آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل]غار الغرام ،"الرواية الثالثة" للكاتبة / نبض أفكاري "مميزة" ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          مذكرات مغتربات "متميزة ومكتملة " (الكاتـب : maroska - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          مشاعر طي النسيان- شرقية-للكاتبة المبدعة:منى الليلي( ام حمدة )[زائرة] *كاملة &الروابط* (الكاتـب : أم حمدة - )           »          قيدك الماسي (7) -رواية غربية- للكاتبة المبدعة: Shekinia [مميزة]*كاملة &الروابط* (الكاتـب : shekinia - )           »          عيد ميلاد لا ينسى(101) قلوب نوفيلا(حصريا)ف.الزهراء عزوز*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-20, 09:53 PM   #6181

Ghadeersabry

? العضوٌ??? » 429486
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 21
?  نُقآطِيْ » Ghadeersabry is on a distinguished road
افتراضي


منتظرين الفصل علي نار

Ghadeersabry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 09:54 PM   #6182

همسة الحنين.

? العضوٌ??? » 464424
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 50
?  نُقآطِيْ » همسة الحنين. is on a distinguished road
افتراضي

مسا الخيرات و الليرات
تسجيل حضور ناطرين الفصل على نار


همسة الحنين. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 09:58 PM   #6183

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

فى الانتظار ياكيوت

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:04 PM   #6184

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7





الفصل السابع والأربعون المشاركة "1"
"هل عندك شـكٌ أنك جـزءٌ من ذاتــي
وبأني من عينيــك سـرقت النـار. .
وقـمت بأخطر ثوراتي
أيتها الــوردة..واليـاقوتة..والري ــحانة …
والسـلطانة..
والشـعبية..
والشـرعية بين جميـع المــلكات …
يا سمكاً يسـبح في ماء حيـاتي
يا قمراً يطلع كل مســاءٍ من نافذة الكلمــات …
يا أعظم فــتحٍ بين جميـع فتوحــاتي
يا آخر وطنٍ أولــد فيه . .
وأدفــن فيــه..
وأنشر فيــه كتاباتــي …"

.................................................
عندما يفكر فيما حدث الأيام القليلة الماضية يشعر بأن ثقلاً يجثم فوق صدره ويمنعه من التفكير أو التنفس.. ابنه يرفض الاستماع إليه أو التعاطي معه بأي صورة، بينما هي عاد يخلفها من جديد رداء من القسوة والتعنت وقد ظن أنها تخلصت من كليهما بغير عودة ،إلا أنها كما توقع سيظل إياب، وأمومتها حائلاً لا يحول ولا يزول بينهما.
ما زال صراخ ابنه الذي أشعل فضول جميع رواد الحفل يصم أذنيه، تشنج الفتى كما لم يراه قط بين ذراعيها، بكاءه الهستيري, ضربه بيديه وقدميه بعصبية عند كل محاولة منه للسيطرة على تمرده وانهياره.. إلا أن كل هذا لم يزل والطفل الصغير صاحب الأربع أعوام (هزمه) ببساطة كما أمه.. رفض الاستماع, الفهم، إصراره كما اعتادا على الحوار حتى يمنحه إجابة لا تصدمه، ولا تألمه.. ولكن صغيره لم يحد عن طلب واحد صارخاً "أريد ماما وحالاً.. أنتَ من تمنعها عني"
استنتاج لم يصدمه من طفله الذكي.. وأوجعه أيضاً نظرة بدور الرهيبة التي لن ينساها قط وهي تنازع بدورها ما بين ألم ولدها الذي يبحث عنها وهو على صدرها, وبين رصاص أدماها وهي تكتم صرخة اعتراف..
لقد تصرفت هي وقتها دون كلمة إضافية فقد انسحبت مباشرة تأخذ ابنهما معها مستعينة بشذى وزوجها الذي أوصلهما للمنزل.. بينما أجبر هو للانتظار بقلب دامي يرسم دوره ببراعة قاسية ككبير عائلة، لا يحمل مشاعر وأوجاع خاصة حتى انتهى الزفاف أخيراً ووزع آخر المدعوين، ليجد نفسه بنهاية المطاف يذهب أمام بيت عمه، ويقضي ما تبقى من الليلة الصعبة داخل سيارته، وقد عجز عن العودة لجدران أصبحت خاوية جليدية، لا تحوي بين جنباتها بشراً يرعاه أو يخفف عنه، بالنهاية لم يكن يشعر إلا بالوحدة والعذاب.. وقد رحلت صغيرته، نفره أبنه, ومزقته بدور بالرفض حتى اللحظة..
لقد حاول رؤية إياب بالطبع بالأيام الماضية، إلا أن العنيد رفض.. وأصر أن يأتي له بوالدته أولاً وبعدها قد يسمح له بمقابلته..
تبسمت شفتا راشد بأسى.. الزمن يعيد نفسه، ويطعنه بضرباته، ليسدد فاتورة مؤلمة، إن كان خاف مرة أثر جنون بدور السابق بحرمانه من ابنه، ها هو ابنه بنفسه يرفضه وينفره، يشرع كرهاً شديداً في وجهه قبل حتى أن يتكلم، فماذا إن فسر له الأمر فعلاً.. ماذا لو أخبره أن كل عذابه ووجع طفولته لم يكن ذو أهمية وهو يتواجد بين ذراعيها بالفعل منذ عودتهم؟!
"سيد راشد... رؤساء الشركة الأجنبية هنا"
أسبل راشد جفنيه يمحو النظرة المشوشة من عينيه، يستعيد توازنه قبل أن يستدير بهدوء وثقل روتيني نحو السكرتيرة الجديدة حسنة المظهر، وذكية التعامل، ماهرة جداً ...والصراحة تعجبه فهي تعلم جيداً حدودها في العمل وتحترم وظيفتها والمطلوب منها.. دون أغراض أخرى مضحكة وغير واقعية للحقيقة..
"الملف؟" سأل باختصار..
أجابته منال بهدوء "على الطاولة كما أمرت، وسأشرف على الاجتماع إن احتجت لأي أمر"
أومأ برأسه, قبل أن يسألها بهدوء مفخخ "السيدة بدور، لقد طلبتها قبل دقائق"
توتر الفتاة العشرينية بطريقة أراد معها نسيان كل همومه والضحك وهي تجيبه بتلعثم "لقد ذهبت إلى مكتبها بنفسي كما أمرت ولكنها... أعني... لقد قالت..."
"رفضت وأخبرتكِ أنها ستكون في موعدها المحدد في غرفة الاجتماعات"
توقعه بهذه الدقة أراحها وأزاح عنها الحرج.. حسناً ربما هي جديدة، وقد اختيرت مباشرةً من بدور الراوي نفسها، ولكن الموظفين في الشركة بالنهاية بشر يحبون الأحاديث والثرثرة، وكما علمت جيداً إن أرادت الحفاظ على وظيفتها، ورأسها فوق جسدها أيضاً لوقت طويل فلتبتعد بنفسها قدر الإمكان عن هذين الشخصين ال..ال..ماذا وصفوهما سراً (بركانين).. وأيضاً ماذا ..آه لقب لم يكن جيد على الإطلاق (ثورين متناطحين) بنفس القوة والشراسة الناعمة...
"منال" انتفضت منال وهي تنظر اليه بامتقاع وكأن صوته الصارم أوحى لها بأنه قبض على أفكارها الخطيرة..
"نعم...آسفة"
أشار بوجهه يأمرها بالانصراف قبل أن يسحب معطفه من مكان مخصص له ويرتديه.. هل لو قال أن الفتاة تعجبه وتريحه، سيكون مذنب في نظر المجنونة خاصته.. على الأقل هو ليس معرض للضغط مطلقاً، ومزيد من الأعين الغبية تتابعه بانبهار.. ربما الفتاة منبهرة بالفعل، ولكنها أبعد ما تكون عن الانجذاب العاطفي المعتاد..
ربما يستطيع أن يظفر بالراحة.. تباً أو ربما لا.. قطع أفكاره يلعن بقسوة وغل.. وإن لم يفسر وجهه كالمعتاد عن أي من مشاعره.. محافظاً على صدى انفعالاته لنفسه..
"سيد راوي.." النبرة الناعمة جداً والأنيقة كانت أول ما ‏تناءى لمسامعه مع إيماءة رأس أشقر ببساطة ورقي فطري, قبل أن تقف بهدوء تقترب منه بهوادة، في حلة عملية مكونة من تنورة تصل أعلى الركبتين بقليل ومعطف محتشم من اللون الرمادي وقميص أبيض..
"سمو الأميرة" تصنع ابتسامة وهو يبادلها سلام خلا من المجاملة المعتادة بتقبيل يدها.. قبل أن يمد ذراعه خلف ظهرها دون أن يمسها يرشدها لمقعد جلوسها السابق.. وأخيراً كان هو يترأس الطاولة، يلقي نظرة عابرة بقصد نحو بدور التي ما زالت تحتفظ برأس مرتفع بكبرياء ووجه جامد خالٍ من أي تعبير أو تأثر..
"سيد تميم.. سعيد بقدومك"
ارتخى تميم في مقعدة يداري إجفالاً بسيطاً وهو يمسك سريعاً دون قدرة للسيطرة على رد فعل جسده (جرحه الخفي) ثم قال بسخرية مبطنة "ما كنت أرفض تلبية نداء نمر الراوي.. تستطيع القول أني افتقدت متابعة مبارياتك مع العملاء"
إن كان يتوقع منه أي رد فعل، فهو فشل في مسعاه إذ أن راشد هز رأسه بثقل شديد.. ثم دخل في الأمر مباشرة ودون مقدمات وهو يسأل آدي "توقعت حضور السيد إيفرست هابر، فهو من طلب الاجتماع بعد تواصله السابق معي"
بذقن مرفوع وأنف مرفوع أيضاً كانت آدي تجيبه بأنثوية جذابة بكل معنى الكلمة "لا فرق بيني وبين السيد هابر.. وقد أصررت أن أكون أنا من يفوز بهذه الصفقة"
تصلبت شفتا راشد في خط مستقيم حين أوضح بقوله الجامد "لا تكوني متأكدة، فنحن لم تعجبنا البنود المقدمة بعد.. كما من المحتمل أن لا تعجبكِ شروط شركات الراوي"
فرت آدي لدقيقة الملف المقدم أمامها باللغة الإنجليزية.. كما يجري هذا الاجتماع بها كلغة حيادية فهي لا تتقن العربية، كما هي متأكدة أن لا أحد منهم يتحدث أو يقرأ السويدية.. ثم قالت بتلاعب هادئ "لا تجزم بالأمر سيد راوي، ربما سأمنحك الموافقة على كل شروطك.. طالما ستمنحني حق حصري واحتكار كامل لمنتجاتكم!"
لاحت نظرة من راشد نحو بدور الهادئة, باردة العينين, الدافئتين بتناقض لا يحتاجه الآن مطلقاً، ليس في هذا الوقت الذي يشعر فيه أن الوحدة تنهشه وتتخلل كل عصب منه، تحتل كيانه كمرض عضال مفاجئ لا شفاء منه ولا مهرب... أسبل جفنيه يتهرب من سحر شموسها الجليدية ثم قال ببساطة يصدمها في توكيلها هي حق الرد متخلياً عن المهنية التي تجبرهم أن يكون هو سيد القرار الذي لا تملك صلاحية إلا مناقشة توابعه معه "سيدة بدور، ما رأيكِ في مطالب شركات هابر الأولية؟"
اهتزت نظرة عينيّ بدور لوهلة سيطرت عليها بمهارة وهي تضع ابتسامة مخادعة قبل أن تحل ساقيها من تشابكهما فوق بعضهما، ثم تستقيم لتخطو نحو لوح أبيض كبير مواجه للطاولة العاجية الفخمة التي يتمركزون حولها...وكتبت بالسويدية بلون أسود ثقيل "ما لآل الراوي يبقى ملكهم للأبد.. ولا يسمح أمام أي إغراء بوضع يد غريبة فوقه لاحتكاره"
ثم عادت مكانها بكل ترفع منافس تضع ساق فوق الأخرى.. وحركت كتف واحد بلا مبالاة وهي تقول بعملية بالإنجليزية "لا إهانة هنا، هذا ليس ردي وإنما قانون خاص بنا ونتوارثه"
لم تكن آدي بالخصم السهل أو الهين ومؤكد لم تكن من النساء اللاهثات معدومات الكرامة، بل بكل مصارحة مع النفس كانت (عدو) منافس على المستوى تماماً..
رفعت آدي حاجب مترفع أنيق قبل أن تقول ببرود "هذا أمر يسهل التفاوض فيه، قد يفاجئك عزيزتي تغير آراء الناس ومعتقداتهم بتقديم مزايا مبهرة، بالنهاية مجال صفقات الأعمال التنافسي لا يختلف كثيراً عن علاقة (الرجل والمرأة), أزيلي التعنت في القرارات، تنازل بعض الشيء من الطرف الراغب.. وسيصدمكِ مدى تقبل العميل وبيع كل أوراقه، متنازل عن كل احتكاراته "
نظرت إليها بدور بطرف عينها بمغزى وهي تبتسم ابتسامة متوسعة ثم قالت بإيجاز "نحن في البداية فقط أميرة آدلين.. لذا لا تجزمي وتثقي في طريق محددة لطالما اتخذته، فقد يحزنكِ أنتِ اكتشاف أن سوق العمل متطلب، ومتقلب.. وكما أجزم أنا أنه ثابت، لا يعرف إلا طريق واحد ونكهة فريدة محددة، على مستوى " جموحة" ولا يقبل تخطيها أمام إغراءات العالم كله"
ضحك تميم ضحكة مقتضبة لم يستطع التحكم فيها مسببة له إجفالاً حقيقياً فعاد يضع يده فوق معدته قليلاً وهو يهمس لبدور بالعربية متأوهاً "هذا التباري مسلي جداً، أنا على استعداد للتنازل عن أسهمي مقابل أن يبقيني راشد دائماً لأشاهد هذه المناوشات"
منحته بدور نظرة مستنكرة كارهة ما وصل إليه... بينما حسناً الجامد البارد لم يفسر وجهه عن شيء مطلقاً بل بدت عيناه بلا تعبير, ووجهه خالي من أي مشاعر، وهو يجلس مائلاً بجانبه قليلاً على مقعده ينظر لوجه الثلاث بغموض يتلاعب بقلمه المذهب بين أصابعه حتى قال أخيراً بجدية عملية "والآن بما أنكِ على علم بكل المجريات بيني وبين السيد إيفرست.. والسيدة بدور أوضحت سياسة شركتنا.. هل يمكننا المضي قدماً للتفاوض أم ستختار شركات هابر الانسحاب؟!"
فتحت آدلين الملف أمامها وهي تقرأ بعينيها بعض الخطوط العريضة التي وضعوها لتقول بإيجاز قوي "عائلة هابر لا تنسحب أبداً سيد راشد من أول جولة, بل يظل دائماً لديها المزيد حتى تفوز منتصره على كل المعوقات !"
رفع يده التي كانت تستريح على الطاولة باسطاً أنامله نحو بدور وتميم في حركة معنية أن أسقط الأمر، وجميعهم يجب أن يتعامل بمهنية ويكملوا مستمعين لما أتت لتقدمه..
*****
بعد وقت كان الاجتماع قد انتهى وإن لم يصلوا إلى اتفاق واضح، فالأميرة الجذابة لم تكن مجرد امرأة فارغة، بل بارعة في الكر والفر مصرة على التفاوض بشروطها.. ولكنها لم تكن لتربح أمام شرسي آل الراوي، الذين اشتهرا بعدم تواجد كلمة (تنازل) في قاموسهما..
لقد شعر تميم لوهلة بالشفقة عليها من مراوغة نمر الراوي الذي كاد أن يوقعها في الكثير من المرات لتوقع دون تردد.. إلا أنه كان يتراجع في اللحظات الأخيرة لسبب غامض أثار فضول تميم وحيرته.. ولكنه أيضاً سرعان ما تبدد تعاطفه هذا حين أدرك ساخراً أن الأميرة الأنيقة الراقية لم تكن تسعى للصفقة الحصرية فقط والتي ترغب في توقيع عقد لأعوام طويلة ليستوردوا لبلدها عبر شركاتهم فقط مشغولات النسيج بكل أنواعه.. بل كما فهم من التلاعب اللفظي وإن لم يكن جريء أو رغبة تثير النفور أنها تساوم على منتجاتهم وصاحب المنتجات بحد ذاته.. حمقاء أخرى مثله تماماً تساوم على ما هو بعيد المنال ومدمر, وجد نفسه يستدير تلقائياً نحو بدور التي لعجبه وجدها تتفحصه باهتمام وفضول شديد، رفع ذقنه وهو يسألها بارتياب مازح "ماذا؟!"
أطبقت بدور فمها بصمت ثم قالت بخفوت "ماذا بك أنت؟ هناك شيء غريب يجري معك، كما أنك مختفي منذ أيام لم تظهر في شركتك، ولم تجب على إيميلاتك المرسلة"
تبسم تميم قبل أن يقول مداعباً بتهرب "هل أتعشم أني أخيراً جذبت اهتمامك لمراقبتي"
تأففت بنزق معتاد وهي تقول بفتور "الأمر صدفة بحتة، كما أني اعتقد بأننا توصلنا لعلاقة عمل سيد تميم وتخليت عن فكرة الارتباط أخيراً"
شحبت ملامح تميم رغم قوله المتلاعب "أنا لم أتخلى عن شيء، أنتِ من تتمسكين بالرفض.. ومع رفضكِ للطرف الآخر أيضاً بكل إصرار أجد أن الأمل يتجدد"
قالت بدور بهدوء وهي تستدير بنصف جسدها نحوه غير مبالية بالعينين الغاضبتين ككرتي النار التي تلقي حممها نحوها رغم هدوءه الشديد وهو يدير حوار جانبي مع آدلين لم تهتم على الإطلاق لمعرفة فحواه "لا أمل لك معي، وبتّ أفهم الآن أني محقة فأنت لديك صاحبة رأيت انعكاسها بي"
أسقط تميم رأسه للوراء في ضحكة مكتومة يائسة للغاية, موجعة بشكل يجلب التعاطف والألم من فحوى معانيها, ضحكة معاناة ويأس.. ثم عادت يده ترتفع ليسند بها ما بين صدره ومعدته، مما أثار فصولها وانتباهها أكثر عندما أدركت من خلال قميصه الأبيض الشفاف قليلاً أن هناك ضمادة كبيرة تغطي هذه المنطقة، وعندما عادت نظراته الفارغة إليها ذهلت بدور لوهلة من قوله الجامد "أنتِ لا تتخيلي كما أن كلتيكما انعكاس للأخرى.. قبلاً ظننت أني وجدت صدى لها بقوتكِ، جمودكِ، وحياديتكِ وتحكمكِ الغريب في جروحكِ حتى يظن الناظر أنكِ لا تعاني بل الحياة أعطتكِ من كرمها حتى رضيتِ وتشبعتِ غير مدرك لمدى انفطار الجزء الخفي منكِ.. إلا أني الآن أعرف جيداً لماذا انجذبت إليكِ وما هو الشيء المشترك الحقيقي بينكما"
توترت بدور وزاد فضول الأنثى فيها وهي تنظر إليه بشك وبعض التوجس, لم يتأخر هو في منحها الإجابة المقتضبة الغارقة في القهر "أنتِ وهي تجيدان الطعن، تحترفان القتل، وإن تفوقت عليكِ هي بالجرأة والإجرام لتنفذ على الفور ما تفكر فيه"
الكلام لم يحتاج لمزيد من التفسير مع إصابته الواضحة وإرهاقه الجسدي والعقلي كما كان ملموس عبر الاجتماع فهو لم يتدخل على الإطلاق بل بدا مشوشاً فاقداً تركيزه، شهقتها المصدومة كانت أيضاً صامتة فقط جحظت عيناها واضطربت ملامحها وهي تسأله على الفور "هل أنتَ بخير؟ لماذا لم تخبرني على الأقل؟ بل لماذا فعلت بك هذا... أعني من هي ولماذا لم تبلغ الشرطة إن وصل الأمر بينكما لهذا الحد من... من..."
بحثت عن كلمة مهذبة تصف بها ما حدث إلا أنها لم تجد فسارع هو للقول البارد عندما انحنى على الطاولة يضع كلا مرفقيه فوقها "الإجرام... لماذا التردد فكما هو واضح أنا كنت أربط نفسي كل هذه الأعوام.. أبحث عن طيف قاتلة.. قاتلة لن يريحها وينقذها من عتمتها إلا دمائي ورؤيتها عنقي يطير من فوق جسدي.. بوصف حرفي وليس مجرد تشبيه يا بدور"
الآن صدمتها كانت أكبر، ولكنها لذهوله هو هذه المرة رأى النظرة ميتة في عينيها وهى تقول بتبلد "ترى ماذا فعلت فيها لتوصلها لهذا الحد؟!"
أخذ تميم نفساً طويلاً خانقاً قبل أن يقول بصقيع "ما فعلته بها، صدقيني لا ينافس أبداً ما فعله بكِ راشد الراوي.. ولكنها للأسف لا تدرك الحقيقة ولن تقبل يوماً بسماعها"
اكفهرت ملامح بدور, وبقصد كانت تغلق مشاعرها كما نظراتها رافضة بشكل مطلق البوح بالنار التي تأكلها من الداخل تصهر صدرها كالحديد المتآكل.
"هل إن أتيحت لكِ الفرصة كنتِ طعنته يا بدور، عل هذا يكون تكفير لما أحدثه فيكِ من خراب؟!"
إجابتها كانت صريحة لأبعد حد وهي تقول بهدوء شديد "لا، ما كنت لأفعل رغم أني تخيلت فعلها لسنوات طويلة عجاف"
ساد صمت طويل لا يتخلله إلا صوت آدلين على الطرف الآخر من الطاولة وإجابات راشد المقتضبة، رغم شعورهما بنظراته المسلطة على حديثهما الجانبي حتى قال تميم "لماذا؟ ما الذي منعكِ؟!"
وقفت بدور أخيراً من مكانها بكل تحكم، تلملم أوراقها وجهاز حاسوبها, تساويهم على الطاولة بين يديها.. ثم قالت بتروي شديد واضح "حتى وإن أخبرتك لن تفهم.. ولكن لأريحك.. اكتشفت في نقطة عميقة بداخلي رغم كرهي لها أنه إن أصابه ضرر.. إن فقدته لأي سبب.. سأهلك أنا بالمقابل"
وقف تميم وراءها مشدوه من الجواب, متحسر وشعور بالغيرة يتملك منه يوخز كالإبر, ينخر فيه كالسوس، والسؤال المحترق يشعله ماذا لو كانت هذه المبهرة الفريدة بكل ملكيتها في المشاعر، في الجمال والجاذبية، في التسلط والتجبر, كانت له, وقعت في عشقه, تورط فيها قبل أن يخسر قلبه في حربه مع (الغزالة الشاردة)... ألم يكن أسعد رجل على وجه البسيطة الآن؟! إلا أن الأماني تظل مبتورة غير مجدية، مستحيلة التحقيق، فسليلة آل الراوي ما كانت لتقع ولو بعد ألف عام إلا برجل يضاهيها تسلطاً وتجبراً, وهو مؤكد ما كان ليسقط على جذور رقبته إلا بـ(غزالة مخادعة وقاتلة).
تحركت بدور خطوتين من باب جانبي فلحقها تميم وهو يقول في هدوء "إذاً فكرتِ بالصفقة؟!"
لم تستدير نحوه وهي تفتح الباب تنوي الخروج ببساطة شديدة دون الاهتمام بإلقاء التحية، أو رؤية الأخرى لتغادر المكان هامسة "فليحترق كلاهما, تريده فلتشبع به!"
ثم أجابت تميم أخيراً "الإجابة لا يا تميم، أنا لن أورط نفسي مع غرباء لا تربطنى بهم أي علاقة ...قبل أن أفهم الحكاية كاملة، وهذا ما ترفض أنت منحه لي"
"بدور..."


