آخر 10 مشاركات
الحب الضائع (97) لـ:مايا بانكس (الجزء الثاني من سلسلة الحمل والشغف) *كاملة* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          الستائر السوداء (الكاتـب : ررمد - )           »          دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          4– البديلة -فيوليت وينسبر -ق.ع.قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          يوميات العبّادي .. * مميزة * (الكاتـب : العبادي - )           »          لعنة الحب والزواج(81) للكاتبة كارول مورتيمور(الجزء الثاني من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          ألم في الصدر -ج4 من سلسلة نعيم الحب- للكاتبة الرائعة: زهرة سوداء *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          موعد مع الخزامى (5) للكاتبة: Tina Leonard .. كاملة .. (الكاتـب : Gege86 - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-10-20, 12:05 AM   #5671

sira sira

? العضوٌ??? » 391432
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » sira sira is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضور 💓💓💓💓

sira sira غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 12:28 AM   #5672

ميادة عبدالعزيز

? العضوٌ??? » 378366
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 377
?  نُقآطِيْ » ميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond repute
افتراضي

يلااااااااااااااااااا

ميادة عبدالعزيز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 12:54 AM   #5673

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 408 ( الأعضاء 124 والزوار 284)
‏اجزخنجية, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏هشومة, ‏امل زهرة, ‏ليلة القمر, ‏redrose2014, ‏Hoda.alhamwe, ‏سالي فؤاد, ‏Heckenrose, ‏ريمةمف, ‏املي بالله كبير, ‏راما الفارس, ‏Dreamdida, ‏hedia1, ‏dill, ‏Marwa Gehad, ‏Nor BLack+, ‏Emaimy, ‏princess sara, ‏Diego Sando, ‏سمسمه يوسف, ‏azizakahraman, ‏Mayaseen, ‏Hadeil, ‏Time Out, ‏Saraa Hasan, ‏ملاك وشيطان, ‏روئيااااات, ‏Hendalaa, ‏Rosyros, ‏fatma ahmad, ‏زهور., ‏Kendaaaa, ‏مريم المقدسيه, ‏Hoba Nasry, ‏shereen.kasem, ‏توتى على, ‏maha elsheikh, ‏Lutesflower, ‏zezeabedanaby, ‏جنة سعيد, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏دلال الدلال, ‏imy88, ‏Nsro, ‏رودى رامى, ‏راندا علي غانم, ‏رنا عزت محمد, ‏نعمت يس, ‏دعاء سعده, ‏Aengy, ‏Mariam Mohamedh, ‏sira sira, ‏داليا انور, ‏kokyyou, ‏موجة هادئة, ‏مجد صالح, ‏jello, ‏wafaa hk, ‏ام نوارة, ‏Manonasser, ‏Omsama, ‏ام عمر وريتاج, ‏nur vattar, ‏رودينة محمد, ‏دانة 2008, ‏سـارونة, ‏دودي الخليفي, ‏tahany gomaa, ‏Ayaomar, ‏سحر احمد حسين, ‏Menna23, ‏Bata1997, ‏Samah Ali1, ‏yasser20, ‏taljaoui, ‏أم وجدان, ‏منالب, ‏wagiha, ‏نسائم ., ‏Aiosha, ‏دلال سعيد, ‏شجن المشاعر, ‏كيوانو, ‏نورا كمال, ‏مهمة صعبة, ‏سوسو 156, ‏دموع ال, ‏فيزياء, ‏frau zahra, ‏soso#123, ‏emytroy2, ‏basma fateen, ‏leria255, ‏فراقيعو, ‏جني عمرو يحيي, ‏بسمة فرحة, ‏yawaw, ‏Aya yoga, ‏Esraayousri, ‏koka 88, ‏manar.m.j, ‏Noha Saeid, ‏Sea birde, ‏احباب الله, ‏فاطمة توتى, ‏مسك حسن, ‏Nagat farouk, ‏سمر فاضل, ‏ساجدة سجود, ‏basama, ‏besomahd, ‏housewife, ‏حسناء_, ‏Samaa Helmi, ‏Hagora Ahmed, ‏Zlelward, ‏Mariam rabie, ‏ميسى93, ‏TasneemIshahab, ‏نصيبي و قسمتك, ‏هديل الصفدي, ‏داليا حسام, ‏إسراء عثمان


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 01:03 AM   #5674

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الخامس والأربعون (الجزء الثاني)
جواري اتخذت مقعدها كوعاء الورد في اطمئنانها وكتاب ضارع في يدها يحصد الفضلة من إيمانها يثب الفنجان من لهفته في يدي ، شوقاً إلى فنجانها آه من قبعة الشمس التي يلهث الصيف على خيطانها جولة الضوء على ركبتها زلزلت روحي من أركانها هي من فنجانها شاربة وأنا أشرب من أجفانها قصة العينين .. تستعبدني من رأى الأنجم في طوفانها كلما حدقت فيها ضحكت وتعرى الثلج في أسنانها شاركيني قهوة الصبح .. ولا تدفني نفسك في أشجانها إنني جارك يا سيدتي والربى تسأل عن جيرانها من أنا .. خلي السؤالات أنا لوحة تبحث عن ألوانها موعدا .. سيدتي! وابتسمت وأشارت لي إلى عنوانها.. وتطلعت فلم ألمح سوى طبعة الحمرة في فنجانها
"نزار قباني"

**********

عندما فتح الباب أخيراً أمامه ليرى ابنته الروحية لأول مرة بثوب زفافها، تجمد راشد للحظة ومظهر صغيرته الصاخبة ذات الأظافر تقف بحياء في منتصف الغرفة تفرك يديها ببعضهما بتوتر رافضة أن تحدق فيه.. وهو يتأملها بفستانها الأبيض الذي صنع من الاستبرق كاملاً دون أن يتخلله قماش الدانتيل المعتاد بأي طريقة بل كان فستان بسيط في قصته, فخماً في جماله, يلفها كلها بطريقة راقية ويهبط على اتساع غير مبالغ فيه من تحت صدرها حتى يلامس الأرض... مطرز من عند خصرها بوردة واحدة بسيطة تتدرج لأسفل وتأخذ في الاتساع شيئاً فشيئاً حتى أطراف الفستان.. وردة بأوراقها المزدهرة وبلون واحد (البنفسج) الذي ينبعث بتألق مع لون عينيها... أما المعطف الذي دار حول كتفيها الظاهرين من الفستان كان من اللون الأبيض الكامل متناسق مع طرحة زفاف بثلاث طبقات تدرجت من الأقصر وحتى الأطول وتركت بذيل طويل وراءها.. توجت شعرها الأصهب الملفت..
تقدم راشد خطوة نحوها يبتسم لها بحنان يفيض وبدمعة والد حقيقية تتعلق في الأجفان وهو يقول بصوتٍ أجش تدفقت فيه العاطفة "أجد الكلام يهرب مني في وقت كان يجب أن أخبر فيه صغيرتي بأعذب الكلمات"
رفعت سَبنتي عينيها نحوه ببطء قبل أن تهمس بخجل "لا تحتاج للكلمات عندما تكون الصغيرة تجيد قراءة ما في قلبك كما عينيك"
اقترب راشد منها خطوة أخرى وهو يقول ضاحكاً بتذمر ذلك الذي يعصف بين أضلعه "أنا في ورطة الآن، ما بين أخذ صغيرتي والرحيل وإخبار خالد بأنه ليس لدي بنات للزواج.. وبين غضب حبيبة أبيها إن فعلت"
عضت على طارف شفتيها وهي تقول بلا تفكير "إذاً لأول مرة لن تستطيع فعل ما ترغب، لأنك ستواجه نمرة صغيرة كبرتها بيديك"
رمش راشد بعينيه قبل أن يميل للوراء مطلقاً ضحكة صافية عفوية, ضحكة فرحة رائقة لم تزره منذ زمن ثم قال "كبرت النمرة إذاً وتجادل أبيها وتعترض.."
صمت قبل أن يقترب أكثر يحاوط وجنتيها, يرفع وجهها كله إليه, تحنو عيناه.. تلين قسماته وتتدفق الفرحة وهو يقول بصوت رخيم "لا أمانع أن تغلبيني وأن تتفوقي عليّ.. فلا أحد في العالم يريدكِ أفضل منه إلا أبوكِ..."
صمت للحظة أخرى, ذراعاه ينزلقان ليحاوطا كتفيها ضامّها إليه بحرقة, بعنف ووحشية مشاعره, بغبطة قلبه من آخر احتل قلبها وشاركه فيه باكراً جداً... تمسكت سَبنتي في صدر راشد بعنف ينافس وحشية أحضانه تذرف دموعاً حارة، لم تحدد ماهيتها حتى هذه اللحظة، هل هي أحاسيس كل عروس ستفارق أبيها, حصنها الآمن الذي دللها كأميرة حقيقية حماها حتى من تطرف مشاعرها الخاصة.. أم هي دموع لشيء تفتقده ويوجع فرحتها، أم ربما الأمرين معاً..
قبّل راشد أعلى رأسها ثم حررها بنفسه وهو يكمل جملته المعلقة ببطء "لا أحد يريدكِ أفضل منه، تتفوقين عليه, تنولين سعادة لم يحصل هو عليها إلا أبوكِ.. وأمكِ التي تموت كل لحظة من شدة افتقادها لكِ"
فغرت شفتا سَبَنتي وهي تنظر إليه فاقدة الأنفاس, عيناها تتوسعان حتى آخرهما ليتألق بنفسجهما بطريقة عاصفة، هائجة, لم يراهما قبلاً هكذا إلا مرة واحدة فقط.. ليلة أن اعترفت له منذ أكثر من أربع سنوات بحبها لخالد ووفاء قلبها إليه حتى لو أبعدها عنه لمائة سنة..
"ماذا تعني؟!"
أبعدها راشد عنه خطوة قبل أن يلمس وجنتها بسبابته, ملامحه ترتسم بصرامتها المعتادة بينما نبرته تأخذ وتيرة لائمة "أعني أنكِ ربما أخطأتِ عندما اعتقدتِ أني من الممكن أن أقف بينكِ وبين شيء سيسعدكِ, خاصة هذه الليلة"
غطت سَبنتي فمها بكفها وهي تنظر إليه بتأثر عاجزة عن التعبير عما يجول في صدرها من انفعال يضرب كالشلالات، أومأ راشد متفهماً ثم مال نحو أذنها وهو يقول ببطء "لقد أفسدتِ هديتي لكِ، كنت أنوي قبل تلويحكِ الأحمق أن أذهب إليها وأدعوها بنفسي.. بالنهاية ليس من العدل أن نطالب جميعنا بترك الماضي خلفنا، بالأمل في فصل سعادة يضع لنا بداية جديدة نلملم فيها شظايا قلوبنا.. بينما نتركها هي تعاني لما تبقى من حياتها"
رفعت سَبنتي ذراعها على آخره ثم جذبت راشد بعنف مسببة له اهتزاز بسيط في وقفته عندما تعلقت فيه، سيطر على جموحها سريعاً ثم عاد يلف خصرها ويرفعها إليه كما كان يفعل دائماً.. وضمّها إليه لمرة أخرى وهو يقول مازحاً "ليس لديّ أي مشكلة في ترك زوجكِ ينتظر عاماً بالأسفل.. ولكن لا أحبذ أن تنتظر هي بالخارج إذ تكاد تجن ونضال يقيدها مرغمة حتى لا تندفع إليكِ"
شهقت سَبنتي بشهقة بكاء عالية وهو تومئ بذقنها فوق كتفه.. وضعها راشد أرضاً ناوياً الانسحاب ليسمح لجوان بالدخول.. إلا أن أحد أزرار قميصه الفضية تعلقت في شيء ما اعتقد انه أحد تطريزات المعطف خاصتها.. ولكن عندما انحدرت أصابعه ليحرر قميصه انتابته صدمة عنيفة عندما تبين أخيراً (البروش) المتوارث والذي يعلم قوانينه كما يعرف يقيناً أنه مُلكٌ لبدور منذ أعوام.. بالحق الشرعي أيضاً بطريقة ما حتى وإن كانا قد انفصلا..
ارتجفت يدا راشد لبرهة وهو يمسكه بين يديه يمرر أحد أصابعه على جسد النمر المميز، يلمس النابين الشرسين لرمز أكبر أجداده الذي اكتسب لقبه بعد عقود طويلة، ليس بالوراثة وإنما بتركيبته وبصمته الجينية التي أقسم الكثيرين أنها تنحت طويلاً عقب سلسالهم لتولد فيه من جديد...
نظر راشد لسبنتي من جديد ثم قال بدفء "هذا لطف كبير منها.. لا بل فعل خرافيّ جميل وشجاع"
همست سَبنتي بنبرة مختنقة "لقد قالت بأنه حقي أنا.. رغم تأكدي أن لا أحد يملك شيء فيه غيرها"
تحركت بدور أخيراً من ذلك الباب الذي يوصل لجناح آخر تتهادى بجمال وثقة كطاووس يتبختر بكبريائه, مغرور في حسنه ورقة قلبه.. تمسك في يدها يد أبنها الصغير الذي بدا بجانبها كـ(سلطان) واثق الخطى طاغي الشخصية.. وساحر قلوب كل من يراه كأبيه..
"لقد انتهينا من هذا الجدال يا سَبنتي، ولن نعيده"
التفت راشد إليها, يواجهها بطريقة تدمر دفاعات أي امرأة.. بقوة، بامتنان وتقدير.. بطوفان عينين مشتعلتين إن سمح لها بالتحرر ولفها كما يلفها فستانه الذي تنازلت وارتدته لأحرقتها احتراقاً لا يدمر ولكنه يزهر.. ناراً ربما تقتل من وحشية شوقه وإنما ستعيدها للحياة من جديد.. كما ستمنحه هي ترياق الحياة بين ذراعيها تدمر من شدة توقه له.. فقط لو تسمح.. فقط لو تلين.. يقسم بعرش الرحمن في سمائه لأن يكسر عظامها اللينة واحدة تلو الأخرى ساحقها ببنيانه وهدير مضخته الصاخبة الضخمة، ثم يعود لبنيانها من جديد باستمتاع..
"سلطانة" همست شفتاه أخيراً بينما جلمود المشاعر، حجر الصوان.. طاووسه التي حققت معجزتها وعادت تبني نفسها من الرماد كالعنقاء.. تنظر إليه بترفع بارد.. إلا أنه لم يخل عليه, قارئاً كل ما يعتمل من تأثر تحت جلدها الرقيق...
تقدم راشد من بدور غير متنازل عن النظر لعينيها الذهبيتين
ثم قال أخيراً بصوت أجش مخاطباً سَبنتي "إن أخبرتكِ هي بأنه حقكِ.. فيجب أن تتمسكي بهذا وتؤمني به.. فهذه أخلاق السلطانة التي توقعت.. كبيرة حين تمنح، عادلة حين تقرر, حازمة ومتسلطة.. إلا أنها تمتلك قلباً أبيضاً رقيقاً أذابت جليده أخيراً.. فهي لا تحكم رعاياها بالسلطة أو حق العرش وإنما بوقوعهم في غرامها"
ارتبكت بدور فتسلل إليهما على حين غرة ما تخفيه من انجذاب لا ينتهي, ومن عشق يسكن القلوب وظُلِم تحت واجهة الحمق والعناد متمرداً صارخاً, لفهما كالسحر داخل شرنقة من تجلي اعترافٍ مجنون... همست بدور مدعية التهكم "أذكر قبل أشهر بأني كنت ملكة وأنت السلطان، ماذا هل قررت التخلي عن عرشك؟!"
قال بخشونة "العرش سرقته منذ أن رأيتكِ في بيت شذى، وأخبرتكِ يومها أني لن أحاربكِ يوماً لاسترداده.. يا سنونو"
تراقصت فراشات ملونة على وجنتي بدور إلا أنها تحدثت بعبث علها تداري تأثرها الذي تعزيه لأجواء الزفاف (تباً هي تكذب) اعترفت لنفسها إلا أنها لم تظهر ذلك, فقالت "حسناً بعد طاووس وملكة وسلطانة.. نعود لنفس النقطة السنونو الحزين"
قال راشد بهدوء "بل السنونو الذي يدافع عن عشه ويراعي كل أحبائه حتى وإن كان يحكم على نفسه بالبقاء في دائرة مفرغة من الوجع"
تلاشت ابتسامة كادت ترتسم على ملامحها.. ثم أشاحت بعيداً عنه متهربة من السؤال الصارخ في عينيه (إلى متى ستتركيننا نلف في حلقة نارية أصبحنا موقنين باستحالة إفلات أحدنا منها مهما توهمنا؟!)
"الوقت يضيع وسبنتي تجن لرؤية والدتها.. اذهب وادعو جوان"
إلا أنهما عندما التفتا لم يكن هناك سَبنتي أصلاً أو عروس تشاركهم الغرفة.. إذ أنها فور اشتباكهما ببعضهما هرولت دون تردد نحو الباب المفتوح..
عاد كلاهما ينظران لبعضهما ثم قال راشد ساخراً "هل تعتقدين أنها فرّت من أخيكِ أم نأمل بعدم تحملها التأخير لرؤية جوان؟!"
ضحكت بدور بصفاء قبل أن تنتبه لإياب الذي ينقل نظراته بينهما بصمت واهتمام حائر.. رفعته بين ذراعيها ثم قالت بخبث مغيرة الحوار "ما رأيك.. لقد استغللت أحد رجالك الذي استلم بدلتك لصنع واحدة مماثلة لإياب"
ابتسم بلطف وهو يداعب شعر ابنه ثم قال ببساطة "دائماً ما كنتِ بارعة في انتقاء كل ما يخصه لي"
حركت كتفيها قبل أن تقول بنبرة عادية "إنه لك بالنهاية"
(كما أنتِ لي) نطقها القلب ولكن اللسان لم يفعل.. بل قال باختصار "لنا"
التوى عرق جانب فمها قبل أن تقول بمرارة "لم يصبح بعد"
أخذ راشد نفس عميق متألم ثم قال بصوت رخيم "قريباً جداً سيعلم، وسينتهي هذا العذاب"
نظرت لإياب الذي سكن على كتفها ينظر إليهما ويستمع باهتمام، معتقدين أنه لا يفقه شيء مما يدور من حديثهما المستتر "هل تعتقد أنه سيتقبل ببساطة.. رغم لهفتي وترقبي لهذا اليوم.. إلا أني أخاف أذيته"
قال ببساطة "الحمقى هم من لا يخافون"
صمت لبرهة قبل أن يضيف بإغاظة "وأظنكِ قد تخليتِ عن تصدركِ لهذا المنصب الحصريّ منذ زمن"
رفعت بدور أنفها بترفع دون أن تجيبه...
حتى تدخل إياب يطالب بوالده تلقاه راشد مداعباً واضعه بجانب قلبه وهو يقول "لقد تفوقت على خالك في الوسامة يا بطل"
عبس إياب وهو يكتف يديه الصغيرتين في بعضهما ثم قال غاضباً "إن كنت أجمل منه لماذا لا تتزوجني سَبنتي، وتترك هذا السارق؟!"
انتفض كلٌّ من راشد وبدور بذهول لوهلة وهما يحاولان استيعاب جملته البريئة العفوية.. ثم انفجرا ضاحكين عندما قالت بدور بعفوية "لأن لا أحد يتزوج من والدته"
نظر إليها بنفس العبوس والتأمل المريب قبل أن يقول ببراءة "سَبنتي ليست ماما سيدة بدور"
اهتزت عضلة بجانب وجه راشد وهو يتأملها تغلق عينيها وكأنها تحاول التعاطي مع عنف نفسي مقاومة أن تصحح له جملته (هي ليست ماما.. لأني أنا من حملتك وهن على وهن بجانب قلبي"
إلا أنها قالت بهدوء "هل يمكننا التحرك؟"
وضع إياب رأسه على كتف راشد وما زال لم يتنازل عن نظرات غريبة لا تتوافق مع براءته مؤخراً... حتى سأل أخيراً راشد صادماً كليهما "بابا لماذا لا تأتي بعروس كخالي ونزار؟"
إلا أن الصدمة لم تدم طويل عندما قال راشد دون تفكير "لأني أملك واحدة سأنتظرها دهراً، فقط لو لوحت بأي أمل في الغفران يوماً"

