آخر 10 مشاركات
كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          بقايـ همس ـا -ج1 من سلسلة أسياد الغرام- للكاتبة المبدعة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          أهواكِ يا جرحي *مميزة & مكتمله* (الكاتـب : زهرة نيسان 84 - )           »          586 - حب لايموت - صوفي ويستون - ق.ع.د.ن ( عدد حصري ) (الكاتـب : سنو وايت - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-06-20, 11:15 PM   #4181

Alaa95

? العضوٌ??? » 460530
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 7
?  نُقآطِيْ » Alaa95 is on a distinguished road
افتراضي


في انتظار الفصل😍😍

Alaa95 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:15 PM   #4182

Abeer gazal

? العضوٌ??? » 433655
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 244
?  نُقآطِيْ » Abeer gazal is on a distinguished road
افتراضي

ناطرين فصل اليوم على نار شكرا نور لبداعك المميز

Abeer gazal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:16 PM   #4183

كوريناي

? العضوٌ??? » 423920
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 74
?  نُقآطِيْ » كوريناي is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضوووووووور

كوريناي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:20 PM   #4184

توتى على

? العضوٌ??? » 373500
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 159
?  نُقآطِيْ » توتى على is on a distinguished road
افتراضي

تسجيييييييييييل حضوووووووووووووووور
بانتظار الفصل


توتى على غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:22 PM   #4185

fatma ahmad

? العضوٌ??? » 341296
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 688
?  نُقآطِيْ » fatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond reputefatma ahmad has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 241 ( الأعضاء 79 والزوار 162) ‏fatma ahmad, ‏Hoda.alhamwe, ‏الجوزاء●°, ‏ولاء محم, ‏توتى على, ‏ذسمسم, ‏شاكره لله, ‏رضوى مجدي, ‏رحمه السماء, ‏Diego Sando, ‏Agaiaa, ‏besomahd, ‏نسيم88, ‏kokyyou, ‏كوريناي, ‏نونا لبنان, ‏املي بالله كبير, ‏حبيبيه, ‏Abeer gazal, ‏Alaa95, ‏aber alhya, ‏Marwa Gehad, ‏awttare, ‏fatma r, ‏hodaelnour, ‏Omsama, ‏Menna23, ‏Time Out, ‏Lutesflower, ‏Dreamdida, ‏دلال الدلال, ‏Bata1997, ‏bella vida, ‏Roowidaa, ‏nourelhayat233, ‏samira bouanane, ‏زينب عبد الوهاب, ‏راندا علي غانم, ‏Samsam ahmed, ‏هوس الماضي, ‏Lulu9, ‏Amal Essam, ‏batotaa, ‏مريم المقدسيه, ‏omar alaa, ‏hedia1, ‏redrose2014, ‏rahasff, ‏رهف أوس, ‏لولو73, ‏هبة الله 4, ‏هبة الله العواد, ‏TOULIP, ‏الحامدة لله, ‏basama, ‏Nor BLack, ‏hajer ilahi, ‏عبير دندل, ‏ايمان عرفان, ‏أسماء رجائي, ‏basmat amal, ‏safsf, ‏يارا نفوس, ‏Iraqi1989, ‏درة البحر2, ‏fuy, ‏Roha15, ‏Sara saa, ‏Ghada A zoudeh, ‏طاوووسه, ‏BASRI, ‏رودى رامى, ‏shammaf, ‏kokoaia, ‏ملاك العمرو, ‏samar mohammd, ‏Norhan1210, ‏ارض اللبان, ‏بسنت طارق

fatma ahmad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:22 PM   #4186

ولاء محم

? العضوٌ??? » 470438
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 39
?  نُقآطِيْ » ولاء محم is on a distinguished road
افتراضي

في الانتظار تسجيل حضوووور😘😘😘😘

ولاء محم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:25 PM   #4187

Sahar Slipe

? العضوٌ??? » 450401
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 69
?  نُقآطِيْ » Sahar Slipe is on a distinguished road
افتراضي

هالووووو مستنينين الفصل على نار ياكيوتة اشتقنا لك ولللشظابا كومايات 😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗😗

Sahar Slipe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:28 PM   #4188

Alaa95

? العضوٌ??? » 460530
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 7
?  نُقآطِيْ » Alaa95 is on a distinguished road
افتراضي

في انتظار الفصل😍😍

Alaa95 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:29 PM   #4189

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الاربعون

نحن أبطال أنقياء النفس عند البعض ...وسيّؤون أوغاد عند آخرين..

نحن الخير والشر حين يتصارعان... نحن الملاك والشيطان حينما يجتمعان...

نحن الأضداد والأقطاب التى يستحيل جمعها... وإن توحدت كنا الإنسان الذي خلق ليخطئ فيندم.. يصلح ويعود ليكسر...

نحن البشر خلقنا ناقصين لنسقط بعضنا يتوب وبعضنا يستمر مضلل ...





..........................

جلست فرح تطوي ركبتيها تحتها بينما رأسها كان كالعادة يستريح على كتف توأمها التي أخذت في تمشيط شعرها بأصابعها عيناها بلونهما العسلي المحدد بلون الزيتون كانتا في أشد حالتهما نواحاً وجذوة وهى تحدق في البعيد وكأنها تتذكر ما حافظة طويلاً على اخفائه ..

"لما أنتِ صامتة؟! قولي أي شيء يمنحني أمل أنها ستعود.."

من بين شفتيها العنيدتين تمتمت "لن تعود يا فرح، لقد عادت لجذورها أخيراً ولن تستبدلها بأي إغراء آخر"

همست فرح بحزن "لقد قالت أنها تفتقدكِ، أنا على ثقة أنهاستطالب برؤيتكِ قريباً"

غمغمت مرح بإيجاز "لن تفعل.. وهو لن يسمح بهذا"

قالت بإصرار "ولكنه وعد..."

قالت بخشونة "كما وعدت لورين بأنها لن تجعلني أفقدها, لذا تعاملي مع الأمر بنضج.. العالم لا يمنحنا كل أمانينا على طبق من فضة.. يفترض أن نكون نحن أعلم الناس بهذا"

ظلت فرح مستسلمة ليديها بصمت تزن كلماتها المقهورة في عقلها حتى قالت أخيرا بهدوء "لقد وعد أبي أنه سيعيدنا جميعاً قريباً إلى فلسطين، ووعده هذا يشمل أمل لذا إن حطمتِ الأمل في لورين عليكِ أن تثقي في أبي قليلاً"

قالت مرح ببرود "متى ستفهمين يا فرح أن وعد أبيك مجرد حلم مستحيل لداء نكسة طويل.. نكسة عانى منها الآلاف مثلنا.. ربما علاج قهرنا هذا وراء نكستنا لن يشفيه إلا دواء العودة..ولكنه عزيزتي دواء شحيح الأمل إذ أن جميع الأطباء تخلوا عنا "

قالت فرح ببهوت "لا نحتاج لأحد.. أبطالنا هناك هم من سيأتون لنا بنصر قريب"

ابتسمت مرح بهم وحزن شديد ثم همست "كم آمل أن يأتي هذا اليوم، ولكن مع تكالب كل الأوغاد علينا وتآمر من يطلق عليهم أشقائنا في العروبة، أعتقد أنه حلم مستحيل وطريق مظلم موحش يحتاج لسنين من إشعال الضوء فيه حتى نعبر للأمل"

"سنعود, لن أتنازل عن هذا الحلم سنعود لأرضنا وقريتنا ولبيت أجدادنا ليلتئم جرحنا مع عيسى صقرنا الجارح، هل ما زلتِ تذكرينه؟!"

لم ترد مرح بشيء, وماذا قد تقول أو تخبرها عندما صدقت وعد أبيها وآمنت بحلمه، وتبعته لهذا البلد الغريب ذو البيئة المختلفةعن كل شيء كبرت عليه.. كانت كل آمالها كبيرة، ولكن الآنوبعد مرور كل هذه الأعوام ولم يستطع أحد فيهم حتى العبور وراء الحاجز الناري المحاط بأسلاك عاتية من حقير مغتصب.. تجد أن كل أحلامها تموت دون أن تجد أمل واحد يحيها وكل عزيمتها تخبوا متسللاً إليها صوت باطل بأن لا تأمل يوماً بحصولها على حقها في عودة لجذور اشتاقت لها روحها المعذبة التي شردت دون حق وزرعت في تربة باطلة نفرتها من أراضيها...

عندما طال صمت مرح همست فرح بإصرار "ستعود أمل.. آمني بالحلم المستحيل ولا تتخلي عنه الآن.. هذا كل ما تبقى لنا يا مرح"

حركت مرح عينيها الموجوعة في أرجاء المنزل، تحدق في الألعاب المنثورة هنا وهناك, تتخيل ربيبتها تجري هنا تضحك وهناك تحبو في ذاك الزمن وتستند على هذا الحائط، تتعثر في ذلك الجانب بأول خطواتها لتنشر في أرجاء منزلهم الجديد بهجة لم يعرفونها وفرحة لم يخوضوا تجربتها, وترابط وتضامن فقدوه سنين طويلة عجاف، لم تشعر بدمعها الساخن الذي هبط على وجنة فرح يلهبها بحزنها حتى مدت فرح يدها تكفكف دمعها وهي تقول "المنزل أصبح كريهاً وكأننا عدنا لنفترق.. ما عاد فينا أحد قادر على النظر في وجه الآخر"

قالت مرح بصوت متحشرج "لقد أخذت معها كل شيء، ليت والدكِ ما فرط فيها.. لا أريد أن أصبح قاسية ...الا أني أشعر أنه عاد ليكرر أوجاعنا ويفرق شملنا"

خرج أيوب من غرفته يمسك سبحته بين أصابعه ينظر إليهما بوجع بلغ مداه ثم قال أخيراً بهدوء "أعدت الحق لأصحابه يا مرح، لقد استولينا على صغيرته كالسارقين لوقت طويل.."

قالت مرح باختناق "أمل لم تكن حقه، ولا حتى حق لورين.. إنهاابنتي أنا"

قال أيوب بقوة "لا ليست ابنتكِ، ليس لكِ فيها أكثر من رعايتكِ لها.. لا تكذبي الكذبة وتصدقينها يا مرح.. كذبة أطلقتها الغربان السود يوم أخذوكِ مني، قائلين أنكم أبناء أميركا وليس لي فيكم شيئاً"

هتفت ببغض "كيف تشبه الأمر؟!"

قال أيوب دون أن يفقد هدوءه "لأنه كذلك بالفعل, نحن تبعنا كذبة أختكِ أربعة أعوام وبنينا ملكيتنا للصغيرة على هذا الأساس، لنصدم بعدها بواقع مريع وموجع، الفتاة لم تكن لنا بالأصل إذ أن لها أب يريدها أكثر من حياته ذاتها.. أب سيمنحها ما عجزتُ عن أن أعطيه لكم حتى هذه اللحظة"

نظرت له مرح بعين ميتة وهي تقول "لن يمنحها أكثر مما أعطيناه لها"

أطرق أيوب برأسه وهو مستمر في تمرير سبحته عبر أنامله يستغفر الله ويطلب منه العفو جهراً وسراً حتى قال أخيراً بقهر لون حروفه "سيعطيها أكثر من حنان أبيها أيوب، وشيء أكبر من بيته الذي احتواها.. أمر أعظم من حب والدتها وخالاتها.. لقد زرعها في منزل أكبر ويحيطها بدفء أشمل وانتماء ليس له حدود.. سيعطيها وطن.. وطن حُرِمنا نحن منه تجبراً"

تغضنت ملامحها بحزن كبير وبأسى لا يحتمل ثم قالت بغصة تكورت في حلقها "وهل هذا ذنبنا يا أبي وهل لنا في موتنا اختيار؟!"