يتبع حالا



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 09-11-20 الساعة 10:33 PM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:10 PM   #6185

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7


الفصل السابع والاربعون المشاركة "2"


"بدور..."
نفخت بدور بضجر وهي تثبت مكانها ثم استدارت برأسها دون تحريك عودها الفارع إنشاً واحداً متسائلة بعينيها عن ما يريده الصوت الصارم.
"لم ننتهي هنا.. ابقي من فضلكِ!"
ربما طلب راشد كان يوهم بالتهذيب والاحترام، إلا أن الحدة قد وصلتها واضحة في نبرته، الغضب الكامن في أمره والتحذير شديد اللهجة في عينيه..
نظرت إليه لفترة مضيقة عينيها.. ثم ما لبثت أن قالت بابتسامة متكلفة قاصدة التحدث بالسويدية "ما زال لديك بعض الأمور مع السيدة آدي، كما أني أريد استغلال تواجد السيد تميم لأناقش معه بعض المستجدات"
وقف راشد من مكانه متخلياً عن قناع التحكم ثم كرر من بين شفتيه بقتامة "ابقي يا بدور, ما زلت أريدكِ هنا, والسيد تميم ليس بضيف ولا عميل يحتاج أحدنا للتواجد معه.. يستطيع اختيار المكتب الذي يريده ويفحص بنفسه الملفات التي أتيح له رؤيتها"
امتعض تميم من المشهد ومن الأمر برمته.. هل يريد بسط قوى مجدداً؟! حسناً لن يمنحه الفرصة ليس لعجزه عن مجادلته وإنما لأنه بالفعل مرهق ومشتت بشكل يدعو للشفقة على ذاته.. لكم من الموجع أن يسقط جريحاً ولا يجد أي بشر يعينه, يسمعه، يشد أزره حتى أثناء وجوده لليليتين في المشفى, إلا حارسه الخاص بالطبع.. لكم هذا مريح ومبهر لم يبقى له إلا حارسه.. لا يهتم بسلامته وبقائه حياً إلا من أجل أن يبقى سجل حراسته نظيف ومشرف...
"لغتكِ ممتازة, بكل صدق أنا ‏متفاجئة قليلاً.. هل نزار من ساعدكِ بها؟!"
سمعت صوت بدور تقول بهدوء "نزار ونسبنا ليس له علاقة بالأمر، لقد تعلمتها منذ سنوات لأسباب خاصة"
أجابت آدلين مباشرة بإدراك "قريبكِ الدبلوماسي إذاً، أعتقد أن شقيقتكِ زوجته صحيح؟"
ما هذا بالضبط؟ هل أجرت أبحاثها عن الشركة ورؤسائها كما يفترض أم عن العائلة ‏بأسرها؟!
استدارت نحوها تعود خطوة وهي تقول باتزان خالي من الأحاسيس "شيء كهذا!"
وقفت آدي من مكانها أخيراً تضع كوب مشروبها مكانه بمنتهى الدقة.. تعكس من خلال لمساتها البسيطة تصرفات أميرة حقيقية خالية من أي تصنع ثم ما لبثت أن قالت ببساطة "يسعدني التعامل معكِ سيدة بدور، هذا مريح لي جداً أن أدرك أن أحد الأطراف هنا يجيد اللغة السويدية أي أن لا مجال للخطأ هنا"
إيماءة بسيطة مقرة هي كل ما حصلت عليه منها.. ثم قالت بهدوء تدبرت أمره بمعجزة "يبدو أنكِ جديدة برنسيس آدلين لتدركي أن لا مجال لأي خطأ عند التعامل مع السيد راشد"
وضعت آدي حقيبتها تحت ذراعها متبعة الإتيكيت ثم أمسكت حقيبة العمل بيديها وهي تقول غامزة بغرور "هذا أمر ستثبته الأيام كما اتفقنا!"
ابتسمت بدور ابتسامة صفراء باردة ولم ترد, ثم سمعت صوت تميم من جانبها يقول وهو يتقدم نحوها "اسمحوا لي سأصطحب السيدة للخارج بنفسي"
هز راشد رأسه بما يشبه الإجابة.. إلا أن تميم لم يكن يترك الغلبة لذلك الجبل الأصم للنهاية عندما قال من خلف آدي "وقت الغداء قد حان, أظنني سآخذ اقتراح السيد راشد بشكل جدي وسأبقى لمراجعة بعض الملفات.. لذا سأطلب سمك السلمون مع الزيتون على الغداء لكِ ولي"
منحته أجمل ابتسامة قد يراها يوماً وهي تقول بامتنان شديد "سأكون شكرة لو طلبت من المطعم التعجيل في إرساله"
أشار تميم بإصبعه نحو عينه اليمنى ثم اليسرى قائلاً "أنتِ تأمرين"
ازداد انعقاد حاجبي راشد وكلا كفيه ينقبضان على المقعد مهدد بتحطيمه.. ينظر إليها بمشاعر عدة غير موزونة, ساخطة, متفجرة وناراً أوقد عليها لسنين تهدد بإحراقها, إلا أنه عندما تحدث كان يقول بجمود "أغلقي هذا الباب الغبي واتبعيني"
ردت بصقيع وهي تعقد ذراعيها على صدرها "أنا لا أتبع أحد"
عض على شفته بغيظ قبل أن يقول بصوت أكثر قسوة وتسلط "أغلقي الباب حالاً... لن تتحملي سماع أحد الموظفين العابرين ما قد أنفجر به في وجهكِ يا بدور!"
نظرت إليه دون تنازل وهي تقول من بين أسنانها "لا تنسى نفسك, أنت لا تملك السلطة عليّ"
هدر صوت راشد غاضباً صارماً وحاداً لا يقبل التفاوض وهو يقول بإيجاز يحوي كل المعاني "أملك كل السلطة عليكِ رغم أنفكِ"
التهبت وجنتيها ليس حرجاً وإنما غلاً وهي تتراجع خطوات تصفق الباب الموارب بعنف.. ثم عادت لمكانها لتبقى واقفة على بعد كبير منه على طرف الطاولة الواسعة بينما هو كالعادة يقف مقابلها شامخاً على الطرف الآخر.. كجبلين بركانين يحكمان وادي مقفر ينتظر ازدهاره بالخضرة والجمال فقط لو تهدأ حمم ما يهدد خيره وطرحه.. وذلك بتنازل هؤلاء الاثنين.. ولكنه هو تنازل, اعترف ولاحقها, حاول معها, إلا أن الغبية (المتعنتة) تتجبر وتتكبر, ترفض اعترافها بحاجتهما العنيفة لبعضهما على الأقل في هذه المرحلة الحساسة من حياة ابنهما...
رجفة يديها كانت واضحة حد أنها اضطرت أن تخبط ما بين يديها بعنف كما اتفق لتضعهما في جيبي معطفها أسود اللون علها تبعد عينيه عن لمح ضعفها وقد قرأت ما يجول في خاطره "ماذا تريد؟ لقد طلبتني للحضور رغم معرفتك بحاجة إياب إليّ"
عيناه مظلمتان.. عاقداً حاجبيه وهو ينظر إليها بشراسة حتى قال بخشونة "الأمر كله لا يعجبني يا بدور.. ليس معنى تقبلي لرفضكِ أن أراكِ تتباسطين مع هذا ال...ال..التميم"
هتفت في وجهه بتشدد "لا يعنيك ما أفعله بحياتي.. ولكنك هل ظننت لوهلة أني في هذا الوقت بينما كلي أعاني، بي بال لتميم أو غيره؟!"
ضغطت على (غيره) بقصد.. مما جعله يزيح المقعد أمامه بعنف حد أنه انقلب جانباً واقترب منها في خطوات سريعة وهو يقول بعينين مستعرتين "وقت أحتاجكِ فيه كما تحتاجينني، ولكنكِ ماذا فعلتِ تنأين بنفسكِ، فعدنا لنفس النقطة الغبية، مكتفية باحتضان الفتى الذي يرفضني"
ابتلعت غصة هائلة في حلقها قبل أن تقول بقسوة "ربما هذا العدل أخيراً, أن تنال من مر كأسك الذي أسقيتني منه حتى أدمى أحشائي"
كان وصل إليها يقف على بعد إنشات منها ولكنه لم يحاول أن يمسها بأي طريقة عندما قال بغير تسامح "أناله على حساب عذابه هو المستمر، فليحترق الطفل أمام أخذكِ لثأركِ"
انتفضت بدور وهي تتراجع خطوة أمام هول الاتهام ثم قالت بمرارة تسقط عنها قناعها الساتر لدقائق "هل ظننت لوهلة بعقلك المريض أني مستمتعة بعذاب ابني, بتمزقي كل لحظة أرى انعكاس ألمي في عينيه.. هل تدرك أنت مدى فاجعتي ولوعتي وأنا أهادنه بأن تلك الأم المجهولة التي اكتشفها مؤكد تحبه تنتظره وليس كما يعتقد الآن أنها لا تحبه، وتكرهه لتخليها عنه؟"
قال راشد بصوت خافت مرير وإن لم يزل القهر من على ملامحه "لم أظن بكِ شيئاً، لا أريد اتهامكِ.. فأنا أقر بجرمي في حقكما.. ربما أنا أستحق رفض إياب لي, كرهه العنيف الذي يوجهه نحوي, وفقداني أكثر ما اعتقدت أنه يميزني مع صغيري.. دقة التواصل وحسن الفهم والاستماع حتى وهو في سنه الصغير هذا.. هل يعزيكِ هذا فأنا خاسر مثلكِ تماماً هنا؟!"
اتسعت شمسا عينيها الباردتين لتتحول في برهة لانفجار شمسي يحرق دون نيران.. يصهر ويؤلم دون أمل في موت للخطايا ربما يريحهما أخيراً من الوجع "لا, لا.. بالطبع لن يعزيني.. فألمي أكبر، أنا من تكتم كل لحظة صرخة منحورة تريد الخروج تحارب للانتصار عليّ لأمسك ذراعيه وأهزه بقوة, أصرخ بحبي, بقهري ووجعي في وجهه, أن يتوقف عن الوجع, أن لا يذق الضياع.. بأني أمه.. الأم التي تتعذب في وجوده كما كانت تموت في غيابه.. لن يعزيني يا راشد طالما ما زلت أنزف وأتألم"
اشتعلت عيناه من جديد ويداه تقبضان على ذراعيها, يهزها بقسوة كما أخبرته أنها تتخيل ثم همس بشراسة وصدره يعلو ويهبط بانفعال مشاعر متأرجحة بين اللوعة، الغيرة، والاكتفاء "لن أتعاطف معكِ، إذ أني كل ليلة منذ ما حدث ينتهي بي المطاف تحت شرفة الطاووس الغبية، التي تختفي بابني الذي ورث عنادها الكافر.. أسأل نفسي بألم ماذا لو تنازلت من أجلنا؟ ماذا لو كانت الآن معي نساند بعضنا, كل طرف فينا يؤازر الآخر لنخرج وابننا بسلام من محنتنا؟ ماذا لو كان يرانا الآن في بيت واحد يا بدور.. نداوي بعضنا بالعشق والهوس الذي لم يرغب أحدنا في علاجه بداخله؟ ألم يكن الأمر أسهل على ثلاثتنا؟"
صرخت بدور في وجهه بقوة وهي تحاول التملص من يديه عبثاً "تباً لك.. تباً لك.. ألم تفهم لم يعد بي ما تبحث عنه، ليس لك مكان هنا يا راشد.. هل سمعت عن عروس فرانشكتاين، مؤكد تعرفها تلك الجثة الميتة التي أخرجها لتدب فيها الحياة مشوهة بألف خيط وخيط يدب في أنسجتها، هكذا هي أفعالك بي، ما أحدثه والدي بداخلي بل جميع من خانني وطعنني.. جميعكم تواطأ وطعن بدور الجامدة, القوية, الباردة, ولما لا وهي جثة فاقدة للحياة لن تشعر.. كل فرد فيكم أخذ إبرته ودب خيطه الغاشم في جسدي وقلبي، لأجدني اليوم عاجزة عن تقبل المزيد، اكتفيت من دب الإبر المعتدية فيّ.. بالأصل لم يعد هناك مكان واحد يسمح بتمزيقه وترميمه.. فأنا كلي بتّ مشوهة"
صمتت تلهث أمام وجهه المكفهر, وعينيه المشتعلة بسواد جنائزي, وعذاب مشاعره الصامت..
تابعت بألم وهي تمنع دموعها المتجمعة من الانهمار أمامه "تباً لك.. وتباً لحب لم يجلب لي إلا الوبال، كلما أتقدم خطوة فيه، كلما أقبض على نبضة بداخلي تشجعني وتخبرني لما لا، عودي له, امنحيه ونفسكِ وابنكِ فرصة.. فتعود أفعالك تلقيني من برج شاهق تحطمني لشظايا جارحة تجرحني دون دواء"
ساد الصمت بينهما طويلاً, أحدهما لا يحيد عن النظر في عينيّ الآخر, غير قابل التفاوض أو التراجع وقد بلغ الضنى من حاجتهما مداه.. حتى تنازل أخيراً ليقول بهدوء زائف "هذا لأنكِ ترفضين الخروج من بئر ذكريات كان عليكِ قتلها إن كنتِ صادقة في تفكيركِ بمنحنا أسباب العودة، ولكنكِ كالعادة تقصدين نبشها وإخراجها بكل قبحها وقيحها.. بدل أن تخطي للأمام لنعالج الحاضر، بدلاً من رثاء ماضي لن يصلحه شيء في الدنيا حتى وإن دفعنا أعمارنا ثمناً يا بدور"
