شظايا القلوب(3) سلسلة قلوب معلقة *مميزة ومكتملة*

[Noor Alzahraa]

تسجيل حضورررر للفصل

[امال ابراهيم ابوخليل]

تسجيل حضور لفصل اليوم ⁦❤️⁩

[Heba Atef]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 228 ( الأعضاء 69 والزوار 159)
‏Heba Atef, ‏رتال بسيوني, ‏رفيق النسمات, ‏ساره عبد الله, ‏Hoda.alhamwe, ‏Heckenrose, ‏شيماء انور, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏داليا انور, ‏لولو73, ‏دلال الدلال, ‏leria255, ‏Basmaa masoud, ‏نعمت يس, ‏Angelin, ‏besomahd, ‏kokyyou, ‏YHaneen, ‏دموع ال, ‏Diego Sando, ‏رضوى مجدي, ‏Nor BLack, ‏shezo, ‏Samah Ali1, ‏نسيم88, ‏almoucha, ‏فيزياء, ‏رحمه السماء, ‏توتى على, ‏Emaimy, ‏رودى رامى, ‏مريم المقدسيه, ‏imy88, ‏sira sira, ‏هبة الله 4, ‏رودينة محمد, ‏nanitajoseph, ‏Nagat farouk, ‏Lulu9, ‏hodaelnour, ‏shammaf, ‏دودي الخليفي, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏amana 98, ‏Omsama, ‏رسوو1435, ‏ارض اللبان, ‏Ollaa, ‏Amal Almabrouk, ‏beera, ‏حسناء_, ‏Kendaaaa, ‏ام ثائر حبايبة, ‏chaimaeM, ‏Nour_nona, ‏noorhaan bekheet, ‏احمدالعلاوي, ‏TAGHREED HILLEIL, ‏شاكره لله, ‏سالي فؤاد, ‏خمسية, ‏آيوووتة, ‏Kawt, ‏نورالهداا, ‏ملاك وشيطان, ‏ملاكي تسنيم, ‏نونا لبنان, ‏Latofi, ‏lobna_asker

[Heba Atef]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 232 ( الأعضاء 70 والزوار 162)
‏Heba Atef, ‏Hoda.alhamwe, ‏توتى على, ‏اهات منسية, ‏فراقيعو, ‏لولوn, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏Heckenrose, ‏رتال بسيوني, ‏رفيق النسمات, ‏ساره عبد الله, ‏شيماء انور, ‏لولو73, ‏دلال الدلال, ‏Basmaa masoud, ‏نعمت يس, ‏Angelin, ‏besomahd, ‏kokyyou, ‏YHaneen, ‏دموع ال, ‏Diego Sando, ‏رضوى مجدي, ‏Nor BLack, ‏shezo, ‏Samah Ali1, ‏نسيم88, ‏almoucha, ‏فيزياء, ‏رحمه السماء, ‏Emaimy, ‏رودى رامى, ‏مريم المقدسيه, ‏imy88, ‏sira sira, ‏هبة الله 4, ‏رودينة محمد, ‏nanitajoseph, ‏Nagat farouk, ‏Lulu9, ‏hodaelnour, ‏shammaf, ‏دودي الخليفي, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏amana 98, ‏Omsama, ‏رسوو1435, ‏ارض اللبان, ‏Ollaa, ‏Amal Almabrouk, ‏beera, ‏حسناء_, ‏Kendaaaa, ‏ام ثائر حبايبة, ‏chaimaeM, ‏Nour_nona, ‏noorhaan bekheet, ‏احمدالعلاوي, ‏TAGHREED HILLEIL, ‏شاكره لله, ‏سالي فؤاد, ‏خمسية, ‏آيوووتة, ‏Kawt, ‏نورالهداا, ‏ملاك وشيطان, ‏ملاكي تسنيم, ‏نونا لبنان, ‏Latofi, ‏lobna_asker

[Heba Atef]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 247 ( الأعضاء 74 والزوار 173)
‏Heba Atef, ‏رورو نونو, ‏نسيم88, ‏Hoda.alhamwe, ‏Dreamdida, ‏besomahd, ‏دلال الدلال, ‏كوريناي, ‏Emaimy, ‏رقيه95, ‏رسوو1435, ‏Basmaa masoud, ‏فاطمة توتى, ‏مسك حسن, ‏رضوى مجدي, ‏مريم المقدسيه, ‏توتى على, ‏Nagat farouk, ‏شيماء انور, ‏رفيق النسمات, ‏رودى رامى, ‏قمر صفاء+, ‏hanamady, ‏Heckenrose, ‏لولو73, ‏leria255, ‏فراقيعو, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏رتال بسيوني, ‏ساره عبد الله, ‏نعمت يس, ‏Angelin, ‏kokyyou, ‏YHaneen, ‏دموع ال, ‏Diego Sando, ‏Nor BLack, ‏Samah Ali1, ‏almoucha, ‏فيزياء, ‏رحمه السماء, ‏imy88, ‏sira sira, ‏هبة الله 4, ‏رودينة محمد, ‏nanitajoseph, ‏hodaelnour, ‏shammaf, ‏دودي الخليفي, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏amana 98, ‏Omsama, ‏ارض اللبان, ‏Ollaa, ‏Amal Almabrouk, ‏beera, ‏حسناء_, ‏Kendaaaa, ‏ام ثائر حبايبة, ‏chaimaeM, ‏Nour_nona, ‏noorhaan bekheet, ‏احمدالعلاوي, ‏TAGHREED HILLEIL, ‏شاكره لله, ‏سالي فؤاد, ‏خمسية, ‏آيوووتة, ‏Kawt, ‏نورالهداا, ‏ملاك وشيطان, ‏ملاكي تسنيم, ‏نونا لبنان, ‏Latofi

[Heba Atef]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 280 ( الأعضاء 85 والزوار 195)
‏Heba Atef, ‏Elbayaa, ‏ساره عبد الله, ‏Hoda.alhamwe, ‏imy88, ‏Noor Alzahraa, ‏نسيم88, ‏قمر صفاء+, ‏Donia Hamdy, ‏أميرة صابرة, ‏فراقيعو, ‏موجة هادئة, ‏دموع ال, ‏ملاك العمرو, ‏Aya yoga, ‏Nagat farouk, ‏رودى رامى, ‏زيزفون 2, ‏رقيه95, ‏Lulu9, ‏Dreamdida, ‏كوريناي, ‏sira sira, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏chaimaeM, ‏لصق, ‏almoucha, ‏هبة الله 4, ‏Roha15, ‏نور علي عبد, ‏Omsama, ‏مريم المقدسيه, ‏دلال الدلال, ‏Emaimy, ‏awttare, ‏Heckenrose, ‏حسناء_, ‏داليا انور, ‏رورو نونو, ‏رسوو1435, ‏Basmaa masoud, ‏فاطمة توتى, ‏مسك حسن, ‏رضوى مجدي, ‏شيماء انور, ‏رفيق النسمات, ‏hanamady, ‏لولو73, ‏leria255, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏رتال بسيوني, ‏نعمت يس, ‏Angelin, ‏kokyyou, ‏YHaneen, ‏Diego Sando, ‏Nor BLack, ‏Samah Ali1, ‏فيزياء, ‏رحمه السماء, ‏رودينة محمد, ‏nanitajoseph, ‏hodaelnour, ‏shammaf, ‏دودي الخليفي, ‏amana 98, ‏ارض اللبان, ‏Ollaa, ‏Amal Almabrouk, ‏Kendaaaa, ‏ام ثائر حبايبة, ‏Nour_nona, ‏noorhaan bekheet, ‏احمدالعلاوي, ‏TAGHREED HILLEIL, ‏شاكره لله, ‏سالي فؤاد, ‏خمسية, ‏آيوووتة, ‏Kawt, ‏نورالهداا, ‏ملاك وشيطان, ‏ملاكي تسنيم, ‏نونا لبنان, ‏Latof

[Nor BLack]

الجزء الاول من الفصل الثاني والأربعون


الندم لا يؤدى الا ألى بقائكم عالقين فى فخ الماضى ...........تحرر الأيام تمضى وتعود ....... فحاول ألاصلاح ربما يكتب لك النجاة من بئر الوجع
.................................................. ...

............

