آخر 10 مشاركات
328 - العروس المتمردة - جوليا جيمس (اعادة تصوير) (الكاتـب : سنو وايت - )           »          نصيحة ... / سحر ... / الأرملة السوداء ... ( ق.ق.ج ) بقلمي ... (الكاتـب : حكواتي - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          إحساس جديد *متميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )           »          أرملة أخيه-قلوب زائرة(ج1 سلسلة حكايات سريه) للكاتبة : عبير محمد قائد*كاملة&الروابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-10-19, 01:34 PM   #51

omar alaa

? العضوٌ??? » 456137
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » omar alaa is on a distinguished road
افتراضي


من أجمل ماقرأت بالتوفيق ان شاء الله حبيبتي 💖 💖 💖 💖
يارب من نجاح لنجاح ياقلبي نور بلاك 😘😘😘😘😘😘😘


omar alaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 05:07 PM   #52

Heba hamed2111

? العضوٌ??? » 456155
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » Heba hamed2111 is on a distinguished road
افتراضي شظايا القلوب

ما اروعك واروع تعبيرات
تسكن القلب بدون وسيط دائما متألقه وفي تقدم يا حبي 😍😍😍😍😍:chirolp_kr ackr:


Heba hamed2111 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:07 PM   #53

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

ضبسم الله الرحمن الرحيم

شظايا القلوب

الفصل الأول :


تُعد ذاكرة الإنسان من أعقد الألغاز,ورغم هذا تعتبر شيئاً ثابتاً غير قابل للتعديل,خاصةً عندما تُشكل هويتنا ماضينا وحاضرنا,ولكن يبقى السؤال هل نستطيع بسهولة العودة لتذكر ذلك المرار المؤلم بما يحمله من كل كسر ونزيف...أم أن تلك الذاكرة الخرافية تبني حائطاً سداً لتحول بيننا وبين ماضينا المروع...جاعلة إيانا عالقين في عالم مظلم ليس منه فرار,فتجبرنا على الخوف من انقشاع ذلك المانع الرقيق,ربما نجد خلفه أسوأ كوابيسنا...فنظل صامتين خائفين متناسين أن في بعض الأحيان يكون لصمتنا إحساسه الصادق,فيكشف ذلك الضياع الخفي,مُظهراً أمام أعيننا مستقبل أكثر ارتياعاً وضياعاً!
............................
حمامة بيضاء صغيرة بريش أخضر تمسك بفمها غصن زيتون تفرد جناحيها الصغيرين محاولة تعلم الطيران تتبعها حمامتان صغيرتان بديعتا الجمال يقودهم جميعا صقر رغم صغر سنه وشراسة وصفه إلا إنه يبقى حارسهم الهمام...يتجلى ذلك المشهد لتلك الحدقتين القاتمتين وكأنه عرض تلفزيوني مبهر تراقبه مشدوها من خلف ستار أسود شفاف...لا تعلم من أين جاءت تلك الجماعة الصغيرة ولا إلى أين ستذهب...تعود العينان القاتمتان لتبتسما بحنين لذلك الصخب والإحتفال بذلك العالم مبهرج الألوان لتلك الضحكات الدافئة تحت الحماية والإنتماء لمكان مشمس وبديع يدعى أرض ووطن!!
تغلق جفنيها في حركة خاطفة لتفتحها على مشهد مروع أتى بتسارع ...صراخ يصم الأذان ...ورائحة دماء تزكم الأنفاس وأشلاء متناثرة في كل مكان فتزلزل الأبدان"أين أولاد الجيران؟!"
غبار وحطام وخراب أقاموه شرذمة من الأندال فهتكوا العِرض وقتلوا الولد وأضاعوا الوطن ...صرخات تحطم الأفئدة ورجل مسكين يُجَر لسجون عالم الجبابرة وأم تقيد بالسلاسل حافية وعارية...تمشي في صحراء طويلة وقاحلة علهم يجدوا النجدة ولكن هيهات!!
الموت يحلق فوقهم مكشراً عن أنيابه وملوحاً بصلفٍ بمخططاته...رباااه رحماك!
العينان القاتمتان تحولتا لبركة من الدموع العاتية تلهث بتسارع علّ النجدة تأتي عبر هزة من العالم الواقعي فتخرجها من تلك الدوامات المريرة...تفتح عينيها مجبرة ومقيدة...فتبتهل بالحمد عندما انتقل المشهد إلى نجدة متمثلة في طائر حديدي كبير سيأخد بقايا الإنسانية لسماء ما تُدعى الحرية والعدالة والمساوة"لا.لا تذهبوا أرجوكم إبقوا هنا...واجهوا الموت سوياً سيبقى أفضل حالاً من ذلك الفخ من تلك النيران التي ستسلخكم أحياءاً!!"
ولكن لا فائدة تتعالى شهقاتها وفي صورة خاطفة تنتقل الشاشة لتعرض لقطات كبيرة تالية إلى أن توقفت هناك على نسر عربي وقع في شباك حديدية لغربان سود! ولكن مهلاً أليست تلك هي نفس الحمامات ذات الريش الأخضر يناضلن للوصول لذلك النسر فتنكسر أجنحتهن حديثة التحليق لينزفن دماءاً حية تحت مخالب الغربان السود التي كبلتهن دون رحمه زاعمين بأنهم ملائكة الرحمة!!ثم انطفئ كل شيء عبر صمم أذنيها بالعويل والصراخ وطلب النجدة دون أمل في العودة!!
شهقت بعنف من وسط دوامتها تشعر بنفسها مكبلة مقيدة بسلاسل من نار خفية..."افيقى أرجوكِ افيقى"
ولكن كابوسها أبى أن يتركها الأن فترى نفسها تجسدت في غابة مظلمة واسعة تملأها الأشجار الكثيفة لتمنحها منظراً مرعباً أكثر مما هي عليه بالفعل... رفعت عينيها لتنظر بذعر لتلك الكلاب السوداء الشرسة التي كشرت عن أنيابها الدموية ناوية النيل منها فتراجعت رعباً وهي ترفع فستانها الأبيض الحريري الطويل لتفر راكضة لا تعرف أين وجهتها وتجهل أين نجدتها؟ فقدميها الحافيتين اصبحتا داميتين تئن وجعاً وتكسر هامتها فتكاد تستسلم لتلك الكلاب التي وصلت اليها وبدأت في نهش ما تطوله منها...تحاول الصراخ فلا تجد لها صوتاً يعينها على التعبير عن ألمها...لا تعلم ما الذي جرى معها لقد أيقنت بالهلاك أخيراً ولكنها ما كادت تطرف بعينيها حتى فتحتهما على مخالب دب ضخم أكثر شراسة من مطارديها يزأر فيهم حتى أرسل في قلوبهم الرعب...فإبتعدوا هاربين بينما كانت هي تأن بلوعة...ثم شعرت بعدها بذلك الدب يضمها إليه برقة وأخذ عناقه يشتد أكثر وأكثر وكأنه يحتمي فيها لا كما فهمت أنه يحميها...لقد كانت ملامحه تتألم مما جعلها تحاول استكشافه لتقع عينيها على جروح جسده الدامية الغائرة...وما كادت أن تلمسها علها تمنحه السكينة وتطببها كما منحها هو وجدت نفسها تطير بعيداً... نفضها بدون إنذارمسبق وبملامح شرسة كان يدهسها واضعاً خط النهاية!!
شهقت بصوتٍ عالي كمن كانت تمتنع عن التنفس طويلا وإنتفض جسدها بعيداً عن فراشها...كما تعرق جبينها وكأنها كانت تُطَارد بالفعل من مصير أسوأ من الموت...تعالت شهقات بكائها المكتومة مما جعل والدها يستشعر الخطر وهو يندفع نحو غرفتها دون استئذان ليفتح الأنوار وسريعا كان يأخذها بين ذراعيه مطلقاً ترنيمات مهدئة وطالباً العون من يسوع ليمنحها السكينة!!
دقائق و بدأ جسدها في الهدوء التدريجي فأبعدها والدها عن ذراعيه ليسألها بهدوء:"نفس الكابوس؟"
هزت رأسها إيجاباً بصمت
فعاد يقول بوجوم:"لا حل أخر يجب أن تذهبي لطبيب نفسي ليساعدنا لنعرف لماذا يتكرر معك"
مسحت دموعها بيد مرتجفة ثم قالت بصوت خرج متعثراً متحشرجاً:
"ألا تريد أن تفهم بابا...هذا لم يكن كابوس بل حلم...حلم يأتي من بين طيات النسيان...صوت يذكرني بالماضي الأليم,كأنه يهمس بي ألا أستسلم,يجب أن أجد تلك الحمامات بابا!
**************
كانت تحاول أن تُهدِئ نفسها وهي تقول بإحترام يمليه عليها الواجب:
"ولكن يا دكتور هذا ظلم فالمريض لم يشفى بعد كما أن حالته النفسية سيئة بالفعل!"
إستدار روجر حول مكتبه ليقف أمام الطبيبة المتدربة بهدوء ثم قال بعملية:"لوسيرو أنتِ لست في موقع يخول لكِ الاعتراض...أنا فقط أعلمكِ لتخبري مريضكِ بما سيجري معه في الفترة القادمة"
أخذت نفساً حاداً قبل أن تقول بصوت أجش:"كما قُلت حالتي! وأنا أخبرك أن ذلك المريض ليس مستعداً جسدياً أو نفسياً"
تخلل شعره بيديه وحربه الإنسانية تطفو إلى السطح، ولكنه حسمها سريعاً عندما قال شارحاً:
"المريض يرفض الإستجابة للعلاج، يثير المشاكل غير معترف بحاجته لطبيب نفسي، كما أنه لم يتورع أن يقيم علاقة مع تلك الممرضة"
إحمر وجه لوسيرو قهراً وقلبها يغور بين أضلعها بنزيف قاتل لم تعرف سببه أو ربما لم ترد الاعتراف به عندما قالت مشيحة بوجهها بعيداً:
"لم يجبرها,بل هي من قدمت له تلك الخدمة بكامل إرادتها!"
تنهد روجر بعمق قبل أن يقول بهدوء حازم:"لقد رفعت الدولة عنه الرعاية الطبية منذ أشهر طويلة...لأنه يكلفها أموالاً طائلة وهو من يرفض العلاج...أما الرعاية المجانية التي يوفرها المشفى أيضاً قد حرموه منها...لأنه ببساطة هناك من يستحق تلك الفرصة أفضل منه!"
قالت في محاولة أخيرة:"أليس هناك أي حل؟"
صمت لعدة دقائق قبل أن يقول:"فقط إن أقنعته أن يجري الجراحة الأخيرة ويوافق على العلاج الطبيعي وبالطبع التأهيل النفسي وقتها فقط قد أساعدكِ في منحه كل المساعدات الطبية المتاحة"!
*********
كان كعب حذائها المميز كترنيمة موسيقية تطرب مرضاها الودودين يعلن عن وصولها إليهم عبر ذلك الممر الطويل لتدخل غرفة تعقبها أخرى راسمة إبتسامة ودودة...تلقي مزحة مع هذا وتتقبل غزل ذاك...ناشرة بعض من السلام بينهم ...كانت تقوم بعملها كما دربها مشرفها وأبيها الروحي"ليو أنخيل"أخذت ترتب تقاريرها عبر الحاسوب الموضوع أمام كل غرفة ثم ترسلهم عبر بريد المشفى للتوثيق ثم إلى كادر الأطباء كإجراء روتيني ليبحثوا كل حالة على حدا...إنتهت من المرور بمن وضِعواعلى جدولها الطبي حتى وصلت أخيراً إلى غرفته بل إليه!!
وقفت لوسيرو على باب غرفته تدفن جبهتها في راحة يدها ليتساقط شعرها الأسود الكثيف على ملامحها مانحها العزلة المناسبة لتلتقط أنفاسها وترتب تبعثرها لترسم أمامه تلك الواجهة الصلبة...لقد توقفت منذ أشهر عن الحقد على ذلك السليط الغبي بعد أن بحثت عن تاريخه وعلمت بذلك السواد والظلمة التي أتى منها وصبغت روحه المعذبة حتى وإن أبى الإعتراف...هي تعلم أنها إنتهكت خصوصياته وأيضاً بعضاً من معايير مهنتها ولكنها كانت مرتعبة مضطربة تحتاج أن تقطع الشك باليقين ...أكان هو حقاً من تبحث عنه عبر رحلتها المعذبة المؤلمة والتي أتت خصيصاً لتلك الولاية من أجلها,مضحية بمكانة علمية وعملية في ولاياتها الأم؟!
دفعت الباب وولجت إلى الداخل بعملية قابلها الصمت والهدوء الثقيل على غير العادة مما جعل شيئاً من القلق يصيب داخلها دون أن تظهره على ملامحها تجولت بعينيها لبرهة قبل أن تندفع نحو الشرفة المفتوحة والقلق يتصاعد داخلها بضجيج مزعج لقد توقع الأطباء أن يصل لحالة من اليأس فيُقدم على الإنتحار...كانت الستائر البيضاء الخفيفة تتحرك بقوة حتى كادت أن تُخلع من مكانها بسبب ذلك الإعصار الشديد الذي حذرت منه الأرصاد منذ أيام قليلة
الأحمق ماذا يفعل؟ تخبطت لثوانٍ وهي تبعد تلك الستائر، قبل أن تتوقف لاهثة الأنفاس مضطربة الدقات مذعورة الروح وهي تجده أخيراً ملقى في أحد الأركان عاري الجذع وجسده النحيف يرتجف بشدة بإنتفاض متوالي كمن ينازع في لفظ أنفاسه الأخيرة...بينما كرسيه المتحرك منقلب في الطرف الأخر من الشرفة وعجلاته تدور وتدور بالترافق مع تلك الرياح التي تضربهم...اندفعت في برهة لتصل الى جسده المسجى وصرخت فيه بغضب:
"بحق يسوع ما الذي تفعله بنفسك"
بدون تردد كانت تضمه بين ذراعيها تحاول أن تسحبه للداخل ولكن هيهات ! إستعاد عقلها تفكيره الوظيفي سريعاً فأخرجت جهاز نداء النجدة خاصتها وهي تطلق ذلك الإنذار بعملية...ثم سرعان ما كانت تندفع إلى الداخل تسحب من خزانته دفايات طبية مجهزة...وعادت إليه تلف بها جسده ثم ضغطت على بعض الأزرار المتصلة بذلك النسيج ليبدأ انتشار الحرارة على الفور...لم تتأخر النجدة طويلا إذ في دقائق معدودة كان يندفع فريق مجهز يحملوا جسده للداخل ويمنحوه العناية اللازمة,كانت بالطبع تشاركهم العمل أمسكت بذراعه وغرست المحلول المعلق عبر الوريد,كانت منشغلة في إلقاء التقارير على باقي الفريق ونقل المعلومات بينهم عن حالته وما يحتاجه من عقاقير,ثم ما لبثت أن شعرت أخيراً بيد قاسية رغم وهنها تجذب شعرها الذي تربطه في غوغائية فوق رأسها القريبة جداً منه حتى شعرت بذلك الشلال الأسود الناعم يغطى ظهرها ويحاوط ملامحها ببشرتها السمراء البراقة ...إنتفضت وهي تنظر لعينيه الخضراوين مجفلة...حاولت أن تبتعد عن مرماه ولكنه لم يسمح لها عندما جذب خصلاتها ليجبرها أن تُقلص المسافة بين وجهه ووجهها لإنش واحد,عينيها المتوسعتين رأت فمه أخيراً يبرطم بالعربية غاضباً:"أنتِ علقه يصعب الخلاص منها,من أين خرجتي لي؟!"
أخذت نفساً عميقاً نارياً قبل أن تسيطر على نفسها وهي تقول ببرود:"أخبرتك أن تتحدث بلغة أفهمها إنجليزية أو إسبانية..."
كان رده الصلف يأتيها على الفور بالعربية:"أنتِ أقل من أن أتحدث معكِ بلغتي الأم أما عن لغتكِ فأنا لا أتحدث لغة المتسللين والعاهرات"
لمعت عينيه بتشفي عندما أظلمت ملامحها,وكأن كلماته كانت تطعن قلبها مباشرة دون رحمة يبدو أن العلقة تفهمه وتُصر على الإنكار!
أحست لوسيرو بكل صفعة تخرج من كلماته متضامنة مع جراح قديمة ظنت أنها إندملت وشفيت إلى أن أتى القدر وأعادها لنقطة البداية...عندها فقط لم تقم أي وزن لمشاعره أو حالته الصحية ولم يعد أبداً مكان للتعاطف مع نذل مثله مالت تهمس بجانب أذنه بفحيح:"دعني أخبرك نصيحة محاولتك الطفولية المعاقة للإنتحار بمواجهة ذلك الإعصار لن تأتي بنتيجة إلا تكلفة الدولة أموال طائلة وتحميلنا نحن رعاية طبية كريهة على قلوبنا...إن كنت تريد التخلص من حياتك التي لا تساوي أية قيمة تذكر هناك طرق أكثر فاعلية...كتناول تلك الزجاجة التي بجانبك مثلاً أوكسرها وقطع شرايينك"
تشنج جسده بوضوح تحت يد الأطباء بينما ينظر لعينيها الشبيهتين بأحجار العقيق متحدية قاسية تومئ برأسها وكأنها تؤكد على كل كلمة خرجت منها، نطق بصوت مكتوم بالإنجليزية:"أخيراً هناك أمر ما جيد أستفيد به منكِ"