ارتبكت بدور وتبعثرت المشاعر متخبطة داخل حدقتيها.. إلا أنها أجادت صنع ملامحها الباردة.. الطاووس لم تنهض من تعثرها فقط.. ولكن يبدو أنها استعادت كل ما كان يميزها, كل ما كان يصنعها ويصنع طاقة من السحر حولها حتى وإن كان قاسياً...
"من هي؟!" سأل إياب, إلا أن السؤال كان يبدو منتظراً إجابة محددة فهو لم يقل السؤال الطبيعي (أين هي.. بل من)؟
تمنى، رغب.. دعا وتضرع لله في هذه الثواني أن يتمكن من منحها ما ترغب.. أن يهبها هي ما حرمها منه بظلمه لها.. أن يكلل هذه الليلة المباركة بمزيد من تضميد الجروح.. ولكن تبقى الأمنيات مجرد أحلام تخضع أمام واقعٍ أشد وطأة..
ارتسمت ابتسامة تزاحمت فيها المشاعر على شفتيه، قبل أن يهمس بخفوت لابنه دون أن تتنازل عيناه عن أسر عينيها المرتبكة "هي من تشرق الشمس بعينيها و تغرب النجوم استحياءً عند رؤيتها.. هي سلطانة توجت أخيراً بما تُوقع منها ودور خُلقت لأجله"
***********

عندما رفعت سَبنتي فستانها بيديها وهرولت للخارج.. لم تتوقع جوان مطلقاً التي كان نضال يثبتها بمعجزة حتى يُؤذن لها بالدخول.. أن تأتي سبنتي إليها بنفسها, أن تندفع بنفاذ صبر ودون تردد على صدرها.. تضمها هي قبل أن تجرؤ جوان وتحيطها.. تدفئها وتطفئ نار فراقها.. وكأنها هي أمها لا العكس.. تمنحها من فيض مشاعرها كنهر عذب يفيض ويزرع دون أن يجرف.. يحن على العباد العطش، ويروي ظمأ قد طال... تمنحها ببساطة سلام قلب أم طاردت طويلاً, ضحت من أجلها كثيراً، وأخطأت وظلمتها هي دون أن تحقق مأربها.. وهكذا تلك المعجزة البنفسجية.. ذلك الكائن الصغير الذي تشبث بحقه في الدنيا, هذه الجميلة، الرائعة، الذكية.. والتي تمتلك قلب من ذهب.. تمحو كل أعوامها العجاف في لحظة وضمة..
"شكراً لأنكِ أتيتِ.. لقد كنت غاضبة منكِ، حزينة لتفريطكِ بي بسهولة ودون مقاومة، لهجركِ, ونقضكِ وعدكِ لي.. ولكن الآن كل شيء محي.. لقد غفرت لكِ"
دقت جوان على ظهرها بطريقة إجرامية لم تعتقد أنها فيها يوماً.. تمسك في قماش فستانها بقوة, تعصرها مع بشرتها بجنون بين يديها.. تذرف دموع غزيرة تمنت ألا تهبط وتشوه فرحة صغيرتها.. ترتعش وكلها ينتفض وهي تشهق بدون صوت..
"فقط لو أستطيع أن أعيد الزمن وأملك قوة خيالية لأهرب بكِ بعيداً، وأكبركِ أمام عينيّ وبين ضلوعي"
اغرورقت عينا سَبنتي بالدموع وهي تهمس بخشونة "لا أحد فينا يملك قدرة تسيير أقداره.. حتى وإن كنّا نرسم خطوط حياتنا ونختار طرقنا بأنفسنا"
أبعدتها جوان ليس لشيء ولكن لتتأملها, تتشرب ملامح صغيرتها التي أصبحت بين يوم وليلة عروس مبهرة ..فتمحو بطلتها البهية تلك كل الأوجاع بفرقعة إصبع..
"أنتِ كنتِ أفضل اختيار اخترته.. قوتي الحقيقية تكمن بالتمسك بكِ ومنحكِ حياتي.."
قالت سَبنتي بضحكة مرتعشة "وهذا وحده كفيل بأن أتناسى كل ما كان, بأن أخبركِ بافتقادي لكِ.. برعبي عليكِ كل الفترة الماضية وظني أن مكروهاً قد أصابكِ.. بأني اشتقت لكِ يا أمي"
تنفست جوان بانفعال لاهث ويدها تلقائياً تسند على بطنها خشية من تلك المشاعر المهولة أن تطاله... رعدة قوية ضربت قلب جوان من جديد وهي تتأملها من بين سحابات الشوق والألم.. من بين عدم التصديق.. والانبهار.. وما بين ما قد ظنت أنها سمعته منها.. صغيرتها الجميلة, الحنونة, الطيبة.. والعروس.. ربما أصنع بداخلي معجزة لأستطيع تحمل كل ما أتعاطى معه من صخب وبهجة وثورة وأنا أمامها.. عندما طال صمت جوان وتخشبها.. رفعت سَبنتي يدها تربت على كتفها برقة وهي تكرر "هل أزعجتكِ يا (أمي)؟"
خطفتها جوان من جديد وهي تضمها إليها بقوة عاصفة جارحة وهي تختنق بحرقة "يا قلب أمكِ.. يا روحها وضوء عينيها.. يا حب تملك من كل ذرة فيها.. ماذا أفعل، بماذا قد أخبركِ ليفيكِ عظم تعلق أمكِ بكِ؟"
أسبلت سَبنتي جفنيها وهي تلف يديها تحت كتفي جوان بحنان ثم همست برقة "سأخبركِ بما قلته لراشد.. لا تحتاجين للشرح.. أنا أفهم كل ما عانيته لأجلي، أدرك قوة حبكِ لي.. تضحيتكِ مرة برجل حياتكِ الحقيقي فقط لتستطيعي التقرب مني, وهذا كله بدل من أن يغضبني تحول لصالحكِ لتزهر مشاعري تجاهكِ"
عند هذا الحد عجزت كل حروف العالم ومشاعر كل الأمم عن وصف ما تمر به جوان..
شعرت سَبنتي بيد نضال التي أسند بها ظهر زوجته ثم أحنى رأسه ينظر إلى عينيها من فوق كتف جوان وهمس برفق مداعباً "يقولون بأنكِ قد تغيرتِ.. بينما أنا لم أرى إلا ما توقعته منكِ.. لقد كبرت الدعسوقة لتصبح فراشة تضيء عتمة القلوب"
ابتسمت له سَبنتي حتى ظهر صفا أسنانها ثم همست متلاعبة "إن كان غزلاً عفيفاً فلن أخبر أحد.. أما إن كنت ما زلت واقعاً في غرامي فهذا يتوجب عليّ بثه لخالد حتى يحطم وجهك"
ضحك نضال بخشونة بينما يمسد ظهر جوان بقوة كأنه يريد حثها على التماسك سريعاً حيث لا وقت في هذه الليلة بالذات لكل الصخب الذي يعيشونه ثم قال أخيراً بتفكه خشن "ألا تكفي الرصاصة التي دفعتها سابقاً ثمناً للوصول إليكِ؟"
انفصلت سَبنتي عن جوان ثم أمسكت يدها بقوة بين أصابعها قبل أن تقول بإغاظة "من يلاعب وحوش الراوي لا يلوم إلا نفسه"
ارتد رأسه للوراء ممتعضاً ثم قال "ونحن هنا نتحدث عن غابة كبيرة من المفترسين.. نسائها كما رجالها"
نظرت لجوان قبل أن تقول برقة "وأنتِ بطريقة ما تورطت مع دمائنا.. أعتقد أن أخي سيرث شيئاً مني, صحيح؟"
ضحكت جوان وهي تمسح آخر دموعها بعنف وقالت "أريدها فتاة, نسخة منكِ"
ادّعى نضال الرعب ثم قال "لا, أنا على استعداد لتوسلكِ.. أقبل بأي نفحة منكِ إلا طفلة تشبه هذه السبنتي"
قالت سَبنتي ببرود "وكأنك تحلم بأن تصبح أباً لفتاة مثلي"
نظر إليها نضال بحنان لم يخفي الإعجاب فيه, نظرة أربكتها رغم نقائها ثم قال "بطريقة أو أخرى أنا لديّ واحدة تقف بثوب عروس تلمع كالذهب السائل"
قبل أن تجيبه سَبنتي, كان راشد يطل عليهم تجاوره بدور وابنهما يتوسطهما, كلا يمسك بإحدى يديه فعكسا صورة جميلة وصحيحة في مكانها المطلوب الذي يصيب قلب أيا من يبصرهم بقبضة ممتعة متمنية لهم أن يصلا إليها يوماً وتبقى دهراً...
"لديّ أب بالفعل يا نضال، فلا تحاول أن تنافسه لأنك ستخسر"
أومأ نضال قبل أن يقول ببهجة "مؤكد راشد بك"
تقدمت بدور نحو سَبنتي وجوان.. بادلت جوان نظرة هادئة مرحبة جداً وهي تقول بأناقة "سعيدة بتواجدكِ هنا.. مبارك لكِ زواج الصغيرة"
همست سَبنتي بملل ممتعضة "لست صغيرة"
تجاهلتها بدور التي رأت امتناناً عميقاً في عيني جوان التي تبينت أنها مجرد عدسات تخفي لونهما الحقيقي "الشكر لكم.. ولكِ على وقوفكِ بجانبها"
سحبت بدور سَبنتي التي تمسكت بيد جوان بقوة رافضة تركها وهي تسمعها تقول بصدق "كنت أتمنى أن تفعليها بنفسكِ ولكن لا بأس, نحن واحد صحيح؟"
حدقت فيها جوان من جديد، ترى فيها القوة.. الكبرياء.. الترفع عن ذكرى طافت برأسها إذ أن آخر مرة وأول مرة واجهتها فيها لم تكن مقابلة سارة أو مشرفة مطلقاً "أتمنى أن تغفري لي يوماً ذلك اللقاء"
الحدة في عينيّ بدور واشتعال شمس عينيها لم تخطئه جوان إلا أنها كما هبت كنسمة حارة خانقة اختفت وبدور تقول بهدوء "أنا لا أذكر أي لقاء حدث بيننا.. وبصراحة كل ما أهتم له الآن هو تعديل زينة العروس التي فسدت.. وأخي الذي يتقلب على جمر بالأسفل منتظراً لقاء عروسه الذي طال"
صمتت بدور قبل أن تنظر لجوان التي أخفضت وجهها بنوع من الندم والفقر في إخبارها ما قد تشرح نفسها به.. إلا أن بدور لم تمنحها وقت كثير لجلد الذات عندما قالت بعينين تشعان ذهب متحدي "نحن قررنا النسيان.. هذه ليلة فارس الراوي وربيبة والدتي المدللة.. لن نسمح لشيء بإفسادها.. وأنتِ بوجودكِ هنا مجبرة للخضوع لهذا القانون"
رفعت جوان رأسها أخيراً تنظر إليها بإعجاب ورضا ثم قالت "هذا القانون يناسبني.. إن وجدت لديكِ داخل هذه الغرفة من تساعدني في ترتيب هذا الحجاب وتعدل زينتي؟"
أومأت بدور ببساطة ثم قالت بتألق "هذا شرط صعب جداً ولكن يمكنني القيام به.."
انصرفتا بعدها داخل الجناح وطلبت بدور من راشد أن يخبر شذى باستعدادهم لطلة سَبنتي واستعداده هو الآخر.. وبالطبع بقي إياب مع والده منذ هذه اللحظة.. والذي قال بتذمر "أريد أن أذهب وألعب مع الأطفال بالأسفل"
رفعه راشد من جديد على ذراعه ثم قال بجدية عابثة "ولكن أنت رجل أختك.. كيف لرجل أن يلعب مع الأطفال ولا يسلم شقيقته لزوجها؟!"
عاد يكتف ذراعيه على صدره بعبوس لذيذ وهو يقول "لا أحبه, سيأخذها مني.. لقد أخبرني صباحاً بأنه لن يسمح لها باللعب معي، أو أن أنام معها مجددًا"
بان الضيق على وجهه راشد وتوعد بداخله أن يفتك برأس خالد لتجرئه بالأساس على الحلم بما لم يكمله لإياب (لن ينام معها إياب, بينما مسموح للشيخ حلاله.. خسئ إن سمح له)
قال راشد بصرامة "لا تقلق من هذه الناحية، هو لن يستطيع منعها من حب إياب وتفضيله عن الجميع.. وإن رغبت أيضاً بعد الزفاف سنعيدها معنا للمنزل"
أخيراً تنازل إياب ليضحك ويصفق بانتصار ثم قال "وبدور.. أريدك أن تأخذ منه بدور لتصبح لي"
رغم القبضة التي امتدت تعتصر فؤاده، كان راشد يقول بمرح خبيث "ثق يا بني بأن رغبتك تلك لا تضاهي جنون والدك ورغبته العنيفة في خطفها، وإجبارها على السكن معنا.. وبي"
حرك نضال رأسه جانباً مدارياً ضحكة تعجب واستمتاع بحوار الأب وابنه الذي اتضح أنه يضاهيه بتطرف مشاعره، وعناد متحجر كوالدته.. أما عن جنون التملك فمن الواضح أنه جين مشترك ورثه من كليهما..
"راويّ خالص بصحيح"
قال راشد مدعياً الغضب "هل تسخر مني وولدي؟"
رفع نضال كفيه في علامة مدافعة وهو يقول "لا والله, بل أفكر وأدعو أن يرحمنا الله من المزيد من نسلكم العجيب"
ابتسم راشد وهو منشغل في تعديل ربطة عنق ابنه الزرقاء التي تلاءمت مع خيوط فستان والدته ثم قال مازحاً "فقط فليُقدر لهم المجيء وبعدها ادعو كما يحلو لك"
عم صمت هادئ لدقائق بينهم قبل أن يقطعه نضال وهو يسأل بهدوء واهتمام "وأنت كيف حالك يا راشد بك؟"
أطلق راشد تنهيدة عميقة قبل أن يقول بحسرة مختصراً "أعاني... أحمل فوق كتفي وجع ضمير، وعقل معتم يخبرني أنه ما عاد مكان لندم قد يحل ما كان.. أعاني يا نضال ولكني لا أملك رفاهية الاعتراف"
حدق فيه نضال مأخوذ لوهلة من اعترافه الذي رغم بساطته إلا أن الوجع والهم فيه كان بليغ ومؤذي لكل من يسمعه...
"سيد راشد..."
قطع راشد الحديث وكأنه يتهرب من الثقة التي منحها له لتوه في اعترافه ثم قال بمرح "بالله عليك بعد كل ما حدث.. بعد كل ما عانينا.. ما زلت تناديني بالألقاب؟!"
قال نضال بهدوء "ربما هو التعود.. ولك مقام ما يحفظك من الألقاب"
قال راشد بعفوية "قيمة الإنسان ليس بما يحمله من الألقاب.. بل بما يتركه ورائه من أثر... ثم بصراحة أنت لم تعد تعمل معي منذ زمن.. والآن أنت رجل حر, صاحب عمل, تملك زمام أموره, أي بطريقة ما تعد رجل أعمال ومنافس حتى وإن لم تلتقي تجارتنا"
أومأ نضال باسماً.. قبل أن يقطع وقفتهم أخيراً باب المصعد الذي فتح وأطلت منه نوة وفريق من الفتيات ال....
تدلى فك راشد ونضال بصدمة غير فاهمين بالضبط ما ترتديه هؤلاء الصغيرات اللاتي يفترض أن ترافقن العروس في زفتها..
"ما هذا بحق الله.. من المجذوب الذي اقترح هذه الفكرة؟" لم يستطع نضال منع نفسه.. بينما كان راشد ما زال يحدق فيهن بصدمة عاجز عن قول كلمة..
وإياب يصفق مهللاً لما يحملنه الفتيات ورائهن في أقفاص من خشب الخيزران وينبت ميها وريقات من الشجر الأخضر..
أجابته نوة أخيراً بتلاعب كاتمة ضحكة مجنونة "فكرة (مهندس الحشرات) خاصتنا.. اعتقد بأنه لديه انتقاماً شخصياً مع دعسوقته ظريفة الأسنان"
***********

