آخر 10 مشاركات
10-الحب الحقيقي -روايات نسمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          2-لقاء وفراق-روايات نسمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          القلب النبيل - للكاتب مجدي صابر - روايات ندى (الكاتـب : Just Faith - )           »          حصريا .. رواية وجدتك للكاتب مارك ليفي** (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          أحلام بلا حدود - باتريسيا ويلسون - أروع القصص والمغامرات ( إعادة تنزيل )** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          السحر الأسود - صوفى ويستون - أروع القصص و المغامرات** (الكاتـب : angel08 - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          قساوة الحب - أروع القصص والمغامرات** (الكاتـب : فرح - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          سيد القصر - جيم آدامز - غولدن كايدج** (الكاتـب : angel08 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-04-20, 01:53 PM   #21

طُعُوْن

كاتبة بمنتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية طُعُوْن

? العضوٌ??? » 328503
?  التسِجيلٌ » Oct 2014
? مشَارَ?اتْي » 648
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » طُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يامقيدني وأنا حر الجناح..لآتبعثرني وأنا بك ممتلي..!
افتراضي


الجزء 11



بعد الظهر ، لا تبدو أية علامات رِضا على وجهه ، ملامحه غير مُريحة ، يجلِس في مكانه ، ظهره مستند إلى خلفية كُرسيه الدوّار ، الذي يدوّره إلى اليمين و اليَسار مراراً و تكراراً ، نظرات تحمل معانٍ غير مفهومة يُرسِلها إلى ذلك الرجل الجالِس أمامه ، ينتظر أي كلمة منه ليعرِف سبب وجوده هنا .. لاحظ يحيى نظرات عزيز المتكررة له ، تِلك التي تحذّره من أن يكون متعجرفاً ثانية ، و تحذره من إساءة استخدام منصبه للمرة الثانية ، تجاهلها ، تنحنح و هو يقول : أيـوه يابو طارِق .. طلبت مني ما آجي بيتكم ، صح ؟
هزّ رأسـه بالإيجاب ، بثقة مزعومة حاول أن يُظهر من خلالها عدم خوفه ، يُمعِن يحيى النظر في عينيه ليُربِكه ، كأن يُخبره لا تحاول أن تخفي عني أمراً ، فأنا أعرِف تماماً كل ما تحاول تغطيته خلف تِلك الثقة المتكلّفة ، نِصف ابتسامة بَرزت على شفتيه ، إذ نجحت نظراته الحادّة في تشتيت انتباهه ، و تضليل ثقته بذاته ، دون أن يُغيّر مسار عينيه ، بحدّة : عَزيز اتركنا بروحنا ..
يرفع رأسـه من الورقة التي كان يقرأها ، ينظر إليه باستفهام لمدّة ثوانٍ ، لم يلتفت خلالها يحيى إليه ، يُطلِق زفيراً ، يأخذ جوّاله و يخرج من الغرفة ، تتبعه عينا أبو طارِق ، متسائلاً في داخله عن سبب إخلائه للغرفة ، بنبرة جَهورية ينتفِض منها أبو طارِق ، يقول يحيى : كأنّك نسيت يابو طارِق ..
أبو طارِق : وش نسيت ؟
يحيى ، يقترب من الطاولة ليستند بكوعيه إليها ، يشبك أصابعه و يقول بصوت خافت : متوقع إني نسيت وش سوّت بنتك معاي ؟
ترتبك الكلمات لتعجز عن الخروج من بين شفتيه ، يُردِف يحيى : ما توقعت تسكت على هالشي ، بس انصدمت ، شلون سمحتلها ؟
أبو طارِق : متوقّع مني إني لـو أبغى أحاسبها ، بحاسبها قدّامك ؟ بعدين يا سيّد يحيى انت اللي بديت تقول كلام ماهو موزون بحقها ..
يَرفع حاجباً و هو يبتسِم بغير إعجاب بكلامه : يعني الحين إنتَ ضدي !
ينهض أبو طارق عن الكرسي و يقول بنبرة حادة : سيد يحيى ما أتوقع إنك جايبني هنا عشان تتكلم فـ موضوع بنتي ! لو ما عندَك شي ثاني اتركني أمشي ..
يحيى : أنا فعلاً ماني مصدّق إنّك صرت ضدي !
أبو طارِق : والله أنا اللي مو مصدّق حجم ثقتك بنفسك يوم تتوقّع إني راح أوقف معاك ضد أولادي !
يعبس وجهه ، يقول بجديّة : أبغى أعرف وش اللي بينك و بين بـو فهـد .. وش سبب حقدك عليهم ؟
يجلِس أبو طارِق مجدداً ، يبتلع ريقه : قلتلك المرة اللي فاتت ، ماني مرتاح لهالجماعة .
يحيى : انت عارف إن ماهو هذا الجواب اللي أبيه ..
ينظر إليه باستفهام ، يتساءل بنبرة حادة : وش تعرف عن مشعل شهران ؟
أبو طارق : وش اللي بعرفه يعني ؟ نفس اللي تعرفوه !
يحيى : مالك علاقة باللي نعرفه ، أبي أسمـع اللي تعرفـه إنت ..
تتشتت نظراته في الغرفة ، و هو يجيب بارتباك : ماني فاهم بالضبط وش اللي تسألني عنه ، ايش اللي تبي تعرفه ؟
هزّ رأسـه و هو يتنفّس ليحظى ببعض الصبر ، يُطلق زفيراً و يقول و هو يترك مكتبه ليقترب منه : طيب ، راح أشرحلك سؤالي أكثر ..وش تعرف عن حياته الشخصية ؟ شغـله ؟
أبو طارِق : كان يشتغل سايق عند رجل أعمال .. و كان رجال بسيط مثلنا مثله ..
يتكتف يحيى : بو طارِق ، إنت قاعِد تراوِغ .. دام كلامك صحيح وش اللي خلاك تكرهه ؟ ايش تعرف عنه خلاك تغير موقفك تجاهه ؟
أبو طارق : يا سيد يحيى أنا هذا اللي أعرفه ، و اللي خلاني أبعد عن هالجماعة هو يوم مقتل مشعل قلت مستحيل ينقتل إلا لو كـان في شي وراه ، و ولده أثبت هالشي يوم تغير حاله و ترك الحارة .. هذا كل اللي عندي ..
نظرات يحيى توحي له بأنه لم يصدّقه ، جاء صوت لم يسمعه منذ زمن ليُنقِذ الموقف ، يقول بنبرة جهورية : السّلام عليكم ..
يلتفت كليهما إلى الباب ، لينهض أبو طارق من مكانه و يثبت نظراته نحو فهد و يتأمل تغيره ، يرد يحيى و هو يتنقل بالنظرات بينهم : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
يقترب بخطوات ثابتة ، يصِل ليقف مواجهاً لأبو طارق ، يقول بخفوت : شلونَك عمي ؟
ثوانٍ من السكون عمّت الغرفة ، ينتظر كلاً من يحيى و فهد رد أبو طارِق ، إلا أنه في النهاية تجاهل سؤاله ، التفت إلى يحيى : سيد يحيى تبون مني شي ثاني ؟
عاد للجلوس خلف مكتبه ، أجاب : مع السلامة ، خليك تحت الطلب ..
رمق فهد بنظرة غير مفهومة ، ألقى السلام و خرج مسرعاً ، بينما تقدم يحيى ليجلس مكانه و يتساءل : وش كان يسوي عمي بو طارق عندك ؟ وش تبون منه ؟
يحيى : هذا شي ما يخصّك ..
فهد باندفاع : شلون يعني ما يخصني أكيد الموضوع له علاقة بقضية أبوي !
يحيى بحدّة : أنا اللي أقرر وش اللي لازم تعرفه ، الحين أبغى أعرف ليش أخفيت الفلاش ميموري ؟
عقد حاجبيه باستغراب : أي فلاش ؟
يحيى : لا تسوي نفسك مو عارف ، الفلاش اللي لقيناها أمس بالتفتيش ..
فهد : شلون قاعد تقول إني أخفيتها و إنتوا خذيتوها معاكم !
هزّ رأسه بتأييد : صحيح ، و أنا أعطيتها لزميلي عشان يفتحها ، بس مدري منو أرسل رجاله عشان يضربوا إبراهيم و يسرقوا منه الفلاش..
فهد : و أنا وش علاقتي بهالموضوع ؟ شفتني تعرضت لكم لما قلتوا بتفتشوا البيت ؟؟
يحيى : ما تعرضت لنا ، بس إنت قول ، الفلاش ما انسرقت إلا لأن فيها معلومات مهمة عن أبوك ، يعني اللي سرق له علاقة بالجريمة ، شلون القاتل عرف إننا أخذنا الفلاشة من عندك ؟ ما كان في بالبيت إلا أنا و زملائي ، و إنت و هذي المرافقة ، من وين القاتِل عرف ؟
شَرد ذهنه و هو يفكّر بياسمين ، تذكر حين أغلقت الخط بارتباك في الليلة الماضية و هي تحدث سُلطان ، قاطع تفكيره يحيى : فهـد ، لا تغلبني ولا أغلبك ، وين الفلاش أخذتها ؟؟
فهد بانفعال : قلتلك إني ماعرف شي عن هالموضوع !
يضرب الطاولة بكفه ، ينهض و هو يصرخ بأعلى صوت : أبي أعرف وين راحت ، ما بتركك إلا لما تقول ، و اسأل عني يا فهـد !
ينظر إليه ببرود ، يقول : إذا انتهت أسئلتك اسمح لي ، عندي شغل ..
يجلس بعد أن يلتقط أنفاساً متتالية ، يقول : ما راح أمضي موضوع الفلاش على خير ..
فهد : ما طلبت منك تمضيه على خير ..
يحيى بغضب يحاول أن يكتمه : طيب يا فهد ، الحين أبغى أعرف كل شي عن شغلك ، و مع منو تشتغل ، و ليش سافرت لروما ..
فهد ببرود أعصاب : و هذي الأسئلة وش علاقتها بمقتل أبوي ؟
يحيى : جاوب على قد السؤال ..
أخذ نفساً عميقاً ، ثم قال : طيب ، أشتغل في قسم المحاسبة بشركة هنا في الرياض ، و اللي دبرلي الوظيفة عمر حرب اللي كان أبوي سايق عنده ..
يحيى : و سفرك لروما ؟
فهد : سافرت عشان أغير جو ، ممنوع ؟؟
ارتخى يحيى في جلسته : لا مو ممنوع ، بس من وين جبت فلوس تسافر و تغير بيتك ، و تشتري سيارة ؟
فهد : من أبـوي ، أبوي كان مخبي فلوسه عنا عند السيد عمر ، و يوم مات عمر ردلي الأمانة ..
أخذ شهيقاً طويلاً ، و بنفاد صبر : تبيني أصدق كلامك ؟
فهد ، يرفع حاجبه الأيسر و يقول بسخرية : و ليش ما تصدق مثلاً ؟
يحيى : لأن كلامك ماهو منطقي ..
نهض عن الكرسي ليهم بالخروج : والله منطقي مو منطقي ، هذا اللي عندي ، عندَك دليل إن كلامي كذب ؟
يحيى بهدوء ، يميل رأسه و يتفحصه بنظراته : المشكلة إني ما عندي دليل ..
فهد : أجل اسمح لي أمشي ، أتوقع خلصت أسئلة ..
ظهرت ابتسامة جانبية على طرف شفتيه ، لم يفهم فهد مغزاها ، هزّ رأسه يحيى و هو يقول : الله معك ، و مثل جارك بو طارِق ، خليك تحت الطلب ..

خرج دون أن يلقي السلام ، يمتلك ثقة مرعبة في ذاتِه ، لست مقتنعاً بكلامه لكن ثقته تخرسني ، كل المجرمين الذين قابلتهم في مسيرتي القصيرة ، كنت أستطيع أن أقتنص الكذب من أعينهم ، أو من اهتزاز نبرات أصواتِهم ، أعرف يقيناً أنّك تكذِب ، لكنّك محترف جداً ، يبدو أنني سأستهلك طاقة مضاعفة معك ..


،,


لا أعلم إن كنت محقة فيما أفعل ، تِلك القوّة الخفية التي سارت بي إلى هنا ، أراها الآن توهنني ، توهن قلبي الذي لم يعد يجرؤ على رؤية وجهه الذي مُسِح بملامح الغضب و القَسوة ، قلبي الجبان عن الابتعاد ، أتراني للتو أصحو ؟ ما الذي قادني إلى أمام بيتِه ؟ كيف نهضت من سريري ، سرحت شعري و ارتديت ثيابي ، وضعت نقابي ، كيف سارت السيارة تلك المسافة دون أن أشعر ؟ أنا هنا ، قدماي تخذلانني ، تمشيان إلى ما لا رغبة لدي فيه ..
ارتفعت عيناها إلى نافذة غرفته المغطّاة بستارة ذات لون بني ، تنهّدت في أعماقِها و هي تسير بتردد نحو الباب ، تراجعت أصابعها عدة مرات عن قرع الجرس ، لتقرعه أخيراً بيد مرتجفة ، تفرك يديها بتوتر ، تتشابك أصابعها دون سيطرة منها ، الخوف يستدعي جسدها ، لتلتفت بسرعة للرحيل ، إلا أن صوتًا استوقفها : جيهان ..
أخذت نفساً عميقاً ، رسمت ابتسامة مزيفة و هي تلتفت لتسلم على سحر : شلونك سحر ؟
تنظر إليها باستفهام : كويسة ، وش فيكِ ليش كنتِ رايحة ؟
اصطدمت شفتيها ببعضهما بارتباك : ما في شي ، بس كنت بزور إبراهيم بعدين قلت يمكن نايم مابي أزعجه ..
سحر : لا لا قاعِد بغرفته و أمي عنده اهية و عَروب ، فوتي اتفضلي ..
جيهان : طيب أمر بعدين لازم يرتاح ..
تتقدم سحر لتسحبها من يدها : وش فيك جيهان تعالي !
تدخل برفقتها بخطوات مترددة ، ابتسامة خجولة تظهر على شفتيها ، تستشعر سحر ارتباكها ، ترافقها ببطء حتى تصل إلى غرفة إبراهيم ، تطرق الباب ، تمد رأسها لتقول : برهـوم ، في ضيف جاي يزورك ..
تتجه أنظارهم جميعاً نحو الباب ، لم يفاجئ قدومها أم إبراهيم و عروب ، أما إبراهيم ، فلم يتوقع أن تنظر حتى إليه بعد مكالمته القاسية الأخيرة ، ارتخت نظراته للأسفل و هي تدخل ، تنهض عروب و والدتها لتسلمان عليها ، تبادلهما التحية بخجل ، تقِف على بعد من سريره ، تسأله من تحت نقابِها : شلونك ؟
إبراهيم دون أن ينظر إليها : الحمدلله ، الله يسلمك ..
تُشير أمه إلى ابنتيها لتُخليان الغرفة ، يخرجن و يغلقن الباب ، تتقدّم جيهان قليلاً لتجلس على الكرسي المجاور لسريره ، يقول بخفوت : ما توقعت تيجي !
جيهان : ضايقتك ؟
يطلق تنهداً طويلاً ، يبعد اللحاف عن قدميه ، يقترب من كرسيها بحركة تفاجئها ، تتسع عينيها و هو يفكّ نقابها عن وجهها ليقول : ماله داعي هالحركات ..
جيهان : أي حركات ؟؟
إبراهيم بضيق : أول شي تقولي مابي أتصل فيك لأنك غريب ، و الحين جاية تزوريني حتى النقاب ما رفعتيه تراكِ للحين زوجتي ! ليش تزوريني لو شايفتني غريب فعلاً ؟
تنهض عن الكرسي : تدري واضح إني كنت غلطانة يوم فكرت أزورك !
يضغط بيده على يدِها لتجلس من جديد : اقعدي قاعِد أكلمك !!
جيهان : وش تبي ؟؟ أنا جيت أزورك عشان عمتي ما تقول إني ما اهتميت ، مو أكثر .. لا تفهم الموضوع غلط !
إبراهيم : يعني مصرّة عالطلاق ؟
ابتلعت ريقها ، التزمت الصّمت ، يبتسِم إبراهيم : عارف إنك تبيني ..
جيهان : لا تكون مرة واثق ، خاصة بعد المكالمة الأخيرة .. مو قلت إنك ما تحبني ؟ وش تبي مني ؟
تحولت ابتسامته لعبوس ، قال بعدها : مابي أظلمك ، كل الموضوع إني مابي أظلمك ..
ترفع حاجبيها ، لتقول بنبرة مجروحة : ظلمتني من يوم ما عقدت علي و إنت ما تبيني ، و لو تسوي أي شي الحين ما بيكون منه فائدة ، أنا عشان حضرتك تتسلى ، راح أصير مطلقة ..
إبراهيم : بس أنا ما كان هدفي إني أتسلى يا جيهان ، يعلم الله ما كنت رايد إلا الخير ..
جيهان بحدة : أجل ليش خطبتني ؟ ليش سويت هالشي فيني ؟ ماني مقتنعة بأسبابك ، عندَك اللي يخليك تكرهني ، و الرجال ما يكره حرمة إلا لو في حرمة ثانية بحياته ...
يرفع نظراته لها بدهشة ، كأن ذهوله توثيقاً لشكوكها ، تبتسم بسخرية و تقول : الظاهر إني حزرت ..
تنخفض أنظاره مجدداً يقول بصوت مكتوم : فـ حياتي ما فيه غيرك يا جيهان ..
جيهان : و قلبك ؟
يمتنع عن النظر إليها ، يعرِف أن عيناه لم تكن يوماً وفيتان إلى أسراره ، تفشيها بسرعة و دون تردد ، تنهض جيهان : واضِح إن علاقتنا ما في منها أمل ، الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم ، ما تشوف شر ..
لم يستطِع لسانه أن يجِد حروفًا يجمعها ليرد عليها ، يعلم أنه مهما قال و لو جمع أشعار العالَم أجمعين ، لن تكون كافية ليعتذِر لها ، رَفعت نقابها لتغطي وجهها ، بعد تيقّنها من معالِم وجهه و ضيقِها أنه لن يرد ، استدارت نحو الباب ، ألقت نظرة أخيرة إليه ، لم يُبادِلها النظرات ، كان احمرار وجهه رغم برودة الجو خير دليل على اضطرابه ، أغلقت الباب خلفها ، ضَياع تام يحيط بها ، رغم معرفتها القوية بمكانها و زمانها ، إلا أنّها تَسير في متاهة لا تعتقد أنها ستجد سبيلاً للخروج منها أبدًا .