ارتجفت شفتاها بشدة وهي تنظر إليه بعينين لامعتين ومضطربتين "إذاً كل هذا خطأي الآن.. أنا من تقصد العيش في الوجع.. حسناً هيا عد معي الآن, داوي جرحي العضال وأخبره بأني أمه"
ظل ينظر إليها بنفس النظرة المخيفة, الحارقة حتى قال أخيراً دون تردد "تحركي أمامي.."
كما توقع تشبثت في ذراعه الذي دفعها وهي تهتف في وجهه بحرقة "أيها الوغد... تعرف أني سأكون الخاسرة إن فعلتها الآن"
ضاقت عيناه قليلاً وهو ينظر إليها بغموض، حتى قال بخفوت هادر ذي سطوة "من الجبان المتردد الآن؟ لم أعهدكِ خائفة, أين بدور المتهورة؟ أين المرأة الحديدية التي لا يردعها رادع ولا يهمها بشر؟!"
قست كل عضلة في وجهها وارتعش فكها المنحوت كآلهة جمال إغريقية ورغم غيها، ألمها وانهيارها مثلت في عينيه في هذه اللحظة كل آية لجمال يفور لها القلب بعنف هادر بين أضلعه.
"تلك لم تكن أماً.. لم تجرب معنى ضنى يسكن أحشائها... لم تستطعم طعم حضنه الدافئ الذي يعوضها عن الألم وعن الجميع، لم تصل لأسمى معاني التنازل عن كل إغراءات العالم فقط لتبقى بجانبه"
زفر راشد بقوة بقنوط، ثم هدر صوته بقوة شقت الهواء المكبوت من حولهما "ماذا تريدين مني لأفعله؟ أشيري الآن، أنا على استعداد لتسديد فاتورة ذنبي كاملة يا بدور"
سخرت.. الجاحدة كانت تسخر مستخفة وهي تقول بصوت مشتد رغم إرهاق النبرة "تسديد فاتورة، وبعد وقت قصير تعود لتطالبني بدفعها والمقابل أنا.. نصف العاشقة تعود لتتمرغ بغباء في أحضان سيد الدهاء النمر المخادع"
لم يتحكم في نفسه وهو يتمتم مستفزاً "اللعنة عليكِ"
لم تكن مثال للصمت والترفع خاصة معه، بل معه وحده "اللعنة عليكَ وحدك، فلتحترق إن ظننت بأني مراهقة غبية ستنهار أمام فستان ملعون ورقصة مجذوبة.."
استدار راشد يرفع يديه لأعلى يكمش الهواء بين يديه بعصبية، ولكنها كانت قد استغلت الفرصة لتخرج كفرس متمرد هارباً رافضاً ترويضه لتغادر المكان...
وفي رد فعل مجذوب كما أعصابهما التي تحترق بلهيب مستعر، بسبب كائن صغير ذو أربع أعوام أفقد كليهما ركائزه.. كان هو الآخر يندفع وراءها غير منتبه للسكرتيرة المسكينة التي خبطها دون قصد لتنقلب صينية القهوة فوق ملابسها... أحدهما لم ينتبه أو يهتم ببعض الموظفين من الفئة العليا الذين ينظرون إلى تعاقب كليهما الناري بدهشة وحذر.. ولا ببكاء منال الصامت والتي تفكر في توسل بدور أن تبعدها عن مرماهما نهائياً.. ترى هل ستستمع إليها أم ستشنقها على باب الشركة كما أخبرتها السيدة رباب إن أزعجتها؟!
كانت بدور قد وصلت مكتبها تغلي كالبركان, تدمع عيناها دون تحفظ, تقطع المكتب الواسع الأنثوي ذهاباً وإياباً...
اشتعل جنونها الداخلي عندما سمعت صفع باب مكتبها بعنف وبكيانه يحتل مكتبها مالئه بضخامته, بوجوده واحتلاله...
وقبل أن تصرخ فيه بالخروج كانت تجده هذه المرة يعيد الكرة بجرأة يخطف ذراعها يلفها نحوه ويرجعها نحو حرف مكتبها فيحشرها بينه وبين جذعه الصلب الذي هيمن عليها.. ثم هدر فيها بغيظ "فستان ملعون.. لم ارتديته إذاً؟! رقصة مجذوبة.. لماذا احترقتِ تحت كل حركة ولمسة منها؟! آاااه نسيت ولماذا هذا التنازل غير الطبيعي عن إرثكِ لفتاة احتسبتها طويلاً كجزء مني؟!"
نظرت إليه، نظرة كره خالصة.. كره كان انعكاساً لحبٍّ مقهور واضطراب يصيبها عند اقترابه منها.. عند استغلاله لأوقات توترها ووجعها كهذه اللحظة وكما حدث عندما قبّلها في المشفى..
أسبلت جفنيها سريعاً بندم, بغضب محاولة نبش الفكرة وإزهاقها والتخلص من مشاعرها الكريهة نحوه ثم قالت أخيراً باحتراق "غبي.. هل ظننت بأني فعلت أي من هذا لأجلك؟ الفتاة حبيبة أخي، فتاة أصبحت تذكرني بطريقة غريبة بوجع ابني, بصدمته عندما يكتشف هويتي، مجرد ضحية لأهوائكم كما كنت أنا.. أعدته لها لأنه حقها ولأن بدور التي أعرفها ما كانت لتقبل بسلب أحدهم حقه.."
(هل لو اعترف لها أن إجابتها قد أراحته، بأنه كاد يتوسلها لتخبره أن هذا مقصدها حتى يطمئن على الصغيرة بشكل نهائي... كانت قبلت بمشاعره أم فسرتها بغباء كالمعتاد؟!!)
لم تهتم بإحساسه المتعاقب وهي تعود من جديد تحاول الإفلات منه، ولكن محاولتها هذه لم تزده إلا تهوراً وهو يميل بجذعه فيجبرها أن تنحني بظهرها هي الأخرى نحو سطح مكتبها.. يداها الاثنتان معلقتان على صدره علها تمنع اعتداء تتوقعه ويوترها فيحرق أعصابها وأنوثتها..
يداه تحاوطها, عيناه تفعل الأفاعيل فيها.. عينا نمر غاشمتين بالحكايات فيهما بتمرس الكر والقنص وقد أصبحت طريدته الوحيدة.. أكملت بتقطع "الفستان.. كان من أجل إياب.. ألم تكن هديته؟!.. أرجوك ألقي غرورك جانباً, فأنتَ آخر شخص فكرت فيه ليلتها"
نظر إليها طويلاً قبل أن يضحك باستياء قائلاً "والقلادة التي كنتِ تداريها متعمدة يا جبانة؟!"
فغرت شفتيها عاجزة عن التنفس لبرهة، عن منحه الإجابة.. رباه لقد ظنت بأنها نجت بعد جنون تهورها, بعد فورة مشاعرها الغبية وقد ارتدتها فعلاً في عنف لحظي تأثراً بما كان يجري يومها.. ربما هو كان بحث عن ماضي وقصة حب قد كانت وهي ترى حينها الجميع يكللون قصص عشقهم مع أنصافهم الأخرى عاداها... تباً ليس وقت تبرير الآن يجب أن تبحث عن إجابة... ولكنها عندما تكلمت قالت بفتور "حقي، هذه القلادة حقي وليس لك حق مطلقاً لمحاسبتي بكيفية التصرف فيها"
ابتسم في وجهها ابتسامة حقيرة, غضبت لها كلها, صرخت بقهر وهي ترفع يديها دون تردد تنوي تمزيق ملامحه بأظافرها.. ولكنه أدرك نواياها ببساطة وسيطر على يديها يمسك كل يد في إحدى كفيه ليعيدها جانبها مستنداً على المكتب يحاوطها ويحشرها في وضعها المائل هذا، وجهه انخفض نحو وجهها, نفسه العبق بعطره النفاذ ورائحة جسده يختلطان بالرائحة المميزة لعطرها اللاذع...
للحظة غرق كلاهما في عنف وعمق ثوان سرقت من الزمن.. رغم تشبث جزء من عقلها يلح عليها بالخروج والهرب في الحال... أنفه يتشممها ويتنفسها بنهم مسبباً لها إحساس عميق بالتأثر كاد يخلع عنها كل أدرعها, ينسيها بالأصل سبب عودتها لمعاداته غضباً وحرقة على طفلها.. وسخط آخر عنيف على تلك المتبجحة التي أتت إليه هنا.. ولكنها أبداً ما كانت لتعترف وتفصح لتمنحه إحساس بالغيرة أو التأثر (فليحتررررق)..
ومن بين جفونه التي أغلقت ونهمه في تشممها وتنفسها النهم كان صوته يصدح أخيراً يقصفها ويصدمها "لا تتأملي، لن أقبلكِ مرة أخرى يا بدور وإن توقفت عليها حياتي"
زمجرت بشراسة نمرة وهي ترفع حذائها ذا الكعب العالي تضربه فوق قدمه بعشوائية لتطال مقدمة حذائه.. سب هو بعنف وقح على أثره, أغلقت عينيها سريعاً، متمتمة بكلمات غير مفهومة، لم تصدم فهي لم تكن مرته الأولى التي يصدمها فيها بوقاحة لسانه (الوقح, أي رقي بحق الله يتمتع به تربية إنجلترا وسليل العائلة الكريمة، المخادع الذي يداري ألف وجه وراء وجه رجل الأعمال المتكبر؟!"
لم يتزحزح راشد من حشره لها يقاوم احتراقاً حقيقياً ليقبلها فعلاً إلا أنه تحكم في نفسه وإن حافظ على تماسهما.. عليه الإقرار هو يعشق حشرها في الزاوية فقد باتت الطريقة الوحيدة ليشعر بدفئها, بمذاقها مقابل دقات قلبه المخطوف في أسر بهائها وتكبرها، وحتى غرورها.. ومن يليق بالغرور سواها؟!
"ابتعد عني.."
قال بجمود خشن "سأفعل عندما يحلو لي.. عندما أخبركِ أي متغطرسة أنتِ، جبانة كما لم أعرفكِ، تلوحين بألمكِ ثم تهربين رافضة يد المساعدة.. أتعلمين ما أنت يا بدور؟ مجرد (نواحة) تستلذين بوجعكِ، تعشقين بكاء أطلالكِ, ترفضين محوها، خائفة من التقدم خطوة علكِ تفقدين لذتكِ بشعور الاضطهاد"
توسعت عينا بدور من ظلم الاتهام.. إلا أنه لم يبالي عندما مال عليها أكثر, شفتاه تكاد تمس شفتيها وهو يهمس بينما يداه القابضتان على كفيها الناعمين تضغطان بقسوة مسبباً لها ألم "ربما أكون ظلمتكِ.. إلا أني أصر بأنكِ مجرد طفلة مذعورة تخاف التحليق من جديد، سنونو جبان يلجأ لجحر تسكنه أفعى سامة, تمتص دمائه كل ليلة ببطء, مقابل بقائه في هذا المكان حتى لا يرفرف بجناحيه ويغامر عله يحلق ويطير يصل لعنان السماء التي تخيل أن يمسكها يوماً فيحصل على حريته من كل همومه ومخاوفه وعقده.."
لهث نفساً داخل صدر بدور وهي تنظر إليه بغير استيعاب, هل ما زال يذكر؟!
وكأنه قرأ التيه في عينيها عندما أجاب بعنف مكبوت "لم أنسى قط.. لم يبدد من عقلي شيء أخبرتني به أبداً.. هل تسألي بأي حق، بأي سلطة؟ بسلطة العاشق يا بدور، بسلطة والد ابنكِ الذي يتعذب وكلاكما لن تجدا الدواء إلا عندي.. أخرجي من الجحر، أتركي أفعى مخاوفكِ التي التهمتكِ.. وأعدكِ هذه المرة بنفس قسمي الذي لم تصديقه.. بحق دمائي ونسبي إن تخليتِ وسلمتِ لي راغبة لأفنين عمري في إصلاح كل ما شوهته، حتى يعود طاووسي العاشق يزهو بألوان غرامه.."
لهثت منفطرة النفس المتسارع, تنظر إليه بعينين جُنَّتا في محجريهما، شًعَّتا حنيناً وأملاً وغراماً.. كادت أن تصرخ بنعم, أن تحترق وتلمسه, ترمي نفسها على صدره.. تتنازل غير مبالية بوجع الأمس ولا خوف اليوم.. إلا أن مخاوفها كان لها الجانب المظلم، عذاب إياب المنتظر لها الآن كان له الغلبة لتهمس بتراجع "لا.. السنونو يفضل أفعى أوجاعه"
ضم راشد شفتيه بعنف فشكلتا خطاً قاسياً مخيفاً.. مخيفاً للغاية، وقد ذكرتها هذه النظرة بمرة واحدة.. مرة مخيفة على أثرها انفطرت لسنوات..
"أنا مللت منكِ، تعبت.. تعبت وعجزت عن إمساك غبائكِ, ما الذي يرضيكِ؟ ما الذي يلين حجر الصوان ويخدشه؟"
صمت لبرهة يفلتها من حصاره, ينظر إليها وهي مستلقية للوراء على مرفقيها تحدق فيه بذعر.. وكأنه لا يراها عندما أكمل محدثاً نفسه بحيرة وغموض غريب وكأنها غير موجودة بالأصل "بالنهاية لن يكون لديكِ عندي إلا حل واحد, سأحرقكِ عقبه إن لم تفعليها بنفسكِ"
هلعت وإن لم تبين شيء, ذعرت.. وبكل ما يعتمل بداخلها لم تفهم مطلقاً المعنى المقصود.. عندما تركها أخيراً وخرج يحفر الأرض حفراً ناريه كما أتى بالضبط..
"رباه، فلتقص لساني"
********
يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:14 PM   #6186

