آخر 10 مشاركات
215 - لعبة الحب والحياة - بيتانى كامبل - مكتبة مدبولى ( اعادة تنزيل ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          سيدة الشتاء (1) *مميزة* , *مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          600 - مع الذكريات ( عدد جديد ) - ق.ع.د.ن*** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          [تحميل] جبروت الشيخ وقلبي ، للكاتبة/ بنين الطائي "عراقية " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الغريبه ... "مكتملة" (الكاتـب : tweety-14 - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          وَجْدّ (1) *مميزة** مكتملة* ... سلسة رُوحْ البَتلَاتْ (الكاتـب : البَتلَاتْ الموءوُدة - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-07-20, 10:19 PM   #4361

Diego Sando

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Diego Sando

? العضوٌ??? » 307181
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,113
?  نُقآطِيْ » Diego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond repute
افتراضي


تسجيل حضوووووووور

Diego Sando غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:20 PM   #4362

رودينة محمد
alkap ~
? العضوٌ??? » 156079
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 1,026
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » رودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond reputeرودينة محمد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك mbc
¬» اشجع ahli
افتراضي

تسجيل حضور فى انتظار الفصل

رودينة محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:23 PM   #4363

ام تقوى التونسية

? العضوٌ??? » 304270
?  التسِجيلٌ » Sep 2013
? مشَارَ?اتْي » 226
?  نُقآطِيْ » ام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond reputeام تقوى التونسية has a reputation beyond repute
افتراضي

بالانتظار على احر من الجمر

ام تقوى التونسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:30 PM   #4364

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور تاتى فى انتظار الفصل ومفاجاته

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:37 PM   #4365

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الواحد والأربعون



أنا لا أفكر..
أن أقاوم ، أو أثور على هواك..
فأنا وكل قصائدي..
من بعض ما صنعت يداك..
إن الغرابة كلها..
أني محاطٌ بالنساء..
ولا أرى أحداً سواك..

......................:::::::::







دخلت بدور إلى ردهة الاستقبال متوجهة نحو نوة وزوجها وهي تنظر لوجه نوة الشاحب وسألتها "هل هناك جديد؟"

هزت نوة رأسها رفضاً وهي تضع يدها على وجنتها ثم قالت "لم يفق بعد رغم تأكيد الطبيب لمدحت أنه يفترض أن يفعل في أي لحظة"

تنهد مدحت بحزن وأسى على صديق المراهقة والشباب ثم تمتم "لقد أخبرنا أن مرحلة الخطر قد مرت، ربما عقله من يرفض الاستجابة لإفاقته بعد.. لذا لا داعي لذعرنا الذي بلغ أشده في الفترة الماضية"

أومأت قبل تجلس بجانب نوة بقلق لم يغادرها معبراً عنه تمسك يديها الاثنتين في طرفي المقعد جانبها وعينيها التي ارتفعت تحدق في باب غرفته بأسى..

سألت نوة بوجوم "هل رأيتِ ابنكِ؟"

أسبلت بدور جفنيها كي تتمالك أعصابها المشحونة ثم قالت "هذا كان سبب انصرافي أساساً، فماذا توقعتِ؟"

التفتت إليها ببطء ثم قالت "دعيني أوضح سؤالي إذاً.. هل ما زال يرفضكِ؟"

لا إرادياً ازداد تنفسها عنفاً وكأن ثقلا يجثم فوق صدرها وهي تقول "نعم ما زال لا يطيق النظر لوجهي، مهما حاولت أن أوضح له ما يجري أو أتوسله التفهم"

تمكنت نوة من أخذ نفس عميق كانت تجاهد لأن تلتقطه، فبعد كل الحقائق التي كشفت واعترفت بها شيماء من تواصل أبيها مع سبنتي وتواصلها هي شخصياً مع صديقتها تاركة التي بجانبها لتعاني فإن بدور تحتاج لمساعدة أخيرة توعدت بها لنفسها وزوجها، وبعدها لن تحاول الضغط عليها بأي صورة.. فقط فلتجعلها تتطلع للمشهد باكراً بأكثر وضوح ممكن علها تحصل على السلام قبل شيماء نفسها.. فهي قد اكتفت.. اكتفت من ترك بدور لنفسها يأكلها الشعور بالوحدة حتى وهي بينهم.. يحطمها الإحساس بأنهم جميعاً غدروا بجرحها حتى وإن لم يكونوا قاصدين.. شرعت بالحديث الهادي وهي تقول بوضوح "أنتِ ليس لكِ ذنب مطلقاً فيما وصل إليه راشد، فكما اعترفت سَبنتي نفسها، هي كانت السبب الأول ثم صدمته فيما أخبرته به شيماء.. أي أنه ببساطة سقط عند معرفته أنه بابتعاده وظلمكِ قد ظلم نفسه وابنه قبلكما"

أسفر فمها القاسي عن ابتسامة ساخرة وهي تقول "تقنعين من بهذا؟! كل الأيدي تشير نحوي كالعادة فأنا المجرمة الكبرى.. حتى صغيري الجاهل لم يتردد في أخذ مأخذهم"

رفع مدحت نظراته الثابتة نحو بدور ثم قال بنبرة مباشرة مقاطعاً زوجته "ابنكِ مجرد طفل لا يعرف من العالم سوى أبيه وعمته.. لذا هو لن يقف ويفكر من المذنب هنا، أو أن أباه قد كثرت فوقه الضغوط لذا انهار ببساطة.. الأطفال لهم الصور الواضحة والمباشرة التي يرونها يا بدور.. لذا من أجل حظكِ العاثر لقد راقبكِ ابنكِ في اللحظات الأخيرة تصرخين في وجه أبيه ثم بسلاسة كان يفقده"

رق غشائها الصلب وهي ترفع كفيها تمسح وجهها باختناق ثم همست بصدق "أعرف كل هذا يا مدحت، ولكن رغماً عني أتألم، من الصعب عليّ إدراك أني فقدت صغيري منذ أربعة أعوام.. ورغم عودته اسماً في الحقيقة هو ما زال هناك بعيداً"

وقف مدحت من مكانه ثم بهدوء حرك مقعداً ليضعه أمامها وجلس مواجهاً لها وهو يقول "تعلمين أني لا أحب التدخل بينكما كأخوة، وحتى كل المشاكل مع راشد بالسابق لم أتطلع لنقدها أو تقييمها بأي صورة برغم علاقتي الوثيقة معه"

رغم التأفف بداخلها ولكنها تمسكت بوجه محايد مهذب وهي تقول "أنت لا تحتاج لكل هذه المقدمة، إذ أنك فرد منا بالفعل، قل ما شئت فأنت لن تكون الأول ولا الأخير في محاولة تقييم أفعالي"

رغم الحدة التي لاحت في نبرتها وتهكم بعض كلماتها، إلا أنه أومأ بتفهم وهو يقول "صدقاً أنا لا أحاول تقييمكِ أو تقويمكِ.. أنتِ لم تحتاجي لهذا يوماً يا بدور الراوي.. إذ أنه مهما انتقدكِ البعض أو لامك لأفعالكِ الشخصية ما زلتِ في نظري ذلك الطاووس المبهر الذي نال إعجابي واحترامي منذ أول زيارة جئتها لخطبة أختكِ"

تدخلت نوة وهي تمسك بيد بدور في دعم واضح وقالت مازحة "لا تتغزل بطاووس الراوي أمامي, رغم أنها أختي إلا أني أغار كامرأة.. إذ أنها لا تقارن"

تنحنح مدحت بجدية ثم قال "إنها أخت صغرى لي، وهي تعلم هذا"

ضيقت بدور ما بين عينيها ثم قالت بصلف "هلّا انتهيتما من جلسة الدعم النفسي تلك سريعاً وتكلم أحدكما بما يريده مني تحديداً؟"

تبادل كلاهما النظرات قبل أن يقول مدحت برزانة "شيماء رغم خطئها إلا أنها لا تلام يا بدور لما فعلت, فلها مبررات مقنعة، ليس لي ونوة فقط ولكن لكل من استمع للوجع في نبرتها وهي تفسر ما دفعها للصمت"

توترت وهي تنظر لنوة بصدمة ثم أجابته بما لا يتوقعه "هل أخبرتك كل شيء.. أعني ما هدد أبي سَبنتي به.. هل تعرف حقيقة...."

قاطعتها نوة سريعاً عن إتمام سؤالها إذ أنها قالت "شيماء أخبرتنا أن والدكِ هدد ابنة أخيه بعد كذبها عليكِ"

ارتخت ملامح بدور قليلا بينما أطرق مدحت رأسه للأسفل إذ أنه يعلم أن هناك صفحات من تاريخ أسرة الراوي تُصِر نوة على عدم التطرق إليها بأي صورة وهو لم يشأ إجبارها يوماً على البوح.. يكفيه معرفته عن أختهم غير الشقيقة والتي رغم رفضه كلياً في بادئ الأمر لظهورها.. إلا أنه بالنهاية سلم للأمر الواقع الذي ارتضوا به هم شخصياً كمعنيين بالأمر...

أكمل مدحت بهدوء "ما رغبت في قوله، لا يمكنكِ اليأس الآن من رفض ابنكِ لكِ.. عليكِ المحاولة من جديد يا بدور، إياب لن يرتبط بكِ بسهولة حتى وإن عرف بشكل مباشر أنكِ والدته، إن حب أطفالنا هو حب مشروط ومكتسب بينما حبنا لهم فطرة .. فالرضيع يرتبط بوالدته دون غيرها إذ أنه منذ لحظة مولده لا يجد إلا صدرها هي يهدئه ويحنو عليه ويرعاه وهذا أمر لم تحظي به مع إياب للأسف"

اغرورقت عيناها بالدموع واهتز كتفاها بتشنج كابحة آهة وجع.. قال مدحت سريعاً "آسف لعجزي عن قول هذا بلطف.. أنا لا ألومكِ ولكن أحاول لفت نظركِ"

تمتمت "تلفت نظري لأمر أعرفه بالفعل.. إنه سبب كل معاناتي"

قال مدحت سريعاً "من وقتٍ لآخر نحتاج جميعنا لأن يوضح لنا بعض المقربين بعض الأشياء التي قد تغيب عن تفكيرنا وسط الصخب الذي نعيش فيه"

أومأت دون تعليق.. فقالت نوة بحذر "ما يقصد مدحت قوله بأنكِ تحتاجين لأكبر قدر من الهدوء، وتماسك أعصابكِ عند إفاقة راشد، ومواجهة إياب سويًا"

شردت عيناها من جديد نحو باب غرفته ثم همست بقنوط "فليكن بخير فقط، ويعود إلى إياب، وبعدها سأفعل أي شيء، وليس الهدوء فقط يا نوة"

تلونت ملامح مدحت بالقهر على صديقه ثم قال بقوة "سيكون بخير يا بدور وقريباً..."

تمتمت نوة "إن شاء الله سيفعل"

همست بدور باضطراب "بعد كل هذا الانتظار المر نصل إلى هنا.. من الصعب أن تواجه كل أخطائك لتدرك أنك بالنهاية لم تكن بريء كفاية"

قال مدحت سريعاً بنفاذ صبر "أنتِ لم تكوني بريئة على الإطلاق"

خبطت نوة جبهتها بعنف فدائماً ما يكون مدحت مباشر وواضح وبارد في سرد الحقائق ولكنها عندما سمحت له بالتدخل الآن تعشمت بأنه قد يدعي أي لطف مع أختها التي تتلظى على صفيح ساخن أصلاً.

وضعت بدور ساق فوق الآخر ثم فردت ظهرها بأناقة وهي تقول ببرود صدم نوة "أنت محق، شكراً لتعبيرك عني بلطف أفضل من صياغته عن نفسي"

تنهد مدحت ثم قال "أنا آسف ولكن كما تصفني نوة أنا أفوقكِ بمراحل في برود جليدي"

ارتبكت نوة وهي تدعي نفض غبار وهمي عن حجابها ثم قالت نافية بشدة "أنا.. أبداً.. مطلقاً.. أنت حبيبي.. و..."

ابتسم وهو يقول لبدور "تكذب، وأنا على علم بكل لفظ جارح تسبني به من وراء ظهري إلا أني أمنحها العذر الأبدي، أنتن كنساء مجنونات يا بدور.. هرموناتكن هي ما تحركن وقلوبكن تغلب عقولكن كثيراً"

ابتسمت بدور في وجهه ثم قالت بهدوء "إلى أين سنصل في هذا الحديث يا مدحت، لن أخجل أن أخبرك بأني أحترق لتحدي الطبيب مجدداً والدخول إليه كما وعدت ابني"

قال مدحت بصوت أجش "شيماء وحدها, ولن أكذب عليكِ وأدعي التدخل من تلقاء نفسي، إذ أن والدتكِ هي من أوكلت لنوة للحديث معكِ بعد رؤيتها لصغيرتها تعاني من جديد"

أغلقت بدور جفنيها مجدداً ولم تخجل أن تترك دمعتين تنسابان من هناك وهي تقول "لا قدرة لي على سماع أي شيء يخصها الآن"

قال مدحت بهدوء "يجب أن تفعلي، إن سامحتِ شيماء وراشد، وربما كل من تسبب في أذيتكِ.. ستجدين السلام الذي تبغينه أنتِ"

قالت بدور سريعاً دون أن تفتح عينيها "يدهشني أن أسمعك أنت تتحدث بتلك الطريقة"

قال بتسامح "ربما لأنكِ تحتاجين لسماع هذا من شخص جديد غير والدتكِ وإخوتكِ.. رجل حيادي تعلمين بأنه يهتم لأمركِ"

فتحت عينيها تحدق فيه من وراء حجاب هشاشتها دون أن تعلق سامحة له بأن يكمل بنفس عميق "لقد أقسمت بأنها أوشكت على إخباركِ.. إلا أنها خافت من أن تفقد منفذها الوحيد للحياة من جديد.. ارتعبت من فكرة أن تتخلى عنها سَبنتي التي تساندها، تشجعها وتلتفت لها وتنتبه لمعاناتها.. إذ أننا جميعاً نعلم أن تلك الفترة كانت قاسية عليكم جميعا إلى حد أنكم تركتم جانب شيماء"

" هذا ليس مبرراً يا مدحت"

قالت نوة مصححة "إنه أكبر مبرر نمنحه لها.. إهمال الأهل لأطفالهم عادةً يؤدي لمصائب لا تحمد عقباها.. وهنا نحن أهملنا أختنا ذات الحالة الخاصة، عاملناها على أنها ناضجة سليمة وتستطيع التحمل و النجاة بنفسها، رغم معرفتنا المسبقة أنها مرت بتجربة قاسية مع ذلك الشاب.. ثم رحيل رفيقتها الوحيدة عنها.. فماذا نتوقع منها عندما تعود تلك الإنسانة الوحيدة للاهتمام بها؟!"

قالت بدور باستنكار مبحوح "لم أطلب منها التخلي عنها، فقط فلتخبرني بأي شيء.. عنهما.. عن ابني الذي كنت أموت كل لحظة أمامها وأنا أتحرى عن أي أمر يخصه"

قال مدحت بهدوء "سَبنتي اشترطت عليها بوضوح إن علمت بأنها أخبرتكِ أي شيء ستختفي مجدداً.. كما أن الأخيرة كانت حريصة كل الحرص أن لا تترك ورائها أي خيط.. لقد رأيت هاتفها بنفسي كل الرسائل بينهما والمكالمات كانت برقم محجوب يستحيل الوصول إليه.. أي أنها ببساطة إن أخبرتكِ ستنقطع كل الخيوط من جديد.. ولن تسبب لكِ أنتِ إلا نكسة أخرى إن شعرتِ بفقدكِ لابنكِ بعد تجدد الأمل"

صمتت بدور لدقيقة قبل ان تقول بهدوء مشحون "هل لو كنت أنت مكاني ستقتنع بحرف واحد من ذلك المبرر المجحف؟!"

فكر مدحت لبرهة قبل أن يقول بخفوت "لن أدعي بأني أشعر بما تشعرين به أنتِ, إذ أن ألمكِ لن يحس بلوعته غيركِ... إلا أنه لو كانت أختي بنفس حالة شيماء تلك.. نعم يا بدور أصدقها وسأمنحها ألف عذر حتى وإن لم يتواجد.. لأنها أصدق وأنقى من أن تؤذيني متعمدة"

نظرت إليه بيأس ثم أطرقت وجهها بإحباط للأرض "الحقائق تقتل"

أمسك مدحت بيدها يضغط عليها بقوة داعماً ثم قال "وأحياناً تحيي.. بدور عند وضعنا في موقف الاختيار بتهديد فقد حياتنا نحن, يعجز العقل تماماً عن التفكير السليم ويصبح حتى أسهل الحلول للنجاة أصعبها وربما لا نبصره من الأصل، هكذا هي طبيعة البشر.. وأستطيع القول أن شيماء لم تفكر وسط لهفتها لوصال صديقتها بطريقة سليمة، ليس لأنانية فيها.. ولكن لتلك الرغبة الإنسانية الفطرية للنجاة"

بان الأسى بشكل صارخ على ملامحها ثم قالت بخفوت "أحتاج لوقت للتعاطي مع الأمر، أنا الآن أدرك بأني لستُ في حالتي الطبيعية"

قالت نوة بخفة "ولهذا استغلينا الوقت بغرض تحريك مشاعركِ"

سحبت بدور يدها من كفي مدحت ثم قالت "هل تخافين من أن أؤذيها انتقاماً، لهذا جعلتِ زوجكِ يتضامن في الحديث معكِ؟"

قالت نوة بغضب "ما بالكِ أنتِ؟ هل تعتقدين أن العالم كله يتآمر ضدكِ؟"

نظرت إليها بدور ببرود.. مما دفع مدحت ليقول "بدور لا تتلبسي هذا الوجه المدّعي.. إن خال على نوة لن ينطلي عليّ..."