"لوسيرو أريد تقريراً بحالة مريضكِ الأن"أجفلها صوت رئيسها فرفعت رأسها سريعاً تقرأ المعلومات المرصودة على الشاشات ثم توجهت سريعاً نحو الحاسوب المركزي الموضوع في طرف الغرفة وهي تقول بعملية:"حالة القلب منتظمة، التنفس طبيعي، الماء والبرودة لم تصب الأطراف...وباقي مؤاشراته الحيوية تعمل بشكل سليم...الحالة مستقرة دكتور"
إبعتد روجر عن سرير المريض ولم ينسى أن يلقى اليه بنظرة غاضبة مخلوطة بالأسى ثم توجه نحو لوسيرو وهو يقول:"لا فائدة تُرجى وهو يقف هنا أكبر عدو لنفسه فعجزه بداخل روحه وليس في قدميه!"
أطرقت برأسها دون أن تقول شيئاً بينما أكمل الطبيب بخفوت:"قومي بكل الإجراءات اللازمة ثم إتبعيني، لقد سرع الأمر بفعلته تلك!"
إبتلعت لوسيرو ريقها وهي تقول هامسة"هذا غير عادل، كيف نخبره بذلك القرار بعد ما فعله الأن إنه إنسان غير مؤهل للحفاظ على حياته"!
"الحياة غير عادلة فتاتي الصغيرة,أمريكا لا تقدم شيئاً مجاني دون أن تدفعي أمامه ثمناً باهظاً"
عينيها تركت الطبيب تراقب جموحه الأهوج الذي عاد عبر مقاومته للفريق الطبي الذي حوله وهي تقول بتحشرج:"بعد عملته تلك سيحول لمصحة نفسية إجبارياً وهذا سيحطمه أكثر برغم أنه بقايا إنسان بالفعل"
رفع روجر كتفيه بالتضامن مع فتح يديه علامة على قلة الحيلة والتسليم للأمر الواقع...ثم أحنى رأسه بأسى وخرج دون كلمة إضافية.
......................
بعد ساعات عادت الى غرفته بشعور إنساني يجبرها أن لا تتركه لجحيم نفسه على الأقل هذه الليلة لقد رفضت أن تلجأ لحجرة الأطباء حتى تستطيع أن تأخذ بعض الراحة بما أن موجة الإعصار تفرض عليهم حصاراً لثلاثة أيام كاملة لن تستطع أن تغادر فيها للمنزل...دخلت بهدوء عالمة بأنه تحت تأثير المخدر الذي منحته له بنفسها,سحبت أحد المقاعد وجلست مقابل فراشه مباشرةً خلعت حذائها تمسد قدميها بتعب ثم ما لبثت أن ضمت ركبتيها الى صدرها تلفهم بذراعيها وتضع ذقنها فوقهما تنظر له بجمود تام تراقب وجهه الشاحب الذي زاد نحولاً بشكل ملحوظ مع فقدانه للوزن حتى أصبح جلده يكسي عظامه بالمعنى الحرفي للكلمة...ذقنه الشقراء النامية بشكل عشوائي كانت تحجب معظم ملامحه التي رأته بها أول مرة...فعينيه الخضراوين المغلقتين الأن أنطفئ بريقهما وأصبح بهما نظرة شاردة قاتلة وكأنه أوقف كل عقله أخيراً عن العمل حتى أنه توقف منذ شهرين عن الصراخ والسباب الجارح لإسم رجل ما وفتاة فهمت أنها تخص نفس الشخص.
"ما الذي أفعله بنفسي,وما الذي يجبرني لأهتم بك؟لقد قطعت الشك باليقين وعلمت أنك لست غايتي ومسعاي!"
عادت تنظر إليه تتأمل كل تفصيلة منه كل حركة تصدر عنه، ما الذي يجري معها لطالما كانت عملية عقلانية متحكمة في نفسها وجميع رغباتها، ما الذي يملكه سليط اللسان البائس لتتعاطف معه بهذا الشكل؟ ليجذبها إليه؟ أخرجت نفساً متعباً عميقاً أخر، ثم مدت يدها بجانب الطاولة تبعد تلك الزجاجة التي أشارت إليه بإستخدامها...اللعنة ما الذي أصابها لتجن بهذا الشكل، إن حدث لهذا الرجل شيء لن تغفر لنفسها أبداً"
"أتركيها...أم أن ملاك الرحمة ظهر له ضمير أخيراً يؤنبه؟!"
صوته الخشن وصلها متحشرجاً خالياً من الروح...فحاولت أن تخفي توترها وهي ترد مدعية الجمود:"لن أسمح لك بفعلها وأنت تحت مسؤليتي"
سخر ممدوح وهو يفتح عينيه ببطء لينظر إليها مباشرة وقال مخاطبها بلغتها:"هذا كرم كبير منكِ يجعلني أغير نظرتي بكِ...كم أنتِ إنسانية"
حركت لوسيرو كتفيها بالترافق مع تمايل رأسها ناحية اليمين وإرتفاع حاجبيها ثم قالت ساخرة:"ها أنت أخيراً تكتشف نقاط ضعفي"
لم يعقب بشيء بل أدار وجهه بعيداً عنها منفصل عن الواقع كما حالته مؤخراً ...دقائق مرت في الصمت المشحون إلى أن نطق أخيراً بهدوء لا يعكس أبداً طبيعته:"لو كنتِ تملكين أية ذرة إنسانية أو مهنية لكنت تركتيني حتى أزهقت أنفاسي وإرتحت أخيراً"
هتفت فيه من بين أسنانها بخشونة:"ومن الأحمق الذي أخبرك أن الموت به راحة بل روحك المعذبة ستظل معلقة وهائمة حتى الجحيم لن تطوله لتستقر فيه"
إلتفت إليها بوجهه خالي التعبير ثم قال بنبرة مظلمة:"ومن أخبركِ أني لم أذق الجحيم بالفعل، وأن روحي لم تختنق منذ زمن في ليلة مظلمة تشابهت فيها الملامح وتكالبت فيها كل تراكمات الماضي الأليم، ليلة إحترق فيها قلبى وسرقت روحى وتشوه فيها عمري، وزرع بداخلي خيبته"
الصمت ما قابله عدا عن اهتزاز عقيق عينيها الذي إمتلئ بالدموع،إذاً الشابة الحمقاء تشعر!
"أتعلمين ما الأكثر وجعاً؟ أن بداخلي ميت بالفعل فلم أعد اشعر بالألم!"
إهتزت بالكامل مع كتمان دموع أبت أن تهبط أمامه، وحديثه ينزل على الجراح الغائرة فيصهرها صهرهاً ويمزقها وكأنها كائن هش وقف أمام مرآة تحطمت أجزائها فأصبح قلبها متلقياً لتلك الشظايا المنثورة...
ابتلعت ريقها وحاولت الوقوف لتبتعد عنه وتلملم من جانبه كل ما قد يستخدمه لأذية نفسه ! وهي تقول بهدوء مُدارية كل أوجعها ودافنة إياها عميقا حتى لا يشعر بتعاطفها:"كل ما تقوله لا يبرر جنونك...هناك فرصة في علاجك وأنت من ترفضها، هناك أطباء نفسين مستعدين لمساعدتك وأنت أيضاً من تُكابر...حياة الإنسان أمانة من الخالق يا ممدوح وأنت تهدر تلك العطية بجحود"
روحه القميئة ظهرت على السطح وضحكته الساخرة جلجلت في أرجاء الغرفة المظلمة كسواد قلبه ثم ما لبث أن قال جارحا إياها:"وما الذي تعرفينه أنتِ عن الله، أو عن إنقاذ النفس والروح؟ كيف تحكمين على شيءٍ وأنتِ لم تريّ الموت يتراقص أمام عينيكِ مخرجاً لكِ لسانه؟"
صرخت فيه بإنفلات تقاطعه مكملة حديثها:"مخرجاً لك لسانه معلناً لك أوان ساعتك...يرفل بعبائته السوداء ويشنب مخالبه بين أحبائك يزهق روح تتبعها أخرى وأخرى وأخرى وأخرى حتى يتخطى العدد الألف، دون أن يرف له جفن أو يوقفه ذلك العويل والصراخ الذي خلفه هول فعلته حتى شابت لها رؤس الولدان؟!!"
كانت العصبية ما تحركها الانفلات المعتاد الذي يخرجه منها عندما انحنت تمسك كتفيه بشدة وعينيها تدوران بجنون في مقلتيها...دمعها الذي هبط دون أن تشعر وهي تقول من بين أسنانها:"بل ما الذي يعرفه مدلل مثلك عن أبواب الجحيم التي فتحت أمام عينيه وهو حي يُرزق,هل كتمت الدماء أنفاسك من قبل؟هل بقيت كالمرالعلقم تحرق جوفك؟هل لمست أناملك الصغيرة عديمة الفهم بعضاً من أشلاء أقاربك وأحبائك تلملمها من حولك؟!!أخبرني هل فعلت؟"صرخت تقريباً مع أخر كلماتها جاعلة إياه ينظر لها بذهول متسع العينين غير مصدق لما توصل له عقله الذي عمل سريعا.
"من أنتِ؟!"نطقها أخيراً متعلثماً بالعربية جاعلاً إياها تفيق من غيبوبتها المتيقظة
فإبتعدت شاعرة بذهول مماثل ثم ابتلعت ريقها تجفف دمعها بتعجب قبل أن تتبدل ملامحها للقسوة وقالت بنبرة آتية من عمق الجحيم ناطقة بعربية جاهدت أن تكون سليمة:"لوسيرو أنخيل عاهرة مكسيكية كما أمرت أمريكا وطنك الأم "
.................................................. .........
هل جربت من قبل وقوعك بين فكي الرحى؟! هل وقعت في حرب عشوائية تتنازعك الأفكار، خائر القوى، مستسلماً لتلك المنطقة الرمادية التي تأكل روحك وتلغي عقلك وتجمد قلبك فلا يتبقى إلا أفكارك السوداء فتنسحب لأسفل الدرك عميقاً عميقا...فلا تصدر منك إلا أفعال يخبرونك أنها شيطانية؟!
...................................
كالسحر كانت ليلتها,لم تصدق عندما سحب يديها مغمضاً عينيها ليريها ما كانت تطلبه منه بدلال طفولي,وظنت أنه لن يستطيع أن ينفذه بحذافيره...ولكن هاهي الأن ترى ذلك العالم السحري الذي نفذه إيهاب في أحد الحدائق الضخمة للعاصمة...حجز المكان بالكامل وأقام في منتصفه مقصورة أسطورية بأربعة أعمدة نحاسيه ضخمة تغطيها من كل جانب ستائر حريرية مبهرجة الألوان وعقود من الأضواء المتلالئة هابطة منها شرائط من المخمل بنفسجية اللون ...وداخل تلك المقصورة ينتظرها ما طلبته فرقة شعبية شهيرة بإحياء"سبوع الأطفال"و غربال مبطن جوانبه بالإسفنج ومغطى أيضاً بالحرير وطعمت جوانبه بعقود ذهبية رقيقة قال إيهاب انها ستوهب لتلك المرأة التي ستهز صغيريها وتدعو لهم بطول العمر,حتى ذلك الهون الذهبي لم يغفل عنه...ولكنه منع تماماً أن يمسك أحدهم بالشموع خوفا عليهم من حادث عرضي"
كادت أن تقفز بين ذراعيه تتسلق عنقه كالعادة ولكنه وئد محاولتها تلك بسهولة مكتفياً بلثم قمة رأسها وهو يقول بخفوت:"لن ينفع صغيرتي، يجب أن تتعلمي كيف تتصرفين كزوجة لإيهاب زيدان... فبعض الأصدقاء ينتظرون ظهوركِ أخيراً"
نظرت إليه بعينيها الذهبيتين تومئ له بطاعة ثم قالت برقة دامعة العينين:
"إن هذا جميل للغاية لم أتخيل أنك ستفعله حقاً، لقد توقعت أنها حفلة لتقديم طفلينا فقط عندما أخبرتني أنها تضم معارف وأناس أغراب"
هز إيهاب رأسه يائساً قبل أن يخبرها بمرح وقور:"وماذا قد يفعل المجتمع بصغيري دون الثلاثة أشهر حبيبتي؟ بل أقمته من أجلكِ في المقام الأول!"
حاولت إدعاء الإتزان ولكنها فشلت عندما وقفت على أطراف أصابعها تلثم فكه بنعومة ثم قالت برقتها المهلكة:"أحبك أيهاب"
أسبل جفنيه للحظة وهو يقول بصوتٍ أجش:"ماذا أفعل بطفوليتكِ وجموحكِ يا ناعمة إيهاب"
فتحت كفيها بقلة حيلة قبل أن تخبره بشقاوة:"أذبني وذُب فيّ دون أن تتلعثم خجلاً أو تتوقف خوفاً"
ضحك بصفاء وهو يقول مستنكراً:"خجل وخوف هل هذا الحديث لي أنا؟!"
"صغيرتك نضجت يا إيهاب وتعلم أنك مازلت خائفاً من أن تكون ظلمتها أو إستغللتها...غير مدرك بعد أنها سلمتك روحها منذ أن كانت لفافة صغيرة تشبه طفليك!"
كلماتها رغم بساطتها وواقعيتها كانت تمس وتراً حساساً لديه فلم يستطع أن يقل شئياً إلا أن يمد أنامله يلمس وجنتها الناعمة بحنان...ثم مال يلثم جبهتها بقبلة واضعاً فيها مشاعر تفوق أية قبلات غرامية!
"يا طائري الحب ألم تنتهيا؟ أنت أصدقائك المتكبرون والغليظون مثلك ينظرون إليك...وأنتِ يا بائسة هناء تبحث عنكِ تريدكِ في المقصورة...لقد حان وقت الاحتفال الخاص والنساء ينتظرن الأميرة المدللة"الصوت الساخر اللامبالي جاء أمراً مسيطراً مصدقاً نفسه على ما يبدو أنه يملك أي حس فكاهي أو نوع ما من السلطة...لم يستطع إيهاب أن يمنع يده من جذبه من قمة ملابسه عندما أدار لهما ظهره ينوي المغادرة ليعيده أمامه ثم قال من بين أسنانه:"حاول أن تتطاول في الحديث مرة أخرى وانتظر مني ما لم تتوقعه يوماً"
خرج صوت مريم متوتراً محايلاً:"إيهاب أرجوك اتركه"
إمتعض نزار وهو ينظر من الأسفل نحو وجه إيهاب ثم قال:"اسمع يا كروان الحب المغرد أنا لا أخاف منك ولا من ذلك المجنون زوج مي...بعد أن إنكشفتم لي"
لم يتنازل إيهاب عن إمساكه وإدعى الاهتمام وهو يسأله ببطئ حمل التهديد بين طياته:"وما الذي اكتشفته جنابك؟ أطربني"
توسعت إبتسامة بلهاء على فم نزار قبل أن يقول:"أنتما تغاران مني لأنني أكثر وسامة وشباباً!"
تركه إيهاب من بين يديه فظن نزار أنه سجل هدفاً في مرماه ولكن سرعان ما كان إيهاب يمسح وجهه يتمتم بإستغفارثم ما لبث أن قال بنبرة هادئة وحازمة:"رعونتك ستنتهي بك معلقاً في شرفة شقتي من قدميك يا نزار...تاركك هناك تتأرجح من الدور العشرين لأسبوع على الأقل حتى تتعلم الأدب وتحجم لسانك...وربما يأتيك بعض العقل الذي هرب منك"
إضطربت ملامح نزار ثم قال ضاحكا بتوتر:"ما هذا التهديد هل تظنني طفل وسوف أصدق"
هز إيهاب رأسه بوقار ثم تابع بهدوء:"أعتقد أنك بت تعرفني عن قرب وتعلم أني لا أطلق وعوداً فارغة...إن لم تتوقف عن حماقتك سأفعل...والأن أغرب عن وجهي"
لم يتمالك نزار نفسه وانصرف على الفور ليس خوفاً منه بالطبع ولكن رعباً إذ أن هذا التهديد يشابه تهديد أطلقته أمه وجاسر سوياً هل يتفق ثلاثتهم عليه أم ماذا؟!!
عاد إيهاب لمريم التي إختفى توترها وإحتلت إبتسامة مشرقة محياها...دفعها برفق وهو يقول:"هيا صغيرتي اذهبي لزواركِ وأحسني التصرف بما يليق بأم صغيري"
.....................
داخل تلك المقصورة التي أقامها إيهاب بوجه خاص حتى تصبح معتزل لهم عن الرجال كانت مريم تخطو فوق أطفالها ضاحكة بعينيها الدامعة وقلبها يتراقص بسعادة...تمسك يدها إسراء حتى لا يختل توازنها، بينما كانت هناء بوجهها البشوش تدق لها ذلك"الهون"بنفسها رغم ملامحها ‏الأرستقراطية وملابسها الأنيقة وذلك الحجاب الذي يزين رأسها ويعكس وجهها الصبوح المضيء بنور الطمأنينة أدارت رأسها تنظر نحو منى الراوي التي غمزت لها بعينيها وهي تصفق مشجعة....
عادت تهمس لنفسها, ليلة ساحرة هل يمكن لإنسان أن يكون أكثر سعادة مما هي عليه بالفعل؟!!
.........
"جميلة جداً عندما وصفتها زوجة عمي لم أصدق...أنها تشبه لعبة الباربي"نطقتها سَبنتي بإنبهار وهي تراقب تحركات وتصرفات ابنة عمها الجديدة والتي تعلمت حبها مرغمة قبل حتى أن تراها عينيها، عبر حديث زوجة عمها المتواصل عنها
عبست شيماء قليلاً وهي تقول:"لا أعتقد انها تشبه أية باربي، كل من رأها قال إنها نسخة من بدور"
هزت سَبنتي رأسها وشردت للحظة تراقب مريم ورفيقتها ذات البطن المحدبة بتدقيق ثم قالت أخيراً بنبرة غريبة:"من أخبركِ بهذا لم يصف لكِ ما أراه الأن، تلك المرأة لا تشبه بدور في أي شيء ربما فقط أخذت ملامح نسائنا ظاهرياً"
ببطء كانت شيماء تحاول أن تفهم ما تقصده:"ماذا تعنين؟"
تقوس فم سَبنتي بالحزن ثم قالت بنبرة أخذت في الإختناق:"العينين! دائماً ابحثي عن روح الإنسان وصفاء قلبه داخل عينيه...لا أحد أبداً يشبه بدور، تلك الفتاة لا تعرف قسوتها ولا جحودها ولا حتى إنتقامها القاتل لمن تريد"
تملكت الصدمة من شيماء قليلاً قبل أن تقول بفظاظة:"الأن أنتِ تتحدثين بلسان راشد، منذ متى أتتك كل هذه الحكمة والتفهم؟!"
كان الأن صوتها مجروح حزين وهي ترد دون مدارة:
"ليس لراشد دخل بالأمر، على فكرة أنا أحب بدور جداً، لقد حاولت أن أكرهها من قبل ولكن هناك جزء مني يشعر بداخلي وينجذب إليها يريد كسب ودها يحبها رغماً عني...ورغم أنها كلما رأتني أشعر أنها تتمنى دفعي بعيداً عنكم"
جذبتها شيماء تتشبث بذراعها ثم بحثت عن طرف أحد الأعمدة وجلست عليه مستشعرة إبتعادهم تماماً عن الهرج ثم قالت أخيراً بتوتر:
"تلك خزعبلات في رأسكِ، فحربها مع راشد هي ما خيلت لكِ هذا"
سرعان ما كان مزاجها المراهق يتغير أو ربما تحجب نفسها بمهارة لا تليق بعمرها أبداً عندما تغضنت ملامحها بغضب طفولي قبل أن تهمس لرفيقتها:"لا عليكِ، الأهم الأن ذكريني لماذا منعتني زوجة عمي من زيارتها حتى الأن؟ لقد أردت الحديث معها قبلاً"
اضطربت شيماء قليلاً غير قادرة على البوح بالسبب الحقيقي والذي علمته أن بدورهي من وراء حرمان سَبنتي من الكثير من التجمعات العائلية والإجتماعية لأسباب غير واضحة تنتهي بينها وبين والدتها بالشجار دائماً...تدفع نصف عمرها وتعرف سبب رفض بدور الشديد لإبنة عمهم الصغيرة واليتيمة ؟!!
تهربت شيماء وهي تقول محولة دائرة الحوار:"بقة صفي لي أرجوكِ كل ما يدور بدقة ولا تغفلي عن تفصيلة حتى وإن كانت صغيرة"
عبست بضيق وهي تقول:"أخبرتكِ لا تناديني بهذا الاسم مرة أخرى"
"أرجوكِ صفي لي سيفوتني الحدث"كادت أن تتنازل عن غضبها وتكون عون صديقتها ولكن ذلك الفتى الأشقر الكريه كان يتسلل بخفة مقاطعاً جلستهم وهو يقول بوله مقيت لأذنيها:"دعكِ منها يا صاحبة البحرين اللذان رسيت على شواطئهما سفني...أنا سوف أخبركِ بكل همسه تريدينها"
ارتبكت شيماء على الفور ووجهها أخذ في الأحمرار القاني رغماً عنها كانت عينيها تبحث عن مصدر الصوت وأنفها يشتم رائحته الفتية الرجولة المختلطة بعطره المميز...جسدها البض كان يضطرب ومشاعرها المراهقة كانت تضخ الدماء هادرة داخل أوردتها... صوتها الناعم خرج خافتاً هامساً متقطعاً:"نزار أنت تخاطر بصداقتنا إن رأك أحد أرجوك اخرج من هنا"!
وصلت إلى مسامعها ضحكة خشنة مكتومة ثم قال بهمس:"أنتِ لستِ صديقتي يا غزالة...وأنا لن أضيع ليلة أخطط لها منذ شهور لأحظى بصحبتكِ أطول وقت ممكن"
"أنت يا أحمق أغرب من هنا قبل أن أخبر عمك أنك تجلس وسط النساء"قالتها سَبنتي غاضبة.
فرد نزار ببرود شديد:"وأنتِ يا كائن البلياتشو أخرجي أنفكِ الحِشري الأمر ليس من شأنكِ"
نطقت سَبنتي بتهور:"أنا حِشرية ولكني في المكان الصحيح أما أنت يبدو أنك لم تعرف تحديد نوعك فأتيت جوارنا"
سمعت شيماء أنفاس نزار الحادة وكأنها أشعلت فيه كائن همجي يقدم على قتلها، سليطة اللسان المتهورة...
رباه تشبثت كفها الصغيرة سريعاً به وهي تقول برجاء هامس:"أرجوك اتركها إنها حمقاء طفولية لا تفهم حتى نصف ما تتفوه به"
كانت عينيه الخضراوين تتوهج فيهما النيران حتى خيل لها إن طالها سوف يحرقها لا محالة...ابتلعت سَبنتي ريقها قبل أن تنسحب بمنتهى الجبن من جلستهم المنزوية تلك
"من أجل خاطري"كانت مازالت تتشبث بذراعه متلاعبة بمشاعره الجامحة الفتية دون أن تدرك حتى...لم يستطع أن يتجاهل تأملها...عينين واسعتين وكأن المحيط سكب فيهما، شعر أشقر طويل جداً يتعدى خصرها بحلقات حلزونية تلف جسدها الضعيف لفاً، وجنتين مرتفعتين ومحمرتين دائماً وأنف دقيق ظريف يعلو شفتين مكتنزتين و.............
"رباه توقف يا أحمق...متى كنت تطلق خيالاتك المتهورة نحو شيماء بالذات؟ إنها نفسك ومن يستطيع أن يطل نفسه بالأذى حتى لو كانت مجرد نظرة؟!"
"صف لي"صوتها العصفوري الرقيق كان يخرج مهدأغضبه حتى أنه نسى تلك المجنونة حمراء الجوارب ثم ما لبث أن تنحنح بصوت خشن وشرع في جعل بصره عينيها الجديدة!"
........................
صوت البكاء المتقطع جذب مسامعها لتترك ذلك التجمع لبعض المعارف التي تتعامل معهم بطبيعة وظيفتها كذراع أبيها الأيمن في مجموعته...عبست بدور غاضبة عندما لم تخطئ تلك النبرة الطفولية المجروحة تقدمت وهي تسأل بنبرة صارمة باردة:"ماذا بكِ، لما تبكين؟"
تغضنت ملامح سَبنتي بالألم أكثر من ذلك الصوت الذي علمت الإتهام فيه...رفعت رأسها ببطء تنظر إليها من بين تقطع بكائهاوهمست:"لا شيء، ومنذ متى تهتمين؟!"
رغم القسوة التي إجتهدت لسنوات لتغلف قلبها ناحيتها...لم تستطع أن تتماسك أمام عينيها الباكيتين، بحزنها البادي دون أن تعرف من ذا الذي تجرأ وأذاها...لانت ملامحها قليلاً وهي تقول:"أنا أهتم الأن أخبريني ما الذي أزعجكِ وأنا سأهتم بالأمر"
هزت رأسها نافية بشدة قبل أن تقول بصوت مجروح:"لن تفعلى...وأنا أنا سأنتظر خالد هو من سيعرف كيف يؤدب ذلك الفتى السخيف"!
ارتفع حاجبي بدور بإدراك ثم همست بنعومة تستدرجها:"حسناً بالتأكيد خالد سيقوم بالأمر أفضل مني...أعلم أن هذا الفتى الأشقر مزعج بشكل كبير...ولكن أخبريني هل قام بأمر سيء معك أم فقط أخذ اهتمام شيماء ؟!"
كم توقعت لم تحتج لكثير من الجهدعندما انفجرت الصغيرة تفضي بكل ما يؤلمها:"لقد أخذ رفيقتي الوحيدة منذ أشهر طويلة لم تعد تهتم بي...تتسلل خلسة لمقابلته في الحديقة الخلفية، وكل وقت فراغها تقضيه معه على الهاتف...لقد أزالت رقم هاتفي من ترتيب قائمة هاتفها لتضع ذلك الأحمق مكاني!"
لم ترى سَبنتي تلك اللمحة المتوحشة على محيا بدور...لقد منحتها سَبنتي بحماقة كل ما كانت تغفل عنه...تباً منذ متى كل هذا يحدث من وراء ظهرها؟ المتهور الغبي ستريه أيام رعب تشبه عمى قلبه ليعرف مع من يتهور ويتعامل...ما تثق به أنها أكثر رحمة من أن يقع في براثن رجال آل الراوي"
"لماذا تبكي الصغيرة؟!"
صوت رجولي عميق جعلها ترفع عينيها سريعاً...ملامح جذابة، عينان يطل منهما حنان العالم المخالط للرفق والاهتمام...
"أنت قريبنا الجديد؟"هذا كان أول ما خطر على بالها لقوله بإبتسامة احتلت ملامحها.نقلت بدور نظراتها بينهما قبل أن تقول بفتور:
"يبدو أن لديك تأثير معين على صغيرات العقل!"
كان صوته هادئاً صبوراً وهو يقول:"ولما لا تقولين إنهن يردن الاهتمام والرفق فقط وهذا ما أحاول فعله معهن؟!"
عاد بنظراته للرقيقة الهادئة أو هكذا تخيل:"ما الذي أزعجكِ ولماذا أنتِ هنا ولستِ معهن؟"
مر بريق متشفي منتقم في عينى سَبنتي لم ينتبه له إيهاب ولكن مؤكد بدور فعلت عندما قالت:"الفتى الذي يدعى نزار...اقتحم الخيمة يتلصص على النساء ويزعجني وشيماء ويقول ألا أحد أبداً قادراً على رده أو عقابه!"
ضيق إيهاب ما بين عينيه بعدم تصديق:"نزار قال هذا ؟!"
هزت رأسها بكل ثقة العالم:"نعم نعم...أقسم لك"
توجه إيهاب على الفور نحو ما أشارت إليه وذهبت في أثره، بينما تركت بدور خلفها روحها تتمزق يأسا ووجعاً...لم تشعر بنفسها وهي تهمس بتمزق:
"لماذا...لماذا تصرين أن تتحولي لنسخة منه، تشبهين روحه، تتخذين طرقه، تتلوين كذباً وخِداعاً ؟!!"
..........................
بعد وقت كان الاحتفال قد أخذ في الهدوء التدريجي بعد وصلة العَشاء والترحيب بالضيوف، حتى أن إسراء ومي انصرفتا نظراً لتعب كل منهما في الحمل حديث العهد!!ولم يتبقى إلا بعضٍ من المعارف وعائلتها الجديدة، هي فقط تشكر الظروف التي جعلت المدعو والداها لا يحضر هذا الاحتفال فهي ليست على استعداد بعد لتقبله بأي طريقة حتى لو مجرد ضيف!
"لا أصدق بعد أن تلك الشيطانة اتهمتني بقلة الأخلاق"همسها نزار بنبرة قاربت القرف...
تنهدت مريم التي كانت تجلس بجانبه على أحد المقاعد أمام عربة الأطفال المزينة والتي وضعت فيها صغيريها النائمين بسلام ثم قالت بهدوء:
"أنا أيضاً غضبت من أجلك، ولكن على كل حال إيهاب لم يصدقها لقد أدعى فقط الحزم معك لمصلحتك...لقد أخبرتك أنت تندفع نحو أختي الصغرى بتهورلا يليق بعمريكما معاً!"
سخر نزار على الفور وهو يقول:"انظروا من يتحدث منذ متى أتتكِ تلك الحكمة؟ بالله عليكِ أنتِ أكبر مني بعام!"
هزت كفيها بلا معنى قبل أن تقول بهدوء:"لا تحاول حتى أن تقارن نفسك بي، أنت بت تعلم الأن أن ظروفي تختلف"!
لم يرد نزار على الفور بل ظلت عيناه تشرد لتلك الحبيبة القريبة البعيدة والتي تتجنبه الأن مجبرة.
"ماذا بك لماذا صمتت؟ ليس من عادتك"
حول نزار عينيه الشاردة إليها وهو يقول:"اليوم ليس أفضل أيامي، أشعر بالتمزق والألم سوياً!"
قالت مريم بقلق:"هل كل هذا من اجل كلمتين نصحك بهما أنه فقط يخاف عليك"
نفى نزار سريعاً ثم قال بخفوت:"اليوم خطبة أخي الأكبر وكالعادة تجنب دعوتي أو الإعتراف بي...في الحقيقة جميعهم لا يعترفون بي وكأني جرثومة...وكأني أخترت الماضي بيدي!"
إبتسمت مريم بتعاطف شاعرة بالألم من أجله، ألماً جربته من قبل وعاشت به عمرها كله:"أنا معك يا أحمق، لماذا تهتم لهم، ألا يكفيك رابط الأخوة الذي تقبلته خصيصاً من اجلك ؟!"
أهتزت إبتسامة نزار ولكنه أجبر نفسه أن يقول"بل لقد أصبح أكثر من كافي!"
كان غافلاً عن ظل منى الراوي التي وقفت على طاولتهما منذ تفوهه بإخوته الغريبة...لم تستطع أن تقاوم سؤال يحرقها وهي تقول بتعجب:"أخوة! هل لديك أخوة أم تعبير مجازي؟ لقد ظننت أنك وحيد والديك!"
كانت قد سحبت كرسياً لتجلس عليه، حل الإرتباك التام على مريم التي تهربت بعينيها بعيداً بينما ظل نزار صامتاً لدقائق يحدق في والدته التي تجمدت مكانها عندما سمعت السؤال...
لاحظت منى ما ينظر نحوه لائماً وعاتباً فنطقت منى مرة أخرى بهدوء:"آسفة لتدخلي ولكننا صحبة منذ شهور ولم أعرف أن لديكِ غيره...الأمر مربك لا أكثر"
أغمضت هناء عينيها بقوة محاولة تمالك قسوة الذكريات...فسمعت صوت ابنها المكبوت يقول:"إنه أمر لا تحب أن تتحدث عنه، فهو على ما يبدو يؤذيها!!"
تقبضت يد هناء في كف يدها الأخر حتى خدشت باطنها بأظافرها...ولكنها تمالكت نفسها قبل أن تقول بهدوء يخفي تحت سطحه براكين الماضي المخذي والموجع:"لم تأتي مناسبة لإخباركِ.إن ابني لديه أخوة غير أشقاء... من زوجي وابن عمي الوحيد سمير الكردي"!
صرير مزعج خلفه مقعد نزار قبل أن يقف غاضباً وينصرف بعيداً تاركاً منى تنظر إليها بذهول غير مصدق عاجزة تماماً عن استيعاب ما تتفوه به ثم قالت باستنكار:"أليس هذا نفسه زوج صديقتكِ الوحيدة ثريا التي حكيتِ لي عنها؟!"
أظلمت عينا هناء بطريقة لم تراها إحداهن أبداً فيها طوال فترة معرفتها ثم ما لبثت أن قالت بجمود:"نعم هي ذاتها...قصة قصيرة كلاسيكية الصديقة التي تعجب بزوج صديقتها فتخطفه منها وتتزوجه هي!"
أطلقت منى ضحكة خشنة وهي تقول غاضبة:"هذه مزحة سخيفة!"
صمتت هناء وكأنها عاجزة أن تقدم ما تستطيع الدفاع به عن نفسها مما جعل منى يتخللها الإدارك ببطء رفعت يدها وضعتها على فمها بذهول منذ متى لا تستطيع قراءة الناس بشكل جيد؟ تلك البشوشة العطوفة لا تختلف كثيراً عن الأفعى فريال بل كل أفعى تلقي بسمومها في أبدان البشر... عادت بعينيها إليها دون أن تتفوه بشيء مفكرة بوجع:
"لا تجعل الوجوه البريئة تخدعك فكم قد تختبئ خلف أقنعة الوداعة آثام الألم"
.....................
بعد الجلسه التي تحولت لكارثية...لم تستطع أن تقاوم البحث عنه واللجوء إليه عله يمنحها السكينة بعد الكثير من التوتر... تجمدت مكانها في لحظة عندما وقعت عينيها على تلك العينين الكريهتين المخيفتين، ما الذي أتى به الى هنا؟ لقد أكدت على إيهاب ألا يسمح له بالقدوم هي تعلم كره بدور الشديد نحوه ولتكن صريحة مع نفسها هذا الرجل يرعبها ويشعرها بعدم الأمان! تحولت نظرات إيهاب خلفه على الفور باحثاً عن ما استرعى انتباه ضيفه !!
ضيق ما بين عينيه بتوجس من مظهرها الذي بان عليه التوتر والخوف فتح ذراعه الأيمن دون تردد وهو يقول:"تعالي حبيبتي كنت انتظركِ"!
ابتلعت مريم ريقها وتقدمت نحوه بتردد تدفع:"عربة صغيريها أمامها فهي لم تكن تتركهما لأحد بعد الشحنات الغاضبة التي ملأت الأجواء بين ضيوفها...وصلت إليه أخيراً وإنكمشت بغريزية تحت ذراعه...مال إيهاب يهمس جانب أذنها:"لما ترتعشين هكذا؟ هل حدث شيء هناك؟ "
هزت رأسها نفيا ولم تقل شيئاً ودون أدنى تردد أو خجل كانت تدس رأسها في صدره وأناملها إلتوت حول أطراف معطفه.
"العذر منك"قالها إيهاب بهدوء.
كانت نظرات راشد السوداء مازالت تنظر إليها بدقة ولم يتنازل عن تحويلها إلا عندما نظر إلى الصغيرين في العربة وهو يقول بثقل:"لا عليك، أتفهم أن نشأتها وطبيعتها تختلف"
لم يعجب إيهاب ما أشار إليه فقال بنبرة رخيمة:"قصدت المقاطعة...أنا لن اعتذريوماً عن لجوء زوجتي لي"
أفتر جانب فم راشد بشبه إبتسامة لم يفسر أحدهما معناها...ثم اقترب من الصغيرين يجلس على ركبتيه دون أن يبالي بملابسه الأنيقة ولا بواجهته الصارمة المعتادة...اخرج شيء من جيبه ثم وضعه بجانب رأس أياس...غير غافل عن تقبض يد ابنة عمه على مقبض تلك العربة حتى أنها حركتها من أمامه قليلاً وكأنها تستعد للهرب... انخفضت يد إيهاب إلى خصرها يضمها إليه أكثر وكأنه يمنحها الأمان ويمنعها عن ردة فعلها الغريزية والتي لاحظها هو أيضاً...
انتقل بعينيه لصغيرتها وعندها فقط بان وهج بنار سوداء في عينيه وشفتيه تهمس بحرقة وكأنه يستطعم الاسم يتذوقه يعيده على روحه وكأنه فقط يحاول العودة لذكرى يحبسها في عقله:"ليبرتا"
أصابعه السمراء الخشنة كانت تمر على وجنة ابنتها برقة عجيبة بينما بدا غير مسيطر وهو يهمس:
"جميلة جميلة جداً...تشبه من لم تبخل عليها بالاسم الذي داعب صباها!"
عبست مريم قبل أن تهتف بضيق:"ابنتي تشبهني...توقف عن لمسها هكذا أنت حتى لم تسألني قبلا لأمنحك الإذن"
كان إيهاب أكثر رجاحة وتفرس في فهم راشد الراوي عبر لقائات قليلة، ورغم ألا صلة قوية تجمعهم بعد لكنه يدرك أن صغيرته بطريقة ما كالعادة تطلق أحكاماً ظالمة متسرعة دحرها بهدوء حازم:"مريم! تحلي بآداب الضيافة"
لم تتقبل الفكرة إطلاقاً وكادت أن تهتف باعتراض ولكن ما جعلها تتصلب حقاً نبرة ذلك الوحش كنصل سكين باردة مرت عبر قلبها عندما قال:
"لا أحتاج إلى إستئذان لأقترب من صغيرين كنت المسئول الأول عن ارجاع حقوقهما في أبيهم دون أن يخرج لهما في المستقبل ماضي يلوثهما ويحطمهما"
بهتت ملامح مريم كلياً ولا إردياً كانت يديها تنهش في ذراع إيهاب وكأنها تتشبث به من بئر ذكريات مظلم كاد أن يبتلعها...رباه انها حتى لم تنسى بعد!
لم يرد إيهاب بشيء فقط جسده تصلب كليا وملامحه أظلمت,وبدا أنه يكتم جل غضبه بأعجوبة...أومأ راشد برأسه لإيهاب ثم قال:
"آسف لاقتحامي حفلك دون دعوة، ولكني لست بآسف لما قلته للتو"
قال إيهاب بصوت لم يفصح عن أي شيء من مشاعره الحقيقة متجنباً الرد عن الجزء الأخير:
"بيتي دائماً مفتوح للجميع...وهذا ينطبق أيضاً على هذا الحفل"
أومأ مرة أخرى ثم إنسحب تاركاً خلفه ذوابعه كعادته!
كان صوت مريم مختنق وهي تتمتم من خلال صدره المدفونة به رأسها:
"لما سمحت له أن يأتي إلى هنا؟ لا أحبه ولن أتقبله...لا أريد معرفته إنه يشبه ياسر أنا أعرف الوجوه الخبيثة القذرة عن بعد"
أبعدها إيهاب عنه ورفع وجهها بين كفيه ثم ما لبث أن قال بخشونة:
"عندما يسبق لسانكِ تفكيركِ يجب أن تتوقعي أسوأ ما في الأشخاص...ليس الجميع إيهاب صغيرتي وسيتفهم حماقتكِ"
فغرت فمها بذهول ثم قالت بإختناق من يوشك على البكاء:
"أنا حمقاء؟ هكذا تراني؟ بدلاً أن تدفع هذا الوغد بعيداً، انظر إلى أخيه كيف تقبلني وكيف عاملني بهدوء ومحبة واحترام وأنت ستعلم أن الخطأ ليس مني بل هو من بدأ"
شعر إيهاب باليأس فأخذ طريق المهادنة معها مازالت صغيرته نظرتها سطحية مضطربة حتى أنها لا تستطيع رؤية ما يراه هو... نقل نظراته نحو عزام الراوي من تقصده ثم جذبها تحت جناحه مرة أخرى وهو يقول بهدوء:
"حماقتكِ تعجبني يا روح إيهاب لذا لا تغيريها أبداً!"
ولكن مؤكد أن ما قرره هو مراقبة المدعو عزام وأنه لن يسمح له بالاقتراب منها لأي سبب...فتلك النظرات التي يوجهها نحو زوجة أخيه لا تريحه أبداً وتجعله يضعه في قائمة سوداء لن يخرجه منها أبداً!
.....................
هل جربت من قبل وقوعك بين فكي الرحى؟! هل وقعت في حرب عشوائية تتنازعك الأفكار، خائرالقوى، مستسلماً لتلك المنطقة الرمادية التي تأكل روحك وتلغي عقلك وتجمد قلبك، فلا يتبقى إلا أفكارك السوداء فتنسحب لأسفل الدرك عميقاً عميقا...فلا تصدر منك إلا أفعال يخبرونك انها شيطانية؟!!
........
تراقبه من بعيد يتقدم رويداً رويداً...واثق الخطى مهيمن الطلة ملكاً دوماً على كل بقعة أرض يحل عليها حتى وإن كان ضيفاً...فيحترق القلب ويتهشم لألف قطعة وقطعة كأنها مازالت قطعة من بلور هش...
تبتلع ريقها ترتشف بضع من تلك المرطبات علها تُطفئ ذلك الصهد الذي إشتعل غريزياً كردة فعل طبيعية على نار مازالت تنهشها تحرقها...والسؤال يقف محيراً مشرعاً أسلحته مطلقاً الرصاص الحي على أفكارها"إلى متى ستبقى في المنطقة الرمادية؟!"
تقدم منها يؤمئ برأسه إستخفافاً...فتُظهِر هي تلك الواجهة الجليدية التي لا تفسر شيء ولا تعكس أفكارها فلا تجعله أبداً يصل لذلك البركان الذي مازال يحرقها"الأميرة بدر البدور"
لم تفصح ملامحها الرخامية عن شيء وهي ترد بكل هدوء بنبرة باردة لاذعة:"رجل المهام القذرة"
إشتعلت نار غريزية في صدره ورجولته تزأر مطالبة بالثأر بالتنابي والسجال الجارح...لقد كان غاضباً...غضباً ظن في نفسه أنه سيطرعليه جيداً وهذبه وقد عاد الأن مطالباً فيها شارعاً أسلحته ومعلناً حربه ومطلقاً جل جنونه...لن يتركها إلا مجرد إمرأة خاوية ضارباً كل أساساتها ملقيها في بئر من الظلمات لن تنجو منه أبداً!!
استدعى كل حنكة وصبر وبذكاء رجل أعمال لا تركض في عقله إلا الأفاعي الملتوية كان يقول ببساطة:"في خدمتكِ زوجتي العزيزة دائماً، ألديكِ عمل آخرقذر غير منجز تريدين مني القيام به بدلاً عن ذاك الذي فشل صباحاً؟"
كالماء البارد كان وجهها...أفصح فمها الدقيق عن شبه إبتسامة وجالت عينيها العسليتين على صفحة وجهه ثم بسلاسة انتقلت لما خلف ظهره واستقرت أخيراً على تلك الفتاة الحيوية وقالت:"جميلة أتعلم هذا، مراهقة شهية بملامح غربية لا تشبهنا في شيء"
تقبضت يد راشد في فعلة فاقدة للسيطرة وحانت منه إلتفافة قاصداً البحث عمن تتحدث عنها حتى وهو يعلم مقصدها مسبقاً اندلع سعيراً في قلبه وهو يراقب الفتاة يتأملها وكأنه لأول مرة يراها مع وصف بدور باستخفاف مذل قائلة:"مازلت أتذكر ذلك اليوم الذي دخلت على والدتي بها، تخبرنا بإنجاب والدتك لها منذ عامين في بلاد المهجر بعد توقفها عن الإنجاب بسبعةعشرعاماً!"
ارتسمت ملامح ذهول كاذبة على ملامحها وسرعان ما انمحت سريعاً وهي تضحك بصوت عالي يحمل الشر بين طياته وكأنها ضغطت على زناد اضطراب أعصابه التي توترت وهو يراقب"صغيرتهم"توحشت ملامحه وارتسم الغضب على كل إنش من جسده الذي عبر عنه صوته المتوحش محذراً:"إياكِ ثم إياكِ يا بدور أن تفكري حتى أن تدخليها في حربكِ وإلا لن أرحمكِ"
وجهها الجميل كان جامد التعبير وهي تقول:"وإلا ماذا سيد راشد؟"
رد ببرود مماثل مكافحاً غضبه الشديد:"وإلا سأجعلكِ تتمنين فقط الموت ولن تطوليه، سَبنتي خط أحمر لا يحمل الجدل، أوالمخاطرة، ولن أسمح لكِ بإدخلها انتقامكِ العفن"
إنطلقت ضحكة أخرى خادعة في رقتها ثم قالت بمنتهي السلاسة الباردة:"لن أقترب هي من تنجر للنار بأقدامها"
إلتوى فمه بشبه إبتسامة لا تنتمي أبداً للمرح وهو يقول بقهر:"إذاً لن تقتربي لأنها تذكركِ بمراهقة حمقاء أخرى وقعت في فخ الغرام وحُطِمت!"
إشتعل عسل عينيها أخيراً من ضربته القذرة...إذاً حبيته القديمة مازالت هناك تبقى عميقاً وتحاول جاهدة صنع بعض من التصدع في هذا الكائن الشرس الدامي الذي لا يتوانى في سحق الضحايا من خلفه!
"لا تمني نفسك بهذا...ولا تغتر بأفكارك الوهمية"!
تراجعت ملامحه قليلاً ثم قال ساخراً:"لن أمني نفسي...ولكن صدقاً هل ظننتِ أن خالد قادر على تنفيذ مخططاتكِ التي تلوحين بها؟"
بإرادة من حديد تدربت على التحكم بها لسنوات طويلة تمكنت من ضبط مشاعرها كاملة ثم قالت بجفاف:"لا! خالد أطهر من أن ينجر لعالمنا الوضيع، ولكن عزيزي المال قادر على إيجاد من هو أكثر منك خسة"
لم يستطع أن يسيطر على نفسه عندما مد يده يمسك ذراعها بقسوة وهو يقول:"جربي أن تقتربي منها يا بدوروتعاقبيها على ذنب لم يكن لها يد فيه إلا حصاد جريمتي أنا"
هي تعرف أن تهديداته لم تكن مجرد ترهات يوماً بلا إنتقامه عنيف قاتل ومدمر ولكن الجزء الصغير منها الإنساني الذي كان يخشى ويخاف قد وئِد منذ سنوات مضت مرت كدهر.
"سأفعل أي شيء لتنال من نفس الكأس...وما الذي يؤلم أكثر من أن من منحك الحياة يدفعك للموت؟!"
تراخت يداه عنها محاولاً أن يداري اهتزاز قلبه بين أضلعه يتأملها وكله يغلي ببراكين المرارة المنصهرة في حمم الوجع...وما الأصعب من أن تمثل القوة وأنت على وشك الانهيار؟ وأن تدّعي الصمود وداخلك مدفون تحت أكوام من الأنقاض؟ أن ترسم شفتيك إبتسامة وقلبك يصرخ من عمق الجراح؟ ما أصعب أن يقسى عليك القدر وهو يغيظك بيافطة قد كتب عليها فات الأوان!
"إنه يغيظني"
تنهدت شيماء قبل أن تقول بحنق:"وأنتِ مستفزة، ما سر جنونكِ هذا وشكواه دون سبب لإيهاب؟!"
ردت سَبنتي على الفور بتبرم يخلطه شقاوتها المحببة:"أنا لا أحبه، لقد أصبح ينافسني على قلب صديقتي الوحيدة...لذا أخبرت عمه أنه يضايقنا ليبعده عنا ويهذبه"
"هششش"قالتها شيماء وهي تقف بتخبط باحثة عن مصدر صوت ابنة عمها وصديقتها وعينيها التي ترى الدنيا عبرها:"هل جننتِ، إن سمعكِ خالد أو أبي سيعاقباني ويعاقبانكِ أيضاً!"
إرتبكت ملامح سَبنتي وهي ترد بنوع من الذعر المضحك:"لا لا...البعبع يعاقبني!"
ضحكت شيماء وهي تفهم مقصدها ثم قالت:"إذاً لم تهتمي بعقاب أبي، صدقاً ما الذي يدفع فتاة مثلك للذعر من خالد هكذا؟!"
للحظات لم ترد ولكنها إستشعرت بمشاركة أحدهم جلستهم الثنائية وجسد ابنة عمها الذي تراجع حتى أصبحت تختبئ خلفها!
رفعت عينيها تنظر للقامة الطويلة الطويلة جداً بالنسبة لها...عينيه السوداوين تنظران لها بتعجب ولكن حازمتين قويتين، فمه الصارم الذي يخيل لها أنه لم يعرف المرح يوماً حتى وهو يدعي معها العكس!
رفع حاجبيه وهو ينظر للطفلة الصغيرة التي ترهبه طوال نشأتها دون سبب واضح ضئيلة الحجم ترتدي قميص أبيض يعلو تنورة زرقاء اللون وكعادتها منذ أن كانت طفلة في الرابعة ترتدي جرابات طويلة سوداء اللون تنتشر بها نقاط حمراء كبيرة والتي أصبح البحث عنها وشرائها من مهماته الخاصة:"تعالي هنا يا بقة لم تختبئين خلف شيماء؟"
هزت رأسها رفضاً رداً على طلبه
فدوى صوته حازماً مخيفاً كالرعد في أذنيها:"هنا الأن ستقفين أمامي عينيكِ في عيني ويديكِ بجانبكِ"
كادت أن تبكي رهبة وهي تتقدم نحو"البعبع"الخاص بها تقف أمامه كما أمرها تماماً:"لما كل هذا الخوف يا بقة !"
نطقت أخيراً بإسمه همساً:"خالد أنا لم افعل شيئاً!"
إبتسامة حانية احتلت شفتيه بينما يده تندس في جيب بنطاله يضع شيء ما في كفه العريض يضم عليه بشدة ويقدم قبضته أمامها وهو يقول:"أعرف أنكِ صغيرة مهذبة ولن تفتعلي مشاكل في منزل أُناس أول مرة نتعرف إليهم...والأن هل تعرفين ما الذي اتيت لكِ به؟"
هزت رأسها نفياً بأدب...ففرد كفه ليظهر أمامها ثلاث قطع من الحلوى الملونة حامضة الطعم التي تعشقها...لمعت عينيها بنهم طفولي"هيا خذيها"
بكف مرتجف وأنامل حريصة للبعد التام عن ملامسته كانت تخطف منه المغلفات وتركض من أمامه وكأن الجن يطاردها.
هز رأسه بيأس قبل أن يقترب يضم شيماء تحت ذراعه وهو يقول:"والأن الأمر الأصعب أين تلك الأخت المجهولة صاحبة الحفل؟!"
"أنت مازلت خائفاً من مقابلتها؟"
أخذ خالد نفساً عميقاً قبل أن يقول"الوصف الأقرب مرتبك، أنا لا أفلح في التواصل مع الفتيات الغريبات، وأختك هذه بالنسبة لي مازالت غريبة"
قالت شيماء هامسة ويدها تبحث عن يده ليمنحها السند والطريق الصحيح لتوجه خطواتها"سَبنتي كانت غريبة، وأنت تجيد التعامل معها"
إسترقت عيناه نظرة للصغيرة التي لجأت لأحد الأشجار تجلس تحتها مربعة الساقين هادئة متباعدة عن كل احداث الاحتفال الضخم"سَبنتي تختلف، لقد نشأت بيننا كما أنها مجرد طفلة لا امرأة أم لطفلين"
ردت شيماء ببساطة"لمعلوماتك سَبنتي ليست بطفلة أبداً بل مراهقة تبلغ خمسة عشر عاماً، أي تماثلني"
بان الرفض على ملامح خالد كلياً متذكراً ابنة عمه ذات العينين الملونتين اللتان تنضحان شقاوة وذكاء والشعر الكستنائي القصير بملامح انجليزية لا تشبه أحدهم إلا ابن عمه وأخيها الكبير الذي يعلم عن يقين أنها تعد أنفاسه وروحه التي تبقت منه كشيئاً إنسانيا بعد أن جردته بدور من كل مشاعره البشرية!
هز رأسه يخرج من أفكاره...وقبل أن يصل لذلك التجمع حول المرأة عسلية الشعر كانت صرخات خانقة تختلط مع غوغائية صوت بقته.
لم يشعر بنفسه وهو يطوي الأرض تحت قدميه ليكن أول الواصلين لها...فارتاع للصورة التي أمامه؟!
تقفز حرفياً على جسد شاب صغير تسبه متشابكة معه في شجار متبادل الأطراف غير متساوي القوى.
لم يفكر مرتين وهو يقترب يمسكها من تحت ذراعيها يحكم ذراعيه على صدرها مرغماً ليلتصق ظهرها بصدره"اقسم بالله إن لم تكوني فتاة لكنت مزقتكِ إرباً"
صرخت سَبنتي بجنون وهي تحاول الآفلات من قبضتي خالد فيموج جسدها البض بين ذراعيه مسبباً له صدمة...صدمة من نوع أخر لم يشعر بها أبداً رغم أعوامه التي تخطت العشرون عاماً"أتركني لأطرح هذا المغرور الأحمق أرضاً"
بالكاد كان يستمع لأصواتهما يفهم ذلك الصوت الرجولي الحازم الذي أخبر المدعو نزار بالإبتعاد وهدده بالعقاب...
لقد كان غارقاً مرتبكاً يتصبب عرقاً لأحاسيس من نوعٍ أخر تضربه بقسوة كالمدافع الآلية وهو يستشعر ذلك الجسد الذي يموج تحت ذراعيه ويحتك بجذعه في محاولة للإفلات منه .
"أتركني أنت تؤلمني"صوت الطفلة لم يعد يحمل من الطفولة شيء بل دموع تختنق وأنوثة خجلة تختبئ تحت أطنان من البراءة...وتسترت عميقاً خلف تلك الملابس التي لا تناسب إلا الصغيرات... منذ متى لم يحملها على ذراعيه؟ بل منذ متى أصبحت تخشاه وتتعمد الإبتعاد عنه؟!
هل تلك الأنوثة التي أسرت رجولته وأيقظت شيئاً فيه لم يدرك بوجوده إلا من مجرد إلتحام لا يعني شيء تنتمي لبقته؟!"
وعند هذا الحد كان خالد الراوي الملتزم خلقاً وخُلقاً يصرخ فيه ليوقظه نفرها بعيداً مزيحها لتقع هناك مرتطمة بالأشجار خلفها صارخاً فيها بإهتياج مرتبك ضائع:"ستعاقبين...هل أفعالكِ الطفولية ومشاكلكِ لا تنتهي؟ تشتبكين مع أحد الصِبية!"
الألم في عينيها الملونتين كان ممزوجاً بالعار والوجع"لا تعاملني بإحتقار هكذا...أنت لا تملك سلطة عليّ سأشكوك لراشد."
أنفاسه كانت تخرج هادرة عشوائية وجزء من نفسه عميق قد أحس بالعار باحتقار النفس ما الذي كان يفعله منذ لحظات ربااااه انها صغيرة عائلتهم؟!
عندما أمسكت به يد راشد استسلم تماماً لقسوتها وهو يلفه نحوه عالماً بالذي سيحدث بعد دقائق وقد كان يستحق أكثر مما حصل عليه!
لقد علم خالد في تلك اللحظة أن حياته قُلِبت رأساً على عقب ولن يعود شيء أبداً كما كان... لقد دخل لتوه دائرة التوهة... لم يتأخر توقعه عندما عاجله راشد بلكمة على فكه تبعتها أخرى نحو معدته!
"إياك...ثم إياك أن تضع إصبعاً واحد عليها مرة أخرى...لقد تركتك في الماضي تُمارس عليها تحكماتك تحت ستار ابن العم الملتزم ولكن عند هذا الحد انتهى كل شيء"
رغم الألم الذي تلقاه عبر الضرب ولكن ما تفوه به راشد للتو كان وقعه أصعب...لم يتفوه خالد بشيء لم يدافع حتى عن نفسه...وبدت له الصورة التي أمامه مجرد مشاهد كرتونية سخيفة هل هذا عزام الذي تقدم يصرخ في أخيه دفاعاً عنه...وهل تجمع بعض الغرباء حوله يسألونه عما يشعر عقب أن ألقاه راشد بعيداً؟
"لا لا توقف لا تأخذها بعيداً عن هنا...بل عني... أنا من قمت برعاية تلك الصغيرة وإهتممت بها في حين كنت أنت غافلاً عنها بحربك مع زوجتك "
قبل أن يحرك راشد قدم واحدة كان يصطدم بوجه بدور الشرس الذي احتل جانب فمها إبتسامة ماكرة حملت الشر بين طياتها مما جعل قلبه ينقبض أكثر ثم أشارت ببساطة ترجمها دون تفكير"واحد"
أول خطوة...لقد بدأت بدور لعبتها، وهو لن يكون راشد الراوي إن لم يجعلها تعض يديها ندما!
........................
كانت ماتزال تبكي بصوت عالٍ تتخلل شهقاتها هدوء سيارته التي تقلهما من مكان الإحتفال البائس! ضمها راشد الى صدره بحنان أبوي وقال برفق:"يكفي صغيرتي...لقد أخذتُ لكِ حقكِ منه"
فكرت سَبنتي وهي تضم نفسها لأخيها بقوة تحتمي فيه من تلك المشاعر التي إجتاحتها...إنها لا تبكي من أجل ما حدث...بل لم تكن أبداً تريد أن يمد أحد يده على خالد...بعبعها وحشها الذي يخيفها ويحميها...كيف يُهزم ببساطة؟ يُضرب ولا يرد الأذى عن نفسه حتى وإن كان راشد!!
"اشتقت إليك جداً لمّا إبتعدت عني كل تلك الفترة حتى عندما عُدت رفضت أن تصطحبني لأعيش معك"صوتها كان يزداد إختناقاً تخبره بغصة مريرة إحتلتها.
ضمها إليه بقوة يقبل جبهتها بحنان وهو يهمس برقة:"أعتذر صغيرتي...من الأن لن يفرقكِ شيء عني أبداً"
كانت تخرج منها نهنهات متقطعة بينما تنكمش بطفولية على صدره أكثر تغلق عينيها بشدة جسدها ينتفض برفض غريزيا بينما عقلها وجسدها يتذكر بحرقه أصابع خالد التي إنتهكت أنوثتها الوليدة بغير حق فتشعر بها نار تلسعها وكأن كل قبضة مازالت حيه مازالت يديه قابعة هناك تسحقها بقسوة على جسدها دافعة إليها مشاعر متخبطة مجهولة لا يستطيع عقلها تفسيرها، جاعلة الأفكار التي تضرب عقلها فاقت أية معايير مقبولة...
تعالى بكائها بقهر مرة أخرى تهمس بألم:"لماذا أنت...لماذا أنت تحقق على يديك أسوأ هواجسي"
"سَبنتي إهدئي يكفي يا حبيبة أخيكِ لقد إنتهينا...ما رأيكِ أن أدعوكِ للعشاء معي في أحد تلك المطاعم السريعة، وبعدها نتناول المثلجات"
مزاجها الكئيب لم يتغير كما توقع...إعتدلت بعيداً عنه تنتصب على مقعدها الخلفي بجانبه في سيارته وهي تقول بنبرة جريحة:"لا...أريد أن أنام...أخبر سائقك أن نذهب للمنزل"
إبتسم راشد بحنان مرح لا يخرج لغيرها:"طلبكِ أمر نافذ سيدتي الصغيرة"
إبتسمت أخيراً جاعلة روحه تشرق ثم قالت بخفوت خجل:"ولكن أريد بعض الملابس، لا أملك شيء في منزلك"
"راهني على ذلك صغيرتي لقد..."توقفت كلماته في حلقه عندما جذب نظره شيء لامع تحت قميصها الذي طار ذره العلوي في وقت سابق... مد راشد يده دون تفكير نحو فتحة قميصها مما جعلها تنكمش خوفاً ولكنه كان غافلاً تماماً عن رد فعلها غارق في الوجع عبر سهم حاد إخترق صدره ونفذ داخل فؤاده وبقيّ هناك
"من أين حصلتِ على هذا الطوق؟"
أجابته على الفور بتوتر:"وجدته الخادمة في قمامة غرفة بدور وظنت أنه وقع سهواً...ولكنها لكنها..."
هتف فاقد أعصابه"ولكنها ماذا...إنطقي"
إبتلعت سَبنتي ريقها شاعره بأنها ستؤلم حبيبها لا محالة:"لكنها ردت ببرود غير مبالي معتاد وقالت إنه غرض قديم كانت نسته تماماً...والأن حان التخلص منه وإلقائه فيما يناسبه..."
هل لتهشم رجولته صوت؟!أم هل لنزيف قلبه انعكاس؟
"أنا آسفة لم أستطع أن أسمح لشيء يحمل إسمك أن يلقى في..."
لم تستطع إكمالها ...ابتلع راشد غصة أوجعت قلبها وأخذ يقلب القلادة بين أنامله باختناق حتى فتح بيده قلادة الماس التي لا تليق إلا بملكة مثلها...وكانت على هيئة حلقات ملتوية ومتداخله حول بعضها من الذهب ومطعمة بالماس تحركه ببساطة لينفتح ويصبح على شكل الكرة الأرضية ثم يغلق في بعضه ليشكل حلقة حب نارية أبدية مستحيل أن تنفك أو يخرج منها أحد سالماً وقعت عيناه على جملته الأثيرة"أهديكِ العالم لتملكيه بين يديكِ...وما أنا إلا ذرة في تكوينه...نجمكِ المحترق في مداركِ إلى الأبد راشد"
تركها أخيراً وتراجع على مقعده يأمر سائقه بخفوت:"توجه الى المنزل" وبدون كلمة إضافية كان يرجع رأسه للوراء ثم أغلق جفنيه بينما فمه تحتله إبتسامة ساخرة ميتة همس لنفسه:"جبلان من النار إذا تقابلا فماذا يخلفان ورائهما إلا الدمار؟! حبيبتي لقد أخبرتها لكِ مرة وأنتِ من لم تستمعي لنصيحتي وأصررتي بصلابة رأسكِ أن تدخلي عرين الأفاعي بقدميك...فإذا كنتِ تعتقدين أنه مزق روحك مرة فلتجربي معنى أن يحول قلبك الى شظايا منثورة"
وكأنه لم يفعل!!
.......................................
ضربة، اثنان تتبعها خبطة أخرى وقفزة عالية من هناك...يتعالى اللهاث بقلبِ يخفق بعنف قافزاً من مكانه وكأنه ما عاد يحتمل البقاء في هذا الجسد الذي عذبه لسنوات...عينا امرأة جميلة وديعة وبريئة تبكيان تنحني على ركبتيها تلف خصرها بذراعيها وتهمس بمرارة الخذلان:
"أنا آسفة والله آسفة...ولكن لن أستطيع أن أتي بطفل زنا يكفيني العار الذي جلبته لأهلي"
مدت يديها تتحامل على أرض الغرفة تقف بنصف إنتصاب تهمس مشجعة نفسها بينما أناملها تمسح الدموع التي غشت الرؤية أمامها بعنف:"يجب أن أتخلص منك الليلة ربما يحررني من أسري أو أموت وأرتاح"
أحاطت نفسها بذراعيها ترتجف قهراً وندماً:"ما الذي فعلته بنفسي لم أحضر هنا لأُذَلّ... لم أحلم ببيت وأسرة وقصة رواية حالمة خرجت من أساطير الحكايا لينتهي المطاف بي هنا !"
كادت أن تفعلها بنفسها مرة أخرى ولكنها تعبت وتحطمت لألف قطعه ونطفة ذلك العنيد المخادع ترفض أن تغادر جسدها...
"رباه وهل لي عين أن أناجيك؟ هل لي قدرة أن أطلب عفوك ورحمتك بي؟!"
شهقاتها المقهورة كانت تخرج أخيراً لتشق جدار الصمت الذي إرتمت عليه تحتضن نفسها بذراعيها...تبكي بعنف وهي تنظر من بين دموعها الكثيفة لضربه المبرح لها...لقد جربت معنى أن يُسلَب إنسان حريته! أن يُهان! أن يُدعَس تحت الأقدام أن يضربها مجرد مخمور كافر دون ذرة شفقة وبدعوة ماذا؟!الحب والإمتلاك؟!!
"أنا من يستحق أنا من دفعت نفسي للعب بالنار مصدقة تخاريف العشق يغير كل شيء...كيف وقعت في تلك اللعبة؟ كيف لم أتذكر قوله تعالى
"أنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء"...كيف كيف كيف؟
ظلت ساكنة وجسدها ينتفض بإرتعاش متوالي تعصر خصرها بألم...والحقائق المُرة تتوالى من طيات النسيان صافعة إياها بلا رحمة...لا تعلم كم بقيت في مكانها إلا عندما شعرت بتلك اليدين الأثمتين تمسكانها من ذراعيها وأنفاسه الكريهة تضرب وجهها مختلطة برائحة خمره دون رحمة:"ما الذي تفعلينه هنا ألن تتغير صلابة رأسكِ؟"
احست بالذعر يجتاحها وهي تقاوم أصابعه صارخة فيه بقهر:
"إبتعد عني لا أريد رؤية وجهك,فأنا أشمئز من رائحة أنفاسك,أريد قتل نفسي بعد كل لمسة أثمة منك لجسدي"
النبرة الملهوفة تبدلت والملامح القلقة انمحت ليسكن مكانها قناع القسوة والجبروت وهو يقول بدمٍ بارد:"من مصلحتكِ أن تنسي تلك المصطلحات العربية الرنانة والتي لا تبرعون إلا بها في وضعكِ وإعلمي من السيد هنا"
رغم كل ألم الروح وتحطم الفؤاد ووجع الجسد كانت تتحامل لتظهر واجهتها الصلبة وهي تقول بقوة:"أنا ليس لي سيد بل مجرد مخادع وكاذب نذل حقير...إنسان همجي أتى من وسط العصور المظلمة لأوروبا لا يفرق عن الحيوانات كثيراً وإن كُنتُ أظلم الحيوانات بتشبيها بك"
"إخرسي"هدرها غاضباً وهو يرفع يده ناوياً أن يمنحها التأديب الذي تستحقه...
صرخت هي الأخرى:"افعلها...لن تكون المرة الأولى ولا الأخيرة لتؤذيني"
النظرة في عينيها جعلته يتراجع يستفيق من سَكرة جنونه لقد كانت حبيبته مازالت هناك قابعة تتألم وتأمل فيه شيءٌ ما لم يخترق حاجز تفكيره...شحب وجهه وإستحال الى اللون الرمادي قبل أن ينهار راكعاً أمامها على ركبتيه...يمسك كفيها بين كفيه...هل هي رجفةٌ ما التي أحستها تسري عبر جسده لتجتاح كيانها؟! نطق أخيراً ببهوت وهو يتأمل كدمات وجهها وجسدها المتعددة:
"ماذا فعلت؟ ما الذي دفعني عنادكِ لفعله؟ وبعد أن منحتيني الحياة، كيف أصبحت سجانكِ وجلادكِ؟!"
دموع المهانة كانت تهبط على وجنتيها لا إرادياً رغم محاولة تحليها بالصلابة فعينيها المنكسرة كان مايزال فيها بريق الكبرياء الذي تحكم في نبض قلبه يوماً...مد يده يمسح دمعها وهمس برقة:"لا تبكِ سوف أصلح كل شيء...دمعكِ ينزف من داخل فؤادي دماء إنه يحرقني يجلدني كاشفاً أمامي خِسَة نفسي!"
تمتمت بصوت جامد:"لا دمعنا واحد ولا دمائنا ستكون يوماً واحدة...نحن أبداً مختلفان ولن نلتقي يوماً...إن كنت كما تدعي أحببتني في أية لحظة من أيام إيهامك لي...أتركني أذهب من هنا إمنحني حريتي...انساني ودعني أعود لبلدي وأواجه مصير سقوطي في بئر الظلمات وحدي!"
توتر فمه وإكتست عيناه بذلك الحاجب الكفيل بإخفاء حبيبها القديم وإظهار ذلك الإنسان الداعر الكريه:
"لا أستطيع أنتِ مازلتِ زوجتي، وحتى إن لم تعترفي أنا لا أهتم حقاً طالما أنتِ تحت سقف منزلي سأخفيكِ عن كل عين إلى أن تتراجعي عن جنونكِ"
"وهل إبقائك لي غصب عني وضربي وإغتصابي هو من سيجعلني أتنازل عن حريتي أبيع ديني وأغضب ربي من أجل إنسان مخادع مثلك!"
ترك وجهها ببطئ وتراجع بعيداً عنها...ثم كست وجهه تلك الظلال المخيفة وقال:"أنا لم أغتصبكِ...بل من يوم أن جن جنونكِ وأنا لم أقترب منكِ ولكن إن كان هذا ما يدور في عقلكِ أو تشتهيه نفسكِ قد أنفذه لكِ دون ندم أو تردد!"
رفعت رأسها مجفلة والخوف يتسلل تحت جلدها ببطء تعلم تلك النبرة جيداً تلك التي يتحول فيها لإنسان أخر لا تعرف الرحمة طريقه...همس بعدها بفحيح:
"إن دينكِ لا أعترف به لقد إعتنقته من أجل أن أصل إليكِ...وبه أو بدونه أنتِ ستبقين معي وسأنالكِ كعشيقة لا زوجة محترمة!"
وإقترب على الفور يأسرها دون ذرة آدمية بينما جسدها المنهار يقاومه وصراخها المحمل بروح حرة يشق ظلام غيابات أوربا ليصطدم في جدار الصمت,متغاضين,متشفين,ظافري? ? هاتفين بإنتصار:
"لقد وقعت إحدى حرائرهن في الوحل"
**************
انتهي
# قراءة سعيدة












