هل شعرت من قبل وأنتَ مستيقظ بأنك داخل كابوس تتهاوى وتتهاوى من فوق جرفٍ عالٍ.. مستسلماً لمصيرٍ أسوء من الموت.. شُلّت إرادتك وعُتّم عقلك وكُتم صوتك.. وحتى اليد التي تمتد تحاول مساعدتك يخيل لك أنها مجرد دخيل سوف يؤلم أكثر مما ينقذك..
هكذا كانت تشعر هي عندما تواجها أخيراً منفردين وحيدين كلاهما متألم من الآخر.. نظر إليها بحزم نازف وبشعور رهيب يتهمها بالخذلان والخيانة..
أما هي كانت تنظر إليه بألم رهيب, بوجع أشد كمن ينتظر حكم الإعدام.. هذا ما تعرفه عنه.. ما تحفظه عن ظهر قلب ممدوح قد يسامح, يغفر, يتحايل ويمنح كل المبررات، يمرر لها كل أفعالها متعشماً فيها للنهاية.. حتى تضرب ضربتها الأخيرة.. فينهار كل جداره الخادع ويظهر وحشه المنتقم..
من السخرية النفسية البحتة أنها تذكرت هذا، والآن عقب ما كانت تنويه بتخطيط ماهر.. وبعد أن هزمت كل دوافعها وقررت البقاء هذه المرة بكامل رغبتها..
قطعت هي الصمت المرعب أخيراً وهي تهتف بلهجة متهمة يائسة: "من الظلم أن تعاقبني بحرماني منها"
للحظات طويلة ظل ينظر لها ما بين الجمود والتعجب الشديد من وقاحتها ..قبل أن يتحرر أخيراً من كل انفعالاته ليظهر شيئاً واحداً وهو الغضب وهو يهتف فيها: "ظلم؟! أو تمتلكين عيناً للتحدث عن الظلم؟!"
صرخت بقهر: "إنها ابنتي أنا.. ما الذي كنت تعرفه عنها؟!"
اندفع بشرر نحوها يقبض على ذراعها بعنف أصابها بذعر تصاعد بداخلها من جديد ذكرها بما كان منه في آخر مرة انتقم منها وفيها..
هزها وهو يصرخ بغضب أسود: "ومن حرمني المعرفة؟ من كان السبب في أن تكبر ابنتي وهي تعلم أن لها أب لا يحمل لها أي مشاعر ليكلف نفسه ويضمها إليه ولو لمرة.. تستعجبين أنتِ من تعلقها بي يا طبيبة؟! ألم تنتبهي لمرة لتبحثي عن دوافعها النفسية الطفولية ..لتترك كل عالمها ومحبيها فقط لتبقى معي؟! ألم يأتي لعقلكِ الأناني ولو لمرة واحدة أنها كانت تعوض حرمانها مني, تخاف أن أبتعد فأنساها من جديد ولا أعود.. انطفي هل فكرتِ؟؟"
صرخت بإحباط: "فكرت.. فكرت وأدركت المأساة متأخرة جداً.. ورغم هذا أنتَ أناني جداً بدورك لتقرر الانتقام مني بإبعادها.."
نزع كفه عنها وابتعد بمسافة كبيرة وهو يصرخ بعنف: "غبية.. غبية، حتى تفكيركِ أصبح غبي مثلكِ"
شهقت وهي تقول بهوس: "افعل ما تريده بي.. لكن إلا أمل.. لا تكن أنانياً"
أسند ممدوح كفيه على الجدار يمنحها ظهره, يبعد نظراته عنها كلياً وانخفض رأسه بين كفيه وهو ينهت بحرقة.. أنفاسه تذهب وتجيء.. جسده يتشدد، يتشنج ..ثم تجمد دفعة واحدة قبل أن يسترخي تماماً وكأنه يمارس حيلة نفسية ليستجلب الهدوء بعيداً عن عواصف غضبه المدمر كما الماضي.. ويبدو أنها نجحت أخيراً عندما اعتدل بعد دقائق يأخذ نفساً طويلاً وقرر المواجهة معها وهو يعيد وجهه الغير قابل للقراءة بشكل مطلق.. ثم قال وهو ينظر لجسدها المرتجف: "هل تخافين مني يا لورين؟ صعب عليّ التصديق، بل سأكون نفس الأبله الساذج الذي صدقكِ قديماً ..إذ أنكِ لا تضعيني في حساباتكِ من الأساس، دائماً أنتِ الأعلى قدراً.. الطبيبة العظيمة عالية المكانة.. الكاملة التي تفضلت ومنّت عليَّ بأن تسمح لي بأن أحبها!"
