آخر 10 مشاركات
✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          361-جزيرة الذهب - سارة كريفن - روايات احلامي (الكاتـب : Sarah*Swan - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          [تحميل] زينه هي الموت والمنعوت والنجوى بقلم/black widow(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل] أشباه الظلال للكاتبة / برد المشاعر ( ليبية فصحى) (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          مشاعر من نار (65) للكاتبة: لين غراهام (الجزء الثانى من سلسلة عرائس متمردات)×كاملة× (الكاتـب : Dalyia - )           »          أحفاد الصائغ *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-10-19, 08:16 PM   #61

Ayaomar

? العضوٌ??? » 424413
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 131
?  نُقآطِيْ » Ayaomar is on a distinguished road
افتراضي


نور ابدعتي ثم ابدعتي فتألقتي في عالم الكتابه فاصبحت نجمه فيه 😍😍
شظايا القلوب ليست مجرد روايه بل هي مشاعر واحاسيس نعيش ونغوص بداخلها لتأخذنا الي عالم من الروعه والجمال
تسلم ايدك ويسلم قلمك وبالتوفيق ومن نجاح لاخر ياحبيبتي ♥♥♥♥


Ayaomar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:17 PM   #62

Ghaaly5

? العضوٌ??? » 433596
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 56
?  نُقآطِيْ » Ghaaly5 is on a distinguished road

من اروع الكاتبات دمتي مبدعه حبييتي الكيوته❤❤❤

Ghaaly5 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:19 PM   #63

Hoda.alhamwe
 
الصورة الرمزية Hoda.alhamwe

? العضوٌ??? » 456087
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 273
?  نُقآطِيْ » Hoda.alhamwe is on a distinguished road
افتراضي

بداية رائعة ومشوقة يانور ❤❤❤❤❤❤❤ تسلم ايدك ياملكة الابداع

Hoda.alhamwe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:21 PM   #64

Ayaomar

? العضوٌ??? » 424413
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 131
?  نُقآطِيْ » Ayaomar is on a distinguished road
افتراضي

فعلا فصول اكثر من رائعه بمشاهدها التي تخطف العقل ويتوقف القلب عن انفاسه حتي قراءه سعيده 😍😍

Ayaomar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:24 PM   #65

aber alhya
 
الصورة الرمزية aber alhya

? العضوٌ??? » 456141
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 626
?  نُقآطِيْ » aber alhya is on a distinguished road
افتراضي

وربنا فرحانة ان اخيرا حد هيشاركنا فى قراءة سعيدة اللي بسببها مسحولين وبعيدا بقى عن قراءة سعيدة اللي ان شاء الله ان شاء الله الاخت سعيدة هتموت محروقة
نور بلاك
تسلم ايدك شظايا القلوب بكل شظاياها ورغم وجع قلوبنا الا اني سعيدة اني بتابعها معاكي وان اكون من اول الناس اللي بتستقبل السظايا
دومتي مبدعة بقلمك القوي اللي بعشقة جدا جدا جدا😍😍😘😘😘


aber alhya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:24 PM   #66

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

ابدعتِ يا نور 🌺🌺🌺


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:24 PM   #67

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

شظايا4
الفصل الرابع:

......................
الحرية والعدالة! تعبير منقوص وشعار كاذب إختارته فئة من البشرية لخداع بقايا الإنسانية، مضطهدي النفوس ومكسوري الهامة ضحايا الحروب العِرقية... لعبة تُدعى العنصرية وأخرين يطلقون عليها حلوى الأحلام الغربية عاميةً بصيرة من يتغنون ببقايا الأطلال العنترية !!
............................
وقفت لوسيرو أمام البيت الضخم المطلي بعناية باللون الأبيض تتخلله خطوط حمراء وزرقاء... قلبها يقرع كالطبول أنفاسها تعلو بصخبٍ مؤلم أيعقل أنها ستلتقي بها هنا؟! الصغيرة السمراء الجميلة كقطعة الحلوى مرحة الروح وشق نفس السكرية الأخرى...أغمضت عينيها لدقيقة واحدة تتشرب روحها الممزقة لمحة سعادة من بين كل ذكرياتها المؤلمة
جميلتين صغيرتين وناعمتين يرفرفا حولها بفساتين بيضاء جديدة كانت قد ابتاعتهما لهما والدتهم من السوق الكبير يهتفان بلغتهم المضعضة ما بين العربية والإنجليزية:
"ماما قالت إننا سنقضي اليوم كله في حديقة الألعاب، ووعدتنا بأن بابا لن يغضب اليوم ولن نلجأ للدَرج البارد "
رفع عيسى فرح بين ذراعيه يخبرها بوعد رجولة لفتى أجبرته ظروفهم المؤلمة أن ينضج قبل الأوان:
" لن يحدث اليوم ولا أي يومٍ أخر، لقد تحدثت معه وأخبرني أنه سيفعل المستحيل حتى لا يرى زغبة الريش تبكي جوعاً وبرداً مرة أخرى"
منحته فرح إبتسامة طفولية آسره بينما تُقبله على وجنته بقوة وهي تقول:"أنا لا أبكي عادة طالما أنت ولولو معي لكن المزعجة مرح تفعل !!"
هتفت مرح بتجهم طفولي:"أنا لست مزعجة أنتِ التي تدفعيني لإخبارهم...جبانة ولن أشارككِ في حفل عيد ميلادي "
هزت لورين رأسها وهي تخبر مرح:"تقول ماما أنكِ الأكبر بخمس دقائق كاملةٍ مرح لذا مثلما نعتني بكِ أنا وعيسى أنتِ ستكونين درع الحماية الأبدي لفرح "
تذكرت يومها عينيّ أمها التي تراقبهم بدموع فاضت عن الحد وهي تقول بتحشرج:
" آسفة لنضجكِ أنتِ وعيسى قبل الأوان لورين ولكنكِ تعلمين صغيرتي أنكِ وإخوتكِ عزوتنا وعزتنا وروحي أنا ووالدكِ!"
كان يوماً جيداً بل يوماً من الأحلام التي لم تتخيل أن تحصل عليه بعد الحرب والتهجير والجوع والمرض الفتاك الذين عاشوهم لعامين ونصف... ولكن كالعادة أفسد أيوب كل شيء ولم يستطع أن يسيطر على نوبة غضبة وكانت النهاية...
......
قاطعت ذكرياتها امرأة بيضاء البشرة شقراء الشعر تسألها بنبرة إنجليزية متعالية:"لِما تقفين هنا... هل تبحثين عن شيء؟ "
حاولت رسم إبتسامة هادئة وهي تجيب بثبات إنفعالي:"أليس هذا منزل" آل اورن ميلون ؟"
أجابتها الشقراء بنفس النبرة:"نعم أنتِ تقفين الأن مع"كورا ميلون شخصياً "
" وأنا لوسيرو أناخيل"عرفت نفسها بهدوء
ثم أخذت نفساً عميقاً بينما قلبها يرتعش بين أضلعها وهي تقول :
" هل لي بخمس دقائق من وقتكِ لدي أمر هام أريد سؤالكِ عنه "
هزت كورا كتفيها ببرود بينما تنظر لهاتفها وهي تقول باهمال:
" ليس لدي وقت لأمنحه لكِ...ألم تسمعي عن شيءٍ يدعى الهاتف تهاتفيني أولاً ثم أقرر أنا هل أود استقبالكِ أم لا ؟!"
هزت رأسها بنوع من المرارة وهي تقول:" انا أبحث عنكم منذ زمن يا سيدة كورا... ولم أستطع إلا الحصول على عنوان منزلكِ، فكيف سأخبركِ وأنا لا أملك أية أرقام للهواتف "
تأففت كورا وهي تقول:" إسمعي نحن لا نقدم المساعدات للمتسولين، وليس لدي أية وظائف شاغرة لأستخدم منظفة لاتينية!"
تماسكي فقط بضع لحظات لا تضيعي فرصتكِ! همست لنفسها مهذبة إنفعالاتها كالعادة ثم قالت:" لا أعتقد أن هيئتي تدل أني أتسول أو أريد استخدامكِ لي... فقط لدي سؤال وسأغادر ؟!"
" ما هو ؟!"
اغرورقت عيناها بالدموع رغماً عنها وهي تقول بتحشرج:" أنا أبحث منذ سنوات عن طفلة صغيرة...عفواً قصدت شابة أُخِذَت من دار رعاية الدولة وقالوا أنها...!"
لم تكمل سؤالها إذ أحمرت عينا المرأة بغضب وهي تهتف فيها: "غادري من هنا حالاً وإلا طلبت النجدة مخبرة إياهم بتعديكِ على منزلي "
ابتعدت عنها خطوة وهي تقول محايلة بمرارة:"أرجوكِ فقط أخبريني هل لديكِ ابنة بالفعل تبنيتها من هناك أنها عربية الأصول كان لديها توأم آخر متطابقة الملامح!"
بهمجية كانت المرأة تكور قبضة يدها وتدفعها في كتفها وهي تقول:"أخر تنبيه لكِ انصرفي من هنا وإلا رتبت لكِ اتهام بالتعقب ومحاولة التعدي بالضرب "
غادرتها بجسدٍ بلا روح منذ سنوات ...كانت تتحايل بقهر:"فقط أجيبي بنعم أم لا وسأغادر من هنا بغير رجعة!"
خبطت المرأة بقبضتها كتفها بقسوة في علامة تحقير وهي تقول:
"إحلمى أن أريح حقيرة وضيعة من أمثالكِ...جاءوا ليزاحمونا في بلادنا وينشروا جهلهم وغبائهم بيننا... اغربي من هنا حالاً!"
لم تنتظر محايلة من لوسيرو مرة أخرى بل على الفور طلبت رقم على هاتفها وعينيها الشامتة ترمقها بتحقير يخالطه الانتصار:
"911 أريد دعماً حالاً لدي متعدية أمام منزلي تشعرني بالتهديد"
أغمضت لوسيرو عينيها بوجع بينما جسدها كله يرتجف ليس خوفاً من التهديد ولا حتى قلق من كذب المرأة السافر بل لأن خيطها الوحيد تحول لمجرد سراب وهرب من ببن أناملها مدميها للأعماق.
.........................
" أين كنتم؟"سأل أيوب بنبرة مظلمة بينما انكمش أربعتهم وراء ظهر أمهم عارفين بما سيجري بعد دقائق...
أجابت المسكينة باستسلام:"كما أخبرتك في الصباح أردت منح التوأمتين يوماً خاصاً "
قال مستنكراً:"يوماً خاصاً من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً وبدوني "
خطت نحوه بساقين مرتعشتين بينما تقول:"أنت كنت في العمل فدوامك اليوم أربع عشرة ساعة ألم تخبرني بهذا؟"
السواد لون صوته كما صبغ روحه منذ أن سُرِقَت منه عزته وماله وكبريائه وشموخ عائلته منذ أجيال وأجيال متعاقبة تاركةً إياه بمرارة وإنكسار رجولة لم يرممه حتى نزوحهم إلى هنا:
"أي عمل، أتعنين ذلك الذي أمسح فيه الموائد وأنظف المراحيض وقذارات البشر ؟!"
كالعادة الرعونة اشتعلت في ملامح والدتها في الحال ناسيةً ومتناسية وعدها إياهم بالتحمل من أجلهم بعدم مناطحته واحتواء مراراته بينما تقول:
"وهل تحاسبني أنا الأن بما آل إليه حال الطبيب أيوب خليل! أنا أيضاً مهندسة إن كنت نسيت وبعد التدليل الذي لقيته والعزة التي كبرت فيها ها أنا مجرد موظفة في ذلك المطعم أفعل ما تفعله أنت"
اغرورقت عيون الثلاث صغيرات بالدموع بينما حاول عيسى عبثاً أن يحتويهن وأن يقدم لهن الملجأ والأمان تحت ربوع وطنه ...أن يمنع عنهن النحر والذبح والتمزق ولكن كيف لوطنٍ مسلوب العزم مغلول اليدين ضعيف الحماية بأن يفعل؟!
" أرجوكما لا تفعلا لقد أتت الشرطة بالفعل مرتين وحذرتكما وتلك المرأة التي أصبحت تراقبنا وتُعين كل الجيران كأعين عليكما..." ولكن من يسمع ومن يتعظ ومن يدرك أن كل شيء تغير وأن ما كان صالحاً من رعونة ما عاد ينفع وأن الضياع على وشك فرقعة إصبع...
...........
أجهشت لوسيرو في البكاء بحرقة وهي تتوجه نحو سيارتها تلتهم أرض الشارع تحت قدميها فتحت الباب رامية جسدها خلف مقود السيارة ثم أغلقتها وهي تلقي برأسها دافنة إياه على ساعديها .
" لقد أضعت الخيط لن تخبرني والقوانين الجاحدة لن تجيبني ولن ترحم لهفة قلبي...كما لم ترحم تذلل واحتراق أيوب ونسرين!"
...........
يومها باستسلام خرج أربعتهم لاجئين للدَرج خارج شقتهم ليأويهم وقلبهم يحدثهم أن النهاية آتيه لا محالة...وأن كل شيءٍ انتهى حتى أسرتهم الصغيرة الناجية لن تستطع الصمود"أعدكِ لن يحدث ما نخشاه سنظل مع بعضنا دائماً "
ارتجفت وهي تندس تحت ذراعه بينما تضم مرح وفرح إلى صدرها أكثر وهمست:"لقد قالت المرأة في مدرستي أنها ستأخذنا منهم بعيداً وقالت إن ذلك المكان أفضل يا عيسى ولكني لا أصدقها أنا لا أريد الابتعاد عنهما أنا أحب أبي وأمي جداً "
أحس عيسى بالخوف يعتريه وبقلبه الصغير ينوح متبعاً لأمر العين التي هبطت دموعها مدراراً:" لن يحدث...من هذا الذي يملك أن يُبعدنا عن بعضنا ؟!"
.....
بكاءها الصارخ كان يخرج بنحيب وأنفاسها تتقطع وهي تدرك المشهد القادم...الغربان السود بالأجنحة المرصعة بالقطع الذهبية! ونسرهم يصرخ بعلو صوته يلعن الحروب ويلعن الوعود يتمنى لو كان مات وهم بين تراب الوطن...يتوسل...يتذلل يتمسك بذراعيها يخطف عيسى إلى صدره يزرعه بين أضلعه...يده تمتد لتخطف مرح بقوة يخبرهم بصوته المنحور:"صغيرتي لا تنام ليلاً إلا وهي بين ذراعي أهدهدها...وفرحة عيناي تبحث عني ليلاً لتفسح مجالاً وتلجأ لصدري "
.........
كان المشهد يتجسد أمام عينيها واضحاً وكأنها تعيشه في التو واللحظة...
بعد وقتٍ قصير من شجار والديها المعتاد كانت صرخات نسرين تخرج مستنجدة من تطاوله عليها بالضرب فسمعهم المتربصين من الجيران وأتصل أحدهم بالشرطة التي بالطبع أتت بالخدمات الإجتماعية كإجراء أخير وحاسم بعدما منحوهم الفرصة مرتين من قبل...وبرعونة والدها ومرارته وحالته النفسية المحطمة لم يأخذ التحذير على محمل الجِد...
انتشرت سبع سيارات من الشرطة حول المكان وتقدم عشرات من الرجال المحملين بالأسلحة ؟!
تذكر ارتعابها هي والصغيرتين... خطف عيسى فرح بين ذراعيه وهي حملت مرح...وانطلقوا جميعاً هاربين من أتون الجحيم القادم والذي عرفوا طعمه الصدئ دون أن يجربوه... ألم يروا ملامح مشابهة من قبل أثناء الحروب والإنتهاك في بلادهم؟ حتى وإن تغيرت الأسباب حتى وإن غيروا من هيئتهم وملابسهم ونبرة أصواتهم التي ادعوا فيها الرفق والتفهم !!
قلوبهم الصغيرة كانت تنهت بذعرٍ مختلط بتعب الجري والحمل !! هاربين إلى اللا مكان...إلى المجهول ولكن لا للانفصال...لا لأخذهم من ذويهم !! تفكيرهم الصغير المحدود لم يمنحهم الرؤية الصحيحة أن الحكم أطلق مسبقاً وألا مهرب من يدي الغربان...تذكرت كيف طوقهم بعد برهة أفراد الشرطة في دائرة محكمة لا فرار منها ولا كسر لترابطها وقد اجتمعوا على كسرهم مسبقاً تحت شعارٍ كاذب بأن في أيديهم السلام والخلاص...كبل أحدهم عيسى ونزع من بين يديه فرح يسيطر على صراخه يكبل جسده حتى ألقاه على الأرض ملقياً فوقه حمله الضخم... جسدها الطفولي مع رعبها البادي جعلها تستسلم بعجز... لا مقاومة...لا صراخ فقط هبطت على الأرض بجانب رأس أخيها الذي مُرِغَ في الوحل..سلبوها فرح التي نازعت بيديها الصغيرة تتشبث في ملابسها
"إنها النهاية يا عيسى...استسلم للأمر لقد قُص جناحيّ النسر قبل حتى أن يعرف طريق التحليق "
بعين الخيال كانت تراقب أبيها يهرب من الرجال الآخرين... يهرول وحده متعثراً بين خطوة وأخرى يقع على ركبتيه فيحاول الوقوف مهتزاً فاقداً السيطرة مسروق الكرامة...
" مرة أخرى...لا تأخدوهم مني هم من تبقى لديّ لم أمس أحدهم بسوء...لم أرفع يدي على أحدهم "
تتخبط أمها تلاحقه كي يصلوا إليهم أخيراً داخلين تلك الدائرة بمعجزة متمنين احتضانهم مرة أخرى ومتناحرين على محاولة أخيرة:"لم يضربني لم يتعدى عليّ...كانت مزحة طرفة !! انظروا اليوم عيد ميلاد الصغيرتين كنا نقيم حفلة "
محاولة واهية وكذبة مكشوفة...لقد سبق السيف العذل واُنتزِع أربعتهم محمولين نحو سيارة دفع رباعي وأغلقت الأبواب المعتمة عليهم ...لا صرخاتهم الصغيرة تشفع ولا تذلل أبيها ينفع...
وانطفئ كل شيء عينيها تراقب تكبيل أبيها من أحدهم بالأصفاد انهيار أمها على أسفلت الشارع فاقدة الأنفاس...!