"


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:11 PM   #54

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي



الفصل الثاني :

أدارت المقبض بهدوء وعينيها تشرد للبعيد لِما كان منها ومنه في أخر لقاء منذ يومين؟! رغماً عنها تشبثت قدميها بالأرض رافضة مواجهته...متهربة من السؤال العالق في ذهنها ويؤرق عينيه التي عاد فيهما بريق الفضول يخالطه الجنون:"ما الذي تريده منه وما الذي يدفعها لكشف نفسها أمامه"
"د/لوسيرو إن كنتِ لا تستطيعين تخطي هذا مع مريضكِ يمكنكِ الانسحاب!"
اعتصرت يديها سجلات تحملها قبل أن تقول بقوة:"لا...لن أتركه بعد كل هذه الرحلة يخوض الأمر وحده!"
قال روجرز بهدوء:"أنتِ تتعاملين مع الأمر بعاطفة وهذا غير جائز"
ازدردت ريقها وفكرت بصدق أنها تتعامل مع الأمر بسذاجة عاطفية لا تستطيع تفسير أسبابها ولكنها ردت بهدوء مماثل:
"نحن أطباء من الطبيعي أن نحمل بعض الرحمة...ألا يكفي ما سنخبره إياه"
خطى روجر للداخل أخيراً وهو يقول بجفاء:"أنا أنفذ عملي فقط واجبي يحتم عليّ أن أتعامل بمصداقية!"
............
لم تدرك أنها كانت تحبس أنفاسها بينما روجر يخبره باختصار عن رفض الخدمات الإجتماعية بالولاية تجديد رعايته الصحية وسحب المشفى منه أيضاً العلاج المجاني إلا عندما أحست بالاختناق حينما قال ممدوح بنبرة مظلمة:"هذا شيء متوقع"
قال روجر بتعاطف زائف:"سيد زيدان"
ازدادت عينيه ظلمة وقاطعه قائلا من بين أسنانه:"إياك أن تُحدثني بشفقة هذاعملك وقد قمت به وأنا من رفض تلقي العلاج فاحتفظ بآساك لنفسك"
خبرته العملية والعلمية هي من تحدثت بهدوء متفهم لحالة مريضه:"إن ضميري الطبي هو ما يُحتم عليّ إخبارك إن تنازلت عن التمسك بحقوقك وقبلت بإجراء الجراحة الأخيرة والعلاج الطبيعي ومنحتنا الإذن لمباشرة عملنا قد أستأنف من جديد بمساعدة الأخصائي الإجتماعي...وتحصل على التأمين الطبي "الميديكت"مرة أخرى"
التفت ممدوح أخيراً بكرسيه بعنف يخبره صارخاً:"أخبرتك أنا لا أريد ...أنا مرتاح في وضعي هذا ...إلى هنا وانتهى دورك وسوف أغادر هذا المكان الليلة"
وقف روجر من كرسيه يخبره بنبرة باردة تماماً كاشفاً وجهه الغير مبالي:"هذا قرارك وأنا لا أهتم حقاً نحن فعلنا ما نستطيع...ولكن أنسى أن تخرج من هنا ...أنت أصبحت في أعين الحكومة خطراً على حياتك وعلى الأخرين أيضاً...لذا ستحول لمشفى أمراض نفسية"
توسعت عينا ممدوح برهبة إنسانية أخيراً بينما منع نفسه بصعوبة من الانتفاض مرتعداً بتأثير كلماته وهو يقول بثبات:"ماذا تقصد من قولك ومن قرر أني مريض نفسي؟"
إبتسامة دامية شرسة هي ما كللت فم الطبيب الخمسيني بينما طيف عنصرية يطفو على السطح متشفياً وهو يقول:"الغرور العربي المعتاد؟! يرفض ما نراه جميعاً بصورة واضحة لا تقبل الشك!
صرخ ممدوح وهو يحرك عجلات كرسية و يقترب منه يستطيل ليقبض على ملابسه:"إخرس"
أزاحه روجر بعنف بينما يخبره بسخرية:"بل أنت من تخرس...سأمر الكادر الطبي أن يأتي ويأخذك من هنا لمكان تستطيع فيه إطلاق جنونك...ومنحك المعاملة التي تستحق"
التفت نحو عيني لوسيرو الذاهلة وهو يضغط على أحد الأزرار ليستدعي فريق التدخل للحالات الطارئة
"دكتور روجر ليس هذا ما بحثته معي هو مازال يستطيع أن يحدد اختياراته مازال يملك حق نفسه!" قالت معترضة لم تكد تكمل جملتها حتى انقلبت الغرفة في دقائق لجنون كامل صراخ ممدوح المحمل بجنون فعلي بينما يدفع كرسيه ليطول المدعو طبيبه بينما الأخر وقف أمام باب الغرفة يخبرها بقسوة:
"لا تنسي نفسكِ أنتِ هنا مجرد متدربة تطيعين أوامر رؤسائكِ...لا تعتقدي أني لم ألحظ انفصالكِ عن المهنية متغاضية عن أنه خطر على نفسه ومن حوله"
صرخة ممدوح أتت من ورائها تصم أذنيها"وأنت الرحيم هنا الذي يحاول أن يؤمِّن حياتي؟ عنصري لعين كنت أعرف"
إشتدت القسوة في عيني روجر وهو يقول:"أثبت غير ما قُلتُه أنا بالأدلة في تقريرك إن استطعت أيها العربي المدلل"
لم تعرف ما تستطيع فعله الارتباك والاضطراب سكنها في لحظات وكأنها في أحد أفلام الاضطهاد التي تحمل كرهاً متبادلاً...لم تصدق ماسمعته لقد وثقت بطبيبها وظنت أنه معها...إذاً ما معنى ما يتبادله مع مريضها الأن؟ لا إرادياً وجدت نفسها تتراجع لتمسك كتفي ممدوح بتشدد تصرخ فيه:"إن كان ما يقوله صحيح فمحاولتك الاعتداء عليه الأن ستؤخذ ضدك"
يديه أزاحتها بعنف قبل أن يحرك كرسيه بأحد الأزرار دافعه للأمام حتى وصل لمكانه وهو يقول:"إذاً أنا مجنون وإن فتحت رأسك وشوهت ملامحك الأن لن يؤخذ ضدي شيء"
استطاع أن يصل ليقبض على تلابيب ملابسه بالفعل حتى أجبره أن ينحني نحوه ودون مقدمات لكمه بقهر وحرقة وبكل ما يعتمل داخل صدره من مرارة وخذلان في النفس...
"هل سجلت الكاميرات هذا؟ أريده الأن في مكتبي"صرخها روجر الذي أُلقي أمامه على بعد سنتيمترات بسيطة بينما يصرخ ممدوح بهمجية وهو يقترب خطوة أخرى ليلقي بجسده فوق جسد الطبيب الواقع على الأرض:"لا انتظر هناك مشهد أشد متعة سأمنحه لهم"عقب انتهاء جملته كان يزين عينه بلكمة أخرى...
اقتربت لوسيرو مهرولة وهي تصرخ:
"أرجوك توقف أنت تزيد الأمر سوءاً"
لم يكن في حالة تسمح له بسماع أحد بل انفصل عن العالم للحظات...يرى في وجه الطبيب الذي خذله وجه حسين زيدان...يرى في مقاومته وجسده الذي يصارعه صراع أخ أكبر باعه من أجل وضيعة الأصل! لم يدرك أن يديه كانت تضرب الهواء منذ دقائق وبأن يدي الممرضين رفعت جسده بالفعل منذ لحظات مُعِيدِينَه مقيداً لغرفة أصبحت مكان أسره...لقد كان غارقاً في صراخ أخر أتى من ماضى سحيق...زمن غابر عاش فيه عمره كله يتخبط دون حول ولا قوة للسباحة والخروج منه:
"امنحني ابني مازال صغيراً يحتاج إليّ...أتوسلك سأفعل أي شيء يا حسين"!
أظافر طويلة مطلية بالأحمر القاني انغرست في ذراع الصغير حتى أدمته بينما يصرخ بلوعة:"أمي لا تتركيني...أنا رجل مسئول عن قراراتي أبي وأريد أمي"
كان قلبه الصغير يخفق بقوة وكأنه عصفور زغب الريش يغرد طالباً النجدة بمن منحته الحياة بينما أفعى سامة تتلوى فوق عشه لتبتلعه...
صفعة حادة كانت ما تلقاها رداً على دموع طفولته
"طفل غبي مختل ومدلل لن تصبح رجلاً يوماً...ادخليه فريال واحبسيه في غرفته"
مازل يسمع صوتها الذليل في أذنيه ...توسلها العاجز ليمنحها إياه مقاومتها الضعيفة للوصول إليه ...ثم به يكبل من كفيه ويجر بطول الممر الذي يمتلئ بالحصى والحجارة الصغيرة فتدمى ركبتيه
وبعين الخيال مولي الحبيبة تركع تحت قدمي حسين تتوسل الرحمة ومَنحها صغيريها...لم يكن يدرك حقاً أنه كان يبكي بقهر بحرقة وصوته الخشن يخرج متقطعاً يجهش بعنف...بينما يُلقى على فراش مرضه يكبله ممرضان أشداء هناك بأسوار حديدية.... كما أمر طبيبه النذل!
يدها المرتعشة كانت تبحث عن وريده بينما تمنع دمع عينيها بصعوبة أشد وبأس لم تدرك يوماً أنه فيها ...شفتيها رغما عنها بحثت عن أذنه تخبره بألم بوجع نبض من داخل ذكراها الأليمة:"أنا آسفة...لم أكن أعرف سامحني أرجوك!"
عينيه المليئة بالدموع لم تكن ترى إلا وجه مولي العاجز الضعيف...كان يشعر بالخيانة، بالمرارة، بالغضب والقهر وهو يقول بالعربية:
"لقد وثَقت بكِ متناسياً أنكِ مجرد امرأة لا تختلفين عنهن إما أفعى سامة أو مجرد حشرة تدهسها الأقدام"
***********
الحلم الواهي يُرسم ببراعة وتشويق مثير لأُناس في الأصل حفاة عراة مطرودين مقتولين ومشردين على حدود البلدان تسترهم ما تُدعى خيام...متلهفين بإنكسار لأي وعود واهية وحرية زائفة وحلم أمريكي لم يكن إلا كابوساً مريعاً...
أغمضت عينيها مجبرة تسرح بذاكرتها لمكمن الوجع للبداية للدمار الحقيقي ...وهي التي ظنت أن من بعد نجاتهم من صواريخ الموت لن يكن شيئاً قادراً أبداً على وأدهم أحياء ولكم كانت ساذجة!
.......
"هل تشعرين بالبرد؟"
صوتها الطفولي والذي خالف عقلها الذي نضج جداً قبل الأوان خرج مرتعشاً وهي تقول:"ليس مهماً أنا ولكن هن غير قادرات على تحمل تساقط لسعات الثلوج"
تحرك جسده الصغير ليخلع سترته الجلدية من فوق جسده ويقترب من ثلاثتهن يحاول أن يدفأهن عبثاً بما يملكه...
تكلمت هي:"لن يكفينا يا عيسى"
ثم مدت يدها تسحب منه ما جاد به كعادتهم ثم قالت بخفوت: "سأغطي الصغيرتين وأنا وأنت سنتحمل"
إرتعشت إبتسامته الفتية صاحبة العشر سنوات قبل أن يقول بتوتر:"لقد توقف صراخه منذ ساعة على الأقل ...قليلاً ويأتيان للبحث عنا"
أومأت برأسها موافقة وعينيها تدمع من البرد القارص الذي يهز أبدانهم ثم قالت بخوف:
"ليس مهماً...ولكن تذكر ألا نصدر صوتاً حتى تمر نوبة عراكهما بسلام لا نريد أن تأتي الشرطة كالمرة السابقة"
ارتفع رأس صغير من بين ذراعيها لتنظر عينين سوداوين متوسعتين كفنجاني قهوة تسألانها:"بطني تؤلمني"لورين"أنا جائعة؟!"
ربتت على ذيل حصانها فاحم السواد وعجز طفولتها لا يساعد على تلبية طلبها ولكنها قالت:"نامي الأن يا " مرح" وأعدكِ عندما تستفيقين ستجدين والدتنا أعدت الكثير من الطعام!"
تذمرت الصغيرة صاحبة الأربعة أعوام:"لا أريد أن أنام...أريد طعاماً"
عادت تقول بغضب طفولي مماثل:
"ولكن اليوم لم أستطع أن أخرج ببعض الشطائر كالمرة السابقة"
تدخل عيسى قبل أن يشتد صراخهن ويسمعهن أحد الجيران:
"أصمتن! سوف أتسلل للداخل وأتي لها بما تريد"
تدخلت لورين بخوف:"لا تذهب إن رآك سيضربك...نحن لا نعلم إن كان هداء أم لا"
وقف صقرهن الحامي يخبرها:"لن يراني كما أنه لا يضرب أحداً إلا هي...لا تقلقي عليّ؟!"
تركهن ودلف الى الداخل متوجهاً الى شقتهم الصغيرة تاركاً ثلاثتهن على درج البناية التي منحتها لهم المنظمات الإنسانية التي أتت بهم من بلادهم المغتصبة إلى هنا.... درجاً أصبح ملجأهم وسكنهم وحاميهم من جنون والدين محملين بالمرارة والقهر مجردين من عزة كانت!!أهل لم يستفيقا بعد من رثاء ماضي قد كان ...غافلين عن قوانين لا ترحم ومتغيرات لا تفرق وضمائر متربصة لا تغفر وأعين كثيرة مراقبة تنتظر سقطة لتسلبهم كنزاً حقيقياً وعزة على وشك التمزق وعِزوة ستُدفع في طريق الضياع."
..................
عندما دخلت ليلاً إلى غرفته كانت لا إردياً ترتعش رهبة مما هي مقدمة عليه...اقتربت منه تنظر إليه ملياً من بين دموعها وهي تقول:
"لم أكن أعرف...حاولت مساعدتك ولم أستطع وكيف لي أن أعرف بأنه حتى رداء الإنسانية تُدبر المكائد؟ أرجو أن تجد لي الغفران يوماً فأنا لستُ مثلهم...مازالت هناك بقايا دماء تجري في أوردتي تتفهم عجزك!"
بهدوء كانت يدها تندس في جيب بنطاله تضع مبلغاً مالياً في جيبه مع ورقة بها عنوان أحد المنازل بينما يدها الأخرى تستطيل لتفتح قيده وهي تقول من بين دموع المرارة:"لن أسمح لهم بأن يسوقوك للمذبحة...ليس تحت إمرتي على الأقل...انتبه لنفسك"
"لم تمنحيني السم الذي يلقيني بغيبوبة كالعادة لماذا؟!"
كانت تعلم أنه مستيقظ ولكم تمنت بداخلها بأن ينصاع لمساعدتها لأول مرة ...لتظاهرها بالمشاركة في مسلسل سلبه حريته!
ردت بحرقة صريحة:"أنت لا تعرف ما عشته أنا...هناك جراح يبقى أثرها طازجاً حاراً يسري داخل الفؤاد كالحمم"
تمتم وهو يحاول الاعتدال مستنداً على ذراعيه:"من أنتِ؟"
إبتسامة جريحة كللت محياها وهي تقول:"أنا مستقبل لماضي وحاضر يتهرب منه الكثيرين...أنا صرخة إنسانية كُتمت بيدي اللصوص"
نظر إليها بخيبة:"لن تخبريني!"
كفكفت دمع عينيها قبل أن تستدير لتُقَرِب منه كرسيه المتحرك وهي تقول:"هناك حقائق لا يجب أبداً كشفها...أفضل أن تبقى صورتي في عينيك كما هي...صدق أو لا أنا الأخرى أكره نظرة الشفقة"!
قال بصوت أجش:"لن يرحموكِ إن اكتشفوا فعلتكِ"
أخفضت عينيها بينما أحست بقبضة تعتصر قلبها وهي تقول:"وإن وصلت أنت لذلك المكان لن يسمحوا لك بأن تخرج حياً"
همس:"لماذا تخاطرين بعد كل ما فعلته بكِ!"
المرارة كانت عميقة جارحة طعمها كالمر العلقم في حلقها وهي تقول:
"أنت تذكرني به...رعونته غبائه وضياعه الذي مزقنا جميعاً...هو لم يمنحه أحد فرصة أخيرة ولكن أنت ها هي بين يديك أرجوك لا تخذلني!"
قال ساخراً:"كم أنتِ غبية يا دكتورة أنا لا أشبه أحداً أبداً...كما أني ولدت من صلب الخذلان والخيانة بحد ذاتها!"
إستدارت تنظر لعمق عينيه الفارغتين وقلبها يخفق بقوة متشربه تلك الرسائل التي يمنحها إليها صامتاً كاشفاً لها عمق سواد روحه جاعلها تتمتم بضياع:"لا تفعل!"
كان يبادلها النظر متشرباً لون الحداد في عينيها قبل أن يهرب منها بعيداً داخل قوقعته بإصرار بأنانية ثم ما لبث أن قال بجفاء:
"وداعاً لوسيرو"
ردت تلقائيا وبعنف تخللها:"بل إلى اللقاء...لقاء قريب جداً"
ضحك بحزنٍ عميق:"أنتِ واهمة أو مجنونة؟!"
صمتت للحظات قبل أن تقول بهدوء:"بل على يقين أن هناك حكايا ستبدأ الأن...حكاية ستدمر البقية مني وللغرابة أجدني متلهفة ومستسلمة لأعرف كيف ستخط يديك النهاية؟!"
*************
إستيقظت سَبنتي على رنين منبه هاتفها في السابعة صباحاً كما تعودت أن تفعل طوال أعوامها الصغيرة...روتين حياة لم تمل منه يوماً رغم تذمر كل صديقاتها...الاستيقاظ صباحاً التوجه إلى حمام الغرفة الاهتمام بنظافتها الشخصية ثم الوضوء والصلاة...كل هذا يجب أن يتم في أقل من ثلاثين دقيقة كما علمتها شيماء وفرضها عليهم بعبعهم الصلب!!خالد...عند تذكر اسمه فتحت عينيها بذعر لتعد إلى واقعها تنقل نظراتها في أرجاء غرفتها الواسعة الجديدة وأحداث الأمس تضرب عقلها بمطارق حادة ...جسدها الصغير ينكمش لا إرادياً ضامة نفسها بذراعيها بقوة علها تتخلص من ذلك الشعور المؤلم الذي إنتهك أنوثتها الوليدة!لا لم يكن الأمر ممتعاً ولا يستطيع عقلها تجنبه ...ببساطة لقد كان بطريقة أو أخرى مؤلماً موجعاً راسخاً في ذاكرتها الحية رافضاً هذا الموقف السافر...دمعت عينيها رغماً عنها متذكرة منذ أن بدأت تدرك التغيرات السريعة في جسدها والتي كانت تصيبها بالخجل الشديد والحيرة ورغم الشرح الوافي من زوجة عمها أن الأمر طبيعي وبأنها ما عادت طفلة ولا يجب أن تخجل من جسدها أو نفسها ولكنها لم تتقبل الفكرة مطلقاً فكانت تُصر على تجنب الأمر وتدفنه بعيداً تحت ملابسها الواسعة محمية تحت جدران ملامحها الطفولية...مبتعدة عن التلامس مع أحدُهم وأهمهم خالد بالذات! لطالما كان رغم حمايته المبالغ فيها أحياناً ورغم إدعائه اللطف منطقة مرعبة مجهولة ...لا إرادياً كانت تخشاه تتجنبه ...ربما يعود الأمر للإرهاب النفسي الذي كان يمارسه عليها مدعياً الخوف...يهددها بالحبس إن قامت بفعل خاطئ ...يرفض اشتراكها في أية نشاطات مدرسية..يُجنّ جنونه إن رآها تتحدث مع أحد الصبيان من زملائها وتكون الكارثة الحقيقة إن ذهبت في رحلة مدرسية دون رجوع عمها أو زوجة عمها إليه...لطالما تساءلت عن سر هذا التحكم وما دخله هو بشأنها...ولكن ماذا بيدها لتفعل أو تعترض وهي تراه ينفذ أحكامه تلك أيضاً على شيماء...شيماء رفيقتها الغالية تُرى ما حالها الأن من دونها؟!
زفرت بقوة وهي تغمض عينيها مرجعة رأسها الى الوراء:
"لماذا أنت من يحدث أول تصادم لمخاوفي معك؟"عاد الطنين المؤذي يكبل جسدها كأن ناراً من سقر تضرم فيها وكأن أصابعه الغاشمة تترك أثرها هناك بسياط من نار تعذبها
"رباه توقفي توقفي حمقاء طفولية ...لم يقصد! تهوركِ وجنونكِ هما ما عرضاكِ لذلك الموقف المقزز...البعبع الجامد الجاد لن يفعل بكِ هذا عن قصد ربما هو من الأساس لم ينتبه لمعاناتكِ...ولكن ما باله غضب وجسده كان يتعرق خلال لحظات؟ ولماذا لم يدافع عن نفسه؟!"
زفرت بضيق:
"ها قد عدنا لهواجس المراهقة الغبية يا بقة"
"على حد علمي أنكِ تكرهين هذا اللقب...ومن الأحمق الذي أخبركِ أنكِ مراهقة؟! مازلتي طفلتي الذهبية الجميلة"صوته أتاها مداعباً جاعلها تقفز من فراشها مندفعة نحوه بتناقض عاطفي متهور متوقع منها...
"راشد"نطقتها باستجداء وكأنها تطلب منه حماية غير معلنة
مال رأسها تدفنه في صدره ويديها تشبثت بقميصه...فرفع ذراعه ليحتضنها ومال قليلاً ليطبع قبلة على رأسها بأبوية
"ما الذي يزعجكِ منذ الصباح تبدين متحفزة للانقضاض على من يتجرأ ويقف في وجهكِ"سألها بهدوء دون أن يحاول إبعادها عنه...متفهماً طبيعة سنها الذي يتحكم فيه نموها الانفعالي...عارفاً أنها وقعت في تناقضات قد تكون عنيفة أحياناً نحو نظرتها لنفسها أو للأخرين من حولها وقد تكون خاضت بالفعل في نقاط أشبه بمفترق الطرق...
هزت رأسها داخل صدره وهي تهمس بتقطع:"لا شيء هذه أول مرة منذ خمسة أعوام أبيت بعيداً عن غرفتي"
قال بجمود لم تفهم أسبابه للحظات مذكرها:"ضربة موفقة سَبنتي! ولكن أريد تذكيركِ أنكِ لم تنقطعي عن زيارتي خلال الخمسة أعوام تلك في لندن"
إبتعدت عنه شاهقة بصدمة طفولية قبل أن تقول بدفاع صارخة فيه:
"لم أقصد هذا على فكرة ولم يطرأ لعقلي أن أذكرك أنك هجرتني منذ خمسة أعوام مكتفياً بزيارتي لك أسبوع واحد بالسنة!"
رفع حاجباً واحد وهو يقول ببطء:"حقاً؟ إجابتكِ الأن أوضحت أنكِ بريئة بالفعل!"
عضت فمها ودموع مجنونة تطرق عينيها ثم قالت بصوت خفيض:
"أنا فقط اشتقت إليك فأنت هنا منذ أسابيع ولم تتذكر أن تأتي لرؤيتي"
قال باقتضاب:"لا أحب دخول هذا المنزل!"
قالت بغضب:"لا تتحجج وقل أنها هي من لا تُحب رؤية وجهك...ولكن ما ذنبي أنا بينكم؟!"
تأملها للحظات قبل أن يقول بنبرة مكتومة:"متى تعلمتي الضرب تحت الحزام؟"
كالعادة كان لسانها يسبق تفكيرها وهي تقول بتهور:"ربما الأمر وراثياً لا أحتاج لتعلمه!"
اقترب يمسك كتفيها مسيطراً على نوبة غضبها محاولاً أن يتفهمها فعلاً لا قولاً بعد فُرقة أعوام وتجنبها رغم عشقه الجم الغريزي نحوها:
"لِما كل هذا الهجوم المفاجئ...هل تؤذيكِ بدور؟!"
رمشت عينيها مصدومة بفهمه لسبب ثورتها الحقيقة ثم قالت مرتبكة:
"ليس جسدياً ولكنها تؤذيني معنوياً...لم تحاول أن تتقبلني أوتحبني رغم أنها تفتح قلبها للجميع؟!"
تتحاشاها!! تتجنبها منذ أعوام وماذا قد يتوقع منها؟ تغيير نفسها أوغرورها أونارية انتقامها وتحب فجأة جزءاً منه تعلم أنه أقرب إليه من نفسه!!
أراد بقوة جذبها ليفهم أكثر ليعرف إن كانت متوحشة الطباع صادقة فيما أشارت إليه فغير مجرى الحديث وهو يقول بهدوء: "وخالد؟!"
رفعت رأسها سريعاً كالطلقة تنظر إليه بتمرد إجتاح كيانها ...منذ متى كان يسبب لها اسمه مشاعر مبهمة مختلطة ومتناقضة غضب، خوف، خجل و....وحاجة ماسة أن يظل دائماً يدور في محيطها حتى وإن كان يخيفها؟ أه تذكرت منذ أن تغزل هامساً في ملائكية الوجه ابنة صديق والده!! لقد قال...قال أه نعم:"ملتزمة عاقلة وهادئة ماذا يحتاج الرجل أكثر من هذا في امرأته؟"
كان يقرأ كل مشاعرها المتقلبة بوضوح "لم أتلقى إجابة؟!"
شحب وجهها وقالت مجفلة بتشنج:"لا أحد يماثل خالد أبداً...ليت جميعكم تهتمون مثله؟!"
تقبضت يد راشد على كتفها الصغير ولم يتردد أو يراعي أعوامها الخمسة عشر وهو يقول بحزم محذراً:"سَبنتي...ما الذي يعنيه هذا هل تسمعين نفسكِ؟ ألا تذكرين حديثنا عن خالد أخر مرة؟"
لم يخِف شحوب وجهها وهي تقول:"أعرف...أعرف ما قلته وأتذكره ولكن أنا لم أقصد أبداً أن أشير لأمرٍ خطأ إنه فقط خالد ليس إلا؟!" كان صوتها المتقطع يخفت تدريجياً...متوترة مضطربة بكلمات بسيطة مختصرة وكأنه سيفهم كل شيء عبرها...
قال راشد بصوت مكتوم:"مشاعر الإنسان ليست بشيءٍ خطأ...ولكن تذكري أن توجهيها بشكلٍ صحيح وصحي"
لقد كانت خائفة ومضطربة ولم تكن مستعدة أبداً لتلك المواجهة كما أنها لا تشعر بأي شيء نحوه غير الخوف غريزياً همست بخفوت: "إنه فقط أخي مثلك أنت وعزام"
تصلب راشد وقال بجمود:"ليس أخيكِ ولا يمكنه أن يكون...أنتِ نسيتِ كل ما أخبرتكِ إياه...خالد الراوي هو..."
لم يصل إليها باقي جملته إذ أن صراخاً حاداً عصبياً تعرفه منعها من الأنصات...توسعت إبتسامتها رغماً عنها وشعور من السعادة المبهمة يجتاحها قبل أن تنحني لتهرب من تحت ذراعه وهي تهرول قائلة:
"لقد أتى كنت أعلم أنه لن يترك بقته بعيداً لوقتٍ طويل"
تركها تتوجه إليه بينما عينيه السوداوين تلمع بالقسوة والتصميم:"لا يجب أن أترككِ طويلاً...سأنهي ما جئت من أجله وأخذكِ بعيداً قبل أن يقع أمراً لا أستطيع معالجته ولا ترميمكِ منه"
بالنهاية ما ذنب خالد أن يقع ضحية لخطيئة هو من قام بإرتكابها؟!
............
وقف خالد أسفل الدرج ينظر لوقوفها في منتصفه بتجهم مراقباً إبتسامتها الواسعة التي انمحت تدريجياً:"لقد فوتي موعد مدرستكِ"
أطرقت سَبنتي برأسها أرضاً مشبكة يديها خلف ظهرها وإحدى قدميها تتحرك أمامها معبرة عن الارتباك والخوف الذي تشعر به ولكنها ردت بنبرة خفيضة غاضبة:"هل هذا هوالسبب الوحيد الذي أتيت من أجله؟!"
"غبي، غبي، متهور مندفع ما الذي أتى بك إلى هنا وهل تجرؤ؟!"
همسها خالد لنفسه ينهرها للمرة التي لم يَعُد يدرك عددها ما الذي دفعه ليأتي إلى هنا؟ وبرغم حربه التي نشبت بداخله كان يقول بحدة:"وماذا توقعتي غير هذا؟!"
اشتعلت عينيها الواسعتين وهي ترفع رأسها بغضب قاصفة إياه:
"الاعتذار مثلاً عن تعنيفك وضربك لي بدلاً أن تُهشم رأس ذلك الأشقر الأحمق!"
إندفع صاعداً أربع درجات بخطوة واحدة حتى أصبح يفصل بينهما خطوة واحدة ورغم هذا أشرف عليها بطوله جاعلها تنكمش كالعادة رهبة ثم صرخ فيها غاضباً:"أو تحطيم أضلعكِ أنتِ...عندما تستفزين أحد الوحوش وينهشكِ لا تلومي إلا نفسكِ"
هتفت فيه بتهور:"نزار ليس وحشاً إنه مجرد مدلل أحمق!"
تقبضت يديه بعنف بغيظ وبدا أنه يقاوم نفسه ألا يحطم فمها كالعادة ثم هبط مرة واحدة على الحاجز الزجاجي للدرج وهو يصرخ فيها:
"نزار!!من أين تعرفينه يا سَبنتي وكيف يغيظكِ ولماذا تشتبكين معه من الأساس؟"
عادت الدموع تملأ عينيها الجميلتين وهي تقول بحرقة جعلته يشعر بالإختناق (جميلتين!! متى أصبحت سَبنتي جميلة في عينيه من الأساس لماذا يشعر أنه يراها لأول مرة؟):"توقف عن إخافتي يا خالد...أنت لا تملك سلطة عليّ لذا لن أجيبك!"
كادت يده الغليظة أن تصل إليها تقبض على ذراعها بعنف معتاد ولكنه توقف غير قادر على فعلها وذاكرة الأمس والمشاعر اجتاحته لتحرقه وتفرقع في عقله كالألعاب النارية...ولكن كان الأوان قد فات إذ أنها استدارت تقفز من أمامه عائدة لحصنها الأقوى والأجدر:"لا تلمسني"
إختنق صوته وهو ينظر إليها تهرب منه إليه...
"لم أكن لأتجرأ وأفعلها مرة أخرى"همسها لعقله دون أن يستطع إخراجها لتشاركه ذلك الخاطر المزعج...
"خالد...توقف أنت تتعدى كل الحدود بما تفعله"قاطع أفكاره صوت راشد الجامد يقف هناك أعلى الدرج...تتخفى خلفه بقته التي احتمت فيه بينما خرج رأسها قليلاً لتنظر إليه بنصف عين معتذرة!
توتر جسده وتشنجت عضلاته كلها والغضب يتجمع ويتراكم داخل صدره حتى يكاد أن يوشك على الانفجار...فعاد يجذب نفساً ثم أخر متذكراً حديث أمه صباحاً بصوتها الصارم الذي أعاد له أفعاله واخباره أنه السبب في أخذ الفتاة من بين ذراعيها التي احتضنتها طوال سنوات عمرها الصغير...
نفس وأخر كان يسيطر على جل ثورته فإن أراد استعادتها تحت جناحهم لن يصل إليها إلا بكسب أخيها!
"أنا أحاول إستعادة ما هو لي"
عبست ملامح راشد قبل أن يقول بنبرة لا تحمل الجدل"سَبنتي ليست لك ولن تكون يوماً"
توتر أكثر سب نفسه بعنف قبل أن يقول موضحاً:"ماذا فهمت؟! ما قصدته تحديداً أنها تربت تحت رعاية والدتي ورعايتي لدراستها، تدريباتها وروتين حياتها...هي لا تعرف من العالم سوى نحن ولا أعتقد أنك جاهز بعد لرعاية طفلة صغيرة وأنتَ تعيش وحدك غارقاً في سفرك وعملك الذي لا ينتهي!"
رفع راشد حاجبيه متعجباً قبل أن يقول:"شكراً لاهتمامك ولكن بعد ما رأيته بالأمس أعدك أن أجد الوقت المناسب لرعايتها بعيداً عن تنمرك"
رمش خالد بعينيه السوداوين وهو يبتلع ريقه الذي جف وسأله برهبة:"وما الذي حدث إنه.إنه مجرد سوء تفاهم أنا لم أقصد لمسها!"
شعرت بتحفز جسد راشد تحت كفيها في لحظة مما جعل الإدراك يضربها ورغم أعوامها الصغيرة أدركت أن الحدث الحقيقي لم يصل لعقل راشد ولم يلاحظه أحدهم وإلا لكان خالد في عداد الأموات الأن...
"عن ماذا تتحدث؟"الشر بحد ذاته كان يتلبس نبرة أخيها...
فهتفت بنبرة يتلبسها الذعر وهي تخرج من وراءه لتكون سد منيع بينهما أو هكذا اعتقدت
"لمس!! هل ضربك لي تسميه لمس؟!"
التقط خالد الخيط بذكاء وعاد يتنفس الصعداء داخلياً إذاً كما أكد له عقله المضطرب الذي لم يَذُق طعم النوم منذ الأمس لم يلاحظ أحدهم ذلك الخطأ الشنيع الذي صدر منه:
"أعني لم أقصد ضربكِ أو تعنيفكِ...أنا فقط خِفتُ عليكِ من تهوركِ أو أن يجن جنون هذا الفتى...بالنهاية قد أتقبل تعينفي أنا إياكِ ولكن غيرى سأقوم بشقه نصفين دون تردد"
قال راشد بجفاء:"مهلاً لحظة ومن أعطاك هذا الحق الفظيع سيد خالد أنت مثل غيرك بالنسبة لها"
أخذ خالد نفساً عميقاً أخر قبل أن يقول بتمهل:"لقد منحتني هذا الحق منذ أن ألقيتها في أحضان أمي طفلة لم تتعلم أول خطواتها بعد...أعطيتني إياه منذ خمسة أعوام وأنت تخبرني أنها أمانتي التى لن تسامحني إن فرطت بها...كل الحقوق أنتم من تنازلتم لي عنها يا راشد وكلاً غافلاً في دنياه وحاله تاركينها لي وشيماء...وأنا فقط قمت بواجبي تجاه كل واحدة منهما دون تقصير وبما متاح لديّ من سلطة"
تأمله راشد بغموض طويل.طويل جداً قبل أن يتنازل أخيراً وهو يقول بحسم:"حسناً سامحتك لما حدث بالأمس...والأن أنا أخبرك أن دورك إنتهى... سَبنتي ستتواجد معي منذ اليوم"
قال خالد تلقائياً من بين أنفاسه:"لا تستطيع حياتها معنا...لا تعرف أماً غير أمي ولا أخ إلا أنا!"
تلبس راشد وجهاً صارماً وهو يقول بجفاء لا يقبل الجدل:
"لا أخ لديها إلا أنا وعزام لذا لا تخلط أبداً الأدوار...انتهى النقاش وقد اُصدِر حُكمي...يمكنك البقاء لتناول الإفطار أو أن تغادر لجامعتك!"
"لا"هتفها بحرقة فرد راشد:
"أنت لا تملك حق لا يا ابن ياسر إياك وأن تهتف بها في وجهي!"
..........
بعد نصف ساعة كان مازال يتنفس ناراً مستعرة تحرق جوفه دون قدرة له على المغادرة خالي الوفاض دونها! خبط مقود السيارة يهتف بغضب مكتوم:
"تباً ما الذي يحدث معي؟ ما الذي يحدث؟ لم تُشكل هاجساً يوماً... لم تكن أبداً إلا شقية صغيرة عبثية ترسم ضحكة على شفاههم أو تتسبب في فعل جنوني يشعل غضبه...ما الذي حدث بين ليلة وضحاها؟ لماذا تلك النار التملكية؟ لماذا يشعر أنهم اقتطعوا جزءاً من جسده؟ ما الفارق إن غادرت أخيراً منزلهم أو بقت فيه؟ هو لم يكن مقرباً منها حتى يوماً...دائماً طفلة جامحة وهو بعبعها المرعب الذي يحجم تهورها...
.........................
"أنهي طعامك"أمرها راشد وقد تخلى صوته عن الرفق...
فقالت بإختناق وهي تزيح الطبق من أمامها:"لا أريد"
وضع راشد أدوات المائدة بهدوء أنيق على طبقه قبل أن يمسح فمه بإحدى المحارم الحريرية ثم قال:
"لا تعجبني طريقة حديثك وتصرفاتك حتى نبرة النِدية التي تتعاملين بها!"
قالت بمرارة:"أنت أهنته...وأنا لن أغفر لك هذا"
قال راشد بوجوم:"أنا كنت أحجم وضعه الذي ظنه وأدافع عنكِ!"
إرتعشت شفتيها بنوبة بكاء طفولية أخرى جاعلة إياه يزفر بنفاذ صبر وقال:
"أنتِ لست صغيرة للإدعاء أو الالتفاف...ما الذي تريديه وسأنفذه"
"ستتراجع عن قرارك من أجلي"!
عينيها، لهفتها، تحايلها والتفافها!!رباه متى أصبحت تشبهها حتى وإن لم تحمل من ملامحها شيء؟!لم يشعر بنفسه وهو يقول بصوت أجش مشوب بالعاطفة:"أفعل أي شيء من أجلكِ حتى وإن اضطررت لإحراق نفسي"
قفزت من مقعدها غافلة عن تلك النظرة المريرة التي سكنت عينيه وفي لحظات كانت تقبل وجنتيه وجبهته ورأسه حتى شفتيه وهي تقول بتلهف من بينهم:
"أشكرك أشكرك جداً...إذ أني لا أستطيع العيش دون شيماء وزوجة عمي وغرفتي وألعابي وأهمهم أهمهم...شلبي"
"شلبي...شلبي!!"
الاسم نزل على رأسه كالمطارق جاعلاً إياه ينتفض من على مقعده ماسكاً جسدها المتقافز حوله يثبتها وقال مدعياً الذعر:"من شلبي هذا...ألا يكفينا البعبع؟!"
عبست سَبنتي قبل أن تقول بإبتسامة متوسعة متسلية"البعبع ذلك خالد...وبالمناسبة خوفك ليس له أية قيمة لأني أمقت خالد لا أطيقه أرغب في خنقه أحياناً كثيرة رغم أني أحبه"
نظر إليها راشد بملامح متجهمة ولأول مرة في عمره يشعر بالغباء
"ماذا؟ ما الذي تقولينه كيف تحبين شخصاً وتكرهينه في آنٍ واحد؟!"
هزت كتفيها بلا معنى وقالت برتابة:"لا أعرف...تلك هي حقيقة مشاعري تجاهه وإجابة على سؤالك المعلق شلبي أهم شخص في الكون لديّ!"
"لا تختبري صبري من شلبي "
رمشت ببراءة قبل أن تقول بطفولية:"شلبي هذا حبيبي وصديقي ورفيقي وكلبي المخلص لكم أحبه أحبه أحبه"
كل غرائز القتل تحركت بداخله في تلك اللحظة وشعر أنه إن بقي معها لثوانٍ سيرتكب فيها جريمة غير مراعي أنها حبيبته الغالية رفع هاتفه متنفساً بعنف قبل أن يقول من بين أسنانه:
"أرجو أن تكون مازلت بالخارج كما أتوقع؟! تعال حالاً إلى هنا وخذ هذا الكائن من أمامي قبل أن أغير رأيي وأفتح رأس كل منكما!"
حقاً ما كان ينقصنه إلا عته المراهقين وتقلباتهم !! ألا يكفيه الحرب التي سيخوضها بعد ساعة مع المعتوهه الكبرى؟!
................
كان الصمت يعم أرجاء السيارة بينما جسدها المتحفز يرسل ذبذبات سلبية تجاهه...لقد أصبحت الحلوة الصغيرة تخافه! تتحاشى كلياً أي تماس عفوي بينهما ورغم كل هذا فكلاهما تجنب ما حدث بالأمس كأنه لم يكن من الأساس ...ببساطة يتهربان ينكران تلك الشرارة الغريبة والموجة العنيفة التي إجتاحتهما بنوعٍ من الذعر!
"أنا لن أعتذر أنتِ من أخطأتِ"قالها بعصبية مفاجئة ويديه تمر في شعره الكثيف والأخرى تتقبض على مقود السيارة...
إنكمشت سَبنتي في مقعدها بخوف حميد معتاد تجاهه قبل أن تقول بخفوت بسيط:"أنا آسفة لم يكن يجدر بي الاشتباك معه"
تنفس خالد بإرهاق ثم قال متنازل عن تجهمه:"وأنا ما كان يجدر بي تعنيفكِ بهذا الشكل"
رفعت عينيها الواسعتين المشرقتين كورد البنفسج الذي ينشر عطره مستقبلاً نسمة الصباح الباردة ثم قالت بنبرة حلوة سلبت لبه جاعلة نوبة أخرى من الذعر تجتاحه:"لم أستطع النوم طوال الليل وأنت غاضب مني...لا أحب أن أرى وجهك يتجهم كما أني كرهت أن يضربك راشد بسببي ...أنت بطلي الذي لا أقبل بانهزامه أبداً!"
ابتلع ريقه قبل أن يقول بتحذير صارم:"بقة...ما الذي تقولينه؟!"
تجهمت وهي تقول غاضبة:"لا تناديني بقة ما عدت صغيرة لطيفة يا بشمهندس الحشرات...أنا فتاة كبيرة الأن"
سرق نظرة نحوها قبل أن يعود يركز في طريقة وهو يقول بنبرة ذاهلة:"أنا مهندس حشرات؟!"
تكور فمها بغضب طفولي وهي تقول:"على اعتبار ما سيكون...على كل حال هذا ليس لب الأمر فقط لا تناديني بقة"
جز على أسنانه وهو يجاهد ليسيطر على انفعالاته ثم قال بهدوء اقتنصه بمعجزة:"بلا مازلتي طفلة فلا تحاولي حتى أن تتطلعي لحياة الكبار...مازال أمامكِ الكثير لتعرفينه وتتعلمينه قبل أن تُطحني في معارك الحياة وتتمنين ولو ساعة واحدة مما تعيشينه الأن...فقط تشبثي بمرحلة الطفولة وابقي فيها قدر إستطاعتكِ"
إنحنى رأسها تنطر كافيها في حجرها بتوتر يخالطه الحيرة فتهدل شعرها المجنون حولها حاجباً وجهها عنه ثم قالت من بين ستارها الحاجز بنبرة غريبة:
"قد يصدمك أن الأطفال أذكياء أكثر من اللازم يا خالد ليعرفوا كل ما يدور من حولهم من اضطراب يخالطه التشتت والضياع رامين أنفسهم في نيران تلتهمهم ومن حولهم...الكبار ليسوا كباراً عندما يؤذون أنفسهم ويكسرون من يحبون ويتحولون لكائنات مفترسة دموية ويصبحون في النهاية أكبر أعداء لأنفسهم!"
جحظت عينيه للمرة الثانية بصدمة مع تدلي فاهه بذهول أشد من السابق وأوقف السيارة على جانب الطريق سريعاً مصدراً صرير مزعجاً وهو يهتف فيها:
"من أين سمعتي هذا الكلام؟!"
رفعت وجهها بحذر وأصابعها تتخل شعرها لترجعه وراء أذنيها ثم قالت بسلاسة:
"أخبرتك أرصد كل شيء حولي...تعلم أني نابغة سابقة سني ألم تخبرني بهذا دائماً وأنت تساعدني في مادة الكيمياء؟!"
جاهد نفسه حتى لا يرفع يديه ويلمس وجنتها الناعمة وكم كان يحترق لفعلها ولكنه بات فجأة ودون مقدمات يعلم أنه ماعاد أي شيء كان يفعله يصلح معها الأن لقد كبرت البقة!
ضحك دون مقدمات من هذا الخاطر لنفسه ضحكة خالطتها السخرية من تغيبه عن كل الواقع من حوله ضحكة تحولت لمرارة مستنكرة ...ياسر الراوي لديه حق ابنه الوحيد مغيب عن الواقع يعيش في قوقعته الخاصة رافضاً أفعالهم متباعداً عن جنونهم"
"خالد لا تضحك مني!"قالتها بنبرة علم أنها ستنفجر بعدها في البكاء
نظر إليها نظرة غريبة قبل أن يقطع ضحكاته تلك ثم قال بإبتسامة مستسلمة:
"لا أضحك منكِ بل من غبائي!!لقد كبرتي بالفعل وأصبحتي الأذكى والأحلى"!
توردت وجنتها بلون شهي ولمعت عيناها بطيف عجيب غريب قبل أن تمد يدها في جيبها تخرج أكياساً صغيرة بها حلوى ملونة حامضة الطعم ثم قالت بتردد:
"لقد اعتدت أن تشاركني إياها لذا أحتفظت لك ببضع منها!"
لم تزل تلك الإبتسامة النادرة من على شفتيه وهو يقول برقة:
"هذا كله لكِ صغيرتي...للحقيقة أنا لا أحبها بل كنت أجاملكِ بأكلها معكِ...على كلٍ نوعي المفضل من الحلوى لم أعرفه بعد!"
تجهم وجهها الطفولي بالغضب قبل أن تهتف فيه بانفعال:
"بل أنت تحبها...ونصيبك دائماً سيكون معي وسأحتفظ به من أجلك إلى أن تأتيني يوماً ما وتطالب به بنفسك!"
************
"السيد ياسر طلب سيادتكِ في مكتب رئيس مجلس الإدارة"
أتاها صوت سكرتيرة والداها عبر الهاتف متوتراً على غير العادة...أجابتها بدور بعملية:"من أجل ماذا؟ لم يصلني أي بريد إلكتروني عن الأمر"
أتاها صوتها بنفس التوتر وهي تقول:"أعتذر منكِ ولكني ليس لديّ معلومات "
ردت بنبرة باردة صارمة:"رباب أنا لا أعيد السؤال مرتين؟!"
شعرت بالأنفاس المضطربة للمرأة الخمسينية قبل أن تقول بهمس:
"صدقاً لا علم لي إلا أنه إجتماع طارئ...دَعا فيه السيد ياسر رؤساء المجموعة من العائلة فقط و. و!"
رفعت بدور حاجبيها بترقب ولكنها لم تتخلى عن نبراتها الباردة:
"وماذا تكلمي"
"أرجوكِ آنسة بدور..."نطقتها بتوجس متوسل علمت منه بدور أن هناك أمراً جلل ترفض المرأة أن تكون هي من تبلغها إياه.
"حسناً"نطقتها بعملية...كادت رباب أن تغلق الهاتف متنفسة الصعداء ولكن أتاها صوت بدور متصنعاً اللطف يخبرها:"خمسة أعوام اعمل معكم ومازلت أصحح لكِ...سيدة! سيدة بدور الراوي يا سيدة رباب!"
..............
لم تنتبه بدور أبداً لذلك الواقف هناك أمام النافذة الزجاجية الكبيرة لمكتب والدها يدير ظهره لهما وفمه مرغماً يطلق ضحكة قصيرة ساخرة مشبعة بالمرارة:"سيدة؟!"
مازلتي تحتفظين بأصول اللياقة يا ابنة ياسر!
أغمض عينيه متذكراً بدور أميرته المميزة بطريقة فريدة جداً...ذكية قوية الشخصية ومتسلطة جداً جداً و. ومرحة دافئة عاشقة متهورة تمنح دون خوف أو حساب تفرض إرادتها وسحرها على الجميع...قبل أن يحولها هو لكائن بارد قاسي لا يعرف الرحمة أو الغفران طاووسته المغرورة...ليس غروراً مكروهاً بل كان حميداً جداً محبباً يجعل من يمتلكها يشعر بالزهو بالفخر أنه من إستطاع أن يأسرها بإختيارها وحدها...طاووس لم يُقدِر جيداً أنه يتحول لغولٍ دامي إن تجرأ وحول نحوه سهماً مسموماً بالغدر والخيانة...الطرق الأنيق للباب مع فتحه بهدوء والصوت الأنثوي الذي أصبح يملأه برودة ماثلت برودة شهر طوبة جعله يقطع ذكرياته مغمضاً عينيه مستعداً للكارثة:
"مرحباً سيد ياسر...لقد علمت أنك دعوتني..."
فجأة بدأ قلبها بالخفقان بقوة وضجيج يعلو داخل عقلها بصخب وهي تصطدم بالهيئة الرجولية التي تتعرف عليه دون حاجة له للاستدارة أو حتى أن تقع عينيها على وقفته التي بدت في ظاهرها هادئة رزينة وكلاسيكية ولكنها وحدها تعرف أنه ترك أثراً عليها يماثله أضعاف داخل قلبه وعقله...
رفعت بدور عينيها المشتعلين تتأمله...فنظرت إلى قامته الطويلة أكثر مما ينبغي في الحقيقة كان ضخماً مظلماً بعينين سوداوين كظلمة قلب المحيط في ليلة عاصفة تبتلع كل من يقترب منها بغرور من ظن في نفسه أنه قبطان مغامر يركب البحار السبعة دون أن تبتل ملابسه...غير مدرك أنه مجرد حشرة صغيرة تغريها خيوط عنكبوت مبهرة الصنع والجمال لتبتلعها حية دون رحمة!!
"ما الذي يفعله هنا في إجتماع خاص برؤوس المجموعة كما فهمت" قالتها بجفاء دون أن تكلف نفسها نطق اسمه وهي تطرق بحذائها المستفز حتى وصلت لمائدة طويلة من الأرابيسك الأسود يغطيها زجاج مقوى دقيق الصنع ويتوزع عليها مقاعد جلدية بعملية رتيبة...
ضحكة ساخرة أجابتها من عزام:"نفس السؤال المعلق وعمي لم يتفضل بالإجابة عليه بعد"
كان كالصخر صامتاً متباعداً وغامضاً ولم يهتم هو الأخر بالإستدارة وإجاباتهم تاركاً لعمه مهمة نقل الخبر...
تنحنح ياسر قبل أن يمد يده يمسك جهاز التحكم عن بعد ثم يغلق الأنوار جميعها ليحل السواد والجو الكئيب على رؤوسهم ثم أشعل الشاشة الضوئية وهو يقول بعملية:
"لا دخل لتحفظاتكم أو مشاكلكم الشخصية فهنا مكان للعمل فقط...وحفاظاً على إمبراطورية تتناقلها عائلتنا منذ أجيال ميراث ثقيل حافظ عليه أبي وجدي وجد جد جدي من قبلهم...صامدين في وجه الكثير من المتغيرات الإقتصادية وحتى السياسية"
تأففت بدور من المقدمة التي ليس لها أي معنى وهي تسحب ملف وضع أمامها وتشرع في تفحصه بينما تسمع عزام يقول بنبرة لطيفة محببة:
"بالطبع عماه هذا شغلنا الشاغل ونحن لم نقصر أبداً في تكبير هذا الصرح وأخذه للأمام؟!"
قلب ياسر في الشاشة أمامه مظهراً بعض الرسم البياني الذي يخص أسهمهم في السوق ومنتجاتهم ثم قال بنبرة رجل أعمال حيادية:"تلك هي المشكلة...منذ شهور نحارب ثلاثتنا لجعل تلك الأسهم تقفز أو حتى تعود للثبات كما كنا في العام الأخير ولكن لا شيء يتغير أو يحدث نفس السياسة في العمل نفس الأفكار...وهذا بجانب خسارة صفقات هامة وتعدي بعض الشركات على حقوقنا دون رادع!"
رفعت بدور رأسها بحدة وهي تقول:"نحن نبذل كل ما في وسعنا...نعمل بجهد وكل شهر وأخر أغير في السياسات لا تنكر أن أمام كل صفقة نخسرها أكسب أنا اثنان"
إلتفت اليها ياسر يخبرها بهدوء:"لم أنكر جهدكِ أو ذكاء عزام في الإدارة ولكن تبقى خسارتنا أكبر وإن استمرت هذه الأزمة سأجبر على طرح أكثر من أربعون بالمائة من أسهمنا في السوق لأغراب يتحكمون بنا ويدخلون بيننا!"
تدخل عزام وقال بهدوء:"وما الحل الذي تراه مناسب إذاً؟!"
لم يرد ياسر على الفور بل عيناه تعلقت بإبنته حبيبته وشبيهته صديقته القديمة التي كانت أقرب إليه من روحه...لم تكن علاقته ببدور رتيبة تقليدية مثل أختيها الأكبر سناً بل كانت علاقة خاصة جداً أقرب للصداقة قبل أن يخسرها مرتين ويسقط من قلبها وعينيها حتى وإن لم تُصرِح أبداً أو تُظهِر إلا في تلك الليلة السوداء التي تسببت لهم فيها بفضيحة مازالوا جميعاً يعانون أثرها ورغم هذا منحها العذر والغفران ولكن هي لم تمنحه قط غفراناً مماثلاً...
أشعل الضوء فجأة قاطعاً ذلك التأمل والترقب بينهم والصوت الصارم الهادئ يعود يصم أذنيها وهو يقول بجفاء متحركاً نحوهم برتابة:"الحل بسيط عزام...سندمج فرع المجموعة في لندن وهنا لأنه الأكثر قوة الأن نظراً لاستقلاله بذاته منذ أن استلمته بعد وفاة أبينا... وسوف أدير بنفسي المجموعتين تحت إشراف عمي بالطبع"!
وأخيراً رأى ديناميته المشتعل تنفجر في وجوهم قائلة:"ما تلك السخافة التي يطلقها هذا الدخيل؟ هذا لن يحدث...على جثتي يا أبي"
سحب راشد المقعد الرئيسي وجلس بأريحية تامة وسحب أحد سجائره وهو يقول ببرود:"في الحقيقة جثتكِ أو رأيكِ ليس لهم دخل بالموضوع"
نظرت إليه بظلمة:"لكم أصبحت تثير نفوري وتقززي...أنت أفعى سامة تتلوى بخبث حتى تمتص دماء كل من حولك"
فتح ذراعيه بمسرحية وهو يقول:"مرحى إذاً...لكم يسعدني ذكائكِ...ولكنه وصف قديم وتقليدي قليلاً!"
إحتقن وجهها وهي تلتفت لأبيها وقالت:
"وإن رفضت هذا الاقتراح؟!"
قال أبيها بصرامة:"في الحقيقة هذا ليس مجرد إقتراح...بل قرار نُفِذ بالفعل منذ شهور طويلة بيني وبينه لماذا تظنين أنه عاد إلى هنا؟!"
"ربما لإنهاء حربهم المعلقة أو منحها الطلاق والتحرر منه أخيراً"
هذا ما طرق في عقلها...وكأنه علم ما يدور خلف صمتها فقال ساخراً:
"تعلمين جيداً أني رجل سلام لا حرب وأفضل ممتلكاتي تكون في حوزتي دائماً حتى وإن لم أستخدمها...أو لأكون أوضح ربما لا أتذكر امتلاكها إلا عند رؤيتها إذ أنها تذهب من عقلي تماماً فور أن تغرب عن عيني!"
ضربة قذرة لم يتوانى عن توجيهها أمام أخيه وأبيها
"هذا صحيح ولكم تكثر ممتلكاتك القذرة فكيف ستتذكر؟!"
"أوووه.... ضربة موفقة ولكن لأكون رجلاً لطيفاً أنتِ لا تنتمين للفئة الأخيرة!"
"يكفي"هدرها ياسر ثم توجه لعيني ابنته التي خلت منهما الحياة هكذا وفي لحظة ثم ما لبث أن قال برفق:
"حبيبتي أعرف أنكِ أذكى من أن تُدخلي أمراً شخصياً في العمل...إنه هنا لأنه الأفضل ونحن جميعاً نعلم ونقر بهذا وبالنهاية هنا أو في لندن نحن كقطعة البازل نكمل بعضنا وإن إختل مكان إحدى القطع انهار البناء فوق رؤوسنا جميعاً"
لأول مرة لم تتنازل بدور لمصلحة العمل كما عهدها دائماً إذ قالت بجمود بارد :"لم تمنحني إجابة يا سيد ياسر وإن رفضت هذا القرار والاندماج؟!"
أغلق ياسر عينيه ولم يستطع منحها الإجابة...وترك لابن أخيه ورئيس مجلس الإدارة الجديد حرية الرد إذ قال راشد بهدوء:
"هذا ما توقعته...لذا سلمي كل ما لديكِ من مستندات هامة ومتعلقات تخص الإدارة للسيد عزام الراوي وبعدها تستطيعين اختيار أي فرع بعيداً عن هنا واختاري أي منصب عمل يليق بشهادتك العالية...إذ يؤسف المجموعة خسارة موظفة طموحة وجادة ومثقفة ولبقة مثلكِ!"
لم تستطع التماسك أكثر اذ هبطت يديها تتشبث بالطاولة بشدة ويدها الأخرى تضعها على قلبها علها تستطيع كبح الألم الغائر إثر ذلك السكين البارد الذي عاد ينغرس في جروحها التي لم تشفى قط بقسوة...دقيقة اثنان كانت تنفصل عما حولها وصوت جدال عزام وعصبيته يصلها مجرد همهمات مبهمة...اعتدلت أخيراً تلملم كبرياءها ثم تحركت خطوة واحدة نحو والدها وهمست بجانب أذنه:
"بعض الآثام لا يمحوها الزمن...أنت بعتني للمرة الثانية لشبيهك تذكر أنك ستأتي يوماً طالباً غفراني وهذا ما لن تطوله أبداً يا. أبي؟!"
ثم بهدوء كانت ترفع رأسها بكبرياء وتغادر جلسة وحوش آل الراوي...
تبعها عزام الذي وقف من مكانه بعصبية وهو يقول بقوة غاضبة:
"هذه ليست بقوانين عمل...كيف يؤخذ قرار كهذا دون الرجوع لنا؟ هناك تحيز يحدث دون الأخذ بمصلحة المجموعة أولاً"
تأمل راشد أخيه الأصغر سناً بعامين كاملين قبل أن يقول بهدوء:"توقف"
جمد عزام مكانه يستمع لأخيه الذي تابع:
"لم يحدث قرار فعلي بعد لذا عُدتُ إلى هنا منذ أشهر لأدرس وضع الشركة جيداً...وقبل أن نأخذ خطوة في التنفيذ الجِدي ها نحن نخبركم!"
استدار إليه مرة أخرى ينظر لعمه الصامت والذي يبدو راضياً جداً عن كل ما يحدث ثم قال بنبرة ضبط انفعالاته فيها:
"لم يكن عليك أن تستفزها...فإذا كنا نمر بفترة عصيبة وحساسة لا يجب أن نخسر أهم كادر في الشركة أنت قُلت بنفسك أنها واجهة ذات شهادات عالية وثقافة وأيضاً ودودة بشكل مذهل مع العملاء."
أخذت أصابع راشد تنقر بتعصب على الطاولة مع كل كلمة تخرج من فم أخيه...ألم يرى بنفسه ما يتحدث عنه عبر لقاءاتهما القصيرة في لندن عندما تأتى بجانب أبيها كنائبة لرئيس مجلس الإدارة...نائبة ساحرة ولبقة...ساحرة تلقي بشباكها على كل من يتحدث معها دون أن تسمح لأحدهم بالإقتراب...ساحرته الخاصة التي كانت ترفع أمامه دائماً يافطة الزوجة المحرمة ......الجبانة التي كانت تختفي فجأة ودون مقدمات كلما اعتقد أنها أصبحت على أرضه وبين يديه!
"لم استفزها هي من اختارت وتعاملت مع الأمر بطفولية...ثم من قال إني خسرتها؟ سأتحدث معها لاحقاً وأنا أكثر من واثق أنها ستعود إلى عملها من الغد وكأن شيئاً لم يحدث!"
عم الصمت للحظات بينما إبتسامة ساخرة تحتل فم أخيه قبل أن يقول بنبرة متشفية حاقدة لم تصل إلا إليه:
"رهانك خاسر لا تغتر بنفسك...فأنت خسرتها بالفعل منذ دهور وإلى الأبد يا راشد"
"عزام!"كان الصوت المحذر لعمه...
لم يرد عزام بشيء بل فتح الباب بهدوء وغادر ليبحث عن سر وجيعته!!
...........
التفت ياسر وملامحه تتجهم أخيراً سامحاً للوجع أن يطفو على السطح وهو يقول:
"أنت تلعب بالنار...لا تعتقد أني لا أعرف هدفك الحقيقي من كل هذا!"
خبط راشد وجهه بكلا كفيه بنفاذ صبر قبل أن يقول بغضب أعمى:"أنا لم أغشك عماه...منذ أن أتيت لي طالباً عوني وأنا عرضت عليك صفقتي وأنت منحتني ما أريده دون تردد"
قال ياسر بغضب مردداً:"ليس خسارتها...لم أوافق على خسارتها!"
دق راشد على الطاولة حتى تحركت من تحتهم عاكسةً مدى جحيمه وهو يقول بتشدد:"لقد خسرناها بالفعل...جريمتي أني استمعت لك من الأساس تاركك تدير حياتي"
قال ياسر بصوت مكتوم:"بل غرورك وبجاحتك هي من فعلت ...أنا لم أدفعك لتحطيمها فإياك أن تجرؤ وترمي اللوم عليّ"
أهتز شيء داخل عيناه فاقداً جموده وقوته المعتادة بينما يقول بتحشرج:
"لقد كانت غلطة واحدة لحظة ضعف واحدة...ليس من العدل أن أدفع أمامها عمري كله"
تأوه ياسر بوجع وهو يقول شارداً:"الأمر لا يحتاج إلا خطوة واحدة...اختيار واحد لتضيع في طريق مظلم ليس منه عودة"
"سوف أعيدها إليّ سأمحو ألمها وكأنه ما كان...امنحني الفرصة لأدير الأمر بطريقتي"
هز ياسر رأسه بأسى قبل أن يقول:"لا يهم...كل ما يعنيني الأن أن تعيدها إليّ أنت تعلم أني لم أخطط لأذيتها يوماً فهي كل روحي فكيف تعتقد أني قد أقتل روحي بيدي؟!"
إبتلع ريقه بصعوبة دافعاً المرارة التي نحرت جوفه بداخله ثم رسم وجهاً بارداً غير مبالياً قبل أن يقول:"في الواقع ياسر إن النار تشتعل في بيتك الأن...نار إن أهملناها ستُضرم فينا جميعاً وتأكلنا أحياء"
"ماذا تقصد؟"نطق ياسر بقلق
"أعني خالد وصغيرتي هناك أمرٌ ما يحدث بينهما...أمر قد عشته أنا في السابق بحذافيره مع بدور لذا أستطيع أن أشتمه بسهولة قبل أن يدرك خالد حدوثه"
يا الله ألا من ذلك الحضيض الذي وقعوا فيه من نهاية ؟!!
..........
لدقائق كان يتشبث بباب مكتبها ينظر لغضبها المستعر وهي تلملم أشيائها ببرود يعلم أن تحته يستعر جحيم لا أحد قادر على إطفائه...واجهة باردة لا تليق بنارية طباع مثلها، وجه يخدع الجميع ماعاداه ومنذ متى فهمها أحد مثلما يفهمها هو؟ أنها جميلته المحرمة بعقد من متبجح مغتصب سطى على قلبها وأسرها قبل أن تعرف حتى معنى الطيران بحرية ورؤية ما حولها ومعرفة المشاعر الصادقة والتي على استعداد ليمنحها الدنيا وما فيها بإشارة واحدة من إصبعها...قطعت الصمت وهي ترفع وجهها ترسم إبتسامة علم خداعها وهي تقول:
"هل من أمر أخدمك به عزام...أم أتيت لتنفذ طلب مديرك الجديد؟!
تقدم عزام نحوها حتى أصبح لا يفصل بينهما إلا خطوة واحدة ثم قال باقتضاب:"ومنذ متى كنت في صف أحدهم؟ فأنا وأنتِ نعمل سوياً منذ زمن وهذا المكان لنا نحن لذا مؤكد لا يعنيني ما قاله!"
أومأت رأسها موافقة ثم قالت بهدوء:"نحن لسنا أحزاب هنا...وللصراحة المطلقة هناك جانب عقلي مني اقتنع بما قاله"
تململ بعدم إرتياح ثم قال بصفاقة:"ما الذي يعنيه هذا؟ هل قلبكِ تدخل في الأمر كالمعتاد ومنحه الموافقة؟!"
رمشت بعينيها بدون فهم في البداية أسباب هجومه ثم قالت بصوت بارد حاد:"لا أسمح لك أن تتحدث معي بتلك الطريقة، ثم إني لم أشر لبقائي هنا...مازلت سأغادر"
قال بعصبية غير مفهومة:"لا أستطيع أن أخسركِ بعد أن أبقيتكِ بالكاد جانبي"
رفعت حاجبيها بإستنكار...فقال سريعاً بتوتر:"أعني الشركة...أنتِ فريق عمل أكثر من ممتاز وسأحتاج لأعوام لأجد مثلكِ"
أمسكت حقيبتها الأنثوية وحقيبة أخرى تخص بعض المستندات ثم نوت المرور من جواره وهي تقول بعملية:"دعنا نكن منصفين عقل كراشد لن يحتاج للكثير منا ستتغلب على افتقادي كنائب سريعاً "
لم يقاوم نفسه أن يمد كفه ويمسك ذراعها بتشدد فاقداً سيطرته وانتظام أنفاسه من ملامستها التي تشبه قطرة ماء باردة حلوة وجدها تائه في صحراء مقفرة:
"لقد تعودت على وجودكِ بجانبي دائماً...لا تتهوري وتغادري وتجعليه يكسب جولة أخرى في تحطيمكِ"
انتفضت محاولة الابتعاد عنه وهي تقول من بين أسنانها:"أي جنون يتلبسك اليوم؟ أترك ذراعي حالاً"
"أنصحك أن تستمع لأمرها لأنك إن لم تفعل لن أراعي صلة الدم بيننا وسأهشم تلك اليد التي جنت ولمست شيء يخصني"
هذا ما كان ينقصها صراع ذكوري منفر وكأنهما حيوانان ضاريان كلاهما يثبت ملكيته على أرض الغابة!
"أنا لا أخصك توقف عن غرورك وإدعاء ملكية ما ليس لك أم أن وجهك اشتاق لصفعة أخرى؟"
نبرة صوتها خرجت مستنكرة يتلبسها الببرود العاصف والوقاحة المتعمدة
تقوس فمه بالقسوة وهو يعتدل من على إطار الباب وتقدم واضعاً يده في جيبي بنطاله ثم إلتفت لأخيه وأمره بنفور:"اخرج من هنا"
شعرت بيدي عزام تبتعد عنها أخيراً لم تتعجب من طواعيته لأمر الطاغية ومن هذا الذي يستطيع أن يرفض له أمراً أو يقف في وجهه...على كلٍ هذه إحدى مميزاته كقائد مستقبلي كبير للعائلة والوريث القوي الحازم والحوت الشرس الذي استطاع أن يصنع لنفسه مكانة واسم خاص به في سوق أوربا...
أخرج يد واحدة وأغلق الباب خلفه بهدوء.
تحدثت بلهجة باردة:"عفواً هل تعتقد أنك تخيفني بما تفعله؟"
أخذ راشد نفساً عميقاً ثم قال:"أعلم أنكِ من القوة أن تقفي نداً لي وإلا ما كنت اخترتكِ زوجة "
"زوجة!" نطقتها بإستنكار ساخر قبل أن تطلق ضحكة عالية علم جيداً زيفها وما تداريه تحتها ثم قالت ببطء:
"أنا لستُ زوجتك متى سَتُقحِم ذلك في عقلك؟ أنا مجرد فتاة وقع عليها ظُلم بيّن وعلقت معك وتَطُوق بكل لهفة لليوم الذي ستتخلص فيه منك"
لم تتبدل ملامحه وهو يستمع لها بهدوء ثم قال:"أنتِ كاذبة...بقائكِ معلقة كان ومازال باختياركِ"
ألقت حقائبها على مكتبها بإهمال مصدرة ضجيجاً مزعجاً ثم قالت بغل:
"وأضيع على نفسي اخضاعك وتنفيذ طلبي الذي أمرتك به أمام جموع من البشر في تلك الليلة المذهلة وبعد هذا العرض الذي منحناه لهم؟ إذاً أنت لم تعرفني حقاً إذ أني من المستحيل أن أفرط في هذا الانتصار الذي سهرت ليالي أخطط لتنفيذه وفضيحتك!"
تكلم باتراً الكلام من بين شفتيه بقرف:
"إذاً ستبقين هكذا معلقة، كأي شيء رخيص أشتريته واشمئززت من استعماله...أنا لن أطلق"
إقتربت منه بخطى مدروسة بطيئة حتى أصبح جسدها الفارع يلامس قماش بدلته الخشن ومررت يدها على رابطة عنقه بتمهل ثم قالت بتلكؤ:"هل تذكر وعدي القديم وأنا ابنة الثالثة عشر ؟"
جسده الضخم ارتعد تأثراً من كلماتها البسيطة التي كانت تحمل ذكريات أكثر مما تحتمل عاطفته الذكورية!
يدها تحركت ببطء مثير حتى حاوطت عنقه وإرتفعت موازنة جسدها على كعبي حذائها الرفيع ثم مالت نحو أذنه تهمس بهسيس:
"أعدك يا راشد أن تعش الجحيم على جسدي وأن تدمن بعضاً من بقايا عطري طالباً الرأفة من بين حمرة شفتاي وأن تغزل خيوطاً من الألم، آسرة إياك في محراب عشقي وأن تركع محموماً تحت قدمي طالباً الرحمة وانفصالك عني"
عطرها.عطرها؟ همسها عقله الأحمق بحالمية لم يذقها لسنوات عطر ناعم هادئ يتخلله زهر الياسمين مختلط بالفل يكاد يتخيله متغلغلاً في كل جزء من مسام جسدها الذي جرب الغرق فيه مرة قبل أن يصحو على تلك النيران التي ابتلعتهما...
كانت في طريقها للابتعاد عنه متشفية بانتصارها الطفولي عليه وهي تشعر بتصلب جسده الضخم استجابة...وقد تمكنت عينيها من رؤية تفاحة آدم ترتجف مع إزدراده لريقه لكنه لم يمهلها الابتعاد إذ أن يديه الاثنتين لم تقاوما أن تحاوطا خصرها بقسوة معيدها إلى دفء جذعه ساحقها فوقه بمفاجأة جاعلة إياها تشهق استنكار تجنب اعتراضها وتشبث بها بقوة وشفتيه تندس سريعاً على بشرة عنقها الأبيض الناعم الظاهر من تسريحة
شعرها الأنيقة فوق رأسها ثم قال:
"في الواقع يعجبني تهديدكِ إذ أنني أنوي الاحتراق على جسدكِ قريباً جداً"
تملكها النفور وهي تهتف به:"ابتعد !"
لم يهتم بمقاومتها العنيفة وذراعه يتشدد أكثر حولها ساحقها على صدره وفمه يقتنص الفرصة لينهش كل ما في طريقه من مفاتنها حتى وصل أمام شفتيها التي مسها برقة وكأنه يريد تحضيرها لخطوته التالية ثم قال من بين أنفاسه العنيفة:
في الواقع ان اخطط للركوع ، ولكن لأسباب ممتعه بحتة ، جاعلك أنت تهتفين بعشقك مراراً وتكراراً قبل ان تتوسلي رحمة ورفق لن امنحك اياهم !
وقبل أن ينتظر منها إجابة كان ينحني ملتهماً شفتيها بعاصفة عشقية مجنونة وبجموح بري عارفاً أنها غير قادرة على مواجهته مستمتعاً حد الألم بتوسع عينيها صدمةً وقد انقلب السحر على الساحر!
***************
وقف يأخذ أنفاساً طويلة يتلفت هنا وهناك حتى يتأكد بأن لا أحد من حرس المنزل يراقبه...ثم التفت نحو الأشجار الكثيفة التي تظلل السور الخلفي للمنزل العريق من الخارج وعندما اطمئن أن الأمور كما هي منذ أشهرألقى كشكول محاضراته في مكانه الاعتيادي وسط الحشائش ورفع ذراعيه محتضناً جذع الشجرة وتسلق سنتيمترات بعيدة ثم رفع ذراعه يلتقط فرع قوي وشب عليه موازناً جسده ثم تعلق فيه زاحفاً مؤرجحاً جسده للأمام حتى وصل لقمة السور أخيراً...تنفس نزار الصعداء عندما لمحها هناك تنتظره كما وعدت...تجلس في ركن مخفي خلف أرجوحة عريضة مصنوعة من خشب الخيزران مبطنة بالقماش المخملي ومزينة بلون البحر الشبيه بعينيها!
"نزار أنت هنا؟"صوتها الملائكي الرقيق خرج خافتاً حذراً بينما سبائك العسل تموج حول وجهها وتحتضن جذعها الرقيق...
رباه كيف يستطيع تحمل كل هذا الحلى دون أن يمسها؟! بل كيف يستطيع أن ينفصل عنها يوماً كما حذره إيهاب وهددته أمه؟!
عندما لم يرد وظل معلقاً هناك يتأملها بشغف وقفت بحرص تتلمس الأرض بأناملها حتى قبضت على العصى خاصتها...مال رأسها بحركة عفوية لتبعد شعرها بعيداً عن ملامحها ثم أزاحته على جانب واحد في محاولة لتهذيب شروده جاعلة قلب المتأمل هناك ينخلع من مكانه ألف وألف مرة متسائلا: أهذا هو الشغف الذي يتحدثون عنه؟ أم هذا طعم العشق الذي يلتهب في صدره ويستطعمه في فمه حلو لاذع ومر مخلوط بالكثير من العسل المالح المشابه لملامحها؟!
"أنا أعرف أنك هنا...لقد اشتممت عطرك"!
قطب حائراً قبل أن يستدير ممسكاً قمة السور وهبط في قفزة واحدة ليصبح بالداخل معها ثم قال:
"وكيف يكون هذا تميزاً؟ ربما أحد هؤلاء الوحوش أقاربكِ...ألا يضعون عطور رجولية أيضاً؟"
تهللت ملامحها وضحكت عينيها سريعاً واقتربت تمد يدها أمامها ترسم طريقها نحوه تحاول تقدير المسافة بينهما حتى لا تصطدم فيه ثم قالت برقة:
"لا أحد منهم يستخدم نكهتك...إنها خاصة ومميزة للغاية طعم غريب ومريب يجمع بين حرقة الفلفل الحار ولذعة الزنجبيل الذي يبقى أثره قاسياً في فمك وأنفك لفترة طويلة!"
بحركة غريزية أصبحت معتادة كان يلتقط كفها الذي اصطدم بصدره بحركة واضعه على قلبه وهو يقول بمسرحية:
"هكذا إذاً.... والأن تحققت ألف أمنية لديّ ليتكِ تبقين تلك العصفورة الرقيقة على صدري إلى الأبد وصوتك البريء يهمس بذاك الغزل "
ارتبكت وإحمرت ملامحها وهي تفلت يدها منه بصعوبة ونهرته بغضب:
"تأدب يا نزار لن أحذرك مرة أخرى من تصرفاتك معي"
اقترب منها قبل أن يهمس برقة مهلكة بجانب أذنها:
"قاسية، يبدو أنكِ متوحشة الطباع مثلهم!"
اعتدل مرة أخرى ثم ابتسم بتفكه لم يصل لعينيها وهو يقول:
"لماذا تقابليني إذاً ما الذي أستطيع وصف علاقتنا به؟ أنتِ ترفضين الافصاح عن مشاعركِ نحوي وتتهربين من طلبي المستمر في جعل والداتي تتحدث مع والدتكِ...وتصرين أن ما يحدث بيننا لا يتعدى صداقة!"
همست قبل أن تفكر:"أنت من تُصر أن تأتي إلى هنا متخفياً...لقد أخبرتك أنني صغيرة جداً على وصف أو تقدير أي علاقة جنونية تسعى إليها كما أن. أن..."
إرتبكت ملامحها قبل أن تتخبط مستديرة لمكان لا يستطيع رؤيتها فيه...فهم على الفور سر المرارة في صوتها وصراعها اللامرئي رغم أنه أدرك عن يقين أنها فتاة مسالمة متصالحة مع نفسها ومتقبلة قدرها بكل صدر رحب رغم عمرها الذي لم يتجاوز الثامنة عشر بعد ولكن من خلال حديثه معها ورفقتهما لشهور أدرك أنها ودعت الخط الفاصل بين الطفولة والشباب وبأن ربما مِحنتها تلك جعلتها أكثر نضجاً وعقلاً من الكثير في سنها...مثلما يحدث معه تماماً! وهو لم يكن بيده اختيار لمنعها من أن تسرق قلبه لم يملك نفسه أمام سحرها وربما نضوجها الذي ماثل أسباب نضجوه! فبالنهاية وإن إختلفت المصيبة كلاهما ألقي في جحيم خيبات أمل متتالية بدرت من أقرب الناس إليهما
"شيماء بصرك لا يعنيني...أنا أحبك!"
صرخت بعنف مرتبك:"رباه نزار توقف"
تجرأ ومد كفيه يمسك كتفيها برفق ثم أدارها نحوه وأعاد ببطء:
"لن أتوقف أنتِ تعلمين هذا...أنا لا أحب الالتفاف ولا نية لديّ أن أتلاعب بمشاعركِ...أنا أحبكِ حقاً وقراري لن أتراجع فيه وهذا وعد رجل حر يا عصفورة"
تمتمت بإختناق متهربة من المواجهة كلها:"يا إلهي توقف عن دعوتي بعصفورة! الأن عرفت سر كره سَبنتي للقب"البقة"
تجهمت ملامحه وبان الامتعاض في نبرة صوته وهو يقول:" تعني تلك العلقة حمراء الجوارب؟!"
ضحكت برقة مهلكة وهي تقول:"توقف عن إثارة جنونها...من الجيد أنها ليست هنا اليوم!"
إبتسم نزار أيضاً وهو يقول:"جيد...هل يمكنك الأن أن تُريني ما جئت من أجله؟!"
عضت طرف فمها بقوة وهي تهز رأسها نفياً:"لا أستطيع!"
قال محايلاً:"أرجوكِ لقد وعدتني أن تمنحيني تلك الهدية أول يوم دراسي لي في كلية الحقوق!"
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تمتم بخجل مرتبك:"حسناً قد أفعل ولكن.لكن يجب أن تعلم أني أعتمد على أناملي التي أرى من خلالها الأشياء وأحاول أن أستدعيها من خلال ذاكرتي التي كثيراً ما تنصفنى ...بالعادة سَبنتي تساعدني ولكنها رفضت هذه المرة أن تصفك لي بدقة!" فرحة غبية كانت تتقافز في صدره وعيناه على تخبطها في حضرته جعلته يقول بإندفاع مازحاً:"دعينا نحمد الله أنها لم تفعل وإلا كانت وصفتني مجرد شمبانزي في القفص"
ضحكت مرة أخرى خاطفة نبضة من قلبه ثم قالت:"لا لقد وصفتك كحيوان القرد الكسلان بشع المظهر بإبتسامة سمجة مريبة تحتل فمك طوال الوقت "
حسناً بما أنه يبتسم ببلاهة في حضرتها طوال الوقت ربما الحشرة حمراء الجوارب لديها وجهة نظر! همس:"شيماء"
رفعت وجهها سريعاً قاطعة ضحكتها فتراجع شعرها الغزير حولها صانعة لوحة سريالية جميلة جعلته يهمس بوله:"عندما تضحك عيناكِ تنير الدنيا من حولي ببريق جديد لم أتلمس روعته قط "
"نزار"همست مرتعشة وهي تفلت منه مبتعدة عنه ثم أضافت:
"يجب أن تغادر قبل أن يراك أحد هنا أنا لا أريد لك الأذية"
حاول الاقتراب وصوته يأخذ لمحة من الغضب:"ليس من العدل أن تتهربي عند كل كلمة أطلقها وتطرديني...إن خرجت من هنا دون أن أرى رسمتي لن أعود أبداً"
اضطربت للحظات قبل أن تقول ببساطة:"اخرج من هنا...أنت تعلم أنك كاذب فاشل وستعود إليّ في الغد ربما وقتها أكون سامحتك وأمنحك ما تريده"
عم الصمت لثوانٍ معدودة فظنت أنه إنصرف دون وداع أخر...مما جعلها تهتف ببهوت وهي تتخبط بعصاها حولها تحركها بعصبية "انتظر لا تغادر...أريدك أن!"
أمسك كتفها دفعة واحدة مما ثبتها مكانها وهي تشهق خوفاً:"إهدئي لم اغادر ولكن ما عُدتُ أتحمل جنونكِ وتضارب أفعالكِ تريدين صحبتي أم لا؟!"
كانت أنفاسها مازالت تخرج من داخل صدرها صاخبة هادرة متوترة مما جعلها تخبره مندفعة:"لقد عرفت الأن أية الألوان سوف أختار لأعبر عن داخلك؟!"
سأل ساخراً:"ماذا يا بيكاسو زمانكِ؟"
إرتعشت إبتسامة على شفتيها قبل أن تقول:"أنت تشبه موج البحر الغادر الذي يرتطم بالشاطئ فجأة جارفاً كل ما يطاله في نوبة غضب خارجة عن سيطرته"
لانت ملامحه قليلاً ثم قال بحيرة:"تشبيهاتكِ تحيرني وبراعتكِ في الرسم، طريقة حديثكِ، اعتمادكِ على نفسكِ، وصفكِ للماديات والحيوانات وحتى الزهور والألوان...كيف تعرفين كل هذا؟"
هزت كتفيها بإستلام وقالت طواعية:"أخبرتك لديّ ذاكرة جيدة أعتمد عليها"
قال بحذر شديد يخالطه الوقاحة ولكنها قد اعتادت على الصراحة معه والارتياح في الحديث حتى أصبحت فجاجته لا تزعجها:"ولكن أعني...أنتِ لم تشاهدي تلك الأشياء من الأساس"
رغم ادعائها الصمود وتفهم سؤاله لم تستطع أن تقاوم ذلك الألم العميق والحزن الذي صرخ من بين حروفها وهي تقول بشرود:"أنا لم أخبرك أبداً أنني لم أرى كل تلك الأشياء ولمستها وملأت عيني منها...قبل أن يتسبب أبي في حرماني من عيناي الى الأبد !!"
*************
في قاعة الجامعة الواسعة...كان يقف الأستاذ الخمسيني بكامل أناقته يرسم إبتسامة مهذبة مرحبة بمناقشة تلاميذه عن تلك النظرية التى كانت سبب في انقلاب حياته رأساً على عقب...
وقف أحد الطلاب يخبره مقاطعاً:"ولكن هذا الحديث يوصلنا لتعارض مع النظرية العلمية المسلم بها عن التاريخ الطبيعي لنشأة الكون والإنفجار الذي حدث في الكواكب حتى منحنا تلك الأرض...وتطوير الخلايا الحية حتى أصبحنا ما نحن عليه إنسان كامل يقف أمامك يناقش ويحاور رغم أنه لم يصل بعد لاستخدام حتى عشرة في المائة من استخدام عقله..."
وقف أستاذ علم الطبيعة والجيولوجيا من مكانه بهدوء يمشي أمام الحائط الضوئي ببطء ثم شرع في الرد الهادئ وهو يقول:"إن اعتمدنا على نظرية تشارلز داروين فقط هنا نلغي علم الباراسيكولوجي"
وقف أخر معارضاً وقال:"ولكن إن خضعنا لتفسير ما وراء الطبيعة هنا سنلغي النظرية العلمية البحتة وننخرط في دوامة الأديان دكتور"
إلتف الأستاذ الخمسيني يتأمل الفتاة العشرينية المحجبة! بغموض ثم أجاب بنفس الواجهة الهادئة:"من الأخطاء الشائعة تفسير أن العلم يتعارض مع الأديان...بل ما ثبت للباحث باستخدام عقله وتوغله في كلا الجانبين أنهما يلتقيان في نقطة ما..."
أخذت الفتاة هادئة الملامح نفساً مرتبكاً قبل أن تقول:"هل يمكنك الشرح أكثر؟"
إبتسم بمودة ثم قال:"هذا ما كنت في صدد شرحه دعيني أسألكِ هناك آية قرآنية في كتابه يقيم بها الله
"وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) أن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ"
توسعت عيني الفتاة بإرتباك أكثر متحيرة باستشهاد لم تتوقعه فأكمل هو:"لا تحتاجين لإخباركِ أن علم الفضاء الحديث أثبت ما جاء في تلك الآية منذ قرون (نجم ثاقب يملك موجات جذب تستطيع اختراق أي شيء أمامها ناهيك عن صوته الذي يشبه المطارق الكونية) أما إن تأملنا باقي الآية هنا فسنجد أيضاً أن ما أثبته العلماء أننا خلقنا من حيوانات منوية وبويضات تُخلق داخل جسد الأنثى وكلاهما يعبر عنهم العلماء"بالماء الدافق..."
قاطعه أحدهم:"نحن هنا لسنا في محاضرة عن دينها دكتور...وهذا لا يثبت شيء"
خبط على مكتبه في علامة على الوصول لنقطة ما ثم تقدم يجلس على طرف المكتب من الأمام بأريحية قبل أن يقول:
"بالطبع أنا لا أناقش دينها هنا...ولكن أثبت لكم أن الأديان لا تتعارض مع العلم ببساطة النظرية الكونية تخبرنا أن العالم كان كتلة كبيرة متشابكة إنفجرت لتشكل لنا مجرات، كواكب، نجوم وثقب أسود وكويكبات ثم كوكبنا هذا الذي اعتمدت النظرية أنه أتى أولاً ثم وجدت الخلايا الجزئية التي تطورت مع مر العصور لنُكون نحن البشر؟!
"كيف هذا يثبت أي شيء أنا فقدت الاتصال معك"قالها أحد طلابه مازحاً مدعياً الأغماء على حاسوبه
قال الأستاذ الخمسيني:"حسناً وأنا أيضاً كنت مثلك حتى كنت أحياناً أشعر بفقدان عقلي وأني أصبت بغباء من نوعٍ نادر..."
انطلقت همهمات ضاحكة على تعليقه وملامحه التي ادعت الرعب فإنتقل هو بسلاسة موضحاً:"وهنا عدنا لسر ذلك النقاش تحديداً العقل البشري وما هو قادر على تحقيقه...في الحقيقة إن سألتموني أنا فسأقول إني لا أؤمن أننا لا نستخدم بالفعل كامل قدراتنا العقلية بشكل فعال ولكن الأمر يختلف من قدرات شخص لأخر!
"وهذا يعني"عاد أحدهم يسأل بإهتمام...
رفع الأستاذ يده علامة أنه إكتفى ولا يريد المقاطعة وشرع في شرح نظريته العلمية:"قوة العقل لدينا لا تحتاج إلى أي مصدر خارجي أو مادي ليبدأ العقل في العمل...جميعنا أصبحنا في هذا القسم بالذات نعلم هذا...بأن العقل يبدأ استخدام قدراته الحقيقية عند خلق تواصل عصبي لزيادة قدرات الدماغ دون أن يزيد حجمه...وهنا لا يمكن انكار العلم الذي يقر أن عند ازياد الاشتباك في المستوى العصبي وإرسال السيالة العصبية بواسطة وسيط كيميائي يسمى الصباغ العصبي تبدأ تنشيط كل خلية في جسد الإنسان...وهنا تثبت مما لا شك فيه نظرية التطوير..."
"ومما أثبته العلم أيضاً أن كل هذا يرجع لطاقة كونية تتصل بها مرغمين أو مخيرين وتكون هي المسئول الأول عند بعض البشر للتوصل لتلك المادة الكيميائية التي تجعل البعض من حولنا يمتلكون قوة خارقة مثل تحريك الأشياء الوصول لنظرية علمية او اختراع شيء كنا نعتقد عدم إمكانية حدوثه...بالنهاية الطاقة الكونية أساس استمرارية الوجود ووجود الإنسان الذي يستمد منها تزايد في قدراته على التحكم في عقله..ومن هنا نستطيع أن نقول أن العقل لا يعمل كشيء مادي بل يخلف حرب بين النور والظلمة...النور يمثله عقل الإنسان الذي يتحرر من غيابات الجهل الممثلة في الظلمة وكلما ازداد النور بداخله وتحكمه في خلايا عقله ازداد اتساع النورانية بداخله لينكس الجهل تدريجياً وتقل الظلمة الى أن ينمحي الجهل تماما..."
رفع أحدهم يده مقاطعاً فسمح له بإشارة بسيطة من رأسه موافقاً:"ولكن هذا دكتور يؤكد نظرية تشارلز داروين"
أومأ له موافقة بسيطة ثم تابع بسلاسة:"أو يمحيها تماماً عزيزي...نظرية داروين تقول إن الإنسان أصله قرد طور استخدام دماغه واندمجت خلاياه وتقاسمت شاطرة المعلومات والبصمة الكيميائية بينهم...صحيح؟!"
أومأ جميعهم موافقين بينما بدا على بعضهم عدم الاقتناع والحيرة...
فأكمل هو:"إذاً السؤال البسيط والتافه هنا لماذا لم تطور باقي الحيوانات من نفسها؟ ولماذا يظل الإنسان أفضل تلك المخلوقات بما يمتلكه من عقل وتفكير ساعده على التطور عبر قرون والاستمرارية؟ دعنا نتفق أن الإنسان هو من يملك تلك النورانية التي أخبرتك عنها منذ دقائق!"
"إذاً الإنسان هو الوحيد الذي يمتلك قدرة على التكيف وباستطاعته تطوير نفسه حتى يستخدم قدرات أكبر من مساحته الدماغية!
أطلق الأستاذ نفساً عميقاً قبل أن يقول:"الأن نحن نقف على أرض محايدة وأستطيع إجابتك بموضوعية...
.....................بعد وقت