،,


ابتعد عن شاشة الحاسوب بإرهاق و هو يفرك عينيه بتوتر و تعب ، تأفف بملل و عيناه تشعان غضباً و حقداً ، صرخ يُنادي : مـاجد ..
اقترب ماجد بسرعة : نعم أستاذ سلطان ..
ينهض من مكانه ، يقترب بحركة مريبة نحوه و هو يقول : أبي واحد يخترق هالفلاش ! ماني قادر أعرف وش كلمة سرّها !
ماجد : تآمر طال عمرك ، اليوم ألاقيلك واحد يخترقها ..
سُلطان : مو بس يخترقها ، أبغاه يكون أمين ، يعني بعد ما يخلص شغله معانا ، ينساانا تماماً .. مفهوم ؟ مابي ولا غلطة !
ماجد يهز برأسه : أن شاء الله تآمـر أستاذ سلطان ..
أشـار بإصبعه له لينصرف ، ترك ماجد المكان ، عاد سلطان ليجلس مكانه ، لم يكن التوتر ذلك كله لأجل مجرد قطعة توضع في جهاز ، بل كان هناك ما هو أكبر من ذلك ، اقترب بجسده ليتناول جوّاله عن طاولة المكتب ، ثم عاد ليستند إلى ظهر الكرسي ، يفتح الجوال ، جهات الاتصال ، يتمعن جيداً في الأسماء قبل أن يضغط زر الاتصال ، من يجب أن أحدث الآن ؟ فهـد ؟ أم ياسمين ؟ أم ابني يحيى ؟؟ ما نهاية التحقيق الذي أجراه ابني مع فهد ، و هل تصرّف فهد كما يجِب ؟ أخذ نفساً عميقاً و هو يضغط على اسم ياسمين ، ليتصل بها ، عدّة رنات سمِع أنغامها ، أثناء خروج ياسمين من غرفة أم فهد ، لترد أخيراً بصوت هامس : هلا سلطان ..
سُلطان : وش صار معك ؟
ياسمين : في شنو ؟؟
سُلطان : فهـد ، وش صار معاه ؟ رجع من المركز ؟؟
رفعت كتفيها بجهل ، ثم قالت : مادري ، قال إنه بيروح المركز و بعدين شغله في الشركة ، يعني مادري إذا لسا في المركز أو لا !
هزّ رأسـه ، أنفاسه المتسارعة كانت قوية الصدى لدى ياسمين ، التي تساءلت : سلطان ، صاير معاك شي ؟
سُلطان : خايف من فهـد ..
ضحِكت بعدم تصديق : إنتَ ! شُلطـان الغـانِم ! خايف من فهـد !! ليش وش بيسويلك فهد ؟
ارتطم فكيه ببعضهما ، يجيب من بين أسنانه : يا غبية ، فهد الحين عندي ولدي ، ولدي المحقق ، خايف ينتقم منا و يقول له على كل شي !!
ياسمين ، تفكّر لثوانٍ ثم تجيب : لا لا مستحيل ، لو بيقول شي راح يتورط معاكم ! أكيد ماهو غبي لدرجة يترك أمه في المستشفى بدون علاج عشان ينتقم و بس !!
تنفّس براحة ضئيلة تسللت إلى أعماقه ، ليقول بعدها : هذا رأيك ؟
ياسمين : أيـوه هذا رأيي ، أقـول ارتـاح ولا تفكّـر بالوساوس هذي .. فهد صار معاكم و ما منه خوف .. الحين بروح لازم أقعد عند أم فهـد ، لا تحس علي !
سُلطان : أيوه انتبهي ما نبي مشاكل ، و إذا صار شي جديد فوراً تبلغيني .
أغلق الخط ، تنقّل بين الأسماء مجدداً ليتصل بعمر ، عمر : هلا يا سُلطان وش الأخبار ؟
سُلطان : الفلاش ميموري اللي أخذناها من المحقق طلع عليها كلمة سر و للحين ماني عارف أفتحها .. أبغى أعرف بس وش مخبي مشعل فيها !!
عمر : لا تحاول كثير تحط كلمات سر من دماغك بعدين تقفلها عالآخر ، جيب مختص يفتحها و انتبه نبيه يفتحها من دون ما نخسر المحتوى اللي داخلها !
سلطان : طيب طيب ، بس وش تتوقع مشعل مخبي فيها ؟
عمر : والله يا سلطان ما ادري ، احتمال كبير يكون كاتب كل شي عنا أو صور أو مادري ، مشعل ماهو سهل يا سلطان ..
ابتلع ريقه : و أنا بعد قلقان ، الزفت فهد عند ولدي يحيى و خايف يقول شي !!
عمر : ما رح يقول شي ، وش بيقول يعني ؟ ماله داعي تظل خايف منه ، ما رح يقدر يتكلّم عن شي لأنه صار متورط معانا ، ناسي وش ماسك عليه ؟
سُلطان : أهم شي عندي إني مابي ولدي يدرى بشي ، مابي صورتي تهتز قدّامه !
عمر : لا تخاف ، فهد ما رح يتجرأ يقول أي شي ، المهم وش صار الحين بموضوع المناقصة ؟
أخذ نفساً عميقاً ثم أجاب : فهد الحين في الشركة ، و قاعدين نستنى عقد الاجتماع بخصوص هالموضوع ..
عمر : متأكد إن فهد رح يحضر الاجتماع و يجيب لنا الرقم ؟
سلطان : طبعاً ، أنا عينته فـ موقع مهم في المحاسبة ، و ضروري يحضر اجتماعاتهم ..
هزّ رأسه : لعله خير ،
سُلطان : متى جاي المملكة إنت ؟
عمر : قاعد أجهز أموري يعني يبيلها يومين ثلاثة ، و انت لا تنسى ترسل خدم ينظفون البيت ، بنتي جاية معاي ..
لَمعت عيناه ، ابتسم ثغره : ديانا جاية معاك ؟
عمر بنبرة حادة : حَسْنـاء ، كم مرة قلنا ؟؟ لا تغلط !!
سُلطان : أيوه أيوه غاب عن بالي اسمها الثاني هذا ، خلاص ولا يهمك بيتكم راح يكون نظيف و جاهز و ينتظر وصولكم ..
عمر : ما تقصر يابو يحيى ، رح أبعثلك يوم و ساعة الوصول عشان ألاقيك في المطار .. تيجي أو ترسل لي فهد ، مفهوم ؟
سلطـان : طيب ، اتفقنا .. مع السلامة ..
وضع الجوّال فوق الطاولة ، عيناه تشعان بمعانٍ كثيرة لا حصر لها ، و هو يقول بتمعن و بطء : يا هلا والله بحسناء ، بتنور المملكة !


،,


تجلِس أمام نافذتها ، تمعن النظر في شجرة صغيرة لا تعرف اسمها ، أسفل المنزل في الحديقة ، وحيدة بين عائلة من الأشجار المتشابهة ، كم تشبهني تِلك الشجرة ، هي الشاذة الوحيدة بينهم ، لا يمكنها الاقتراب منهم ، و في الوقت ذاته ، لا يمكنها الابتعاد ، إنها تذبل بهدوء دون أن تصدر صوتاً يزعجهم ، دون أن تتألم ، لا مكان لها بينهم ، إنها تحتل أرضاً ليست أرضها ، كما أفعل أنا ، لم يكن وجود أمي كافياً لأستحق البقاء بينهم ، لأستحق الحب الذي حُرمت منه منذ بداية حياتي ! تتحرك يدَها ببطء فوق جَسدها الممتلئ ، أعلم أنني لو كنت أعتني بجسدي و رشاقتي ، لن يغير ذلك في الأمر شيئاً ، سأكون دائماً منبوذة ، لكنني أكرهك جدًا ، أكرهك يا جِسمي ، لم ينجح أحد غيرك في أن يسلب ثقتي بذاتي ، و أن يُشعرني دوماً أنني بحاجة إليهم ، لولاك لربما تزوجت منذ زمن ، لربما انتهيت من كل ذلك لولاك ..
تبتسم بسخرية ، أو يعلم أحد بوجودك يا سَارة ؟ يا لسخرية ذاتِك من نفسك ، أتخدعين ذاتك بذلك الكلام ؟ من هي سارة ؟ من يعرِف بوجودك غيرهم الذين لا يطيقونك ؟ هل يعرِف أحد في الدنيا بوجودك ؟ قـد دُفِنتِ منذ زمن مع والدك تحت الثرى ، منذ تلك اللحظة و أنتِ تستنجدين ، تطلبين منهم أن يزيلوا عنكِ التراب لتتنفسي ، لكن أحداً لم يسمعك ..
طُرِق الباب بخفة ، تدخل والدتها بابتسامة ، لتقول : أخوكِ يقول إن السفر هاليومين ..
تبتسم بغير رغبة في الابتسام ، تهزّ رأسها بالموافقة لتعيد نظراتها إلى شجرتها المنزوية تماماً كمثلها ، تزول الابتسامة عن وجه والدتها و هي تقترب نحوها ، تجلس أمامها : سارة ؟ وش فيكِ ماما ؟ منتِ مبسوطة عالسفر ؟
دون أن تنظر إليها ، قالت بهدوء : رح أظل طول فترة سفري أفكّر ، وين بروح بعد ما تخلص هالسفرة ؟
عقدت حاجبيها : وين بتروحي يعني ؟ بترجعي هنا ؟
التفتت إليها : أرجع هنا وين ؟ يَعقوب ما قال لك ؟
يُسرى : عن شنو ؟؟
سَـارة : يعقوب قال لي لو تبي تسافري فعلاً ، راح يكون الثمن إنك تعطي غرفتِك لبنتي ، يعني لـ رهف ..
يُسرى : حبيبتي لو تبادلتوا الغرف وش عليه ؟
تنظر إليها بدهشة : إنتِ عارفة إني ما أطلع من غرفتي لأن حضرة السيد زوجك ما يحب يشوفني ، غرفتي فيها كل شي و حمامي فيها و تلفزيوني فيها ، لو أخذتها بنتك أنا وين بروح ؟ بصير كل مابي أطلع من الغرفة أشوف خشته عشان يذكرني على طول بفضله علي و إني لولاه ما عشت لليوم ، يا ليته ما كان و يا ريتني متت ولا عشت بهالذل !
يسرى : طيب يمه لا تفكري بهالموضوع الحين ، إنتِ مسافرة و أبيكِ تغيري جو ولا عاد تفكري فـ هالأمور ، من هنا إلين ترجعي من السفر يخلق الله ما لا تعلمون ! فكري شلون بتقضي وقتك وش بتسوي في روما ، فاهمة علي ؟
سارة بنبرة احتجاجية : يعني أفهم من كلامك إنك موافقة إن رهف تأخذ غرفتي ؟
ابتسمت بخفة : لا حبيبتي أوعدك ما أحد يقرّب على غرفتك فـ غيابِك ، لا تخافي ..
ردّت الابتسامة لوالدتها بقلق ، أدعو الله أن ينجيني ، لا أرغب بالعودة إلى مكان لا أنتمي إليه ، لكنني تائهة حقاً عن موقعي في هذه الدنيا ، إن لم أكن هنا ، فأين سأكون يا ترى ؟


،,


يجلِس في مكانه ، خلف شاشة حاسوبه ، توهِمنا نظراته بأنه منشغل بأمر ما على الشاشة ، لكنه في حقيقة الأمر يراقب الوضع ، المارّة في الشركة ذهاباً و مجيئاً ، بيده اليُمنى يحرّك فأرة الجهاز ، و يده اليُسرى متكئة إلى الطاولة ، سبابته تغطي شفتيه اللتان ترتطمان ببعضهما بغيظ ، تحرّكت حدقتا عينيه لتتجها إلى الشاشة مُباشرة حين تنبّه لقدوم زميله ، لامست أصابعه لوحة المفاتيح ليبدأ بإدخال البيانات ، اقترب زميله أحمد ، دخل الغرفة و قال بتعب : السلام عليكم ..
رفَع عيناه ، أعادهما للشاشة و قال مصطنعاً اللامبالاة : و عليكم السلام ..
جَلس أحمد خلف مكتبه بإرهاق ، يفتح الملفات ، يعمل على الجهاز ، الصمت ساد في المكتب كعادته ، كسره فهد ، بذات اللهجة غير المبالية : شلون كان الاجتماع ؟
أحمد ببرود : عادي ، مثله مثل كل هالاجتماعات ..
فهـد : عن شنو تناقشتوا ؟
رفع نظراته إليه و هو يبتسم : حابب تحضر اجتماعات ؟
ردّ له الابتسامة و التزم الصمت ، أردف أحمد : المرة الجاي تحضر اجتماعنا ، هذا الاجتماع كان عشان المناقصة اللي داخلة فيها الشركة ، يعني مو الكل لازم يحضروه ..
فهد ، بارتباك يحاول سَتره : يعني الشركة الحين صارت جاهزة للمناقصة ؟
أحمد : تقريباً ، حددنا المبلغ اللي داخلين فيه ، و إن شاء الله هالمرة مضمونة المناقصة راح ترسي علينا ..
بابتسامة : ان شاء الله ..
نهض فهد من مكانه ، استأذن للخروج ، رفع جوّاله ، فتحه ليتصل بسلطان ، مشى عدّة خطوات حتى اصطدم بجسد استوقفه ليقول : عفواً ..
رفع نظراته ، إلى الرجل الذي تفحصه جيداً ، عقد حاجبيه و هو يحاول أن يستحضر صورته في دماغه ، يعرِفه مسبقاً ، لكنه لم يعلم من هو ، سَار عدة خطوات أخرى مبتعداً من أمام الرجلين ، يهمِس أشرف ليعقوب : سيد يعقوب ..
يَعقوب : نعم ؟
أشرف : هذا الرجال ، أعرفه ، وش جاي يسوي هنا ؟؟
عقد حاجبيه : منو هذا ؟
أشرف ابتلع ريقه ، و هو يدقق النظر فيه : هذا اللي كان مع بنت عمر حرب يوم ..
قاطَعه معلمه بحدة : يوم سودت وجهي إنت و اللي معاك ..
انخفضت نظراته أرضاً بخجل ، ليردف يعقوب بهمس : هذا وش يسوي هنا !!
يقِف فهد على بعد عدّة خطوات ، يتبادلون التحديق في وجوه بعضِهما ، إلا أن فهد قد عجِز عن التذكر ، يهز يعقوب رأسه بحركة أشعرت فهد بتهديد ما ، التفت يعقوب إلى رَجُله : الحين ماني فاضي ، ذكرني المرة الجاي يوم آجي أزور نعيم نقول له عن هذا اللي كان مع بنت عمر ..

ابتعدوا عن أنظاره ، إلى خارِج الشركة ، تنفّس بعمق ، رفع جواله مجدداً ليتصل بسلطان ، جاءه رده المتلهف : وينَك يا ولدي من الصبح قاعد أستنى مكالمتك !
فهـد و هو يرفع حاجباً : الحين صِرت ولدك ؟
سُلطان بتلهف ، تجاهل كلمته : الحين قول طمني وش كان يبي منك يحيى ؟ عن شنو تكلمتوا ؟
فهد : ما معاي مجال أتكلم الحين ، بعد الدوام أمرلك و أقول لك ..
سلطان : أجل ليش داقق علي ؟
تلفت حوله بريبة ، ثم قال : الشركة حددت المبلغ عشان المناقصة ، بس ...
سُلطان : بس شنو ؟؟؟
فهـد : ما سمحولي أحضر الاجتماع ، و الرجال اللي معاي في المكتب قال إني مو ضروري أحضر هالاجتماع !
سُلطان بغضب : نعــم ؟؟؟ وش استفدنا منك الحين ؟
فهد : وش أسويلك ؟ أنا توقعت إني أحضر الاجتماع و أقدر أعرف الرقم بسهولة ، بس ما كنا حاسبين إنه طبيعي ما يوثقوا بموظف جديد و يطلعونه على كل أسرار شغلهم !
سلطان بنفس اللهجة الغاضبة : هذي ماهي أسرار يا فهيم أنا ليش حطيتك في قسم المحاسبة ؟ لأن هالأمور اختصاص قسم المحااسبة ، شلـون ما حضررت شلـوون ؟؟؟
فهـد : قصّر صوتَك ! زميلي دعوه للاجتماع ، وش أسويلك يعني ؟
سلطان بنفاد صبر : شوف فهد دبر نفسك سوي اللي تبيه أبي الرقم يكون عندي خلال يومين ، و إلا ما بتشوف مني فلس أحمر ، فـاهم ؟
فتح شفتيه ليرد ، توقف عن الكلام ليلتفت إلى الصوت الذي نده باسمه بحدة : فهـد !!!


،,



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 16-05-20 الساعة 05:12 PM
طُعُوْن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 01:58 PM   #22

طُعُوْن

كاتبة بمنتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية طُعُوْن

? العضوٌ??? » 328503
?  التسِجيلٌ » Oct 2014
? مشَارَ?اتْي » 648
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » طُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond reputeطُعُوْن has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يامقيدني وأنا حر الجناح..لآتبعثرني وأنا بك ممتلي..!
افتراضي

