شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f394/)
-   -   شظايا القلوب(3) سلسلة قلوب معلقة *مميزة ومكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t459560.html)

Nor BLack 15-10-19 01:18 AM

الفصل الرابع عشر

هناك همسات بسيطة داخل القلب، تتبعها ومضات يصدرها العقل، كلاهما مرتبطان بخيط وثيق لا يفل؟! لا يهم أيهما يبدأ ولا يعنينا من له السبق! إذ أن كل ما يجب أن يصبح له معنى هو أن نعترف أن كلاً منا بداخله روحه مكبلة بقيود حديدية ... تعاني وتصرخ مجروحة مختبئة داخل جدار الوهم !!!
كل بشر بداخله مأساة حروب ودروب من الأوجاع آهات مكبوتة! وجروح مبتورة !! أجنحة حاولت التحليق فعوقبت بالتكسير!!
فأصبحنا أرواح خاوية... ترسم ابتسامة واسعة محملة بالأسى تملأ شفاه وتحتل ملامح يجب أن تتظاهر دائماً بالكمال والقوى...ولكن إلى متى؟!
.................................................

رغم نظرة الصدمة التي اعتلت ملامحها... تمكنت أن تقاوم اعاصير نشبت داخلها متصارعة... وبإرادة من حديد كانت تقول بصوت جاف متهكم " لماذا؟! هل لديك معايير دينية معينة في زوجتك المستقبلية يا ممدوح ؟!"
ابعد رأسه المدفون في نحرها لينظر لعينيها بمشاعر متخبطة ثم قال بتوتر " لديّ هدف معين من السؤال ... لقد أخبرتكِ سابقاً يا لورين أن أمر الدين وتشبث بعض العرب به لا يعنيني مطلقاً ولا يفرق معي !"
ثم لبرهة قبل أن يأخذ نفساً عنيفاً استطاعت أن تتبين منه انتفاض عروق نحره عبره ...ثم قال بسخرية " للحقيقة لم يلتفت أحد ليعلمني بالأساس ...اكتفوا أن يعلموني أن ديانتي الإسلام، ويبدو أن أبي كالعادة كان مشغولاً جداً ليُعرفني ما الذي يعنيه هذا كي أتشبث به!"
استطاعت أن تعود للهدوء أن تشتت عقلها بعيداً عن سيطرته عليها ...عن مشاعره العاطفية العميقة التي تقيدها! وحتى عن معاناته! ثم سألته بهدوء " لقد قلت إن هذا الرجل ...أخيك أو ابن عمك ...إنه اعتنى بك قليلاً ألم يعلمك هذا ؟!"
ازدرد ريقه والذكرى الحية المعتادة تنهش صدره فيدحرها بعيداً مركزاً على هدفٍ واحد وهو شرح نفسه أمامها ... بينما يقول متهرباً " لقد حاول جذبي وفشل ...دائماً ما كنت أقاومه، رافضاً منحه تلك السلطة عليّ!"
هزت رأسها بتفهم وهي تقول " مثلما كنت تقاومني؟!"
مد يده مرة أخرى يتلمس وجنتها ثم قال بابتسامة حزينة ولكنها صادقة جداً " لا أحد مثلكِ يا لورين ... ولن يكون يوماً أحداً يماثلكِ!"
مالت برأسها تحتجز كفه بين كتفها وجنتها التي استراحت بكل هدوء على كفه ... بينما تطلق تنهد طويل عميق كمن كان يركض لأعوام وأعوام وأخيرا توهم إيجاد المرسى!!
ثم قالت " أنا أحب هذا التفرد الذي تمنحه لي ...ورغم كل ما تقوله عن نفسك أنا أثق أنك صادق جداً معي ...لا أحد قبلي ولن يكون بعدي!"
أومأ برأسه مؤكداً قبل أن يسأل بحرص" إذاً ما هو ؟!"
لم تتحرك من مكانها وهي تقول بمرارة " لا أعرف ؟!"
عضلة تحركت بجانب فمه رافضة سيطر عليها بإرادة حديدية حتى لا تجزع منه أو تفهم بشكل خاطئ ثم قال بهدوء " هل أنتِ ببساطة لا تأمنين بوجود الله ؟!"
هزت رأسها نافية بشدة قبل أن تقول بصوت مبحوح " بلى ! أعرفه أؤمن بوجوده وإن كنت كما مثلي كثيرين أعترض على ما فعله بي وأخواتي ...أسأله أحياناً كثيرة معترضة لما نحن ما الحكمة لما فعلته بنا ؟!"
انتفض جسده هذه المرة وما تقوله يجد صداه داخل صدره وكأنها تتحدث عن معاناته الأبدية مع خالقه إذ أنه كلما تذكره لا يفعل شيئاً إلا الصراخ في الفضاء معاتبه محاسبه معترضاً علي قضائه متبجحاً فيه برعونة وكأنه أمامه ويراه...ما الحكمة من خلقه إياه ولماذا أرسل أتون الجحيم فريال داخل حياتهم ؟!!
لم يجد ما يقوله إذ أنه غير مؤهل مطلقاً لا لدعوة لدين ولا مجادلة ... ولكنه استطاع أن يقول ببهوت متوتر " خطوة جيدة إذ أنك تؤمنين بوجوده... أنا اعتقدت أنكِ مسيحية مثل دكتور ليو وزوجته ؟!
ابتعدت عنه أخيراً وتراجعت للوراء رافعة عينيها للأعلى تنظر لسقف الغرفة بنوع من الضياع ، بينما حدقتيها اغرورقت بدموع الحسرة وهي تقول " عندما أخذونا جميعاً من والدي وضعونا في بادئ الأمر في غرفة مريحة بها الكثير من الألعاب ... حاسوب جهاز لوحي لكل واحد منا من ذلك الطراز القديم أعتقد أنك تعرفه به الكثير من وسائل اللهو أيضاً...بالطبع وقتها كنا نجهل تماماً أنها محاولة لكسب ودنا وترغيبنا في الجلوس في دور الرعاية...والأهم فصلنا عن كل ما يمت لحياتنا السابقة !"
قال بصوت أجش " محاولة قذرة لغسل عقولكم الصغيرة ...أستطيع أن أتخيل أن كل هذا لا يقارن بما كان جميعكم يحصل عليه في أسرتكِ الفقيرة !"
هزت رأسها عدة مرات متلاحقة بتأكيد ثم قالت بنبرة شاردة " نعم ...هذا ما كان يحدث وقاله عيسى ، لذا حاول أخي الحبيب أن يستمر في جعلنا نحافظ علي ترديد آيات قرآنية كانت نسرين تُحصننا بها...حتى أنه حاول أن يعلم الصغيرتين الصلاة ، إذ أني كنت أجيدها آن ذاك !"
بهتت ملامح ممدوح والإدراك يضرب عقله...مستشف ببساطة عقيدتها الحقيقة ولكنه لم ينبث ببنت شفه ...
فاستطردت هي بقهر " في البداية حاول المشرفين أن يمنعونا بلطفٍ زائد ، مخبرين عيسى أن ما عاد أحد يهدده ولن يضربه أحد إن لم يفعل هذا ، وأنه يجب أن يعيش طفولته ويساعدنا نحن على ذلك الهدف !"
قال ممدوح بهدوء " وبالطبع رفض ؟!"
فركت وجهها بكلا كفيها بتعصب وهي تقول من خلفهما " يبدو أنك فهمت عيسى من مجرد ذكرة بينما لم تفهم نفسك حتى الآن يا ممدوح ؟!"
ابتسم وهو يهز كتفيه ثم قال " لا تتهربي من الإجابة ما الذي حدث بعد هذا ؟!"
شابكه أصابعها فوق عينيها قبل أن تقول بمرارة ساخرة " وكأنك تحتاج للسؤال ...إذ أن الإجابة الكلاسيكية المميتة ، والروتينية أنه رفض متشبث بحفاظنا علي عقيدتنا التي كانت الشغلة الشاغلة لأمي ... وببساطة كانت إجابتهم تفريقنا جميعاً !
صمتت تلتقط أنفاسها قبل أن تخرج من صدرها شهقة بكاء مؤلمة وهي تقول " لقد قتلوني للمرة الثانية بكل برودة دم عندما سلبوني عيسى...ظللت أصرخ لليال وأيام طويلة باسمه رافضة الطعام الشراب اللعب ولم يبالي أحد...ثم كان كل الوجع بتفريقي عن الصغيرتين ؟!"
مد يده أخيراً يمسك كفيها المرتعشتين يضغط عليهما بقوة ثم قال بنبرة رخيمة رحيمة " كان ماضي ...كل هذا ماضي يا لورين ، ستمحينه في المستقبل القريب عند عثوركِ على أخوتكِ !"
تمتمت " أنا مازال لديّ أمل ... ولكن أنا مرتعبة مما قد أجده إذ أنهم لم يدخروا جهد في دحر هويتنا ...أنا أعرف جيداً ما مروا به أخوتي إذ حدث معي ومن مثلي ... كان أول هدف لديهم آن ذاك أن يطمسوا أية هوية دينية بحجة أننا أطفال ويجب أن تتاح لنا حرية الاختيار عندما نكبر... وأنا كنت مجرد صغيرة يا ممدوح طفلة لا تستوعب ما كان يحدث... فانحنيت ونسيت كل ما علمتني إياه أمي ... أنا حتى أجهل كيف تقام الصلوات تلك !"
اهتزت ملامحه بقوة شاعراً بنوعِ من العار بالجهل والفراغ تماماً إذ أنه هو الآخر ورغم محاولة إيهاب المستميتة لتعليمه ...نسى وأصبح مجرد جاهل بمبادئ دين ولد فيه !
توتر وهو يقول متهرباً " ولكنك قوية جداً...مثقفة ومثابرة لماذا لم تحاولي البحث والمعرفة إن كنتِ تربيتي في بيت متدين بالفعل !"
نظرت إلى عينيه ثم قالت باضطراب " وكأنك لا تعرف كم المغريات التي نتعرض لها هنا...كيف تريد منيّ البحث أو الاقتناع بشيء لا أذكر من تعاليمه إلا لماماً ... علي فكرة لقد حاولت أن اتبع المسيحية وأذهب للكنسية كما يفعل أبي وأمي بالتبني إذ أنه كان الدين الوحيد المتاح لي معرفته طوال نشأتي بينهم ...ولكن !"
ضغط علي يديها مشجعاً وهو يقول " ولكن ماذا ؟!"
تهربت من النظر إليه ثم قالت " كنت في السادسة عشر وقتها...وكان من حقي الاختيار بناء على رأي دكتور أناخيل ...إذ منعني ببساطة من الذهاب لهناك وأخبرني أني مختلفة بدين وعقيدة مختلفة...وهو يرى أنه يجب أن أنتظر لأقرر بعدها ما الذي أريده لنفسي واتبعه دون الضغط عليّ من أحد !"
قال بهدوء " قرار حكيم منه !"
قالت بتوتر "لا ...إذ أنه يشبه حجتهم الغبية ,لقد سلبوني هويتي ديني ونفسي ... وتخبرني أنه قرار حيكم ؟! لا لم يكن ولم يساعدني أبداً إذ أنه منحني مزيداَ من التخبط ,من الألم ، من جهلي حتى برب من ادعوا واستعين به ؟!"
قاطعها وهو يقول " ما الذي تقولينه...رب العالمين واحد يا لورين !"
قالت بضحكة مقهورة سريعاً " لم يخبروني بهذا هنا يا ممدوح ، إذ أني سمعت في دور الرعاية ألا وجود له وأننا قوم رعاة جاهلون أغبياء بدائيين ...ثم سمعت من أناخيل أن ديني مختلف وأن ربي الذي يعبده قومي مختلف!
تربيت وسط قوم هم أكثر رعاة للعنصرية الموجهة وجِدت علي سطح الكوكب...هل تعلم كم التنمر الذي كان يتعرض له زملاء لي في مدرستي فقط لأن ديانتهم الإسلام ؟!"
صمتت تلتقط أنفاسها قبل أن تقول بنبرة مؤلمة حاقدة على من كان السبب في تشتتها " نحن تعرضنا لطريقة ممنهجة لمسح العقيدة بكل السبل من عقولنا...وأريد أن أخبرك أنه حتى مسيحي الشرق إن وقعوا تحت أيديهم ينالون نفس طريقتهم الخسيسة !" يديه تحركت علي كتفيها يمسدها بقوة وهو يقول بلطف " هششش إهدائي أنا لا أريد إيلامكِ ولا تذكيركِ "قالت من بين أنفاسها مرددة " أنا لا أنسى ...لا أنسى !"
قال بحزم رجولي أبهرها إذ اتبعه بما يريده منها...كان وكأنه يحاول أن يفرض بالفعل سيطرته أن يقودها هو لمسعاه للوصول إليها...لا كما كانت تفعل هي لشهور كثيرة ماضية " إذاً لا تفعلي ...ولكن أنا لن أدعكِ تبكين علي الأطلال ...سؤالي كان من أجل هدف واحد...كلانا يعلم أن توثيق الزواج مدنياً يستغرق شهور طويلة جداً وربما عام ...لذا أنا كان هدفي من سؤالكِ...هل تقبلين الزواج مني في المجمع الإسلامي ؟!"
رمشت بعينيها اخيراً نافضة الدموع من بينهما ثم احتلت ابتسامة واسعة فمها وهي تقول " نعم ... بالطبع سأكون ممتنة لهذا !"
ابتسامتها جلبت رعشة عميقة لفؤاده الذي انتفض رهبة بداخله ثم قال بمداعبة خفيفة " في الحقيقة ورغم ما أخبرتكِ إياه من عدم اهتمامي بما يحكمه عليّ عقيدتي ... ولكني لا أملك خياراً أخر يجب ان نوثق زواجنا هناك ...وأنا يا لورين أرغبكِ بداخل هذا الرابط أيا ما كانت عقيدتكِ ...كما لم أرغب شيء بحياتي قط !"
ارتبكت مرة أخرى بينما تجفف دمعها وهي تقول " أنا للآسف انشغلت جداً بدراستي ومستقبلي وقضية أخوتي وأنت تعلم كيف الحياة هنا ...فتقريباً نسيت أن أبحث عن أي دين أنتمي إليه كما أخبروني يوماً !"
مد يديه يسحبها بقوة ... واجلسها فوق ركبتيه كما حدث منذ بضعة أيام ...شهقت بصدمة وهي تلف ذراعيها حول عنقه ،
عينيه المتلاعبة الضاحكة كانت تنظر إليها بوله بعشق تخطى حدود الصمت وكسر كل حواجز كان يبنيها بينهما...كان ينتابه إحساس عارم بالأمل بسعادة لم يجربها قط بحياته ... بمعنى أن يعشق امرأة حد الجنون لم يكن حتى يدرك...امرأة احتلته وأرست جميع اوتادها بأرضه البور الجافة دون حتى أن يدرك وأخذت بصبر وحلم تسقيها بالأمل ... يديه كانت تتحرك بسعادة فوق عجلات مقعده يدور بها في دوائر معبراً عن سعادته كطفل يتيم فقير يجرب لأول مرة معنى أن يُمنح ملابس العيد, لعبة غالية أو وجبة طعام شهية وتحتضنه يد أم تفيض بالحنان مربتة علي أوجاعه...ولورين كانت كل هذا وأكثر " تزوجيني ...كوني لي ، وبعدها ابحثي كما تشائين ، وإن أردتِ سأفعلها معكِ ... دون مقاومة !"