تنفست بعمق قبل أن تقول "لن أؤذي شيماء أو غيرها, لم أعد أبالي في الحقيقة بأيٍ مما يحدث"

قال بهدوء "نعلم طبعا, ولم يخطر على بال أحد هذا التفكير.. إن تدخلي لرغبتي في أن أخبركِ شيء واحد أحترق لقوله لكِ منذ زمن بعيد.."

نظرت إليه متسائلة.. فقال مدحت بهدوء "لقد حان الوقت لتحرير غضبكِ ودحره بعيداً، إن فعلتِ ستهدأ كل براكينكِ، ووقتها فقط يصبح طاووس الراوي مستعدة لمنح غفرانها للجميع لتحيا هي بسلام مع صغيرها.. دون ماضي مؤلم ينغص عليها حياتها.. لا أحد كامل يا بدور، جميعنا لنا خفقاتنا وأخطائنا، وتلك زلة عصفورة الراوي الوحيدة.. ألا تستحق أن تكوني أنتِ أفضل منها وتغفري لها متفهمة دوافعها كأخت كبرى وسند يدعمها؟"

***********

كان مدحت ونوة قد انسحبا منذ وقت مبدلين الأدوار مع خالد الذي ينتظرها الآن بالخارج نافذ الصبر كما الطبيب، إذ أنها كعادتها الأيام الماضية أصرت أن تدخل تطل عليه لدقائق معدودة.. لكن اليوم بشكل خاص أرادت أن تمسك يده بنفسها تتأمله بقلب منفطر خاصةً بعد أن أجريت له العملية الصغيرة بالأمس ولم يفق أيضاً كما أكد طبيبه أنه يفترض أن يفعل..

برفق.. وبأنفاس مهدورة عنيفة كانت تركع على ركبتيها بجانب سرير مرضه تمسك كفه برقة ورهبة، تدفن وجهها بطرف الفراش وهي تهمس "مضى زمن بعيد لم أخبرك بأني أحبك.. إذ أن لساني لم يحمل إلا كرهاً لم أكذب فيه..."

أخذت نفساً مشحوناَ قبل أن تفلت منها شهقة طويلة ثم تابعت اعترافها الأحادي "هذا جنون أعرف.. كيف أحمل لك بداخلي كلا شعورين يستحيل جمعهما بقلب واحد، إلا أني أصبحت اكثر قوة ويقين الآن بأن أخبرك أنه من فرط حبي لك أكرهك يا راشد"

تشابكت أناملها بآلية مع أصابعه.. ثم رفعت وجهها الشاحب وهي تتابع بخفوت "إياب يكرهني أكثر من ذي قبل، وأنا ما عُدتُ قادرة على فقد جديد أواجهه.. لقد سقطت.. سقطت بحق حد أني أتوسلك أي شيء يعديني للسطح لأقاوم.. فهل كففت عن تعذيبي، وعُدت لي ولابني... ألم تعد الصغير أن لا قوة على الأرض قادرة على إبعادك عنه؟"

طال الصمت وبالطبع هي تدرك أن لا مجيب قد يمنحها العلاج الذي تحتاجه غير إفاقته والنظر داخل عينيه.. بقيت على الأرض الباردة تشعر بسخونة عجيبة وبصهد يغتال كل شيء فيها فيصهرها من جديد، أو ربما هي نار أوجاعها تسللت للخارج جاعلة كل شيء حولها يغلي.. ليزيد من عذابها..

وقفت أخيراً من مكانها دون أن تتنازل عن تحرير يده بعد وأطلت على وجهه الذي نال منه الوهن بسبب المرض.. وانحنت قليلاً ثم همست ودمعها يخونها مجدداً ليهرب من عينيها مبللا كمامة وجهها، ثم تبعتها عبرات أخرى رغماً عنها سقطت على وجنته منحدرة لتختبئ داخل لحيته الخفيفة التي نمت خلال رقوده .... مدت كفها المرتعشة تمسحها بهوادة شديدة أشبه برفرفة فراشة زاهية الألوان التي تبث للعين بهجة الحياة ثم قالت "أفق فقط وأعدك ألا أجعلك تخوض معي حروب مجدداً، عد للصغير وأعاهدك ألا أجعله يجرب مرارة الفقد مرة أخرى ولن أعرضه لنزاعاتنا أبداً.."

صمتت لبرهة ملتقطة أنفاسها ثم همست "إياب يحتاجك، لقد وعدته أن أعيدك إليه، قدم شيء واحد من أجلي، تنازل واحد منك يشعرني بأني كنت أعني لك شيئاً فعلاً.. أريد كسب إياب من جديد يا راشد أرجـــــــوك.. ولدي يشعر باليتم دونك وهذا قاسي عليّ وأصعب من أي ظلم جربته قبلاً"

أغلقت جفنيها بقوة محاولة تنظيم أنفاسها، قبل أن تودعه وتنسحب إذ أن دقائقها المتاحة انتهت.. إلا أنها قبل أن تأخذ أي خطوة شعرت بيده تضغط على أصابعها بوهن مما دفعها لأن تفتح عينيها سريعاً لتحدق في العينين الناظرتين إليها بنصف فتحة فانتفض جسدها.. وخفق قلبها بوجل وتسمر لسانها داخل حنجرتها بذهول ونوع من الذعر الجامح الذي بدد كل ذكائها للحظة...

لدقائق.. لوقت طويل ظلت تحدق فيه بكل المشاعر المضطربة بداخلها بينما هو يستعيد واقعه شيئاً فشيئا محاولا أن يبتلع ريقه الجاف أصلاً بطبيعة الحال.. إلا أن يده لم تترك الضغط عليها متمسكا بها وكأنه يرجوها نجدة صامتة...

"راشد... هل... هل تشعر بي؟"

إجابته كانت صامتة فقط عيناه تحدق فيها من بين الرماد بطريقة غير مفهومة.. حتى نطق أخيراً بصوت جاف خشن للغاية وكلمات متقطعة إثر صمته ومعاناته الطويلة "لا تقولي بأني مت ودخلت جهنم بالطبع ووجودكِ أنتِ أفضل وأقسى وسيلة لتعذيبي"

رغم كل شيء كانت عيناها الدامعة تضحك كما كل ملامحها...

"أريد .. أراكِ"

همست بغباء "ماذا؟"

أشار نحو الكمامة بيد مهتزة ثم كرر بتقطع "أراكِ.."

أزاحت كمامتها سريعاً.. تنظر إليه بوجل بينما هو ظل يحدق في ملامحها لدقيقة أخرى ثم ارتخت أهدابه مغلقها مجدداً كما أصابعه التي تركت التشبث فيها..

مما دفعها دون تفكير ان تطلق صرخة استغاثة طالبة أطبائه..

********

بعد وقت طويل...

أطلق تأوه خشن وهو يحاول الاعتدال بعد أن فرغ كل صبره تقريباً وهو يستمع للطبيب الذي أعطاه تقرير مفصل لحالته منذ دخوله وحتى فاق..

"هل انتهيت؟"

نظر إليه الطبيب بعدم رضى وهو يهمس لنفسه "ما بال هذه العائلة من كبيرهم لصغيرهم يشتركون في ميزة واحدة.. عدم الامتنان والكبر الذي يصل حد الوقاحة؟"

تنحنح الطبيب وهو يقول بعملية "تقريباً.. إذ اني لم أخبرك بأنك يجب أن تتابع معي أو أي طبيب آخر لعدة أشهر بجانب بالطبع الانتظام على بعض الأدوية التي سأمنحك إياها"

قال راشد بهدوء "شكراً لتعبك واهتمامك، أعتقد بأني سأفضل المتابعة معك، إذ لا حاجة بي لكشف ملفي الطبي لطبيب آخر"

ابتسم الطبيب بمجاملة لطيفة حسناً يتضح أنه ليس مغرور جداً بالنهاية... "أنت على الرحب"

قال راشد بصوت ما زال يشوبه بعض الوهن "لقد قلت أن من اتى بي خالد الراوي.. هل ما زال بالخارج؟"

وقف الطبيب عن مقعده ثم تفحص معدلاته الحيوية وضربات قلبه المنتظمة على الجهاز قبل أن يأمر الممرضة أن تأتي له بإبرة خافضة لضغط الدم وهو يقول "نعم هو لم يتحرك من هنا طوال فترة رقودك.."

صمت الطبيب منشغلا في سحب الدواء من الإبرة مجهزها لمنحه إياها قبل أن يردف ببساطة ملاحظا السؤال الملح في عينيه "لم يعلم أحد باستفاقتك الكاملة بعد الجراحة البسيطة التي أجريناها لك وأخبرتك تفاصيلها منذ قليل"

"قلت متى أجريت؟"

وضع الطبيب الدواء في الحقنة الموصولة بالوريد وهو يقول "صباح الأمس، وتشبثت من وقتها أن لا أسمح لأحد بزيارتك.. إلا طبعاً السيدة العنيدة، وصعبة المراس التي تضرب كل أوامري عرض الحائط وتتسلل إليك في زيارة قصيرة"

عقد حاجبيه لبرهة بتعجب إذاً هو لم يكن يحلم منذ قليل... ثم قال بتهرب من شعور النشوة الذي يتسلل إليه الآن... أنها لم تتخلى عنه إذاً وبقيت بجانبه "من تقصد تحديدا بالسيدة؟!"

استدار الطبيب باسماً وهو يتخلص مما في يده بعلبة آمنة ثم قال "السيدة العنيدة.. كم واحدة تملك تحديداً وينطبق عليها الوصف؟!"

ارتفعت أصابع راشد وكأنه يعد بالفعل كم واحدة يملك في العائلة الموقرة وتشترك في الصفة التي تدعو للمفاخرة... مما دفع الطبيب لأن ينظر إليه بذهول للحظات... وراشد يقول ساخراً "ستصدم إن أخبرتك العدد"

ضحك الطبيب بخفوت مما دفع راشد لأن يقول "هل يمكنك إرسال خالد عقب مغادرتك؟"

قال الطبيب بحزم "بالطبع إن التزمت بعدم الانفعال، أنت لم تشفى تمامًا بعد... في الواقع إفاقتك من تلك الوعكة نعدها معجزة طبية"

أخذ راشد نفساً واجماً ولم يعلق منتظراً انسحابه...

********

فور أن خرج الطبيب رفعت بدور رأسها ببطء من فوق مقعدها التي تجلس عليه بتعب... بينما هب خالد واتجه ناحيته وهو يقول بقلق لم يفارقه لأيام "كيف حاله... لقد طالت إفاقته.."

وضع الطبيب يده في معطفه في حركة مستفزة ثم قال "يطلبك، ولكن إن سمحت لك بالدخول فأنت مجبر على أن تعدني بأن لا تجعله يمر بالعرض الجميل الذي رأيته منكم سابقاً"

نظر إليه خالد باستنكار يشوبه الغضب.. بينما لم تلاحظ بدور نفسها وهي تقفز من مكانها متوجهة مباشرة نحو الغرفة.. فأوقفتها يد حازمة تسحبها بعيداً لم تنتمي للطبيب بالطبع بينما قال بصرامة "لا، لقد قبلت بجلوسكِ معي لأريحكِ رغم حكمي على عودة الجميع للمنزل وألا يعودوا... ولكن إلى هنا وكفى"

قالت بدور بإيجاز دون أن يظهر عليها الاضطراب الجلل الذي تكتمه "أرغب في رؤيته بعينيّ مجدداً، لا أكثر ولا أقل"

قال خالد بصرامة مجدداً وهو يستمع لخطوات الطبيب الذي انسحب من جانبهما مبتعداً "أنا أكفي.. على كل حال هو طلب رؤيتي وحدي.. ألا يستحق أن نحترم رغبته على الأقل بعد عودته من الموت تقريباً؟!"

اهتز شيء داخل عينيها الجامدتين.. ثم همست "نعم، هويستحق، وأعتقد أن دوري قد انتهى"

قال خالد بفتور "بما أنكِ أقررت بهذا أخيراً، فأقترح عليكِ العودة للمنزل.. لا تنتظريني.."

تخطاها خالد مبتلعاً ريقه وهو يستمع لأنفاسها الحادة وكأنه ضربها في مقتل نادماً على تلبس القسوة معها بالذات.. ولكنه تعب وهو يراقبها تتخبط كارهاً أن يراها بتلك الصورة غير الثابتة وكأنها تتوه مجدداً بين قطب الواجب الذي يفرضه عليها قلبها لرابط أبوته لإياب... وقطب آخر يقرأه في عينيها دون تواري حقدها المتعاظم وعدم تخطي ما فعله بها.. ولكنه أيضاً لديه سبب آخر فراشد بعيداً عن بدور هو أحب إنسان لقلبه إنه أبوه الروحي وصديقه.. ظهره الذي يسنده في أحلك سقطاته، حتى وإن صرح الجميع بعكس هذا..


................................
يتبع بعد قليل


Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:45 PM   #4366

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

[SIZE="7"][align=center]تابع الفصل الواحد والاربعون [/size[/align]]

........................................


"حمداً لله على سلامتك يا أبا إياب" همس خالد بابتسامة حقيقية وهو يفتح الباب أخيراً ويخطو للداخل مغلقاً الباب خلفه...

نظر إليه لفترة، مضيقاً عينيه ثم ما لبث أن قال وهو يعتدل من مكانه ينزع تلك الأسلاك عنه بنوع من النزق "لماذا يصر الجميع على أني مجرد طفل أبله سقط كاللوح بين ذراعي المرأة الوحيدة التي تضمر له الشر ولسوء حظه أيضاً يحبها كاللوح أيضاً؟"

أسقط خالد رأسه على صدره مدارياً ضحكته على وصفه الفريد ثم قال: "حسناً.. هذا كثير من الـ أيضاً واللوح"

جلس راشد على طرف الفراش بضيق وتعب ما زال يتحكم فيه ثم قال "لا تنكر، كنت كاللوح.. لقد أخبرني الطبيب بأنك من أتيت بي إلى هنا........ لقد قدمت بصحبة بدور صحيح؟"

رفع خالد وجهه نحوه مرة أخرى ثم حرك رأسه يمين ويسار في حركة أشبه بالتقريب والتوتر ان يكتشف اقتحامه المنزل ليقابل زوجته ثم قال "شيء كهذا.. ولكن لا تقلق الموقف كان قاسياً بشكل لم يجعلنا نلاحظ حتى"

دفن راشد وجهه بين راحتيه ثم سأل بخفوت "كيف حال إياب، هلّا أدخلته.. أريد أن أراه.."

تردد لحظة وكل الألم يعود ناشر أنيابه الجشعة في صدره وهو يكمل "وسبنتي.. توقعت أن تسبقك إليّ"

اقترب منه خالد وسحب المقعد الذي كان يحتله الطبيب بالسابق ثم جلس قبالته وهو يقول بهدوء خافت "كلاهما كان في حالة مضطربة وصعبة ،فأرسلتهما لبيت مريم"

ارتفع حاجبا راشد دهشة قبل أن يقول بتصلب "وما الذي يفعلانه تحديداّ في منزل إيهاب زيدان.. أمن قلة منازلنا؟"

التوت شفتا خالد حنقاً كما اشتعلت عيناه بنوع من الغضب.. إلا أنه سيطر عليهم سريعاً عائداً لوجهه الهادئ وهو يقول "إياب يرفض بدور إذ يعتقد بأنها السبب في سقوطك صريعاً أمامه..."

أغلق راشد عينيه بأسى وهو يهمس "يا الله.. هذا ما كنت أخشاه"

أكمل خالد "وسبنتي كان من الصعب عليّ إرسالها لمنزلي لتشابكها مع بدور أيضاً في شجار.. حسنًا دعنا نقول شجار حاد وقاسي، وبالطبع لم أكن لأسمح لها بالتواجد وحدها في أي مكان فبدت مريم حل مناسب.. إذ أني أثق بها فهي أختي ايضاً"

وضع راشد يده نحو قلبه في حركة لا إرادية مع ظهور بعض حبات العرق بشكل طفيف على جبهته، لم يكن الأمر مقلقًا ولكنه منح خالد تحذيراً كافياً أن لا يسترسل في الشرح.... وسمعه يقول "شجار من أي نوع.. وبماذا جرحن بعضهن؟!"

ادّعى خالد عدم الاهتمام وهو يقول "لا شيء جديّ، فقط اتهامات متبادلة حول من منهن السبب فيما وصلت إليه خاصةً بعد أن اعترفت شيماء بما أخبرتك به"

شحب وجه راشد المرهق بالفعل متذكراً قشته القاسمة للظهر، ثم قال بعنف "لقد أخبرتها أن لا تعيد فتح الأمر.. نحن بالكاد نرمم ما نعلم عنه"

التوى فم خالد بحدة قبل أن يقول "لا حاجة للإصرار على إخفاء أسرارنا المريعة.. إذ أني كنت أعلم بالفعل، ونويت إخبار الجميع فور أن تخبرني سَبنتي بتفاصيل كافية"

قال راشد بنفس لاهث وقد نال منه تعبه سريعاً "كنت تعلم، منذ متى؟"

وقف خالد من مكانه يربت على كتفه وهو يقول بقلق "هل يمكنك أن تهدأ.. لقد قال الطبيب أن تلك الشبكة التي زرعها لك تحتاج لأن تستقر و..."

قال بعصبية "اللعنة عليك وعلى الطبيب.. لديّ ما هو أهم الآن... منذ متى تعلم؟"

قال خالد بوضوح "أخبرتني سَبنتي قبل سقوطك بليلتين لا أكثر"

هدأت انفعالاته قليلا وهو يقول باستهزاء "أي أنك كنت مغفل مثلي طوال تلك المدة؟"

مد ذقنه للأمام باستخفاف وهو يقول ببساطة "نعم لوح آخر يحركه الآخرون"

مسد على صدره مرة أخرى قبل أن يسحب كوب ماء جانبه يرتشف منه قليلا وهو يقول بتهكم "الآن أنا اقتنعت بالفعل.. لا يليق لأحد أن يكون أبوك الروحي إلا مغفل كبير مثلي"

لم يصل لروح خالد المرح وهو يقول بوجوم "ترفق بنفسك، الماضي انتهى.."