ببطء رتيب يغلف المشهد الهوينى الهوينى تهتز الصورة تنمحي الصورة...تودع بيت وأسرة قد كانت... لتبدأ من جديد رحلة أخرى نحو الحضيض والتعذيب.
.....................................
وصلت لبيت أبيها الذي تلجأ إليه عند كل لحظة ضعف أوإنهيار حتى بعدما أصرت منذ عامين أن تستقل بذاتها ويصبح لديها منزلاً خاصاً تعيش فيه وحدها ولكن يبقى بيت ليوأناخيل هو درعها الأمن بعد كل ما لاقته.
فور أن فتحت الباب كانت تهتف من بين أنفاسها التي اُنهِكت طوال الطريق:"بابا "
كان يعلم ويدرك ما ستمر به لذا كان ينتظر أن تأتيه كالعادة...لم تتعجب عندما وجدته يقف فاتحاً ذراعيه فاندفعت نحوه دون تفكير لتدفن وجهها في صدره وتترك لجسدها حرية الانهيار:
"لم أعد أحتمل الفشل والوجع بابا...لقد فقدتها قبل أن أجدها "
صوته الهادئ خرج يخالطه الحنان:"هشش إهدئي...سنجدهم صغيرتي ما حدث اليوم لا شيء أمام كل ما وجهناه سابقاً "
جسدها كان يهتز بالبكاء بين ذراعيه بينما تقول باختناق:
"لقد راقبت المنزل لشهرٍ كامل...ولم تظهر لديهم أية فتاة في عمرها...رغم أن ذلك الموظف الذي منحته الكثير من المال أكد لي أن مرح لم تتبناها إلا تلك العائلة!"
أبعدها ليو عن صدره قليلاً ينظر إليها بعطفٍ ثم قال:"وهل صدقتيه ألا تتذكرين كيف وصلتي إليّ ؟!"
اهتزت عينا لوسيرو وانكمشت بين يديه والذكريات اللعينة التي لا ترحم تصهر عقلها...حاول ليو جذبها من ذلك الحضيض الذي عاشته وهو يقول بخفوت:
"نحن نعلم أن معظم عائلات التنبي تأخذ الأطفال مقابل المال الذي تمنحه الدولة لرعايتهم ثم يمارسون عليهم في الخفاء أمراضهم وعنصريتهم وقذارتهم متخفين تحت أقنعة الثقافة والتحضر والمكانة العلمية أحياناً"
نعم نعم وكيف تنسى وهي جربت الأمر شخصياً مع أول عائلة وقعت في براثنها لقد هربت بأعجوبة من تحت يد تلك الأسرة التي اكتشفت أنهم ما تبنوها إلا من أجل المال الممنوح من الدولة بجانب تعريضها لأعمال مشبوهة... رغم سنون عمرها التي لم تتعدى التسع سنوات آن ذاك "
" لورين"ناداها قاصداً إخراجها من دوامة يعلم يقينا أنها ستبتلعها حية...أجفلت وهي تنظر له بعينين متوسعتين ذاهلتين ثم قالت بتحشرج:"مر زمن صعب لم يناديني أحدٌ بهذا الاسم حتى كِدتُ أن أنسى تذوق مناداته "
أتاها صوته يقول بصرامة:" طريقكِ طويلٌ وشائك صغيرتي، ولا أريدكِ أن تنهزمي وأنتِ على وشك الوصول لمسعاكِ"
قالت بمرارة:"أي وصول أبي وأنا كالعادة تتسرب من بين أصابعي كالرمال الحارقة كل الطرق ؟!"
قال"امنحيني الإذن للمساعدة، أنا أدرى الناس بقضيتكِ ومرارتكِ وأعرف كيف أتربص لهم دون أن تتعرضي للأذية!"
اغرورقت عيناها بالدموع مرة أخرى متذكرة يوم لقاءها به هو وأمها بالتبني"خوانا اناخيل"التي احتضنتها دون تردد آخر قابلة أن تمنحها بيتها وحنانها وقد علمت بكل أسرارها الدفينة منذ اللقاء الأول وكيف علمت لاحقاً أن حظها الجيد خدمها لتقع في طريق من يُشبهونها في المصير...
" إن كنت ستعيدها لي لن أكابر وأدعي القوة مرة أخرى...فقط عدني أن تناصرني في كل إختياراتي "
ملأ عينيه الإصرار لمناصرة روح الإنسانية المهدرة ومرارة اللجوء والبحث عن الحلم في أرض الكوابيس ثم قال:"لدينا خبرة جيدة أنا وأنتِ في طرق هؤلاء العنصريين مدعي الآدمية لذا لن نلجأ للطريق المباشر في البحث بل سنلتف حولهم !!"
**************
ترجلت بدور من سيارتها أمام منزل والديها تخطو إليه بتردد مرهقة النفس والجسد مشوشة العقل للحظات معدودة وصوت ضعيف جداً بداخلها يخبرها بأنها كان يجب أن تبقى بجانبه أو تطلب له سيارة اسعاف على الأقل ولكن العقل العنيد المتجبر همس لداخلها بإصرار أنه أقل من أن يستحق تلك الشفقة!! همست ببرود ممتعض وهي تخطو إلى الداخل:"على كل حال هو لن يعجز عن طلب سيارة اسعاف لنفسه فبالنهاية بنيته كالجدار الصلب لن تتأثر ببعض الرضوض والكدمات!"
على كل حال فلتدفع قلقها بعيداً الأن فلديها ما هو أهم ويجب أن تدركه وقد غفلت عنه تماماً خلال حربها القصيرة مع راشد...
أخرجت هاتفها بينما تضع تلك الحقيبة تحت ذراعها باحثة عن رقمه... فور أن وجدته أرسلت:"مرحباً نزار...أريد مقابلتك صباحاً لأمرٍ هام!"
أتاها الرد السمج بعد دقائق:"لماذا هل اشتقتِ لي وقررتي أن تنهاري وتعترفي بغرامكِ نحوي أخيراً "
رفعت حاجبيها باستنكار ثم كتبت في الحال:"احذر أن تمزح معي بتلك اللهجة وإلا عقابك سيكون مضاعفاً...في الصباح الباكر أجدك أمام باب المنزل "
" وإن رفضت ؟!"
أرسلت الرد ببرود:"أعرف ما يجري مع شيماء وبتعديك السافر على المنزل تحت حجج غرام واهية "
أتاها الرد سريعاً جداً مضطرب متوتر:"بدور أنا أنا...أنا أحبها"
" أراك في الموعد يا فتى من الأفضل لك التحدث معي قبل أن أتصرف بطريقة لن تعجبك!"
أغلقت الهاتف ولم تكلف نفسها رؤية دفاع أخر .
...............
ألقى نزار الهاتف على فراشه بغيظ محترقاً حتى الأعماق والقلق يأكله أكلاً ليس رُعباً على نفسه...ولا خوف حتى من رد فعل عائلتها إن إكتشفوا الأمر إذ كان يدرك جيداً أن يوماً ما سيعلم الجميع بحبه لها... بعشقه الذي أصبح يصل حد الاكتفاء المخالط للجنون بالترقب ليوم قربها:
"لن أسمح لأحد بأن يضع إصبعاً عليكِ أو يجرحكِ بكلمة "
" نزار "
رفع نزار عينيه سريعاً نحو دخول أمه الهادئ...رسم إبتسامة واسعة على شفتيه وهو يقول:"مرحباً يا ست الكل؟!"
أخذت هناء نفساً عميقاً وتقدمت لتجلس على أحد المقاعد وهي تقول:
"أفهم من هذا أننا عُدنا لعهدنا القديم وانتهت نوبة غضبك مني؟"
اقترب منها يجلس تحت قدميها ثم دفن رأسه في كفيها وهو يقول بلهفة:
"لا عشت أنا ليوم أغضب عليكِ فيه...كانت نوبة جنون خَلَفها هؤلاء الحمقى إخوتي وانتهت بغير رجعة"
رفعت هناء وجهها تنظر لعينيه الخضراويين وهي تقول بلهفة:
"بل ما حييت أنا لدقيقة من بعدك...أنت روحي يا نزار كل ما أملكه من الدنيا ابتعدت بك عن الجميع واعتبرتك مكافأة الله التي طببت كل الماضي الأليم؟!"
لدقائق كان ينظر إلى ملامحها الحبيبة التي كانت أكثر من كافية له منذ كان رضيعاً، دائماً كانت هي رفيقة الطفولة... الأم والأب في آنٍ واحد إذ كان يدرك منذ نعومة أظافره أن أبيه لفظه كما لفظها هي ونفاها بعيداً عقب إنجابه...رضوخاً لطلب زوجته الأولى! تحيرت عينيه للحظة وبان الاختلاط والفقد فيهما فشجعته كالمعتاد وهي تسأل:"لا تخبئ شيئاً عني دائماً كنا رفقة مكتفيين ببعضنا البعض "
أجفل للحظات قبل أن يقف بعيداً عنها يتخلل شعره القصير بأنامله بعصبية وهو يقول:
"لقد أخبرتكِ للتو بأني غير قادر على خسارتكِ وجرحكِ وكل ما أصبح يدور بخاطري يوجع يا أمي "
وقفت هناء تلمس كتف ابنها بحنان ثم قالت:"أعلم أنك ما عُدت صغيري الذي يكتفي بما أجود به... وأعلم أيضاً أن تلك الدوامة لم تكن منصفة لك يوماً...ولكني أريدك أن تتذكر أن كل ما فعلته وأفعله وسأفعله كان بغرض حمايتك وحدك "
لوهلة ظهر الضياع في عينيه ضياع كانت ترهبه وتخشاه شبح أتاها مهدد من الماضي الموجع:"رغماً عني أشعر أن كل شيء حولي غامض سوداوي ومحير...لقد لفظني أبي وهو على قيد الحياة بحجة زوجته الأولى، رغم أن علاقتكِ أنتِ لم تنفصل عنها... رغم أنها دائماً كانت تعاملني بمحبة حاولت أن تقربني من ولديها... رغم أنها كانت تبعدني بإصرار عن شقيقتي؟!"
ابتلعت هناء ريقها ثم قالت بخفوت:" كان سمير يحبك يا نزار ربما لم يكن لك معزة خاصة ولكنه لم يهمل يوماً فيك بني أنا التي اخترت الانفصال والابتعاد بعدما خربت حياته!"
امتقع وجه نزار ورغماً عنه خرجت منه نظرة اتهام... نظرة صارخة مستنكرة كيف بنبع الحنان المعطاءة للغريب قبل القريب أن تكن مجرد امرأة يطلقون عليها خاطفة زوج صديقتها؟! اغرورقت عينا هناء بالدموع بينما تحتوي وجهه بين كفيها وهي تقول:
"أمك ليست سيئة إياك أن تصدقهم أنا فقط أخطأت وحاولت أن أصحح ما كان فدفعت الثمن مجنبة إياك توابع ذنبي"
قال نزار بمرارة:"ألهذا تنازلتِ عن حقي في ميراث أبي يا أمي وجعلتيني أتنازل بالكامل عنه؟"
توترت وهي تقول:"لدينا ما يكفي، لا نحتاج لماله... إخوتك أولى به منا!"
نظر إليها بألم يخالطه عدم الاقتناع... حاوطت هناء وجهه بكفيها تنظر لعينيه الباحثتين عن الحقيقة وذلك الخضار العنيد الغير قابل للكبح غير متقبل الرفض...خفق قلبها بشدة بينما تلمح فيهم شيئاً آخر تحفظه عن يقين فلم تستطع كبح جماح نفسها وهي تهمس:
"لكم أصبحت تشبهه...لم أرد أن أصدق يوماً أن خلاياه قوية إلى هذا الحد لدرجة الانشطار والتمثل فيك "
ضيق نزار ما بين عينيه قبل أن يقول بتعجب:
"من هو؟ أبي لم يكن يملك ملامحي ولا حتى خالي...عما تتحدثين؟"
تركته سريعاً وهي تحاول أن تعيد إتزانها ثم قالت متهربة:"تعلم أن دراستي عن الطبيعة أحياناً تسيطرعلى عقلي وأهذي بأشياء اشتقت فقط للبحث فيها من جديد...لا تهتم والأن أخبرني هل ترى شيماء؟!"
لم يقتنع مطلقاً بتهربها بل ظل لدقائق ينظر لها بتمعن متحدياً قبل أن يقول:
"أراها يا أمي... ولن أستمع لنصيحتكِ ولا تهديدكِ... أنا لن أتخلى عنها حتى لو علقتني تلك المجنونة بدور على الشجرة "
"وطبعاً هذا سيكون من دواعي سرورك إذ أنك لن تضطر للابتعاد عنها "
رد مازحاً:"بالطبع ولكن المشكلة الحقيقة أني سأحقق لحمراء الجوارب تخيلاتها وتشبيهي بالقردة!"
عقد حاجبيه مفكراً قبل أن يقول:"أعتقد أنها ستقيم إحدى حفلات الأدغال وتتراقص حولى في دائرة نارية منتظرة أن أقع في قدحٍ مغلي"
إنتفض من مجرد التفكير في المشهد وربطه بالشجرة !!
بينما هزت هناء رأسها بيأس ثم قالت:" لقد تحدثنا في الأمر يا بني مازالت مشاعرك لم تنضج بعد لتحدد ما تريده...أنت تؤذي فتاة هشة رقيقة للغاية...بل حالتها تجعلها أكثر هشاشة إن كسرت فيها شيئاً يوماً سيعطب فيها ويبقى غير قابل للإصلاح!"
تلبست ملامحه الفتية الجدية وهو يقول بوعدٍ رجولي قاطع:"لن أفعل...إن طلبت عيناي سأمنحهما لها، أنا لم أعد مجرد مراهق أحمق لا يعرف ما يريد "
نظرت إليه طويلاً طويلاً جداً قبل أن تقول بنفسٍ مكتوم:"لا أريدك أن تشبهه...أن تظلم إحداهن في ثورات تخبطك وجنونك ابتعد عن الفتاة لا أريد الأذية لك ولا الألم لها!"
لاح الغضب على ملامحه بينما يقول بنفسٍ مكتوم:"لِما أصبحتِ تتحدثين بالألغاز؟ أنا لا أشبهه في أي شيء لمعلوماتكِ إن كنت نسيتِ هو أبعدني عن طريقة من الأساس...كفاكِ يا أمي أنا تعبت وما عدت قادراً على التظاهر بأني سليم النفس ؟!"
اقتربت منه هناء وهي تصرخ فيه دون مقدمات:"اللعنة عليه أينما كان...بل أنت سليمٌ... سليمٌ تماماً رغم أنفك...لقد كُنت أفضل صديق ومعين لك طوال عمرك، كُنت بجانبك أمنحك ما تريده، كُنت ككتابٍ مفتوح معك، لتأتي الأن من أجل جنون المراهقة واندفاع طيش الشباب، تنكر كل شيء؟!"
هتف نزار من بين أسنانه:"ما أكتشفه كل يوم يستنكره عقلي الذي يخبرنى أن كتابكِ المفتوح مجرد أكذوبة "
تشبثت هناء في بالباب المجاور لها بأظافرها تستند إليه بقهر قبل أن تقول:
"ربما! تعايش مع تلك الحقيقة ومن منا لا يملك في ماضيه ما يخجل منه ويخفيه... يرعبه أن يُكتشف يوماً ما؟!"
.........................................