حبست أنفاسها عندما طرقت الباب الذي تملك مفتاحه كمنزلها الذي كانت تشعر بانتمائها إليه روحاً وقلباً وجسداً... بيت أتت إليه أول مرة غريبة مضطربة تائهة قيل أنها ستسكنه لأيام ..لتجد نفسها بعد مرور الساعات بين ساكنيه لا تريد أن تغادره أبداً ..وها هي الآن رغم عودتها إليه كغريبة طردت منه ..تجد نفسها رغم كل الظروف لا تشعر بأمر صحيح في حياتها كلها إلا أنها جزء من كيانه حتى وإن نفرتها صاحبته مجدداً...
عندما سمعت تكة مفتاحه مع رائحة صاحبته التي هلت قبلها لتضطرب أنفاسها قبل رؤيتها المخيفة... وجدت جوان عينيها تدمعان رغم عنها... دموع خوف وافتقاد بلغ أشده ...رائحة عفاف كانت دائماً وأبداً تحمل عبق قلوب الأمهات لا تعرف كيف لها أن تفسرها ..كيف لها أن تميزها.. رائحة تختزل كل المشاعر والأحاسيس.. فقط عندما تضمك أم حقيقية فتشعر بدقات قلبها دقة دقة، لتترجم ذلك الصوت العجيب في رائحة تأثرها، وتربطها بها أكثر من نضال نفسه ...رباه كم هي بالفعل امرأة بقلب وعقل مراهقة يائسة لضمة أم كما تهفو روحها لضم طفلتها إليها مرة أخرى... قرة قلبها لكم افتقدتها مجدداً وإلى أبد العمر...
"جوان...أين كنتِ، ولماذا تأخرتِ.. هل هنّا عليكِ إلى هذا الحد وكأن ما كان بيننا لم تكن عشرة طويلة ..يا خائنة العشرة؟!"
اضطرب معدل أنفاس جوان بطريقة غير مسبوقة كما هدر فؤادها بعنف.. للاستقبال ال..الحافل بدموع عفاف التي تجاوزت مقلتيها ما بين الغضب الشديد واللهفة.. لقاء لم تكن مطلقاً تتوقعه..
"تعالي.. ادخلي" أمسكت عفاف بساعدها تجرها للداخل عنوة ثم أغلقت الباب بحدة ووقفت أمامها تنظر إليها نظرة تراوحت ما بين القتامة وسخط الأمهات.. وذلك الغضب الهائل الذي مهما تجاوز حده ونفوره تطل من خلاله نظرة لا تقدر على تخطيها.. نظرة حنو تتشربها الروح التائهة بجوع فتسكن مطمئنة، ولاهثة من فرط مشاعرها...
"هل أصابكِ الخرس، أجيبي أين كنتِ كل هذا.. شهر كامل ونصف.. شهر طويل بأيامه ولياليه لا أحد يعلم أين جهتكِ.. أتظنين نفسكِ بلا عائلة تحكمكِ.. بلا زوج يقيدكِ.. أتعتقدين بأنكِ حرة في تصرفاتكِ؟!"
وتبدد كل الحنين والشبع فجأة ليسكن طيف عينيها الغريبة نظرة حاقدة مشبعة بالمرارة عندما تكلمت بصوت أجوف "نعم.. أنا لست حرة وأنتِ بتِّ تعلمين وقد حكمتِ عليّ بنفسكِ قبل أن تسمحي لي بالشرح"
شحب وجه عفاف بقوة وانتفضت من مكانها وهي تتراجع للوراء بخطوات غير محسوبة.. كانت وكأنها تذكرت فجأة كل ما نسيت بين لهفة أمومتها ..وحينما ردت قالت بقسوة "صدقتِ.. ولا, ما علمته لم يحتاج للشرح يا جوان.."
عيناها كانتا مشبعتان بالقهر عندما قالت بخفوت "حتى المتهم بالقتل يملك الحق للدفاع عن نفسه.. وإن ثبت جرمه يحق له قبل إعدامه أمنية أخيرة..!"
اهتز جسد عفاف المكتنز بقوة ببكاء مكتوم قبل أن تقول "لقد خدعتني.. لماذا يا جوان.. لما الكذب وقد اعتبرتكِ ابنتي لا زوجة ابني الغالي.. لقد قدمت حقوقكِ أنتِ قبله.. مشاعركِ وحاجتكِ قبل حتى أولادي جميعاً.. فلما يا ابنتي خدعتني.. ألم تشفقي عليّ البتة؟!!"
غضبها كان ينزلق شيئاً فشيئاً.. غضب لم يكن موجه إلى عفاف أبداً, بل كان يخص كل حياتها التي لعنت بزلتها الوحيدة وبقيت عمرها كله تكفر عنها دون أن تغفر أبداً.. قالت ببهوت "بل أشفقت عليكِ.. كل نظرة إلى وجهكِ البشوش، كل نومة على صدركِ الحنون كانت تقتلني ندماً.. ولكن أنتِ لا تعرفي شيئاً عن حياتي البشعة قبل أن ألقاكِ وألقاه ..أمر صعب أن أخبركِ بماضي مخزي وأرى حياتي تنزلق من بين يديّ مجددا لأفقد أملي الوحيد أن أحيا بين الناس رافعة رأسي كأي امرأة محترمة..."
لم ترد عفاف بشيء على الفور بل ظلت تنظر إليها بصمت من بين دموعها المنسابة.. فهتفت جوان بخشونة مختنقة "لقد استحقيت هذه الحياة بعد كل ما عانيته، أليس كذلك؟!"
هزت عفاف رأسها برفض مجهول وهي تقول بحرقة "لا أعرف... لا أعرف إن كنتِ استحقيتها أم لا"
تحركت جوان أخيراً نحوها تمسك كفها بقوة تضغط عليه ببؤس وهي تردد من بين دموعها الغزيرة التي أغرقت وجهها ناعية يأسها "بلا فعلت.. كان من حقي كل دقيقة عشتها هنا مكرمة هانئة، سعيدة بين حنان أم واحترام رجل... أول رجل أعرفه في حياتي يحترمني.. رجل نظر لي بإنصاف وغفر لي جرم ارتكبته قبل أن أعرفه ..زلة وقعت فيها والله عن جهل, لم أقصدها أو أسعى إليها.."
قسمات وجهها متقدمة السن احتلتها مشاعر عاصفة، مرتسمة بأحاسيس عدة تتناقض ما بين الغضب، الخذلان.. والاشمئزاز.. ثم العطف الذي يلوح من بعيد ويتمرد للإسراع في قدومه..
إلا أنها قالت بقسوة "الجهل وحده ليس مبرر قوي يمحو أنكِ امرأة مخطئة، لا أقبل بها لابني"
شحب وجهها بقسوة ولكنها تشجعت لتدافع عن فرصتها الأخيرة وهي تقول مرة أخرى بضعف "هذا هو السبب لعدم بوحي بحقيقتي.. لم أستطع أن أرى في عينيكِ أنتِ الأخرى ما لقيته في أعين كل من عرف بقصتي... لم أملك من الشجاعة لأن أخبركِ عن ماضي كنتِ ستجلديني كأي متهمة كما فعل الجميع ...كما فعلتِ أنتِ عند معرفتكِ بالأمر.. وتلك.. تلك كانت قسوة منكِ.. قسوة بلغت أشدها عليّ أن تصدر منكِ أنتِ بالذات.. والله إن كل ما لقيته ما كان يماثل ذبحكِ أنتِ لي.. لقد قهرتني"
فغرت عفاف فمها بصدمة وهي تهمس بعذاب وغضب "أنا يا جوان من قهرتكِ.. وماذا عن صدمتي ولوعتي بما علمته عنكِ؟!"
هدرت جوان دون تردد "لم يكن من حقكِ.."
هتفت عفاف بصدمة وهي تخلع كفها لتدب على صدرها بعنف وهي تقول مرددة "ماذا.. لم يكن من حقي.. بل وجب عليّ وقتها صفعكِ، وجذبكِ من شعركِ كأي أم تقتل من فعلة ابنتها.. قبل أن أخنقكِ بيدي لأتخلص من عاركِ..."
لم يجفلها القول القاسي, بل امتلأت عينا جوان بدموع أخرى وهي تقول بشجن شارد مقهور وكأنها لم تنتبه لإقرار خنقها "لماذا لم تفعلي إذاً.. ثم احتضتني بقوة تبكين زلتي التي سأذبح بسببها في مجزرة أبي... ثم تسأليني من الحقير الذي اغتال روحي قبل شرفي وتحميني.. لماذا لم تفعلي يا أمي قبل أن أدمر كلياً؟!"
بهتت ملامح عفاف وبدت مصعوقة بما تلمسه فيها، بما تفهمه منها.. وبما يعتمل بداخلها بجرح غائر شديد العلة مهما لاقت أو قدم لها العلاج لن يداوى البتة... همست بحيرة وكأنها تحاول دون إرادة منها التخفيف عنها "لو كنت أعرفكِ وقتها، لكنت فعلت هذا وأكثر وما كنت لأترككِ لقمة سهلة يمضغها كل كلب مريض لا يراعي الله ولا يملك قلب يرحمكِ فيه..."
انفرجت شفتا جوان تخرج شهقة متألمة.. وهي تقول بأنين "ليتكِ عرفتني إذاً.. ما كنت وقعت في الخطيئة ولو كان الثمن حياتي"
قال عفاف بنفس صعب "ليتكِ وليتني.. ولكن ليت لا تحل شيئاً يا جوان!"
همست بقهر "لا تحكمي عليّ أرجوكِ.. لا تكوني مثلهم.. أنتِ آخر أمل لي، لم أقدر على مواجهتكِ في الماضي حتى لا أرى الاتهام الذي كان في أعينهم يحتل عينيكِ.. أنا نلت من العذاب ما لا أطيق تذكره أو ذكره مجدداً"