ضحكاتها كانت تنطلق هي الأخرى بسعادة قوية رغم عقلها المضطرب الذي لم يتوقف للحظة عن التفكير بنوعٍ من العقلانية حوله هو... كيف سترتب أوراقها جميعاً وتواجه المحكمة معترفة برغبتها وبكل ارادتها في الزواج منه ورعايته صحياً ، ظافرة بالوصاية العلاجية كما خططت ؟!
ثم قالت منفعلة " سأفعل .. يبدو أنك أنت من لا تملك الاختيار سيد ممدوح !"
توقف في منتصف ردهتها ثم حاوط وجهها بكلا كفيه وأسند جبهته علي جبهتها ثم قال من بين أنفاس صدره العنيفة لاهثاً " معك ... أنا لا أريد الأفضلية في أية اختيارات ... فقط عديني أن تكوني لي دائماً ألا تخوني ثقتي أبداً... عديني يا لورين ألا غدر بيننا لا أسرار ... ولا فرض قوة واتخاذ قرارات توجع كلينا أو تسلبه حقه وحريته !"
هو يجهل تماماً لما تفوه بهذا الطلب وكأنه كان يحتاج وبشدة أن يسمعها تتفوه بهذا العهد ... رغم أنه الرجل ورغم أنها من يجب أن تطالب بهذا الوعد ... ربما السبب أنه منحها ما يصر أن يسلبه لأي نوع أنثى علي وجه البسيطة ...الأمر كان ببساطة فوق احتماله أو إرادته ... وهو لتوه كسر وحشه المرعب ومنحها ما كان أغلى عليه من حياته نفسها ... أن يثق بامرأة ويمنحها قلبه ,حياته ومصيره ليكون معها وأمامها مسلوب القوى وحتى حق اختيار المصير ...
أما هي انتفض داخلها عميقا عنيفاً بذعر ... ذعر تدرك أسبابه وتعرفها ولكنها كانت تمشي على طريق الوهم بخطى ثابتة واثقة بنفسها وبحبها الغير مشروط الذي تمنحه إياه ... أنها قادرة على إقناعه واكتساب سماحه فيما بعد ...بأية طريقة تريدها !!! استطاعت أن تتمسك بملامحها المسترخية وبضحكتها السعيدة بمعجزة عندما قالت بثبات " أعدك!"
اطلق زفرة عميقة كان يكتمها ثم قال بتلاعب مرح " أريد تقبيلكِ ولكن كما العديد من الأشياء معكِ أفعلها لأول مرة ... سألتزم بطلبكِ ولن أفعل وانتظر!"
اممم همهمت بصوت به بعض الشيطنة النسائية قبل أن تحشر قدها المياس بأنوثته المتفجرة الطاغية بين أضلعه ثم قالت " يمكننا أن نعجل بالزواج من أجلك ... أنا لن أقبل أن يكون مريضي لديه رغبة بشيء وأتأخر عن تحقيقه !"
لم يغضب كما المعتاد ... وكأن ذلك الشاب الخشن والعصبي نزق الطباع تبخر في الهواء دون سبب واضح واحتل مكانه هذا الرجل المحب المداعب الراغب في وصالها ...
ولكن من فيه داء لن يتوقف عنه كما يبدو... إذ أن ابتسامة إبليسية توسعت أكثر علي فمه ... وهو يسحبها أكثر إليه يده تتلمس بقصد خصرها وما فوقه ...وفمه يميل نحو أذنها يخبرها بعبث رجولي " حسناً طالما بدأتي لديّ سؤال هام ... تشككت فيه ولكن من الهام جداً قبل إتمام الزواج أن أعرفه حتى أقرر أي الطرق اتبعها لتفلح معكِ..."
تكللت وجنتها بالخجل نادمة على ما فعلت حاولت أن تزيح يده المستبيحة بعيداً عنها ... ولكن الوقح صدمها بهمسه التالي وبإطلاق سؤاله ؟! الذى جعلها تطلق شهقة صدمة عنيفة وجسدها ينتفض بقوة فوق قدمية محاربة إياه باستماته للإفلات منه وهى تهتف بحرج " أيها الخبيث الوغد كيف تجرؤ أن تسألني هذا ؟!"
اطلق ضحكة صافية أخرى جاعلة كل ملامحه تزداد وسامة في عينيها ... مراقبة بانبهار تفاحة آدم التي تتحرك في نحره سالبة معها نبضة من قلبها... كيف لم تتبين من قبل تلك اللمحة فيه ؟! كيف لم تنتبه أنه رغم وسامته الغربية المميزة ممدوح كان لديه ضحكة رجولية جداً عينين عابثتين بهما كل نظرة حارة ساخنة كما الرجال العرب ... طبعه كلامه تمرده ومحاولته لفرض قواه بنوع من الخبث البطيء ... دمائه عصبيته كل تفصيله منه كانت عربية حتى الأعماق ...هل هذا سبب آخر وضعه عقلها الباطن دون أن تشعر ليجعلها تنجذب إليه! " أه يا ممدوح لولا ماضيك المشوه ...لولا فعلتك الإجرامية الخالية من أية رجولة ضد تلك المسكينة كنت أصبحت الرجل الكامل دون غلطة في عيناي !"
قطع أخيراً تفكيرها المضطرب صوته الخشن وهو يقول بمزيد من التلاعب " أعتقد أني حصلت على إجابتي ... وقررت ما الذي أفعله ...ولكن لا أخفي عليكِ أنا مصدوم بعض الشيء !"
سريعاً كانت روحها الخجلة تتبدد وعينيها السوداويين ينفثان ناراً جلبت المزيد من التسلية إليه " بالطبع يجب أن تكون كذلك فأنا المنحلة المكسيكية ؟!"
أراد المزيد من استفزازها الممتع ولكن بدل من هذا أخبرها بخشونة " كان دفاع نفسي ضدكِ إذ أني انجذبت لكِ من أول مرة وقعت فيها عيناي عليكِ ... ولكن لأكون منصفاً ... ربما ما زلت استعجب كيف تحت مظهركِ وتصرفاتكِ الغربية ما زلتِ تحتفظين بخجل فطري لأنثى عربية ؟!"
حاولت الابتسامة بقوة برعشة كانت تأخذ الكثير من ثباتها فتفشل تماماً عندما قالت بغصة لن يمحيها شيئا مطلقاً بعيداً عن قلبها المحطم " الإجابة سهلة ...إذ أن بداخلي هناك عميقاً مازالت أحتفظ بجزء من نسرين ...أمي الثكلى ونحن علي قيد الحياة !"
.................................................. .
كانت تضع الماء علي وجهها مراراً وتكراراً ثم تمسد على شعرها بقوة بيديها المبللة ناظرة لمرآة حمامها بعينين متوسعتين ذاهلتين وكأنها تمت لامرأة أخرى لا تستطيع تذكر ملامحها ...وجه شاحب عينين بلون الدماء تحيطهما هالات سوداء داكنة , شعر مشعث خرج من عقاله بطريقة غوغائية وشفتين شاحبتين غادرهما لونهما الوردي الطبيعي ليحل مكانه لون ازرق مرعب ...أناملها المبللة انتقلت هناك تتلمس فمها بغرابة ... ما الذى يحدث معها وكيف أصبحت بتلك الحالة الرثة ؟! أين وجهها المتورد بطبيعية ,وجنتيها المرتفعتين والشهيتين كما كان يهمس هو عندما يشبعهما تقبيلاً علي مهل ، تتذكر كيف كانت تتبرم من مغازلته من استغراقه هذا وغرقه فيهما تنقله بينهما بالتوازي ... فمه المُلح الذي كان يذيبها بتطلبه بإلحاحه بحزمه ، عندما يصل أخيراً لجانب شفتيها ثم يهمس بتلك النبرة الحميمة العميقة والرجولية القاسية " ذاك الجانب المرعب الذي دائماً ما يميل بشر معبر عن شراستكِ يثيرني ، يحرك كل عضلة رجولية بي فأسيطر عليها بمعجزة إذ أن كل خيالاتي وقتها هي الانقضاض عليكِ وافتراسكِ !
اغمضت جفنيها بقوة تهمس بقهر مرددة من تحت أناملها المرتعشة كردة فعل جانبية لما تثيره فيها ذكرياتها معه " توقفي لقد انتهى ... حصلتِ علي طلاقكِ وحريتكِ ... انتهى كل شيء بلا عودة كما رغبتِ أنتِ ، وانحنى أخيراً !"
ولكن لا شيء يتوقف ... ودموع أخرى يائسة مقهورة تهبط علي وجنتيها كبلتها في طريقها شفتيها الباهتة ... متذكرة بقسوة صوت زمجرته العنيفة , زئيره الذي كان يهز الدنيا من حولها لتجد نفسها مسلوبة الإرادة مبهورة الأنفاس وجسدها يرتعش استجابة لتلتصق فيه هي أكثر ... يديها تلتف حول عنقه سامحة لطغيان رجولته أن يجتاحها لهمسه الخشن والحازم أن يوقظ أنوثتها ... مسلمة أرضها ليضع بكل جبروته راياته جميعهم واحدة تتلو واحدة حتى يصل بها لنقطة ما لا تعد تفرق فيها أراضيها تلك من رايات امتلاكه وعاطفته !
شفتيها الزرقاوين الآن الورديتين بالسابق دائماً ما كانت تثير راشد ليجن جنونه رغبة ورهبة فيتمعن ببطء بتعليمها عبرهما كيف يكون الغرام ...كيف يخرج منها وحش أنثوي جائع للاهتمام للحب علي طريقته ، كانت هي تنكر وجوده ...
لم تدرك أن أنفاسها كانت تتردد عنيفة لاهثة وهى تتذكر ... تتذكر كل هذا وأكتر ثم رغماً عن نفسها تجد صورة أخرى تشق عنان عقلها ... خالقة ضجيج دوي كهدير صاخب في أذنيها ... جاعلها تنفجر في بكاء عنيف مقهور وهى تردد " وفعل كل هذا معها...شاركها حتى قبلكِ كل ما كان لكِ وحدكِ كما وعد ... لقد خان يا بدور اختلط لحمه بلحمها ، زئير رجولته وشهوته بصراخ أنوثتها القذرة ... عرق أجسادهما اللامعة لم يغادر خيالكِ قط لقد فعلها وخان ...خان ...
لم تدرك أنها كانت تصرخها بألم لم تمحه السنين لا شيء مطلقاً قادر أن يمحي وجعها منه غدره بها وكسره بوعده الذي كسرها هي ... كالمعتاد كانت عند تذكر كل مشاهد خطيئته يتصاعد اشمئزازها قرفها منه ... ثم ببساطة تتقيأ بعنف ...لا بل تتقيأه هو " رباه كيف سمحتي له بلمسكِ أي جنون فعلتي يا بدور ... كيف منحتيه نفسكِ العالية الغالية تركتيه يجتاحكِ ... كيف لم يفق عقلكِ المغيب بجريمتكِ ضد نفسكِ ... حتى كانت صفعته هو التي أذلتكِ !! " يا إلهي ... يا إلهي !
انهارت علي ركبتيها هذه المرة أمام المرحاض مستغرقة في نوبة قيئ أكبر من سابقيها شاعرة بأنها تريد اخراج حتى روحها عبرها... يديها تتخلل شعرها الذي تهدل علي كتفيها بنوع من الهوس عينيها مغلقة بتشدد متذكرة ببطء رتيب لقائها الأخير معه " كيف ساويت نفسي بهن أين كان عقلي ... رباه ، رباه ... النظرة الجارحة في عينيه يديه التي كانت كألواح الجليد فوقها ... لقد كان يكرهها هو الآخر يشمئز من جسد يقدم له بطريقة الغواني ... جسد لطالما عذبه وكان أبعد من النجوم إليه ، رغم امتلاكه إياه شرعاً وقانوناً ...ثم منحته هي إياه بكل جنون رغبة منها أن يتذوقه يتطرف فيه ... يثير جنونه ويسلبه كل تحكمه ... جسد ذاق معنى دفئه وحلاله ... معنى غرامه وعشقه والذي تاه بين دروبه تاركة إياه يرسم علي كل إنش منه عهود ووعود تاركاً جزءاً من روحه هناك ... فلا يعرف طعم لنساء قط بعدها ... ولا تقدر رجولته العفنة على وصال غيرها ...ثم تحرمه عليه إلى آبد الآبدين انتقاماً ... ولكن في لحظة يأس وغباء انتقام ساوته بهن ففقد كل قيمته ومعناه ... الذكريات القاتلة كانت تذبحها من الوريد للوريد مرة أخرى وأخرى إلي ما لا نهاية ... يدها استطالت بروتينية و جذبت منشفة صغيرة بتعصب ثم أخذت تمسح علي شفتيها بنوع من الهوس وكأنها تريد محو أثاره هو التي تعلم يقيناً أنها ندوب في الروح والقلب كما تركت بصمة لجسد ارادت إذلاله به ، فامتلكه هو كما العديد مما يحصل عليه ويسهل اقتنائه ... وجهها دفن في تلك المنشفة أكثر ثم تراجعت زاحفة نحو الحائط تتكئ عليه بوهن سرعان ما تحول لاهتزاز مؤلم ثم انفجرت في البكاء ... وأخيراً كانت تشعر بذراعين دافئتين متفهمتين متعاطفتين مع قضيتها تضمها إلى صدرٍ واسع ... وصوت نوة المشابه لصوت أمها الناعم المطمئن يخبرها " كل شيء سيكون بخير ... أنتِ أقوى من هذا لا تستسلمي الآن حبيبتي !!"
تكورت بين ذراعي أختها الكبرى متشبثة فيها وكأنها القشة التي قد تنقذها من ظلامات أمواج روحها العتمة " لقد مكنته منيّ يا نوة ...منحته بغبائي انتصار أخر ... بدلاً أن كان ينحني تحت قدمي أنا من ركعت تحت قدميه بذل وهوان ...لقد كنت عاهرة لراشد الراوي أي انحطاط فعلته بنفسي ؟!"
أغلقت نوة عينيها بقوة وكم تمنت بالفعل الصراخ عليها لومها وجلدها لفعلتها الغبية المحطمة لكرامة أية امرأة ... عندما اعترفت لها في انهيار سابق بالحقيقة المرة كاملة ... وبمقدار غضبها عليها كان اضعافه يوجه نحو راشد كرهاً وحقداً " الخائن الوضيع الندل !! كيف بحق الله مازالت أمها تراه مجني عليه خاسر مثل بدور؟! إذ أن لا شيء يضاهي بشاعة ما يحدث مع أختها القوية والضعيفة الغبية !!
استطاعت أن تقول نوة أخيراً باختناق " كنتِ زوجته يا بدور أي غباء أنتِ وهو تتفوهان به ؟! ثم حتى وإن كانت تلك التشبيهات البغيضة أنتِ أخبرتني أنه رفض الأمر وانصرف تارككِ هناك !"
نعم تركها هناك تنتفض ذعراً ألماً ووجعا مقتولة مرة أخرى مصدومة بجنون وتطرف كليهما ...تركها تنعي أوجاعها كما تركها هناك نازفة الروح والجسد ليلة عرسهما... وحيدة محطمة وذليلة !"