لم تستطع أن تذق عيناها النوم رغم أنها حاولت بإصرار أن تفعل! نفخت بغيظ وهي تطوي قدميها تحتها لتلف أناملها البيضاء الناعمة حول كوب القهوة الدافئ وعقلها يشرد في عودتها غداً لمكتبها ومساومتهم، لن تنتظر أو تؤجل الأمر يجب أن يعلم راشد بك أن الأمور تحت سيطرتها إن أرادت، فهذا هو حقها بالنهاية لقد جهزت لتلك الصفقات منذ أشهر طويلة وسهرت ليالي متواصلة دون نوم، أرهقت نفسها وحملتها فوق طاقتها مراهنة أنها ستعود وبقوة نحو سباق الشركات الكبرى في السوق ليأتي هو يسلب منها كل شيء بسهولة!
" لم أعتد وجودكِ ساهرة لهذا الوقت وفي بهو المنزل أيضاً، منذ متى تشاركين العوام أماكنهم؟"
رفعت بدور حاجبيها نحو أمها ثم قالت بهدوء مستفز:"اعتادي على هذا، إذ أن المكان أصبح مريحاً جداً لي "
جلست منى بجانبها تطوي قدميها مثلها ثم اختطفت منها الكوب وهي تقول:"مر زمن لم نجلس ونتحدث فيه "
رفعت بدور حاجبيها وعينيها تتبع كوبها الخاص يرتفع نحو فم أمها ثم قالت مرددة:"نحن نتحدث كل يوم يا أمي، أشارككِ حفلاتكِ بل وقرارتكِ فمتى ابتعدت إذاً ؟!"
قالت منى بهدوء:"لا أعني هذا يا بدور... بل عنكِ أنتِ، كيف حال صغيرتي من الداخل؟!"
" محطم قلبها، مفطور... سُرِق منها كل شيء وتشعر بفراغ عظيم والعالم كله غير قادرعلى سد خواءه!"
رسمت إبتسامة ساحرة علمت منى عن يقين زيفها... ثم قالت باتزان:"بخير ، بأفضل حال أمي "
تأملتها منى بهدوء أكبر متمسكة بحكمتها المعتادة معهم وبثباتها الانفعالي قالت برتابة:"بالطبع حبيبتي أنا على يقين من هذا بعد أن ضربتي زوجكِ وتركتيه في منتصف الطريق، وأتيتِ إلى هنا تتناولين قهوتكِ ؟!"
أطلقت ضحكة قصيرة مستنكرة وهي تقول:"هل أخبركم سريعاً هل أتصل شاكياً ؟!"
نظرت إليها متمعنة ثم قالت:"تعلمين جيداً أنه أكبر من أن يفعلها، أحد رجاله هو من أتصل بوالدكِ وأخبره عن كل ما حدث، وياسر الأن معه في المشفى!"
إهتز شيءٌ داخل عينيها كانت تداريه بمهارة ولكنه فلت رغم أنفها وهي تقول:"وهل أصبح راشد ورق من سولفان لماذا يحتاج لمشفى إنها بعض الرضوض والكدمات "
قالت منى ببطء:"على حد علمي أن أحد رجالكِ كان على درجة عالية من الغباء ليمنحه جرحاً غائراً على صدره وربما كسر أحد أضلعه وو..."
توترت وهي تقفز من مكانها مقاطعة بصرامة:"لا أريد أن أعرف... يجري ما يجري له هو من بدأ اللعب معي وأنا استرديت حقي... لو كانت الأدوار منقلبة كان فعل بي أكثر من هذا "
عقدت منى يديها على صدرها ثم قالت بصرامة:"إن كان مكانكِ أبداً لن يفعل لن يملك القدرة على يمسك بأذى!"
إلتفت إليها بدور تنظر لها نظرة مظلمة ثم قالت:"هل أنتِ واثقة مما تقولين راشد الراوي لن يؤذيني أمي؟!"
اقتربت منها بعطف تمد يدها محاوله جذبها إليها...انتفضت بدور بعيداً مشيحة بكفها وهي تقول بقهر:"لا، ما عُدتُ أريد تعاطف أحد "
قاومت منى رغبة أليمة في اجبارها للجوء إليها متذكرة أخرى مرة سمحت لها بدور باحتوائها بين ذراعيها وهدهدتها كطفلة صغيرة تبحث عن الأمان بلمسها وهمسها بجانب أذنيها أن كل شيء سيكون على ما يرام ولكن كيف يَصلُح ما فسد من روحها وهي من رأت بعينيها دليل اغتيالها منثوراً بنقاط حمراء على ساقيها... ونظرة الموت والخواء تطوف في عينيها قبل ان تشد"ستار الحمام"عازلة نفسها عنها حتى هذه اللحظة!
" اتركيه...أطلقي سراح نفسكِ وأهربي من ذلك الجحيم الذي شوهكِ!"
ملامحها ازدادت جمود وقسوة وهي تقول:"أبداً ليس قبل أن يذق من جحيم كأسي ويتشرب المرار من بئر ظلماتي "
قالت منى بحزن:"أنتِ من تموتين كل ليلة وعمركِ يضيع وشبابكِ يُهدَر... غادريه إلى الأبد أو امنحيه فرصة ليصلح ما أفسده"
شهقت بدور بإستنكار قبل أن تقول كطلقة الرصاص:"وهل ما أفسده يمكن اصلاحه وإن سامحته في حق نفسي التي أخذها اقتداراً...كيف تريدين مِني الغفران على خيانته لي؟ "
قالت منى بنفاذ صبر وغضب مكبوت انفجر دون سابق إنذار:"لم أقل اغفري بل تذكري جرحكِ الدامي منه على الدوام اجعليه جداراً بينكما لا يحول أو يزول... ولكن تلك الحياة التي تعيشينها لا أنتِ تقبلين بإطلاق سراحه ولا النسيان والعودة إليه...هذا اغتيال لكليكما بل قتل بالبطيء وأنتم أحياء!"
قالت بهجومية صارخة:"وأنتِ البطلة المنتصرة هنا ؟ المرأة التي نجت وعلى قيد الحياة بعد أن غفرت لخائن أهانها علناً وخفيةً بعلاقته المقززة...أنا لستُ أنتِ لن اترك حقي... لن أغادر حتى يدفع الثمن ولن أسامح حتى وإن رأيته يذبح بنصلٍ بارد أمام عيني "
شحب وجه منى في الحال بينما اختنق الكلام داخل جوفها ثم قالت ببهوت ذاهل:"إلى هذه الدرجة ترينني بلا كرامة...امرأة مهانة ممتهنة في نظركِ يا بدور ؟!"
فغرت بدور فاها بصدمة بينما تعيد على عقلها كلمات كانت مكتومة لسنوات لم تحسب يوماً حساب أن تخرجها بقذارة في وجه أمها:"أمي أنا..."
رفعت منى كف يدها ثم ابتعدت عنها خطوات هاربة من محاولتها للتقرب !! وهي تشعر في تلك اللحظة أنها تحطمت لألف قطعة، ثم ما لبثت أن قالت والألم هزها حتى الأعماق:"لم أكن أعلم بعلاقاته كان يداريها جيداً بعيداً عني ولكن بداخلي كنت أعرف، كنت أشتم رائحة النساء من فوق جسده فأنفر منه ليالي طويلة غير سامحة له بالاقتراب مِني !! كنت أتوجع مثلكِ فألجأ لسجادتي أبكي بقهر وأدعو الله أن ينزع حبه المريض من قلبي وألا يحوله لكره بل لشيءٍ باهت بارد لا يؤثر في مشاعري... إذ أن الكره أيضاً يعد نوعاً من المشاعر كنت أرفض أن توجه نحوه "
" أمي"
شردت منى للحظات وهي تتذكر ذلك الألم الذي لا تستطيع الكلمات وصفه أو تقييمه...ذلك الخنجر المسموم ينغرز في صدرها مراراً دون ذرة رحمة...مدمراً كبريائها، حبها، أمومتها وثقتها بنفسها
"كان يأتيني باكياً أحياناً طالباً غفراناً مبهماً أتظاهر بأني لا أعرف أهدافه... يدلف إلى حمام الغرفة يغسل جسده بإشمئزاز ونفور وقد غادرته لذته للحظة ولم يبقى إلا القرف من نفسه... كان يُذبح أكثر وأنا أدعو الله أكثر أن يخلصني من قيده ويمنحني السكينة لأحافظ على كنزي المتمثل فيكم لم أرد خسارة أمومتي... لم أستطع أن أضحي بهذا فحبي لكم كان أقوى مني... "
" توقفي أمي لا أريدكِ أن تتذكري ؟!"
أخذت منى نفساً عميقاً مؤلماً قبل أن تقول بكبرياء محطم:"لا ما عاد يؤلمني لقد ذبحني مرات ومرات حتى خلصني منه الله أخيراً ونزع حبه من قلبي دون عودة عندما أرسل لي فريال لتقف أمامي وتعاملنى بوضاعة وتخبرني بحملها لصغير من والدكِ...بعد أن أجبرني تقريباً للحمل في أخيكِ قبل بضعة أشهر بعدما كنت قد اكتفيت بكِ أنتِ وأختيكِ!"
قالت بدور بصوتٍ أجش:"لماذا وافقت إذاً...لماذا لم تتخلصي منه وقد واتتكِ الفرصة؟ "
هزت منى رأسها بتفهم ثم قالت ساخرة:"إن كنتِ تعتقدين أني بقيت لأنتقم أو أذله أو خرفاتكِ تلك فأنت واهمة... أنا لم أبقى يا بدور أنتِ كنتِ كبيرة كفاية لتتذكري انفصالي عامين كاملين عنه...ابتعادي التام عن كل شيء والانزواء بكم... لرفضي كل محاولاته... لتكذيبي كل وعوده "
" ولكنكِ عدتِ "
اغمضت منى عينيها لوهلة فإنسابت الدموع من تحت عينيها قبل أن تقول:"إنه اختياري وحدي فلِما تهاجميني؟ أنا أخترت أن أحافظ على الصورة... أن ينشأ اطفالي في أسرة حتى وإن كانت مجرد إطار جميل المظهر فارغ الجوهر...أنا أخترت المجازفة يا بدور بخسارة بعضكم أفضل من خسارتكم جميعاً "
قالت بدور بألم:"وهل نجحتِ يا أمي ألا ترين ما وصلنا إليه؟ "
شمخت منى برأسها قبل أن تقول باصرار:" بل نجحت فأختيكِ مستقرتان في بيوتهن ...أخوكِ ربيته بيدي أنشأته وأنا أعلم أنه لن يخيب ظني أبداً فارس آل الراوي فارسي الحامي..."
" وأنا ماذا صنعتِ مني؟ "
اقتربت منى أخيراً شاعرة بوجوب لمسها فحاوطت وجهها بكفيها بينما تقول باستلام موجع:"لقد حاولت حمايتكِ والسيطرة على جموح نفسكِ ولكن دائماً كنتِ تتعلقين بوالدكِ...أنتِ التي أختارت طريقاً مُلِئَ بالأشواك "
أراحت بدور وجنتها على يد أمها مغلقة عينيها لدقيقة...دقيقة واحدة تقتنص فيها بعض السلام الخادع:"ااااه يا أمي... قلبي انفطر منه...لقد باعني له مرة أخرى كيف استطاع؟ "
دمعت عينا منى وهي تقول بحرقة:"لن أصدق أبداً إنه باعكِ من الأساس إنه السبب في كل ما جرى...ربما ياسر فشل أن يكون زوجاً أو أباً...لكنه أبداً لن يفعل بكِ ما رأيته ليلتها "
هزت رأسها رفضاً وقد أصدرت حكمها المسبق ولن تغيره ابداً
"اتركيه يا بدور...ذلك القيد الذي تدورن فيه سيحرقكِ قبله... الحياة أصغر من أن تُضيعيها في انتقامٍ لن يدمر إلا صاحبه...خُطي قراركِ إما البقاء أو الافتراق إلى الأبدى "
فصلت نفسها عن أمها بتعنت شاعرة بمرارة الفقد مصرة على الاكتفاء بالذات ثم قالت:
"هل سامحتي أبي يا أمي عما فعله بكِ قط؟"
لم ترى بدور أمها قط بتلك القسوة المرسومة في عينيها بذلك الجليد الذي غلفها عندما قالت بصقيع:"لم أغفر...ولم أنسى لأنه ما عاد يفرق معي...لقد نزعت حبه من قلبي بغير رجعة...لهذا قررت البقاء من أجلكم وأبيكِ يعلم جيداً أني باقية بشروطي وأختياري...ياسر لا يعني لي أي شيء غير زوجٍ أكن له احترامي واحترامي فقط "
تنفست بدور مبهورة للحظات بينما تستدير رأس أمها بتصلب نحو وجهه ابوها المصدوم بوجع بشكل رهيب وهي تقول:"الرجل الخائن ابتلاء إما أن تدعِ ربكِ لاحتماله أو النجاة منه وتركه بغير عودة "
صمتت ثم أعقبت:"حمداً لله على سلامتك ياسر...كيف حال راشد أتمنى ألا تكن جروحه خطيرة؟"
..................................
"لما البكاء الأن؟ أنا بخير"
هزت رأسها برفضٍ قاطع وبكاءها يزاد حرقة بينما تقول:
"لا أنت لست كذلك وجهك مشوه وأضلاعك محطمة...أنت تبدو مسكين للغاية...لقد ضربوك وهزموك بسهولة"
رفع راشد حاجبيه حتى شعر خالد انهما لامسا مقدمة رأسه كتم ضحكة تريد الخروج وهو يسمع راشد يقول:"هل هذا الإقرار يساعدني بأي شيءٍ سَبنتي...لقد ضربتي غروري الذي أحاول التمسك به في مقتل"
عبست بقوة ثم قالت بنحيب:"هل أنا الملامة الأن أم تلك الشريرة التي قامت بضربك"
رباه سوف تتسبب له بجلطة ألا يكفي كبرياؤه الذي تحطم؟!
هب من الفراش يحاول كتم أنفاسه المتألمة من إصابة صدره ثم أشار بيأس:"لقد طلبت من والدك ألا يُخبرها...كنت أعلم أنها لن ترحمني من فيض كرمها...لماذا أتيت بها ؟!"
هز خالد رأسه بقلة حيلة ثم قال:"لم أملك خياراً آخر فعندما سمِعت بالأمر أصرت أن تصطحب السائق وتأتي إليك"
تنحنح للحظة وهو يسترق النظرات إليها ثم قال بهدوء:"لم أستطع السماح لها بأن ترافقه وحدها لقد كبرت جداً على هذا ؟!"
ضيق راشد ما بين عينيه بينما يرمق خالد بتأني وحديث النفس يخبره بإصرار عن وجوب الإسراع بفصلها بعيداً عنه !!
قال بعد برهة بحنان:"خيراً فعلت، الأن تستطيعين المغادرة لقد أصبحت بخير عند رؤيتكِ صغيرتي" وصل إليها ليمسح على شعرها بهدوء...
فعاندته بتشدد:"لن أغادر سأبقي معك"
فرك وجهه بتعب ثم ما لبث أن قال بحزم:"لا لن تفعلي بل ستغادرين معه وتبقين تحت جناح زوجة عمكِ حتى أتفرغ لكِ... على كل حال قريباً جداً ستغادريهم وتبقين معي بشكلٍ دائم ولكني أحتاج لترتيب بعض الأمور قبل تنفيذ هذا القرار"
لم يغفل راشد عن توتر جسد خالد والذي سمعه يقول باعتراض مكتوم:"عن أي قرارٍ تتحدث؟! لقد ناقشنا الأمر سابقاً وحياتها معنا نحن!"
قال راشد بهدوءٍ صارم:"بأي صفة تجلس معكم؟ أنت قولتها بنفسك لقد كبرت ولم يعد يصح ما كان في السابق!"
قال خالد بحدة:"ماذا تعني، هل تعتقد أني عاجز عن حماية من تحت سقف منزلي؟"
قال راشد ببرود:"المشكلة ما عادت تتمثل في الحماية...بل أعنيك أنت تحديداً!"
تدخلت سَبنتي وهي تقول بأنفة ساخرة:"صراع ذكور آلـ الراوي! شيماء لديها حق، ولكن أليس لي أنا رأي في هذا الأمر؟"
هتف كلاهما في صوتٍ واحد:"لا"
امتعضت وشفتيها تمتمت بشيءٍ لم يصل مسامعهما مما جعل خالد يهمس بغضب:"تأدبي أعلم أنكِ تَسُبِين كلينا...
رمشت ببراءة قبل أن تقول بهمسٍ:"مطلقا... أنا فتاة مهذبة جداً على فكرة بل أسُبكم جميعاً"
عاد راشد يردد بصرامة:"خذها وغادر يا خالد، ليس وقت تهذيب لسانها الأن لدينا حديث مطول بعد أن أنهي هذه المهزلة"
"ولكني لا أريد المغادرة"