كانت تهرول تقريباً وراءه وهي تلملم في أشيائها المبعثرة حسابها هاتفها جهاز التسجيل الصغير وتلك الكتب الكثيرة التي لا تستغني عنها حتى هنا في دولة السويد...'
"دكتور.من فضلك هل لي بسؤال؟!"
توقف واستدار إليها مبتسماً يتأملها بتلك النظرة الغامضة التي تربكها قبل أن يقول:"وأخيراً...استطعتِ التغلب على خجلكِ"
ارتبكت السمراء العربية وهي تقول بصوت خفيض حريص:"هل هل كنت تعلم أني أريد الحديث معك؟!"
ابتلع ريقه وطيف إنكسار مرير محير يمر في عينيه الخضروايين:"نعم كنت أراهن نفسي على هذا"
عبست دون أن تأخذها الكلمة على حين غرة ثم استجمعت شجاعتها لتقول دفعة واحدة دون التفاف:
"أنت أستاذ تاريخ طبيعي وجيولوجيا في بلد أوروبي (عفواً لوقاحتي) ويبدو من اسمك وهيئتك وطريقتك أنك لا تؤمن بدين معين...فلما تتعمد دائماً الاستشهاد بآيات قرآنية؟
لصدمتها انمحى كل الهدوء من على وجه الأستاذ البشوش وبان التوتر الشديد المصاحب للغضب على ملامحه وبدا أنه بوغت بذكرى ما صفعته دون رحمة فتمتمت:"أنا آسفة حقاً لقد تعديت حدودي"
"لا" صرخها تقريبا عندما همت بالانسحاب مما جلب أنظار الطلبة نحوهما...لصدمتها التالية نطق بلغة عربية فصحى شديدة الدقة:"ما اسمكِ ومن أي بلد أنتِ وما عمركِ تحديداً؟"
حدقت فيه بخوف قبل أن تقول مرتجفة"كل معلوماتي لديك دكتور ولكن أنا أحمل الجنسية السويدية لذا ليس من حقك أن تعرف أصولي؟!"
حاول السيطرة على نفسه عبثاً ثم قال بترقب"على الأقل أخبريني عمركِ الحقيقي"
قالت على الفور:"عشرون عام "
أغمض عينيه بقوة وبان الألم المبرح على وجه الذي شعرت أنه كبر في لحظة لمِائَتَي عام ...من المؤلم أنك كلما ظننت أنك أمسكت خيط تجده مجرد وهم مكون من ظلال السراب...
"أنا آسفة دكتور هابر...لقد اهتممت بالمعرفة دون أن ألتفت لمساحة الآخرين "نطقتها مرتبكة وهي تنسحب من أمامه...
....................
دخل جوشوا مكتبه وأغلق الباب وراءه برتابة قبل أن يلقي بحمله كله عليه ويغطي وجهه بكلا كفيه تاركاً لعقله حرية البحث عن السيالة العصبية...ليس لتطوير قدراته الدماغية بل للابتعاد عن منطقته النورية والغرق في منطقة الجهل المظلمة...
........................
"كيف أحببتك؟ كيف خُدِعت فيك؟ لن أسامحك أبداً أبداً جوش...ستدفع ثمن كل هذا من دمك وقلبك بل من عمرك كله كما دمرتني!"
إنسحب من على الفراش تاركها هناك مكومة دون حول ولا قوة...جسده كله ينتفض رهبة شاعراً بالإشمئزاز، بالصدمة بالبرودة في كل أطرافه العصبية ...ما الذي فعله؟ ما الذي دفعه جنونها وعنادها لفعله؟ ارتدى ملابسه بينما ينظر لها بجمود مخالفاً تماماً لحربه التي يعيشها متأرجحاً بين فكي الرحى بين الظلمة المتوحشة وبين ذلك النور الذي بحث عنه فيها...
"لا يهم تهديدكِ...طالما تركت أثري المطلوب فيكِ...أرجو أن يكون وصلكِ أنكِ في كل الأحوال ملكي...وأنتِ من لديها حرية الاختيار بين دور الزوجة أو العشيقة؟"
كان الجنون يتلبسها والشعور بالعار، بالظلم، بفقدان السيطرة وهي تهتف فيه بحقد أعماها:"زوجة لمن لك أنت؟ أنت مجرد رجل كااااافر.كاااافر ليس لديك دين ولا ملة لا تعرف عن رب الكون شيء...أنا لستُ ملكك أنا هنا مجرد امرأة محتجزة من عنصري مختل!"
قاوم نفسه ألا يذهب إليها يهزها بعنف بقسوة علها تستفق مما هي فيه وهو يصرخ بجنون ماثل جنونها:"ومن أنتِ لتحكمي بكفري من عدمه؟ هل عينكِ ربكِ خليفة في الأرض بدلاً عنه تكفرين من تريدين وتحكمين بجنته وناره لمن تحبين؟ لقد قال في كتابكِ إن رددت مثلكِ أنكِ ستكونين زوجتي...وأنا فعلت ولن أتنازل عن حقي وابني فيكِ!؟
حدقت فيه بعينين مجنونتين منفعلتين ثم قالت دون ذرة تفكير:"ابنك...عن أي ابن تتحدث لقد. لقد أجهضته؟"
للحظات لم يستوعب هذيانها...ثم بالتدريج شعر بالمرارة والآسى يحتلون روحه ما الذي ورط نفسه فيه ومع من؟!!!"عندما تقررين الكذب فكري جيداً...لقد تركتك لتوي وأنا على يقين أنك لا تعانين من أي أنواع نزيف أو أعراض للإجهاض؟!"
ظلت تحدق فيه لدقائق طويلة متذكرة كل لحظة عشق ظنت أنها أسطورية عاشتها معه ثم وصلت ذاكرتها لانكشاف وجهه الحقيقي المخادع...لم تستطع أن تقاوم أكثر فدفنت وجهها في كفيها وانفجرت في بكاء عنيف خلع معه قلبه...
اندفع هو الأخر ووصل إليها محاولاً بيأس أن يحاوطها فدفعته عنها بشراسة حتى أصابت ذراعيه بأظافرها خادشة جلده... قاومته لثوانٍ بسيطة أخرى واستطاع أن يكبلها حتى انهارت على صدره وانخرطت في بكاء مرير متقطع يحرك الحجر الصوان إن سمعه"حررني...إن أحببتني كما إدعيت يوماً أطلق سراحي"
شفتيه دفنت في شعرها الأسود الغزير ودون أن يشعر كان يبكي معها ناعياً حباً قد ضاع بسبب تخبطه وغبائه:"لا أستطيع بعد أن حاربت الدنيا لامتلاككِ"
أغمضت عينيها باستسلام... لا فائدة يجب أن تجد حيلة ما لتنفذ اختيارها الأخير وإلا لن يبقى أمامها بديل أخر إلا الموت...حركت رأسها على صدره ظن أنه استسلام أخير أو موافقة ثم قالت بنبرة متحشرجة احتلتها الحسرة واللوم:"أتعلم ما جريمتك الحقيقة دكتور هابر؟"
لم يرد ضاممها إليه مكتفيا بلحظة سلام ظنها بغباء تاركاً لها حرية اللوم والعتاب طالما سلمت له أخيراً بعد حرب شنعاء استمرت لشهور طويلة
"الإنسان بطبعة كنود اعمى البصيرة !، يهتم بامتلاك الشيء أكثر من اهتمامه بأن يكون الشيء نفسه؟!
*****************
وقف خالد أمام باب الشقة التي تبدو من خلال بوابتها الحديدية والكاميرات المثبتة عالية التقنية فارهة محصنة وكأن صاحبها يرتعب من مجرد فكرة عبور أحدهم لكنز ثمين يقع خلف أسوارها!
"تبدو مرتبكاً"همستها بمعاكسة ممتعة عابثة
تصنع الجفاء والحزم وهو يقول:"كله من إلحاحكِ مالي أنا ومال رغباتكِ الحشرية"
عبث وجهها وكورت فمها بحركة غاضبة طفولية معتادة وقالت:"إلحاحي أم عصبيتك وهمجيتك معي بالأمس لولا فعلتك لكنت أنا وأنت تعرفنا عليها بالحفل دون الحاجة لاقتحام هذا السجن المرفه ترى ما الذي يحدث هنا ويخفيه الرجل الكبير. اممم"
عينيها الفضولية لمعت كألف نجمة وكأنها تستعد لخوض مغامرة ما
"توقفي عن حشر أنفكِ في شئون الأخرين نحن هنا للتعرف على الأخت الجديدة الغامضة"
تقدمت سَبنتي بسعادة وهي تصفق بيديها ثم قالت:
"لا تبدو غامضة بل مدللة عسلية أشبه بشكولاتة بيضاء ذائبة!"
"وصف رائع وجديد في الحقيقة سوف تسعد به المدللة ولكن من أنتما؟!"
تجمدت سَبنتي مكانها وغزيرياً تقدمت ببطء حتى حشرت نفسها بين ذراع خالد وجانبه الأيمن مما سبب له هو ارتباك متعاظم جعله ينفرها لا إراديا مبتعداً عنها متمتماً بإستغفار داخلي صامت...تناست المرأة التي وراءها وبرقت عيناها بدموع لوم واستعطاف مما جعله يمد كفه بتردد ثم حسم قراره وقبض على يدها بشدة و استدار مواجهاً المرأة بينما قال بتأني متزن:"أنا خالد الراوي أخيها؟!
قبل أن ترد إسراء بشيء كان باب المنزل يفتح أخيراً بتردد وأطلت منه مريم بملامح رسمت الصراع الذي كانت تعيش فيه...قبل أن تسمح لنفسها بفتح الباب لهم:"إسراء أنتِ هنا أخيراً..لقد جات بالوقت المناسب !"
رفع خالد حاجبيه ثم إستدار يتأملها وقال ببداهة:"العذر منكِ يبدو أني اقتحمت منزلكِ دون رغبة منكِ"
لم تقل شيئاً لدقائق ولكنها سمحت لنفسها بفتح الباب علامة على الترحيب بهما ثم قالت بارتباك:"آسفة ولكن لستُ جيدة بالترحيب بالأشخاص خاصة عندما يقف رجل غريب يزعم أنه أخي...أنا. أنا لا أجيد تقبل الأخوة خاصة من الرجال!"
نظر إليها بحيرة حسناً معتوهة أخرى...الأن بات على يقين لا يحتمل الشك ولا التأويل أن من أمامه أخته من لحمه ودمه نفس الجينات المجنونة لبنات الراوي"
"أنتِ حلوة.حلوة جداً.أجمل من الأمس"
عبست إسراء قبل أن تشير بعنجهية:"أنتِ ما مشكلتكِ مع الحلى؟ أليس لديكِ كلمات أخرى تصفين ترحيبكِ بها أو حماسكِ للتعرف عليها؟"
هزت سَبنتي كتفيها ثم مر بريق متسلي في عينيها علم خالد أن وراءه كارثة لم تتأخر كثيراً وهي تقول:
"وأنتِ ما مشكلتكِ مع إعلاني هذا؟ أهي غيرة لأنكِ لا تملكين أية مقومات جمالية خاصة مع تضخم بطنكِ المضحك والمثير للريبة؟"
"عفواً من تلك؟"سألت إسراء بغيظ
هزت مريم رأسها بجهل وقلة حيلة بينما شدد خالد على كفها في علامة تحذير أن تخرس والتفت لمريم مرة أخرى ماداً يده بسلام وهو يقول:
"لم تتح لي فرصة من قبل...هل يمكن أن تمنحيني فرصة للتعرف عليكِ وتتقبلي وجودي؟"
ظلت لدقائق في صراع خفي تنطر ليده الممدوة بارتباك وكأنها لا تنوي أبداً منحه هذا الشرف أليس هذا في النهاية ابن لأبيها البشع؟ وما الولد إلا سرٌ لأبيه!!
.......
انتهى
قراءة سعيدة :7R_001:



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 23-10-19 الساعة 07:32 PM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:44 PM   #55

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

[SIZE="6"]بسم الله الرحمن الرحيم ..
الفصل الثالث:
دقائق قليلة استغرقتها ولكنها شعرت أنها مرت كدهرٍ كامل...كانت تتلفت يميناً ويساراً بقلق وهي تدفعه أمامها في الممر الطويل والضيق الذي يؤدي الى باب الطؤارى مباشرةً...قالت مخاطبة إياه: "من هنا نستطيع مغادرة قسم العظام لنصل الى القسم المخصص للأطفال هناك لا يوجد حراسة ولا حتى كاميرات مراقبة، بعدها نستطيع استخدام المصعد والهبوط الى البهو الكبير للمشفى"
رفع ممدوح كفيه يداري وجهه بغطاء الرأس المتصل بسترته الثقيلة حتى لا تلتقطه إحدى الكاميرات أو يتعرف عليهما أحد ثم ما لبث أن قال بإختناق:
"وكم مرت عليّ مآسي ولكن لم أتخيل يوماً أن يتدهور بي الحال للهرب حتى أظفر بحريتي "
كان التوتر يغمرها بالفعل وهي تُخرِج تصريحها الممغنط لتضعه على الماسح الضوئي للمصعد المخصص للعاملين نظراً لعدم وجود كاميرات مراقبة فيه...دفعته أمامها قبل أن تقول أخيراً بنبرة مظلمة:
"بضعة دقائق لا تُعَد شيئاً يا ممدوح فهناك أناس لا يبالون بحريتهم ولا كرامتهم مقابل غطاء يُدفئهم في ليالي الشتاء القارصة ويدفعون من دمائهم ثمناً لحفنة من الحبوب لتغذي صغارهم!"
رفع ممدوح وجهه الشاحب يتأمل لون الحداد في عينيها ولأول مرة في عمره البائس يشعر بالفضول والاهتمام بل وربما الرهبة والخوف على أحدهم:"هناك جزءٌ ضعيف داخل نفسي أحاول وأده الأن يخبرني ألا أجازف بكِ وأغادر فما ذنبكِ لتدفعي ثمن مصائبي؟ إن إكتشفوا فعلتكِ ستخسرين كل شيء"
كلماته رغم بساطتها ومحاولته المستميتة لنفي شعوره نحوها إجتذبت الدموع لعينيها...أخفضت رأسها ويدها رغماً عنها تزحف لتلمس كتفيه حتى استطاعت أن تُشدِد عليها بأناملها ثم قالت: "أخبرتك من قبل أنك تُذكرني به...لقد حاول بكل استطاعته إصلاح الجرم الذي قام به في حقهم! ولكن لم يمنحه أحدهم الفرصة لذا أنا سأفعل أي شيء أي شيء لأمنحك أنت ما لم يحصل هوعليه "
كان المصعد قد وصل للدور الأرضي وفُتٍح بابه جاعلاً كليهما ينتبهان للموقف الذي هم فيه...ابتلعت لوسيرو ريقها الجاف قبل أن تقول موضحةً:
"أستطيع الأن إخبارك أنك في أمان بالبهو الكبير لا أحد ينتبه لكرسيٍ متحركٍ فيه كما أن صورتك لم تُعمم بعد لمنعك من الخروج من هنا...الباب الرئيسي على بعد ممرين ، عندما تعبره ستكون بالخارج أخيراً وهناك لن يستطع أحد التعدي على حقوقك"
تحرك ممدوح من أمامها معتمداً على نفسه بإستخدام يده خارجاً من المصعد ثم ألتف ليصبح في مواجهتها...وقعت عينيه في عينيها وابتلع ريقه وهو يقول بنبرة دلت على عدم اتزانه وضياعه وخوفه من مجهولٍ ينتظره:"شكراً لكِ ووداعاً "
ارتجف قلب لوسيرو بين أضلعها قبل أن تقول مرتعشة: "لا تعاند نفسك ارجوك...قدم شيئاً واحداً جيداً في حياتك وأذهب للعنوان الذي دسسته في جيبك"
هز رأسه رافضاً ثم قال بنبرة مكتومة: "لن أفعل أبداً...لقد أذيتكِ بما يكفي وأنتِ منحتني ما يجعلني أرفض أن أقترب منكِ...فمن مثلي إن فتحتِ له الباب لن يتوقف حتى يسرق روحكِ ويسلبكِ حياتكِ ...تارككِ بألمٍ أبداً لن يزول"
للغرابة وجدها تبتسم بينما دمعة حائرة تتعلق في أهدابها رافضة الهبوط ثم قالت أخيراً: "وأنا أخبرك أنك لن تفعل إذ أني مجرد بقايا لإنسانية قد غُدِرَت وروح حرة وئِدت...مجرد شبح لطفلة كبرت بعد أن سُلِبت منها سنوات عمرها البريئة"
لمحت تصلب جسده كأنه يقاوم ارتعاشه متمنياً بداخله ألا تهبط دمعة أخرى من عينيه أمامها ثم قال بتخبط:"ربما أقبل بعرضكِ هذا عندما يتوقف قلبي عن البكاء"
ودون إنتظار رد أخر كان يستدير بكرسيه المدولب ويضغط على أزراره مسرعاً تاركها هناك في المصعد الذي سمحت لبابه أن يُغلق أخيراً وجسدها ينهار مستنداً على حائطه بينما عينيها تراقب غروبه عنها وهي تشعر بأنه منحها ألماً فوق آلامها التي تنمو بداخلها على أطلال من الأحزان هامسة:"بل قلبي أنا يا ممدوح الذي ينوح مقيماً رثاءاً على من غربوا ولن يعودوا أبداً وهذا ما نبرع فيه أنا وهم ...النواح والرثاء على أمجادٍ وعزة سرقها الكلاب"
.............
بعد دقائق لم تكن أبداً لوسيرو مستعدة للعودة ومواجهة ما اقترفته يداها فصعدت لسطح المشفى لتنزوي في بقعة غير مرئية سامحة لذكرياتها بالتحرر وهي يقظة جاعلةً عقلها يغوص هناك في منطقتها المظلمة مخترقةً ذلك الغشاء الرقيق الذي بنته منذ سبعة عشر عاماً لتتدفق ذكرياتها المؤلمة التي تنحرها نحراً وهي حية ...منتقلة هناك لساحة حرب غاشمة لمعتدي آثم لم يعرف معنى الإنسانية بل مجرد حيوانات ضارية هدموا الوطن وقتلوا الولد وسرقوا الكبد...صراخ يصُم أذنيها جنود من حثالة البشر ينتهكون العرض ويدهسون بأقدامهم الجد والجدة...يعدمون الخال والعم ويغتصبون أمام أعينها أجساداً فَتِيّة ؟!
هبطت على الجدار ببطءٍ مرير بينما عينيها تذرف أنهاراً من الدموع تتدفق غير قادرة على منعها... كممت يديها فمها مانعةً صرخة مدوية تريد الخروج علها تُخرج الصديد المخلوط بالمر والعلقم الذي ظل معلقاً في قلبها...كان جسدها يهتز للأمام والخلف برهبة هامسة بداخلها:"لا أريد التذكر لا أريد رؤية لحمهم الممزق أمامي...لا لقد تَخلصتُ من رائحة أشلاءهم التي احترقت لتغطي على جرائم الكلاب منذ زمن "
ولكن منذ متى نستطيع منع الذاكرة التي توهمنا بالنسيان من نبش مخالبها وغرس أنيابها في صدورنا...
انتقلت ذاكرتها بسلاسة عجيبة لمشهد آخر...
صحراء خاوية مترامية الأطراف فَزِعَ إليها جموع من البشر هاربين من الجحيم بعينه...يجرون أنفسهم جراً فيها مهدلين الأكتاف مكسوري الهامة وحاملي فوق ظهورهم العار...مطرودين من عزة قد كانت وبعضِ من مُدعيِ الإنسانية المتاجرين بالقضية يستقبلوهم هناك واعدين إياهم بالكثير! بالأكاذيب والافتراء ...ثم ودون تفكير يرمون إياهم في خيام اللاجئين !! تحت مسمى ستر والمصطلح الصحيح هو مزيد من القتل والهتك!
لم تكن تُدرِك أن شهقتها أفلتت متعدية الحد وهي تتذكر بشاعة ما عاشت من جوعٍ وأمراضٍ... بردٍ قارص وعجزٍ يكبل الكبار الذين يدفنون أولادهم وذويهم على بعد إنشات من تلك الخرق البالية التي تسترهم وتُدعى مخيمات!
"لا أريد التذكر يكفي... يكفي"ولكن هيهات
تفشت بينهم الأمراض ...
"لا أريد التذكر قُلتُ يكفي... يكفي"ولكن هيهات ؟!
ليت الأمر توقف عند ذلك الحد...فيا ليت مصائبهم وأدتهم هناك أحياءاً ولم يأتوا إلى هنا لتتعرض هي وهم لمزيدٍ من الغدر...لكثيرٍ من التمزق والهتك!
"سامحك الله يا أيوب أينما تكون لولا أنت ولولا روعنتك وضياعك ما كنت ذبحت البقية منا...سماحك الله وغفر لك لأني أنا لن أفعل حتى أجد حماماتي وصقري"
..................................
هبطت أخيراً عائدة لموقعها في المشفى برباطة جأش وكانت قد تخلصت من دموعها وأعادت ذلك الغشاء الرقيق ناصبة إياه بإصرار حتى تمنع نفسها من الغوص في ذلك البئر المظلم...إبتسامة ثقيلة غير مبالية، خطوات متصنعة واثقة بتمايُل يماثل ما يصفوها به "المكسيكية المغوية"
هكذا ببساطة كانت لوسيرو ليو أنخيل تعود...أو هكذا اعتقدت عندما ظهر أمامها تجمع الممرضين أمام غرفته وصراخ روجر المكتوم أمراً إياهم بالبحث في كل شبر...اقتربت مدعيةً الجهل وهي تقول: "ماذا هناك هل حدث مكروه للمريض؟؟"
كان جنوناً ما رأته يتراقص في عيني الرجل الخمسيني وهو يتقدم نحوها كالطلقة وبمنتهى الغوغائية التي تعلم أنها متأصلة فيهم كان يمسك بذراعها يجذبه بقسوة جاعلاً إياها تطلق صرخة ألم مكتومة ثم قال:
"أنتِ لا أحد غيركِ من فعلها...أعدكِ أني سوف أحطمكِ"
............................................
كان الوقت متأخراً جداً لحظة خروجه من المشفى وهو يدفع كرسيه بأقصى درجة على الممر المنزلق للشوارع الرئيسية وكأن العفاريت تطارده...يحرك عجلات كرسيه بيديه تارةً ويستخدم تلك الأزرار تارةً أخرى...حتى شعر أنه ابتعد مسافة كافية فبحث بعينيه عن أحدى محطات الناقلات العامة التي يعلم أنها تنتشر في جميع أرجاء الولاية بضعة دقائق وكان يصل أحدهم ...فتح السائق فور رؤيته تلك الدُعامات الخاصة لمن في حالاته فركب على الفور غير مفكراً أو مهتماً إلى أين وجهته...ساعة أو ربما أكثر أخذ يتنقل به بين أرجاء المدينة حتى وصل لمحطته الأخيرة لمدينة أخرى غير مدينته...هبط منها بملامح مغلقة شاعراً بالضياع والتشتت...أخذ يتنقل على الأرصفة بكرسيه حتى هبطت عزيمته وتعب جسده أخيراً فبحث بعينيه عن أحد الأزقة المظلمة والتي يعلم أنها تمتلئ بالمشردين والذي يبدو أنه أصبح واحداً منهم...
عندما وجد مكاناً خالى أخيراً تنفس بحرقة مصدوماً بما آل إليه حاله بسبب عناده وتجبره، غبائه ورعونته
منذ أن كان مجرد طفلٍ نزعوه من أحضان أمه، طفلاً لم تتعدى أعوامه وقتها التسع سنوات ليرى كل أنواع القهر والذل اللذان تعرضت لهم والدته من والدٍ دنيء وامرأة دخلت منزلهم تتلون كالأفعى حتى حصلت على كل شيء...ليس حصولها على ذلك الضعيف الذليل الذي كسر معنى الرجولة في عينيه ولكنها سلبتهم أهم ما قد يحصل عليه إنسان آدميته! تلك الحقيرة القذرة ليته ملك من الشجاعة ما مكنه من قتلها بيديه العاريتين...ليته استطاع أن يذيقها كل أنواع الذل والإنكسار... ليته وليته فعل الكثير وأخرج ذلك الغل والقهر الذي يعبيء صدره ...
تلك الحقيرة الدنيئة لم تتوقف عن تشويه طفولتهم وكسر أحلامهم وبخ سمومها ليُطرد من منزل أبيه وهو مجرد فتى مراهق بأكاذيبها ...تلك المريضة التي كانت تتلذذ بإخباره أنه مجرد شاذ ضعيف يشبه أمه...وأنه مجرد امرأة يخبئها تحت مظهره الرجولي ...
كان الغضب في تلك اللحظة ضارياً ينهشه بحرقة مدمراً إياه كلوحٍ زجاجي يتصدع ليقع مخلفاً صريراً يصم أذنيه محولا إياه لشظايا منثورة...
تباً لا يريد التذكر...لا يريد أن يرى تلك العينين الطفولية التي تتحايل وتتذلل ليبتعدعنها...لم يكن الأمر بيده لقد كان ممتعاً حد الألم شافياً لروحه حد الوجع...لم يكن يدرك أن أظافرة كانت تخدش باطن يده الأخرى مدمية إياها وهو يقول بغل باصقاً حروفه:
"لم تكن البداية لديّ يا شبيهتها هي من أعطتني السلاح الذي أطعنكِ به لكي أتشفى منكما...هى من منحتني العلاج بأول مرة رأيت فيها رعبها وذلها في عينيها"
.................
لقد كان مجرد شاب في العشرينيات من عمره عندما بدأ مع مريم كل شيء...كان يمقتها يكرهها يتمنى اختفاءها من حياتهم وربما قتلها مثلما حلم كل ليلة بفصل رأس فريال عن جسدها ولكنه لم يتخيل يوماً أن يجد متعته في تحطيمها عبر لمسه لجسدها البض، عبر محاولاته المستميتة لتلويثها لتحويلها لعاهرة صغرى كما كبيرتها...
أغمض عينيه مستمتعاً جداً بنشوى مازلت تغمر روحه متذكراً بداية الانحدار والغوص في الوحل ...
.................
عندما دخل غرفته ليلاً بعد ليلة صاخبة كان قاصداً بها الغوص في المزيد من القذارة ربما ينسى لبضعة ساعات حياته بل وحروف اسمه كما تعود منذ أن دخل الجامعة...
وجد الأفعى تتلوى هناك تُقلب بين أشيائه باحثةً عن ضالتها كما إعتادت إخباره...خرج صوته بوحشية مهاجماً:
"ما الذي تفعلينه هنا؟ "
لم تبالي بملامحه التي تلبسها الإجرام وهي تطلق ضحكة قصيرة ساخرة ثم قالت ببرود:"أبحث عن دليل أنوثتك...ربما أمنح ذلك الأحمق المدعي الحمائية أو أبوك ما يدفعهم لقتلك أو طردك من هنا "
تجمد وجهه للاتهام الفج والصريح والذي لم تتوقف يوماً عن نعته به ...ثم قست عيناه الخضراوان وهو يقول بنبرة قاتمة:
"حذرتكِ أني لم أعد أبالي...من الأفضل لكِ أن تبتعدي عن طريقي يا عاهرة"
جسدها القصير انتفض بينما خُيل إليه أن شعرها المصبوغ بالأحمر القاني وقف مكانه ليمنحها هالة أشبه بتلك الأشباح المرعبة وهي تهتف وكأنها تبصق حروفها: "لا عاهرة هنا غيرك أنا أعلم أنك لست برجلٍ أبداً وكل سهراتك تلك تقضيها مع الشواذ مثلك ...ضعيف غبي!
وكأنها قاصدة أن تنفخ في النار لتخرج مارد غضبه عندما تقدم مغلقاً باب غرفته بالمفتاح...ثم قال بنبرة إجرامية:
"أعرف ما تحاولين فعله...تدفعيني لإرتكاب جُرمٍ بكِ حتى يحرمني من كل شيء ولكن غاب عن عقلكِ الدنيء أني لا أبالي حقاً بما يفعله خيال الظل زوجكِ "
أطلقت ضحكة رقيعة جافة غير مبالية بما يفعل أو يقول وكأنها تعرف يقيناً أنه أجبن من أن ينفذ تهديده: "كما يعلم أنك مريضٌ نفسي وأن تلك الوضيعة الأجنبية المسماة أمك قد شوهت روحك ...أنا أعلم أنك لست سوى ضعيف لا تساوي شيئاً بين البشر ...أنت مجرد "نملة "يا ممدوح سوف أدعسها قريبا كما دعست بحذائي مولي قبلاً"
"إلا هي...قد أسمح بكل شيء إلا أن تأتي بذكرها يا وضيعة "
لم يدرك أنه كان يصرخ بها بينما يديه إمتدت لتقبض على عنق فريال بقسوة وبعنف جاعلاً عيناها تجحظ بصدمة ويديها ارتفعت تخدش يديه مقاومة إياه ومحاولة الإفلات من تحت جنونه الذي بُعِث وكأن كل الشياطين تلبثته...حاولت الصراخ مستنجده بالنيام ولكنه كان أكثر وعياً وهو يضع قدمه تحت قدميها ويدفعها للوراء معرقلاً إياها لتقع على أرض غرفته مصدرةٌ صوتاً مكتوماً...كان فوقها وإحدى يديه تخنق عنقها والأخرى تكمم فمها...كان يشعر بنشوه غريبة اجتاحت جسده فأخفض نظره نحو عينيها المرتعبة وهو يقول بصوتٍ جمد الدماء في عروقها: "ما الذي يمنعني الأن من دق عنقكِ ؟ فبشاهدتكِ أنتِ أنا مجرد مختل ومريض يحتاج للعلاج ...أي بتقريرٍ بسيط لن أسجن حتى يومين ...على كل حال تعلمين أن إيهاب لن يتركني بل سيكون ممنون لتنظيفي العائلة منكِ "
شحب وجهها حتى استحال للون الكفن بينما تحدق فيه بصدمة أخرستها حتى وجسدها تحته مازال يقاومه للإفلات منه...لقد كان غارقاً في النشوة مستبداً حد الجنون وبدا قادراً على فعل أي شيء في سبيل الإنتقام منها أخيراً ...
لمع ذلك الطيف المجنون في خضار عينيه ثم قال بجمود مزقها:
"أو ربما هناك عرض أكثر متعة...ما رأيك أن أثبت لكِ بالدليل الذي لا يحمل الجدل أني رجلٌ أكثر مما تظنين؟ وما الذي قد يكسر أي امرأة إلا انتهاكها؟ أعتقد حتى حقيرة مثلكِ سيتركها هذا حطاماً"
تلك النظرة في عينيها كانت أبلغ رد...لقد كانت مرتعبة حقاً ذليلة منكسرة لأولِ مرة...نظرة جعلت ساديته تجتاحه وشرور نفسه تتقد أخيراً، نظرة طببت جزءاً من روحه ... يديه تسللت ببطئ رتيب قاتل يتلمس في مفاتنها بينما هي هناك تنتفض ذعراً متوسلة إياه التوقف ان لا يفعل....
دفعها أخيراً من تحته بقرف فتدحرجت برهبة غير قادرة على الوقوف أو مواجهته لقد كانت ترتجف رعباً صامتة كمداً وبدت غير قادرة على موازنة نفسها ...
فقال باشمئزازٍ ساخر:
"المؤسف أن نفسي المريضة تعف عن لمس من مثلكِ حتى وإن كان بدافع الانتقام ولكني سأجد علاجاً لهذا"
ورغم خروجها مهرولة تتخبط على الجدران ورغم ترتيبها بعد يومٍ واحد لطرده من المنزل بحجة واهية كالمعتاد غير قادره على البوح بما كان ....فعند عودته كان قد وجد البديل المناسب...البديل الذي كان تحت مسمى أخته...تلك الفتاة التي كانت تعني له أكثر ما قد اكتشفه أحدهم يوماً !!
...................................
كان التوتر المخالط للترقب هو ما يسود جلستهم منذ ساعة أو أكثر، لقد تحججت بضع مرات باطعام صغيريها النائمين بالفعل...ومرة أخرى إنتظار إيهاب...تاركة لإسراء مهمة إجراء حوار لبق مع المسمى أخيها !! لقد حدثتها عنه زوجة المدعوأبيها كثيراً واصفةً إياه ومتفاخرةً به...مؤكدة لها أنها ستتقبله وتحبه لتعرف معنى أن يكون لها أخاً من دمها حامياً وسنداً! ولكن كيف لها أن تقتنع برأي أي مخلوق؟ إنها لم تكن قد تقبلت ذلك الياسر في حياتها من الأساس فيكف ستتقبل خالد الراوي؟!!
كما أنها على كل حال لم تلتفت لتلك الشعارات التي رددتها منى فأي سند وأي أخ تحتاجه وهي لديها كل صفات الرجولة التي قد تبحث عنها متمثلة في شخصٍ واحد فقط"إيهاب"
"اشتقت إليك ألا تكفيك تلك الحجة لتهرع إليّ في الحال؟!"
ابتسم على الطرف الآخر من الهاتف ثم قال بمداعبة: "أنتِ لا تحتاجين لحجج لآتي إليك راكباً الريح صغيرتي "
ابتسمت أخيراً ثم قالت برقتها المهلكة:"بل تعال في سيارتك متمهلاً فأنت تعلم أني أخاف عليك من أيةِ مخاطرة يا روح مريم "
اطمئن أنها هدأت من توترها أخيراً فقال ببساطة:"حسناً صغيرتي سأكون مطيعاً من تلك الناحية! ولكن أريد منكِ تضحية كبيرة جداً من أجلي "
فهمته دون حاجته للتوضيح فقالت:"ولكن أنا لن أستطيع فعل ذلك وحدي أريدك بجانبي"
أتتها أنفاسه التي أخذها بعمق قبل أن يقول موضحاً :
"بعض المواقف لابد أن تخوضيها وحدكِ محاربة فيها نفسكِ القديمة...مقاومة إياها بتفكيرها...متقبلة روحها دون الرجوع إليّ ...وذلك الشاب الذي يجلس بالخارج أحد هذه المواقف!"
عادت للتوتر وهي تقول بإختناق وتردد: "لا أستطيع ...لا أستطيع لقد حاولت من قبل وأنت تعرف"
أتاها صوته الحازم صارماً: "مريم، لقد أتى أخوكِ يقف على باب بيتكِ ماداً يده بالسلام ...فاتحاً ذراعيه ليعرفكِ مُتَفهِماً ومُتَقبِلاً إياكِ... ليس له ذنب في تاريخكِ مع أبيكِ أو معي"
اعترضت: "لا تقارن نفسك بأحد"
قال بسلاسة: "دعينا لا ننكر أن تجربتكِ في عائلة زيدان هي ما تضع ذلك الحائل بينكِ وبين التفاعل مع البشر خاصةً الرجال منهم"
وكأنها عاجزة عن التعبير عما بداخلها حقاً أو الإقرار وتأكيد حقيقة ما يقوله فقالت بإرتباك:"حسناً ربما هذا سبب ولكن... إيهاب أرجوك لا تضع نفسك يوماً في مقارنة مع أي بشر "
كللت شفتيه إبتسامة حنان وهو يقول بنبرة رخيمة:"أنا لا أفعل صغيرتي...وكم يؤسفني ما سوف أخبركِ إياه الأن ولكن أريدكِ أن تتحرري بالفعل وأن تعتمدي على ذاتكِ...أن لا تنتظري من أحدهم أن يقرر عنكِ خطوط حياتكِ...ألا تكوني تابعة حتى وإن كان لي بل كيان منفصل يعرف ما يريده ويتبع عقله وتفكيره المستقل"
"هل...هل تعتقد أن هذا الوقت المناسب لمناقشة ما تقوله ؟!"
أخذ نفساً ثقيلاً آخر وأجاب:"الوصول إلى بناء مريم المستقلة التي نسعى له يبدأ بأصغر الأشياء وأصعبها كالموقف الذي وضِعتِ فيه الأن صغيرتي"
عم الصمت لدقائق أخرى فقط أنفاسها المنتظمة تأتيه تِبَاعاَ ثم قالت أخيراً بهدوء صدمه: "حسناً...قد أحاول وأتبع عقلي"
عبس لدقيقة مفكراً قبل أن يقول مقدماً مصلحتها كالعادة أولاً:"إذاً أخرجي الأن من مخبئكِ وقابلي ضيوفكِ بما يليق بكِ وبي "
أومأت وكأنه يراها ثم قالت: "سأغلق الأن وأذهب إليهم "
همس بتملك قبل أن تغلق الخط وكأنه تراجع عن كل هذا الدفع الذي كان يقوم به: "ناعمتي"
لمع بريق عينيها في ثوانٍ وهي تجيبه بنعومة مُهلِكة: "بيبي "
انطلقت ضحكاته بقوة غير مبالي بالسائق الذي يستخدمه منذ حادثته فقط خضوعاً لطلب الناعمة المستبدة: "حبيبي يا مريم...حاااء حاااء ...صغيرتي تعلمي نطقها أنتِ تضيعين هيبتي"
تملكتها روح المشاكسة: "لا تقل إن الأمر يُزعجك...هل أذكرك كم مرة طلبت مني تكرارها بالأمس ؟!"
تنحنح بخشونة قبل أن يهمس :"طفلة شقية ، لن تنضج أبداً"
"أعرف...كما أعلم أنك تحبها بكل جنونها وشقاوتها وحتى قسوتها أحياناً"
قالتها بتلك الطريقة التي تدفع قلبه للخفقان بعنف وكأنه يجرب العشق معها لأول مرة... بل بالفعل هو يجرب معها معنى أن يكن على قيد الحياة مجرد بشر من حقه أن يفكر في سعادته وتأمين الأسرة السعيدة التي منحتها له صغيرته: "سأظل أحبكِ حتى تصطف جميع الكواكب و ينطفئ نور الشمس وينمحي أخر البشر من على وجه الأرض"
.................................
"يبدو أنها لا تريد مقابلتنا لكم خيبت آمالي وأنا من غزلت قصصاً خيالية في عقلي عن صداقتها معنا وانضمامها لتجمعات بنات الراوي! "قالتها سَبنتي بخيبة أمل...
جاعلةً خالد لا يتمالك نفسه راداً بسخرية هامساً:
"هذا على أي أساس؟ أنتِ تدفعين بنات الراوي لقتلكِ عبر هذه الالقاءت ؟!"
عقدت حاجبيها غضباً وهي تقول: "توقف عن إغاظتي!"
وضع فنجان القهوة على الطاولة زجاجية ثم أشار لها بوجهه علامة على المغادرة بينما يقول: "أنا فقط أذكركِ بالحقائق...لا أفهم كيف بنيتِ أية تخيلات ؟!"
وقفت متبِعةً إياه وهي تقول بتردد:"ألن نرى الصغيرين حتى؟ لقد قالت شيماء أنهم طريفين للغاية "
تنفس بهدوء وهو يقول:"في وقتٍ أخر...تكون ابنة عمكِ على استعداد لاستقبالنا "
تدخلت إسراء وهي تقول: "سيد خالد إسمح لي أن أخبرك أنها لا ترفضك لشخصك ولكن مريم لديها عادة سيئة في تقبل الأشخاص سريعاً...أنا على ثقة أنها ستتغلب عليها الأن فقط إمنحها بضعة دقائق "
لم يبدو على خالد الانزعاج وهو يقول:"لا أتهمها بشيءٍ...الخطأ من جانبي إذ أن للبيوت حُرُمات، وكان يجب أن أستأذن أولاً قبل فرض نفسي عليها!"
قبل أن تجيبه إسراء بشيء كانت مريم تدخل بتوتر وهي تقول:
"أنت لم تفرض نفسك عليّ...أنا آسفة حقاً"
رفعت ذراعيها علامة على قلة الحيلة ثم قالت بمزاح مصطنع:
"لقد أخبرتك...لا أتقبل الأخوة من الرجال أو دعنا نقول لا أحبذها"
"حمقاء أخرى...حمقاء أخرى "كان عقله يكررها دون أدنى شك ولكنه ابتسم وهو يقول:"لا عليكِ تستطيعين وضعي في أية خانة تريدينها حتى تعتادي عليّ!"
اهتزت إبتسامة فوق شفتيها قبل أن تقول:
"أنت مرحب بك الأن فهل يمكنك العودة والجلوس فإيهاب سيأتي قريباً...وسوف يكون سعيداً بالتعرف عليك"
كان يتفحصها بغرابة لم تروقها وكأنه يريد سبر أغوارها وتحليلها وفهمها...وكأنها أحد تلك المعادلات الكميائية الصعبة ثم قال ببطء "ألم يخبركِ؟! لقد تعرفت عليه بالفعل وقابلته عدة مرات !"
هزت رأسها نفياً ثم قالت:
"هل أنت تعمل مع بدور؟ لقد أخبرتني أنها أيضاً تقابله هناك...ولكن للحقيقة لا لم يخبرني عنك"
قال بهدوء:
"أنا لا أعمل معهم ومازلت أدرس بالمناسبة ومجالي لا يناسب العائلة على كل حال "
صمت مكتفياً بالمعلومة غير مفصحٍ لأحد عن السبب الحقيقي لإلتحاقه بكلية الزراعة إذ أنه كان يُصِر أن يقطع على أبيه أي طريق لجعله ينتمي لإمبراطوريتهم وكم جعل هذا والده يحترق غضباً ...
****
"أنا ابنة عمكِ ألم تسمعي عني إطلاقاً ألم تُخبرِكِ زوجة عمي؟! حسناً لن أسألكِ عن بدور إذ أنها تريد اختفائي ولكن تلك الخائنة شيماء سوف تحاسب كيف لم تعلمكِ من أنا؟!" نطقتها سَبنتى بخيبة امل يخالطها شعور الغربة !!
قالت مريم مبتسمة: "لا بدور أخبرتني عنكِ وقالت إني سأحبكِ"
توسعت عينا سَبنتي بنوع من الصدمة الحقيقية وهمست:
"بدور ...أتعني تلك أنثى الطاووس تذكرتني أنا؟!هل تجامليني؟"
ارتبكت مريم قبل أن تقول بحيرة:
"طاووس؟! حسناً تمهلي قليلاً أنا لا أفهم ولِما أجاملكِ وأنا لا أعرفكِ هي أخبرتني بالفعل!"
تدخلت إسراء وهي تشعر برأسها سوف ينفجر من المراهقة الثرثارة إذ أنها لن تجعلهم يصلوا لأي شيء من ذلك اللقاء فقالت بهدوء:
"سَبنتي هذا اسمك صحيح؟ تعالي معي ألم تريدي رؤية الصغيرين؟"
تصنعت سَبنتي النسيان وجارتها وهي تقول: "بالطبع هل يمكنني!"
"بالتأكيد سأرافقكِ بنفسي"
تدخلت مريم سريعاً بخوفٍ شديد: "ولكن ...هما نائمين وهذا قد يزعجهما كما أنها صغيرة جداً على التعامل معهما أو قد تكون غير صالحة لرؤيتهما أو ..."
قاطعتها إسراء :"سيكونان بخير لن أتركهما يا مريم "
.............
بعد دقائق كان خالد قد عاد لمكانه بالفعل ...لن ينكر أنه يشعر بالارتباك مثلها تماماً شاعراً بالغرابة لجلوسه مع امرأة ظهرت بين ليلة وضحاها يفترض أن يعاملها كما يتعامل مع جميع أخواته البنات...لم يكن الأمر بتلك السهولة أبداً فمازالت مشاعره مبهمة حيادية لا يستطيع حسمها لصالحها أو حتى ضدها بل لم يزعجه حتى رفضها إياه بادئ الأمر...
أما هي فلم تكن أفضل حالاً منه كما يبدو لعينيه المراقبة إياها بدقه "أعرف أن الأمر ليس بتلك السهولة "
هزت مريم رأسها نفياً ثم عادت تؤكد: "لا ليس كذلك...ضع نفسك مكاني"
"أنا في مكانكِ تقريباً مع إختلاف أسباب كل منا"
بصراحتها التي أصبحت طريق تتبعه قالت: "ما الذي دفعك للتعرف عليّ أخيراً"
عيناه كانت تنظر إليها بتعبير غريب بينما يقول بهدوء:
" أنتِ دمي، ربما استغرقت شهوراً لأحدد شعوري تجاهكِ ولأعرف تلك الفتاة التي عانت الويلات لتثبت حقها...تلك المرأة التي عاشت مرارة إنكار النسب للصغيرة التي تخلى عنها والدي"
قاطعته مريم وهي تقف سريعاً متراجعة خطوة من مكانها وهي تقول شاحبة الوجه: "توقف أرجوك كل هذا الماضي أغلق بغير رجعةٍ"
توتر جسد خالد الضخم قبل أن يقف ويقترب منها مشرفاً عليها بطوله ثم قال بجمود:
"أعرف...آسف لفتحي جروح ربما شُفِيَت عندكِ ولكنها فُتِحَت لديّ...أنا لا أريد جرحكِ أو أن أتسبب لكِ في الأذى ولكن إن كُنتُ أملك من الرجولة ما يكفي فيجب أن أعوضكِ... أن أخبركِ أن هناك شقيق من دمكِ سيحميكِ بروحه "
تجمدت مكانها ولأول مرة منذ ساعات كانت تسمح لنفسها بتأمل ملامح ذلك الشاب...لقد كان نسخة أكثر شباباً من أبيها وجهه وسيم رغم خشونته بأنفٍ أرستقراطي وعينين عميقتين داكنتين ولكن هناك شيءٌ فيه مختلف يجعلها تدرك أنه ربما لا يحمل من روح أبيها شيء"
أكمل خالد متقبل ذلك التخبط في عينيها:"لا أستطيع وعدكِ بالكثير ولا إخباركِ بخطابٍ أخوي رنان...ربما لن أقدر على تبادل حتى العناق معكِ إلا بعد سنوات ...ولكن أنا أريد أن أكون جزءاً من حياتكِ"
ارتعش شيءٌ فى عمق عينيها التي اغرورقت بالدموع ثم قالت بحرقة تاركه إياه مبهوت :
"أخبرني كيف لرجلٍ مثل أبيك أن يملك امرأةً كوالدتك ويستطيع خيانتها وجرحها من أجل أخرى لا تستحق؟!"
.................................
دخلت بدور غرفتها أخيراً تخلع حذائها بإهمال ملقية إياه ليصدر ضجيجاً مكتوماً على السجاد الأنيق الذي يكسو أرضية غرفتها...أغلقت الباب جيداً حتى لا تقتحم أمها مملكتها مطالبة إياها بحديث متعقل كالعادة...جلست على الفراش ولم تحاول حتى خلع ملابسها الأنيقة وأراحت جسدها المتصلب...