هزت لورين رأسها بيأس وهي تقول بحرقة: "أنت أناني جداً إن ظللت تنظر لي بهذه الطريقة ..مستحسناً شعور أنك المظلوم الوحيد هنا"
ضحك تلك الضحكة السوداء الساخرة التي تمقتها ..ثم قطب أخيراً وهو يقول متظاهراً بالسكينة، بينما عيناه المظلمة لم تقرب للهدوء بصلة: "أناني.. أناني.. كررتها كثيراً, هل هذا إسقاط نفسي يا طبيبة.. تتهميني بما تفعلينه أنتِ.. أنا الأناني؟!"
ارتعشت والضغط يجد له مكاناً ليزيد الألم داخل صدرها.. ورغم هذا لم ترد بل أطرقت في الأرض ترفض إخراج المزيد.. كارهة هذا الخنوع الذي يشل أوصالها.. هذا الندم الذي يعذبها ويضعفها..
هل تكرهه.. هي تكره ممدوح ..تكرهه بكل ما يعتمل داخل صدرها من الألم إذ أن حبه الذي يسيطر عليها.. حنانه الذي لاحقها به وأغدقه عليها الشهور الماضية.. كل هذا أصبح نقطة ضعف لديها ..وضعفها تجاه كل هذا جعلها تخسر كل شيء بنته لتقيم حواجز عالية بينها وبين كل إنسان..
معنى أنها تحبه فتضعف دوافعها، ليس له إلا نهاية واحدة، إن أصابها أي ضرر لن تستطيع هذه المرة ترميم نفسها بل ستنهار أخيراً مثل أي امرأة خانعة دمرها الحب..
ملعون هذا الذي يسمى الحب.. فبحجته صنعت أساطير الكذب.. وبررت الخيانة والغدر والكذب وحتى السرقة والقتل ودمرت ممالك مزدهرة.. فكيف لها هي أن لا تدمر وقد حاربت طويلاً جداً لأن لا تفعل وتنهار!
عندما يئس من ردها.. وجدته يقول بنبرة رجل يتألم: "أناني إن حرمتكِ منها ..وأنتِ ألم تكوني أنانية عندما فكرتِ في حرماني منها وحرمانها مني؟ بماذا كنِت ستخبرينها بأني تخليت عنكما وسافرت من جديد؟! ألم تكوني غاية في الأنانية والقسوة وأنتِ تقررين هروبكِ فتحرمين رجلاً تعذب وذاق الويلات باحثاً عنكِ ليلملم شتاته.. ألستِ محبة لذاتكِ معمية القلب عندما شرعتِ في البحث عن حياة تظفرين فيها بالراحة وأنتِ تضمين أملنا جميعاً.. تاركة خلفكِ شقيقتيِك اللتين ربيتهما تكويان بنيران الهجر.. أنانية؟! أنتِ من تقولينها بغاية الوقاحة وقد أصررتِ لآخر لحظة أن تحرمي فرح من الإنسانة الوحيدة التي تهدئ هلعها وخوفها حتى من أبيكِ.. أنتِ أكبر إنسان ظالم وأناني وجد على سطح الأرض"
كانت تستمع لكل لومه وجلده بصبر شديد ..مخبئة تحت طبقات من الغضب والثورة نيران التحدث عن النفس التي كتمتها لسنين..
حتى سمعت جزمه بأنها الأكثر أنانية... هي الأنانية أم العالم أجمع الذي ظلمها؟ هي الأنانية أم هم جميعهم عندما لاحقوها باتهامهم دون أن ينظر أحدهم لجراحها العميقة؟ من فيهم الظالم؟ من فيهم الجلاد ومن الضحية؟!
هل هو الكون أجمع الذي تآمر عليها أم هي خطة القدر الذي يرتب ترتيباته أم هو ابتلاء رب العباد الذي يجب أن تتقبله بصبر؟!
ولكنها تقبلت كل شيء, كبتت بداخلها أطناناً من الوجع، وأطلال من مدن الأحزان.. صمتت وصمتت وتقبلت ابتلاءً وظلماً بيّناً وراء الآخر.. دون أن تلوح بالجرح دون أن تطلب العون من أحد..
كل مرة كانت تعيد ترميم نفسها بنفسها، تنهض من بين الرماد وتعالج جراحها كما العنقاء لتولد بروح جديدة ..إلا أنها ما عادت تتحمل الاتهام، اللوم والعتاب.. لم يعد فيها أي قدرة للترميم الذاتي.
يجب أن يدخل أحدهم مدينتها، أن يتسلق أحدٌ أسوارها.. أن يحارب رجلٌ من أجل الوصول إليها.. يوقظها من سباتها العميق فيشعل أنثاها الحارة وروحها العاثرة ويحررها من الألم والبرود الذي غلفت نفسها به طويلاً علها تجد الحماية من الانهيار..