فتح ذراعه فاندفعت نحوه كالعادة مما جعله يطلق تأوهاً مكتوماً وتحامل على نفسه وضمها إليه وقال بهدوء:"إمنحيني يومين كي أنتهي مما يحدث وبعدها سأتي إليكِ لتبقيّ معي المدة التي تريدين"!
تخلت عن عنادها تماماً ووافقته وهي تمنحه إبتسامة أخاذة ذكرته بأول مرة حملها بين ذراعيه وهي ابنة عامٍ واحدٍ!!
"حسناً سوف أنتظرك ولكن لديّ طلب أخير"
غمز بعينه مداعباً قبل أن يقول:"أنتِ لا تطلبين بل تأمُرين وأنا أنفذ"
قربت فمها من أذنه وهي تقول بخفوت:"لا تقسوعليها برد فعلك...كل ما تقوم به بدور بدافع الألم!"
أبعدها راشد عنه ينظر إلى ملامحها بغرابة ثم قال بهدوء:"متي كبرتِ لهذا الحد؟!"
ابتسمت مرة أخري وهي تنفصل عنه ثم قالت:"لم أكبر فقط كنت أراقب تخبطكما!"
.........................
غادرته سَبنتي منذ ساعة أو أكثر فارتدي ملابس أخري أتاه بها حارسه الذي نجي من مذبحة أميرة القلعة!
ابتسم بتفكه حين تذكر ملامح أنثي الطاووس الجاحدة وهي تغادر دون حتى أن تحاول الإلتفاف أو التعاطف فهمس بأسى:"لطالما كنتِ قاسيةً باردة...حتى وأنتِ تمنحيني السلاح الذي ظَننت أني أذبحكِ به وأتمم انتقامي منكِ وأسترد كرامتي التي أهدرتيها لأكتشف بعد زوال لذة الانتصار أنكِ من ذبحتيني وبسلاحي عبر استسلامكِ القاتل... كيف غفلت ليلتها عن نظرة الانتصار في عينيكِ أو طعم الهزيمة فوق جسدكِ أو اغتيالي بين ذراعيكِ اللذان إلتفا حولي وأنتِ تضميني إليكِ؟!"
طرقة على باب الغرفة قطعت أفكاره...أغلق جفنيه وأخذ نفساً عنيفاً ثم سيطر على دواخله جيداً وهو يأذن للطارق...
فدخل الرجل منكسر النظرات منكس الرأس وكأنه يُجَر لمذبحته .
"تفضل يا كمال لقد كنت أنتظرك منذ وقت !"
دخل الرجل في الموضوع مباشرة مبرراً:"سيد راشد أنا حاولت الرفض ومنعها من الأمر، ولكنك تعلم أن السيدة عندما تصدر أمراً لا تتراجع فيه أبداً"
قلب راشد في الأوراق الموضوعة على الطاولة بجواره ثم وقف بقامته الطويلة وهو يقول بنبرة بطيئة خطرة:
"وأنت بالطبع أي أحدٍ يطلب منك صنع كمين لصاحب نعمتك لا تتردد في فعله؟ هل تعلم كم رجل من أصحابك وزملائك كسرت نفسه بفعلتك؟ إن الرجال ليس لهم ذنب إلا القيام بوظيفتهم وبالطبع أنت تعلم كم سيؤثر فيهم أنهم لم يستطيعوا القيام بعملهم وحمايتي بل وهزيمتهم على يد بلطجية!"
توتر كمال بشكل مؤلم ثم قال:
"لقد ساعدتها لنفس السبب تحديداً... كنت أعلم أنها لن تغلب في إيجاد غيري...لذا فضلت أن أضحي بنفسي ووظيفتي وأتعرض لغضبك والسيد ياسر ولا أن يقوم بها شخص غريب ويأخذها نقطة ضعف عليك؟!"
سخر راشد بحدة:"يا له من عمل بطولي أو لم يحدث هذا الأن؟"
"لم ينتشر الأمر ولم يكشف إلا لنا فقط"
خبط راشد على الطاولة بغضب بينما يهدر فيه:"لا تلتف ولا تحاول أن تدعي حمائية وتضحية لا تملكها...من قاموا بالأمر ومساعدتك في أحد المخازن الأن يواجهون الويلات أما أنت عقابك مختلف لقد انتهت وظيفتك أرجو أن تعجبك حياة البلطجة"
قال كمال معترضاً:"أنا أخدم تلك العائلة منذ عشر سنوات وغلطة واحدة قمت بها بدافع الحماية المتسرعة لا يُعَدْ عدلاً ما ذنبي في صراعكما؟!"
جذ راشد على أسنانه يكتم صيحة غضب...إن الرجل محق، فزوجته خارج إطار أي توقع وأبوها من منحها بجانب غرورها القوة والسلطة بل وأحيانا التطرف.
أظلمت ملامحه بينما يقول بنبرة لا تحمل الجدل:"لا تظن أن بقائك بجانبي وطلب الإسعاف قد غفر لك أي شيء...غادر الأن ولا تحاول الاختفاء أنت بت الأن تحت أنظار رجالي...سأرسل في طلبك قريبا!"
"سيد راشد افعل ما تريده بي ولكن عائلتي؟!"
رفع راشد حاجبه مستنكراً ثم قال بجفاء:
"وعائلتك ما دخلها بالأمر؟ وهل أخبرك أحد أننا رجال عصابات أو معدومي شرف؟ غادر يا كمال ولا تزد رصيدك سوءاً"
........................
"خالد"نادته بخفوت من وراء ظهره بعد أن ركن سيارته خارج المنزل الضخم كعادته:
"ماذا تريدين؟!"
قالت بحرصٍ:"هل أنت غاضب مني؟"
التفت إليها يتأمل هيئتها قبل أن يقول:"لا... ليس منكِ!"
شبكت أصابعها بتوتر قبل أن تتمكن من سؤاله باختناق:"لماذا إذاً أصبحت تخشى اقترابي؟ هل هل ما حدث تلك الليلة"
توترت أنفاسه وأحس بجبينه يتعرق وهو يهتف بصرامة:"لم يحدث شيء يا سَبنتي إمسحي ذلك الموقف من عقلكِ"
انكمشت بغريزية قبل أن تقول بصوت غلبه الضعف:"لماذا تتعمد إخافتي دائماً؟ أنت رائع معي أمام الجميع ولكن بيني وبينك تدفعني لكرهك"
نظر إليها بطريقة طالت قليلاً عن المألوف قبل أن يقول:"أنا لا أتعامل معكِ بوجهين يا سَبنتي...إنه أنا لم يتغير فيّ شيء بل أنتِ من تغيرتِ وأصبح وضع الحدود بيني وبينكِ أمراً نافذاً لا تملص منه!"
زمجرت برفض:"أنا لم أتغير أيضاً ولا أفهم ما الذي يَحْدُث معك؟ لماذا هذا التحّول والتهرب مني وكأني عقرب سيلدغك؟"
قال بجفاف:
"أنا ملازم لكِ طوال الوقت وكأني ليس لديّ غيركِ إذاً أين هو هذا التهرب؟"
اقتربت منه خطوة تمد يدها بتردد نحوه فمنحتها عيناه الداكنتان تحذيراً قاتلاً فأعادتها بجانبها وهي تقول بهمسٍ متحير:
"أعتقد أني أحتاج للحديث مع زوجة عمي وليس أنت لقد أخطأت الإختيار...أنت لن تساعد يوماً في جعلي أفهم تخبطي!"
إهتزت عضلة بجانب فكه بينما يجبر عيناه ألا تتأملها وألا تعود يديه لتذكر تفاصيلها وألا يجعل عقله يتطرف ويفكر أن ما تُخْفِيه تحت ملابسها الطفولية الواسعة هو من نصب هذا الجدار نحوها:"وأنا أيضاً أرى أن هذا أفضل للجميع"
اعتدلت تمشي أمامه مستسلمة فناداها:"بقة"
عادت تلتفت إليه بعينها الجميلتين الهادئين رغم الشغب الصارخ الساكن بداخلهما:"نعم أيها البعبع الضخم"
تمتم:"إن خَيَرَكِ راشد بيني وبينه هل ستتركيني؟"
أجفلها للحظات سؤاله ولم تلتقط ارتباك مشاعره وحيرته الجلية من صياغة الأمر بهذا الشكل!
ابتسمت أخيراً إبتسامة حقيقية وقلبها الصغير يخفق بقوة لأسباب مبهمة بينما تقول بصراحة:"قد أكرهك هذا لا جدال فيه ولكني لا أستطيع العيش بدونك ليومٍ واحدٍ"
كان الإرتجاف حتى الأعماق من نصيبه هو هذه المرة...اقترب خطوة وانحنى نحو قامتها الصغيرة المحدودة التي تصل بالكاد فوق خصره بقليل ثم قال:"مرحباً بكرهكِ إذاً إن كان لن يبعدكِ عني، أعني عنا جميعاً"
كشرت بأنفها قليلاً بينما فراشات وردية مبهمة المصدر ترفرف في معدتها وقشعريرة لذيذة تتسبب في ارتعاش صوتها الذي خرج متقطعا:"حسناً. س. أفعل"
ضحك برجولية جذابة:"ما الذي جرى معكِ لِما تبدين بهذه الحالة؟
قالت ببراءة:"لا أعرف...هناك أمرٌ يتغير بي تجاهك"
انمحت إبتسامة خالد على الفور وشعور من القلق والخوف يجتاحه يأمره بالابتعاد ينبهه لخطأ ما يحدث...بحفظ الأمانة واتقاء رب العالمين فيها...
هز رأسه ثم تقدمها بخطوات نحو الداخل بينما بقيت هي دقيقة كاملة تأخذ أنفاسها ثم رفعت عينيها العاصفتين نحو سيارة أجرة كانت تعلم أنها تتعقبها منذ الصباح...نظرت سَبنتي مباشرة نحو امرأة ثلاثينية تجلس في المقعد الخلفى و تحجب وجهها بغطاءٍ أسود لا تُظهِر إلا عينيها تنظر إليها هي الأخري بنظرات فاضت بالدموع واللهفة
تمتمت هامسة:"أنا أعرفكِ... ولكن من أنتِ؟ ولماذا تقصديني أنا بالذات دائماً بتعقبك" في نفس الوقت كل عام ؟! دفعها الفضول أن ترفع يديها تشير بسلامٍ نحوها وهي تحرك شفتيها:"مرحباً"
ارتبكت المرأة وكأنها ضُبِطت بالجرم المشهود ولكنها لم تستطع فصل نفسها عن النظر إليها وحفظ تفاصيلها متشربة إياها مُشبِعَة عينيها منها والقلب المكسور يخبئ بين طياته رائحتها الطفولية الذكية منذ سنوات ليست ببعيدة...
"ما الذي تفعليه هنا وحدكِ؟"أجفلها صوت عزام الصارم المخيف مما جعلها تتراجع خطوات تنظر للسيارة ثم إليه ثم قالت:"لا شيء كنت.... أعني سأدخل الأن"!
إلتفت إلى ما تنظر إليه فارتجف جسده الضخم بينما شحب وجهه حتى ماثل الأموات... " نفس لون العينين "؟! أشار نحو السيارة التي انطلقت في الحال بينما يسألها بنبرة مرتعبة ومخيفة:"من تلك؟ هل تعرفينها؟"
هزت رأسها نافية بشدة شاعرة بوجوب كذبها ومنذ متى امتلك عزام أية أسباب لجعلها تحمل أي صدقٍ تجاهه:"لا لا...أبداً عن ماذا تتحدث؟!"
ظلت نظراته تبحث داخل عينيها بإصرار واستكشاف كأنه يبحث عن شيءٍ مفقودٍ فيهما قبل أن يأمرها:"أدخلي... وإياكِ أن أراكِ تتحدثين مع الغرباء"
هزت رأسها كفتاة مطيعة قبل أن تندفع مبتعدة عنه... بينما بقي هو يتنفس بصعوبة والسؤال الحائر يطفو في رأسه هل هي فعلاً من رأها؟ هل عادت لتطالب بها وتكشف الحقائق أم أنه مجرد حنين الأمومة وستعود للمكان الذي أتت منه غير متحملة النبش في الفضيحة...
عاد ينظر في أثر سَبنتي من داخل البوابة الضخمة بينما يهمس ببؤس:"كيف أرتعب من وجودكِ إلى هذا الحد؟ كيف أحمل كل هذا الجُبن فلا أجرؤ على البوح بحقيقتكِ...وكيف بداخل قلبي أشعر تجاهكِ بكل هذا الأسى والعطف؟ لا يجب أن تصل إليكِ ولا أن تعرفي أنتِ حقيقة والدكِ الذي أختار أن يضعكِ في خانة ابنة الخطيئة من أجل محبوبته؟!"
ابنته من صلبه...فمتي يستطيع أن يبوح بذلك الامر وقد سلبه راشد كلاً من المرأة التي أحب والفتاة التي كبرت أمام عينيه دون أن يجرؤ على الاقتراب.
"والإجابة الساخرة أنه من أختار أن يتعامل مع حقيقتها بخسة وأنكارها وقد تحكم فيه شيطان نفسه.
...................................
ظل نزار لدقائق يبحث عنها بعينيه والقلق يتآكله والسؤال الحائر يطوف داخل عقله، كيف عرفت بمقابلاتهما السرية وهل تنوي حرمانك منها أم تهديدك فقط...وكأنه سيخضع لأمرها على إية حال!
وقفت سيارتها أخيراً بجانب الرصيف فتحت النافذة وهي تقول بهدوء:"اصعد بجانبي"
مط نزار شفتيه قبل أن يقول بمزاحه المعتاد:"هكذا سريعاً دون كلام أو سلام أو حتى اشتقت إليك يا نزار يا أغلى من حياتي"
تأملته للحظة من تحت نظاراتها السوداء قبل أن تقول:"عفواً هل عدنا لسخافتك؟"
مط شفتيه ممتعضاً ثم قال:"لا عفواً ولا شكراً هو يومٌ أسود منذ بدايته "
قاومت نفسها ألا تجذبه من ملابسه ثم تمحنه ضربة على فمه إلا أنها قالت بتذمر وجفاء:"لا بأس فقط بضع دقائق من وقتك الثمين أيها العظيم".
استدار نزار نحو ما اشارت واحتل المقعد الذي بجانبها ثم قال بهدوء مباشر صدمها:"إن حبي لها وانجذابي نحوها كان صارخاً واضحاً كأشعة شمس النهار... فلا تدّعي الصدمة أو أني تطرفت في الاقتراب منها"
هزت بدور كتفيها ثم قالت بنبرة ذات مغزى:"وهل شمس النهار تُشرق على السور الخلفي للمنزل ؟؟تستغل جهل وعجز فتاة صغيرة لتحيطها من كل جانب!!"
قال نزار ببطء:"أنا لا أستغلها بل أحبها ما مشكلتكم لتقبل تلك الحقيقة؟!"
ضمت شفتيها بغيظ ثم سرعان ما باتت ملامحها كمرآة معتمة لا تُظهر شيئاً:"الحب مصطلح خادع هزيل يُغرِي به مقتبلي العمر المندفعين يا نزار ورغم احترامي التام لمشاعرك تلك...ولكني أنصحك بالإبتعاد عنها فأنت لا تعلم مع من تتعامل"
قال نزار بصوت عنيف حاد النبرات:"أنا لستُ نكرة يا بدور، عائلتي تماثل عائلتكم عراقة...أنا فتى يجتهد ويخطط لنفسه ومستقبله دون أن يغفل أو يقصر في الأمر، يمكن البحث ورائي، فلا تتعمدي تهديدي"
ساد صمتُ ثقيل بينما هو يتنفس بانفعال وهي تنظر له بهدوء مغلق حتى تنازلت أخيراً وقالت شاردة:"بل بحثت عنك جيداً وأعرف تاريخك...ولكني من أجلك تركته عند مرحلة ما ولم أحاول نبشه ؟!"
عبس نزار وهو يقول بضيق:"ما كل هذه الألغاز ماذا تعنين؟!"
عادت تنظر إليه بتأمل غريب قبل أن تقول بخشونة:"ابتعد عن طريق الفتاة...التفت لمستقبلك يا نزار وعندما تنضج قليلاً وتعلم ما تخوض فيه معها...وقتها تعالى إليّ وأعدك أن أقف بجانبك"!
"بدور أنا أحبها أقسم بالله إني أحبها...انظري لعينيّ ...اسمعي نبض قلبي الذي يتألم وأنتِ ستعلمين أني أخذت قراري وقطعت عهدي أن أصبح عيناها وبصيرتها"
ابتسمت لكلامه وللحظات أخرى ألجمها صدق اعترافه وجمال مشاعره...ثم قالت بحزن:"المشكلة لا تكمن بك... أنا من لا تصدق العهود يا نزار ولا أؤمن باعترافات الحب ؟!"
"أرجوكِ"حاول مرة أخرى أن يقنعها
أشارت بدور بيدها قبل أن تقول:"إكراماً لمريم وأمك... أنا أخاف على كليكما لو وقعت في يديّ خالد أو أبي لن يرحماك وإن استطعت حمايتك منهم، أخبرني من يحمي أختي الصغيرة من خيبة أمل قد تفعلها بها؟ شيماء هشة للغاية وحالتها تُزِيدها ضعفاً إن جرحتها لن أستطيع لملمت كسرتها أبداً"
.........................
بعد يومين

