آخر 10 مشاركات
روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          هدية عيد الميلاد (84) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          روايتي "حمل الزهور ألي كيف أردهُ؟ وصبايا مرسوم على شفتيه" * مكتملة ومميزة * (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          عندما يموت الكلام ـ هانا برنارد ـ 460 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-07-20, 12:49 AM   #4891

Mon abdou

? العضوٌ??? » 449919
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 333
?  نُقآطِيْ » Mon abdou is on a distinguished road
افتراضي


معاكو اهوه
ياجامدة يانووووووووووور


Mon abdou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:50 AM   #4892

Abeer gazal

? العضوٌ??? » 433655
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 257
?  نُقآطِيْ » Abeer gazal is on a distinguished road
افتراضي

فصل جديد واكيد متل ماتعودنا كلو احداث نار

Abeer gazal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:06 AM   #4893

نسيم88

? العضوٌ??? » 340384
?  التسِجيلٌ » Mar 2015
? مشَارَ?اتْي » 330
?  نُقآطِيْ » نسيم88 is on a distinguished road
افتراضي

وين الفصل عسى يكون في فصل يوم

نسيم88 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:17 AM   #4894

dody zakaria

? العضوٌ??? » 398285
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » dody zakaria is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور ⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩

dody zakaria غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:20 AM   #4895

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الثالث والاربعون

أحبيني .. بعيدا عن بلاد القهر والكبت , بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت , بعيدا عن تعصبها .. بعيدا عن تخشبها .. أحبيني .. بعيدا عن مدينتنا التي من يوم أن كانت إليها الحب لا يأتي. - نزار قباني











منذ أن ألقت عرضها الصادم في وجهه، وهو قد خرس تماماً لم يمنحها إجابة على الفور ولكن تمنى أن يفعل رافضاً طلبها الذي استشعر أنه ينال من رجولته منتقصاً منها كثيراً كما عادتها إلا أنه لم يفعل شيئاً...

لجم لسانه كما أفكاره مما جعله يأخذ مع لورين الحذر طريقاً، ليس عشماً في إصلاحها ولكنه أمر بداخله جعله يتريث ليفكر ويحلل قبل أن يمنحها إجابته إذ أن هذه هي فرصته ليثبت لنفسه قبلها أن ممدوح القديم الذي تعرفه مات بلا عودة وأنه تخلص منه وما عاد وجود سوى لشخص آخر يحاول أن يكفر عن كل جرم ارتكبه، رجل ولد من رحم معاناته ولا ينوي أن يوقع نفسه من جديد في غيابات جُبها أو غيرها، ربما سببه الأهم على الإطلاق ألا يخيب من جديد أمل ذلك الكائن الصغير الذي يقتله بعينيه الشقيتين، عينين بخضار الزيتون يصرخ بعمقهما صراع الماضي ووجع الحاضر وأمل المستقبل الذي لا ينضب من روح جذورها الفلسطينية أبداً.. كم هي عجيبة تلك الأمل والعجب الأكبر الذي يجده داخل نفسه الآن... من كان يصدق أنه هو بكل ظلامه وأنانيته وبكائه على أطلال ماضيه أن يفهم الآن ويتفهم معاناة لورين وذويها الأبدية.. أن يهتم حقاً بأرواح معذبة خلف الأسلاك الشائكة.. أن يفهم ويستوعب حجم معاناة الويل وحروب الإبادة التي لم ترفع عنهم للحظة...

هل كان يئن ويتخبط بروحه القديمة العفنة لأن إحدى الأفاعي سرقت منه والدته وبيته، إذاً ماذا عن أناسٍ سرقت منهم هويتهم وأرضهم وتاريخ أجدادهم؟؟!

ركل ممدوح حجر صغير أمامه بعنف قبل أن يضع كلا كفيه المتصلبة داخل جيبي بنطاله، بينما عيناه تضويان في العتمة تتصارع فيهما مشاعر غريبة... أصابع قدميه تتلوى داخل حذائه المنزلي بينما يحس بروحه تتخبط وتتعرى فجأة أمام نفسه بشكل غير محبوب على الإطلاق... إنه يشعر بالعجز وكأن حلقته المفرغة لن تكف عن الدوران حول روحه أبداً... إنه يركض ويركض بداخلها دون أن يصل لسلامه أبداً...

"بابا... لماذا لم تأتي؟! أشعر بالنعاس.."

التفت ممدوح ببطء شاعراً بحماسه يتأجج إذ أن صغيرته لم تنساه وسط احتفالها الصاخب بمرح ولورين أيضاً... حسناً لم يكن ليتخيل أبداً أن الماكرة الصغيرة ستندفع لتلف نفسها على صدر أمها فور أن وقعت عيناها عليها.. وكما تبدد كل تركيزه وخططه عند رؤيتها على باب المنزل صباحاً، كان دور بهجته أن تنمحي عندما وقعت عيناه على لورين تقف خلف أمل متمسكة بكتفيها وكأنها توشك في أي لحظة على انتزاعها من أرضه والهروب بها وإخفائها بعيداً عنه من جديد...

عاد إحساسه بالاختناق يتعاظم وبعدم الثبات في قراراته بل وبجحيمه الذي يئده بمعجزة وبين حكمة معدمة يحاول أن يتحلى بها... تحاشى النظر للون الحداد في عيني جلادته وأغلق جفنيه بقوة مزدرداً ريقه بشكل ملحوظ نفرت له عروق نحره واحداً واحد في خط عمودي ينخر قلبه كالخناجر المسمومة... وباتزان جنائزي كان يجلس على ركبتيه فاتحاً ذراعيه وهو يقول "تعالي لبابا يا مشاكسة"

بحماس كانت تندفع أمل بمنامتها الوردية وقدميها الموضوعتين داخل حذاء نوم طفولي على شكل سيارتين حمراوين بينما تحتجز تحت ذراعها الدب الأسود ذو الفراء الذي كان قد ابتاعه لها من الأردن وأصبحت تفضله أثناء النوم...

"مولي سعيدة جداً.. لورين أخبرتني أنها لن تكون مشغولة وستجلس معي إلى الأبد مثل دوحا"

اهتزت عضلة جانب فمه غاصباً نفسه على الابتسام قبل أن يطبع قبلة على وجنتها وهو يقف مستديراً نحو حوض ورد الياسمين الذي زرعته أخته ثم قال متجنباً اسم لورين "لقد قلتِ بابا لتوكِ.. لذا أعتقد أني سأحرم عليكِ منذ اليوم نطق اسمي مجرداً"

عبست بنزق وهي تقول معترضة "أفضل دوحا، بابا مزعج"

كشر بوجهه وهو يقول باستنكار "بابا ماذا يا كائن الإزعاج بحد ذاته؟!"

وضعت إبهامها في فمها تمتصه وهي تنظر إليه بعجز الأطفال عن الإجابة ثم هتفت أخيراً دون أن تنزعه من شفتيها "أنت دوحا، وبابا هو بابا أيوب.. عندما أناديك بابا يصبح لدي اثنان..."

صمتت قبل أن ترفع يدها الأخرى مؤشرة برقم ثلاث وهي تقول "اثنان هكذا... وهذا يزعج أمل"

اهتز صدره ضاحكاً من قلبه كعادته عندما يتحدث معها... عليه الاعتراف أن لا أحد استطاع أن يجعله يضحك من قلبه يوماً إلا هي ومن قبلها سر عذابه التي يستشعرها تقبع خلفه... شتت أفكاره بإصرار حتى لا يستدير إليها، ثم قال "دعينا من مهاراتكِ العظيمة في الرياضيات... أنا منذ اليوم بابا لأمل، أنتِ من بدأتِ وأنا لن أتنازل عن سماعها منكِ"

هزت كتفيها بلا معنى قبل أن تمنحه ابتسامة خجلة وتريح رأسها على صدره "أنا أحب بابا"

رفع أصابعه الثلاثة وهو يقول "أي بابا؟! فأنتِ لديكِ اثنان هكذا.."

رفعت سبابتها تهزها أمام وجهه بتحذير صارم مضحك وهي تقول بنزق "لا تزعج أمل.. وإلا فتحت رأسك.. ليس لأنك بابا قد لا أفعل"

سمع ضحكة لورين الخافتة فخفق الخائن بين أضلعه مسبباً له الألم... ثم قال بنبرة مرتعشة "صحيح، كوني والدكِ ليس مبرراً قوياً لعدم إيذائي ولكن دعينا نؤجلها للغد.. فرأس سيف كافية جداً لهذا اليوم"

بدأت في التثاؤب وهي تقول "سيف طفل غير مهذب ومزعج"

امتعض ممدوح وهو يجيبها ساخراً "بالطبع يا حبيبة بابا، ومولي كبيرة وغاية في التهذيب.."

"اممم، أريد أن أنام بجانبك، لا أرغب في أمي مرح أو لورين"

همس ممدوح بجانب أذنها "ما رأيكِ بأن تنامي على تلك الأرجوحة فوق قدمي؟!"

هزت رأسها سريعاً موافقة... قبل أن ينسحب هو نحو ركن قصي في الحديقة متوجهاً نحو أرجوحة كبيرة زاهية الألوان وجلس هناك ثم ساوى قدميها الصغيرتين على ركبتيه ومحتضناً رأسها على كتفه، بينما ظلت قدميها وجزء من ساقيها على مقعد الأرجوحة..

"هذا مزعج!" هتفت معترضة

قال بحيرة "ماذا الآن، هل تفضلين الذهاب لغرفتي؟"

رفعت رأسها من حضنه تنظر نحو أمها المتسمرة في مكانها بثبات مدهش، لا مشاعر على وجهها، لا اهتزاز في موقفها ولا حتى بغض توجهه نحو تعلق أمل الشديد والسريع به حد أنها نسيت مرح التي اعتقدت فيها عدم تركها للحظة إذ أنها لهذا السبب بالذات وافقت على اصطحاب مرح معها رغم اعتراض أيوب!

"تعالي لولو.. هنا.."

أغلق ممدوح جفنيه مجدداً ولم يبدي أي اعتراض أو ترحيب... ولكنه شعر بوزن لورين يتساوى بجانبه، وبتسلل ابنته سريعاً من بين ذراعيه... فتح عينيه ببطء إثر حركتها فراقبها وهي تحتضن لورين بقوة ثم تطبق على وجهها تقبلها بكثرة.. بادلتها لورين العناق الحار تقبل وجنتيها وأسفل رأسها، جبهتها وأعلى شعرها.. تتشمم رائحتها العطرة بنهم.. قبل أن تبتعد أمل مرة أخرى عنها لترجع إليه وهي تنظر إليها بتردد ثم قالت "لولو، أنا سأنام.. لا ترحلي عندما استيقظ, ابقي هنا، حتى لا أحزن"

رمقها ممدوح بنظرة تعجب مشطت وجهها الذي يتلوى بانفعال إذ أنه جرب بالطريقة المرة بأنه لا يوجد شيء في العالم ذو قيمة قد يربط لورين بمشاعر أو يضعفها.. لورين امرأة جاحدة.. امرأة اغتالها الجمود وانعدام الأمل، والمصائب التي مرت بها.. حتى الحب وتعلق روح إنسان بها لا يجبرها على الحنين أو الانحناء لتلبي نداء قلبها وحدها... مدت لورين يديها تحاوط وجه أمل الضئيل بين كفيها بحنان فاض ثم همست بوعد متحشرج "أخبرتكِ بأني لن أبتعد عنكِ أبدا، لورين ما عادت مشغولة بعد اليوم.. لا شيء في الدنيا بأسرها أهم من مولي الجميلة.."

تهلل وجهه أمل بالسعادة، وهي تضع إصبعها في فمها من جديد ثم قالت بنبرة منعشة آسرة "انتِ تقولين لي مولي.. لولو ليست غاضبة"

هزت رأسها نفياً وهي تحاوط وجهها أكثر وتميل بقدها نحو ابنتها القابعة بين ذراعي أبيها فأصبحت قريبة منه جداً حد أنه التقط عطر فؤادها الدافئ الذي جربه مرة واثنتان وربما عشرة عندما كانت تضعفها عاطفتها التي توهم وجودها نحوه...

(أفق يا غبي، تلك المرأة ليست إلا سراباً توهمك به روحك المحرومة من السعادة والحب..)

سمع همس لورين الأجش تقول "ماما لن تغضب منذ اليوم من شيء يسعد مولي الجميلة.. ولكن هل ما زلتِ أنتِ غاضبة مني؟!"

هزت كتفها قبل أن تقول بخفوت ناعس "مولي تحب بابا.. لا تغضبي منه مرة أخرى.."

لم تجد لورين ما تقوله وابنتها تفلت وجهها من بين راحتيها ثم تعود لنفس وضعها على صدر والدها.. ووضعت قدميها فوق ركبتيها هي, ابتسمت لورين بحسرة بينما تراقب الصغيرة التي غرقت في النوم سريعاً وخلال لحظات مستلذة بوضعيتها التي ارتجلتها بعفوية..

اعتدلت بقامتها تسند ظهرها للخلف ويدها تغطي ساقي ابنتها.. عيناها تنقلب للنقيض وهي تحدق في السماء المظلمة, إنها ليلة بلا قمر ينير عتمتها..

"لا تحاولي التحرك حتى لا نزعجها.. دقائق فقط أتأكد من ذهابها لعالمها الطفولي الوردي وسننسحب من جانبكِ"

أخذت لورين نفساً عميقاً قبل أن تقول بهدوء "سبب قدومي بالأصل هو عدم رغبتي في انسحاب أحدكما من جانبي"

عم صمت رتيب للحظات تغلبه أنفاس ممدوح المترددة والمليئة بعدم ثقة الرجل في الأنثى التي أجبر على التعامل معها... إلا أنها كانت أكثر ثقة وأكثر ترقب مفطورة تئن بوجع الأنوثة من الخطوة الوعرة التي أقدمت عليها... وما بين حماس وترقب لتعرف نتيجة تفكيرها الجديد والحاسم.. كان الحرمان من ابنتها أشبه بانعدام الحياة أو ربما نقطة ارتكاز ورجوع، لتواجه نفسها وتعنفها على ما اقترفته في حق نفسها قبل الجميع... على غضبها الكامن وجحيمها المتقد الذي لم ينطفئ أبداً.. لقد فكرت وراجعت كل خطوة في حياتها المحتدة.. واحدة واحدة وبطء مميت لتجد نفسها بالنهاية خسرت الكثير، خاصة مع ممدوح ذاته، ربما هو ليس بذلك الرجل الذي تعشمت فيه يوماً لتبني معه حياة خيالية دافئة وتعويضية... إلا أنها لم تبح له قط بكل آمالها فيه كما أنه علق روحه عليها...

لورين أيوب تستطيع مواجهة نفسها أخيراً باعتراف لا يقبل الجدال، لم يكن ممدوح بالفعل ذلك الرجل الذي يستطيع احتوائها.. ربما هو ليس من حلمت به إلا أنه حاول أن يقدم لها الكثير مما لم تره.. إنه ليس بالرجل الكامل إلا أنها كانت المرأة المتعجرفة الجامدة والساخطة, غير الراضية لتدرك أن حتى من بظروفها وماضيها لن يُقَدْر له أن يأخذ من الدنيا كل شيء كتعويض يضمد جراحها الغائرة.. لقد لاحقت سراباً دون أن تدرك ما منحها الله من التعويضات لتحمده عليها.. أعطاها بعد طول فراق أيوب, أخواتها، وابنة حملتها وهن على وهن إلا أنها لم تحمد يوماً أو تشعر بكم هذه النعم وظلت تلاحق السراب...

لم تتوقف لبرهة واحدة لتخبر نفسها أن العالم مليء بالضحايا والموجوعين غيرها وأن لا أحد قادر على أخذ كل شيء، بل لتستقيم المعادلة يجب أن يكون لنا نصيب من الفرح والوجع كل بمقدار متساوي، ونحن وحدنا من نستطيع دمج كليهما وخلق معادلة جديدة يتخللها الرضا بما قسم الله.. وممدوح ذلك الرجل الذي وشم بداخلها هو جزء من قدرها... لتستقيم بعض من حياة أحبائها أخيراً...