راسمة خطوط من البرودة الواهية فمنذ أن دفعته بعيداً عنها باشمئزاز تخالطه الصدمة لم يتفوه أحدهم بكلمة ، بل كل ما تتذكره عندما حرر شفتيها أخيراً ، سامحاً لها بأن تشهق ملتقطة أنفاسها كان نظرة عينيه التي ما تزال صاخبة محمومة بمشاعره ، إحدى يديه تثبت رأسها من الخلف والأخرى تلتف حول خصرها ككماشة وكأنه لا ينوي تركها أبداً ...ظلت تحدق فيه لدقائق دون أن تدرك أنها توقفت عن قتاله و مقاومته...سامحة لذلك الجحيم في عينيه أن يخطو مرة أخرى لنيران عينيها فيصهرهما معاً...تذكرت انتفاض جسدها أخيراً رهبةً عندما مال ليضع جبهته على جبهتها مغمضاً عينيه وهو يغمغم بصوت أجش:"اغفري وعودي لي ...سأفعل أي شيء وكل شيء يا أميرة!"

تصلب جسدها كله بين يديه بينما تخبره بنبرة باردة غير قابلة للجدل:" أبداً"

أخذ نفساً عميقاً آخر متمهلا وأنفه تبحث عن عرقها النابض في عنقها وبدى للحظات وكأنه يتشربها يشبع روحه منها ويستغل تلك الدقائق التي سمحت له بهم بالتعمق فيها دون أن تنفره ...ثم قال أخيراً بصوته العميق:" لا أؤمن بالأبدية ، اذ أعلم أنه مازال هناك داخل صدرك الذي امتلئ بالسواد قلب المراهقة التي تحدتني والشابة التي هذبتني قابعاً ينتظرني أن أكفر عن ذنوبي وأدفع ثمن خطيئتي وأنقذها من تلك النيران التي ستحطمنا سوياً"

أطلقت ضحكة جافة وهي تقول بسخرية :"مراهقة وتنتظرك؟!بل للحقيقة أنت أصبحت تقرفني وأشمئز من رؤياك ، من أنفاسك ، وحتى من ذكر حروف اسمك ...أنا أكرهك يا راشد واليوم الذي سأتوقف فيه عن الحقد عليك وكرهك سيكون يوم مماتي"

هز رأسه رافضاً متشرباً كلماتها السامة في أعماق فؤاده عله يُخبِئ ألمه دون أن يسمح لها بكشفه ثم قال:" إن كرهتيني يوماً كما تقولين ما كنتِ شعرتي بكل هذا الوجع الذي يصبغ قلبكِ وما أصبحتِ جسداً خاوياً يتظاهر بالحياة بينما تركتِ روحكِ ترفرف مذبوحة في تلك الغرفة منذ خمس سنوات"

ضربة قاتلة لذكره ما لم تكن أبداً تحاول التطرق إليه هكذا شعرت بأن يده الآثمة تمتد مرة أخرى لتمزق البقية المتبقية منها

"تباً... تباً"

صرختها تقريباً وهي تزمجر مبتعدة عنه عله لا يكتشف ذلك الخنجر الذي غاص وغاص داخلها ممزقها إرباً

"ابتعد عني ، ما الذي تريده يا راشد كل شيء قد انتهى...انتهى بغير عودة"

أفلتت نفسها منه ثم استدارت وهي تنوي المغادرة غير ملتفتة إليه ...إلا أنها لم تتمكن من الابتعاد خطوة وهو يصل إليها ممسكاً بمرفقها مانعاً إياها من الابتعاد ثم قال صارخاً فاقداً السيطرة على ذاته:

"كانت غلطة...خطوة قمت بها وجرت وراءها كل الأكاذيب لحمايتكِ كنت مرتعباً من ضياعكِ ولم يكن عدلاً منكِ أن أدفع عمري أمامها"

عادت تُغلف نفسها بالجليد وتمحي ناريتها التي تعلم أنها تُريحَه ويستشف منها أنها مازالت تهتم طالما تصرخ بغضب فهو مازال في أمان معها لذا تعمدت عندما التفتت إليه أن تخبره ببرود:

"ما عدت أهتم بعدد الغلطات إن كانت واحدة أم اثنان أم عشرات من اللواتي تضاجعهن على فراشي وتمنحهن ما كان لي...ما عدت أبالي راشد إلا بثأري لكرامتي...ويوم أن أكسر أنفك وأذل روحك وقتها فقط سأحررك أخيراً"

أُخِذَ لدقائق بما تقول وعندما حررت نفسها منه لم يعترض هذه المرة بل كان ينظر لها بقتامة مودِعَاَ بعينيه نعيها لروحه بينما التساؤل الحائر ينحر تفكيره كيف لحب امرأة أن يدفع برجلٍ مثله للترحيب بقيد العبودية ؟!

....................

ارتعشت رغماً عنها وهي تتحرر من ذكرى الساعة الماضية ارتفعت ساقيها لتلامس صدرها ثم ضمت نفسها بذراعيها بقوة معمية بالدموع التي غشت عينيها فجأة...تمتمت بصوتٍ أجش:

"ما بالي أشعر بالخواء وطعم العلقم يجرح جوفي وبعودة جروح قلبي تقطر دماء لابد لي من ايقافها...متى أتحرر من حلقاتك النارية التي أحكمت عليّ بها يا راشد ؟!"

صمتت لبرهة قبل ان تعود لتهمس بأنين: “بل أنتِ من خطوتي إلى هذه اللعبة بقدميك وقبلتِ بالمخاطرة مندفعة وراء جنون المراهقة أنتِ من أحببته أولاً ولم تريّ من عالم الرجال سواه"

أغلقت بدور عينيها متذكرة البدايات وأول خطوة حقيقية اندفعت فيها نحو راشد الشاب العشريني العابث"الشقي"كما كان يُطلِق عليه مجتمعه المرهف ، ربما هو كان منذ ولادته يحمل على عاتقه أنه وريث آل الراوي الذي يجب أن يكون محنكاً ،ذكياً ،قائداً بالفطرة ،متحكماً ومسيطراً ولكن هذا لم يمنعه يوماً أن يطلق العنان لروحه ... يتنقل بين هنا وبريطانيا متقبلا غزل العشرات من الفتيات اللواتي واعد منهن الكثيرات محققاً أحلامهن فيه...ورغم صغر أعوامها آنذاك كان هذا يدفعها للغضب الشديد بل للعدائية الغير مفهومة حتى ...تحكم فيها مزاج أعتاب المراهقة في أحد المرات عندما رأت بعينيها الرسالة الغزلية من إحدى بنات أسرة صديقة للعائلة مازالت ترى فعلتها آنذاك وكأنها تحدث الأن ."

...........

كانت منذ وقتٍ تغلي في جلستها وهي تلمح تلك المتبجحة تغازله دون حياء تقابله بغمزاتها له بعينيها وتراسله على الهاتف ممطرةً إياه بسيلِ من الكلمات الغرامية بينما كان هو يقف تحت أحد الأشجار الضخمة في بيت المزرعة العائلية والتي دعا فيها والدها بعض الأصدقاء في حفلة شواء ...

تنقلت نظراتها بينهما تشعر بالغيظ والرغبة بقتل أحدهم ، ربما بخلع عيني تلك الفتاة العشرينية التي تجاورها ثم طرحها أرضاً وإبراحها ضرباً ثم بعدها تقيدها في تلك الشجرة بالذات و التي يستند اليها الأحمق وبعدها تخلع أظافرها واحداً تلو الآخر حتى لا تستطيع مراسلته لوقت طويل ...ثم تقوم بجز شعرها المسترسل هذا والذي تغيظها به وتغوي الأحمق بواسطته ...

"بدور"انتفضت على صوته الذي اقترب هاتفا فيها

ممتقعة الوجه نظرت الى وجهه الذي يبتسم بتسلي وكأنه ولج لأفكارها الدموية وأمسكها بالجرم المشهود...لم تشعر إلا بيديه الصارمة تمسك أناملها يضمها في كفه ويشدها إليه...توسعت عيني بدور الصغيرة وهي تدرك أنها كانت كما يبدو أخذت خطوة

بالفعل لتحقيق أحلامها إذ أنها دون أن تدرك كانت تنبش بمخالبها في كف الفتاة التي صرخت مستنجدة به دون أن تنتبه.

"ما الذي كنت تفعلينه؟ “سألها بتلك الطريقة المغيظة وكأنه يحدث مجرد طفلة لا فتاة شابة كما كانت ترى نفسها

زمجرت وهي تبتعد عنه وتوليه ظهرها وهي تشوح بيدها بإهمال" لا يخصك مطلقاً ولا تتحدث معي بتلك الطريقة"

لحقها متعقباً إياها وهو يطلق ضحكة أخرى خافتة قبل أن يقول بلطفٍ مزيف :

"لولا فارق العمر بينكما لكنت ظننت أنها سرقت أحد ألعابكِ"

زمجرت كنمرة شرسة بينما شعرها المشعث يلتف معها بهمجية مماثلة لصاحبته:” إياك ان تلعب معي بالكلمات تعلم أني لم أعد طفلة يا راشد"!

قال مشاكساً إياها بلطفٍ حقيقي:” ولكنكِ مازالتِ "

كانا قد توغلا بين أشجار الحديقة الكثيفة بالفعل حتى أصبحا محجوبين عن الأنظار عندما توقفت تتنفس بنارية ثم قالت بوحشية مدافعة:” لم أعد...وأنت تعلم هذا"

ارتخت ملامحه قبل أن يقول ببساطة :"كون عمي يعاملكِ بطريقة خاصة زاجاً بكِ معه في أمور الكبار هذا لا يعني بالضرورة أنكِ أصبحتِ واحدة منهم ما زلتِ فتاة لم تُكمل الرابعة عشر من عمرها"

سخرت منه ونارها تزداد توهجاً محركة بداخلها اندفاع المراهقة إذ كانت تعلم بل وتثق وقتها أن راشد لا ينظر اليها إلا كمجرد ابنة عمه الطفلة :

"راهن على هذا ؟ إذاً أنا طفلة وتلك الحمقاء مطلية الأظافر مبهرجة الزينة هي من تستحق أن يلتفت لها نمر العائلة الأحمق "

لم تكن تدرك أن صوتها أخذ نبرة الصراخ والسخط إلا عندما اقترب منها يربت على وجنتها كأنها في سن الرابعة ثم قال بصوتٍ هادئ لطيف:

"لِما كل هذا الغضب يا بدر البدور؟ هل صدر مني ما أزعجكِ؟ منذ أن استقبلتني في المطار مع السائق وأنتِ تبدين على وشك قتلي"

أزاحت يده بعنف قبل أن تقول من بين أسنانها: “تباً لك ...أنت غبي أين هذا الذكاء الذي تحمله ويتفاخر به أبي وعمي؟!"

أمسك مرفقها بحزم مانعها من الابتعاد قبل أن تُطل من عينيه نظرة غير مقروءة وهو يقول بصرامة:

"وربما أنا أتجنب ما تحاولين إرساله لي من إشارات...فأنتِ صغيرة جداً على تلك اللعبة...فلا تحاولي أن تدخلي جُحري يا بدور حتى لا تندمي"

معمية بعنفوانها وبحب مراهقة وأحلام عُذرية كانت تقترب منه وتمسك قمة قميصه بغضب وهي تقول: “أنا راوية مثلك تماماً والجحور لم تكن يوماً شيئاً شاقاً عليّ ...أنت لي ...لي أنا!"

رفع حاجباً واحد ينظر ليدها العفية على صدره ثم قال بصوت جمد الدماء في عروقها:” بل أنتِ من ستنسى كل هذه التُرهات الغبية ...فأنا لم ولن أنظر لكِ يوماً إلا مجرد فتاة نارية الطباع مندفعة ...أنا لست أمير أحلامكِ ولن أكون يوماً فارسكِ المغوار أنتِ لا شيء في عيني إلا فتاة حلوة المعشر"

عسل عينيها ازداد اشتعالاً كأنها فوهة بركان تغلي وعلى وشك الانفجار ...لا بكاء ،لا أنوثة جريحة ولا حتى صدمة مراهقة في الشاب الذي غزلت الأحلام حوله بل قالت بإصرار:

"لا تقل ما أنت غير قادر على فعله ...فأنا قد وعدت نفسي أنك ستكون لي وسأفعل"

أبعد يديها عنه يتأملها بنظرة مظلمة أربكتها...لوهلة كانت ستتراجع وهي ترى الوجه الحقيقي وراء تلك الواجهة التي يختبئ خلفها لقد بدا قاسياً صلباً وهو يقول بسخرية مغيظة:

"أنا لن أتزوج فتاة وقحة اللسان ، مشعثة الشعر مقلمة الأظافر لا تملك أية مقومات نسائية بعد كل هذا الصخب الذي أعيشه"!

صرخت فيه بمزاج المراهقة المتقلب :"هذا لأنك وقح...تنقاد وراء الوقحات مثلك"

كان قد اكتفى منها بالفعل معتقداً أنه قطع كل آمالها فيه إذ أنه حقاً لم يكن وقتها يملك نحوها أية مشاعر خاصة... غمز بعينيه أخيراً قبل أن يقول وهو يرسل لها قبلة في الهواء: “هو كذلك بالفعل ...وأنتِ فتاة مهذبة مطيعة ولن تكوني مناسبة لمزاجي يوماً"

التفت مغادراً مانحها ظهره فأوقفته وهو تنادي اسمه بصرامة غاضبة:” راشد"

نفخ بضجر وهو يستدير اليها مُتسائلاً عن ما تريده...أطلقت زمجرة من حلقها قبل أن تندفع مهرولة والقت بكامل جسدها عليه يديها تدفعه بغضب بلغ مداه حتى اختل توازنه ليجد نفسه يهوي على الأرض المليئة بالحشائش حولهما ...كانت عينيه السوداوين تتوسع بصدمة وهو يحملق في وجهها الذي أشرف عليه وهي تقول بخشونة لا تليق بعمرها:

"تذكر هذه اللحظة جيداً...لأنك في يومٍ ما أنت من ستطلب ودي وتلاحق طيفي باذلاً المستحيل من أجلي ...وأنا من ستضع الشروط قبل أن أنزع قلبك من محجره وأحتضنه داخل صدري"

قبض بكفه على كتلة من شعرها المشعث وهو يقول بجفاء:

"يحيرني الأن من الوقح أنتِ أم تلك الفتاة التي تغازلني وأبيها يجلس على بعد خطوات منها؟! اطمئنِ لن أفعل ما تقولين"

تجنبت اتهامه والألم الذي شعرت به من إمساكه بخصلاتها وهي تقول بثقة:” بلى... ستفعل"

وليتها ما أطلقت وعيدها وليته ما وقع في شباكها ...

....

يومها اختفى بعد الحفل و عاد هو ووالديه إلى لندن بعد أن أتت مكالمة مبهمة ليلاً أربكت منزلهم كله...تذكُر صرخات والدها وعمها الغاضبة المكتومة...الصراع والشجار الذي استمر لساعات داخل الأبواب المغلقة...خروج راشد العاصف بملامح إجرامية ...عزام المكوم تحت أقدام والده بعد أن قام راشد بضربه بغوغائية لسببٍ مجهول لم يتحدث أحدهم عنه أبداً حتى هذه الساعة... ثم انتهى كل شيء ولم يعد عزام أبداً إلى لندن ولم تصطدم براشد إلا بعد ستة أعوام كاملة في منزل أختها الكبرى بجورجيا عبر احتفال قدمها فيه والدها لمجتمعهم كخليفته وذراعه الأيمن المستقبلية

................

الذكريات التي في ظاهرها سعيدة صاخبة كانت تجرحها لأعماق قاتلة داخلها تاركة إياها مجرد روح مشوهة...

فتحت بدور عينيها تشهق بنحيب مكتوم تاركة لدموع القلب حرية الصعود والخروج عبر جفونها علها ببكائها المتوهج تُهدئ سعير قلبها المشتعل...رغماً عنها وعن أنف دمعها المناسب ابتسمت ابتسامة جريحة وهي تتذكر نفسها في بهو الاستقبال لبيت أختها الفخم ترتدي ملابس أنيقة شديدة الجمال بلون أزرق شاحب يحتضن جزعها الفارع ويحدد منحنياتها شديدة الأنوثة وتصفف شعرها في تسريحة بسيطة جاذبة خصلات منه تتشابك فوق رأسها تاركة بقيته في حلقات ملتوية يتأرجح على ظهرها...كانت تعلم أن زوج أختها قد دعاه إلى ذلك الحفل الفخم كدرع أصبح هام في دنيا رجال الأعمال وكم كانت رغم حماسها وشوقها لرؤيته بعد كل تلك السنون مرتعبة من فكرة أن يراها من خاطر وعدها القديم المندفع ...

"بدور هل يمكن أن تلقي نظرة أخيرة على المائدة أحياناً لا أثق بالخدم" قالتها أختها بنبرة متوترة كالعادة جاعلة إياها تبتسم وهي تقول:

"شذى أنتِ دائماً لا تثقين بأحد عزيزتي ...فمعاييركِ دائماً عالية دقيقة لا تقبل إنشً واحداً من الخلل"

قالت شذى بهدوء: “يوما ما عندما تصبحين سيدة مجتمع مثلي...أثق أنكِ ستكونين أكثر هوساً"

أطلقت صوتاً عبر عن عدم رضائها ثم انتقلت عينيها لزوج أختها السيد مالك الأرستقراطي شديد المعايير مثل شذى ثم قالت:

"لن أصبح مثلكِ يا شذى ولن أكون يوماً مجرد ظل لرجل"

أخذت شذى نفساً عميقاً قبل أن تقول:

"أنا لستُ ظلاً يا بدور إن مالك رجلٌ أكثر من جيد لا بل هو أفضلهم في عيني ...أنا أقف بجانبه أمنحه ما يحتاجه لأني أحبه ولأنه يستحق"

هزت كتفيها وهي تقول:” لن أناقشكِ في هذا...والأن اذهبي لجانبه و استقبلي ضيوفكِ وأنا سأهتم بالتفاصيل الصغيرة"

..........

استغرقت يومها في الإشراف على الفريق المتخصص الذي وظفه زوج أختها كروتين اعتيادي في ذلك النوع من الحفلات...ولم تنتبه تماماً لدخوله منذ وقت وترحيب شذى ومالك به ولا باندماجه سريعاً وسط مجموعة من رجال الأعمال

"كالعادة يا شذى لا تغفلين حتى عن التفاصيل الصغيرة "قالها مداعباً عندما انضمت إليهم في حلقتهم التي يدور فيها بعضِ من المناقشات المهمة عن سوق العمل في أروبا وارتباطه الهام بالشرق الأوسط وعن الأوضاع السياسية وحتى الحروب التي ترتبط وتتحكم بها مباشرة القوى المالية .