قال راشد بقهر "لم ينتهي شيء.. لقد اغتال روحها بينما أنا غافل عن يده الخفية مصدقاً اتقانها لدور التعافي"

رجع خالد مكانه ثم قال بهدوء "فعلت ما تستطيع، لا أحد يلومك.. من أين لك أن تعرف أنها ستخالف أمرك؟"

ظل راشد يحدق في الفراغ دون رد واضح، تتصارع على وجهه عدة أنواع من المشاعر غير المفهومة وإن كان يظهر منها عَقدِه العزم على قرارات مصيرية.. وقد صح توقعه عندما راقبه يحاول الوقوف من مكانه فترنح قليلاً فاستند على طاولة جانبية وعندما هب خالد لمساعدته رفض بلطف يناقض صوته الخشن وهو يقول بجمود "لا داعي لتأجيل زفافك.. فأبوك مات وانتهينا، وأقمنا عليه بالفعل فترة حداد مقبولة"

أطلق خالد صوت مستنكر وهو يقول "رغم كل ما فعله يظل أبي الذي يلوعني فراقه، رجاءً تحدث بطريقة أكثر احتراماً"

تحرك راشد خطوتين بعيداً، محاولا التغلب على الدوار في رأسه ثم قال بهدوء "لا أحاول التقليل منه.. ولكن ما قصدته هو وحده من قبل أن أصلح الخراب الذي افتعله.. وهذا منحني درس العمر مع وعكتي الأخيرة لأنجز قدر استطاعتي استقرارا لكل أولادي فدنو الأجل أصبح أقرب من أنفاسي"

انتفض جسد خالد الضخم هلعاً وهو يقول بقوة "وحد الله.. لا تصدق الوهم الذي يزرعه شيطان رجيم في رأسك.. إنها وعكة ومرت بسلام"

قال راشد بإصرار "ستنفذ ما أقوله يا خالد إلا إذا غيرت رأيك بعد أن صرحت هي بكرهك عدة مرات وأوضحت بما لا يقبل التأويل رغبتها في الطلاق والرحيل"

أظلم وجه خالد واشتعلت عيناه بالقسوة وهو يقول "لقد أخبرتني بأنها طلبت منك هذا"

قال باقتضاب "نعم، بل وأكثر.."

قال من بين أسنانه "نجوم السماء أقرب لها.. أنا لن أطلق"

استند راشد بكلا كفيه على الحائط ثم أطرق برأسه لأسفل وهو يقول "إذاً جنونها لم يغير عزيمتك.. دعني أمنحك مسؤوليتها كاملة وأطمئن لوجودها معك.. قبل أن....."

صمت مبتلعاً ريقه.. هو لم يكن شخصاً يائساً يوماً ولكن مع ما سمعه من الطبيب وبالطبع بعد ما عرفه في تلك الليلة.. من القاسي على نفسه أن يقر بأنه خائف من أن يلبي نداء الموت تاركاً صغيريه لمصير مجهول، خاصةً مع عودة عزام للحوم حول بدور وسبنتي..

اقترب خالد يضع يده على ظهره بإصرار وهو يقول مكرر بقلق "لا إله إلا الله.. الأعمار بيد الله، أنت فقط ما زلت في طور صدمتك، أبعد تلك الأفكار عنك رجاءً"

قال راشد بهدوء "بعد شهر.. هل هذا موعد جيد لتكون فيه مستعد؟"

من غير اللائق إطلاقاً أن تتحرك ذكورته الوقحة ملحة عليه أن يهتف في وجهه بقلة حياء بأنه مستعد منذ أربع سنوات مضت .. تنحنح خالد بحرج من أفكاره المنحرفة ثم قال "إن وافقت هي فليس لدي أي موانع"

اعتدل راشد ليواجهه وقد استعاد بعضاً من صلابته وهو يقول بصرامة "هي لم يعد لها رأي لتبديه.. كلامك معي حتى يعلن زواجكما بزفاف ضخم أنتويه.. وبعدها لك مطلق الحرية معها.. تكسر رأسها, تفتح رأسك.. لا أهتم"

مسد خالد على إصابتي رأسه بحرج بالغ، ولكن لحسن الحظ لم ينتبه راشد لإصابته الجديدة بعد... ثم أومأ موافقاً...

أخذ راشد نفساً طويلاً مجهزاً نفسه قبل أن يقول دون مقدمات "ثاني قرار وليس طلب يا خالد.. أريد نزار هابر غداً في منزلك.. ليتقدم لشيماء بشكل رسمي.."

كما توقع انمحى وجه ابن عمه القلق على صحته وظهر وجهاً شرساً غاضباً وهو يهتف بغلظة "عفواً ومن منحك الحق.. قراراتك تتوقف عند أخواتي.."

قال راشد بوجوم "وبماذا يزدن أخواتك عن ابنتي.. ألم أزوجها لك رغماً عنها وبقرار مني؟"

جز خالد على أسنانه وهو يقول "تعلم جيداً أني لا أشير إلى ما تلوح به.. ما بيني وسبنتي شيء خاص لا يشبه أحد"

قال راشد ببرود "كل ثنائي عاشق يقول هذا... لذا دعنا من الكلام المحفوظ، واطلب الشاب وأباه وأخبرهما أيضاً بموافقتي المبدئية"

قال خالد بعدم صبر "ومن منحك تحديداً أمرها، أنا لم ولن أوافق"

صمت راشد لبرهة، وهو يعقد يديه خلف ظهره متفكراً قبل أن يقول أخيراً بخفوت حاد "يؤسفني إذاً إخبارك أنك لا تملك هذا الحق بل لي وحدي حرية التصرف في أمرها قانونيًا"

لاح التوتر و شيء أشبه بالطعنة على قسمات وجهه التي شحبت وهو يسأل "ماذا تعني؟؟!"

أطرق راشد برأسه قبل أن يقول "من طريقة طرحك السؤال، أفهم أنك لا حاجة بك للإجابة..."

ما لم يتوقعه راشد هو رد فعل خالد الذي شابه القسوة على قلبه الفتي.. إذ أنه أخذ يضحك ويضحك بصوت عالي وهو يخبط على كفيه بطريقة هستيرية...

"لا تقول.. لقد منحك الوصاية عليها، كما منحك أمر كل شيء..." هتف خالد من بين ضحكاته دون أن يتوقف...

فنهره راشد بقوة "خالد بحق الله، تلك الهستيرية لا تليق بك"

انقطعت ضحكات خالد فجأة كما بدأت ثم قال بنبرة غريبة "كما لا يليق بي ذلك المنصب ولا تلك الحياة التي رتبها هو وفرضها على كل مبادئي وأفكاري.. كما لم يليق بي أن أوئد نفسي التي أعرفها وألقيها على رصيف خيباته.. أنا لا يليق بي الكثير يا راشد، ولكني تنازلت من أجله، ولم يكفيه"

حاول راشد تمالك أعصابه وهو يؤكد له باتجاه واحد قصير ومختصر عندما قال بوضوح "كان يعرف اندفاعك وغيرتك على شيماء بالذات وأعتقد أنه منحني أمرها ليس لأفضلية لي.. ثق بي.. إلا لأنه يعلم جيداً بأني سأتعامل معها بعدل أو ربما كما برر المحامي أنه فكر أني سأمنحها ما أعطيه لسبنتي... سَبنتي التي حطمها بقسوة كبره وأنانيته.."

صمت مبتلعا ريقه حاجباً نفسه إذ أن مشواره ما زال طويلاً، وما يريده في وقت قياسي وقصير، عديد...

نظر إليه خالد بصمت قبل أن يقول بصوت أجوف صريح "الأمر مرفوض، فهل ستلوح بهذه الورقة وتجبرني؟!"

تنفس بإرهاق قبل ان يقول بصوت مجهد "إن أجبرتني سأفعل، إذ أني أرى في نزار فرصة جيدة، إنه شاب يحبها منذ زمن, يتفهم حالتها ووالديه يساندانه, راغبين في أختك زوجة لولدهم.. فوالده كما تعلم لم يتوقف لأيام في التردد عليّ والمطالبة بها.."

قال خالد بجمود: "لن أسلم أختي لرجل لم يتردد في فضح أمه وجفائها"

قال راشد بهدوء: "من غير المنصف محاسبته على خطأ قد ارتكبه وهو مراهق, مندفع ومعمي بصدمته التي نعلم جيداً من كان السبب في بشاعتها"

ابتسم خالد ساخراً بوجع ثم قال "إذاً أنتَ تقول أسلم أختي له تكفيراً عن جرم أبي.. أيضاً؟"

اشتعلت عينا راشد بشيء مجهول قبل أن يقول بوجوم "لا.. ما عنيته تحديدا أن كل منا له جرم شنيع ارتكبه.. ويطالب الآن بكل قوته في فرصة عادلة تسمح له بتصحيحه ومحوه.. من غير العادل أن نمنح أنفسنا هذا الحق ونضن به على غيرنا يا خالد"

صمت كما لاقى الصمت البارد من ابن عمه... صمت طال وطال انتظارا لإجابته.. وبدا خالد بأنه يقلب في عقله شيء مرفوض ومكروه.. حتى قال أخيراً "موافقتي من عدمها لن تفرق، إذ أني أعلم أن شيماء لديها القبول، وإن كانت خجلت ـأن تصرح بها في وجهي عندما تحدثنا.. وبما أنك تملك أمرها، افعلا ما تريدانه"

سأل راشد بغموض "هل تحاول إخباري بأنك تتخلى عنها منذ الآن؟"

نفى بتشدد وهو يقول بقوة "لا.. لا ليس هذا ما عنيته ولكني لن أقف في وجه سعادة محتملة لها، أمر من حقها كأي شابة في عمرها، وستجدني في ظهرها مدافعا عنها بشراسة إن استدعى الأمر يوماً"

اهتزت عضلة جانب فمه بشيء أشبه بابتسامة قبل أن يقول "هذا ما توقعته منك"

قال خالد بفتور "هذا واجبي ودوري نحوهن.. كما أنه يكفيني عذاب مشاهدة واحدة أخرى محطمة من أخواتي"

أظلمت عينا راشد ولم يعلق.. حتى قال مغيرا مجرى الحديث وهو يقلب عينيه في الغرفة ناصعة البياض المليئة بأجهزة طبية دون أثاث عادي إلا ذلك السرير الطبي.. فقال "ألم تأتي لي بملابس؟ كيف سأخرج من هنا؟"

عقد خالد حاجبيه وهو يقول "تخرج من أين؟ إن الطبيب قال أنك تحتاج ليومين آخرين تحت مراقبته"

قال راشد بحزم "لن أجلس هنا أدعي مرض ليس بي, لقد أصبحت بخير.. هيا مُرْ أحداً من الحرس أن يأتي لي بملابس مناسبة"

"لماذا تفعل هذا بحق الله؟!"

قال بوضوح "سأخرج يا خالد، لا قوة في الأرض ستمنعني.. لذا هل ستأتي لي بملابس أم أخرج بهذا الشيء ال...مضحك؟!"

قال باستسلام "بما أني أعرفك، أمري لله، أعطني نصف ساعة، سأتصل بأحد رجالك ليأتي بملابس مناسبة"

استدار خالد ناوياً ترك الغرفة فأوقفه صوت راشد الجامد وهو يقول "الطبيب قال أن هناك عنيدة كانت تُرابط أمام الغرفة طوال الأيام الماضية, كما أني اعتقدت أني تخيلت طيف غالي مرَّ على بصري قبل إفاقتي.. وبما أنك قلت أن سَبنتي ليست هنا.. هل أستطيع أن أخمن من هي؟"

استدار خالد نحوه ينظر إليه بمشاعر تتصارع ثم قال "وهل توقعت غيرها؟"

قال بسخرية مريرة "بالنسبة لامرأة أوضحت بمناسبة ومن غير مناسبة كرهها لي وتوقها للتخلص مني, فأنا مندهش قليلاً"

زفر خالد بحدة ثم قال "إذاً فلتصدم لعدم إنصافك بعد القلق الذي عاشته على والد طفلها، رغم أن هذا الطفل يكرهها بسببك"

أخفض رأسه إلى الأرض بإحساس غير مقروء للناظر ثم قال بإجهاد "أرسلها لي، من فضلك"

:-"لا.."

:-" عفواً, ماذا قلت؟"

كرر خالد بحزم "لا.. لن أرسلها لك، ولن تتحدث معها, ليس الآن على الأقل، إذ نظراً لتاريخكما المشحون أنا أعرف تماماً أين سينتهى حديثكما إن تم وأنت في حالتك هذه.. أحدكما ميتاً والآخر مجذوباً"

*******

بعد وقت طويل...

كان خالد يحتل مقعد سيارته، بعد أن صمم أن يصطحبه لمنزله بنفسه ويطمئن عليه.. بالطبع خاض جدالاً حاداً مع الطبيب المتزمت، ولكن راشد كعادته لم يهتم بمنحه جدال أو استجابة، وبدل أن ينقل لغرفة تتابع حالته خرجا سوياً من المشفى...

"لماذا لا تأتي معي، سأكون جانبك إن احتجت لأي شيء كما أن والدتي تحترق قلقا وتريد الاطمئنان عليك ورؤيتك بنفسها؟"

قال وهو ينظر من نافذة السيارة شارداً "سأمر عليها غداً بعد أن تحدد الموعد مع نزار ووالده"

قال خالد بضيق "سأحدده انا..."

"نعم، أريد أن يعلما أنك من وافقت بعد رفضك.. لا حاجة لأن يعرف أحد ما يدور بيننا"

صمت خالد ولم يرد بشيء فقط جسده الضخم يتذبذب بشحنات الغضب المتضامن مع القهر ثم قال بجمود " فلنجعل الموعد الأسبوع القادم إذاً"

لم يلتفت راشد من شروده وسأله بنبرته التي لم يغادرها التعب "ولما التأخير؟"

أجاب خالد بحسم "ربما لأنك مريض أجرى عملية لم يمر عليها ثمانية وأربعون ساعة بعد، وتحتاج للراحة بعد كل هذا الإجهاد .. هل هذه إجابة كافية ؟!"

ابتسم راشد بهدوء ثم قال ساخراً "فارس الراوي يمارس عليّ تسلطه"

قال خالد بوجوم "طالما أنت تصر على إهمال نفسك ولا يتوفر عنصر ملح وقلق يستطيع إخضاعك لقلقه في حالتك تلك.. سآخذ أنا هذا الدور مرحباً"

تراجع رأس راشد للوراء سارحاً في تعليق خالد الذى لم يترك تفكيره منذ أن فتح عينيه ونظر لوجهها القلق، لقد اعتقد أن سماعه اعترافها بالحب مجرد خيالات يرسمها عقله الباطن... خيالات واعترافات طال شوقه ليسمعها منها... وكم كانت روحه المطحونة تحتاج لتلمسها... دافعة إياه الآن ليسرح راسماً صور أسطورية.. ماذا لو كان فاق فعلاً وهي زوجته, يحق له أن يرمي رأسه على صدرها مشاركها كل همومه... ماذا لو كان كلاهما قرر أن يتخطى علل نفسه وكبريائه لتكون الآن هي سكنه وسكناه؟!

هو فعلًا يحتاجها أكثر من أي وقت مضى...

"راشد؟" همس خالد بقلق منادياً عندما طال صمته..

مما دفع راشد لأن يجيبه سريعاً مغيراً مجرى الحديث وتفكيره وهو يقول "لقد ترك والدك رسالة لك ولأختك وأوصى ألا أمنحها لكما حتى أرى بأنكما مستعدين.. وللحقيقة بعد اكتشاف كل خبائثه، فالشيء الوحيد الذي أبصره ألا داعي لألاعيبه تلك، الرسالة في مكتبي داخل منزلي و....."

قاطعه خالد وهو يقول بخفوت "لا داعي.."

:-"ولكن ربما بها شيء يجيب تساؤلاتك وترضيك"

كرر خالد بصرامة "لا داعي, تخلص منها.. لا أريد قراءة رسائله.. كفاني استسلاماً لما يرسمه من خطط مميتة حولي، أنا لن أتبعه وهو حي وميت، فليتركني أرمم ما فعله بنا.. أنا وزوجتي على الأخص.."

أسبل راشد جفنيه وهو يريح رأسه على ظهر المقعد مجدداً وخطوط الإرهاق والمرض ترتسم على وجهه بشكل فاضح ومقلقوهو يقول "لن أخدعك بما أشعره نحوه الآن من بغض, إذ أنه كان يعرف جيداً ما الذي تمثله سَبنتي لي، ليس من العدل أن يترك لي حِمله ويأمرني بإصلاح خطاياه هو بينما كانت يده الخفية تهدم ما أبنيه.. ورغم كل هذا أنا أخبرك أنك ابنه الوحيد فلا تشعر بأمر تندم عليه بعد زمن"

نظر إليه خالد متفهماً ثم قال بصبر "كما قلت سيظل هو أبي وأنا ولده، لذا له عندي وصيته ببناته وأمي، أن أدعو له كأي ولد صالح، سأحاول بكل قوتي أن أقدم كل الأعمال الخيرية علها تخفف من ذنوبه.. ولكن أيضاً أن يطلب مني أن أستمر في العيش داخل ما يرسمه هو عبر وصايا ورسائل، فهذا ظلم ومن حقي رفضه"

قال بهدوء "على راحتك.. لن أتخلص منها ربما في وقت ما تريد أن تقرأها"

همس خالد ببرود:- "افعل ما تريده، لماذا اهتم؟"

اعتدل راشد وهو يقول "حسناً سيد غاضب.. هل يمكنك أن تنحرف عن الطريق وتتوجه لبيت إيهاب زيدان؟"

قال خالد مستنكراً "الآن، لقد منعتك من مواجهة بدور، لتذهب لمن هي أسوأ منها؟"

لم يكن به أي طاقة للمجادلة وهو يقول "أريد رؤية أولادي، أثق بأنهما ينتظراني، لذا هيا استدر وأنت صامت رجاءً أو توقف هنا وسأستقل السيارة مع الحرس الذي يتبعنا"

نفخ خالد مستغفراً.. ثم دون نقاش آخر كان يأخذ طريق بيت أخته كارهاً.