"لورين، طلبكِ لابنتكِ أمر لا أملك فيه حرية القرار، إنه شيء لا يقبل الجدال بيننا من الأصل... أمل لكِ كما هي لي، و يجب أن نجد كلانا طريقة مثالية لا تقبل الخلل من أجل صالحها... أنا لا أريد خلق ضحية أخرى" تحدث ممدوح بهدوء رزين أخيراً مبدد حدة الصمت، وتفكيرهما العاصف سوياً...

اهتزت حدقتي لورين وهي تميل بنصف جسدها بشكل جانبي تنظر إليه بعينين واسعتين ترمشان بمفاجأة وترقب.. سرعان ما انقلب للصدمة عندما قال ممدوح بصوت أجش "إلا أني أرفض عرضكِ بعودتكِ لي بشكل قاطع، لم أعد ممدوح الناقص الذي تتلاعبين بآماله ودماره النفسي.. لم أعد يا لورين ذلك الرجل الذي ينتظر الطبيبة لتقرر اقترابه منها حيناً، وتنفره حيناً آخر... أنتِ تدركين طبعاً أن الأيام العجاف التي تعصف بنا داخل بحرها تبدل الأحوال كثيراً"

شحب وجه لورين بقوة وانعدمت كل الحروف على لسانها من هذا الرد الذي لم تتوقعه أو تضعه في حسبانها وكأنه قرأ أفكارها المهينة من وجهة نظره إذ أنها قد اعتبرت موافقته تحصيل حاصل ليس إلا...

عندما التفت إليها بكامل وجهه ينظر إليها بصرامة رغم قهره وهو يقول "لم تتوقعي هذا أليس كذلك؟ بالطبع فماضينا المشرف يوحي بأنكِ فقط من تأمرين هذا العاجز ينفذ"

علقت عيناها في عينيه واختنقت كل الدنيا في بصرها وهي تهمس بتخبط "لن أنكر بأني لم أضع رفضك كاحتمال، بل أخذت موافقتك كأمر مسلم به.. إلا أن دفاعي عن نفسي يتلخص في وضعك لابنتنا على رأس القائمة ،كما أنا نجحت في تخطي عقباتي معك أخيراً من أجلها..."

النظرة الساخرة في عينيه ألجمتها وأخبرتها باختصار بأنه لا يصدقها مهما فعلت... ثم قال بتهكم "ابنتنا و... وتخطيكِ! هل عليّ أن أصدق ببساطة اعترافكِ؟! لقد أنكرتها مني!"

رفعت لورين كفيها الاثنين تحيط عنقها من الجانبين تمسده باختناق واضطراب ثم قالت بخفوت صادم "لقد أنكرتها من نفسي قبلك, عندما حملتها أول مرة كان قلبي يرفرف بشكل لم تتحمله أضلعي، أنا كنت سعيدة فرحة كما لم يحدث قط منذ أن افترقت فيها عن عيسى... كان العالم يتلون أمام عينيّ بالحلم والأمل... لذا همس لساني باسمها قبل أن أقرره... وفجأة ووسط كل هذا الزخم من المشاعر تراءى لي دمك فيها وعينيك داخل عينيّ ابنتي ليحل السواد كله مرة واحدة وأنا أتذكر كيف أتت وما الذي تعرضت له وكانت هي نتيجته"

انقبض قلبه، واسودت ملامحه وهو يغلق عينيه بتشدد.. إلا أن الصور المتتالية التي كانت تأبى التوقف عن غزو عقله لم تمحنه الهدوء الذي كان ينشده, منظر لورين آن ذاك وهي ملقاة نتيجة اعتدائه الغاشم تهدم فيه بدون رحمة، ترديه قتيلاً بالندم الذي يعيده لنقطة محطمة لا يرغبها إذ أنه آن الأوان لكليهما أن تستقيم حياتهما مخرجين أنفسهما من أرصفة الطرق التي ألقيّ فيها كليهما كطفلين مشردين عاريين وجائعين..

عندما فتح عينيه كان وجهه الوسيم غاية في التصميم على الاعتراف والإقرار وهو يقول بدون مقدمات "لا شيء في العالم قد أفعله أو أقوله قد يمحو ما حدث لكِ مني, لقد أذنبت معكِ, حتى وإن كنتِ استفززتني يومها للحد الذي لم أقدر فيه على السيطرة على نفسي.. ذلك الرجل الحقير الذي كنته.. إلا أنه ربما اعترافي هذا يريح أنوثتكِ الجريحة... أنا أخطأت, ما كان عليّ الانتقام منكِ بهذا الشكل مهما فعلتِ"

ارتعشت شفتا لورين بقوة واغرورقت عيناها بالدموع مستحيلتان لبركتين من الوحل ذكره بضعف دفاعاتها في مراتها القليلة معه عندما سمحت له بمواساتها وفهم تخبطها عند احتضان أخواتها أول مرة...

"ماذا؟؟" همست بضياع..

أطرق ممدوح برأسه مسبلاً أهدابه من جديد, يداه تتحركان على وجه ابنته برتابة غريبة قبل أن يقول من بين أنفاسه الحادة "أنا لا أفهم ما الذي يجري معكِ، هذا الضعف، هذا الاستسلام لم أتعامل معه من قبل فيكِ... لذا أجدني واقعٌ في دوامتكِ التي حطمت المتبقي مني من جديد... ما الذي تهدفين له أنتِ يا لورين, أرجوكِ كوني أكثر شجاعة واخبريني الحقيقة مباشرة"

فغرت فمها قليلاً متنفسة من خلاله بتوتر قبل أن تقول بخفوت "هل جرحتك لهذا الحد؟؟"

قاطعها وهو يضحك بشكل هستيري، ثم قال من بين أنفاسه متهكما "هل تمزحين أنتِ, أم استبدلوكِ في الأردن.. جرحتني؟!!"

تحملت الإهانة المبطنة وهي تقول "لا هدف لي غير ابنتي"

انحرف جانب وجهه ناحيتها ثم قال من بين أسنانه "وأنا أكررها لكِ ابنتكِ لكِ وحدكِ، قد أكون أخذتها رغم أنفكِ، إلا أني هدفت بالأساس بعد ما عرفته واستشعرته من علاقتكِ بها أن تعودي أنتِ لعقلكِ وتمنحي أمل ما كانت تتوسله منكِ... لن أسمح لصغيرتي أن تكون مجرد ضحية أخرى تلحق بعدد ضحايا عائلتي وعائلتكِ"

انمحى انفعال لورين في برهة وهي تهتف بعجرفة "لا تقارن أفعال أهلك بأهلي... لا مجال للمقارنة..."

لم يرد على الفور بل ظل يحدق فيها بجمود وقرف.. ثم وقف من مكانه وهو يحمل ابنته مبعدها عنها ومنحها ظهره وهو يعرج بساقه نحو المنزل... ابيضت ملامح لورين حتى شابهت لون الرخام... وقبل أن تهتف بشيء بغيظ كان هو يقول "مهما حدث أو تظاهرتِ أنتِ لن تتغيري أبداً، نفس الصفاقة، الغرور، ونظرتكِ الدنيئة لي.."

وقفت لورين في نية لأن تلحقه "نحن لم ننتهي.."

التفت برأسه نحوها بحدة ثم قال "بل فعلنا، آمني يا امرأة كما فعلت أنا أخيراً.. نحن انتهينا من يوم انزلقت ووجدت نفسي في المشفى مقيد بمؤامرتكِ ضدي... انتهينا وما كان يصلح أن يكون هناك خط للعودة، ولكن كان للقدر كلمة أقوى مني ومنكِ تمثلت في هذه النعمة على كتفي والتي لم تصونيها أنتِ وحرمتني من أملي فيها"

نظرت لورين مليّاً في عينيه بشكل عاصف ثم قالت بصقيع "وهذا القدر الذي خط كلماته هو ما دفعني لأن أجد لك غصن زيتون... إن كنت أنا بكل جبروتي كما تدعوني قادرة على تخطي أنكِ الرجل الذي اغتالني من أجلها، فيجب عليك أنت الآخر أن تقدم تنازل لنمنحها بيت حقيقي، وليس مجرد بيت بني من خيوط عنكبوت سام كما فعلنا سابقاً"

ظل لبرهة أخرى ينظر إليها برأسه المائل قليلاً إلى الوراء بتحفز حتى قال أخيرا بجفاء "ابقي هنا، سأعطي أمل لمرح وأعود إليكِ، إذ اني أخشى عليها أن ترانا من جديد نتناطح بماضينا المشرف فنخسرها"

ببساطة كان يضربها من جديد, يوترها إذ أنها فركت جبهتها وعنقها باضطراب بالغ، كيف لها أن لا تفكر من قبل والآن بالنتيجة السلبية التي قد تؤثر على صغيرتها حادة الذكاء.. وكيف لرجل كممدوح الذي ظنت أنها تعرفه جيداً بأنه شخص (حقير) عاجز عن التغير يوماً أن يصبح بكل هذا الحرص، واللهفة على ابنتها.. أليس هو نفس الشخص الذي كانت ترتعب أن تعرفه أمل يوماً على حقيقته فيؤذيها، فما بال الواقع الموجع الآن مختلف وأن ذلك الممدوح الذي تأكدت من تحطمه.. هو من يحمي ابنتها من توهانها العظيم؟!

يبدو أنها استغرقت في أفكارها التي جلدت بها نفسها منذ أسابيع، إذ أنها استشعرته يشرف على جلستها المحنية على تلك الارجوحة من علو... رفعت لورين رأسها ببطء وإن بقي قدها محني للأسفل قليلاً بينما كلا ذراعيها كانا يحتضنان خصرها..

"وماذا بعد؟!" نطقت وهي تشعر بنفسها تغلي غضباً لسبب مجهول، لم تحدد ماهيته على وجه الدقة...

والغضب داخل عينيه الخضراوين كان مختلف هذه المرة بشكل مفاجئ وغريب، غضب لا يقل عن سخطها في هذه اللحظة... عندما رد سريعاً "سؤال واحد وأريد إجابة مختصرة وسريعة... هل غفرتِ يا لورين ما كان مني؟!"

كانت الطاقة على التحمل بداخلها والتظاهر بوجع ودود قد أوشكت على الانفجار منشطرة لشيء غير محمود العواقب وهي تهتف دون تردد "أموت قبل أن أغفر لك... لا..."

تراجع ظهره للوراء وكأن وقفته ترنحت وهو يطلق زفرة ارتياح مريبة، إلا أنها فهمت رد فعله عندما قال "إجابة صحيحة.. أنتِ بخير إذاً ولم تتلقي ضربة فوق رأسكِ أعادت تشكيلكِ بشكل مقلق"

قالت بفتور "لطالما كانت روحك السوداوية الهزلية تمتعني"

هز كتفيه بلا مبالة ثم رمى جسده بجانبها وهو يقول بوقاحة "لم تكن هزليتي فقط ما تمتعكِ, إذ أن تنهيداتكِ ما زالت تملؤ أذنيّ عند تذكركِ"

صرخت فيه كقطة شرسة توشك على نبش حنجرته لتمنعه من الكلام مرة أخرى وإلى الأبد "أنت سافل..."

رأت أصابعه تتقبض على ركبتيه بقوة حتى ابيضت مفاصله واشتدت ملامحه قبل أن يقول بصوت أجش قاسي "نعم، ربما نسيتِ لذا سأعيد إخباركِ بأني سافل، محطم، مؤذي, روحي سوداء كموج البحر في أشد حالاته عتمة، كهذه السماء التي فوقك والتي تسدل روحها الكئيبة الخالية من نور القمر فوقنا.. نحن نتغير ولكننا لا نتبدل..."

ارتجفت شفتا لورين وهي تطرق برأسها وكفيها ينقبضان تحت ذراعيها بعنف عاصرة لحمها بشكل سادي..

النبرة، والنظرة فيه لم تتغير كان ممدوح وما زال رجلاً يتألم منذ أعوام إن لم يكن طوال عمره كله..

عندما لم ترد عاد هو يقول بصوتٍ وضع فيه كل حلمه "لذا امنح نفسي حق أن أسألكِ من جديد، ما الذي أتى بكِ يا لورين غير أمل؟"

بهتت وهي ترفع له وجهها تنظر إليه بصورة ضبابية، إلا أنها قالت "ما تطلب مني إعادته صعب على نفسي، لن أكرر طلبي مجدداً"

ابتلع الطعم الصدئ في حلقه وهو يقول بخفوت "وصعب عليّ أيضاً أن أخبركِ بأنكِ نلتِ من رجولتي بشكل يخيفني منكِ.. أنا مرتعب من فكرة وجودكِ في حياتي، أنا متأكد من أنكِ تخططين لمؤامرة ستسرق قبس نور اجتهدت لأجده في نفسي.. أنا لا أريد أن أعود لذلك الشخص الحقير الذي كنتِ تعرفينه، وبكل مرارة العالم أعرف بأنكِ وحدكِ من تجيدين إخراجه مني"

ساد الصمت بينهما لعدة لحظات قبل أن تقول بخفوت "لا ألومك لشعورك هذا.. إذ أني أنا الأخرى أخافك، أنتفض ذعراً عندما أتخيل أني قد أكون لك زوجة من جديد.. أُتاح لك برضاي الكامل لأن تلمسني، وأنا من كنت أتخيل إقدامي على قتلك إن حاولت فعلها..."

قال ممدوح بصوت جامد دون أن يحاول النظر إليها "وأنا من بعد عودتي من الأردن فكرت في أني قد أقدم على التخلص من حياتي أفضل من أن أجبر يوماً بسبب الصغيرة على أن أعيدكِ لعصمتي..."

قالت ببرود متجنبة النظر لجانب وجهه "هذا رائع، على الأقل نحن أخيراً نتفق على أمر مصيري..."

قال ممدوح بخشونة "إذاً رفضي منطقي، لا إهانة لكِ فيه، لأني لن أرضخ لتلاعبكِ بي يا لورين، هذا هو الأمر ببساطة، إذ أنكِ عندما ألقيت عرضكِ أنا من شعرت بإهانة ما عدت أتحملها، لا لن أسمح بأن أكون مجرد لعبة مغوية لأهوائكِ.."

رفعت جانب وجهها تنظر إلى وجهه المتصلب الصارم بالغضب, بامتعاض.. وهي تقول بعملية "أنا فكرت بالعقل، طلب عودتي لم يكن لشيء أخططه إلا منح ابنتي بيت نجتمع فيه، المنطق الذي تتحدث عنه لن يستقيم وجوده وأنا في قارة وأنتَ في قارة أخرى.. أخبرني كيف سنقسمها بيننا إن تكرمت.. هل مثلاً نعطيها كل شهر نصف أهل، لنخلق روح جديدة مشتتة الهوية، ساخطة على العالم وعلى ذويها الذين أنجباها في بيئة غير سوية؟!!"

للحظات ظنت أن عينيه اشتعلت حد التوهج وهو يقول بلا تعبير مهاجماً "إن كنتِ منحتيها ما تحتاجه منكِ أصلاً ما كنتِ وقفتِ الآن أمامي تنازعين وتتنازلين من أجل أن نجد تسوية مرضية"

أظلمت عينا لورين بشدة ورفعت ذقنها بإباء وهي تقول بصوت شديد الثبات "الحق الذي تتباهى في امتلاكه الآن أنا من سمحت به، إذ أني إن أردت التنازع الحقيقي من أجلها سأفعل, وسأظفر بها أنا بالنهاية... بعد أن أسقيك أنت السم كؤوس بالأفعال والكلمات..."