أغلق أيوب عينيه بقوة ثم قال بمرارة "لم يكن ذنبنا ولكنه قدر كتب علينا كما أهلنا.. ولأننا نعرف وجع النزوح وفقد الأرض سنقبل بكل ترحاب أن لا تتبع أمل مصيرنا المعتم"

ظلت مرح تنظر إليه لدقائق بوجع شديد حتى قالت أخيرا "فقط اشتقت إليها.. أريد أن أضمها إليّ.. فراقها صعب ومتعب للغاية يا أبي"

اقترب أيوب وجلس بجانبها ثم شدها تحت جناحه وهو يقبل رأسها بحنان ثم قال بخفوت "إنها تحدثكِ في اليوم أكثر من عشر مرات يا مرح!"

"لا يكفي... لا يكفي"

قال أيوب بصوت إخشن بالعاطفة "ولا يكفيني أيضاً, والله إنها تنافس محبتكن في قلبي.. إنها صغيرتي التي أقسمت أنأعوضها كل ما لم أستطع منحه لكم ولكن يا مرح هي اختارت جانب أبيها.. روح الصغيرة تفتقد شيء وتتوق لأمر كان أكبر من أن نمنحه لها نحن"

قالت بألم "لورين السبب.. هي من أصرت على أن تعلمها كل شيء عنه"

قال أيوب بهدوء مدرك أن ألم الفراق هو ما يدفعها لذلك الاتهام "لورين فعلت أمر صحيح واحد وسط كل تجبرها، هل كنتِ تريدين لابنة أختكِ أن تكبر وهي تجهل أبيها كاللقطاء؟!"

كفكفت مرح دمعها قبل أن تقول "لا أريد لها هذا بالطبع..."

قال أيوب "إذاً كفاكِ حزناً على الأطلال وابعدي عن تفكيركِ تلك الأفكار التشاؤمية.. ما زلت أحتاجكِ بجانبي.. أن أتعكز عليكِ يا مرح"

ابتسمت مرح بنوع من القنوط قبل أن ترفع عينيها تنظر إلىعينيه وهي تقول بخفوت "لماذا لا نعود لبلدنا ونختفي هناك ونرفض ببساطة الخروج منها يا أبي.. لقد تعبت الروح من التشتت؟!"

بهتت ملامح أيوب للحظة قبل أن يقول بقهر بلغ مداه "وهل تظنين أن المئات لم يفكروا مثلكِ.. الأمر مستحيل يا مرح فهؤلاء الشياطين معدومي الشرف والضمير لن يتركونا ببساطة.. لا أستطيع المجازفة بكن"

قالت بإصرار غافلة عن كل الحقائق المعتمة "نحن نقبل تلك المجازفة حتى وإن متنا برصاصهم كما كل الشهداء.. ستصبح قصتنا ذكرى تخلد في تاريخهم الأسود وتزيد من جذوة المقاومة كما أنه دليل آخر أمام المجتمع الدولي عن مدى حقارتهم وخستهم"

قال أيوب بتشدد "وهل تعتقدين أن دمائكِ هي من ستقيم المجتمع الدولي ضدهم والذي بالفعل يعرف فظاعاتهم وجرائمهم.. الأسبوع الماضي فقط قتلوا طفل لم يبلغ عامه الحادي عشر يمشي في الشارع بسلام بحت يبتاع لوالدته بعض البقالة..."

ارتجفت شفتاها كما بكت عيناها وصدرت عن فرح شهقة مكتومة وهي تهمس "لماذا؟ ما الذي فعله؟ هل قتلوه لمجرد رميهم بحجر؟!"

قال أيوب بمرارة تشق الحديد شقاً إن سمعها "لا .. بل لأن أحد الأوغاد تراهن مع جندي آخر أنه يستطيع أن يصيبه على بُعد أمتار بعيدة ودون تردد عزم ونفذ وكسب رهانه"

قالت مرح بروح قتالية مقاومة لا تحتاج لأن تكتسبها أو أن تربى عليها ولكن هي تولد معهم، تتواجد في دمائهم مهما تكالب عليهم الزمن أو الطغاة "سأموت إذاً وأنا أحمل سلاح مثل باقي أبطال المقاومة لن أجعل دمي يذهب هباءً"

ابتسم أيوب بشحوب رغم كل الوجع فخراً بأن أولاد أيوب لن تنضب روحهم القتالية أبداً ولم ينسيهم كل ما رأوه في بلاد الغرب قضيتهم التي ولدت معهم ثم قال بحكمة "ليس عليكِ حمل سلاح لتحاربي تحت علم بلادكِ.. فكل فرد منا يحارب القضية بطريقته ومن منظوره... المهم أن يبقى اسم فلسطين عالياً يتردد بصخبه وسط كل محفل دولي"

ما لم يكن يتوقعه أيوب إطلاقاً رداً على جملته العادية والحكيمة أن تقفز مرح من جانبه تنظر إليه بحقد وبغض بلغ مداه حتى كادت تحطم بنيرانها المعمية كل ما حولها.. ثم هتفت بسطوة "إياك وأن تردد هذه الجملة أمامي, هذه حجة الخونة الخانعين من ارتضوا بأن يحملوا جنسية العدو ويكبروا بينهم ويتطبعوا بهم"

عقد أيوب حاجبيه ينظر إليها بدهشة ثم قال "وماذا تعرفين أنتِ عنهم لتطلقي حكماً ظالماً كهذا.. إن كنتِ تقصدين عرب الثماني والأربعين فأنتِ مخطئة يا مرح بل هم بقوا علي عدائهم وولائهم لبلدهم رافضين أن يغادروا ديارهم بل وجدوهم هناك يقرون بما لا يقبل الشك حقاً في أراضينا وعروبتنا وأصولنا وامتلاكنا نحن لفلسطين وليس كما يحاول بعض الحقراء أنها أرض اليهود بتاريخ مزيف"

صرخت فيه باقتضاب "بل أعرف أكثر مما تعتقد أنتَ.. أعلم كم هم خسيسي النفس يتربصون بضحاياهم ويحيكون أكاذيبهمويقسمون الظهر بخيبة الأمل فيهم, محطمين قلب صبية اعتقدت فيهم ملاذاً تحتمي فيه من عدو يماثلهم حقارة!"

وقف أيوب ببطء يحدق فيها بحرص وتشكك ثم قال "عمّاتتحدثين؟ أعتقد أن الأمر أخذ معكِ منحنى آخر!"

توسعت عيناها برهبة واهتزت بعمق عنيف وكأنها أدركت ما تفوه به لسانها بمكنونات قلب محطم كانت قد أقسمت على مسحه حتى لا يبقى من أثره شيء ثم قالت وهي تهم بالهرب دون تردد "لا شيء.. أنا فقط أعتقد أني تأثرت بآراء بعض من أسمع لهم، أو أقرأ في كتاباتهم.. أنا متعبة.. تصبح على خير يا أبي"

ثم دون تأخير كانت تنصرف من أمامه تاركة عينيه كما تفكيره يحدق في أثرها وكأنه يبحث في جوانب مشكلة وكارثة عويصة ليس لها حل.. لورين محقة فمرح بالفعل أكثر بناته تعقيداً بما تحمله من أسرار دفينة ترفض بكل قوة البوح عنها متظاهرة بكل عاكس لما تخفيه بداخلها ..

********



تحركت عيناها الصلبتان على صور متحركة لابنتها تمررها ثانية بثانية.. تتأمل شغبها وشقاوتها حتى ينتهي وتعيده مرة أخرى تعقبها مرات وهي تحدق فيها دون أن يرف لها جفن، وإن كان قلبها يأن بنزيف داخلي لا ينضب أما كلمات مرح التي سمعتها منذ قليل كانت تذبحها من الوريد للوريد دون رأفة..

أسبوع مر الآن.. سبع أيام كاملة منذ أن نُزعت منها وهي تقف عاجزة غير قادرة على منعه من تفريقها عنها.. أسبوع كامل طويل ومعذب منذ آخر مرة رأتها عيناها الداميتان وهي تلوح لها بوداع غير مترددة، أو باكية بل إلتفت حول والدها بتشدد تحثه على الرحيل، تؤكد له بكل الطرق أنه أولى بها منها هي.. همست لورين وهي تتلمس صورتها على شاشة الهاتف "كيف استطعتِ بسنكِ الصغير هذا الانتقام مني يا أمل.. لقد صفعتني يا صغيرتي.. حطمتني كما لم يفعل أحد من قبلكِ.. أين لهفتكِ عليّ عندما كنت أُفارقكِ ليلة واحدة.. أين اتصالكِ المُلِح مطالبة بعودتي إليكِ سريعا.. لقد افتقدتكِ يا أمل، قلبي مقهور يا صغيرتي لفراقكِ.. كيف استطعتِ الابتعاد عن قلبي الملتاع؟!"

فغرت لورين شفتيها المرتعشتين تتحركان لتشكلان حروف اسمها بلوعة وهي تتذكر أن ابنتها لم تحاول أن تسأل عنها مرة واحدة أو تطلبها ولو لمرة واحدة منذ رحلت وكل وصالها يتمحور حول جدها وخالتيها، تسمعها بقلب مفطور تثرثر لمرح عن تفاصيل يومها مع أبيها، ثم تمنحها أشواقها وقبلاتها الصغيرة وبعدها تنصاع لوالدها وتغلق الهاتف دون أن تبدي أي نية للسؤال عنها.. أما هي كانت من الجبن حتى هذه اللحظة أن تتجرأ وتطلبها بنفسها.. همست بلوعة "هل تعاقبيني يا أمل على سنين اهمالكِ كما أنا عاقبت والدتي على تفريطها فينا وعودتهالأبي.. هل تعيدين الصفعة القاسمة العادلة لي؟!"

عيناها كانتا جامدتين واقفتين رافضة لأن تبدي أي ضعف يلهب صدرها بالفعل وكأنها تعاقب نفسها بقسوة مظلمة, ما زالت تكلفها الكثير وتستنزف منها ما لا طاقة لها به ولكنها هكذا شُكلت وهكذا وُجدت وهكذا علمتها الحياة والتجارب المرة بأبشعالطرق...

حركت يديها ببطء وكأنها تجبر نفسها على منحها الألم أكبر من أن تتحمل دواخلها على آخر صورة أرسلتها لها إسراء لصغيرتها داخل منزل عمتها، تبدو صغيرتها كما عادتها صلبة, قوية ولها سلطة تصيب القلب بنغزة مبهجة، تجلس وسط أبناء عمتها تأمرهم بشيء ما حول لعبة يتجمعون حولها وتحتضن تحت ابطها دب أسود بشع للحقيقة في لونه وتشكيله..