********



عندما رن جرس الباب اندفع الصغار كالعادة نحوه.. فصرخت مريم بعصبية "توقفا... قردان يا ربي، أنا أنجبت قردين"

عقد إياس حاجبيه بتفكر معتاد وهمس لأخته "ألم نكن منذ قليل عفريتين؟!"

رفعت ليبرتا كتفيها ثم أخفضتهما بجهل وهي تقول "ربما ترقينا، وسنصبح طفلين قريباً.. أتعلم ماما بدور محقة مريم لا تنفع أمنا إذ أننا أذكى منها و....."

توقفت وعيناها تتوسع برهبة شاعرة بنفسها ترتفع عن الأرض من أطراف ملابسها من الخلف و والدتها تقول بشرر "من أذكى مني يا ابنة أبيكِ؟!"

ابتسمت ليبرتا بسماجة ثم قالت "كنت أخبر إياس بأنكِ أذكى ماما بالكون بعد أن قال لفظ سيء عنكِ يا مريم"

هز إياس رأسه بذعر "لم أنطق...."

انضم إليهم إيهاب وهو يخلص ليبرتا من بين يديها ثم قال بنزق "أنتم الثلاثة إلى الأعلى مع ضيوفكم.. هناك طارق على الباب وأنتِ و عفاريتكِ تتجادلون كالقرود... أين أعيش أنا؟"

قالت مريم ببساطة مذهلة وكأنها تخبره عن حالة الطقس "في الجبلاية بالطبع"

نظر إليها بتحذير حانق بلغ أشده وهو يحرك حاجبيه نحو الأعلى، فمنحته ابتسامة أشد من سماجة ابتسامة ابنته.. ثم لملمتهما وانسحبت متسحبة ببطء وكأنها تخشى أن تصدر صوت يستفزه، فتشعل غضبه.. يكفيها ما تنتظره من انفجار وشيك تعلم اقترابه إذ أنه بدأ يلاحظ تغير تصرفاتها مؤخراً وتقصد تحججها وتهربها منه عندما يبدأ في ملاطفتها!!

استدار إيهاب نحو الباب وهو يخرج نفساً طويلاً مهدئاً وهو يهمس لنفسه "الصبر يا رب على الثلاثة المجانين، سيجلطونني قريباً لأرقد مكان ذاك المسكين بلا حول ولا قوة"

فتح الباب أخير لزائريه الذي يعرف بقدومهم مسبقاً من الرسالة التي أبلغ بها خالد منذ وقت قصير... فقال على الفور وهو يمد يده بسلام حار "حمداً لله على سلامتك، لقد أقلقتنا يا رجل"

قال راشد مازحاً "أنتم السابقون.. فأول معرفتي بك أذكر أنها كانت بين الأجهزة!"

ابتسم إيهاب دون انزعاج.. ثم رحب به للدخول وهو يقول "لم أخبرهم بقدومك، تحتاج لرؤية فرحتهم بعينيك"

أومأ موافقاً... ثم اتبع يد إيهاب الذي أشار إليه للأعلى وهو يقول "لقد أتينا أنا والدكتور جوشوا وابنه ليلة أمس وبالصباح أيضاً ولكن خالد كان يصر على أن نغادر"

رد راشد بامتنان "أشكرك لاهتمامك ورعاية أختي الصغيرة وطفلي"

رد إيهاب بصوته المهيب عاتباً "أتشكرني على واجبي؟! إن لم أقف بجانبك وخالد في تلك المحنة من أحق منيّ إذاً؟"

أومأ مرة أخرى بامتنان غير قادر على إخراج الكلمات وبدأت أنفاسه أنينها من المجهود الذي بذله منذ أن فاق.. فقال خالد وهو يراه يهم بأن يصعد الدرج "توقف, ماذا تظن نفسك فاعلاً، لما العناد.. ألم تمنحك تلك الوعكة أي درس يجب أن تقر به؟!"

رفع حاجبيه متسائلاً فقال خالد "أنك من بني البشر مثلاً وليس بطل أسطوري لا يكل ولا يتعب"

قال بهدوء "كما قال إيهاب أحتاج لأن يراني إياب, على الأقل كما عهدني"

" هما سيهبطان، الطبيب أكد لا مجهود، كما أنك تحتاج لأن ترى كيف يتلوى وجهك وجعاً الآن"

تدخل إيهاب سريعاً وهو يرشدهم نحو غرفة الاستقبال بالأسفل "خالد محق, انتظراني هنا، وأنا سأخبرهما ليأتيا إليكما"

لم يجادل إذ أنه بالفعل بدأ يشعر ببوادر وهنه...

جلس خالد على مقعد مقابله ثم قال بهدوء "عذراً نسيت إخبارك أن مالك ومدحت هنا، منذ أول يوم رقدت فيه ولكن كلاهما ذهب عند إصراري على الجميع أن يغادروا كما أوضحت مراراً"

قال راشد بتعب عاتب "يا الله, لقد حولتم الأمر لدراما راوية معتادة.. جدياً يا خالد هل لديكم مرض نفسي من نوع ما يتفاخر بزف بالمصائب؟!"

قال خالد بفتور "أولاً زوجاتهما من أخبرتهما, وقلق الناس عليك واهتمامهم لا يدعى عته نفسي يا نمر الراوي بل حباً عائلياً"

نظر إليه راشد بتهكم ذو مغزى مما دفع خالد أن يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا فائدة منكم جميعاً.. إن الثقة بين أفراد هذه الأسرة تدعو للمفخرة"

قال بطرفة "غيرها إن استطعت"

نظر إليه خالد طويلًا قبل أن يقول بعزيمة "سنغيرها جميعاً، أنا أو أنت لسنا المعنيين وحدنا, هناك أطراف أخرى يجب أن تؤمن بهدفنا هذا"

قال راشد ببؤس متهكم "عندما تطير الفيلة"

توسعت ابتسامة رجولية جذابة على وجه خالد ثم قال "لقد حققت المستحيل قبلاً وطارت الفيلة، لذا بقي فقط السيطرة على نسائنا"

"هل سمعت قبلاً عن رابع المستحيلات.. حسنا.. تحقيقها يبدو هين وسهل أمام السيطرة على أنثى تحمل جينات الراوي!"

لم يتح لخالد أن يقول شيء إذ أن الهرج الصادر من أمام الغرفة المفتوح حال بين حروفه... وعندما ظهر الجميع وأبصروا راشد الذي وقف ببطء في مواجهتهم عم الصمت للحظات وتعلقت الأعين المختلفة به..

ها هما عينان ملهوفتان ملونتان بالبنفسج وبالقهر والندم كما صاحبتهما تعاينه من بعيد تبدي اعتذار واهن دون أن تجرؤ وتقترب وكأنها زُرِعت مكانها...

بينما كانت عينان أشد لهفة وحزن متقهقر بلون الشمس المشعة تتوسعان في حضرته تنظران إليه بترقب وسعادة كسيرة إذ أنها عندما أتت إلى هنا لم تتوقع رؤيته لا اليوم ولا أي يوم آخر قريب...

إلا أن إياب المنكمش كما العادة مؤخراً في سَبنتي رافضاً أي تقرب من صاحبة الشمسين كان أكثر تفاعلاً وصخباً وهو يندفع نحو والده، مهللاً, فرحاً, دموعه تزف وجوده قبل صوته الصغير السكري... استقبله راشد قاطعاً تلك النظرات مع بدور والمشاعر التي شابهت قطرات المطر الثقيل التي هبطت كالسحر على قلبيهما تركز ضرباتها الموجعة المرتوية هناك على مضض..

"مرحباً يا بطل, اشتقت إليك"

انهمرت قبلات الصغير على وجه والده من بين ضحكاته الصاخبة ودموعه المفجوعة، مستقبلا أيضاً نهم والده وهو يقبله تارة ويحتضنه بقوة وتشدد عاصره بين ذراعيه وهو يطلق زفرات ارتياح تارات دون خجل.. حتى قال الصغير بطفولية متلعثمة "أنت لم تمت.. لم تقتلك تلك السيدة؟"

أبعده راشد قليلاً دون أن يفلته حتى يستطيع النظر إليه ثم قال مداعباً "لا, لم أمت، لقد كنت متعباً قليلاً وأحتاج للنوم طويلاً دون أن يزعجني أحد"

هز رأسه رافضًا لشيء خفي ثم قال بنفس التلعثم "لقد كانت تصرخ في وجهك وتخيفك ثم وقعت ومت.. أنا لم أعد أحبها، هي ليست لطيفة"

نظر راشد لسبنتي عاتباً, فالفكرة التي بنى عليها ابنه أوهامه مؤكد زرعت بداخله عقب صراخهما متهمين بعضهما بمن السبب كما أخبره خالد... اغرورقت عينا سَبنتي بالدموع وهي تطرق بوجهها في الأرض غير قادرة على مواجهته وهي تشعر بالاختناق حتى أنها لم تحس بتلك الدمعتين الشفافتين وقد هبطتا تجريان على خديها... حتى سمعته يقول بهدوء محتوي طفله "هذا افتراء على السيدة اللطيفة التي كانت تحاول مساعدتي"

قال معانداً "ولكنها صرخت في وجهك و..."

قاطعة راشد وهو يبعثر شعره بمحبة وقال بحزم يعرفه ابنه جيدا "كانت تصرخ بالفعل لتخبرني أنه يجب أن أرتاح لأنها علمت أن بابا متعب.. والآن أنت ملزم بتقديم اعتذار لها.. هل هكذا يعامل الأصدقاء بعضهم.. لقد أخبرني خالد أنك لم تكن مهذب أو لطيف مع سيدة تحبك"

العند لم تكن صفة يجهلها أحد عن ابنه إذ لف ذراعيه الصغيرين بقوة حول عنق أبيه ودفن رأسه هناك ثم قال باكياً "بدور شريرة.."

تنفس راشد بتعب شديد وهو يتزحزح مرة وجلس على أقرب مقعد وهو يقول بإرهاق "بدور تحب بابا كما سَبنتي وإياب.. ألم تراها بنفسك تبكي مثلكما عندما مرضت؟!"

حرك إياب رأسه مرة أخرى بجهل ورفض ثم رفع رأسه ينظر لوجه أبيه يلمسه بأنامله كي يتأكد أنه بالفعل معه وليس خيال كانت سَبنتي وبدور تحاولان رسم وجوده في الأيام الماضية ثم همس بتقطع "أنا كنت خائف"

حرك راشد يده بالمثل على وجه طفله ثم قال بمهادنة مقنعة "وبدور أيضاً كانت خائفة على بابا، وعليك أنت أيضاً، لم يكن لطيفاً ما قلته لها.. هذا يزعجني كثيراً يا إياب"

هز الصغير كتفيه دون معنى ثم عاد يتعلق فيه بقوة, ضمه راشد إلى صدره وهو يتنفس بعنف ملأ صدره من عبقه ورائحته.. وظل لدقيقة أو لوقت يتشرب اطمئنانه لوجوده هنا من أجل صغيره.. للقائه مرة أخرى دون أن يتركه في هذا العالم دون أي يحميه، وأم يفقد كل أوصاله الطبيعية معها... إن كان مات, أو فقد فعلاً كيف كان ليكون مصير ابنه في هذا العالم المليء بوحوش من حوله.. كيف سيكون الوضع مع والدته التي سيظل عمره كله يشير نحوها باتهام وجرم غير قابل للبراءة بأنها من تسببت في فقده لأبيه.. هذا الوضع يحب أن يتغير وفي أقصى وقت ممكن..

عندما طال صمت كلميها كان خالد في لحظة ما قد تسلل ببطء ليقف جوار سَبنتي المرتجفة يضع ذراعه على كتفيها ضاماً إياها نحوه ومحتويها.. قاومته بصمت وحاولت التحرر والرفض إلا أنه كان أكثر سيطرة بأن يجعلها تستسلم في برهة قصيرة متقبلة وضع طبيعي حتى وإن رفضته بكل كيانها...

فتح راشد جفنيه مرة أخرى وكان قد استطاع أن ينظم أنفاسه وأفكاره من جديد ثم أبعد ابنه عنه ينظر إليه بهدوء ثم كرر بحزم ورفق "أنت تحتاج الآن للاعتذار لصديقتنا التي دونها ما كنت رأيتني مجدداً، إذ أنها هي من أنقذتني عندما مرضت"

قال إياب بتلعثم "هي لم تصرخ، لم تقتل بابا؟!"

ابتسم راشد بشحوب ثم قال "بالطبع لم تفعل، ألا تراني أمامك الآن؟"

قال الصغير ببهوت وهو يلتفت ينظر لوجهها الملهوف "هي تحب بابا؟!"

ارتبكت بدور واحمر وجهها بشدة.. بينما تعلقت عينا راشد عليها بوهج قديم ثم قال بخفوت صريح دون حرج "وبابا يحبها"

ببساطة مذهلة كانت ترى تغير نظرات ابنها إليها للنقيض بشكل يدعو للحسرة والصدمة سوياً... انسحب شيء من اللون من وجه بدور وهي ترى إياب يزيح يديه علامة على رغبته في التحرر, أنزله راشد ببطء متجنباً النظر إليها مرة أخرى، متبع خطوات ابنه المليئة بالخجل وهو يتحرك نحوها، حتى وقف أمامها أخيراً يطرق للأرض حرجاً ويهز أحد قدميه بتوتر حتى همس أخيراً "أنا آسف يا بدور.. هل أنتِ غاضبة مني؟!"

هبطت على ركبتيها مقابلة له وهي تمسك كتفيه بحذر خوفاً من أن ينفرها كما حدث منذ ساعات أو كما الأيام الماضية.. ولكنه لوجع قلبها لم يفعل، اختنقت بعبراتها وهي تقول "بتاتاً.. البتة.. أنا أغضب من روحي, أخصامها وأكرهها حتى، ولكن ليس أنت يا قلب بدور"

رفع وجهه بتمهل ثم منحها أجمل ابتسامة زلزلت كل ركائزها وهو يقول "هل عدنا صديقين؟!"

قالت بصوتٍ أجش خشن من دموعها المحبوسة "دائماً كنا.. وسنبقى"

قال بخجل منعش "هل يمكنني تقبيلكِ شكراً إذاً، إذ أنكِ أعدتِ لي بابا كما وعدتِ؟!"

أفلتت منها شهقة خائنة وهي تهمس "وحضن كبير إن تكرمت.. لقد افتقدتك.. جفائك عذاب يا ضي القلب"

هو يحب ألقابها التحببية وإن لم يفهم منها شيء ولكنها تعطيه أمراً عظيماً يثير بهجته حتى وإن لم يقدر على تفسيره.. بدون تردد آخر اندفع إليها يحتوي ذراعيها التي اختطفته من على الأرض اختطاف جائر وكأنها تجرفه من مكانه لتعيد زرعه فيها.. ودفنت وجهها كله في كتفه الصغير وهي تطلق شهقات أخرى متقطعة مكتومة وهمست "اشتقتك... اشتقتك جداً حتى وأنت أمامي"

همس الصغير بتواطؤ يثير الشجن بداخلها "سأذهب مع بابا اليوم.. وغداً سأطالبه بالعودة إليك كما كنا، لأعقد صلحاً معكِ"

رددت مختنقة "راضية أنا بأي شيء منك.. كما كنا.. كما كنا.. وسأحرص أن نبقى يا حبيبي"

قال إياب مكرر وهو يبتعد عنها بمقدار ضئيل ثم كرر "لم أكن أكرهكِ كما سألتني.. أنا كنت خائف منكِ ولكن الآن بابا قال أنك تحبينه كما إياب، لقد أعدته كما وعدتني منذ قليل"

ارتبكت قليلاً ولم تعلق رافضة أن تنظر للأعلى، حتى لا تصطدم بعينيه المتسلطة التي شعرت بها تحرقها حرقاً وإن لم تبصرها...

حاول أن يتحرر منها وهو يقول بتردد "سأذهب لبابا.. غداً سأراكِ.."

حركت أناملها على وجنته قبل أن تقبل جبهته وهي تهمس "غداً.. يبدو بعيداً منذ الآن"

أحست بهالة جسده التي حاوطت كليهما، عندما رفعت وجهها إليه، فتجمد الزمن لوهلة وهي تهمس "لقد أفقت فعلا"

قال بابتسامة بطيئة مدعيا الطرافة "لسوء حظكِ"

قالت بنفس نبرته التي لا تقرب الصدق مطلقاً وهي تقف من ركوعها لتواجهه منتصبة كما هي دئماً "ياااالَ سوء حظي.. ليته يلازمني دائماً، ولا يخونني مجدداً"

تدخل صوت خالد الذي كان منزعجا جداً في هذه اللحظة حتى أنه تمنى لو أن راشد يملك من القوة الآن لأن يستدير ويطرحه أرضاً أو يفتح رأسه على غرار ابنته... "الوقت يا راشد يداهمك موعد علاجك ووقت نومك كما أمر الطبيب"

أغمض عينيه "مبرطماً" من بين أنفاسه وهو ينحني يحمل إياب بلطف وقال بنبرة عادية "غداً سأعيده لكِ.. الليلة أحتاجه معي"

أومأت موافقة قبل أن تهمس بتردد واهي "شكراً.. للمساعدة اللطيفة معه"

تنهد راشد وهو يسند ابنه على كتفه مثبتا رأسه من الخلف ثم قال بهدوء ثقيل "لم أفعلها لأجلكِ فقط، بل من أجل ابني.. أحتاج للاطمئنان أنه يحبكِ ويثق بكِ تماماً في الفترة القادمة"

ثم ببساطة استدار وغادرها تاركها تتأمل ظهره بقلق من الإجابة التي تركها فيها ولتتردد كلماته بصدى مزعج ومرعب خلفه...