انتفضت من جديد وشفتيها الزرقاوين تزدادان ارتعاشاً ... رأسها يستريح على صدر نوة أكثر باستسلام ، صوتها المرتجف ببكائها يزداد ضعفاً وهي تمنحها مزيداً من اعترافات احتجزتها بداخلها لأعوام " أنتِ لا تفهمين ... هو من رفضني بعد أن قبلت هذا العرض المقرف في لحظة عناد وجنون ... وهو لم يفهمني قط أنا كنت أعاقبه لسنين تخلى فيها هو عني ... أعاقب نفسي الضعيفة التي أحبته ومازالت تحبه ... أنا عاجزة عن كرهه يا نوة حبه كمرض خبيث يرفض أن يغادرني وقلبي الجريح يعجز عن مقاومته, روحي المسلوبة منيّ ترفض أن تطاوعني لانتشلها من غرقها في ظلمات قلبه !"
لم تملك نوة إلا أن تحتضنها أكثر تضمها إليها أقوى ربما تمنحها بعض من الاطمئنان ,المواساة لنفسها المشوهة والمحطة ثم قالت مرغمة نفسها علي هذا الإقرار " إذاً لماذا لم تمنحيه الفرصة ...لقد طالبكِ بها يا بدور ولم يخفي عن الجميع أنه تأب من جرمه ، سعى لمحو خطيئته ... ربما كان يستحق من أجلكِ أنتِ ، من أجل نبتة صغيرة تكبر بين احشائكِ !"
لم تجرؤ بدور أن ترفع رأسها المستكينة في دفء أختها أو لم ترد مواجهتها بالأساس وهى تقول بصوتٍ مبحوح رغم انهياره " حاولت وفشلت جزءاً مني يقاومه يحمله ذنب ما فعله بي ...غدره بعهد كان بيننا ،جزءاً أحمق كان يبحث عنه يوم أن اكتشفت خيانته ، ليرتمي بين ذراعيه يشكيه ويبكيه منهاراً هناك لما حدث وحطمني ... خمس سنوات يا نوة عند كل انهيار مني وبكاء على فراشي وحيدة باردة أبحث عن طيفه وحده روحي المنهكة تناديه متوسله إياه ... لأسكن هناك علي صدره أخبره بكل جروحي بكل ما حدث لي من ابتعاده عني من امتهاني إياه ...أنا فقط أردت دفئه عاطفته حبه رغبت أن يداويني ويساندني بكل آلامي ولكنه لم يكن هناك قط !"
هبطت دموع نوة أخيراً وشفتيها تقبل رأس أختها باعتذار لم تعرف حتى أسبابه رغم نبرتها المختنقة ببكائها " لم تمنحيه الفرصة ليفعل لقد حاول الوصول إليكِ بطرق عدة !"
قالت بألم " راشد إن أراد شيئاً سيفعله ...لا أمر يقدر على إيقافه !"
تمتمت نوة " إلا أنتِ يا بدور ... كنت نقطة ضعفه التي أرخى كل أسلحته في مواجهتها ... متعشم أن يكسبكِ يوماً كما أوهموه !"
" تدافعين عنه أخيراً " قالت بتهكم مؤلم
"لا بل أقر بالحقيقة ... تعلمين جيداً عدائي معه منذ ما فعله بكِ ، ولكن لن أستطيع مجاملتكِ والكذب في أمر ندركه جميعاً !"
هزت رأسها رافضة بقوة أن تصدق ما هي تدركه حقيقة ثم قالت أخيراً باعتراف منهك " لقد قتلتني خيانته ... قتلت الفتاة الجامحة الحالمة التي كانت قد تغفر لنفسها علي الأقل الوقوع في عشقه وتحرير نفسها منه ومتابعة طريق حياتها ... أنا لست قوية يا نوة ... أنا ضعيفة جداً كما لم تتخيلي قط ؟!
صمتت تبتلع ريقها قبل أن تمد ذراعيها تحتضن خصرها بقوة ونبرتها تتغير بشكل مذهل للدفء الخالص للقلق والخوف الطبيعي الذي تعرفه يقيناً " أنا لا أريد أن يولد صغيري ليجدني بهذا الضعف ، عند حمله ورؤيتي له أرغب أن أكون أماً جيدة قوية ...هل تعتقدين أني أستطيع أن أكون ؟!"

ابتسمت ملامحها ثم قالت متنهدة " بالطبع , أنتِ ابنة منى القاضي رغم أنفكِ ...لا امرأة توازي أمنا حناناً قط !"
عاد اضطرابها يشوش عليها وهى تقول " أنا لست مثلكم أنا ابنة ياسر الراوي و ...خليفته ؟!
استطاعت أن تبعدها نوة أخيراً من تشبثها به ورفعت وجهها كي توجهها بأحد يديها بينما يدها الأخرى تمسح أعلى رأسها حتى أطراف خصلاتها بتتابع ثم قالت بهدوء حكيم " لا بكاء ولا نواح بات ينفع يا بدور ... أتعلمين ما الحل لكل ما أنتِ فيه ؟!"
لم ترد فقط عينين متوسعتين خاليتين من الحياة تنظران إليها ...
فتابعت نوة ببطء " المشكلة أنكِ منذ الصغر لديكِ جروح لم تلتئم أبداً تنكرين تواجدها ، وكنت تتهربين من مواجهتها ، لقد تعايشتِ معها طويلاً يا بدور حتى نسيت تواجدها بداخلكِ ...وما فعله راشد أنه فتح ذلك القيح ربما بمشرط غير محترف ولكنه فعل !"
تاهت عينيها مرة أخرى وغرقت في دموع الاعتراف بما تقره أختها الكبرى ... بينما عبرتين أخرتين شقتا وجنتين نوة وهي تكمل " بات الألم المبرح لديه جذور عميقة بداخلكِ ولا حل أمامكِ لاقتلاعه إلا أن تسامحي أبينا قبلاً ... ثم تغفرين لنفسكِ وراشد ... وقتها أنتِ يمكنكِ الشفاء!"
رددت الكلمات بنوع من الاستدراك وكأنها ترتبها بعقلها لتستطيع استيعابها ... ثم توسعت عينيها أخيراً بمشاعر غريبة وهي تقول بريقٍ جاف " هل تعتقدين أنه يمكنني يوماً الشفاء من راشد ؟!"
لا فائدة ترجى أبداً من كسر رابط كليهما !! أهذا كل ما استوعبته من حديثها ... بدور لم تكن تُلقي سؤالاً بل كانت وكأنها ترهب فكرة أن تتوقف عن عشق النمر يوماً !!
قالت نوة متلاعبة بالكلمات " هل تريدين الشفاء من راشد أم الحفاظ علي صغيركِ والشفاء مما أنتِ فيه ؟!"
صمتت لوقت ليس بقليل وكأنها تقلب كل خيارتها وأولوياتها ملامحها تكلل بالحقد تارة بالغضب والاشمئزاز تارات وبالكثير والكثير من التصميم وهي تقول أخيراً بحزم " إن كان لديكِ هذا العلاج السحري الذي تدعينه ...أنا أريد أن أعود نفسي القديمة !"
ها أفلح إن صدق !! فكرت نوة ثم سرعان ما بهتت ملامحها أية طريقة بحق الله هي لم تذكر قط أن لديها حل سحري لعنت بداخلها ألف مرة ...علم النفس الإرشادي الذي استخدمته لدعمها... إذ أنها كانت تعني به أن الحل يجب أن تجده بدور بداخلها لا هي !
ولوهلة ... وهلة أخرى كان الحل يسطع بقوة أمام عينيها ربما هو ليس بالشيء الكثير ولكن سوف يساعد أختها أن تمر هذه المرحلة علي الأقل دون أن يعرف أحد بضعفها القاتل هذا ... ثم بعدها عندما يولد طفلها بسلام هي تتمنى أن تكون تخطت بدور نصف أزمتها علي الأقل ...
" سوف أخبركِ ولكن أرجوكِ يا بدور إكراماً لرابط دمائنا , لصداقتنا وأخوتنا ...لا تقاوميني وطواعيني ولو مرة واحدة "
............................