الصوت المزعج الذي أتى من خارج غرفته التي تقع بالحديقة والتي صممتها له أمه بعد إلحاح منه للاعتزال عن المنزل وبناء هذا الملحق الصغير والذي كان في الأول والأخر مجرد ملجأ يستريح فيه بعيداً حتى نقل إليه رويدا رويدا ملابسه وكتبه وذكريات طفولته وأخيراً معمله الصغير الخاص بجامعته والأبحاث الزاعية التي يحاول أن يجريها...
أغلق خالد صوت جهاز الحاسوب الذي يصدح في الغرفة بآيات قرآنية تريح نفسه ثم فرك وجهه بتعب ونوي التوجه للخارج قليلاً ليرتاح من الدراسة ويرى المزعجة وشقيقته ماذا تفعلان؟"
التفت للوراء قليلاً نحو المظلة الضخمة التي تفضلان الجلوس تحتها ولكن قبل أن يقتحم الغرفة الزجاجية الأخرى
لمح عينيها الفيروزية ولونهما الغريب المائل للبنفسجي في تركيبة جينية عجيبة وكانا ينضحان شقاوة لا تليق إلا بها...بينما تهمس لشقيقته بنبرة جادة خفيضة:"من هذا الأحمق الذي أخبركِ أني أريد دراسة الطب أو دخول أية جامعة؟"
توقفت شيماء عن القراءة بأناملها، ثم نظرت تجاه الصوت وهي تسأل بحذر:"ما الذي تأملينه لمستقبلكِ إذاً؟ أرجوكِ لا تخبريني شيئاً غبياً كالعادة"
كاد أن يتدخل ويمنع هذا الحوار الجدلي العقيم ويأمرهما بالابتعاد ولكنه تسمر مكانه يراقبها مبهورالأنفاس، مبعثر المشاعر، ساخطاً وغاضباً من ذلك الشعور المكروه الذي أصبح يجبره على النظر إليها وكأنه لم يرى فتيات من قبل...
هزت كتفيها بدلال لا يتناسب أبداً مع انحناءها لتجذب جواربها حمراء اللون ذات الدوائر السوداء ثم قالت بلا مبالة:"أنا سأكتفي بالدارسة الثانوية ثم سأتزوج رجلاً رائعاً يدللني ولا يفرض على أياً من القوانين الغليظة للبعبع خالد!"
سخرت منها شيماء وهي تقول:
"حلمٌ رائع لبقة تافهة انتظري تعليق أمي لكِ من أذنيكِ عندما أخبرها بهذا"!
اقتربت منها سَبنتي تلمزها في كتفها وهي تقول بحنق:"لا تُلَقبِيني بهذا الاسم الكريه، وأنتِ أجبن من أن تخبري زوجة عمي!"
نفضتها بعيداً ثم قالت بهدوء:"جربيني"
عاد ذلك الطيف البنفسجي يتوهج في عينيها بجنون مشاكس وهي تقول بغرور:
"أخبريها لن أخاف...ثم أنها سوف ترضى عني تماماً عندما ترى من هو الرجل الذي سأختاره لتدليلي"
"بقة اغربي من هنا أنا لن أستمع لهذا الهراء"
لم تبالي سَبنتي وهي تخلع قميصها الفضفاض الطفولي، ليظهر من تحته قميص أحمر اللون يظهر بشرتها الذهبية رائعة الجمال وأنوثتها الوليدة ملفتة الانتباه...يغطيها خصلات ذهبية ملتوية تتراقص على كتفيها وظهرها، مما جعل المراقب يطلق استغفاراً يتبعه تضرع إلى الله أن يحصنه من كل شيطانٍ رجيم ويحمي تلك الطفلة الغبية من تهورها...كاد أن يدفع الفكرة ويمضي بعيداً عن حديث الفتيات المزعج الدائر خلف غرفته الخاصة...لا بل بعيداً عنها هي بالذات !! ولكن قدميه توقفتا عندما قالت سَبنتي بنبرة شابهت النهم والانبهار:"فتي أحلامي سيكون طويلاً جداً، وذو عضلات حديدية حتى يحملني عليها ويدور بسهولة ولكن ليس مثل خالد!! وبالطبع لا أريده أشقر كذلك الفتى الأحمق خاصتكِ !!"
هتفت شيماء بجزع:"اخرسي كان يوماً أسود يوم أن أطلعتكِ على سري !!"
أكملت سَبنتي بلا اهتمام وبنبرة طفولية حالمة:"أريده أسمر اللون أمم يشبه راشد وليس خالد بالطبع مع لحية رائعة ويجب أن يكون غاية في الوسامة بصدر عضلي واسع مثل عارضي الأزياء...والأهم لديّ ألا يكون يشبه صدر خالد الكريه مطلقاً !؟
كانت تتقافز حانقة في أخر جملتها وتتغضن ملامحها بالرفض عند كل ذكر لاسمه...قبل أن يصطدم ظهرها بصدرٍ صلب كانت تُعلن تذمرها منه منذ ثوانٍ...
أطلقت صرخة ذعر قصيرة ورأسها يرتفع كالطلقة نحو تلك القامة الطويلة فبدا لها الوقت الذي استغرقته لتصل لعينيه الغاضبتين الناريتين كالدهر !
مد وجهه للأمام بينما صوته خرج كاعصارٍ ناري بنبرة عَلِمت التهديد فيها:"أعيدي على كل كلمة نطقتيها...أنتِ تنوين ماذا؟ وتصفين من؟ هل تعرفين أحداً من ورائي ؟!"
كانت تشبه كتكوت مبلول مسكين مرتجف وقع في مهب أمطار حمضية قاتلة وهي تهمس بخفوت شديد يكاد لا يسمع:
"لم أقل شيئاً!"
عينيه تركت تسلط عينيها الجديد !! ابتلع ريقة بصمت حتى لا تلاحظ تأثره بينما كل تركيزه يتوجه لشقيقته التي بدت كعصفورة جميلة وعاجزة وقعت في فخ لا مهرب منه...
"خالد"الصوت المرتجف المتوسل عاد يهمس باسمه...عبس وبان عليه الغضب المخيف الذي يرعبها... عندما رفعت يديها بشيء أمامه ثم قالت بتوسل:
"إن قدمت لك هذا هل سوف تهدأ وتغفر لي ؟!!"
الأمر الذي يجزم به الأن انه إذا قام بخنقها لن يلومه أحد:"ما مشكلتكِ تحديداً مع تلك الحلوى أخبرتكِ أنا لا أحبها"
عقدت حاجبيها بألم وكورت فمها بحزن وهي تقول:"كانت محاولة فاشلة لارضاءك"
عندما لم يرد ومازالت ملامحه الغاضبة الجامدة كما هي قالت:"أنا لا أعرف أحداً...كنت أمزح فقط"
هتف خالد من بين أسنانه وهو يجيل بعينيه نحو وجه شيماء المرتعب:"اخرجي من هنا حالاً سَبنتي لا أطيق سماع صوتكِ الأن"
"سأبكي توقف عن تعنتك معي"
صاح فيها:"اخبطي رأسكِ في الحائط...لستُ مجبراً لمهادنتكِ عند نطقي بأية كلمة"
تراجعت شيماء مصدومة بينما نظرت إليه سَبنتي بخيبة وقلبها الصغير تشعر به يرفرف بداخلها كعصفور قُصت أجنحته الوليدة...جرت نفسها للخارج وقبل أن تخطو خطوة كان يجذب ذراعيها لتسدير نحوه مجفلة وانكمشت غريزيا على الفور من لمساته وتراجع هو للوراء يمرر أنامله في شعره بعصبية:
"ارتدي ملابسكِ يا هانم...وإياكِ أن أراكِ تتجولين عارية بهذا الشكل داخل المنزل أو خارجه"
نظرت إليه بذهول وهي تقول:"انا لستُ عارية"
قال بتعصب وهو يغض عينيه بعيداً عنها:"بل أنتِ كذلك تنورتكِ قصيرة للغاية وذراعيكِ دون ساتر ووو... صمت والكلمات تتوقف في حلقه فكيف يخبرها أن قميصها الضيق الملتصق على صدرها وخصرها لا يترك الكثير للمخيلة؟"
مالت تخطف قميصها الأسود الفضفاض لتضعه على جسدها بكفين مرتعشين ثم قالت:"هل هكذا جيد؟ سأرتدي تنورة أخرى أو بنطال عندما أصل إلى غرفتي...أستطيع الانصراف الأن؟"
لم ينظر إليها بإصرار بينما كله يتصبب عرقاً مخالطاً للتوتر وبذكائها وغرائزها التي لمعت في عقلها أخيراً وصلتها إجابة مذهلة وصادمة في الوقت ذاته خالد يخشى ملامستها ويخاف النظر إليها... بعبعها الضخم أصبح يرهبها ؟!"
.......................................
كانت تسلك طريقها الطويل ذاهبة لعقد صفقة أخرى وقد عادت إلى عملها في اليوم الذي أعقب اعتداءها عليه مباشرة وما توقفت عنده بينما بالطبع لم تغفل عن مساومته ربما راشد ليس بهذا الغباء وتعلم علم اليقين أنه يحتفظ بنسخ أخرى في خزانته وأخرى على أقراص مدمجة أو"فلاشة"في أرشيف المجموعة و المستندات الهامة...ولكن تبقى هذه النسخة بالذات وصمة عار وضربة قاتلة إن توصل أحد العملاء لسرقتها أو تسريب نسخاً منها وقتها سيعلمون أن النمر الذي وثقوا فيه ما هو إلا قطٍ يعجز الدفاع عن نفسه أمام الطاووس: "أخبرتك عرضك مرفوض ولن أقبل إلا بانفصالك التام عن المجموعة وعودتك لبريطانيا"
"حسناً يا بدور ردي سيأتيكِ بعد دقائق معدودة"
هزت كتفيها باهمال وهي تضع هاتفها بأناقة هادئة أمامها.
وعادت لفتح حاسوبها والاستغراق فيه...حتى توقفت سيارتها بمكانٍ مهجور ومخيف بعض الشيء.
تفحصت المكان بعينيها وهي تسأل بجفاء:"هذا ليس طريق المصانع...لماذا توقفت على كل حال؟"
على الفور حاوطت سيارتها سيارتان أخرتان مما جعلها تهز رأسها برفضٍ وهي تقول:
"لا يعقل أنك بعتني بنفس الطريقة؟ما الذي يحدث هنا؟!"هتفت غضباً وبنبرة نارية متوعدة تحمل الجحيم بين طياتها...
ولكن قد سبق السيف العذل لقد اتخذ قراره فهو أذكى من أن يقع في تلك الحرب الشنعاء بين وحشي آلـ الراوي إن كان قد خضع لأميرتهم مرة فهو غير مستعد إطلاقا للتصادم مع نمرها ويكفيه ما فعله به منذ يومين...
انخفضت عينيّ كمال كما تهدلت كتفيه والتزم الصمت بينما يراقب راشد يفتح باب السيارة قائلاً بنبرة ساخرة:
"مفاجأة... رحلة صغيرة وخاصة جداً حبيبتي"
ارتفع أحد حاجبيها وهي تقول ببرود:"هل دخلنا الأن في حرب العصابات القذرة؟!"
استند أحد ذراعيه على الباب المفتوح والآخر لمس جانب وجهها بنعومة خطرة وهو يقول ببطء:"عجباً...لِما الاستنكارالأن؟! ألم تستخدميها بنفسكِ منذ يومين؟!"
تأملت كدمات وجهه لدقائق هابطة بعينيها التي لم تهتز قيد أنملة نحو الضمادة الكبيرة الظاهرة من قميصه المفتوح على جانب صدره ثم قالت محذرة:"ابتعد يا راشد من الأفضل لك أن تخضع لشروطي لا تقع معي ولا تتحداني وتسلمني ما طلبته لأني لن أتردد في استخدام طرقك مرة أخرى"
تحرك هذه المرة دون انتظار يجذب ذراعيها بعنف نحو الخارج وهو يقول ببرود مماثل:"تعلمين أن الحروب القذرة لم تكن يوماً طريقتي بل خيالكِ المريض هو من نسبها لي"
قاتلته وقاومته صارخة في رجال حراستها:"كمال، قم بوظيفتك"
كان قد أوقفها على الأرض خارج السيارة بالفعل مسيطراً على جسدها المقاوم بسهولة جعلتها تحترق كمداً إذ لم تستطع زحزحته عنها قيد أنملة بينما تراقب بذهول رأس رجلها الذي غاص أكثر نحو الأرض وهو يقول:"بالأمس القريب أنا تعديت على رجالي وأصدقائي تنفيداً لأمر سيادتكِ... ولكن الأن نحن نعتذر الولاء الأول لمن نقوم نحوهم بوظائفنا أي أصحاب مجموعة آلـ الراوي"
توسعت عينيها بذهول بينما كعب حذائها الرفيع يضرب قدمي راشد جاعلة إياه يكتم سباباً بذيئاً بين شفتيه بينما هي تصيح:"ما هذا التخريف؟ أنا من تُهدَد هنا؟!"
قال كمال بخفوت بينما ينظر لعيني راشد التي أمرته بصرامة أن ينصرف هو ورجاله:"نحن لا نتدخل بين رجل وزوجته سيدة بدور"
مال راشد نحو أذنها في تلك اللحظة بالذات يخبرها بشماتة ساخرة:"لا تعجبي بدر البدور...أخبرتها لك مرة لا تلعبي بالنار أو تدخلي جحر الأفاعي بقدميكِ ثم تنوحين من لدغتها!"
التفتت بعينيها الناريتين نحوه لتخبره من بين أسنانها التي اصطكت بغيظ:"ستندم أقسم بالله ستندم يا راشد تعلم أني أرد الضربة بعشرة"
إحدى يديه حاوطت خصرها ورفعها عن الأرض بينما يده الأخرى سيطرت على ذراعيها ثم توجه نحو سيارته وهو يقول ببرود:
"لا أعتقد أني سأفعل...إذ أني أنوي تربيتكِ من جديد أنثي الطاووس خاصتي... أعتقد أن عمي أثناء نشأتكِ كان مشغولاً جداً لفعلها"
..........................
خرجت شيماء كالعادة تتخبط بعصاها نحو الباحة الخلفية المهملة من المنزل تبتهل إلى الله بداخلها أن خالد لم ينتبه أو يسمع اعتراف سَبنتي الغبي بعلاقتها بنزار!