رفعت عفاف يديها ببطء نحو شعرها المعقود في ذيل حصان صارم.. ثم مسدت برتابة على خصلتها البيضاء التي كانت تتعمد إخفائها عن الناس ولكنها تعرفها.. ثم قالت بخفوت مرير "لم تكن بسبب شقاوتكِ عندما سقطتِ من الشرفة كما أخبرتني.. بل لأنه حاول التخلص منكِ حية"
‫ ضرب قلب جوان بعنف وبدت ذاهلة مكتومة الأنفاس وهي تنظر إليها بضعف ورهبة.. قالت عفاف بخيبة بلغت مداها وهي تحيط وجهها المرهق والباهت إذ أنها تبدو فاقدة للكثير من الوزن.. "لقد أخبرني نضال بكل شيء.. زواجكِ العرفي صغيرة من معدوم ضمير.. ثم دفن والدكِ لكِ وجلده، تلك الجروح التي كنتِ شديدة الحرص وأنت تخفينها عني، وأنا لم أرد إحراجكِ وسؤالكِ.. لقد ظننتها أثر حادثكِ.. يا لا غبائي الذي استغليته!!"
"زواج عرفي.. مجدداً يا نضال تحاول بكل قوتك إلباس الحقائق أي ستر حتى لا أصبح في أعينهم مجرد وضيعة فاسقة.."
شعرت جوان بمشرط يقسم فؤادها قسماً ولكنها اختارت الستر.. اختارت بكل ضعف مرة أخرى أن تتبع كذبته حتى لا تعريه هو للنهاية.. ثم تكلمت أخيراً بلوعة "أنتِ فوق رأسي.. بل أنتِ أحن الناس وأرجحهم عقلاً.. أنا خفت.. خفت يا أمي أن تطرديني من جنتكِ الوحيدة التي استقبلتني.. خفت بعد أن وجدت بيت يأويني وأسرة تعطف عليّ.. لم تكن لدي طاقة لأن أخسر أمومتكِ ولا أخوة هبة..."
عند ذكر هبة عادت تفكر بهستيرية وهي تسأل بذعر "ترى ماذا قالت عني عندما علمت، هل نسيت حقيقتي التي لمستها واتهمتني مثلكِ؟!"
قاطعتها عفاف بعنف وهي تضغط على صدغها بشراسة وكأنها ستحطمها "لم تعرف... ولن أسمح لها أو لأي أحد بالمعرفة.. سركِ لن يتجاوز أعتاب غرفتكِ وتلك الليلة يا غبية.."
همست باختناق متعجب "حقاً، لم تخبريها؟!"
قالت عفاف بحزم غاضب "خيبتي فيكِ وفيه لن ترمم أبداً يا جوان.. ولكن لن أسمح لمخلوق بكشف ستركِ وابني... لا لن أسمح بأن ينظر أحدهم لولدي نظرة قليلة أو أن يتهمه بال...."
مجدداً كانت تطلق عليها رصاصات لا تعرف الرحمة، ولكنها لن تعترض، هي تستحق هذا وأكثر..
"لا يستحق أن يتهم بشيء مخجل بسبب عاري!" قالت جوان بخذلان..
ابتعدت عفاف عنها مجدداً تنظر إليها بعينين رغم دموعهما مقهورتين وقاسيتين بشدة ..في عدم رحمتها الخادعة..
ثم قالت "لا قدرة لي على تقبلكِ، أو غفران ما عرفته عنكِ، لقد كنت كالمجنونة من شدة قلقي عليكِ، أنام وأصحو على التفكير بكِ محاولة بكل قوتي ورحمتي إقناع نفسي بتناسي ماضيكِ الذي علمت، إلا أني الآن وأنا أنظر إليكِ أجدني أضعف من أن أفعل ..أنا لست قديسة يا جوان، نوعكِ من النساء ليس له إلا شيء واحد عندي.. قتله وعدم السماح له بحياة مستقيمة أبداً، لذا اخرجي من بيتي"
شهقت جوان بقوة وكأن أنفاسها اللاهثة حجزت داخل صدرها ثم وجدت نفسها تندفع تمسك في ذراعها بشدة وكأنها غريق يبحث عن أي قشة للنجاة وهي تقول بتوسل مرير مريع "لا، لقد ندمت وسأظل طوال عمري أعيش في ذنب زلتي تلك... أنا أستحق.. والله إني أستحق عطفكِ.. أرجوكِ لا تقسي عليّ"
حررت نفسها منها وهي تنظر لها بعينين موجوعتين متنازعتين بين الرحمة والعفو، وبين أحكام مجتمع وأفكار وثقافة تربت عليها منذ نعومة الأظافر..
ثم أولتها ظهرها و تحركت تستند على ظهر المقاعد ببطء وتمهل وكأنها تستجديهم عون حتى لا تنهار.. وأخيراً وبصعوبة وازنت جسدها لتجلس في كرسيها الأثير بهم بلغ مداه ..حاوطت يداها رأسها وهي تحركهم يمين ويسار وهمست بمرارة "ماذا أفعل فيكِ.. كيف لي بطردكِ مجدداً كما أرغب بكل كياني.. وكيف لقلبي الذي تهشم في اختافئكِ من شدة ذعره عليكِ أن يطيعه؟!"
تحركت جوان بسرعة مجنونة نحوها ثم ألقت بنفسها دون حساب على الأرض أمامها وأمسكت بكفيها مجدداً تقبلهما بقوة وهي تهتف بهستيرية "لا تطرديني يا عفاف.. لقد حاولت الهرب والابتعاد بنفسي ولم أقدر.. سامحيني أرجوكِ.. أرجوكِ لا تتخلي عنيّ.. ليس الآن.. ليس الآن على الأخص.. أنا أحتاجكِ"
خلع قلب عفاف وهي تنزع يدها منها بنوع من الهلع ثم أمسكت رأسها ودسته في حجرها تمسد عليه بقوة حانية وهي تقول بنفس عنيف "استغفر الله.. استغفر الله، لا تفعلي هذا.. لما تحمليني المزيد من الذنوب ..ليس لي طاقة لذنبكِ"
بكت جوان في حجرها بقوة وهي تلف خصرها بساعديها بتشدد ثم همست بيأس "أنتِ أمي، لا عيب ولا خزي في استعطافي لكِ"
وضعت عفاف وجنتها فوق رأسها ثم بكت بقوة أكبر، حتى اختلط دمع الأم بدمع الابنة... فهمست جوان مرة أخرى "سامحيني, لا تتركيني, أحتاجكِ أكثر من أي وقت مضى.. لقد كنت قد اخترت عدم الرجوع حتى تجدوا سلامكم أنتِ وهو وصغيرتي.. ولكن الآن بعدما عرفته لا أملك القوة لأن أبقى وحدي مجدداً..."
انتفض جسد عفاف القريب من جديد ودمعها يزداد جريان على وجهها وبدت محتارة، مترددة ما بين الغفران وبين سخطها وصدمتها فيها... وطردها دون عودة وتخيير ابنها بين طلاقها وبينها هي شخصياً كما تلح عليها أفكارها المنطقية وعقليتها التي تربت عليها...
حررتها جوان ببطء ورفعت وجهها لتنظر لعينيها مجدداً عارفة ما تعانيه ولكنها كانت من الإصرار أن تعود لحياة عفاف بالذات وإن دفعت كل كرامتها ثمناً.. يقولون لا كرامة بين الرجل وزوجته.. هراء سخيف بل كل الكرامة بينهما.. ولكن بين الأم والابنة الأمر مختلف فلا كرامة ولا حواجز قد تمنع فتاة من التذلل لأمها ..بعد الأم لا يوجد بشر على الأرض قد يقبلك بذنوبك وعيوبك ويحبك ويربت عليك ورغم كل شيء... عفاف أمها ..أمها بحق ما رأته على يديها "لا تتخلي عني، ليس الآن يا عفاف، اغفري لي.. وراعيني من جديد، فأنا أحتاج لرعايتك بشدة الشهور القادمة..."
همست عفاف بيأس "أنا لست بهذه القوة يا جوان، ولا بكل هذه المثالية التي تطالبيني بها، لا أقدر ..لا أستطيع تقبلكِ في كنفي مرة أخرى"
رغم الوجع الذي ينشر داخل جبال وجيعتها، إلا أنها كانت بحاجة إليها.. لأن تنتشل نفسها من إحساسها التام بالضآلة، لشعورها العارم خلال الأيام الماضية أنها تريد حقاً أن تصلح من نفسها ومن أخطائها, أن تصبح أخيراً إنسانة جديدة, تستحق فرصتها هي والكيان القادم.. قالت أخيراً عاتبة بحسرة "هل كل حبكِ لي كان تمثيلاً وكذب يا عفاف, ألم تخبريني مراراً بأني ابنتكِ ..إن كنتِ حقاً ما تخليتِ عني مثل أبي، ما قدرتِ على نفري وتعذيبي؟"
قالت عفاف ببؤس محصورة بين فكي الرحى "كيف تجرأتِ على اتهامي بالكذب... أنا أمرأة أصلي واتقي ربي، لقد أحببتكِ كابنة.."
ابتلعت جوان ريقها وهي تمسك يديها تشد عليهم بقهر وهي تقول "أنا أؤمن بأن الله غفر لي.. كما أني نلت عذابه وعقابه الذي أنزله بمخطئة مثلي، لقد جلدت بطريقة بشعة، ضربت من امرأة قبيحة، حبست لعام داخل قبو يقع تحت منزل أبي مع ابنتي، ثم أخذوها مني لأعيش وحدي لأعوام أخرى ..وهو حاول دفني حية أيضاً وأنا حبلى بها... ثم كان عقاب المجتمع أجمع بلفظي وتخلي عائلتي كلها عني.. حرمت من طيف صغيرتي، حرم عليّ حتى أن أصاحب أي فتاة، عشت في عزلة وحيدة تماماً, منبوذة من كل البشر حتى اعتقد البعض في موتي.. حتى ظهر نضال في حياتي.. رب العباد يغفر ويسامح من يعود إليه متذللاً نادماً، وأنا فعلت.. ألم تعلميني بنفسكِ أنه يقبل دعوة التائب ويغفر له ..فكيف لكِ أن ترفضيني أنتِ؟!"