شعرت به يقترب منها مجدداً رغم بقائه مسافة آمنة ملتزماً بأن لا يلمسها بأي صورة.. سمعته يقول بجمود قاسي رغم اختناق نبرته: "عاجزة أنتِ عن إيجاد أي دفاع عن نفسكِ, لأن كل كلمة نطقتها لامست الحقيقة.. أم ستقفين متبجحة تنوين استفزازي لأقوم بعمل متهور، تأخذينه انتصاراً وتتحول الضحية لجلاد بكل قصص؟"
رفعت وجهها نحوه بشرر إلا عيناها بالحقيقة كانت ترى أبعد من صورة وجهه الماثل أمامها عندما صرخت فيه: "بل أمتلك الكثير مما غاب عن عقلك المظلم.. أمتلك دفاعاً أنكرتم جميعاً حقي فيه"
قال بخفوت غير عابئ بصراخها: "الخوف مني؟"
صرخت لورين من جديد بعنف أكبر: "بل الخوف من الثمن.. هكذا علموني يا ممدوح.. هكذا كبرت بين أبوين بالتبني منزوعة الوطن والهوية والهوى.. منزوعة الروح والاسم والتمني.. منزوعة حتى ذكرياتي عن أهلي"
كان متشنج بقوة إلا أنه كان ثابت بشكل يثير العجب، وكأنه يقصد الخوض بكل أسلحته الحادة داخل كل وشومها، يتلاعب بجراحها النازفة ويقصد استفزازها لأبعد حد ولكنها لم تلاحظ عندما تهكم: "أووه الآن أصبح خطأ من تبنياكِ وعاملاكِ بأفضل الطرق كابنة لهما؟!"
الصرخة هذه المرة كانت أعنف من كل مرة مضت بينهما، كانت صرخة استغاثة عاتية.. صرخت وصرخت بصوت مجروح حتى أنه شعر بلمسه في الأجواء التي حاوطتهما وكأن نزاعها المفتوح وصرختها المدوية أصبحت شيء مادي يلمسه بيديه, يراه يطوقها في هالة مرعبة.
:-"خطأ الظروف.. خطأ الهمج.. الغربان السود.. خطأ أيوب نفسه.. والملاجئ التي تلطمت فيها.. خطأ من؟ أتسأل؟
كيف لك أن تجرؤ حتى.. كيف تجرؤ ولم تعش ما عشته؟ أتعرف معنى أن تلقى طفلاً عارياً مما يستر بردك؟ أتفهم معنى أن تتلوى معدتك جوعاً ليلاً وتخشى السؤال لأن قوانينهم ترفض.. فتدفن وجهك ليلاً باكياً مرتجفاً خوفاً طالباً ذراعي أمك وأبيك.. ولم تجدهما"
ارتعش فم ممدوح وهو يقول بخفوت: "ربما لم أجوع، ولم أتعرى، ولكن ثقي أني أعرف معني الحرمان طفلاً من حنان أبويّ"
صرخت بنفس الجرح المتجسد حولهما يحيطهما من كل جانب بالألم: "لا لم تعرف.. لم تكبر على الامتنان لأن الغرباء آووك في منازلهم، وطالبوك بالثمن مستتراً ..شيء مقابل شيء.. والغاية تبررها أي وسيلة.. قدموا رعايةً وحناناً وطالبوني أن أمثل بجدارة أني ابنتهم المفقودة، بأني نسيت أمي وأبي وأخوتي.. انتزعت من كل هويتي العربية.. خلعت جلد قوميتي.. عريت نفسي من التستر من جلد وطني.. لا لن تفهم أبداً.. وكيف لك أن تعرف ..كيف ..كل شيء تقدمه يجب أن يدفع الثمن ..يجب أن يحدث.. حتى الحب ثمنه كسر الروح"
هتف بيأس غاضب: "لم أطالبكِ بأي ثمن عندما أحببتكِ"
بحت نبرتها وهي تصرخ وتصرخ بالمزيد: "كان يجب أن أدفع، حتى وإن لم تطلب ..قدمت لي وطناً افتقدته, حباً مجنوناً شغوفاً فاكتشفت بداخلي حرارة لم أعهدها, فأشعلت بداخلي الأنين والحنين.. أخرجتني من حالة تجمد طويلة وضعوني فيها لأجيد التظاهر وأمنح كل من حولي الثمن.. كان يجب أن أدفع الثمن وأعيد إليك قدميك حتى وإن كان رغماً عن أنفك!"
انمحت أقنعة ممدوح جميعها وهو ينظر إليها بذهول شديد، غير مستوعب هذا الاعتراف الذي لم يخطر في باله يوماً..