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السابع والاربعون المشاركة "3
"



وقفت منى على باب غرفة الصغير التي جهزتها بنفسها مع خالد منذ أعوام قبل ولادته حتى.. غرفة لم يهنأ فيها الصبي المعذب، ولم يبرأ فيها جرح ابنتها كما حلمت وتمنت.. غرفة طفولية جميلة جهزتها وهي تتخيل أول حفيد راويّ خالص لها.. حفيد هو المستقبل الذي تأمله.. وأخيراً عاد ليشغرها.. ولكنه عاد مذبذباً آخذاً نصيبه من الألم مثل كل فرد فيهم..
بهدوء كانت تخطو للداخل، تشير للخادمة التي تهتم به عند غيابها وبدور لبعض الوقت، نزولاً عند رغبة ابنتها التي أصبح أمر أمانه يشكل لها هوساً غير محمود العواقب، ولكن من هي لتلومها.. كيف لقلب أمومتها أن لا يدرك مأساة ابنتها التي لا تتفوه بها.. ولكنها تكشفها عبر كل رد فعل, عبر كل همسة، عبر كل رفض متألم منها.. صغيرتها الحبيبة ترهب مع كل نفس من أن يعود أحدهم ويسلبه منها، جرحها عميق ولم يندمل، تخشى أنها تعيش داخل حلم عودته مرتعبة من فكرة استيقاظها على كابوس الحلم الجميل، ذعرة من أن يكون واقعها المميت بفقدانها له، يختلط بحلمها في وجوده بين ذراعيها.
"رفض أن يأكل طعامه سيدتي"
ابتسمت منى بلطف في وجه الشابة التي حملت صينية من الزجاج مرسوم فوقها شخصيات كرتونية، وأطباق صغيرة زينت بشخصيات (شلبي سولفان وكروتي البعبع).
توسعت ابتسامة منى الموجعة بشكل أكبر وهي تذكر تشبه ربيبتها بأشياء مماثلة حتى الوقت الذي أخذت من ذراعيها فسلبوها منها ورموا صغيرتها الحبيبة في بئر آثامهم المظلمة..
تمكنت من أن تتنفس ببطء وهي تحمل الطعام بدلاً عنها ثم قالت بلطف "اتركيني معه.. أنا سأطعمه"
لم تجادل الصبية وخرجت على الفور تغلق الباب ورائها.. خلعت منى حجابها تضعه على المهد الذي لم يلمس جسد حفيدها إلا بضع أسابيع معدودة على الأصابع.. مهد لم تفرط فيه بدور مطلقاً، بل بعد خروجها من المشفى كانت تجدها هنا كل ليلة، ترتب الغرفة بنفسها, تغير الأغطية, تجهز له ملابس تشتريها على حسب مرحلته العمرية، ثم تجلس على مقعد هزاز مقابله تنظر إليها نظرة كانت تمزقها, ترديها قتيلة وجعاً على قلب صغيرتها تنهشها بنار لم تنطفئ, ثم تمنحها الضربة القاضية وهي تسألها بنبرة يختلط فيها التوهان وفقدان العقل "هل تظنين أن ترتيبي سيعجبه، لقد حلمت أنه عاد إليّ الليلة الماضية، أظنه سمع ندائي وسيفعل في أي لحظة, لذا أنا هنا أنتظره"
أغلقت منى عينيها بقوة تزيح كل أوجاعها جانباً.. ثم جلست على الأرض بجوار ابن ابنتها المنشغل في تأمل لوح بازل كبير كان ركبه بمساعدة خالد عندما علم بشغفه بتركيب الأحاجي.. لوح دقيق كبير على مرحلته العمرية بل عندما أتى به خاله له كهدية وانجزه كان يحمله بفخر يخبرهم أن من ابتاعه له أخبره أنه لا يفلح إلا مع طفل يتعدى العاشرة.. لوح تعمد فيه ابنها أن يكون أشكال لحيوانات عدة يكونون أسر سعيدة كل زوجين مع بعضهم وأمامهم ابن صغير.
"لما لم تأكل؟"
كما توقعت لم تتلقى رد من الطفل المتشنج والعابس..
مدت منى يديها ترفعه جبراً فقاومها بنزق لثوانٍ، دافعاً ذراعيها بعيداً..
بهدوء وروية كانت منى تمسد على رأسه تقبلها بحنان وهي تقول "هل هذا فعل مهذب من حبيبي إياب برفضك الحديث مع جدتك؟"
رفع عينيه الشبيهتين بعيني والده، بغضب سرعان ما اندثر وهو يهمس بذنب طفولي "آنا أسف"
أجلسته منى على إحدى ركبتيها وهي تمسد كتفيه المتقلصين لتجلب له الاسترخاء متمتمة لأذنيه بآيات من الذكر الحكيم لدقائق خضع على أثرها الفتى تحت جناحها.. حتى انتهت أخيراً وهي تقول برقة "الجدة لا تغضب من حفيدها أبداً"
"أريد بدور، لقد وعدت بعدم التأخر عليّ"
همست منى بتآمر "أخبرتها أن لا تأتي لأنك لا تريد الطعام، وهذا أحزنها جداً كما أحزنني"
عقد حاجبيه ينظر إليها من تحت جفونه بنزق شديد ثم قال "لن أحبك مثل بابا الآن!"
قالت منى بلوم "تكره أناس يحبونك مثل ما تحبك بدور.. هذا أحزنني كما يبكي والدك الآن"
كان جباراً في رده الذي جعل اللون يخطف من وجه منى لثوانٍ حتى استوعبت ما تفوه به عندما قال "لا بأس, هذا أفضل له، مثلما رآني أبكي كثيراً كثيراً وهو يخبئ عني أن لدي ماما كباقي الأطفال"
"القسوة وعنف الرد ليس شيئاً عجيباً عنك يا ولدي عندما يكونان هما أبويك" همستها منى دون صوت وهي تنظر له بامتعاض سرعان ما سيطرت عليه وهي تقول بحزم "دعنا من بابا، الطبيبة صديقتك حزينة أيضاً، لماذا رفضت الحديث معها؟"
أجابها بمنطق طفولي بحت "تعرف أن لديّ ماما ورفضت إخباري"
حسناً كما توقعت بحنكتها ابن ابنتها يقصي من محيطه أي شخص يعرف والدته ولم يخبره.. ببساطة وفي تفسير موزون كما وصلت من نقاشتها مع طبيبته بعد ساعات من الحديث (الصغير أعدمت ثقته في كل من حوله وعلى رأسهم أبيه).
تلقائياً وجدت منى نفسها تضمه لقلبها بقوة ورهبة, عيناها تغلقان, دمعها يسبح من خلف الجفون وقلبها يتمتم بقهر "لقد تركتهما طويلاً ليحلا مشاكلهما, ليتحمل كل واحد فيهما جانبه من عمى قلبه وضميره، من تخبطه وتهوره في عدم حمايتك وإبعادك عن حربها.. كلاهما مذنبين، كلاهما يا حبيبي في عيني مجرمين لعدم وضعك في الماضي هدفاً ومسعى أوحد.. أنتَ كنت تستحق أن تكون لك الأولوية الوحيدة في حياتهما.. ولكن إلى هنا وكل شيء انتهى، لن أسمح لمخلوق بسلبك مني، بتحطيمك بظلال الماضي كما حطموا زرعي في ربيبتي، التي ألقوها بتوحش داخل قبور الأموات ولم يستطع أحدنا حتى اللحظة انتشالها منها.."
عندما أبعدته مرة أخرى كانت ترفع وجهه نحو قسماتها الطيبة المريحة وهي تقول بحنان "ما رأيك إذاً، دعنا منهم.. ونعقد أنا وأنتَ صفقة أطعمك بنفسي، ثم نلعب سوياً.. أتعلم أني أجيد الرسم كما خالتك شيماء؟"
دفؤها, رقتها، وشيء جذاب بداخل منى كان دائماً قادر على إذابة أعتى القلوب لذا لم يكن إياب الصغير محصن مطلقاً أمامها عندما ابتسم لها أخيراً بعد عذاب حزنه في الأيام الماضية.. هز رأسه ثم تحرك من حجرها على الفور متوجهاً نحو خزانة من الخشب تعددت أدراجها البلاستيكية المفتوحة.. وجذب الألوان وورق رسم ووضعهم أمامها.. ثم اندفع أمام وجهها المبتسم وعينيها التي تتأمله بمحبة ترصد كل حركة منه بعاطفة ‏الأجداد.. عاد إليها من جديد يبسط أمامها علبة كبيرة اسطوانية وهو يقول بحماس طفولي "سَبنتي ابتاعته لي ووعدتني عند انتهاء الحفل أن نلعب بها سوياً.. ولكن خالي اختطفها"
تخلل آخر جملته السخط والتبرم وبعضاً من الأسى..
سحبته منى من جديد تجلسه على مقعد أزرق مخصص للأطفال من القماش مشابه لصالون مصغر.. وضع في ركن الغرفة ثم سحبت أول طبق أمامها وهي تهم بإطعامه وقالت بهدوء "خالك تزوجها، وهذا طبيعي أن يحصلا على حياة خاصة بها.."
صمتت منى بقصد قبل أن توازن قولها بدقة شديدة حتى لا تفسر شيء غير مرغوب فيه ويسترعي انتباه طفل مثله.. ثم قالت أخيراً وهي تراقبه يتناول بعض الباستا بطواعية ناظر إليها بفضول " هل رأيت خالتك نوة وزوجها وأطفالهما؟"
"أنا أحب ليم طيبة.. لا أفضل لوليا"
ضحكت منى وهي تعود تدس في فمه معلقة طعام أخرى ثم همست بتآمر مضحك تجاريه "ومن يحب المزعجة لوليا.. إلا ليبرتا طبعاً"
عبس بقوة قبل أن يقول "أحب خالتي مريم وعمي إيهاب أيضاً وإياس أخي ولكن ليس هي"
بصبر كانت منى تواصل لإيضاح الفكرة وهي تقول "وأعرف أنك تحب العم مدحت وزوجته وأطفالهما.. هل تعلم أني أم خالتك نوة وشذى، ومريم أيضا.. لذا جميعهم ينادوني جدتي مثل إياب الصغير الرائع"
لم تستطع جذب انتباه الفتى بعد لما تحاول قوله عندما أشار نحو كوب اللبن يتناوله منها بنهم وجوع.. على الأقل حتى اللحظة نجحت في تغذيته بعد رفضه وتعذيبهم منذ تلك الليلة المفجعة بالنسبة إليه..
واصلت منى بهدوء "وربما أيضاً ستحصل على أخ آخر قريباً كما أتمنى من خالك وسبنتي"
توسعت عينا إياب وتكور فمه وهو يطلق تعجب مذهول "أوووووه، سَبنتي ستصنع بيبي.. كيف؟"
تنحنحت منى بحرج قبل أن تدرك نفسها سريعاً متابعة مسعاها وهي تحرك أناملها تداعب بطنه وتدفعه للضحك قبل أن تقول بمشاغبة "ستضع الصغير هنا ثم ستأتي لنا به.. هذا شيء طبيعي يتبع الزواج.. كما هذه اللوحة التي ركبتها أنت وخالك"
أشارت منى نحو رسوم الحيوانات التعبيرية في أسر.. متابعة استمراره في مضغ الطعام بينما عينيه بدأت تناظرها بفضول شديد واهتمام "هل الزواج يصنع طفلاً؟!"
سأل باستكشاف.. أجابته ببساطة "الزواج والزفاف كما رأيت في الحفل هو السبيل الوحيد لصنع طفل.."
كور إياب شفتيه وكأنه وصل لاكتشاف جديد مثير، عندما سألها من جديد "الزواج يعني بيت كبير يعيش فيه بابا وماما، كما أقاربي!"
أجابته بهدوء "نعم، عليهم فعل هذا.. حتى ينجبا لنا طفل جميل وذكي كإياب"
"أوووه" همس بانبهار قبل أن يمنحها الكوب الذي كان يمسكه.. ثم يقف من المقعد يذهب أمام اللوحة التي منذ أن علقها وخاله تثير بداخله شيء لم يفسره بسنوات عمره الصغيرة.. جلس أمامها رأسه مرفوع لأعلى ساقيه مربعتين وكفيه المدببتين يسندهم هناك.. يتابع تأمله المنبهر حتى قال أخيراً وهو يشير نحو عائلة النمر المرقط "بابا كان يحكي لي قصتي المفضلة دائماً، وأخبرني أن النمر فيها تزوج من الطاووس، وأنجبا صغير جميل جداً ولكن النمر أخذه وحده.."
لقد قرأت القصة مراراً.. قصة دامية لو كانت مكانه ما فعلتها أبداً إذ أن على أثرها عندما يربط ابنه الخيوط ويكتشف الحقيقة، سيكرهه كما لن يحتمل قلب أبوته.. هي تحب راشد ولكن هل ستكون عادلة إن قالت أن الفكرة في حد ذاتها أراحتها فليذق من كأس حنظل ابنتها القليل..
"قصة جميلة، ولكنها حزينة, لم تعجبني كثيراً"
ما زال رأسه مرفوع لأعلى, عيناه تلاحقان شيئاً غير ملموس في اللوحة بانبهار حتى قال اأيراً "معلمة القرآن قالت أنها غير صحيحة، لم تحببها أيضاً، كيف لنمر أن يحب طاووس.. لقد أخبرت بابا أن على النمر أن يأكل الطاووس لا أن يتزوجه"
ارتد وجه منى للوراء ثم اقتربت منه تجلس وراءه وهي تقول "هذا تفكير قاسي جداً يا صغيري"