سكاكين كثر كانت تطعن عفاف بشكل غير قابل للرحمة وكلها يتشنج مما تسمع منها، ومما تنازع داخل عقلها.. ثم هتفت بقوة "أنا بشر.. وأنتِ تطلبين ما هو فوق احتمالي.. استغر الله.. يا رب أعني على نفسي"
غصت جوان بدموعها ثم مالت بوجهها تقبل يدها وهي تقول بانيهار "إن لم تتقبليني أنا.. إن كان صعب على نفسكِ الغفران لي، فافعليها من أجل طفل نضال.. لا أريد فقدان طفل آخر، إن خسرته سأقتل نفسي هذه المرة.. لأخسر آخرتي كما خسرت دنياي.."
اضطربت أنفاس عفاف والمعنى يصلها واضحاً صارخاً.. تجذب منها يدها بقوة ثم أمسكت كتفيها تنظر إليها بذهول, مستنكرة ما سمعت ولكنها سألت متوسلة وأمومتها لكليهما على حد سواء تغلب أي أفكار ومشاعر أخرى.. منتصرة لحلم لحقته معهما يدثر في لحظة كل غضبها وصدمتها فيها.. يدثره ربما ولكنه أبداً لن يمحوه ولن تنساه, فما كسر بينهم أبداً لن يصلح أو يعود بل سيظل غصة جارحة عميقة في حلقها, جدار عالي وسد منيع بني بينهم ويحتاج للكثير والكثير لتخطيه وهدمه "ماذا.. تقصدين؟!"
اعتدلت جوان ووقفت أمامها ببطء وهي تومئ برأسها وفمها يرتعش بفرحة حزينة مكسورة.. ثم لاحقت يدها المنتفضة بطنها المسطحة من فوق بلوزتها ذات القصة الفضفاضة الحريرية, وهمست باضطراب من بين السعادة والقهر "لقد ذهبت عائدة لأبي، كان يجب أن أراه وأخبره بما أكتمه من سنين علّي أتحرر"
هتفت عفاف بلهفة ولوعة وهي تضع يدها على كفها "وبعد.. هل آذاكِ... هل أصابكِ ضرر، ماذ تقصدين.. أجيبيني.. هل تحملين طفل ولدي؟!"
كانت عيناها الذاهلتان بسعادتها صافيتين عاطفيتين وهي تقول مرتعشة ومضربطة تخبرها دون ترابط "لم يقدر، ولن يستطيع فعل شيء مجددا.. لقد تأكدت من هذا وتخلصت منه نهائياً, ما عاد يشكل أي هاجس لي.. ولكن بعد أن تركته شعرت بتعب شديد، واستعنت بصديقتي الوحيدة خوفاً من أن أبقى وحدي.. هي صديقة عربية عرفتها بالجامعة لقد حرصت أن تكون من نفس عاداتي وديني حتى لا يغرر بي مجدداً"
نصبت عفاف جسدها الثقيل قابلتها وهي تأمرها بنفاذ صبر "وبعد.. وبعد.. انطقي.."
نظرت لعفاف بتركيز وكأنها تراها لأول مرة وكأن كل قسوتها ورفضها لم يحدث مصرة أن تعيش الحدث الخيالي الذي رسمته في عقلها فور معرفتها بالخبر... هبطت دمعة أخرى منها, دمعة مختلفة جدا وأثرت في جمالها كما جمال ابتسامة الشجن التي سكنت ملامحها وهي تهمس "لقد شكت هي في الأمر وأصرت أن تأخذ اختبار دماء.. إذ أني كنت محبطة يائسة للغاية ومستسلمة أخيراً لقدري... ولكن يبدو أني مهما حاولت الابتعاد هناك جزء من نضال يتركه يحرسني ويعيدني إليه كل مرة مهما حاولت تحريره مني.. حبيبي الضخم العنيد، حتى ونحن في أشد حالاتنا ظلاماً يترك أي بقعة ضوء أهتدي بها.."
قالت عفاف برهبة "جوان.. هل أنتِ حقاً؟! أم تحاولين التلاعب؟!"
قالت جوان باختناق جريح ضاحك "أنا بي كل العيوب.. ولكني لا أكذب، لطالما كانوا من حولي جيدين في إدعاء أكاذيبهم عني... ولكن أبداً أنا لم أكذب ..أنا حامل يا أمي، لقد تحققت المعجزة يا عفاف بفضل وصفاتكِ..."
ضحكت عفاف بقوة وبكبت... ثم ضحكت من جديد وأجهشت مجدداً في بكاء عنيف وهي تقول "الحمد لله.. الحمد لله لقد تقبل دعائي بأن أرى ذريته قبل أن أموت.."
همست جوان "لن تتركيني.. ستعلميني كيف أتعامل معه.. ستراعيني صحيح ..ربما مررت بهذا من قبل ولكن الأمر ليس سيان بتاتاً, لقد عذبت المرة السابقة وحميتها بالفطرة حتى سلمتها ليد عمها..."
لم تهتم عفاف لأي شيء بعدما سمعت بل احتضنتها بقوة وهي تهتف "سأعلمكِ كل شيء ..سأرعاكِ وأدللكِ دلالاً لم تحلمي به من قبل، ليس من أجل ابن الغالى فقط.. بل من أجل أن تعرفي كيف لأم ان تدلل ابنتها الحامل بطفلها الأول.."
"لن تطرديني؟!" همست جوان بألم شارد..
قالت عفاف باكية بوجع "لا، لا ..أنا لست وحشاً لأجعلكِ تمرين بعذابكِ السابق ..سأبقيكِ في كنفي من أجل ابن الغالي.. طفلكِ الأول"
همست جوان في سرها "تقصدين تميمة حظي"
اختنقت جوان وهي تبادلها عناقها ..ولم تعلق أو تصحح لها ما ينطقه الفؤاد، مهما سعدت بطفلها.. بصغير نضال الذي سكن أحشائها... مطلقاً لن يستبدل حب أو مكانة صغيرتها الحزينة التي ظلمها القدر والظروف وهي قبلهم...
أبعدتها عفاف أخيراً ثم حدقت في وجهها بحرص ذعر وقالت "لا, لن أطردكِ أو أعاقبكِ.. ولكنكِ يجب أن تجدي دفاعاً جيداً عن نفسكِ إذ أن نضال على آخره منكِ، وإن رآكِ لن يتردد في محو معالم وجهكِ يا جوان"
*********
طوت لورين ساقيها تحتها وهي تجلس أمام سجادة الصلاة المفرودة أمام أبيها الذي يسبح على أصابعه بعد انتهائه من الصلاة, رفع أيوب عينيه المستفسرة نحوها في تساؤل، فهمست لورين ببهوت "صلاة مقبولة يا أبي"
رد أيوب بهدوء "منا ومنكِ إن شاء الله.. هل تريدين شيئاً؟!"
قالت بريق جاف "أما زلت غاضب عليّ؟!"
تنهد أيوب بحرقة ثم قال ببطء "بل السؤال الصحيح هل ما زلتِ أنتِ في غيكِ ضدي، إذ أنك تتجنبيني منذ ما حدث؟!"
قالت مندفعة بخشونة متقصدة مداراة ألم التذكر "تقصد من يوم حرمانك لي من صغيرتي؟"
نظر إليها بقنوط شديد ثم هز رأسه بيأس جارح وهو يقول "أنتِ كأس مشروخ يا لورين... كأس محطم إن حاول أحد ترميمه أو التعشم في الاستناد عليه وأن يقوم بدور, سينهار يجرح بشظايا زجاجه يد من يمسه"
بهتت ملامحها واغرورقت عيناها بالدموع وهي تهمس "ألهذه الدرجة أنت يائس مني؟!"
قال أيوب بتعب "ليس مهم ما أشعره أنا نحوكِ, فكل جروحكِ وكرهكِ لي لن يجد عندي إلا صدى والد محب ..يتقبلكِ بكل ما أنتِ عليه حتى جحودكِ ضدي يجد الاستحسان عندي... إلا أن هناك من لن يحمل تفهمي هذا لكِ"
اهتزت كتفيها في نعي مكتوم وهي تقول "أمل؟!"
"نعم, أمل التي أهملتها طويلاً"
قالت لورين بمرارة "ترفضني يا أبي، أمل تعاقبني كما عاقبت أنا أمي"
الوجع المتراكم لسنين كان مضغوط بين أضلع أيوب، متذكر وهو يحدق في عينيها وجع نسرين التي رحلت وآخر حروف على شفتيها رجاء خيالي وأمل معدوم أن تحقق معجزة ما وتضمها هي بالذات لصدرها قبل أن تسلم الروح لبارئها... تردد للحظات وهو يؤجل وجعه مداريه كما كان بعيداً ثم قال بهدوء "لن أمنحكِ مسكن كاذب وأخبركِ أنها مجرد جاهلة لن تملك من الدهاء لأن تفعل هذا ..إذ أن كلينا يعلم أن ابنتكِ شديدة الذكاء لحد أنها قد تكون تجافيكِ قاصدة، ليس عقاباً وإنما كرد فعل لنفركِ إياها"
تألمت ملامحها وهي تقول بضعف "أحبها أكثر من روحي، لن أتردد في أن أهدر عمري فداءً لها، ولكن يا أبي ما كان يمنعني عنها أكبر من أن أقاومه.."