الظلام في عينيها انتقل إليه هو الآن بشكل أوجعه، وللصدمة أوجع قلبها من أجله بشدة... "قاسية أنتِ بشدة يا لورين ولن تتبدلي.."

إلا أنها لم تتزحزح أو تتنازل عندما قالت ببرود "لهذا أحاول التغيير من نفسي، ومن القدر... وهذا لن يكلفنا إلا بضع جدران حامية والتظاهر الرهيب بأننا أسعد زوجين بالعالم قد سامحا بعضهما وتخطيا أوجاعهما من أجل ابنتهما"

استقام ممدوح من مكانه وقد تأجج غضبه بشكل أرهبها وألجمها، إذ أنها إن كانت تحفظ جنون وجموح غضب ممدوح القديم فمن أمامها ومجبرة للتعامل معه بعد غطرستها شيئاً آخر يثبت بداخلها الرعب... "عندما تلقين بنفسكِ أمام بيت رجل ترجينه الزواج عليكِ التحدث بأدب... لقد تحملت منكِ ما لا يتحمله جبل.. غباء وجحود، وخيانة ثقة ووعود.. وآخرهم إنكار ابنتي ومحاولة إلصاقها بأختكِ ورجل آخر مجهول... أنتِ وقحة وقد فاض كيلي منكِ.."

وقفت لورين أمامه بقامتها وتفاصيلها الفاتنة... وتواجهت أخيراً قوى كل منهما بشكل حقيقي... قوى لا مستضعف فيها، ولا ناقص, ترمقه عيناها "لا تعش الدور عليّ، أنت تحاول إهانتي.. أخبرتك بأني أريد العودة من أجل أمل... أريد أن أصحح كل خطأ قمت به عبرك، وأنت أفضل عقاب لنفسي"

فغر ممدوح شفتيه وهو يخبط كفه بالأخرى بتعجب ثم قال "حسناً أنتِ لم تعودي جاحدة فقط، بل وغبية ومجنونة أيضاً, هل يفترض بي الموافقة بعد تصريحكِ المشرف هذا؟!"

ارتجف صوت لورين القاسي من شدة القهر وهي تقول "لماذا لا تريد أن تفهم يا رجل ما أحاول أن أفهمك إياه؟!"

جز على أسنانه وهو يقول بصوت هز سكون الليل حولهما "ربما لأن هذه المشكلة تحديداً، أنكِ تحتاجين للشرح لأفهمك كما أني أريد هذا بالضبط... لذا نحن كنا وما زلنا وسنظل بعيدين.."

أفلت نفس ساخن من فم لورين وهي تحدق فيه بطريقة صعبة للغاية... تحاول ترويض نفسها، تحارب كي لا تهاجمه بحق وتمحوه من على وجه الدنيا... إلا أنها أمام هدفها الحقيقي الخفي... هي ستتحمل.. لذا استدارت على عقبيها تنفض شعرها الأسود الغزير فوق كتفيها وظهرها بإهمال جامح ثم قالت "نحن لا نصلح، أنت محق إلا أني فعلت ما عليّ أمام نفسي وابنتي إن جاءتني يوماً لائمة..."

قبل أن تنقل خطوة أخرى أتاها صوت ممدوح عاصفاً صادماً "أخبرتكِ بها إلا أنكِ غبية مغرورة كفاية لتتلقي المعنى, أرفض عرضكِ المهين... إلا أني لا أرفض مطلقا الذهاب لأبيكِ متودداً ومتوسلاً طالباً الزواج منكِ بطريقة صحيحة تماماً هذه المرة..."

استدارت لورين ببطء ترمش بعينيها الواسعتين المذهولتين بغباء ثم همست "عفواً.. ماذا قلت؟!"

وضع ممدوح يديه في جيبي بنطاله كابحاً تأثرهما ارتجافاً مما هو يخاطر به ثم قال بصرامة "ما سمعته، إن كان الهدف أمل وحدها... فأنا لن أسمح بعودتكِ منكسة الرأس، لتلوميها يوماً في أحد لحظاتكِ ندماً... لذا أنا من أعرض عليكِ العودة بشروط جديدة ومهر يليق وعقد شرعي مشهر في الأزهر الشريف وموثق لدى السلطات المصرية، وبالطبع لن أسمح لكِ بتزويج نفسكِ لي بل بولي أمركِ... إن كنا سنمنح أمل شيء مبهج كما هي تحلم إذاً هذه المرة سنقيم المسلسل الهزلي بشكل محترف وبناءً على شروطي"

انعقد حاجبيها بشدة وشعرت بعضلاتها تختل علامة على عدم التحمل ووجدت شفتيها تتحركان وهمست بحدة "من تظن نفسك؟"

كرر بجمود "رجل يخافكِ، يعلم أنكِ تدبرين مؤامرة ضده، ربما تعشمينه وتوهمينه من جديد ببقايا حب له بداخلكِ.. وعندما يسلمكِ أمره كطفل أخرق مدله في عشقكِ تطعنيه في ظهره وتفرين هاربة، ظافرة بأمله الذي تجدد بشكل مضني, بمعجزته الخيالية التي يعتقد أنها صك غفرانه لنفسه على ما جنته يداه"

شعرت لورين بأنه لكمها في معدتها التي قرقعت بعنف... ونال من شيء راهنت بأنه لن يخطر في باله أبداً..

إلا أنها عوضًا عن الارتباك أو الذعر استدارت نحوه من جديد بكاملها وقالت بصوت خافت "دوري أن أخبرك بأن دوافعك بعودتي لا تقنعني، بالطبع أكشفك حد علمي أن جانب من نفسك وذكوريتك من يتحدث الآن، رغبة أن يكون القرار هذه المرة بيدك أنت وعرضك وحدك... إلا أنك أيضاً تمتلك تفسير آخر"

جسده النحيل تحرك نحوها قاطعاً المسافة الفاصلة بينهما، ولأول مرة منذ عودته واقفاً على قدميه يجابهها بكامله... كانت تسمح لأفكارها أن تتحرر رغم إرادتها وتتأمله... هي لن تنكر أن ممدوح رغم ملامحه الغربية بجدارة إلا أن هناك شيء يميزه عنهم ربما حدة وسخونة الدماء التي تتمرد فيه رغماً عنه... وسامته المهلكة بتفاصيل وجهه الخشنة رغم شقار لحيته الخفيفة وخضار عينيه... ابتسامته أيضاً كان بها شيء ساحر رغم ندرتها وسخريتها الدائمة... اضطربت وهي ترفع وجهها نحو وجه الذي أشرف عليها، وهمست بغباء جديد غريب عليها "أنت أطول مني!!"

عبس بعينيه قبل أن يطلق ضحكة خشنة متهكمة ثم قال "بإنشين على ما أعتقد.. إلا أنكِ لم تلاحظي بالطبع إلا نقصي..."

مشدوهة بالنظر إليه, لم تتنازل عيناها عن التحديق في وهج الضوء الأخضر في عينيه كانت ترد بجهد "لم أرك ناقص.. إلا أنك لن تقتنع.."

بصوت أجش ونظرة جامدة كالحصى كان يقول "إلا أني لم أكن كافياً... لأني لم أرقى لأحلامكِ بالرجل الشرقي الذي رغبتيه"

اصطكت أسنانها وهي تقول بجهد "كنت أريد التحرر من ماضيك، ربما من وشمك بداخلي ينتزع مني ممحياً حتى ولو بأصعب الطرق... لا تملك حق لومي.."

رفع أنامله شديدة الارتجاف الآن، ثم مررها على وجنتها في حركة كانت قديمة بينهما، حركة خاصة حنونة كانت تطيح بمشاعرها... إلا أن ما أطاح بها الآن هو الخوف الشديد، الاهتزاز بعنف اشمئزازاً ورهبة... إلا أنه غفل متقصداً مدارياً جرحه للأعماق، وكأن أحدهم غرس نصلاً غاشماً في منتصف صدره... ثم قال أخيراً "لا، أنا لا أملك فعلاً، إلا أني أيضاً صعب عليّ تقبل وشوككِ على منح نفسكِ لآخر بمنتهى الثقة والرغبة... عندما أفكر في هذا.. إن لم أكن وصلت في الوقت المناسب... أتخيل طرق بشعة لقتلكِ ثم التخلص من حياتي المزرية..."

سحبت رأسها بعيداً بحذر وكأنها تخشى فعلاً أن يقدم على فعل متهور حميمي يرعبها... ثم قالت بوضوح "وأنا لا أملك القدرة على غفران ما فعلته بي... كما أني الآن أكثر جرأة لأخبرك.. أني... أني لم أتخلص من حبك بشكل كافي يجعلني أتخطاك وأظلم نفسي وأي إنسان آخر قد يتعشم في فؤادي... أنا سيئة باردة ربما, إلا أني لست إنسانة خائنة حد توريط أحدهم معي بينما قلبي وروحي وفكري معك أنت والصغيرة..."

ظلت يد ممدوح معلقة أمام وجهها يقبض على الهواء بألم.. لا يضاهي قرة الوجع الفظيع داخل قلبه... ثم قال بصوت خشن متحشرج "وهذا السبب الثاني لعرضي، ربما لم أستبدل.. إلا أني تغيرت حد أن أواجه نفسي أن ذلك التخبط والتردد الذي كنا فيه لسنين لم يعد يصلح، وضعنا الجديد لا يحتمل هدر المزيد، لذا أخذت قراري الصارم... أريدكِ أم لا أريدكِ... وبالنهاية كان القرار المخيف... أنا أريدكِ دون غيركِ..."

تنهدت لورين قبل أن تقول بحسرة "أنت تعلم أن حياتنا لن تكون طبيعية إن عدنا... لن نفعل لأننا عاشقين..."

أخفض يده وهو يبتسم بسخريته المعهودة "ومنذ متى كنا... مجرد حياة روتينية لنحفظ الصغيرة، أعتقد بأننا ندرك بأنه ليس كل زوجين يعيشان سعيدين مغرمين!"

قالت بجفاء "هذا ما فكرت فيه، وأقنعت نفسي بأنه ليس خلف كل باب هناك حكاية حب عاصفة، بل هناك كثير من الآباء المجروحين يفضلون استمرار الحياة من أجل صغارهم، فلما لا أكون واحدة منهم، أنا لست أفضل... لا مؤكد لا أفوق أي منهم بميزة تجعلني أحلم بقصة حب أسطورية تخط نهايتها بجملة وعاشوا سعداء للأبد!"

تجهمت ملامحه بقوة وكل حرف قاسي منها يغتاله إلا أنه قال بنبرة كالصخر "وما فكرت فيه أنا أني لن أسمح بخلق نسخة جديدة من ممدوح وإسراء أو لورين وحمامتيها... لا لن أجني على مولي جديدة متمثلة فيكِ.. وبالطبع لن أسامح نفسي إن ضعفت يوماً وأتحت الفرصة لدخول فريال حقيرة تدمر ابنتي.."

أسبلت لورين جفنيها بحزن عميق وتقوس فمها ببؤس وهي تقول بتأوه "أنت محق، نحن لا نتبدل ما زالت مشارطك القديمة تشرح النساء إلى شقين لا ثالث لهما.. أحدهما أفعى تسعى, وأخرى ضحية تدهسها الأقدام"

توترت عضلة في فكه وهو يقول "لا ما عدت، فهناك أنواع أخرى دخلت تحت مشرحتي كنوعكِ أنتِ مثلاً"

تنفست بصعوبة وملامحها كلها تتبدل بتشنج وهي تهمس بحدة "وما هو نوعي في قاموسك... أكثرهم حقارة؟!!"

ارتفعت عضلة بجانب فمه وهو يقول بصوت غريب "لا... ولكن هذا ما لن تعرفيه أبداً..."

ابتلعت ريقها قبل أن تقول "إذاً نحن متفقان على مضمون حياتنا المريعة على الأقل..."

أخذ ممدوح مقدار كبير من الهواء ملأ به صدره، ثم قال بصدق "لن تكون مريعة... إذ أننا متشابهين في انعدام الأرض والوطن.. أنتِ بأرض وميراث أجداد اغتصبوه منكِ ومن كل عشيرتكِ رغماً عنكم، وأنا بسرقة هوية وانتماء حتى وإن كانت جذوري ثابتة أبية... كلانا هائمين باحثين عن هوية قومية تضمنا دون أن تنفرنا أو تشعرنا بغربة الروح، دون غربة الوطن... لذا لما لا يا لورين... لماذا لا نسعى لخلق سكن جديد ووطن فريد وهوية تجمعنا ببعضنا وتنهي نزوحنا وتشردنا؟!!"

عصف بها كل شيء الآن حتى أصبحت أنفاسها تلهث فعلياً كجمل أضنى به الركض بحموله القاسمة في صحراء خاوية قاسية... قاسية بشدة لا تحتمل، لقد داعب حلماً ظلت تلهث وتلاحقه دون أن تناله.. داعية بمجرد كلمات وحلم وطن وجذور تعويضية...

عندما لم ترد، أكمل هو بصوت متحشرج "شخص واحد قادر على منحكِ وطن تلاحقين حلمه... شخص واحد إن لم يكن أنا بكل ألم العالم، فيكفي أن تكن معجزتنا المشاكسة الجميلة..."

تبدل شيء في ملامحها الجامحة الأنيقة وبدأت الدموع تلسع عينيها بقوة، حتى أوشكت على توسلها البكاء... ثم همست "نعم وطنها يكفي، وأرضك أيضاً حتى وإن كان مسكن بديل، قد يخفف من جروحي... نعم، ونعم رغم كل الموانع ورغم مخاوفنا"

سمح لنفسه أن يحيط كلا ذراعيها بحذر شديد وعندما لم تبدي رد فعلها السابق كانت يده تتشدد حولها وهو يقول بتحشرج "رغم مخاوفنا، ورغم عفّكِ نفسكِ عني، وعفّ نفسي عنكِ... إلا أني لم أحب امرأة سواكِ، ولن أفعل لغيركِ"

أطرقت برأسها وهي تهزها بنفي ثم قالت "لم أعد أنا، لن تجد بي شيئاً يرد على صدى حبك الغريب هذا... لولا أمل.. لولا جروحي ما كنت...."

صمتت لبرهة قبل أن ترفع عينيّ الحداد العميقتين ثم قالت بوهن "أنا آسفة على ما فعلته بك.. لقد أجرمت في حقك بشكل لا يغتفر، إلا أني رغم ندمي لا أقدر يا ممدوح على تخيل نفسي لو لم أمنحك حياة طبيعية"

يداه كانت تحفران في ذراعيها بعنف، وهو يزدرد ريقه الجاف فتهتز له تفاحة آدم في نحره بينما النظرة الرهيبة في عينيه عذبتها وألجمتها... ثم قال أخيراً "وأنا ما عدت نفس الشخص الذي عرفته، قد أعدكِ بمنحكِ وابنتنا حياة عادلة، سأسعى ألا أجعل حياتكِِ مأساة أو أسبب لكِ جروح تغتالكِ... إلا أن هذا الجانب أيضاً سيكون مجهداً جداً على نفسي التي كسرتيها... أنا لست حسين يا لورين ولن أسمح أن أكونه يوماً كما أشعرتني مرة"

اختنقت تريد أن تبكي, أن تنفجر على أي صدر يحتويها.. إلا أنها تماسكت وهي تهمس "آسفة إن كان اعتذاري سيمحو بعض ألمك... إلا أن ما سيعزي كلينا عجزنا عن فعل هذا لا حباً وشغفاً، أو حتى انتقامنا.."

أفلتها متأثرا بقربها بشكل يجعله يذعر من نفسه، هل هناك فرقا بين عشقه لامرأة حد الضعف وتخطي ألمه ليربت على جروحها... وبين أن يصبح مجرد ذليل وهن في عشقه وحاجته المنفرة..

(لا توقف, أنت ما عدت ذلك المجنون, أصبحت أكثر ثقة الآن لتفصل بين الأمرين غير المتشابهين على الإطلاق..)