،,



روما ، دخلت من باب المطعم ، تحرّك رأسها يُمنة و يُسرة ، ابتسمت و هي ترى تِلك اليَد تُلوّح لها ، اقتربت بلهفة حتى وَصلت الطاولة ، نهضت صديقتها لتحتضنها بحب و شَوق ، انفصلتا بعد عِناق يَحكي آلاماً مَرّت على قلبيهما ، جلست كل منهما على كرسيها ، تقول ريم : شلونِك وين هالغيبة !!
سَناء : والله مشاغل الدنيا يا ريم ، دوامي و شغلي و بنتي اللي مشيبتني ..
ظهرت ابتسامتها و هي تذكر ابنة صديقتها في طفولتها : والله معاكِ حق ، الأطفال يغيرون حياة البني آدم ..
تَضع حقيبتها جانباً و تقول بتعب : والله مو للأحسن يا ريم ، بنتي ليان مشيبتني ماني قادرة عليها ، و الحين داخلة في سن 12 يعني بتبدا مراهقة ، و الله يعيني عليها ..
ريم : مرحلة و تعدي ، المهم تتحملي ، و بعدين بكرا هذي البنت بتكون معاكِ فـ كبرك ما بتقعدي بروحك ..
تبتسم بسخرية : أكبر كذبة كذبوها علينا و احنا بزارين إن الأولاد بيظلوا لأهلهم بكبرتهم ، بنتي من الحين ما تقعد معاي و طول الوقت مع صديقاتها و جيرانها و ما هي فاضية تقعد معاي !
ريم : هذا يعتمد على أسلوب التربية ، ولا تنسي إنتِ عايشة فـ مجتمع غربي طبيعي البنت تأخذ من أطباعهم شوي !
سَناء : والله أكبر هم يا ريم تربي بنتك في الغربة بمجتمع غربي تفكيره مختلف عن ديننا و عاداتنا ، والله راح تظل ايدي على قلبي إلين أزوجها و أخلص من هالهم .
عَقدت حاجبيها و تساءلت بتعجب : هم شنـو ؟
سناء : هم البنت ، أبوها عربي و أمها عربية ، و حتى لو عاشت بأوروبا ما رح واحد يقبل فيها لو كانت لا سمح الله مسوية شي قبل الزواج ، و المشكلة إني ما أقدر أسيطر عليها ضمن مجتمع هذي الأمور من أبسط ما يكون عنده !
ريم بلهجة حادة : والله اللي يربي أولاده بناءً عالمجتمع اللي عايش فيه طبيعي يخاف من هذي الساعة ! أما لو ربيتِ بنتِك حَسب دينها و علمتيها قواعِد الدين و الحلال و الحرام ما راح تخافي عليها لو قعدتيها بين عشرين رجال !
سناء بتعجب : وش فيكِ ريم ليش معصبة لهالدرجة ؟؟!!
أغلقت عينيها و هي تشعر بمبالغتها في ردّ فعلها ، تنفست بعمق و صديقتها تنظر إليها باستفهام ، فتحت عينيها مجدداً : آسفة سناء ماهو قصدي ، بس أتنرفز يوم الأهل ما يستخدموا طرق صحيحة لتربية أولادهم ، و فـ الآخر يلومونهم و ما يلومون أنفسهم !
سَناء : بس إنتِ فيكِ شي ، قولي وش مخليك معصبة كِذا ؟
استندت إلى ظهر كُرسيها بتعب واضح ، تفرك عينيها بإصبعيها و هي تتنهد ، ما أكّد لسناء أن هناك ما تخفيه ريم ، تساءلت مجدداً : ريم ! بديتِ تقلقيني ، وش صاير ؟ مختلفة إنتِ و زوجك ؟
ريم : مو بس مختلفين ، غالِباً راح توصل للطلاق .. ما عاد يبيني ..
رَفعت حاجبيها ، تساءلت باستهجان : ليـــه !! وش صار بينكم ؟؟ آخر مرة كلمتك كان كل شي تمام !
ريم : أنـا حـامل ..
ظهرت ابتسامة واسعة على وجهها بان فيها صف أسنانها الأمامي : صِدق ؟ ألف مُبارك يا قلبي ، بالسّلامة إن شاء الله ، أجل وين المشكلة هذي خبرية تفرح !!
ريِم ببرود : المشكلة إن عمر ما يبي هالطفل ، و طلب مني أجهضه ، و يوم رفضت حطّلي دواء عشان يموّت وِلدي ، و الحمدلله ما صار شي ، و الحين أنا تاركة البيت ، و أفكر بالطلاق !
تختفي ابتسامتها بالتدريج مع كلام صديقتها ، لتقول : اوف اوف اوف ، كل ذا صار معاكِ بهالفترة اللي غبتها عنّك ؟!
تنهّدت و هي تهز رأسها بـ نعم ، صمتت سَناء ، و عينيها تتجول تُلاحق المارّة في الشارع من خِلال زجاج نافذة المطعم ، قاطعت ريم تفكيرها ، و هي تقترب إليها من جديد لتسألها : وش رأيك يا سناء ؟ ساعديني ؟ انصحيني ! أنا أبي هالولد ، ما صدّقت صار الحمل و أنا فـ هالسن ، و مابي أخسره ..
التفتت سناء إليها ، ترفع حاجبها الأيسر و تجيب : بس كِذا ممكن تخسري زوجك اللي رافِض هالطفل ! و رح تظلمي وِلدك يوم تجيبيه على دنيا أبوه ما يبيه فيها !
ريم باستغراب ، ابتعدت عنها : يعني انتِ مع إني أسوي إجهاض ؟
سناء : عارفة إنها صعبة ، بس ما رح تقدري تربي ولدِك بروحك ، هالشي ماهو سهل ..
ريم بعدم اقتناع : ماني مصدقة إنك قاعدة تنصحيني أقتل ولدي ! إنتِ يا سناء ؟
تنهّدت بقوّة ، أطلقت نفساً طويلاً ، قالت بعده : أنا قاعدة أكلمك عن تجربة ، تربية الولد ماهي سهلة ..
ريم : ما سمعتِ عن أمهات أرامل ربوا أولادهم أحسن تربية ؟ وش اللي قاعدة تقوليه ؟
سَناء : هذولا الأمهات انجبروا على هالشي ، انجبروا يربوا أولادهم بروحهم ، بس إنتِ منتِ مجبورة ، منتِ مجبورة تجيبي طفل و تربيه في بلد كل عاداته تختلف عن عاداتنا ، و تعيشي معاه فـ هالصراع ، هذا غير صراعك مع وِلدك نفسه عشان تقنعيه شلون أبوه تخلى عنه و ما كان يبيه ! عارفة وش يعني تجيبي ولد لهالدنيا ، أبوه ما يبيه ؟ عارفة عواقب هالشي ؟
صمتت ، و هي تفكر في كلامها ، أردفت سناء : كنت حامل بـ ليان ، لما تطلقت من عاصِم ، و نفس الشي كان رافِضها ، طبعاً اهوة حرمته الأولى خلفت له 5 عيال ، وش يبي من السادسة ؟ طلّقني يوم عرف إني حامل ، بنتي صارت 12 سنة للحين ما يعرف صورة وجهها ، لو تلاقى معاها في الشارع ما راح يعرفها ، حتى اخوانها ما يعرفونها ، ولا يعرفون حتى بوجودها ، و أنا عايشة بصراع بين أسئلتها اللي ما تخلص ، وين أبوي ؟ ليش ما يسأل عني ؟ دام إنه حي و يبعثلي مصروفي أجل ليش ما أشوفه ؟ ليش منتِ مع أبوي ؟ كل هذي الأسئلة اللي مالها جواب ، إنتِ مستعدة تواجهيها يا ريم ؟
نظرت إليها ، تأملتها لثوانٍ ، قالت بعدها : بسألك سؤال ، تتخيلي شلون كانت بتكون حياتِك ، لو ما خلفتِ ليان ؟
سناء بابتسامة : كنت رح أحس بالوحدة ، كانت حياتي بتكون مملة جداً ، بس عالأقل بتكون هادية ، قلبي كان بيظل هادي ، كان بيظل ينبض هِنا ، في صدري ، الحين قلبي مو معاي يا ريم ، قاعدة أواجه كل يوم أصعب من اليوم اللي قبله ، و عاصِم ؟ عاصم مرتاح ولا على باله ، منو اللي تعذب و بَلع الهم بروحه ؟ طبعاً أنا ..
ريم : بس إنتِ أم ، و الأمومة ماهي مجانية ، هذي ضريبتها !
سَناء بانفعال : أجل الأمومة لها ضريبة ، أدفعها كل يوم من عمري ، و الأبوة مالها ضريبة ؟ ليش اهو بعد ما يدفع هالضريبة ؟
ريم : راح يتحاسب ..
ابتسمت بسخرية و هي تُشيح بنظرها عنها ، أوَ يشفي صدرها ذلك الحِساب بعد أن دفعت حياتها ثمنًا لأنانيته و نرجسيته ؟ أيعيد ذلك حق ابنتها التي تقتلها كل يومٍ أفكارها و هي تتخيل تجهم وجه والدها عندما سمع بخبر قدومها إلى الدنيا ؟
،,


ألقَت على الطاولة أمامه ، كيسًا أسودًا مغلفًا بإحكام ، لاصِق شفّاف يلفّه ، ألقى نظرة خاطفة إلى الكيس ، ليرفع نظره إليها بعد أن اعتدلت من انحناء جسدِها ، علامات استفهام تجوّلت في مقلتيه ، تقول حسناء : اليوم نفّذت عملية ، أو ... صفقة ، مدري ، سميها اللي تبي ، و هذا المبلغ اللي كنا متفقين عليه صار عندَك .. تقدر تحسب نسبتي من المبلغ و تعطيني إياه بعدين ..
هزّ رأسه ، بابتسامة خافتة لم تميز ظهورها حَسناء ، دَفع كُرسيه الدوّار إلى الوراء و نهض ، اتضّحت ابتسامته أكثر و هو يقترب نحوها ، صَار أمامها ولا زالت مُتجمّدة في مكانِها تبحث عن تفسير لنظراته و ابتسامته ، حتى ضمّ بكفيه وجهها الصّغير ، انحنى رأسه قليلًا ، و امتدّت شفتيه ليطبَع قُبلة على جبينها ، ابتعَد قليلًا لينظر إلى وجهها ، ابتسامة الفَخر لا زالت ظاهرة على شفتيه ، يقول بعدها : هذي هي بنتي حَسناء ، عمرِك ما خيّبتِ أملي فيكِ يا بنت أبوكِ .
بادَلته ابتسامته ، بأُخرى خجولة ، تمتد يدها الناعمة لتلتف فوق كفّه ، تُبعِده برقّة عن وجهها ، تعودُ خطوة إلى الوراء ، لا زالت متمسّكة بيدِ والدِها ، و هي تقول بهمس : بس أنا ما اخترت أكون كِذا .. و هذا هوة الفرق ..
تركَت يده ، تحرّكت ببطء نحو الباب و هي تُعدّل شعرها بيدِها بارتباك واضِح ، استوقفها سؤاله دون أن يلتفت إليها : أي فَرق ؟
وقَفت في مكانها ، دون تحرّك أو إجابة ، انحنى رأسها نحو الأرض لتحدّق في قطعة السجّاد الصغيرة التي تكسوها ، التفت إليها و كرر مجددًا : تكلمي ، أي فرق ؟
أخذت نفسًا عميقًا ، استدارت بكامل جسدها إليه ، نظرات العَتب التي صبغت عينيها ، باتت عادية لديه ، تنهّد و كأنه يعرف الإجابة قبل أن تقولها ، قالت : هذا الفرق بيني و بين الولد اللي بييجي .. أنا ماني قاعدة أسوي اللي أسويه ، و ماني قاعدة أشتغل هالشغل ، بس عشان أرضيك ، ولا عشان خايفة أخيب أملك فيني ، أنا حَسناء لأنك إنت تبيني أكون كِذا ، و أجبرتني أسوي هالشي ، و لو الأمر بإرادتي ، أخيب أملك كل يوم ، ولا أسوي اللي قاعدة أسويه ، بس إنت حطيتني بين خيارين ، كأنك قلت لي اختاري بين الحياة و الموت ، بس اللي فـ بطن ريم ، تقدَر تخليه يحبك ، تقدَر تخليه يسوي أي شي علشان يرضيك و يخليك تفتخر فيه ، من دون ما تجبره على شي ما يبغاه ،
اقتَرب خطوتين حتى وقف أمامها ، و قال بتجهم : هذي ثاني مرة تقولي إني أقدر أخلي الولد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبي أبوكِ يا ديانا ؟
ارتسمت ملامحها بابتسامة ساخِرة لاذعة ، قالت : السؤال المفروض أنا أوجهه لك ، إنتَ تحب بنتك ، يا عُمر ؟
بلهجة دفاعية : طبعًا أحبك ، في أب ما يحب بنته ؟!
حَسناء : المشكلة يا يُبه ، إنّك حطيتني فـ مكان ، ولا تزعل مني ، خلاني ما أوثق فيك ولا بمشاعرك ، يمكن الحين لو أقولك بترك الشغل ، تقطني برا البيت و تتخلى عني ، و لو ماني قاعدة أمشيلك مصالحك ، ما كنت بتحبني .. مابي أجزم بهالشي وأظلمك ، بس طبيعة علاقتنا خلتني أفقد الثقة فيك ، و فـ كلامك ، و دائماً فيه سؤال بيخليني أشك بمحبتك لي ، لو كنت تحب بنتك فعلًا ، شلون تسمح إنها تعرض نفسها للخطر في شغل مثل هذا ، عشان مصالحك ؟ عندَك جواب ؟
أَخذ نفسًا عميقًا في محاولة منه لكسب بعض الوقت علّه يجِد إجابة ، ابتسامة صغيرة بانت على شفتيها ، و هي تقول بلهجة ساخرة : لا تحاول يبه ، عارفة إنك ما عندَك جواب ، أنا ما قِلت إني أكرهك ، بس ما اقدر أحبك مثل ما أي بنت تحب أبوها ، ما بنسى وش سويت فـ شبابي ، و على شنو ضيعته .. فخلاص لا تتعب روحَك معاي ، ربنا أعطاك فرصة ثانية بعد كل هالسنين ، عشان يكون عندَك ولد ، عشان تكون أب حقيقي ، لا تضيّع هالفرصة بعد ..
هزّ رأسَه ، بحيرة ، تساءَل : جاهزة للسفر ؟
حسناء : متى السفر ؟
عُمر : الخميس إن شاء الله ..
هزّت رأسها بالموافقة ، دون أن تنطِق ، و خرجت ..


،,

ارتجفت يده و هي تنزل عن أذنه متشبثة بالهاتف ، اتسعت عيناه و قد عَرف من ناداه من صوتِه ، إن سمِع مجرى الحديث فقد فُضِح أمرهم ، ابتلع ريقَه و التفت بقلق يحاول أن يُخفيه ، نظر إليه نَعيم بريبة : وش قاعِد تسوي برا مكتبك ؟
تنحنح بارتباك : احم ، ما في شي بس جا لي اتصال ضروري تركت المكتب عشان أرد ..
رَفع حاجبه الأيسر بغير إعجاب : جالك اتصال ؟ إنتَ جاي تشتغل أو تسولف عالجوّال ؟
ابتلع ريقَه مجددًا : لا بشتغل طبعًا بس ..
قاطعه بنبرة حادّة : من دون بس ! ارجع لمكتبك الحين ، و هذا آخر تنبيه ، آخر مرة أشوفك برا مكتبك فـ أوقات الدوام ، مفهوم ؟
هزّ رأسه بتخبّط ، ثم غَدا بسرعة نحو مكتبه ، رفَع السماعة ليضع الميكروفون عندَ شفتيه : ما أظن سمع وش قلنا ، اقفل الحين أمر عليك بعد الدوام ..
يَضغط بطرف ابهامه على الزر الأحمر على شاشة جوّاله ، و هو يتلفّت حوله ، يدخُل إلى المكتب ، ترتفع نظرات زميله إليه ، بابتسامة جانبية كأنه يعرف ما حدث : وش صاير ؟
يرد بارتباك و هو يجلِس خلف طاولته : لا ، ما في شي ..
أحمد ، و هو يعمل على جهازه دون أن ينظر إليه : شافَك نعيم برا مكتبك و سمّعك كلمتين ؟
تحرّكت عيناه نَحوه ، رافعًا حاجبيه بتعجب : شلون عرفت ؟
أحمد بضحكة خفيفة : كلنا صار معانا كِذا أول ما توظفنا .. بس لا تفكر إنه بيتكلم جد ، اهوة بس يحب يستلم الموظفين الجدد و يسوي عليهم نظام ، شهرين زمان يصير ما يسأل عنك .
صَمت فهد بتفكير ، نصف ابتسامة مُسايرة تعلو شفتيه ، التفت إلى صوت زميله حين قال : الحين برسلك عالايميل ملفين ، لحسابات الشركة الشهر الأخير ، أبيك تدققهم و تعملي كونفورميشن ..
هزّ رأسه بالموافقة : اوك يلا ..

،,


عَصرًا ، دَخل بهدوء إلى البيت ، أغلق الباب خلفه و هو يُحدّق بعينيه نحو الأمام ، تجلّى اليأس في وجهه من كل شيء ، اقترب و هو يُعيد المفتاح إلى جيبه و يدفِن كلتا يديه في جيوبه ، تنهّد و هو يعرِف ما ينتظره الآن ، وَقف أمامهم ، و قد اجتمعوا على طعام الغداء ، ارتفعت أنظار شهد إليه و هي تقول بابتسامة : هلا حبيبي حماتَك تحبّك ، غسّل و تعال تغدّا ..
ببطء سَار خطوات قليلة حتى اقترب منهم ، وسط نظراتهم المتفحّصة ، ارتمى جَسده فوق كنبة منفردة مهترئة ، في زاوية الغرفة ، تبادل الجميع النظرات فيما بينهم ، بعد صمت غير طويل ، تساءلت شهد : وش فيك طارِق ؟ ما تبي تتغدى ؟
طارِق ببرود : ماني جوعان ..
شهد : كَليت شي ؟
هزّ رأسه بالنفي ، تساءل والده و هو يمضغ طعامه و دون أن ينظر إليه : وين كنت ؟
ارتفعت عينا طارِق نحو والده لثانية ، ثم عاودتا الانخفاض ، التزم الصمت ، يقول والده بسخرية : ما لقيت شغل طبعاً ..
كان النفي في تنهيدتِه واضِحًا ، عيناه لا تتركان الحملقة في بَلاط المنزِل القديم ، و أصابعه تُلاعِب مفاتيحه بتوتر ، نَفض والدَه كفّيه من الطّعام ، نَهض عن الأرض بصعوبة ثم توجّه نحوه و هو يُسلّط سبابته اليُمنى عليه كأنما يوجّه له اتهامًا ما ، و قال بحدّة : كله من دماغك اليابِس هذا ، جالَك عرض ما كنت تحلم فيه بحياتَك ، نعمة وصلت لعند رجولك رفضتها و رفستها مثل الغبي !
نَظر إلى والده بعتب : رجعنا لنفس الموضوع ؟
أبو طارِق : و ليش ما نرجع يُبه ؟ قول لي وش سويت شي يخليني أقفل الموضوع ؟ رايح جاي تدوّر شغل و منت ملاقي ، قول لي متى بتتزوج و بتفتح بيت على هالحال ؟
طارِق : منو قال إني مستعجل أتزوج هالحين و أفتح بيت ؟ يبه أنا لو بموت من الجوع ما راح أكسب فلوسي من ورا أذى أخوي و صديقي !
أبو طارِق : كل شوي يقول لي صديقي و أخوي ، وينه صديقَك و أخوك هذا ؟؟ وينه عنّك و عن حالتك ؟ اهوة اشتغل و دبر أموره ، أشوفه ما تذكرك ؟
استعت عينا طارِق : وش يعني يتذكرني ؟ تبيه يتصدق علي ؟؟
أبو طارِق : طبعاً لا ، بس ليش ما يدبرلك وظيفة مثل ما دبّر لنفسه ؟
أشاح بنظره عنه و هو يعرف حقيقة ما يحدث مع فهد : صداقات أبوه دبروه مو اهوة دبر نفسه ..
ارتفع حاجبا والده باستنكار : يعني قصدك تقول إن أبو فهد أحسن مني ؟ و عنده علاقات دبّرت ولده بـ شغل و إني مقصّر معاك ؟
تنهّدت شهد بيأس و أطبقت عينيها و هي تسمع كلام والدها الخالي من المنطق ، نهض طارق من مكانه و وقف أمام والده : يبه منو قال كذا ؟ ليش تفسّر كلامي على شي ثاني ؟ أنا قصدي أقول إن اللي ماله واسطة ، و حاله مثل حالي صعب يلاقي وظيفة ، وش الغلط اللي قلته ؟
هزّ رأسه و لم يعجبه كلامه : على كل حال ، بكرا تمر فيك الأيام تلاقي نفسك ما سويت شي لحياتك ، ساعتها تندم على اللي ضيعته من عمرك ..
نظرة حادة أخيرة رمقه بها قبل أن يُدير ظهره ، و يتحرك خارجًا من المنزل ، التفت حينها طارِق إلى والدته و أخواته اللاتي ينظرن إليه بقلّة حيلة ، تنهّد و دخل إلى غرفته دون كلمات .


،,


وصل إلى المستشفى ، عَقله مشوش بكثير من الأمور ، صَعد في المصعد إلى الطابق الخامس ، تحرّك خارجه حين وصل بتوتر ، و حركات سريعة ، و هو ينظر بعين الشك إلى ياسمين التي تجلس خارج الغرفة ، تراقبه عن بعد مع ابتسامة صغيرة ، انتصبت قامتها حين وقف أمامها ، التقط أنفاسه و هو يشتت نظراته بعيدًا : شلونها أمي ؟
ياسمين : تعبانة شوي ، تركتها نايمة ..
هزّ رأسه بتوتر و عيناه معلقتان في الأرض ، قالت ياسمين : وش فيك فهد ؟ مانك على بعضك !
بحركة مفاجئة منه ، أحكم قبضته على ذراعها حتى تألمت ، و قال من بين أسنانه بغضب : وين راحت الفلاشة ؟
ياسمين و هي تنظر حولها بريبة : فهد وش تسوي قاعد ابعد عني !!
يحاول أن يتمالك نفسه ، تَرك يدها ، ابتعد إلى الوراء خطوات عدّة ، مَسح وجهه بكفّه بينما تفرك ياسمين مكان ذراعها بألم ، قال مجدداً بذات الغضب : وين راحت الفلاشة ؟
ياسمين : مادري عن شنو تتكلم !
فهد : المحقق لما أخذ الفلاش ميموري ما كان فيه غيري و غيرك ، ما حد عرف عنها غيرنا ، و إنتِ كنتِ ضد إني أعطيها للمحقق ، قولي وين اختفت ؟؟
تكتفت و قالت ببرود : اتصرفت مثل مو لازم أتصرف ! قلت لسلطان و اهوة حل الموضوع .. هذي الفلاشة ممكن يكون فيها معلومات عن شغل أبوك السابق ، و بالتالي إنتَ رح تنضر لو الشرطة عرفت !
فهد يبتسم بسخرية : هالحين إنتِ خايفة على ضرري ؟ ليش ما تقولي فيها معلومات عن القاتل ما تبوني أوصلها ؟؟!!!
ياسمين : والله أنا ما أعرف الفلاشة وش فيها ، بس مهما كان ما هو من صالحنا إنها توصل للشرطة !
رفع حاجبه الأيسر و قال متعجبًا : صالحنا ؟ من متى في مصالح تجمعنا ؟
ياسمين بابتسامة مستفزة : افـا عليك يابو مشعل ! ناسي إني بجيب لك أخو ؟
نظر إليها بحقد ، بنبرة تهديد قال : يا ويلك أمي تدرى بهالسالفة ، لا بدا بطنك يكبر تروحي تقعدي في بيتك لين تولدي ، و بعد الولادة في فحص بنسويه قبل لا أتأكد إنه أخوي فعلاً !
ابتعدت خطوة إلى الوراء ، رفعت يدها لتصفعه ، لكنه أمسَك ذراعها و ضغط عليه بقوّة : اكسري ايدِك قبل لا تفكري تمديها !
ساد الصّمت لثوانٍ و هما واقفان على ذات الوضعية يتبادلان النظرات الحانقة ، قبل أن تصِل رسالة إلى جوّال فهد تقلِب مزاجه تمامًا .
ترك يدها ولا زال العبوس على وجهه ، حتى قرأ تلك الرسالة فامتدت شفتيه بابتسامة واسعة ، و بريق لامع ظهر في عينيه ، جعل ياسمين تتساءل ، من المرسِل يا ترى ؟!
ابتعد عنها و أخذ زاوية ليقرأ كلامها مجددًا : " سلامتها عمتي جواهر ، دريت من طارق إنها في المستشفى ، لكن ما قدرت أبعث و أتطمن عليها قبل ، إذا صارلي مجال أكيد بمرلها المستشفى . سلّم عليها .. "
كَتب : أحلى كلمة تطلع من شفايفك كلمة عمتي ، ربي يخليكِ لـ عمتك ، و ولد عمتك ..
أخذ نفسًا عميقًا و هو يغلق الجوّال و يضعه في جيبه ، التفت بابتسامة ليجد ياسمين تحدّق فيه باستغراب ، تجاهلها و دخل إلى غرفة والدته ، اقترب بابتسامة : شلونها ست الكل اليوم ؟
بلهجة معاتبة : مشتاقة ..
انحنى ليُقبل ظَهر كفها ، ثم اعتدل في جلوسه : سامحيني يالغالية ، إنتِ عارفة المشاغل ، ما صدقت لاقيت وظيفة ..
هزّت رأسها : معاك حق ، أنا ما تعودت إنك تغيب عني ، طول الوقت كنت معاي ، بس يوم لاقيت وظيفة حسيتك بعدت ، مع إن هذا الشي طبيعي ، طبيعي إنك تلتفت لحياتَك و مستقبلك ، بس ماني قادرة ما أكون أم أنانية !
فهد باستهجان : لا يمه وش هالكلام ! وش أنانية ؟ إنتِ أحلى أم في الدنيا ، بعدين حياتي و مستقبلي اهمة انتِ يمه ، كل شي قاعِد أسويه علشانك علشان ترتاحي بعد كل هالتعب اللي شفتيه بحياة أبوي !
تنهّدت بألم : أبوك الله يرحمه ما قصّر ..
فهد : إلا قصّر !
نظرت إليه بتعجب ، تدارَك ذاته بابتسامة : المهم شلون حاسة اليوم ؟
جواهر : الحمدلله على كل حال .
نهض عن الكرسي : طيب يمه أنا عندي شغل بروح الحين و برجع بالليل .. و هذي ياسمين عندك لو احتجتوا شي دقوا علي ..
اقترب منها ليقبل جبينها ، مع تمتمتها : الله يرضى عليك يا يمه ..