تقدمت مريم والتي لاحظ زج زوجها الخفي من خلف ظهرها نحوه ثم قالت بتلعثم "لقد سعدت بهذا الخبر"

عقد حاجبيه بارتياب وهو يقول "أي خبر تحديداً؟"

تنحنحت بحرج ثم قالت بصراحتها الفظة المعهودة "اسمع.. أنت تعلم أني لا أرتاح لك بشكل كافي"

همس إيهاب بتعب "يا إلهي!!"

لم تهتم وهي تكمل ببساطة "أعني أزعجني بالطبع ما أصابك، وسعدت أنك وقفت على قدميك مرة أخرى"

قال بتحفظ "شكراً لكِ يا أم إياس.. وممتن جداً لعنايتكِ بهما.."

قالت بابتسامة جميلة "أنت على الرحب دائماً.. ولكن لا تفكر أن تكررها مرة أخرى، فنحن والله فينا ما يكفينا.."

خبط خالد رأسه في الجدار الذي أمامه عدة مرات بقنوط أن لا فائدة ترجى لا من شقيقاته ولا نصف الشقيقة.. بينما صحح إيهاب سريعاً من بين أسنانه "تقصد بأننا قلقنا عليك بالطبع, أليس صحيح حبيبتي؟!"

عقدت حاجبيها لبرهة قبل أن تستوعب ما نطقت به, توسعت عيناها بذهول ثم قالت "نعم، بالطبع قصدت ذعرنا عليك وحزناً لذعر إياب..."

هز رأسه بيأس ثم قال باسماً "بكِ الخير يا مريم"

ما بهم جميعاً كلما تحدثت لا يردون إلا (بكِ الخير يا مريم)؟!!

امتعضت ولم تعلق.. بينما فتح راشد كفه بصمت نحو سَبنتي التي لم تنطق ببنت شفة وهي تقترب منه متخلصة أخيراً من حصار خالد، ثم وضعت كفها الباردة داخل كفه التي شددت عليها.. ولكنه لم يحاول بأي طريقة احتوائها ولا التخفيف عنها حتى أنه لم يصرخ في زوجها كالعادة مخبره بأن لا يمسها... ونظراً لفهمها له عرفت دون كلام أنها بطريقة أو أخرى أوجعته ونالت منه وخسرته لوقت مبهم رجوعه... وهو عندما سحبها خلفه مودع أهل الدار أخيراً وغادر، لم يكن يدور في عقله وجوارحه المهزومة إلا أنه بالفعل مفجوعا فيها لحد لا يقدر على نكرانه أو تخطيه، ما زالت كلماتها السامة تدور في أذنيه وهتافها في وجهه أنه ليس أباها، بمقايضته لها أمام كسب محبوبته من جديد.. وأنها لأعوام استطاعت أن تخفي عنه حقيقة ما سمعته من ياسر، بتظاهرها المبهر بالتقدم والإنجاز, بالإصلاح كما أوهمته وهو يعتقد أنه عالجها... كل هذا وأكثر كان يكتمه مزيدا من وهنه وتعبه.. لقد خسر بكل ألم العالم مرة أخرى أمام خبث عمه وقذارة عزام، ابنته كما محبوبته وهو منساق في عماه متبعا مخططاتهما البشعة لينفذها لهم بكل حرفية وغباء...

قبل أن يترك راشد يدها داخل حديقة بيت إيهاب كان يستدير إليها يرفع وجهها لتنظر إليه، ثم قال بهدوء عاصف أشبه بمشرط دقيق شرط قلبيّ كليهما "أنتِ ممثلة بارعة يا ابنة راشد.. ممثلة ومخادعة تغلبت على معلمها شخصياً.."

همست باختناق باهت "أبي..."

هز رأسه وهو يغلق عينيه بقوة رافض لمحها حتى ثم قال "لا تحاولي التحدث معي، تجنبيني بقدر استطاعتكِ.. فمنذ الليلة كل شيء سيتغير يا ابنة راشد حتى أعيد ترتيب نفسكِ من جديد"

ثم دون حرف آخر كان يتقدمها مستقل مقعده جانب خالد الذي سلمه الصغير مجلسه في المقعد الخلفي جانبها... بينما عيناه لم تترك وجه الأخرى الذي يطل من خلف النافذة حتى غادروا أخيراً...

*********


يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 10:50 PM   #4367

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

تابع الفصل الواحد والاربعون

.............................................

بعد أسبوع...

كما توقع الجميع، بعد خروجه من المشفى.. لم يستطع بالطبع أن يعود سريعاً لممارسة حياته، ورفض بكل الطرق أن يستجيب لإلحاح خالد وزوجة عمه أن يجلس معه في المنزل الكبير مؤقتا للعناية به.. إذ انتقل خالد بإقامة شبه دائمة مع والدته في منزله.. ليلة خروجه لم يصدم عندما عادوا لمنزل راشد ليجدوا والدته سبقتهم لهناك مع نوة وشذى وأزواجهما وجهزوا له غرفة في الدور السفلي مؤقتاً كما اهتم الجميع على مدار الأيام لعنايته في الطعام والعلاج, إذ أنه أيضاً أصابته وعكة أخرى استدعوا على أثرها طبيبه الذي تبادل متابعته وعنايته مع والدته..

سَبنتي أيضاً كانت تحاول المساعدة والتدخل إلا أن راشد ولأول مرة كان يرفض اقترابها منه بكل شكل ممكن مكتفي بحديث مقتضب وجاف معها... أحدهم لم يفهم ما الذي يهدف إليه راشد بطريقته الجديدة معها.. إذ أنه أيضاً استمع لما لاحظه خالد عنها، وأخبره بصراحة مطلقة أنها تحتاج لطبيب نفسي، وليس مراعاتهم فقط.. وقد اتفقا بالفعل للبحث عن الطبيبة المنشودة، إذا أن خالد رفض بشكلٍ متعسف لجوئهم لطبيب من جنس الرجال...

أيضاً بدور كانت تتردد بشكل يومي ومنتظم على الزيارة إذ أن ابنها رفض أن يغادر جانب أبيه بل ظل يتشبث في صدره رافض حتى مغادرة الفراش من جانبه، إلا أنهم حالوا بين أي تصادم بينها وبين راشد رغم نظراتهم الفاضحة للجميع لتلهف كليهما لحديث ومشاعر تصرخ بها الأعين المفطورة باللوعة...

تذكر نوة تواطؤ بدور مع سَبنتي التي رفضت بشكل قاطع التواصل معها إلا أنها تعاونت لأن تقتحم غرفته الخاصة، وتسلم بدور كل سجائره، وحبوب المنوم التي علمت أنه ما زال يلجأ إليها مثلها.. وقد كانت قد حدثت طبيبه وفهمت منه ما الذي يفترض أن يتبعه من إرشادات وعلاج الفترة القادمة وطلبت منه أن يحذره شخصياً لخطورة ما يفعله بنفسه..

تذكر جيداً أيضاً عندما علقت بدور غير قاصدة أمامهم بأنه يهمل في صحته، وبأن حتى سَبنتي لن تكون قادرة على تحجيمه إن أراد أن يعود للتدخين أو يهمل في علاجه... يومها والدتها اكتفت بأن تنظر إليها بلوم وكبت وكأنها تخبرها باختصار "واحزري الفضل لمن.. إنه لا يملك من قد تحرص على حياته وتدفعه للالتزام مانحة إياه الأمل والمساندة"

فلنعترف بكل انزعاج.. بدور لم تغتال حياتها فقط وتحطمها، إلا أنها جرت راشد أيضاً لدواماتها ما يقارب العشر أعوام أو يزيد، إذ أنها لم تسمح له بالتحرر ومواصلة حياته مع غيرها ، وترفض بكل غباء وتعنت أن تعود إليه لترمم الباقي من عمر كليهما التعيس..



جلست نوة تضع ساق فوق الأخرى برشاقة وهي تميل نحو الطاولة التي توسطت غرفة المعيشة الخاصة بأفراد العائلة فقط، والمؤسسة على الطراز الكلاسيكي مريح للنفس والعين بأرائكه المتناسقة بجمال متداخل فيه اللون الأسود مع البني.. ومبطن فرشه بالحرير اللين.. ثم قالت بهدوء تجيب سؤال والدتها المعلق "نعم أمي كما رغبتِ.. شيماء ستبقى الليلة عند سَبنتي، ولن تعود إلا بعد أن تطلبيها أنتِ.."

صمتت قبل أن تنظر من فوق فنجانها لبدور بهدوء "هذا إن رغبت في العودة، إذ أنها أخبرتني أن وجودها بعيداً عن المنزل هذه الأيام أفضل للجميع"

ارتفع حاجبا بدور معاً وهي تنظر لها ببطء شديد ثم قالت بثبات "هل تلوحين أني السبب الآن في إحساسها بالخجل والبغض لضربها لي بظهري؟!"

قالت نوة بخفوت "لا ألومكِ لشعوركِ البشع بالخيانة، إذ أننا جميعاً فعلناها بطريقة أو بأخرى معكِ, إلا أن مبرري الوحيد أن شيماء لم تملك خياراً آخر، إذ أننا ندرك جيداً شدة تعلقها برفيقتها"

قالت بدور بصوت اخشن من حدة الألم الذي يتموضع في صدرها رافض أن يغادرها أبداً على ما يبدو "صدقي أم لا، أنا لا ألومها يا نوة فكما أشرتِ جميعكم فعلها، ورغم إدراكي أنها كانت تحتاجها حتى لو كان تواصلهما عبر الاتصالات الهاتفية.. ولكني بشر وشيماء كانت أقربكم لي وطعنتها موجعة.. كلما تذكرت أنها راقبتني أعاني دون أن تحاول التخفيف عني ولو حتى عن طريق إخباري أنه بخير.. أن تقول أي شيء يجبر لوعة فراقي لصغيري"

هزت نوة كتفيها باستسلام ثم قالت "يقولون كل واحد حجته في لسانه حلوة.. ومبرراته وتصوراته داخل عقله منطقية للغاية.."

أطرقت بدور تضع ساعدها على ركبتها ويدها على وجنتها دون أن تعلق.. فسمعت والدتها تقول بهدوء "لماذا لا نصف الأمر بصراحة دون مبررات.. شيماء أخطأت في حق أختها الكبرى.. إلا أن جميعكم فعل، وما يؤلمني حقا أن أصرح في وجهكن أن الذنب الأكبر يتحمله والدكن رحمه الله"

اهتزت يدا نوة بوضوح لتتساقط من قهوتها بضع قطرات... بينما رفعت بدور عينان شديدتا التعقيد نحو والدتها تحدق فيها دون تنازل.. والتي أكملت بصوت أجش "إن لومنا لبعضنا لن ينتهي كما قالت سَبنتي مرة ساعة غضبها منا.. نحن عائلة أشباح ملعونة قدر لنا الوجع طوال حياتنا.. لذا أرغب بقوة في تغيير هذا.. ألا أستحق منكن أي تنازل بسيط من أجلي، أن تتمسكن بالإصلاح والغفران لكل من يطلبه؟!!"

قالت بدور بخفوت قاتم "صعب عليّ يا أمي، أنا أحاول بكل ما أملك من قوة.. ورغم هذا كلما أعتقد في نفسي الوصول أخيرا لشاطئ ينجدني من بحر الظلمات والضربات القاسمة.. تظهر دوامة عاتية تبلعني من جديد"

اقتربت منى من بدور تلف ذراعها حولها لتضمها إليها تقبل رأسها بقوة وهي تقول بتحشرج "كل هذا غلطة أمكِ، أجدني أريد لوم نفسي ليتني ما تركتكِ له، ما قبلت مساومة أبيكِ بكِ ما كنت فقدتكِ"

أغلقت بدور جفنيها بقوة قبل أن تقول باختناق شارد "الذنب متساوي إذاً يا أمي، إذ أني من اخترته دائماً، من أجبرتكِ لتخضعي بعد اختياركِ الابتعاد عنه.."

سقطت عبرات منى بالألم فوق رأسها ثم قالت "بل أنا من فعل.. وحدي من اخترت العودة لعلّي أنقذ منكم من أستطيع، ولم أعمل حساب لفرصة دماركم"

ابتعدت بدور عنها بلطف ثم مدت أناملها تكفكف دمع منى وهي تنظر إليها بعطف ثم قالت بشجن "هذا ما عشت عمري ألومكِ عليه، ولكن الآن بعد أن جربت خاصةً ما عشته أجدني كنت مجحفة جداً في إلقاء وبال غضبي عليكِ.. فأنا الآن مستعدة لفعل المستحيل حد رمي نفسي في النار إن تطلب الأمر أمام استعادتي لابني"

اقتربت شذى الصامتة تجلس بجانبهن ثم أمسكت بيد والدتها بمساندة وهي تقول بخفوت "كل منا ينجز الأمر بطريقته وبناءً على المتاح، نوة أخبرتني مرة أن كل امرأة لديها رد فعل مختلف إذ أن الحياة تفرض عليها قيود قاسمة، لذا لا أحد يملك حق لومكِ أو جلدكِ لأنكِ اخترتِ الاستمرار لصالح أبنائكِ من وجهة نظركِ"

ابتسمت منى من بين دموعها ثم همست "سأستغل هذا وأخبركن أن شيماء أحبكن إلى قلبي، أضعفكن إذ أن اختياراتها محدودة، إن كنتن تحببنني فعلاً فلا تؤذوني بها، هي وصيتي الوحيدة لكن.. فلا أحد يلومها على قلة بصيرتها وميلها لصديقتها الوحيدة التي ملكت من السلطة أن تدعمها حتى وهي بعيدة عنها.. الأمر لم تكوني أنتِ المعنية به يا بدور"

اهتز صدر بدور وكأنها تكتم بكائها ثم قالت بصوت أجش "أعرف.. الآن أفهم يا أمي.. ولكن وجعي منها أمر خارج يدي، لذا فلندع الأيام تطيبه، أنا أثق بأنني سأفعل.. تدركين جيداً أنها لم تصبح ما هي عليه الآن بفضلكِ وسَبنتي فقط، أستطيع التبجح والقول أن لي يد أيضاً"

ابتسمت منى وهي تقول "هذا ما أريد سماعه على الأقل الآن.. فكل ما أريده أن أتأكد أن لا واحدة منكن تملك ضغينة تجاه الأخرى"

صمتت قبل أن تكمل بخفوت شديد وهي تنظر لعيني بدور برجاء متواري "وزوجة خالد أيضاً أضمها في أمنيتي... فجميعكن تعلمن أنها طفلتي قبل أن تكون زوجة ابني"

أومأن بموافقة دون تردد ..بينما اهتز شيء داخل بدور عاصرها عصراً بندم لن تجد له علاج.. فلتضع خيبتها وإخفاقها مع سَبنتي بجانب إخفاقاتها الأخرى...

الهرج في صالة الاستقبال قطع حديثهن بينما قالت نوة بضجر وهي تمسح دموعها وكأن شيء لم يكن "من الصراخ الذي يسبق ظهور أختكن، يخبرنا بكل وضوح أن السيد الموقر ابنكِ اشتبك مع الفتاة"

وقفت شذى من مكانها وهي تقول بتأفف "يا إلهي، بماذا أعاقبه بعد ليبتعد عن طريقها؟!"

قالت بدور بحرص "ربما بأن لا تعاقبيه أصلاً, فمن الواضح أن عدائه معها كرد فعل ساخط على تحذيراتكِ غير الإنسانية بالمرة للفتى"

قالت شذى ببرود "أنا أربي ابني كما يحلو لي"

امتعضت بدور وهي تقول ببرود مماثل "ونعم التربية"

أشارت شذى نحوها بحنق وهي تقول "انظرن من يتحدث عن التربية.. الأولى بكِ أن تفكري في تهذيب ابنكِ الذي يتفاخر بحوادثه الليلية"

قالت نوة بارتياب "هل هذا يعني أنكِ عاقبتِ أولادكِ صغاراً على ذلك الفعل؟!"

فردت شذى ظهرها بأناقة وربتت على شعرها المصفف بعناية ثم قالت بغرور "بالطبع، ومن أول ليلة ولم يكررها أبداً"

قالت منى بسخط "منكِ لله يا بكيزة الدرملي.. هل ربيتكِ هكذا.. يا خسارة الليالي الطويلة التي داريت فيها عن أخواتكِ فعلتكِ المتكررة"

توسعت عينا شذى بصدمة وهي تهتف بحنق "أمـــــــــي!!"

بينما انفجرت بدور في الضحك لمجرد الفكرة.. أما نوة فهتفت "أول شيء سأفعله عند عودتها لجورجيا هو الإبلاغ عنها لرعاية الطفل لينقذوهم من بين يديها"

قالت منى ببرود "ولماذا الشرطة.. أنا موجودة.. سأصادرهم منها، ولتريني كيف ستستردهم"

"اتركني يا خالد لأربيه ابن بكيزة، قليل الفهم.. الجلف ال...."