لم يجاوبها أيوب على الفور بل ظل يحدق فيها بجمود قانط ثم قال أخيراً "خير فعلنا إذاً بمنحها لأبيها، إذ أن ممدوح حديث العهد بها رآها معجزة وهدية تستحق أن يتخطى كل الصعاب من أجلها, أن يتناسى كل شيء من ماضيكما الموجع مقابل احتضانها"
هتفت بيأس ووضوح "ممدوح لم يحمل فيها غصباً يا أبي... لم يرها نتيجة اغت......."
صمتت ونظرت إليه مجفلة غير قادرة على البوح بسر لم تعرفه إلا مرح ..عاجزة عن الإقرار بوجعها الأكبر بصدمتها القاسمة في رجل أحبته بالماضي, قدمت له ما لم يملك أحد القدرة على فعله ..التضحية بنفسها كاملة من أجله...
رغم النار التي نهشت قلب أيوب، إلا أنه تماسك وهو يقول "أعرف ما فعله بكِ.."
شحبت ملامح لورين واهتز شيء مريع داخل عينيها، نكست رأسها غير قادرة على رؤية تلك النظرة في عينيه.. اقترب أيوب منها وأمسك وجهها بين كفيه بحنان ثم قال بشجن "ارفعي رأسكِ، فرغم كل كرهي لأفعالكِ، إلا أني أفخر بكبرياء يا لورين ..أبوكِ لا يريد رؤيتكِ مكسورة أبداً، ما حدث لا يقلل من شأنكِ كما تعتقدين وحاولتِ مداراته لأعوام، بل هو المذنب الأوحد..."
قالت بمرارة "وإن كنت تحمله الذنب كيف استطعت التغاضي عن جرمه في حقي وتسليمه ابنتي؟!"
تردد للحظات في إجابتها، ثم ما لبث أن قال بحسم "لأنكِ نلتِ منه أيضاً.. ولكن ليس هذا ما دفعني لمنحه ابنتكِ، بل لأن حفيدتي الحبيبة استحقت أن أعطيها ما حرمتم أنتم منه ..حب ابيها فهو الأولى بها حتى مني أنا..."
صمتت وهي تنظر لعينيه بطريقة غير مفهومة، إلا أنه تلمس عدم الجحود فيها، وكأن شيئاً عظيماً تغير في ابنته.. وكأنها بطريقة سحرية بددت كل أفكارها ليحل مكانها أمر جديد مبهر تسلل إليه بأمل جديد فيها... حتى قالت أخيراً مقرة بما توقع "لا ألومك أبداً لما حدث, أنا استحقيت صفعك لي، ليتك فعلتها منذ أول يوم لفظت فيه صغيرتي، مانحة إياها لمرح... ليتك يا أبي قومتني كما فرح ومرح، وأصررت على علاجي ربما ما كنت فقدتها الآن!"
ربت على كتفها وهو يقول بقوة "لم تفقديها, ما زالت هناك تنتظر صحوة أمها.. أي أنتِ يا لورين"
قالت بوجع دفين "بل فعلت يا أبي ..لو كنت أخذت دوري الطبيعي معها، لو احتضنتها غير متنازلة عن أمومتي فيها، مانحة إياها كل ما كانت تتوسله مني, ما كانت صغيرتي بحثت عنه مع والدها"
أمسك أيوب كلا كفيها بين راحتيه وشدد عليهما وهو يقول بقوة "ابنتكِ تحتاج كليكما، ضعي هذا في عقلكِ، إن أردتِ مصلحتها فعلاً فيجب عليكِ أن تقتنعي بهذا!"
اهتزت حدقتا لورين ثم قالت بتقطع "وكي... وكيف أصلح تلك المعضلة... أنا ..أنا عاجزة عن الغفران له؟!!"
قال أيوب بهدوء باسط الحقائق أمام نفسها "وماذا عنه يا ابنتي، هل هو يملك القدرة على الغفران لكِ... لقد جرحته مرتين وكسرته مرتين، ربما هو يشعر بالذنب العظيم على ما فعله بكِ حد أنه تناسى إذلالكِ له بالماضي... إلا أن قدومه إلى هنا ورؤيتكِ تتزوجين بآخر, تتمسكين بخاتم خطبة طه رغم معرفتكِ الوثيقة بأنكِ زوجة له, بأنه يبحث عنكِ لأعوام.. شيء لا تستطيع رجولته تخطيه"
تمتمت "هل كان يعتقد بعدما فعله بي أني سأنتظره.. واهم هو, محدود العقل إن لم يكن فاقده ..لقد طلقني يا أبي.. من أين لي معرفة بأني ما زلت زوجته؟!"
تنهد أيوب بصبر ثم قال "ربما أنتِ محقة.. ولكن أيضاً هو رجل شرقي رغم كل ظروفه ولن يقدر على تخطي هذا رغم كل دوافعكِ، اسأليني أنا.. عنتريتنا العربية واحدة ولا نغفر أو نسامح عند النيل من كرامتنا!"
ابتلعت ريقها بشكل ملحوظ وتهربت منه وهي تنظر ليدها تلاعب في إصبعها خاتم ماسي غريب الشكل بلون الأسود ..عقد أيوب حاجبيه متفكر أنها خلعت حلقة طه أخيراً منهية كل الأمور والروابط معه، إذ أنها منذ رحيل أمل تغيرت أمور عدة في تصرفاتها وقراراتها...
"لم أحضر إليك لأناقش احتمال غفراني له، أو مسامحته لي"
سأل بصبر "لماذا أتيتِ إذاً؟!"
حركت أصابعها في شعرها بعصبية وكأنها تجاهد نفسها وتهذبها لتسلك بداية طريقها الصحيح أخيراً ..ثم عزمت أمرها وهي تقول "أتيت لأنك أبي الذي يجب أن آخذ مشورته وموافقته على كل خطوة سآخذها... أنا لن أقدر على تخطيك مرة أخرى، فأنت.. أنت ولي أمري, من له السلطة الأولى والأخيرة عليّ"
نظر إليها أيوب متفاجئاً للحظات.. قبل أن تبتسم ملامحه المهمومة شاعرًا بأنه ولأول مرة يستعيد ابنته بعد فرقة قد طالت جداً "لورين؟!"
أومأت سريعاً دامعة قبل أن تشب لتقبل جبهته ورأسه باكية وهي تقول "أنا آسفة... آسفة لكل الألم الذي سَببته لك ..ولكن رغماً عني يا أبي ..فما عشته لم يكن هيّن.. أعلم أني كنت أنأى بعيداً عنك ..إلا أني لزمن طويل كنت وحدي، أتجرع مرارة الحرمان, أراعي نفسي بنفسي, آخذ قراراتي لوحدي دون كبير لي..."
صمت لبرهة وهي تستوي في جلستها تنظر لوجهه المذهول قليلا ثم أكملت بابتسامة مهتزة "قرارات لم يكن معظمها سليم تماماً... ولكنك أيضاً تحمل بعض الذنب إذ أنك تركتني لنفسي، كان يجب عليك عند عثورك عليّ أن تكسر رأسي لأفهم جيداً من صاحب السلطة والكبير هنا"
ربت أيوب على وجنتها وهو يقول "ما عاش من يكسركِ يا مفتاح أيوب "
ضحكت بشجن ثم همست "مفتاح بيت جدي ..لكم أفتقده هذه الأيام ..لكم تشتاق الروح العليلة لمعرفة أي خيط عن عيسى يا أبي ..أشعر بأني أحتاجه كما لم يحدث قط"
دمعت عينا أيوب الحزينة وهو يقول باختناق "حفظه الله، وجمعنا به، ورحم جدكِ وسامحني على الأمانة التي حملها لي وفرطت بها برعونتي"
هزت رأسها بقوة رفضاً وهي تقول "لم تكن رعونة يا أبي.. بل قدر قاسي كتب علينا بالافتراق ..قدر ونصيب لم أعد أحملك وحدك نتائجه"
أومأ برأسه دون أن يقل شيء إذ أن اللسان عجز أن يردد وجع النزوح وألم العودة واللقاء المعدوم بكليهما ... الحبيبة أرضه وفلذة كبده..
رفع رأسه مرة أخرى ثم قال مغير مجرى الحوار "ما هو طلبكِ إذاً الذي تحتاجين فيه إذن أبيكِ؟!"
تقبضت يداها المفرودة على وركيها بقوة قبل أن تقول بخفة موجعة "اشتقت لضم وشمي على صدري.. أنا أتعذب يا أبي, أمل لم ترحل وحدها، بل أخذت قلبي وأنفاسي معها ..أنا اشعر بأني مت وطريقة إنعاشي الوحيدة في يدها وحدها.."
قال أيوب بحسم رغم وجع فؤاده على ابنته "أنا لن أطالب ممدوح بإعادتها يا لورين ..ابنتكِ ليست لعبة نتناقل ملكيتها بل هي إنسانة من لحم ودم"
هزت رأسها سريعا وهي تقول بلهفة "لن أطالبك أو هي بشيء ضد إرادتها... إلا أني أتيت لأخبرك عدة قرارات أريد اتخاذها... أرغب في مباركتك قبل أن أشرع في السعي إليها... إذ أنه لا قدرة لي على غضبك مني، أو شعورك بأني أهمش دورك في حياتي"
نظر إليها أيوب بطريقة متوجسة قبل أن يقول بحذر "هاتي ما لديكِ، وسنرى إن كنت ستلتزمين برفضي أو مباركتي؟!"
شرعت لورين في إخباره بما تريد، في لهفة يغلبها التوتر والاضطراب.. بينما هو يتأملها إليها بذهول كليّ متعجب فيما تقوله..
"يبدو أن ابنته لا تتعلم أبداً من أخطائها كما تعشم، ولكنه بكل عجز المعرفة لن يستطيع أن يعيق الأمل الأخير "لأمل" في حياة سوية"
**********