ابتسمت رغماً عنها وأخيراً غلب جفنيها المثقلين بالدموع لتهبط منهما دمعتين كالسعير المحترق جعلها تطلق آه خافتة موجعة وهي تنهى مرتجفة "النظرة للحياة لا تتغير مهما أصلحنا من أنفسنا.. تبقى مترسخة داخل أرواحنا العليلة.."

وضعت ساعدها علي وجهها تحجب عينيها بحرقة متذكرة صورة من بين الذكريات المحجوبة وراء حائط النسيان الوهن وهي ترتدي فستان زفاف مبهر تجلس على قدميه فوق مقعده المتحرك يدوران ببهجة وسعادة حقيقية ثم إذا به يدس في إصبعها خاتم من الألماس الأسود "أسود يا ممدوح... أسود ليلة عرسي؟!"

تذكرت إجابته التي عصفت بها, عينيه المتألقتين بسعادة, ضمه الدافئ لجسدها, صوته المفعم بعشق وكأنه لم يعرف نساء أبداً من قبلها.. بل هو بالفعل لم يعرف امرأة قبلها ولم يحب أحد مثلما فعل معها ولم يثق في بشر كما وثق فيها ولكنه بالنهاية ذبحها على مقصلة ضبابه وعلله..

"وكأنكِ لم تفعلي قبله؟!" همستها بغصة وباعتراف صادق رفضت لأعوام الإقرار به، ولكن كان لها مبرر وأهداف شديدة الإنسانية, لقد محنته فرصته كما وعدت, لقد أنصفته وأخرجته من ظلال رماها هو فيها ونجا بنفسه بل وعاد ليسلبها الشيء الوحيد والمكافأة التي استحقتها بعد كل ما نالته من قتامة روحه...

من قال أنها لم تحب ابنتها.. كيف تجرأ الجميع الآن على الإشارة إليها بإصبع الاتهام غير المنصف، لقد عشقت صغيرتها منذ أن كانت مجرد نطفة بين أحشائها.. لطالما تكلمت معها, وعدتها بالكثير وعاهدتها أنها ستكون صاحبتها الوحيدة التي ستعينها على حياتها القاسية ولكنها فشلت.. فشلت ليس لقسوة منها إنما هو الخوف من المجهول, الرعب من خيبة أمل قد تمنحها إياها، الذعر من ماضي لم يتركها تهنأ كما البشر.. لقد ارتعبت من أن تتعلق بها كما فعلت نسرين ثم تهملها.. لا.. اعترفي جزء منكِ كان كاره للطريقة التي أتت بها ابنتكِ.. جزء حاقد وضغينة لم تتخلصي منها كانت ترهبكِ كلما نظرتِ إلى عينيها وتذكرتِ عينيّ والدها الذي لم تحبي يوماً سواه..

"تباً.. تباً.. هذا كذب.. ها قد عاد بروحه البغيضة يسيطر على تفكيركِ.. أنتِ لم تحبي هذا الرجل أبداً بل كما وصف أوهمتِ نفسكِ بعشقه حتى تمنحيه ما عجزت ِعن منحه لأبيكِ في الماضي.."

ضغطت على عينيها بقوة تعتصرهما عصراً ثم هتفت شاهقة بغصة عنيفة "لماذا عدت, لقد كنتُ قد تخلصت من وشمك بداخلي، كنت سأكمل حياتي من بعد تجاوز ماضيكِ البغيض الذي خلفته بداخلي.. لماذا عدت وسلبتني آخر ما تبقى من لورين القديمة التي كانت تتلهف لحياة عادلة مستقرة مع ابنتها.. صغيرتي الحلوة وشديدة الذكاء.. ذكاء مكروه كان نقمة عاتية جرفتني وحطمتني, إرث شديد البغض ورثَته عنك وعني وليتها ما فعلت.. ليتني ما أخبرتها الحقيقة لليالٍ طويلة فور أن بدأت في إدراك محيطها.. ليتها كبرت على اعتقاد أن مرح أمها وجدها هو أبوها.. لماذا كنت من الغباء أن أُعرفها عنك وأذكرهامرار أنها ابنتي أنا وكأن معرفتها بأني أمها نفعت بشيء.. لقد نفرتني وأحبتك أنت دون أن تقدم لها شيء أو أي محبة.."

انتفضت لورين من مكانها وكلها يرتعش بضعف, لا ما عادت تقدر على التمسك بجمودها أكثر, ما بقي فيها طاقة للمقاومة.. تريد صغيرتها وتشتاق الروح لسماع اسمها متلعثم من فمها, يريد الفؤاد أن يسكن بوعد آخر تمنحه لها باشتياق وعوده حتى وإن كانت وعود خادعة..

ضغطت دون تردد على رقم عمتها تنظر للهاتف مرتعشة وكأنه سينفذ فيها حكم سيعيدها للحياة أو يئدها حية..

"مرحباً لورين, كيف حالكِ؟!"

ابتلعت لورين ريقها الجاف ثم قالت بصوت خشن إثر بكائها المكتوم "أريد أمل يا إسراء"

تنهدت إسراء بجفاء قبل أن تقول بنبرة باردة "وكيف سأمنحكِ تحديداً شيئاً لا أملكه.. لورين إن كنتِ لا تعلمين فممدوح رفع قضية منذ ثلاث أعوام وحارب طويلاً حتى يثبت للمحكمة أن تلك الوصاية كنت مجرد ظلم طاله وبالطبع أنا شهدت معه وببساطة تحرر من قيوده الخادعة و..."

قاطعتها لورين بيأس "لا أنتِ فهمتني خطأ.. أنا فقط أريد سماع صوتها... إنها... إنها تجافيني رافضة التواصل معي"

عقدت إسراء حاجبيها قبل أن تسأل بخفوت حريص "تجافيكِ؟!ابنتكِ التي لم تكمل أعوامها الأربع تخطط وتجافيكِ.. بالله عليكِ هل تسمعين نفسكِ؟!"

بدا صوتها متلعثم وبائس للغاية وهي تهمس "ربما هذا صحيح, ولكن ثقي بي أمل ربما أصغر من أن تفسر مشاعرها أوتتحدث عنها ولكن أفعالها تقول الكثير.. إنها تعاقبني لإهمالها.. ألم تردد لك مطلقاً بأنني مشغولة؟!"

قالت إسراء بتفكير "أمممم نعم، إنها تخبر الجميع وليس أنا فقط, دائماً ما تكرر أنكِ طبيبة ومشغولة لذا هي تحب والدتها مرح"

قالت بصوت أجش "بالضبط, أرأيتِ هذا ما أقصده.. لقد سلمت بأمر وجودها معي تحت رعاية والدي وأخواتي وبأنني من المستحيل أن أفقدها، اعتقدتُ بغباء أنها لن تحتاج لأن أخبرهامراراً كم أحبها ولا أستطيع البعد عنها أو فقدانها, لقد تغافلت عن مشاعرها، مصرة على أن أمنحها ما تحتاجه مني بطريقتي وفي حدود المعقول"

قالت إسراء سريعا بجفاء "لماذا لا أتعجب من هذا.. تلك ليست مرتكِ الأولى يا لورين.. ربما لو كنتِ اهتممتِ ولو قليلاً بشرح مشاعركِ للآخرين وأهدافكِ الحقيقية من وراء أفعالكِ الجنونية لكان تغير الكثير وما كنتِ حطمتِ كل إنسان أحبكِ واعتقد فيكِ طوق نجاته"

شعرت لورين بلكمة عنيفة تضرب معدتها، بخنجر تلم يوجه إليهابشكل مدروس وبعناية شديدة ولكنها قالت بصوت أجش قوي "ربما أنا من خُدعت في هذا الإنسان الذي تقصدينه وما فعلته كان الصحيح تماماً لكي أستيقظ من تلك الورطة التي أوقعت نفسي فيها"

قالت إسراء ببرود "لقد كان محقاً, أنتِ لا أمل منكِ أبداً, قصة وانتهت, نقطة وآخر السطر.. لذا سأخبركِ بكل عملية، ابنتكِ نائمة الآن.. تستطيعين الاتصال بها غداً في الصباح الباكر"

جوابها ضرب قلب لورين كطعنة سكين قبل أن تهتف بغضب "ما الذى تقولينه بالضبط.. أريد ابنتي.. لقد تعهد أخوكِ بأنيأستطيع الوصول إليها في أي وقت أريده!"

قالت إسراء بهدوء بارد "كما تعهدتِ أنتِ لي شخصياً بأنكِ لن تجرحيه ولن تغدرى.. وكما أخبرتنى بوضوح عندما سألتكِ عن احتمال حملكِ منه بعد هجركِ له بأنه لم يرغب في أطفال.. ثم أكتشف بعد كل هذا أنكِ كذبتِ أيضاً.. لورين بمصداقية أنتِ تذكريني بنموذج امرأة مضطربة ومكروهة..."

هتفت لورين صارخة "هل تعاقبيني يا إسراء.. هل تريدين تكرار ما فعله والدكِ الحقير مع والدتكِ؟!"

الآن قد نالت من إسراء بشكل واضح وطعنتها بوجع لم ينسى ولكنها تمسكت بهدوئها وهي تقول "أنا لا أُعاقبكِ.. ابنتكِتتواصل في أي وقت مع أختيكِ ووالدكِ وليس لدينا أي نية في إدخال أمل في صراعات محطمة ولكني أنا أُخبركِ يا طبيبة يا عاقلة أن الوقت غير مناسب لأدخل على أخي غرفته وأيقظ ابنتكِ ذات الثلاثة أعوام مسببة لها الجزع لأن والدتها المصون تمر فجأة بحالة عاطفية غير مفسرة بعد أسبوع كامل من فراقها لها وبناء على كل معطيات شخصيتكِ، وما تسرده عنكِ ابنتكِستعودين بعد إشباع حالتكِ العاطفية تلك لنسيانها وستوجعينها بأبشع الطرق"

فغرت لورين شفتيها بألم ثم همست "هذا غير عادل.. وظلم بيّن لي"

قالت إسراء بخبث "إذاً أثبتي العكس.. إمنحي نفسكِ وابنتكِ الثقة في أمومتكِ.. المكالمات الهاتفية لا تبث إلا مشاعر باردة جليدية، لا تفضح لهفة العينين ولا حرارة القلب المشتاق"

همست بتوتر "ماذا تعنين؟!"

قالت إسراء بضجر "بالله عليكِ أي طبيبة شديدة الذكاء أنتِ أمأن الغباء يصيب عواطفكِ فقط؟!"

صمتت لورين.. لا يجمع بينهما إلا أنفاس ملتاعة عبر الأسلاك الهوائية حتى قالت أخيراً محاولة استجماع المتبقي من عقلها المتدهور "إذاً خلاصة قولكِ بأنكِ لن تجعليني أحادث ابنتي الآن؟!"

امتعضت إسراء قبل أن تهمس بحسرة بطريقة الأخوات الحانقات الشهيرة ثم قالت "بالله ماذا أحب فيكِ أخي.. ولكن من ماذا أتعجب ومنذ متى قام المحروس باختيار أي شيء جيد في حياته البائسة كلها.. دائماً ما كانت اختياراته كما وجهه العكر؟!"