"نعم أنا هنا دقيقة وأكون أمامك"همست إلى هاتفها قبل أن تدسه في جيبها مرة أخرى وتتبع طريقها...
كان الغضب والغيرة الحارقة قد أعمياه...لم يصدق نفسه وكذبها مرتين شيماء والأشقر!! كيف ومتي ولماذا ؟؟؟وما الذي يريده منها لقد اعتقد أن سَبنتي تدّعي أو تسبب له المشاكل ...
تبعها خالد على الفور يسبق خطاها...جذبها دون مرعاة لاجفالها أو خوف أن تتعثر ويسبب لها مضاعفات لعجزها...شهقتها المكتومة وهمستها المذعورة المتوسلة باسمه جعلاه يعلم أنها تعرفت عليه:"خالد !!"
اندفع خالد نحو سور المنزل الذي مازال نزار يتعلق فوقه ودون تفكير جذبه ليقع فوقه...ودون أن يمنحه فرصة لأخذ أنفاسه كان يوجه له لكمة كفيلة بإعادة تشكيل وجهه وهو يقول:
"تتعدى على حرمة بيتي أنا...تضلل أختي أنا والله لأقتلك وليس لك دية عندي"
ولم يكن نزار بخصمٍ قليل الحيلة فرد لكمته بأخرى وقدمه ترتفع موجهها لمعدة خالد مباشرة فرفع خالد ذراعه يلويها نحو رقبة نزار الذي أفلت بمعجزة بينما الصراخ العنيف والسباب المتبادل لم يتوقف لحظة...
سمعت شيماء ما يحدث ورأته بمرآة القلب فصرخت برهبة:
"أرجوكما توقفا... خالد أرجوك أرجوك أرجوك من أجلي اهدأ واستمع لي"
ولكن هيهات وكل منهما أخذته العزة بالأثم ونوى الفتك بالآخر"
.............................
بعد ساعتين كانت بدور تتعرف بسهولة على بيت المزرعة الذي أتت إليه لاجئة منذ خمس سنوات وغادرته هاربة مغدورة
"أريد العودة يا راشد من الأفضل للجميع"
قال ببرود بينما يدلف من البوابات الحديدية أخيراً:"ليس قبل أن أقوم بتربيتكِ"
رمقته بإستخفاف ثم قالت ببرود:"تحدث على قدر حجمك وبما تستطيع فعله"
إفتر فكه عن إبتسامة ذئبية ظافرة وساخرة وهو يوقف سيارته أمام المبنى العريق ثم فتح أقفال سيارته أخيراً والتي كان قد أغلقها متحكماً فيها حتى لا تقوم بفعلٍ جنوني وتفر من السيارة...حسناً يبدو تفكير متطرف إذ أنه يعلم جيداً أن بدور لن تقدم على الانتحار يوماً...بل العيش ودفع من حولها نحو الانتحار هي سياستها...
"اخرجي"
نفخت في أناملها دون اهتمام:"لن يحدث أقحم هذا في عقلك"
أخذ راشد نفساً عميقاً ثم قال:"حسناً لم تتركي لي خياراً أخر"
وتوجه على الفور نحو بابها وفتحه ثم مد ذراعيه يجذب جسدها كالكماشة وألقاها على ظهره كجوال بطاطا
صرخت فيه:"أنزلني يا همجي يا متخلف هل تظن أن هذا ظريف؟"
رد راشد بفظاظة:"مطلقاً بل وزنكِ ثقيل وصدري محطم بالفعل...ولكن عنادكِ لم يمنحني أختياراً أخر"
صمتت للحظات وهي تراه يفتح الباب...التقطت أنفاسها بصعوبة قبل أن تهتف بقوة"لا أريد العودة إلى هنا...عُد لرشدك وكفانا جنوناً"
رد راشد بصوتٍ قاس منفعل:"هل تظنين أني أحمل نحوكِ أي نوعٍ من الشفقة؟ أنتِ واهمة بل أتيت بكِ هنا بالذات قاصداً"
كان بدأ يصعد الدرج بالفعل مما جعلها تتملص منه بقوة حتى استطاعت أن تعدل نفسها رغماً عن أنفه مجبراً كان يشتمها لألف مرة وذراعيه تتلقف حملها للحظات قليلة... لبضعة ثوان سكنت بدور على صدره يضمها إليه متشرباً عطرها متنعماً برائحتها غارقاً حتى الثمالة في جمال احتضانها وقلبها الذي ينبض خائفاً فوق صدره...صعد بها أربع درجات أخرى وهو على هذه الحالة غير سامح لها بالافلات منه أظافرها رغما عنها كانت تنبش في كتفيها بتوتر...وجهها يبتعد ناظراً لمرمى وجهه ورويداً رويداً كانت تسكن هي الأخري بين الشريان والوريد...رأسها يدفن في لحظة ضعف خاطفة في عنقه شفتيه تنخفض لتدفن جانب نحرها... لم يجرؤ أحدهما على الكلام إذ يعلمان بمجرد أن يُفتح فم أحد الأطراف ستشب نارٌ ضارية غير قابلة للإطفاء .
لم تستغرق هي كثيراً إذ أنها سرعان ما فاقت من غيبوبتها تدفعه بعيداً عنها:"أريد الخروج من هنا"
"لن يحدث بل ستبقين معي حتى نتحدث كما البشر"
قالت بقرف:"أنت لست بشر تعلم من مثلك ما الذي يطلق عليهم؟"
"توقفي عن استفزازي يا حجر الصوان"
"ابتعد عن طريقي"قالتها وهي تحاول أن تزيحه من على الدَرج...
دفعها راشد أمامه ثم قال بوقاحة:"هل كل هذا الغضب لأنكِ أتيتي معي أم لأنكِ ضعفتي لي منذ لحظات؟"
ردت ببطء دون أن تهتز قيد أنملة:"بل لأني ضعفت تعلم أن الإنسان دائماً يحن لبعضٍ من ماضية العفن...ليشكر نعمة حاضره النظيف"
لم يتمالك نفسه وهو يشد يدها ويتوجه نحو أخر الممر ويقف أمام إحدى الغرف وهو يقول بقسوة:"ربما من الأفضل لك تذكر كل العفونة هنا إذا كانت مجسدة صوت وصورة وأهات ساخنة"
تراجع جسدها خطوات للوراء مرتجفاً مصدوماً بينما كل التكبر والتجبر ونظرات التحدي طارت من عينيها وهي تقول باهتزاز:
"ليس هنا...حتى أنت بكل قسوتك وقذارتك لن تفعل بي هذا وتعيدني هنا ؟!"
تقبضت أنامله في كفه وكل ذرة في كيانه تنتفض غضباً وقهراً ثم ما لبث أن همس بصوت مختنق:"هنا بدأ كل شئ...وهنا يجب أن نضع خط النهاية"
تكور المرار في حلقها بينما منحته نظرة نحرت قلب كليهما نحراً وهي تقول بغصة مؤلمة:"لا لم تكن بداية خيانتك هنا...بل على فراشي الذي إخترته بنفسي ورتبته لليلتنا الموعودة بيدي بينما تخبرني بجانب أذني بقصائدك الغزلية ووعودك العنترية!"
كانت تنظر ليديها بغرابة وترفعهما أمام عينيها وتقلبهما بنوعٍ من الهذيان وهي تردف:"لم أكن أعلم أني وقعت في براثن قذر أجاد حبك خيوط اللعبة حولي...لقد جهزت ليلتك الموعودة معها بنفسي! رباااه..."
لم تستطع كبح الآهة المتوجعة التي خرجت صارخة من بين شفتيها بينما داخلها يأمرها:"لا تبكي لا تمنحيه الفرصة لا تنهزمي أبداً كنتِ تعلمين أنه سوف يعود يوماً ما ويستخدم كل طرقه الغير مشروعة ضدكِ!"
اندفعت تزيحه بكفيها التي خبطت على صدره بعنف وهي تصيح:"ابتعد عن طريقي أنا يجب أن أغادر من هنا"
أمسك مرفقيها يسيطر على نوبة غضبها التي جعلتها تنتفض مبتعدة عنه بينما يقول بحرقة:"ليس قبل أن تدخلي تلك الغرفة...وتمنحيني مواجهة أخيرة"
ارتعشت شفتيها بنوبة ذعر مرغمة وأحداث ليلتها الوحيدة معه تتناوب على ذاكرتها في مشاهد صاخبة صارخة متدفقة الألم كالحمم النارية نحو كل خلية من جسدها لتتركها منصهرة من شدة الوجع:
"أتعني تلك الغرفة التي قتلت المتبقي من روحي فيها وكأنك لم تكتفي من نحري ليلة زفافي ؟!
ضحك راشد بإستياء مرير وهو ينظر إليها بصلابة وقال ساخراً من نفسه:
"قتلتكِ فيها أم أنتِ من وجهتي سكيني التالم بكل برود وذبحتيني بيدكِ الخفية حتى الأعماق "
عينيها الأن كانت كالزجاج وهي تقول بصوتٍ أجش كالخرير:
"لقد كان أفضل عقاب لك أن أجعلك تحطم كل أمنياتك وأحلامك معي بيديك وأن يتحول بياض ثوب عرسي للون الدم...ليبقى مدى الوجع الحي في ذاكرتك مهما مر الزمن!"
رفع رأسه بكبرياء رافضاً أن يشعر الألم بينما عينيها تتبع كل عرق في نحره يتحرك بالتتابع مع ملامحه التي أظلمت...ثم قال أخيراً بفحيح خافت:
"اذاً قُلبت الأدوار وأنتِ من اعترفتِ بأن لي ثأرٌ عندكِ ولن أسامح أو أغفر فيه قبل أن أحطم المتبقي منكِ كما محيتي أنتِ كل إنسانيتي مني!"
وقبل أن تستوعب لتمنحه سكيناً أخرى وهروباً أخر كان يكبلها بقوة ثم يدفعها نحو باب الغرفة غير معنيّ بارتجاف جسدها المؤلم الذي اندفع ليندس فيه !! يقاومه للهرب منه وللعجب يتشكل على كل إنش منه طالباً الحماية من ذكرى قاتلة لكليهما... هكذا كانت بدور دائماً لغزاً غامضاً صعب حله وكتاباً من الطلاسم المستحيل فكها يوماً...
...........................................
حاول ممدوح أن يوازن جسده على كفيه ليرفع نفسه بجهدٍ جهيد ليستطيع الوصول إلى الفراش العفن !!
فلم يستطع كالليلة السابقة والتي سبقتها...قاوم نوبة غضبه وانفعالاته وتراجع... ألم جسده الذي أصبح غير محتمل، عظامه تنشطر شطراً وجلده يشعر به يتمزق منفصلاً عن لحمه بسبب تلك المسامير المزروعة وأصبحت دون عناية...أخذ نفساً مؤلماً قبل أن يستسلم ويقع بجسده على الأرض وأطلق تأوهاً مضنياً متألماً... ثم اسند ظهره للفراش ورمى رأسه للوراء ويده تبحث عن الأكياس التي تحوي السم الذي يشتريه بمائة دولار كل يوم ،هذا المخدر الذي يتركه في غيبوبة فلا يشعر بالعالم من حوله... ثمنٌ بخس أمام قيمة الأدوية...هذا على أساس أنه استطاع أصلا طلب أي نوعٍ من الأدوية وهو لا يملك أوراق من الطبيب غير أنه أصبح مطلوباً من الشرطة كمسجل بمريض نفسي خطر على نفسه !!
تُرى ماذا فعل القذر في لوسيرو ؟؟الشيكولاته الذائبة الحلوة، جميلة الوجه عاصفة العينين دافئة اليدين وحنونة الهمس حتى وإن كانت تحاول أن تدعي القسوة نحوه...اهتزت إبتسامة على شفتيه بينما يفتح زجاجة الخمر يتجرع منها لتهبط نحو حلقه حارقة ومسكنة لألمه أو هكذا يتخيل
"لم يهتم لي أحدٌ قط... لم يؤمن بي أو يمنحني اهتمام قبلكِ...بل لم يُضَحِي أبداً أحداً من قبل غيركِ"
حرك يديه يمسد على وركه المخلوع العاجز متذكراً اهتمامها الجلل بتحريكه من الفراش وبنظافته حتى لا يُصاب بتقرحات وأمرها إياه تقريباً بالتحدث عن الألم فور شعوره به .
" فقط أتمنى أن تكوني بخير...ليتني قابلتكِ قبل كل شيء... ليتني بقيت ابن مولي قبل أن يسرقوا كل شيءٍ بداخلي ويزرعوا الجحيم، ليت وليت وليت...ولكن منذ متى كانت ليت تحقق الأحلام؟! "
شدد مددوح على فكه نافضاً تفكيره بعيداً ثم أخرج المال المتبقي في جيبه ينظر إليه بعجز...لقد نفذ كل ما دسته في جيبه تقريباً يومين أخرين وسوف يُلقى في الشارع! لقد أخذ ايهاب بالفعل كل شيء والباقي صادرته الحكومة كما علم عند القبض على والده وعاهرته وحتى إن حاول أن يبحث عن وظيفة حقيرة لا يملك أية أوراق ولا يستطع الجهر بهويته ...ثم من هذا الذي قد يستخدم مقعداً عاجزاً؟!
هو بالحضيض في النهاية ...أما للموت أن يأتي ويريحه ويريح قلب أخته من همه ويقطع على تلك المنتظرة إياه كل أملٍ فيه ويُمِيت أي اهتمام منها نحوه...لا هو ما عاد يتحمل تسببه في أذى أحدٍ وليس لديه أية رغبة أن يتعايش مع خذلان آخر، بل السؤال الذي يطرق عقله بعنف لماذا هو على قيد الحياة ما المعنى من وجوده حياً وبقاؤه مع كل ذلك الألم ما الفائدة وما المغزى من وجوده؟!
برقت عينيه بنظرة شيطانية بينما يردد:
"ما المغزى من وجودي وما فائدة حياتي؟ لماذا أتيت للدنيا لأتعذب فيها؟! إذا كانت الدنيا جحيم والآخرة جحيم لماذا لا أقصر الأمر على نفسي وأعيش في جحيمٍ واحدٍ بإختياري "
رفع الزجاجة بين يديه ينظر إليها بلمحة إجرامية ودون أدنى تردد آخر كان يحطمها بقوة على الأرض وأنامله تلتقط إحدى شظاياها العريضة والحادة.