يتبع الان

[Nor BLack]

تابع الجزء الاول من الفصل الثاني والأربعون

أين هي ، أين تخبئيها يا أمى ؟!"
وقفت عفاف بكل قوتها كحائل منيع أمام شرر ابنها المتطاير ..وهي تقول برهبة " اهدئ يا نضال الأمور لن تحل بالعنف !"
صرخ بصوت جهوري وبدا في هذه اللحظة كثور عنيف تتراقص أمام عينيه ملايين الرايات الحمراء ، ولن يقدر ألف مصارع على تحجيمه " عنف؟! هل تأملين اني سأعاملها بعنف فقط..بل سأكسر كلا قدميها التي تجرأت على أن تخطو دون علمي ، سأفقع عينها تلك وأكسر أصابعها التي تجرأت على قطع تذكرة سفر دون علمى "
رددت عفاف بخوف جلل" اهدئ ..جوان لن تتحمل أي عنف منك..هناك أمر يجب أن تعلمه !"
لم يهتم على الاطلاق بأيٍ ما تقول..أو بتقلبها العجيب وحمايتها لها مجدداً بعد كل الرفض الذي لوحت به خلال الأسابيع المنصرمة..بل كان معميًا بغضبه وحرقته وجنونه..انها عاملته كمغفل غير محترمة وجوده في حياتها كزوج،لذا كان يدفع أمه بحرص من أمامه ودون تردد كان يقتحم غرفة عفاف الخاصة وهو يهتف
"أخرجي منها يا عفاف..هذا أمر بيني وبين زوجتي المحترمة التي لم ترى رائحة تربية ، ووجب الأن تأهيلها من جديد !"
هتفت عفاف وهي تلاحقه لاطمة خديها"سترك يارب ..سترك يا كريم "
" جوان ..." صرخ نضال بجعورة مرعبة وهو يزج باب الغرفة بقدمه دافع التي كانت تجلس في فراش عفاف الخاص محمية فيه لأن تنتفض بذعر قافزة من هناك حامية نفسها في أول زاوية جدار وجدتها ...
" يا عديمة التربية،كنت في لندن دون اذني..هل تعتقدي انى..كيس اجاص "
ابتلعت جوان حلقها الجاف بذعر وهي تقول باعتراض واهي"إلتزم حدودك من تظن نفسك لتتكلم معىّ بتلك الطريقة "
صفعت عفاف وجنتها وهي تولول: " يا متبجحة..اخرسي هل تريدي أن تزيدي من جنونه؟!"
وقد فعلت عندما غشى خط أحمر من الدماء بصيرته مزيد جذوة نيران غضبه فاندفع دون تردد نحوها يمسك مرفقها بعنف كاد يحطمها وهو يهس من بين أسنانه
"أنتِ محقه ما انا إلا مجرد فردة حذاء للهانم،مجرد امعة، أو ديكور للسيدة جوان الأمير تفرط فيه متى رغبت، وتطالبه بالطلاق وهي ساكنة في برجها العاجي...قمامة مجرد قمامة انتهت منها السيدة..وما عادت تريدها!"
انكمشت بخوف غريزي وهي تقول " اياك أن تضربني ان فعلت فأنا ...أنا لن أغفر لك "
قال بذهول"ولكِ عين تتأمرين علىّ ،أنت امرأة وقحة !"
وازنت نفسها متحملة ألم ضغطه عليها ثم واجهته بشجاعة وهي تقول " بل كنت من القوة أخيراً لأتخذ قراراً عنيّ وعنكَ..مساعدة اياك في تحررك منيّ !"
فغر فمه بسخرية وهو ينظر اليها بإستخفاف وقال " وإن كانت السيدة المضحية العظيمة أخذت القرار فلماذا عادت؟!"
أدارات عينيها نحو عفاف بتوتر والتي هتفت على الفور
"أخبريه ماذا تنتظري!"
هزها بقسوة وهو يهدر" انطقي ..تخبرني بماذا؟!أمامك خمس ثوان لأنك بعدها لن تكوني قادرة على النطق بأي شيء لوقت طويل بعد أن أهشم رأسك وأقص لسانك وأفقع عيناك!"
نظرت اليه باستنكار ثم قالت "ولماذا لا تذبحني أيضاً، وتوزع لحمي على الغلابة كالاضحية "
ولولت عفاف أكثر وهي تقول" منك لله يا جوان ستجلطيني وتقتلي ابني من شدة غيظه..يا معدومة العقل هل هكذا تمتصين غضبه؟!"
"أنا لم أخطئ ، كان يجب أن أخلصك من عبئي وأيضاً مواجهة أبي "
أطلق نضال صوت أشبه بالزئير ممزوجًا بكثير من الاستنكار الوقح وهي يهتف ببغض
"أنا لم أخطئ أنتِ وقحة حقاً، قليلة أدب.. أنت امرأة يجب إعادة تربيتها...هل ذهبتي لصادق من وراء ظهري يا معدومة الكرامة ؟!"
وجم وجه جوان وابيضت شفتيها الباهته أصلا ثم قالت بوجوم: " من مثلي لا كرامة لها أنت من تنسى هذا"
هزها بعنف ثم أزاحها بقوة لتسقط على الفراش نافرة منه وهو يهتف بقرف " هذا لأنك اخترتي هذا لنفسك..لا فائدة ترجى منكِ،لا تضحية تنفع مع امرأة اختارت أن تعيش في مهانتها "
صرخت عفاف بخوف من أن يؤثر عنفه فيما يجهله
"نضال ...."
إلا انه لم يتوقف كما لم تفعل تلك المجنونة التي قالت من بين انحناء المهزوم
"هذا ما تفلح فيه..معايرتي عند كل أزمة ..لذا أجدني أتساءل الأن هل ستنسى بالفعل يوماً..هل ستكف عن تذكيري عند كل مشكلة ستقابلنا؟؟هل أخطأت مرة أخرى بعودتي؟!"
وضع نضال قدمه على الفراش وقدم أخرى ظلت ثابتة في الأرض ثم شدها من ذراعها مرة أخرى جابرها على الاعتدال نصف استقامة وقال بفحيح دافعه الغضب البحت
"أخبرتها لكِ ألف مرة أن الناس تراكِ بعينك..زوجك على وجه خاص يراكِ بمرآتك،وأنا قدمت ما هو فوق احتمالي ،أربع سنوات يا جوان..أربعة كاملين ذكريني متى عايرتك؟متى أفشيت سرك أو حاولت التلويح به؟بل كنت أحميكِ من قبح تفكيرك،وماذا كانت مكافأتي بالنهاية؟!فضيحة إفتعلتيها لي ولنفسك"
صمت لبرهة أمام وجهها الشاحب وعينيها المصدومة بإقرار واقع ثم أشار نحو والداته
"هذه الأم التي تدافع عنكِ الأن أنتِ لم تراعيها مطلقاً وجرحتيها بهستيريتك ونظرتك الحقيرة لنفسك..مزعزة علاقتها بي شخصياً بإبنها البكر الذي كانت تراه أمراً عظيم لا يكسر...فحطمتي هالته بشكل غير قابل للإصلاح وبعد كل هذا،وبعد فعلتك تجرأتي لأن تتهميني أنا بمعايرتك؟أنتِ جاحدة لا تستحق !"
تصلبت قسماتها بشدة ولمعت دموع ابت ان تهبط من عينيها،وظلت لدقائق طويلة تحدق داخل عينيه دون تنازل ، تبادلا نظرات الغضب والنفور والحقد الشديد،حقد دافعة الغضب من أفعالها..حتى تكلمت أخيراً
"لم أقل أني لم أخطئ،إلا إني كنت يائسة من نفسي بعد ما فعلته بها وبك وبسبنتي،لذا رغبت بكل قوتي أن أبتعد حتى لا أؤذيكم مجدداً"
"لا تختبري صبري" هتف بسخط وهو يشدها أكثر قساوة عليها ...
عضت على أسنانها من الألم الشديد الذي يعرض لها ثم قالت من بين دموعها
"ان أردتني أن أرحل مجدداً سأفعل ؟!"
قال باستنكار ذاهل " هل هذا كل ما توصل له عقلك البغيض؟أريدك أن ترحلي،لو أردتً يا محترمة ما كنت انتظرت بل كنت طلقتك وأرحتُ نفسي من هم وجودك "
تمالكت جوان نفسها بمعجزة وهي تسيطر على ارتجافة التوحش بداخلها وهي تهمس بغباء " أرح نفسك اذن ..طلق يا نضال ان كنت لا أسبب لك إلا الهموم "
صرخت عفاف"يا ويلي..إخرسي،أو أكسر أنا هذا الفم الجالب للمصائب "
وكأنه لم يسمع والداته عندما رفع يده ناوياً صفعها بقوة وهي يهدر بغضب
"وهل أنا أنتظر سيادتك لأمري...يا قليلة الأدب،بل غضبي لتهميشك إياي،لهروبك لجهلي بمكانك!"
قبل أن تصل يده وجهها كانت تمسك ساعده مانعة إياه وهي تقول بقوة
"لم أعد فتاة صغيرة يا نضال..ولن أقبل أبداً مرة أخرى أن يهينني أي مخلوق ان وصلت يدك لوجهي لن أغفر لك ما حييت!"
ارتخت يد نضال دون أن تخف نوبة جنونة ، ليس خوف من تهديها الأحمق مطلقاً ..الا إنه لوهلة أفاق من جنونه حدضربها فعلاً ليس لإعتراضها ولكن لعهد أخذه على نفسه ..أنه ابداً لن يهين كرامتها لهذا الحد ....
مال نحوها وهو يصرخ في وجهها قاصداً ارعابها
"أنت محقه صفعة لن تكفي من مثلك يجب أن تعاقب بشكل وحشي حتى أقومها !"
همست جوان أمام وجهه بيأس " أنا أسفة..بحق لن أكرر أبداً ما حدث،لقد اخترت البقاء "
هتف باستخفاف " تعطفتي عليّ بالبقاء،يااال الروعة سأرقص بالعصى طرباً!"
قالت باختناق " كفى استخفاف بى"
هتف في وجهها بصوت مرعب " وهل رأيتي من الاستخفاف شيء بعد...أنتِ امرأة منتهية،أنا بالفعل راجعت نفسي لأجدك لا تنفعي ليّ،سأبقيك هنا بجانب عفاف،ولن أطلقك يا جوان ..إلا اني منذ اللحظة لن أعتبرك زوجة لىّ...بل وسأتي لكِ بأخرى كما كنتِ تتشدقين وتقترحيّ عليّ لتقهرك"
صرخت فيه بقوة مزلزلة" لا لا ..لن تفعل وأنا لن أقبل ..."
قال من بين أسنانه بتشفي"بل سأفعل،فتاة صغيرة في العمر ،أربيها على يدي تحترمني وتطيعني،وليس ناشز بغيضة الفعل مثلك"
ارتفعت تزجه بعنف من صدره أخل توازنه للحظة واحده الا انه عاد يسيطر عليها بغض مرعب ماسكاً عضديها يهزها بعنف خطر:"هل جننت؟"
قبل أن تنطق جوان كانت عفاف تقترب تصرخ فيه بصرامة" كفى جنون امرأتك حامل ان تسببت أنت أو هي في ضرر الطفل أقسم أن لا أعرف كليكما ولن أسامحك يا نضال حية وميتة!"
وكأن صاعقة نزلت فوق رأسه أو ربما دلو من الماء المثلج ان صح التعبير هو ما أغرقه مطفئ ليس الغضب فقط بل كل شيء فيه...تجمد نضال في مكانه عاجزاً عن الاستيعاب أو الحركة حتى أنه لم يحرر جوان من ضغط يديه الغاشمة وساد صمت مخيف بين ثلاثتهم،عفاف على موفقها وجوان تنظر اليه بحذر وترقب ..أما هو كان مشلول عاجزعن الاستيعاب كلياً وكأنه لم يتوقع حدوث الأخر بتاتاً البتة في يوم من الأيام ..وعندما استطاع تحريك شفتيه أخيراً كان يقول بوجوم " هل هذه الكذبة التي استطعتِ اقناع والدتي بها يا جوان "
وكأنه هذه المرة صفعها بشكل متعدد وقاسي عنيف من الاتهام الغاشم من تهديده بالزواج عليها ومن انعدام الأمل في أمومتها يوماً وعندما تحدثت كان أول شيء خطر في عقلها ان تقول
" لا ، اكذب تستطيع اخذي الى أي مشفى والتأكد انا لا استغله إلا اني لن أنكر انه من منحنى القوة والأمل في العودة"
حررها نضال من بين يديه ببطئ ثم اعتدل بعيداً عنها ينظر اليها بقتامة بشكل غير مفسر تماماً إلا أن هناك كان شيء واضح صارخ في مشاعره طعنها للصميم ، نضال غير سعيد بهذا الطفل إطلاقاً بل بدا وكأنه كره وجوده ورفضه قبل حدوثه أصلا
" اذا انت تحملين ابني أخيراً !"
قالت عفاف بلهفة "نعم،يا ولدي..لذا امنحها فرصة ليس من أجلها بل من أجل ابنك هو يستحق ان نتحمل كل شيء"
قال نضال بتشنج وهو يحدق فيها ببرود " ليس لحد اجباري أن أغفر لها يا أمي..يؤسفني أن أخيب أملك مرة أخرى ولكن هذا الطفل لا يعني ليّ أي شيء الا غلطة كان يجب عدم حدوثها !"
ارتجفت جوان وهي تنظر اليه بعينين مصعوقتين ويدها اراديا كانت تنزلق لتحتضن أحشائها وكأنها تريد ان تربت على صغيرها الذي نال الرفض بعد أن تعشمت أنه فرصة أخرى لترى سعادة الرجل الذي تحب بسببه همست بقهر شارد " كيف استطعت ....لا انا لن امر بهذا مرة أخرى ..لن أنال الرفض والاتهام "
تأجج غضبه بشكل عنيف ثم انحنى فوقها يمسك ذقنها بين أصابعه وهو يقول بنبرة مخيفة " اذكري ماضيك مجدداً وأعدك أن أدفنك بشكل يليق هذه المرة...اياك يا جوان بعقد مقارنة بعقلك المريض..بينى وبين القذر "
قالت بارتجاف باكية بحرقة" لماذا ترفض ابني اذاً ..حلمنا لأعوام؟؟ "
لوى نضال وجهه بعيداً لبرهة محاولا ان يسيطر على جنونه ..ثم قال دون ان ينظر اليها
" كان حلمك وحدك ، وها أنا منحتك إياه بينما انتِ لم تمنحيني إلا القرف والنفور منكِ ، رحيلك بهذا الشكل من وراء ظهري وجهلي بمكانك لن يغفره هذا الطفل ، ولو حتى ان أتيتي بعشرة غيره لن يصلح ما افسدتيه بيننا...لذا هنيئاً لك ابنك ويااال خسارتى بهذا الخبر وفيكِ!"
ثم دون انتظار دقيقة كان يحررها نافرها نفراً من يده ويغادر الغرفة وهو يقول
" من اجل خاطرك فقط يا امى ، لن اقترب منها بعقاب تستحقه سأتعامل على أساس انها غير موجودة وهذا لاجل حلمك وحدك بحفيد انتظرتيه ولكن فلتتجنبني لأني انتهيت منها نهائياً ، أما عنك فإياك يا عفاف ان تحاولي استغلال حملها واستعطافي لأعفو عنها..وداعاً.."
اندفع نضال مغادر المنزل غير عابئ بهتاف امه التى لاحقته ...و حدقت جوان في أثره بجمود ثم ببطئ كانت تزحف على الفراش تساوى جسدها المرهق هناك تتكور على نفسها ويدها تحاوط كنزها ثمين بحرص تربت عليه بحنان ، حتى همست اخيراً
" لا بأس ماما ستحبك عنه ....اسفه يا صغيرى يبدو ان العيب بى.. ماما حظها سيء جداً خطأها لن يحل عنها لتسعد لمرة واحده"
صمتت لبرهة تمسح وجهها في الوسادة باستسلام قبل ان تقول
" أنظر للشيء المشرق هنا..انت ابن حلال أتيت في النور وإبن لرجل حقيقي،الرجل الذي أحب ، لن ينكرك ولن يتخلى عنك..انتَ سيصبح حظك أفضل بكثير من حظ أخرى ظلمتها ..ماما لن تتخلى عنك يا صغير لقد نضجت كفاية لأن تحميك بروحها ولا توجد قوة في الأرض قادرة على نزعك من داخل أضلعها التي ستخفيك فيها !"

................................................

"أين اختفت"

نفخت إسراء بصبر قبل أن تريح يدها على ركبته وهى تدفعه إلى أسفل مانعه إياه من الوقوف وهى تقول " يا ابنى إهدأ قليلاً واترك الفتاة تعيش سنها مع باقى أقرانها "

توترت شفتيه وهو يقول " أنا لستُ قلق ولكن بجانب حرصى عليها ، أمانة لا ينفك جدها في وصايتي عليها "

قال إسراء باستياء " وماذا يحدث داخل جدران منزلى تحديداً ، وبين صغارى .. كفى يا ممدوح أنتَ وجدها وخالتيها وأمها ..والعالم أجمع اتركا الفتاة لحال سبيلها ولا تضيقا عليها !"