أطلقت لورين نفس مبهور عاجزة عن الرد بينما تسمع تأوه خافت من جانب إسراء وشتيمة حانقة من الواضح أنها موجهة لشخص ما جانبها والذي لم يكن إلا مراد الذي لكزها في خصرها محذرها أن تتمادى في تعذيب المرأة المقهورة على ابنتها..

حتى قالت إسراء أخيراً باقتضاب "في الصباح الباكر سأتصل بكِ يا لورين لتحدثيها صوت وصورة, أما الآن أنا بصدق آسفة من أجلكِ ولكن ممدوح يقيم حواجز كريهة حول الفتاة.. إن حاولت أن أقترب منها الآن قد يستيقظ وينقض عليّ محطماً وجهي"

"ولماذا قد يفعل هذا؟!"

قالت إسراء بقنوط "لم يقدر بعد على تخطي حادثها.. أعذريه.. أن يعرف بأن لديه ابنة وبنفس الوقت يواجه أسوأ شر كان في نفسه ينفذ فيه.. كلا الأمرين كانا قسمة وصدمة أكبر من استيعابه"

قالت لورين بألم "فقط أخبريها أن لولو تشتاق إليها, تبكي كل دقيقة لوعة على فراقها.. حديثها بأني أحرت لها الكثير من السيارات والشوكولاتة.. قبليها من أجلي وضميها بقوة نيابة عني.."

رقت إسراء وهي تقول برفق "سأفعل وستخبرينها أنتِ بنفسكِ عندما تحدثكِ"

عم صمت نسبي بينهما حتى قالت لورين أخيرا بنبرة غريبة "قد لا تستطيعي الوصول إليّ حينها يا إسراء إذ كما تقول أمل أناامرأة مشغولة.. مشغولة جداً في أمر تأخرت في محاربتي من أجله.."

لم تلتقط إسراء معاني جملتها تماماً بل أصابها اليأس وهي تقول ببرود "على راحتكِ.. وداعاً"

ثم أغلقت الهاتف بحنق وهي تستدير نحو زوجها الذي ينظر إليها رافعاً حاجبيه ببراءة مستفزة ثم قال "ممدوح محق.. دور الدجاجة الأم التي تحيط صغارها لا يليق بكِ"

قالت بحنق وهي تضع الهاتف جانباً "لماذا ضربتني؟!"

قال مدعياً البراءة "أنا؟!"

قالت بحنق وهي ترفع شعرها بين كفيها تربطه في دوائر صارمة تثير الغيظ "نعم, لقد تركت أثرها على فكرة"

قال مراد ببرود "ربما لأنكِ كنتِ قاسية وباردة للغاية وكأنكِ لا تشعرين بها.. بحق الله مهما كان غيظكِ منها إنها أم تعاني فراق ابنتها!"

قالت إسراء بمكر "بل هي عنيدة صلدة كما ذلك الغبي أخي, لذا القليل من التلاعب والتدخل الحريص لن يضر"

قال مراد بهدوء وهو يخلع نظاراته يضعهم جانب أحد المخططات التي كان يدرسها سريعاً "الأمر أكبر بينهما من أن يحله بعض الخبث الأنثوي.. بعض الحكايا إغلاقها أفضل لكلا الطرفين"

قالت إسراء "ولكنه ما زال يحبها"

قال مراد بهدوء "ولكنها أثبتت بما يقطع الشك أنها لم ولن تحبه.. فهل نجبرها على العودة إليه مستخدمين ورقة ابنتها.. بغض النظر عن أن هذا ظلم لها فهل تقبليها على أخيكِ أن يعيش مع امرأة مجبرة على تقبله من أجل ابنتها فقط؟!"

رفعت إسراء الغطاء ثم انزلقت تحته وهي تقول بلهجة عادية "اسمع يا مراد امرأة مثلي تفهم لورين جيداً, إذ أني أيضا كنت أملك من الغباء ما لم ينافسه أحد وأنا أُهرتل هنا وهناك مدعية كرهاً عظيماً لك, لم أحمله من الأساس بل اكتشفت بالنهاية أني عشقتك حد النخاع منذ أول يوم في زواجنا أو لأكن واقعية عبر أيام وشهور من عشرتي معك ولكن بالأخير كنت أحبك بقوة رغم إنكاري المستميت"

نظر إليها مراد بصمت شاعراً بإحساس أجوف قليلاً..

"آسفة, لم أكن أعلم أن ذكر الأمر ما زال يزعجك" همست إسراء بينما يدها تمتد تلتف على خصره في مباردة لتقارب معتاد بينهما..

وضع مراد كفه على ساعدها برقة ثم قال "هو مزعج بالفعل ولكننا تخطيناه منذ زمن, إنه فقط رد فعل طبيعي.. دعينا الآن في أخيكِ أكررها لكِ الأمر مختلف كلياً إذ ما بيننا كان أزمة ثقة يسهل حلها أما هؤلاء الاثنين ما بينهما كسرة كبيرة وجروح أكبر من أن يستطيعا أن يجعلوها تلتئم"

قالت إسراء بقنوط "ولكنه يحبها, أنا أعرف أخي هو لم يتخطى عشق لورين قط"

قال مراد بصراحة مطلقة "لورين لا تنفعه يا إسراء.. نحن رجال ونفهم بعضنا إذ أنها نالت من رجولته بكل تجبر وليس مرة أو اثنتان بل مراراً وليتها فعلتها سراً فيما بينهما.. ولكنها جاهرت بكسرها له... أخوكِ بالأصل مكسور وكان يعافر ليجبر نفسه فأتت هي وحطمت البقية"

قالت إسراء بأسى "ولكن هو لن يقدر على التقرب من غيرها.. ممدوح لديه عقدة يا مراد ولن يخاطر بأن يأتي بزوجة أب لابنته, كما أن أمل تستحق تلك التضحية"

قال مراد بهدوء "ممدوح يحتاج لامرأة هادئة تربت في بيئة حانية.. امرأة تمنحه دفء يحتاجه وتعطيه محبة غير مشروطة، تتفهم معاناته وتهبه الصلاح الذي يتوق إليه.. ولورين رغم إعجابي بها لا تصلح لكل هذا إذ أنها بالفعل ذات جراح وعقد يصعب علاجها, امرأة صلبة قوية تتعامل ببنية شديدة أمممم وبصراحة أشعر أنها باردة كجليد القطب الشمالي"

قالت إسراء بغيظ "تباً لك أنت وتفحصك وتفهمك لكل أصناف النساء"

ضربته على صدره بقسوة ثم انسحبت تمنحه ظهرها وهي تغلق الأضواء من زر جانبي رافضة الاستمرار في مناقشته..

ضحك مراد وهو ينحدر تحت الغطاء مندس فيها محاول مراضاتها وهو يقول "هل تغارين يا دجاجتي الشرسة؟!"

"نم يا مراد ودع الليلة تمر على خير بدل من أن أقم بفعل جنوني لن يعجبك!"

شد ربطتها المريعة فوق رأسها ثم قال ساخراً "منذ أن أشهرتِ ربطة النكد تلك وكنت أعلم أنها ليلة منحوسة"

"أنا نكدية؟!"

"هل تسمعين ما يناسب مزاجكِ فقط.. إذاً نعم أنتِ نكدية كما كل زوجة مصرية أصيلة يا نكد"

التفتت إليه بحدة بين الظلام ثم دبت على صدره بحنق وهي تزمجر "اسحبها حالاً أيها ال.. ال.. العجوز"

رفع طرف فمه مطلقا صوت طويل وقح استنكاري وهو يقول "نعم.. من العجوز هذا يا دجاجة؟!"

قالت ببرود "أنت ومناداة مريم لك بعمي خير دليل"

تمتم بغيظ "تلك المدللة الآفة ال.... ماذا أقول عنها بعد؟!"

رفعت حاجبيها في الظلام وهي تقول بخبث "أنت عجوز بالفعل, هي لم تكذب.. أممم يمكنك إثبات عكس هذا لي.. إن لم تنتبه فأنا ذكرت بأني أعشقك عدة مرات ولم تقبلني!"

التفت مراد بعيداً عنها تارك مساحة آمنة ثم قال "مع (قمطتكِ) تلك الله الغني.. لفظ عجوز أفضل من مواجهة وحش النكد فوق رأسكِ!"

اقتربت تدب على صدره بحنق جلل "أنت أصبحت مغيظ وتغيظني الآن وكأن الجري وراء أولادك طوال النهار لا يكفيني"

قال مراد ببرود وهو يبعد يديها عن صدره وكأنه يبعدها بالفعل كالدجاجة "لذا من الأفضل أن تنامى أنتِ و(قمطتكِ) تلك قبل أن آتي بالمقص وأُخلصكِ منها تماما"

كم أصبحت تعشق مناغشاته الثقيلة والوقت الذي يمنحه لها ثم حضنه الدافئ وتربيتته العطوفة التي تزيح عنها كل شقاء النهار والإرهاق غير الطبيعي بين صغارها..

اعتدلت إسراء مرة أخرى ثم خلعت قميص نومها القطني المريح ببطء شديد أمام عينيه المتلاعبة التي عدلها لتلاقي خبث عينيها ثم رفعت نفسها موازنة جسدها لتشرف عليه من علو وهي تقول بميوعة "أحضره إذاً.. لقد أصبح شعري طويل بالفعل ويزعجني.. ها أنا جاهزة.. لا تتردد.."

مد مراد ذراعيه سريعا ملتقط جسدها الذي ازداد وزنه بشكل يناسب إنجابها لثلاث مرات، ثم أجلسها فوقه وهو يقول ببطء "أرني إلى أين استطال.. لم أُلاحظ يا دجاجة"

ضحكت وهي تنظر إليه بعينين متلاعبتين ثم أشرفت عليه ببطء وهي تقول "ها هو.. أنظر كيف أصبح مزعج!"

لعق مراد شفتيه بلسانه بينما عيناه كانت تحدق في منطقة بعيدة تماماً عن رأسها ثم قال بصوت ساخن "رغم أن ولادة سيف مر عليها الكثير ولكنها تركت أثر مبهر في ص... أعني شعرك!"

ضحكت بدلال ثم قالت "آه بالطبع كما أثرت بي وحولتني لنكدية"

أصابعه تلاعبت على بشرة بطنها التي تغيرت بالطبع ونال منها ترهل بسيط إثر الحمل والولادة المتكررة ولكم يفخر هو بذلك الجزء بالذات ويعشق النظر إليه ولمسه "هل قلت أنا بأنكِ نكدية.. والله لا أحد نكد إلا أنا.. تعالي إليّ لأعتذر لكِ كما يليق بكِ"

دفن رأسه وشفتيه في المساحة العارمة بين كتفيها دافعها لضحكت بدلال أكثر هذه المرة وهي تشعر به يلفها لفاً بين جذعه وعشقه.. ثم همست أخيراً قبل أن تستسلم بوداعة لطوفان رجولته "موووورراد كم أحبك"

*********

يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-20, 11:33 PM   #4190

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الفصل الاربعون

"أسوأ الحروب التي تخوضها نفسك عقل يرفض ، وقلب يريد "شكسبير



كانت تمسك بيده الباردة تنظر لوجهه الشاحب برهبة، تحدق فيه بلوعة الخوف، ورعب الفراق، بينما اللسان يصرخ فيه بألم وقهر.. "لماذا.. لماذا الآن تقتلني بتهديد فراقك ..استفق يا راشد من أجل إياب.. من أجلي"

سيطر خالد على انهيارها, يلف ذراعيه حولها ويسحبها من فوق صدره يجذبها بعيداً حتى يسمح للأطباء بأخذه بعيداً وإسعافه، خارجاً بها من غرفة الطوارئ كلها وهو يهدر فيها بسطوة "توقفي، ظننتكِ أكثرهن قوة!"