لم يفسر أو يدافع بل استمر في القول الطفولي "أنا أحب الطاووس، كنت أحلم به كل ليلة داخل الحديقة السحرية يأتي إليّ ويضمني هكذا" رفع ذراعيه يحتضن نفسه بقوة يربت على أحد كتفيه وهو يخفض رأسه داخل الحضن الخيالي..
دمعت عينا منى وهي تقول "هو أيضاً كان يحلم بك، ومن غيره يستطيع سماع مناجاتك وتلبية أحلامك سواه؟!"
" لقد رغبت أن أراه دائماً، لأخبره أن لا يحزن، بأن النمر شرير سيء لأنه جرحه.. أنا عندي ضمادة كبيرة جداً أحتفظ بها، وعندما أراه سأضعها فوق جناحه وأربت عليه وأخبره أني لأحبه فلا يهتم بالنمر الشرير"
(يا رب المظلومين والموجوعين الرحمة بعبيدك الضعفاء, أنزل على قلب ابنتي وطفلها السكينة، لا تجعلها تعاني الألم, يا الله عجل بشفاء سقمهما.. أرجوك يا رب لا تجعلها تذق مرارة خسارته من جديد) كان قلب منى يهمس بتضرع شديد وخشوع قوي علّ رب العباد القادر على كل شيء ينزل رحمته على ضناها أخيراً..
كيف لطفل في الرابعة أن يجيد التعبير بهذا الشكل حد أنه مزقها على حد سيف ببضع حروف صادقة ومتلعثمة؟!
سحبته منى من مكانه وهي تقول بصوت هادئ تخلله اختناق المشاعر "هيا أريد الرسم معك، ام تفضل أن نحل لغز لعبة أختك؟"
كما تعلم جيداً ركن هام في علم النفس الحديث (نفسية الطفل نادرة ومعقدة عكس ما يتوقع البعض بأنها نموذج مصغر لشخص البالغين.. بل هي صفات جينية مكتسبة وخبرات سلوكية تتأثر بالبيئة المحيطة والأحداث من حولهم).. لذا لم يكن صادم لمنى عندما قال إياب بهدوء "أين زوجة والدي؟ أهي أمي؟ لماذا تخلت عني؟!"
ظلت منى لدقائق تنزع الغطاء الكرتوني تخرج قطع بازل أخرى أشد تعقيداً من لوحة خالد، وترتبها أمامها في عمودين ثم بسطت أمامه بعض القطع العشوائية.. وهي تقول بخفوت متجنبة إجابة فورية أو تهور في الحديث كما حصل مع كلا أبويه يوم أن صرخ بسؤاله في وجهيهما.. (الأحمقان، ما زالا جاهلين أن الله منّ عليهما بطفل ذكي يحتاج لتعامل خاص جداً وحريص.. يحب أن يغوصا بداخله كما يغوص صياد ‏الكنوز في باطن البحار ليخرج اللؤلؤ من قاعه الرملي).
"أنظر للصورة على العلبة جيداً يا إياب واطبع خيوطها في عقلك حتى تحل لغزها بنفسك، لأني لن اساعدك، هذه المرة أحتاج منك أنت أن تصل لعقدها.. وبعدها ربما أرشدك يا صغيري"
عبس إياب قليلاً ولكنه انصاع لأمرها يتأمل الصورة المطبوعة التي مطلوب منه أن يفك أحاجيها ويوصلها ببعضها..
وعندما التقط من منى تلك القطع بدأ بفردها وقسم كل لون على حدة، كل رسمة تليق بأخرى بجانب بعضها قائلاً "هكذا أفضل جدتي ويسهل الحل لأركبها سريعاً"
ابتسمت منى وهي تبعثر شعره ثم قالت مشجعة "هيا أرني كيف سيفعلها طفلي القوي؟"
قال بلهفة "هل إن حللتها أستطيع أن أتحدث مع أختي؟ بدور تمنعني وأنا اشتقت لها"
ترددت منى للحظات في منحه وعد ربما لن تستطيع الوفاء به فابنها المتصلب يرفض السماح لأحدهم بالتحدث معه متحجج بأنه يريد وقت خاص بهما وحدهما، غير راغب أن يتدخل أحدهما فيما يجري بينهما.. لن تنكر قلقها عليهما أيضاً فهي تجزم بأن الأمور بينه وبين زوجته ليست جيدة عكس ما يدعي ولدها.. حمداً لله على الأقل هي مطمئنة ناحية شيماء ما لم تكن تتوقعه أبداً أن يكن نزار متفهم لحال صغيرتها ورفيق بها, صابر عليها ومحتوي اضطرابها الكلي من تغير كل حياتها دفعة واحدة مع حالتها الخاصة..
"جدتي هل تعديني؟ أنا أفتقد سَبنتي، أريد أن أخبرها بأني لدي أنا وهي (ماما) وليس كما أخبرني أبي"
معضلة أخرى.. توترت منى وهي تنظر إليه، الصغير لو علم أن سَبنتي تعرف ربما سيرفضها هي الأخرى ووقتها لن يكن الأمر معه جيد على الإطلاق.. أن يفقد كل ركائزه والأشخاص الذين شكلوا حياته وعالمه الذي كبر فيه دفعة واحدة مؤكد سوف يسبب له صدمة الله وحده يعلم كيف سينجو منها؟!
لا تريد فقده، لن تتحمل خسارة أمل أسرتها, أن يعاني الجيل الجديد أيضاً كما عانى جيل الكبار.. ألا يكفيها طفلتها التي سلبت منها كل ألوان الحياة وأصبحت مجرد فتاة معقدة, باهتة الروح واللون؟!
أجبرت منى لأن تجد معه خيوط الوصل عندما قالت بهدوء "إن وعدت بعدم البكاء حتى الغد وأن تتناول طعامك وتعاود اللعب، سأجعلك تحدثها.. ما رأيك؟"
أوماً سريعاً بسعادة موافقاً على طلبها قبل أن يشرع في تركيب أحجيته.
كان منهمك في اللعبة ترشده منى بتدخل بسيط ..تستمر في الحديث الرائق معه.. حتى وصلا لنصف الطريق الذي أصبح سهلاً.. عندها عاودت القول ببساطة "هل أخبرتك أن بدور وهي صغيرة كان أبوك يناديها بالطاووس المزعج؟"
جذبت اهتمامه من جديد بسهولة وهو ينظر إليها بانبهار وفضول.. أكملت منى وهي تضع قطع الأحجية التي مثلت ثلاث جياد يصهلون عالياً تتشابك رؤوسهم وتتداخل أجسادهم.
وتساءلت مع نفسها "هل فعلاً سَبنتي من اختارت الأحجية أم أن ابنها الذي يتحرك بخفاء شديد هو من اقترحها؟!"
"بدور كانت طاووس"
ابتسمت منى وهي تصحح له وضع أحد القطع لأشكال الأشجار ثم أجابته بهمس كمن يبوح بسر خطير "كانت ذكية مثلك، وإنما مجنونة أيضاً ومزعجة عكس أخواتها، لقد قام بإغاظتها مرة وهي في عمرك تقريباً, أتعلم ماذا فعلت لتنتقم منه؟"
فرك يديه بحماس من جديد وعينيه تلمع مستحسن الانتقام.. تابعت منى الهمس أمام عينيه "كان جده أهداه مجسم لنمر معلق في دلاية صغيرة، غالي جداً على والدك لم يكن يفارقه.. فأخذته هي وأخفته في الحديقة ودفنته عميقاً.. ظل يبحث ليومين، منزعج غاضب.. بينما هي تتابعه ضاحكة قافزة بسعادة"
"وهل وجده أو أعادته له؟!"
ضحكت منى بقوة هذه المرة للذكرى ثم قالت لم يعثر عليه أبداً، إذ أنها نسيت مكان دفنه بالأصل"
قال بانبهار "وهل عاقبها؟"
قالت منى بغرور محبب "لم يستطع، كانت طفلة مثلك من يلومها أو يطالبها بعقاب.. ثم إن كان فعل لكانت انتقمت منه من جديد ..لذا آثر الصمت وهو يغلي غضباً"
انفجر صغيرها الممتع في الضحك.. مستمتعاً بالحديث..
فقالت منى "عندي حكايات أخرى عنهما، وعن سَبنتي أيضاً، ولكن أختك كانت الأكثر إزعاجاً وشقاوة.."
أشار بإصبعه نحو صدره وهو يقول بعبوس "هل أنا مزعج مثلهما؟"
أمسكت منى وجنتيه وهي تقول بصوت مصغر مداعباً "لا أنتَ حفيدي المهذب.. بالطبع إياب أفضل وأذكى من الجميع"
قفز إياب سريعاً يمنحها أجمل ‏مكافأة عبر حضن قوي وقبلة أقوى على خدها ثم جلس مكانه يكمل اللعبة بكل حماس.. حتى أنهى آخر قطع فيها وهو يقول "هذا الجواد إياب.. ووالده.. صحيح؟"
نظرت منى للوحة بتقييم والتي لم تعكس أسرة كما الأخرى بل كان الثلاثة متشابهين في العمر ولكنه من الجيد بدأه فهم المغزى..
قالت بهدوء "من الممكن.. هل أخبرتك أيضاً أن الفرس التي أنجبت الجواد إياب كانت ملكاً لبدور وسميتها.. بدور من منحتك جوادك، وأطلقت عليه اسمك"
توتر الصغير وهو يحدق فيها بغموض هذه المرة قبل أن يسألها بهدوء يثير الريبة "هل بدور كانت تعلم عني، قبل أن يعطني بابا لها؟"
اعتدلت منى من جلستها وهي تقول بهدوء "أين غطاءك المفضل؟"
قفز من جديد باندفاع الأطفال وفتح الباب يغادر الغرفة وغاب لوقت.. سامحاً لها بالقلق للحظة، ما تفعله سيعجل بالأمر ولكن أليس هذا أفضل؟ هي قصدت هذا، فكلما حصل الولد على إجابته مبكراً، كلما كان الوقت في صالح أبويه ليصلح الخراب الذي افتعلاه.. كما أنه يجب على ابنتها أن تهدأ لوعتها أخيراً.. هي لم ترد التدخل في أمورهما ولكنها أجبرت الآن على فعلها.. كما تنوي بالضبط عقب عودة ابنها أن تتدخل في حياة زوجته رغم أنفهما.. لقد تركت لهم الحبل طويلاً يعبثون جميعاً مضيعين أعمارهم.. وحان وقت أن تقطع حبال الماضي الموصولة بالحاضر.. حتى تحصل على مستقبل مشرق للجميع.. من حقها بعد كل هذا أن يمنحها الجميع صورتها المثالية نقية, جميلة, خالية من منغصات الحياة..
عاد إياب الآن يحمل (البطانية) بين ذراعيه وهو يقول بنفس متسارع أثر ركضه "جلبتها من غرفة بدور"
سحبته تجلسه على حجرها ثم فردت الغطاء على قدميه تشير نحو الخيوط الذهبية وهي تقول بهدوء "هل تعرف اسم من هذا؟!"
قال سريعاً "بدور.. معلمتي سألتني مرة عنها بعد أن قرأته لي, أنا أذكر هذا"
أشارت منى نحو الاسم الذي تحته وهي تقول بهدوء "هل تعرف اسم من هذا؟"
قال بتلقائية "أبي"
أخذت منى نفساً عميقاً للغاية ثم قالت "جيد، جيد يا إياب ولكن ألم يفكر حبيبي الذكي ويربط ويحل هذه الأحجية؟ ترى ما سر أن يتواجد اسم والدك وصديقتك الجديدة فوق غطائك المفضل؟"
تدلى فك إياب في رد فعل مضحك قبل أن يقول بغباء ذكرها بإحداهن مؤكداً على الحقيقة العلمية أن الطفل يتأثر في المحيطين به لم أفكر في الأمر من قبل"
أمسكت منى وجهه من الأسفل ترفعه نحوها, تحدق فيه بعزيمة وإصرار وهي تقول بنبرة قوية حازمة "بدور أيضاً من صنعته لك، عندما ولدت صغيراً للغاية حملتك بين ذراعيها وضمتك بقوة ثم أهدتك هذا الغطاء.."
لم يرد الفتى بل بقي يحملق فيها بعينين جاهلتين يحاول ربط أحجيته الكبرى ببعضها, يرتب خيوطها وألوانها والقطع الملائمة.. رسم في عقله الصغير الصورة الكبيرة التي أشارت له عليها، ليصغرها أمام ناظريه وهو يوصل القطع ببعضها سادّاً الثغرات ومكمل القطع الناقصة.
"بدور تحبك، وكانت تحلم بكَ أيضاً، متمنية أن تجدك لتأخذ منك (الضمادة) لتضمد بها جرحها.. ثم تأخذك تحت جناح الطاووس لعالم سحري لن تجده عند مخلوق سواها"
هناك من بعيد كانت تلمح دموع طفولية وراء حدقتيه المفطورتين وهو يحدق فيها بعجز يلاحق الفكرة والعبرة, ينظر لتلك اللوحة المشوهة بأمل وألم "بدور صديقتي، هي طاووسي جدتي؟!"
لم يكن سؤال فقط بل إقرار اقتطع على الجميع كل الطريق المتعرج.. ولم يبقى إلا بسطه كاملاً أمام ثلاثتهم.. لقد حان وقت المواجهة الحقيقية, فهل تتعشم أن يجد كل واحد منهم مساندة ودعم للآخر بعيد عن أن ينأى كل فرد منهم بأوجاعه؟!
"فكر أنت واربط الاحجية، واخرج بالنتيجة، وجدتك هنا ستحميك بما ينافس شراسة والدتك الحبيبة لتكمل لك قطعك المخلوطة لتعود يا غائب وتضيء العمر إشراقاً"
********:arnb :