بعد وقت كانت نوة تخرج من غرفة بدور ناوية اخبار والدتها ما قد اتفقتا عليه كلتاهما... ولكنها صُدمت بوجه شذى الباكي والتي كانت تقف على الباب متصنته " ماذا سمعت ؟!" سالت نوة بهدوء
قالت شذى بتوتر " لم أقصد لقد تبعتكِ عندما سمعت بكائها ...وو بعدها !"
تنفست نوة قبل أن تقول " وبعدها وقفتِ هناك غير قادرة علي المواجهة تستمعين من بعيد دون محاولة التدخل !"
قالت شذى من بين أسنانها وذلك البريق المرعب يتأجج في حدقتيها " لا تتهميني يا نوة ...تعلمين جيداً أن تهربي حرصاً علي عدم انفجاري فيها هي من فعلت هذا بنفسها ... حبل انتقامها الأحمق التف حول عنقها هي بالنهاية وقتلها كما قالت ...لماذا لم تنفضه بعيداً منسحبة بكرامة لا رجل يستحق أبداً مهما كان عشقه أن أخسر نفسي !
لم تتغير ملامح نوة وهي تقول بصبر " لأننا لا نتشابه يا شذى ...كل منا لديه ردة فعله مختلفة عندما يوضع في قلب الوجيعة !"
بهتت شذى وهي تقول بتقطع " ما...ماذا ؟!"
رفعت نوة حاجبيها وهي تقول بهدوء " أيصدمكِ ما أخبركِ إياه ؟! أعرف وعلم يقين ما يدور بعقلكِ إذا كان هذا رأيّ لماذا وجعت والدتنا بحديث سابق؟!"
هزت شذى رأسها موافقة ... فقالت نوة بتلك النبرة المريبة " أنا اُسمِع الجميع ما يريد أن تحدثه به نفسه ويخرسها هو مسيطراً عليها ...استفز الجانب المؤلم يا شذى في كل مكابر حتى ينفس ما يخيفه ويواجه وحوشه المرعبة ؟!"

" حسناً ...حسناً دائماً كنت ومازلتِ تخيفيني !"
إن اشتركت بدور ونوة في شيء فهي تلك الابتسامة الجانبية المخيفة المفترسة وإن كانت كل واحدة منهما تستخدمها لأسباب مختلفة تماماً عن الأخرى ... إذ أنها الآن رسمتها علي ملامحها وهي تقول " هل لديكِ أنتِ الأخرى جانب مظلم تخافين مني إخراجه ؟!"
" أنتِ مستفزة ... لن أتحدث معكِ !"
هزت نوة كتفيها بلا معنى ...قبل أن تغادر متوجهة لهدفها ...ولكنها سمعت صوت شذى المرتعش يخبرها باهتزاز " إن فعلها بي مالك يوماً ... أنا سأموت ، إذ أني أضعف من أن أتحمل اختيار والدتكِ أو أكابر مثل بدور !"
لم تستدر نوة ناحيتها وهى تقول بنبرة غامضة " لا امرأة تموت من أجل رجل يا شذى تلك الأساطير الخرافية عن الحب والتضحية ، كانت وسيلة لزرع الضعف وانتزاع الكرامة من النساء تحت مسمى أحمق يدعي العشق ...وقتها إن حدث صدقيني أنتِ بالذات سوف تندهشين من ردة فعلكِ !"

ارتعدت شذى مذعورة شاعرة بطعنة الألم قاسمة إياها بعنف من مجرد تخيل الأمر... ولكنها قالت بتردد
" ألا ...ألا تحبين مدحت؟!"
أدارت رأسها تطل عليها من فوق كتفها بابتسامة ناعمة وهي تقول " بالطبع أفعل ...ولكن أنا تعلمت كيف اتصرف مع مدحت كامرأة تُبقي دائماً جزءاً منها سراً عميقاً طي الكتمان ... جزء يثير جنونه ، يلاحقه طوال الوقت لاهثاً لاكتشافه لمعرفة ماهيته وما يخبئه خلف أسواره ...الرجل كالطفل عزيزتي يجب أن تتعلمي كيف تبقيه مشغولاً دائماً ملح بطلب لعبه يموت كل لحظة لامتلاكها فتغريه بها تعشميه باقتنائها دون أن تنوى أن تمنحيه إياها قط ...
..........................................
رغم كل شيء ....ورغم كل التحذيرات والملامات التي كان يعددها لنفسه ...ورغم كل قرار صارم يأخذه بقوة بأن يبتعد عن طيفها يتخلص من رحيقها فور أن يمنحها ما تسعى إليه ... وعقب أن ينصرها علي قضيتها الأبدية ... ورغم ورغم أشياء كثير كان نضال فور أن يراها أمامه في بيته وعلي بعد إصبع واحد من أنيابه إن أراد افتراسها ... يتوقف عقله عن التكفير... وترتخي كل عضلاته المتحفزة ويترك لدقات قلبه الهادرة العنان ...
" أنا آسفة !"
كان مازال يمسك باب منزله بيديه بعد أن تبين محاولتها لفتحه عبر مفتاح منحه لها منذ عام ... كما منحها الكثير دون أن تطلب !!
عندما لم يرد فقط نظراته الغامضة مثبتة داخل عينيها قالت بابتسامة مرتجفة " هل تمعني من الدخول يا نضال ...ألم يعد مرحب بي هنا أيضاً ؟!"
ارتسمت ابتسامة ساخرة بمرارة علي شفتيه قبل أن يقول " وكيف لي أن أجرؤ على رفض الطبيبة جوان الأمير ابنة الحسب والنسب ؟!"
تحرك من أمامها أخيراً مانحها ظهره تاركاً الباب مفتوح مشيراً لها بحرية الاختيار ... كما فعل ومازال!
ابتلعت الإهانة بصمت وكأنها اعتادت أن يتنمر عليها الجميع أن يضطهدها الجميع ، خاصة الرجال منهم ... فلا تقوى علي الدفاع عن نفسها أو الوقوف بحزم رافضة معاملتها كالحثالة ... أو كامرأة كبلت أبيها بالعار !!
ثم نطقت أخيراً كذباً " أنا أحترم اتفاقك معي ...ولكن هذه المرة أنا فقط اشتقت إليها ولم أقاوم أن ألمحها!"
قست ملامحه وهو يقول من بين اسنانه " لا تكذبي يا جوان ...أكره هذا الأمر فيكِ ، أنتِ لست مجبرة للكذب أمامي ، للتبرير ومُراضاتي علي حساب نفسكِ !"
توترت وهي تخطو للداخل تغلق الباب بيدين مرتجفتين ثم تقف هناك مستندة عليه وكأنها تحتمي فيه " لم أكن أريد اغضابك !"
عاد يلتف إليها بكامل جسده ينظر إليها بيأس ثم قال " أنتِ لست مضطرة لهذا ...دافعي عن نفسكِ مرة واحدة ...اصرخي برغبتكِ يا جوان طالبي بما تريدين !"
كالعادة وكأنها كما تعودت عندما تلجأ إليه سراً !! يستطيع أن يُخرج كل ما يكتم صدرها يُبعد واجهتها المتصنعة ... يدحر جانبها الضعيف الأحمق الذي ينصاع لأي إنسان يستطيع الإمساك به واستغلاله ... مستخدمها كما يرغب ويريد " أريد ...أنا أريد ابنتي ، ما عدت قادرة على الانتظار! "
لم تكن ملامحه المتجهمة رقت لها أو تنازلت رغم بكائها العنيف وشهقاتها المتقطعة التي ارتجف لها قلبه معها .... بينما يقول بجفاف " أخبرتكِ من قبل ، سَبنتي ليست مراهقة ساذجة أو سهل التلاعب بها والوصول إليها ... نحن نحتاج المزيد من الوقت السير في خطتنا بدقة متناهية قبل أن أستطيع تسليمها لكِ !"
هزت رأسها يميناً ويساراً بألم مع ارتعاش وجنتها باضطراب ثم قالت مختنقة " لقد تحدثت مع أبي اليوم وهددني مرة أخرى إن لم أتعقل وأعود سيخبر راشد بنفسه عن ما أفعله ...وعن عن ... أعني كيف عرفتك و !"