قوة!!

أيلومها أحد ويطالبها بالقوة وهو ملقى على طاولة فاقداً أنفاسه ومهددة بفقدها حياته.. إنه رجل عمرها.. حبها الأوحد.. عدوها الحبيب.. غريمها العاشق.. رغم كل شيء ورغم وجيعتها منه هي لم تتخطى راشد قط.. لم تتخيل يوما بأنها قد تقدر على عيش حياة هو لا يتنفس فيها...

أنفاسها كانت مقطوعة الآن تحدق في باب الغرفة المعتم الذي أغلق ،ببصر لا يرى بل كان شارد في اللامكان وضائع في اللازمان.. تمر عليها كل لحظة خاضتها معه.. متى أحبته أول مرة.. نظرت إليه بوله دون أن يراها.. أول مرة تجرأت فيها وصراخها الصريح في وجهه أنها تحبه.. متى أسرته هو كما كانت أسيرة غرامه حتى وهو غائب عنها.. وكيف حطمها للصميم ونزع فؤادها منها.. لقد دمرها.. وحطمته كما حطمها هو عند أخذه "ابنهما" وفراره به..

استدارت بدور برتابة مهيبة تحدق في وجه خالد المذعور رغم محافظته على صلابته تمسك بفوضى صدره وهي تهمس بذهول وتوسل وكأنها تريده أن

ينقذها كما وعد ان يجبرها كما تعهد " لقد تمنيت موته ...انا

كنت أتمنى موته من شدة وجعى منه ،

كيف استطعت فعلها ...كيف كان لقلبى أن يتحمل فقده "

صمتت لبرهة امام وجهه المصدوم ثم تابعت بهزيان



" الا أن لسانى فقط من كان يدعوا يا خالد من شدة يأسى علّ ابنى يعود لىّ ..!"

كان خالد ينظر إليها بوجه مصدوم من اعترافها،

أمسك كفيها بصرامة وهو يقول بأنفاس مكتومة "أنتِ لستِ المذنبة، كلاكما تمنى لصاحبه الأبشع"

هزت رأسها رفضاً وهي تهمس برعب "كيف لراشد أن ينهار.. هو لا ينهار.. يبقى صامداً أبداً... أنا... أنا سأموت هذه المرة إن تركني وغادر"

قال خالد مجددا من بين أسنانه مهاجمها ليس لشيء إلا ليجعلها تستفيق من انهيار آخر يلوح في الأفق مهدد توازنها المفقود أصلاً "لن يموت أحد يا بدور.. يجب أن تتماسكي كما عهدتكِ من أجل راشد وابنكِ..."

"لقد فعلت أشياء بشعة، لقد قالت بأني قتلته مرة!" كانت تتحدث بتيه وكأنها كائن آخر لا يعرفه.. وكأن سقوطه هو هذه المرة جرفها هي معه مجدداً كما ليلة فقدانها لإياب.. تراجع بها خالد على أحد المقاعد الحديدية وأجلسها هناك ثم انحنى أمامها يمسك كتفيها المرتعشين بتشدد وهو يكرر "كلاكما فعل.. وإن وجب عليكِ التماسك الآن من أجل مساندتي.. أنا أعول عليكِ يا بدور"

كانت روحها مهشمة كما كل ذرة في كيانها إلا أنها هزت رأسها موافقة وشفتاها تهمس بكلمات متفرقة ضائعة لم يلتقط منها إلا أنها تحاول أن تستعيد ثباتها.. بينما عيناها تشردان في الوجوه الشاحبة حتى توقفت على الصغير الذي بح صوته الآن من البكاء ولم يتبقى فيه إلا انتفاضات متقطعة من شدة بكائه يرتجف لها جسده الذي تضمه سَبنتي بقوة إليها.. ارتجفت بدور مرة أخرى بعنف وهي تحدق في وليدها بوجع بلغ حده.. فربت عليها خالد مانحها دعم آخر لأن تتسلح بالصبر من أجل أن تحتوي طفلها ..وعيناه كما قلبه الذي فقد انتظامه تحدق في محبوبته الضائعة كليا "سَبنتي"..

****



الهرج كان أكبر من اللازم.. أكبر من أن يستوعبه عقلها البسيط جداً في تلك اللحظة إذ أنها كانت مثال للبلادة والغباء وهي تراقبهم يضعونه في سيارة خالد الذي كان رغم فزعه يتحرك بثبات شديد وخطوات سريعة مدروسة بعناية رافضاً أن ينتظر سيارة إسعاف للقدوم، إذ أن الوقت لم يكن في صالحهم... هي لا تذكر حتى من دفعها لأن تستقل السيارة بجانبه, هل كانت بدور التي تتصرف أيضاً بنوع من الهذيان دجج حقدها عليها، أم هي من صعدت طواعية رافضة تركه كالمرة السابقة منذ أعوام..

صراخ جهوري معتم, سرير جرار يدفع وأطباء عديدين وممرضين ساعدوا خالد بجانب عاملي المزرعة.. ثم طبيب يتفحص حالته، وآخر يحاول أن يفهم من خالد إن كان له تاريخ طبي يجب أنيعلم عنه قبل أن يمنحوه أدوية.. أسئلة متداخلة عديدة لم يتمكن أحدهم من الإجابة عليها إلا هي ولكنها كانت أكثر ذهولاً و"بلادة" من أن تمنحهم ما يريدون...

"ارتفاع خطير في ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب أي أنها أقرب للذبحة الصدرية"

بعين الخيال كانت ترى شهقات بدور الجزعة، وهي تنظر للطبيب منتفضة حتى انهارت بين ذراعي زوجها بكلمات أفقدتها هي صوابها حتى أجلسها خالد أخيراً على أقرب مقعد..وجه خالد الذي يحدق فيها الآن كان أسود يتصبب منه العرق بشكل ملحوظ ولكنه كان يصر على المقاومة، شيماء كانت أيضاً هناك تبكي بنشيج خافت تمتم بشيء مدعية أنها السبب..

أما هي في تلك اللحظة أسندت رأسها إلى الجدار متراجعة للخلف مغمضة العينين ويدها تسند إياب المنهار في بكاء مرتعب ويلف كلا ذراعيه حولها وكأنه أصبح بطريقة ما جزء من جسدها كيان واحد متمثل في عثرة الحظ واليتم الذي يلوح في الأفق..

هما ليس لهم أحد غيره حرفياً.. هو الأب والسند.. البيت الذي يلمهم والظل الذي يحمي كليهما.. كيف يفقدانه وقد تخلي عنهما الجميع في وقت سابق.. كل غارق في أنانيته وترميم جروحه الخاصة غير ناظرين لهما إلا أنهم مجرد روحين ستطبب أخطائهم..

قبضة غاشمة عصرت قلبها عصراً.. ولكن لا دموع.. لا انهيارات، فقد نضبت منذ وقت طويل إلا أن وجع الجفاف أشد قسوة من الألم المبلل بالبكاء..

"سيعود.. ساعتين فقط.. امنحه ساعتين وسيفيق مبتسم في وجهنا ويخبرنا أن لا شيء قادر على أخذه منا حتى وإن كان الموت كما المرة السابقة يا إياب، أنت كنت أصغر إدراك من أن تذكر ولكني أذكر ذلك اليوم المميت جيداً..."

لم تعلم أن همسها الأحادي كان أكثر علوا لتنتبه إليه الوجوه الشاحبة التي تواجهها حتى أحست بيد خالد التي قبضت على ذراعها بقوة وسمعت صوته يقول بتشدد "عمّا تتحدثين.. هل هذا حدث من قبل؟!"

رفعت رأسها تنظر إليهم بعينين فارغتين، لا أثر للروح فيهما ولم تجيبه..

صرخ فيها خالد نافضها من مكانها حتى أصاب إياب بالفزع مرة أخرى جاعله يصرخ بطريقة أشد من قبلها "انطقي.. لا وقت لانهياراتكِ وألاعيبكِ.. هل حدث هذا من قبل.. يجب أن يعلم طبيبه؟!"

ألاعيبها ..هل يظن أن فقدها لأبيها مجرد حدث تستغله لتلاعبه.. هل في الأساس عاد فيها روح لتلاعب أحد أو تتعامل بذكاء كانوا يتغنون به في الماضي.. لقد ماتت سَبنتي التي تعرفها منذ زمن طويل.. دفنت في قبر جدها وسط أشباحها وما عاد فيها أي رغبة قتالية لتعود لهناك وتنتشلها...

ما زالت نفس العينين المطفأتين تحدقان فيه بفراغ.. بينما إياب يضرب بيديه وقدميه في اللاشيء محارباً لأن يتشبث فيها أكثر..

كانت تراقب أمامها.. مجرد خيالات لأناس تتحرك ويؤدون أدوارهم المطلوبة بفعالية جبارة.. حتى أنها أرادت أن تضحك بقوة حتى تفقد حواسها من يراهم الآن يعتقد أنهم يهتمون به فعلاً.. من يرى انتفاض بدور الباردة بالذات يتوهم أنها أحبته يوماً وبأنها لا تتمنى موته لترتاح من وجوده أبداً..

سمعت صوت بدور المليء بالرعب تحاول أن تدعي الصلابة على ما يبدو عندما تقدمت ببدن مسلوب وأبعدت خالد عنها وهي تقول "الصراخ لا يساعد الآن يا خالد.. ابتعد عنهما.."

مدت يدها تحاوط جسد إياب المرتعش بأصابع منتفضة غير ثابتة.. قبل ان تقول بنبرة قاربت التوسل وهي تبتلع غصة رعب في حلقها "سَبنتي أرجوكِ تحدثي، قلتِ بأني قتلته في الماضى .. هل هذا يعني بأنه حدث من قبل.. إن كان يجب أن نعرف؟!"

ظلت سَبنتي للحظات تحدق فيها بنفس تلك العينين التي أصابت الجميع بالذعر حتى قالت أخيرا بنبرة ميتة "نعم حدث, ولكنه استفاق من أجل إياب.. كان لديه دافع أن لا يتركنا وحيدين في أرض غريبة، كان ما زال لديه أمل في الإصلاح, ولكن الآن بعد أن علم بزيف كل شيء... بزيف هذه الدنيا أيضاً.. ما الذي يدفعه للبقاء؟!"