وقفت هناء تستقبل جانبها من المدعوين خاصة النساء.. بينما دموع الفرحة والسعادة كمن كان سيرحل طويلاً تائها وأخيراً وجد وجهة ترحاله، وجد واحة من الراحة والجمال والانتماء, فاستطاع أن يتنفس.. الأمر كان وهي تراقب نزار الفخور يراقص عروسه الصغيرة أشبه بالانتصار.. الفوز على آخر أشباحها ..الفوز على كل من همس في حقها بكلمة.. الفوز على كل أوجاعها.. والظفر أخيراً بعمر ظنت أنه ضاع هباء لتكتشف في تلك اللحظة أن ربّ العباد رحيم بها وعوضها خيراً على صبرها وحسن تنشئتها لصغيرها الذي ضل قليلاً, إلا أن ثقتها في الله أعادته إليها.. كما أعاد حبيبها الذي تخلت عنه لوجهه وطاعته.. فأهداها إياه بإيمانه وإخلاصه...
"حبيبتي" شهقت هناء بخجل عندما شعرت بذراعيه تحيط خصرها من الوراء وبوجهه يستند على كتفها بينما دون تردد كان يطبع قبلة عميقة على وجنتها
"يا إلهي.. هل جننت يا رجل؟"
زمجر جوشوا بخشونة غير مبالي ببعض الناس الذين التفتوا إليهم يتغامزون.. ولا بمحاولتها النزقة للإفلات منه "بل أحبكِ يا امرأة... أحبكِ هل تفهمينها بالعربية أم أقولها لكِ بالسويدية؟"
حاولت هناء الإفلات منه بقوة وهي تقول من بين أسنانها "احترم سنك ومكانتك.. نحن في زفاف ولدك"
داعب بطنها بحنان من فوق فستانها الفضي الرقيق، الذي اشتراه لها بنفسه متذكر كيف جنت عليه وهو يمزق ذلك الفستان الأسود المريع في قصته إذ أنه ناسب امرأة تخطت المئة عام.. ومبررها السخيف يليق بأم العريس..
شهقت هناء بقوة وجسدها كله ينتفض إثر لمسته "ابتعد, ماذا تفعل يا مجذوب؟"
رفع جوشوا يده يداعب وجنتها غير مهتم على الإطلاق بالنظرات الفضولية التي لا يفهم سر توجهها لهما, أليست زوجته وما يفعلانه شؤونهما الخاصة؟!!
تعمد تشتيت انتباهها وهو يقول برقة "لحظة إمساكه بعروسه وفوزه بحبه أردت أن أهرول إليه.. أن أحتضنه بين ذراعي أبيه الفخور.. أن أبكي دون حرج انتهاء معاناة ابني.. داعياً له ألا يفرقه عن حبيبته شيء أبداً"
جسدها المتوتر هدأ في لحظة بل ووجدت نفسها تلقائياً تحيط ذراعه المتملك حول خصرها تستند إليه وهي تقول برقة "أرغب أنا الأخرى أن أفعل.. إلا أن سيادة الدكتور الأمير ما كان ليسامحنا"
ضمها جوشوا إليه أكثر ملصقها فيه, داعمها به علانية لأي أعين تبصرها وقد علمت بقصتهما ولو صدفة.. سامحاً لها أن تستغرق في الإحساس بقربه, بتذوق عبير جسده حتى تتذكره وتألفه.. قبل أن يستغلها مرة أخرى وقد حانت الفرصة لينفرد بها أخيراً كي يتنعم بالغرق في جنات امرأة حياته... "لهذا أنا أسميه حمار ولن أتنازل عن مناداته بها يوماً ولو أنجب من آنسة الراوي عشر أطفال"
أغمضت هناء عينيها لوهلة متمتعة بما يمنحه لها رجلها الحبيب, تشعر في هذه اللحظة من شدة السعادة التي تتدفق إليها أنها تطير في السماء, تحلق فوق الغيوم بجناحين لن ينكسرا مرة أخرى أبداً.. هل تخاف من التهامس.. بما قد يقولونه عليها.. فتباً لهم جميعاً.. وماذا قد فعلوا عندما كانت وحيدة منبوذة تتأمل هي وابنها...
"هي سيدة هابر الآن.. ابنة أخرى لنا تعوضنا عن عدم قدرتنا إنجاب غيره"
مرر جوش بحركة سريعة خاطفة وخبيثة شفتيه تحت أطراف حجابها ملامساً جانب شريان ينبض بجنون في نحرها, مسبباً لها عدم اتزان وفيض من مشاعر يضربها.. رباه لقد أيقظ ذلك الرجل فيها وحش ينهش فيها مذكرها بأنوثة كانت متجمدة طويلاً وها قد ذاب جليدها وتطالب بجشع ودون خجل أن تنهل من رجولته وعاطفته ..لم ترد أو تتحفه بأحد ردودها الحمقاء، فهمس هو بعاطفة دغدغت حواسها "ليس هناك إلا سيدة هابر واحدة.. وهي بين ذراعي أستاذها أخيراً يا فرعونية، أما عن كونها ابنة فأنا قبلت بها... ولكني أنوي مع سبق الإصرار أن آتي بابنة من صلبي تحمل ملامح أمها المصرية هذه المرة"
خلعت هناء نفسها منه أخيراً بقوة غريبة ومجنونة دافعها الغضب البحت ثم واجهته وهي تقول من بين أسنانها "ابنة مِن مَن.. هل تنوي الزواج عليّ؟"
نظر إليها جوشوا بامتعاض مستنكراً ثم قال بتهكم "ضيقي فتحتيّ أنفكِ يا هناء, فأنا قادر على رؤية خياشيمكِ التي تخرج ناراً ودخاناً.."
قالت بغيظ "هل تسخر مني.. أم غرت من ابنك واكتشفت فجأة بأنك تريد عروساً صغيرة تعوضك وتنجب منها؟"
لوى جوش وجهه بامتعاض أكبر ثم وضع يديه في جيب بنطاله وهو يقول "أتزوج أخرى تنجب لي.. هذا على أساس أنكِ لا تعتبرين نفسكِ أنثى قادرة على أداء المهمة؟!"
ارتد وجهه هناء للوراء وتلونت قسماتها بالحرج وهي تقول من بين أسنانها "هل تتلاعب بي.. أي انجاب وأي سخافة.. هل تعلم كم..."
وضع جوشوا يداً على فمها ويده الأخرى تعدل تاجها الذي ثبته بيده صباحاً على حجابها ..تاجاً يعرفه ويميزه ولما لا وقد كان أول تاج ترتديه والدته في حفل تقديمها للمجتمع كأميرة... وقد أرسلته لها وأصرت رغم رفض هناء القوي أن تضعه فوق رأسها.. وتلتقط لها أخته بعض الصور وترسلها لها كدليل.. قال أخيراً بحزم نزق "هناء.. تعلمين أني عند الغضب أفقد كل حلمي، لذا أحذركِ لأن الصبر ملَّ من صبري عليكِ.. إن سمعتك تنطقين بكلمة عمر هذه مرة أخرى.. تالله يا هناء لأن أصعد على حلقة الرقص وآخذك معي ثم أدلي ببيان صغير أمام كل هذا الجمع الغفير مفاده (أعتذر منكم جميعاً, لقد طال شوقي لزوجتي لذا سأختطفها الآن وأصعد بها لأي جناح لأخلص منها ثأر أربعة وعشرين سنة.. وأضع في أحشائها رغم عمرها السخيف أميراً آخراً)"
جحظت عينا هناء بذهول إلا أنها لم تنطق بكلمة.. وقد آمنت بناء على معرفتها به أنه (مكشوف الوجه، مجنون ومتملك.. وجامح المشاعر وقد يفعلها).
ربت جوش على وجهها برقة قبل أن يقول بنبرة ناعمة وكأنه لم يهددها لتوه.. لم يغازلها بوعده.. ولم يُعد لها إحساس بضعف أنوثتها التي تتوق ليلفها بغرام ذكوري جامح مثله...
"هيا, أريد أن أعانق ولدي وأبارك له.. وأنا أضمكِ لي كزوجة أمام العالم أجمع من مجتمعي ومجتمعكِ"
تحركت هناء معه بصمت, يشقان طريقهما نحو الجموع والطاولات الجميلة المرصوصة بعناية على الجانبين مستدلين لمكان العروسين بالثريات الفخمة وعناقيد النور المتدلية من السقف..

فور وصلهما إليهما يقفان بين الحضور من أصدقاء شيماء وبعض العاملين في مدرستها التي أصرت على تواجدهم بجانبها وقد شكلوا جزء مهم وطويل في حياتها..
حضن جوش دون مقدمات ابنه بقوة, حضن رجولي يضرب على ظهره بقبضة خشنة وهو يقول بفخر ونبرة اختنقت فيها مشاعر أبوته وحبه الشديد له "سأستخدم لقب والدتك.. مبارك يا نزار الهوى.. عسى أن يمنحك الله طريق الهداية والصلاح وألا تفقده يوماً يا بني"
بادل نزار والده عناقه وهو يقول ببهجة وفرحة "طالما أنت موجود يا (كبارة البلد) بجانبي لن أفقده أبداً"
أبعده جوش وهو ينظر إليه بتقزز متصنعاً ثم قال "أنت سوقي, أستطيع فهم هذا الآن.. ابتعد"
أزاحه سامحاً لهناء التي خلا صدرها الآن إلا من سعادتها بابنها أن تحتضنه بدورها.. بينما جوشوا تقدم يسحب العروس الصغيرة والهشة كي يضمها إليه بعد أن قبل جبهتها.. فزع نزار من بين ذراعي هناء وهو يهرول جاذباً شيماء تحت ذراعه ثم قال لوالده بسخط "لا تحلم بهذا، ربما هي ابنتك الآن بحكم أنها زوجتي.. إلا أنها ممنوعة اللمس إلا من غيري"
رفع جوش طرف فمه باستخفاف ودون أن يرد سحب شيماء من جديد وبعنف جعل الفتاة تتوتر وأمام صياح ابنه المزعج كان يضمها إليه بقوة أبوية وهو يهمس لها برفق "لا تبالي بالأحمق.. أريدكِ قوية, واثقة أن الآتي سيكون أفضل وأنا منذ الليلة والدكِ كما هناء والدتكِ"
الذهول اللحظي لم يكن من نصيب نزار فقط بل شذى ومريم ومنى، وكل المقربين من شيماء ويعلمون جيداً أنها لا تقبل مساعدة من مخلوق ببساطة، لا تتقبل فكرة أن يحتضنها رجل مهما كانت صفته بسهولة, إلا أنها فعلت عندما سندت رأسها على صدر جوشوا الرحب ويديها تتلامسان حول خصره برقة وخجل ثم همست "شكراً لك، أنا أثق أنك دائماً وخالتي ستتوجدان لأجلي"
رغم النظرة المغيظة التي حدق فيها جوشوا لابنه الذي يغلي بالغيرة كمرجل.. إلا أنه بطريقة ما تفهم عبر تشبث الفتاة به أنها تفتقد حضن مماثل.. تشتاق وتحتاج في هذه اللحظة حنان مشابه.. حنان أب فقدته..
عندما ابتعد خطوة عنها سامحاً لابنه الغيور بأسرها.. كان يشعر برأس هناء الذي استند على كتفه وبصوتها الذي همس بامتنان متحشرج "الحمد لله أنك هنا.. أنك عدت لحياتي وابني.."
استدار جوش ينظر إليها بدهشة ثم تلين عيناه وتبتسم شفتاه وهو يرفع يدها يقبلها برفق وهو يقول "الشكر لكِ سيدتي الجميلة لمنحي فرصة أخرى لأحياها معكِ"
*********

بعد وقت بسيط.. كان جميع الحضور يتدفقون من القاعات الداخلية نحو الساحة المفتوحة على السماء مباشرة, بعضهم متحمس لرؤية العروس الأخرى، ونجم عائلة الراوي الجديد.. الشاب الصغير حديث العهد بالنسبة إليهم في دنيا الأعمال إلا أنه استطاع إثبات هويته وبصمته، بأنه لم يكن وريث مدلل أحاطه أبوه وحماه نمر الراوي.. بل رجل يعتمد عليه, حامي بالفطرة, عادل في معاملته وحازم مع كل من حاول أن يستخف بيه يوماً.. حسناً, حفل كهذا لم يخلو من الشلة الثرثارة الذين أتوا خصيصاً بعضهم شامت في ابتسامة والأخرى رغبة أن يرى الفتاة التي عادت واختطفت العريس من خطيبته التي دامت قصة حبهما لأعوام على حد مزاعم الجرائد الصفراء...
وقف خالد أسفل الدرج مهيب الطول, خشن الوسامة, مفرود الظهر في وقفته الفروسية وقد تباعدت ساقيه قليلاً, واضع يديه على بعضهما أمام عضلات صدره المفتولة.. رأسه مرفوع لأعلى, ملامحه موزونة ذات ثقل مميز.. وسحر طاغي, يجذب إليه أية فتاة أو امرأة الليلة بشكل خاص.. إلا أن عينيه اللتان رُسمت بداخلهما أحاسيس تخنق صدره تبحثان عن خيوط عشق نارية..
أعلنت الأبواق التي نفخت والدف الذي دق بهدوء من أفراد الفرقة الموسيقية الذين وقفوا على جانبيه.. عن إطلالة حبيبته البعيدة القريبة في أي لحظة..
كان نضال قد انضم إليه في وقت سابق كما وعده أن يشد عضده كصديق ويقف وراء ظهره في هذه اللحظة.. إيهاب زيدان أيضاً كان يقف بجوار نضال.. ولمس كتفه يضغط عليه بمحبة وكأنه يخبره باختصار من كان ليصدق منذ أشهر عندما أتيت إليّ مفطور الفؤاد, خائر القوى تطالب بعودتها ونهيتك وأخبرتك أنك أحرقت كل سفنك... بأنك ستفوز بها في النهاية...
استدار خالد برأسه ينظر إليه من فوق كتفه متفهماً ثم همس بشفتيه بحزن عبر عيني خالد السوداوين للحظة "أخبرتك مرة أن لقلبي اعتبارات أخرى.. بأنها لي في نهاية المطاف"
أومأ إيهاب إيماءة بسيطة ثم قال بنبرة ثقيلة "توأم الروح لا تُسلب، مهما تهنا في خيط الوهم آن لنور الحق أن يظهر يوماً معيداً كل جزء شارد من النفس لصاحبه"
غمز نضال خالد نبهه لأن ينظر أمامه..
عندما فعل وهو يتأمل تلك التي تتهادى كنور صباح يضيع عتمة ليل طويل شعر بقلبه يفارقه.. بكله يضيع بين دروب عشقها.. تائه في مشاعره, ضائع في قلبه الذي يدق بعنف بين أضلعه.. بتلك الدماء التي تغلي كمرجل تضربه من قمة رأسه حتى أخمس قدميه, انفرج فمه قليلاً محاولاً أن يلتقط أنفاسه التي هربت ولهثت في آن واحد.. يده التي تجمدت على يده الأخرى ارتفعت يسند بها فؤاده وهو يراقب كالمسحور جنيته الصغيرة.. بقتة القوية.. عبثيته الساحرة..
بينما كان راشد يعلق يدها في ذراعه ويهبط درجة وراء الأخرى كان يأمرها بحزم لطيف "ارفعي رأسكِ.. وانظري إليه"
انكمشت سَبنتي تلتصق براشد أكثر وهى تهمس بخفر "لا أستطيع"
ليس من السهل أن تشعر بأبوة جارفة نحو العريس والعروس في آنٍ واحد إذ أنه إن كان فؤاده قد انخلع قبلاً لرؤيتها بفستان الزفاف.. فإن الأحاسيس الغامضة التي تجتاحه وهو يتأمل ابن عمه الذي يقف في بدلة عرس بيضاء تليق به كان شيئاً آخر...
"يستحق أن تمني على قلبه بنظرة يا صغيرة"
همست بتقطع من تحت قسوة مشاعرها وارتباكها "ربما إن توقفت عن ترديد صغيرة على أذني"
وقف راشد في منتصف الدرج المحاط بسور من الزجاج المصقول ومزين بورود الياسمين الذي ملأ عبقه المكان ناشر برائحته السكينة للنفس ثم, أدارها إليه يرفع وجهها بأنامله وهو يقول بحزم "ستظلين صغيرتي مهما كبرتِ.. وفرحة هذا الشاب الذي استحقكِ بعد معاناة مهما كابرتِ.. لا تبخلي عليه بهذه اللحظة إذ أنها ستبقى في ذاكراته مدى العمر.. ستظلين فرحته الأولى, انتصاره الأول مهما حقق من فوز في حياته"
عضت طارف شفتيها بقوة قبل أن ترفع رأسها نحو راشد بتوتر وهمست بخفوت "أنا أحبك"
ابتسم راشد وهو يقول بحنان "أنا الشخص الخطأ في هذه اللحظة.. ربما سيسعد هو إن أخبرته بها أخيراً"
كشرت بأنفها في حركة نزقة اكسبتها لإياب ثم قالت بطفولية "فلينتظر آخر الدرج لباقي عمره إذاً"
كنّ جوان وبدور ونوة أيضاً تقفن وراءهما كوصيفات للعروس إلا أن هذا لم يمنع بدور أن تقول بصلف "إن تسببت في بكائها مرة أخرى سأجبرك على تصليح زينتها بنفسك"
حرك راشد يده مشير نحو بدور دون أن يلتفت إليها ثم قال بمشاغبة "سنتظاهر بأنها غير موجودة وبأني لم أسمع ما قالته.."
عاد مرة أخرى ليعدل من وقوفهما يعلق يدها في ذراعه ويهبط درجة أخرى نحو عريسها المنتظر خاضعين لمراسم الزفة التي بدأت في التنفيذ..
إلا أن ما حدث تالياً لم يكن صدمة للضيوف فقط وإنما لسبنتي التي بترت نظرتها التي كادت أن تتحد معه.. ليسكن مكانها الغضب الخالص...
إذ أن الفتيات الصغيرات بدل من أن يرتدين ملابس الباليه المعتادة.. كن يتوافدن من جانبها في صفين طويلين.. برداء (الدعسوقة المميزة), يعتلى رؤوسهن أطواق بقرون استشعار كالذي أهداه لها هو مرة في عيد ميلادها السادس عشر.. والفرقة الموسيقية بدل أن تعزف لهم لحن ملكي.. كانوا يعزفون لحن الغابة.. بشكل تضارب مع فخامة العرس..
وليت الأمر اقتصر على هذا فقط.. بل أولات الفتيات بدأن بأن تفتح كل واحدة منهن القفص الموضوع على ظهر الأخرى مخرجات أفيال قطنية لها أجنحة.. وحيتان ولها أجنحة أيضاً...
خبطت بدور يدها على رأسها بعنف غير قادة على تصنع الجمود ..بينما انفجر المدعوين في الضحك... أما شذى فقد أصيبت بتشنج أجبر مالك على أثره أن يترك جانب خالد ويهرول إليها ليسندها تحسباً لنوبة إغماء وشيكة...
بدأت الفتيات بنشر هذه الفيلة والحيتان نحو العروس وعلى المدعوين.. بدل من أن ينشرن حولها الورود...
شعرت سبنتي أيضاً بترك إياب ليدها الممسكة به ليلتقط هذه الدببة وهو يتقافز أمامها بفرحة الأطفال...
"سأقتله.. سأفتح رأسه"
قبض راشد الغارق في الضحك على ذراعها بعنف وهو يقول "سنفعلها لاحقاً كلنا, أنتِ وأنا وأخواته ووالدته.. ولكننا نحتاج لإبقائه على قيد الحياة الآن.."
همس نضال من وراء ظهر خالد "لقد تخيلت.. وتخيلت كل الطرق البرية التي تعبر لها بها عن زواجها منك رغم أنفها.. ولكني لم أتوقع هذا.. أنت تفوقت على نفسك..."
قاطعه إيهاب وهو يقول بصوتٍ أجش جاد "في الحماقة.. الفتاة أخوها يمنعها بشق الأنفس من القفز عليه وتمزيق وجهه"
إلا أن خالد لم يهتم بل رسم ابتسامة مغيظة على شفتيه المتلاعبة وقد استطاع أن يكسب انتباها وانتمائها الكامل في المشاعر إليه وحده أخيراً ..حتى وإن كانت مشاعر رغبة في القتل فقط..
رفع خالد كفيه مفرودين لأعلى مع تناغم منكبه العريض وهو يحرك قدمه خطوة نحوهم ثم قال بخشونة "حتى تطير الفيلة والحيتان... كيف لي ألا أخبر العالم أجمع بمدى صعوبة الحصول على قلب فتاة مثلكِ؟!"
اختفت الضحكات وبدأ المدعوين يستمعون لكلام العريس على تلك النغمة البرية "هل تعتقدين رغم غضبكِ أن هذا كافي ليعلم الجميع أني لم أحب فتاة سواكِ؟!"
اختفى الغضب من عينيّ سَبنتي وهي تحدق فيه وقد بدا صعباً أن تتجاهل الغرق في تفاصيله, في أحاسيسه في هذه اللحظة..
تقدم خالد خطوة أخرى وقد عم الصمت التام.. فقط صوته يرعد بقوة قادرة على جعل السماء تمطر عشقاً على رؤوس كل الحاضرين "لا أظنه كافياً.. عاجزاً عن شرح ما عانيته وأنا أقاوم طغيان عشقكِ الذي أخذني على حين غرة.. تاهت فيها دروبي كاملة وفقدت جزء مني في لحظة فاصلة.. ظللت أطارده وأرفضكِ.. أبحث عنه وأفقدكِ.. أقاوم حباً لصغيرة كبرت أمام عينيّ، ومعي سارقة مني سلامي وسريرتي..."
صمت لبرهة أخرى يتقدم خطوة إليها, يقف على بعد درجة واحدة منها ثم هدر بخشونة "حتى فرقوكِ عني.. وأفقد كل ما تبقى مني أنا.. لأصدم بعدها بالحقيقة الوحشية بأني أنا الضائع ألاحق جزئي الناقص الذي عمي قلبي عن إدراك أنه كان دائماً (أنتِ)"
صمت رهيب خيم على الجميع حتى أن الفرقة الموسيقية توقفت..
راشد ينظر إليه بذهول حقيقي ولأول مرة يجد ذهنه مشتت عاجز عن التصرف أو قول ما يليق بارتجاله العفوي.. خالد لم يخطط لهذا.. هو متأكد, تلك النظرة في عيني ابن عمه, الرعشة التي يداريها في يديه المخفضتين في جانبه.. وذلك البريق الذي يلمع في نظراته ويجعله للمرة الألف يسلمها له بنفس راضية ومرتاحة أخيراً...
بينما سَبنتي التي تتشبث فيه من ضياع محقق كانت تحدق في خالد بعجز.. عجز الإجابة.. تخبط المشاعر، والخوف.. خوف من تصديق حلم طويل تمنته وخذلها.. خوف من نهاية قد تقضي على المتبقي منها إذا وثقت فيه وزهدها، خوف من مجهول تشعر به يتربص بها منذ الأزل ويقضي على أي فرصة لها مع حبيب يستوطنها...
صعد خالد تلك الدرجة الفاصلة يواجهها مباشرة ثم مد كفيه يحاوط وجهها مجبرها للغرق فيه كما هو يغرق ويضيع برضا تام فيما أبعد من حسنها الذي يحسده البعض عليه.. ثم قال أخيراً بصوت أجش "لا أنتظر منكِ إجابة قريباً، حبي لكِ سيكفينا سوياً.. حتى تعودي إليّ فأكتمل أنا"
توقف خالد عن الكلام ليصبح المشهد الآن هو يحاوط وجنتيها وهي ترفع وجهها إليه تنظر إليه كزهرة عباد الشمس التي تلاحق أشعة الشمس فتضيء عتمتها.. وراشد هناك يستعد لأن يسلمها لعريسها أخيراً..
إلا أن التصفيق الحار الذي صدر عن مدحت كان غريباً للحظة ..ولكنه كان تشجيع أيضاً لباقي المتفرجين الذين وقفوا من أماكنهم وانخرطوا في تصفيق حاد تخللته زغاريد بدت عجيبة قليلاً في طبقة كهذه...
"هل يمكنني استلام عروسي.. وتذهب أنت من جانبها لآخر الحفل؟!"
هز راشد رأسه بإعجاب لم يدم ثوان عندما قال "ارتجال مبهر.. إلا انه لم يتفوق على الأمير هابر"
كانت منى دامعة العينين, تظهر عليها الفرحة بشكل لا يوصف أو ينافس قد وصلت إليهم تجاور كلاً من ابنها وربيبتها.. عندما قالت بحنق "توقف عن إغاظته.. وامنحه زوجته"
أبعد خالد يده عن وجهها ثم هبط درجة أخرى أمام نظرات القلق التي احتلت أخواته ووالدته إلا أنه قال سريعاً غامزاً شذى من مكانه في حركة متفق عليها "ربما لم يحن الوقت يا أمي"
في ثوان كانت كل الأنوار تطفئ في الحديقة والقاعتين ثم تضاء كل شاشات العرض الضخمة المحيطة من كل صوب واتجاه..
ليبدأ عبرها تشغيل فيلم مصور كان قد أعده هو وشذى سراً وبعيداً عن الجميع..
وقف خالد مقابل لراشد على درجة أقل ثم قال بهدوء "لم أعده لإبهارك.. ولكنك استحققت أنت الآخر هدية كهذه مني ومنها.. حتى وإن لم تشارك هي..."
الآن فقط لم يهتم راشد إن كان رأى أحد ما ترقرق الدموع في عينيه.. عندما عرض ذلك الفيلم.. صور متتالية له ولسبنتي في كل مراحلها العمرية على أنغام أغنية شهيرة كان سمعها يوماً ما بالصدفة..
"بنتي وحبيبتي و كل حاجة في الدنيا ليا معقول كبرتي والعمر عدى بالسرعة دي.. بنتي وحبيبتي"
الجميع كان مبهوراً بالعرض.. برؤية لقطات لها مع راشد.. ها هي صورة تمر كانت في الثالثة من عمرها ترتدي زيها وجواربها التي لم تتنازل عنها قط في السابق.. يمشى بها في شوارع لندن بينما يحمل في يده بعض الحلوى وإحدى فردتي حذائها بينما هي تتمسك في عنقه وتدفن وجهها العابث في كتفه..
وأخرى كانت في عيد ميلادها الرابع تنظر إليه بتكشيرة مضحكة بينما هو يشعل لها الشمع مجدداً لتستطيع تمني أمنية أخرى..
يلحقها أخرى أكبر قليلاً وهو يعلمها السباحة.. وأخرى وهو يضعها أمامه على جواده.. وأخرى يطعمها بنفسه ..وأخرى ينام في الحديقة ويقرأ لها من قصص الأطفال... تتبعها لحظات كثيرة وعميقة تشرح بوضوح ودون شك ما معنى قوله المتملك "ابنتي"
دمعت عينا سَبنتي وهي تلتفت نحوه ثم تدفع نفسها بين ذراعيه من جديد..
بينما كان ما زال ذلك الفيلم مستمر حتى توقف وتولى المصور أن يعكس صورتهما الجميلة تلك في هذه اللحظة لتنعكس على كل الشاشات
"معقول كبرتي والعمر عدي بالسرعة دي
بنتي وحبيتبي وكل حاجه في الدنيا ليا
معقول كبرتي و العمر عدي بالسرعة دي
ده انا لسه شايفك بالضفاير بتجري جمبي وتلعبي
انده عليكي بسرعة تجري في حضني تجي وتهربي
اهو انهارده بقيتي احلي عروسة تشوفها عيني
واليوم ده اجمل يوم في عمري حلمت بي طول سنيني
ولو لقيتي دموع في عيني ده عشان هتمشي وتسيبني
***
عندما طال تعانقهما كان خالد يلمس كتف ابن عم بلطف بمبالغ فيه وهو يقول "لا تستمع لهذا المغني.. أعطني زوجتي"
أبعدها راشد عنه أخيراً وقد تمالك مشاعره ونفسه.. ثم أمسك بيدها وقبل جبهتها.. ومنحها لزوجها الذي تنهد الصعداء أخيراً إلا أن راحته لم تدم عندما جاور راشد زوجة عمه وهو يقول ببرود "أفلحت إلا أنه ليس كافياً بعد"
هتفت نوة بنزق من ورائه "بالله عليك اتركه لحاله.. يكفيه همه مع المجنونة (حلاله)"
إلا أن عينيه التي انحدرت لبدور جعلتها تقول ببرود "بل هو محق كل هذا لم يقنعني.. ولم يعكس مشاعر أخيكِ الحقيقية"
ولكن خالد لم يهتم كثيراً عندما أدارها إليه وقد ملكها أخيراً وحصرياً وبالعرف والقانون والإشهار.. سَبنتي أصبحت له بكل الرسميات التي يمكن أن تتواجد في العالم..
وعندما أحنى رأسه قليلاً ليوازي طولها.. مما أربكها.. والجميع تحفز لقبلة مجنونة من العريس المتلهف.. عادى راشد الذي تجهز لدق عنقه إن تجرأ وفعلها..
كان الجميع يبهت حرفياً بينما خالد يسألها بجدية رهيبة وحازمة "هل ‏صليتِ المغرب والعشاء؟! أنا لا أريد أن أبدأ حياتي معكِ بتقصير في العبادة"
تدلى فك سَبنتي وهي تنظر إليه ببهوت وعجز حقيقي عن الإجابة..
بينما حركت نوة فمها يمين ويسار وهي تهمس لبدور "خيبة الله علي أخيكِ، من الواضح أنه تزوجها حقاً ليحفظها ما تبقى من القرآن"
أما راشد عندما استوعب ما همس ابن عمه به أراد أن يقول بحيرة (مهلاً هل أخطأت وزوجتها لشيخ الأزهر أم ماذا؟!)
أما منى المسكينة نظرت لولدها بيأس وهي تتحسر سراً على خيبتها فيه تكاد تبكي بحرقة سائلة الله العون (لقد ربته على الطاعة وليس الرهبنة... هل تودع فكرة الأحفاد التي كانت تحلم بها لليالٍ منذ اللحظة؟!)
"هل هذا ما أتى لتفكيرك الخارق بعد اعترافك الحار يا خالد؟!" قالت منى ضاغطة على حروفها..
إلا أن خالد فرد كتفيه من جديد وسحب عروسه التي بالكاد لامس كتفها أعلى خصره بتملك ثم استدار أخيراً مواجهاً الناس ومستعداً للهبوط بها نحو باقي أجواء الزفاف..
***********
يتبع الان :syriasupers tarra8:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 01:09 AM   #5675