زج خالد مريم ووضعها بجانب والدته التي أخذت تسيطر على غضبها وهو يقول "المرة القادمة سأترك لكِ حرية ضربه، ولكن الآن يكفيه عقابي"

تنفست مريم بغضب وهي تقاوم منى والتي سألتها من باب الفضول ليس إلا "ماذا فعل هذه المرة؟"

صرخت بعاصفة هوجاء "بمجرد دخولنا مع خالد للحديقة، والمزعج, غير المهذب استلم ابنتي توقفي عن الميوعة.. ملابسكِ فاضحة، شعركِ بشع, خديكِ مترهلين.."

صمتت قبل أن تهب صارخة ناوية ملاحقته من جديد فأوقفها ذراع خالد الذي سيطر عليها رافعها عن الأرض بملل وتعب وهو يغلق عينيه بقوة من سيل برطمتها بشتائم قاسية ثم قالت "أنا ابنتي وجنتيها مترهلتين.. ابن المترهلة"

فغرت شذى فمها بذهول وهي تشير إلى صدرها بأصبعها وهمست "أنا مترهلة؟!!"

ضحكت بدور ونوة ومنى أيضاً حتى دمعت أعينهن بينما أكملت مريم "وأنا ابنتي الجميلة شعرها بشع؟! الجلف, عديم التمييز، الغبي, ابن......"

وضع خالد يده على فمها مانعها من الاسترسال...

بينما قالت شذى باستياء أنيق "سأحاول تفهم غضبكِ، ولن أرد عليكِ بالقول أنكِ وحدكِ المترهلة وقريباً جداً ستصبحين فيلاً صغيراً استناد على كم الأطعمة التي تتناولينها"

ازدادت عينا مريم شرراً وتخلت تماماً عن الوجه الناعم الرقيق وهي تقاومه لكي تصل إليها فتبرحها ضرباً..

تنهد خالد بصوت مسموع وهو يقول "الصبر من عندك يا الله.. اللهم لا اعتراض على قدرك, ولكن لماذا أنا وحدي من أتحمل خمسة من المجنونات.. خمسة من الحمقاوات.. خمسة من..."

أوقفته نوة وهي تقول بخبث "حسناً شيخنا لقد اتضحت الفكرة إذ أني أيضاً دعوتُ الله بكل ضعف وصدمة لماذا منحنا أخ لا قدرة له على السيطرة على نفسه فتسلل لفتاة عاجزة وحيدة مسكينة لينفرد بها ليلاً.. لاغتصابها؟!"

الذهول التام ما راقبته على وجوه الجميع.. تبعه صمت حاد وكأن على رؤوسهم الطير، وكما توقعت هدأت كل انفعالات مريم بل ونزعت نفسها منه وهي تبتعد ناظرة إليه بقرف مضحك..

حتى قطعت منى الصمت وهي تنهب الأرض نهباً متوجهة لباب الغرفة لتبعد طفلي مريم ذوي الأعين الفضولية وهي تصرخ "غنوة... غنوة تعالي إلى هنا، وخذي أبناء خالتكِ للأعلى"

لم تنتظر رد حفيدتها وإن سمعت تلبيتها النداء سريعاً ثم أغلقت الباب وهي تنظر إلى الجميع بشرر حقيقي كأم توشك على خلع نعلها وضربهم جميعاً به..

"أنتِ ما الذي تقولينه يا بكرية إخوتكِ.. يا بديلتي؟!"

جز خالد على أسنانه وهو يقول بغضب "لقد جُنّت.. ماذا تعتقدين غير ذلك؟ ابنتكِ المصون جُنّت.."

تمطت نوة بكسل ثم قالت بلا اهتمام "مقبولة منك يا أخي الأصغر المهذب..."

صمتت قبل أن تنظر لوالدتها وهي تكمل "عندما ذهبت لسبنتي صباحاً أصريت على أن أعد لهم وجبة طعام، وأثناء انشغالي في الأمر طلبت الحديث معي وأخبرتني برغبتها التامة في عدم إتمام هذا الزواج إذ أن راشد أخبرها كما نحن عن تحديد موعد الزفاف ولم يقبل منها مناقشته"

عقد خالد حاجبيه وهو يقول بثقل لم يهتز "حسناً, رأي سَبنتي في الأمر جميعنا نعرفه، لذا ما علاقة السخافة التي قلتها به؟!"

صمتت نوة قليلاً تحدق فيه ببرود ثم قالت بعد برهة عندما سمعت زمجرة والدتها تحثها على الكلام "ليلة وقوع راشد، ماذا كنت تفعل بعد منتصف الليل في المزرعة يا شيخنا؟"

الآن استطاعت أن تنال منه بما لا يقبل الشك، وهي تراه يتوتر بطريقة ملحوظة يقلب نظراته في وجوههن المتهمة الساخطة وكأنهن يحدقن بالفعل في وجه أعتى المجرمين المتحرشين ومستعدات في أي لحظة للانقضاض عليه وتخليص المجتمع من شره...

تنحنح بقوة قبل أن تستقر عينيه على وجه بدور ثم وكأنه أتته فكرة مبهرة وهو يقول بتلعثم ليس ضعفاً ولكن للكذبة التي هو مجبر على التفوه بها إذ قال "كنت مع بدور طبعاً, فأنا لن أدعها تذهب هناك وحدها"

وقفت بدور من مكانها ثم استدارت لتجاور أخواتها ووالدتها اللاتي مثلنّ في هذه اللحظة فرقة إعدام صغيرة متراصة قبالته... ثم قالت ببرود وهي تشبك يديها على صدرها في علامة نفاذ صبر "لقد ذهبت وحدي، أنا صدمت من وجودك هناك أصلاً بل وهبوطك من أعلى الدرج"

خبطت منى على صدرها بقوة وهي تلهث تقريباً علامة على الصدمة.. بينما قالت نوة بفتور "بالضبط وبالطبع جميعنا كنا أكثر قلقا وانشغالا في الأيام الماضية, لنركز ونسأل ما الذي كان يفعله أخونا الهمام مع الفتاة المسكينة والتي اتهمته بصراحة بأنه حاول اغتصابها؟!!"

علقت مريم وهي تحرك فمها يمين ويسار "وأنا من سمحت لك أن تبيت معها في منزلي بحجة أنك أمين عليها.. يا عيب الشوم عليك.. ألا تتحشم؟!"

رفعت بدور حاجبها وهي تنظر بجانب وجهها لمريم، ثم قالت "جدياً يا مريم من أين اكتسبتِ قاموسكِ اللغوي الجديد ليصبح بتلك.... بتلك...."

قالت شذى ببرود: "بيئة"

لم تهتم وهي ترد ببساطة: "لا أحد بيئة إلا أنتِ يا بكيزة... ونعم يا بدور فأنا لديّ صديقة جديدة رائعة أتعلم منها الكثير لينضبط عودي المتمايل"

أومأت بدور بنوع من التقدير ثم قالت "أريد التعرف عليها إذاً و...."

هتفت منى بتعب "رباه الرحمة.. أنا في ماذا وأنتن في ماذا؟!"

في تلك اللحظة كان خالد قد استنزف بالفعل كل رباطة جأشه ووصل لحد مرعب من الغضب إذ قاطعهن وهو يقترب من نوة ببطء متربصاً حتى أشرف عليها بضخامته ينظر لها من علو بعينين مشتعلتين ثم قال من بين أسنانه "أي غباء تهذي به هي وتتمسكي به أنتِ لتنشريه كمذياع الفضائح الصدئ"

اهتزت عينا نوة قليلاً وهي تبتلع ريقها بخوف مضحك ولكنها قالت باستفزاز "تهجمت عليها ناوياً اغتص....."

قاطعها بشرر "إنها زوجتي.. حلال.. كانت دائماً أمام عيني وتحت رعايتي انفرد بها وقتما أشاء دون أن أنظر لها حتى نظرة وقحة.. فما حاجتي لأقدم على ذلك الفعل المقرف والآن؟!"

مطت بدور شفتيها وهي تقول بلؤم "لم تنظر لها.. أبداً.. أبداً.. إطلاقاً.. بتاتاً.. البتة.. هل أنت متأكد؟!"

"الصبر من عندك يا الله، هل جننتنّ؟"

قالت شذى ببطء متكلف للغاية "على فكرة مبرر حلالك ذاك لا يسمح لك بلمسها حتى وليس التهجم عليها"

ادّعى الدهشة وهو يقول بنبرة سمجة "وهذا في أي شرع إن شاء الله سيدة شذى.. شرع رابطة بنات الراوي الحمقاوات صحيح؟!"

ابتسمت بدور بتكلف حتى بان صف أسنانها ناصع البياض ثم قالت قاصفة إياه "فلنحمد الله أن الأمر انتهى بتلك الصورة، ولم ينتبه راشد حتى الآن لتعديك عليها في منزله وبالغرفة التي تجاوره"

فغر فاه بذهول وهو يهبط بكلا كفيه على الأخرى بغضب جلل "لا حول ولا قوة إلا بالله ..الصبر من عندك يا الله عليكن"

اقتربت نوة منه حتى لامسته بتحدي ترتفع على أصابعها وهي تقول بحماقة "الآن أرى جانب مشرق لوعكته.. فهو إن كان ضبطك ليلتها لكان هو شخصياً من قام باغتصابك"

رفع خالد يديه أعلى رأسها بغضب جلل وهو ينظر إليها بذهول وكأنه يقاوم نفسه ألا يخنقها فعلاً... بينما بقيتهن كالعادة انكمشن في بعضهن يقهقهن بسماجة

حتى هتفت منى أخيراً بسخط "صه"

حاولن تلبية أمرها ولكن فشلن تماما وهي تقدمت تزيح نوة من طريقها بعنف حتى وقفت في وجه ابنها ترفع إصبعها في وجهه ثم تدبه على صدره في إشارة حانقة وهي تقول "لقد اكتفيت منك ومن تهورك مع فتاتي، هل جن جنونك وأصبحت عاجز عن الالتزام بحدود أخلاقية حتى تصبح الفتاة رسمياً وأمام العالم أجمع زوجتك وفي منزلك؟!"

قال بصبر موضحاً "يا أمي الأمر ليس بتلك الصورة البشعة.. لقد ذهبت لأني....."

دبت على صدره مرة أخرى وهي تقاطعه قائلة: "لا أريد أن أفهم.. لقد اكتفيت من انفلاتك مؤخراً.. أنت لن تقترب منها حتى بعد الزفاف إلا إن سمحت هي ومن الآن أفرض عليها حمايتي"

رفع طرف فمه مطلقاً صوتاً استنكاري.. فحاولت بدور مساندته إذ أن الأمر ابتعد عن المزاح الآن وهي تقول "أمي، خالد لم يقم بأمر شائن.. هي التي تبدي انفلات في تحديه ومقارعته.. أعتقد أن ما يبديه خالد لم يتعدى حدود أي خاطبين..."

التفت إليها منى بشرر جلل وهي تقول بنفس حنقها "أنتِ الأخرى لقد بلغ السيل الزبى من تهوركِ... مرة يأتي لي راشد بكِ من على الأرصفة فجراً, ومرة من منزله بعد منتصف الليل, وأخيراً أجدكِ صباحاً في مشفى يبعد ساعتين لأن سيادتكِ ذهبتِ إليه ليلاً"

بهتت ملامح بدور وتلكأت وهي تقول "الأمر أن إياب...."

قالت بحدة "اخرسا أنتِ وأخيك.. هل رجل الراوي الجديد وسيدة الاعمال المبهرة ذوا السلطة يعتقدان بأنهما كبرا على أن يكون لهما كبيراً يحجم أفعالهما؟! لا والله لن أسمح لكما.. لقد صمت طويلاً وحان وقت تهذيبكِ وهو من جديد"

قالت نوة بسخافة "أحسنتِ يا أمي, لا تترددي في تهذيبهما"

التفت إليها منى وهي تقول بشراسة "اخرسي أنتِ.. ويا ليتكِ تسمعين النصيحة وتضعين أنفكِ في مكانه الطبيعي أي داخل وجهك"

تقهقرت شذى خطوة بعيداً عن مرماها حتى لا تسمعها شيء يجلدها مثلهم ولكنها التقطتها وهي تقول "وأنتِ يا بكيزة، قوانينكِ الاجتماعية المريعة تلك تنفذينها في بيتكِ، وتجدين طريقة للسيطرة على ابنكِ وإلا والله لأطردكم من هنا شر طردة..."

أومأت على الفور عدة مرات دون جدال أو حتى غضب من التهديد...

بينما علقت مريم ممتعضة "قلبي معكِ, أولادكِ جميعاً قليلو التربية ومجانين"

لم تتردد منى في منحها من الحب جانب وهي تقول: "على أساس أنكِ العاقلة هنا.. لقد أحببتكِ واعتبرتكِ أختهم دون جدال لأنكِ تماثيلهم في قلة الأدب"

لكمتها بدور وراء ظهرها أن تصمت وأن لا تجادل.. غمغمت مريم على مضض وهي تشاركهم جميعاً النظرة المتوجسة..

حتى استدارت منى أخيراً وهي تبرطم "منكم لله، ستتسببون في جنوني على كبر.. لا الكبيرة نفعت ولا الفارس الهمام شفع.. لقد تعبت.. والله تعبت منكم..."

قبل أن تفتح الغرفة وتغادر التفت تأمرهم بصرامة "موعد الضيوف اقترب.. اذهبوا لتجهيز أنفسكم وهذا الأمر يغلق تماماً.. فقط فلنتمنى أن يكون راشد أكثر انشغالا الآن ولا ينتبه لسبب وجودك في منزله في ذاك الوقت"

عندما غادرت أخيراً نفخ خالد بعنف قبل أن يقول من بين أسنانه "لقد تعبت أنا الآخر منكن بصراحة.. فهل يمكن أن أتعشم بأن لا تتدخلن في حياتي مرة أخرى؟!"

ردت نوة "انظر بما أنك أخ وحيد لخمسة بنات.. فاستعذ بالله وارفع من رأسك تلك الفكرة المزعجة تماماً إذ أننا لن نكف أبداً، بل هذه البداية.. بالمناسبة هل هذه الخبطة الجديدة تسببت بها هي فعلاً؟!"

صرخ بصوت جهوري مرة أخرى قبل أن ينبش خطواته خارجاً بينما هتفت مريم من وراء ظهره "خالد لا ضغينة فيما أقوله ولكن إن أزعجت لوليتا مرة أخرى... سأخبر راشد بكل شيء"

"تخبريني بماذا؟" قال راشد الذي دخل بصحبة ابنه إثر أصواتهم العالية فور دخوله للمنزل..

"اللعنة" همس خالد وهو يغلق جفنيه بقوة..

بينما نظرت إليه مريم بسماجة وهي تقول "بأنه يشتاق لوجودك طبعا"

نظراته المتشككة غير المقتنعة أخبرتهم بما لا يدعو للشك أنه سيعرف بالأمر في القريب العاجل..

**********



كان راشد قد استقبل ضيوفه مع زوجة عمه منذ دقائق قليلة.. ووقفت بدور على الدرج تنتظر هبوط خالد الذي تأخر في تبديل ملابسه أو لتكون منصفه بأنها تحججت بالأمر حتى تحتضن صغيرها أطول وقت ممكن بعد شوقها الذي وصل مداه الأيام المنصرمة...

"أريد أن أذهب لأصدقائي"

نظرت إليه بدور وهو يجلس في حجرها ثم قالت "ألا تفتقد صديقتك، ابقى قليلا فقط"

فقال "قال بابا أنه يريدكِ معه وأخبرني أن أذهب بالأعلى... أنتِ يجب أن تستمعي لكلام بابا"

اضطراب ملامحها لم يلاحظه ولكنها أجابته بصوت أجش "سأفعل فور أن اكتفي من صحبتك"

قال خالد وهو يهبط أخيراً "إذاً فأنتِ لن تفعلي أبداً.. فاكتفائكِ من إياب أمر يائس للوصول إليه.."

عبس إياب في وجهه وكتف ذراعيه وهو يكور فمه بغضب تضامناً مع تعقيد حاجبيه أخذه خالد منها يرفعه لأعلى وهو يقول بمرح "لماذا هذا التقطيب، ألم نكن صديقين عندما استضفتني في منزلك الأسبوع الماضي؟!"

تشبث إياب بساعده وهو يقول بحدة "أنت تزعج أختي وتريد أخذها مني"

قال خالد وهو يداعب بطنه بوجهه في حركة مازحة "بالعكس أنا أخبرتها بأني أرغب في أخذك معها، وتبقيان معي طويلاً بلا نهاية.. ما رأيك؟"

انطلقت ضحكاته الطفولية المنعشة غالبة غضبه ولكنه قال "وبابا...."

أنزله خالد ليجلس على ذراعه ثم نظر لبدور وهو يغمز بعينه ثم قال ببراءة "وبابا... ماذا نحن فاعلين به، أعتقد أنه مسكين كتب عليه أن يبقى وحيداً دائماً.."

عبس إياب للمعنى ثم قال بغضب مساوم "لا سأبقى معه... وأنت أترك أختي.. أو أعطني أختك"

شرقت بدور بأنفاسها وضحك خالد بقوة وهو يقول "أنا أحب هذا الفتى جداً.. ولو ملكت حق المساومة لن أتردد للحظة"

قالت ببرود "تتنازل عني إذاً رغبة في الحصول عليها؟"

قال خالد بشقاوة "أنا على وشك فعل هذا مع شيماء.. إذ أن سَبنتي كانت قد طلبت بالفعل بالسابق أن يصبح مهرها موافقتي على نزار.. لذا أعتقد أني سأحب تكرار الأمر"

ابتسمت ابتسامة صغيرة.. قبل أن تلتقط إياب وتقبل رأسه وهي تهمس "اصعد لغرفتك ستجد أصدقائك ينتظرون هناك، أنت تعلم طريقها؟"

أومأ موافقاً ثم تابع الأمر كأي طفل مهذب... إلا أنه التفت إليها وكأنه تذكر شيئا هاماً "بدور هل يمكنكِ أن لا تغضبي، أنا أريد أن أمضي مع بابا، وسآتي إليكِ غداً"

ارتعش وجه بدور فاقدة الأمل في أن يأتي هذا الغد قريباً ولكنها الآن لا يعنيها إلا مصلحة صغيرها، وابتعاده عن كل ما يوتره ويضغط على أعصابه وصحته النفسية لذا أومأت بهدوء حزين وهي تقول بصوت أجش "لن أغضب إن عدت إليّ كما وعدت؟"

أومأ موافقا فرحاً ثم اندفع للأعلى كما أرشدته..

