03-04-20, 01:53 PM | #21 | |||||||
كاتبة بمنتدى الروايات المنقولة
| الجزء 11 بعد الظهر ، لا تبدو أية علامات رِضا على وجهه ، ملامحه غير مُريحة ، يجلِس في مكانه ، ظهره مستند إلى خلفية كُرسيه الدوّار ، الذي يدوّره إلى اليمين و اليَسار مراراً و تكراراً ، نظرات تحمل معانٍ غير مفهومة يُرسِلها إلى ذلك الرجل الجالِس أمامه ، ينتظر أي كلمة منه ليعرِف سبب وجوده هنا .. لاحظ يحيى نظرات عزيز المتكررة له ، تِلك التي تحذّره من أن يكون متعجرفاً ثانية ، و تحذره من إساءة استخدام منصبه للمرة الثانية ، تجاهلها ، تنحنح و هو يقول : أيـوه يابو طارِق .. طلبت مني ما آجي بيتكم ، صح ؟ هزّ رأسـه بالإيجاب ، بثقة مزعومة حاول أن يُظهر من خلالها عدم خوفه ، يُمعِن يحيى النظر في عينيه ليُربِكه ، كأن يُخبره لا تحاول أن تخفي عني أمراً ، فأنا أعرِف تماماً كل ما تحاول تغطيته خلف تِلك الثقة المتكلّفة ، نِصف ابتسامة بَرزت على شفتيه ، إذ نجحت نظراته الحادّة في تشتيت انتباهه ، و تضليل ثقته بذاته ، دون أن يُغيّر مسار عينيه ، بحدّة : عَزيز اتركنا بروحنا .. يرفع رأسـه من الورقة التي كان يقرأها ، ينظر إليه باستفهام لمدّة ثوانٍ ، لم يلتفت خلالها يحيى إليه ، يُطلِق زفيراً ، يأخذ جوّاله و يخرج من الغرفة ، تتبعه عينا أبو طارِق ، متسائلاً في داخله عن سبب إخلائه للغرفة ، بنبرة جَهورية ينتفِض منها أبو طارِق ، يقول يحيى : كأنّك نسيت يابو طارِق .. أبو طارِق : وش نسيت ؟ يحيى ، يقترب من الطاولة ليستند بكوعيه إليها ، يشبك أصابعه و يقول بصوت خافت : متوقع إني نسيت وش سوّت بنتك معاي ؟ ترتبك الكلمات لتعجز عن الخروج من بين شفتيه ، يُردِف يحيى : ما توقعت تسكت على هالشي ، بس انصدمت ، شلون سمحتلها ؟ أبو طارِق : متوقّع مني إني لـو أبغى أحاسبها ، بحاسبها قدّامك ؟ بعدين يا سيّد يحيى انت اللي بديت تقول كلام ماهو موزون بحقها .. يَرفع حاجباً و هو يبتسِم بغير إعجاب بكلامه : يعني الحين إنتَ ضدي ! ينهض أبو طارق عن الكرسي و يقول بنبرة حادة : سيد يحيى ما أتوقع إنك جايبني هنا عشان تتكلم فـ موضوع بنتي ! لو ما عندَك شي ثاني اتركني أمشي .. يحيى : أنا فعلاً ماني مصدّق إنّك صرت ضدي ! أبو طارِق : والله أنا اللي مو مصدّق حجم ثقتك بنفسك يوم تتوقّع إني راح أوقف معاك ضد أولادي ! يعبس وجهه ، يقول بجديّة : أبغى أعرف وش اللي بينك و بين بـو فهـد .. وش سبب حقدك عليهم ؟ يجلِس أبو طارِق مجدداً ، يبتلع ريقه : قلتلك المرة اللي فاتت ، ماني مرتاح لهالجماعة . يحيى : انت عارف إن ماهو هذا الجواب اللي أبيه .. ينظر إليه باستفهام ، يتساءل بنبرة حادة : وش تعرف عن مشعل شهران ؟ أبو طارق : وش اللي بعرفه يعني ؟ نفس اللي تعرفوه ! يحيى : مالك علاقة باللي نعرفه ، أبي أسمـع اللي تعرفـه إنت .. تتشتت نظراته في الغرفة ، و هو يجيب بارتباك : ماني فاهم بالضبط وش اللي تسألني عنه ، ايش اللي تبي تعرفه ؟ هزّ رأسـه و هو يتنفّس ليحظى ببعض الصبر ، يُطلق زفيراً و يقول و هو يترك مكتبه ليقترب منه : طيب ، راح أشرحلك سؤالي أكثر ..وش تعرف عن حياته الشخصية ؟ شغـله ؟ أبو طارِق : كان يشتغل سايق عند رجل أعمال .. و كان رجال بسيط مثلنا مثله .. يتكتف يحيى : بو طارِق ، إنت قاعِد تراوِغ .. دام كلامك صحيح وش اللي خلاك تكرهه ؟ ايش تعرف عنه خلاك تغير موقفك تجاهه ؟ أبو طارق : يا سيد يحيى أنا هذا اللي أعرفه ، و اللي خلاني أبعد عن هالجماعة هو يوم مقتل مشعل قلت مستحيل ينقتل إلا لو كـان في شي وراه ، و ولده أثبت هالشي يوم تغير حاله و ترك الحارة .. هذا كل اللي عندي .. نظرات يحيى توحي له بأنه لم يصدّقه ، جاء صوت لم يسمعه منذ زمن ليُنقِذ الموقف ، يقول بنبرة جهورية : السّلام عليكم .. يلتفت كليهما إلى الباب ، لينهض أبو طارق من مكانه و يثبت نظراته نحو فهد و يتأمل تغيره ، يرد يحيى و هو يتنقل بالنظرات بينهم : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .. يقترب بخطوات ثابتة ، يصِل ليقف مواجهاً لأبو طارق ، يقول بخفوت : شلونَك عمي ؟ ثوانٍ من السكون عمّت الغرفة ، ينتظر كلاً من يحيى و فهد رد أبو طارِق ، إلا أنه في النهاية تجاهل سؤاله ، التفت إلى يحيى : سيد يحيى تبون مني شي ثاني ؟ عاد للجلوس خلف مكتبه ، أجاب : مع السلامة ، خليك تحت الطلب .. رمق فهد بنظرة غير مفهومة ، ألقى السلام و خرج مسرعاً ، بينما تقدم يحيى ليجلس مكانه و يتساءل : وش كان يسوي عمي بو طارق عندك ؟ وش تبون منه ؟ يحيى : هذا شي ما يخصّك .. فهد باندفاع : شلون يعني ما يخصني أكيد الموضوع له علاقة بقضية أبوي ! يحيى بحدّة : أنا اللي أقرر وش اللي لازم تعرفه ، الحين أبغى أعرف ليش أخفيت الفلاش ميموري ؟ عقد حاجبيه باستغراب : أي فلاش ؟ يحيى : لا تسوي نفسك مو عارف ، الفلاش اللي لقيناها أمس بالتفتيش .. فهد : شلون قاعد تقول إني أخفيتها و إنتوا خذيتوها معاكم ! هزّ رأسه بتأييد : صحيح ، و أنا أعطيتها لزميلي عشان يفتحها ، بس مدري منو أرسل رجاله عشان يضربوا إبراهيم و يسرقوا منه الفلاش.. فهد : و أنا وش علاقتي بهالموضوع ؟ شفتني تعرضت لكم لما قلتوا بتفتشوا البيت ؟؟ يحيى : ما تعرضت لنا ، بس إنت قول ، الفلاش ما انسرقت إلا لأن فيها معلومات مهمة عن أبوك ، يعني اللي سرق له علاقة بالجريمة ، شلون القاتل عرف إننا أخذنا الفلاشة من عندك ؟ ما كان في بالبيت إلا أنا و زملائي ، و إنت و هذي المرافقة ، من وين القاتِل عرف ؟ شَرد ذهنه و هو يفكّر بياسمين ، تذكر حين أغلقت الخط بارتباك في الليلة الماضية و هي تحدث سُلطان ، قاطع تفكيره يحيى : فهـد ، لا تغلبني ولا أغلبك ، وين الفلاش أخذتها ؟؟ فهد بانفعال : قلتلك إني ماعرف شي عن هالموضوع ! يضرب الطاولة بكفه ، ينهض و هو يصرخ بأعلى صوت : أبي أعرف وين راحت ، ما بتركك إلا لما تقول ، و اسأل عني يا فهـد ! ينظر إليه ببرود ، يقول : إذا انتهت أسئلتك اسمح لي ، عندي شغل .. يجلس بعد أن يلتقط أنفاساً متتالية ، يقول : ما راح أمضي موضوع الفلاش على خير .. فهد : ما طلبت منك تمضيه على خير .. يحيى بغضب يحاول أن يكتمه : طيب يا فهد ، الحين أبغى أعرف كل شي عن شغلك ، و مع منو تشتغل ، و ليش سافرت لروما .. فهد ببرود أعصاب : و هذي الأسئلة وش علاقتها بمقتل أبوي ؟ يحيى : جاوب على قد السؤال .. أخذ نفساً عميقاً ، ثم قال : طيب ، أشتغل في قسم المحاسبة بشركة هنا في الرياض ، و اللي دبرلي الوظيفة عمر حرب اللي كان أبوي سايق عنده .. يحيى : و سفرك لروما ؟ فهد : سافرت عشان أغير جو ، ممنوع ؟؟ ارتخى يحيى في جلسته : لا مو ممنوع ، بس من وين جبت فلوس تسافر و تغير بيتك ، و تشتري سيارة ؟ فهد : من أبـوي ، أبوي كان مخبي فلوسه عنا عند السيد عمر ، و يوم مات عمر ردلي الأمانة .. أخذ شهيقاً طويلاً ، و بنفاد صبر : تبيني أصدق كلامك ؟ فهد ، يرفع حاجبه الأيسر و يقول بسخرية : و ليش ما تصدق مثلاً ؟ يحيى : لأن كلامك ماهو منطقي .. نهض عن الكرسي ليهم بالخروج : والله منطقي مو منطقي ، هذا اللي عندي ، عندَك دليل إن كلامي كذب ؟ يحيى بهدوء ، يميل رأسه و يتفحصه بنظراته : المشكلة إني ما عندي دليل .. فهد : أجل اسمح لي أمشي ، أتوقع خلصت أسئلة .. ظهرت ابتسامة جانبية على طرف شفتيه ، لم يفهم فهد مغزاها ، هزّ رأسه يحيى و هو يقول : الله معك ، و مثل جارك بو طارِق ، خليك تحت الطلب .. خرج دون أن يلقي السلام ، يمتلك ثقة مرعبة في ذاتِه ، لست مقتنعاً بكلامه لكن ثقته تخرسني ، كل المجرمين الذين قابلتهم في مسيرتي القصيرة ، كنت أستطيع أن أقتنص الكذب من أعينهم ، أو من اهتزاز نبرات أصواتِهم ، أعرف يقيناً أنّك تكذِب ، لكنّك محترف جداً ، يبدو أنني سأستهلك طاقة مضاعفة معك .. ،, لا أعلم إن كنت محقة فيما أفعل ، تِلك القوّة الخفية التي سارت بي إلى هنا ، أراها الآن توهنني ، توهن قلبي الذي لم يعد يجرؤ على رؤية وجهه الذي مُسِح بملامح الغضب و القَسوة ، قلبي الجبان عن الابتعاد ، أتراني للتو أصحو ؟ ما الذي قادني إلى أمام بيتِه ؟ كيف نهضت من سريري ، سرحت شعري و ارتديت ثيابي ، وضعت نقابي ، كيف سارت السيارة تلك المسافة دون أن أشعر ؟ أنا هنا ، قدماي تخذلانني ، تمشيان إلى ما لا رغبة لدي فيه .. ارتفعت عيناها إلى نافذة غرفته المغطّاة بستارة ذات لون بني ، تنهّدت في أعماقِها و هي تسير بتردد نحو الباب ، تراجعت أصابعها عدة مرات عن قرع الجرس ، لتقرعه أخيراً بيد مرتجفة ، تفرك يديها بتوتر ، تتشابك أصابعها دون سيطرة منها ، الخوف يستدعي جسدها ، لتلتفت بسرعة للرحيل ، إلا أن صوتًا استوقفها : جيهان .. أخذت نفساً عميقاً ، رسمت ابتسامة مزيفة و هي تلتفت لتسلم على سحر : شلونك سحر ؟ تنظر إليها باستفهام : كويسة ، وش فيكِ ليش كنتِ رايحة ؟ اصطدمت شفتيها ببعضهما بارتباك : ما في شي ، بس كنت بزور إبراهيم بعدين قلت يمكن نايم مابي أزعجه .. سحر : لا لا قاعِد بغرفته و أمي عنده اهية و عَروب ، فوتي اتفضلي .. جيهان : طيب أمر بعدين لازم يرتاح .. تتقدم سحر لتسحبها من يدها : وش فيك جيهان تعالي ! تدخل برفقتها بخطوات مترددة ، ابتسامة خجولة تظهر على شفتيها ، تستشعر سحر ارتباكها ، ترافقها ببطء حتى تصل إلى غرفة إبراهيم ، تطرق الباب ، تمد رأسها لتقول : برهـوم ، في ضيف جاي يزورك .. تتجه أنظارهم جميعاً نحو الباب ، لم يفاجئ قدومها أم إبراهيم و عروب ، أما إبراهيم ، فلم يتوقع أن تنظر حتى إليه بعد مكالمته القاسية الأخيرة ، ارتخت نظراته للأسفل و هي تدخل ، تنهض عروب و والدتها لتسلمان عليها ، تبادلهما التحية بخجل ، تقِف على بعد من سريره ، تسأله من تحت نقابِها : شلونك ؟ إبراهيم دون أن ينظر إليها : الحمدلله ، الله يسلمك .. تُشير أمه إلى ابنتيها لتُخليان الغرفة ، يخرجن و يغلقن الباب ، تتقدّم جيهان قليلاً لتجلس على الكرسي المجاور لسريره ، يقول بخفوت : ما توقعت تيجي ! جيهان : ضايقتك ؟ يطلق تنهداً طويلاً ، يبعد اللحاف عن قدميه ، يقترب من كرسيها بحركة تفاجئها ، تتسع عينيها و هو يفكّ نقابها عن وجهها ليقول : ماله داعي هالحركات .. جيهان : أي حركات ؟؟ إبراهيم بضيق : أول شي تقولي مابي أتصل فيك لأنك غريب ، و الحين جاية تزوريني حتى النقاب ما رفعتيه تراكِ للحين زوجتي ! ليش تزوريني لو شايفتني غريب فعلاً ؟ تنهض عن الكرسي : تدري واضح إني كنت غلطانة يوم فكرت أزورك ! يضغط بيده على يدِها لتجلس من جديد : اقعدي قاعِد أكلمك !! جيهان : وش تبي ؟؟ أنا جيت أزورك عشان عمتي ما تقول إني ما اهتميت ، مو أكثر .. لا تفهم الموضوع غلط ! إبراهيم : يعني مصرّة عالطلاق ؟ ابتلعت ريقها ، التزمت الصّمت ، يبتسِم إبراهيم : عارف إنك تبيني .. جيهان : لا تكون مرة واثق ، خاصة بعد المكالمة الأخيرة .. مو قلت إنك ما تحبني ؟ وش تبي مني ؟ تحولت ابتسامته لعبوس ، قال بعدها : مابي أظلمك ، كل الموضوع إني مابي أظلمك .. ترفع حاجبيها ، لتقول بنبرة مجروحة : ظلمتني من يوم ما عقدت علي و إنت ما تبيني ، و لو تسوي أي شي الحين ما بيكون منه فائدة ، أنا عشان حضرتك تتسلى ، راح أصير مطلقة .. إبراهيم : بس أنا ما كان هدفي إني أتسلى يا جيهان ، يعلم الله ما كنت رايد إلا الخير .. جيهان بحدة : أجل ليش خطبتني ؟ ليش سويت هالشي فيني ؟ ماني مقتنعة بأسبابك ، عندَك اللي يخليك تكرهني ، و الرجال ما يكره حرمة إلا لو في حرمة ثانية بحياته ... يرفع نظراته لها بدهشة ، كأن ذهوله توثيقاً لشكوكها ، تبتسم بسخرية و تقول : الظاهر إني حزرت .. تنخفض أنظاره مجدداً يقول بصوت مكتوم : فـ حياتي ما فيه غيرك يا جيهان .. جيهان : و قلبك ؟ يمتنع عن النظر إليها ، يعرِف أن عيناه لم تكن يوماً وفيتان إلى أسراره ، تفشيها بسرعة و دون تردد ، تنهض جيهان : واضِح إن علاقتنا ما في منها أمل ، الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم ، ما تشوف شر .. لم يستطِع لسانه أن يجِد حروفًا يجمعها ليرد عليها ، يعلم أنه مهما قال و لو جمع أشعار العالَم أجمعين ، لن تكون كافية ليعتذِر لها ، رَفعت نقابها لتغطي وجهها ، بعد تيقّنها من معالِم وجهه و ضيقِها أنه لن يرد ، استدارت نحو الباب ، ألقت نظرة أخيرة إليه ، لم يُبادِلها النظرات ، كان احمرار وجهه رغم برودة الجو خير دليل على اضطرابه ، أغلقت الباب خلفها ، ضَياع تام يحيط بها ، رغم معرفتها القوية بمكانها و زمانها ، إلا أنّها تَسير في متاهة لا تعتقد أنها ستجد سبيلاً للخروج منها أبدًا . ،, ابتعد عن شاشة الحاسوب بإرهاق و هو يفرك عينيه بتوتر و تعب ، تأفف بملل و عيناه تشعان غضباً و حقداً ، صرخ يُنادي : مـاجد .. اقترب ماجد بسرعة : نعم أستاذ سلطان .. ينهض من مكانه ، يقترب بحركة مريبة نحوه و هو يقول : أبي واحد يخترق هالفلاش ! ماني قادر أعرف وش كلمة سرّها ! ماجد : تآمر طال عمرك ، اليوم ألاقيلك واحد يخترقها .. سُلطان : مو بس يخترقها ، أبغاه يكون أمين ، يعني بعد ما يخلص شغله معانا ، ينساانا تماماً .. مفهوم ؟ مابي ولا غلطة ! ماجد يهز برأسه : أن شاء الله تآمـر أستاذ سلطان .. أشـار بإصبعه له لينصرف ، ترك ماجد المكان ، عاد سلطان ليجلس مكانه ، لم يكن التوتر ذلك كله لأجل مجرد قطعة توضع في جهاز ، بل كان هناك ما هو أكبر من ذلك ، اقترب بجسده ليتناول جوّاله عن طاولة المكتب ، ثم عاد ليستند إلى ظهر الكرسي ، يفتح الجوال ، جهات الاتصال ، يتمعن جيداً في الأسماء قبل أن يضغط زر الاتصال ، من يجب أن أحدث الآن ؟ فهـد ؟ أم ياسمين ؟ أم ابني يحيى ؟؟ ما نهاية التحقيق الذي أجراه ابني مع فهد ، و هل تصرّف فهد كما يجِب ؟ أخذ نفساً عميقاً و هو يضغط على اسم ياسمين ، ليتصل بها ، عدّة رنات سمِع أنغامها ، أثناء خروج ياسمين من غرفة أم فهد ، لترد أخيراً بصوت هامس : هلا سلطان .. سُلطان : وش صار معك ؟ ياسمين : في شنو ؟؟ سُلطان : فهـد ، وش صار معاه ؟ رجع من المركز ؟؟ رفعت كتفيها بجهل ، ثم قالت : مادري ، قال إنه بيروح المركز و بعدين شغله في الشركة ، يعني مادري إذا لسا في المركز أو لا ! هزّ رأسـه ، أنفاسه المتسارعة كانت قوية الصدى لدى ياسمين ، التي تساءلت : سلطان ، صاير معاك شي ؟ سُلطان : خايف من فهـد .. ضحِكت بعدم تصديق : إنتَ ! شُلطـان الغـانِم ! خايف من فهـد !! ليش وش بيسويلك فهد ؟ ارتطم فكيه ببعضهما ، يجيب من بين أسنانه : يا غبية ، فهد الحين عندي ولدي ، ولدي المحقق ، خايف ينتقم منا و يقول له على كل شي !! ياسمين ، تفكّر لثوانٍ ثم تجيب : لا لا مستحيل ، لو بيقول شي راح يتورط معاكم ! أكيد ماهو غبي لدرجة يترك أمه في المستشفى بدون علاج عشان ينتقم و بس !! تنفّس براحة ضئيلة تسللت إلى أعماقه ، ليقول بعدها : هذا رأيك ؟ ياسمين : أيـوه هذا رأيي ، أقـول ارتـاح ولا تفكّـر بالوساوس هذي .. فهد صار معاكم و ما منه خوف .. الحين بروح لازم أقعد عند أم فهـد ، لا تحس علي ! سُلطان : أيوه انتبهي ما نبي مشاكل ، و إذا صار شي جديد فوراً تبلغيني . أغلق الخط ، تنقّل بين الأسماء مجدداً ليتصل بعمر ، عمر : هلا يا سُلطان وش الأخبار ؟ سُلطان : الفلاش ميموري اللي أخذناها من المحقق طلع عليها كلمة سر و للحين ماني عارف أفتحها .. أبغى أعرف بس وش مخبي مشعل فيها !! عمر : لا تحاول كثير تحط كلمات سر من دماغك بعدين تقفلها عالآخر ، جيب مختص يفتحها و انتبه نبيه يفتحها من دون ما نخسر المحتوى اللي داخلها ! سلطان : طيب طيب ، بس وش تتوقع مشعل مخبي فيها ؟ عمر : والله يا سلطان ما ادري ، احتمال كبير يكون كاتب كل شي عنا أو صور أو مادري ، مشعل ماهو سهل يا سلطان .. ابتلع ريقه : و أنا بعد قلقان ، الزفت فهد عند ولدي يحيى و خايف يقول شي !! عمر : ما رح يقول شي ، وش بيقول يعني ؟ ماله داعي تظل خايف منه ، ما رح يقدر يتكلّم عن شي لأنه صار متورط معانا ، ناسي وش ماسك عليه ؟ سُلطان : أهم شي عندي إني مابي ولدي يدرى بشي ، مابي صورتي تهتز قدّامه ! عمر : لا تخاف ، فهد ما رح يتجرأ يقول أي شي ، المهم وش صار الحين بموضوع المناقصة ؟ أخذ نفساً عميقاً ثم أجاب : فهد الحين في الشركة ، و قاعدين نستنى عقد الاجتماع بخصوص هالموضوع .. عمر : متأكد إن فهد رح يحضر الاجتماع و يجيب لنا الرقم ؟ سلطان : طبعاً ، أنا عينته فـ موقع مهم في المحاسبة ، و ضروري يحضر اجتماعاتهم .. هزّ رأسه : لعله خير ، سُلطان : متى جاي المملكة إنت ؟ عمر : قاعد أجهز أموري يعني يبيلها يومين ثلاثة ، و انت لا تنسى ترسل خدم ينظفون البيت ، بنتي جاية معاي .. لَمعت عيناه ، ابتسم ثغره : ديانا جاية معاك ؟ عمر بنبرة حادة : حَسْنـاء ، كم مرة قلنا ؟؟ لا تغلط !! سُلطان : أيوه أيوه غاب عن بالي اسمها الثاني هذا ، خلاص ولا يهمك بيتكم راح يكون نظيف و جاهز و ينتظر وصولكم .. عمر : ما تقصر يابو يحيى ، رح أبعثلك يوم و ساعة الوصول عشان ألاقيك في المطار .. تيجي أو ترسل لي فهد ، مفهوم ؟ سلطـان : طيب ، اتفقنا .. مع السلامة .. وضع الجوّال فوق الطاولة ، عيناه تشعان بمعانٍ كثيرة لا حصر لها ، و هو يقول بتمعن و بطء : يا هلا والله بحسناء ، بتنور المملكة ! ،, تجلِس أمام نافذتها ، تمعن النظر في شجرة صغيرة لا تعرف اسمها ، أسفل المنزل في الحديقة ، وحيدة بين عائلة من الأشجار المتشابهة ، كم تشبهني تِلك الشجرة ، هي الشاذة الوحيدة بينهم ، لا يمكنها الاقتراب منهم ، و في الوقت ذاته ، لا يمكنها الابتعاد ، إنها تذبل بهدوء دون أن تصدر صوتاً يزعجهم ، دون أن تتألم ، لا مكان لها بينهم ، إنها تحتل أرضاً ليست أرضها ، كما أفعل أنا ، لم يكن وجود أمي كافياً لأستحق البقاء بينهم ، لأستحق الحب الذي حُرمت منه منذ بداية حياتي ! تتحرك يدَها ببطء فوق جَسدها الممتلئ ، أعلم أنني لو كنت أعتني بجسدي و رشاقتي ، لن يغير ذلك في الأمر شيئاً ، سأكون دائماً منبوذة ، لكنني أكرهك جدًا ، أكرهك يا جِسمي ، لم ينجح أحد غيرك في أن يسلب ثقتي بذاتي ، و أن يُشعرني دوماً أنني بحاجة إليهم ، لولاك لربما تزوجت منذ زمن ، لربما انتهيت من كل ذلك لولاك .. تبتسم بسخرية ، أو يعلم أحد بوجودك يا سَارة ؟ يا لسخرية ذاتِك من نفسك ، أتخدعين ذاتك بذلك الكلام ؟ من هي سارة ؟ من يعرِف بوجودك غيرهم الذين لا يطيقونك ؟ هل يعرِف أحد في الدنيا بوجودك ؟ قـد دُفِنتِ منذ زمن مع والدك تحت الثرى ، منذ تلك اللحظة و أنتِ تستنجدين ، تطلبين منهم أن يزيلوا عنكِ التراب لتتنفسي ، لكن أحداً لم يسمعك .. طُرِق الباب بخفة ، تدخل والدتها بابتسامة ، لتقول : أخوكِ يقول إن السفر هاليومين .. تبتسم بغير رغبة في الابتسام ، تهزّ رأسها بالموافقة لتعيد نظراتها إلى شجرتها المنزوية تماماً كمثلها ، تزول الابتسامة عن وجه والدتها و هي تقترب نحوها ، تجلس أمامها : سارة ؟ وش فيكِ ماما ؟ منتِ مبسوطة عالسفر ؟ دون أن تنظر إليها ، قالت بهدوء : رح أظل طول فترة سفري أفكّر ، وين بروح بعد ما تخلص هالسفرة ؟ عقدت حاجبيها : وين بتروحي يعني ؟ بترجعي هنا ؟ التفتت إليها : أرجع هنا وين ؟ يَعقوب ما قال لك ؟ يُسرى : عن شنو ؟؟ سَـارة : يعقوب قال لي لو تبي تسافري فعلاً ، راح يكون الثمن إنك تعطي غرفتِك لبنتي ، يعني لـ رهف .. يُسرى : حبيبتي لو تبادلتوا الغرف وش عليه ؟ تنظر إليها بدهشة : إنتِ عارفة إني ما أطلع من غرفتي لأن حضرة السيد زوجك ما يحب يشوفني ، غرفتي فيها كل شي و حمامي فيها و تلفزيوني فيها ، لو أخذتها بنتك أنا وين بروح ؟ بصير كل مابي أطلع من الغرفة أشوف خشته عشان يذكرني على طول بفضله علي و إني لولاه ما عشت لليوم ، يا ليته ما كان و يا ريتني متت ولا عشت بهالذل ! يسرى : طيب يمه لا تفكري بهالموضوع الحين ، إنتِ مسافرة و أبيكِ تغيري جو ولا عاد تفكري فـ هالأمور ، من هنا إلين ترجعي من السفر يخلق الله ما لا تعلمون ! فكري شلون بتقضي وقتك وش بتسوي في روما ، فاهمة علي ؟ سارة بنبرة احتجاجية : يعني أفهم من كلامك إنك موافقة إن رهف تأخذ غرفتي ؟ ابتسمت بخفة : لا حبيبتي أوعدك ما أحد يقرّب على غرفتك فـ غيابِك ، لا تخافي .. ردّت الابتسامة لوالدتها بقلق ، أدعو الله أن ينجيني ، لا أرغب بالعودة إلى مكان لا أنتمي إليه ، لكنني تائهة حقاً عن موقعي في هذه الدنيا ، إن لم أكن هنا ، فأين سأكون يا ترى ؟ ،, يجلِس في مكانه ، خلف شاشة حاسوبه ، توهِمنا نظراته بأنه منشغل بأمر ما على الشاشة ، لكنه في حقيقة الأمر يراقب الوضع ، المارّة في الشركة ذهاباً و مجيئاً ، بيده اليُمنى يحرّك فأرة الجهاز ، و يده اليُسرى متكئة إلى الطاولة ، سبابته تغطي شفتيه اللتان ترتطمان ببعضهما بغيظ ، تحرّكت حدقتا عينيه لتتجها إلى الشاشة مُباشرة حين تنبّه لقدوم زميله ، لامست أصابعه لوحة المفاتيح ليبدأ بإدخال البيانات ، اقترب زميله أحمد ، دخل الغرفة و قال بتعب : السلام عليكم .. رفَع عيناه ، أعادهما للشاشة و قال مصطنعاً اللامبالاة : و عليكم السلام .. جَلس أحمد خلف مكتبه بإرهاق ، يفتح الملفات ، يعمل على الجهاز ، الصمت ساد في المكتب كعادته ، كسره فهد ، بذات اللهجة غير المبالية : شلون كان الاجتماع ؟ أحمد ببرود : عادي ، مثله مثل كل هالاجتماعات .. فهـد : عن شنو تناقشتوا ؟ رفع نظراته إليه و هو يبتسم : حابب تحضر اجتماعات ؟ ردّ له الابتسامة و التزم الصمت ، أردف أحمد : المرة الجاي تحضر اجتماعنا ، هذا الاجتماع كان عشان المناقصة اللي داخلة فيها الشركة ، يعني مو الكل لازم يحضروه .. فهد ، بارتباك يحاول سَتره : يعني الشركة الحين صارت جاهزة للمناقصة ؟ أحمد : تقريباً ، حددنا المبلغ اللي داخلين فيه ، و إن شاء الله هالمرة مضمونة المناقصة راح ترسي علينا .. بابتسامة : ان شاء الله .. نهض فهد من مكانه ، استأذن للخروج ، رفع جوّاله ، فتحه ليتصل بسلطان ، مشى عدّة خطوات حتى اصطدم بجسد استوقفه ليقول : عفواً .. رفع نظراته ، إلى الرجل الذي تفحصه جيداً ، عقد حاجبيه و هو يحاول أن يستحضر صورته في دماغه ، يعرِفه مسبقاً ، لكنه لم يعلم من هو ، سَار عدة خطوات أخرى مبتعداً من أمام الرجلين ، يهمِس أشرف ليعقوب : سيد يعقوب .. يَعقوب : نعم ؟ أشرف : هذا الرجال ، أعرفه ، وش جاي يسوي هنا ؟؟ عقد حاجبيه : منو هذا ؟ أشرف ابتلع ريقه ، و هو يدقق النظر فيه : هذا اللي كان مع بنت عمر حرب يوم .. قاطَعه معلمه بحدة : يوم سودت وجهي إنت و اللي معاك .. انخفضت نظراته أرضاً بخجل ، ليردف يعقوب بهمس : هذا وش يسوي هنا !! يقِف فهد على بعد عدّة خطوات ، يتبادلون التحديق في وجوه بعضِهما ، إلا أن فهد قد عجِز عن التذكر ، يهز يعقوب رأسه بحركة أشعرت فهد بتهديد ما ، التفت يعقوب إلى رَجُله : الحين ماني فاضي ، ذكرني المرة الجاي يوم آجي أزور نعيم نقول له عن هذا اللي كان مع بنت عمر .. ابتعدوا عن أنظاره ، إلى خارِج الشركة ، تنفّس بعمق ، رفع جواله مجدداً ليتصل بسلطان ، جاءه رده المتلهف : وينَك يا ولدي من الصبح قاعد أستنى مكالمتك ! فهـد و هو يرفع حاجباً : الحين صِرت ولدك ؟ سُلطان بتلهف ، تجاهل كلمته : الحين قول طمني وش كان يبي منك يحيى ؟ عن شنو تكلمتوا ؟ فهد : ما معاي مجال أتكلم الحين ، بعد الدوام أمرلك و أقول لك .. سلطان : أجل ليش داقق علي ؟ تلفت حوله بريبة ، ثم قال : الشركة حددت المبلغ عشان المناقصة ، بس ... سُلطان : بس شنو ؟؟؟ فهـد : ما سمحولي أحضر الاجتماع ، و الرجال اللي معاي في المكتب قال إني مو ضروري أحضر هالاجتماع ! سُلطان بغضب : نعــم ؟؟؟ وش استفدنا منك الحين ؟ فهد : وش أسويلك ؟ أنا توقعت إني أحضر الاجتماع و أقدر أعرف الرقم بسهولة ، بس ما كنا حاسبين إنه طبيعي ما يوثقوا بموظف جديد و يطلعونه على كل أسرار شغلهم ! سلطان بنفس اللهجة الغاضبة : هذي ماهي أسرار يا فهيم أنا ليش حطيتك في قسم المحاسبة ؟ لأن هالأمور اختصاص قسم المحااسبة ، شلـون ما حضررت شلـوون ؟؟؟ فهـد : قصّر صوتَك ! زميلي دعوه للاجتماع ، وش أسويلك يعني ؟ سلطان بنفاد صبر : شوف فهد دبر نفسك سوي اللي تبيه أبي الرقم يكون عندي خلال يومين ، و إلا ما بتشوف مني فلس أحمر ، فـاهم ؟ فتح شفتيه ليرد ، توقف عن الكلام ليلتفت إلى الصوت الذي نده باسمه بحدة : فهـد !!! ،, التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 16-05-20 الساعة 05:12 PM | |||||||
03-04-20, 01:58 PM | #22 | |||||||
كاتبة بمنتدى الروايات المنقولة
| ،, روما ، دخلت من باب المطعم ، تحرّك رأسها يُمنة و يُسرة ، ابتسمت و هي ترى تِلك اليَد تُلوّح لها ، اقتربت بلهفة حتى وَصلت الطاولة ، نهضت صديقتها لتحتضنها بحب و شَوق ، انفصلتا بعد عِناق يَحكي آلاماً مَرّت على قلبيهما ، جلست كل منهما على كرسيها ، تقول ريم : شلونِك وين هالغيبة !! سَناء : والله مشاغل الدنيا يا ريم ، دوامي و شغلي و بنتي اللي مشيبتني .. ظهرت ابتسامتها و هي تذكر ابنة صديقتها في طفولتها : والله معاكِ حق ، الأطفال يغيرون حياة البني آدم .. تَضع حقيبتها جانباً و تقول بتعب : والله مو للأحسن يا ريم ، بنتي ليان مشيبتني ماني قادرة عليها ، و الحين داخلة في سن 12 يعني بتبدا مراهقة ، و الله يعيني عليها .. ريم : مرحلة و تعدي ، المهم تتحملي ، و بعدين بكرا هذي البنت بتكون معاكِ فـ كبرك ما بتقعدي بروحك .. تبتسم بسخرية : أكبر كذبة كذبوها علينا و احنا بزارين إن الأولاد بيظلوا لأهلهم بكبرتهم ، بنتي من الحين ما تقعد معاي و طول الوقت مع صديقاتها و جيرانها و ما هي فاضية تقعد معاي ! ريم : هذا يعتمد على أسلوب التربية ، ولا تنسي إنتِ عايشة فـ مجتمع غربي طبيعي البنت تأخذ من أطباعهم شوي ! سَناء : والله أكبر هم يا ريم تربي بنتك في الغربة بمجتمع غربي تفكيره مختلف عن ديننا و عاداتنا ، والله راح تظل ايدي على قلبي إلين أزوجها و أخلص من هالهم . عَقدت حاجبيها و تساءلت بتعجب : هم شنـو ؟ سناء : هم البنت ، أبوها عربي و أمها عربية ، و حتى لو عاشت بأوروبا ما رح واحد يقبل فيها لو كانت لا سمح الله مسوية شي قبل الزواج ، و المشكلة إني ما أقدر أسيطر عليها ضمن مجتمع هذي الأمور من أبسط ما يكون عنده ! ريم بلهجة حادة : والله اللي يربي أولاده بناءً عالمجتمع اللي عايش فيه طبيعي يخاف من هذي الساعة ! أما لو ربيتِ بنتِك حَسب دينها و علمتيها قواعِد الدين و الحلال و الحرام ما راح تخافي عليها لو قعدتيها بين عشرين رجال ! سناء بتعجب : وش فيكِ ريم ليش معصبة لهالدرجة ؟؟!! أغلقت عينيها و هي تشعر بمبالغتها في ردّ فعلها ، تنفست بعمق و صديقتها تنظر إليها باستفهام ، فتحت عينيها مجدداً : آسفة سناء ماهو قصدي ، بس أتنرفز يوم الأهل ما يستخدموا طرق صحيحة لتربية أولادهم ، و فـ الآخر يلومونهم و ما يلومون أنفسهم ! سَناء : بس إنتِ فيكِ شي ، قولي وش مخليك معصبة كِذا ؟ استندت إلى ظهر كُرسيها بتعب واضح ، تفرك عينيها بإصبعيها و هي تتنهد ، ما أكّد لسناء أن هناك ما تخفيه ريم ، تساءلت مجدداً : ريم ! بديتِ تقلقيني ، وش صاير ؟ مختلفة إنتِ و زوجك ؟ ريم : مو بس مختلفين ، غالِباً راح توصل للطلاق .. ما عاد يبيني .. رَفعت حاجبيها ، تساءلت باستهجان : ليـــه !! وش صار بينكم ؟؟ آخر مرة كلمتك كان كل شي تمام ! ريم : أنـا حـامل .. ظهرت ابتسامة واسعة على وجهها بان فيها صف أسنانها الأمامي : صِدق ؟ ألف مُبارك يا قلبي ، بالسّلامة إن شاء الله ، أجل وين المشكلة هذي خبرية تفرح !! ريِم ببرود : المشكلة إن عمر ما يبي هالطفل ، و طلب مني أجهضه ، و يوم رفضت حطّلي دواء عشان يموّت وِلدي ، و الحمدلله ما صار شي ، و الحين أنا تاركة البيت ، و أفكر بالطلاق ! تختفي ابتسامتها بالتدريج مع كلام صديقتها ، لتقول : اوف اوف اوف ، كل ذا صار معاكِ بهالفترة اللي غبتها عنّك ؟! تنهّدت و هي تهز رأسها بـ نعم ، صمتت سَناء ، و عينيها تتجول تُلاحق المارّة في الشارع من خِلال زجاج نافذة المطعم ، قاطعت ريم تفكيرها ، و هي تقترب إليها من جديد لتسألها : وش رأيك يا سناء ؟ ساعديني ؟ انصحيني ! أنا أبي هالولد ، ما صدّقت صار الحمل و أنا فـ هالسن ، و مابي أخسره .. التفتت سناء إليها ، ترفع حاجبها الأيسر و تجيب : بس كِذا ممكن تخسري زوجك اللي رافِض هالطفل ! و رح تظلمي وِلدك يوم تجيبيه على دنيا أبوه ما يبيه فيها ! ريم باستغراب ، ابتعدت عنها : يعني انتِ مع إني أسوي إجهاض ؟ سناء : عارفة إنها صعبة ، بس ما رح تقدري تربي ولدِك بروحك ، هالشي ماهو سهل .. ريم بعدم اقتناع : ماني مصدقة إنك قاعدة تنصحيني أقتل ولدي ! إنتِ يا سناء ؟ تنهّدت بقوّة ، أطلقت نفساً طويلاً ، قالت بعده : أنا قاعدة أكلمك عن تجربة ، تربية الولد ماهي سهلة .. ريم : ما سمعتِ عن أمهات أرامل ربوا أولادهم أحسن تربية ؟ وش اللي قاعدة تقوليه ؟ سَناء : هذولا الأمهات انجبروا على هالشي ، انجبروا يربوا أولادهم بروحهم ، بس إنتِ منتِ مجبورة ، منتِ مجبورة تجيبي طفل و تربيه في بلد كل عاداته تختلف عن عاداتنا ، و تعيشي معاه فـ هالصراع ، هذا غير صراعك مع وِلدك نفسه عشان تقنعيه شلون أبوه تخلى عنه و ما كان يبيه ! عارفة وش يعني تجيبي ولد لهالدنيا ، أبوه ما يبيه ؟ عارفة عواقب هالشي ؟ صمتت ، و هي تفكر في كلامها ، أردفت سناء : كنت حامل بـ ليان ، لما تطلقت من عاصِم ، و نفس الشي كان رافِضها ، طبعاً اهوة حرمته الأولى خلفت له 5 عيال ، وش يبي من السادسة ؟ طلّقني يوم عرف إني حامل ، بنتي صارت 12 سنة للحين ما يعرف صورة وجهها ، لو تلاقى معاها في الشارع ما راح يعرفها ، حتى اخوانها ما يعرفونها ، ولا يعرفون حتى بوجودها ، و أنا عايشة بصراع بين أسئلتها اللي ما تخلص ، وين أبوي ؟ ليش ما يسأل عني ؟ دام إنه حي و يبعثلي مصروفي أجل ليش ما أشوفه ؟ ليش منتِ مع أبوي ؟ كل هذي الأسئلة اللي مالها جواب ، إنتِ مستعدة تواجهيها يا ريم ؟ نظرت إليها ، تأملتها لثوانٍ ، قالت بعدها : بسألك سؤال ، تتخيلي شلون كانت بتكون حياتِك ، لو ما خلفتِ ليان ؟ سناء بابتسامة : كنت رح أحس بالوحدة ، كانت حياتي بتكون مملة جداً ، بس عالأقل بتكون هادية ، قلبي كان بيظل هادي ، كان بيظل ينبض هِنا ، في صدري ، الحين قلبي مو معاي يا ريم ، قاعدة أواجه كل يوم أصعب من اليوم اللي قبله ، و عاصِم ؟ عاصم مرتاح ولا على باله ، منو اللي تعذب و بَلع الهم بروحه ؟ طبعاً أنا .. ريم : بس إنتِ أم ، و الأمومة ماهي مجانية ، هذي ضريبتها ! سَناء بانفعال : أجل الأمومة لها ضريبة ، أدفعها كل يوم من عمري ، و الأبوة مالها ضريبة ؟ ليش اهو بعد ما يدفع هالضريبة ؟ ريم : راح يتحاسب .. ابتسمت بسخرية و هي تُشيح بنظرها عنها ، أوَ يشفي صدرها ذلك الحِساب بعد أن دفعت حياتها ثمنًا لأنانيته و نرجسيته ؟ أيعيد ذلك حق ابنتها التي تقتلها كل يومٍ أفكارها و هي تتخيل تجهم وجه والدها عندما سمع بخبر قدومها إلى الدنيا ؟ ،, ألقَت على الطاولة أمامه ، كيسًا أسودًا مغلفًا بإحكام ، لاصِق شفّاف يلفّه ، ألقى نظرة خاطفة إلى الكيس ، ليرفع نظره إليها بعد أن اعتدلت من انحناء جسدِها ، علامات استفهام تجوّلت في مقلتيه ، تقول حسناء : اليوم نفّذت عملية ، أو ... صفقة ، مدري ، سميها اللي تبي ، و هذا المبلغ اللي كنا متفقين عليه صار عندَك .. تقدر تحسب نسبتي من المبلغ و تعطيني إياه بعدين .. هزّ رأسه ، بابتسامة خافتة لم تميز ظهورها حَسناء ، دَفع كُرسيه الدوّار إلى الوراء و نهض ، اتضّحت ابتسامته أكثر و هو يقترب نحوها ، صَار أمامها ولا زالت مُتجمّدة في مكانِها تبحث عن تفسير لنظراته و ابتسامته ، حتى ضمّ بكفيه وجهها الصّغير ، انحنى رأسه قليلًا ، و امتدّت شفتيه ليطبَع قُبلة على جبينها ، ابتعَد قليلًا لينظر إلى وجهها ، ابتسامة الفَخر لا زالت ظاهرة على شفتيه ، يقول بعدها : هذي هي بنتي حَسناء ، عمرِك ما خيّبتِ أملي فيكِ يا بنت أبوكِ . بادَلته ابتسامته ، بأُخرى خجولة ، تمتد يدها الناعمة لتلتف فوق كفّه ، تُبعِده برقّة عن وجهها ، تعودُ خطوة إلى الوراء ، لا زالت متمسّكة بيدِ والدِها ، و هي تقول بهمس : بس أنا ما اخترت أكون كِذا .. و هذا هوة الفرق .. تركَت يده ، تحرّكت ببطء نحو الباب و هي تُعدّل شعرها بيدِها بارتباك واضِح ، استوقفها سؤاله دون أن يلتفت إليها : أي فَرق ؟ وقَفت في مكانها ، دون تحرّك أو إجابة ، انحنى رأسها نحو الأرض لتحدّق في قطعة السجّاد الصغيرة التي تكسوها ، التفت إليها و كرر مجددًا : تكلمي ، أي فرق ؟ أخذت نفسًا عميقًا ، استدارت بكامل جسدها إليه ، نظرات العَتب التي صبغت عينيها ، باتت عادية لديه ، تنهّد و كأنه يعرف الإجابة قبل أن تقولها ، قالت : هذا الفرق بيني و بين الولد اللي بييجي .. أنا ماني قاعدة أسوي اللي أسويه ، و ماني قاعدة أشتغل هالشغل ، بس عشان أرضيك ، ولا عشان خايفة أخيب أملك فيني ، أنا حَسناء لأنك إنت تبيني أكون كِذا ، و أجبرتني أسوي هالشي ، و لو الأمر بإرادتي ، أخيب أملك كل يوم ، ولا أسوي اللي قاعدة أسويه ، بس إنت حطيتني بين خيارين ، كأنك قلت لي اختاري بين الحياة و الموت ، بس اللي فـ بطن ريم ، تقدَر تخليه يحبك ، تقدَر تخليه يسوي أي شي علشان يرضيك و يخليك تفتخر فيه ، من دون ما تجبره على شي ما يبغاه ، اقتَرب خطوتين حتى وقف أمامها ، و قال بتجهم : هذي ثاني مرة تقولي إني أقدر أخلي الولد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبي أبوكِ يا ديانا ؟ ارتسمت ملامحها بابتسامة ساخِرة لاذعة ، قالت : السؤال المفروض أنا أوجهه لك ، إنتَ تحب بنتك ، يا عُمر ؟ بلهجة دفاعية : طبعًا أحبك ، في أب ما يحب بنته ؟! حَسناء : المشكلة يا يُبه ، إنّك حطيتني فـ مكان ، ولا تزعل مني ، خلاني ما أوثق فيك ولا بمشاعرك ، يمكن الحين لو أقولك بترك الشغل ، تقطني برا البيت و تتخلى عني ، و لو ماني قاعدة أمشيلك مصالحك ، ما كنت بتحبني .. مابي أجزم بهالشي وأظلمك ، بس طبيعة علاقتنا خلتني أفقد الثقة فيك ، و فـ كلامك ، و دائماً فيه سؤال بيخليني أشك بمحبتك لي ، لو كنت تحب بنتك فعلًا ، شلون تسمح إنها تعرض نفسها للخطر في شغل مثل هذا ، عشان مصالحك ؟ عندَك جواب ؟ أَخذ نفسًا عميقًا في محاولة منه لكسب بعض الوقت علّه يجِد إجابة ، ابتسامة صغيرة بانت على شفتيها ، و هي تقول بلهجة ساخرة : لا تحاول يبه ، عارفة إنك ما عندَك جواب ، أنا ما قِلت إني أكرهك ، بس ما اقدر أحبك مثل ما أي بنت تحب أبوها ، ما بنسى وش سويت فـ شبابي ، و على شنو ضيعته .. فخلاص لا تتعب روحَك معاي ، ربنا أعطاك فرصة ثانية بعد كل هالسنين ، عشان يكون عندَك ولد ، عشان تكون أب حقيقي ، لا تضيّع هالفرصة بعد .. هزّ رأسَه ، بحيرة ، تساءَل : جاهزة للسفر ؟ حسناء : متى السفر ؟ عُمر : الخميس إن شاء الله .. هزّت رأسها بالموافقة ، دون أن تنطِق ، و خرجت .. ،, ارتجفت يده و هي تنزل عن أذنه متشبثة بالهاتف ، اتسعت عيناه و قد عَرف من ناداه من صوتِه ، إن سمِع مجرى الحديث فقد فُضِح أمرهم ، ابتلع ريقَه و التفت بقلق يحاول أن يُخفيه ، نظر إليه نَعيم بريبة : وش قاعِد تسوي برا مكتبك ؟ تنحنح بارتباك : احم ، ما في شي بس جا لي اتصال ضروري تركت المكتب عشان أرد .. رَفع حاجبه الأيسر بغير إعجاب : جالك اتصال ؟ إنتَ جاي تشتغل أو تسولف عالجوّال ؟ ابتلع ريقَه مجددًا : لا بشتغل طبعًا بس .. قاطعه بنبرة حادّة : من دون بس ! ارجع لمكتبك الحين ، و هذا آخر تنبيه ، آخر مرة أشوفك برا مكتبك فـ أوقات الدوام ، مفهوم ؟ هزّ رأسه بتخبّط ، ثم غَدا بسرعة نحو مكتبه ، رفَع السماعة ليضع الميكروفون عندَ شفتيه : ما أظن سمع وش قلنا ، اقفل الحين أمر عليك بعد الدوام .. يَضغط بطرف ابهامه على الزر الأحمر على شاشة جوّاله ، و هو يتلفّت حوله ، يدخُل إلى المكتب ، ترتفع نظرات زميله إليه ، بابتسامة جانبية كأنه يعرف ما حدث : وش صاير ؟ يرد بارتباك و هو يجلِس خلف طاولته : لا ، ما في شي .. أحمد ، و هو يعمل على جهازه دون أن ينظر إليه : شافَك نعيم برا مكتبك و سمّعك كلمتين ؟ تحرّكت عيناه نَحوه ، رافعًا حاجبيه بتعجب : شلون عرفت ؟ أحمد بضحكة خفيفة : كلنا صار معانا كِذا أول ما توظفنا .. بس لا تفكر إنه بيتكلم جد ، اهوة بس يحب يستلم الموظفين الجدد و يسوي عليهم نظام ، شهرين زمان يصير ما يسأل عنك . صَمت فهد بتفكير ، نصف ابتسامة مُسايرة تعلو شفتيه ، التفت إلى صوت زميله حين قال : الحين برسلك عالايميل ملفين ، لحسابات الشركة الشهر الأخير ، أبيك تدققهم و تعملي كونفورميشن .. هزّ رأسه بالموافقة : اوك يلا .. ،, عَصرًا ، دَخل بهدوء إلى البيت ، أغلق الباب خلفه و هو يُحدّق بعينيه نحو الأمام ، تجلّى اليأس في وجهه من كل شيء ، اقترب و هو يُعيد المفتاح إلى جيبه و يدفِن كلتا يديه في جيوبه ، تنهّد و هو يعرِف ما ينتظره الآن ، وَقف أمامهم ، و قد اجتمعوا على طعام الغداء ، ارتفعت أنظار شهد إليه و هي تقول بابتسامة : هلا حبيبي حماتَك تحبّك ، غسّل و تعال تغدّا .. ببطء سَار خطوات قليلة حتى اقترب منهم ، وسط نظراتهم المتفحّصة ، ارتمى جَسده فوق كنبة منفردة مهترئة ، في زاوية الغرفة ، تبادل الجميع النظرات فيما بينهم ، بعد صمت غير طويل ، تساءلت شهد : وش فيك طارِق ؟ ما تبي تتغدى ؟ طارِق ببرود : ماني جوعان .. شهد : كَليت شي ؟ هزّ رأسه بالنفي ، تساءل والده و هو يمضغ طعامه و دون أن ينظر إليه : وين كنت ؟ ارتفعت عينا طارِق نحو والده لثانية ، ثم عاودتا الانخفاض ، التزم الصمت ، يقول والده بسخرية : ما لقيت شغل طبعاً .. كان النفي في تنهيدتِه واضِحًا ، عيناه لا تتركان الحملقة في بَلاط المنزِل القديم ، و أصابعه تُلاعِب مفاتيحه بتوتر ، نَفض والدَه كفّيه من الطّعام ، نَهض عن الأرض بصعوبة ثم توجّه نحوه و هو يُسلّط سبابته اليُمنى عليه كأنما يوجّه له اتهامًا ما ، و قال بحدّة : كله من دماغك اليابِس هذا ، جالَك عرض ما كنت تحلم فيه بحياتَك ، نعمة وصلت لعند رجولك رفضتها و رفستها مثل الغبي ! نَظر إلى والده بعتب : رجعنا لنفس الموضوع ؟ أبو طارِق : و ليش ما نرجع يُبه ؟ قول لي وش سويت شي يخليني أقفل الموضوع ؟ رايح جاي تدوّر شغل و منت ملاقي ، قول لي متى بتتزوج و بتفتح بيت على هالحال ؟ طارِق : منو قال إني مستعجل أتزوج هالحين و أفتح بيت ؟ يبه أنا لو بموت من الجوع ما راح أكسب فلوسي من ورا أذى أخوي و صديقي ! أبو طارِق : كل شوي يقول لي صديقي و أخوي ، وينه صديقَك و أخوك هذا ؟؟ وينه عنّك و عن حالتك ؟ اهوة اشتغل و دبر أموره ، أشوفه ما تذكرك ؟ استعت عينا طارِق : وش يعني يتذكرني ؟ تبيه يتصدق علي ؟؟ أبو طارِق : طبعاً لا ، بس ليش ما يدبرلك وظيفة مثل ما دبّر لنفسه ؟ أشاح بنظره عنه و هو يعرف حقيقة ما يحدث مع فهد : صداقات أبوه دبروه مو اهوة دبر نفسه .. ارتفع حاجبا والده باستنكار : يعني قصدك تقول إن أبو فهد أحسن مني ؟ و عنده علاقات دبّرت ولده بـ شغل و إني مقصّر معاك ؟ تنهّدت شهد بيأس و أطبقت عينيها و هي تسمع كلام والدها الخالي من المنطق ، نهض طارق من مكانه و وقف أمام والده : يبه منو قال كذا ؟ ليش تفسّر كلامي على شي ثاني ؟ أنا قصدي أقول إن اللي ماله واسطة ، و حاله مثل حالي صعب يلاقي وظيفة ، وش الغلط اللي قلته ؟ هزّ رأسه و لم يعجبه كلامه : على كل حال ، بكرا تمر فيك الأيام تلاقي نفسك ما سويت شي لحياتك ، ساعتها تندم على اللي ضيعته من عمرك .. نظرة حادة أخيرة رمقه بها قبل أن يُدير ظهره ، و يتحرك خارجًا من المنزل ، التفت حينها طارِق إلى والدته و أخواته اللاتي ينظرن إليه بقلّة حيلة ، تنهّد و دخل إلى غرفته دون كلمات . ،, وصل إلى المستشفى ، عَقله مشوش بكثير من الأمور ، صَعد في المصعد إلى الطابق الخامس ، تحرّك خارجه حين وصل بتوتر ، و حركات سريعة ، و هو ينظر بعين الشك إلى ياسمين التي تجلس خارج الغرفة ، تراقبه عن بعد مع ابتسامة صغيرة ، انتصبت قامتها حين وقف أمامها ، التقط أنفاسه و هو يشتت نظراته بعيدًا : شلونها أمي ؟ ياسمين : تعبانة شوي ، تركتها نايمة .. هزّ رأسه بتوتر و عيناه معلقتان في الأرض ، قالت ياسمين : وش فيك فهد ؟ مانك على بعضك ! بحركة مفاجئة منه ، أحكم قبضته على ذراعها حتى تألمت ، و قال من بين أسنانه بغضب : وين راحت الفلاشة ؟ ياسمين و هي تنظر حولها بريبة : فهد وش تسوي قاعد ابعد عني !! يحاول أن يتمالك نفسه ، تَرك يدها ، ابتعد إلى الوراء خطوات عدّة ، مَسح وجهه بكفّه بينما تفرك ياسمين مكان ذراعها بألم ، قال مجدداً بذات الغضب : وين راحت الفلاشة ؟ ياسمين : مادري عن شنو تتكلم ! فهد : المحقق لما أخذ الفلاش ميموري ما كان فيه غيري و غيرك ، ما حد عرف عنها غيرنا ، و إنتِ كنتِ ضد إني أعطيها للمحقق ، قولي وين اختفت ؟؟ تكتفت و قالت ببرود : اتصرفت مثل مو لازم أتصرف ! قلت لسلطان و اهوة حل الموضوع .. هذي الفلاشة ممكن يكون فيها معلومات عن شغل أبوك السابق ، و بالتالي إنتَ رح تنضر لو الشرطة عرفت ! فهد يبتسم بسخرية : هالحين إنتِ خايفة على ضرري ؟ ليش ما تقولي فيها معلومات عن القاتل ما تبوني أوصلها ؟؟!!! ياسمين : والله أنا ما أعرف الفلاشة وش فيها ، بس مهما كان ما هو من صالحنا إنها توصل للشرطة ! رفع حاجبه الأيسر و قال متعجبًا : صالحنا ؟ من متى في مصالح تجمعنا ؟ ياسمين بابتسامة مستفزة : افـا عليك يابو مشعل ! ناسي إني بجيب لك أخو ؟ نظر إليها بحقد ، بنبرة تهديد قال : يا ويلك أمي تدرى بهالسالفة ، لا بدا بطنك يكبر تروحي تقعدي في بيتك لين تولدي ، و بعد الولادة في فحص بنسويه قبل لا أتأكد إنه أخوي فعلاً ! ابتعدت خطوة إلى الوراء ، رفعت يدها لتصفعه ، لكنه أمسَك ذراعها و ضغط عليه بقوّة : اكسري ايدِك قبل لا تفكري تمديها ! ساد الصّمت لثوانٍ و هما واقفان على ذات الوضعية يتبادلان النظرات الحانقة ، قبل أن تصِل رسالة إلى جوّال فهد تقلِب مزاجه تمامًا . ترك يدها ولا زال العبوس على وجهه ، حتى قرأ تلك الرسالة فامتدت شفتيه بابتسامة واسعة ، و بريق لامع ظهر في عينيه ، جعل ياسمين تتساءل ، من المرسِل يا ترى ؟! ابتعد عنها و أخذ زاوية ليقرأ كلامها مجددًا : " سلامتها عمتي جواهر ، دريت من طارق إنها في المستشفى ، لكن ما قدرت أبعث و أتطمن عليها قبل ، إذا صارلي مجال أكيد بمرلها المستشفى . سلّم عليها .. " كَتب : أحلى كلمة تطلع من شفايفك كلمة عمتي ، ربي يخليكِ لـ عمتك ، و ولد عمتك .. أخذ نفسًا عميقًا و هو يغلق الجوّال و يضعه في جيبه ، التفت بابتسامة ليجد ياسمين تحدّق فيه باستغراب ، تجاهلها و دخل إلى غرفة والدته ، اقترب بابتسامة : شلونها ست الكل اليوم ؟ بلهجة معاتبة : مشتاقة .. انحنى ليُقبل ظَهر كفها ، ثم اعتدل في جلوسه : سامحيني يالغالية ، إنتِ عارفة المشاغل ، ما صدقت لاقيت وظيفة .. هزّت رأسها : معاك حق ، أنا ما تعودت إنك تغيب عني ، طول الوقت كنت معاي ، بس يوم لاقيت وظيفة حسيتك بعدت ، مع إن هذا الشي طبيعي ، طبيعي إنك تلتفت لحياتَك و مستقبلك ، بس ماني قادرة ما أكون أم أنانية ! فهد باستهجان : لا يمه وش هالكلام ! وش أنانية ؟ إنتِ أحلى أم في الدنيا ، بعدين حياتي و مستقبلي اهمة انتِ يمه ، كل شي قاعِد أسويه علشانك علشان ترتاحي بعد كل هالتعب اللي شفتيه بحياة أبوي ! تنهّدت بألم : أبوك الله يرحمه ما قصّر .. فهد : إلا قصّر ! نظرت إليه بتعجب ، تدارَك ذاته بابتسامة : المهم شلون حاسة اليوم ؟ جواهر : الحمدلله على كل حال . نهض عن الكرسي : طيب يمه أنا عندي شغل بروح الحين و برجع بالليل .. و هذي ياسمين عندك لو احتجتوا شي دقوا علي .. اقترب منها ليقبل جبينها ، مع تمتمتها : الله يرضى عليك يا يمه .. ،, طُرِق باب غرفتها ، ابتعدت نظراتها عن شاشة الحاسوب و ابتسامة حالمة تظهر على وجهها : تفضل .. فتحت الباب و مدّت رأسها بابتسامة : ها شلون استعدادك للسفر؟ سَارة : تمام التمام .. اقتربت جمانة من أختها ، جلست على طرف السرير و هي تحمل كوب شاي بيدها اليمنى ، قالت : تدري إنتِ لازم تسوي مخطط عشان تزوري الأماكن الحلوة بروما ، و كمان مو غلط تخلي غسان بالعطلة ياخذك برا روما ، ممكن تروحوا فلورنسا ، ميلانو ، نابولي .. كلها أماكن حلوة لازم ما تضيعي ولا يوم .. سَارة : ما بخطط شي أصلًا أنا أول مرة أسافر و ما عندي مخططات غييير هذا أدارت شاشة الحاسوب نحو جمانة لترى ، رفعت جمانة حاجبيها بإعجاب : اووه ، يخقق ! منو هذا ؟ سَارة بحماس : كنت قاعدة أفكر إني لازم أسوي تغيير بهالسفرة ، قلت لو أقدر أشوف طبيب تغذية و حميات بروما ، و أصير أراجعه ، يمكن يساعدني إني أنحف ، راح أقعد مع غسان فترة مو قصيرة ، و ممكن أستفيد .. جمانة بتأييد : برافو عليكِ هذا التفكير السليم ، بس منو هذا طبيب يعني ؟ سَارة : أيوه طبيب ، اهوة سعودي بس مقيم بروما من زمان و عنده عيادة و كل الريفيوز على صفحته تقول إنه طبيب ممتاز حتى الأجانب كاتبين إنه مرة كويس .. غمزتها جمانة : و حليوة بعد ! سَارة : يلا عاد ، مو كافي بننحرم من الأكل اللي نحبه ، نشوف وجه حليوة يصبرنا .. جمانة : ههههههههههه لا معاكِ حق بصراحة ! سارة و هي تشير بسبابتها إلى الشاشة : حجزت موعد عنده ، بعد أسبوع من وصولي .. عقدت حاجبيها : من أول أسبوع تبي تبدي نظام و حميات ؟ شلون حجزتي ؟ سارة : عنده موقع عالانترنت و المريض يقدر يحجز أون لاين .. مرة متحمسة إني أبدا حياة جديدة .. دخلت رهف بدون استئذان على وقع الكلمة الأخيرة لتقول باستهزاء : خير إن شاء الله منو اللي بيبدا حياة جديدة ؟ رفعت سارة نظراتها المتجهمة لها و قال بحدة : إنتِ شلون دخلتِ غرفتي بدون ما تطقي الباب ؟ رهف و هي تستند إلى الباب بكتفها : والله حبيبتي الباب كان مفتوح ، و بعدين هذي الغرفة بعد يومين بتصير غرفتي .. أطبقت سارة شاشة الحاسوب بعنف ، نهضت أمامها : والله حبيبتي ما حزرتِ هذي الغرفة غرفتي و بتظل غرفتي ! وقفت جمانة بينهما : وش فيكم ماهي مستاهلة عشان غرفة تسووا كِذا ! رهف باستفزاز : والله قولي لهالدخيلة تتركنا بروحنا المفروض تشكر ربها ليل و نهار إننا مقعدينها معانا و أنا اللي أقرر وين تقعد مو اهية هذا بيت أبوي مو أبوها ! جمانة : رهف ، عيب هالكلام ، أبوها يكون عمّك الله يرحمه ، و أمك اهية أمها ، انتوا خوات ما يصير كِذا .. سَارة : تدري وش الشي اللي بنفسي أسويه قبل لا أسافر ؟ تكتفت رهف بلا مبالاة و هي تنظر إلى الأعلى بغرور ، غافَلتها سارة حين مدّت يدها لتشد شعرها بقوّة تسحبها نحوها ، فاجأت الحركة جمانة التي تنحت جانبًا ، ألقت سارة رهف على السرير بعنف ، لتصعد فوقها و تسيطر على يديها و تبدأ في لكمها على وجهها ، بينما تصرخ رهف مستنجدة بوالدتها و والدها ، جاءت يسرى تركض على الصوت ، تقدّمت بغضب من سارة و أمسكت ذراعها : وش قاعدة تسوي يا مجنونة ذبحتيها للبنت ! نَهضت عنها منهكة و قالت و هي تلهث : بنتك هذي قليلة أدب و يبيلها تربية ! يسرى : بس يا بنت وش هالكلام عيب ! جُمانة ، متكتفة : ماما ، رهف اهية اللي بدت بصراحة ! رهف تبكي : و فوق إنك تركتيها تضربني و ما دافعتِ عني ، بعد واقفة معاها ؟ تقدّمت خطوة : ماما فعلًا رهف قليلة أدب ، قللت احترام مع أختها الكبيرة و سمعتها كلام مو كويس ، ولازم تتعلم الأدب و شلون تتعامل مع اللي أكبر منها .. ابتعدت رهف حتى وصلت الباب : ع كل حال بعد شوي ييجي أبوي و نشوف وش بيصير ! خرجت غاضبة ، التفتت يسرى إلى سارة ، ربتت على كتفها : لا تاخذي على كلامها ، رهف صغيرة و ما هي عارفة وش قاعدة تقول .. هزّت سارة رأسها بعدم رضا ، و في عينيها وَعيد لم يظهر سابقًا ، وعيد صعب الفهم و الشرح ! ،, ارتخى جسَده على كرسيه الدوّار ، و هو يُطبطب على بطنه بعد وجبة دسمة تناولها ، دَخل فهد و قد بانت على وجهه علامات الانزعاج من رائحة الطعام التي تعج في هذا المكان الضيّق ، قال بنبرة عالية : انت على طول فـ هالمكتب ؟ رفع رأسه ، اعتدلت جلسته حين رآه ، تقدّم فهد و جلس أمامه بسرعة : ماني عارِف شلون تقول إنك قلقان ، و تقدر تاكل كل هالأكل ! سلطان : وش علاقة الجوع بالقلق ! يعني إذا قلقان أموت من الجوع بعد ؟ ظهرت نصف ابتسامة على شفتيه ، قال سُلطان : أخبارك اليوم ماهي عاجبتني ، بس خلينا نبدأ بيحيى ، وش كان يبي منّك ؟ نظر إليه بحدة : الفلاشة اختفت .. سُلطان يصطنع الجهل : أي فلاشة ؟ ابتسم فهد : سُلطـان ، أنـا عـارف إنّك انت اللي خفيتها ، لا تسوي علي هالحركات و قول وين الفلاشة و ليش خفيتها عني ؟ سُلطان بلا مبالاة : أنا ما خفيتها عنّك ، خفيتها عن الشرطة .. فهد : كويس ، أجل أعطيني الفلاشة الحين .. سُلطان : ما راح تاخذها ، مالك شغل فيها ... رح تظل عندي بأمان ، عندَك ممكن أي واحد ياخذها ! و ماله داعي تعرف كلشي عن أبوك ! رفع حاجبيه معترضًا : والله ؟ أجل منو لازم يعرف كل شي عن أبوي ؟؟ الولد اللي جاي عالطريق ؟ عقد سُلطان حاجبيه : أي ولد ؟ فهد : ياسمين قالت كل شي ، و قالت إنها حامل ، ما في شي يستاهل تخبونه ، ما أتوقع إن أبوي مخبي عنا أكثر من كذا ! أطبق سُلطان عينيه و هو يشتاط غضبًا من ياسمين التي أحرقت جميع بطاقاتها دفعة واحدة ، أخذ نفسًا عميقًا : و لو كان ، الحين ماهو الوقت المناسب عشان تأخذ الفلاشة ! خلينا فـ موضوع مهمتك هذي ، شلون بتحل المشكلة ؟ صمت لثوان و هو يحدّق فيه بكره ، ثم قال : مادري ، الوحيد اللي يقدر يقول عن الرقم اهوة زميلي أحمد ، و الحل الوحيد إني أستدرجه ، بس ماني ضامن هالحل ! سُلطان : وش استفدنا منك فـ هالحالة ؟ نهض فهد : والله أنا اللي علي سويته ، المفروض إنتَ و شريكك عمر خبرة فـ هالمجال ، و أكيد ما رح يفوتكم إن الشركة ما راح تأمن لموظف جديد و يطلعوه على صفقاتهم و مناقصاتهم بهالهسولة قبل لا يجربوه شهر عالأقل ! سُلطان : أفهم من كلامك إنّك خلاص بتستسلم ؟ فهد : لا ، بس مثل ما قلتلك ، ماني ضامن إني أقدر أستدرج أحمد بالكلام ، و لو ما تمت المناقصة أنا مالي ذنب ، و حقي باخذه كاامل ! ولا تخليني أستخدم أساليب ثانية ! خرج و سُلطان يرمقه بالنظرات الحادة ، رفع جوّاله بغضب ليتصل بـ ياسمين .. ،, نهضت عن سريرها و صرخت في وجهه : لا طبعًا ! ماني موافقة يا عِصام ! وقف أمامها و قال بهدوء متكتفًا : وش اللي منتِ موافقة عليه يا مريم ؟ مريم بذات النبرة : أنا ما راح أنتظر اليوم اللي تدخل علي فيه بضرة ! وش يعني أمك تبي تذلني ؟ عِصام بنفاد صبر : ياا مريم وش تذلك و ما تذلك !! اهية قالت إنها ما راح تزور الجماعة ولا رح تخطبلي إلا لو حاولنا و ما نجحت محاولاتنا ، و هذا احتمال ضئيل لأن كل مشاكل الإنجاب اليوم صار لها حلول ! مريم : وش الحلول اللي قاعد تتكلم عنها ؟ أي حلول تبينا نجرب ؟ عصام : ممكن تهدي و تقعدي عشان نعرف نتكلم ؟ مريم تصرخ بغضب : مابي أقعد ولا أبي أتكلم خلاص روح تزوج و سوي اللي تبيه ! صرخ عِصام : مـريـم !! هدأت و هي تنظر إلى عينيه المشتعلتين ، اقترب و قال بتهديد : إياكِ ترفعي صوتِك علي مرة ثانية ! سَقطت دمعة حارّة من عينها اليمنى و هي تخفض نظراتها أرضًا ، تنهّد عِصام بملل ، جلس على طرف السرير مجددًا و قال بامتعاض : اللي قاعدة تسويه ماهو من حقك ! مو من حقك تحرمينا نتعالج و نجرب قبل لا تتخذي قرار يخرب بيتنا ! لا شرع ولا دين يسمحلك تسوي اللي قاعدة تسويه ! التفتت إليه ببطء ، و همست : نتعالج ؟ عِصام : طبعًا نتعالج ، أنا و إنتِ واحَد ! مرضك مرضي ! و لو تبي تتعالجي ما راح أتركك تروحي جلسات العلاج بروحِك ، و راح نجرب كل الطرق ! ليش مستهينة بنفسِك مرة عندي ؟ ليش متوقعة إني ممكن أتخلى عنّك بالساهل ؟ مشكلتنا ماهي مرضك يا مريم ، مشكلتنا قلة ثقتك فيني ! جلست إلى جانبه و قالت بهدوء : يمكن إنتَ السبب ! عِصام بتعجب : ليش ؟ وش سويت عشان ما توثقي بمشاعري تجاهِك ؟ مريم : لأنّك ما سويت شي ! طول فترة زواجنا و أنا ما أحس بحبك ولا بمشاعرك ، ما حسيت فيهم إلا يوم عرفت عن مرضي ! عصام : لو كلامك صحيح ، المفروض ما تشكي بمشاعري ، لأني لو فعلًا ما أحبك كان انتظرت فرصة صغيرة عشان أتركك و أشوف غيرِك ، الحب ما يحتاج كلام يا مريم ، يحتاج أفعال ، و أنا ما أتوقع إني قصّرت معاكِ بيوم ! خاصة وقت الشدة ! مريم : أنا حاسة إن حياتي انتهت ! أخذ نفسًأ عميقًا : فيه ناس الله يبتليهم بالسرطان و الأمراض القاتلة ، و ما يعيشون حالة اليأس اللي عايشتها إنتِ ! يستقبلون أقدارهم برحابة صدر و ابتسامة ، و بهالطريقة بينتصروا على أمراضهم ، اليأس أقوى عدو للشفاء يا مريم ، أنا تعبت معاكِ مو لأنك منتِ قادرة تحملي في الوقت الحاضر ، تعبت لأنك ما تبي تواجهي ! إنتِ جبـانة ، و الحين أنا اللي لازم ما أوثق بمشاعرك تجاهي ! نظرت إليه باستفهام ، نهض بصمت حتى وصل الباب ، فتحه و قال قبل الخروج : لو تحبيني فعلًا تحاربي عشان تحافظي علي ، مو تسوي كل شي تقدري عليه عشان تطفشيني !! ،, انتهى أعتذر لجميع أصدقاء الرواية أولًا على الغياب ، و ثانيًا على قصر البارت ، لكن الله يعلم ما مررت به من ظروف و كم عانيت في كل مرة أحاول أن أكتب فيها سطر كنت أشعر أن شيئًا ما يكبّل يداي و يقيد تفكيري و يسرق إلهامي ، من الصعب جدًا التأقلم مع الحياة مجددًا بعد أن تفقد أحد والديك ، و لكنني لا زلت أحاول بالإيمان بالله لأستمر ، و محتاجة دعمكم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و محتاجة صبركم ، و أوعدكم إني ما راح أخيبكم ، بإذن الله .. أراكم بإذن المولى قريبًا .. طِيفْ ! التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 16-05-20 الساعة 05:13 PM | |||||||