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

المشاركة الثانى من الجزء الثانى للفصل الخامس والاربعون



استمرت أجواء الزفاف المبهجة والذي كان يحضره رجال أعمال وسياسيين وبعض من الفنانين ولاعبي كرة القدم.. وغيرهم من كل أنحاء العالم راغبين في تقديم التهاني لعائلة عريقة وتسيطر الآن ليس على تجارة النسيج ليس في مصر فقط وإنما في عدة دول أوروبية وعربية..
الزفاف أيضا لم يخلو من الصحفيين ورؤساء الصحف.. والذي بالطبع كان أهمهم والذي دعاه راشد بنفسه (تليد العماري).. لقد رغب في أن يري الرجل الذي ساعده عند مشكلة نزار وهناء.. والفضل له بالنهاية السعيدة لكلا الطرفين..
تميم الخطيب كان هناك أيضاً وقد قدم لهم مساندة سيمتن لها كلا من خالد وراشد.. راشد الذي يجبر نفسه على تقبله فقط إن استمر في اتباع نصيحته (تهديده) أن يبتعد عن طريق بدور بأي صورة.. مراد بالطبع كان موجود كفرد مقرب من عائلة زيدان.. ومريم التي دعت إسراء بشكل خاص...
انقسمت الآن كل أسرة على طاولتها.. بينما انخرط عدة رجال في حديث عن أحوال الأعمال والبلاد.. بينما المستفز ابن عمه انضم إليه متعللاً بأن عروسه تقف مع صديقات لها.. والتي أصرت على أن تساند شيماء في طلبها بألا يكون هناك مقاعد زفاف أو منصة خاصة بالعرسان إذ أنها ترفض أن تسلط عليها كل الأعين وتتأمل العروس (العمياء).
هو تفهم بالطبع طلب ابنة عمه الصغيرة وشجع طلبها هذا مع شذى أمام رفض وتذمر بعض أفراد العائلة.. حتى كان الدعم الأكبر من خالد وسبنتي اللذان رفضا بدورهما أن يكونا فرجة للناس على مقعدين مزينين بحماقة على حد قولهما..
ازداد التواء شفتي راشد وهو ينظر إليه بعدم رضا.. مقارن لهفة نزار الذي لم يترك عروسه للحظة حتى وأصدقائه الذين أتوا له خصيصاً يجرونه معهم لساحة الرقص في زفاف سويدي تقليدي انتهى بحملهم له على الأكتاف.. وألقوه لأعلى يحتفلون به على طريقتهم...
****
على الطرف الآخر الخاص بالنساء كانت سَبنتي تجلس مجاورة لصديقتها الجديدة في الجامعة سعيدة بقدرتها على القدوم..
بينما تستمع لشهيرة تقول بتهكم ضاحك "وأنا من اعتقدت أنكِ مسكينة وأتيت بمبلغ مالي أدسه في يدكِ وزوجكِ كـ(نقوط) يعينكما على مشقة الحياة!"
تراجع رأس سَبنتي للوراء ضاحكة قبل أن تقول "وهل أنتِ حمقاء لهذه الدرجة، ألم يخبركِ خاتم زواجي بأي لمحة عن هوية العريس الهمام؟!"
تغضن وجه شهيرة وهي تقول بنزق "هذا أصلاً ما جعلني أعتقد بأنه لا يملك حتى أن يطعمكِ، لقد ظننت أنه خاتم مزيف ورخيص"
حركت سَبنتي الخاتم في إصبعها وهي تنظر إليه بشرود للحظة ثم قالت "إنه ما رمز به هو لي منذ الصغر"
قالت شهيرة قاصفة إياها "وهل أنتِ رضيعة؟! يجب عليه أن يغيره, هذا القلب والكثير من الأحمر والأسود لا يليق بدكتورة المستقبل"
ابتسمت لها سَبنتي بصفاء عالمة أنها تحب مشاكستها ثم قالت "ماذا تقترحين عليّ إذاً لإخباره؟"
أمالت شهيرة عليها جداً ثم همست بنبرة شريرة "الاقتراح الوحيد أن تخفي هذا الرجل عن الأعين، إياكِ وأن يراه أحد في الجامعة وهو يبدو أنه خرج من أحد أغلفة المجلات.. سيختطفونه منكِ أو يحسدونكِ"
شوحت سَبنتي بيدها بعدم اهتمام ثم قالت في برود "فليأخذوه وكأني أهتم"
نظرت لها باستنكار ثم قالت "تتبطرين على النعمة.. على المنقذ الذي انتشلك من بؤرة الصيدلة المريعة.. سأضربكِ بهذا الطبق الذي بثمنه وحده نطعم عائلة لمدة شهر وأسيل دمائكِ"
قالت سَبنتي بمشاغبة "هل أتيتِ لتصبينا بعينيكِ الكبيرتين بالحسد؟!"
رفعت شهيرة يدها بغضب ثم قالت بصرامة "حاشا لله أن أفعل.. أنا فقط أحقد عليكم.. حقد طبقي"
كانت بدور تنظر للفتاة بتقييم وتسلية حتى تدخلت وهي تقول "لذيذة صديقتكِ.. أريد منها اثنتان في مكتبي"
ارتبكت شهيرة للحظة قبل أن تنظر للمرأة التي تجلس أمامها وعلى طاولة واحدة بعدم تصديق حتى اللحظة ثم همست بتوتر "هل هذه السيدة بدور الراوي حقاً؟!"
قالت سَبنتي هامسة "هي بعينها, صدقيني قد تبدو شرسة مخيفة إلا أنها أليفة أحيانا.. انظري حاولي ألا تستفزيها وقد تفلتين من كرباجها"
احتل الفتاة رعب ورهبة أكبر بينما بدور تهز رأسها بيأس وهي تقول "كُفّي عن ألاعيبك الصغيرة بترهيب زملائكِ مني يا سَبنتي"
قالت سَبنتي بنزق "ماذا.. إنه مسلي.. بدلاً من الضجر وأنا أراقب أخيكِ المغيظ الذي تذكر فجأة أنه رجل أعمال مهم وثقيل.. يجب أن لا (يتنطط) على حد قوله جانب عروسه"
تدخلت نوة بالحوار وهي تقول من بين أسنانها "ومن طرده بالأصل وترك الطاولة المحددة لكما وأتى يلتصق بنا كالطفل؟!"
قالت بارتباك "ظننت أن شوشو ستجاورني إلا أن زوجها الأحمق لا يترك يدها"
قالت شذى ساخرة "يبدو أنكِ لم تفهمي حتى الآن.. يفترض أن تتمسكي بيد عريسكِ لا دفعه بعيداً... أنتِ عروس لخالد لا لشيماء"
عبست سَبنتي بضيق.. رافضة الاتهام ثم أشاحت بوجهها... متظاهرة بالحديث مع شهيرة ثم وقفت مرة أخرى متوجهة معها للطاولة التي يفترض أنها حجزت لباقي زملائها الذين تعرفت عليهم خلال الأسابيع الماضية وربطتهم علاقة ودية.. أصبحت بطريقة ما أكثر اطمئناناً حتى لم تعد تخشى إظهار انتمائها لبيت الراوي لهن.. أمسكت نوة بيد بدور عبر الطاولة وهي تقول فجأة "بدور ما فعلتيه مع الفتاة اليوم يحسب لكِ, لقد صدمتنا جمعياً بما منحتيه لها"
تأففت بدور بنزق ثم قالت "ومن أخبركم بأني أريد امتناناً من أحد، الأمر أني أردت أن أخبرها باختصار أنها رغماً عن أنفها جزء منا, نتقبلها أي كانت خلفيتها.. أنا.. أنا أريد لها ولخالد سعادة دون أن تشوبها تشوهات الماضي، حتى ولو ليلة واحدة"
ربتت شذى على ساعدها قبل أن تميل برأسها تمتزج معها في حركة نسائية مشاكسة..
غيرت بدور الحديث وهي تقول بقلق "أين إياب؟ لقد اختفى منذ أن أخذه راشد بحجة أن يستقبل بعض الزوار معه..."
أشارت نوة نحو ركن بعيد نسبياً خصص لأطفالهم وأطفال الوافدين وقد جهز بمنصة لعرائس الماريونت والبلياتشو والألعاب بهلوانية أيضاً.. كما وزعت طاولات صغيرة طريفة التف حولها الأطفال حسب أسامى آبائهم.. وخصص لهم أيضا طباخ خاص مع فريقه وندّل من الفندق...
كما كان اقتراح شذى ألا يكون هناك طاولة طعام مفتوحة.. بل استأجر راشد سبع من أمهر الطباخين في العالم، وأعد كل واحد فيهم قائمة طعام مختلفة.. قدمت على الطاولات حتى يختار كل فرد ما يريده ويتم تجهيزه في لحظة العشاء...
"لا تقلقي, راشد عين الليلة بالذات حارس خاص يتبع إياب أينما ذهب.. أما باقي الأطفال بصفة عامة فهناك أمن يحرسهم"
صمتت لبرهة قبل أن تقول بامتعاض "ما عدا المدللة سميتك.. ها هي تسيطر على والدها منذ بداية الحفل"
نظر الجميع نحو الطاولة التي تتواجد عليها إسراء ومراد وإيهاب تجاوره مريم.. وصديقتها المميزة.. والتي كانت تهمس بجانب أذنها بغيظ "ألم أخبركِ أن تقولي له عن مصيبتكِ.. هذه الأمور لا تُخبأ وتصدمينه بها في حفل علني"
قالت مريم بضيق وهي تصر على تحاشي النظر لزوجها "انظروا من يتحدث, سيدة الصدمات والمفاجآت تقدم النصيحة!"
ضغطت على خصرها من تحت الطاولة بعنف ثم قالت بنارية "لهذا نصحتكِ بأن تخبريه عن حملكِ منذ البداية, لا أن تتهربي كمن (عملت عملة) وتداريها"
عبست مريم وهي تقول "كُفّي عن كلامكِ المؤذي"
قالت رفيقتها بصراحة مطلقة "أنتِ كنتِ تتعاملين مع الأمر بطفولية, شاكية باكية بتلاعب بأنه سيعنفكِ، بينما أنتِ تثقين كل الثقة أنكِ (بميوعتكِ) ستحلين الأمر ويستقبلكِ بالأحضان.. وها هي النتيجة الرجل ينفث ناراً غير مرئية وعيناه التي يسكنهما الغضب لا تخفى على أحد.. اشربي يا ست مريم نتيجة غبائكِ"
وجمت ملامح مريم وهي تتجرأ من جديد وتحاول النظر لعمق عينيه الرافضتين لها بعنف لم تره فيه من قبل.. هي لن تكذب لقد اعتمدت على دلاله لها وغفرانه لأي خطأ يصدر عنها.. ولكن الوحشية التي عاملها بها عندما وقع بصره على بطنها المحدب وهو يجذبها دون صبر أو ذوق من جوار تلك الأميرة الوقحة... أخبرتها أنها أمام مصيبة كبرى لن يرحمها فيها إيهاب.. من تعنيفه الكلامي على الأقل..
تذكر كيف جرها وراء ستار بعيد عن أي عين قد تبصرهما.. كيف ضغط على كتفيها بعنف وهو ينظر لها بطريقة مريعة, متهمة بجحيم يتقد في رماد عينيه محوله لسماء مظلمة عندما قال من بين أسنانه "سؤال واحد وإن كذبتِ يا مريم لن أراعي كرامتكِ أمام الناس وسأجركِ من هنا... هل أنتِ حامل؟"
تذكر كيف خرس لسانها وخانتها وقاحتها وهي تهز رأسها بالإيجاب بخوف..
توسعت عيناه وهو ينظر إليها باتهام صارخ ثم قال بصلف "هل حنت ألاعيبكِ القديمة لكِ.. تحملين من زوجكِ المغفل، ثم تبكين هذا وتشكين لذاك الاضطهاد والظلم الذي يصدر منه ضدكِ.. بينما هو غافل عما يكبر في أحشائكِ بالأساس؟!"
همست وقتها بضعف "الأمر ليس هكذا, أنا فقط..."
قاطعها وهو يقول بعصبية "أنتِ تحتاجين لمعجزة إلهية تنقذكِ وأكثر من تفسير لخداعكِ لي مجدداً"
تذكر أيضا أنها حاولت أن تتواقح بالكلام عندما أخبرته "أي تفسير؟ هل أخبرك مثلاً عن براءة ما يحدث بيننا لتكون هذه النتيجة الطبيعية؟"
برزت عروق وجهه قبل أن يخبط كلا يديه جانبها بعنف تسبب في قفزها من مكانها بذعر ثم قال بنبرة نافذة قاطعة "لا صغيرتي البريئة, أنا أحفظ جيداً كل ليلة أقضيها بين ذراعي زوجتي المحترمة.. كما أعلم بأني أخذتها بنفسي لطبيبتها و التي وضعت لها وسيلة منع للحمل أمام ناظري.. هل تريدين مناقشة كيف كان المشهد هناك الآن؟!"
التقطت نفساً مرتجفاً وهي تستغل اقتحام أحد الخدم لمكانهما الخفي ثم تتهرب منه حتى هذه اللحظة.. ولكنه ما زال حتى بعد مرور ساعة وأكثر يرتجف من شدة الغضب الذي يكتمه...
نهضت مريم بتوتر راغبة في الهرب منه لأي مكان وهي تقول لصديقتها "لقد أَرَدن أخواتي التعرف عليكِ.. هيا سنذهب لمكانهن"
أومأت على الفور ثم تبعتها متوجهتين لتلك الطاولة.. تتبع مريم وحدها نظرات إيهاب المحترقة بسخطه وال...قلقة...
********
على طاولة أخرى كان يجلس جوشوا مجاور لزوجته التي لم تهبط عيناها من على ابنها الذي لم يتوقف عن المرح ولا الاحتفال بعروسه لحظة واحدة... يجاوره على شماله أخيه الأكبر الذي فاجأه بالقدوم مصر أن يحضر زفاف حفيد العائلة الأكبر، وأيضاً يقدم مباركته لهناء لدخولها عائلتهم من جديد.. مخبرها أنهم جميعاً يرحبون بوالدة نزار كفرد منهم دون أي ضغائن.. ورغم الراحة السائدة أخيراً.. كان جوشوا رغماً عنه يقلقه تلك النظرة التي تسكن ملامح أخته الصغرى التي لم تتخلى عن مراقبة (راشد الراوي) لحظة واحدة.. التقط جوش ريقاً مرتعشاً وهو يدرك جيدا معنى ذلك الشعور المتملك الجامح في عينيّ أخته المتهورة.. معنى ذلك التأمل الناري كاشفاً ماهية ذلك الانجذاب نحو بؤرة من النار إن تمردت كعادتها وخاطرت لن تنال منها إلا الوجع..
"آدلين"
رفعت ملامحها سريعاً وهي تنظر إليه كمن يستيقظ من دوامة مجيبة بـ"ها" شاردة...
لم يلف أو يدور عندما مال نحوها وهو يشير نحو طاولة تجمعت فوقها ثلاث سيدات علمت أنهن شقيقات العروس في وقت سابق ثم قال "هل ترين تلك المرأة ذات الشعر العسلي؟"
أمالت رأسها إلى جانب واحد ثم قالت بهدوء متلاعب "هل تعني بدور الراوي؟"
أجفل جوشوا لوهلة وهو يسأل "من أين لكِ معرفتها؟"
أومأت بعينيها بطريقة كلاسيكية ثم قالت "جوش ربما أنت ابتعدت عن العائلة لأعوام.. ولكن دعني أذكرك أننا لسنا جميعاً نسكن القصر الملكي ونلعب لعبة تماثيل الشمع مقتصر دورنا على حفلات الشاي المملة.. كما تعلم أصبحت أعمل كمساعدة شخصية لأخينا الأكبر.. ومن الطبيعي أن أعلم عن المرأة العربية التي تتحدث عنها نصف الصحف العالمية كل حين"
قال جوش بوجوم "إذاً انجذابكِ نحو الراوي الكبير ليس وليد الحظة؟"
ضمت ساقيها جنب بعضهما وسندتهما بجوار رجل المقعد بأناقة ثم قالت بهدوء ناعم "أعرفه من مجرد أخبار نقلت عنه بكثرة مؤخراً إلا أن الرؤية شيءٌ آخر"
انحنى جوش على المائدة نحوها ثم قال بتحذير حازم "هذا الشيء سيتوقف هنا والآن, لا تقتربي من الراوي"
ابتسمت بطريقة مهذبة متكلفة ثم قالت بهدوء "أنا أقدرك طبعاً.. ولكن حياتي الشخصية لا تعنيك مطلقاً برنس هابر"
رفع جوش سبابته نحو طاولة بنات الراوي من جديد ثم قال دون مراعاة "يحب تلك المرأة.. أم طفله وابنة عمه.. يعشقها عشقاً ليس خفياً على الجنين في بطن والدته كما الكبير"
هزت آدي كتفيها بلا تعبير ثم سألته بهدوء "لماذا هو أشهر عازب إذاً.. ما الذي قد يمنعهما من البقاء سوياً إلا استحالة عودتهما لبعضهما؟"
اعتدل جوشوا ثم قال ببرود "حياتهما الشخصية أمر لا يخصكِ.. ابتعدي عن هذا الطريق لأنكِ ستخسرين, أنتِ هنا لمشاركة ابن أخيكِ سعادته بزواجه فقط, وبعدها سترحلين على أول طائرة من هنا"
استرخت آدي في مقعدها ثم نظرت بطرف عينها نحو راشد المنهمك مع مجموعة من السياسيين في نقاش ما.. ثم ابتسمت بتوعد وهي تقول "سنرى يا جوش من الخاسر بالنهاية"
**********
نظرت شذى بدهشة تتأمل تلك الشابة الصغيرة التي قد تكون في عمر سَبنتي أو أكبر قليلاً والتي قدمتها مريم بفخر كصديقة لها..
"هل أنتِ صعيدية حقاً؟"
امتعضت أثيلة وهي تسمع السؤال المعتاد عندما تقابل فرداً جديداً من هؤلاء الذين ما زالت الدراما المريعة عن الصعيد تأكل عقولهم.. ثم قالت بسخرية "لا من الريف الأوروبي وأخشى الطمع بي فنسبت نفسي للصعيد لا غيره"
"ما هذه العريضة؟ إنه فقط سؤال"
قالت أثيلة بامتعاض "سؤال بديهي وأحمق.. ذكرني بالرجل الأبله الذي يسأل زوجته عند إخبارها له بالحمل (سأصبح أباً؟) لا يا عزيزي أنت ستكون مرضعة على أثر ذلك الحدث الأسطوري الذي لم يقدر غيرك على تحقيقه"
غطت بدور شفتيها وهي تضحك بخفوت بينما شحب وجه شذى من الرد أما مريم فقد احمرّت بحرج بالغ.. أما نوة كانت تضحك بصخب غير قادرة على التوقف وهي تقول "أريد صديقة منها"
امتعضت أثيلة مرة أخرى وهي تقصفها "هل ترغبين بقرد يسليكِ, حسناً طلبكِ متوفر ولكن من الناحية الأخرى ويصادف أنه يشبهكِ"
توقفت ضحكات نوة وهي تنظر إليها باستنكار بينما توقفت ليم ابنتها عن قضم الموز "لماذا تنظرن لي؟"
دمعت عينا بدور من الضحك وهي تقول بأنفاس متقطعة "صديقة أمكِ الجديدة قد وصفتكِ بالقرد للتو"
وقفت ليم تخبط الأرض بقدمها بغضب وهي تهتف "أنا لست قردة"
قالت أثيلة سريعاً "من أنتِ إذاً في كلمة سريعة؟"
تخشبت ليم وهي تقول بتخبط "ليم مدحت"
همست أثيلة ممتعضة "وبلهاء أيضاً ..ماذا نفعل باسم نعرفه؟"
اعتدلت نوة في مقعدها وهي تقول بنزق "هيا, من أين عثرتِ على هذه الكارثة؟"
شوحت أثيلة بيدها وهي تقول ببساطة "الآن نستطيع التحدث.. بالفعل أختكِ لا تجلب إلا المصائب.. بالمناسبة جهزن لها في بيت أبيكن غرفة قد تأتي هي وكآبتها ورثاء ذاتها وابنتها المريعة.. وتطفشكم من المنزل في خلال يومين إن شاء الله"
تنحنحت بدور وهي تقول "هل أنتِ دائماً تقولين ما يخطر في بالكِ؟"
أشارت نفياً وهي تقول باسمة "ليس دائماً، قبل أربع أعوام أو ما يزيد كنت أحتاج لظهر أحدهم دائماً لأحتمي خلفه.. ولكن الآن كما ترى تغيرت, لا شيء يبقى ثابت على حاله"
أومأت بدور بلطف بينما ازداد انعقاد حاجبي شذى وهي تقول بحيرة "ولكن لكنتكِ لا تخبر أبداً أنكِ من الجنوب"
قالت أثيلة بتلقائية "توقفي عن سماع المسلسلات وقراءة الروايات الهابطة إذاً.. وتنازلي وزوري أي محافظة وسيدهشكِ بأننا لسنا كائنات فضائية ولا نتحدث بلغة خزعبلية.. ربما لدينا بعض الكلمات المميزة بطبيعة الحياة القبلية إلا أننا بالنهاية مصريين يا أخت شذى نتوارث منذ الأزل لكنتنا التي تتطور جيل عبر جيل متأثرة بالعوامل الخارجية والداخلية"
ابتسمت نوة بلطف قبل أن تقول "وماذا تعملين إذاً يا كائن مصري غير فضائي؟"
قالت بلطف "يفترض أني خريجة صحافة ولكن تستطعن القول مررت بظروف معينة أثرت بي فأنشأت مركز توعية خاص بقضايا المرأة وزواج القاصرات"
نظرت شذى لمريم وهي تقول "حسناً هذه الآن صدمة، مريم تعرف شخصيات فعالة ومهمة, هذه معجزة"
قالت أثيلة ببرود "مريم تساعد فتيات يحتجن لكل امرأة تستطيع أن تنقذهن.. ولكن ماذا تفعلين سيادتكِ لخدمة المجتمع؟"
ضمت نوة شفتيها أمام وجه شذى الذاهل والتي قالت "لماذا تهاجميني؟"
عبست أثيلة وهي تقول "أنا لا أهاجمكِ بل أدافع عن صديقتي"
وقفت نوة من مكانها وهي تسند هاتفها جانباً وقد تلقت رسالة ما أخيراً ثم قالت "حسناً يا تحف لديّ عمل يحتاج تدخلي.."
انصرفت نوة من المكان ثم توجهت لنزار تهمس في أذنه بشيءٍ ما..
بعد دقائق عتمت الأجواء نهائياً وصمتت تلك الموسيقى الشبابية التي كان يحتفل على أثرها نزار وأصدقائه...
ثم راقب المهتمون راشد ينسحب من تلك المجموعة ويتوجه نحو الطاولة التي جلست عليها سَبنتي وصديقاتها وشيماء أيضاً..
ركع راشد أمامها على ركبة واحدة ثم قال كفارس مغوار يخاطب ملكته المدللة "هل تتعطف عليّ العروس الجميلة بتلك الرقصة؟"
قفزت سَبنتي من مكانها كما الأطفال متحركاً معها فستانها الضخم وهي تقول بلهفة "وهل سأجد أفضل منك فارسي الغالي؟"
وقف راشد متساوي على ساقيه ثم أمسك بيدها متقدم لساحة الرقص ولم ينسى أن يمنح ابن عمه نظرة قرف.. تلقاها خالد كطعنة من سيف غادر (لا, ما يفعله به ظلم بكل الطرق.. احتضانها الأول أخذه هو, خاتم الخطبة كان أيضاً من ألبسها إياه، أول استدارة بها.. وأول من رآها بثوب الزفاف هو.. وأول من قبّل جبهتها في الزفة والآن سرق منه أول رقصة..."
كور خالد قبضتيه بغضب وهو يقف من مكانه يلتقط من فوق صينية يحملها نادل يمر كوب عصير ثم يتجرعه بدرامية راغباً في النسيان, وقف نضال جانبه وهو يقول بجفاء "العصير لن يسكرك يا خالد.. لذا راقبه يأخذ دورك وأنت ممتن وصامت"
رد خالد بسخط "ممتن بل قل أرغب في الذهاب إليه والفتك به"
قال نضال ببرود "لقد حذرك وأنت من أردت لعب دور الرجل الثقيل.. فاشرب من كأس اختيارك"