،,

طُرِق باب غرفتها ، ابتعدت نظراتها عن شاشة الحاسوب و ابتسامة حالمة تظهر على وجهها : تفضل ..
فتحت الباب و مدّت رأسها بابتسامة : ها شلون استعدادك للسفر؟
سَارة : تمام التمام ..
اقتربت جمانة من أختها ، جلست على طرف السرير و هي تحمل كوب شاي بيدها اليمنى ، قالت : تدري إنتِ لازم تسوي مخطط عشان تزوري الأماكن الحلوة بروما ، و كمان مو غلط تخلي غسان بالعطلة ياخذك برا روما ، ممكن تروحوا فلورنسا ، ميلانو ، نابولي .. كلها أماكن حلوة لازم ما تضيعي ولا يوم ..
سَارة : ما بخطط شي أصلًا أنا أول مرة أسافر و ما عندي مخططات غييير هذا
أدارت شاشة الحاسوب نحو جمانة لترى ، رفعت جمانة حاجبيها بإعجاب : اووه ، يخقق ! منو هذا ؟
سَارة بحماس : كنت قاعدة أفكر إني لازم أسوي تغيير بهالسفرة ، قلت لو أقدر أشوف طبيب تغذية و حميات بروما ، و أصير أراجعه ، يمكن يساعدني إني أنحف ، راح أقعد مع غسان فترة مو قصيرة ، و ممكن أستفيد ..
جمانة بتأييد : برافو عليكِ هذا التفكير السليم ، بس منو هذا طبيب يعني ؟
سَارة : أيوه طبيب ، اهوة سعودي بس مقيم بروما من زمان و عنده عيادة و كل الريفيوز على صفحته تقول إنه طبيب ممتاز حتى الأجانب كاتبين إنه مرة كويس ..
غمزتها جمانة : و حليوة بعد !
سَارة : يلا عاد ، مو كافي بننحرم من الأكل اللي نحبه ، نشوف وجه حليوة يصبرنا ..
جمانة : ههههههههههه لا معاكِ حق بصراحة !
سارة و هي تشير بسبابتها إلى الشاشة : حجزت موعد عنده ، بعد أسبوع من وصولي ..
عقدت حاجبيها : من أول أسبوع تبي تبدي نظام و حميات ؟ شلون حجزتي ؟
سارة : عنده موقع عالانترنت و المريض يقدر يحجز أون لاين .. مرة متحمسة إني أبدا حياة جديدة ..
دخلت رهف بدون استئذان على وقع الكلمة الأخيرة لتقول باستهزاء : خير إن شاء الله منو اللي بيبدا حياة جديدة ؟
رفعت سارة نظراتها المتجهمة لها و قال بحدة : إنتِ شلون دخلتِ غرفتي بدون ما تطقي الباب ؟
رهف و هي تستند إلى الباب بكتفها : والله حبيبتي الباب كان مفتوح ، و بعدين هذي الغرفة بعد يومين بتصير غرفتي ..
أطبقت سارة شاشة الحاسوب بعنف ، نهضت أمامها : والله حبيبتي ما حزرتِ هذي الغرفة غرفتي و بتظل غرفتي !
وقفت جمانة بينهما : وش فيكم ماهي مستاهلة عشان غرفة تسووا كِذا !
رهف باستفزاز : والله قولي لهالدخيلة تتركنا بروحنا المفروض تشكر ربها ليل و نهار إننا مقعدينها معانا و أنا اللي أقرر وين تقعد مو اهية هذا بيت أبوي مو أبوها !
جمانة : رهف ، عيب هالكلام ، أبوها يكون عمّك الله يرحمه ، و أمك اهية أمها ، انتوا خوات ما يصير كِذا ..
سَارة : تدري وش الشي اللي بنفسي أسويه قبل لا أسافر ؟
تكتفت رهف بلا مبالاة و هي تنظر إلى الأعلى بغرور ، غافَلتها سارة حين مدّت يدها لتشد شعرها بقوّة تسحبها نحوها ، فاجأت الحركة جمانة التي تنحت جانبًا ، ألقت سارة رهف على السرير بعنف ، لتصعد فوقها و تسيطر على يديها و تبدأ في لكمها على وجهها ، بينما تصرخ رهف مستنجدة بوالدتها و والدها ، جاءت يسرى تركض على الصوت ، تقدّمت بغضب من سارة و أمسكت ذراعها : وش قاعدة تسوي يا مجنونة ذبحتيها للبنت !
نَهضت عنها منهكة و قالت و هي تلهث : بنتك هذي قليلة أدب و يبيلها تربية !
يسرى : بس يا بنت وش هالكلام عيب !
جُمانة ، متكتفة : ماما ، رهف اهية اللي بدت بصراحة !
رهف تبكي : و فوق إنك تركتيها تضربني و ما دافعتِ عني ، بعد واقفة معاها ؟
تقدّمت خطوة : ماما فعلًا رهف قليلة أدب ، قللت احترام مع أختها الكبيرة و سمعتها كلام مو كويس ، ولازم تتعلم الأدب و شلون تتعامل مع اللي أكبر منها ..
ابتعدت رهف حتى وصلت الباب : ع كل حال بعد شوي ييجي أبوي و نشوف وش بيصير !
خرجت غاضبة ، التفتت يسرى إلى سارة ، ربتت على كتفها : لا تاخذي على كلامها ، رهف صغيرة و ما هي عارفة وش قاعدة تقول ..
هزّت سارة رأسها بعدم رضا ، و في عينيها وَعيد لم يظهر سابقًا ، وعيد صعب الفهم و الشرح !


،,


ارتخى جسَده على كرسيه الدوّار ، و هو يُطبطب على بطنه بعد وجبة دسمة تناولها ، دَخل فهد و قد بانت على وجهه علامات الانزعاج من رائحة الطعام التي تعج في هذا المكان الضيّق ، قال بنبرة عالية : انت على طول فـ هالمكتب ؟
رفع رأسه ، اعتدلت جلسته حين رآه ، تقدّم فهد و جلس أمامه بسرعة : ماني عارِف شلون تقول إنك قلقان ، و تقدر تاكل كل هالأكل !
سلطان : وش علاقة الجوع بالقلق ! يعني إذا قلقان أموت من الجوع بعد ؟
ظهرت نصف ابتسامة على شفتيه ، قال سُلطان : أخبارك اليوم ماهي عاجبتني ، بس خلينا نبدأ بيحيى ، وش كان يبي منّك ؟
نظر إليه بحدة : الفلاشة اختفت ..
سُلطان يصطنع الجهل : أي فلاشة ؟
ابتسم فهد : سُلطـان ، أنـا عـارف إنّك انت اللي خفيتها ، لا تسوي علي هالحركات و قول وين الفلاشة و ليش خفيتها عني ؟
سُلطان بلا مبالاة : أنا ما خفيتها عنّك ، خفيتها عن الشرطة ..
فهد : كويس ، أجل أعطيني الفلاشة الحين ..
سُلطان : ما راح تاخذها ، مالك شغل فيها ... رح تظل عندي بأمان ، عندَك ممكن أي واحد ياخذها ! و ماله داعي تعرف كلشي عن أبوك !
رفع حاجبيه معترضًا : والله ؟ أجل منو لازم يعرف كل شي عن أبوي ؟؟ الولد اللي جاي عالطريق ؟
عقد سُلطان حاجبيه : أي ولد ؟
فهد : ياسمين قالت كل شي ، و قالت إنها حامل ، ما في شي يستاهل تخبونه ، ما أتوقع إن أبوي مخبي عنا أكثر من كذا !
أطبق سُلطان عينيه و هو يشتاط غضبًا من ياسمين التي أحرقت جميع بطاقاتها دفعة واحدة ، أخذ نفسًا عميقًا : و لو كان ، الحين ماهو الوقت المناسب عشان تأخذ الفلاشة ! خلينا فـ موضوع مهمتك هذي ، شلون بتحل المشكلة ؟
صمت لثوان و هو يحدّق فيه بكره ، ثم قال : مادري ، الوحيد اللي يقدر يقول عن الرقم اهوة زميلي أحمد ، و الحل الوحيد إني أستدرجه ، بس ماني ضامن هالحل !
سُلطان : وش استفدنا منك فـ هالحالة ؟
نهض فهد : والله أنا اللي علي سويته ، المفروض إنتَ و شريكك عمر خبرة فـ هالمجال ، و أكيد ما رح يفوتكم إن الشركة ما راح تأمن لموظف جديد و يطلعوه على صفقاتهم و مناقصاتهم بهالهسولة قبل لا يجربوه شهر عالأقل !
سُلطان : أفهم من كلامك إنّك خلاص بتستسلم ؟
فهد : لا ، بس مثل ما قلتلك ، ماني ضامن إني أقدر أستدرج أحمد بالكلام ، و لو ما تمت المناقصة أنا مالي ذنب ، و حقي باخذه كاامل ! ولا تخليني أستخدم أساليب ثانية !
خرج و سُلطان يرمقه بالنظرات الحادة ، رفع جوّاله بغضب ليتصل بـ ياسمين ..


،,

نهضت عن سريرها و صرخت في وجهه : لا طبعًا ! ماني موافقة يا عِصام !
وقف أمامها و قال بهدوء متكتفًا : وش اللي منتِ موافقة عليه يا مريم ؟
مريم بذات النبرة : أنا ما راح أنتظر اليوم اللي تدخل علي فيه بضرة ! وش يعني أمك تبي تذلني ؟
عِصام بنفاد صبر : ياا مريم وش تذلك و ما تذلك !! اهية قالت إنها ما راح تزور الجماعة ولا رح تخطبلي إلا لو حاولنا و ما نجحت محاولاتنا ، و هذا احتمال ضئيل لأن كل مشاكل الإنجاب اليوم صار لها حلول !
مريم : وش الحلول اللي قاعد تتكلم عنها ؟ أي حلول تبينا نجرب ؟
عصام : ممكن تهدي و تقعدي عشان نعرف نتكلم ؟
مريم تصرخ بغضب : مابي أقعد ولا أبي أتكلم خلاص روح تزوج و سوي اللي تبيه !
صرخ عِصام : مـريـم !!
هدأت و هي تنظر إلى عينيه المشتعلتين ، اقترب و قال بتهديد : إياكِ ترفعي صوتِك علي مرة ثانية !
سَقطت دمعة حارّة من عينها اليمنى و هي تخفض نظراتها أرضًا ، تنهّد عِصام بملل ، جلس على طرف السرير مجددًا و قال بامتعاض : اللي قاعدة تسويه ماهو من حقك ! مو من حقك تحرمينا نتعالج و نجرب قبل لا تتخذي قرار يخرب بيتنا ! لا شرع ولا دين يسمحلك تسوي اللي قاعدة تسويه !
التفتت إليه ببطء ، و همست : نتعالج ؟
عِصام : طبعًا نتعالج ، أنا و إنتِ واحَد ! مرضك مرضي ! و لو تبي تتعالجي ما راح أتركك تروحي جلسات العلاج بروحِك ، و راح نجرب كل الطرق ! ليش مستهينة بنفسِك مرة عندي ؟ ليش متوقعة إني ممكن أتخلى عنّك بالساهل ؟ مشكلتنا ماهي مرضك يا مريم ، مشكلتنا قلة ثقتك فيني !
جلست إلى جانبه و قالت بهدوء : يمكن إنتَ السبب !
عِصام بتعجب : ليش ؟ وش سويت عشان ما توثقي بمشاعري تجاهِك ؟
مريم : لأنّك ما سويت شي ! طول فترة زواجنا و أنا ما أحس بحبك ولا بمشاعرك ، ما حسيت فيهم إلا يوم عرفت عن مرضي !
عصام : لو كلامك صحيح ، المفروض ما تشكي بمشاعري ، لأني لو فعلًا ما أحبك كان انتظرت فرصة صغيرة عشان أتركك و أشوف غيرِك ، الحب ما يحتاج كلام يا مريم ، يحتاج أفعال ، و أنا ما أتوقع إني قصّرت معاكِ بيوم ! خاصة وقت الشدة !
مريم : أنا حاسة إن حياتي انتهت !
أخذ نفسًأ عميقًا : فيه ناس الله يبتليهم بالسرطان و الأمراض القاتلة ، و ما يعيشون حالة اليأس اللي عايشتها إنتِ ! يستقبلون أقدارهم برحابة صدر و ابتسامة ، و بهالطريقة بينتصروا على أمراضهم ، اليأس أقوى عدو للشفاء يا مريم ، أنا تعبت معاكِ مو لأنك منتِ قادرة تحملي في الوقت الحاضر ، تعبت لأنك ما تبي تواجهي ! إنتِ جبـانة ، و الحين أنا اللي لازم ما أوثق بمشاعرك تجاهي !
نظرت إليه باستفهام ، نهض بصمت حتى وصل الباب ، فتحه و قال قبل الخروج : لو تحبيني فعلًا تحاربي عشان تحافظي علي ، مو تسوي كل شي تقدري عليه عشان تطفشيني !!



،,






انتهى

أعتذر لجميع أصدقاء الرواية أولًا على الغياب ، و ثانيًا على قصر البارت ، لكن الله يعلم ما مررت به من ظروف و كم عانيت في كل مرة أحاول أن أكتب فيها سطر كنت أشعر أن شيئًا ما يكبّل يداي و يقيد تفكيري و يسرق إلهامي ، من الصعب جدًا التأقلم مع الحياة مجددًا بعد أن تفقد أحد والديك ، و لكنني لا زلت أحاول بالإيمان بالله لأستمر ، و محتاجة دعمكم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و محتاجة صبركم ، و أوعدكم إني ما راح أخيبكم ، بإذن الله ..

أراكم بإذن المولى قريبًا ..


طِيفْ !



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 16-05-20 الساعة 05:13 PM
طُعُوْن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-20, 05:16 PM   #23

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,432
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

تأخير لم يكن في الحسبان .. اعتذار و توضيح ..

كان من المفترض أن يتم نشر الجزء الجديد بعد حوالي أسبوع من نشر آخر جزء ، لكن تفشي وباء كورونا " عافاكم الله و أحبتكم منه " ، حال دون ذلك .. بالأخص أن إيطاليا من أكثر الدول التي تفشى بها الوباء ، و كنت أحد المصابين الحمدلله ، لم تبدأ الأعراض في الظهور إلا بعد 11 يومًا و حين شخصت بكورونا رفض المستشفى استقبالي بحجة أن وضعي الصحي جيد و ليس بحاجة لمستشفى ، و علي أن أحجر نفسي في غرفة منعزلة عن أهلي في المنزل ، بعد عدة أيام ساءت حالتي و ارتفعت حرارتي و بدأ الغثيان و التقيؤ و الأعراض الشديدة بالظهور ، نقلت إلى طوارئ المستشفى و مكثت كل تلك المدة أتلقى العلاج ، لا زلت في المستشفى في انتظار نتائج الفحوصات لأتأكد من خلوي من كورونا لأعود لمنزلي ، وضعي الصحي جيد جدًا و لله الحمد ، الجزء الجديد قيد الكتابة و إن شاء الله سيكون متاحًا في أقرب وقت ..
عافاكم الله و حماكم و حمى أحبتكم من هذا الوباء ..

أتمنى أن يُلاقي عذري قبول أحبتي .. السلام عليكم .



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-05-20, 08:08 AM   #24

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,432
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

لا أعرف حقًا بأي الكلمات سأشكركم على تعاونكم و صبركم على ما مررت به و ما مررنا به جميعًا ، كنتم أكثر من إخوة بكل صدق ، و أشعر بالامتنان لكل صديقة ساندتني و راسلتني عبر المنتدى أو عبر موقع تويتر ..

الحمدلله خرجت من المستشفى منذ يومين ، و أنا الآن في مرحلة الحجر المنزلي و أسكن وحيدة في غرفتي كي لا أتسبب بالضرر لأحد أفراد عائلتي ، و أتمنى أن تتخذوا جميعكم التدابير الوقائية لحماية أنفسكم و حماية من تحبون ..

أنا الآن في مرحلة التعافي و لله الحمد ، و الجزء قيد الكتابة و التجهيز ، و إنني أسعى أن يكون شكري لكم عبر الجزء القادِم المرضي و الذي سيعوض عن الغياب الذي فات ، و التزامي بإنهاء الرواية على أكمل وجه سيكون شكري الأكبر لكم ..

سأحاول قدر المستطاع نشر الجزء بأسرع ما يمكن ، و قريبًا جدًا ، خلال أسبوع سيكون الجزء بين أيديكم ..

أحبكم جميعًا ، عافانا الله و إياكم من شر الأوبئة و الأمراض ، و عيد فطر مبارك ، أعاده الله على أمتنا العربية و الإسلامية بالخير و الصحة و رفع عنا الوباء و البلاء ..

أختكم / طِيفْ!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 30-05-20, 01:04 PM   #25

الزمن القديم
 
الصورة الرمزية الزمن القديم

? العضوٌ??? » 444275
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 258
?  نُقآطِيْ » الزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond repute
افتراضي

يالله ..سلامتك طيف الف لاباس عليك ..ياقلبي كنت مصابه بكورونا !!🤒😳
الله يشفيك يارب ويشفي كل مريض ويكفينا شر الوباء ويرفعه عنا ياااارب
سلامتك الف لاباس عليك طهور ان شاءالله
بلغينا عن حالتك كيفك الان ان شاءالله احسن


الزمن القديم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 12:25 AM   #26

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,432
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



بسم الله نبدأ

و في نشوة العشق صرنا رمادا ، طِيفْ!


