خروجه، لقد وجدناكِ هنا ولن أتنازل عن ضمكِ لنا طالما لا تملكين صحبة هنا.."
قالت "ولكن.."
جلست شهيرة مكانها مرة أخرى ثم قالت "لا لكن، لا تحاولي مجادلة صعيدية يا...."
صمت قبل أن تنظر إليها بابتسامة ناعمة "ما اسمكِ صحيح.. هل سأظل أناديكِ الفتاة الجديدة؟!"
التقلبات النفسية والمزاجية لتلك الفتاة بالفعل مريبة وتوحي بشكل قاطع أن الصيدلة نالت من عقل المسكينة، يا حرام..
شعرت سَبنتي نحوها بتعاطف شديد لتجد نفسها تقول "سَبنتي ال..."
صمتت بتردد وهي تقلب نظراتها في وجه زميلاتها البشوشة المبتسمة... نزار محق الطلاب هنا مختلفون جملة وتفصيلاً... هي لن تعمم الحكم بالطبع كل مكان به الصالح والطالح ولكنها أيضاً لن تنكر أنها ارتاحت لهن سريعاً ولكن لا بأس بالحذر.. أكملت بهدوء "سَبنتي بلال"
مدت شهيرة يدها بطريقة مرحبة جادة ثم قالت "مرحباً بك يا أخ بلال، نورتنا، معك الأخ ناصر وفي استعداد تام لتقديم كل مساعدة تحتاجها"
عادت لرفع حاجبيها بتوجس ومدت يدها تتقبل سلام الأيدي...
ضحكت شهيرة أخيراً ببعض الرزانة ثم قالت "إنه مزاح متعارف.. الصديقات هنا ينادين بعضهن باسم الآباء"
"يبدو جيداً, اعذريني لم أفهم مباشرة.. لقد كنت بعيدة لفترة طويلة"
قالت شهيرة بهدوء "لا عليكِ... مرحبا بكِ أي كان ما أنتِ عليه يا سَبنتي ذات الاسم الغريب وليس العينان فقطّ"
ضحكت سَبنتى بصفاء قبل أن تقول مازحة "وأهلاً بكِ أيضا يا ذات الاسم المريب والمنطق العجيب!"
********

‫يتبع الان



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 09-06-20 الساعة 12:00 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.