ابتعد موليها ظهره حتى لا يضعف، حتى يكون أكثر صرامة وقوة "إذاً لقد اتفقنا مبدئياً.. تصبحين على خير، إسراء أرتكِ غرفتكِ في وقت سابق, أليس كذلك؟!"

تمتمت باقتضاب وهي تمسد عنقها وجانب كتفها بعصبية في محاولة لكبح ضعفها وتأثرها "نعم.. تصبح على خير"

دفعت لورين ساقيها دفعاً متحاملة على نفسها حتى تصل إلى مرح... إلا أن صوته الوحشي كما يديه اندفعت توقفها وهو يجذبها من ذراعها بقوة أجفلتها... حدقت فيه لورين بعينين توسعتا خوفاً، إلا أنه لم يهتم ولم يمنحها الفرصة أصلاً لتتدبر.. عندها شعرت به يحاوطها بقوة معانقها بشكل جحيمي دافن رأسها بوجهها وشعرها على قلبه.. ذراعيه تعصرانها عصراً بشكل محموم، سبب لها ألماً إلا أن ألم ضعفها غير المقبول كان يتفوق عليهما معاً وجعل ذلك الذي عاد يخفق بين أضلعها مسبباً لها أذية غير مفضلة أبداً.. لقد ارتكبت خطأ عمرها عندما جاءت إلى هنا... وجرم يجر آخر باستسلامها له "أنا آسف، ما فعلته فيكِ لن يمحى, وما أفعله الآن إلا أني افتقدت سماحكِ لي بأن أضمكِ مواسياً... حتى وإن كانت هذه المواساة القاسمة لظهري لأنكِ ستعودين إليّ..."

وجدت لورين يديها تتسحبان لتحيط خصره تلفه بقوة لتضم نفسها إليه في لحظة مسروقة من الزمان والمكان ومن كل أوجاعهم شخصياً..

"هذا عذاب صرف وأبدي, إلا أنك ما زلت تجيد الاحتضان بشكل مذهل" همست من بين شهقتها التي تقطعت..

قال ببؤس "فاقد الشيء يعطيه جداً، لم أعرف هذا إلا عندما احتضنتكِ أول مرة..."

زاد بكائها حدة رغم كل محاولاتها لإخفائه وإيقافه.. إلا أنه كان يضمها بشكل أكبر دمر دفاعتها وأضلعها... ثم همس أخيراً صادمها للمرة المئة "مهركِ هذه المرة لن يكون خاتم أسود، ولا بضع دولارات تحول لحسابكِ... مهركِ يا حمامة عيسى هو رؤية عيسى.. علّ هذا الأمر يداوي شيء من علل روحكِ.."

**************


‫يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:25 AM   #4896

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تاااااااااااااااااااااااا ااااابع الفصل الثالث والاربعون


مرحباً" ألقت سَبنتي سلام مختصر وهي تدخل إلى جلسة نساء الراوي التي أصبحت روتينية, يحيطها دفء قديم, تتذكره جيداً بهذه الصورة... جلسات سمر طويلة يتخللها الضحك ومناغشات نوة وتعجرف شذى الممتع رغم عدم استساغتها إياه, وبالطبع ترفع بدور وهدوئها الأنيق المستفز والذي كانت تنظر إليه بانبهار, وتمني..

لطالما كانت بدور تمثل لها الانبهار وهي تلاحق خطواتها وتحفظ تصرفاتها وتطمح بكل أمل العالم أن تصبح يوماً تشبهها... بقة حمقاء, إذ أنكِ أصبحتِ تعرفين الآن أنكِ لن تكوني أبداً..

إلا أن الجلسة الآن كانت تقتصر على والدتها وبدور فقط.. فتحت منى ذراعيها وهي تدعوها بحنان "تعالي إليّ"

حركت سَبنتي كتفيها متخلصة من حقيبة الظهر التي احتوت أدواتها وكتبها الدراسية وألقتها على الأرض بإهمال وتعب ثم اندفعت إليها تجلس مجاورة لها, ثم مالت بشكل جانبي ترمي نفسها على صدرها محتجزة ظهر وخصر منى بين ذراعيها حتى أغلقت عينيها وهي تقول بجهد "اشتقت لكِ يا زوجة عمي"

مررت منى يدها الطيبة على شعرها وهي تقول بخفوت "وأنا أيضاً يا قلب أمكِ.. كيف حالكِ؟"

هزت رأسها نفياً على صدرها ثم قالت وهي تبتلع شيء غريب ومؤلم دون أن تفتح عينيها "لست بخير على الإطلاق, هناك الكثير الذي يضعفني, جاعلني لا أعرف أصلاً ما أريده وفاقدة ركيزتي.. و ليتني أقدر على الإفصاح"

رغم الصدمة التي نالت من منى قليلاً ووجه ابنتها التى نظرت إليهن بذهول.. إلا أنها تمالكت أعصابها وهي تقول بصوت أجش "دائماً كنا نستطيع إيجاد طريق مريح, هل تذكرين أحاديثنا؟!"

استشعرت انتفاض جسدها الضئيل وكأن ريح بارد وناري يمر عبرها في نفس اللحظة.. فضمتها إليها بقوة وهي تنحني قليلاً تقبل جبهتها, حتى قالت سَبنتي أخيراً "كل شيء تغير, نحن تغيرنا.. لذا حتى الاعتراف ما عاد يصلح ما أقترف..."

وضعت منى أصابعها تحت ذقنها تجبرها على النظر إليها ثم قالت بهدوء "هل تعتقدين بأني لا أدرك هذا؟ إلا أني رغم كل محاولتكِ للتظاهر أعلم أن صغيرتي جميلة الروح كما المظهر ما زالت تقبع هناك"

ربما لم يكن الكلام صريح ومباشر إلا أنه لا يحتاج لتفسير أكثر مما يعرفونه أصلاً لذا قالت سَبنتي بوضوح مختصر "ما عدت أعرف من أنا..."

عزمت منى على الرد إلا أنها صمتت وهي تجد عينيها تدمعان لشيء غريب, وهي تبصر ما لم تتوقعه في أعتى أحلامها أملا.. إذ أن بدور كانت تجلس القرفصاء أمامهما موازنة نفسها بجمال آسر للعين والنفس, ليس لمظهرها فقط بل لمشاعرها الإنسانية التي عادت أخيراً... ارتبكت سَبنتي أيضاً وهي تحاول الابتعاد عن مرمى كليهما إلا أن بدور أوقفتها وهي تمسك كفها بين كفيها ثم قالت ببطء "حسناً, ربما ما سأخبركِ به غريب قليلا ليصدر عني إذ أني استغرقت عشر سنوات من الغباء لأفهمه.."

تقوس جانبي فم سَبنتي وهي تحاول تخليص نفسها من قبضتها المحكمة إلا أنها لم تستطيع فقالت بجفاء "ما عاد لي رغبة لسماع مغامراتكِ, ولا حتى دروسكِ يا بدور"

تأففت بدور بجفاء كاذب ثم قالت عاقدة حاجبيها "عندما يأتيكِ درس مجاني من أيقونة النساء في العناد والغباء العاطفي يجب أن تلتهميه ممتنة.. حتى وإن كان من ألد أعدائكِ"

وجدت سَبنتي نفسها تهز رأسها سريعا وهي تقول بلهفة "أنتِ لستِ عدوتي, مشكلتي أني كنت أراكِ في مقام كبير جداً, مثال أعلى أنجذب إليه بغباء.. ورغم ما قلتيه أنا ما زلت أحبكِ كأخت كبرى"

ابتسمت قسمات بدور المليحة بسعادة لم تخجل مطلقاً من إظهارها ثم قالت "إذاً عليكِ أن تسمعي نصيحتي, محاربة ما أنتِ عليه لن تغير شيء, لا يمكنكِ أن تتبدلي باندفاع في كل موقف تمرين فيه هذا سيؤدي بكِ إلى الجنون, وتدمير ذاتكِ ومن حولكِ"

اغرورقت عينا سَبنتي بالدموع وهي تضع كفها الأخرى على يد بدور تربت عليها بشجن ثم قالت باختناق "الكلام سهل جداً, كل شيء أصبح يرزح فوق صدري"

قالت بصوت حنون ذاك الذي لم تسمعه منها مطلقاً إلا عند همسها لإياب "إذاً قبل كل شيء يجب أن تكوني متصالحة مع ذاتكِ وما أنتِ عليه... لا تخسري كل من يحبكِ يا صغيرة"

رفعت كفها المرتعشة تمسح بباطن يدها أنفها في حركة نزقة ثم قالت متظاهرة بعدم الرضى "متى أصبحتِ بكل هذه الرقة والطيبة معي أنا بالذات؟!"

حركت بدور كتفها الأنيق ثم قالت بترفع مشاكس "لا أفعل هذا من أجلكِ, بل لخاطر خالد وحده"

عضت على شفتها السفلى بتوتر ثم همست "وأنا سأتقبل الحديث معكِ مجدداً من أجل إياب, لا تظني أكثر من هذا"

تغضن وجه بدور بالحزن ثم قالت وهي تمسك بيدها التي ارتفعت يد والدتها وكأنها دون أن تدرك تستمد منها قوة حرب الإرادة لتمد وصال حيادي مع الجميع "هل آلمتكِ كثيراً؟"

رغم الحزن العظيم بداخلها وذلك الصخر المشتت الذي عصر أوردتها إلا أنها نظرت إليها بدهشة وهي تقول "هل تسأليني حقاً؟ حسناً, لقد فعلتِ إلا أني لم أكن بريئة أيضاً, وأنا أذر ملح على جراحكِ المنكأة"

زفرت بدور بضيق.. ثم همست "حسناً يا فصيحة اللسان, كلتانا فعلت ليلتها, ولكن أنا لا أملك أي ضغينة نحو والدة ابني البديلة... وزوجة أخي الذي يحبها كالأحمق"

ضحكت سَبنتي بانتعاش من بين دموع الألم وهي تمسح عينيها وأنفها بكف يدها مجدداً... استطالت بدور بذراعها نحو أحد طاولات الشاي وسحبت محرمة ورقية وهي تقول بامتعاض "مشاعرنا الفياضة تلك لا تمنع أن حركتكِ مقرفة, استخدمي هذه"

هتفت سَبنتي بقوة وغضب "كنت أعرف أن وجهكِ اللطيف هذا لا يليق بكِ"

وقفت بدور بسلاسة ثم خبطتها على مقدمة رأسها وهي تقول "لطالما كنتِ الأذكى, أنا لم أقل أبداً أن غضبكِ مني سينمحي بكلمتين واعتراف وتقبل..."

نفخت منى بيأس وهي تقول "لا فائدة, يجب أن تفسدي أي طبخة حلوة عقب انتهائكِ منها"

عادت بدور تجلس على مقعدها المنفرد بظهر منتصب ثم وضعت ساق فوق الأخرى وهي تسحب كوب قهوتها وهي تقول ببرود "لا, الأمر أن زوجة ابنكِ تحمل جيناتنا, أي أن الغفران السريع هبة لا تملكها"

هتفت سَبنتي بسرعة البرق بغضبها الكامن "أنا لستُ منكم, لا أشبهكم.."

رفعت بدور جفنيها تحدق فيها من فوق فنجان القهوة ثم همست بخفوت واثق وبارد "ردكِ هذا, غضبكِ الذي سيدمركِ إن لم تجدي وسيلة لإخراج سمه من عروقكِ وحياتكِ... أفضل دليل أنكِ كلكِ لنا, أنتِ لم تملكي منها إلا تميز العينين يا بقة"

هتفت منى بتحذير حاسم "بدور!"

زفرت بدور دون أن تكف عن التحديق في وجع العينين التي أهلكهما الألم "عليها أن تتقبل هذا يا أمي لتتحرر.. اسأليني أنا ومن أفضل مني لتأخذه مثل أعلى للخروج سريعاً ودون أضرار جسيمة"

استخدمت سَبنتي المحرمة التي قدمتها لها تجفف دموعها بنزق, ثم أخذت نفساً عميقاً وهي تقول بجمود "حسناً إن كنتِ رائعة جداً اليوم, هل يمكنني أن أتعشم في منح شوشو من فيض حنانكِ المتدفق؟!"

أظلمت عينا بدور وهي تقول ببرود "ما بيني وأختي أمر لا يخصكِ رغم تقديري لطبلكِ"

قرضت سَبنتي أظافرها بتوتر إلا أنها قالت بشجاعة "هي أختي وصديقتي أيضاً, وإن كانت مكاني ستحميني لذا أنا لدي كل الحق في سؤالكِ.. شوشو لن تنال سعادتها الكاملة إلا بغفرانكِ لها.."

تنهدت بدور تملؤ صدرها بالهواء قبل أن تنظر إلى عينيّ والدتها بدفء ثم قالت "سأغفر يوماً, فقط امنحيني الوقت"

"وإن توسلتكِ؟!"

فغرت بدور شفتيها وهي تقول بدهشة "ماذا؟"

كررت سَبنتي "كما سمعتِ, لن أعيدها"

ضحكت بدور وهي تضع كوب القهوة مكانها بتنظيم دقيق ثم قالت بعفوية "عليكِ أن تكفي عن حمايتها, وإهدار فرصكِ أنت لمساومة تفيدكِ.. هي ليست صغيرة ولا عاجزة الحيلة"

قالت بصدق "لا أقدر على رؤية ألمها, أو أن تكون فرحتها منقوصة"

تدخلت منى وهي تحيط كتفي ربيبتها ثم قالت "استمعي للنصيحة واتركي الأمر بينهما... وأخبريني هل أرسل لكِ خالد مواقع الأثاث لتختاري منها, الوقت أصبح ضيق للغاية ويجب أن نسرع لأن هناك أمور يجب تجهيزها, وبالطبع العمل على استعدادكِ أنتِ و...."

انسحبت سَبنتي من بين يديها وهي ترفع إصبع اعتراض وقالت "مهلاً.. مهلاً, أي أثاث وأمور تسعون إليها, لماذا لا يريد أن يقتنع أحد بأني نفسي غير مستعدة.."

هدر صوت خلفها يقول باستخفاف ساخر "أنتِ آخر شيء يهم في هذه المعادلة, فوجودكِ بالأمر كله لا يتخطى ديكور شرفي"

جزت على أسنانها وهي تنظر لبدور بشكل جانبي ثم قالت "اذكر العفريت"

قالت بدور بعفوية "في الواقع العفريت هنا منذ وقت إلا أنه كان يستند كمتسول مسكين على إطار الباب دون أن يجرؤ على إظهار نفسه"

دخل خالد و ركل حقيبتها الملقاة على الأرض بعنف قاصداً ثم قال بغيظ "بدور, حقاً أحيان كثيرة أرغب في ضربكِ.. خاصةً على طاولة الاجتماعات أتخيل نفسي مجرد إنسان غاب بمشاعر إجرامية يطير إلى سقف الغرفة ثم يجز رأسكِ الرائع"

قالت منى بتعب "لا تقل, هل ارتكبت مصيبة لهذا أتت مبكراً, وتتظاهر بكل هذه الحكمة والسلام؟!"

قالت بدور في برود "لا تنكر أن اعتراضي على ذلك القرار كان الصواب.. لدرجة أن ابن عمك المتغطرس الذي يرفض أن تعلو كلمة على كلمته, ألغى اقتراحه وقَبِل رأيي أنا"

قال خالد بحيرة "وهذا المريب في الأمر كله, منذ متى يخضع راشد لشيء ترينه خاصة بالعمل"

قالت بهدوء وجهل حقيقي "لا أعرف, ربما هو اقتنع ببساطة ليس إلا.."

"أو ربما المسكين أصيب بخرف مبكر ناسياً من أنتِ؟!" قال خالد بتعاطف

قاطعتهما سَبنتي وهي تقترب منه بحذر إلى أن وقفت أمامه تماماً تنظر للأعلى بفرق واضح في الطول بينهما لا يخيب الناظر إليهما معاناتها في التعامل معه.. ثم قالت بتوتر "لقد أتيت لمقابلتك"

رفع خالد حاجبيه مع طرف وجهه وهو يقول بتعجب ساخر "حقاً.. ولمن أدين بهذا الشرف جلالتكِ؟!"