دخل مراد عليهم ثم ألقى بجسده سانداً ظهره على مسند الأريكة وهو يقول بهدوء " الدجاجة عادت تنقر رأسك صحيح "

عبست وهى تقول بضيق "أنا لستُ دجاجة بل أم تحاول نصيحته ومساعدته في تربية طفلته "

التقط مراد من الطبق الزجاجى الموضوع أمام ممدوح قطعة مخبوزات ودسها بين أسنانه وهو يقول بتعاطف ساخر " والله أنا أُشفق عليك لقد تطورت
أيضاً من مرحلة حرص الدجاج ، لتغذيتك وكأنها تجهزك للمذبحة القادمة .."

ابتسم وجه ممدوح ابتسامة لم تصل لروحه وهو يقول " دعها شخصيتها الجديدة تُسلينى "

" أنتما لا تطاقا.. كلمة أخرى وسأخذ أولادى وأمل أيضاً وأتوجه للحجة نعيمة مباشرة أطلب حمايتها "

ادّعى مراد الذعر وهو يقول " لا إلا جدتى ، نعتذر عن حق الدجاج سيدة إسراء "

بدون تردد رمت إسراء جهاز التحكم عن بعد الخاص بالتلفاز على صدر أخيها الذى تأوه بخفوت وهو يهتف " ومالى أنا الآن هو يستفزك فتضربيننى "

قالت بغضب عفوى " لن أقدر على ضربة هو إذ أنه سيتحجج ويفتعل منها مشكلة كبرى"

قال بدهشة "فتضربيننى أنا ؟!"

قالت ببرود " أنت أخى كما أنها لم تكن المرة
الأولى"

حرك مراد حاجبية بإغاظة وهو يمد يده نحو طبق المعجنات مجدداً فسريعاً التقطته وهى تقول " هذا من صنع الدجاج ومهندس كبير مثلك لا يليق به ، إلا كل من صنعها "

" امنحينى الطبق ، قبل أن أحولها لشجار فِعلى سيمتد لأسابيع "
وقف ممدوح من بينهم وهو يقول بنزق " أنتما أصبحتم أسوء من عجوزين لا يجدان ما يفتعلاه غير خناق بعضهم"

أمسكت إسراء بذراعه سريعاً وهى تقول مباشرة " اجلس نحن لم ننهى حديثنا بعد"

نفخ ممدوح قبل أن يقول على مضض " اعتقدت أن تهربى من إجابة طلبك أوضحت بشكل جازم أنه مرفوض !"

استرعى انتباه مراد وهو يسأل باهتمام " وما هو المرفوض!"

التفت إليه ممدوح وهو يقول بجفاء " تحاول اقناعى أنا أغلق مكتبى في أمريكا وأتنازل عن عقد الإيجار لشقتى .. وابدأ هناك من جديد"

نظر إليه مراد بملامح جامدة وهو يقول " لا تبدو لي فكرة سيئة ..فلماذا تعود إلى هناك وأنت لا تملك أى روابط"

أظلمت عينى ممدوح قليلاً وهو يقول بنفس جموده " ولا أملك أى شيء يربطنى بهنا "

جوابه أوجع قلب إسراء بشدة وهى تهمس " حتى أنا يا ممدوح ألا تريد أن تبقى بجانبي بعد طوال غربتنا عن بعضنا ؟!"

نظر إليها بصمت .. قبل أن يجلس في مقعد بعيد عنهما وهو يقول بخفوت " أنتِ لديك عائلتك ، الخاصة لا أظن أنكِ بحاجة لتواجدى "

قالت بصوت اجش عاطفى " بل احتاجك ، أنت أخى الوحيد عائلتى الأخرى التي أرغب بكل كيانى أن تبقى أمام عيناى ، أمن الأنانية أن أرغب في خال
لأولادى في سند آخر أطمئن لوجوده بحياتى"

اضطرب بطريقة جلبت لقلبها الشفقه ، إذ أنه بدا مصدوم برابط لا يعرف ماهيته ولا يدرك كيفية التصرف معه ..من تلوم الآن ، ومن تلقى الذنب عليه لقد كانا أخوين بالنسب والدم وتقاسما نفس روح أمهما لأكثر من ثلاثين عام ولكنهما ظلا غرباء متباعدين لم يذاقو مشاعر أخوتهم تلك قط أو هو على الأقل فلطالما ممدوح دفعها بعيدا أجاد التظاهر أنها لا تهمه لا تعنيه مشاعرها حتى وهى تحاول بكل قوتها تقديم دعمها إليه أجفلت منتفضة عندما وقف من مكانه يهتف في وجهها بصوت حاد ..أقرب إلى الإنفعال " نعم أنانية وجداً لأن تطالبيني بشئ لا التفت إليه لا أفهم اصلاً كيف يمنح أو يأخذ....أنانية ومتغطرسة حد أنكِ تحاولى إنكار بأنى لست هذا الشخص العاطفى الذى يهتم بغيره ...أنا لست من تبحثين عنه "

اغرورقت عينيها بالدموع شاعره بالخيبة فتدخل مراد يقول بهدوء " لماذا تحاول دائماً تلبث الوقاحة ، مدعى برود وجفاء لا تملكه إيهام الناس بأنك جماد لا يشعر ، بأنك شيطان شرس لا يبالى بقلوبهم ، لن يحميك يا ممدوح "

قال باستياء " اسمع أنا لست طفل يحتاج لمواعظك .. لأنى هكذا بالفعل ولا أدعى ما عليه "

قال مراد بجفاء مهاجماً " لم أرى هذا مع أمل ومن قبلها أمها "

صمت وعينيه الخضرويين يتأچچان بعنف ، حاكيان قصائدمن الألم المعقود ، لضربة نالت من كل جوارحه ..ثم ما لبث أن همس " إياك أن تذكر هذا الأمر بأى صورة ، هي انتهت لنفس السبب تحديدا الذى تطالب به زوجتك ..إذ أنها تعشمت فى شخصاً آخر لن أكونه يوماً ..فحطمتها ...."

كان مراد ينظر إليه بصمت ..حتى نهض يقف قابلته وهو يقول بهدوء " لا تؤاخذنى.. ولكننا جميعنا نعلم من بدا في تحطيم الآخر.. .فلا تكذب علىّ ، أكره الرجل الذى يدارى جروحه بأكاذيبه المدعية الصلابة "

" مراد .. اتركه "
همست إسراء بتوسل وهى تراقب الطعنة التي استوطنت في قسمات أخيها الشاحبة ، ليس من السهل أبداً أن يواجه رجل رجلاً آخر بضعفه وكسره على يد إمرأة..!"

قال ممدوح بصوت أجوف " اتركيه ، لم يقل أمراً لم أتوقع معايرتى به "

عبس مراد وهو يقول بدهشة " معايرتك...معايرتك يا أحمق هل هذا ما تعتقده ؟!"

قال ممدوح بنفاذ صبر " ماذا إذاً ؟!"

تحرك مراد إلى أن وصل أمامه ثم مد وجهه في حركه ممتعضة وهو يقول ببرود " بل مواجهتك بما كان ، وضع الحقائق في نصابها الصحيح لا يفسد ، بل يصلح الروح العليلة .. ما حدث لا يقل منك يا ممدوح .. كما لا يلبس لورين ثوب المرأة الشريره السيئة ..ببساطة شديدة يجب أن تعترف بأن حياتكم بماضيكم الموجع سوياً ما كانت ابداً لتستمر "

ابلتع غصة هائلة بحلقه ..وهو يقول متهرب
" وما علاقة هذا ببقائى وإصرار زوجتك عليه "

جرأه مراد وهو يضع يديه خلف ظهره
" ولماذا تعود أخبرنى سبب واحد مقنع "

تهدل كتفىّ ممدوح وهو يقول بوجوم " لأنى لا أملك شيء هنا ربما جذورى هنا جزء من روحى يحب هذه الأرض ، ولكنى أجهلها ، لا أعرفها ..لا أفهم أهلها ولا هم سيفهمونى يوماً ، عندنا أسير في شوارعها الناس تنظر إلى هيئتى تسمع لغتى العربية المتكسرة .، فتشعرنى أنى كائن فضائى غريب لا ينتمى إليهم
..لا أُشبهم ، كما نظرتى لهم بالضبط "

تسائل مراد بصوت شارد سؤال كان أشبه بإجابة لوم على شخص واحد " وذنب مَن هذا إذاً "

تكلم ممدوح بصوت اجش " ذنب مَن لم يهتم بأن يربطنى بهم يعلمنى كيف أتلبس طباعهم ، كما فعلت عائلتك معك "

تفكر مراد وهو ينظر إليه بتفحص قبل أن يقول
" حسناً ربما أنت على حق ، بالنهاية أنت تربية هناك ، وهى بلدك أيضاً ناس تألفها وتألفك..إلا أنكَ وعدتَ جد ابنتك ، بمنحها وطن تنتمى إليه ، أرض تعرفها وتنغرس فيها ..ألم يكن هذا كلامك حرفياً"

أطلق نفس طويل خشن قبل أن يهمس " وأخبرته أيضاً أن أحيانا شخص واحد يكفى أن يصبح هذا الوطن المفقود ..وأنا سأعطى أمل كل ما تحتاجه "

قالت إسراء بمرارة " لن تستطيع ...لن تنجح مهما حاولت ، أنا وأنتَ أدرى الناس بهذا ..لا تكرر جريمته في حقنا أرجوك !"

قال بيأس " لن أصبح مثلك أبداً لن أتلبس ضعفه "

اقتربت منه تمسك في ذراعه بقوة وهى تقول برجاء " إذاً ابق بجانبي اسمح لى أن أُقدم لك دعماً تحتاجه ، لا تخجل من هذا إذ أنه ليس ضعفاً بك أرجوك دعنى أساعدك في منح ابنتك ما تستحقه فأنتَ وحدك لن تكفى سرعان ما ستكبر وتطالبك بالمزيد .. لا تجعلها تتوسل مشاعر البشر من غير أسرتها ....لهذا وُجدَت العائلة ، لتقدم الدعم والمساندة !"

اهتزت ملامحه وهو ينظر إليها برقه بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة حنان سرعان ما تلاشت عن وجهه وهو يكرر بيأس " لا طاقة لى على هذا .. الأمر أننى أجهل حتى كيف أبدأ، في مكان أجهله "

قال مراد " كما بدأت أنا وكما بدأ الكثير من المهاجرين الذين عادوا "

قال ممدوح ببطئ " جميعكم كان يملك قاعدة تبدآن منها ...أما أنا .."

صمت مرة أخرى وإحساس بشع يسكن عينيه وهو يقول بصوت يتقطع " أنا وابنتى ..مجرد غريبين ، يترحلان بطوفان الأرض من مشرقها لمغربها باحثين عن شيء خيالى لن نجده عند أحياء متحجرة قلوبهم ..هكذا كُتب علينا ..."