بينما قالت أثيلة بإستياء "من هذا الذى يراقص عروسة أخيك عديمة الحياء..الا يتحشم ويتقى الله فى بنات الناس...بل أين اخوكِ ليدافع عن زوجته ،ويغسل عاره "
اقتربت نوة من اثيلة تمسد على حجابها وهى تقول ساخرة" وحدى الله يا حبييتى ،الرجل أخيها وأبن عمنا..ولنصدمك أيضاً أبيها الروحى..اذ أن عمى تركها باكر جداً"
خبطت أثيلة على صدرها وهى تقول بتعاطف سكنها سريعاً" يتيمة، لا حول ولا قوة الله بالله البقاء لله"
ضربت مريم اثيلة بحنق وهى تقول" أنتِ ركزى ،يا مجذوب الرجل مات وانتهى منذ قرن واليوم هو حفل زفاف أخى "

**********
في البداية كانت الموسيقى الأجنبية هادئة ناعمة يتمايل بها راشد في رقصة كلاسيكية محفوظة على النغمات التي كان سبق واختارها مع شذى إلا أن ما رتبه منذ وقت مع نوة شيء آخر...
إذ توقفت خطوات راشد فجأة رافض التحرك وخلع المعطف الأسود لبدلته ليبقى بقميص أبيض حريري يحتضن تفاصيل بنيانه الرائع والمثير برجولية جذابة.. ثم اقترب نحو طاولة بنات عمه ناوي منحه لبدور إلا أن من اندفعت والتقطته منه كانت مفاجأة صغيرة"مائعة" جلبت له ابتسامة عفوية وهى تقول بتلكئ ناعم "سآخذه أنا يا خالي"
انحنى راشد يقبل لوليتا من خدها وهو يقول "حبيبة خالكِ, أنتِ أطيب من والدتكِ"
نظرت له أعين بنات عمه باتهام وتوعد قابلها برفع حاجب واحد متحدي قبل أن يلتفت لصغيرته التي تنظر إليه ببلاهة غير مستوعبة لما تخلى عنها في منتصف الرقصة...
إلا أنه عاد يمسك يديها مع صوت الأغنية المميزة التي طلبت نوة من موزع الموسيقي وضعها وصوت (وديع الصافي) يشعل الأجواء من جديد.. هذه المرة لم يردد راشد فقط الكلمات التي عبرت عنه بكل كيانه وإنما بعض من الحضور الذين اندمجوا مع الكلمات المميزة أيضاً.. بينما سَبنتي تضحك بصوت عال تدفع رأسها للوراء وهي تحرك جسدها أمام رقص راشد الرجولي الساحر..
"على رمش عيونها قابلت هوى
طـــار عقلي مني وقلبي هوى
وانا يللي كــــنت طبيب الهوى
ولأهل العشق ببيع الدوا
من نظرة لقتني صريع الهوى
ياباي يا بوي"
أمسك راشد بيدها يلفها حول نفسها بينما هو يحرك ساقة أمامه مع مد ذراعيه مفرودتين محرك كتفيه ببطء...
أمسكت سَبنتي فستانها وهى تحاول أن ترقص خصرها بطريقة ماهرة أصابت خالد بضغط الدم وهو يقترب عبثاً محاول أن يوقفها.. أعاد راشد محاوطتها يرفعها ويدور بها وهو يردد مع المدعوين الذين وقفوا عن طاولاتهم يصفقون مع أنغام الموسيقى التي يرددون كلماتها..
لها ضحكة يا ويلي بلون السهر
لما الورد بيملا شـفايفُ قمر
ضحكة لها بالودن ابتسامة القدر
فوق خدود العطاش في يوم المطر
أشارت سَبنتي بيدها من خلال بهجتها ووضعت إصبعها على صدره مؤكدة على الوصف أنه يخصها..
أومأ لها راشد بأنه بالطبع مؤكد لها, أنها المقصودة.. بينما يعود يحيط خصرها مبدل مكانيهما لتتلاقى عيناه مع عينيّ حبيبة أخرى وهو يهمس بها بشكل خاص, شعرت بتلك في لحظة أن المكان وكل الناس اختفوا من حولهم وهي تقرأ الحروف من فوق فمه وتسلل إليها عبر صوت وديع الصافي فينتفض لها كل إنش منها ملبياً شوقه مرغماً..
وأنا يللي كــــنت طبيب الهوى
ولأهل العشق ببيع الدوا
من نظرة لقتني صريع الهوى
.ياباي يا بوي
لها ضحكة يا ويلي بلون السهر
لما الورد بيملا شـفايفُ قمر
ضحكة لها بالودن ابتسامة القدر
فوق خدود العطاش في يوم المطر
وجدت بدور مريم تستطيل على أصابعها وهي تهمس بجوار أذنها بسخط "أقسم بالله أنكِ امرأة غبية، أكثر غباءً مني.."
"عفواً!"
هتفت مريم بنزق "لا عفواً ولا غير عفواً.. أنتِ امرأة مجنونة.. ويوماً ما سيمل من الانتظار, وقتها لا تلومي إلا نفسكِ"
نظرت لها بدور بعجز (رباه.. هل سحرها الخبيث هي الأخرى وابنتها, كما سيطر على عقول بعض البلهاوات هنا؟!)
عادت بنظرها لراشد مرة أخرى والذي سحب سَبنتي معه نحو طرف المسرح عندها وقف خالد والذي قال له راشد بحزم "إن لم تتدخل الآن وتأخذ عروسك مني، دون قسم يا خالد سآخذها آخر الليلة معي للمنزل"
استشاط خالد بالغيظ واللهفة سوياً قبل أن يفتح أزرار معطفه ويكتسح الساحة مختطف عروسه أخيراً بين ذراعيه بينما وديع ينهي آخر كوبليه في الأغنية..
وراشد يتراجع واقف هناك ينظر إليها بحنان مردد "خدني شوقي لقتني بروح عندها
حد تاني سبقني وخد يدها
كان حبيبها وغايب بقى له سنة
والنهارده وصل على بختي أنا"
انتهت الأغنية مصيبة خالد بإحباط بسيط ..قبل أن ينظر لنوة مستنجداً والتي حاولت شذى إيقافها عن التدخل موقفة هذه الأغنية المريعة ليتم إكمال الحفل بما نسقته هي ولكن هيهات.. كانت نوة بالفعل طلبت من الموزع أغنية أخرى ابتهج لها موزع الأغاني وهو يصيح في مكبر الصوت "وها نحن الآن نكون في زفاف حقيقي"
وقفت سَبنتي بعيداً عن خالد تمسك فستانها من الجانبين بتحدي خلا من ارتباك الساعات الماضية.. بينما وقف خالد يشبك ذراعيه على صدره بتحدي أعمق منتظراً أغنيتهما...
أما عن أثيلة فكانت تهمس لمريم بتواطؤ وبنبرة رخيمة فخمة "ما شاء الله تبارك الرحمن، أنتِ يا فاشلة كما أخواتكِ كيف لم تذري الملح في أعين هؤلاء الناس قبل أن يصيبهم بالحسد؟"
نظرت لها شذى بارتياع وهي تقول "أي ملح.. وأي خزعبلات.. أرجوكم توقفوا عن إفساد كل تعبي"
امتعضت أثيلة من جديد وهي تنظر إليها بترفع ثم أمرت مريم بحزم "تحركي الآن، وأمري أحد يأتي لنا بملح"
هرولت مريم نحو نادِل تطلب منه ما قالته اثيلة.. للحظات كان الرجل ينظر لها بدهشة ولكنه امتثل لأمرها متوجهاً للمطبخ في خطوات سريعة...
وهنا كانت تصدح زغرودة مجلجلة اتبعتها أخرى وأخرى اهتزت لها أرجاء الصالة الفاخرة... زغاريد صعيدية خالصة من رفيقات سَبنتي...
التفت أثيلة نحو الأصوات بإعجاب ثم هتفت بلكنة صعيدية ثقيلة "يحياكِ، النفس الطويل لكنّ"