شبكت أطراف أصابعها في طرف بلوزتها بطريقة خرقاء قبل أن تهمس "جلبت لك هدية متأخرة لعيد ميلادك"

ضيق خالد عينيه بارتياب وهو يقول بحذر "عيد ميلادي الذي كان من ستة أشهر أو أكثر؟!"

فتحت كفيها باستسلام وهي تقول بابتسامة منمقة مغيظة "اعتبرها هدية لنصف عيد ميلادك, الغرب يقومون بهذا كثيرا"

قال بجفاء "لما أشعر أن في الأمر خديعة؟!"

تأتأت بلسانها وهي تنظر إليه بعينيها الواسعتين البريئتين أكثر من اللازم في هذه اللحظة ثم قالت بضعف "مطلقاً, أنا فقط شعرت أنه يجب عليّ منحك شيء مميز.."

تراجع خالد للحظة بينما بقيت يديه المدفونتين في جيبي بنطاله حذرتين وعلى أهبة الاستعداد لتأمينه من جنون قادم يستشعره ثم قال بنبرة حذرة كمن يهادن طفل أحمق "وأين تلك الهدية جناب سيادتكِ الموقر؟!"

أشارت نحو حقيبتها بمنتهى الوداعة وهي تقول "هنا.. أتمنى أن لا يكون اعتدائك الغاشم على حقيبتي المسكينة لم يفسد تعبي في تغليفها"

قال بذهول حقيقي "وغلفتيها أيضاً؟!"

منحته أجمل ابتسامة قد يراها منها يوماً ثم قالت ببراءة "بيديّ والله, وسهرت عليها حتى مطلع الفجر"

وقفت بدور من مكانها بتخبط شديد مضحك وهي تقول برعب "أمي, إنها تقول غلفتها حتى مطلع الفجر.. أو التفجير أيهما أقرب, لما لا ننسحب نحن... ما زال لديّ طفل أحمق كأبيه أحتاج لترويضه"

نظر إليها خالد بطريقة إجرامية ثم قال "يا غدارة تريدين الهروب وتركي أضحية بين يديها؟"

قالت بدور بنبرة خشنة "عيب عليك والله يا هالك المحطم, كل هذه العضلات وتخاف من مجرد بقة, اجلس يا بني والله معك وسيحميك"

قال خالد بطريقة متهمة وكأنه يتحدث عن شخص مجهول وليس زوجته التي تقف على بعد خطوات منه تنظر إليه بوداعة رهيبة و تبثه الرعب حتى الأطراف "أتعرفين تلك الشخصية الكرتونية بوكيمون, ذلك الصغير الأصفر المغري ببراءته وضعفه.. ثم ينطلق فجأة عند الحرب ساحقاً كل ما في طريقه حتى الوحش المخيف... هذه بالضبط جناب زوجتي المبجلة"

كانت نوة وشذى يهمان بالدخول عندما هتفت شذى بلهفة "هل بدأ من غيرنا, ذلك الرقم كم من زوجتي.. يا خسارة فاتني المشهد من أوله"

قالت منى بنزق "أنتما كفا عن إزعاجها.. وأنت هيا راضي زوجتك التي تعقلت أخيرا وها هي تمنحك مبادرة سلام"

قال خالد بإحباط "أحلم بهذا, ولكن قلبي يأكلني يا أمي, مستشعر الخطر.. ربما يجب أن نأخذ اقتراح بدور بجدية ونحتمي خلف ساتر"

تأففت منى بصوت عال... وقالت نوة بارتياب "ما الذي يحدث؟"

تبرعت سَبنتي بالرد وهي تقول بامتعاض "جلبت لزوجي (حلالي) هدية, ولكنه والأميرة يتندران عليّ!"

خبطت نوة كف على كف وهي تقول بحسرة "مسكينة أنتِ يا صغيرة, هل أصابكِ فيروس زوجتي, حسرة قلبي عليكِ, كان يجب إبعاده عنكِ"

لم تهتم سَبنتي وهي تمر من جانبه قاصدة خبطه بشكل خفي في خاصرته بعنف منتقم ثم قالت وهي تنحني بانسياب نحو حقيبتها "أنتم لا تطاقوا, مجرد التخيل بأني سأكمل حياتي بينكم يصيبني بالجنون"

مسد خالد مكان اعتدائها بغضب ثم قال قاصفها "لا تحتاجي للتخيل, فأنتِ مجنونة أصلاً وأنا من عليه التعامل مع هذا الكم من الحماقة والوقاحة"

رفعت سَبنتي جسدها بطريقة مفاجئة حادة وهي تنظر لجانب وجهه بسخط عارم وبدت في هذه اللحظة كمن يوشك على تحقيق خيالاته لشقيقته بالطيران والإطباق على عنقه ممتصة منه آخر قطرة في دمائه... اللعنة مجرد تخيل خالد غارقاً في دمائه, متلاعبة بها بين يديها, تقطر من بين أسنانها يثير داخلها بهجة غير طبيعية...

وقفت منى من مكانها وكأنها أدركت الأفكار السادية التي تدور في عقل ربيبتها ثم قالت "لماذا لا ننسحب ونترك الزوجين اللطيفين لحل مشاكلهما؟!"

انحدرت عينا خالد على قامتها المتأهبة يمشط ساقيها الملفوفتين في بنطال من الجينز الواسع هابط الخصر, وبلوزة من اللون الأبيض بأزرار كبيرة وتفصيلة تضم قدها الناعم بإحكام عاكسة بدقة التكور النافر لأنوثتها.. بينما تعلوها سترة سوداء من الصوف الناعم... احمر وجه سَبنتي خجلا وغضباً, بينما تسمع صوته يقول برزانة وهدوء لا يعكس الأفكار المنحرفة التي تتلاعب في عينيه الوقحة "هذا سيكون رائع يا أمي.. حتى أرى ما الذي تريده عروسي التي تتهرب من موعد زفافنا وتجهيز منزلها؟!"

تنفست بعنف وهي تقول بقهر "أنا لن أسكن في منزل جهزته مع حبيبتك الأخرى"

صححت نوة سريعاً "خطيبته السابقة يا سَبنتي، أنتِ الحبيبة.. وهذا منزله و...."

صرخت دون تردد "أن ينزع اختياري للرجل الذي سأكمل معه حياتي شيء, وأن يجبرني أحد على تقبل بيت حلمت به أخرى شيء آخر..."

اقتربت منها شذى تمد يدها نحو ظهرها بحذر مربتة عليها وهي تقول "اهدئي حبيبتي, أنتِ محقة, لا أحد قادر على جعلكِ تسكنين في منزل به أشباح أخرى"

قالت بحدة معترضة "أنا ليس لديّ أشباح يا شذى.. إلا أني أخبرت السيد راشد ووالدتكِ بأني أبداً لن أقترب من هذا المنزل وإلا أحرقته وأنا بداخله.."

قالت بدور بصرامة لخالد "أخبرتك أن هذا الاقتراح غبي, وغير قابل للمفاوضة.."

قالت منى بهدوء "ولهذا تم إخلاء الطابق الثالث وسيجهز لهما, ويبقى فقط أن تختار التفاصيل التي تريدها"

كانت تتنفس بعنف وبشكل واضح فصدرها يعلو وينخفض بغليان, ساعده جسدها المشدود ينتفض برداً وناراً إن جاز اجتماعهما.. بينما ظل خالد ينظر إليها وحدها بهدوء شديد ونظرة غامضة وكأنه يتبع معها تكتيك معين لا تفهم طلاسمه حتى قال أخيراً "هنا منزل الجميع وبيتي, وهناك منزلي أنا أيضاً, وأنتِ عليكِ التعلم بأنكِ بتِّ جزء مني أي أن حتى الأشياء المادية التي أملكها تنسب إليكِ بالتبعية"

كررت من بين أسنانها "أنا لن أسكن..."

قاطعها بجمود "كان عليكِ مناقشة أسبابكِ وهواجسكِ معي أنا.. وليس الهرع لراشد ووالدتي, أنتِ ناضجة كفاية لتدركي أن بعد الزفاف من سيغلق عليكِ معه باب واحد هو أنا طبعاً... أليس كذلك؟!"

اهتز وجهها بقهر قبل أن تهس "وربما ليس علينا احتمال كل هذا.. إن تعقلت وتركتني من تلقاء نفسك!"

هدر فيها بصوت انتفضت له أجسادهن جميعاً هلعاً "قسماً على قسم إن نطقتِ بهذا مجدداً لأكسر أسنانكِ, وأصفعك كما لم تتخيلي قط!"

هتفت منى "خالد, أتهددها أمامي؟!"

قال بخشونة "وأمام (التخين) في هذه العائلة, أنا أتحمل كل جنونها وعتهها بمعجزة, إلا نطق الطلاق والافتراق.. أنا لست لعبة في يد المبجلة, عليها أن تدرك بأنها لي منذ دخل راشد بها باب هذا المنزل... وانتهينا.."

"وإن لم أدرك.. هيا أخفني.. تعامل بعنف معي.. فهذا ما تجيده"

قالت نوة بيأس "رباه.. اخرسي أو كمميها يا شذى إن تكرمتِ"

توتر جسد خالد بطاقة عنف وغضب هائلة.. وأخذ خطوة في التقدم إليها إلا أن يدي بدور تمسكت به بتشبث مميت وهي تقول بسماجة كمن يحدث معتوه فاقد عقله "إنها مجرد لعبة بوكيمون مستفزة, هل تذكر, أتركها يا بني... وإن شاء الله سنزوجها لك شاءت أم أبت"

فغر خالد شفتيه وهو ينظر لبدور بذهول.. ثم قال بنبرة صلبة مخيفة "هل تدارين القميص الأبيض وراء ظهركِ يا بدور.. هيا قوليها إن تركتها ستزوجينني هنومة؟!"

عقدت بدور حاجبيها وهي تنظر لشكله الهمجي وكأنها تحاول استيعاب التشبيه حتى تذكرت ثم قالت "هل ستهدأ حقاً إن زوجتك هنومة بدلا من سَبنتي.. حسناً اختيار موفق ولكن المشكلة أن هند رستم ماتت"

رفع خالد يديه لأعلى يقبضهما بوحشية مخيفة وهو يقول "هل الغباء وراثي بينكن... لماذا أنا يا الله... اللهم لا اعتراض ولكن اللطف بي"

مصمصت نوة شفتيها وهي تقول "هل هذه هي المشكلة فقط يا ذكية زمانكِ.. موت هند رستم"

تابعت بدور وكأنها لا تهتم باحتراق أخيهن بينهن "فيما إذاً يا عاقلة؟"

قالت نوة بنبرة عادية جداً وهادئة "لن نجد قميص يساع أخيكِ.. كما أن هنومة كانت شقراء, وخالد يفضلها حمراء.."

"أنا سأنسحب, هذا أصبح مقرف أكثر من اللازم" قال خالد وهو يستدير ناويا الخروج.. إلا أن سَبنتي قفزت أمامه كالعفريتة مانعة إياه وهي تنظر إليه بذلك البنفسج القديم نظرة امتلأت باستعطاف وبراءة هزته مطفئة كل غضبه في لحظة ثم قالت بخفوت "لقد مر زمن طويل جدا لم أجلب لك هدية.. فهل ستكسر بخاطري؟!"

ابتلع ريقه وهو ينظر إليها دون أن يخفي غضبه أو توتر جسده ثم قال بجفاء "ما عاش من يكسر بخاطركِ.. يا مجنونة"

ابتسمت له ابتسامة متوسعة أظهرت صفي أسنانها ثم قالت بحماس "هذه هدية لصديقي, وليس زوجي, اخترتها بعناية, أعلم تماما ما تحتاجه ليحميك وأنت غافل عنه..."

انحرف جانب وجهه بتساؤل خفي قبل أن يمد يده يلتقط منها المغلفين الصغيرين وعلبة طريفة الحجم أيضاً ترصهم على ساعديها وتقدمت نحوه بمنتهى الوداعة واللطف "عيد ميلاد سعيد حبيبي"

"هااااااااا"

في الواقع لم يكن هو من رد بذلك التعبير الأخرق المصدوم بل أخواته ووالدته اللاتي يراقبنهما من خلف ظهره..

همست بإلحاح: "هي افتحها"

مد خالد طرفي أنامله يفك أول علبة بحذر شديد جداً, قلق هو من المصيبة التي يتوقعها.. إذ أنه من المستحيل أن يصدق تلك التمثيلية المنمقة.. وكما توقع كانت عيناه تجحظان وهو يرفع بين أصابعه ما احتوته العلبة المطرزة بعناية إذ لم تكن إلا "مسبحة" حباتها تتبدل بين اللونين الأحمر والأسود, يضمها من فوق محبس من البنفسج..

"ما هذا؟!" قال من بين أسنانه بغيظ

وضعت كلا كفيها في جيبي بنطالها من الخلف ثم قربت كتفيها للأمام ليرفرف جانبي سترتها حولها مانحها مظهر من الشقاوة والمناغشة ثم قالت بنفس البراءة الكاذبة وهي تميل جانباً محركة معها شعرها الأحمر القصير "رأيت أن شيخنا ينقصه أمر هام في مظهره فأتيتك بمسبحة لتكتمل صورتك التي أتخيلها في عقلي منذ زمن"

قال جازاً على ضروسه "خيالكِ, هاااااا"

دفعت كتفها للأمام بشقاوة وحركت قدها للأمام والخلف على ساقيها الثابتين ثم قالت بخبث "لست وحدك من يحلم, ولكن لأني فتاة مهذبة فأحلامي كلها روحانية"

قالت شذى بامتعاض "إن شاء الله, هو من سيخرج روحكِ يا مجذوبة"

قالت منى بتسلي "هششش اخرسي, أريد مشاهدة إلى أين ستوصله؟!"

قالت بدور ساخرة "للعناية المركزة طبعاً.. كراشد"

سخرت نوة سريعاً "بما تفسرن ذكر بدور لاسم راشد عشرون مرة في الدقيقة.. آه طبعاً (ماخدوش يا ماما)"

لكزتها بدور وهي تنظر إليها بترفع بارد ثم عادا للانجذاب وهن يسمعن هتاف خالد المجذوب "هل تريدين قتلي.. ما هذا؟!"

حركت رأسها للناحية الأخرى تنظر للجلباب الأبيض القصير وبنطاله الأبيض أيضاً و طاقية بيضاء مخرمة وكأنها تقيمهم ثم قالت ببرود "إنهم من الحرير الحر على فكرة, هل تعرف كم ثمن القطعة الواحدة؟"

هجم خالد على ذراعيها رافعها للأعلى يهزها بعصبية.. إلا أنه لم يترك هديتها من بين يديه أيضاً "سنعرف قيمتهم عندما أكفنكِ بهم"

قالت بامتعاض "النبي قبل الهدية... من الأدب أن تشكرني حتى وإن لم تعجبك... هل رأيت اللفافة الثالثة بها سجادة صلاة.. جميلة جداً على فكرة"

أنزلها خالد وخبطها خبطاً على الأرض بإحباط وهو يدفن وجهه في كفوفه ثم أخذ دقيقة كاملة يستغفر ويستنفر مستعيذا من الشيطان الرجيم, ثم بكل صبر العالم كان يقول "شكراً يا سَبنتي, الزوجة الصالحة هي من تعين زوجها على العبادة, مذكرة إياه إن قصّر يوماً"

"أنا لست زوجة صالحة"

"رباه.. ما هذا الغباء؟!"

في هذا الأثناء كانت أخواته ووالدته ضاجات بالضحك حرفياً دون قدرة على التوقف أو حتى قول شيء...