الجزء 12


**



أغلقت باب الغرفة و هي تخرج منها ، بهمس قالت و هي تُبعد السماعة عن أذنها لتخفف من صوته المرتفع ، تقول : وش سويت أنا ؟
سُلطان بغضب : قلت لك سالفة الولد ماهو وقتها الحين ! ليش تصرفتِ من دماغك و قلتي ؟؟
ياسمين : لو تأخرت أكثر كان بيسألني ليش سكتي كل هالمدة ، الحين أحسن ، و إلا ما كانوا بيعترفوا فيه ! و بعدين وش تفرق معاك أقول له الحين ولا بعد شهر ؟
ضرب الطاولة بيده و نهض : تفرق طبعًا ! هذا الولد قاعِد يتمرّد علينا ، و هالشي كان المفروض نخبيه لوقت ثاني ، الحين صار يعرف بكل شي وش نقدر نسوي معاه لو حاول يتمرد مرة ثانية ؟
ياسمين : ما راح يصير شي ، و لو صار لا تخاف .. طول ما أمّه موجودة ما يقدَر يسوي شي معانا ، راح يخاف نقول لها .
سلطان : وش رح نسوي لو صار لأمه شي ؟
ياسمين : مو لازم يصير لها شي !
عَقد حاجبيه متسائلًا : شلون يعني ؟؟
ياسمين : أم فهد محتاجة كلية ، و حسب ما قال الطبيب لو أحد اتبرع لها بكلية احتمال كبير إنها تتحسن ..
سُلطان بتذمر : و أنا من وين بجيب لها واحد يتبرع بكلية ؟
ياسمين : ما هو ضروري تجيب ، ولدها موجود !
يرفع سلطان حاجبه الأيسر : فهد ؟ اهوة بذاته ما فكّر بهالخيار ، شلون فكرتِ فيه حضرتك ؟
ياسمين : الحين لو والدته ساءت حالتها أكيد بيفكّر ، و لو ما فكّر أنا أقول له ..
سلطان : و شلون بنخلي حالتها تصير سيئة ؟
ياسمين : سلطان ! طبعًا ما بنخلي حالتها سيئة ، فهد ما يمر المستشفى إلا في الليل يعني ما يعرف وش يصير خلال النهار ..
سلطان بملل : المعنى اختصري !
ياسمين بهمس : اليوم لما ييجي المستشفى و يسألني عن حالة أمه ، أقول إن الطبيب قال إنها بحاجة كلية و إن وضعها صار أسوأ ، و إن جلسات الغسيل ما عادت تنفعها ..
ظهرت ابتسامة جانبية صغيرة على شفتيه ، أظهر الرضا : ممتاز ، من متى عندك هالأفكار الجهنمية ؟
ياسمين : والله من زمان ، بس إنت اللي ما تعرفني كويس ..
أفزعتها حركة الأطباء و الممرضين متتابعين ركضًا نحو غرفة أم فهد ، لتقول بتعجل : طيب طيب أكلمك بعدين مع السلامة !
أغلقت الخط ، تنظر إليهم بريبة تحاول أن تستوقف أحدهم لتسأله ، لكن أحدًا لم يستجب لها ، دخل آخرهم ليغلق الباب خلفه و يمنعها من الدخول ، تنهّدت بخوف و هي تقول بهمس بينها و بين ذاتها : لا ما هو وقتها الحين !! لازم تتحملي شوي يا جواهر !

جَلست بإنهاك على الكرسي في ممر المستشفى ، تفرك يديها و تنتظر خروج الأطباء الذين يبدو أنهم يخوضون معركة في الداخل لإنقاذ حياتها ، تأخذ شهيقًا و زفيرًا بشكل متتالي و عيناها تراقبان باب الغرفة ، حتى خرج أخيرًا الطبيب منهَكًا ، انتصبت قامة ياسمين بفزع و سألت : خير يا دكتور وش صار ؟؟
الطبيب : المريضة كانت على وشَك الدخول فيه صدمة ..
عقدت حاجبيها بعدم فهم : وش يعني صدمة ؟
تنهّد و قال : يعني وضعها بدأ يسوء ، غَسيل الكلى هالحين ما عاد منه نتيجة ..
ياسمين بتفكير و عيناها تحلق حول غرفة جواهر : اهمم ، طيب وش الحل دكتور ؟
الطبيب : لازم نزرع كلية ، و بأسرع وقت ، لازم تلاقوا متبرع ..
هزّت رأسها ، تحرّك الطبيب من أمامها و تبعه زملاؤه ، أخذت ياسمين نفسًا عميقًا و هي تعاود الجلوس و تقول بهمس بينها و بين نفسها : والله برافو عليكِ يا جواهر ، وفرتِ علي الكذبة اللي كنت بكذبها على وِلدك ..

،,


يدخل ببطء إلى غرفة المكتب و هو يتصفح جواله ، يقف عند باب المكتب لثوان بينما يرمقه يحيى بنظرات غير مفهومة ، يستدرك وقوفه أمام الباب ، يدخل و هو يرفع نظراته لتأخذ جولة سريعة في المكان و يقول : راحوا ضيوفك ؟
أطلق تنهيدة صغيرة و التفت إلى شاشة حاسوبه و قال ببرود : مثل مو حضرتك شايف ، راحوا ..
اقترب عدة خطوات ليجلس أمام مكتب يَحيى و يتساءل : وش صار ؟ قدرت توصل لشي ؟
دون أن ينظر إليه : والله تقدر تسأل عصام عن هالشي ..
التفت خلفه لوهلة ، ألقى نظرة إلى مكتب عصام و أعاد نظراته إلى يحيى : وش علاقة عصام ، عصام ما كان هنا أساسًا !
التفت إليه بعينين غاضبتين ، شبك أصابعه فوق سطح مكتبه و قال : والله دام إنك حابب تأخذ أوامرك من عصام خلاص اسأله عن كل شي و اشتغل معاه بعد ..
ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتيه : وش كلام هالعيال هذا ؟ لا تقول إنك ماخذها علي عشان اللي صار فـ المستشفى ؟!
اكتفى بالصمت ، ضحِك عزيز : هههههههههههههه ، والله ما كنت عارف إنك تغار !
يحيى : وش هالسماجة عن أي غيرة تتكلم !
عزيز بجدية : غيرتك من عصام ، بس ترى هذا مسؤولنا كلنا ، و مو غلط لو أخذت الإذن منه ، لا تنسى إنك ما قصّـرت بعد !
عقد حاجبيه : أنا ما قصـرت ؟ وش سويتـلـك ؟
عزيز : قـلت عني إني متـوظف بالواسـطـة ، صـدقني يا يحيى لو مـا أعرف منـو إنت ما كـانت هالكـلمة بتعدي على خـيـر !
استند إلى ظهـر كرسيـه و قال بثـقة : أجـل كويس إنّـك عـارفني ..
عَزيز بحدّة : أنـا قـلت إني عـارفك ، ما قـلت إني خـايف منّـك ، يعني عـارف إنك أحيانـا تقول كلام مو حاسـب حسـابه ..
أخذ يتصفح الملفات التي أمامه و يقول بلامبالاة : أنـا ما أقـول كـلمة مو محسـوبـة ..
ارتفـع حاجبـه الأيسَر و قـال باحتجاج : يعني قـاصدهـا ؟
رفع نظره إليه لثانية ثم أعاده إلى الملف : احسـبها مثـل ما تحـب ..
هزّ رأسـه بتوتر و وعيـد ، نهـض عن الكرسي و قـال : اعتبـرني منسحـب من قضيـتك ، حلـها بروحـك يا عبقـري زمـانك ..
التفت خارجًا من المكتب و قد ضاق ذرعًا بعنجهية يحيى ، و تقليله الدائم من احترامه ، تنهّد يحيى بحيرة ، شبك أصابعه و أخذ يطقطقها ببعضها البعض ، تأفف و قد ارتخى رأسه إلى مسند الكرسي الدوّار و هو يهمس بينه و بين ذاته : ضاق خلقي منهم ، و من هالقضية و من كل شي !
تناول جوّاله عن الطاولة ، رفعه لينظر إلى الساعة التي قاربت على الحادية عشرة مساءًا ، فَرك عينيه بأصابعه بإرهاق ، نَهض عن الكرسي و هيأ نفسه للعودة إلى بيته ..


،,


يلتصق جسدها بالكرسي كما اعتادت ، تتصفح رواية أجنبية بعينين ناعستين ، في أروقة المستشفى الخالية في هذا التوقيت إلا من تحركات خفيفة للممرضين و الأطباء .. صوت خطواته الذي بات مألوفًا لديها ، يقترب بكسل و بغير رغبة في مقابلتها ، ارتفعت نظراتها عن الكتاب الذي أغلقته واضعة سبابتها داخل الصفحة التي وصلت إليها ، لُتلاقي نظراته التي غيرت مسارها نحو الأرض حين نظرت إليه ، وَصل إليها ، بلا مبالاة فتحت الكتاب مجددًا و عادت للقراءة دون أن تعير وقوفه قبالتها أي اهتمام ، تذمر داخليًا من رد فعلها البارد ، بصوت يدل على التجهم تساءل : أمي نايمة ؟
دون أن ترفع نظراتها إليه ، و بلا مبالاة : نامت من ساعتين ..
جَلس إلى جانبها و الفضول يُخالج قلبه ليعرف بِم تنشغل عيناها ، تساءل : قال شي الطبيب عن حالتها ؟
بذات النبرة و دون أن تتوقف عيناها عن القراءة : لو هامّك موضوع أمك ما تتركها بالساعات بروحها ..
ظهرت ابتسامة متطرفة على جانب شفتيه ، اقترب ليهمس في أذنها : كافي تلعبي هاللعبة علي ..
ابتعد و اعتدل في جلسته ، التفتت إليه : أي لعبة ؟
فهد : لعبة الحنونة اللي قلبها على أمي ، لا تتوقعي إنك بالدراما اللي سويتيها قبل كم يوم هِنا إني راح أتعاطف معاكِ أو حتى أصدق السالفة اللي قلتيها عن أبوي ، حتى لو كان متزوجك و إنتِ الحين حامل منه ، روايتِك عنه ماني مصدقها ، و ماني مصدق إنك ضحية ..
أظهرت ابتسامة تشابه ابتسامته على وجهها و قالت بصوت منخفض : و منو قالك إن رأيك يهمني ؟ و منو قالك إنك كلك على بعضك تهمني ولا يهمني تصديقك ؟
بلهجة كَيد أردفت و هي تنظر أمامها و تبتسم بخبث : اللي يهمني إن الواالدة ، أكيــد بتصدقـني ..
اتسعت عيناه بغضب يشع من محاجرهما و هو يقول من بين أسنانه : بذبحِك لو أمـي تـدرى بـشي !
بسـخريـة ردت : والله اللي تهمه أمه ، يروح يلاقي حل للفشـل الكـلوي اللي عنـدهـا ، مـو يقضيـها مشـاوير و تسليـة ! أمّـك اليوم كـان بتمـوت و إنت مـو سائل !
نَهـض عـن الكرسي بتلهف و خـوف : وش قـاعـدة تقـولي ؟ وش صـارلهـا ؟؟ شلـونها الحيـن شنـو قـال الطبيب ؟
أنهـى أسئلته المتتـالية و خـطا خـطوة نحـو الغرفة ، وقَفت ياسمين في وجهه و أوقفـتـه بحـزم : قلت لك إنـها نـايمة ، اتركـها ترتـاح .. اقعـد ..
تسـارعـت أنفـاسه و هو يراقب بعينيه الخائفتين باب الغـرفة ، جـلس مـجددًا ، و جَلست ياسمين : بصـراحة ما فهمت على الدكـتور وش قـال بالضبـط ، بس اللي فهمـته إن غَسيل الكِلى ما ينفع الحين .. ولازم أحد يتبـرع لهـا بكليـة ، ضـرووي .. و الوقت ما هـو بصـالحك !
فهـد : ليش ما كلمتيني ؟
بلا مبالاة دون أن تنظر إليه : دقيت عليك ما رديت ، بعدين مو هذا المهم الحين ..
بدأ يفرك عينيه بأصابعه بتوتر : وش الحل الحين ؟!
التفتت إليه و قالت بجدية : انت من جدّك ؟ ترى ما يبيلها تفكير سوّي فحوصات و انت تبرع لأمّـك !
فَتح عينيه و قال بهمس : صحيح ! شلـون ما فكـرت بهالحل !
بخبث قالت : قلتلك إنّك مو مهتم بأمك ، ما عجبك الكلام ..
نظر إليها بحقد ، نهض عن الكرسي و قال : أنا بروح أشوف الدكتور ، إذا صار أي شي تكلميني ، و لو ما رديت دقي ألف مـرة !
دون أن تنظر إليه : إن شالله ..
تركها ممتعضًا غاضبًا ، و توجه إلى غرفة الطبيب ، أخذ نفسًا عميقًا ، قَرع الباب عدّة مرات حتى جاء صوت من الداخل يقول : تفضل ..
دخل بهدوء و الهم يَركب وجهه ، قال بصوت بالكاد يسمع : دكتور أنا والدتي جواهر ، مريضة الفشل الكلوي ..
الطبيب : ايوه ايوه عرفتك ، تفضل يبه ..
جَلس على الكرسي الجلد الأسود أمام طاولة الطبيب ، بصوت مبحوح قال : دكتور وش صار لأمي ؟
بقلة حيلة نظر إليه و هو يقول : مثل ما توقعت في البداية ، غسيل الكلى حل قَصير الأمد ، اليوم الوالدة كانت على وشك الدخول في غيبوبة لكن تداركنا الموضوع الحمدلله .. و الحين الحل الوحيد اهوة إنك تلاقي متبرع مناسب بأسرع وقت ممكن !
فهـد : دكتور أقدر أتبرع لها أنا ؟
الطبيب : فيه فحوصات لازم نسويها عشان نتأكد من تطابق الأنسجة ، و لو طلعت الفحوصات متطابقة يكون أكيد أفضل من إنه يتبرع لها واحد غريب !
فهـد : وش الفـرق ؟
الطبيب : إنتَ ولدها يعني تركيبة جسمك أقرب لتركيبة جسم والدتك من الغريب ، الموضوع ماهو بس موضوع أنسجة متطابقة و بس ، و لو كان تطابق الأنسجة اهوة الخطوة الأولى و الأهم ، بس بعد فيه شي ثاني بعد العملية ..
فهـد : وش هـو دكتـور ؟ يعني حتى بعد العملية ممكن يكون في خطـر ؟
الطبيب : طبعًا ، فيه خطر عدم تقبل جسم والدتَك للكلية الجديدة ، جهاز المناعة عندها ممكن يتعامل مع الكلية على إنها جسم غريب دخل عليه و يبدا يهاجمه ، مثل ما يهاجم أي فيروس أو مرض يصيب الإنسان ..
فهد : طيب ما فيه حل لهالمشكلة ؟
أخذ الطبيب نفسًا عميقًا و قال : أكيد فيه حل ، بس ما هو مثالي بصراحة ، احنا ممكن نعطيها أدوية تقلل من عمل جهاز المناعة ، أو توقفه لفترة مؤقتة عَبال ما تتعافى ، و بالتالي ما رح يقدر جهاز المناعة يهاجم الكِلية الجديدة ..
فهد : و وين المشكلة بهالحل ؟
الطبيب : المشكلة إن ما فيه إنسان ما يحتاج لجهاز مناعة ، يعني ممكن خلال هالفترة يدخل فيروس على جسم والدتك و ما يكون فيه جهاز مناعة يقاومه و بالتالي نكون صلحنا شي من جهة ، و من جهة ثانية خربنا شي ثاني ! غير إنه له تأثيرات على المدى البعيد ..
تاهَت نظرات عينيه في الغرفة و هو يفكر ، قطع تفكيره صوت الطبيب : بجميع الأحوال هالكلام بدري عليه ، الحين أبي منك تيجي بكرا بدري علشان نسويلك الفحوصات اللازمة ، و إن شاء الله خير ..


،,



أرعَبها دخوله إلى غرفتها بهذه الطريقة ، رغم أنها لم تتفاجأ بقدومه ، كانت تعرف أنه سيأتي لتوبيخها لا محالة ، عيناه المشعتان تخبرانها أن لا خير أبدًا فيما هو قادم ، تقف خلفه والدتها خائفة ، عاجزة أو تدعي العجز كما اعتادت أن تراها دومًا ، نهضت من مكانها ولا زالت عيناها تتجولان في بلاط الغرفة ، منتظرة لسماع أقسى الكلمات و التوبيخات و الإهانات ، أخذ يعقوب نفسًا عميقًا قبل أن يقول بصوت أجش و بنبرة هادئة لا تنبئ بالخير : إنتِ شلون تمدي ايدِك ، على بنتي رهف ؟
جُمانة تقف على باب الغرفة و تقول بلهجة دفاعية : بابا رهف ..
قاطعها بغضب : لا حد يتدخل !
عاد بنظراته إليها ، ارتفعت عيناها الوجلتين لتقول بصوت مبحوح : بنتَك قللت أدب ..
صفعها على وجهها صفعة مفاجئة و هو يصرخ : بنــت ! رهـف أأدب منك و من اللي خلّفك !
بحرقة قالت و هي تكتم بكاءها : لا تتكلم عن أبوي !
تتدخل يسرى لتقترب من ابنتها محاولة تهدئتها و ترسل نظرات معاتبة لزوجها ، أردف يعقوب : شوفي يا بنت ، أنا خلاص ماني قادر أتحملك فـ بيتي !
يسرى باحتجاج : يعقـووب ! وش هالكلام !
أكمل بذات اللهجة : بكرا سفرك مع أخوكِ ، وجهك مابي أشوفه في بيتي مرة ثانية ! فااهمة ؟
تركهم و خرج ، بينما تقِف رهف في زاوية الغرفة تبتسم ابتسامة النصر ، ببكاء تقول سارة : قولي لزوجك إني أنا اللي ما برجع هالبيت لو بسكن في الشوارع !
تطبطب يسرى على كتفها بقلة حيلة : حبيبتي طولي بالك عمّك معصب أكيد ما يقصد كلامه !
ابتعدت بصمت متجهة نحو حمامها ، التفتت يُسرى إلى رهف و قالت بتوعد : حسابك بعدين يا قليلة الأدب أنا أعرف شغلي معاكِ !
تأففت و هي تتبع زوجها إلى الغرفة ، صوت فتح الباب يُنبئ بغضبها الذي لم تشعر به منذ سنوات طويلة ، تثأر الأم لابنتها لأول مرة منذ أن دخلت هذا البيت ، ولا يعلم إلا هي و يعقوب ، ما الذي كان يُعجِزها عن الوقوف في وجهه ، لم يُعِر غضبها الواضح أي اهتمام ، و هو يجلِس على الأريكة و يقرأ جريدة قديمة ، وَقفت أمامه و قالت بهدوء مفتعل : ممكن أعرف وش اللي سويته ؟
دون أن ينظر إليها ، يقلب صفحة الجريدة و يجيب : اللي سويته واضِح .. " رفع عينه إليها " : تحبي أعيده لو ما استوعبتِ ؟
يُسرى بحنق : يعـقـوب ! ما يحقلك تطرد بنتي سارة من البيت !
طَوى الجريدة و أعادها إلى مكانها و قال ببرود : و ليش ما يحقلي ؟ خير إن شاء الله مو بيتي ؟
أمالت رأسها و هي تقول : بيتَك ما اختلفنا ، بس لا تنسى إنك خذيت ميراث سارة من أبوها كامل و ما عطيتها ولا شي ، و الحين قاعد تقولها إطلعي من بيتي ؟
يعقوب بحدّة : موضوع الميراث أعتقد انتهينا منه ، و موضوع بنتِك سارة بعد انتهينا منه ، أنا رح أشوفلها رجال يتزوجها و نخلص من همها !
فتحت عينيها باتساعهما : تبي تزوج بنتي لواحد من الشارع ؟؟
يَعقـوب : طبـعًا مـو من الشـارع وش هالكـلام ؟
عقدت حاجبيها : أجل لمنـو بتزوجـها ؟
يَعقـوب : راح أكلـم أشـرف ، هذا من رجالي و محـترم و ولـد عالـم و نـاس ..
يُسـرى : أشـرف فقـيـر و معــدوم و أنـا بنتي متعودة عالعز ! ما راح أرميهـا كِذا !
يعقوب بتأفف : احـمدي ربّـك لو قبـل ياخذها أصلاً ! وش مفكرة بنتِك مارلين مونرو بجمالها ؟ ولا بجسمهـا اللي مثـل البقرة !
أشارت بسبابتها بتهديد : شوف يعقوب إذا بتسوي هاللي في دماغَك صدقني ما بيحصل خير ، و إذا بنتي ما ردّت هالبيت بعد سفـرها لرومـا أنا بعـد بترك البيـت .. مفهـوم كلامي ؟
ابتسم بمكـر ، اقترب منها ، و انحنى ليطبع قبلة خاطفة على إصبعها الذي تهدده فيه ، رفع رأسه مجددًا و قال : حبيبتي إنتِ عارفة إنّـك منتِ قد هالكلام صح ؟ يعني أكـيد إنتِ ما تحبي أولادك كلهـم بما فيـهم سـارة ، يعـرفوا ماضيـكِ المشرّف ، و وش سويتِ بأخوي ، يعني زوجِك الأول .. يعني عم رهف و جمانة و غسان ، و أبـو سـارة ..
ارتخت سبابتها ، و تلألأت الدموع في محاجر عينيها ، و قالت : قاعِد تهددني ؟ تهدد زوجتَك أم عيالَك تبي تفضحها ؟
بملل قال و هو يضع يديه في جيوبه : والله يا عمري مو أنا اللي بديت بالتهديد ، احفظي حدودِك ولا تنسي روحِك و إنتِ تتكلمي معاي ..
اقترب منها ، و همس في أذنها : لا تنسي إنّك لولاي كنتِ الحين مدفـونة ..
تبادل نظراته الحادة ، بنظراتها المنكسرة ، خرج من الغرفة بينما انهار جسدها على الأريكة و الدموع تتناثر تباعًا على خدّيها ، و هـا قد أتى أخيرًا ، اليوم الذي حذرتها والدتَها منه !