وضعت شذى يدها على قلبها وهي تتنفس بصعوبة من الأجواء التي أحاطتها كلياً وأفسدت الزفاف الراقي الهادئ الذى رتبت له.. وجدت مالك وراءها من جديد يسندها من جلطة محققة هذه المرة وهو يهتف شامتاً ضاحكاً "كيس ورقي يا نوة أختكِ تعرضت لـ(هارت اتاك)"
ولكن من كان يقدم له ما طاب رويد ابنه الذى قال في برود" الا ‏تهولين الامر قليلاً يا أمى..ما بالها الاغانى المصرية أليست هذه هويتنا وثقافتنا التي ضجرت رأسين بتلبسها "
"رويد يا مستفز اغرب من أمامى"
أشار اه أبيه بأن تحرك من هنا واتركها تنعى مصيبتها أذعن على مضض وهو يحرك خطواته نحو مدللة مغيظة أخرى ،يشتاق لأن يعنفها .....
ألقت إليها أثيلة نظرة أخرى عابرة قبل أن تشير للفتيات بأن يجاورنها أمام رقصة العرسان ثم بدأن على طريقتهن بعد أن بدأن التعريف بتغطية وجوههن والانطلاق في زغاريد متواصلة، لم تزد فرح بيت الراوي إلا بهجة حقيقية وحولت هذا الحفل المريع إلى شعلة من المرح...
أخيراً بدأت الموسيقى تختلط بالزغاريد بينما يجذب خالد سَبنتي يرطمها بصدره وهو يهمس لها "تحركي فقط ووفري الرقص لخلوتنا"
توردت وهي تهمس "قليل أدب"
رفعها بين ذراعيه للأعلى ثم رفع وجهه ينظر لوجهها الذي انحنى إليه من علو وقال بنبرة منخفضة مثيرة "وبعد ساعات سأتحول لمتحرش، ثم......"
أطلقت شهقة خجل وهي تغلق عينيها رافضة النظر لعينيه المداعبتين.. قبل أن يقول خالد بصيغة السؤال العابث "حلوة عروستي واخدها نقاوة؟!"
فتحت عينيها من جديد وهي تضحك بعمق بان له صفي أسنانها...
"لم تجيبيني"
قالت من بين ضحكاتها وهو ينزلها ببطء متمهل "عروستك جميلة طبعاً.. ولكنك أحمق يا بعبع"
"آدي الزين وآدي الزينة
قالو الجنة هيه جنينه
وعاليسمينا نشوف اسامينا
لو زفينا الزين ع الزينه
حلوه عروستي واخدها نقاوه
عين حسادها تزيدها حلاوه
... سموا وصلوا وقولو بهادوه
رشو العتبه بالفرجاوه"
انطلقت الزغاريد مرة أخرى مع أغنيتهما التي اختارتها نوة بالترافق مع التصفيق الحاد لكل المتواجدين...
بينما خالد أبعدها بطول ذراعه وفتح معطفه بكلا يديه برقصة على جسده في شيء لا يقرب لأي نوع من الرقص تماماً...
وضعت سَبنتي يد خلف رأسها والأخرى حركت بها كتفها للأمام والخلف وهي مستمرة في ضحكاتها المبهجة أمامه...
حتى فتح خالد يديه بقلة حيلة وهو ينظر لراشد ثم لنزار الذي يقف على بعد لطيف منهما محيط كتفي عروسه بذراعه يشرح لها كل حركة ولو بسيطة تحدث في الحفل, يرسم لها بحروفه صورة محترفة لمشاعر جميع أفراد أسرتها...
"مع اني ما املكش بعير
وقطيفه ولا تسوى حرير
ولكني في العشق أمير"
ابتسم راشد يخبره أنه رضي عنه أخيراً... فاهم معنى (في العشق أمير).
اقترب خالد مرة أخرى يضع ذراعيه تحت كتفي عروسه يحملها للأعلى وينظر لها بعشق, بانبهار يأخذه وهو يدور بها.. ضائع في ذلك البنفسج العاصف والذي يؤكد به أن الحبيبة ما زالت هنا.. ما زالت تملكه, تحبه، تنظر إليه إنه رجلها الأول.. حبيبها الأوحد.. وعشقها الأخير ...
أنا راس مالي عروستي حلالي
هيه عافيتي وراحه بالي
لولي في عيونها ضيه يلالي
قوموا غنولها وزفوا الغالي"
الوهج في لون البنفسج زاد وقد تمدد خالد للأعلى يجبرها أن تريح جبهتها فوق جبهته من علوها وهو يهمس "لقد افتقدت لهذا الضوء طويلاً يا حبيبتي"
همست برقة بينما أصابعها تخونها لتلامس ذقنه الحليقة بخجل "ما زال هنا في مكان ما، يصرخ يريد الخروج إليك, يتمرد على شيء أكبر من أن أهزمه وحدي.. ليسلم لك"
قال خالد بصوت أجش دافئ "لقد عدتِ إليّ أخيراً، وأنا لن أفرط فيكِ مرة أخرى وإن اجتمع قطرا الأرض.. عدتِ لتتوحدي في إنسانيتي حتى نهزم كل وحوشكِ واحداً واحداً سوياً"
ارتجفت شفتا سَبنتي وهي تحدق في عينيه بانهيار بكل دفاعاتها, تمنت.. وكم رغبت.. يا الله في هذه اللحظة أن تهمس له بحبها.. ولكن الحروف خانتها.. وذلك الوحش المتربص بها قيدها.. في وسط لحظتهما الخاصة تلك المنعزلة عن الوجود...
زغاريد أشد تغمرهما من كل جانب.. بينما صدما بأفراد العائلة الذين حاوطوهم يشاركونهم الرقصة وبصديقاتها اللاتي يلتففن حولها مع عريسها.. وبمريم وصديقتها اللتين أغرقتاهما برشقات ملح مخلوطة بأنواع من الحلوى المغلفة..
"وانا يابا اخدت الغندوره
ياحبابه احلى من الصوره
فوانسها بتضوي على الاوضه
احرسها من العين يانبينا
آدي الزين وآدي الزينه
قالو الجنه هيه جنينه
وعاليسمينا نشوف اسامينا
لو زفينا الزين ع الزينه
حلوه عروستي واخدها نقاوه
عين حسادها تزيدها حلاوه
سموا وصلوا وقولو بهادوه
رشو العتبه بالفرجاوه"
انتهت الموسيقى إلا أن الرقصة المشتركة لم تنتهي عندما سحبت صديقتها شيماء وهي بين يدي خالد الذي أفلتها منه بصعوبة ثم تأخر يقف بجانب نزار ينظران للعروستين اللتين تمسكان بيدي بعضهما وتتحركان بزهو داخل الدائرة الملتفة حولهما من الصديقات وأخواتهما..
رفع نزار حاجبيه بدهشة وهو يهمس لخالد "بدور ترقص!"
ابتسم خالد وهو يقول بخفوت "للتصحيح هي تتحرك في الدائرة كما اتفق.. ثم أنها ليس كل يوم تحتفل بزواج أخيها الوحيد وأختها الصغرى"
ومن مسافة قريبة كانت جوان تجلس بجوار عفاف التي لم تخلع عينيها الدامعتين من تأمل سَبنتي..
سألت جوان بتوتر "ما رأيكِ بها؟"
همست عفاف بطيبة وهي تمسك يديها "وماذا أقول قطعة منكِ اكثر بهاءً.. تستحق يا حبيبتي أن تبيعي العالم أجمع من أجلها"
همست جوان بصوت بالكاد غادرها "الآن فهمتِ لماذا لم أتخطاها يوماً؟"
تنهدت عفاف وهي تقول "لم تكن مشكلتي في تخطيكِ لها.. أنا بالنهاية أم وأفهم ما تعانيه جيداً"
صمتت عفاف قبل أن تربت على ظهرها بحنان وهي تقول "بارك الله لكِ فيها وحماها من كل عين وكتب لها كل سعادة الدنيا"
قالت جوان بحرارة وهي تقبل يد عفاف "وحفظكِ الله لي يا أمي"
"قلب أمكِ أنتِ، العقبى لكِ عندما تقومين لي بالسلامة أنتِ وصغيركِ"
كانت منى التي أصرت أن ترتب طاولتها عند وصول جوان وعفاف ليجاوراها تتابع الحوار بينهما باهتمام غرضه أن تتنفس الصعداء أخيراً حتى يرتاح ضميرها من ناحية جوان كلياً... لن تنكر أن فعلة راشد تلك زادته تقديراً في عينيها وستظل شاكرة له, إذ أنها رغبت في أن تسأله دعوة جوان ولكنها عادت لتتردد بألم قلقة من أذية بدور بأي طريقة إن رأتها, ولكن على العكس تماماً صغيرتها الجميلة القوية والعادلة عادت لها أخيراً.. تحررت من غضب ورعونة الماضي، لتصبح بأفعالها تأسرهم جميعاً بجميل إن عاشوا عمراً يسددونه لها لن يفوها حقها.. فقط لو ترتاح من ناحيتها وهي تراها تمضي قدماً من تخشبها, تجرب أن تسعد من جديد, تحبه من جديد.. تسمح له ولنفسها بالتجربة ويحتضنا طفلهما الذكي والجميل ليحظى بحنان كليهما ويوقفا التساؤل المؤلم على حداثة سنه...
جلست هناء بجانب منى تحتل مقعداً وهي تقول بنزق "لقد أتيتكِ هاربة"
ضحكت منى وهي تشاكسها "لا تقولي أنكِ خجلة يا عروس، الفتاتين الصغيرتين تتفاعلان مع أزواجهما أفضل منكِ"
قالت هناء بنزق "جوش ليس له علاقة بالأمر، بل الأميرة المبجلة"
عبست منى وهي تقول "ما بالها، لقد أخبرتني مرة أنها كانت الوحيدة التي دعمتكِ رغم صغر عمرها وقتها"
ارتبكت هناء للحظة عاجزة عن قول ما اكتشفته وتمنت للحظة إن استطاعت القفز على عنقها ونهشه.. وكأنه ينقص بدور حمقاء متلاعبة وساحرة كآدلين تحاول جذب والد طفلها..
" لا شيء فقط لا أرغب في صحبتها"
قالت منى بهدوء "لا عليكِ, ابقي هنا... ونادي ثريا أيضاً تشاركنا جلستنا"
أومأت هناء وهي تخرج هاتفها ثم تبعث رسالة قصيرة لثريا تخبرها بالقدوم..
قالت منى بعد برهة "صحيح مبارك لابنة أخيكِ الصبي"
قالت هناء بسخرية "لقد جاءها الطلق وهم على عتبة المنزل تقريباً.. المضحك أن هذه عادتها، لقد ولدت ابنتها الأولى في حفلة خطبة أخ زوجها.. وطفلها الثاني في حفل زفاف صديقة لها وها هو الثالث يأتي في زفاف نزار"
قالت عفاف ببساطة "موعودة...حفظ الله مولودها وأتم نفاسها على خير"
قالت هناء بلطف "العذر منكِ.. توتر الحفل والترحيب بالناس جعلني فاقدة التركيز"
قالت منى بهدوء "لا عليكِ والدة نضال ليست غريبة"
مدت هناء يدها مرحبة.. قبل أن تنظر لجوان التي رغم تغيير الحجاب والعدسات اللاصقة العسلية والفستان الأسود اللامع الذي أظهر بياض بشرتها الناصع ..لم يخبئ قسماتها كثيراً..
قالت هناء بتفكير "هل رأيتكِ من قبل؟! ملامحكِ ليست غريبة، بل مألوفة جداً"
ارتبكت منى وجوان إلا أن عفاف كانت بعقل يقظ عندما قالت بهدوء "مؤكد تألفينها، جوان ابنة خالة لعروس خالد، ولكن تستطيعين القول أنها من الفرع البعيد متواضع الحال"
تنفست منى الصعداء بينما قالت هناء بلهفة "جميعنا متواضعي الحال أمام رب العباد.. تشرفت بمعرفتكما، أي أحد من طرف منى هو صديق لي"
" يا مرحب بكِ"
بعدها انخرطت النساء في حديث جانبي انضمت له ثريا التي تركت أبنائها وصغيرتها والذين توجهوا بجانب نزار يشاركونه فرحته، وقد تخطوا أخيراً ضغائن الماضي... عندما زارهم نزار قبل أسبوع في المنزل داعي عمار لحفل قرانه وأخبره أنه قبل اعتذاره ويتمنى أن يكن له أولاد خال يشدون بعضهم بعزوتهم...
لقد اطمئن بال ثريا أخيراً على صديقتها التي تعذبت وظلمت خوف من أحكام مجتمع هاضمين حقها.. متمنية أن يخبئ القادم لهم بين طياته فصول من الربيع يمنحهم برخائه ما يمحو وحشة الشتاء العاصف..
***********


.

يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 01:20 AM   #5676

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

[size="7"]المشاركة الثالثة من الجزء الثانى الفصل الخامس والاربعون [/size]