سمع صوت المستفزة تقول وهي تقترب منه مستطيلة على أطراف أصابعها "لقد قلت كثيراً بأنك تريد عف نفسك, وتحلم بي يا محترم, لذا أتيت لك بهذه الهدية, لتساعدك على تحجيم نفسك.. أكثر من الصوم والصلاة يا شيخنا فهما علاج فعال جداً, وأمرك بهما الدين"

قال بصوت محتد عنيف "لا تثيري جنوني, فأنا أتحكم في نيران غضبي بمعجزة"

أغلقت عين واحدة في علامة على تصنع الخوف ثم أخرجت أصابعها أخيرا من جيب بنطالها الخلفي ساحبة معها ورقة بنية مطوية بعناية من تلك العبوات التي تأتي من العطارين الشعبيين ثم مدتها له بتردد ووجهها يحمر بخجل حقيقي هذه المرة ثم قالت بهمس شديد متمنية أنا لا يسمعها ذلك الجمع "هذه وصفة مضمونة أيضاً من أعشاب طبيعية, كل ما عليك أن تغليها وتشربها, وبعدها أعدك أن لا تحتاج لزوجة ولا أي امرأة..."

أمسك خالد ذقنها بأطراف أنامله قابضاً عليه بتوحش ثم همس بنبرة وحشية ارتجف لها جسدها من شدة انفعاله "إياكِ.. هذا أمر لا يقبل المزاح.. بقي فقط أن تذيعي ما أخبرتكِ به في الجرائد"

تألمت قليلاً ولكنها ادّعت الثبات واللامبالاة وهي تقول "مشروب الكافور لا يحتاج لفضائح, فذلك العشب فاضح نفسه على كل حال, فقط ثق بي وتناوله, مع زيادة زهدك, وأعدك أنك من ستلغي الزفاف بنفسك..."

على كل حال هي حاولت أن يتم الأمر بسرية ولكن ازدياد الضحكات خلفهما بهياج أثبت فشلها بجدارة, تباً لقد تخطت حد الإزعاج الآن... إن مثّل بجثتها هي شخصياً لن تلومه فالحق معه...

انتابها الرعب وهي تحدق في عينيه التي انقلبت لأبشع فيلم رعب صدر يوماً.. بينما هو كان فاقد كل حلمه وهو يهس لنفسه (مستفزة وتتغابى, تتعمد إحراجه أمام فرقة الإعدام.. البهلوانات.. يتمنى لو كان في مقدرته أن يطير عنقها, إلا أنه وبحق رب العباد يحبها مثل الحمار)

احمر وجهه ودخان غير مرئي خيل لهم يخرج من أذنيه كقطار دخاني خرج عن مساره وسيدمر كل من في طريقه "سَبنتااااااااااي, أقسم أن أعلقكِ في أطراف أعلى شجرة"

هتفت منى من خلفه "اركضي من أمامه حالاً..."

إلا أنها لم تحتاج لأمر لتفعل, لأنها في برهة كانت تركض كأرنب هلع وجبان وقع بين أنياب أسد جائع ومجنون...

ابتسمت شفتاه رغم أنفه بحنان وهو ينظر لبدور دون غيرها وكأنه يخبرها باختصار أنه ما زال هناك أمل.. فها هي عبثيته تحارب لتطفو على السطح هازمة ذلك الكائن المظلم التائه الذي عادت به ويجهل خطوطه...

***********


يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:35 AM   #4897

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تاااااااااااااااااااااااا ااااابع الفصل الثالث والاربعون

بعد ثلاثة أسابيع...

انتصف جسد جوان على الفراش وهي تكمم بإصبعها المنتفضة فمها, كاتمة صرخة ذعر والألم الجسدي يقطع أحشائها, عيناها تبكيان, قلبها يتحطم كالزجاج المتصدع مستحيل لحبات صغيرة تجرح كل أضلعها.. صوت شهقتها العالية قطعت سكون الليل, وأقلقت مضجع عفاف التي تصر منذ عودتها أن تنام بجانبها تعتني بها حتى أثناء النوم, إذ أن منذ يوم شجارها مع نضال, وهو ليس يجافيها فقط, بل يتعامل على أنها غير موجودة أصلا لا في المنزل ولا الحياة بأسرها... يأتي متأخر بعد أن تنام, وينصرف سريعاً في الصباح الباكر قبل استيقاظها أو محاولتها اليائسة للتصادم معه ومحادثته, بل حتى الطعام أصبح أمر مرفوض تناوله في المنزل حتى لا يجلس معها على طاولة واحدة أو يتناول شيء تصادف وضع يديها في إناءه.. لقد كرهها حقاً على ما يبدو...

"بسم الله عليكِ, ماذا بكِ يا ابنتي؟"

ظلت جوان على بؤسها غارقة في خوفها, تناطح جبال الألم الموجعة.. حتى قالت أخيراً بضعف متقطع "أنا.. أخسر.. الطفل"

قفزت عفاف بشكل غير متزن بجسدها الممتلئ من الفراش وهي تطلق صرخة جزع تتخبط باكية على الفور وهي تهتف "بعيد الشر.. لا تقولي هذا... أخبرتكِ يا جوان أن لا تتحركي, فلتحترق العيادة بمن فيها... يا رب, يا رب..."

ركضت عفاف نحو باب الغرفة على الفور متوجهة للخارج وهي تتوسل من الله أن لا يحدث مكروه لحفيدها...

ثم اقتحمت غرفة ابنها الذي اعتدل من مكانه وهو ينظر بقلق "ما الذي يحدث؟!"

هتفت عفاف باكية لائمة "لقد حذرتك.. إن حدث مكروه للطفل لن أسامحك حتى وأنا في قبري"

لم يكن نضال قد بدل ملابسه أو ارتاح بعد إذ أنه دخل البيت منذ نصف ساعة أو أقل, ومثل الأيام الماضية كان يلقي جسده المتعب بكامل ملابسه.. لذا اندفع أمامها وهو يقول باستنكار "عتاب وإلقاء تهم.. ربما هي أحد حيلها يا أم"

التهمت عفاف الخطوات خلفه وهي تقول باختناق "جوان لن تعرضني لهذا الخوف على حفيدي, ولن تبشر على ابنها من أجل أي مخلوق"

التفت إليها بحدة وغضب لم ينطفئ خلال كل هذه الأيام ثم قال بصرامة: "لا تتعشمي فيها بهذا الشكل حتى لا تكسركِ... لأنها سبق وفعلت وآذتكِ"

"اصمت.. اصمت, أنت لن تفهم يا عديم القلب معنى ارتواء العطشان بعد طوال ظمأ.. الضنى لا يستبدل بإغراء العالم, حتى وإن كان من أجل اغوائك"

كان قد وصل لمنتصف غرفة والدته ينظر إليها بوجه مظلم تجلس بظهر منحني وعجزت عن نصبه بطريقة صحيحة, كلا ذراعيها يضمان خصرها, بينما تأوه الألم لم يترك شفتيها لحظة كما دموع عينيها...

سأل بجفاء "ما بكِ, ألن تتوقف جموح ألاعيبكِ؟!"

فغرت شفتيها قليلاً وهي ترفع إليه وجه شاحب وعينين غائرتين ضعيفتين للغاية وهي تهمس بعجز "العالم ومن عليه بإغواء الدنيا المسكرة لا يساوي شعرة واحدة من ابنك الذي لم يتكون حتى, صدق أم لا حياتي تعني حياة هذا الجنين, إن خسرته لن أتردد في نحر نفسي"

في لحظة كان يشرف عليها, يداه تشد الغطاء بحدة, ثم قال بعنف مختنق "تباً.. هل تتألمين فعلاً؟"

يداها أمسكت قمة ملابسه سريعاً ثم قالت بتوسل "أرجوك, ساعدني وأعدك أن لا أطلب منك شيء آخر... تصرف يا نضال ولا تجعلني أخسره.."

أخذ نضال نفسا منفعلاً.. قبل أن يمد ذراعيها موازنها على صدره وبين ذراعيه ثم قال بصوت محتد مختصر "ارمي عليها أحد عباءاتكِ يا أمي, واتبعينا"

كانت عفاف قد تحركت فعلاً مرتدية فوق جلبابها البيتي أحد عباءاتها وممسكة بأخرى بين يديها التي ترتجف رمتها عليها ساترة لها... ثم تبعتهما فوراً, تاركة خلفها صوت متضرع متوسل لله أن يحفظها, ويحفظ تميمتها من أجلها فقط, قبل أي شيء آخر...

*********

بعد وقت.. كانت جوان تتمدد أمام الطبيبة في ذاك المستوصف الطبي الذي وجدوا فيه دكتورة نسائية بشكل إعجازي في هذا الوقت.. كان وجهها شاحب كالأموات والعالم أجمع ملبدا بغيوم الخوف في عينيها, عاجزة حتى عن النظر لذلك الجهاز الذي يظهر ما يحدث لجنينها, بينما يداها تتشبثان بتحايل في ساعدي نضال رافضة تركه, فقط تحمد الله أن الطبيبة تتفهم حاجتها إليه بجانبها الآن بالذات.. بينما كانت عفاف قابعة على مقعد بعيد تراقب ما يحدث بإصرار رافضة تركها وفمها لم يتوقف عن الدعاء قط كما عينيها اللتين تذرفان دموع فاضت عن الحد حتى سمعت نضال يقول أخيراً باقتضاب "هل هي بخير؟"

تمعنت الطبيبة للحظة وهي تحرك الماسح فوق بطنها وخصرها بدقة وبطء ثم قالت دون أن تنظر إليه ويدها الأخرى تعبث في بعض الأزرار على لوحة مفاتيح متصلة بالجهاز "اعتدت أن أسمع في هذه الحالات سؤال الأب عن طفله خاصة إن كان الأول كما أخبرتني والدة زوجتك"

لم يهتم بتصحيح أن عفاف والدته هو إذ أن الرعب الذي تبديه ولهفتها مع توجيه سيل من الاتهام نحوه رامية إياه بأنه السبب في تعسر حالة ابنتها لا يسمح بتصديق غير ما فهمته الطبيبة.. حتى قال أخيراً بجفاف "لا أهتم في الحقيقة بما يجري معه"

نهشت جوان يدها بحدة متخلية عن دعمه أخيراً ثم أزاحته بقوة عاكست حالتها الواهنة وصرخت بعنف "توقف, اللعنة عليك يا نضال, لا تُكَرِهني فيك أكثر مما أفعل في هذه اللحظة.."

قال بخشونة "جيد إذاً.. أخيراً مشاعرنا نحو بعضنا ستتساوى"

رفعت الطبيبة وجهها نحوه تحدق فيه ببرود مستنكر ثم قالت "عذراً للتدخل, ولكن إن كنت تهتم لأمرها كما تدعي, فما تفعله الآن يزيد معدل الخطر عليها هي.. لذا سأعتذر منك أولاً, وأطالبك بالانتظار بالخارج, فلا حاجة لي بوالد يرفض طفله ويوتر الأم"

بينما قالت عفاف وهي تقف متجهة نحوهم بقوة "اخرج يا نضال, الطبيبة محقة, هذا ابن جوان وحفيدي, وأنت انتفت حاجتك بالأصل بعد حملها فيه"

تمتم بوقاحة ساخراً "بالطبع.. فجواد التخصيب الخاص بالسيدة أتم مهمته على أكمل وجه... لذا لماذا تحتاجني وكل ما يهمها ويربطنا هذا الجنين؟!"

ضيقت الطبيبة ما بين عينيها وهي تحرك نظراتها باهتمام في وجه كليهما, حسناً الأمر مريب بعض الشيء, ولكن مع خبرتها الطويلة في هذا المجال وتردد أطياف من البشر عليها باختلاف أشكالهم وثقافاتهم تستطيع أن تجزم أن كل ما يدور هنا هو غضب متأجج لا يخص رفض الزوج لابنه بأي صورة خاصة مع ادعائه الكاذب وعيناه تخونه من بين لحظة وأخرى محاولا أن يلتقط أي صورة من على الجهاز..

قالت أخيراً بهدوء "هل يمكنك الاقتراب قليلاً لأخبرك بما يحدث؟"

توتر بشكل مناقض لخشونة ملامحه وصلابة جسده, وعيناه انجرفت للحظة نحو وجه جوان الباكي بعجز وهي تمسك في طرفي السرير بارتجاف... ازدرد ريقه وهو يقول بخفوت "يمكنكِ الشرح الآن, هي تستطيع الفهم أكثر مني, فالأم طبيبة ماهرة في عملها.."

صمت لبرهة قبل أن يغلق جفنيه بقوة وهو ينحني نحو أذنها وأكمل ببساطة مجافية "وزوجة غاية في الغباء, وحبيبة ضيعها عدم التمييز"

رفعت جوان جفنيها وهي تنظر إليه بطريقة هشة مستعطفة للغاية ثم همست "لماذا لا تريد أن تفهم.. كنت أحتاج للبعد, لقد وصلت لحافة اليأس"

قال بجفاء "وهو من جدد أملكِ, لولاه ما كنتِ عدتِ!"

أطبقت جوان على كفيها وهي تقول ببطء "جدد أملي لأنه ابنك, قطعة من الرجل الذي أحبه وأتوسله أن يبقيني بجواره للباقي من عمري"

ابتسم بسخرية سوداء.. ثم قال "لا تحاولي يا جوان.. فمسلسل الأخطاء الطويل بحقي لن يجعلني أصدقكِ للحظة واحدة.."

قالت الطبيبة بدهشة "عفواً... هل تحتاجان لوقت خاص؟! يمكنني الانسحاب مع (الحاجة) لدقائق"

مصمصت عفاف شفتيها وهي تقول "نعم يا ابنتي يبدو كذلك.. إذ أن الاثنين يعشقان نشر ملابسهما المبقعة أمام العالم.. مساكين ليس لديهما جدران بيت يسترهما للعتاب فيه"

تنحنح نضال بحرج مدعيا الصرامة وسمع عفاف تهتف بنفس حاد "نحن في ماذا وأنتما في ماذا... أريد أن أعلم ماذا يجري معها.. هل الطفل بخير؟!"

قالت الطبيبة ببشاشة مترفقة بعفاف "اطمئني, بخير, يبدو فقط أن توتر الأم وقلقها الواضح هو ما جعلها تشعر بالألم مضاعف"

هتف نضال بخشونة "كنت أعرف بأنه إنذار كاذب"

صححت الطبيبة سريعاً ويدها تربت على كتف جوان في محاولة لجعلها تهدأ وهي تقول "لم أنفي وجود الخطر هنا, الجنين ضعيف للغاية, ومن التوتر الذي أصبتني به أنا شخصياً سيادتك, استطيع أن أخمن لماذا"

توتر فم نضال من جديد ولكنه لم يرد.. بل استسلم وهو يلتفت نحو الطبيبة يقف في موقع محايد, ممسكاً يد جوان بقوة مشدداً عليها رافضاً محاولتها الهزيلة لرفضه ثم قال "ما الذي أردتِ مني رؤيته؟"

أمسكت الطبيبة مقبض الماسح من جديد وحركت على بطن جوان المكشوف ثم أشارت بإصبعها الذي يتبدل في حركة سريعة راسماً أبعاد نحو تلك المضغة هناك وقالت بهدوء "هذا هو الابن الذي لا تهتم به على الإطلاق كما صرحت.. أعرف طبعاً بأنك لن تتأثر جداً.. ولكن أريدك أن تتخيل لبرهة مدى ضعف هذا الكائن الذي سيتشكل إن كتب له النجاة, ويصبح جزء من فؤادك يتحرك أمام عينيك وبين ذراعيك.. ربما وقتها ستتفهم سبب ذعر زوجتك ووالدتها"

نبض شريانه الودجي بعنف عاكس توقعها... ويده الغليظة دون إرادة منه قبضت على يد جوان بعنف حتى كاد أن يحطمها, وظل على هذه الحالة لحظات فاقد القدرة على النطق, فقط عينيه التي سكنهما طيف عجيب لم يسبق لجوان أن رأته فيه طوال عشرتها معه, لم يتنازل لبرهة أن يراقب تحديداً ذلك السهم على الجهاز برهبة... ثم قال أخيراً بتقطع مختنق "هل.. هل هذا الشيء ينبض؟"

هبطت دمعتان تجريان على خد جوان ورغم اختلاف نبرة الحديث إلا أنها همست بضعف مترجي "هو ليس (شيء), لا تنطق هذا التشبيه أبداً على طفلي, إنه روح.. روح تتشبث بي وبحقه في الحياة كسائر البشر.."