كرر بيأس: "لم أرغب منكِ بأي ثمن.. وجودكِ وحده في حياتي كان أعلى وأغلى شيء حصلت عليه يوماً، أنتِ كل ما أردت"
كانت تنتفض بشدة وعمق, تنزف من كل جانب دماء غير مرئية.. جسدها يتمايل بعنف.. إلا أنها تابعت وكأنها لا تراه، لا تفهمه، ولا تدرك إلا نظرة شاخصة للبعيد تدفعها لتفرغ كل ما في جعبتها: "أنا دمرت بأبشع الصور، وكل مرة كان يطلب مني التحمل لأن أسلافي فعلوا ..وأنا ما كنت إلا طفلة جاهلة تستحق التلحف تحت سماء وطن، أن تلعب في الحارة مع أولاد الجيران دون خوف من بندقية معتدي تفرغ في صدرها ..كل مطالبي كانت بسيطة أن لا أرى جدي يحترق أمامي حياً، أن لا ألمس أشلاء الرفاق بيدي.. أن لا أتوه في الصحاري عطشى.. كل ما أطلبه قطرة ماء تروي ظمأي.. تتحدث عن الأنانية!! من الأناني، أنا التي كنت أكتم جوعي بالنوم، أم عندما أتلحف بين ذراعي أبي من البرد لعجز الغطاء.. كيف لك أن تجرؤ لاتهامي وأنتَ لم ترى الدمار الأخير قريباً منك عبر كل نزاع لأبويك؟!"
صمتت لبرهة تبتلع ريقاً جارحاً ثم دبت على صدرها بقوة وهي تقول بألم: "لم أكن أستحق أن أعيش الهجر من جديد, التغرب عن أخي وتوأم روحي ..أن أحاصر في بيت زجاجي مطالبة أن أرمم جراح امرأة فقدت ابنتها ..دون النظر لجراحي الخاصة.. ثم صدمتي الرهيبة عندما علمت أن بعد كل هذا العذاب، أن والدتي التي كنت أرثيها بصحوي ومنامي عادت لأيوب بكل بساطة.. وحكمت عليها بحكم جائر يستنزفني ويهلك ما تبقى مني حتى هذه اللحظة.. وماتت، أعدمت بحكمي الخاص دون أن أطلب منها طلباً أخيراً يوجعني، رغبت فقط أن تضمني وتغني لي مرة أخيرة علّي أعود وأغفو ولو لدقائق تحت شجرة الزيتون، الطفلة الجميلة ذات الضفائر، نقية الروح، تأمل في الغد ولا تحمل بداخلها الفظائع.. لا لست ظالمة.. أنا مظلومة منكم جميعاً.. إذ لم ينظر أحدكم يوماً لما أكتمه حتى لا أؤذيكم به.."
ما تهلوس به كان يدفع حتى الحجر الأصم للبكاء.. كانت تبدو في هذه اللحظة امرأة مختلفة تماماً عن لورين التي يعرفها.. ضائعة, مشتتة ومجروحة للنخاع..
هو يعلم أنها تحمل الكثير بداخلها ولكنه لم يتخيلها بكل هذا الدمار.. ظل ينظر لها بصمت، ليس عجز عن تطبيب جراحها، بل رغبة في تركها تسرد كل ما مرت به من البداية علّ إفراغ كل ما في جعبتها هذه المرة، يصلح ما عجزت كلمات الحب والوعود عن ترميمه..
ظلت تنظر إليه بنفس الأعين المشتتة قبل أن تصرخ بوحشية: "عندما وجدتك وأحببتك.. أحببتك رغم الألف لا ولا التي وضعها عقلي.. مليون لا تحذرني من الاقتراب من أمثالك.. ورغم هذا اقتربت عارفة أنك ستقضي على المتبقي مني.. ولكني أحببتك ولم يكن لي حول ولا قوة لصد هذا العشق السام، سلمت آخر سطر متبقي مني، سمحت لكَ أن تلجأ إليّ، وأن ألجأ إليك ..فعلت ما فعلت وعشمت نفسي أنك ستفهم، ستغفر، ستحبني كما أنا بكامل جراحي.. ولكنك لم تفعل.. لم تفعل.. بل حطمتني.. اجتحت آخر شبر في أرضي كنت أخبئه داخل صدري لأحميه من اجتياح المحتل، ولكنك طلته واغتصبتني.. كسرت آخر جزء محميّ بي، هل تذكر هذا أم نسيت؟"
كبح ممدوح بلل جفنيه بقوة، بينما يختبر لأول مرة في حياته معنى صبر الإبل ..وشره الأسود للدماء، دمائه هو إذ أن رغبة واحدة ما تموج بداخله وهي الفتك بنفسه ناحراً عنقه أمامها علّ هذا السبيل الوحيد لتكفير خطاياه..