،,


منتصَف الليل ، المدينة اللامعة يلتف ظلامها حول غرفة تِلك الحزينة ، و هي تتقلب في فراشها ذات اليمين و ذات الشمال ، أفكَار تتشاجر في رأسها الذي تصدّع من كثرة التفكير ، أقوال متضاربة تمر على مسامعها مجددًا ، لا تخدعي نفسك يا ريم ، فكل ما قالته صديقتك صحيح ، لستِ المرأة الحديدية لتكوني قادرة على تربية طفل لوحدك ، خاصة أن والده لا يرغب بوجوده ، إنني حتمًا سأظلمه إن سمحت له بالقدوم إلى تِلك الدنيا بلا أب يحبه و يعترف به .. أطلقت تنهيدتها و يدها اليمنى ترقد بهدوء فوق بطنها ، تتحسس جنينها في أحشائها ، لن تسامحني إن قتلتك الآن ، و لن تعفو عني إن شعرت بكره والدك لك !

نهضت لتجلس على السرير ، التفتت إلى الكوميدينا ، تناولت جوالها ، الساعة الثالثة فجرًا ، لم تكترث لتأخر الوقت ، ضغطت على زر الاتصال برقم حسناء ، التي كانت تجلس فوق سريرها و تضع اللابتوب فوق فخذيها و تقلب في كتاب دراسي من كتبها الجامعية عبر الانترنت ، اهتز جوالها ، عقدت حاجبيها من مكالمة في ذلك الوقت ، رفعت نظاراتها الطبية فوق شعرها و أخذت الجوال ، انتفض جسدها حين رأت اسم ريم ، ردت بتلهف : ريـم وش صايـر فيـكِ شي ؟؟
ريـم : لا لا ، ما في شي ، أنا آسفـة خرعتك !
أطلقت نفسًا و قالت : أجل وش فيكِ تدقي علي هالحين ؟
ريـم : كنتِ نايمة ؟
حَسناء ، تفرك عينها اليسرى بتعب : لا ماني نايمة ، سهرانة ، قولي وش عندك ؟
ريـم ، بعد تردد قصيـر : أنا ، خلاص قررت ..
عقدت حسناء حاجبيها : وش قررتِ ؟
ريم : قررت أسوي اللي يبيه أبوك ، الإجهاض !
حسنـاء باستنكار واضـح : نعــم ؟؟؟
نفثت نفسًا : اللي سمعتيه ، أنا ماني قد أبوكِ ولا أقدر عليه ، و لا بقدر أربي الولد بروحي ..
حسناء : ريم وش هالكلام ! و أنا وين رحت ؟؟ منتِ بحاجة أبوي !!
ريـم بابتسامة ساخرة : حسناء أنا مابي نضحك على بعض بالكلام ، الحرمة ما تقدر تربي ولدها بدون أبوه ، ماهي سهلة .. و لو فرضًا قدرت عليه بروحي ، وش بقول لا سألني عن أبوه ؟ أبوك ما يبيك و كان يبيني أذبحك ؟
حسناء بخيبة : بس كذا تكوني بتذبحيه فعلًا !
ريـم : أرحم من عيشة في دنيا أبوه ما يبيه فيها !
حسناء : شوفي ريـم أنا مقـدر أتدخل بقرارك ، و أكيد بقول لأبوي إنك بتسوي إجهاض يمكن يغير دماغه ، بس أتمنى إنك ما تاخذي قرار تندمي عليه بعدين .. تصبحي على خير ..
أغلقت الخط دون أن تسمع ردها ، تأففت و هي تنظر نحو الباب ، و في داخلها الكثير من المشاعر الغاضبة ، وضعت اللابتوب جانبًا ، رفعت اللحاف عن قدميها و نهضت عن السرير ، خرجت من الغرفة متجهة نحو غرفة والدها ، طرقت الباب عدة مرات دون أن يأتيها جواب ، تأففت مرة أخرى ، و فتحت الباب ، نحو الغرفة دامسة الظلام ، يرقد والدها فوق سريره و يبدو أنه يغط في نوم عميق .. جَلست على طرف السرير و عيناها ترسلان شعاعًا من العتب نحوه ، بهدوء قالت : عُمـر .
لَم يستجِب ، مدت يدها وبدأت تهز كتفه و تقول : بابا ، قـوم ..
فَتح عينيه الحمراوين ، نَظر إليها محاولا الاستيعاب ، عَقد حاجبيه و نهض بخوف : ديانا ! وش فيكِ ؟
صمتت لوهلة و هي تتفحص القَسوة في عينيه ، ثم أجابت : ريم اتصلت فيني ..
تنفس براحة ، ثم قال : هالحين مقعدتني من النوم عشان تقولي إن ريم اتصلت فيكِ ؟
حَسناء : ماني جاية أقول إنها اتصلت ، جاية أقول إنها فرصتك الأخيرة ..
عمر : أي فرصـة ؟
حَسناء : ريـم قررت تجهض الولـد ، مثل ما تبي ، و أنا قلت من واجبي أبلغك ..
ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه : و ليش من واجبك تبلغيني ؟
تنفست بعمق : لأنه ولدك ، و حقّك تعرف إن زوجتك راح تجهض ، مين يدري ، يمكن تغير دماغك ..
وَقفت متكتفة و قالت : أنا الحين ما أقدر أتدخل بقراركم ، دام إنها وافقتك عالموضوع ، هالشي يخصكم ، بس أنا علي أنصحك للمرة الأخيرة ، و أذكرك بعد ، إن عمر ما عنده أولاد ..
نظر إليها بطرف عينه : أجل إنتِ شنو ؟
حسناء : أنا بتخرج السنة الجاية ، و بعد ما أتخرج أوعدَك إنك ما بتشوف وجهي .. تصبح على خير ..
خرجت دون أن تترك له مجالًا للرد ، أغلقت الباب خلفها ، و هو يسمع صوت خطواتها المبتعدة عن الغرفة بالتدريج ، يقول بينه و بين نفسه بلهجة وعيد : ما بخليك تسوي اللي فـ بالك يا حَسنا !

،,


صباح جديد يُغلفه الأمل ، يقِف أمام مرآته و هو يُعدل ياقَة قميصِه ، العبوس واضح على وجهه ، و نظرات العَتب يُلقيها إلى مريم كلما تلاقت عيناهما ، ارتخت عيناه عنها و هو يُكبّل يده بساعته ، دون أن ينظر إليها قال : تبي شي ؟
نَهضت من مكانها ، تقدّمت نحوه و قالت و هي تنظر في الأرض ، أصابعها تلاعب بعضها البعض بارتباك ، قالت : تعال اليوم بعد صلاة الظهر ، خذني للدكتورة ..
نظر إليها بفرح : صِدق ؟
ابتسمت و هي تهز رأسها ، أمسك وجهها بين يديه ، اقترب ليقبل جبينها و يقول : بعد الصلاة أكون عندِك ..
تركها و توجه نحو الباب ، نادته : عِصام ..
توقف عنده ، التفت إليها و قال : عيـوني ؟
مريـم : أنا أحبك ، و أبيـك تكون معاي على طول ، مو لأحد ثاني ..
أرسل ابتسامة ، اقترب مجددًا منها : مريم ، أنا بعد أحبك ، و مابي أخسـر اللي بيننا ، بس إنتِ لا تكوني نِكـدة !
رفعت حاجبيها باحتجاج طفولي : هالحين أنا نِكـدة !
ضَحِك بخفة : ههههههه ، لا أمزح معاكِ ، مو نِكدة ، بس صعبة شوي !
احتفظت بابتسامتها ، و هي تمرر يدها على وجهه و نظراتها المشتاقة له كأنها لم تحظى برؤيته منذ زمن طويل ، رفع حاجبه و شفتيه تتمايلان جانبًا : بتخليني أروح ولا آخذ إجازة اليوم ؟
مريم : يعني لو طلبت منك تظل معاي اليوم ، بتظل ؟
عِصـام : جربي !
مريم : هههه ، طيب ، ممكن تظل معـاي اليوم يا حضـرة المحقق عِصـام ؟
عصـام : والله صعب مشغول اليوم !
ضربته بخفة على صدره : عِصـاام !
ضحِك و هو يأخذها في حضنه ، ليرتخي رأسها بشوق على صدره ، يمرر يده بحنية لتتوغل في شعرها ، و هو يقول بصوت هامس : أبيكِ على طول تكوني كذا ، ما تسمحي لأي شي فـ الدنيا يسمم علاقتنا !
رفعت عينيها و نظرت إليه بِحب ، ابتسم و هو يقترب من شَفتيها ، و يقول بهمس : صِدق إني ما بروح الشغل اليوم !

،,


غرفة التحقيق الخالية ، يجلِس يدور في كرسيه نِصف دورة ثم يدور بعكس الاتجاه ، يحدق في كرسي عزيز الفارِغ ، يحاول أن يعترف بأنه لا يترك مجالًا لصديق يدخل حياته ! لم يلتفت إلى الباب حين سمع صوت إبراهيم يقول : صـباح الخيـر ..
التزم الصمت ، جَلس إبراهيم مكان عصام خلف طاولته ، قال : قاعدين نقول صباح الخير ما فيه رد ؟
التفت يحيى إليه بعينين ناعستين و قال : صباح النور ، شلونك اليوم ؟
إبراهيم : الحمدلله ..
ساد الصمت لثوانٍ بينما يُقلب إبراهيم في بعض الأوراق على طاولة عِصام ، عَقد يحيى حاجبيه و تساءل : وش مقعدك هنا ؟
إبراهيم دون أن ينظر إليه : اليوم عِصام إجازة ، أخذت مكانه مؤقتًا . وش صار بسالفة الفلاشة ؟
يحيى : ما صار شي ، الخيط الوحيد اللي كان من الممكن يوصلنا لدليل في الجريمة ضاع !
إبراهيم باعتراض : و ليش قاعد تتكلم كذا كأنك تلومني ! اللي صار كان غصبن عني !
تأفف يحيى و هو يترك مكانه و يتجه نحوه : يا إبراهيم ماني قاعِد ألومك ، بس أبيك تساعدني تحاول تتذكر أي شي صار أي شي مهما كان بسيط ممكن يوصلنا للي ساوى هالشي !
إبراهيم : طيب ، ما قلت إنك شاكك بفهد ؟
يحيى : ما عندي أي دليل ضده ، فهد كان هنا و تكلمنا و حاولت آخذ منه معلومات ما قدرت آخذ لا حق ولا باطل !
أخذ إبراهيم نفسًا عميقًا و هو يفكّر ، تساءل يحيى : طيب بالحي عندكم مافي أحد مركب كاميرات مراقبة ؟ أو كاميرات بالشارع مثلًا ؟
إبراهيم و هو يستجمع ذاكرته : بالشارع ما أتوقع فيه كاميرات ، بس فيه جارنا اللي ساكن جنبنا ، كان مركب كاميرات على مدخل بيته .. و الكاميرات هذي كاشفة الشارع تقريبًا .. بس ما أتوقع نستفيد شي !
يحيى : ليش ؟؟
إبراهيم : لأني حسب ما أتذكر إني لمحت واحد من اللي هاجموني مغطي وجهه ، فغالبًا كلهم مغطيين وجههم يعني ما رح نعرفهم !
بحماس قال و هو يعود إلى خلف مكتبه : خلاص انت تجهز عشان نروح و أنا بكلم عزيز أخليه يحصّلنا ..
بدأ إبراهيم يقلب الأوراق بشكل سريع ، توقّف عند إحداهن و قال : لا تتصل ..
التفت إليه يحيى باستفهام ، قال إبراهيم و هو يرفع الورقة أمامه : عَزيز مقدّم طلب نقل لمكان ثاني ، و يبي موافقة عصام عالطلب !
تأفف يحيى بملل و هو يطبق عينيه : اففف ، لا توافق عالطلب .
إبراهيم : مالي صلاحية أوقع هالطلب أصلا ، بس ليش عزيز يبي ينتقل ؟
يحيى : هذا ولد ، ما يعرف يسوي شي في الدنيا غير يحرد و يزعل !
وقف إبراهيم و هو يعدل قميصه : أيوه ، حضرتك تقرف البشر و بعدين تقول عنهم عقلهم صغير .. صح ؟
يحيى : الحين إنتَ معاه ولا معاي ؟
إبراهيم : لا والله أنا معاه ، و من غير لا أعرف وش السالفة لأني أعرفك و أعرف طبعك اللي يطفش القرود !
لوى شفتيه بغير إعجاب بكلامه و قال بتذمر : طيب اخلص خلاص خلينا نروح نشوف الكاميرات و أنا أشوف موضوع عزيز بعدين ..


،,


دخل إلى مكتبه المظلم إلا من نور خافت في زاوية الغرفة ، متعجلًا على ما يبدو لفهد الجالس على إحدى الكراسي أمام طاولة المكتب ، يلف ساقًا فوق الأخرى و التوتر واضح على وجهه ، سُلطان يتقدم من مكتبه و هو ينظر إلى فهد بطرف عينه و قد سئِم كثرة طلباته : ها وش عندَك جايبني من الصبح ؟
انتظره فهد ، حتى جَلس خلف مكتبه ، التفت بنصف جسده إليه و قال بجدية : أبيك تأمن لي متبرع ..
عقد حاجبيه و شَبك أصابعه ببعضها ، تساءل : متبرع ؟؟ متبرع شنو ؟
فهـد : أمي محتاجـة كِـلية ، و فـورًا .. و أنا ماني عارف إذا بقدر أتبرع لها أو لا !
ابتسامة أخفاها بعناية و هو يستحضر كلام ياسمين في ذاكرته ، تنحنح و قال : مممم ، ما جربت أجيب متبرعين من قبل !
فهـد بلهجة فيها رجاء : دبرني يا سلطان ! إذا فحوصاتي ما طلعت مثل ماهو مطلوب ما رح أقدر أتبرع لها ، و بهالشكل ممكن أخسر والدتي !
هزّ رأسه : طيب طيب ، إنتَ سويت الفحوصات ؟
فهد و نظراته تتجول في بلاط الغرفة : الحين طالع من عندك للمستشفى ..
سُلطان : طيب ، أنا رح أسوي اتصالاتي ، بس إنت روح الحين سوي الفحوصات و طمننا عن النتيجة ..
هزّ فهد رأسه بالقبول ، نهض من مكانه بضعف ، توجه إلى الباب دون كلمات ، راقبه سلطان حتى خرج فارتسمت على وجهه تِلك الابتسامة التي جَبُنت عن الظهور أمام فهـد ، يقول بصوت منخفض بينه و بين نفسه و هو يضغط على اسم ياسمين في جوّاله : والله طلعتِ منتِ قليلة يا ياسمين !
ثوانٍ حتى جاءه صوتها : أيوه يا سلطان ؟
سلطـان بحمـاس : عـفيه عليـكِ والله يا ياسمين شلون قدرتِ تقنعي فهد إن أمه مريضة !
أخذت نفسًا عميقًا و أجابت : لا أقنعته ولا شي ، أمه فعلًا بحاجة كلية و فورًا ..
سلطان : وش صار ؟
ياسمين : أمس ، بعد ما قفلت معاك الخط ، صار أزمة معاها ، و الطبيب قالها جلسات الغسيل ما تنفع الحين يبيلها كِلية جديدة ، و أنا قلت لفهد هالشي ..
سُلطان بلهجة حانقة : و أنا توني أدرى !
ياسمين ببرود : وش أسويلك ؟ المهم فهد يبي يتبرع لها ، بس لو ما قدر وش بتسوي ؟
تنهد بتفكير ، ثم قال : لازم أدبر ناس يكونوا جاهزين للتبرع ، أم فهد مو لازم يصير عليها شي بالوقت الحاضر نهائيًا ..
ياسمين بابتسامة ماكرة : كويس ، مو قلت إنك مختلف مع فهد عشان موضوع الفلوس اللي يبيها منك ؟ و كل يوم يطلب فلوس ؟
سلطان : ايوه ؟ وش تقصدي ؟
ياسمين : الفرصة عندَك ، الحين تقدر تتفق مع اللي بتجيبهم يتبرعوا إنهم يطلبوا مبلغ معين من فهد ، و اللي بيتبرع و بياخذ فلوس من فهد بتتقاسمها معاه ، و كِذا بتاخذ حقك من فهد من دون مشاكل ..
ضحك سلطان بصخب شديد : هههههههههههههههههه ، بس كذا صارت بيع كلية ، مو تبرع ..
ياسمين بابتسامة : يا سيدي سميها مثل ما تبي ، و المهم حصتي من الفلوس محفوظة !
سلطان بلهجة غزل : الفلوس كلها لك يا بعد قلبي إنتِ و أفكارِك اللي تجنن ، حبيبي أبغى أشوفك فـ بيتنا وحشتيني مـووت ..
ضحِكت : هههههه طيب أكلمك و نتفق .. سلاام ..
أغلقت الخط ، ألقى بجواله فوق طاولة المكتب و هو يبتسم بنشوة غريبة و يقول بصوت هامس محدثًا نفسه : ما غلطت يوم اخترتك يا ياسمين ..