يتبع الان

ru'a likes this.

Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:21 PM   #6187

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السابع والاربعون المشاركة " 4" رجاء الانتباه أن شاء الله اليوم وبعد ساعتين سوف يتم نشر فصل اخر او الفصل 48 ....تعويض عن غيابى الفصل الماضى ..لا تذهبوا بعيداً 🤭🤭🤭

...............................



وقف نزار يتكئ على إطار غرفة المعيشة الخاصة بجانب بيت والديه الآن، وليس والدته فقط.. عيناه الخضراوان يحتلهما سواداً غريباً وكُرهاً.. غيرة حمقاء يعلم أنه يجب أن يسيطر عليها وينضج فكره ناحية والده.. أباه الذي منذ تواجده في حياته لم يقدم له إلا كل احتواء ومؤازرة، فعوضه خلال أربعة أعوام فقط ما خسره في عشرين عاماً.. هل هو يشعر بالغيرة فعلاً منه على والدته؟ بلا يفعل ولكن كيف يمحو تلك النار وهو يشعر بأن كل هذا غريباً فقد عاشت هناء له وحده وبه، لا تختلط بأحد لا تسمح لنفسها بالتعايش بالحياة فقط لأجله وحده.. وماذا كانت النتيجة التي كافئها بها؟!! دمرها، آلمها.. ورغم جريمته غير المغفورة وجدت هي بكل حب ومشاعر أمومية وفداء بداخلها له مخرجاً ومنّت عليه بعودته لحنانها, لاتزان تمنحه له.. هناء لم منحته حياته فقط، بل وطناً لا يستبدله بسواه رغم كل المغريات التي وجدها في دولة أخرى.. منحته قوة شخصية مع كل ما هو عليه ويتفاخر به.. يعود الفضل فيه لها وحدها.. فلما الآن بكل أنانية لا يسعد من أجلها، ويبارك عودتها لأبيه؟ ألا تستحق هي بالنهاية أن تعوض عمرها الضائع؟!
"انتظري يا صغيرة، أحاول تشكيل هذا من أجلكِ لتري عبر قلبه ما قصدته من الشرح لكِ"
ابتسمت شفتاه دون أن يفصح عن سعادته بالعلاقة التي تطورت بين والده وزوجته على الفور وكأنهم يعرفان بعضهما منذ الأبد..
هل عليه أن يقول أنه يفهم سر تعلق عصفورته السريع بحكايات أبيه وحسن سرده الذي يخبرها عن عالم جديد للفضاء والنجوم، لم تعرفه هي من قبل إلا سمعاً؟!
أم يندفع الآن مشاكساً كليهما بغيرته الخرقاء عليها أيضاً.. وكان للاختيار الثاني الأولوية عندما اقتحم المكان وهو يقول بعبوس وغضب "يا حاج أبعد يدك ولسانك وحلو كلامك عن زوجتي، ألا يكفيك خطفك أمي؟!"
كان جوشوا يجلس على الأرض يشمر كمي قميصه لأعلى بجواره شيماء تطوي ركبتيها تحتها تنتظر بكل حماس وشغف، مستمعة له بكل انبهار ما يشرحه لها عن الشموس البعيدة في مجرات أخرى.. بينما أمامه عجينة من نوع خاص تشبه الصلصال قليلاً.. شاحبة البياض علم من خلال سنوات تعايشه مع أبيه إنها تصنع خصيصاً لمن مثله ليصنع بها مجسمات خاصة بعلوم السماء ثم يسمح لهم بتصويرها والتلاعب قليلاً وبنائها بصورة تطابق المعنى على الأجهزة الالكترونية "هل ستخبرينه أنتِ أن يخرس ويترككِ بحالكِ معي.. أم أعنفه أنا؟"
تورد وجهها وهي تهز رأسها بالنفي دون أن ترفع رأسها عن النظر في الأرض، ربما زوجته تستطيب رفقة أبيه ولكنها لم تأخذ حريتها بعد أو تتجرأ على مواجهته بعينيها.. أحس نزار بغصة تخنقه من أجلها، متمنياً أن يقدر يوماً على محو هذا الخوف، التردد والتهرب منها لتدرك أي جميلة هي, أي نعمة منّ بها الله عليه من خلال تلك العينين بديعتيّ الحسن..
تولى نزار الرد بتبرم "زوجتي ابنة ناس, مؤدبة تعرف حدود احترام زوجها"
اعتدل جوش من انحنائه على المجسم وأراح ظهره منتصباً بملكية وهيبة.. إلا أنه لم يتنازل عن منحه نظرة ساخرة جداً مستخفة وهو يقول بالسويدية حتى لا تفهمه الفتاة ولا يجرحها "زوجها.. طبعاً يجب عليها احترام زوجها.. ياااا فااااااشل"
زمجر نزار وهو يقول بجنون اشتعل على الفور "لا أسمح لك بالتدخل، ثم من أخبرك بأني فاشل؟ ربما أنا تفوقت عليك يا بروفيسور"
حرك جوش كفيه بلا معنى ولا اهتمام حقيقي, ربما هو يحب إغاظة ابنه ولكنه بالنهاية ليس هو من يتدخل في أموره الشخصية والخاصة جداً..
ولكن هناء التي دخلت مع أكواب الموز باللبن.. كان لها رأي آخر عندما تقدمت من ابنها تهمس بجانب أذنه بتهكم مبطن "نعم يا نزار الهوى وقلب أمك تفوقت ونصف.. بالوردة يا نزار.. بالوردة يا سمو الأمير!"
اسود وجه نزار وهو ينظر لها بحرقة عاجزًا أمامها بالذات عن قول شيء أو الدفاع وكيف يفعل تحديداً.. وهي لسوء بخته اكتشفت الأمر عقب عودتها ظهراً في يوم صباحيته المشؤومة، وكان توقع من توعد أبيه أنه لن يراها قبل أن يُنهي إجراءاته في إجازة الجامعة ويسافر لجدته لقضاء شهر عسله.. ولكن لسوء حظه الشديد كان قلبها يغلبها ففرضت على والده أنها يجب أن تأتي إليه وتطمئن عليه..
يذكر ما حدث جيداً عندما فتح الباب لها ناعس الوجه, مبعثر الشعر، بحلة زفافه وربطة عنقه ما زالتا على جسده منكمشات ومكسرات.. يذكر يومها شهقتها الصارخة وهي تدخل سريعاً مغلقة الباب في وجه أبيه ثم خبطت يدها على صدرها بقوة مستنكرة وهي تقول "لماذا ما زلت ببدلة العرس.. هل أنت بخير؟!"
لماذا شعر وقتها أن السؤال خبيثاً تقصد به معنى آخر؟
نفخ عروقه وقتها وهو يصحو من نعاسه دفعة واحدة ثم قال بوقاحة "بخير جداً.. جداً يا أمي بما يفوق خير عشرة رجال"
لم ترد أو تناقش بل راقب كيف امتعض فمها وهي تحركه يميناً ويساراً في ولولة وتهكم صامتين.. ثم دفعته وهي تدخل المكان متوجهة لغرفة نومه وهي تقول "واضح يا قلب أمك.. صباح مبارك يا حبيبي"
غلى بمكانه وانصهر, اعترض وقهر إلا أنه لم يرد خاصةً عندما خرجت العصفورة المستفزة, الهشة, المدعية تندفع من غرفة النوم باحثة عن صوته أمه وهي تهتف باكية "خالتي أنتِ هنا.. أنجديني"
ارتفعت يد نزار يعض على أصابعه بقهر وغيظ وهو يسب الكاذبة المدعية صامتاً "يا ااااابنة..ياسر"
أتعد هذه شتيمة أي والله وأقسى سُباب ابنة ياسر المخادعة، ألم يُهدِّئ الوضع بالفعل وعالج مغص بطنها وناما أخيراً من فرط التعب بأمان تام وكأنه يجاور ابنة أخته بكل خيبة وفشل ممتنعاً حتى عن تقبليها..
وقد رأى السخرية في عيني أمه والتهكم وهي تتفحص فستان زوجته المتهدل, شعرها المنكوش وكأن إعصار ضربه, بقايا الورود التي ما زالت تتعلق بشعرها، ومكياجها السائل الذي لطخ ملامحها بعد ليلة مجذوبة فاشلة..
اقتربت هناء منها تضمها برفق وأمومة بحتة.. تنظر له بعداء صارخ وكأنها نسيت أنه هو ابنها ومن يحتاج للمؤازرة هنا.. ثم خلعت الورود من رأس شيماء وضربتها ناحيته وهي تقول بمسرحية: "بالوردة يا نزار الهوى.. صدق أبيك يا حماري الأبيض.. بالوردة؟!"
لم يرد نزار على الفور بل ظل ينظر لها بتوتر وغضب ومزيد من فقدان العقل حتى قال أخيراً "ترفقت بالكاذبة المرتعبة.. وهذا جزائي في آخر المطاف"
امتعضت هناء وهي تربت على الفتاة هامسة لها بكلمات مطمئنة ثم من وراء ظهرها حركت يدها المفرودة لأعلى للخلف والأمام ثم همست بشفتيها دون صوت "ياااا خيبتك، مصيبة أن تكون فعلاً تعتقد أن الأطفال يأتون بالتخاطر الذهني" صمتت ثم همست لشيماء بكلمات جميلة مهدئة وصاحبتها للداخل أمام ذهول ابنها وعجزه للدفاع عن مبدئه.. إلا أنها عادت تطل عليه برأسها وهي تقول بحسرة مضحكة "بالوردة يا قلب أمك.. ماذا سأخبر أمها عندما تأتي؟ ابني يحتاج لدروس أحياء عن التكاثر!"
أطلق نزار صوت استنكار وقح قبل أن يقول يتهور "ربما هذه غلطتكِ, فأنتِ من كنتِ تمنعيني من الحضور متعمدة في دروس الأحياء"
قالت هناء بمزيد من السخرية المسرحية "مصر كلها تغيب عن الحصص وها أنت ترى بنفسك معاناة الناس من الانفجار السكاني.. تلك الأشياء بالإحساس يا روح أمك وليس بالدروس.. يا فاااااشل!"
*********
عاد نزار من ذكرياته وهو ينظر لوالدته بوجه ممتقع, مذنب, مثير للضحك وهي تربت على ظهره تمنحه الكوب وهي تقول بتهكم مبطن "اشرب وطري على قلبك يا حبيبي، فأنت تحتاج للغذاء ربما ينفخ الله بصورتك"
رحماك يا الله هل تخلص من أبيه وحمد الله أنه لا يتدخل في هذه الأمور مراعياً خصوصيته.. لتستلم والدته الراية عنه منغصة عليه حياته "لا أريد، ربما تحتاجينه أنتِ وكبارة البلاد"
ابتعدت هناء وهي تنظر إليه ببرود، ثم جلست على المقعد تضع ساق فوق الأخرى بكل بهاء.. متألقة كما لم يرها أبداً.. جميلة ومشرقة في ثوب بلون أزرق جميل.. شعرها الذي كانت دائماً تعقده بتزمت تفرده على ظهرها بحلاوة.. وجد شفتيه تضحكان بخجل بدلاً من حرقته منذ ثوانٍ.. وابتعد بنظراته عنها قاصداً أيضاً تجنب نظرات أبيه المحبة الرقيقة التي يحاصرها بها كل خطوة ولحظة..
أيجب عليه أن يقرأ الحب والبهجة التي أصبحت تغمر جوانب منزله الذي كانت تملأه الوحشة والألم ويجد له صدى من السعادة داخل قلبه؟
"ساحرة أنتِ يا فرعونية" همس والده بصوت رخيم يداعبها ويداه تستطيل لتحتضن يديها الموضوعة فوق حجرها من مكانه.
شرقت هناء بحرج وهي تسترق نظرة نحو ابنها.. إلا أنه لم يحاول الالتفات إليهما بل قال ممتعضاً "ادخر مشاعرك المراهقة هذه ولا تلقيها في كل جانب، راعي أن هناك فتاة بريئة أصبحت تسكن معنا"
قال جوش ببرود "أنا أخبر زوجتي ما يحلو لي, وإن كان لا يعجبك يمكنك الذهاب من هنا ومفارقتنا"
وفي نفس اللحظة كانت هناء تنظر إليه بطرف عينيها وهي تقول بتهكم مبطن "بريئة! أتساءل من الجبار الذي أبقى هذا الجميلة كما أتت من بيت أبيها؟"
لم تفقه شيماء _التي ما زالت على الأرض غارقة بالانبهار فيما صنعه جوش من أجلها_ شيئاً من تباريهم..
بينما قفز نزار بجنون نحو السقف وهو يقول بغضب أحمر:"منذ متى تعنيكِ هذه الأمور أم الأمر فقط لإزعاجي؟"
رفعت هناء كتفيها بلا معنى ولم ترد.. بينما سمعت شيماء تقول برقة "عمي أريد أن أرى الثقب الأسود وأعرف عنه، هل يمكنك الشرح لي أيضاً؟"
جلس نزار على عقبيه وهو يشدها من مكانها ثم قال بتشدد "كفى، هيا لنجهز حقائبنا فموعد سفرنا بالغد وأنا أريد أن أنام"