كررت لورين بقسوة وهي ترفع معصمها على وجهها تزيح بلله دفعة واحدة ..ثم أكملت سرد كل قصتها بنفس الصرخة الجارحة: "هل مازال لديك شك بالأنانية ..إذاً دعني أخبرك عن الألم الرهيب الذي كسر روحي، عندما اكتشفت ابنتك داخل أحشائي.. اسود العالم أجمع في وجهي، ما مررت به فور اكتشافي كان أسوأ حتى من انتهاكك لي.. هل تعرف لماذا؟"
صمت أيضاً، جامد الملامح صلب ومتحمل.. انخفضت نبرتها وهي تهمس بهذيان: "جزء مني ملعون بوشمك كان فرحاً أني حصلت على تذكار منكَ بالنهاية وأني لن أنساك ما حييت لأنك ستتجسد في ابني.. بينما جزء كرامتي وكبريائي كان يجلدني يعذبني كيف لي بالشعور بهذا الخزي أمام نفسي وروحي النازفتين فحدث ولا حرج.. لقد تشوهت.. فقدت كل ما أعرفه عني.. هل هذا كافياً لك وللجميع لتفهم لماذا عزلت نفسي في فقاعة خاصة، خائفة من الاقتراب من جراح أحدهم، ومرعوبة من أن يكتشف أي إنسان نفسي المشوهة؟!"
صمتت قبل أن تنظر إليه أخيراً بالفرج بعيني الحداد خاصتها، ثم صرخت بقوة.. صرخة زلزلت الجدران حوله.. صرخة أسد جريح يحتضر: "أبعد كل هذا تجرؤ أنت أو غيرك لتتهمني؟ هذا ظلم منك ..ظلم جائر جديد، تطالب به بأحلامك الخاصة، ولا تريد مني الصراخ بكوابيسي؟!"
هل لو رأت دموعه الآن ستعتبره ضعفاً جديداً ونقص تستغله ضده؟! أما زال يسأل بعد كل ما تفوهت به؟!
ما الحل ليشعرها أنه يقدر جداً كل حرف سردته، وأنه يشعر بها, يفهمها بكل وضوح وأخيراً يفك طلاسمها بكل سلاسة؟!
لم يجد حلاً إلا أن يندفع إليها بكل ما ملك من سرعة ويجذبها إليه بكل ما به من قوة ..يخبطها على صدره بكل ما يعتمل في عقله من وحشية المشاعر..
قاومته بعنف وشراسة وهي تبعد ذراعيه, تضرب صدره برأسها صارخة بصوت مبحوح اختنق وضاع من شدة ما مرت به: "ابتعد ..لا تقترب مني.. لم أعد أريد احتوائك.. كفى ..كفى.. لم يعد بي أي طاقة لجرح جديد أو لإصلاح آخر.. لقد استنزفت، والله أني استنزفت حتى النخاع.."
ذراعاه حاوطت كتفيها رغماً عنها, يدفعها بقوة إليه وهو يهتف بنبرة علت فوق صوتها حتى تسمعه: "لهذا أردتِ الهروب من البداية، خفتِ أن أطالبكِ بثمن جديد، يضعفكِ ويؤلمكِ"
كان جسدها قد همد تقريباً في مواجهته, كل دفاعتها أوشكت على تدميرها ليقبض عليها أخيراً عندما هتفت بنبرتها الجريحة تكرر بيأس: "يجب أن تفعل، كل هذا الاستقرار, الحب غير المشروط، السعادة التي استطعت أن توصلني إليها كانت غريبة المعنى ومريرة الطعم، فأنا لم أتذوقها من قبل دون توجس.. دون ترقب للشيء السيء الذي سيتبعها.."
ضمها إليه بقوة, دافعاً وجهها في كتفه عله يداري دموعه فلا تلمس ضعفاً لا تحتاجه في هذه اللحظة ..رغم أنه لم يكن جريحاً بل قلبه ببساطة يتلوى بالوجع من أجلها: "وهل هروبكِ هو الحل؟ هروب مرة أخرى يا لورين.. شتات من جديد؟"
رفعت وجهها بعيداً عنه وقد همدت كل مقاومتها.. تلقائياً رفع هو الآخر وجهه نحوها وأصبح كلاهما يواجه الآخر بدموعه دون خوف.. دون تستر أو زيف..