جوان رغم كل شيء كانت امرأة بريئة احد السذاجة المؤلمة ... وجارحة قاتلة لرجولته حد العذاب ...اقترب نضال منها يطل عليها بجسده يحاوطها بذراعه الذي استند علي الباب خلفها ليصبح ساعديه يحيطان جانبي رأسها ثم قال بتهكم مرير " لهذا الحد علاقتك بي تعد عاراً وحملاً ثقيلاً يصعب علي لسانكِ الإقرار به !"
مشاعر عاصفة تجمعت داخل قلبها حتى أحست به يكاد ينفجر وهى تقول بنبرة عنيفة مقهورة " أنا لم أسعى إليها حتى أقر بها ، هو دفعني دفع لهذا وأنت قبلت بها مقابل الوصول لابنتي ... دائماً ما كان كل رجل مر في حياتي يرغب بشيء مني مقابل عواطفي !!"
احترق داخله بكل بساطة ذلك هو الشعور الوحيد الذي انتابه ...هو يحترق مما تقوله مما يكتشفه من حطامها يوماً وراء يوم ...عندما مال وجهه نحو ووجها ينظر إلي عينيها بغضب بينما يقول بتصلب " أذكر أني رفضت المقابل هذا يا جوان ...عندما أدركت أنكِ تساومين عليه ؟!!!! أنا رغبت بما هو أغلى وأطهر ولكن من الواضح أن كل من سبقني إليه شوهه فما عاد يصلح أو يستحق السعي لكسبه !"
بهتت ملامحها وفمها يُفتح بصدمة إذ أن نضال لم يكن معها وقح قط ...لم يحاول حتى أن يجرحها بماضيها الذي استفاضت بكل غباء بشرحه له ... لم تشعر بيديها مطلقاً وهي تضربه علي صدره بعنف تصرخ فيه " تباً لك ...تباً لك من تظن نفسك لتهينني أنا ...لتتطاول عليّ ؟!"
لم يتزحزح من مكانه ولم يحاول حتى أن يمنعها مما تفعله كان كالجدار الصلب أمامها تاركها تفرغ كل قهرها تعاقبه وتسبه علي ماضي كريه شوهوها فيه ... تحاسبه على ذنب وتأخذ ثأر لم يكن هو صاحبه أو المسؤول عنه ...
لم تصدمه عندما انهارت قواها مرة واحدة وكأنها تعبت من كم الضغط الذي تتعرض له وتصر أن تواجهه وحدها ... ولكنها كالمعتاد ليست أهلاً له مطلقاً... فتلوذ بالفرار لاجئة إليه كما عودها هو منذ عام مضى !!
انفجرت في بكاء أعنف من سابقيه ثم دفنت رأسها بقوة في صدره كفيها الرقيقتين تتشبث بقميصه بقوة " لماذا تُصر أن تراني كما رأني الجميع ... لماذا مازلت ترفضني ... أنا لست كذلك يا نضال ... لست امرأة رخيصة تقدم نفسها وجسدها مقابل ما ترغبه !"
يديه كانت تتقبض بقوة معلقة مكانها مقاومة نفسها ألا تلتف حولها تضمها بقوة إليه ...غير مهتم لا بقواعد ولا قوانين ولا حتى معايير اجتماعية أو شخصية تمنعه من مسايرة الخطيئة ... تكلم أخيراً بتشنج غامض " ما الذي فعلوه بكِ ، أي تشوه أحدثوه بداخلكِ ، ليصبح هذا الأمر هو معياركِ في علاقة رجل بكِ في رغبته لوصالكِ ومسعاه للوصول إليكِ ؟! "
لم ترد ولم يتوقع منها هو إجابة... جوان كانت امرأة مختلفة عن أي نوع من النساء كان قد رأه قط بتصرفات أجنبية غريبة عنه ... رغم الهشاشة والخوف الذي يبدو أن والدها لم يدخر جهد لزرعه فيها ... جوان ببساطة كانت امرأة بماضي مؤلم لرجولته ... ولكنها أيضاً كانت محطمة من الداخل مما يجعل كل حمايته تتحفز لمحاوطتها وكسبها ...
" أحتاجك الليلة لا تتركني ...أريدك أن تضمني إليك لساعات طويلة " تصلب جسده تحت كفيها اللتان أخذتا في تلمس صدره وعنقه وصولاً لوجه بنوع من الفجاجة الغير مقبولة من وجهة نظره !! رغم معرفته أنها تفعلها بكل حماقة اندفاعية ...
أمسك يديها بقوة مبعدها عنها غير غافلة عن عينيه التي اشتعل بها الجحيم بينما يقول " أخبرتكِ بألا تفعلي هذا معي !"
ولكنها ما كانت لتتوقف ليس الليلة ... ولا حتى ليال أخرى نضال رغماً عن أنفه يجب أن يقبل كل ما تقدمه له مقابل استغلالها إياه ! حسناً ويحب أن تكون صادقة جداً مع نفسها لقد اشتاقت لرجولته التي تضيعها في لجة غرامه ... لعاطفته المذهلة التي علمتها أية امرأة عاطفية هي ...أية فتاة دافئة كانت تختبئ لسنوات رعباً ورهبة بعد تجربتها الوحيدة والمريرة وخطيئة عمرها التي دفعت ثمنها غالياً جداً هي وصغيرتها وبدلاً أن تصبح كلتهما ضحيتين ... كانتا في نظر والدها مجرد مجرمتين يجب أن يتخلص منهما !"
تجرأت مُصرة أن تهبط بيديها نحوه مرة أخرى ...ولم تبذل جهد لأن تفعل إذ أنها أدركت بطريقة أو أخرى أن نضال الآن في تلك اللحظة يرخي حصونه يرغبها غير مسيطر علي نفسه وفقط يحتاج منها لبعض الدفع ...
بكت... بكت ببساطة مرة أخرى وهي تقول بتقطع مؤلم " هل ترفضني أنت الآخر يا نضال...ترفض الحقيرة التي قدمت نفسها من قبل لرجل لفظها وانجبت منه ابنة في الحرام ؟!"
يده كبلت فمها سريعاً مقاطع إياها وهو يزمجر بعنفٍ غاضباً ثم قال " توقفي عن استخدام هذا ...تعلمين جيداً أني لا أراكِ مطلقاً بتلك الصورة "
رفعت يديها تبعد كفه ثم همست بنبرة خاضعة مرتجفة " اثبت هذا ...ها أنا ملكك وأمامك أقدم نفسي لك !"
رغم كل النيران التي اشتعلت في جسده الضخم ممتدة لرأسه كانت يديه تكبلها سريعاً بنوعِ من الشراسة ... ممسكاً بكتفيها وهزها بقوة ليتحرك رأسها للوراء عقدة شعرها تحل من عقالها ليتساقط كشلال من الحرير فوق كتفيها و ظهرها ... متلامساً مع شفتيه التي نطقت بعنف " أنتِ مغوية فاشلة جداً ، متى تقتنعين بهذا ، متى روحكِ العمياء تفهم أن ما أرغبه منكِ لا يمت للحميمية بصلة ؟!"
عينيها رباه ...عينا جوان كانت كقيد مدمر تلمعان كالألف نجمة محترقة ... فتحرقه هو بما يختبئ خلفهما تحرق روحه لاكتشافها ... تقتل رجولته لامتلاكها " وماذا إن كنت أنا من ترغبك وتريدك...هل سوف تتركني أحترق بحاجتي أم أذهب للبحث ..."
زمجر مرة أخرى بعنف قبل أن يقول " اخرسي ...اخر...
لما يكمل جملته الناهرة إذ وجدت نفسها في لحظة تعود تُسحق علي صدره بعنف يده تضغط على إحدى ذراعيها حتى شعرت أنه سوف يحطمها ويده الأخرى تُغرس في خصلاتها الناعمة بقسوة ليدفعها إليه بينما شفتيه ...رباه ، لا لم يكن اجتياح ما شعرته ... بل ارتواء لامرأة عطشة جداً للعاطفة ، لم تدرك أن قلبها كان ينبض بشدة بين أضلعها ... بأن صدرها كان يتلاحق في حمى الاشتياق التي تصارعها منذ شهور طويلة لتضيع فيه مرة أخرى ... وعندما احنى رأسه وقبلها بكل كبت عاطفي لرجل ينتفض جسده بلوعة الحرمان التي تتآكله ... لم تكن جوان تنوى مطلقاً ابعاده أو مقاومته عن ما ينويه حتى وهى تشعر بيده التي انزلقت تحاوط خصرها رافعها عن الأرض دون أن يتوقف عن تقبليها بوحشية ... ثم يتوجه نحو فراشه مباشرة ، ممزقاً أكثر من ملابسها نازعاً عنها كل أسلحتها ادرعتها لتبقي أمامه وبين ذراعيه ...عارية بما هو أعمق بكثير من عري البدن !!
..............................
" نضال لا يجيب على اتصالاتي منذ ساعات ... هل يمكنك أنت أن تأتي وتأخذني ، لا أريد الذهاب مع أحد من السائقين
تنهد راشد بتعب قبل أن يقول بهدوء " بالطبع صغيرتي ... امنحيني فقط ساعتين علي الأكثر لديّ موعد هام ، سوف انتهي منه وأتفرغ لكِ لبقية اليوم !"
همست " شكراً راشد ، انتظرك !"
قال راشد برفق " ما الذي حدث أنتِ تخبئين شيئاً عني صغيرتي ... تلك ليست أنتِ هناك أمر يُحزنكِ!"
قالت سريعاً بكذب مكشوف " لا ...لا أنا بخير ، فقط كنت أشعر بالحنين لزوجة عمي ... ولهذا المنزل !"
أخذ راشد نفساً آخر قبل أن يقول " سأتصنع أني أصدقكِ كما صدقت كذبة حادثتكِ بالأمس ولكن عندما أراكِ لنا حديث آخر !"
هزت رأسها موافقة دون أن تعلق ثم سمعته ينهي المكالمة علي موعد باللقاء ...
بينما هو ورغم ما يعيشه الآن من وجع كان يعود مرغماً لعمله ، لدنياه وعلاقاته الشخصية وكأن شيئاً لم يكن ...وكأن امرأته لم تغتاله وتؤده حياً !!
أغلق راشد عينيه يحجب خيالها بعيداً ويُسكن طيفها عميقاً محتفظ بها بداخله كما كل شيء يخصها ...
ثم ما لبث أن أخذ نفساً طويلاً آخر وهو يطلب رقماً خاصاً ... ثم ما لبث أن قال بسيطرة حازمة " نعم سيد إيهاب ...أنا ليس لديّ أي مانع للمساعدة ربما أستطيع إصلاح أي من الكارثة التي تسببت فيها زوج.. أعني بدور !"
صمت مستمعاً لشكر منه أعقبه شرح مستفيض لما يريده منه بينما هو كان يبتلع ريقه بصعوبة ونغزه مؤلمة أوجعت قلبه من وصف أصبح محرماً علي نفسه !
كان مكتبه الواسع يضيق من حوله جبينه يتعرق بحمى موجعة لا يعرف أسبابها أو أنه ربما يعلم جيداً سر معاناته ... يده تحل رابطة عنقه بنزق بينما نبرته المسيطرة كانت معاكسة تماماً وهو يقول " بالطبع أستطيع هذا أمر هين عليّ لا تقلق ... وكما أخبرك المحامي الصحافة الصفراء أو الصغيرة نستطيع أن نشتريها بحملة إعلانية لمجموعة الراوي ...أو مجموعتك ...أما الصحف الكبيرة أنا استطعت خلال الساعات الماضية أن أعلم من تحديداً أقدر على أخذ ميثاق شرف منه ... وربما يساعدني مع غيره بعلاقاته "
أتاه جواب إيهاب بهدوء " هذا أكثر من جيد ... ووالد نزار سوف يوكل محاميين من جانبه وسفارة بلده ستتدخل مطالبة بجلسات سرية "
غمغم راشد وهو يقلب أوراق أرسلها إيهاب صباحاً " لدينا وقت نستطيع احتواء الأمر ... أو أتعشم في هذا أنت تفهم بالطبع أنه لا رماد دون نار ... مهما فعلنا هناء الكردي سُيكشف إمرها للناس ؟!"
صمت سامعاً إيهاب يخبره بأنه يسعى لهذا ولن يسمح بفضيحتها أو كشف أمرها ...امتنع راشد عن التعليق الذي قد يجرحه ... إذ أنه هو بنفسه وياسر الراوي حاولا بكل الطرق منع نشر اسم مريم أو قصتها ولكن الآن أصبح كل وسطهم يعلم عن الابنة السرية لعمه والزوجة السرية لإيهاب زيدان أيضاً أو كانت قبل انجابها ! الثقل حل علي قلبه كحجر جبل قاسي وهو يتذكر صغيرته ... لا لن يسمح مطلقاً بكشف سرها ، علي جثته أن يجعلها لقمة سهلة تلوكها الألسنة أو يتسبب لها بهذا الوجع ... بقته الصغيرة يجب أن تبقى دائماً بريئة ... بعيدا عن دنياهم الضبابية !"