جذبت يديها منه بتوتر نزق وهي تقول "لا أريد الذهاب معك.. سأبقى مع عمي"
همست هناء بتحسر "حتى زوجتك تريد البقاء معه.. يا خيبتك يا نزار الهوى"
حدق نزار في شيماء ثم هناء.. منتقلاً لوجه أبيه الذي ينظر إليه ضاحكاً بتشفي ثم قال بقهر مختنق "لماذا تفعلون هذا بيّ؟ اعترفوا هل أنا لستُ ابنكما أصلاً ووجدتموني أمام باب جامع"
تبادل هناء وجوش النظرات قبل أن تقول هناء مدعية الحيرة "لستُ واثقة تماماً من مكان العثور عليك ربما مسجد وربما مشفى, وربما استبدلت, الاختيارات كثيرة للحقيقة بني"
نظر إليهما بيأس.. بينما الوحيدة التي تفاعلت من أجله وهي تربت على يديه في مؤازرة تنظر إليه بملامح شافية كانت زوجته رقيقة القلب..
وقبل ان يرد على أحد سمع أبيه يقول بفخر وزهو "أرأيت يا حماري الأبيض هذا هو الزواج والتأثير على شريكة حياتك.. بضع أيام مع والدتك وتشربت روحي المرحة وحسن الرد عليك"
"نزار ليس حماراً.. لا تقل له هذا بل هو أحن رجل وأذكى شاب قابلته" ردت شيماء سريعاً غاضبة هابة للدفاع عنه.
نظر إليها جوش بإعجاب.. بينما تراقصت فرحة كادت أن تطير بعقل هناء وتقفز فرحاً وطرباً..
بينما كللت شفتا نزار ابتسامة حنان وهو يراقبها تقول بدفاع شرس "إنه دكتور جامعي، فريد من نوعه, طيب ولماح.. لماذا تتقصد استفزازه؟ أنا أحترمك وأحبك يا عمي ولكن من فضلك لا تخبره بهذا مطلقاً لا أمامه ولا خلفه"
نفخ جوشوا صدره بزهو أكبر وهو يقول بهدوء وثقل "كنت أعلم أنك تجيد الاختيار، ولكن لم أتوقع أن تحصل على فتاة من فصيلة الأسود الشرسة"
صححت شيماء بأنفة متعالية "بل من فصيلة النمور.. فهم أفضل وأشرس من الأسود عماه، ولكن لقب ملك الغابة للأسد يظلم سطوتهم"
هتف جوشوا بتقييم متفاخر "تعجبني الصغيرة.. يا حماري وأنت من تلقبها بعصفورة.. أنا لا أرى أي ألفة هنا مع المخادعة الجميلة"
احمر وجه شيماء وتراجع اندفاعها من غزله الأبوي ثم قالت بخفوت: "لقد طلبت منك عدم تلقيبه بهذا"
ضحك جوشوا وهو يعود مكانه يحتويها جبراً أمام عينا ابنه النارية يربت على رأسها بحنان ملكي أبوي وهو يقول بصوت أجش "لطالما تمنيت أن تكون هناء أنجبت لي فتاة، حلوة وشرسة.. ورغم ضياع أمنيتي تلك، وبالطبع الحمد لله على وجود نزار الذي عوض الكثير من آلامي.. أجدني أحمد الله اليوم ثم زوجكِ لمنحي الابنة التي تمنيتها بكِ"
انكمشت شيماء بغريزية ورفعت وجهها بتردد نحوه.. هذا الرجل به شيء غريب يجذبها.. يصنع حنان وانتماء بداخلها, ربما أشبع بداخلها ذلك الجزء الذي افتقد أباها الراحل، داوى الجرح الذي تركه موت أبيها بداخلها.. ربما الجميع يرى والدها ليس بالأب المثالي، قد يكون آذاهم جميعاً ولكنها الوحيدة التي وضعت كل الأعذار له فسامحته وتفهمته وافتقدته.. افتقدته بجنون فلا شيء أبداً قد يعوض وجود الأب في حياة ابنته.. وياسر الراوي رغم أنه طالها منه الوجع إلا أنها قدرت جداً خوفه عليها.. فهمت دفاعه الأعمى عن ابنته فاقدة النظر.. بالنهاية هي مقتنعة أن لا أحد في الكون كان سيخاف عليها مثل أبيها.. والدها الحبيب لقد اشتاقت لوجوده، لقدومه الهادئ لغرفتها, لتمدده الصامت بجانبها ثم يمد ذراعيه يضمها بقوة وحنان وحماية هامساً لها باعتذاره وأسفه الشديد لكل ما فعله بها دون قصد بدافع الخوف والحب.. مقسماً عليها أن تتذكر دائماً أنه أحبها قطعة من قلبه.. ولما لا وهي من كانت أميرته الصغيرة المدللة.. تذكر أنه حتى في إحدى المرات أخبرها أنه أجرى فحوص في كل دولة ذهب إليها وكان على استعداد لمنحها عينيه، إن كان هناك أمل أو اكتشاف علمي واحد قد يؤكد له نجاح العملية واستعادتها بصرها, متنازلاً عن عينيه لنور عينيه الحقيقي هي.
شعر جوشوا بقلبه بدموعها التي أغرقت كتفه وباهتزاز طفيف لجسدها، عدلها برفق وقلق وهو يعتذر منها محاولاً أن يفهم ما الذي حدث ثم قال مدعياً المرح..موضحاً "ابنتي لا تحزني، لن أخبره بلقب يزعجكِ وإن كان هذا يوضح شيء.. فأنا لم أقصد أبداً ما يفهمه نزار أو أنتِ بالعكس تماماً"
هزت وجهها الباكي بنفي غير مفهوم.. مستسلمة لجذب نزار لها وتبديل كتف أبيه برقة صدره وذراعيه ثم همس لها محتوياً "شوشو، لا داعي للدموع حبيبتي, أبي يحب ممازحتي.. الأمر أن اللقب ناداني به مرة في إحدى لحظات تمردي وجنوني"
هزت رأسها بنفي جديد محاولة التكلم والإيضاح لكنها عجزت وهي تمسك قمة قميصه بقوة.. شعرت بيد جوش تربت على رأسها المدفون بتردد بينما ينظر لزوجته القلقة بجهل.. هل لهذه الدرجة الفتاة رقيقة وهشة فعلاً مؤكد لا ليس لهذا الحد.. هناك أمر آخر أزعجها أو ذكرها بشيء يحزنها.. إلا أنه قال بالنهاية بمرح زائف "في الواقع أنتم تظلمون الحمار يا شيماء.. بل لو قرأتِ التراث العربي فعلاً لفهمتِ أن الحمار كان قديماً رمزاً للصبر ولم يكن شتيمة، فآخر خلفاء بني أمية لُقِّبَ بالحمار لكثرة الحروب التي خاضها.. وحتى في تاريخ الأديان الحمار كان دائماً وسيلة التنقل لشخصيات كثيرة في الأديان الثلاثة، لما فيه من تواضع بعكس الحصان الذي يبعث الغرور في نفس فارسه بسبب ارتفاعه ومشيته المتمايلة بكبرياء.. وفي القصص الشعبية جحا وحماره أشهر من نار على علم.. وبسبب وداعته المفرطة فهو الهدف الأول للتعذيب من قبل البشر.. ودائماً تحزنني نظرته المسالمة.. ورغم أن أكله محرم عند اليهود والمسلمين إلا أن الدول العالم من أكبر المستهلكين للحومه عن طريق الغش.. الحمار ليس ذكياً وليس غبياً، لكنه مثلاً لا يفتعل حرباً ولا يدعي امتلاك مفاتيح السماء ولا ينتخب من يدوس على رقبته، لكنه سيركله إن وقع على مرمى حافره.. إن غرور الأنسان يدفعه لاتخاذ كائن غيره رمزاً لحماقته الشخصية.. أنت غبي, إذاً أنت غبي ولستً حماراً... أرأيتِ.. إن لم تفهمي مقصدي، بالنهاية من وجهة نظري الأبوية حماري الأبيض أفضل بكثير من أخيكِ الفارس سيد بعبع"
رغم الحزن الذي تمكن منها وجدت شيماء نفسها تضحك من بين الدموع تنكمش بين ذراعي نزار برقة وذهول من المنطق والسخرية..
بينما ظل نزار المسكين ينظر لأبيه بذهول وشحوب وهو يهمس بغباء: "هل يعني هذا أن أتفاخر باللقب؟! بالله عليك لم تجد ما تشبهني به من بين كل الكائنات مغتر بي غير الحمار"
قالت هناء التي كانت تجلس بجانبهم تحاوط الفتاة معهما بنبرة حائرة متعاطفة "كان الله بعونك يا حبيبي، إنه ابتلاء من الله، أبوك ثقف نفسه بالعربية لهدف واحد فقط.. جلطتي وإياك"
بينما همست شيماء من بين شهقات البكاء والضحك "نزار ليس ضعيفاً ولا مغلوباً على أمره عماه"
نقل جوش نظراته بينهم شذراً قبل أن يقول بترفع "حمقى.. جميعكم عنصريين وحمقى لم تفهموا المغزى"
وقف نزار وأخذ شوشو معه ناوياً الانصراف وهو يقول بجفاف "أفضل أن أكون أحمق على أن أكون حمارك الذكي الذي يرفس يا كبارة البلاد"
"ولكنك ترفس فعلاً بحوافرك عند استفزازك بني.. فالتشبيه فُصِّلَ من أجلك"
نظر إليه نزار من فوق كتفه بحنق وسخط ثم قال "أنا سأذهب لجدتي، وأشكوك لها فهي الوحيدة القادرة على رفع تسلطك عني"
وقف جوش من مكانه وهو يضم هناء له بقصد مغيظ ثم قال "اذهب تصحبك السلامة فما زال لديَّ وأمك حديث متراكم يحتاج لعشرين عاماً حتى يعوض وينتهي"
جز نزار على شفتيه بقوة.. ولم يرد فلو فعل سيتهور هذه المرة بشكل حقيقي يأخذ هناء منه عنوة ليجعله يبيت ليلته على الجمر..
ولكن للعدالة راقب والدته تضربه بكوعها في بطنه بالخفاء وهي تبرطم بشيء أحرج موقفه عن الزهو والتفاخر بلياليه الحمراء..
هزلت والله هزلت.. كيف له أن يتعايش مع هذا الفعل الفاضح من وجهة نظره وما يطحنه بكل ألم أنه مجبر على الصمت..
"منك لله يا خالد.. منك لله"
رفعت شيماء وجهها نحوه تنظر إليه بحيرة وهي تسأل بنزق "مالك ومال أخي الآن؟"
قال بغيظ وهو يغلق باب شقته المستقلة "سأظل أدعو عليه بمناسبة وغير مناسبة هكذا مزاجي, فهل لديكِ اعتراض؟"
تراجعت بخوف وهي تحاول تلامس الجدران، لتتذكر مكان غرفة النوم.. إلا أنه اندفع يمسك بكفها وهو يقول بسخط "بحق الله توقفي عن خوف الجراء هذا.. أنا لن أقتلكِ"
قالت بخفوت مختنق "لا أحب التواجد معك وحدنا"
قال نزار بخفوت حانق "ولكنكِ تعشقين التواجد بين والداي.. لا أعرف هل تزوجتكِ لنفسي، أم لتؤنسيهما؟!"
رفعت كتفيها بلا معنى ثم قالت "ليس مهم هدفك.. بل ما أشعره وأنا مع أبيك.. أعني والديك"
دخل نزار الغرفة ثم أجلسها على المقعد وهو يقول باهتمام وهدوء "ما الذي حدث بالأسفل؟ أعلم أنك لستِ رقيقة لهذا الحد.. ولا تافهة للبكاء من أجل مزحة بيني وبين أبي"
اضطربت وعيناها الزرقاوان تضيعان متحركتين في جفنيها شبيهتين بأجساد السمك.. بضياع كبوصلة خربة لا تجد لها اتجاه.. لمس نزار جانب عينيها برفق ثم قال بصوت أجش "تعلمين أني أهل للثقة.. شوشو نحن واحد الآن وإن لم تجدي عندي ملتجأ لأسرارك.. لن تعثري عليه عند سواي.. الزواج لا يعني فقط مواقف رومانسية وبيت وفرح ضخم ثم ينتهي بعاصفة سريرية.. بل هو مودة ورحمة، راحة لا يجدها أي طرف سوى لدى نصفه الآخر، وضوح ومكاشفة لأدق أسراره وهواجسه.."
ظلت تحدق فيه لدقائق وكأنها تراه فعلاً قبل أن ترفع يديها بتردد شديد متلمسة وجهه بأناملها وكأنها تطبع ملامحه من جديد بفهمها واستكشاف أطرافها الحساسة انفعاله الآن سيمنحها الرضا والقوة.. ويبدو أنها وجدت ضالتها عندما مالت نحوه تسند رأسها تحت عنقه وهي تقول بصوت أجش "أجهل ما يحدث، ولكن حنان والدك وتفهمه لي, مراعاته لحالاتي دون أن يصدر عنه أي فعل جارح.. ذكرني بطريقةٍ ما بأبي.. خاصةً.. خاصةً اليوم هناك شيء مبهم دفعني لأشعر به عندما يحيطني بمحبته!"
التف ذراع نزار على خصرها واضعاً ذقنه على رأسها وهو يقول باهتمام "هل تفتقدينه لهذا الحد؟!"