"خفت، هلعت أن تمس كبريائي، أنت رجل دمر المرأة بداخلي، ما زال يخيل لي عندما تلمسني أنك... أنك ما زلت هناك تنهشني"
صمتت وفكها يرتعش بعنف, تنتفض بقوة وهي تطرق وتحرك رأسها بالألم ثم همست بضياع: "أريدك.. يوم أن نُزِعتٌ من بين ذراعيّ أخي، وعدت إلى هنا, كنت مثل المجنونة أريد أن أعوض هذا الفراغ الذي تركه بأي صورة مع أي إنسان من دمي، لذا كنت أعد الثواني قبل الدقائق لأقف أمام أبي وأخواتي أو حتى أمل.. ولكني عندما عدت لموطنك، أدركت بيأس أني لا أرغب إلا في ذراعيك أنت.. أنت فقط"
جزت على أسنانها بقهر وهي تكور قبضتها تضربه على كتفه بقوة.. وكأنها تؤكد على المعنى الذي لا يحتاج الجدل..
قال ممدوح بلوم مس شغاف فؤادها: "ولهذا أردتِ البعد عني، عقاباً لشعوركِ بالضعف نحوي؟"
نفت وهي تهمس بتحشرج مصححة بخزي: "لقد خططت قبل الزواج منك أصلاً.. منذ عودتي ومطالبتك بفرصة أخيرة، نويت الغدر بك.. لأني ملكت مبرراً قوياً حينها بأنك تستحق العذاب"
ابتسم لعينيها الدامعتين، ولاعترافها القاسي وهو يقول بصوت أجش: "كنت أعلم من البداية، وأدركت كل كذبة خطها لسانكِ، ورغم هذا كل ما شعرت به ليلتها أني أردت أن أضمكِ"
هبطت دموع مريعة من عينيها من جديد وهي تقول مختنقة: "وهذا بالتحديد ما دمر دفاعاتي، حضنك مختلف دائماً ما يمنحني ما أبحث عنه ولم يفقد هذا يوماً.. لطالما أطلقت عليه بداخلي وصفاً مريحاً"
لمس طرف ذقنها وهو يقول بصوت أكثر هدوءاً: "هل يمكن أن أسأل ما هو؟!"
اختنقت وهي تهمس: "حضن من يفهم المأساة مختلف عن أي حضن آخر.."
همس بصوته العميق بينما رفع كفيه يمسح بهما دموعها ببطء: "من الجيد اعترافكِ بالنهاية أني أشعر بكِ"
ارتجفت شفتا لورين بتأثر من كل أفعاله وهي تقول: "إلا أني مهزومة.. ضعيفة وخائفة جداً.. لا أستطيع أن أكمل في صورتي الجامدة ولن أقدر على أن أكون مجرد امرأة مستسلمة للمصير المكتوب"
ما زالت يداه تلمسان وجنتيها وهو يحدق فيها بثبات ثم قال بقوة: "أنتِ منتصرة، محاربة بالفطرة ..لم أرى إنسانة أقوى منكِ قط.. تستمر الدنيا في توجيه صفعاتها إليكِ ولكنكِ كل مرة تقفين على قدميكِ وتثبتين لها أنكِ أقوى من كل خططها الدامية نحوكِ"
كررت بيأس: "وإن.. إن طالبتني بالثمن؟!"
شدد على جانب وجهها وهو يقول بحزم: "سأدفعه بكل رضا دفاعاً عنكِ ..لن أترك جانبكِ هذه المرة ولن أخيب أملكِ"
هتفت: "أعرف.. أعرف وهذا ما أبقاني بالنهاية.. راضية عن قراري.. مُصِرة على الإصلاح ..راغبة في العيش معك لا غيرك"
أطبق على وجهها كله بين كفيه بينما جسده يلامسها كلها دون خطر ولا خوف.. ثم همس أمام شفتيها: "وإن لم تريدي سأجبركِ لتعيشي معي، من أخبركِ أني كنت سأترككما، لا لم أكن لأطارد أمل وحدها بل أنتِ قبلها, فأعيدكِ إليَّ مرة واثنتان وألف حتى تسلمي لي بالنهاية"
نظرت إليه مضطربة الأنفاس هائجة الروح وهي تقول بيأس: "لن تعاتب.. لن تدافع عن نفسك وتبرر كل أفعالك ضدي بعد كل اتهاماتي؟"
هز رأسه نافياً بقوة بكل عزيمة وصرامة الرجال ثم هتف من بين أسنانه: "أنا أرغب في الإصلاح، في الترميم تحت أي بند، وأي صورة وأي حرب تقام ضدي.. ومن لديه هدف مثلي لا يهتم بمن كان الظالم ومن كان الضحية.. الجريمة حدثت وانتهينا.. كلانا ذاق مرها ولوع بجراحها.. لذا لم يعد يهم مطلقاً من كان الجلاد من الذي بدأ ومن الذي أنهى.. كل ما يهمني الآن هو هدف واحد لا غيره لن يثنيني عنه أي شخص بالدنيا وإن كان أنتِ!"