اعتدلت بدور نحو خالد ثم تركت لمشاعرها حرية التعبير وهي تقول بصوت مختنق "مهما أبلغتك أسفي واعتذاري, هذا لن يمحِ تطاولي المريع عليها يوم المشفى"

تراجع خالد يستند إلى سور الدرج وهو يتأملها بصمت دون أن تنم ملامحه عن شيء.. ونطق أخيراً بوجوم "أوجعتها.. لا مبرر مهما كان يمنحكِ قسوة ما تفوهت به أو يمنحكِ الحق أن تلوحي بهذا"

قالت بشحوب "أعرف.. أعرف وأنا نادمة, لأول مرة أشعر تجاهها بندم حقيقي يقسمني، جاعلني أكتشف أمراً مروعاً كان قلبي الأعمى لا يبصره"

قال بهدوء "ما هو يا بدور ذاك الذي يبرر توحشكِ معها؟"

ساد صمت قصير قبل أن تقول بخفوت "أدركت أن عند عودتها ما حرك مشاعري تجاهها هو الامتنان لرعايتها ابني وتعاطفها معي.. الامتنان فقط لا غيره يا خالد... إلا أن..."

صمتت مرة أخرى بينما بدت ملامحها الرخامية التي يعرفها تتزلزل ليظهر من تحتها وجه شاحب وعينين مرهقتين يخط أسفلهم سواد باهت يحكي معاناة صاحبته... حتى أكملت "لن أحتمل خسارتها مجدداً، أوجعتني وكأنها بالفعل أخت صغرى لي.. ربما بالماضي كان هناك ما منعني عنها.. شعور قهرني بأنها ابنته.. خطيئته على الأرض تتحرك أمامي.. لكني أقر بأني أحبها، ما دفعني لمحاولة كسبها عند عودتها هو إحساس آخر لم أفهمه.. لقد كنت أفتقدها وأشتاق إليها وأحتاج لرؤيتها مجدداً كجزء منا.. جزء يرمم تشتت غربتنا وابتعادنا عن بعضنا.."

ألا يعلم بهذا فعلاً حتى دون أن تصرح به.. إنه يفهمها ويعرفها جيداً.. يقرأ من كتاب بدور المعقد بتعويذاته المبهمة ما لم يتضح لأحد بالسابق حتى ذلك الذي يتغنى بعشقها...

اعتدل خالد ثم أمسك بكلا كفيها برفق ثم قال بخفوت "ربما تحتاج لأن تسمع منكِ هذا الاعتراف بنفسها.."

هزت رأسها رفضاً ثم قالت بخيبة "لقد رفضت.. حاولت بمنزل مريم مرات عديدة كما في منزل راشد.. ولكنها أصرت على سد أذنيها بكفيها وإغلاق عينيها عند رؤيتي في كل مرة أحاول الحديث فيها "

رغم ملاحظتها القوية لاشتعال عينيه بالغضب أدركت أنه يكبت قهره الخاص عليها، أنها جرحته أيضاً بما تفوهت به.. إلا أنه كان أكثر تحكماً وهو يقول بصوت رخيم "امنحيها الوقت الكافي، ولا تتحدثي في الأمر نهائياً مرة أخرى احتراماً لرغبتها"

عبست متسائلة عن مقصده.. فأوضح بخفوت "لقد تحدثنا أنا وهي بالأمر وأمنيتها الوحيدة الملحة يا بدور أن لا يعلم أحد بما جرى خاصةً راشد.. لقد شددت أن لا يكتشف راشد ما قلته"

اتسعت عينا بدور ألماً شاعرة بالصغر وهي تهمس "لا تريد أن تسبب مشكلة أخرى بيننا تصبح هي محورها"

قال خالد بقوة "نعم، فأبوكِ أوضح لها بما لا يقبل الشك أنها السبب في كل جرح لبعضكما أصلاً.. ومع إحساسها بالذنب تجاهكِ لما أخبرتكِ به كذباً وأنتِ حامل بطفلكِ.. فالأمران معاً عززا لديها ذلك الشعور..."

ارتجفت عضلة بجانب فمها من جديد وهي تنظر لعينيه المشتعلتين بالإصرار عندما أكمل "الأفضل لسبنتي وإياب أيضاً أن تخرجاهما من قصتكما يا بدور... هل يمكنني الثقة بكِ مجدداً لتحقيق رغبتنا سوياً؟"

تمتمت "بالطبع.. لا تقلق"

أخذ نفساً عميقاً يملأ صدره ثم قال بخفوت "ما زالت ثقتي ببدور الجديدة لم تهتز، ولكنكِ تحتاجين لأكثر من وعود منطوقة لتثبتي ذلك"

"خالد, راشد يتعجل وجودك.." قالت مريم بهدوء وهي تتجه ناحيته..

فقالت بدور بتعجب "وهل أرسلكِ أنتِ؟"

حركت ذراعيها بلا مبالاة ثم قالت "هناء أصرت على طردي عقب إخباري لها أني أتيت لآخذ جانب أخواتي وأرفض ابنها"

رفع خالد حاجبيه بدهشة ثم قال "ظننته صديقكِ المقرب؟"

قالت ببساطة "هو كذلك بالفعل، ولكني رفضت طلب هناء بأن آتي معهم كداعم لجانبهم.. ورأيت أن آتي إلى هنا بجانبكم أنتم.. وأصمم على رفضي لإزعاجه ليس إلا"

مسّد خالد وجهه براحة يده بعنف.. وهو ينصرف من أمامهم يهمس "هذا كثير.. والله هذا كثير عليّ"

بينما شدتها بدور بقوة ناحيتها وهي تقول بصرامة "هيا ما سركِ، هذه ليست أنتِ إطلاقاً، ما الذي تحاولين إخفائه بكل هذه البلاهة والتناحة؟!"

انمحى بالفعل انفعالها السمج، وتركت لملامحها حرية التعبير وهي تقول "انا خائفة"

رمشت بدور بعينيها قبل أن تسأل بقلق "من ماذا؟"

توترت بشكل يجلب الشفقة ثم همست بعد برهة "أنا أخفي أمراً فعلاً لو علم به إيهاب سيخرب بيتي"

مطت بدور شفتيها ببرود ثم قالت "لا أصدقكِ أبداً فالرجل المسكين يبدو بين يديكِ كطفل مسلوب الإرادة"

زفرت مريم بهم ثم قالت "يبدو كالطفل طالما أنا صغيرته الوديعة التي تقبل بكل ما يقرره هو لي, ولكن إذا تمردت أو نفذت أمراً في خاطري يصبح شرساً يجرح دون تردد"

قالت بدور باستنكار "إيهاب؟!"

"نعم إيهاب, ست بدور.. لما التعجب؟!"

قالت بدور ببرود "ربما سأصدق.. إن أخبرتني ماذا فعلتِ؟"

ضاقت عيناها لبرهة، ثم همست بتواطؤ "حسناً سأخبركِ, ربما يمكنكِ نصيحتي كيف أتحداه دون أن أخسره"

لوت بدور فمها بسخرية قبل أن تقول بتهكم "بالطبع حبيبتي، ليس هناك امرأة في الكون غيري تستطيع نصيحتكِ لتحدي زوجكِ وتهذيبه دون أن تخسريه، ربما سأعلمك كيف تنتقمي منه أيضاً دون أن تستفزيه لأن يفتح رأسكِ أو تجلطيه"

**********

جلس خالد محتلا مقعداً أحادي يقابل نزار الذي اتخذ مكان يحقق غايته في تحدي من أمامه قاصداً...

ذبذبات التوتر كانت واضحة بينهما من تبادلهما لنظرات تراوحت بين التشفي والغضب المكبوت.. حتى تكلم جوشوا أخيراً.. "أولاً أرغب في شكر السيد خالد لدعوتي للزيارة"

قال خالد بنبرة رخيمة "منزلك يا دكتور, مرحباً بك في أي وقت ولا داعي للألقاب يمكنك ندائي خالد مجرداً"

أومأ جوشوا بابتسامة رزينة ثم قال وهو يلتفت نحو راشد "وثانياً وأهمها حمداً لله على سلامتك، لقد قلقنا جميعنا"

قال راشد مبتسماً "شكراً لاهتمامك"

أجلى جوشوا صوته مرة أخرى، وبدا متحيراً في إيجاد بداية مناسبة لأمر سبق وطلبه ملحاً من أجل ابنه إذ أن الوضع كله غريباً عليه حتى وإن كان يتفهم منذ زمن عادات وتقاليد هؤلاء الناس... ولكنها تبقى غريبة مهما تظاهر بالاندماج في هذا البلد حتى تكلم أخيراً بهدوء "بالطبع نحن أتينا لتجديد طلب يد ابنتكم المصون لابني ونتمنى هذه المرة إيجاد القبول"

رسم نزار ابتسامة عريضة على وجهه واثق بالطبع في الموافقة ونفخ صدره بزهو أمام عيني خالد الحانقة، وقبل أن يتكلم راشد كان هو يتولى الرد بثقل "مع احترامي الشديد لك يا دكتور ولكن... لدي شروط يلتزم بها نزار وحده أمامي ..إن قبلها أهلاً وإن لم يقبلها كما أتمنى فليكن هذه المرة رفضاً غير قابل للاستئناف"

همست هناء لمنى التي تبدلت ملامحها قليلاً بتوجس "سيشتبكان مرة أخرى, أليس كذلك؟"

همست منى "فلندعو الله ألا يفعلا أو يمتلك نزار أي حكمة، فخالد يبدو على أشده هذه الأيام"

انمحت ثقة نزار في لحظة ولاح الغضب المكبوت وهو يقول من بين أسنانه: "إن العالم كله تحت قدميها أمر زهيد"

مط خالد شفته السفلى بلا معنى ثم قال "انسى تلك الشعارات، فمن يريد مالك إن كرهتك أختي يوماً أنا من سيضع الغالي والثمين أمام خلاصها منك"

قال بضحكة سمجة "لن تفعل، ولن تكرهني أبداً لذا وفر غاليك منذ الآن"

تنهد راشد قبل أن يقول بحدة رغم هدوء ملامحه "أحمقان"

عبس خالد بقوة بينما لم يتخلى نزار عن ابتسامته السمجة ولم يشعر بأي إهانة.. حتى قال جوشوا "إن كنت مكانك فأنا لن أقبل بمنحه ابنتي فعلاً، بصراحة أنا لا أثق في حماقة ابني مطلقاً.. ربما هو حقق إنجاز علمي جيد ولكن هذا ليس كل شيء لنعتمد عليه في أمر خطير كالزواج"

الآن افتر وجه خالد عن ابتسامة شامتة بينما حدق نزار في والده بحنق وهو يقول "لا أعرف ماذا كنت لأفعل لولا شهادتك في حقي.. الحمد لله على نعمة وجودك والدي العزيز لإفساد حياتي التي لم تبدأ بعد"

قال جوشوا ببرود "هل تريدني أن أكذب أمام الناس الذين وثقوا بي من أجلك؟!"

نظر نزار لأمه نظرة من فاض كيله وصبره وكأنه بالفعل يقدم على فقد نفسه وينعي حظه في بكاء حاد... رفعت هناء كتفيها للأعلى ثم لوت وجهها نحو سقف الغرفة وكأنها لا تراه ولا يعنيها...

قال جوشوا مرة أخرى "انظر بني ربما أنا لا أثق في ابني ليس مئة بالمئة, ولكني أثق تماما أنها ستصبح بخير معي ووالداته"

قال خالد بتهكم رغم تهذيب ملامحه "وهل أنا سأرسلها في رحلة استجمام عندكم مع احترامي مرة أخرى يا دكتور، ولكن يفترض أني سأزوجها لابنك بالذات، وليس لوالديه"

زم نزار شفتيه قبل أن يقول بجدية شديدة "ستكون بأمان معي, أنا مستعد لتنفيذ كل شروطك دون أن أعرفها حتى.. وسأقدم لك كل الضمانات التي تريحك"

أسقط بيد خالد وهو يبادل راشد هادئ الملامح النظرات الملحة وكأنه بالفعل يطلب منه تشجيع آخر أن يمنحه موافقة عزيزة على قلبه... وحسناً هو عندما ارتجل وضع تلك الشروط الصارمة الوهمية لم يفكر أصلاً ما طبيعتها...

تكلم نزار مرة أخرى بإلحاح "تفضل، مُر بما لديك أنا جاهز"

قال خالد وهو يلمح إيماءة راشد الذي يكاد لا يلاحظ.. وهو يتظاهر بالصرامة "مدرستها وعملها أولاً وقبل كل شيء, لن أقبل أن تأتي لي يوماً تخبرني برغبتك في أن تتركه"

عقد نزار حاجبيه بحيرة قليلاً ثم قال "أنا لم أفكر بالأمر أصلاً"

"لم تفكر فيه يعني أنك قد تفعل مستقبلاً" قال خالد مهاجماً

تأفف نزار وهو يقول بنزق "هل تتحجج لأي شيء أنطق به بل أعني أنه أمر غير مطروح بالأساس.. أنا لن أحرمها من أمر تجد نفسها فيه وتساعد من خلاله أطفال بحالات خاصة معدومي الدخل والإمكانيات.. لن أقطع خيراً تقوم به"

قال بصلابة "حسنا.. إجابة مطمئنة"

امتعض نزار قبل أن يسأل بصبر "هل هناك شروط أخرى؟"

ادّعى القوة وهو يقول "آه.. نعم.. بالطبع..."

ثم عاد للصمت وكأنه يحاول أن يعثر على أسباب عدة لمنع هذه الزيجة...

"أنت لا تجد ما يجعلك تعيق الموافقة عليّ" قال نزار بفتور

عم صمت لحظي قبل أن يقول خالد بهدوء "بل لديّ.. وإن كان يعز على نفسي النطق به"

وفهم الجميع قبل أن ينطق بما يعنيه "لا أراها ذات عاهة يا خالد، هذا كل الأمر ببساطة.. إن شكت نفسي لمرة واحدة لم أكن لأتمسك بحبها دون أمل طيلة هذه السنوات"

أجفل للحظة من الكلام الصريح.. وتقبضت يديه دون أن يتضح التوتر على جسده وهو يقول بعدم راحة وتشنج "نحن بشر، شباب كما بعضنا لذا لا أنفك أفكر، ماذا لو بعد التعايش مع بعضكما اكتشافك عجزها عن مجاراتك والقيام بالكثير بما هو متوقع مثل أي زوجة؟ ماذا لو أخبرت نفسك أنها ليست كافية؟"

لم يتردد نزار للحظة وهو يشير ناحية والدته مانعها والتي أرادت التدخل وقول شيء ما..

"ولكنها كافية بالفعل.. ألم توضح جملتي الصريحة ما أحاول إفهامك إياه"

قال خالد بإلحاح "وماذا لو ضعفت، أو مرّ في خاطرك يوماً ..إن شيماء أضعف من احتمال فشل كهذا بسبب حالتها على وجه خاص"

قال نزار بهدوء "سأكون واضح إذاً وأخبرك أني تعلمت درسي باكراً.. لا يوجد مكان يخلو بالعالم من الألم أياً كانت صورته ولا المعاناة أياً كان شكلها... كلنا ناقصين بطريقة ما.. كلنا نعاني من مشاكل خاصة وأوجاع تنغص علينا حياتنا التي يعتقد البعض في كمالها..."

قال خالد بخفوت "هذا ليس ضمان كافي ولا يجعلني أطمئن"

قال نزار بنفس الوتيرة "ومن قال أني أستطيع منحك ضمان، فالضمان الذي أملكه هو حبي الشديد لها، ربما هي ستعود يوماً وتثق به وتهدأ هواجسها.. إلا أنك لن تفعل.. ما أريد قوله أنه لا يوجد منزل واحد خالي من وجع ينغص عليه حياته.. ولكن ما يفرق شخص عن الآخر هو الرضا بما قسم الله له.. وأنا راضي جداً بما قسمه الله لي وجعل قلبي يختارها باكراً جداً من بين جميع البشر الذين مروا من حولي.."

صمت مرة أخرى مبتلعا ريقه متجنباً النظر للوجوه حوله وعينيه متمركزتان على عينيّ خالد الذي بدأ في الاهتزاز قليلا وكأن كلامه وجد صدى داخل نفسه أو إسقاط على أمر يخصه هو أيضاً.. إنه ليس غافلاً أن سَبنتي وخالد يعانيان لينجوا بعلاقتهما أو ربما خالد وحده من يحاول أن يبحر بسفينة عشقهما المثقوبة.. إذ أن الفتاة العبثية المقاومة التي كان يعرفها قديماً، يبدو أن بها شيء قد انطفأ وكأنها... وكأنها كسرت بشكل غير قابل للإصلاح..