ردت شذى بهدوء:" أحاول أخذ دوري بجدية... تعلم أهمية تلك الاحتفالات لمالك"

أومأ بهدوء ثم قال:" بالمناسبة لقد أقنعني بشراء بيتاً أعلى الجبل المطل على البحيرة في " تبليسى" بعد أن وقعنا صفقتنا الأخيرة"

هزت رأسها موافقه وهي تقول:" لقد أخبرني عن هذا...بالمناسبة ألا تنوي العودة لمصر لقد طالت غيبتك"

ابتلع غصة في حلقه قبل أن يرسم واجهة هادئة وهو يقول بابتسامة ارتعشت رغماً عنه:

"لم أعد أستطع دخول بلاد احتوت جثمانها بين ثراها دافنها بيدي فيه"

ربتت شذى على كتفه بحنان ذكره بالحنان الطاغي لزوجة عمه ثم قالت:

"لقد استراحت يا راشد بعد صراعها مع مرض نهش فيها دون رحمة"

قال بمرارة:"لقد كانت تخبرني دائماً أنها قادرة على الانتصار عليه ولكن بالنهاية هو من انتصر وأنا أقف متفرجاً مغلول اليدين"

قالت بهدوء: "لم يكن ذنبك هذا أمر الله وحده لم يكن بيد أحدٍ منا فعل شيء"

هز رأسه موافقا ثم سمعها تقول:"سَبنتي أيضاً تحتاجك وتحتاج عمي لقد سألتني آخر مرة منذ شهر عنكما وشعرت أنها حانقة على كليكما"

عادت إلى ملامحه ابتسامة رجولية جذابة قبل أن يقول:" الشقية غادرتني منذ شهرين ولكنها لا تنفك تطلب العودة مجدداً"

"تعلم أنها رغم نشأتها في بيت والدي وتحت رعاية أمي لكنها تظل مرتبطة بك"

قال بهدوء: “لولا الظروف التي تعلمينها ما كنت أبعدتها عني ...كما أنها كانت تحتاج لوالدتكِ بالذات...لم أكن لأخاطر وأجعلها تكبر بعيداً عن أحضان أم ترعاها ...لقد كانت آخر وصية لأمي أن أتركها لزوجة عمي"

وافقته ثم غيرت مجرى الحديث الكئيب وهي تخبره بلؤم:

"بالمناسبة لدينا وجه جديد قرر والدي أخيراً إخراجه والمشاركة به في لعبة رجال الأعمال"

استدار نحو ما تشير بعينيها إليه ثم قال بهدوء:" لا تقولي أنه قرر خروج خالد فمازال صغيراً جداً على هذا"

حركت وجهها للأمام نافية بخبث وهي تقول:

"بلى ...يبدو أنك حقاً قد نسيت كل شيء عن شخصه المفضل"

في تلك اللحظة بالذات اختارت أن تستدير بأناقة ساحرة تواجههما مبتسمة في وجه أختها بإشراق... جاعلة إياه يتسمر مكانه مشدوهاً بما يراه متسائلا:"من الجميلة ؟!"

"لا تقل أنك لم تعرفها بحق الله لم تتغير منذ صباها"

الموسيقى الهادئة التي تنساب من مكبرات الصوت مع أضواء الثريات الضخمة التي تتدلى من السقف وتنعكس على ثوبها الذي يحتضن ذلك الجسد الفاتن لم تكن تساعده أبداً...لقد بدت في تلك اللحظة كألف نجمة متوهجة تقترب منهما ملتهمة كل حواسه ليغوص ويغوص داخل مكان لا يعرف ماهيته...توقفت على بعد خطوات منه أخيراً تتأمله بتلك النيران المتحدية المعهودة ...عاتبة مشتاقة ومن بينهم طيف خجل يسكن عينيها رداً على اشتعال عينيه المأخوذة ... كانت عيناه تبث داخل عينيها حديثاً طويلاً طويلاً جداً. رغم إبهامه كانت أكثر من راضية جاعلة داخله يتفتح كحدائق من زهور الصباح الغناء التي تستقبل سيلاً من الأمطار الناعمة التي تداعبه بمحبة مانحة تلك الورود دمعة حب يعقبها قبلة عشق مُراضية...

"رباه "انكمشت خجلاً فجأة شاعرة بوجوب هروبها من أمامه لم تكن أبداً مستعدة لتلك المواجهة عند تطرف أفكارها لهذا الحد ...لا لم تكن ابدا مستعدة لتلك المواجهة لذلك الرجل الذى كان مختلفاً تماما عن سابق عهدها به ...إذ كانت ملامحه قد نضجت بشكل يبهر انفاس أية امرأة ، جسده الضخم كان قد ازداد بعضلات رياضية تبرزها حلته السوداء الأنيقة ، وجه أسمر تحدده لحيه خفيفة زادته وسامة أنف منتصب فوق شفتين عريضتين قاسيتين لقد بدى طويلاً جدا عن أخر مرة رأته بها إذ أنها اعتقدت الأن بجسدها الفارع قد تساويه عند الوقوف ولكن الأن بينما ترى كل تلك الأعين من النساء تتعلق به بلهفة تكاد تلتهمه علمت أنها تراه لأول مرة بصورة أخرى ، بهيئته الحقيقة شديدة الجدية كرجل أصبح مهماً يحمل على عاتقه مصير عائلتهم القادم ...
لم تتردد أن تطاوع نفسها لمرة واحدة وتستدير هاربة من نظراته وهي التي لم تقدم أبداً على التملص من مواجهة

"بدور "صوته الرخيم الصارم كان يخالط صوت أختها القلق في محاولة لإيقافها...ولكنها أبداً لم تستمع تاركة النظرات الفضولية لضيوفهم يتسألون عن سر تلك الهاربة التي سرقت عقله وبصره !

كالفأر حين يجد نفسه عالقاً في المصيدة كانت ترتجف رهبةً أمام ملتقى بحري آراغفي وكورا "حيث يقع بيت أختها في مدينة مستخيا"

رغم إعداد والدها لها منذ سنوات ورغم كل تلك الاحتفالات التي اعتادتها في بيت عائلتها لم تشعر يوماً من قبل أنها في غير مكانها أنها دخيلة على هذا الأمر بأنها غير مستعدة إطلاقاً...أو ربما وجوده هو بعد كل تلك السنين العجاف التي خلت من صحبته و رؤيته والتي لم تزدها إلا تعلقاً فيه و عشقا يغزل خيوطاً بداخلها وجذورا انغرست في قلبها منبتة شجرة عتيقة لا تحمل فروعها إلا أملاً في رؤياه وتزهر أوراقها وعُوداً لداخلها بعودته يوماً وحبه

"لا أتذكر أنكِ كنتِ يوماً جبانة؟!"

الصوت العميق الذي أتى من خلفها جعلها تتهشم لألف قطعة بمشاعر لم تستطع تحديد ماهيتها...لم تلتفت إليه ولم تحاول أن تسترق نظرة واحدة وكم كانت تحترق لتفعل...شعرت بيده تحط على كتفيها بقماش ثقيل علمت بعد ثوانِ عندما غمرتها رائحته الرجولية بأنها سُترته "أنتِ ترتجفين برداً "

عندها فقط كانت قد استعادت جزء من ثقتها وهي ترفع وجهها تخبره صراحة:

"البرد ليس له علاقة بما أشعر أعتقد أن هذا تأثيرك أنت"

قطب راشد للحظات متأملاً ملامحها بنظرة جديدة كلياً ...عينين واسعتين بلون العسل الذائب فيهما نظرة شديدة الثقة رغم ارتباكها الآن وطيف آخر يسكنها عنيد وُمصِر ومُعتد بنفسه ...ملامح وجهها المستدير رغم نعومتها ولكن بها أنف عالية وكبرياء أعلمته أن من أمامه لم تعد تملك روح الفتاة المتهورة المندفعة...فمها ممتلئ واسع قليلاً ...لقد كانت من أمامه جملة وتفصيلا كما وصفها والده بلال الراوي عبر كل اجتماعاته مع عمه... سيدة الأعمال المستقبلية خليفة والدها... لقد كبرت بدر البدور كائن السنونو المزعج المتطرف أصبح أنثى طاووس يخطف الأنفاس

"لا تقولي أنكِ ما زلتِ تحملين بداخلكِ مشاعراً لي؟"

يومها كذبت وكم كانت تحتاج لهذا لتستطيع أن تبقى واقفة على قدميها في حضرته:

"لا بالطبع ، لم أعد...كما قُلت أنت كان مجرد سحر سن المراهقة"

قطب راشد شاعراً بالضيق من ردها والذي رغم منطقيته وتوقعه للحدوث قد أزعجه...ليس لأنه فكر فيها حتى خلال كل تلك السنوات إذ لم تأتي لتفكيره وسط انشغاله بإدارة فرع المجموعة الذي تركه والده كله على عاتقه ومن قبله الدوامة التي أُلقي فيها التزاما بواجبه نحو من رحلوا...

هو فقط ...حسناً فليعترف لنفسه عاجزاً عن تحليل مشاعره وسر ذاك الدق العنيف الهادر داخل صدره ...لقد تركت ابنة عمه داخله لغزاً وهو لا ينوي ترك هذا اللغز دون أن يحله ...

قال ببساطة: “إذاً لا ضغائن هل يمكنني مد يدي الأن بالسلام والتعريف عن نفسي"

يومها منحته أجمل ضحكة رقيقة وهي تخبره:

"لقد تجاوزنا هذا التعريف يا راشد ، منذ أن وضعت معطفك على كتفي وأنا رحبت به ليحتويني ؟!"

قال مداعباً وهو يتأملها بتقييم :"يجب عليّ أن أحسده إذاً ، لأنه احتوى ما أصبح محرماً عليّ التفكير به"

تخضبت وجنتيها بالأحمر القاني قبل أن تتخلل أناملها شعرها بارتباكك ثم قالت: “لم أقل أن السلام عليّ محرمٌ "

صمت وهو ينظر إلى وجهها وحشي الجمال وكأنه يتساءل عما تفكر به أو سبب تركه الحفل وكل ما فيه فقط ليلحق بها ويتحدث معها ...ثم قال أخيراً:

"لا أريد سلاماً...بل حديثاً طويلاً يدور حولكِ وحدكِ تخبريني كل ما فاتني!"

كشرت بأنفها في حركة استنكار ثم قالت:" ولماذا يهمك الأمر؟ أنت ذهبت ولم تعد لقد ظننت أنك هربت خوفاً من وعدي إياك"

شهقت وهي تضع يدها على فمها صدمة كيف تذكر شيء مثل هذا والأن لقد أنكرت منذ لحظات الأمر برمته ...

اشتعل شيئاً داخل عينيه قبل أن يقول متفكهاً:" أنتِ لم تكوني خصماً سهلاً...وخفت على نفسي من الوقوع في فتنة شعثاء الشعر"

حركت كتفها الأيمن بدلال يخالطه الثقة وهي تقول:

"كنت ، فلا أحد يولد مبهر الجمال والطلة ...المهم كيف أصبحت أنا الأن"

"أمازونية هربت من كتب الحب والحرب الأسطورية"

قالها بصوتٍ رخيم مداعباً ...

مما جعلها تخبره بارتباكك:” ألن تعد للحفل مالك سيفتقدك"

قال بثبات:"لا ، اكتفيت كما أني حددت من أحق بصحبتي الليلة

فهمته دون حاجة منه للشرح بينما تقول بخفوت:

"أعتقد أني قد أسمح لك بصحبتي"

التوت شفتاه بابتسامة جانبية وهو يقول: “لا أريد صحبة بل التعرف عليكِ من جديد"

همست:” لا تحتاج لهذا أنا هي أنا"

هز كتفيه بينما يهبط أمامها ليجلس على الرمال وقال: “لا لقد تغيرتِ ...أنتِ الأن امرأة ناضجة وفاتنة!"

احمرت أكثر بينما تجلس بتردد بجانبه تاركة مسافة أمنة بينهما نظر إليها راشد وشبح ابتسامة يتراقص على شفتيه وهو يقول:” حركة ذكية ...يبدو أنكِ سمعتِ أني ألتهم الجميلات"

شعر بانزعاجها وهي تقول بابتسامة متصلبة:” أنا لا أؤكل...كن واثقاً من هذا"

عم الصمت لدقائق بينهما بينما ضوء القمر يلقي بانعكاسه على سطح الماء أمامهم خالقاً لوحة شاعرية مفجرة مشاعر ناعمة "هل ...هل ما أسمعه عنك هي الحقيقة؟ هل أنت مثله يا راشد؟"

كان صوتها خافتاً حريصاً مشبعاً بالحسرة والألم مما هزه للأعماق وصدمه إذ يعلم جيداً بالعلاقة المتينة التي تربطها بوالدها... فكيف تُقِر بحقيقته الأن ؟!

سألها بهدوء دون أن يعلق على اتهامها:

"هل إن أخبرتكِ أنها مجرد هالة وإشاعات مستهلكة تُطارد من هم مثلي ستصدقينني؟"

ارتعشت ابتسامة على ملامحها وهي تخبره: “لا حاجة تدفعك للكذب عليّ إذ أنك لا تدين لي بشيء"

"لماذا أشعر إذاً أني سأفعل قريباً؟"

قطبت حاجبيها بعدم فهم فقال راشد مرددا: "يبدو لي أن وعدكِ القديم على صدري وبين ذراعي كان مجرد تعويذة ها هي تضرب بأشرعتها أخيراً حولي"

هذا كثير كثير على قلبٍ عشقه حاضراً وغائباً ولم يكن يتمنى إلا نظرة يلقيها عليها وتشبع عينيها منه ...

يديه امتدت نحوها يرفع ذقنها بأنامله ينظر لعينيها المرتبكة بإصرار بينما يده الأخرى تتجرأ وتسرح شعرها واضعة إياه وراء أذنها...بينما يأخذ نفساً عميقاً مستسلماً وقال أخيرا: "ولكن عديني إن منحتكِ إياه و ملكتيه أن تترفقي به يا ابنة ياسر...إذ أنه يبدو لي منذ الوهلة الأولى أن عشق امرأة مثلكِ كقيد من النار إن غُصت فيه لن أستطع الفكاك أبد الآبدين !

"ولكنك خرجت منها وتركتني أحترق فيها وحدي يا راشد"

عادت من ذكرياتها البعيدة أخيراً تبكي بحرقة وكأن جرحها الغادر فُتِحَ في التو واللحظة وكأن كل ما عاشته كان سراب ،كاذب ، خائن حقير الفعل والقول...

كيف صدقته؟ كيف ربطت مصيرها به ولم تصدق كل ما كان يدور حوله؟"القاتل"

خمس سنوات ...خمس سنوات كاملة تحترق كل ليلة تحاول استعادة روحها المغدورة هناك التي تركتها مقيدة مطعونة منتهكة على ذلك الفراش ...لم تدرك أنها كانت تُخرِج آهات أنين مكتومة كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة آه وجع بلغ مداه وكأن سكين الغدر مازال يرفعها بيديه ويطعنها بها مراراً وتكراراً دون ذرة رحمة أو شفقة...

كيف حاربت ياسر من أجله لعامين ؟ لماذا لم تستمع لإصرار أبيها لرفضه وتحذيره ليلتها أن يبتعد عنها وهو يهدده بنبرة لا تحمل الجدل بأنه غير مستعد إطلاقا للمجازفة بها مع رجل يرى فيه جانبه المظلم... لقد صبرت لعامين كاملين تعيش معه قصة حب أسطورية متهورة ومجنونة...قصة حب غزلها راشد بمهارة وهو يكتب وعوداً وعهوداً يثبت لأبيها بالدليل القاطع أنه ملتزم في حبها وأنه يستحقها ...ولكم كان نمر العائلة يجيد الأكاذيب ..."لقد اثبت لها الحقيقة المرة أن أبيها بجانبه ملاك ؟!"

...........................

بعد أسبوع ...



كانت بدور تحاول أن تُهدئ نفسها وهي تسأله بثبات:"ما الذي يعنيه هذا يا إيهاب لقد وعدتني بتوقيع العقود معي"

قال إيهاب بجدية:"أنا وعدت مجموعة شركات الرواي بأخذ التوكيل يا بدور وهم من وقعت العقود معهم منذ ساعات ...لذا عملياً أنا لم أخلف عهداً منحته"

تمالكت نفسها وهي تقول بهدوء:"ولكنك تعلم جيداً الحرب التي أخوضها داخل المؤسسة ، كما تعرف أهمية أن أوقع أنا معك تلك الأوراق"

قال إيهاب بعملية:"بدور كلنا يعلم أن دنيا الأعمال لا ندخل فيها حسابات شخصية ...هذا سيضر بكِ قبل اسم مجموعتكِ ...أعلم أن الأمر صعب بالنسبة لكِ ولكن ما تقومي به الأن خالي من العملية بل يقودك لشيءٍ آخر لا يليق باسم بدور الراوي"

هزت رأسها بينما تضم فمها في حركة ليس لها معنى قبل أن تنهض وهي تقول:

"لا عليك أنت محق...الأمر لا يخصك لا أنت ولا الصفقات الأخرى التي كُنت أجهز لها منذ شهور طويلة ثم أتى راشد الراوي بجرة قلم واحدة أخذها جميعا"

وقف إيهاب وهو يقول بتفهم:"أعرف أنه غير عادل ولكن للحقيقة هو أصلح في كثير من البنود التي جعلت كل من كان متخوفاً من المخاطرة معكم خاصة بعد المشاكل الأخيرة لا يتردد في التوقيع معه أتعلمين ربما من الأفضل أن تعودي لمنصبكِ وتضعي يدكِ بيده هذا سيساعد المجموعة"

مدت يدها في سلام مدعية اقتناع واهي...غادرت مكتبه وهي تطرقه بحذائها الرفيع على الأرض الرخامية...وملامحها تتلبسها تلك النظرة الخطرة الإجرامية ...استلت الهاتف من حقيبتها الأنيقة وطلبت رقم ما فأتاها الصوت الخشن بعد دقائق مجيبها:

"مرحباً كمال ...أريدك في خدمة ...أه لا خدمة للحقيقة قذرة بحته ضرب أحدهم ورجاله والسطو على أوراق مهمة تخصني"

صمتت لبرهة تستمع لاستفسار محدثها ، بينما تستقل المصعد الذي فتح بابه فدخلت ملقية ظهرها بإهمال على أحد جوانبه ،.ثم أجابته أخيراً بنبرة شر خالصة:"لا في الواقع المعتدي عليه من رجال آل الراوي شخصياً لذا يجب أن تستخدم رجال غير الآخرين"

"لا لا يا كمال عهدتك مخلصاً لي ولأبي منذ زمن "

"اممم نعم أستطيع منحك الاسم يجب أن تنفذ الليلة"

"في الحقيقة لا بل من سيُضرَب ملك شركات الراوي ونمرها راشد بلال الراوي زوجي"!!!

أُغلِق باب المصعد أخيراً بينما ملامحها الإجرامية تحمل من الشر والانتقام ما لم تحمله امرأة قط...فهي تعلم أنها تتجاوز كل الخطوط الحمراء ولكنها ببساطة لن تترد في اللعب مع راشد بطريقته المفضلة بخبث وطرق ملتوية"

.......................................

عندما دخل مراد البيت كان يسمع صوتها الملهوف مختنق بغصة بكاء وهي تهتف"ممدوح ...أهذا أنت أخبرني يا حبيبي عن مكانك ...حدثني قل أي شيء يرح قلبي أرجوك أتوسلك أحلفك برحمة والدتنا أن تُسمعني صوتك"

كالعادة ما سمعته صوت أنفاسه الحادة يتبعه معاناة مكتومة ثم يغلق الخط في وجهها إلى إشعار آخر لقد حاولت تتبعه ولكنه كان يبرع في التخفي وفي محو آثاره "

شعرت بيدي مراد تحتضنها من الخلف يديرها إليه يحتضنها بشدة لتفرغ كل قهرها وخوفها في صدره

"هشششش إهدئي ، سنجده حبيبتي ما زلت أبحث عنه فالمحامي قد أخبرني أنه سيجد مخرجاً قريباً ونستطيع كسر خصوصيته تلك ونعرف مكانه"

قالت باختناق:"قلبي يؤلمني يا مراد أشعر أن مصائب أخرى حلت فوق رأسه ما يقارب العام الأن وأنا أجهل مصيره لماذا يملك من العناد والغباء ليبعدني عنه؟"

تنهد مراد بصبر قبل ان يبعدها قليلا عن صدره دون ان يفلتها ثم قال بهدوء:"إن ممدوح يبتعد عن كل ماضيه يا إسراء وأنتِ أحد جوانبه"

صاحت بقهر:"أنا أخته شقيقته كيف يضمني معهم؟"

قال بأسف صريح:"ممدوح الوجه الأسوأ منكم جميعا ، من أخبركِ أنه يفكر كالأسوياء ليضعكِ في هذا التميز؟!"

قالت بتوسل مرير:"أريد فقط أن أراه أن أضمه إلى صدري في محنته أن أشتم رائحته أن احتضننه أن أقدم له يد المساعدة"

بهدوء شديد كان يمسح دمع عينيها وهو يقول:"سنجده لقد وعدتكِ وسأفعل المستحيل لأقنعه بالحصول على فرصته الإنسانية !"

سكنت عينيها نظرة امتنان ثم مدت ذراعيها تحتضن خصره بتشدد ضامة نفسها إليه بقوة متنعمة بصلابة جسده التي غمرتها غمرا جاعلة السكينة تغرق حواسها

"أنا محظوظة بك ما الذي فعلته لأستحق رجلاً مثلك؟!"

قال مداعبا:"أحببتني وكان ذلك أعظم إنجاز منكِ"

"أحبك ـ أحبك جداً يا مراد لا تتركني أبداً"

قبل قمة رأسها بينما شفتيه تهبط ليطبع قبلة تحت أذنها وهو يقول بخفوت:"لا أجرؤ يا شرقية الملامح على نزع روحي من جسدي"

...................................

أغلق الخط وهو يكفف دمع القلب الحار الذى انتحب فور سماعه صوتها...لم يكن يدرك يوماً أهمية إسراء في حياته ، بأن مجرد سماع صوتها الملهوف بحبٍ خالص له يمنحه بعض الصبر على هذه الحياة ... ولكنه ما زال يصر ألا يجعلها تقترب منه ويدمر حياتها إسراء لا تستحق منه هذا أبداً يكفى أنها تحمل عينيّ " مولى " !

نظر ممدوح حوله في أرجاء الغرفة الحقيرة العفنة التي استطاع استئجارها في ذلك الفندق دنيء المستوى الذي قبل بوجوده دون أوراق ثبوتية...لم يعترض ولم يغضب ولم تشمئز ملامحه حتى وهو من اعتاد طوال عمره على الترف الشديد...بل كل ما كان يشغله الأن ذلك الألم المبرح الذي يحطمه لألف قطعة مانعاً عن عينيه النوم جاعلاً إياه يصرخ حتى يبح صوته من التعب...لقد أخبرته لوسيرو مرة أن ألم العظام صُنِف كثالث الألآم في العالم ولكنه سخر منها وقتها الأن فقط فهم لماذا كانت تُصر أن تمحنه المسكنات وعلاجه بانتظام...يتذكر أنه بكى مرة أخرى بالأمس عندما وقع في الحمام الضيق وظل لساعات يصرخ طالباً نجدة أو مساعدة ولكن لا مجيب ...لا مهتم ، لقد حاول أن يصرف أي نوع من تلك المسكنات ولكن بدى أنه من رابع المستحيلات!

"لا لن يذهب إليها الموت أرحم من أن يسبب الأذى لتلك الفتاة مرة أخرى أن يرى نظرة شفقة أو عطف من أحدهم ...هو سيظل هكذا حتى يلفظ أنفاسه ويرتاح ليأتي للدنيا غريب ويذهب عنها مجرد شريد...

لم يكن يعلم أن يده تهتز وهو يأخذ قراره أخيراً ويتبع أرخص أنواع العلاج ويسلك أسرع طريق لتدمير الذات والانتحار"ثلاث زجاجات من الخمر رديء المصدر أكثر من كافية" لتتركه مُذهب العقل خالي الوفاض!

..............................

"ألم يتصل أحد بي ...أو يأتي أمام منزلي يسأل عني؟ "

قال أبيها بغضب:"لا أخبرتكِ للمرة الألف أن تنسي ذلك الأمر الأن وتركزي في الكارثة التي أوقعتِ نفسكِ بها ...روجر لن يسكت سيحطمكِ

قالت بخفوت:"فليثبت بابا...تعلم أني أذكى من أن أتبع قلبي دون أن أزن الأمر بعقلي... روجر لا يحمل دليلاً واحداً ضدي إذ أن كاميرات المراقبة لحظة دخولي وخروجي لم تسجل من الأساس"

"إذاً أنتِ تعترفين؟"قالها بتصلب

ردت بصراحة قوية"نعم فعلت لم أعتد الكذب عليك ...وإن عاد الزمن سأفعلها مرات"

سأل بجدية"لماذا"

ابتلعت ريقها قبل ان تقول بهدوء"أمر خاص لا أريد البوح به"

شعر ليو بنخزة مؤلمة تنخر صدره وهو يقول:"لأول مرة تخبئين أمراً عنى ...أمراً مصيرياً"

ازدردت ريقها قبل أن تقول بخفوت متجنبة الرد : بابا المريض يعاني كسور في إحدى ساقيه وهناك مسامير مزروعة في الساق الأخرى وقد رفض أن يخضع لعملية جراحية أخرى ونزعهم ...إنه يتألم الأن بما يفوق طاقته...وأنا لا أعرف حتى إن كان في مكان نظيف وآمن على حياته"

أتاها صوته يقول بجمود:

"لوسيرو أنا لن أساعد في البحث عنه فلتنسي هذا الأمر تماماً أنتِ فعلتي ما تستطيعين والأن لنركز على مستقبلكِ الذي تجازفين به من أجل شخصٍ غريبٍ عنكِ"

تصلب صوتها وخالطة نوع من القسوة وهي ترد سريعا:"منذ متى تتعامل بعنصرية يا دكتور أنخيل ؟! إن كان أحداً غريباً عن ملامحي عن دمائي فأنا على ثقة أنه ليس هو"

"لوسيرو"هتفها محذراً غاضباً

فصدمته وهي تقول بتقرير بارد:" لقد وضعت يدي على الخيط الذي يصلني بأول حماماتي؟!"

.................................................. ..



كان يجلس في مقعده الخلفي بسيارته كالعادة بينما يبدو على وجهه الإجهاد خاصةً اليوم تتبعه سيارة بها رجال من حراسه نظراً لحمله بعض الأوراق المهمة التي كان يحتاج للمزيد من دراستها... كان يومه مرهقاً وطويلاً والعنيدة التي تستطيع أن تخفف بعض من حمله مازالت تُصر على مغادراتها جانبه وتلوح بأنها ربما تذهب للعمل مع أحد منافسيهم ...

الفرامل التي أخذها السائق فجأة أفاقته من التفكير وهو يقول:"ماذا هناك لماذا توقفت ؟!"

قال السائق بتوتر"هناك فرع شجرة في منتصف الطريق"

لم تهتز ملامحه وهو يقول بهدوء:"استدر بالسيارة ببطء حذر وأخرج من هنا ونبه من خلفنا ...الخدعة قديمة لنقع فيها "

قال الرجل بخوف:"أعرف ولكن تلك ليست المشكلة ...انظر سيارة من هناك يا سيد راشد تحاصرها سيارة أخرى"

استند راشد على المقاعد الأمامية بينما يدقق النظر في السيارة ويتعرف على صاحبتها ...جاعلة قلبه ينخلع من مكانه خلعاً ...لم يفكر وهو يندفع من مكانه ويفتح بابه بعنف ويهرول نحوها ...تبعه رجاله بدون تفكير...في لحظات كان يصل لباب سيارتها يفتحه بقوة ليجدها تجلس هناك خلف المقود ...صوته خرج هلعاً مرتعباً ويده تتفحص وجهها ،رأسها ،جسدها بشكل محموم باحثاً عن ضرر قد يكون لحقها

"أنتِ بخير انطقي أخبريني ما الذي تفعلينه في هذا الوقت وحدكِ؟"

عندما حاوط وجهها بين كفيه صدمته تلك الابتسامة السمجة التي زينت وجهها بينما رأسها يميل بجانب واحد ناظرة إليه ببراءة مصطنعة...رفعت يدها تشير له بأناملها مودعة وهي تقول:

"تعجبني تضحية الغرام تلك التي جعلت عقلك يُشَل تفكيره وقتاً ممتعاً حبيبي"

استدار راشد بعينين متوسعتين بذهول مدركاً ما تعنى بالترافق مع سماعه صوت عراك نشب وصوت عظام تكسر" لقد علم بحسبه سريعة بكل مخططها

عاد ينظر إليها يتمتم بصدمة:"لا يمكن أن يكون جنونكِ وصل إلى هذا الحد؟؟"

رفعت كتفيها حتى أحاط رأسها من الجانبين بينما تقول بنبرة رفيعة طفولية:

"يبدو أنه وصل لذلك بالفعل...حاول أن تحمي وجهك حبيبي تعلم اني عاشقة لكل تفصيلة به ...اه ومنطقة الصدر أيضاً أحبها عندما تضمني إليك أرجوك لا تجعلهم يكسروا أضلعك"

لم يملك خياراً إلا أن يزيحها بغضب داخل السيارة ويغلق الباب ورائه رغم كل شيء هو يرتعب من مجرد تخيل أن يصيبها أذى هي من أقامته بالأساس ...

خلع حُلتَهُ وشمر عن ذراعيه بينما يركل أحدهم من الخلف ويمسك به من ملابسه يديره إليه موجهاً له لكمة في منتصف وجهه ألقته أرضا...الرجل رغم أنه كان قوياً ضخماً إلا أنه ما كان ليضاهي خبرات راشد القتالية والتي تلقاها على يدي مدرب خاص لسنوات طويلة وممارسة الرياضة العنيفة التي مازال يحافظ عليها ...الكثرة كانت لهم وعنصر المفاجأة...وبكل آسف خلال دقائق كان جميع رجاله يسقطون أرضاً جرحى ...

لم يرى راشد في تلك اللحظة إلا غشاء أحمر عمى بصيرته غضباً جاعلا إياه يتوجه لآخر وآخر يضرب بعنف بغضب أعماه ...حتى استطاع أحدهم أخيراً أن يطوقه من الخلف موجها له لكمة في معدته ثم أخرى على صدره جاعلا بدور تنتفض داخل سيارتها غضبا وهي تصيح:"الغبي أخبرته ألا يجعلهم يضربونه في الوجه والصدر ...ها قد ضاعت الأن أسبابي لأقبل بأن أنظر إليه مرة أخرى"

تمكن راشد من أن يزح أحد مهاجميه منهالا عليه بضربات جنونية أخرى ولكن بحسبة بسيطة عرفت أن الأمر سيحسم لصالحها عندها فتحت الباب و خرجت أخيراً من سيارتها وتقدمت تتكئ على مقدمتها بمنتهى الأريحية وجهها الشرس كان شامتاً فرحاً وهي تهنئ نفسها بنصرٍ آخر عليه بعد هزيمتها الساحقة ! أجفلت للحظة وكادت أن تتحرك نحوه وهي تراه يضرب رأس " كمال في الجدار بقوة ثم سرعان ما انمحى القلق عندما أتى رجل آخر قوي البنية بشكل مبالغٍ فيه من خلف ظهر راشد ثم طرحه أخيراً أرضاً بمنتهى البساطة ...عادت بارتخاء وهي تنتظر رجالها أن ينهوا ما نصبوا الكمين لأجله...

ركع على ركبتيه يحاول أن يكتم الألم ...عينيه تمشط رجاله الذين أصبحوا مجرد ضحايا غارقين في جراحهم ملقيين على جانب الطريق بينما هو أصيب ببعض الرضوض وخيط دماء غزير يسيل من أنفه وأعلى جبهته مغرقاً وجه !

طرقات حذاء رفيع كانت تأتي بتأني ناحيته مصدرة ضجيجاً على أسفلت الطريق الذي يتكوم فوقه...

أشرفت عليه شاعرة بتفوق طفولي وهو يرقد هناك ثم انحنت موازنة جسدها على ساقيها ...تطاولت و مدت يدها داخل باب السيارة المفتوح تسحب الحقيبة التي كانت تعلم أنه سيصطحبها معه من خلال استخدامها تجسس السيدة رباب ...الحقيبة التي تحوي أوراق هامة وحساسة تمنحها تفوق نقطة عليه بل ومساومته!! تشبث بها راشد نزاعها منها بقوة فشدتها بقوة تفوق قوته التي هُزِمت ثم قالت بنبرة بطيئة ساخرة:

"أخبرتك من مثلي لا تهزم إن كنت أنت ملك شركات الراوي فأنا الأميرة بدر البدور، ليلة سعيدة زوجي العزيز أتمنى لك الشفاء العاجل"

......

لم تنظر وراءها وهي تصعد إلى سيارتها جابرة نفسها ألا تنظر إليه و لا أن تشعر بالألم تجاهه و ألا تتعاطف معه مثقال ذرة...بالنهاية لا فرق بين ما تفعله فيه وما فعله بها كلا الأمرين غدر بطعم العلقم كلاهما امتهان... ولكنها وحدها من سُرق شيء فيها من المستحيل أن يعود ...لقد سلبها راشد معنى أن تكون على قيد الحياة لا مجرد واجهه جميلة خالية من الروح...الروح التي استطاعت أخيراً أن تُقر أنها تنزوي منكمشة هناك داخل غرفة نومهما تناديها كطفلة مذبوحة من الوريد للوريد ترفرف طالبة منحها رصاصة الرحمة .

............................



#انتهى قراءة سعيدة

[/size]


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:57 PM   #56

S.Raa
 
الصورة الرمزية S.Raa

? العضوٌ??? » 456097
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 36
?  نُقآطِيْ » S.Raa is on a distinguished road
افتراضي


استخدمي دول المرة الجاية 🤭
فصول ضرب النار وسحل المشاعر
مجرد ما بفتكر حالتي وقتهم الادرنالين بيضرب في دماغي 😂😂


S.Raa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:59 PM   #57

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة s.raa مشاهدة المشاركة

استخدمي دول المرة الجاية 🤭
فصول ضرب النار وسحل المشاعر
مجرد ما بفتكر حالتي وقتهم الادرنالين بيضرب في دماغي 😂😂

عنيا حاضر هدور عليهم واعملها 😂😂😂😂😂


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:05 PM   #58

إسراء عثمان

? العضوٌ??? » 456104
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 8
?  نُقآطِيْ » إسراء عثمان is on a distinguished road
افتراضي

نور بلاك 😍
الكاتبة الأروع ع الإطلاق


إسراء عثمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:07 PM   #59

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

الف مبرووووك لاحلى كاتبه ولاحلى منتدى كسب كاتبه زيك

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:10 PM   #60

affx

? العضوٌ??? » 407041
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 733
?  نُقآطِيْ » affx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond repute
افتراضي

رووووووووعةةةةةة حبييييت جدا🖤🖤🖤🖤

affx غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:27 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.