همست مقرة باختناق وكأنها كانت تتمنى أن يكون هدفه هذا شيء آخر: "العائلة أليس كذلك؟ لا تقلق, لن أسبب لك تهديد من جديد فأنا أنوي أخذ دوري في حياتهم من جديد"
ظل ممدوح يشدد على فكها, محاصراً عينيها بعينين خضراوين استعادتا عنفوانهما وإصرارهما المخيف ..حتى شعرت بالأنفاس تلتهب وتختلط بالذعر يعلو لدقائق بداخلها ثم يندثر.. وبوجهه يطبق على وجهها المرفوع بفعل يديه.. شفتاه تنهل من رحيق شفتيها المحمرتين المتورمتين بسبب البكاء الطويل.. حتى أحست به ينخفض بها شيئاً فشيئاً وكأنه سارق محترف يجيد خداع العقل والعين ليظفر بما يريد وقد كان هي عندما لفها كلها بكامل جسده..
قبلاته كانت يائسة بشدة, مريحة بشكلٍ مضني ..لا تقرب للحميمية بصلة وربما هذا ما أطفأ عقلها وطمأن مخاوفها فمحي الحذر وعلمت أنه سيتوقف من تلقاء نفسه عند إشباع روحه منها..
وجدت يديها تدار حول كتفيه تضمه إليها بقوة، رغبة في منحه ما يحتاجه دون أي أنانية، إذ أنه بدا أن هذا بإلحاح من طاقة جسده كما قبلاته وتواصله.. شعور بحاجة ملحة بداخله.. وكأنه.. كأنه يختبر مدى صدقها في قرارها بالبقاء وإنهاء مخاوفهما..
ورفع عنها رأسه أخيراً وبكامل إرادته دون أي مقاومة تبديها ودون أن يتحرك من فوقها أو يحاول تحيررها ..كان يقول من بين أسنانه: "ساذجة وطفولية.. إذ أنكِ لم تدركي أن مطامعي فيكِ تزداد يوماً عن يوم"
همست بنبرة مبحوحة بالكاد وصلت مسامعه: "أخشى عجزي عن منحك ما تحتاجه يوماً ..هناك فجوة غائرة في قلبي"
أنفاسه كانت مضطربة هائجة عندما قال بحزم لا يقبل النقض: "سأملأها بأنثى حارة جداً ..أنثى عربية الدماء قيدتها الباردة لوسيرو بين ثناياها"
هاجت ونبرته تدغدغ قلبها المتوجع بنعومة تسكنها.. همست بخفوت: "وما هو مطمعك الجديد؟"
برقت عيناه بقوة تشع بلهيب أخضر فعل بداخلها الأفاعيل خاصة عندما أطبق على جانبي وجهها بكفيه وهو يقول بثقة: "حبكِ.. حبكِ.. وسأظفر به بالنهاية.."
وجدت نفسها تضحك بقوة تلقائياً.. ضحكة أزعجته لذا وجد نفسه يحاوط جانبي عينيها ممسداً انتفاخهما المريع وهو يهدر: "ستحبيني بالنهاية حباً مجنوناً عاصفاً، لا يخضع للمنطق، لا يقيد بالقوانين ..حباً غير مشروط بثمن مقابل.. حباً أنانياً ينهل مني بجشع غير مرتعب من النتائج"
لمع شعور ممتع داخل عينيها شعوراً حاراً لاذع المعاني، وكأنها تقرر منحه مكافأة عظيمة لصموده أمام حربها الطويلة ..لخذلانه لها في ثقته السابقة بأنه ينوي الانتقام منها.. شددت هي الأخرى على وجهه بيدين قويتين ثم هتفت بنبرة خرجت أجشة بسبب اختفاء ملامح صوتها أثر صراخها الطويل: "أحبك.. أقسم بالله أني أحبك.. متى سوف تقتنع بها.. أحبك ولم أحب غيرك، ولن أفعل أبداً حتى مماتي.. أعشقك، وأعشق كل ما تفعله لأجلي، مغرمة بكل محاربتك لنفسك قبل محاربتي، فخورة ومُلِئت بالغرام لهزيمتك لنفسي.. لا تشك بهذا ولو لحظة، ما أبقاني بالمقام الأول هو اكتشافي أني لن أقدر على المواصلة بدونك"
ارتخى كفاه من تشددهما حولها وهو يحدق فيها مبهوراً ..فاغراً فمه قليلاً ..بينما عيناه تجولان على ملامحها بنهم وكأن كل فتنة الأرض تجمعت فيها..