هتفت بصدق وجرح أوجعه"جداً..لحد يصدمني في نفسي..أفكر فيه منذ ليلة زواجنا، متمنية لو كان معي.. لو عرفك حقيقة وأدرك أنك رجل حياتي، حبيبي الذي عوضني الله به.. أن يعلم سوء ظنه بكَ.. أنا..أنا أشتاقه، رغم أسفي لما فعله بك, أرجوك لا تغضب"
تجمد نزار لوهلة, هو لن يستطيع القول أنه يحب الرجل أو غفر له ما اقترفه بحقه.. بالنهاية هو ليس ملاك بل بشر عانى وتألم دون ذنب بسببه.. ولكن ما ذنبها هي؟ كيف له أن يلومها على حزنها لموت والدها الذي ما زال لم يترك أثره؟!
أمسك أصابعها يداعبها برقة ثم قال بهدوء "لستُ غاضباً، إنه والدكِ، ومن الجحود أن لا تشعري بهذا نحوه.."
ابتلعت شيماء غصة توتر حادة في حلقها وهي تبتعد عنه قليلاً تواجهه وهي تهمس "هل تظنه يعلم؟ هل فعلاً الأموات يشعرون بنا كما يقال؟"
ابتسم نزار ابتسامة لم تراها ولكنها لمستها في صوته وهو يقول بهدوء "كثرت الأقاويل ربما هذا حقيقي وربما خيال نصبر به أنفسنا على ابتلاء فراق الأحبة.. بالنهاية أتمنى منحكِ إجابة مريحة ولكن ما أجزم به من داخل القرآن والسنة أنهم يشعرون بنا, يسمعون شكوانا ويبتهجون لسرورنا"
عضت شفتها السفلى بين أطراف أسنانها، وملامحها تشرق بامتنان ثم همست بتردد: "هل يمكننا زيارته إذاً قبل السفر؟!"
ساد صمت بينهما للحظات شاعرة بأنفاسه غير المنتظمة.. حتى قال أخيراً بنبرة غريبة "يمكنني أخذكِ إلى هناك،هذا حقكِ الذي لن أمنعكِ منه،ولكن لن أقف على قبره بنفسي, هذا صعب عليّ"
أومأت بتفهم وهي ترفع أصابعها تبحث بتخبط عن جانب فكه ثم بسطت راحتها الرقيقة هناك وهي تقول بخفوت "أتفهمك أيضاً، ولا أغضب من رد فعلكَ، أعرف أنه آذى الكثير معتقداً أنه يحمي أولاده.. ولكني لن ألومك يوماً يا نزار على عدم الغفران له"
قربها نزار منه دافناً كفيه تحت شلالات شعرها الأشقر الناعم محتوياً نحرها من الجانبين, باطن كفيه يرفعان جانبي فكيها ثم همس أخيراً بصوت أجش سرق روحها "لهذا أحبكِ، ووقعت في غرامكِ فرميت كل الماضي وراء ظهري، واحدة غيركِ كانت ألقت في وجهي غلاً ربما تبريراً لكل ما حدث، وأخرج أنا مذنباً بالنهاية"
فغرت شفتيها قليلاً وهي تهمس بوضوح "عائلتي جميعها عانت وما زالت يا نزار من تشبثهم بالماضي, من جلد بعضهم، من عدم تنازل أحدهم ليتفهم خراب الآخر.. وأنا لديّ من العقد والهموم ما يكفيني فلن أزيد عليها غباءً معك, أنا وأنت تبادلنا الهوى, كلانا معترفاً وصريحاً، محاولاً منح الآخر وداً ورحمة، فلماذا التجبر والعناد؟"
أغمض عينيه متنعماً بذكاء السؤال منبهراً برجاحة عقلها وطيب فؤادها.. ثم اندفع إليها رأسه يميل ناظراً بوجهها الذي يعلوه قليلاً.. ارتفع ببطء ويده تحاوط وجنتها, مختفية أصابعه تحت طيات الذهب الأشقر الذي خبأ جزء من وجهه عندما لمس شفتيها أخيراً برقة أهلكتها، حطمتها، نزعتها وسرقت كل أسلحتها "عصفورة قلبي"
لم يعلم كم مر من شعوره الهائم بها.. تتجاوب معه تتخبط يداها التي ارتفعت تحاوط كتفيه تارة وتتشبث بصدره حد النزاع بدأت تقربه منها بتشدد وجنون ثم حاولت نفره وإبعاده.. فمه انحدر تاركاً لها مجال من التنفس يدفع رأسها بكفه للوراء سامحاً لنفسه بإيجاد مكان في نحرها ليقبله بنهم.. بهستيريا عشقية.. يده الأخرى تعبث بجرأة لما تحت فستانها الهادئ ممرراً أنامله على بشرة ركبتيها وما فوقهما.. ولكنه يبدو أنه تهور فعلاً.. غير مسيطر على نفسه عكس ما كان يرتب تماماً إذ وجدها في لحظة تشهق بعنف وهي تتحرر من الهيام الذي أغرق كليهما.. تدفعه بقوة تقاتله وكأن حياتها كلها تتوقف على الأمر.. مبعدة يده من تحت فستانها تزحف على الفراش للوراء تضم ركبتيها إلى صدرها وهي تعيد ترتيب فستانها ممسكة به بكلا كفيها مثبتة إياه للأسفل.. كانت ترتج بعنف مغطية كل وجهها بشعرها.. تهمس مرتعبة باختصار "لا.."
أفلتت من بين شفتيه ضحكة خافتة محبطة بينما ينظر ليده التي شعر بوجوب قطعها والسخط عليها أكان يجب أن يتهور الآن اللعنة "لا.. لا يا شيماء.. اتقي الله يا ابنة ياسر"
قالت بصوت شديد الجفاف "سأصرخ لأنادي أبويك.. لا يا نزار لقد وعدت"
وقف نزار من مكانه ثم توجه ناحيتها يميل إليها وكفيه يستندان على طرف الفراش حاولت أن تهرب من جديد إلا أنه أوقفها عندما قال من بين أسنانه بأنفاس محمومة متألمة بالشوق "أسحب وعدي، لديكِ مهلة حتى نصل للسويد وبعدها أنا غير مسؤول عن هذا، أو سأذهب لبيت والدتكِ وأبحث عن تلك النوة والشذى وأركلهما بكل غل وغيظ غير مبالي بالمصير الذي قد يلحقني"
نظرت إليه بذهول وخوف مضحك قبل أن تهمس باندفاع "أيها البغل.. تريد أن تضيع نفسك من أجل أشياء بلا قيمة، ستواجه مدحت ومالك؟"
أمسك نزار ذراعها بتهديد غير مبالي بتحذيرها وهو يقول بشرر:"من البغل يا وقحة؟"
قالت ببرود رغم الخوف الذي عصف بها "أنتَ حبيبي، فأنا أقتدي بوالدك ألم يقول أن هذا يعني شيئاً جيداً؟"
"اكتملت.. اكتملت.." صرخها بجنون وتهور قبل أن يندفع إليها في لحظة مفقودة من الزمن لتجد نفسها بكل ذعر تحتل موطن حريري على صدره وذراعيه والجحيم في شفتيه.
"لا, نزار"
همس نزار بجانب أذنها من بين غضبه وإحباطه وعشقه الذي يبدد كل مشاعر سلبية بصوت محموم "قبلة فقط.. لا تخافي لم يحن وقت أكل الوحش للعصفورة بعد"
(منكِ لله يا مريم، ويا نوة ها قد عادت الوحوش الكريهة للسطح تمنعها من تخطي مخاوفها, مهلاً هل قال أنه سينتظر السويد ليختلي بها.. لا مؤكد هي ستحتمي بوالده ولن تخرج أبداً من بلدها الحبيب)
**********

أنتهى

قراءة سعيدة .....لا تنسوا يا حلوين بعد ساعتين هيتم نشر الفصل الثامن والاربعون ❤


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:38 PM   #6188

دعاء غندور

? العضوٌ??? » 463981
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 25
?  نُقآطِيْ » دعاء غندور is on a distinguished road
افتراضي

هاى هاى كابتن 💗💗💗

دعاء غندور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 11:08 PM   #6189

Asmaa mossad

? العضوٌ??? » 429548
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 810
?  نُقآطِيْ » Asmaa mossad is on a distinguished road
افتراضي

رووووووووووووووعه

Asmaa mossad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 11:09 PM   #6190

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 450 ( الأعضاء 122 والزوار 328)
‏اجزخنجية, ‏nadjou, ‏homsaelsawy, ‏قمر صفاء, ‏Samaa Helmi, ‏ياسمين3, ‏Omsama, ‏ناديه كليب, ‏Sekasaso, ‏Naira r, ‏هبة الله 4, ‏maha elsheikh, ‏shatha14, ‏shemo elmorssy, ‏بسنت بيبو, ‏Dalia bassam, ‏رودى رامى, ‏هامة المجد, ‏yara elmniawy, ‏اسماء سلوم, ‏Emaimy, ‏Kimso, ‏سمراء جنين, ‏yasser20, ‏Asmaa 33, ‏Amanykassab, ‏ولاء محم, ‏ذسمسم, ‏دلال الدلال, ‏هوس الماضي, ‏فل وياسمين, ‏Diego Sando, ‏Osha yasser, ‏Rofy totos, ‏yasmo, ‏فاتيما احمد, ‏بسمة هاشم, ‏أمل كناكري, ‏k_meri, ‏داليا انور, ‏najia najia, ‏همسة الحنين., ‏Nsro, ‏قطر الند, ‏موجة هادئة, ‏Shyra, ‏Ayaomar, ‏Amira fares, ‏راندا علي غانم, ‏رندوش9, ‏منالب, ‏لووولاه, ‏نوال11, ‏ديدي امبابي, ‏..هناك أمل .., ‏مريم ميرا, ‏Sea birde, ‏نسيم88, ‏خمسية, ‏Basmaa masoud, ‏روئيااااات, ‏Asmaa mossad, ‏دعاء غندور, ‏bassma rg, ‏Mona M Kheder, ‏د. منى خلوى, ‏ميسى93, ‏Hnady, ‏Esraa Yacoub, ‏نفس تواقه, ‏لولو73, ‏Hoba Nasry, ‏ورده الكاردينيا, ‏sira sira, ‏amanyayman, ‏Abeer gazal, ‏Dalia Huzaien, ‏lobna_asker, ‏ريهام حمدى, ‏توتى على, ‏رقيه95, ‏ImaneAlkoush, ‏ملكه الحياه, ‏سلوى1984, ‏Noha Saeid, ‏حميدة تونس, ‏تحرير عجور, ‏Lulu9, ‏Maryam emad, ‏تيتو عبده, ‏frau zahra, ‏Heckenrose, ‏جنا محمد علي, ‏سيف وعمر, ‏نصيبي و قسمتك, ‏عبير دندل, ‏نورين نشأت, ‏ام ثائر حبايبة, ‏Marwa.., ‏مريم مري, ‏ملاك وشيطان, ‏Sa Lma, ‏Angelin, ‏منال كلكل, ‏Butaina123, ‏Dina66, ‏Mayaseen, ‏sara_soso702, ‏زهر الخير, ‏awttare, ‏Nor BLack+, ‏رورو نونو, ‏تميمة الخير, ‏Hadeil, ‏mariam sayed, ‏املي بالله كبير, ‏أطفال سر سعادتي, ‏Ghadeersabry, ‏نونه بدران, ‏mony cleopatra, ‏mamanoumanoul


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:21 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.