شاب صوت نزار بعض الحزن وهو يعود يقول بخفوت "هل ستفهم إن أخبرتك أنها وحدها من بين البشر تملك سلطة عليّ.. تأثير قوي على النفس لن يملكه غيرها أبداً, إذ أن حبها هذا من النوع الذي يتملكك ونمنحه بمحبة ورضى حرية التسلط والتحكم كما يهوى لا يمر بالعمر إلا مرة واحدة"

اتسعت حدقتا خالد وهو يردد بسرعة "افهم واستوعب"

صمت مرة أخرى لدقائق ثم قال بخفوت "يبدو أني لا أملك خياراً في إخبارك أني لن أجد لها أفضل منك"

رفع راشد يده متدخلا وهو يقول بصوت رخيم "أنا يمكنني أن أجد لها أفضل منه ومنك شخصياً يا خالد"

تهدل كتفا نزار بإحباط قبل أن يقول "أرجوك لا تجبرني على ترديد ما قلت لإقناعه.. فأنا لا أعلم أصلا كيف أقنعته إذ أن الصدفة والحظ هما ما تدخلا ليجعلا لساني ينطلق"

قال جوشوا مجارياً راشد "وأنا أيضاً يمكنني اقتراح العديد من الأسماء ومساعدتك، على سبيل المثال لديّ ابن اخ أذكى من ح....."

هتف نزار بالسويدية محذراً "إياك.. أقسم إن نطقت بحماري الأبيض لأسحب صفقتي معك.. ما بالك اليوم؟؟ هل استعنت بك لتساعدني أم لتخرب زواجي؟"

قال جوشوا بالفصحى "أنا أحاول أن أكون صادقاً ولا أخدع الناس"

استراح خالد في مقعده ثم قال مازحاً: "ربما بالنهاية سأزوجها لك من باب الشفقة على ما تلاقيه من سوء معاملة.."

نظر إليه نزار وهو يقول بتوسل "آه والله، أنت لا تفهم مدى معاناتي معه، والله هذا الرجل لو يكرهني لن يفعل بي ما يفعله"

قال جوشوا بإصرار حاد "أنا عاهدت الله أن لا أكذب، ما الذى يجبرني لأن أبيض صفحتك وأخدعهم؟"

نظر نزار لأمه مرة أخرى والتي عادت للتحديق في السقف وكأنها لا تعرفه أساساً..

تولى راشد الحديث مرة أخرى برغبة نجدته ثم قال "إذاً بعد رأي أخيها نستطيع أن نقول مبارك علينا اكتساب شاب مثلك صهراً يا أستاذ نزار"

قال نزار بلهفة وهو يقفز من مقعده حتى كاد يلامس السقف الذي يبدو أن أمه ستتبناه إعجاباً مقابل خلاصها منه "الله يبارك في أصلك يا أبا إياب.. كيف أشكرك؟! كل كلمات الامتنان المعروفة وغير المعروفة لا تفيك حقك"

ابتسم راشد بشكل رزين وهو يهز رأسه يأساً بينما عاد خالد لمقارعته وهو يقول ببرود: "اركز قليلا واملأ مركزك، تبدو كمراهق خفيف للغاية"

قصفته منى وهي تضع ساق فوق أخرى مدارية سعادتها التي زادت عن الحد وطفت على ملامحها الجميلة رغم خطوط الزمن التي احتلت قسماتها "على الأقل هو لم يطير الفيلة لترضى عنه ست الحسن.. وليتها قبلت وهو يتقافز هنا وهناك خارجاً عن جلده"

دب خالد على صدره بامتنان وهو يقول "الله أنعم، تخلصنا من مذياع الفضائح نوة، لتجود والدتي بنفسها"

قال راشد بصبر "هل يمكننا أن نركز في أمر هذين الاثنين وبعدها يمكننا إكمال هذا الاندماج العائلي المبهر ونتبادل الفضائح.. فأنا أثق أن السيدة هناء لديها الكثير من القصص المخزية عن طفولة نزار ومراهقته أيضا"

قالت هناء أخيراً "والله يا أبا إياب مصائبه تسرد في مجلدات مكتبة الأندلس ولن تفي"

قال نزار بتهكم "صمتت دهراً.."

جحرته هناء بنظرة قاسية فصمت على مضض، ليرى أين سينتهي هذا الحديث...

قال راشد "كم هذا مطمئن، نعم بالفعل تنقصنا الفضائح إذ أننا لم نعاني منها أبداً"

قال جوشوا بجدية أخيرا "حسناً مبارك بالطبع علينا كريمتك، متى نستطيع تحديد موعد عقد القران؟"

قال راشد بجدية مماثلة "زفاف خالد بعد شهر من الآن، يمكننا أن نستغل الحدث الضخم ونعلن خطبة نزار وشيماء.."

وكأن نزار أمسك في الكلمة فقال بصرامة شديدة غير قابلة للنقاش "لا خطبة، بل زفاف مباشر"

عبس راشد قليلا وهو يقول "ما زال الوقت باكراً، لماذا التعجل؟!"

قال نزار بنفس منطقه "ولما الانتظار، أستطيع تجهيز منزلي من الأثاث وخلافه في ظرف أسبوعين لا أكثر.. فالحمد لله القدرة المادية موجودة والقبول من الطرفين موجود.."

نظر إليه راشد لبرهة قبل أن يقول بنبرة مسيطرة "الزواج ليس قدرة مادية فقط، امنح نفسك وهي الفرصة لتتقاربا من جديد، إذ أن زواجكما ليس حلماً وردياً جميلاً.. بل فور إغلاق باب واحد عليكما ستكتشفان أن طباعكما تختلف وأفكاركما في تضاد تام.. ستصدمان طوال الوقت بأشياء لم تعرفاها عن بعضكما"

لم يصل لنزار تماماً ما يحاول نصيحته به بل قال معانداً "البعبع عقد عليها من ثلاث أسابيع فقط دون خطبة، وها أنت ستزوجها له.. فلما المكيال بمكيالين؟"

صحح خالد بغلظة "اسمي خالد.. هل تظن نفسك ابنة أختي الصغرى أم زوجتي لتناديني بالبعبع؟!"

نظر إليه نزار باشمئزاز وهو يرفع طرف فمه مع أنفه بقرف "زوجتك!!!!!"

كور خالد قبضته وهو يهمس "سأضربه.. أقسم سأفعلها"

قال جوشوا يهدئه "العذر منك, امسحها بي سيد بعبع"

فضحكت منى وهناء بقوة رغم حرصهما على اخفاض صوتهما.. بينما انفجر راشد في قهقهة عالية وهو يقول من بين أنفاسه "هذا الثنائي ممتع للغاية"

حرك نزار كلا ذراعيه أمامه لأعلى وأسفل وأشار نحو والده وهو يقول "لن أعزه عليك والله, خد المتعة كلها قبل أن يتسبب يوماً في قتلي.."

بينما بدا خالد مغتاظاً حانقاً وهو يفرك في مكانه عابساً...

فقطع راشد ضحكته بصعوبة وهو يقول "دعونا نركز أرجوكم في هذه الزواج الغريب.. إجابة على سؤالك يا نزار، ظروف سَبنتي وخالد تختلف، إذ أن وعد زواجهما ليس حديثا كما يعتقد البعض، دعنا نقول أنه تم الاتفاق عليه منذ زمن طويل قبل أن...."

وجم فجأة وظلل حزن عميق ملامحه سارقاً كل أثر للمرح السابق من على وجهه وهو يقول "قبل أن تجبرها الظروف على الرحيل.. لذا كما ترى هما انتظرا كفاية ليضعا حداً لتذبذب كليهما"

قال نزار بتصميم "وأنا أيضاً.. دعني أتطرف وأقول أننا تشاركنا نفس القدر بصورة عجيبة، سيد راشد.. لذا أنا لن أحتاج أن أعرف شيماء أو هي تعرفني، أريد الزواج مباشرةً"

صمت راشد للحظات ولم يجيبه بينما قال جوشوا بهدوء "أنا أيضاً أرى أن هذا أفضل للجميع سيد راشد بعد إذنك وخالد بالطبع، لما التردد إن كنتم وافقتم بالفعل، فلا داعي لتأجيل الأمر, دعنا نقيم زفاف مزدوج.. هذا في صالح الجميع.. كما أن الفتاتين صديقتين حد التطابق كما فهمت من نزار ووالدته، لذا أعتقد أن الأمر في صالح كلتيهما إن تشاركتا سعادتهما"

أطرق خالد في الأرض ولم يعلق بينما تدور في رأسه فكرة واحدة.. عند نطق الرجل بالسعادة.. قد يصدق أن أخته ستسمح لنفسها بالسعادة فعلاً وتستقبل الأمر ببهجة الفتيات، إلا أنه متأكد بما لا يقبل الشك أن سَبنتي شعورها سيكون أبعد ما يكون عن تلك السعادة..

قال راشد بهدوء مخرجه من شروده "خالد ما رأيك؟"

رفع وجهه ينظر إليه ملياً ثم قال "الأمر يحتاج للتفكير.."

قال نزار بلهفة" ولما التفكير.. لقد قلتها للتو نحن شباب ونفهم بعضنا، إذاً تدرك الآن أن الحل الأفضل زواج مباشر"

قال راشد بخفوت مبتسماً "حاول أن تفكر مرة أخرى.. ربما أنت لست على استعداد الآن"

نفخ نزار صدره ووقف كثور تخصيب مستعد للتزاوج وهو يقول دون تفكير مفسر بالطبع خطأ مقصده "لا.. لن أقبل, فأنا أثق بأني مستعد للزواج وفي أوج استعدادي تماما.. منذ عام مضى وليس بعد شهر"

وقف خالد دون تردد وهو يندفع إليه ناوياً ضربه في وجهه فمنعه راشد الذي وقف أيضاً بتأهب وهو يهم بقول شيء غاضب... بينما شهقت هناء بارتياب وهي تهمس "سود الله وجهك لاندفاعك.."

وعبست منى بضيق ولم تعلق... وما لم يتوقعه أحد إطلاقاً أن ينطق جوشوا بهدوء بارد رزين جداً وهو يرتشف من كوب قهوته وينظر لوجه ابنه الذي يبدو أنه انتبه لمعنى ما قاله "لا تثق في نفسك جداً بني فخمسة وتسعون بالمئة ممَن يتحدثون بثقة شديدة مثلك يفشلون فشلاً ذريعاً بأول ليلة زواج وربما أول عام أيضاً"

هبط إصبع نزار الذي كان قد رفعه بغرض التوضيح بشكل يوحي أنه كسر.. بينما سقط كله على أقرب مقعد وكأنه ما عاد به عصب واحد ليشده ويبقى شامخاً واغرورقت عيناه بالفعل بدموع رجولية وهو يقول "لماذا تفعل بي هذا؟ هل لديك ثأر تخلصه مني؟!"

قال خالد وهو يهدأ ويجلس مكانه "عدالة السماء.. أنا لن أعلق مرة أخرى..."

أطلق راشد صوت مستغفر آخر ثم قال أخيرا "حسناً يا نزار لقد أوضح أبوك وجهة نظره كما أنت, لذا امنحني يومين لا أكثر، وسأرد عليك في موضوع الزفاف.. ولكن بشرط لن أتنازل عنه"

قال بلهفة "ما هو؟"

قال بحزم "لا عقد قران قبلها"

قال خالد بهدوء: "أرى أن عقد القران أفضل، أنا لا أحبذ الخطبة.. كما فعلت أنا"

نظر إليه راشد ببرود ثم قال "بالضبط هذا تحديداً سر رفضي لعقد القران.. فأنا لم يعد بي طاقة لأسمع كل خمس دقائق إنها زوجتي, إنها حلالي عند كل اعتراض لي على فعل يبديه"

فرك خالد يديه وهو يقول "يا إلهي، فلينتهي هذا اليوم على خير"

عاد راشد ليخاطب جوشوا "إن كنا انتهينا.. واتفقنا على كل شيء فهل نقرأ الفاتحة؟"

اومأ جوش وهو يقول "مبارك علينا جميعاً..."

ورفع الجميع يديه.. وهو يشرع في قراءتها.. وعقب انتهائهم قال نزار بأدب "لقد طلبت من السيدة منى أن لا تعلم شيماء باتفاقنا اليوم"

قال راشد بهدوء "لقد أخبرتني نوة صباحاً"

فقال بهدوء "هل يمكنني استئذانك, لديّ حلم ربما تعتبروه ساذجاً ولكنه أمر رتبت له طويلاً"

قال باهتمام: "ما هو؟"

رد نزار "شيء خاص أطلب منها الزواج عبره.."

ابتسم راشد وهو يقول بهدوء "أخوها أمامك إن سمح لك فأنا ليس لدي مانع..."

قالت منى بهدوء عوضاً عن خالد "الأمر لا يتعدى إلا فعل سيبهج صغيرتي ويشعرها بالتميز، لذا لا أعتقد أن خالد سيقف أمام بهجة شقيقته"

التفت خالد إلى أمه ينظر إلى عينيها المليئتين بدموع الفرحة ثم قال بتفهم "من أنا لأفعل يا أمي.. فليسعدهما الله دائماً"

حركت منى شفتيها من بعيد "حبيب أمك, الله يحفظك لي سندا قوياً احتمي فيه أنا وأخواتك"

ابتسم برفق.. "كله أمام رضاكِ ثمناً زهيداً"

وقفت هناء من مكانها ثم وقفت أمام ابنها وشدته من يديه ودون خجل من المتواجدين كانت تضمه بقوة داخل ذراعيها وهي تقول بصوت أجش أثر دموع سعادتها "مبارك يا نزار الهوى.. مبارك ربحك حبيبتك ذات البحرين لتستقر سفنك وروحك أخيراً يا بني"

قبل نزار يد هناء ورأسها ثم قال بسعادة تتلألأ في عينيه كأنوار العيد "مبارك عليّ من وجدت فيها ريح الطيب يا أمي، فأنا لم اخترها جزافاً بل لأني أجد فيها نفحات من حنانكِ"

ابتسم جوشوا وهو يراقب الفرح الذي علا واستوطن أسرته الصغيرة أخيراً.. حسناً وليكن أنانياً فأخيراً سيتخلص من ابنه المزعج ويضع هناء أمام الأمر الواقع ويعيدها إليه فهو بالفعل على شفى الانهيار بكبته الذي تعدى الحد المعقول وغير المعقول وكل الاستنكارات التي بالعالم....

اقترب راشد نحو خالد وهو يقول بخفوت: "المشهد أصبح أمومي بحت لذا لم يعد لي مكان هنا"

التقطت منى كلامه، فوقفت تخطو تجاهه وهي تقول بصوت رخيم "ابقى للعشاء، فأنا لم أطمئن عليك تماماً بعد"

قال مبتسماً "لستُ طفل يا زوجة عمي، أنا بخير كما أخبرتكِ بالأمس، فلماذا لا تصدقي؟!"

تذكرت منى إصرارها لمرافقته خلال الأيام الماضية فور أن أخبرها خالد بأنه خرج من المشفى وذهب لمنزله فلم تستطع أن تهدّئ من روعها حتى ذهبت إليه بصحبة مالك ومدحت ورأته بعينيها وراعته بنفسها...

قالت بهدوء "أنت لست بخير تماماً، إنه قلب الأم الذي تسخر منه يحدثني بهذا، كما إن كنت قد نسيت أنا طبيبة وتقاعدي لا يعني أني نسيت كيف يبدو شكل المريض الذي لم يشفى بشكل كامل.. راشد طوال الجلسة وأنا أراقب انفعالاتك.. أنت لم تستطع أن تنظم تنفسك بعد بصورة طبيعية، كما أنك لم تكف عن تمسيد صدرك كل بضع دقائق"

حاول أن يبتسم عبر اهتزاز عضلات وجهه، ففشل في إقناعها أو إقناع نفسه فقال "أدرك أن الأمر ليس شكة إبرة، ولكن ثقي بي أنا بخير، بضعة أيام وسأعود لطبيعتي"

قالت بهدوء "ابق إذاً وتناول العشاء معنا وابنك، فأنا أعددت لك طعام خاص بنفسي"

نظر لها بامتنان ثم قال ببساطة "ومن أخبركِ أني لن ابقى؟"

ربتت على كتفه بلطف.. ثم تركها تنشغل مرة أخرى بضيوفها..

همس لخالد بملامح لا تقرأ بصرامة عرف أنه لن يقبل فيها جدال مجدداً، إذ أنه إن كان انصياعه له الأيام الماضية فهو فعلاً برغبته الكاملة أما الآن لقد قرر وضع حد أخير مع بدور ولن يتنازل عنه..

"أريد أن أرى بدور ولن أقبل بالرفض كجواب.. الآن يا خالد.. أخبرها أني أنتظرها عند بيت الشجرة القديم بالخارج"

ودون أن يسمع رد كان يستأذن من الضيوف على عجل ويخرج من الباب الخلفي نحو ما أشار إليه.. تاركاً خالد في حيرته وقلقه في أن يلبي مطلبه، ثم لم يجد بُداً من أن يفعل فعاجلا أو آجلاً سيتواجهان أخيراً.. فقط فليتمنى هذه المرة أن يمتلكا من العقل ألا يفتكا ببعضهما..

"بدور.. اتبعيني"

**********

انتهى

قراءة سعيدة



Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 06-07-20, 11:55 PM   #4368

ميادة عبدالعزيز

? العضوٌ??? » 378366
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 377
?  نُقآطِيْ » ميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل رهيب بجد
تسلم ايدك يااانور
وياريت خالد يتجوز سبنتي ويخدها ويسافر 😂😂😂لووحتا اسرئيل
عشان حقيقي الوحيد الي بشوفه بيحبها من كا قلبه وعنده رقم 1
من حقها حد يميزها اصلا

الفصل صغير ومشبعتش منو وووووووووو



مشهد خالد ونزار😂😂😂😂😂كابل رهيب علي راي راشد

وليا عوده


ميادة عبدالعزيز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-20, 12:01 AM   #4369

سمسمه عبده

? العضوٌ??? » 470319
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » سمسمه عبده is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور قبل القراءه

سمسمه عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-20, 12:03 AM   #4370

homsaelsawy

? العضوٌ??? » 462680
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 183
?  نُقآطِيْ » homsaelsawy is on a distinguished road
افتراضي

حلوووووو كتييير تسلم ايدك

homsaelsawy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:52 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.