أسبلت أهدابها تقطع نظراتهما وهي تقول بتوتر أنثوي: "لا تنظر إليّ بهذه الطريقة ..وكأنك طفل مسكين نال أول استحسان من أمه القاسية ..أممم أبدو مريعة على كل حال"
ضغط عليها بشدة قاصداً حركة معينة دفعتها بكل سهولة لأن ترفع جفنيها بسرعة تحدق فيه بتوتر.. فهمس بشوق رجولي عابث: "أقسم بالله لم تكونى أكثر جمال قبل هذة اللحظة ...........كل اعترافاتكِ السابقة مجرد هراء طار من أذنيّ عقب قولكِ.. ولكن اليوم وفي هذه اللحظة ..أقسم أنه تغلغل في قلبي وسكن بداخلي معمراً قصراً جديداً يحتويكِ وحدك... مثيرة كل جزء من جسدي, مطالباً بكِ حد اليأس أن أضمكِ وأقبلكِ.. فأنهل من الشوكولاتة حتى أمتلئ بالتخمة.."
عقدت حاجبيها لدقائق لم تفسر فيها تشبيه الشكولاتة هذا.. ورغم رغبتها العميقة في السؤال وترك نفسها بين يديه علّها تجد الراحة وتتغلب على رعبها من الجانب الجسدي.. ولكن كان لذعرها القول الفاصل عندما همست باختناق: "لست مستعدة لهذا، أحتاج للكثير من الصبر، أن أحارب نفسي لأتغلب وأمنحك ما تريده، ولكنك أيضاً تحتاج لمحاربتها معي!"
قال بتحشرج: "لا بأس، كان مجرد فكر منحرف أردتُ أن أشتتكِ عبره، ولكني غير متعجل بتاتاً.. لديكِ كل الوقت الذي تحتاجينه"
تهربت بعينيها كما قولها وهي تهمس: "ما أحتاجه الآن هو حمام طويل جداً وتمشيط شعر الشيتا كما قالت أختك"
وقف ببطء من فوقها وكأنه يتنازع لأن لا يفعل.. ولكنه انحنى أمام احتياجها بالنهاية.. ثم جذبها برفق لتعتدل وهو يقول: "انسي أختي، وقولها الغيور لأني حصلت على ابنة وزوجة لا تحلم أن تكون مثلهما يوماً"
ضحكت ببؤس وهي تنظر إليه بطريقة معينة ثم قالت: "هل تصدق نفسك؟!"
قلّب عينيه عليها وهو يقول بصراحة: "بالطبع لا، ولكني اكتشفت أنكن تحتجن للغزل والتفخيم ولو كذباً طوال الوقت"
أطرقت بوجهها باسمة ولم ترد ثم انسحبت بخطوات مترددة نحو الغرفة.. ولكنه أوقفها وهو يقول بهدوء مناقض لتوتر نبرته: "وعدتكِ أن لا آخذ منكِ أكثر مما أنتِ مستعدة لمنحه، ولكني أحتاج في هذه اللحظة أن أشارككِ.."
اضطربت بقوة وهي تسأل دون أن تلتفت إليه: "تشاركني ماذا بالتحديد؟"
نبرته كانت قاطعة ومتسلطة بشدة، وكأنه يلقي أمراً لا مجرد طلب من حقها قبوله أو رفضه ..نبرة رغم نفورها من أي شخص قد يخاطبها بها إلا أنها أصابتها برجفة للنخاع.. تغذي فيها شعور جاحد بيأسه إليها، بشوقه المستعر لها ..بأنها ورغم حالتها المزرية تلك تبدو لعينة أجمل النساء وأكثرهن إغراءً..
:-"كل شيء تنوين فعله أريد المشاركة فيه، حتى أضعكِ في الفراش بيدي ثم أضمكِ عارية تماماً بين ذراعيّ"
انتفضت لورين بعمق وتاهت عيناها في محجريهما ..خائفة مضطربة و... وفضولية بشدة لما سيقدر على منحه لها من جديد..
أومأت عاجزة عن قولها بالنطق.. فشعرت بأنفاسه كما ذراعيه تلف خصرها بتشدد وبيده تجردها ببطئ من ملابسها في صمت تام وأنفاس ملتهبة تتبادل بالأخذ والعطاء..بالخوف و الطمئنينة ، مستسلمة هي .. لتخطو معه لدنيا جديدة كلياً أبعد من كل حدود العالم الضيق الذي حشرا فيه معاً..
.................................................. .................................................. .........................
انتهى :syriasuperstarra8::syriasuperstarra8::syriasupers tarra8::syriasuperstarra8::syriasuperstarra8:
قراءة سعيدة
الطلب الى تحت دا أنا مليش علاقة بيه دا طلب المدققة والأم الروحية للورين "رفيدة مناصرة" 👇👇😂😂 فأعتذروا بالتى هي أحسن
أخيراً ليّا عندكم اعتذار حار للورين على الشتايم الي اتشتمتها امبارح, 300 اعتذار وأسماءكم وسيديهاتكم كلها عندي....................