،,



كان غيابًا طويلًا منذ آخر مرة تحدثوا فيها ، غيابًا ينتظر العتب ، و ربما ينتظر البرود و الجفاء و المزيد من القَسوة ، لا أعرف ما الذي قادنا إلى هنا ، لم أتوقع أن تِلك النهاية كانت تحيط بنا منذ البداية ، أرى اسمك ينير شاشة جوالي ، و لكن ذلك لا يُحرك في داخلي سوى العَتب و الخيبة !
أخذت نفسًا طويلًا ، في الوقت الذي كان سليمان على وشك أن يُنزل السماعة عن أذنه بعد أن يئِس من الرد ، أعاده مجددًا حين جاءه صوتها يقول : السلام عليكم ..
سليمان : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، قلت ما بتردي !
ببرود : كنت مشغولة ..
سليمان : كنت أبغى أتطمن عن إبراهيم ، شلون صار ؟
رفعت أحد حاجبيها ، صمتت لثانية ثم أجابت : بخير الحمدلله ، كويس إبراهيم ..
سليمان : و انتِ شلونك ؟
عَروب و هي تشعر برغبة في إغلاق الخط فورًا : و أنا بعد بخير يا سليمان .. الحمدلله
سليمان : امممممم ، طيب ، وش فيكِ ؟
عَروب تفتح صوتها المختنق منذ مدة و تتكلم دون توقف : وش فيني ؟ كل هاللي قاعد تسويه و تسألني وش فيني ؟ بعد هالغيبة داقق علي تسألني عن أخوي مثل الغربا ، ما كلفت روحك تيجي البيت و تزوره مثل أي نسيب ! أنا صدق مستغربة و ما كنت متوقعة إنك بتتغير كِذا قاعِد تتعامل معاي كأنك تعاقبني و المصيبة إنك إنت اللي غلطت معاي و لو المفروض أحد يحاسب الثاني فهو أنا مو إنت أنا صدق ماني قادرة أفهم وش اللي صار و شلون وصلنا هنا أنا مرة ..
قاطعها في منتصف حديثها : أحبك ..
ألجمت كلمته لسانها ، كما كانت دومًا تفعل ، صمتت و كان صوت أنفاسها الغاضبة وحده مسموعًا لدى سليمان ، أردف بعد صمت لم يطُل : عروب أنا أحبك ، أنا عارف إني غلطت معاكِ و أخذت قرار بلحظة غضب بس ما يبيلها كل هاللي قاعدة تسويه معاي ! أنا و إنتِ بنتزوج و بنعيش حياة كاملة مع بعض مو معقولة عند كل مطب نسوي فـ بعض كذا ! بهالصورة الاستمرار بيكون صعب علي و عليكِ ! أنا أحبك و أبيكِ ليش تعقدي الأمور ؟
عَروب بهدوء بعد الاحتداد : ليش ما جيت لما عرفت وش صاير مع أخوي ؟
ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه : ما قدرت ، تعاملك معاي ما تحملته ، أنا متعود على عروب حبيبتي اللي تملى علي دنيتي بضحكتها ، مو على عروب النكدة !
عروب : أنا ماني نكدة !
سليمان: ههههههههه ، طيب مو نِكدة ، بس كنتِ مزودتها الفترة اللي فاتت!
تنهّدت بعمق تحاول أن تتجاوز ما مروا به ، قالت : طيب سليمان أنا الحين بروح ، عندي شغل ..
سليمان : طيب ، اليوم بمر عليكم .. اتفقنا ؟
هزّت رأسها مع ابتسامة خفيفة أعطت نبرة انتعاش لصوتها : طيب ، أهلا و سهلا ..
أغلقت الخط ، وَقفت أمام مرآتها بتعابير وجهها الحائرة ، لا تعرف إن كان عليها التجاوز ، أم الإبقاء على موقفها الحاد ! لكنني خائفة ، لا أعرف ما الذي جعلني أقلق من مستقبلي معك يا سليمان ، لطالما كنت أنت الأمان الذي أبحث عنه ، لكنّك تخليت عني عند أول مهب للريح ..
لا أعرف إن كانت تِلك إشارات من الله ، يُرسلها لي لإيقاف هذا الزواج ، أم أنها مجرد توجسّات و أوهام !
رَفعت رأسها نحو الأعلى ، بعينين راجيتين ، و قلب مرتجف نادت : يـاارب ، أرشدني للطريق الصحيح !

،,

تَناول فنجان القهوة عن الطاولة ، عاد ليعتدل بجلوسه و يلف ساقًا فوق الأخرى ، ارتشف أول رشفة ، مرر لسانه على شفتيه و قال : المرة الماضية و أنا طالع من عندَك شفت شب ، يمكن موظف جديد ..
عقد نعيم حاجبيه ، ثم قال : أيوه صح صح ، فهد هذا موظف جديد صحيح .. حافظ موظفيني يعني ؟
ضحِك يعقوب : ههههههههههههههه ، أكيد ماني حافظهم ! بس أنا أعرف هالشخص ..
تقدّم نعيم بجسده ليتركز بأكواعه على طاولة المكتب و يقول بترقب : وش معنى كلامك ؟
أعاد يعقوب فنجان القهوة لمكانه ، ارتخى في جلوسه و هو يشبِك أصابعه و يقول : إنتَ أكيد عارف عمر حرب ..
نَعيم : طبعًا ، معروف ، و داخل معانا بمنافسة المناقصة الجديدة ..
يَعقوب : اممم ، إنتَ عارف إن فهد هذا ، يكون واحد من رجال عمر ؟
رَفع أحد حاجبيه بتعجب : شلون يعني ؟
يعقوب : ما يبيلها شرح ، لما كنت بروما شفت فهد مع بنت عمر حرب ، يعني فيه معرفة بينهم ..
نَعيم : طيب و أنا وش علاقتي بهالكلام ؟
يَعقوب : أول قول لي ، شلون وظفت فهد عندك ؟
نعيم : بصراحة عن طريق الواسطة ، سُلطان صديقي و صديق صاحب الشركة بعد و اهوة اللي طلب نوظف فهد ، لأن أبوه كان يشتغل سايق عند عمر و قبل لا يتوفى وصاهم فيه ..
ضحِك بصخب : هههههههههههههههههه وصاهم فيه ؟ هالحين صاروا يخافوا من ربنا و ينفذوا وصية الأموات ؟ و منو هذا سلطان وش اسم عيلته ؟
نعيم متعجبًا من ضحك يعقوب : سلطان الغانم ..
نهض يعقوب من مكانه و قال بحماس : آها قلتلي سلطان الغانم المحامي ..
هزّ نعيم رأسه ، اقترب منه يعقوب و دنا من طاولته : إنتَ عارف إن سلطان صديقه الحميم لعمر ؟ عارف وش معنى هالكلام ؟
نظر نعيم إليه باستفهام ، أردف يعقوب : يعني هذا الولد اللي اسمه فهد ، ما وظفوه عندك عشان سواد عيونه ولا عشان وصية الميت ، هذولا ناس ما يخافوا ربهم أساسًا ! هذا جاسوس ، يبي يعرف الرقم اللي رصدتوه للمناقصة و يقولهم عليه ، عشان تخسر المناقصة يا نعيم ..
صَمت نعيم لوهلة و هو يفكر ، ثم انفجر ضاحكًا : ههههههههههههههههههههههه والله عليك سوالف يابو غَسان !جاسوس مرة وحدة ؟ اللي يسمعك يقول عندي معلومات تخص الدولة !
ابتعد يعقوب عنه متعجبًا من ضحكه و قال بحدة : و ليش قاعِد تضحك ؟ أنكت معاك أنا ؟
أكمل ضحكه : ههههههههه ، لأنك قاعد تبالغ ، صحيح أنا وظفته في قسم المحاسبة بس ما خليته يحضر اجتماعات خاصة بالمناقصة ..
عدّل نبرة صوته و أردف بجدية : يعني فهد هذا ما يعرف وش المبلغ اللي رصدناه ولا يعرف أي شي !
يَعقوب : و إنت ضامن إنه ما يقدر يسحب كلام من الموظفين اللي حضروا الاجتماع ؟
رَفع نعيم حاجبيه بالنفي و قال : ما رح يقدر ، أنا منبه عالموظفين .. لا تخاف مو أول مرة نشتغل .. بعدين فهد ماخذ إجازة 3 أيام عشان أمه مريضة في المستشفى ، يعني المناقصة رح تنتهي و اهوة في الإجازة ..
نظر إليه يعقوب بطرف عينه ، و حقده يزداد على عمر الذي يعجز دومًا عن الانتصار عليه ، قال مصطنعًا اللامبالاة : على كل حال ، أنا حبيت أنبهك .. يلا أنا بمشي الحين ..
نهض نعيم من مكانه : تو الناس !
يَعقوب يمشي نحو الباب : لا مابي أعطلك أكثر ، طمننا يوم تربح المناقصة ..
نَعيم : إن شاء الله !
خرج يعقوب ممتعضًا من عدم قدرته على التأثير في قرار نعيم ، الآن عرفت اسمك ، فهـد .. دون أن ينظر إلى مرافقه قال و هو يتعدّاه : يلا مشينا يا أشرف ..

،,


القلق يستبيح تفكيره كله ، يقف خارج غرفة والدته الراقدة منذ وقت طويل ، متكتفًا و الهم واضح على وجهه ، تسترق ياسمين النظرات إليه خِلسة ، و يعرف هو كيف تنظر إليه ، قلبها يرتجف تدعو أن لا تنجح محاولته في التبرع لوالدته ، ذلك الكنز الثمين الذي ستسلب منه هي و سلطان ما استطاعوا ..خَرج الطبيب من الغرفة و تبعته الممرضة ، أوقفه فهد : دكتور .. وش فيها أمي ؟ من أمس نايمة !
تنهّد الطبيب و قال : والدتك تعبانة ، و الكِلى عندها مو شغالة و الوقت ماهو بصالحنا ، ضروري نسوي عملية نقل كِلية ..
فهد : طيب دكتور متى نقدر نسوي العملية ؟
الطبيب : ننتظر نتائج تحليلك الأول ، و إذا كانت متوافقة نقدر نسوي العملية من بكرا إن شاء الله ..
فهد : يعني اليوم تظهر نتائج التحاليل ؟؟
نظر الطبيب إلى ساعته ، و قال : يعني تقريبًا ساعتين زمان يكونوا جاهزين .. لعله خير ..
هزّ رأسه و الطبيب يُغادِره ، جبينه المتصبب عرقًا يزداد لمعانًا ، ينظر خلفه نحو سرير والدته ، يتعبه أن يراها بهذه الصورة ، جَلس على الكرسي دون أن ينتبه إلى تحديق ياسمين فيه ، كأنها تنتظر أن يفتح معها حديثًا ما ! ارتكى رأسه إلى ظهر الكرسي ، أطبق عينيه بتعب و قلبه يدعو ليحفظ الله له والدته ، كنزه الأخير الذي بقي يُحارب لأجله .. جَلست ياسمين إلى جانبه ، تتأمل الحزن في عينيه ، أيحب أحدهم والدته إلى ذلك الحد ؟ لِم لم أكن مخلصة إلى أمي ؟ ما الذي سلبني أي شعور تجاهها ؟ ما الذي قدمته لك تِلك الأم العاجزة منذ سنوات لكي تكون مخلصًا لها إلى تلك الدرجة ؟
تنحنحت و هي تشعر بتثاقله كلما خرج من حنجرتها حرفًا واحدًا ، لم تكترث و قالت : لازم شفت ناس يسووا تحاليل للاحتياط ، عشان تكسَب الوقت ..
نظر إليها بطرف عينه و حاجبه أخذ مكانًا مرتفعًا في جبينه ، كأنه يقول أرجوكِ كفي عن أكاذيبك ، أعاد نظره نحو الأرض و قال بهجومية : لا تتدخلي ..
نظرت إليه بدهشة ، يبدو أنه بدأ يتحول إلى فهد العدواني حتى قبل وفاة والدته ، شعر فقط أنه سيخسرها و أصبح على تِلك الشاكلة ، كيف سيصبح إن رحلت ؟
أخرج جواله الذي يهتز في جيبه ، نظر إلى اسم المتصل لتتغير معالم وجهه كليًا ، الابتسامة أشرقت وجهه من جديد إلى درجة أثارت فضول ياسمين !
فتح الخط و نهض من مكانه مبتعدًا عن ياسمين : آلو
بصوت خافت خجول: شلونَك فهد ؟
فهـد : وَحشتـينـي ..
ابتسمت بخجل ، تجاهلت ما قال : شلونها الوالدة ؟
فهد بصوت مهموم : تعبانة يا شهد ..
شهد : لا حول ولا قوة إلا بالله ، الله يشافيها و يعافيها يا رب .. فهد طارِق جاي عندَك المستشفى ..
فهد بحب : و إنتِ ، ما بشوفك ؟
بخجل : ممم صعب ، المهم أبغى منك طلب ..
فهد : تآمري على قلبي و عيوني ..
شهد و حمرة خديها تُشعل حرارة في جسدها : يسلم عيونك و قلبك .. طارِق مو ملاقي شغل ..
قاطعها و قد فهم طلبها : خلاص لا تكملي الموضوع عندي .. أنا أدبر الموضوع ..
شهد : تسلم ، طيب أنا بروح الحين .. سلم على عمتي جواهر ..
فهد : أفداكِ و أفدى عمتِك جواهر ..
رفع نظره ليرى طارق يتقدم نحوه ، تنحنح بارتباك و قال و هو يحادثها بلهجة المذكر : طيب أكلمَك بعدين و خلاص لا تقلق أنا بحل الموضوع
أغلق الخط و أعاد الهاتف إلى جيبه ، وَصل طارق إليه ، تصافحا و سأل طارق : شلونها الوالدة إن شاء الله تحسنت ؟
تنهد فهد بحزن و يأس : ما تحسنت ، محتاجة كِلية ..
طارِق : أبشر ياخوي وش تبي أنا جاهز ..
طبطب على كفّه بامتنان : ما تقصر يا طارق ، سويت تحاليل و إن شاء الله أنا بعطيها الكِلية ..
سار برفقته مبتعدين أكثر عن الغرفة ، تساءل فهد : وش تسوي فـ هالأيام يا طارق ؟
ابتسم ساخرًا : وش بسوي يعني ، عادي ، ما في شي ..
فهـد : للحين ما لقيت شغل صح ؟
تنهّد و عيناه تمشيَان معه تحملقان في حذائه المهترئ ، و ابتسامة تسخر منه اعتلت شفتيه ، هز رأسه بالنفي دون أن يتكلم ، أشار له فهد ليجلسا على الكراسي الملتصقة بظهر الحائط ، جَلسوا إلى جانب بعضهما ، تقدّم فهد بجسده و هو يتكئ بكوعيه على ركبتيه ، تشابكت أصابعه و على عكسه طارق الذي ارتخى جسده على الكرسي أيما ارتخاء ، و انتقلت عيناه لتحدقان في السقف البعيد ، بعد أن كانتا تحدقان في أسفل الأرض .. كَسر فهد جمود الصمت و قال : لمتى بتظل على هالحال ؟
لم تفارق ابتسامته الساخرة وجهه ، كأنه يقول في داخله جاء الزمان الذي أتلقى فيه نصائح ممن ارتكب جريمة ليملك قِرشًا يُنظّر فيه على العالم .. تِلك النظرات و السخرية التي تشرح ذاتها في ضحكته كانت مفهومة جدًا لدى فهد ، إلا أنه تجاهلها ، رَبت على ركبته بكفه و قال : أنا رح أدبرلك وظيفة محترمة خلال الفترة الجاية ..
انتفض بذعر أثار تعجب فهد ، و قال : لا لا مابي تدبرلي شي ، انسى الموضوع ..
ألتلك الدرجة أصبحت مرعبًا بالنسبة لك يا صديقي ؟ كانت الخيبة على وجهه ، أكان ذلك جزاء أن أفرغت ما في قلبي أمامك وحدك ؟
تدارك طارِق أن رد فعله كان مؤذيًا لصديقه الذي لم يكن ينوي سِوى مساعدته ، صديقه الذي لم يرضى يومًا عما آلت إليه حاله اليوم ، صديقه الذي يدفع ثمن ذنوب والده الراقد تحت التراب تاركًا همّا لا يُحمل لشاب في مقتبل عمره ، جعل منه مجرمًا ، ولا يدري إلى أين الطريق سيقوده بعد !
طارِق بنبرة خجولة : فهد أنا ، ما قصدت …
قاطعه و طبطب على ركبته بابتسامة مخذولة ، نهض من مكانه عائدًا نحو غرفة والدته ، ببطئ شديد ، يراقب طارِق رحيله و هو يلوم نفسه ، ولا يعرف أيختار البقاء ، أم الرحيل ؟
،,

فتح عينيه و بدأ ينظر حوله ، مَريم إلى جانبه نائمة بتعب ، بقميص نومها الحريري القرمزي ، ابتسم بحب و هو يتأملها ، رفع نظره إلى المنبه على الكومدينيا القريبة من مريم ، الواحدة و النصف ظهرًا ، فَرك وجهه بيديه ، أبعد اللحاف عن جسده و نهض من سريره ، غطّى زوجته مجددًا ، توجّه نحو الدولاب ليأخذ منشفة ، بهدوء و على رؤوس أصابعه دخل الحمام ليستحم بسرعة .. خرج بهدوء محاولًا ألا يوقظ مريم ، الواضح أنها كانت تغط في نوم عميق ، منشفة طويلة تلف خصره ، و الأخرى صغيرة وضعها على رقبته و يُمسك بطرفها يجفف شعره ، أخذ بدلته السوداء مع القميص الرمادي الداكن ، ارتداها بسرعة دون أن يضع ربطة عنق ، و ترك الزر الأول للقميص مفتوحًا ، صفف شعره بسرعة ، وضع قدمه في حذائه الأسود ، و خرج من الغرفة و هو يحمل زجاجة عطر و يرش منها خارج الغرفة ..
وضع زجاجة العطر أمام باب الغرفة و نزل إلى والدته التي تجلس في الصالة تقلب في جريدة تقرأ أخبارها ، جاء من خلفها و قبل رأسها : صباح الخير يالغالية ..
أدارت رأسها نحوه بتعجب و قالت : وين صباح الخير ، أذن الظهر يمه !
جَلس أمامها و قال : كِنت نايم ، و أخذت إجازة .
أم عِصام : و مريم وينها ؟
عصام ، يحك أسفل رأسه بإحراج : نايمة فوق ..
أم عِصام : مممم ، و وين يا مُسهِّل أشوفك لابس و متكشخ ؟
عِصام بضحكة : هههههههههه ، يمه أنا دايمًا متكشخ ، بروح المركز أشوف شلون الشغل ماشي ..
أم عِصام : مو قلت أخذت إجازة ؟ خلاص لا تروح اقعد مع حرمتك اليوم ..
عصام : المركز ما ينترك يوم من دوني يمه ، ما بتأخر خلاص ..
تنهّدت بيأس من مجادلته التي تعرف أنها لن تجدي نفعًا : طيب ، صليت الظهر قبل لا تروح ؟
عصام : بصلي في المركز ، دوبني أخذت شاور و لبست و نزلت مابي مريم تقعد و تشوفني رايح ..
أم عِصام : يمه إنت متى بتعقل ؟ هارب من زوجتك ؟
عصام : هههههههههههههه لا ماني هارب بس الحين إذا قعدت ما بتخليني أروح ..
هزّت والدته رأسها و هي تدقق النظر في رقبته ، عَقد عصام حاجبيه و قال : في شي يمه ؟
أم عِصام : لا ما في شي ، بس على عجلتك بتفضحنا بين الناس ..
عِصام بابتسامة خفيفة : ليش ؟؟
أم عِصام و هي تعاود القراءة في الجريدة : قوم لغرفتك و شوف نفسك كويس فـ المراية ..
رفَع حاجبيه متعجبًا ، نهض من مكانه و صعد الدرج بخفة و سرعة ، وَصل إلى غرفته و فتح الباب ببطء شديد ، دخل بهدوء و أغلق الباب محاولًا أن لا يُصدر صوتًا ..
تقدّم نحو المرآة و نظر فيها إلى رقبته ، تجعّد جبينه متذمرًا من ذلك التوقيع الذي تركته مريم على رقبته ، جَلس على الكرسي الصغير أمام المرآة و بدأ يُفتش بين كريمات مريم و مسحوقاتها التجميلية ، تأفف و قد عجز عن معرفة أي منها سيستخدم .. استدار رأسه نحوها ، زم شفتيه و ترك الكرسي ، تقدم نحوها و جلس على السرير بخفة ، مد يده لتداعب أصابعه خصلات شعرها : مريم ، حبيبي مريومي ..
فَتحت عينيها ببطء و قالت بصوت ناعس : عصام !
عِصام : قومي حبيبتي ..
فَركت عينيها بأصابعها و هي تعدّل جلستها : وين لابس ؟
عصام بخجل : حبيبتي ، اتصلوا فيني من المركز ولازم أروح ..
باحتجاج : مو قلت اليوم إجازة و بنظل سوا ؟
عصام : صحيح بس في شغل ضروري ، أنا ما بتأخر عليكِ و جهزي نفسك عشان نتغدى فـ أي مكان تحبيه ..
رفعت راحة يدها تغطي بها فمها حتى أنهت تثاؤبها ثم قالت : طيب حبيبي رح أنام ساعة و أقوم ..
أمسك بذراعها قبل أن تعاود النوم : ويين تنامي قومي شوفيلي حل لهالورطة !
رفعت حاجبيها و هي تحاول فتح عينيها قدر المستطاع ، حتى تنبهت و بدأت بالضحك : هههههههههههه ، طيب حبيبي آسفة والله ما انتبهت !
نهضت عن السرير مقتربة من طاولة التسريحة ، تناولت من حقيبة المكياج ما تحتاج و اقتربت منه ، و بدأت تطبطب بها على رقبته ، قال باعتراض : يا ليل ، آخري أحط مكياج !
ابتعدت قليلًا لتأخذ نظرة : لا حبيبي مو مبين شي .. لا تتأخر علي والله أزعل ..
قبّل جبينها : ما بتأخر حبيبتي .. سَلام ..