"يا إلهي.. يا إلهي.." نطقت بدور بذهول واندفع خالد نحو غرفة العناية الفائقة يصرخ بصوت جهوري أن يخرج أحدهم ليخبره ما لديه من معلومات جديدة فأجابه أحدهم على الفور وهو يخرج من هناك يستمع إليه شارحاً و ظلت بدور تحاول سحب ابنها لتضمه إليها مهدئة إياه.. ولكن كانت طامتها الكبرى ووجيعتها الأخرى أنه رفض قطعيا حتى النظر إليها ممسكاً في سَبنتي محتمي فيها منهم وكأنه يخبرها باختصار بأنهم قوم زائلين زائفين بدفئهم وأمانهم.. بينما سَبنتي وحدها الحقيقة الثابتة في حياته وملجأ أمانه...

صوتها كان ضائع الآن أكثر جفافاً من أن تنطق وأكبر ذهول من أن تستوعب ما يجري حولها "أعطني إياب.. دعيني أُطمئنه وأضمه.."

ظلت تنظر إليها بنفس الوجه الغبي البليد، دون أثر لأي مشاعر تفهم منها ما تمر به أو ربما صدمتها الخاصة والوجع الشديد والرعب الأشد حالا بينها وبين أن تفهم ما تمر به الشابة الصغيرة الآن حتى قالت سَبنتي أخيرا "وهل منعته عنكِ إن استطعتِ أخذه من ذراعيّ أمه التي يعرفها يقيناً... فتفضلي لن أمنعكِ!"

انخفض كتفا بدور بانهزام مستندة بيدها على ذراعها و انحنى جذعها للأمام وكأن ظهرها كسر وما عادت قادرة على نصبه ثم قالت بصوت خشن إثر الدموع التي تكافحها أن لا تهبط مجددا وتفضح ضعفها "ليس وقته الآن يا سَبنتي.. جمعينا نعيش القلق عليه.. راشد ليس أخاكِ فقط وإنما هو..."

قاطعتها سَبنتي بنبرة خافتة بدت كمشرط حاد يمرر في حرير قلبها الضعيف "هو الرجل الذي خان الأميرة وحطم أحلامها الخيالية، فكان عليه أن يعاني لما تبقى من عمره.. الرجل الوضيع الذي سرق ابنها بينما هي كانت تزف لأخيه... نعم, نعم أوافقكِ راشد يجب أن يحرق عقاباً، يجب أن يدفع الثمن عمره كله.. من مثله لا يجب عليه أبداً أن يرتاح ويحيا كما البشر!"

كانت الأرض تميد بها شاعرة أنها ستنهار في أي لحظة، ولكنها كانت أكثر وعياً أن لا تشتبك في شجار ليس وقته ولا مكانه، ومع فتاة تبدو فاقدة لعقلها غير مدركة لما تقوله من الأساس بل تردده بدافع الخوف دون أن تقصد حرفاً منه بمعانيه...

"إن أصاب راشد مكروه سأموت قبله.. هكذا هو حبنا يا سَبنتي ذلك النوع من الحب الذي لا يجلب سوى الألم والدمار.. ولكن كلانا لا يستطيع أن يتخطى عشقه و لا رؤية الحبيب الغريم يصاب بمكروه"

قالت سَبنتي بوجوم "حبكما؟! هل تظنين بأني قد أصدق تلك الكذبة مثلهم، حبكما المدعو هذا كان ستار واهي لغروركِ، لشبح انتقامكِ، لعقدكِ التي وجدتِ فيه هو متنفس مناسب لتخرجينها عليه!"

كانت بدور تتأرجح على قاب قوسين أو أقرب من الانفجار وانهيار قد يجرف أمامه الأخضر واليابس.. ربما هي تحولت لجبل جليد كما يعتقدون أو حتى ربما قارة قطبية بأكملها، ولكن حقيقة النفس المحطمة.. تلك الروح التي عانت من جرح يعقبه كسر ثم حرمان ثم وجع لا يشبهه قط وجع.. جعلتها من الداخل بركان خامد بثورته منذ سنين إن قرر البوح عن ما يخزنه بين جنباته لن يبقي على أحد...

صرخت فيها وهي تقفز من مكانها تجبراً "لا تعيشي الدور، سمحت لكِ بالتنفيس عن نفسكِ لشدة ما تعانين، ولكنكِ لا تملكي حق لومي، هو من خدع وهو من سرق ابني.. هو الجاني، فلا تحوري الحقائق.. أنا من رميت بين الحياة والموت.. بين الجنون والانهيار أعاني الألم والفقد.. أدفع ثمن جرم لم أرتكبه"

لم تكن صورة سَبنتي الجامدة مطابقة تماماً لانهيارها الداخليولكن منذ متى أخذها أحدهم في عين الاعتبار..

"بل أنتِ مجرمة بقدره.. عانيتِ.. وهو دفع الثمن"

دبت بدور بكلا كفيها على الحائط وهي ترفع رأسها بحدة ليتطاير معها شعرها الذي فقد عقاله بشكل مجذوب وهي تصرخ "أي ثمن هذا, أتصدقين نفسكِ لقد هدد وتوعد بموتي حية.. بدفني دون موت, بينما هو فاز بابني وبسلامكِ وسلامه؟!"

قالت سَبنتي بنبرة قاربت الهذيان وقد بدت عيناها غائرتان مشوشتان مكررة ما همست به منذ وقت "لقد قتلته مرة.. توقف قلبه عن الخفقان من أجلكِ مرة.. وها أنتِ تعيدينها.. لا.. لا.. أنا وأنتِ من قتلناه هذه المرة!"

كانت بدور تستطيع الإحساس بالدماء تهرب من وجهها قطرة قطرة.. حتى باتت لا تشعر بأي شيء حولها.. عقلها توقف عن التفكير عندما سألتها بنبرة أجشة "ماذا تعنين بهذا تحديداً.. كيف لي بأذيته وقد كان رحل بالفعل بعيداً عني؟!"

أطلت من عينيّ سَبنتي نظرة أشد ظلام وقسوة وهي تقول من بين أسنانها المصطكة بالغضب "بعد أسابيع من الرحيل لا أذكرها تحديداً إذ أن كل الأيام أصبحت تشبه بعضها.. ظلمة تعم النفس.. طفل يبكي ليل نهار مطالب بصدر أمه.. رجل يتلطم بيننا محطم النفس وبدا كأنه ينتظر شيء أو شخصاً يستحيل قدومه"

((لقد كنت أنتظركِ, أن تأتي ليّ, لم يخطر على عقلي أبداً أنكِ كنتِ ضعيفة حد الانهيار))

"رباه" همست بدور بوجه شاحب متذكرة همسه المصر الذي لم تصدقه مطلقاً ولكن الآن....

"لقد كنت ملقاة في مصح.. ماذا توقع وهو ينزع فؤادي مني؟!"هتفت بدور مستنكرة مضطربة

صرخت سَبنتي والوجه الجامد ينكسر شيئاً فشيئاً كألواحالرخام لتختفي القسمات اللطيفة المذعورة الذاهلة ويحل مكانه شيء أكثر بشاعة من أن تتحمله بدور في هذه اللحظة "لقد وصله جيداً وبوضوح تام أنكِ تتنعمين بين ذراعيّ رجل آخر.. بأنكِ ذهبتِ لمكان ما حتى تستطيعي تخطي أزمتكِ وتتناسي ابنكِ..لقد صدق.. اللعنة عليكِ.. لقد صدق فشله.. صدق بأنكِ أكملتِ للنهاية وأنتِ كنتِ بالفعل قد ساعدتِ في هذا مقدمة له كل الأسباب ليقتنع بأنكِ قادرة جبارة حد أن تشطبي كل ما يخصه.. بأنكِ أردتِ طعنه بنفس الصورة التي طعنكِ بها..."

هتفت بدور بشحوب "لقد سرق ابني.. كان معه ولدي.. كيف له أن يقتنع بتلك الحجة العبثية، كيف لي أن أنسى ضنايا؟!"

كان فزع إياب الآن فاق الحد غير المعقول بصراخه الذي ملأ المشفى جاذباً الأعين الفضولية لهم ولكن كلتاهما كانتا مشحونتان بأحاسيس تضارب فيها الغضب والذعر مع الحرص على طفل يعاني... قالت سَبنتي صارخة "حسناً.. هو الملام الآن.. هو من رمى ابنه ذو عمر الأسابيع وذهب للزواج من غريم أبيه.. من أخ أبيه الذي كان يحوم بالفعل كضبع عفن حولكِ وأنتزوجة أخيه وحامل بطفله.."

هتفت بدور "هذا ظلم وقلب للحقائق!"

قالت سَبنتي بدون تنازل "وما وقع على أبي ظلم أيضاً.. وما ندفعه أنا وإياب ظلم بيّن منكم جميعاً.. ليتنا لم نولد.. ليتنا ما كنّا بين جنبات عائلة بغيضة لم يفكر أحدهم فينا مرة واحدة"

قالت بدور بشرر فاقدة السيطرة "إياكِ أن تجرؤي وتقارني وضعكِ المشين بابني يوماً فهو أبداً لا يشبهكِ"

صرخة خالد الجهورية أتت من خلفها مزلزلة مرعبة "خسئتِ"

شحب وجه بدور بقوة وهي ترفع كلا كفيها تضغط على فمها بتشدد "رباه.. أنا لم أقصد.."

ابيضّ وجه سَبنتي حتى نافس لون الجدار الذي تستند عليه.. عيناها كما روحها باتت مهترئة بفظاعة وكأنها تذوب حية داخل صهريج متجمّر.. متساقطة نفسها لمليون شظية تحت أقدامهم التي شعرت بها تدهسها دون رحمة...

شعرت بيد خالد تمتد نحوها فنزعت نفسها سريعاً تدعي القوة وعدم التأثر.. لكن كل شيء كان حطم بالفعل مخرج أسوءأشباحها..

"ابتعد عني.. لا تلمسني" همستها بنبرة ضائعة

سمعته يقول بصوت أتاها من بعيد محاول أن يلبسه بلسم يرطبجرحها الحي ولكن منذ متى كان هناك علاج فعال مع قيحها المتعسر..

"حبيبتي أنتن أكثر انهياراً الآن لتدركن ما تقولانه.. هلّا جلستِ من أجل إياب على الأقل؟!"

لم تجبه بل رفعت عينيها الحزينتين المذبحوتين نحو وجه بدور الهلع ثم همست بوضوح تام فالآن ما عاد مكان لأسرار تحفظها كما وعدته "لقد بحث عنكِ، لقد أراد أن يتراجع من أجل إياب ويعيدكِ إليه، لذا رفض تصديق شائعات الصحف واثقاً بكِ للنهاية، وطلبكِ على هاتف كان قد تركه لكِ كما أخبرني، ولكن هناك رجل ما أجاب على الهاتف وقال أن من خلفته عروس أتت مع أسرتها ثم حدث شجار ما عقب عقد قرانها ورحلت.. لقد انتظر الرجل عودتكِ ولكنكِ لم تعودي أبداً.. كما لم تأتي باحثة عن إياب.. وراشد وقتها سأله فوق المئة مرة عن ما يقصده بعقد القران فأكد الرجل بما لا يقبل الشك أنه تم.. وكان حاضر بنفسه ثم... ثم كان هناك آخر على صله بكم أكد له ما نشر بالسابق.."