ارتفع وجهه الداكن بمشاعر غريبة ينظر إليها بقلب يخفق بعنف, إلا أنه قال بصرامة قابضة "هو شيء حتى يملأ حجركِ ونمنحه اسمه سوياً... هذا الشيء ابني يا جوان مثلكِ تماماً.."

ابتسمت رغم صعوبة الموقف والقول, ثم قالت ببؤس "جيد, استفدنا من هذا الشيء أخيراً.. باعترافك ببنوته على الأقل"

قالت الطبيبة بدهشة وهي تغلق الجهاز وتسحب بعض المحارم تجفف السائل الطبي "هل كان ينكره... بئس الأب أنت, لهذا يبدو أن المسكينة لم تنال الراحة منذ حملها فيه.."

قال مقاطعها بخشونة "مهلاً.. مهلاً, أنا لم أنكره, كفاكِ ظلم يا جوان... الأمر ليس تقبله وإنما تأديب الأم"

ابتسمت الطبيبة وهي تهز رأسها بيأس.. ثم وقفت من مكانها متوجهة نحو مكتبها ولم تنسى أن تربت على كتف عفاف مطمئنة في طريقها وهي تقول "حسناً, هل يمكنك مساعدتها, وبعدها اتبعاني.. نحتاج للحديث مطولاً اعتقد.."

********

عندما دخلوا إلى المنزل أخيراً مع حقيبة من الدواء والحقن... كان يحملها أيضاً رافضاً رغم اعتراضها أن تصعد الدرج, بينما صوت عفاف الغاضب لم يتوقف لحظة عن سب جوان هذه المرة.. إذ أنها منذ أن سمعت أسئلة الطبيبة وإجابة زوجته عنها تحولت عفاف لحماة مصرية حاقدة من الدرجة الأولى... "منكِ لله يا عديمة التدبر, يا يابسة الرأس, أنتِ السبب"

همست جوان بتعب وهي تحاول أن تستقيم على قدميها "وكيف كنت سأعلم أن إعادة فتح عيادتي سيسبب لي التعب؟!"

قالت عفاف بغيظ "ربما لأنكِ غبية, يا بشعة العينين.."

توسعت حدقتا جوان وهي تقول بذهول "أنا بشعة؟!!"

قالت عفاف بحدة "وقبيحة أيضاً, وفي هذه اللحظة لا أراكِ إلا مجرد قردة معدومة العقل, لا توقفها قوانين.."

صمتت عفاف لبرهة قبل أن تبتلع ريقها وهي تتمتم بقرف مقلدة إياها "(مستقبلي في عملي يا أمي بعد تهديد نضال لي.. لم أعد أملك إلا عيادتي...)

ابنكِ يا جوان الطفل الذي نترجاه من الدنيا..

فتردين عليّ بصوتكِ المسرسع (لاااا ضميري المهني يخبرني أن هناك أطفال يحتاجونني)"

اندفعت عفاف نحو وقفتها المصدومة وهي تستند على جذع نضال بتعب, فوقف ذراع نضال حائلا بينهما حاميها من بطشها وهو يسمعها تقول بعنف "على أساس أنكِ لم تهربي شهر ونصف تاركة كل شيء خلفكِ.. حوش الضمير يا طبيبة الغبرة"

نظرت إليها جوان بدهشة وبعينين زائغتين ثم قالت بغباء "صوتي جميل جداً على فكرة.. كما أن عينيّ حالة نادرة تعد على الأصابع بين النساء, هل تعرفين هذه المعلومة؟"

كتم نضال ضحكته بمعجزة ثم قال وهو يسحبها من ذراعها بعيدا عن والدته "جوان يكفي الجنون الذي أصبتني به, لن تتحولي على أمي الآن"

ادّعت عفاف البغض وهي تقول بقرف "أبعدها من أمامي, لا أريد رؤية وجهها غير يوم ولادتها, ولآخر مرة يا جوان إن خاطرتِ بحفيدي أنا من سيخلع عينيّ القطط هذه"

ظلت جوان مستسلمة لسحبه لها إلا أن رأسها بقي خلفها تنظر لعفاف بذهول ثم قال بنفس الغباء "القطط لا تملك عينيّ بنفسج... أم ربما تفعل؟!"

صرخت عفاف "إلى أين تأخذها, لا أريدها في غرفتي.. خذها عندك"

ظللت جوان جبهتها بكفها وهي تقول بإعياء متوقفة مكانها "هذا رائع.. وكأنه ينقصني مزيداً من التوتر"

لم يجبها نضال بل انحني من جديد يحملها بين ذراعيه.. وعاد وجهه يكسوه التجهم, ودون كلمة إضافية كان يفتح باب غرفتهما الخالية منذ شهور, ثم دلف بها صافقا الباب خلفه بعنف.. للحظات ظل ثابت مكانه, عيناه تدوران في الأرجاء لامحا الفراش النظيف الذي يتجدد بانتظام وأنفه يلتقط روائح العطور الشمعية المميزة التي تفضلها هي... ثم قال بجمود "يبدو أنكِ عدتِ لهذه الغرفة.. ظننت أنك تتجنبينها مثلي؟"

ألقت رأسها على صدره ممرغة وجهها هناك كالقطة الزغبة وهمست بحزن "كل يوم أدخلها يائسة, أعوض اشتياقي لك عبر ترتيبها وتجهيزها, وكأنك ستأتيني متلهفا تضمني إليك كما الماضي.. إلا أن جلوسي على الفراش يطول والساعات تمر, وأنت لا تأتي فيتملكني اليأس.. وأعود لغرفة عفاف جارة ذيول الفشل والخيبة.."

تصلب فكه, كما تملك جسده التوتر بشعور غير مرغوب فيه على الإطلاق, فتقدم قاطعا على نفسه أي فرصة للتعاطف وهو يضعها على الفراش بهدوء, وما أن اطمئن لاستلقائها بشكل سليم حتى استدار بعيداً ناويا الانصراف..

"نضال.. لا تتركني.. أرجوك"

قال بجفاء "هذا كثير من التوسل في ليلة واحدة.. بعد كم قلة الأدب يوم عودتكِ"

أرجعت رأسها للخلف بإرهاق شديد عاجزة عن مجاراته ومحاربته أكثر ثم همست "لن أطلب منك مسامحتي, أدبني كما تريد فأنا أستحق, ولكن أتعشم أن تبقى بجانبي الليلة ليس من أجل الطفل, بل لأني أحتاجك بقوة وبشكل بائس"

ظل نضال مانحها ظهره المتصلب غير مجيب رجائها على الفور, وكأنه يحاول أن يهزم الشعورين بداخله ما بين غضبه الذي لم يهدأ رغم كل ما حدث... وما سمعه من طبيبتها بوجوب استقرارها النفسي كما الجسدي... وبين تركها مُصراً على جفائه... حتى قال أخيراً "حاولي الاسترخاء حتى أعود, سآتي بدوائكِ من عند والدتي"

لم تجيبه حتى بهز رأسها إيجاباً بل فقدت رغبتها وعدمت قدرتها أخيراً في هذه اللحظة, أغلقت عينيها وذراعها يستريح برفق على معدتها بينما يدها الأخرى غطت جفنيها...

هي لم تبالغ, وحتى دراستها للطب لم تفدها أصلاً, بل عندما استيقظت تحارب أمعائها وتشنجات رحمها لم تفكر إلا في شيء واحد خسارتها لابنها تعني خسارتها لآخر شيء قد يجعل نضال يبقي عليها خاصة مع تصريحه بشكل قاطع الفترة الماضية بالزهد فيها... وطبعاً ما يؤلمها أكثر ويجعلها تجن ويقلق راحتها متابعتها لكل أخبار سَبنتي دون قدرة لها على التصريح أو الاقتراب منها... وما أصبح يخيفها بجنون بشكل قاهر معرفتها محاولة صغيرتها المميتة الوصول غليها.. وهي من تتعمد الابتعاد... لقد غيرت رقم هاتفها وأغلقت كل حساباتها الاجتماعية حتى تسد أي باب تستطيع الوصول إليها عبره.. وكم أن هذا الشعور قاسم وقاتل بعد أن وصلت لما تمنته أخيراً.. حب ابنتها وسعيها لوصالها.. هي من تبعدها عنها وتنفرها..

عصرت جوان عينيها بساعدها وهي تهمس باختناق مرير "آه يا نبض فؤادي أنتِ, سنظل نحارب المستحيل كلٍ من جانبه دون أمل.. سامحيني صغيرتي, إن لم يكن خوفاً عليكِ ورغبةً في أن تمضي قدماً بعد أن حطمتكِ ما كنت تركتكِ لحظة, لكنت أنا من طفت الأرض حافية الأقدام, ماشية على الأشواك حتى أصل إليكِ"

عاد نضال بعد دقائق يحمل بين يديه أدوية رتبها بجانبها ثم جلس على طرف الفراش جانبها, ويده امتدت تنزع ذراعيها وهو يقول آمراً "انظري لي"

فعلت على الفور.. تحدق فيه بحزن عاجز.. أخذ نضال نفساً عميقاً جداً قبل أن يقول بخشونة "ما تفعلينه هو الصواب.. وأنا لا أتحدث من باب الأنانية هنا, إذ أن عفاف تعرف وقضي الأمر... ولكن لأني شاركتكِ في جريمتكِ باغتيال تلك المراهقة ويؤسفني أن أقول بصراحة أن من رأيتها بعد عودتها ليست أبداً الصغيرة النغشة التي كنت أعرفها... تعلمين طبعاً أني كنت جوارها نصف عمرها أو أكثر!"

فلتت من شفتي جوان شهقة بكاء عنيفة وهي تقول بوجع: "ودمرتها من أجلي"

ابتسم ابتسامة سوداء ثم قال بجمود "الخطيئة امرأة.."

قالت معترضة غاضبة "أنا لست خطيئة"

زفر نفساً حاراُ قبل أن يرفع ملابسها للأعلى وهو يقول "لن أجادلكِ الآن يا جوان"

قالت باستنكار دون أن تحاول إيقافه حتى "ماذا تظن نفسك فاعل؟"

امتعض وهو يقول ببرود ساخر "مؤكد ذكوريتي الرهيبة رغبتكِ فجأة وأنتِ في هذه الحالة, خاصة وقلبي ما زال معلول منكِ كارهكِ"

ابتأست ملامحها أكثر وهي تقول بحزن "أنت تؤلمني"

قال بخشونة "أفضل... هذا اعتراف يبهجني أخيراً!"

أنهى ما يفعله ودثرها بالغطاء قبل أن يميل ملتقطا حبات من العلاج ودسها تحت لسانها وهو يقول بصلابة "سآتي إليكِ صباحاً قبل الذهاب إلى العمل لأمنحكِ الحقنة المثبتة في موعدها كما قالت الطبيبة..."

ابتلعت جوان سريعاً رشفة الماء من الكوب الذي قدمه لها ثم أمسكت ذراعه وهي تقول بترجي دون خجل "ابقى معي, ضمني فقط الليلة من أجلي يا نضال..."

نفخ نضال مدعيا القنوط والزهد ثم قال "لماذا فهمكِ بطيء؟ لا أملك تلك القدرة لألمسكِ حتى"

قالت سريعاً "ولكنك لمست وتحسست أيضاً وأنت تحملني, هل تعتقد أني مجرد فتاة صغيرة لن تفهم ألاعيبك الملتوية؟!"

قال بغيظ "لا بالطبع, فأنا أخبرتكِ بأنكِ امرأة عديمة تربية"

زحفت جوان ببطء متمهل مفسحة له مكان جانبها ثم همست بنبرة مغوية قتلته "اشتقت لرائحتك, وجمال عناقك, كما أن هذا الشيء الذي يخصك ينبض بجنون الآن ملح علي في طلبكِ"

ابتلع ريقه ولم يخفي توتر جسده لحظة ثم قال بخفوت شارد ويده تستسلم مرة أخرى متسللة تحت الغطاء ممسد على بطنها ذو البروز الضعيف للغاية "إنه... إنه... أعني ما رأيته على الشاشة كان جميل جداً"

ابتسمت عيناها من بين الدموع ويدها تغطي يده من فوق الغطاء ثم همست "جماله ينبع من رجولة والده"

سخر "تعني نفس الرجولة التي تهدرينها كل حين بأفعالكِ؟!"

يدها الأخرى استطالت تلمس ذقنه النامية من موقعه القريب منها ثم همست "تعلم يقيناً أني لم أقصد إهانتك أبداً, كل ما هناك أني اندفاعية معمية عن ردود أفعالي.. نضال أتعلم لماذا لا يزعجني سبك لي بعديمة التربية؟"

قال بتهكم "لأنكِ تعترفين بهذا طبعاً"

قالت بحسم "هذا صحيح.. رغم أني عشت معك أربع سنوات وقبلها عام وما يزيد.. إلا أني فعلاً أحيانا كثيرة أجهل ما يفترض أن يصدر عني.. من الصعب علي أن أعيش ما يفوق الثلاثين عام دون قوانين, دون ناصح يؤخذ برأيه.. دون أحد يراجعني في أفعالي.. أو احتواء أي أحد ثم بجرة قلم ينمحي كل هذا وألتزم بقوانين أنا أجهلها"

أطلقت صوت مستنكر وهو ينظر إليها بعدم رضى أو تقبل تفسيرها..

فقالت مهادنة "ضعني تحت اختبار آخر وأخير, وإن لم أثبت حسن تصرفي افعل ما شئت لن ألومك... فرصة أخيرة يا نضال من أجلي"

أطلق زفرة عليلة وهو ينظر لسقف الغرفة بملل دون رغبة في تصديقها.. همست مرة أخرى باختناق "حسناً لا تمنحني شيء.. أنا سأثبت لك تمسكي بك... ولكن هلّا ضممتني الليلة أريد أن أطمئن بأن كل شيء سيكون بخير كما قالت الطبيبة..."

ظل على جموده للحظات أخرى رافض النظر إليها, إلا أنه استسلم بالنهاية وهو يخلع حذائه بتعجل ثم رفع الغطاء متدثر به معها.. واحتواها كلها في أمانه... ظل كلاهما على تصلبه ما بين القلق والترقب.. والرفض من قبله حتى مرت دقائق تبدد كل شيء عبرها ولم يبقى إلا احتياجها الشديد له وافتقاده إياها... أغلقت جوان عينيها مطلقة تنهيدة طويلة مرتاحة جداً ومطمئنة.. فكلها يندس فيه وأصابعها تتحرك على صدره بافتقاد وشوق أضناها... بينما ذراعيه تضمانها إليه أكثر دون شعور وكفه تنحرف متعمدة مستندة على ابنه "أتمنى فقط هذه المرة أن لا تأتي لي بكارثة متحركة مثلكِ وابنتكِ المستفزة.. ركزي أريده صبي إن تكرمتِ"

ضحكت... ضحكت بقوة من كل قلبها وهي تقول من بين أنفاسها "أنا مستفزة ربما, إنما ابنتي فتاة مطيعة و معدومة الحيلة"

أطلق صوت استنكاري معترض ثم قال ضاحكاً "معذورة في اعتقادكِ.. زوجها المسكين يكاد ينهار في البكاء على كتفي يومياً مما تفعله به"

قالت مدافعة بقوة "يستحق... مؤكد لن تقسو عليه إلا لسبب قوي"

رفع ذقنها بأنامله وهو ينظر لعينيها ثم قال بهدوء "جريمته الوحيدة أنه أحبها بكل جنونها وعللها.. يعشقها رغم تمرد كيانه اعتراضاً, وعاجز هو عن أذيتها رغم تحطيمها إياه"

صرخ قلبها بعنف مرتجفاً متمرداً وترجمه لسانها وهي تقول بحرارة "وهي تحبه.. تحبه كما لم تحب حتى نفسها, لا تظلمها لأنها فقط غبية ظنت أنها تحميه بابتعادها ليتابع حياته مكتفية بما سرقته من سلامه... والله والله إنها تعشقه وما عادت إلا من أجل افتقادها اليائس للبكاء على صدره"

قال بتجهم "بل عادت من أجل حلمها المميت بطفل.. هو آخر همها"

قالت بنفس حار ونبرة مجذوبة تفيض عشقاً لا يحتاج لإثبات "حجة.. احتاجت لحجة بقطعة منه احتوتها ضلوعها... وحتى إن لم يكن احتواه رحمها.. كانت ستضعف بالنهاية وتعود إليه... أنا لست بهذه القوة يا نضال, لم أعد أملك أي مشاعر قد أحملها ضد عشقي لك.. أنا أحبك... أحبك... هل تفهم؟!"