،,


يجلِسان متجاورين على الأريكة ، جهاز الحاسوب أمامهم يعرض تسجيلات الكاميرا ، يدققان في كل التفاصيل ، حتى هزّ يحيى رأسه بيأس : ما استفدنا شي !
إبراهيم : قلتلك ما بتستفيد .. ما صدقتني ..
نظر إليه بعتب ، ثم نظر إلى صاحب المنزل : عم ، أبغى منك خدمة ..
الرجل : قول يا ولدي .. وش تبي ؟
يحيى : هذا السي دي اللي عليه التسجيلات لو ما فيه مانع أبغى آخذه معاي و أتفرج عليه مرة ثانية ..
الرجل : أكيد يبه ما في مشكلة طبعًا .. على حسابَك السي دي و كل اللي تبيه ..
يحيى بابتسامة : ربي يخليك .. و إن شاء الله بأقرب فرصة برجعه ..
نهضوا مستعدين للمغادرة ، نهض برفقتهم الرجل : خذ راحتك ما في مشكلة ..
إبراهيم : آسفين عالإزعاج عمي ..
مشى معهم حتى وصلوا إلى الباب : لا ولو البيت بيتكم ..
إبراهيم : ربي يخليك .. السلام عليكم ..
تقدموا سوية بخطوات بطيئة نحو السيارة ، تساءل إبراهيم : وش رح تستفيد الحين ؟ شفنا التسجيلات و ما استفدنا شي ..
يحيى بتفكير و هو يقلب السي دي بين يديه : أبغى أشوفه مرة ثانية ما تعرف ممكن نكتشف شي ..
إبراهيم : طيب ، وين الحين ؟
يحيى : بروح لبيت عزيز هذا الولد و بكلمه ، إنت رد المركز ما يصير تاركينه فاضي كِذا
إبراهيم : وين أرد المركز ؟ وصلني تفضل مثل ما جينا بسيارتك بنرجع بسيارتك ..
قبل أن يركب : خلاص إبراهيم ما فيه وقت بعدين من هنا أقرب أروح لبيت عزيز ، خلاص خذ تكسي … سلاام ..
ركِب خلف مقوده ، و تحرّك بسرعة ، بينما يقف إبراهيم متأففًا تحت الشمس جبينه يتصبب عرقًا ..

قَاد بسرعة ، حتى وصل إلى بيت عزيز حسب العنوان المسجل ، اصطف بسيارته و نزل و هو يبحث عن رقم المنزل حتى وجده .. اقترب نحو الباب ، و قرع الجرس عدّة مرات دون استجابة ، تأفف في داخله و قال بهمس : معقول يكون عند أهله ؟!!
خلال ثوانٍ فُتِح الباب ، عزيز أمامه ببنطال البيجامة الأزرق ، عاري الصدر أشعث الشعر ، للتو مستيقظ من نومه ، وقف مندهشًا من زيارة يحيى ، مد يده بارتباك إلى شعره محاولًا أن يصلحه ، دخل يحيى و باستهزاء قال : ما شاء الله ، للحين نايم ، و تزعل لا قلنا عنك متعين بالواسطة ..
أغلق الباب و دخل خلفه : افففف ، ممكن تصطبح ؟
نظر إليه بطرف عينه : أصطبح ؟ يا حبيبي أذن الظهر و إنتَ نايم .. و بعد شوي بيأذن العصر !
دخل عزيز إلى الحمام و هو يسمع كلام يحيى من الخارج : وش هالولدنة اللي مسويها ؟؟
فتح صنبور المياه ، تساءل قبل أن يلقي المياه على وجهه : أي ولدنه ؟؟
بدأ يغسل وجهه و يحيى يقول : يعني منت عارف ؟
وضع فرشاة الأسنان في فمه و قال بكلمات غير مفهومة : لا ماني عارف ..
يحيى : طلبات النقل و حركات رابع ابتدائي ..
يتمضمض ، منغاظًا من كلمته ، خرج و المنشفة في يديه يجفف وجهه و فمه ، ينظر إلى يحيى بحدة دون أن يجيب ، يحيى : ههههههههههههههههه ، قاعد أمزح معاك يا رجال .. تعال اقعد خلصني ماني فاضي ..
عَزيز : بس لو ما كنت ضيفي ، قهـوة ؟
يحيى : ماابي شي ، تعال اقعد !
تقدم عزيز ، ألقى بالمنشفة على الأريكة الصغيرة ، و جلس أمامه ، نظر إليه يحيى : قوم بدل و تعال معاي المركز .. اعتبرني أخوك الكبير و صارت بيننا مشكلة كِذا بتسوي ؟
عزيز : يحيى ، لا تزعل مني ، بس إنتَ شخص لا يُحتمل في الشغل .. مسوي فيها إنك فاهم كل شي و ما حد غيرك فاهِم !!
يحيى : خلاص عاد لا تزودها ، و قوم معاي ما رح أخليك تنتقل ، أساسا ما استغني عنك ..
عزيز بابتسامة مستفزة : ليش ؟؟
يحيى ، بابتسامة مشابهة : واسطتك تلزمني ..
اختفت ابتسامته ، أخذ الوسادة الصغيرة و ألقاها في وجهه : ما تستحي !
يحيى : هههههههههههههههه وش فيك يا رجال أمزح معاك ، قوم عاد خلصنا ..

،,


تجلِس على برندة غرفتها ، شاردة في معالم الدّنيا من حولها ، عيناها تحترقان من قلة النوم و زيادة التفكير ، الوقت لم يعد في صالحها و عليها أن تتخذ القرار بأسرع ما يمكن !
نهضت من مكانها بتثاقل و بطء ، على رنين هاتف الغرفة ، جَلست على السرير ، رفعت السماعة و تحدثت بالإيطالية : نـعم ؟
ارتبك جسدها ، قالت بلهجة مضطربة : زائر ؟ حسنًا .. شكرًا
أغلقت الخط ، لوهلة شردت و هي تفكر ، لا بد أن حسناء أخبرته بقراري في الإجهاض ، ولا بد أنه سعيد جدًا ، و ربما أتى لاستعادتي !
تنهدت بحزن يغطي ملامح وجهها ، اقتربت لتأخذ عباءَتها السوداء ، ألقتها على جسدها بإهمال ، و بالإهمال ذاته ألقت الحجاب على رأسها ، دون أن تضع أية مساحيق تجميلية ، كأنها أرادت أن تثبت له أن قدومه غير مرحب به على الإطلاق ..

في صالة الانتظار ، مرتبكًا ينتظر قدومها ، التردد يسيطر على تفكيره ، لا زال الخوف يبني أعشاشًا في قلبه تجاه ذلك الطفل القادِم ، قدماه تحثانه على الرحيل ، الهروب قبل مجيئها .. لا يعلم كيف بنُطفة صغيرة أضعفته ، و جعلتها أقوى منه بعشرات المرات ، حتى أصبح عاجزًا عن مواجهتها !
نهض من مكانه يتأمل خطواتها البطيئة نحوه ، إنها القَسوة التي لم يعهدها في عينيها ، الطّفل ذاك معجزة حقًا ، قَلب الموازين رأسًا على عقب ..
بجمود تقدّمت أكثر ، جَلست دون كلام ، و دون إلقاء التحية ، ثوانٍ من اللقاء جددت حبها في قلبه ، و بالأحرى ، تلك الثواني خلقت حبها في قلبه ، فهو لا يعرف حقًا إن كان قد أحبها من قبل ..
يشعر الآن بمشاعر جديدة ، لِم لا أحب إلا من يقسو علي ؟ تِلك المشاعر غَزت قلبي مرة واحدة ، لتلك التي ألقتني و ذهبت .. الآن أشعرها معك ، أنتِ يا ريم .. إنه طفل معجزة ..
جلس إلى جانبها ، ابتعدت حتى الطرف الآخر من الأريكة ، اقترب مجددًا ، تكتفت و قالت : شوف يا عمر ، أنا عارفة إن حسنا قالتلك إني بسوي الإجهاض ، و طبعاً هذا اللي تبيه من الأول ، و الحين إنتَ مبسوط طبعًا إني بسوي الإجهاض ، و جاي عشان تردني البيت و تاخذني للمستشفى بنفسك بس لمعلوماتك …
قاطعها و يده تضغط فوق ركبتها : ريم ! أنا مابيكِ تجهضي الولد ..
ارتسمت الدهشة على وجهها و هي تنظر إليه بعدم فهم ، قال : ريم ، قبل لا أشوفِك و أنا قاعد هنا في الصالة ، كنت خايف أقول هالكلمة ، خايف من النتائج و خايف من المسؤولية ، و خايف أندم .. بس مادري وش صارلي لما شفت وجهك بعد هالغياب ! أنا مو بس اقتنعت بكلام حسناء إني ما يصير أسمحلك تجهضي الولد ، أنا أبغـاه ، صـدق ، أبـي يكـون عندي ولـد ، ولـد حقيقي ..
ريـم : عـمر ! وش قاعِد تقول ؟
مدّ يده لتلامس يدها : أنا قاعد أقول وش حاسس هاللحظة .. أبي هذا الطفل ، و أبغـاه يكـون ولـد .. أسميـه كريم ، على اسم أبوي ، و أعلمه و أدرسه ، و يصير طبيب ، و أزوجه و أشوف أولاده ..
ضحِكت : ههههههههههه ، وين رحت بخيالَك !
ابتسم ، تنهّد و قال : يمكن هذي فرصتي الأخيرة إني أكون أب ، أب حقيقي ..
ريـم : عمر ، إنتَ تتكلم من قلبك ؟
هز رأسه ، ثم قال : بس أبيكِ هالفترة تظلي هنا فـ الأوتيل ..
عقدت حاجبيها : ليش ؟؟
عمر : بعد بكرا بنسافر أنا و حسنا للرياض ، و راح نغيب حوالي 10 أيام ، و مابيك تقعدي في البيت بروحك ، هنا أأمن ..
زمت شفتيها بعدم رضا ، تساءلت : ليش م تاخذوني معاكم ؟
عمر : لا حبيبتي إنتِ حامل ، و ماهو كويس السفر ، مابي أي شي يأثر على حملك !
نظرت إليه بريبة ، أيعقل ذلك الانقلاب المفاجئ ، من النقيض إلى النقيض ؟

،

جَلس أمام طاولة الطبيب بترقب ، يرتجف قلبه بخوف شديد ، معالم وجه الطبيب لا تُنبئ بالبشرى أبدًا ! تساءل بتلهف : دكتور ، طمني وش الحالة ؟
بقلة حيلة : مع الأسف ، ما تقدر تتبرع لوالدتك بالكلية ، ما صار توافق في الأنسجة و حتى فحوصات الدم مؤشراتها ما تعطينا الإذن حتى ناخذ كليتك ..
أخذ نفسًا عميقًا يعبر عن خيبته ، ثَقل رأسه الذي وضعه بين يديه بيأس ، أردف الطبيب : لا تيأس ، طالما الوالدة للحين تتنفس في أمل إن شاء الله ، بس لازم تحاول تدبر متبرع بأسرع وقت .. بصراحة في كثير مرضى ينتظرون دورهم ، و إذا والدتك بتنتظر على الدور ممكن ما نلحق عليها !
رفع رأسه ، بصوت مهموم قال : لا لا ، أكيد بأسرع وقت رح ينحل الموضوع ، لو كلفني هالشي حياتي !
ابتسم الطبيب : الله يشافيها يارب و يخليها لك ..

خرج فهد من غرفة الطبيب ، ياسمين تترقب حالته التي تزداد انهيارًا ، عيناه تشتاطان غضبًا و هو يتصل بسلطان ، بصوت غاضب مكبوت : ويين اللي قلتلي بتدبر متبرع ؟؟؟
سلطان : واضح إن نتائجك ما كانت مرضية ؟
فهـد ، يضغط على أسنانه : قلتلك وييين الرجال ؟؟ شوف يا سلطان ، قسمًا بالله لو أمي صارلها شي ، بتشوفوا فهد ثاني .. فاهم ؟؟
أغلق الخط في وجهه ، ألقى نظرة حانقة إلى ياسمين ، ابتعد عنها و الهموم تأكل تفكيره كله ، و جرح في قلبه يزداد نزيفه كلما تذكر رد فعل طارِق ..
جلست ياسمين تراقب حالته عن بعد ، لقد بدأ يتحول تدريجيًا ، و قد نفقد البوصلة تمامًا إن خسرنا والدته ، جواهر ، هي صمام الأمان لفهد .. سينفجر حتمًا إن رحلت !

،,
اقتعدت الأرض و هي تُراقب أخيها و تنهداته المتتالية ، في يدها بنطال والدها ، تخيط زرّه بتشتت و هي تنظر إليه بين الحين و الآخر ، كانت تظن أنه سيعود مُشرقًا بعد أن يعرض عليه فهد المساعدة في الحصول على وظيفة ، لكن ما حدث كان العكس تمامًا !
تنحنحت بارتباك ، مصطنعة اللامبالاة و هي تخيط الزر دون أن تنظر إلى طارق : طارِق ، وش فيك ؟؟
طارِق : ما فيني شي .. بخير ..
شهـد : حبيبي من ساعة ما جيت من المستشفى و انت شارِد ، فيك شي ؟ خالتي جواهر فيها شي ؟؟
يرتشف والده الشاي و هو ينظر إليهما بطرف عينيه ، تنهّد و قال و هو يعرف ما سيقول والده : اليوم فهد ، عرض علي يدبر لي وظيفة ..
رفع والده نظره باهتمام ، بلهجة منكسرة أردف : و أنا ما وافقت ، و ضايقته !
نظرت إليه بتعجب ، أغلقت فمها و هي تشعر بالخجل من فهد ، الكلمات تتزاحم لتخرج من حنجرتها ، تكبتها في داخلها بصعوبة ، قال والده بخيبة : هذا إنتَ ، بتظل طول عمرك مكانك ! الرجال يبي يساعدَك ، بدال ما تتشكره ، ترفض و تضايقه بعد ؟
نظر إلى والده باستغراب ، و حاجبه الأيسر ارتفع بعفوية معبرًا عن تعجبه : يُبه !! الحين صرت تدافع عنه ؟؟؟
أبو طارق : والله ، إذا بيساعدَك و بيغير حياتَك مثل ما غيّر حياته ، أدافع عنه و عن أبوه بعد !
باندفاع قال : يبه أنا ماني مستعد أعيش بدون مبادئ عشان الفلوس !!
أطبق عينيه مستدركًا لما قال و ما قد يترك من علامات استفهام حول كلامه ، تنهّد و هو يقول في داخله : أغلق فمك أيها المغفل ، كلما تكلمت أخذتنا نحو مصيبة جديدة !!
فتح عينيه ، ليواجه نظرات الترقب و الشك في عيونهم جميعًا ، بالإضافة إلى قلب مرتجف يجلِس في الزاوية ، خائف من أن تنكشف ضرباته المتسارعة ، شهـد ، التي لم تعد تفهم أي شيء ، و التي لا زالت تحاول أن تبرئ حَبيبها من كل التهم الموجهة إليه ، تشعر أن يوم نهاية ذاك الحب بات قريبًا جدًا ، سينتهي حتى قبل أن يبدأ !

،,

أغلقت حقيبتها ، كانت تود لو تكون ككل المسافرين ، تودّع أهل بيتها بحب ، يدعون لها بالسلامة و هي تحمل في قلبها لائحة طلباتهم و هداياهم ، ينتظرون عودتها قبل ذهابها ، لكنها دائمًا ما كانت الاستثناء لكل قاعدة .. نظر إليها غسّان بابتسامة ، يحاول أن يأخذها إلى عالم آخر ، ابتسمت بعد أن أجبرت شفتيها على الابتسام ، هل سيغير ذلك السفر في مصيري شيئًا ؟
رفع غسان الحقيبة و هو يقول : مُصرّة ما تبي تودعيهم ؟
هزت رأسها بـ نعم .. تنهّد و هو لا يجِد ما يقول ، حمل الحقيبة و نزل أمامها ، بحركات بطيئة تبعته و عيناها تتجولان في المكان ، تُلامس أصابعها الجدران كأنها تودّعه ، لا أعرف لم أشعر بالحنين لمكان يحوي كل ذكرياتي السيئة ، لِم أشعر بالانكسار لمغادرته ؟ أم أنه الشعور المسبق بأنه لا عـودة لي أبدًا ؟!
وَصلوا إلى أسفَل ، ألقى غسّان نظرات العتب إلى عائلته ، بينما شعرت سـارة ، أن حتى نظرات العتب تِلك ثمينة جدًا ، ولا يستحقونها ، توجّهت نحو الباب بتجاهل تام لهم ، لكنها كانت تعرف يقينًا ، أن ذلك الصوت الباكي سيوقفها قبل الخروج ، ذلك الصوت الذي دومًا ما كان يحركني في عز جمودي ، هل سيحركني اليوم بعد ما أكل الرماد قلبي و ذاكرتي ؟
تنهّدت ، وقفت في مكانها دون أن تلتفت ، بكاء والدتها خلفها ، إنها تبكي كأنها لن تعود ، كأنها تقول ببكائها ، أرجوكِ ، لا تعودي ! إنها حتى لم تجرؤ على الاقتراب منها ، احتضانها .. سـارة كـانت أغـرب أولادها ، لم تشعر يومًا بأمومتها تجاهها !
رغم إصراري الشديد على أن لا أودع أحدهم ، و أن لا ألتفت خلفي ، إلا أنني لا أعلم ما المثير في صوتها الباكي أوقفني و ألجم خطواتي ، لربما لا زلت أرغب في إعطائها فرصة ، لا زلت أرغب في أن أشعر أن لدي أم ، و أنني ابنة ككل الأبناء ! ولا زالت هي ترغب في أن تجعلني نادمة على كل فرصة أتيحها لها ! ابتسمت بسخرية من جُبن والدتها ، أكملت طريقها يائسة نحو السيارة ، و في الوقت ذاته ، متفائلة بالمستقبل المجهول الذي ينتظرها في روما ، الذي سيكون حتمًا ، أفضل من ماضيها و حاضرها و مستقبلها ، المعلومين جدًا ، في بيت يعقوب !


،,


نَظرة على البارت القـادم

=ما شاء الله ما شاء الله ، غاب القط العب يا فـار !
=الظاهر إنك ما تربيت من أول مرة ؟
=جَلست إلى جانبه ، و هي ترفع باكيت السجائر عن الكرسي : هذا وش ممكن يغير فـ الموضوع ؟


انتهى


أتمنى أن يكون البارت قد نال إعجابكم ، الأربعاء القادم موعدنا بإذن الله ..

دمتم بـود

طِيفْ



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-06-20, 03:40 AM   #27

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,432
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:55 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.