رجفة كانت تجتاح جسد بدور دون رحمة وهي تهمس بعينين قاربتا على الجنون "هل تريدين مني تصديق هذا الهراء.. رجل وهاتف وكلام أحمق لا يصدق؟!"

قالت سَبنتي بجمود "ما عادت تفرق, تصديقكِ من عدمه، الأمر سيان.. راشد كان محق امرأة مثلكِ مضطربة, وحشية, عديمة الرحمة والإنسانية.. ما كانت تنفع مع أخي"

صمتت قبل أن تكمل مصححة بمرارة "عفوا سيدة بدور.. أعني إياب.. فأنا لا يليق بي وصفه بأخٍ ليّ..."

ضمت بدور فمها بكفيها أكثر, عيناها تذرفان دموع لا تتوقف, تهز رأسها برفض مرير فبدت في هذه اللحظة صورة سريالية للحزن والوجع والخوف غير المحدود "أنا لم أقصد أذيتكِ.. بل لم أرد جرحكِ.."

شهقت مرة أخرى بوجع.. بينما تسمع خالد يقول بنبرة هادرة خفيضة "كفاكن فضائح.. ألا تكتفيان؟! هو يصارع الموت بالداخل وأنتن هنا تفعلان الشيء الوحيد الذي تجيدانه.. تدمير بعضكن.."

رفعت سَبنتي وجهها الميت نحو خالد ثم كررت بصوت واضح "هي قتلته.. لا أعلم ما الذي أخبرته به.. ولكنها المذنبة.. لقد عادت الطاووس لتقضي على المتبقي منه"

همست بدور مكررة سؤالها بإصرار "كيف انهار من قبل؟! انطقي.."

قالت بوجوم متشدد "عندما علم بعد فوات الأوان بأنكِ كنتِ تعانين مثلنا.. بأنه دمركِ بالفعل كما دمر نفسه وابنكما قبلكما.."

هتفت بدور بصوت أثقله الألم "لا.. لا، هذا ظلم آخر.. ليته عاد.. ليته واجهني.."

دفع خالد سَبنتي مجدداً وراء ظهره راغباً في منعهما من مواجهتهن الدامية "كفى.. وإلا سأرسلكما بعيداً"

"أنا قاتلة... أنا أضحيت كما تمنيت يوماً مثلكِ.. قاتلة يا بدور"

كانت شيماء في هذه اللحظة ترتجف بعنف, تبكي بصمت وهي تقلب رأسها بينهم.. ولكن عند هذا الحد كانت تقف تتخبط بين الجدران والمقاعد حتى اصطدمت أخيراً بذراع بدور فشدتها بعنف تتشبث فيها بأظافرها وهي تقول بألم يرتعش خوفاً وبرداً "بل أنا المسؤولة.. لقد أخبرته بكل شيء.. سرنا البشع يا سَبنتي.. لقد عرف راشد بوصول والدي لكِ.. بتواصلنا أنا وأنتِ أعوام دون أن يشعر بنا أحد.."

صرخت سَبنتي بنبرة عنيفة ومتحشرجة.. إن كان يصلح جمعهما معاً.. وجهها شاحب تماما وشفتيها مبيضتان منشقتان رعباً وصدمة "ماذا... فعلتِ؟!!"

تمتمت شيماء بحرقة "كان يجب أن يعلم.. الستر آن له أن ينكشف.. لم أقدر على حمل وجع المعرفة وبغض نفسي أكثر"

كررت سَبنتي بذهول وبغض "لم يكن من حقكِ، لقد خنتِ سري بالنهاية، حطمتِ ما حاولت حمايتهم منه، كيف استطعتِ خيانتي.. كيف لكِ أن ترميهم مجدداً في بئر ضياعنا؟!"

ضمت شيماء جسدها المرتجف وهي تهتف بنيران الذنب التي تلتهمها "لم أقصد.. أنا آسفة.. آسفة له.. آسفة لكِ يا بدور.. أنا لم أملك الجرأة لأخبركِ باكراً"

وكانت القسمة الكاملة لبدور وهي تنظر إليها مقتطعة الأنفاس غير مستوعبة "الحقيقة" التي يتبادلان الإقرار بها...

أغلق خالد جفنيه على عينيه المحمرتين بالقهر والوحشية، وبدّل وقوفه أمام شيماء حاجبها بعيدا عن بدور التي ترنحت بقوة في مكانها وهو يسمعها تسأل بعدم ترابط وبارتجاف بلغ أشدّه "ماذا تقولين أنتِ.. أبي وصل لها؟! أين ومتى؟! وأنتِ كنتِ تتواصلين معها.. أي من الممكن أنكِ سمعتِ صوت ابني وتعلمين عنه بينما تراقبيني أموت كل لحظة يا شيماء.. لا ليس أنتِ أرجوكِ.. ليس أنتِ.. لقد تعشمت فيكِ الكثير.. هذا كذب.. كذب.."

همست شيماء بضعف من بين بكائها العنيف مرددة "أنا آسفة.. والله أني آسفة.. لم أملك حل آخر.. ليس بعد ما فعله والدكِ بها"

لم ترد بدور بشيء بل خلعت ذراعها منها بصمت قاتل.. إذ أنها لم يعد فيها قدرة على سماع المزيد من أحدهم, لا تبريراتهم ولا حقائقهم لقد اكتفت! .. تاركة الدفاع لخالد الذي احتار من يساند ومن يرمم ويعالج.. نفس الحيرة القديمة ونفس الحمل الثقيل والإجابة العاجزة.. بل زاد فوقها طفل بح صوته من صراخه وتجمد ذعراً وهو يحفر أنيابه الصغيرة في كتف سَبنتي رافضاً تركها...

"إياب.. أرجوك ترأف بقلبي يا بني" كفاها الرقيقان عادا يحاولان احتواءه دون يأس.. ولكنه زاد من ذعره وعناده، يزجها بيده دون أن ينظر إليها صارخاً ببغض يحمله للمرأة الشريرة التي رآها تقتل أباه..

"آاااه.." انحنت بدور للأسفل مقسومة لنصفين, شاعرة بنفسها على وشك السقوط ومجاورة الراقد تحت أيدي الأطباء..

قاطعهم خروج الطبيب متوجه نحوهم ينظر إليهم بوجوم وغضب مشتعل ولكنه تحكم فيه عندما نطق "وضعه لا يبشر بالخير، لقد فعلنا معه الإجراء المتبع وسنحاول تدريجياً خفض ضغط دمه المرتفع.. ولكن بالطبع كون الأمر تعدى مجرد وعكة خفيفة كما حدث من قبل كما أخبرتني فنحن بصدد تهديد حقيقي لحياته أي (ذبحة صدرية).. سيد خالد"

شعر خالد بطعنة حادة اخترقت صدره برعب الفقد الذي لم يفارقهم بعد.. فشبح الموت ذلك الحق الوحيد المكروه في الكون لم يترك جدران منزلهم بعد بل كانت زيارته لهم قريبة جداً..

"أي ذبحة.. عمره لم يتخطى الثمان والثلاثون؟!"

قال الطبيب بحدة "وهذا السبب أدعى تحديداً لآمر بإبعاده عن أي اضطرابات للمدة التي أحددها بنفسي، ويمنحني الحق أن أخبرك إما أن تلتزموا الهدوء أو سأستدعي تدخل الأمن وأخرجكم فوراً"

قال خالد بحدة مسيطرة مستخدم مكانته لأول مرة "هل تعلم عن من تتحدث.. أو مع من؟!"

قال الطبيب بغضب "لا أهتم.. كل ما أعرفه أن الرجل الذي بالداخل في مقتبل عمره يعاني جلطة.. ذبحة صدرية افهمها كما شئت.. وبعد عرضكم الجميل هذا، أظن بأني علمت ما الذي أوصله لتلك الحالة.. ذلك الأمر بالذات يصبح أكثر خطورة على صغار السن من العجزة.. من بعد إذنك سيد خالد"

لم ينتظر الطبيب رده بل التفت منصرفاً على الفور عائداً لغرفة العناية الفائقة...

هبطت سَبنتي على الأرض بحدة.. عيناها الواسعتان تحدقان في الفراغ بذهول ورعب بلغ أشده...

وفي تلك اللحظة بالذات علم خالد أنه عاجز تماما عن قول أو فعل شيء يخفف ما تعيشه...

فجلس بجانبها آخذاً شيماء جواره والتي أخذت تبكي بكاء عنيف لا ينقطع وهي تهذي تقريبا "لا موت جديد.. لا أريد أن أعيش ذلك الألم مجدداً.. لا أستطيع احتماله.. ليس ويديّ عليها آثار دمائه"

أسند خالد رأسه للوراء على الحائط بتعب و مد ذراعيه يلتقط إياب جبراً ولكن للغرابة لم يقاومه الفتى بل لجأ إليه يحفر بأظافره المقلمة فوق كتفيه.. وهو ضمه إليه شاعراً بألم آخرقاتل حسرة على الصغير الذي بلل نفسه من شدة ما يعاني..

"سأقتل نفسي.. ليس لي بعد أبي حياة!" همهمت سَبنتي بضياع..

مد خالد ذراعه الآخر وأجبرها على أن تدس رأسها بين جانبه وساعده.. ترتعش بعنف, بعمق.. ولكن لا دموع بل جسد كلوح الثلج.. وظلام مرعب طويل.. طويل للغاية وبطيء يؤخر انقشاعه غيم ظلل على رؤوسهم في ليل أسود داكن..

انسحبت بدور من المشهد الدامي عارفة أنه ما عاد لها مكان بينهم، تبحث عن أول باب خالي تستطيع الاختفاء خلفه وحين وجدت ضالتها تسللت ببطء، تحدق في الفراغ بصمت جارح، و أحداث الليلة الكئيبة المدمرة تمر أمام عينيها متخللها كل جريمة وخطأ ارتكتبه في حياتها منذ البداية فبدت كمشهد سينمائي بطيء وسلسلة من الحلقات المعذبة والمحطمة لا تنتهي ..

كل ذكرى وأخرى كانت تصفعها صفعاً ترديها قتيلة.. كيف كانت بهذه البشاعة.. كيف كانت معمية العين والقلب والبصيرة.. كيف ارتكبت تلك الفظائع وماذا جنت من زرعها الأشواك..

ملامحها كانت في هذه اللحظة عاجزة تشيخ بصمت بتعاقب.. مرتعبة، ذعرة، نادمة, مجروحة وجارحة ظالمة ومجرمة، مجني عليها وجانية.. مقتولة بيده.. قاتلة"

", جانية, بشعة, أنتِ السبب قاتلة.. لن يفيق.. والدكِ كان يعرف سرنا.. تواصلنا.. لقد خدعت.. لم أعود.. لا ستحطمينه.. أنتِ قاتلتي يا ابنة ياسر..

شيماء كانت تعرف.. أبوها كان يعرف.. هو لم يعد، ابنها يكرهها..