#انتهي قراءة سعيدة................
:heeheeh:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:25 PM   #68

شيماء 1990
 
الصورة الرمزية شيماء 1990

? العضوٌ??? » 404047
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 145
?  مُ?إني » مصر
?  نُقآطِيْ » شيماء 1990 is on a distinguished road
¬» قناتك mbc
افتراضي

مبرووووك ي نور نزول الفصول 🎉🎉
دايما مبهره ومتالقه 💜💜💜
بس امانه بلاش سعيده لانها ع اخر الفصول هتكون جابت اجلنا 😂😂🙆
موفقه دايما⁦❤️⁩⁦❤️⁩


شيماء 1990 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:32 PM   #69

Dalia Huzaien

? العضوٌ??? » 456096
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 113
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Dalia Huzaien is on a distinguished road
افتراضي Norblack

السلسلة الأقوى بين ما قرأت مؤخرا ، و شظايا هي حقا الرواية الأجدر بالمتابعة بعد وجود الكثير من الاسفاف مع الأسف
أتمنى للجميع متابعة ممتعة لقلم ذكي ، قوي و متمكن ....أحسنت عزيزتي نور ❤❤ 👌👌👍👍


Dalia Huzaien غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:36 PM   #70

aber alhya
 
الصورة الرمزية aber alhya

? العضوٌ??? » 456141
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 626
?  نُقآطِيْ » aber alhya is on a distinguished road
افتراضي

شظايا احدي ابداعات ملكة الواقعيةملكة القلم نور بلاك
مبروووووووووووك⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩ 🤩🤩🤩🤩🤩😘😘😘😍😍😍😍😍😍😍😍😍


aber alhya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:32 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.