أفاقه صوت إيهاب وهو يقول " راشد هل مازلت معي سألتك عن اسم هذا الصحفي !"
" أه ...نعم بالطبع ، لقد أخذت مساعدتي موعد معه وأنا سأذهب الآن لمقابلته ... اسمه تليد العماري علي ما أعتقد !"
..............................................
" لماذا أشعر أن هناك كارثة تجري في هذا البيت تجعل الجميع علي صفيح ساخن ؟"
تنهدت سَبنتي وهى تميل تضع رأسها علي كتف شيماء الجالسة بجانبها ثم قالت ببساطة " ومتى لم يكن كذلك ... ذكريني ؟! دائماً وأبداً ما كان هكذا شوشو!"
ضحكت شيماء رغماً عنها ثم قالت " صدقت ! ولكن هل تعرفين السبب هذه المرة ؟!"
رفعت سَبنتي قدميها وحاوطتهما بذراعيها ثم قالت بنبرة هامسة " بالطبع ...أعلم ولكني ما عدت أهتم لمراقبتهم أو الاكتشاف !"
يد شيماء كانت تتحرك علي شعرها وهى تقول بتعجب " أنتِ لا تنتبهين ولا تهتمين بما يدور تلك معجزة !"
مطت سَبنتي شفتيها قبل أن تقول بلا مبالة " أفعالها أصبحت مملة... وشجارهما المستمر أصابني بنوع من الضجر... راشد وبدور يحتاجان لطريقة جديدة لإشعال فضولي مرة أخرى نحوهما !"
همست شيماء بنوع من الجدية الشديدة " ربما قتل بعضهم مثلاً كنوع من التغير ؟!"
" هما قُتلا بعضهم بالفعل شوشو ولم يعد فيهما بقية !"
سألت شيماء برقة " ما بكِ تبدين حزينة جداً ... تلك ليست طبيعتكِ !"
همست بنفس الخفوت الشارد " لا أنا بخير ... لا شيء قادر أن يجعلني حزينة !"
صمتت بينما قلبها البكر الصغير يتولى الرد بقهر يريد أن يصرخ بقوة معترضاً " لا هو ...هو السبب في جرحي ... يدفعني بعيداً لليأس منه لكرهه دون ذنب فعلته معه ، لقد كنت دائماً معه فتاة جيدة مطيعة عكس طبيعتها ... إذاً لماذا يكرهها خالد بهذا الشكل المؤلم ...لماذا يعذبها بتقلبه معها يوماً يوهمها أنه يحبها يتقبلها راغباً في ودها ومرضاتها واليوم الذي يليه يسعى بكل جهده لكسرها ؟!!"
شعرت تنهيد محترق يخرج من صدر رفيقتها التي تمتمت بحزن " نحن وحيدات هنا ، بائسات للغاية ... أتعلمين أن الفتيات والمدرسين وحتى المدير في المدرسة الخاصة بحالتي والتي أذهب إليها يتحدثون معي بنبرة حسد تتبعها انبهار لانتمائي لعائلة الراوي !! أحياناً أريد الصراخ فيهم ... تعالوا وامنحكم كل تلك الامتيازات مقابل يوم واحد أقضيه بسعادة ودفء دون أن يتخلله قهر ووجع معتاد !"
أغلقت سَبنتي عينيها ثم فردت جسدها متمددة على الأريكة واضعة رأسها فوق ساقي ابنة عمها ... ثم قالت بعد لحظات " الناس لا ترى إلا طبقتنا الخارجية ... وبما أنها لامعة جداً بحد مذهل ... لا أحد منهم يعرف أي معاناة نعيش فيها ... علي كل حال بما أني أتقصد الخفاء ... فأنا لم أجرب معاناتكِ تلك !"
لم ترد شيماء إذ ما جذب انتباهها شيئاً آخر عندما هتفت فيها " ما الذي تفعلينه...هل ستنامين هنا ؟!"
قالت سَبنتي بتعجب " نعم ، وما المشكلة؟! "
" حمقاء ... غوغائية هذا لا يصح ... اذهبي لغرفتكِ "
قال سَبنتي سريعا بتهكم " وما الذي يجعله غير صحيح ...هل سوف تعترض الأريكة ، وتقول أنه دور السرير لا هي ؟!"
" لا أنا من سيعترض في الحقيقة بقة ، لا فتاة أرستقراطية وسيدة مجتمع مستقبلية تتصرف بعشوائية مثلكِ !"
صوت شذى الهادئ كان يتخلل مسامعها كالنغمات الموسيقية الكلاسيكية الراقية ... ورغم حبها لشذى كما نوة .. لم تهتم مطلقاً بمعاييرها تلك وهى ترفع رأسها تنظر إليها بنصف عين مغلقة ثم تقول متثائبة بنبرة مزعجة " اعترض ... أنا لست أيا مما قلت ولن أهتم يوماً أن أكون ... لذا وفري طرق " الاتيكيت" المترفعة لشوشو !"
نظرة إليها شذى بامتعاض غير قابلة ما تقوله... ولكنها لم تستطع الاعتراض على الكائن المزعج الذي يأخذ كل الرخص بعدم الاقتراب أو إغضابه !
فقالت شذى بابتسامة لطيفة " أوافق ... ولكن هل يمكنني الاعتراض علي ملابسكِ... إذ أنها أصبحت لا تناسب سنكِ قليلاً !
وقفت سَبنتي سريعاً تدور حول نفسها متفحصة تنورتها القصيرة الحمراء بنقاط سوداء صغيرة ، تماثل جواربها الطويلة الحمراء بنقاط سوداء أيضاً !
ثم قيمت بلوزتها البيضاء التي طُبعت عليها حشرة الدعسوقة بفخر ثم قالت بابتسامة طفولية واثقة جداً " ما بها ملابسي جميلة جداً ومتناسقة كما كانت دائماً ...اممم لماذا أشعر أنكِ تغارين مني شذى ؟!"
ضحكت شذى بقوة وهي تهز رأسها بيأس ثم قالت " وها أنا كُشفت ... أنا بالفعل أغار جداً بقة وكم أتمنى أن أسطو على خزانة ملابسكِ...لارتدائهم جميعاً !""
هزت كتفيها بمشاكسة حلوة بددت بعض الحزن من عينيها الجميلتين ثم قالت " لا أعتقد أنكِ تستطيعين ... بصرف النظر أنكِ عجوز جداً الآن لتستعيري أشيائي فأنا ليس لديّ خزانة... بل غرفة كبيرة جداً جداً جداً ... مليئة بكل ما قد تتمناه أية فتاة في العالم "
كانت تفتح ذراعيها بنوع من الشقاوة معبرة حركياً كما لفظياً عن حجم ما تتحدث عنه سامعة ضحكت شذى الراقية لتعليقها المشاغب عن عمرها ... ثم انقطعت ابتسامتها فجأة كما سكناتها وهي تطلق تأوه متوجع لجرحها الذي اصطدم بشيء خلفها سرعان ما كانت تقفز للأمام واقفة بجانب شذى التي تبدلت ملامحها هي الأخرى ...
وعيناها التي اغرورقت بدموع غزيرة وقلبها الذي دق صارخاً بجرحه ... كان يعترف على الشخص الذي سبب لها الألم مرة أخرى كما مرات من قبل ماحياً ابتسامتها ...
" مرحباً خالد ... هل أردت شيء؟!"
وجهه كان جامداً عينيه تتهرب بعيداً عنهم ... ثم استدار أخيراً وهو يقول بنبرة جافة " أنا لم أعرف أن أحداً هنا ...اعتذر للتطفل...وداعاً !"
أخذت شذى نفساً متعباً قبل أن تقول بحزم " توقف "
راقبت ظهره المتوتر جداً وكأنه يعانى كي لا يستدير إليها ... يحارب نفسه ألا يعود للتي تقف بجانبها يطلب ودها بعد أن أغضبها كما كان يفعل دائماً منذ صغرهما" ماذا تريدين؟!"
قالت شذى بهدوء " أنا ونوة سنغادر صباحاً ... فهل يمكنك أن تشاركنا العشاء الليلة على الأقل ؟!"
هز رأسه مهمهما دون أن يلتف إليها " هذا لا يحتاج سؤال شذى !
..............................
ليلاً كان جميعهم يجتمعون أخيراً علي مائدة واحدة كالماضي ... ورغم جراح كل وشظايا قلوب كل واحد منهم كان أولادها أخيراً يضحكون يتشاكسون كالماضي ... متشاركين أخبار متفرقة عن أولاد شذى ونوة ومغامراتهم , عن جامعة خالد وأصدقائه وطريقة دراسته، مرح شيماء ونوادرها عن مدرستها , سَبنتي وتعليقاتها المضحكة وقصفها رد لاذع لكل واحد منهم متقبلين إياه بنفوس راضية ... ثم سخرية شذى منها لفشلها حتى الآن في معرفة تناول الباستا التي تتساقط منها ... حتى بدور كانت تشاركهم مائدة طعام أخيراً... ورغم الضحكة المشوبة بالكثير من الألم كانت عينا منى تدمع تأثراً لرؤيتهم بتلك الحال ... رابط واحد لا ينفصل مهما فرقتهم الأيام وأبعدتهم الجروح .... شعرت بيد ياسر الذي شاركهم أيضاً لأول مرة منذ مرضه العشاء تضغط علي يدها بقوة مساندة كانت تحتاجها في تلك اللحظة بينما يهمس " سيكونون بخير... مازال هناك أمل !"
همست منى بوهن امرأة قدمت كل الغالي والنفيس من أجل أن تنقذ أي شيء منهم فلم تجد إلا السراب وتشتتهم " هل تعتقد؟!"
أنامله كانت تتشابك مع كف يدها بقوة ثم قال بحزم " بل أنا متأكد من هذا ... سيجدون يوماً طريقة لإسناد أحدهم الآخر واكمال نقصه ليصبحوا قوة واحدة في رابط أخوي أزلي لا ينفصل كما تمنيت أنتِ وسعيتِ !"
" يا رب ... يا رب " تمتمت منى بيقين بتضرع وخشوع أن ينتهى بهم الحال أبداً علي تلك الصورة مبعداً عنهم شيطان أنفسهم !
.....
بينما كانت نوة تهمس باستنكار ضاحك كالمعتاد" ما الذي يفعل شيخنا ...هل يعتبر " الباستا الطويلة" من المحرمات لذا يريد قصها تلك الزنديقة السافرة كيف تجرؤ؟!"
شرقت شذى ضاحكة بطعامها رغم إرادتها فناولتها بدور كوب ماء مكتفية بضحكة هادئة وهي تقول " بغض النظر عن تصرفات خالد شذى قد تقتلكِ على تلك الفعلة !"
" بالطبع بكيزة هانم الدرملي قد تفعل !"
لم تقاوم بدور رغم الأسى الذي تعيشه أن تضحك من التعليق ثم تنحنحت وهي تقول بنبرة غريبة " فقط تابعي ما يفعله بصمت ... ولا تعلقي !"
ما يفعله خالد كان غريب بالفعل عن من لا يعرف أسبابه إذ أنه أخرج من أدوات المائدة مقص محفوظ في علبة معقمة وشرع في قص " المعكرونة الطويلة" لقطع صغيرة جداً حتى أصبحت أكبر قليلاً من حبات الأرز ... ثم التقط بملعقة كبيرة بعض من السلطة الإيطالية وخلطها بها مع القليل جداً من الصلصة والكثير من الجبن المبشور ... وعندما اصبح الطبق جاهزاً كان يضع فيه معلقة ثم يمرره بصمت أمامها ... جاذباً طبقها هي الذي أصبح مريع الشكل وشوكتها أمامه وشرع في تناول طعامه بصمت !!
توسعت عينا نوة بينما تراقب الصغيرة التي ارتبكت بقوة مستعدة لرفضه ... ثم سرعان ما كانت تعود تسترخي على مقعدها تنظر إليهم مرتبكة محمرة الوجنتين وتعود لتخصه بنظرة معاتبة غاضبة ؟! ثم ارتسمت أخيراً ابتسامة واهنة علي شفتيها بينما تشرع في تناول ما جهزه لها بنفسه "
.........................................
الوقت لم يكن تأخر كثيراً عندما كانت بدور تصدم الجميع بأنها تنوي المغادرة ذاهبة لمكان هام أجلت كثيراً زيارته !
اعترضت منى وهى تقول " لقد وعدتِ أنكِ ستطيعين أختكِ وتتوقفين عن اذية نفسكِ من أجل طفلكِ علي الأقل !"
قالت بدور بهدوء " أحتاج لرؤية هناء يا أمي ... لن أستطيع أن أفي بأي عهد قبل رؤيتها !"
قالت لها منى بلطف " أليس من الأفضل لكلتاكما الابتعاد؟"
تهربت بعينيها المتوسعتين تداري منها خوفاً أصبح يطاردها ، حزناً أصبح جزءاً لا ينفصل عن هويتها ثم قالت باختناق " يجب أن أوضح نفسي وأسبابي ... هناء يجب أن تعرف أني ما كنت أقصد أذيتها !"
غريزة الحماية لصغيرتها هي من كانت تتحكم فيها عندما لمستها برفق وهي تقول " أنتِ لست سبباً يا بدور... والدكِ هو المذنب فيما حدث للفتى ... ثم الجرم الأكبر على هناء إذ كان يجب أن تعلم ألا حقيقة تبقى طي الكتمان ... هي لم تذنب أو ترتكب جرماً بل تزوجت وخدعت ... فلماذا حولت نفسها من الضحية لدور المجرمة في أعين ولدها ؟!"
رمشت بدور بعينها مجفلة ويديها تعود غريزياً تحيط بطنها المسطح ثم قالت باختناق " لا تلوميها يا أمي ربما هي فقط كانت وحيدة خائفة وضائعة وأرادت حمايته من نفسها قبل المجتمع !"
قالت منى بهدوء " أنا لا أتهمها مطلقاً بل أتفهمها ولكن لن أستطيع خداعها ما يربطها بنزار كانت علاقة أكثر من رائعة ... إن كانت أخبرته قبلاً ربما كانت كسبت جانبه وتعاطفه وما وضعت نفسها في هذا الموقف القاتل لكليهما !"
ابتلعت بدور ريقها قبل أن تقول " مازال كل هذا لن يغير قراري أنا يجب أن أراها !"
تعلم ابنتها وعنادها جيداً لذا استسلمت وهي تقول " دعي خالد يصحبكِ لهناك حتى أكون مطمئنة !"
ابتسمت بدور بيأس وهى تقول " لم أصل لتلك الحالة من الوهن أمي حتى تعيني عليّ حارس خاص !
كادت منى أن تمنحها تفسيراً منطقياً لرغبتها تلك ... ولكن الخادمة التي دخلت تخبرها بقدوم ضيفة إليها جعلها تنصرف متقدمة إياها بتعجب إذ من هذا الذي قد يأتي من غير موعد وفي ذلك الوقت؟!!
..........