ارتفع حاجبي مراد بدهشة وهو يقول بذهول " عجباً منك يا رجل ..أنتَ بالفعل ميؤس من حالتك ، ما كل هذا الخذلان الذى تتحدث به"
احتدت عيناى ممدوح قبل أن يقول بإصرار " أخيراً تمتعتَ بفراسه لا تمتلكها زوجتك ، فهل توقفت عن محاصرتى"

هتفت إسراء وهى تشب أمامه بتحدى " لأنك وغد عديم الإحساس بالفعل أنا لن أكف عن المطالبه بحقى...."

رفع رأسه لأعلى ببرود قائلاً بتهكم " دعينى أُخمن ..هل سترفعى علىّ قضية ..."

برتطمت إسراء بعنف سابه إياه بتلاحق حتى إنهما لا يستوعبا كلمة وحده من قاموسها الممتع ...حتى قالت بحنق " الخطأ الذى ارتكبته ليس النهاية ..."

قال ممدوح ببطئ مكملاً "
لأن كل يوم هي فرصة أخرى لنحاول من جديد ..."

توقفت أنفاس إسراء لبرهة بينما عينيها تدمعان بشجن وهى تهمس برهبة " ما زِلتُ تذكر حكمتها !"

قال بخفوت " اعتقد أنى أحببتها وتعلقت بها أكثر منكٍ ؟!"

قالت باختناق " نعم ... نعم لقد كنت كذلك ، حتى انى في مرحلة ما ظننت أن فقدك أنت بالذات ما أحزنها حد عجّل بعمرها .."

اقترب ممدوح من أخته ثم أمسك بكتفيها في حركة داعمه ثم همس " لقد غلبت نفسى أخيراً وهزمت غضبى منها ، وذهبت لزيارة قبرها عدة مرات ، اعتقد أن مولى أخيراً هدأت روحها "

اختنقت إسراء أكثر وهى تقول مرتعشة " هي كذلك ..الآن وهى تشعر بى وبك مجتمعين أخوين حقيقين ، راضيه سعيدة مدركه أن حياتها لم تذهب عبثاً "

قال ممدوح بهدوء " اذاً دعينى أغادر دون أن تغضبى منىّ ، مع عهد بالزيارة التي لا تنقطع ، سآتي إليكِ بشكل منتظم ، كما ستفعلين أنتِ"

رفعت إسراء عينيها الحزينتين ولكنها لم تتنازل عن فكرتها وهى تهمس صادمه إياه " وماذا إن تغيرت الظروف ...لو امتلكت سبب قوى ورابط يمنحك البيت والوطن الذى تبحث عنه وابنتك .."

عبس بعدم فهم لبرهة قبل. أن يقول بيأس
" لماذا تخططى"

سألت مجدداً " ماذا لو تغيرت الظروف يا ممدوح ، هل ستبقى ...؟!"

نظر إليها ممدوح متمعناً بتوجس .. قبل أن يقطع عليه دخول ابن أخته الباكى غارقا في دمائه ..مما جعلها تقفز بهلع ناسيه معضلته ..وناسيه أخوته أصلاوهى تمسك ابنها بلهفة تكتم دماء جبهته بيدها وهى تسأله بنبرة منفعله " ماذا حدث ، يا سيف .."
تحرك مراد كالعادة سريعا نحو الحمام ليجلب علبة
الإسعافات ..

بينما إسراء تحاول تهدئة بكاء ابنها الذى بلغ حده مكرره سؤالها ...

أما عن ممدوح فشعر بقلق وحرج هائل وقلبه يخبره دون أن يصرح أحد بمن تسبب في إسالة دماء ابن أخته ...

حتى صرخت إسراء اخيراً ، ليتمنى بذعر أن يوجد أى شق حائط يختبأ في تلك اللحظة ، من ملامح اخته المجنونة كلياً وقد بدت في لحظة بعينيها الحمراويين كساحرة شريرة مخيفة المظهر " أمللللل...يا ابنة لورين ، سأُعلقك أمام باب المنزل كفزاعة "

جرت إسراء نحو غرفة الألعاب لاحقها ممدوح خوفاً علي ابنته ..وجلس مراد قبال ابنه ، يطهر جرحه أولاً بروتينية وهو يهمس بامتعاض " ضربتك من قبل وعضتك أيضاً واستولت على ألعابك وها هي الآن تسيل دمائك. ..أنت صعيدى أنت؟ خيبك الله يا حفيد العطارين إن علموا بما يحدث لغسلوا عارهم
منكَ ومنىّ "نطق الفتى بعبوس من وسط نشيجه الباكى " أمل شريرة .. مجنونة "

هز مراد رأسه بطريقة مضحكة وهو يقول
" حصل يا ولدى حصل ..مجنونة وابنة مجانين "

شهق ابنه مجددا وهو يقول باكياً " أنا أحبها ...!"

أومأ مراد بجانب رأسه وهى يقول " بالطبع يجب أن تحبها فأنت مغفل كأبيك وخالك ، ومن المنطقى جداً ان تتبع خطاهم وتحب الفتاة السيئة "
كانت إسراء عادت إليهم تمسك أمل من قمة ملابسها كفأر لص ضبطته يأكل الجبن بينما الفتاة تخبرها بنزق خالى من الخوف
" اتركينى عمتى بدل أن أُعاقب ابنك مرة أخرى ..."

وقف ممدوح خلفها يحاول إنقاذ ابنته منها عبثاً ..ولكنه يحمد الله على ذلة زوج اخته إذ أنها رمت ابنته بإهمال داخل ذراعيه وهى تتوجه لمراد سأله بشرر" مَن هذا المغفل ..لأنه أحبنى "
لم يبدوا على مراد الاهتمام وهو يضع ضمادة صغيرة أعلى رأس ابنه وهو يقول " أنا وابنك وأخيك ....ثلاثة من المغفلين ..أول مرة أصدق المثل الصعيدى البنت لعمتها وإن صحت لخالتها ...مسكينة أمل ...أى والله تحمل من الجينات الوراثية ما لا يطيقة أحد "

فغرت اسراءشفتيها وهى تقول بذهول
" متى تحولتَ لبارد ابنك سائح بدمه وأنت تتهكم وتمزح "

وقف مراد وهو يسحب سيف معه حامله على ذراعه ثم قال " الذى يعيش معكم يجب عليه إما يتقبل كل شيء برحابة صدر وبرود ..أو نارية طباع ستؤدى به لانتحار لا محاله ...بالإذن منكما سأعطى سيف بعض العصير ليعوض الدماء.."
هتفت أمل بفخر وهى تجبر ممدوح على إنزالها " انتظر عمى أريد عصير مثله ...فأنا من فتحت رأسه "
نظر إليها مراد ثم لوجه إسراء البائس الباكى وهمس بتهكم " تريد مكافأة منى شخصيا لتشويه ابنى الوحيد ...ونِعم العائلة والله ..أنعم وأكرم ..تعالى يا ست أمل فأنتِ تستحقين اثنان "
" الرجل جن يا ويلي...؟!"

تنحنح ممدوح مدعى الحرج بينما كله يشعر بالزهو فخراً ببلطجيته الصغيرة ثم قال " ألم أُخبرك نحن يجب أن نغادر حرصاً ، على ترابطك الأسرى وحياة ابنك !"

رفعت إسراء يديها لأعلى تكمشهم بغل ، ووجهها يرسم الشرر في أبشع اشتعاله...

" جرس الباب "
قال ممدوح منبهاً بسماجة
عبست " ماذا "

كرر وهو يتوجه سريعاً داخل الممر المؤدى للباب وفتحه وهو يقول " أحدٌ ما أتى ........"

تجمد ممدوح مكانه قاطعاً جملته يحدق أمامه مجفلاً وكأنه أُخذ على حين غره بآخر شخص كان يأمن بقدومه يوماً ...

سكن الزمن بينهما أحدهم يحدق في الآخر هو مصدوم رغم جمود ملامحه ..وهى مضطربة وتائهه ضائعه بين شعور مبهم وإحساس جديد وإقرار يمليه القلب والعقل ، باعتراف انتظرته لتواجه نفسها به ، قبله ....حتى تمتمت بتقطع " أنا ..أنا ..."

اندفع الصوت المشتعل من ورائها يزجها بضجر نحوه ، ثم انطلقت صاحبة الصوت كالمدفع حتى كاد أن
لا يلاحظ كيانها من سرعتها في الدخول وهى تصرخ بضجيج " أمل ..مولى حبيبتى أين أنتِ يا شقية الماما ..."

ابتلع ممدوح ريقة وهو يقول بصوت أجش " تمهلى يا مرح ، المنزل خاص بأختى أنا مجرد ضيف هنا "

توقفت بالفعل وهى تستدير نحوه ببطئ ولكنها كالعادة قوية ثابته وجميلة بعفوية كأخت صغرى تجلب الابتسام عندما قالت مهاجمة " أنا لن انتظر ، إشتباكم المتوقع ..وليس بى طاقة أيضا لأُملى عينى من تجمدكم المريب..أين صغيرتى"

كانت إسراء مازالت تقف قابلته في غرفة المعيشة ..لذا تقدمت وهى تنظر للشابة بابتسامة لطيفة ثم قالت " أنتِ ماما مرح إذا "

قالت مرح بتعجل " نعم هي أنا ..لذا هل يمكننى أن أراها .."

" طبعاً .. تعالى خلفى "

التفت ممدوح مرة أخرى ينظر إليها وقد خبت عاطفته جيداً ، مسيطر على أعصابه وهو يقول بلا روح " هل تريدين أن تريها ، أم أنكِ ستُفضلى أن تقوم مرح بدوركِ كالمعتاد ؟!"
أغلقت لورين عينيها لبرهة متذكرة بالألم جملة
والداها القاسية التي شابهت سؤاله عندما ذهبت إليه لأول مرة تطلب إذنه في أمر يخصها ..إذ أنها وبعد آخر مواجهه بينهم ، تغير كل شيء وأصبحت فجأة تدرك كل خطأ جسيم ذبحت بيه أبيها دون أن تراعى وجعه منها لسنين طوال ...
" لماذا أنتٍ هنا يا لورين .."
هتف ممدوح من بين أسنانه يسألها مجدداً ...

وعندما فتحت عينيها كانت ، ترتعد ، مهتزه بذعر مبهم وكأنها تقدم على شيء مخيف رغم جماله ، مبهج رغم رعبه الكامن " أتيتُ لابنتى ، أنا لن أستطيع فراقها يوماً واحد بعد ..

قال بصوت أجش " تأخرتِ ، ولكن أفضل من عدم القدوم ... "

أكملت لورين وكأنها لم تسمع إجابته بنفس المشاعر ونفس النبرة " أريد أمل. ..وأريدك أن تُعيدنى إليك "

.................................................. .

‫

ىيتبع الاسبوع القادم ان شاء الله قراءة سعيدة

[نيفين الحلو]

تسجيل حضور 💞💞💞🥳🥳🥳😎😎😎

[نسيم88]

اول فصل يكون قصير ويكون مفيش أحداث عن بقية الشخصيات ولكن جميل