في الاستراحة الجبرية لمرح العرسان مع أصدقائهم... كان يقدم العشاء أخيراً...
عزفت فرقة روسية أُجِّرت لتقديم العشاء خاصة موسيقى ناعمة على الحضور وقد تناثر أفراد الفرقة يحملون آلات موسيقية كالكمان والبالاليكا والجيتار والبيانو متفرقين بين الموائد ليكونوا قريبين من الناس.. وأغلقت أضواء الثريا الضخمة لتطغى أجواء رومانسية هادئة... وقد أُشعلت شموع وسط الشلالات التي وضعت كالديكور وسط الموائد...
بينما حُددت مائدة طويلة مترامية بالخارج ليتشارك بها كل المقربين من الأسرتين من طرف نزار وعائلة الراوي... ترأس جوشوا طرف المائدة وجلس بجانبه زوجته وولده ثم شيماء وبجانبها أخيه.. وخال نزار وجاسر الذي أتى متأخراً بعد أن اطمئن على زوجته... وبالطبع ثريا وأولادها الذين جاوروا هناء بالترتيب ..كان يفترض أن تجلس (برينسيس أدي) في مقعد بجوار هناء..
إلا أنها عندما تقدمت أمام النادل ليسحب لها مقعد بجوار رأس المائدة على الطرف الآخر, لم يستطع أحد أن يعترض.. وإن كان جوشوا شعر بالإحراج من تمرد أخته على أصول اللياقة ومكانتها الاجتماعية.. وبالطبع لم يخفى على أحد عدم ترحيب بنات الراوي بها على الإطلاق.. وإن رحبت بها السيدة منى وتجاذبت معها أطراف الحديث... أما عن بدور الراوي التي تعمدت أن تجلس بعيداً في مقعد مجاور لقريبة عروس خالد, فهي لم تهتم على الإطلاق ..بل رحبت بتواجدها بهدوء بارد كما هو متوقع من سيدة أعمال أن تفعل...
لقد تعمدت أخته ببساطة أن تكون على يمين رأس عائلة الراوي (راشد بك) نفسه والذي كان يحدق في بدور الآن خافي داخله ظلال سوداء, غضباً حارقاً إذ أنه عندما سحب لها خالد بنفسه مقعد مجاور راشد رفضت ببساطة وتخطتهما...
العشاء الذي قُدم كما كان مرتب له كان منظم بعناية، على حسب ما اختاره من قوائم سابقاً, وقد حرصت شذى أن يكون هناك طباخ من المطبخ السويدي، والإيطالي، والتركي والفرنسي والإنجليزي والمصري بالطبع..
تخلل حوار بين المدعوين كما هم...
همس مالك الذي كان يجاور مدحت على شماله وشذى على يمينه... لمدحت بخفوت "ألا تشعر بأن الزفاف ينقصه شيء ما؟"
قال مدحت بهدوء "لا بل أرى أنه موفق جداً"
قال مالك بعبث "من يومك أحمق, بالطبع ينقصه فبرغم توافد عدد من النجوم للحفل، إلا أنه لم يأتي ليغني مطرب واحد أو (رقاصة)"
ارتفع حاجبا مدحت حتى مقدمة رأسه وهو يقول باستنكار "رقاصة، هل أصبت بمسّ في عقلك؟!"
قال مالك مازحاً "أسأل من باب الفضول؟"
تجهم مدحت قبل أن يقول "هل تعلم أن خالد رفض أن يأتي بشيخ يتلو آيات قرآنية، وقال أنه مال مهدر، والأولى به أن يضع أجره في المساعدة لتزويج الفتيات اليتيمات، وهذا ينطبق على المغنيين أيضاً"
امتعض مدحت ثم قال بغرض الاستفزاز لا أكثر "ولماذا لا يوفر مال الحفل أيضاً ويتبرع به للأعمال الخيرية؟!"
قال مدحت بهدوء "لأنهم شباب بالنهاية, ومن حق راشد الذي تكلف بكل مصاريف الزفاف بالأصل أن يحتفل بابن عمه وأخته الصغرى كما يشاء"
همس مالك مدعي السخط "رقاصة كانت ستزيد البهجة"
علا صوت مدحت البارد قليلاً وهو يقول "ما رأيك أن نأخذ رأي شذى؟"
شرق مدحت بطعامه وهو ينظر إليه بتوسل أن لا يبوح بمزحته السخيفة إلا أن الأوان قد فات عندما تساءلت شذى فيما يريد رأيها...
ابتسم مدحت بتشفي مهدداً للحظة ليزيد من ذعره إلا أنه قال بالنهاية "مالك يتساءل لماذا لم يأتي شيخ يقرأ لنا آيات الذكر الحكيم أفضل من الفرقة الروسية؟"
أطل وجه نوة وهي ترفع حاجب واحد تنظر إليهم بطريقة ساخرة ولكن شذى طيبة النية لم تنتبه عندما أجابته ببراءة عن رأي أخيها بالأمر..
"إيهاب هل يمكنك أن تسمعني؟"
أطلق إيهاب نفساً حانقاً قبل أن يقول بخفوت هادئ "تناولي طعامكِ يا مريم، وأكملي حفل أخيك كما أنتِ ببهجتكِ وروقان بالكِ.. وبعدها لنا حساب آخر داخل جدران منزلنا. .يا سيدة مكتئبة ومسكينة"
كورت فمها بقنوط وهي تنظر إليه بحزن وقد طارت شهيتها للعشاء الشهي المقدم لها...
في ناحية أخرى كان تميم الخطيب الذي دعي كفرد من المقربين إليهم قد أوقعه حظه في كرسي مجاور لبدور.. والتي استطاع أخيراً كسر حدتها ونأيها بنفسها السابق معه، ليعودا يتجاذبان أطراف الحديث بنوع من التفاهم والأريحية.. راحة لا يشعر بها داخل صدره.. راحة أطارت النوم من عينيه لأيام طويلة ..منذ أن رأى بعينيه (غزاله الشارد) تتحدث بحميمية مع ذلك المهندس...
لقد جن تقريباً وهو يعود للتقصي عن عائلة أيوب إلا أنه دائماً ما يصل لنتيجة واحدة عاجزاً عن إيجاد معلومات كثيرة..
رجل فلسطيني عاد من أمريكا ولديه توأمين وطبيبة...
ولكن ما هو متأكد منه أن زوجة ممدوح هي الطبيبة وبأنها مؤكد أكبر من عمر فتاته بالكثير..
لذا ما معنى ما رآه في السيارة.. يومها هو كان أكثر صدمة من أن يحدد هل كان هناك طرف ثالث معهم من خلال الزجاج المعتم .. لا لقد كان ممدوح فقط "والغزالة" ..وقد أخبره ممدوح بالأصل أن زوجته فقط من تنتظر بالخارج ..هل يعقل أن يكون مجرد تشابه عابر؟!
لقد بحث وراء ممدوح أيضاً... وعرف أنه يقيم مع شقيقته هو وزوجته وابنته فقط لذا كيف يستحيل الأمر.. وكيف له أن يستوعب بالأساس أن (ديره الأمريكية) اليتيمة مجهولة الأصل معدومة الأسرة تصبح بشكل ما خرافي.. فلسطينية ولها أسرة وأخوة ووالد يهتم بها.. لا يعقل طبعاً... إذ أن تلك الفتاة التي شردت منه، يعلم جيداً عبر (الحادثة الشنيعة التي تعرضت لها) لم تكن أكملت حياتها وتزوجت أيضاً وطبيبة؟!
غرس تميم أنامله في شعره يكاد يجن وهو يقتلعه من جذوره بينما يغلق جفنيه بتشدد.. مما جعل بدور تنتبه وهي تسأله باهتمام "هل أنتَ بخير؟"
للحظات ظل تميم على حالته حتى فتح جفنيه ببطء وهو يقول بهدوء "يشغلني أمر يكاد يفقدني المتبقي من عقلي"
همست بدور بهدوء "هل هو أمر خاص بالعمل؟"
تأفف تميم قليلاً ثم قال بجدية "هل أصبح العالم يقتصر لديكِ على ابنكِ والعمل؟"
هزت كتفيها بلا مبالاة ثم قالت بهدوء "وماذا قد يهم بعدهما.. ثم إن كان أمر شخصي ما يجعلك تبدو كوحش مخيف حبس في شبكة صياد ماهر.. اممم أعني ليس بيننا ما قد يجعلك توضح لي أمر كهذا"
نظر لها تميم طويلاً طويلاً جداً متأملها بشكل جعلها ترتبك جاهلة سر هذا التحديق الغريب "ربما أنا قصدت إخبارك.. إذ أنوي استغلالكِ يا بدور"
زمت بدور شفتيها حنقاً ثم قالت ببرود "أظن بأننا قد أنهينا تلك اللعبة يا تميم، حاجتك ليست عندي"
نظر إليها تميم مرة أخرى متفحصاً وجهها الناعم, جاذبيتها المميزة, شخصيتها الطاغية، وغضبها العنيف الجارف, رغم لدغة الجليد الذي يلفها.. ثم قال أخيراً بصوت رخيم "بل حاجتي عندكِ هذه المرة يا بدور, أنا واثق جداً من هذا"
نفخت بدور بضجر ثم قالت "تميم أرجوك, أنا بصراحة تامة لا أنوي......."
قاطعها تميم وهو يقف من على المائدة وأمام كل الحضور كان يقول بلطف أنيق "أعرف جيداً أنكِ ترفضين مبدأ أن تراقصي أي رجل يطلب ودكِ في حفلات سابقة.. إلا أني أرجو أن تتعطفي عليّ ولا ترفضي طلبي أمام هذا الجمع"
ارتبكت بدور لوهلة ولاح الرفض على ملامحها ..إلا أن تميم الذي مال يهمس لها حريصاً أن لا يُسمع الأعين التي تعلقت بهما ما بين الترقب والغضب الأسود المهدد بعاصفة قد تهب إن قالت نعم..
"وافقي ولن تندمي، وأعدكِ بأني أملك ما سأخبركِ به ويريح كلينا من تلك اللعبة.. ستندمين إن رفضتها يا سيدة بدور"
وعندما قبلت بدور بيده الممتدة واضعة كفها هناك.. كن أخواتها ينظرن إليها بعدم تصديق ..بينما لاح غضب عنيف على وجه خالد والذي للحظات أراد الصراخ عالياً كثور هائج مجنون ومنعها الآن, وجد يد تمسك يده والدته القلقة وتهمس له برجاء "أتركها، لا نحتاج للفضائح.. ثم إنها تعلم ما تفعله, بدور ليست بغبية أو صغيرة"
"أمي!"
قالت منى مرة أخرى وهي تنظر لوجه راشد المسود وكل عضلة في جسده ترتجف بثورة المشاعر المتدافعة داخله من الغضب...
"اترك الأمر له, سينهيه دون مشاكل"
قال خالد من بين أسنانه "إن تركته له سيقتلان بعضهما.. كأنكِ لا تعرفي حرفية التناطح بينهما"
قالت منى بتوتر "أخبرتك أن تترك الأمر.. ثم إنها ليست من يُفرض عليها أمر, إن تنازلت وقبلت مؤكد لديها أسبابها"
تأفف خالد بحنق قبل أن يمسك يد سَبنتي يجبرها على الانسحاب معه وهو يقول "أحتاجكِ لدقيقة وحدنا ثم سنعود"
يتهرب حتى لا يسبب مصيبة.. من الجيد حتى الآن أنها سيطرت عليه, يبقى واحد آخر يكاد يصهر بالبركان الذي ينبعث منه كل من حوله...
فور أن بدأت الفرقة الموسيقية بعزف لحن آخر يصلح لرقص الهادئة "سلو" واعتلى تميم وبدور المكان المخصص للرقص..
وقف مدحت من مكانه وهو يقول بهدوء باسماً "أريد أن أرقص معكِ"
وقفت نوة وهي تضع المحرمة بجانب طبقها ثم تقبلت يده التي التفت على خصرها مصطحبها هناك ..وفور أن ابتعدا عن أفراد العائلة كانت تقول بهدوء "هذه ليس رقصة رومانسية، بل إيجاد مخرج لراشد صحيح؟"
نظر مدحت لمالك الذي حذا حذوه.. وإيهاب زيدان أيضاً ثم جوشوا وهناء ونزار وعروسه.. وبعض المدعوين وقال "بالضبط، أنا سهلت الأمر ليبدو طبيعياً عندما يتقدم ويسحبها منه، دون أن يتسبب في أي حرج"
وضعت نوة يدها على كتف زوجها وشبكت يدها الأخرى في يده ثم قالت بقلق "هل تظنه سيفعل.. ولن يتركها هذه المرة ويخبر نفسه بأن تحترق؟!"
علم مدحت ما قصدته تحديداً.. لذا قربها منه وهو يهمس لها برقة رغم صرامته "لا أعتقد أن بدور قصدت إثارة غيرته بالأصل.. وهو يعلم هذا جيداً.. انظري اليها لم تلتفت لـ(برينسيس أدي) ولو مرة واحدة رغم وشوككِ أنت وأخواتكِ على القفز فوق الطاولة وشق بطنها"
قالت نوة من بين أسنانها "تلك العلقة السخيفة وكأنها تنقصنا"
لمس مدحت وجنتها برقة قبل أن يتمكن من ضمها إليه بكلا ذراعيه وهو يقول بهدوء "لا تستطيعي لومها، هذه هي طبيعة الحياة لديهم, علاقات بسيطة ومباشرة.. أعجبها فأوضحت هذا له دون تعقيد.."
"أعجبها رجل متزوج؟ هل تمزح؟!"
أسبل مدحت جفنيه ثم قال بهدوء بارد " كل من بدور وراشد شخصين حرين, ليس هناك ما يربطهما ببعضهما ويقيدهما بالوفاء.. نوة راشد طلق أختكِ منذ أكثر من أربع أعوام.. وإن ذهب في الغد وتزوج لن يلومه أحد وقد سبق أن حاول معها بكل الطرق ورفضته"
أراحت نوة رأسها على كتفه وهي تقول بحزن ينهشها بلا رحمة "أعلم يا مدحت, ولكن.. هي تستحق منه قليلاً من المحاولة.. قليلاً من الصبر, أختي رغم كل ما فعله بها.. ولم تتخطى عشقه قط.. فكيف لها أن تقبل بروحه بهذه البساطة؟"
قال مدحت بعملية "عليها أن تسرع في حسم حربها، وهو إن كان يحبها بحق فليحاول من جديد ولكن هذه المرة بخطة أكثر فاعلية"
كشرت نوة وهي تعتدل تنظر إليه ثم قالت "أنتَ لا تقصد..."
قاطعها مدحت غامزاً "قصدت ولم أقصد.. راشد أذكى من أن يثير غيرتها إذ أنها لن تتحرك بهذه الطريقة قط.. ولن تحاول أن تنافس امرأة يوماً مهما كان إغراء الانتصار"
ضيقت ما بين عينيها وهي تقول "حسناً لا أفهم شيئاً"
تنهد مدحت قبل أن يقول بغموض "للرجل عقل معتم عندما ينوي سحب امرأة أخيراً لأسره.. لذا أنصحكِ بعدم محاولة الوصول لما أقصده, فقط أتمنى أن يفعلها"
"أنا تعبت.." همست نوة وهي تستسلم لذراعيه دون أن تحاول الفهم مرة أخرى.. فلتنتظر وترى ماذا قد يخرج به راشد وينهي هذه المعاناة التي طالت..
كانت يدا راشد تتقبضان بعنف تحت الطاولة وقد فقد آخر نقطة صبر وتحمل لديه لتوه.. شاعراً بنيران حقد مستعرة بداخله قد تلتهم كل من أمامه بلا رحمة...
وقف أخيراً من مكانه مخلفاً من خلال مقعده صوت صرير مزعج بدأ متناقد مع المكان.. احتاج لدقيقة أخرى لأن يوازن نفسه ويسدل واجهة باردة متحكمة..
ثم مد يده نحو آدلين يسألها بلطف "هل لي بهذه الرقصة؟"
أومأت برأسها بالكاد قبل أن تستقر يدها داخل كفه بنعومة.. وتقف بتؤدة ودلال فطري يفوح من كل ذرة فيها.. ثم تهادت بجانبه في خطوات موزونة لأنثى تثق في نفسها أكثر من المطلوب..
حتى استقرت أخيراً معه مشاركين البقية هذه النغمات الكلاسيكية.. وضع راشد يده على خصرها كما هي أسندت يدها الرقيقة على صدره متجنبة كتفه بإغراء, عيناها مسبلتان بنعومة وإغواء أنثى ..تتمايل معه في خطوات متزنة ومتمكنة ..شيئاً فشيئاً تحاول أن تقصر الخطرة التي باعدها بينهما حتى تضفي على الرقصة نوع من الحميمية اللطيفة.. إلا أن بال راشد الغائب عنها تماما لم يكن معها ..بل في بدور المنهمكة في حديث مع تميم غير منتبهة بالأصل لما يدور حولها..
لقد حذره.. تباً وهو احترم لفترة ذلك الاتفاق الغير معلن بينهما.. لماذا عاد يحوم حولها إذاً بتلك الطريقة؟
كانت خطواته مع أدي تتقارب شيئاً فشياً نحوهما حتى انتبها إليهما أخيراً..
وللحظة واحدة فقط، لبرهة واحدة اشتعل العسل الذائب في عينيها بطريقة عنيفة حاقدة وغيرة أنثى تنكوي دون أن تنوي البوح يوماً.. إلا أنها عادت تحجب نفسها سريعا قاطعة النظرات بينهما...
حاول تميم أن يعيد انتباهها وهو يسألها بلطف "هل أزعجكِ طلبي يا بدور؟"
كان صراع ينشب على ملامح بدور بين الرفض والقبول عندما حسمته أخيراً وهي تقول بخفوت "أمهلني وقتاً لأفكر"
همس تميم "الوقت الذي تحتاجينه, ولكن أرجو مراعاة انتظاري المحترق أيضاً"
لم تجبه ليس لعجز الكلام ولكن لسحب آخر لذراعها بلطف مبالغ فيه فجأة ثم ضمها من خصرها ملصقها بجانبه وهو يقول بنبرة ثقيلة متسلطة رغم الازدراء والغضب الصارخ المهدد الذي ملأ جفنيه "الموسيقى تغيرت ..لذا يجب أن نغير شريك الرقصة"
ابتسم تميم باستفزاز متلاعب ثم قال "هذا على حسب توافق الشريكين, فإن تماثلا وتوافقا يمضيان في طريقهما أبداً"
أسبل راشد جفنيه قبل أن يُخرج نفساً من أنفه كالصهد ثم قال بهدوء بطيء يحوي بين طياته الكثير من الرسالة المطوية في صفعتها الملموسة "هناك أشياء يا تميم أكبر من قدرة بعض الأشخاص على احتوائها، أو التماثل معها يوماً.. قد يتوافقان لدقائق ربما ساعة.. أو حتى خلال مقطوعة موسيقية في نوع من منحة القدر لطرف معين أن يشعر بالسلطة والقوة, يتوهم في نفسه القدرة على ترويض ما هو غير قابل للترويض أبداً"
الرسالة الساخرة المستترة كانت تلامس روح تميم كنصل حاد يخترق أضلعه.. عندما قال بجمود "وهل أنت العظيم الذي ستروضه؟"
ابتسم راشد بتصنع قبل أن يسيطر على المتمردة التي ترغب في ترك جانبه, ثم قال وهو يستدير نحوها بلطف محتويها محدق في عمق عينيها بنظرة جعلتها كلها يتجمد وبأنفاسها تحبس داخل رئتيها.. وبقلبها يدوي ويدق بعنف كما لم يحدث منذ وقت طويل "لا، أنا لم أرغب في الترويض يوماً.. بل في منافسة (فرسي الجامح) وحثه على أن يبقى دائماً بريّاً طليقاً رافضاً لقيودٍ تخنقه.."
صمت قبل أن يرى نظرة الغضب الطفيف في عيني أدي التي احترمت ذلك التبديل المتعارف عليه ولم توجه له إلا إيماءة شكر بسيطة..
أومأ لها راشد بدوره.. قبل أن ينسحب من جانبهما ضامّا بدور إليه أخيراً والتي هتفت بنزق "ما ماهية هذا العرض تحديداً؟"
نزع راشد وجهه المتصنع الرقي وترك لملامحه حرية التعبير بصلف عندما قال "احمدي الله أني لم أطير عنقكِ"
قالت بغيظ "ما الذي تريده يا راشد؟ ألم تنتهي؟"
وضع راشد يده على خصرها بتملك ثم قربها منه بعنف مقصود مرتطمة بصدره, أسندت كلا كفيها هناك على هدير قلبه بينما يده الأخرى أراحها على خصرها من الناحية الأخرى.. صدم كليهما هذا التيار الملتاع بالشوق الذي مر عبر جسديهما ..ثم قال أخيراً بنفس هادر كان ينقطع من بين دوامة وأخرى تحيط بهما "هل انتهى فعلاً يا بدور.. أريد إجابة واضحة وصريحة، هل هناك جدوى من دوراننا في تلك الحلقة المفرغة من الألم والتعب؟"
هتف اللسان باندفاع مزمجر "نعم، أنا لا أريد العودة"
بينما أصابع يديها الناعمة العاجية التي استقرت فوق قلبه مباشرة وكأنها تريد تهدئته من عنف سيل عواطفه المجنونة كانت تخبره بشيء آخر.. قربها منه راشد أكثر وقد تحولت تلك الرقصة (المغتصبة) منها لشيء آخر.. شيء صدم كلاهما في حلاوته.. في عذابه.. وشدة جوعهما للآخر..
أمال راشد نحو أذنها ثم قال ببطء خشن "وأنا تبت عن حبكِ يا بدور.. عن حبٍّ بلا أمل"
رفعت وجهها تنظر إليه بجمود ثم سألته "إذاً لماذا كان ذلك السؤال العبثي؟"
ناظراً إلى وجهها, متعمقاً فيها.. كان يهمس بصوت عميق عنيف "لأني أنشد حباً يشرق بسماء ذهبية من جديد.. أريد عشقاً جارفاً لامرأة تحبني دون أنصاف حلول"
كان تميم قد انسحب من بين العاشقين عندما تحججت أدي بعد دقائق من رقصتهما وانسحبت بلطف.. بينما هو بقي هناك ينظر لراشد وبدور بعينين تضيقان وصدر يشتعل ينبض صادم لا يتركه...
كيف فكر في بدور الراوي يوماً كرأس قد تمنحه ما يحتاجه كما توعد هو أن يشبع فقدها.. كيف له أن يظن أصلاً أن تلك المهرة الأصيلة قادرة على التنازل وربط نفسها به أو بغيره؟!
لقد بدا راشد وهو يمسكها بأنه أكثر ما يمتزج معها.. تلك اليد الصارمة التي تحيط خصرها الناعم والخاضع تحت لمسته.. كانت وكأنها خلقت لهذا المكان منذ الأزل..
نظراتهما لبعضهما, تشابك الحروف المطوية التي يتبادلانها رغم جهله بماهيتها إلا أنها بدت كطلاسم تخرج منه لتستقر في شفتيها كما تغادرها لتخترق كيانه.. طلاسم بلغة غريبة وخاصة لا يعرفها سواهما..
بينما يا الله الامتزاج بينهما عجيب ..والأغرب ذلك الانجذاب الذي يقربهما لبعضهما حتى أصبح ليس هناك المزيد من مسافة وكأنهما قطبي مغناطيس رغم تنافرهما إلا أنهما يجدان التوحد ببعضهما رغم أنف كل قوانين الفيزياء..
لقد بدوا كمعادلة كيمائية صعبة وحدهما القادرين على وضع حلها أخيراً...
**********
عندما خلت حلقة الرقص بالتدريج ولم يبقى إلا هما فوقها.. كانت بدور تبعد ذراعي راشد عنها بلطف مفتعل وهي تقول "سأذهب لأرى الصغير"
تركها راشد تفلت من بين يديه إلا أنه وقف كالجدار يمنعها من التحرك.. رفعت حاجبيها تنظر إليه بتأفف..
حتى عاد نور الثريا يضيء من جديد منعكس على الأرض الرخامية والديكور الكريستالي كشمس تضيء بكامل أشعتها..
التفت راشد برأسه نحو شذى التي سردت أمراً طريفاً لموزع الموسيقى من جديد والذي لباه بحماس..
عندما قال راشد بهدوء "لديّ دين عندكِ لم توفيه حتى الآن"
ضيقت عينيها بعدم فهم.. عندما اقترب منها يسحب يدها يلفها حول نفسها ثم يرفع ذراعها لأعلى دافعها لأن تميل بجذعها الأعلى قليلاً في بداية لرقصة (تانجو).
ثم قال بمداعبة "كنت سأؤجل إهدائكِ هذه الأغنية بعد انسحاب الجميع ولكن رؤية الشابين أثارتني.. وسببت لي الغبطة"
أطلقت صيحة استنكار معترضة ..وهي تنوي رفض ما يريد ببرود معتاد.. إلا أنه لم يسمح لها وقد وقع (طاووسه الجامح في الفخ)..
أبعدها على طول ذراعه تتخبط للحظة على كعبي حذائها العالي ثم التفت تلف نفسها بنفسها على ذراعه حتى وصلت إلى مواجهته وهي تقول من بين أسنانها "إياك وأن تجرؤ"
التلاعب في عينيه كان بشعاً من شدة خبثه, في توعده بإخراج وحش سيطرته الذكورية، الذي وحده قادر على إخراج أنثاها المنسية..
ارتعشت شفتا بدور وضعف غريب لذيذ يسكن طيفها فجأة.. وحش جائع لأحاسيس أنثى تتوحش تطالب دفئه, وبأن تشعر أنها حية ..تتمرد لتفض رداء البرود, لتسمح لبركانها الخامد أن يتحرر, بأن يلتهم بنهم كل ما حرمت منه حتى وإن كان معه.. لا بل معه هو بالذات دون غيره...
قال راشد بصوت رخيم بينما يده الأخرى تمتد لتلامس ساقها من فوق الفستان بخفة ..بالكاد كانت لمسة من نوع ما وهو يعدل وقوفها لتلتف ساقه حول ساقها ثم يميل بها بجاذبية وهو يهمس بنفس خشن خادشاً لأبعد من بشرة عنقها "أجيد السمع مرة للكلمات فأنا لست بارع في الترديد وراء غيري"
"تحركي خطوةً.. يا نصف عاشقةٍ
فلا أريد أنا أنصاف عشاقٍ"
دفعت صدره وهما يعدلان وقفوهما مرة أخرى.. لتبدأ في رفع يداها عالياً وهي تتمايل بجذعها الفارع بإتقان "أنا لست نصف عاشقة.. يا سيد الدهاء.."
التف راشد حولها ببطء حركات النمر المتربص الذي يكاد ينقض في لحظة على طاووسه الجامح..
ثم قال "لو كنت أجيد الادعاء معكِ.. ما كنت الآن أتوسلكِ البقاء"
عندما التفت إليه سريعاً تضع كلا كفيها على صدره, ساقها يرتفع بوتيرة متناغمة حول ساقه كانت تدفعه ليميل للوراء وهي تشرف عليه من علو ثم قالت بتحدي "ظننتك تبت؟!"
ارتفع راشد من جديد, يده تندس تحت خصرها ويده الأخرى ترفع ذراعها لأعلى يشبك أصابعه بأصابعها للوراء, وهو ينظر لتمردها الذي اشتعل يذكره بالفتاة الحيوية التي كانت "أتوب عن كل النساء عاداكِ" حركت رأسها يميناً بنوع من التقييم ثم قالت بتهكم "أكاد أنهار على ركبتيّ خشوعاً لتصديقك"
هبط بإصبع واحد يتتبع نعومة ساعدها ثم رفعه دون تردد يقبّل معصمها بشفتين كانتا كالنار التي أُضرمت في الهشيم محيطة بآخر قطعة من جليد فؤادها "اخشعي.. واتركي لي مهمة الركوع من جديد.."
ارتبكت بدور وتلجمت أمام وعد تعرفه.. عاد ليلف عقلها, قلبها, كلها بين طوفانه الكاسح، بين اجتياحه الضاري ثم همس مداعباً بوقاحة "أنا أتفوق عليكِ في هذا الجانب يا نصف عاشقة"
حاولت التباعد وهي تقول بهلع داخلي أصابها من تأثيره علها.. تباً إلى متى لن تكون محصنة أمامه "كفى يا راشد, الأعين تتعلق بنا"
أمسك بها يعيدها إليه متشبث بها وكأن هذه اللحظة هي المتبقية من حياته ولا يريد إلا أن يقضيها بين ذراعيها.. أما هي التي بين ذراعيه حرفياً تنهل منه بعمق, بسحر, بموج من جنون رائع يحيطها من كل جانب حد الغرق، دون أن تهاب مخاطرة الموت "دعي الجميع يعرف أني وهبت نفسي وأنفاسي لنصف عاشقة.."
"راشد"
أطلق راشد إثر همسها الساخن الناعم آه مختنقة وقد شعر بقلبه يعلو صارخاً, مطالباً, متوسلاً حب تلك السلطانة غير قابلة للترويض أبداً..
أراد الصراخ في وجهها الآن, حملها رغماً عن أنفها بكل بدائية بداخله ثم إجبارها على الزواج منه والرجوع إليه.. إلا أنه أمسك نفسه بمعجزة.. عارف بأنه لن يفعلها إلا بعد أن يتأكد من استعادتها بشكل صحيح بانها لم تعد نصف عاشقة..
تحركي خطوةً.. يا نصف عاشقةٍ
فلا أريد أنا أنصاف عشاقٍ
إن الزلازل طول الليل تضربني
وأنت واضعةٌ ساقاً على ساق
وأنت آخر من تعنيه مشكلتي
ومن يشاركني حزني وإرهاقي
تبللي مرةً بالماء .. أو بدمي
وجربي الموت يوماً فوق أحداقي
أنا غريبٌ.. ومنفيٌ.. ومستلب
وثلج نهديك غطى كل أعماقي
أمن سوابق شعري أنت خائفة
أمن تطرف أفكاري، وأشواقي
لا تحسبي أن أشعاري تناقضني
فإن شعري طفوليٌ كأخلاقي...
***************
عندما ترك خالد قاعة العرس كان يتوجه بها لغرفة قريبة في الطابق الأرضي كن قد وضعن فيها أخواته احتياجاتهم وأشياء تخص سَبنتي وشيماء إن احتاجتا لتعديل زينتهما، أو أخذ هدنة من الصخب كما فعل هو الآن..
دخل خالد وأغلق الباب وراءه, ثم تحرك نحو مقعد يجلس عليه فارداً ساقيه الطويلين بإهمال أمامه، وفك ربطة عنقه بنزق.. ثم بدا للحظات شارداً متباعداً..
وقفت سَبنتي أمامه تفرك يديها بتوتر وإنما بصمت مطبق محترمة أي كانت المشاعر التي يتعاطى معها الآن.. حتى هو قطع الصمت الدائر وهو يفتح ذراعيه في دعوة وقال بصوت أجش "تعالي"
هزت رأسها بقوة, رافضة بعنف الاقتراح من الأصل..
نفخ خالد بضجر قبل أن يكرر بهدوء "اقتربي يا سَبنتي.. بالله عليكِ إنه أنا، لماذا الخوف مني؟!"
فركت سَبنتي تحت شفتها السفلى بعنف متذكرة المعاناة التي بذلتها بدور لتداري علامته الوقحة ثم قالت ببرود "هنا تكمن المشكلة, إنه ببساطة أنتَ"
التوت شفتا خالد في ابتسامة خشنة ثم قال آمراً "إن اقتربتِ كأي فتاة مطيعة، أعدكِ لن أفعل ما يرهبكِ.. أما إن استمررتِ في عنادكِ لا أعدكِ بما قد يصدر عني إن وقفت وأتيت أنا إليكِ"
قالت مهددة بعنف "افعلها وسأفتح رأسك وأصرخ وأفضحك أمام المدعوين"
خبط خالد على ركبتيه مهدداً وهو يقول بتصنع "حسناً تذكري أنكِ من طلبتِ.. وأيضاً بأنك لا تريدي اشتباك نزال معي وقد أثبتُّ لكِ بالدليل القاطع من له النصيب الحصري في الفوز"
وجدت قدميها تنقاد إليه سريعاً حتى تمنعه من التقدم وهي تقول بحنق "هذا ليس عدلاً"
ارتخى خالد من جديد ثم أمسكها يسحبها لتجلس فوق قدميه وأحاطها ينزع منها استسلاماً للبقاء بين أحضانه.. ثم قال بصوت خشن مداعباً "بالطبع ليس عدلاً أن أجبر نفسي على احتمال إبعاد نفسي عنكِ، وقد بات كل ما أفكر فيه ضمّكِ كلكِ إلى صدري ثم الغرق فيكِ لليلة طويلة"
اختنقت بالخجل, بالقلق والتوتر وهي تصرخ به "توقف.. لا أريد أن أسمع هذا ال..."
نزع خالد طرحة الزفاف من المشبك المعلقة به ..ثم أسندها بجانبهما.. وبدأ في تخلل خصلاتها التي تتحداه بعبث قاتل لإغراق أطراف أنامله الحساسة فيها.. ارتبكت أكثر وانتفضت على ركبته.. بينما هو يزيد من ضغط رأسها على كتفه تحت عنقه ثم همس برقة "أنا فقط أحتاج إليكِ.. أن أشعر بدفئك يغمر جسدي.. بقلبكِ يهدر مقابلاً فؤادي, يخبره عبر نبضه بسركِ الذي تضنين عليّ به، وباعترافكِ"
أنفاسها الناعمة الخفراء كانت تلفح عنقه برقة ضاربة فيه أحاسيس قوية تسيطر على كل جزء من كيانه.. عندما هتفت بتلعثم "أنا.. أنا لا أخفي سراً.. فقط لم أعد أشعر بأني أحبك"
لم يغضب خالد أو يؤذيه اعتراف يعلم كذبه عندما داعب خصلات شعرها الحمراء بشفتيه وهو يقول بنبرة كمن يحدث كطفل أحمق ينسى اعترافاته "حقاً تفعلين ..وماذا عن اعترافكِ ونحن نرقص؟"
ارتبكت قبل أن تهمس "حذرتك مرة أن لا تعتمد على اعترافات فتاة هي نفسها تعلم أن بداخلها علة ما, شيء يتخبط فاقد ركيزته و...."
رفع خالد وجهها المدفون في صدره لتقابل عينيه ثم قال بصوت أجش "قد تكونين خائفة.. محطمة، فاقدة لسَبنتي التي أعرفها.. ربما تختبئين فعلاً عاجزة عن تحديد ما تريدينه وما ترفضينه.. إلا أن هناك شيء واحد يا عبثية لم يتغير فيكِ"
فركت جانب رأسها بعنف متوتر قبل أن تسأله بعجز "ما هو؟"
أمسك خالد يدها ثم وضعها على قلبها وغطى كفها الرقيقة بكفه الضخم وضغط على قلبها بقوة بكلا قبضتيهما ثم قال بخفوت رخيم "هذا القلب ما زال بريئاً لم تلوثه الأحقاد.. متسامحاً مع الجميع, راغباً في الحياة ..ويدق بعنف مجيباً بتمرد, صارخاً بي أن ألتفت إليه, أن أحيطه بكياني, أن أحميه بعشقي, وأن أدفئه بقلبي"
سالت دمعتان هاربتان فوق وجنتيها وهي تهز رأسها نفياً ثم إيجاباً من جديد "هل ..هل تؤمن بهذا ..هل أستطيع الثقة بك, وأن لا تخذلني؟!"
حاوط خالد وجنتها بكف واحدة ثم قال بهدوء "لقد جربت خذلانكِ مرة، وضعت مرة، ومتّ في فقدان الأمل بكِ مرات.. والعمر ليس ملكي يا سَبنتي لأتطرف في التفريط بكِ"
أسبلت جفنيها وهي تقول باختصار "الأيام ستثبت"
الصمت الذي ساد بعد إجابتها الغريبة التي نزعت أي رومانسية للحظة ..بدا يذوي شيئاً فشيئاً مختبئاً بين طيات تفاؤل ناعم بدت خيوطة تذوب بينهما ..يده تتحرك على ظهرها بنعومة ..شفتيه تقبل خصلاتها القصيرة ثم جبهتها بشفتين كانتا في البداية ناعمتين غير مهددتين لسلامها فوق حجرة أو استلقائها على صدره.. ولكن بعد برهة تحولت النعومة لخشونة ملحة والبراءة التي اعتقدتها بحماقة تطلب بنهم, وجائع بشغف يده تدفعها إليه بقوة, بجموح عنيف ..بحرارة كله يرغب في السيطرة عليها ومواجهته ليخضعها لطوفان يغرقه ويريد جرفها به...
إلا أنها أذكى من أن تفعل, أقوى من أن تنجر لفخه السخيف.. "يريد أن يغرر بها.. لا عاش ولا كان من قبل من يلمسها"
ويبدو أن أفكارها العبقرية كان لها صدى على شفتيها وهي تقاومه بضراوة بينما هو يضحك بخشونة مصدوماً من فكرها المبهر "ما الذي تقولينه يا مجنونة؟"
استطاعت ضربه بعنف في حركة دفاع عن النفس كانت تعلمتها سابقاً إذ أنها لوت نفسها متحررة من تحت ذراعيه وضربت ذقنه بمرفقها..
قفزت سَبنتي بعيداً وهي تقول بغضب مقلدة صوته "أريد الشعور بدفئكِ، أحتاج لسر قلبكِ، وأنت لا ترغب مني إلا أحلامك الوقحة"
نفخ خالد بضجر قبل أن يقول بوقاحة متعمدة "سَبنتي لن أقتنع بأنكِ لا تعلمين أنه بعد انتهاء هذه الليلة، سأنفرد بكِ ليس لأحقق أحلامي فقط وإنما لتنفيذ رغباتكِ أيضاً.. أتريدين القول بأنكِ لم تفكري مطلقاً بنا؟!"
شهقت بعنف ..بعنف حار مصدوم ..وكأنها لم تتخيل يوماً قط أن يخبرها خالد بالذات بتلك الوقاحة.. يدّعي عليها بما لم يمر في بالها يوماً!
اندفعت إليه تضرب صدره بسخط وهي تقول بحرقة وكأنها ترغب في نفي هذا الاتهام الظالم البشع عنها "أيها الوغد.. أنا لم أرغب.. لا أنجر لعالمك السافل هذا.."
غضبها منعش سيجاريه مؤكد عندما يختليا ببعضهما.. هو يثق أنها بالفعل لم ترغب ولن تفكر يوماً, ومن قد منحها الفرصة بالأصل لأن تفعل كما أي فتاة طبيعية, وقد ضربت مراهقتها وأجمل سنين صباها في مقتل وأضاعوا روحها شاغلين عقلها بأشباح تغذت على كل جميل بها طويلاً ..الحزن لهذا الخاطر فقط جلب إليه حنان طاغي عندما أمسك بيدها بسهولة يجبرها على التوقف وهو يقول بصوت أجش "اهدأي.. أعلم أنكِ لم تفعلي.. ولكنكِ ستفعلين"
"أخرجني من هنا"
رفض ببطء وهو يقول "ليس قبل أن أقبّلكِ"
بدا صدرها يرتفع وينخفض بسرعة جنونية ..وهي تحاول الابتعاد عنه والهروب من ذلك الباب.. "سأصرخ"
قال ببرود "افعلي.. لقد انتهى زمن الخوف"
توسلته باسمه وهي تتراجع تجبره ليتبعها حتى ارتطم ظهرها بخشب الباب المصقول "خالد"
وقفت هناك ترفع إليه عينيها العميقتين المتطرفتين بعشقهما الذي تنفيه صاحبتهما..
"لن أفعل هنا ما يعيدك إلى طفلة حمقاء الخائفة من بعبعها يا سَبنتي"
ارتجفت من جديد وهي تنظر إليه بخجل.. بوجل وخوف يتناقض مع صخب أنفاسها..
وقبل أن تنطق بكلمة أخرى كان خالد يحتوي أنفاسها الملتهبة بنهم.. بخشونة ..وبقلة صبر نفذ منه منذ أن راقبها تتهادى بجوار راشد على ذلك الدرج..
قاومته بقوة تتضعضع.. فرفع رأسه عنها وهو يقول لافحها بلهيب أنفاسه وخشونة أمره "أنتِ لم ترغبي... إلا أنكِ ستفعلين يا سَبنتي"
رفضت بقوة, بتمرد يشتعل فيها.. "لن أرغب"
اقترب منها من جديد يهمس أمام شفتيها بضراوة "سترغبين"
"لن أفعل"
همست مرة أخرى بعناد, بوعيد وهو يحط كالإعصار بفمه ملتهماً حروف اعتراضها ..مختطفاً منها اعترافاً من داخل حنجرتها ..ساحباً معه حتى أنفاسها للتوحد معه, تندمج فيه كما يهدر قلبها الصغير مقابل نبضات قلبه الذي أقامه لها منقذاً.. كان يهدر "سترغبين بي بقدر كل أحلامي بكِ.. بقدر كل لهيب يحرقني من شدة جوعى لكِ"
توسعت عينا سَبنتي بذعر, ليس من قبلتهما بل لأنها وهي تحيط عنقه بذراعيها تجذبه إليها أدركت بأنها (سترغب... سترغب وتطالب خالد بحبها من جديد، حتى وإن يئس
يوماً من أن تعود وتخبره بما يكاد يتوسله منها..)
(هي سترغب... سترغب فارسها وبعبعها الضخم كما كانت دائماً...)
************
[size="7"]انتهى الجزء الثاني من الفصل 45
ومازل هناك فى الحديث بقية من أفراح شظايا القلوب 🤣 يوم الخميس القادم أن شاء الله هيكون فى أقتباس طويل وممتع كونوا بالقرب🤫🤫🤫
[/size]