بالنهاية هي خسرت ليس الرجل الذي عشقته حد التطرف، حد الجنون فقط.. ولكن خساراتها الأكبر كانت لنفسها... لماذا كانت من التعنت لأن لا تسمع نصيحة أمها.. لما ملكت من الغباء والكبر أن لا تتركه وقت خيانته لها وراء ظهرها...

لماذا امتلكت من الضلال أن تستمر في حلقتهم التي ضاقت واستفحلت حتى كمدتها وحدها عاصرة إياها عصراً لتصبح النتيجة والخسارة فقدها لصغيرها، الذي لن تكسبه أبداً..

"أعادك لي جسداً يا إياب، وفقدتك قلباً وحباً يا رضيعي.. لما لم تصمد قليلاً من أجلي.. ليتني هربت قبل أن أستمر في تلك المسرحية عله وقتها كان عرف بأنك كل ما اهتممت به في الدنيا.. وتركك لي"

"آه.. آااااه.."

كل شيء كان يدور حولها في حلقات نارية تلفها, تلحفها, تصفعها بقسوة, وتلكمها بتوحش.. حتى شعرت بكل إنش فيها مدمي ومكدوم...

ببطء وشيئاً فشيئاً كانت تعود تكمم فمها بقوة تنحدر على الباب ببطء مميت.. نبرتها تعلو بصراخ تدريجي بطيء.. صراخ يزداد حدة بوتيرة موجعة.. تهبط وتهبط لأسفل الدرك.. رأسها يتحرك برفض قاسي لشيء لا تعرفه.. أو ربما لتعدد صدمتها فيما تبكيه وفيما تندم عليه لم تحدد ما الذي هي ترفضه.. فقط كانت تهبط لأسفل كاتمة شفتيها بقوة.. دمعها يهبط دون أن يكف مغرقاً وجهها، شعرها متهدل وراء ظهرها وحول ملامحها مخفيها حتى جلست القرفصاء أخيراً تضم ركبتيها على صدرها.. تمر حياتها ببطء أمامها حتى وصلت لجسده الهامد الخالي من علامات الحياة بين ذراعيها وإنفجر كل شيء مرة واحدة.. تصرخ وتصرخ بانهيار كامل.. تمسح على نحرها بكفها بعشوائية علها تتخلص من الغصة الهائلة.. كتفاها يهتزان بقوة ينحنيان بقسمة.. تشعر أن جرحها وقلبها المكسور لن يرمم أبداً...

ثم همس القلب بما لن يبوح به اللسان مجدداً بإقرار واحد تغلبها إليه كل مشاعرها الآن "لا قدرة لي على الحياة بعدك.. لا تغادر.. لا تتركني.. لا تغادر.. لقد كنت أكذب.. لم أتمنى موتك.. لم أدعو حقيقة.. رباه ارحمني فقد بلغ عذابي وعسرتي مداها.."

********



أطلقت شيماء شهقة قوية وهي تشعر بذراعي والدتها أخيراً تحتويها.. مرتجفة, خائفة وهشة للغاية.. كانت تهذي للنفوس التي شعرتهم حولها بنوع من الضياع "لم أقصد أن يصل إلى هنا.. لم أعرف أنه مريض بالفعل.. لقد بدا كما كان دائماً وحش لا يتأثر.. لا يشعر ولا ينهار مثلنا.. لذا أخبرته بكل شيء وأعلمتهبالسر الوضيع لأبي حتى يمنعها ويقدر على كبح جنونها.. أردتأن أصلح كل شيء لا أن أفسده!"

همست منى تكبح دموع الفؤاد المهتز "إهدئي صغيرتي.. ما حدث قدر ليس إلا.. هو مجرد بشر.. إنسان عادي يتأثر بما يحدث حوله"

"أنا آسفة.."

ضمتها منى إليها بقوة.. بينما حدقتيها الغائرتين داخل جفنيها يحدقان في ربيبتها المنفصلة عن الواقع.. هامدة وصامتة.. ضعيفة للغاية, مستسلمة بشكل يقطع الأحشاء دون أن يوصلها...

انحنت نوة تجلس القرفصاء أمام خالد محاولة أن تكون هي أكثرهم تحكم في هذا الموقف الصادم والمؤلم.. إذ أنهم عندماتناقلوا الخبر منذ ثلاث ساعات أو أكثر من إيهاب الذي كان الوحيد الذي بلغه خالد كي يأتي جانبه جزعوا بما فيه الكفاية...

قالت نوة بهدوء وهي تخرج من حقيبة نسائية جلدية كبيرة نسبياً غطاء ثقيل تدثر به الصغير النائم بدموعه الجافة على كتف خالد "مريم قالت أنك طلبت منها ملابس مناسبة لزوجتك وإياب أيضا.. هل يمكنك إقناعها بالوقوف إذ أنها لا تبدي أي استجابة لأحد؟!"

نظر خالد إلى سَبنتي التي ما زالت على وضعها منكمشة عارفاً أنها لا تدرك في الأساس من استسلامها إليه.. كانت ما زالت ترتدي قميص نومها القطني، إذ أن الموقف لم يسعف أحدهم للتفكير.. ولكنه بالطبع كان من الوعي لأن يخلع سترته القطنية في وقت ما وجعلها ترتديها ساترها عن الأعين.. أما عن البنطال فيذكر بشكل ضبابي قبل هرولتهم إلى الأسفل أنهاالتقطت بنطال منامة طفولي وارتدته على عجل... قال أخيرا بتهكم "لا تتعمشي بأنها ستمنحني الأفضلية فتأثيري عليها مثلكم تماماً.. هي تلجأ لي الآن لأني المتوفر.. لا البديل"

تنهدت نوة بالألم قبل أن تريح ركبتيها على الأرض.. ثم تستغل ستر خالد لها بجذعه الضخم.. وشرعت في خلع سترته عنها..

"ابتعدي..." همست سَبنتي بضعف وهي تقاوم يديها.. ولكنها كانت هزيلة بحد موجع لأن تدفع أحدهم عنها.. مررت نوة الفستان المحتشم سريعاً عبر رأسها ثم بصعوبة شديدة كانت تمرره في ذراعها ... وأسدلته أخيراً حولها حتى غطى ركبتيها ثم سحبته بتمهل ليستر ساقيها.. وهي تقول بخفوت "الأفضل إنرآها طبيب وأعطاها مهدئ"

قالت سبنتي بصوت خشن وكأن أحبالها الصوتية أُهلكت في معركتها القصيرة السابقة مع بدور بالتزامن مع عقلها المغيب "لا أحتاجه, هل تريني أقطع في شعري.. فقط ابتعدوا عني كما كنتم طوال أربع سنوات.. وسأصبح بخير"

الوضع كان أكثر كآبة لأن تجادلها نوة بإيجابية إذ أنها احترمت حزنها، وهي تستدير مرة أخرى نحو أخيها محاولة التقاط إياب الذي فزع على الفور وبدأ في صراخ حاد خلع قلوبهم خلعاً.. بشكل ضبابي كان الفتى يزيح صدر خاله مقاومه ثم يرمى بنفسه على جذع سَبنتي التي استقبلته بترحاب تضمه إليهابقوة دافنة رأسه على قلبها، ووجهها هي في شعره ثم أخذت تهمس بصوت هادئ "ماما هنا.. ستحميك.. لا تخف يا صغيري.. لن يأخذك أحد مني.. سأحميك كما قدم هو الحماية لي"

اهتزت ملامح نوة بقوة وهي تبتلع ريقها الجاف تنظر لخالد الذي هز كتفيه بعجز وقال "حاولت بدور أخذه مني ومنها عدة مرات بالفعل.. ولكن كما ترين رد فعله لا يتغير"

همست مريم التي كانت تجلس بجانب زوجها المتجهم بالقلق ونوع من الغضب "هذا أكبر من أن يتحمله طفل في عمره.. لماذا لا تعيدهما هو وهي للمنزل؟!"

"أنا لن أتحرك من هنا إلا مع راشد" نطقت سَبنتي بحدة..

قال إيهاب بصوت أجش "الأمر قد يطول كما أخبرنا الطبيب.. وبالفعل الوضع غير صالح لإياب.. سيضر به هذا"

حركت رأسها برفض صامت..

قالت نوة بهدوء "إذاً أقنعيه بالذهاب لبدور، وهي ستعتني به"

مرتجفة ومضطربة كانت تقلب عينيها في وجوههم شاعرة أنهافي المكان الخاطئ بين أناس غرباء.. تواجههم وحيدة، غير آمنة ومذعورة.. ذعر ليس له أمان يردعه.. ثم همست بصدق مؤلم "أتمنى أن يذهب إليها.. أن يشعر بالاستقرار مع غيري.. أنا أثق بأن راشد يرغب في هذا.. أن يلجأ إليها هي بالذات.. فتبعده عن هذا... هذا العذاب.."

أطل وجه بدور الشاحب أخيراً تنضم إليهم في ردهة المشفى قادمة من أمام غرفة العناية دون أمل في سماع عنه أي شيء يطمئنهم... وقد كانت منذ وصولهم تتجنبهم كلياً وكأنها تشعر بأنها لا تنتمي إليهم.. الجميع خدعها.. الجميع نكّل بجرحها.. كلهم فضلوا تطبيب جروحهم الخاصة دون النظر لمرارتها ووحدتها لسنوات... ثم قالت أخيرا بأنين "أتركوه معها.. لا أحديحاول نزعه منها.. أنا أعلم أنه أكثر استقراراً في هذه اللحظات مع أخته"

رفعت سَبنتي وجهها المهزوم نحوها تحدق فيها بمرارة.. ثمابتسمت بتهكم ساخر دون أن تعلق بشيء... كانت وكأنها ترد لها ضربتها بتهكمها ذاك وتمنحها الدليل القوي والموجع بأنه كان محق عندما خبأ عنها بالذات في الماضي حقيقة نسبها...

أسبلت بدور جفنيها بإنهاك بلغ أشده ثم استندت بكتفها إلى الإطار للباب الحديدي الفاصل بين الغرف ولم تعلق إذ أنها بدت كمن استنزف كل ما لديه من مشاعر...

شذى كانت هناك أيضاً ولكنها كعادتها لا تتدخل ولا تقترب, فقط تراقب بصمت.. تبكي وتأن دون صوت متسائلة إلى متى ستظل معاناتهم.. هل بالفعل سينتهي كل شيء بهذه السهولة، سيموت هو دون أن يحصلوا على استقرار أمل فيه.. دون أن يدفع ثمن جرم رهيب ارتكبه في حق أختها.. أختها وماذا عنها إن لم تستطع أن تتخطاه وهو حي يرزق و يجرم في حقها.. فكيف لها الآن أن تتعامل مع التهديد بفقدها حياته؟!!

أحست منى بالدموع تحرق عينيها من جديد، بكل الألم يعود يغرز سكينه في صدرها, بكل الأمل في تغيير نحسهم وتشتتهم يخبو من جديد..

"كتب عليكِ أن تشاهدي عمركِ كله وصورتكِ المثالية محطمة من الخارج كما هي مهشمة من الداخل يا منى"

*********


يتبع الان
:a555::a555::a555::a555:

https://www.rewity.com/forum/t459560-420.html



التعديل الأخير تم بواسطة رغيدا ; 30-06-20 الساعة 12:09 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.