" اممم أنت خالد ، يفترض أنك أخي؟! " قالت مريم ببعض التوتر وهى تنظر للشاب الذي تقدم يستقبلها بترحاب شديد كالمرة الماضية ... ولكن يبدو الآن سبب ترحابه وانجذابه شيئاً أخر إذ أنه انحنى على ركبتيه أمام عربة الأطفال المزدوجة الخاصة بصغيريها ... ثم قال بمداعبة " الحمد لله أنكِ تذكرت "دون المزيد من تهكمه "هل يمكنني حملها ؟!"
رغم استنكارها من وده ودهشتها من طلبه الذي لم ينتظر إجابة من الأساس إذ أنه شرع علي الفور في حمل صغيرتها بين يديه وأخذ في مداعبتها ... مأخوذاً هو الآخر بمناغاتها واستجابتها معه...
كان خالد مبهوراً بحق بشيء يجذبه نحو تلك الطفلة ربما هي ليست أول حفيدة لعائلتهم ولكن ليبرتا كان بها شيئاً جذاب مختلف ... إذ أن الصغيرة كانت بالفعل جميلة جداً بيضاء زغبه بوجنتين مكتنزتين محمرتين فم صغير جداً يكاد لا يلاحظ وأنف طريفة تتوسط وجه مدور ، تسكنه عينين واسعتين كحيلتين بحدقتين رماديتين " ابنتك معجزة إذ أنها تجمع كل ألوان قوس قزح في بشري واحد !"
علق خالد ضاحكاً !
توترت مريم أكثر وهي تنظر لإيهاب الذي تقدم أخيراً ناحيتها ناويا الانضمام إليها ومساندتها كما وعدها ... ثم قالت أخيراً " هل هذا إطراء أم سخرية ؟ العفو منك أحيانا لا أفهم طريقة البشر في الحديث هنا !"
نظر إليها بعينين ضاحكتين متفهمتين جداً ...ثم عاد بكل انتباهه للصغيرة ينظر ليدها التي ارتفعت تشد شعرها العسلى الغزيز الذي جمعته والدتها في ناحية واحدة من الأمام بماسكة شعر طريفة علي هيئة " أحادي القرن " أمسك بيدها الضئيلة الذيذة ثم وضعها بلطف أمام فمه يلثمها مانعها من شده ثم قال أخيراً " Unicorn" يليق بكِ جداً الوصف ليبرتا .
" توقف عن اطلاق الأسماء الغريبة ... إلا يكفينا بقة التي التصقت في الفتاة ولن تستطيع التخلص منه!"
كان هذا صوت منى التي كانت تهبط من علي الدرج فاتحة ذراعيها لضيفتها لم تبذل حتى جهداً لدعوتها عندما لجأت إليها مريم تعانقها بقوة وهي تقول " اشتقت إليكِ سيدة منى!"
وأنا حبيبيتي اشتقت إليكِ ... سامحيني لتقصيري معكِ "
ابتعدت مريم عنها وهزت رأسها بتفهم مبتسمة بلطف ...
بينما كانت بدور تقترب نحو خالد تمد يديها دون طلب تلتقط منه سميتها تضمها إليها بحنان ... بينما عينيها تتطلع إليها بنظرة حسرة طويلة حزينة ... حزينة جداً على أمل حلمت به طويلاً جداً أملاً في تحقيقه وعندما اقتربت منه ممسكة النجوم بيديها كان هو يجردها من كل شيء حتى من الحلم " مرحباً لوليتا لقد كبرت الآن الجميلة !"
كانت يد خالد تمتد تداعب وجنتها بانبهار غريب بينما يقول بنفس ضحكته " لا هي "Unicorn "منذ اليوم " انظري إليها ألا تشبهه؟!" كان يحاول بلطف أن يخرج بدور من حالة الشجن تلك ولكنها قالت بصوت أجش " نعم تشبه الفرس الأصيل في جماله ودلاله تشبه ( حرة )التي كنت أعرفها !"
......................................
بعد دقائق كانت مريم تحاول أن تتمالك أعصابها تشجع نفسها أنها تستطيع أن تُلقي سلام باهت في وجه المدعو أبيها ، مانحة إياه طلبه في رؤيتها ثم تنصرف ... ولكن ما لم تحسب حسابه مطلقاً تلك النظرة الغاضبة الرافضة لكل ما يخصها من اختها نصف الشقيقة الكبرى.
" لا تحرجيني يا نوة ... لقد أصبحت أختكِ أمراً واقعاً لا فرار منه كما أنها ضحية لأبيكِ و لتلك الحقيرة أمها ...وليس لها ذنب فيما حدث !"
همست نوة بقوة " لا تعني لا ! أنتِ لن تجبريني وأنا في هذا العمر علي تقبلها... آسفة يا أمي أنتِ مخطئة وأولادكِ أيضاً مخطئون أنا لن أتقبل تلك الفتاة أبداً !
ثم دون انتظار كانت تنصرف مغادرة دون حتى أن تُلقي سلام ...
بينما كانت منى تنظر بصمت مطبق لانصرافها كانت تشعر بيد شذى على كتفها وهي تقول بهدوء " أنا الأخرى لا أستطيع تقبلها أمي !
" وأنا من ظننتكِ أكثر سلاماً يا شذى !" همست منى بحزن ،
فقالت شذى بنفس هدوئها " عدم تقبلي إياها لا يعني ألا أقابلها بترحاب وهي في منزلي ... ذلك لا يليق اجتماعياً هي بالنسبة لي كأي ضيف يجب أن أحسن استقباله حتى وإن كان دمه ثقيل علي قلبي!"
.........
كف عن مداعبة فتاتي يا خالد ... أنا أب غيور جداً ولا أقبل أن تأخذ اهتمام صغيرتي " رغم محاولة إيهاب دمجها بتجاذب الحديث والمزاح معهم لم يكن يغفل عن عينيها المشوشة ومحاولتها المستميتة للصمود ...
ثم رأها أخيراً تغمض عينيها بقوة عندما هبط ياسر الراوي الدرج ينظر إليها بنوع من السعادة رغم تحفظ ملامحه وهو يقول " أنرتِ منزلكِ حبيبتي !"
لم ترد إذ أنه لاحظ كيف تلتصق في مقعدها أكثر مذعورة !"
حتى أصبح ياسر أمامها أخيراً يمد يده بحرص نحوها محاولاً أن يربت عليها بمشاعر أبوية نبرة صوته كانت ضعيفة منهكة ومحايلة وهو يقول " ألن تسلمي عليّ حبيبتي ؟! لا يهم ولكن أخبريني أنتِ كيف حالكِ ؟!"
انتفضت واقفة من مكانها أخيراً تبتعد عنه حريصة ألا تمسه مطلقاً ثم أخذت في التراجع للوراء خطوات وخطوات غير موزونة غير مبالية أو مستمعة لهتاف ياسر المؤلم باسمها ولا محاولة إيهاب ايقافها...
ثم سمع الجميع صرختها الرافضة المشبعة بالكثير من المرارة " أنا لا أستطيع ...لا قدرة لي على تحمل هذا الرجل الاعتراف بشخص أناني أنكرني ودمرني وسبب كل معاناتي ...لا أستطيع يا إيهاب ، الموت أهون عليّ من تقبل هذا الرجل ... أنا ابنة حرام لا أب لي أبداً أتفهم ...أتفهمون كلكم ؟!"
ركضت مغادرة من أمامهم غافلة عن شهقة الجميع المصدومة...
تابعها إيهاب جارياً وراءها حتى استطاع أن يمسك بها أخيراً ضمها إليه بقوة مقبلاً رأسها بينما هي كانت تنتفض هناك كفرخ عصفور صغير هدموا عشه الآمن " لا تفعل هذا بي مرة أخرى ...لا أريده ، يذكرني بها ... بهم ، بأناس دمروني وكادوا أن يقتلوك ويسلبوك منيّ !"
هشششش إهدائي صغيرة ، كل شيء سيكون علي ما يرام ، سأفعل كل ما يريحكِ أنتِ !
...
بينما في هذا الوقت كان ياسر ينهار علي نفس المقعد يمسد علي قلبه بعنف وكأن نكسة أخرى كادت أن تصيبه ...
اقتربت منى منه تحاول تفحص نبضه وهي تقول بقلق" ياسر بماذا تشعر ؟!"
رفع عينين نادمتين متألمتين ثم همس بتعب " بمرارة الخسارة وبالفشل ... أذيتكِ أنتِ وهي بكل أنانية وها أنا أقف على مقربة الموت عاجزاً حتى عن كسب ولو شعور الشفقة منكما!"
.................................