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 01:27 AM   #5677

رودينارودينا

? العضوٌ??? » 479097
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 16
?  نُقآطِيْ » رودينارودينا is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور Rodina omar

رودينارودينا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 01:32 AM   #5678

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 479 ( الأعضاء 130 والزوار 349)
‏اجزخنجية, ‏Kendaaaa, ‏رغيدا, ‏hanamady, ‏الطيبات, ‏Aengy, ‏اسمااء محمد, ‏سوسو 156, ‏Basmaa masoud, ‏شيماء انور, ‏emytroy2, ‏ميمو77, ‏totalen, ‏منالب, ‏ناديه كليب, ‏رودينارودينا, ‏besomahd, ‏ريهام حمدى, ‏ImaneAlkoush, ‏chaimaeM, ‏رضا الرحمن غايتي, ‏soso#123, ‏Dina66, ‏رولا عزيز, ‏Mayaseen, ‏شهباروزا, ‏Aya yoga, ‏جني عمرو يحيي, ‏رنا عزت محمد, ‏هنا بسام, ‏شجن المشاعر, ‏روئيااااات, ‏wagiha, ‏امل اشرف, ‏فاطمة توتى, ‏Joud1, ‏سوووما العسولة, ‏Nor BLack+, ‏hedia1, ‏Diego Sando, ‏Rosyros, ‏princess sara, ‏maha elsheikh, ‏راندا علي غانم, ‏mahinor, ‏سواسماعيل, ‏aber alhya, ‏Emaimy, ‏رقيةرقية16, ‏ريمةمف, ‏Ayaomar, ‏Samaa Helmi, ‏fatma ahmad, ‏sira sira, ‏Mariam Mohamedh, ‏Time Out, ‏راما الفارس, ‏ساجدة سجود, ‏yasser20, ‏Dodowael, ‏kamsed, ‏Yousra Kareem, ‏Lutesflower, ‏مسك حسن, ‏مها العالي, ‏املي بالله كبير, ‏kokyyou, ‏Hoba Nasry, ‏00nofa00, ‏قمر صفاء, ‏Heckenrose, ‏k_meri, ‏نسائم ., ‏ملاك وشيطان, ‏حبيبيه, ‏دموع ال, ‏دنيا دودى, ‏Dreamdida, ‏amana 98, ‏Mon abdou, ‏yasmo, ‏yawaw, ‏Hoda.alhamwe, ‏احمدالعلاوي, ‏Omsama, ‏Mony abdel, ‏كيوانو, ‏رودينة محمد, ‏امل زهرة, ‏توتى على, ‏هشومة, ‏ليلة القمر, ‏سالي فؤاد, ‏dill, ‏Marwa Gehad, ‏سمسمه يوسف, ‏azizakahraman, ‏Hadeil, ‏Saraa Hasan, ‏زهور., ‏مريم المقدسيه, ‏shereen.kasem, ‏جنة سعيد, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏دلال الدلال, ‏imy88, ‏Nsro, ‏رودى رامى, ‏نعمت يس, ‏دعاء سعده, ‏داليا انور, ‏موجة هادئة, ‏مجد صالح, ‏jello, ‏ام نوارة, ‏Manonasser, ‏ام عمر وريتاج, ‏nur vattar, ‏دانة 2008, ‏سـارونة, ‏دودي الخليفي, ‏tahany gomaa, ‏سحر احمد حسين, ‏Menna23, ‏Bata1997, ‏Samah Ali1, ‏taljaoui, ‏أم وجدان, ‏Aiosha, ‏دلال سعيد


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 01:56 AM   #5679

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

فصل مبهر وفوق الوصف كالعادة
راااااااااااااااااااااااا اااااااائعة


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 02:00 AM   #5680

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 604 ( الأعضاء 154 والزوار 450)
‏اجزخنجية, ‏Dodo Diab, ‏basama, ‏denaziada, ‏00nofa00, ‏sira sira, ‏maha elsheikh, ‏Emaimy, ‏امي احمد, ‏ساجدة سجود, ‏•Abeer•, ‏ريمةمف, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏وسام عبد السميع, ‏الذيذ ميمو, ‏املي بالله كبير, ‏ليلى عمرو, ‏قمر صفاء, ‏Hoba Nasry, ‏اميرة بأخلاق, ‏راما الفارس, ‏Dreamdida, ‏وتر القلب, ‏رقيه95, ‏دودو مجدى, ‏دعاء سعده, ‏lobna_asker, ‏نيفين الحلو, ‏دموع ال, ‏الطاف ام ملك, ‏شيرين الحق, ‏Um-ali, ‏Latofi, ‏Heckenrose, ‏Nor BLack+, ‏حنان حرب, ‏منال نبوي, ‏ملاك العمرو, ‏هبه هلال, ‏هدى هدهد, ‏frau zahra, ‏سارة داود, ‏housewife, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏Mony abdel, ‏ساره عرفات, ‏Atesbocegi, ‏تيتو عبده, ‏نفس تواقه, ‏yawaw, ‏أمل رياض, ‏Omsama, ‏Aya adel diab, ‏دنيا دودى, ‏pooh10, ‏Hiba.j, ‏ام مارياااا, ‏amana 98, ‏غائب, ‏سماح ممدوح علوانى, ‏k_meri, ‏الاءعزيز, ‏yasmo, ‏خمسية, ‏داليا انور, ‏Abcdfg, ‏dill, ‏homsaelsawy, ‏ديدي امبابي, ‏alyaa elsaid, ‏Angelin, ‏منالب, ‏darkfury, ‏Kendaaaa, ‏رغيدا, ‏hanamady, ‏الطيبات, ‏Aengy, ‏اسمااء محمد, ‏سوسو 156, ‏Basmaa masoud, ‏شيماء انور, ‏emytroy2, ‏ميمو77, ‏totalen, ‏ناديه كليب, ‏رودينارودينا, ‏besomahd, ‏ريهام حمدى, ‏ImaneAlkoush, ‏chaimaeM, ‏رضا الرحمن غايتي, ‏soso#123, ‏Dina66, ‏رولا عزيز, ‏Mayaseen, ‏شهباروزا, ‏Aya yoga, ‏جني عمرو يحيي, ‏رنا عزت محمد, ‏هنا بسام, ‏شجن المشاعر, ‏روئيااااات, ‏wagiha, ‏امل اشرف, ‏فاطمة توتى, ‏Joud1, ‏سوووما العسولة, ‏hedia1, ‏Diego Sando, ‏Rosyros, ‏princess sara, ‏راندا علي غانم, ‏mahinor, ‏سواسماعيل, ‏aber alhya, ‏رقيةرقية16, ‏Ayaomar, ‏Samaa Helmi, ‏fatma ahmad, ‏Mariam Mohamedh, ‏Time Out, ‏yasser20, ‏Dodowael, ‏kamsed, ‏Yousra Kareem, ‏Lutesflower, ‏مسك حسن, ‏مها العالي, ‏kokyyou, ‏نسائم ., ‏ملاك وشيطان, ‏حبيبيه, ‏Mon abdou, ‏Hoda.alhamwe, ‏احمدالعلاوي, ‏كيوانو, ‏رودينة محمد, ‏امل زهرة, ‏توتى على, ‏هشومة, ‏ليلة القمر, ‏سالي فؤاد, ‏Marwa Gehad, ‏سمسمه يوسف, ‏azizakahraman, ‏Hadeil, ‏Saraa Hasan, ‏زهور., ‏مريم المقدسيه, ‏shereen.kasem, ‏جنة سعيد, ‏دلال الدلال, ‏imy88


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.