شعرت بتنفسه العشوائي تحت كفها المستندة فوق أضلعه وصوته الغريب الهجومي يهدر فيها بحمم الاشتياق "اصمتي.. ونامي.. أنا لست محصن أمام اعترافكِ في هذه اللحظة.. وأخشى على الطفل من العواقب"

همست "هل تحب ابني؟"

نفخ نفساً حاراً مرتجفاً ثم قال "جوان.. أنا لن أتحمل"

كررت بيأس " وأنا أملك أفكار غايه فى الانحراف أيضاً ....... ولكن أجبنى هل تحبه؟!"

من أجابها في هذه اللحظة كانت شفتاه المحمومة التي هجمت عليها, ينهل وينهل من عشقها, بنفس طويل لم ينقطع لدقائق.. يضمها أكثر كالمجذوب.. يداه تتحركان بعشوائية ممسدة ظهرها دافعها إليه بجنون اشتياقه وهياج قلبه... حتى حررها أخيراً وهو يقول لاهثاً "من لحظة معرفتي به يا غبية..."

"هل سامحتني... لن تتزوج عليّ صحيح.. هذا كان مجرد تهديد لتخويفي؟"

المبهر في جوان والميزة الجميلة جداً أنها في لحظة تستطيع إشعاله كبركان وفي لحظة أخرى ترميه من أعلى جرف جبل مغرقة رأسه ببرميل من الماء المثلج... لذا بكل برود كان يفلت وجهها وهو يقول "بالطبع لن أغفر لكِ... ولكن من أجل خاطر الصغير أعدكِ أن لا أتزوج حتى يثبت حملكِ, وينتفخ خصركِ به لأتخايل بكِ يوم زفافي"

ضربته وهي تصرخ "أيها الثور.. عديم القلب والرحمة... أيها ال......"

لم تكمل سبابها إذ كان لفمه رأي آخر في تنظيف لسانها من قذاراته.. وبالطبع هو يعلم أن الأمر سينتهي بإحباطه واستحمام سريع بالماء المثلج حرصاً على صغيره لشهور طويلة "منكِ لله يا جوان.. سأصاب بنزلة شعبية بسببكِ.."

********

"أنتِ قاسية جداً" همست مرح بغضب وهي تضع ذراعها على مقعد لورين من الخلف وجسدها يمتد للأمام حاشرة إياها بين المقعدين مستغلة هبوط ممدوح من السيارة ليتسلم شيئاً هام من ذلك الرجل الذي قال أنه عميله الوحيد حالياً في مصر...

التفت إليها لورين وهي تقول بجمود "اخرسي، واحتفظي برأيكِ لنفسكِ إن تكرمتِ"

قالت مرح معترضة بشدة "لن اصمت, هذا ظلم، إن كنتِ مصرة على المضي قدماً في خطتكِ الغبية لما منحتيه أمل بحق الرحمن؟!"

عبست بعينيها المظلمتين ثم قالت ببرود "هو سؤال واحد وأريد إجابة واضحة، هل تريدين أمل أم لا؟!"

توترت مرح وتخبطت للحظة إلا أنها حسمت أمرها سريعاً وهي تقول "أريدها طبعاً، ولكن بخطة أبيها، لا حماقتكِ"

قالت بهدوء "خطته لن تمكنكِ منها، بل ستجبرني أنا أن أعيش معه تحت سقف واحد يا مرح..."

قالت مرح بغضب "مهاترات، وإن لم تتوقفي سأخبر أبانا بنفسي"

التفت إليها لورين وانحنت بنصف جسدها للخلف ثم قالت "أبي يعرف قبل أن آتي إلى هنا، وأجبرني أن أكمل معه تلك المسرحية السخيفة حتى أنال ما وعدني به، وعقب عودتي من الأراضي المحتلة سأنهي كل شيء"

تغضنت ملامح مرح بالحزن من أجله ثم قالت بأسى "لورين أنا لن أدعي حب زوجكِ فجأة، إلا أن كسر القلوب ليس بأمر سهل، إن كنتِ تنوين الغدر به، لماذا تجارينه في تجهيز هذا المنزل، وانتظار والدكِ كما وعده عندما سافر إليه، ليقدم إلى هنا وتتزوجين كما يعتقد... بحق الله لما كل هذا القرف.. بل كيف بي أن أصدق أن والدكِ يشارك في تلك اللعبة الحقيرة؟!"

توتر فم لورين قبل أن تقول بخفوت "أبوكِ يعرف ولكن أنا لم أقل بأنه موافق، بل بصراحة هددني بتخليه عني إلى الأبد هذه المرة وتحذير ممدوح"

أمسكت مرح يدها تشد عليها بقوة قبل أن تقول بترجي حار "لماذا لا تحاولي من أجل أمل.. ألا تري كيف تبدل حالها للنقيض تماماً عبر رؤيتكما معاً... أرجوكِ ضحي من أجل حلم أمل أن تسكن بيت يخصها تحتويها والدتها المشغولة بحنانها.. وتدليل والدها الذي عاد من سفره أخيراً"

ارتعشت شفتا لورين وهي تنظر إلى أختها بتخبط وضعف ثم همست بصراحة مطلقة "يوم أن وعدته بالمحاولة أنا كنت صادقة وكدت أنسى هدفي الأساسي، إلا أن هناك خوف ينهشني يا مرح... أنا مرتعبة من الفكرة بحد ذاتها، من أن أضعف يوماً لممدوح من جديد"

قالت مرح بقوة "الحمقى فقط هم من لا يخافون!"

تنهدت لورين وهي تحدق في عينيّ أختها العميقتين بلغز يستحيل حله ثم قالت بصوت ثقيل صريح "أحب فلسفتكِ يا مرح، بل وعليّ الاعتراف أنه أحيان كثيرة أشعر بالغبطة من كيانكِ المتزن، وأنتِ التي تعرضتِ لأسوأ مما لقيته أنا بكثير"

ضمت مرح ساقيها بقوة كما يديها تشابكت فوق حجزها بطريقة غريبة حمائية ثم قالت بنبرة تعقدت وتشابكت ببطء "ليس هناك ما يدفعكِ لأي غبطة أو إعجاب، دعينا نقول أن أكثر المآسي يعلم الإنسان أن يتشبث بفرصته ليمنح غيره القوة والسعادة حتى وإن لم ينلها هو.."

قالت لورين بهدوء "لا أفهم أحيانا معنى أو مقصد واحد مما تقولين.."

رفعت حاجبيها وهي تقول بفظاظة "دعينا مني وأجيبيني على قدر السؤال، هل هناك بقايا حب لهذا البغيض فعلاً أم أنكِ تمثلين دوركِ بإتقان؟!"

ظلت نظراتها لأختها تتشابك بطريقة حربية لا تقبل النزال راغبة في اقتحام دروعها علها تلج إليها وتفهم منها حتى ولو التقطت طرف خيط واحد من أسرارها... إلى أن قالت باختصار شديد الوضوح "لا، لا أحمل أي بقايا بداخلي... إذ أني لم أتوقف عن حبه للحظة من الأصل"

قالت مرح بدهشة "ماذا... كيف بعد كل ما فعلته وتصرين على فعله؟!"

القت لورين رأسها على جانب المقعد ثم قالت بتأوه معذب "حبي له ولد من رحم المعاناة، فكان من الصعب عليّ اقتلاعه... ورغم هذا لا أستطيع يا مرح نسيان شكله الهمجي، وتعديه الصارخ عليّ... أنا أحب ممدوح... إلا أني أكرهه جداً وأبغض النظر إليه"

قالت مرح بإدراك "حسناً, أنتِ ببساطة مختلة عقلياً.."

سألت لورين بعفوية لم تقصد منها شيء "لو كنتِ مكاني، ما الذي......"

لم تكمل جملتها إذ أن التوحش المرعب الذي احتل وجه أختها كان له صدى موجع ومقلق عندما هتفت بعنف "لكنت قتلته ومثلت به مخفية معالمه و قطعت جسده لأجزاء صغيرة مفرقة إياها بين غابات أمريكا المظلمة ونهرها........."

هناك شيء خاطئ في مرح أختها, لا تتخيل أو تطلق وعيد غاضب بل بدا من عينيها المجذوبتين أنه أمر عايشته فانقبض قلب لورين وهي تحاول لمسها إلا أنها دفعتها بحدة وكأنها لا تراها.. قبل أن تقول لورين بصوت مهتز النبرات "ما الذي تخفينه عنا؟ لما ترفضين المساعدة دائماً؟ مرح أنتِ لستِ......"

أرجعت مرح رأسها للخلف, للحظة جسدها يرتجف حتى الأعماق، كتفيها يتشنجان بطريقة عجيبة... حتى قالت أخيراً بنبرة مناقضة تماماً لما تمر به في حالة من النقيض للنقيض الخطر "لا أخفي شيء، يا كئيبة أنتِ من تحاولين صبغ كل شيء بخيالات خطرة.. والآن أين الكئيب الآخر لقد مللت وأشعر بالجوع وهو وعدني بأكلة شعبية ممتعة تقلى في زيت السيارات..."

أفلت من لورين نفس مضطر ولم تقتنع طبعاً بأيٍ من إجاباتها.. إلا أنها حاولت القول بهدوء "سأراسله مستعجلة إياه، لقد تأخر فعلاً.."

عادت مرح تستند على مقعد لورين بساعديها ثم أدارت شعرها بجانب واحد كاشفة تماماً الجانب الآخر نحو النافذة الشفافة وهي تقول بعفوية "أحب الأجواء هنا، كما أن الكئيب قال أن هناك مدينة قريبة من غزة كالأردن، هل تعتقدين أنكِ لو لم تُجَنِي وتزوجتِ ذلك المعتوه قد يوافق والدكِ على العيش هنا؟!"

تنهدت لورين وهي تقول بخفوت "يبدو أن نزوحنا لن يتوقف أبداً.. ما فرق هنا عن هناك إن كنا لن نستطيع الشعور بالانتماء؟!"

قالت بعفوية "رغم إنه يصعب عليّ الإيمان بما قاله ذلك السوداوي إلا أنه محق على كل حال، الانتماء والوطن بالأشخاص وليس الأماكن فقط.. لذا يمكننا أن نبني لنفسنا بيت هنا ونستقر أخيراً.."

نظرت إليها لورين بترفع ثم قالت "هل أحببتِ مصر؟!"

لمعت عيناها وهي تقول بصدق "جداً، أرض طيبة"

"وصف بليغ يا فيلسوفة زمانكِ..."

قالت مرح بإقرار "فلسطين وحلمها سيظل في القلب.. والأردن أيضاً، لذا ما المانع أن يصبح لدينا ثلاثة أوطان تشبهنا بدل واحد؟!"

تنهدت لورين ولم ترد فالتعقيد الذي تعيشه بداخلها حالياً مجبرها للتعامل مع تنازع مشاعرها يكفيها جداً...

فتح باب السيارة أخيراً ودخل ممدوح محتل مقعده وهو يلقي رزمة من الأوراق المغلفة بعناية شديدة على قدمي لورين ثم قال "آسف للتأخير، كان هناك مشكلة يجب التعامل معها قبل انصرافي"

سألت لورين بهدوء "أي مشكلة؟"

أجاب بغموض وهو يدير السيارة "شيء خاص ببرنامج أعددته له خصيصاً ويبدو أنه لم يثق فيه بعد..."

"عليه أن يجربه قبلاً، ثم يقرر ثقته من عدمها..."

"نعم... عليه أن يفعل..."

هتفت مرح "أنت يا كئيب أنا جائعة، أين زيت السيارات؟"

ابتسم بيأس وهو ينظر إليها غامزاً ثم قال "كانت طرفة، هل صدقتها.. على كل حال حتى وإن لم تكن فالطبيبة لوسيرو لن تتنازل وتتناول كما عامة الشعب المسكين"

امتعضت لورين وهي تمنحه نظرة باردة ثم قالت "في الحقيقة كل ما أفكر فيه الآن أننا سنتأخر على موعد السفارة، لقد انتظرنا أسبوعين كاملين من أجل أن ننهي أوراقنا المطلوبة"

هز رأسه دون تعليق وهو يستدير مركزاً على طريقه.. قبل أن يرفع يده مخرجها من النافذة مشير للرجل الذي يقف ثابت في مكانه يحدق في النافذة جواره بصدمة وذهول لم ينتبه إليهما...

كان تميم في هذه اللحظة ينظر لجانب وجه الفتاة التي تميل إلى الأمام حاشرة رأسها تقريبا بين مقعديّ السيارة تبادل ذلك "البغيض" النظرات بمشاعر غير مفهومة بينما بدا الرجل وكأنه يغازلها!!

لا... لا يمكن أنت تتخيل ليس إلا... فشلك مع بدور الراوي بعد تعشمك بأنك وجدت انعكاس لسبب نزع روحك فيها... تعقل... فالمعادلة لا يمكن أن تصلح, لقد أخبرك منذ قليل أن زوجته تنتظر في السيارة وأنت بنفسك من أوصلته غليها وعائلتها منذ أشهر.. عائلة فلسطينية تعيش في الأردن... فكيف (للغزالة الأمريكية) مجهولة النسب والمولد أن تنسب إليهم؟!!

انهار.. انهار تماماً وشعر في لحظة أن قلبه ينزع منه بطريقة صعبة وموجعة من جديد عندما تحركت السيارة مبتعدة عنه، أخذت كل جوارحه معها

"دير...."

وكأن هناك قانون سحري يخص كل من ربط قلبه بالحب يوماً عندما التفتت مرح خلفها بحدة وكره لا يوافقه الفؤاد الذي ركض داخل أضلعها كغزالة تلهث....

*********

انتهى

قراءة سعيدة




الى القاء بعد عيد الاضحى المبارك مع الفصل القادم وافراح شظايا القلوم التي ستقدم مطببه الجروح أخيراً كل عام وأنتم بخير جميلاتى
:sm9 1:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:38 AM   #4898

Redred

? العضوٌ??? » 453933
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 70
?  نُقآطِيْ » Redred is on a distinguished road
افتراضي

حخهعغفققثثصصصيببلااا

Redred غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:38 AM   #4899

lobna_asker

? العضوٌ??? » 325510
?  التسِجيلٌ » Sep 2014
? مشَارَ?اتْي » 273
?  نُقآطِيْ » lobna_asker is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور دوما مبدعة

lobna_asker غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:45 AM   #4900

Redred

? العضوٌ??? » 453933
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 70
?  نُقآطِيْ » Redred is on a distinguished road
افتراضي

روايات المتدى قمه فى الروعه

Redred غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:34 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.