استغرقت بدور دقائق كي تتمكن من تمالك نفسها واستجماع شجاعتها قبل أن تطرق باب هناء أخيراً ...
كان تقف هناك كأي إنسان مذنب يوشك على مواجهة جرمه وتقبل عقابه بكل رضى عله يريح بعض من حمولته القاتلة !
" نعم يا منى يبدو أنها وصلت ...لا تقلقي من أجلكِ أنتِ سأحاول أن أتفهم حالتها واستمع لما تريده منيّ !"
أغلقت هناء الهاتف قبل أن تأخذ نفساً عميقاً هي الأخرى محاولة اقتناص أية ذرة صبر تعلمت أن تتحلى بها يوماً ...
ثم تقدمت تفتح لها الباب أخيراً ....
" مرحباً " صوتها كان مبحوح جداً خالي من العجرفة المعتادة بينما مظهرها كان في حالة لم تستجلب إلى قلبها إلا الشفقة رغم كرهها المتعاظم والذي توجه لمن أمامها...
" تفضلي يا ابنة ياسر ...هل لديكِ أنتِ وأبيكِ شيئاً لم تقولوه !"
تقدمت بدور خطوة لداخل المنزل ثم قالت بخفوت " لا أتيت لأعلن ذنبي في حقكِ ... فعلتي التي لا تغتفر ... أنا أتيت لأكفر يا هناء اطلبي منيّ أي شيء أي شيء مهما كان سيُكلف وسأفعله ''
قالت هناء بجفاء " لا أنتِ ولا عائلتكِ تمتلكون ما قد يعوضني ما خسرته !"
قالت بتوسل جربي أرجوكِ ربما أستطيع المساعدة "
ضحكت هناء ساخرة قبل أن تقول بقسوة " أنا كان لديّ في هذا المنزل الحب والاستقرار والسعادة الموجهة لصغيري ...ثم سلبتني أنتِ إياها ... فكيف تعوضيني عن شيءٍ لم يحتويه منزل عائلتكِ يوماً ولم تعرفوه يا مساكين ؟!"
ارتعش جانب فمها بضعف ثم قالت " أنتِ محقة لقد عرف بيت عائلتي كل أنواع المشاعر ... ولم يكن الحب والسعادة من ضمنهم يوماً !
قالت هناء بقهر " فقررتِ أنتِ بعجرفتكِ وكبريائكِ الغبي ... بثقتكِ الزائدة التي وصلت حد الغرور والنفور أن تحرموني من ابني ... من صغيري الذي لم يفارقني يوماً ... وها أنا بسببكِ أخسره ... خسرت حبه وثقته وحُرمت حتى من حقي الطبيعي في رؤيته وضمه إليّ !"
صمتت تلتقط أنفاسها قبل أن تقول بحرقة " وانظري النتيجة ها أنا مذنبة اُحبس في منزلي ... معرضة أنا وعائلتي لفضيحة لن يرحمنا بها الناس ...وبيد ابني ، وفوق كل هذا نزار صغيري المرح الطيب أصبح فتى شيطاني يكرهني"
ارتعدت والمعنى من كلماتها المقهورة يصل إليها بطيئاً... وهى تقول بتحشرج "لم أسعى حتى للمعرفة ... أنا فقط كنت أبحث عنه ...عن تاريخه لأطمئن علي أختي ، ليرتاح قلبي أنكِ وهو لن تؤذوها !"
رغم حقدها العارم أحست هناء بالدموع تحرق عينيها وهي تقول بقهر " وبحثتِ وعرفتِ أن هناك أخطاء في تاريخي ، لماذا لم تتوقفي و تكتفين بالابتعاد يا ابنة ياسر ؟!"
دون تفكير كانت تقترب منها خطوات أخرى وهى تهمس بجرح عميق "لم أتخيل أبداً أن تكون الحقيقة مؤذية بهذا الشكل ... لم أعرف أبداً أو أتوقع أن يُكشف سركِ اعتقدت اثناء بحثي أنها مجرد تخمينات أو إشاعات من محامي أحمق ... وعندما لجأت لزوج أختي أردت أن أؤكد ما كنت أؤمن به ...أنا كنت أثق بكِ يا هناء ...أنا أحببتكِ وقدرتكِ دون سابق معرفة ... أنا واثقة بالمرأة التي احتضنت فتاة شريدة وأنقذتها وصغيريها !"
ضحكت بمرارة دون أي مرح بل كان صوتها يخشن بالوجع " وعرفت الآن ؟! هل فهمت لماذا كنت في عزلتي أدفع الناس بعيداً عني وأتحفظ على الماضي منكِ ومن غيركِ ....هل تدفعيني الآن يا بدور للندم على استقبال أختكِ ومساعدتها؟!"
هزت رأسها بقوة نفياً والدموع تتنافر من عينيها ثم قالت بعدم تركيز أو ترابط " أنا احببت الفتى ... أحببتكِ ونزار مثل أخي!
لم تجيبها علي الفور وهى تنظر إليها ملياً بعينين لا تريان ثم قالت " رغم كل شيء ورغم وقوف مريم ضدي ... وحتى مع تفكيري في يا ليت ما عرفتكم ، أنا لم أندم بعد يا بدور لدعمي فتاة ذكرتني بوجيعتي ، لإنقاذ صغيرين ، كنت أفهم تماماً مرارة أختكِ ورعبها عليهما وخوفها من الناس لأني مررت بكل أنواع القهر والتنمر من قبل ... جربت طعم العلقم بأن تنفيكِ عائلتكِ في مكان نائي وتتنكر لكِ عقاباً على اختياركِ !"
قالت بدور سريعاً بصوت مرتجف " وأنا ... أنا الآن أفهم معنى أن تخافي علي قطعة من قلبكِ أن يدفع ثمن خطاياكِ ... معنى ذاك العلقم المرير الذي يدفع روحكِ في خوف أشبه بسكرات الموت "
كانت قادرة علي الشعور بالدماء التي تنسحب شيئاً فشيئاً من وجهها الفاقد للونه ... بالفعل لم تملك إلا الشفقة عليها ...التعاطف مع امرأة شابه تتخبط ...
على عاشقة فقدت حبيبها بيديها متخلية عن احترامها لنفسها كبريائها وكرامتها " وهل من يخاف على روحه تلك يا بدور يُقدم علي قتله بدلاً من محاربة أشباحه وبذل الغالي والنفيس لتأمينه؟!"
رفعت رأسها بعنف مجفلة وهى تقول بتوتر " هل أنتِ تعرفين ؟!"
هزت هناء كتفيها وهى تفتح كفيها بقلة حيلة ثم قالت " أنكِ طُلقتِ بعد رحلة عذاب خمس سنوات ، أم أنكِ حاولتِ قتل بذرته التي تسكن احشائكِ؟!"
ارتجفت من رأسها حتى أخمص قدميها و تلك المشارط الحادة تعود تمزق في كل إنش لمسه هو , احتواه يوماً ، أزهقه وأرهقه بعاطفته وغرامه دون رحمة ، بينما هي تقول في محاولة واهية لادعاء القوة " تلك نتيجة طبيعية كان يرفض الجميع الإقرار بها !"
قالت هناء بأسى " لا تحاولي خداع امرأة عانت يا بدور! أنا أعلم أنكِ تكذبين ، أن روحكِ تحطمت لألف ولألف قطعة يصعب ترميمها يوماً !"
الدموع احتشدت في عينيها والبؤس والمرارة تعود تسكن بأشرعتها على صدرها وملامحها ثم قالت بصوت لونه القهر " ربما يا هناء ولكنى سوف أنساه سأنزعه من قلبي وكأنه ما سكنه أبداً !"
قالت هناء بهدوء " وابنكِ... ستخلعينه أيضاً ؟!"
تحشرج صوتها المضطرب وهي تقول بصوت أخذ في الانخفاض. تدريجياً " لا لا ... لن أفعل !"
قالت هناء بشرود متحسر " الآن أنتِ أصبحت تفهمين ... ولكن هو من لن يفهم يوماً لوعة قلبكِ وقلة حيلتكِ ... والظروف التي أجبرتكِ على إيلامه!"
حاوطت ذراعيها بكفيها وهى تقول بانهيار " ولكن أنا لا أستحقه ... رباااه أنا خائفة... أتيت إليكِ لأني مرتعبة !"
" ماذا تقصدين؟!"
قالت بريقٍ جاف ضائع " أنا سأدفع الثمن ... يجب أن يحدث هذا وينتقم الله مني لما فعلته بكِ ، بيدي لا غيري حرمتكِ من صغيركِ ... هناء أنا لا أستحق ابني أنا أم غير صالحة ليس لما فعلته بكِ فقط ... ولكن أنا أعلم أني سأؤذيه وسينتهى بي الحال وحيدة محطمة !"
هااا وكأنها لم تُحطم بالفعل !! قلبها وتعاطفها كالعادة كان يهزم أية لحظة كره أو غضب وجهت لها لم تستطع هناء مقاومة أن تهدئ من روعها وهى ترى كل هذا الألم والتخبط الذي يصدر عنها ... لقد كانت من أمامها جملةً وتفصيلاً واحدة أخرى تجهلها لا تعرفها ولا تقرب بأية صلة تلك العنيدة الشرسة المعتدة بذاتها والتي صادفتها يوماً...عندما اقتربت منها تجذبها قصراً إليها لم تعرف هناء أن تُفرق ذلك الصوت المنحور في بكائه ينتمي لأيا منهما " هشششش ... لا تقولي هذا ، لا امرأة لا تستحق أن تكون أماً ، وليس عدلاً أبداً أن تؤذى أم في صغيرها !"
" أنا خائفة بت لا أعرفني "
اغلقت هناء عينيها بقوة ...ثم قالت بعد برهة " إذاً لا حل أمامكِ إن كنتِ تريدين حماية صغيركِ أنتِ يجب أن تتبعي نصيحة نوة !
...................................
بعد شهرين

على الطريق السريع المظلم المخلوط بأشجار الغابات الكثيفة والمرعبة كان في سكون الليل القابض للقلب المخيف حد الذعر ...ذلك الطريق البارد الذي كثيراً ما أُسيلت فوقه دماء الأبرياء كما تتحاكى الأساطير التي تربوا عليها !!
كانت سيارة دفع رباعية حديثة ثمنها آلاف الدولارات الأمريكية ... دولارات أغراهم بها أب عائد وعدهم بالأمل , بالراحة بعد تعب والشبع بعد طول جوع ,بالعز بعد الذل ... وبشرف قد يعود بعد أن خسروه لأسباب مخجلة ومبكية !!

كانت مرح تضم فرح الغافلة إليها بينما عينيها تعلق داخل عيني أبيها في المرآه العاكسة عينين فيهما جحيم سقر !!
متوعدة ناقمة وغاضبة ...عينين كُشفت علي حقيقتها وأصبحت تطالب بإراقة الدماء ثمناً لذلك الشرف الذي أخبروه أنهم خسروه ... وخدعهم بتقبله الأمر...وهي .هي كانت تجهز نفسها جيداً لتلك اللحظة إذ انها من البداية اختارت أن تمنحه تلك الفرصة أما يستغلها وينتشلهم من ضياعهم يمنحهم بيت آمن وحضن والد لم تذق طعمه هي وتوأمتها قط ... أو يأخذ أرواحهما ويريحهما من ذلك العالم بشروره وقهره ومرارته ... ببساطة هي كانت مستسلمة تماماً يائسة حد العجز إذ أنها ما عادت تفرق !!
ولكنها لن تدعه هكذا دون أن يدفع الثمن إذ أنها وهي تراقب يده التي تسللت تحت مقعد السيارة يخرج منه"سلاحاً نارياً " وشد أجزائه كانت هي الأخرى تطلب " 911" لتضغط عليه محددين موقعها فور أن يطلق أيوب عليهما رصاصة الرحمة وترتاح هي وأختها من دنيا ظالمة لم تعرف فيها معنى السعادة حتى ولو ساعة واحدة ... لم تذق فيها طعم العدل ولو لمرة واحدة !!! ... ها هي ضحية حرب هُجرت من بلدها قبل أن تولد حتى على يد الأنذال ثم حُرمت من حضن أمها وأبيها علي يد غربان سود في بلاد العنصرية ويال سخرية القدر من كان سبب مأساتهم هو بنفسه من سوف ينهيها ... والسؤال العالق في ذهنها الآن بينما جسدها ينتفض من مكانه ثم يعود يرتطم بعنف في مقعدها مع دوي صوت أول عيار ناري ... لماذا أتوا بهما لهذا العالم ... ما سبب خلق الرب لهما إن كان ينوي عذابهما ؟!"

انتهى قراءة سعيدة
:sm10::x2::qatarw_com_52228917:127::mwan45:

Hoba Nasry 15-10-19 01:19 AM

روعة أبدعتى يا نور تسلم أناملك و مبروووووك انضمامك لمنتدى روايتى بالتوفيق يارب دايما❤❤❤❤❤❤❤🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

اني عسوله 15-10-19 08:06 PM

نور💔 يا بنت ام نور💚 نورت المنتدى والله💗
ربنا يقويك ويعينك يارب 😍
وتستحق النجاح والتقدير 💪وعقبال يارب ما روايتك تتميز بالمنتدى ✌⭐⭐⭐⭐
معاكى مونى راشد وانى عسوله غصب عنك 😁😍😍

نصيبي و قسمتك 15-10-19 09:09 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مساء الخير 💝💝 نور بلاك كيوت بزياده يا ناس اكيد انتي تنوري اي مكان تكوني فيه مبروك ليكي يا قلبي على وجودك في منتدى ويا رب من نجاج لنجاج يا نوري💋💋 روايه شظايا القلوب وكل روايات نور كلها جميله وحلوه مثل الكاتبه حقيقي روايات هدافه و راقيه عم تناقش قضايا كتير موجوده وبطريقه مميزه مش كلام سطرين وخلاص ده أن شاء الله راح يكون أول تعليق واخر تعليق علشان باقه مش تستحمل🙈نور بنت الصعيد بالتوفيق يا رب وخفي علينا شويه علشان القلب اشتكي 😭نور 💞❤️💜🎉💃💃

هبة الله 4 15-10-19 10:27 PM

الروايييه وهميه كعادتك يانونا الف مبروك نشرها هنا

ام رناد 15-10-19 11:40 PM

ربنا يوفقك ومن نجاح لنجاح ❤❤❤

حنين الماضي2 15-10-19 11:46 PM

الف الف مبروك انك تكونى فى منتدى روايتى نور بلاك

هبة الله 4 16-10-19 02:13 AM

الفصل الخامس وهمى بكل ما تحمله الكلمه من معنى روعه روعه روعه

Mila Karm 16-10-19 04:33 PM

بالتوفيق روايه تستحق المتابعه 🌸

قبلة الفردوس 16-10-19 05:21 PM

نورى بالتوفيق يارب ودائما متميزة 😍😍😍😍


الساعة الآن 07:44 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.