16-05-20, 05:16 PM | #23 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. تأخير لم يكن في الحسبان .. اعتذار و توضيح .. كان من المفترض أن يتم نشر الجزء الجديد بعد حوالي أسبوع من نشر آخر جزء ، لكن تفشي وباء كورونا " عافاكم الله و أحبتكم منه " ، حال دون ذلك .. بالأخص أن إيطاليا من أكثر الدول التي تفشى بها الوباء ، و كنت أحد المصابين الحمدلله ، لم تبدأ الأعراض في الظهور إلا بعد 11 يومًا و حين شخصت بكورونا رفض المستشفى استقبالي بحجة أن وضعي الصحي جيد و ليس بحاجة لمستشفى ، و علي أن أحجر نفسي في غرفة منعزلة عن أهلي في المنزل ، بعد عدة أيام ساءت حالتي و ارتفعت حرارتي و بدأ الغثيان و التقيؤ و الأعراض الشديدة بالظهور ، نقلت إلى طوارئ المستشفى و مكثت كل تلك المدة أتلقى العلاج ، لا زلت في المستشفى في انتظار نتائج الفحوصات لأتأكد من خلوي من كورونا لأعود لمنزلي ، وضعي الصحي جيد جدًا و لله الحمد ، الجزء الجديد قيد الكتابة و إن شاء الله سيكون متاحًا في أقرب وقت .. عافاكم الله و حماكم و حمى أحبتكم من هذا الوباء .. أتمنى أن يُلاقي عذري قبول أحبتي .. السلام عليكم . | ||||||||
26-05-20, 08:08 AM | #24 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. لا أعرف حقًا بأي الكلمات سأشكركم على تعاونكم و صبركم على ما مررت به و ما مررنا به جميعًا ، كنتم أكثر من إخوة بكل صدق ، و أشعر بالامتنان لكل صديقة ساندتني و راسلتني عبر المنتدى أو عبر موقع تويتر .. الحمدلله خرجت من المستشفى منذ يومين ، و أنا الآن في مرحلة الحجر المنزلي و أسكن وحيدة في غرفتي كي لا أتسبب بالضرر لأحد أفراد عائلتي ، و أتمنى أن تتخذوا جميعكم التدابير الوقائية لحماية أنفسكم و حماية من تحبون .. أنا الآن في مرحلة التعافي و لله الحمد ، و الجزء قيد الكتابة و التجهيز ، و إنني أسعى أن يكون شكري لكم عبر الجزء القادِم المرضي و الذي سيعوض عن الغياب الذي فات ، و التزامي بإنهاء الرواية على أكمل وجه سيكون شكري الأكبر لكم .. سأحاول قدر المستطاع نشر الجزء بأسرع ما يمكن ، و قريبًا جدًا ، خلال أسبوع سيكون الجزء بين أيديكم .. أحبكم جميعًا ، عافانا الله و إياكم من شر الأوبئة و الأمراض ، و عيد فطر مبارك ، أعاده الله على أمتنا العربية و الإسلامية بالخير و الصحة و رفع عنا الوباء و البلاء .. أختكم / طِيفْ! | ||||||||
30-05-20, 01:04 PM | #25 | ||||
| يالله ..سلامتك طيف الف لاباس عليك ..ياقلبي كنت مصابه بكورونا !!🤒😳 الله يشفيك يارب ويشفي كل مريض ويكفينا شر الوباء ويرفعه عنا ياااارب سلامتك الف لاباس عليك طهور ان شاءالله بلغينا عن حالتك كيفك الان ان شاءالله احسن | ||||
11-06-20, 12:25 AM | #26 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| بسم الله نبدأ و في نشوة العشق صرنا رمادا ، طِيفْ! الجزء 12 ** أغلقت باب الغرفة و هي تخرج منها ، بهمس قالت و هي تُبعد السماعة عن أذنها لتخفف من صوته المرتفع ، تقول : وش سويت أنا ؟ سُلطان بغضب : قلت لك سالفة الولد ماهو وقتها الحين ! ليش تصرفتِ من دماغك و قلتي ؟؟ ياسمين : لو تأخرت أكثر كان بيسألني ليش سكتي كل هالمدة ، الحين أحسن ، و إلا ما كانوا بيعترفوا فيه ! و بعدين وش تفرق معاك أقول له الحين ولا بعد شهر ؟ ضرب الطاولة بيده و نهض : تفرق طبعًا ! هذا الولد قاعِد يتمرّد علينا ، و هالشي كان المفروض نخبيه لوقت ثاني ، الحين صار يعرف بكل شي وش نقدر نسوي معاه لو حاول يتمرد مرة ثانية ؟ ياسمين : ما راح يصير شي ، و لو صار لا تخاف .. طول ما أمّه موجودة ما يقدَر يسوي شي معانا ، راح يخاف نقول لها . سلطان : وش رح نسوي لو صار لأمه شي ؟ ياسمين : مو لازم يصير لها شي ! عَقد حاجبيه متسائلًا : شلون يعني ؟؟ ياسمين : أم فهد محتاجة كلية ، و حسب ما قال الطبيب لو أحد اتبرع لها بكلية احتمال كبير إنها تتحسن .. سُلطان بتذمر : و أنا من وين بجيب لها واحد يتبرع بكلية ؟ ياسمين : ما هو ضروري تجيب ، ولدها موجود ! يرفع سلطان حاجبه الأيسر : فهد ؟ اهوة بذاته ما فكّر بهالخيار ، شلون فكرتِ فيه حضرتك ؟ ياسمين : الحين لو والدته ساءت حالتها أكيد بيفكّر ، و لو ما فكّر أنا أقول له .. سلطان : و شلون بنخلي حالتها تصير سيئة ؟ ياسمين : سلطان ! طبعًا ما بنخلي حالتها سيئة ، فهد ما يمر المستشفى إلا في الليل يعني ما يعرف وش يصير خلال النهار .. سلطان بملل : المعنى اختصري ! ياسمين بهمس : اليوم لما ييجي المستشفى و يسألني عن حالة أمه ، أقول إن الطبيب قال إنها بحاجة كلية و إن وضعها صار أسوأ ، و إن جلسات الغسيل ما عادت تنفعها .. ظهرت ابتسامة جانبية صغيرة على شفتيه ، أظهر الرضا : ممتاز ، من متى عندك هالأفكار الجهنمية ؟ ياسمين : والله من زمان ، بس إنت اللي ما تعرفني كويس .. أفزعتها حركة الأطباء و الممرضين متتابعين ركضًا نحو غرفة أم فهد ، لتقول بتعجل : طيب طيب أكلمك بعدين مع السلامة ! أغلقت الخط ، تنظر إليهم بريبة تحاول أن تستوقف أحدهم لتسأله ، لكن أحدًا لم يستجب لها ، دخل آخرهم ليغلق الباب خلفه و يمنعها من الدخول ، تنهّدت بخوف و هي تقول بهمس بينها و بين ذاتها : لا ما هو وقتها الحين !! لازم تتحملي شوي يا جواهر ! جَلست بإنهاك على الكرسي في ممر المستشفى ، تفرك يديها و تنتظر خروج الأطباء الذين يبدو أنهم يخوضون معركة في الداخل لإنقاذ حياتها ، تأخذ شهيقًا و زفيرًا بشكل متتالي و عيناها تراقبان باب الغرفة ، حتى خرج أخيرًا الطبيب منهَكًا ، انتصبت قامة ياسمين بفزع و سألت : خير يا دكتور وش صار ؟؟ الطبيب : المريضة كانت على وشَك الدخول فيه صدمة .. عقدت حاجبيها بعدم فهم : وش يعني صدمة ؟ تنهّد و قال : يعني وضعها بدأ يسوء ، غَسيل الكلى هالحين ما عاد منه نتيجة .. ياسمين بتفكير و عيناها تحلق حول غرفة جواهر : اهمم ، طيب وش الحل دكتور ؟ الطبيب : لازم نزرع كلية ، و بأسرع وقت ، لازم تلاقوا متبرع .. هزّت رأسها ، تحرّك الطبيب من أمامها و تبعه زملاؤه ، أخذت ياسمين نفسًا عميقًا و هي تعاود الجلوس و تقول بهمس بينها و بين نفسها : والله برافو عليكِ يا جواهر ، وفرتِ علي الكذبة اللي كنت بكذبها على وِلدك .. ،, يدخل ببطء إلى غرفة المكتب و هو يتصفح جواله ، يقف عند باب المكتب لثوان بينما يرمقه يحيى بنظرات غير مفهومة ، يستدرك وقوفه أمام الباب ، يدخل و هو يرفع نظراته لتأخذ جولة سريعة في المكان و يقول : راحوا ضيوفك ؟ أطلق تنهيدة صغيرة و التفت إلى شاشة حاسوبه و قال ببرود : مثل مو حضرتك شايف ، راحوا .. اقترب عدة خطوات ليجلس أمام مكتب يَحيى و يتساءل : وش صار ؟ قدرت توصل لشي ؟ دون أن ينظر إليه : والله تقدر تسأل عصام عن هالشي .. التفت خلفه لوهلة ، ألقى نظرة إلى مكتب عصام و أعاد نظراته إلى يحيى : وش علاقة عصام ، عصام ما كان هنا أساسًا ! التفت إليه بعينين غاضبتين ، شبك أصابعه فوق سطح مكتبه و قال : والله دام إنك حابب تأخذ أوامرك من عصام خلاص اسأله عن كل شي و اشتغل معاه بعد .. ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتيه : وش كلام هالعيال هذا ؟ لا تقول إنك ماخذها علي عشان اللي صار فـ المستشفى ؟! اكتفى بالصمت ، ضحِك عزيز : هههههههههههههه ، والله ما كنت عارف إنك تغار ! يحيى : وش هالسماجة عن أي غيرة تتكلم ! عزيز بجدية : غيرتك من عصام ، بس ترى هذا مسؤولنا كلنا ، و مو غلط لو أخذت الإذن منه ، لا تنسى إنك ما قصّـرت بعد ! عقد حاجبيه : أنا ما قصـرت ؟ وش سويتـلـك ؟ عزيز : قـلت عني إني متـوظف بالواسـطـة ، صـدقني يا يحيى لو مـا أعرف منـو إنت ما كـانت هالكـلمة بتعدي على خـيـر ! استند إلى ظهـر كرسيـه و قال بثـقة : أجـل كويس إنّـك عـارفني .. عَزيز بحدّة : أنـا قـلت إني عـارفك ، ما قـلت إني خـايف منّـك ، يعني عـارف إنك أحيانـا تقول كلام مو حاسـب حسـابه .. أخذ يتصفح الملفات التي أمامه و يقول بلامبالاة : أنـا ما أقـول كـلمة مو محسـوبـة .. ارتفـع حاجبـه الأيسَر و قـال باحتجاج : يعني قـاصدهـا ؟ رفع نظره إليه لثانية ثم أعاده إلى الملف : احسـبها مثـل ما تحـب .. هزّ رأسـه بتوتر و وعيـد ، نهـض عن الكرسي و قـال : اعتبـرني منسحـب من قضيـتك ، حلـها بروحـك يا عبقـري زمـانك .. التفت خارجًا من المكتب و قد ضاق ذرعًا بعنجهية يحيى ، و تقليله الدائم من احترامه ، تنهّد يحيى بحيرة ، شبك أصابعه و أخذ يطقطقها ببعضها البعض ، تأفف و قد ارتخى رأسه إلى مسند الكرسي الدوّار و هو يهمس بينه و بين ذاته : ضاق خلقي منهم ، و من هالقضية و من كل شي ! تناول جوّاله عن الطاولة ، رفعه لينظر إلى الساعة التي قاربت على الحادية عشرة مساءًا ، فَرك عينيه بأصابعه بإرهاق ، نَهض عن الكرسي و هيأ نفسه للعودة إلى بيته .. ،, يلتصق جسدها بالكرسي كما اعتادت ، تتصفح رواية أجنبية بعينين ناعستين ، في أروقة المستشفى الخالية في هذا التوقيت إلا من تحركات خفيفة للممرضين و الأطباء .. صوت خطواته الذي بات مألوفًا لديها ، يقترب بكسل و بغير رغبة في مقابلتها ، ارتفعت نظراتها عن الكتاب الذي أغلقته واضعة سبابتها داخل الصفحة التي وصلت إليها ، لُتلاقي نظراته التي غيرت مسارها نحو الأرض حين نظرت إليه ، وَصل إليها ، بلا مبالاة فتحت الكتاب مجددًا و عادت للقراءة دون أن تعير وقوفه قبالتها أي اهتمام ، تذمر داخليًا من رد فعلها البارد ، بصوت يدل على التجهم تساءل : أمي نايمة ؟ دون أن ترفع نظراتها إليه ، و بلا مبالاة : نامت من ساعتين .. جَلس إلى جانبها و الفضول يُخالج قلبه ليعرف بِم تنشغل عيناها ، تساءل : قال شي الطبيب عن حالتها ؟ بذات النبرة و دون أن تتوقف عيناها عن القراءة : لو هامّك موضوع أمك ما تتركها بالساعات بروحها .. ظهرت ابتسامة متطرفة على جانب شفتيه ، اقترب ليهمس في أذنها : كافي تلعبي هاللعبة علي .. ابتعد و اعتدل في جلسته ، التفتت إليه : أي لعبة ؟ فهد : لعبة الحنونة اللي قلبها على أمي ، لا تتوقعي إنك بالدراما اللي سويتيها قبل كم يوم هِنا إني راح أتعاطف معاكِ أو حتى أصدق السالفة اللي قلتيها عن أبوي ، حتى لو كان متزوجك و إنتِ الحين حامل منه ، روايتِك عنه ماني مصدقها ، و ماني مصدق إنك ضحية .. أظهرت ابتسامة تشابه ابتسامته على وجهها و قالت بصوت منخفض : و منو قالك إن رأيك يهمني ؟ و منو قالك إنك كلك على بعضك تهمني ولا يهمني تصديقك ؟ بلهجة كَيد أردفت و هي تنظر أمامها و تبتسم بخبث : اللي يهمني إن الواالدة ، أكيــد بتصدقـني .. اتسعت عيناه بغضب يشع من محاجرهما و هو يقول من بين أسنانه : بذبحِك لو أمـي تـدرى بـشي ! بسـخريـة ردت : والله اللي تهمه أمه ، يروح يلاقي حل للفشـل الكـلوي اللي عنـدهـا ، مـو يقضيـها مشـاوير و تسليـة ! أمّـك اليوم كـان بتمـوت و إنت مـو سائل ! نَهـض عـن الكرسي بتلهف و خـوف : وش قـاعـدة تقـولي ؟ وش صـارلهـا ؟؟ شلـونها الحيـن شنـو قـال الطبيب ؟ أنهـى أسئلته المتتـالية و خـطا خـطوة نحـو الغرفة ، وقَفت ياسمين في وجهه و أوقفـتـه بحـزم : قلت لك إنـها نـايمة ، اتركـها ترتـاح .. اقعـد .. تسـارعـت أنفـاسه و هو يراقب بعينيه الخائفتين باب الغـرفة ، جـلس مـجددًا ، و جَلست ياسمين : بصـراحة ما فهمت على الدكـتور وش قـال بالضبـط ، بس اللي فهمـته إن غَسيل الكِلى ما ينفع الحين .. ولازم أحد يتبـرع لهـا بكليـة ، ضـرووي .. و الوقت ما هـو بصـالحك ! فهـد : ليش ما كلمتيني ؟ بلا مبالاة دون أن تنظر إليه : دقيت عليك ما رديت ، بعدين مو هذا المهم الحين .. بدأ يفرك عينيه بأصابعه بتوتر : وش الحل الحين ؟! التفتت إليه و قالت بجدية : انت من جدّك ؟ ترى ما يبيلها تفكير سوّي فحوصات و انت تبرع لأمّـك ! فَتح عينيه و قال بهمس : صحيح ! شلـون ما فكـرت بهالحل ! بخبث قالت : قلتلك إنّك مو مهتم بأمك ، ما عجبك الكلام .. نظر إليها بحقد ، نهض عن الكرسي و قال : أنا بروح أشوف الدكتور ، إذا صار أي شي تكلميني ، و لو ما رديت دقي ألف مـرة ! دون أن تنظر إليه : إن شالله .. تركها ممتعضًا غاضبًا ، و توجه إلى غرفة الطبيب ، أخذ نفسًا عميقًا ، قَرع الباب عدّة مرات حتى جاء صوت من الداخل يقول : تفضل .. دخل بهدوء و الهم يَركب وجهه ، قال بصوت بالكاد يسمع : دكتور أنا والدتي جواهر ، مريضة الفشل الكلوي .. الطبيب : ايوه ايوه عرفتك ، تفضل يبه .. جَلس على الكرسي الجلد الأسود أمام طاولة الطبيب ، بصوت مبحوح قال : دكتور وش صار لأمي ؟ بقلة حيلة نظر إليه و هو يقول : مثل ما توقعت في البداية ، غسيل الكلى حل قَصير الأمد ، اليوم الوالدة كانت على وشك الدخول في غيبوبة لكن تداركنا الموضوع الحمدلله .. و الحين الحل الوحيد اهوة إنك تلاقي متبرع مناسب بأسرع وقت ممكن ! فهـد : دكتور أقدر أتبرع لها أنا ؟ الطبيب : فيه فحوصات لازم نسويها عشان نتأكد من تطابق الأنسجة ، و لو طلعت الفحوصات متطابقة يكون أكيد أفضل من إنه يتبرع لها واحد غريب ! فهـد : وش الفـرق ؟ الطبيب : إنتَ ولدها يعني تركيبة جسمك أقرب لتركيبة جسم والدتك من الغريب ، الموضوع ماهو بس موضوع أنسجة متطابقة و بس ، و لو كان تطابق الأنسجة اهوة الخطوة الأولى و الأهم ، بس بعد فيه شي ثاني بعد العملية .. فهـد : وش هـو دكتـور ؟ يعني حتى بعد العملية ممكن يكون في خطـر ؟ الطبيب : طبعًا ، فيه خطر عدم تقبل جسم والدتَك للكلية الجديدة ، جهاز المناعة عندها ممكن يتعامل مع الكلية على إنها جسم غريب دخل عليه و يبدا يهاجمه ، مثل ما يهاجم أي فيروس أو مرض يصيب الإنسان .. فهد : طيب ما فيه حل لهالمشكلة ؟ أخذ الطبيب نفسًا عميقًا و قال : أكيد فيه حل ، بس ما هو مثالي بصراحة ، احنا ممكن نعطيها أدوية تقلل من عمل جهاز المناعة ، أو توقفه لفترة مؤقتة عَبال ما تتعافى ، و بالتالي ما رح يقدر جهاز المناعة يهاجم الكِلية الجديدة .. فهد : و وين المشكلة بهالحل ؟ الطبيب : المشكلة إن ما فيه إنسان ما يحتاج لجهاز مناعة ، يعني ممكن خلال هالفترة يدخل فيروس على جسم والدتك و ما يكون فيه جهاز مناعة يقاومه و بالتالي نكون صلحنا شي من جهة ، و من جهة ثانية خربنا شي ثاني ! غير إنه له تأثيرات على المدى البعيد .. تاهَت نظرات عينيه في الغرفة و هو يفكر ، قطع تفكيره صوت الطبيب : بجميع الأحوال هالكلام بدري عليه ، الحين أبي منك تيجي بكرا بدري علشان نسويلك الفحوصات اللازمة ، و إن شاء الله خير .. ،, أرعَبها دخوله إلى غرفتها بهذه الطريقة ، رغم أنها لم تتفاجأ بقدومه ، كانت تعرف أنه سيأتي لتوبيخها لا محالة ، عيناه المشعتان تخبرانها أن لا خير أبدًا فيما هو قادم ، تقف خلفه والدتها خائفة ، عاجزة أو تدعي العجز كما اعتادت أن تراها دومًا ، نهضت من مكانها ولا زالت عيناها تتجولان في بلاط الغرفة ، منتظرة لسماع أقسى الكلمات و التوبيخات و الإهانات ، أخذ يعقوب نفسًا عميقًا قبل أن يقول بصوت أجش و بنبرة هادئة لا تنبئ بالخير : إنتِ شلون تمدي ايدِك ، على بنتي رهف ؟ جُمانة تقف على باب الغرفة و تقول بلهجة دفاعية : بابا رهف .. قاطعها بغضب : لا حد يتدخل ! عاد بنظراته إليها ، ارتفعت عيناها الوجلتين لتقول بصوت مبحوح : بنتَك قللت أدب .. صفعها على وجهها صفعة مفاجئة و هو يصرخ : بنــت ! رهـف أأدب منك و من اللي خلّفك ! بحرقة قالت و هي تكتم بكاءها : لا تتكلم عن أبوي ! تتدخل يسرى لتقترب من ابنتها محاولة تهدئتها و ترسل نظرات معاتبة لزوجها ، أردف يعقوب : شوفي يا بنت ، أنا خلاص ماني قادر أتحملك فـ بيتي ! يسرى باحتجاج : يعقـووب ! وش هالكلام ! أكمل بذات اللهجة : بكرا سفرك مع أخوكِ ، وجهك مابي أشوفه في بيتي مرة ثانية ! فااهمة ؟ تركهم و خرج ، بينما تقِف رهف في زاوية الغرفة تبتسم ابتسامة النصر ، ببكاء تقول سارة : قولي لزوجك إني أنا اللي ما برجع هالبيت لو بسكن في الشوارع ! تطبطب يسرى على كتفها بقلة حيلة : حبيبتي طولي بالك عمّك معصب أكيد ما يقصد كلامه ! ابتعدت بصمت متجهة نحو حمامها ، التفتت يُسرى إلى رهف و قالت بتوعد : حسابك بعدين يا قليلة الأدب أنا أعرف شغلي معاكِ ! تأففت و هي تتبع زوجها إلى الغرفة ، صوت فتح الباب يُنبئ بغضبها الذي لم تشعر به منذ سنوات طويلة ، تثأر الأم لابنتها لأول مرة منذ أن دخلت هذا البيت ، ولا يعلم إلا هي و يعقوب ، ما الذي كان يُعجِزها عن الوقوف في وجهه ، لم يُعِر غضبها الواضح أي اهتمام ، و هو يجلِس على الأريكة و يقرأ جريدة قديمة ، وَقفت أمامه و قالت بهدوء مفتعل : ممكن أعرف وش اللي سويته ؟ دون أن ينظر إليها ، يقلب صفحة الجريدة و يجيب : اللي سويته واضِح .. " رفع عينه إليها " : تحبي أعيده لو ما استوعبتِ ؟ يُسرى بحنق : يعـقـوب ! ما يحقلك تطرد بنتي سارة من البيت ! طَوى الجريدة و أعادها إلى مكانها و قال ببرود : و ليش ما يحقلي ؟ خير إن شاء الله مو بيتي ؟ أمالت رأسها و هي تقول : بيتَك ما اختلفنا ، بس لا تنسى إنك خذيت ميراث سارة من أبوها كامل و ما عطيتها ولا شي ، و الحين قاعد تقولها إطلعي من بيتي ؟ يعقوب بحدّة : موضوع الميراث أعتقد انتهينا منه ، و موضوع بنتِك سارة بعد انتهينا منه ، أنا رح أشوفلها رجال يتزوجها و نخلص من همها ! فتحت عينيها باتساعهما : تبي تزوج بنتي لواحد من الشارع ؟؟ يَعقـوب : طبـعًا مـو من الشـارع وش هالكـلام ؟ عقدت حاجبيها : أجل لمنـو بتزوجـها ؟ يَعقـوب : راح أكلـم أشـرف ، هذا من رجالي و محـترم و ولـد عالـم و نـاس .. يُسـرى : أشـرف فقـيـر و معــدوم و أنـا بنتي متعودة عالعز ! ما راح أرميهـا كِذا ! يعقوب بتأفف : احـمدي ربّـك لو قبـل ياخذها أصلاً ! وش مفكرة بنتِك مارلين مونرو بجمالها ؟ ولا بجسمهـا اللي مثـل البقرة ! أشارت بسبابتها بتهديد : شوف يعقوب إذا بتسوي هاللي في دماغَك صدقني ما بيحصل خير ، و إذا بنتي ما ردّت هالبيت بعد سفـرها لرومـا أنا بعـد بترك البيـت .. مفهـوم كلامي ؟ ابتسم بمكـر ، اقترب منها ، و انحنى ليطبع قبلة خاطفة على إصبعها الذي تهدده فيه ، رفع رأسه مجددًا و قال : حبيبتي إنتِ عارفة إنّـك منتِ قد هالكلام صح ؟ يعني أكـيد إنتِ ما تحبي أولادك كلهـم بما فيـهم سـارة ، يعـرفوا ماضيـكِ المشرّف ، و وش سويتِ بأخوي ، يعني زوجِك الأول .. يعني عم رهف و جمانة و غسان ، و أبـو سـارة .. ارتخت سبابتها ، و تلألأت الدموع في محاجر عينيها ، و قالت : قاعِد تهددني ؟ تهدد زوجتَك أم عيالَك تبي تفضحها ؟ بملل قال و هو يضع يديه في جيوبه : والله يا عمري مو أنا اللي بديت بالتهديد ، احفظي حدودِك ولا تنسي روحِك و إنتِ تتكلمي معاي .. اقترب منها ، و همس في أذنها : لا تنسي إنّك لولاي كنتِ الحين مدفـونة .. تبادل نظراته الحادة ، بنظراتها المنكسرة ، خرج من الغرفة بينما انهار جسدها على الأريكة و الدموع تتناثر تباعًا على خدّيها ، و هـا قد أتى أخيرًا ، اليوم الذي حذرتها والدتَها منه ! ،, منتصَف الليل ، المدينة اللامعة يلتف ظلامها حول غرفة تِلك الحزينة ، و هي تتقلب في فراشها ذات اليمين و ذات الشمال ، أفكَار تتشاجر في رأسها الذي تصدّع من كثرة التفكير ، أقوال متضاربة تمر على مسامعها مجددًا ، لا تخدعي نفسك يا ريم ، فكل ما قالته صديقتك صحيح ، لستِ المرأة الحديدية لتكوني قادرة على تربية طفل لوحدك ، خاصة أن والده لا يرغب بوجوده ، إنني حتمًا سأظلمه إن سمحت له بالقدوم إلى تِلك الدنيا بلا أب يحبه و يعترف به .. أطلقت تنهيدتها و يدها اليمنى ترقد بهدوء فوق بطنها ، تتحسس جنينها في أحشائها ، لن تسامحني إن قتلتك الآن ، و لن تعفو عني إن شعرت بكره والدك لك ! نهضت لتجلس على السرير ، التفتت إلى الكوميدينا ، تناولت جوالها ، الساعة الثالثة فجرًا ، لم تكترث لتأخر الوقت ، ضغطت على زر الاتصال برقم حسناء ، التي كانت تجلس فوق سريرها و تضع اللابتوب فوق فخذيها و تقلب في كتاب دراسي من كتبها الجامعية عبر الانترنت ، اهتز جوالها ، عقدت حاجبيها من مكالمة في ذلك الوقت ، رفعت نظاراتها الطبية فوق شعرها و أخذت الجوال ، انتفض جسدها حين رأت اسم ريم ، ردت بتلهف : ريـم وش صايـر فيـكِ شي ؟؟ ريـم : لا لا ، ما في شي ، أنا آسفـة خرعتك ! أطلقت نفسًا و قالت : أجل وش فيكِ تدقي علي هالحين ؟ ريـم : كنتِ نايمة ؟ حَسناء ، تفرك عينها اليسرى بتعب : لا ماني نايمة ، سهرانة ، قولي وش عندك ؟ ريـم ، بعد تردد قصيـر : أنا ، خلاص قررت .. عقدت حسناء حاجبيها : وش قررتِ ؟ ريم : قررت أسوي اللي يبيه أبوك ، الإجهاض ! حسنـاء باستنكار واضـح : نعــم ؟؟؟ نفثت نفسًا : اللي سمعتيه ، أنا ماني قد أبوكِ ولا أقدر عليه ، و لا بقدر أربي الولد بروحي .. حسناء : ريم وش هالكلام ! و أنا وين رحت ؟؟ منتِ بحاجة أبوي !! ريـم بابتسامة ساخرة : حسناء أنا مابي نضحك على بعض بالكلام ، الحرمة ما تقدر تربي ولدها بدون أبوه ، ماهي سهلة .. و لو فرضًا قدرت عليه بروحي ، وش بقول لا سألني عن أبوه ؟ أبوك ما يبيك و كان يبيني أذبحك ؟ حسناء بخيبة : بس كذا تكوني بتذبحيه فعلًا ! ريـم : أرحم من عيشة في دنيا أبوه ما يبيه فيها ! حسناء : شوفي ريـم أنا مقـدر أتدخل بقرارك ، و أكيد بقول لأبوي إنك بتسوي إجهاض يمكن يغير دماغه ، بس أتمنى إنك ما تاخذي قرار تندمي عليه بعدين .. تصبحي على خير .. أغلقت الخط دون أن تسمع ردها ، تأففت و هي تنظر نحو الباب ، و في داخلها الكثير من المشاعر الغاضبة ، وضعت اللابتوب جانبًا ، رفعت اللحاف عن قدميها و نهضت عن السرير ، خرجت من الغرفة متجهة نحو غرفة والدها ، طرقت الباب عدة مرات دون أن يأتيها جواب ، تأففت مرة أخرى ، و فتحت الباب ، نحو الغرفة دامسة الظلام ، يرقد والدها فوق سريره و يبدو أنه يغط في نوم عميق .. جَلست على طرف السرير و عيناها ترسلان شعاعًا من العتب نحوه ، بهدوء قالت : عُمـر . لَم يستجِب ، مدت يدها وبدأت تهز كتفه و تقول : بابا ، قـوم .. فَتح عينيه الحمراوين ، نَظر إليها محاولا الاستيعاب ، عَقد حاجبيه و نهض بخوف : ديانا ! وش فيكِ ؟ صمتت لوهلة و هي تتفحص القَسوة في عينيه ، ثم أجابت : ريم اتصلت فيني .. تنفس براحة ، ثم قال : هالحين مقعدتني من النوم عشان تقولي إن ريم اتصلت فيكِ ؟ حَسناء : ماني جاية أقول إنها اتصلت ، جاية أقول إنها فرصتك الأخيرة .. عمر : أي فرصـة ؟ حَسناء : ريـم قررت تجهض الولـد ، مثل ما تبي ، و أنا قلت من واجبي أبلغك .. ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه : و ليش من واجبك تبلغيني ؟ تنفست بعمق : لأنه ولدك ، و حقّك تعرف إن زوجتك راح تجهض ، مين يدري ، يمكن تغير دماغك .. وَقفت متكتفة و قالت : أنا الحين ما أقدر أتدخل بقراركم ، دام إنها وافقتك عالموضوع ، هالشي يخصكم ، بس أنا علي أنصحك للمرة الأخيرة ، و أذكرك بعد ، إن عمر ما عنده أولاد .. نظر إليها بطرف عينه : أجل إنتِ شنو ؟ حسناء : أنا بتخرج السنة الجاية ، و بعد ما أتخرج أوعدَك إنك ما بتشوف وجهي .. تصبح على خير .. خرجت دون أن تترك له مجالًا للرد ، أغلقت الباب خلفها ، و هو يسمع صوت خطواتها المبتعدة عن الغرفة بالتدريج ، يقول بينه و بين نفسه بلهجة وعيد : ما بخليك تسوي اللي فـ بالك يا حَسنا ! ،, صباح جديد يُغلفه الأمل ، يقِف أمام مرآته و هو يُعدل ياقَة قميصِه ، العبوس واضح على وجهه ، و نظرات العَتب يُلقيها إلى مريم كلما تلاقت عيناهما ، ارتخت عيناه عنها و هو يُكبّل يده بساعته ، دون أن ينظر إليها قال : تبي شي ؟ نَهضت من مكانها ، تقدّمت نحوه و قالت و هي تنظر في الأرض ، أصابعها تلاعب بعضها البعض بارتباك ، قالت : تعال اليوم بعد صلاة الظهر ، خذني للدكتورة .. نظر إليها بفرح : صِدق ؟ ابتسمت و هي تهز رأسها ، أمسك وجهها بين يديه ، اقترب ليقبل جبينها و يقول : بعد الصلاة أكون عندِك .. تركها و توجه نحو الباب ، نادته : عِصام .. توقف عنده ، التفت إليها و قال : عيـوني ؟ مريـم : أنا أحبك ، و أبيـك تكون معاي على طول ، مو لأحد ثاني .. أرسل ابتسامة ، اقترب مجددًا منها : مريم ، أنا بعد أحبك ، و مابي أخسـر اللي بيننا ، بس إنتِ لا تكوني نِكـدة ! رفعت حاجبيها باحتجاج طفولي : هالحين أنا نِكـدة ! ضَحِك بخفة : ههههههه ، لا أمزح معاكِ ، مو نِكدة ، بس صعبة شوي ! احتفظت بابتسامتها ، و هي تمرر يدها على وجهه و نظراتها المشتاقة له كأنها لم تحظى برؤيته منذ زمن طويل ، رفع حاجبه و شفتيه تتمايلان جانبًا : بتخليني أروح ولا آخذ إجازة اليوم ؟ مريم : يعني لو طلبت منك تظل معاي اليوم ، بتظل ؟ عِصـام : جربي ! مريم : هههه ، طيب ، ممكن تظل معـاي اليوم يا حضـرة المحقق عِصـام ؟ عصـام : والله صعب مشغول اليوم ! ضربته بخفة على صدره : عِصـاام ! ضحِك و هو يأخذها في حضنه ، ليرتخي رأسها بشوق على صدره ، يمرر يده بحنية لتتوغل في شعرها ، و هو يقول بصوت هامس : أبيكِ على طول تكوني كذا ، ما تسمحي لأي شي فـ الدنيا يسمم علاقتنا ! رفعت عينيها و نظرت إليه بِحب ، ابتسم و هو يقترب من شَفتيها ، و يقول بهمس : صِدق إني ما بروح الشغل اليوم ! ،, غرفة التحقيق الخالية ، يجلِس يدور في كرسيه نِصف دورة ثم يدور بعكس الاتجاه ، يحدق في كرسي عزيز الفارِغ ، يحاول أن يعترف بأنه لا يترك مجالًا لصديق يدخل حياته ! لم يلتفت إلى الباب حين سمع صوت إبراهيم يقول : صـباح الخيـر .. التزم الصمت ، جَلس إبراهيم مكان عصام خلف طاولته ، قال : قاعدين نقول صباح الخير ما فيه رد ؟ التفت يحيى إليه بعينين ناعستين و قال : صباح النور ، شلونك اليوم ؟ إبراهيم : الحمدلله .. ساد الصمت لثوانٍ بينما يُقلب إبراهيم في بعض الأوراق على طاولة عِصام ، عَقد يحيى حاجبيه و تساءل : وش مقعدك هنا ؟ إبراهيم دون أن ينظر إليه : اليوم عِصام إجازة ، أخذت مكانه مؤقتًا . وش صار بسالفة الفلاشة ؟ يحيى : ما صار شي ، الخيط الوحيد اللي كان من الممكن يوصلنا لدليل في الجريمة ضاع ! إبراهيم باعتراض : و ليش قاعد تتكلم كذا كأنك تلومني ! اللي صار كان غصبن عني ! تأفف يحيى و هو يترك مكانه و يتجه نحوه : يا إبراهيم ماني قاعِد ألومك ، بس أبيك تساعدني تحاول تتذكر أي شي صار أي شي مهما كان بسيط ممكن يوصلنا للي ساوى هالشي ! إبراهيم : طيب ، ما قلت إنك شاكك بفهد ؟ يحيى : ما عندي أي دليل ضده ، فهد كان هنا و تكلمنا و حاولت آخذ منه معلومات ما قدرت آخذ لا حق ولا باطل ! أخذ إبراهيم نفسًا عميقًا و هو يفكّر ، تساءل يحيى : طيب بالحي عندكم مافي أحد مركب كاميرات مراقبة ؟ أو كاميرات بالشارع مثلًا ؟ إبراهيم و هو يستجمع ذاكرته : بالشارع ما أتوقع فيه كاميرات ، بس فيه جارنا اللي ساكن جنبنا ، كان مركب كاميرات على مدخل بيته .. و الكاميرات هذي كاشفة الشارع تقريبًا .. بس ما أتوقع نستفيد شي ! يحيى : ليش ؟؟ إبراهيم : لأني حسب ما أتذكر إني لمحت واحد من اللي هاجموني مغطي وجهه ، فغالبًا كلهم مغطيين وجههم يعني ما رح نعرفهم ! بحماس قال و هو يعود إلى خلف مكتبه : خلاص انت تجهز عشان نروح و أنا بكلم عزيز أخليه يحصّلنا .. بدأ إبراهيم يقلب الأوراق بشكل سريع ، توقّف عند إحداهن و قال : لا تتصل .. التفت إليه يحيى باستفهام ، قال إبراهيم و هو يرفع الورقة أمامه : عَزيز مقدّم طلب نقل لمكان ثاني ، و يبي موافقة عصام عالطلب ! تأفف يحيى بملل و هو يطبق عينيه : اففف ، لا توافق عالطلب . إبراهيم : مالي صلاحية أوقع هالطلب أصلا ، بس ليش عزيز يبي ينتقل ؟ يحيى : هذا ولد ، ما يعرف يسوي شي في الدنيا غير يحرد و يزعل ! وقف إبراهيم و هو يعدل قميصه : أيوه ، حضرتك تقرف البشر و بعدين تقول عنهم عقلهم صغير .. صح ؟ يحيى : الحين إنتَ معاه ولا معاي ؟ إبراهيم : لا والله أنا معاه ، و من غير لا أعرف وش السالفة لأني أعرفك و أعرف طبعك اللي يطفش القرود ! لوى شفتيه بغير إعجاب بكلامه و قال بتذمر : طيب اخلص خلاص خلينا نروح نشوف الكاميرات و أنا أشوف موضوع عزيز بعدين .. ،, دخل إلى مكتبه المظلم إلا من نور خافت في زاوية الغرفة ، متعجلًا على ما يبدو لفهد الجالس على إحدى الكراسي أمام طاولة المكتب ، يلف ساقًا فوق الأخرى و التوتر واضح على وجهه ، سُلطان يتقدم من مكتبه و هو ينظر إلى فهد بطرف عينه و قد سئِم كثرة طلباته : ها وش عندَك جايبني من الصبح ؟ انتظره فهد ، حتى جَلس خلف مكتبه ، التفت بنصف جسده إليه و قال بجدية : أبيك تأمن لي متبرع .. عقد حاجبيه و شَبك أصابعه ببعضها ، تساءل : متبرع ؟؟ متبرع شنو ؟ فهـد : أمي محتاجـة كِـلية ، و فـورًا .. و أنا ماني عارف إذا بقدر أتبرع لها أو لا ! ابتسامة أخفاها بعناية و هو يستحضر كلام ياسمين في ذاكرته ، تنحنح و قال : مممم ، ما جربت أجيب متبرعين من قبل ! فهـد بلهجة فيها رجاء : دبرني يا سلطان ! إذا فحوصاتي ما طلعت مثل ماهو مطلوب ما رح أقدر أتبرع لها ، و بهالشكل ممكن أخسر والدتي ! هزّ رأسه : طيب طيب ، إنتَ سويت الفحوصات ؟ فهد و نظراته تتجول في بلاط الغرفة : الحين طالع من عندك للمستشفى .. سُلطان : طيب ، أنا رح أسوي اتصالاتي ، بس إنت روح الحين سوي الفحوصات و طمننا عن النتيجة .. هزّ فهد رأسه بالقبول ، نهض من مكانه بضعف ، توجه إلى الباب دون كلمات ، راقبه سلطان حتى خرج فارتسمت على وجهه تِلك الابتسامة التي جَبُنت عن الظهور أمام فهـد ، يقول بصوت منخفض بينه و بين نفسه و هو يضغط على اسم ياسمين في جوّاله : والله طلعتِ منتِ قليلة يا ياسمين ! ثوانٍ حتى جاءه صوتها : أيوه يا سلطان ؟ سلطـان بحمـاس : عـفيه عليـكِ والله يا ياسمين شلون قدرتِ تقنعي فهد إن أمه مريضة ! أخذت نفسًا عميقًا و أجابت : لا أقنعته ولا شي ، أمه فعلًا بحاجة كلية و فورًا .. سلطان : وش صار ؟ ياسمين : أمس ، بعد ما قفلت معاك الخط ، صار أزمة معاها ، و الطبيب قالها جلسات الغسيل ما تنفع الحين يبيلها كِلية جديدة ، و أنا قلت لفهد هالشي .. سُلطان بلهجة حانقة : و أنا توني أدرى ! ياسمين ببرود : وش أسويلك ؟ المهم فهد يبي يتبرع لها ، بس لو ما قدر وش بتسوي ؟ تنهد بتفكير ، ثم قال : لازم أدبر ناس يكونوا جاهزين للتبرع ، أم فهد مو لازم يصير عليها شي بالوقت الحاضر نهائيًا .. ياسمين بابتسامة ماكرة : كويس ، مو قلت إنك مختلف مع فهد عشان موضوع الفلوس اللي يبيها منك ؟ و كل يوم يطلب فلوس ؟ سلطان : ايوه ؟ وش تقصدي ؟ ياسمين : الفرصة عندَك ، الحين تقدر تتفق مع اللي بتجيبهم يتبرعوا إنهم يطلبوا مبلغ معين من فهد ، و اللي بيتبرع و بياخذ فلوس من فهد بتتقاسمها معاه ، و كِذا بتاخذ حقك من فهد من دون مشاكل .. ضحك سلطان بصخب شديد : هههههههههههههههههه ، بس كذا صارت بيع كلية ، مو تبرع .. ياسمين بابتسامة : يا سيدي سميها مثل ما تبي ، و المهم حصتي من الفلوس محفوظة ! سلطان بلهجة غزل : الفلوس كلها لك يا بعد قلبي إنتِ و أفكارِك اللي تجنن ، حبيبي أبغى أشوفك فـ بيتنا وحشتيني مـووت .. ضحِكت : هههههه طيب أكلمك و نتفق .. سلاام .. أغلقت الخط ، ألقى بجواله فوق طاولة المكتب و هو يبتسم بنشوة غريبة و يقول بصوت هامس محدثًا نفسه : ما غلطت يوم اخترتك يا ياسمين .. ،, كان غيابًا طويلًا منذ آخر مرة تحدثوا فيها ، غيابًا ينتظر العتب ، و ربما ينتظر البرود و الجفاء و المزيد من القَسوة ، لا أعرف ما الذي قادنا إلى هنا ، لم أتوقع أن تِلك النهاية كانت تحيط بنا منذ البداية ، أرى اسمك ينير شاشة جوالي ، و لكن ذلك لا يُحرك في داخلي سوى العَتب و الخيبة ! أخذت نفسًا طويلًا ، في الوقت الذي كان سليمان على وشك أن يُنزل السماعة عن أذنه بعد أن يئِس من الرد ، أعاده مجددًا حين جاءه صوتها يقول : السلام عليكم .. سليمان : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، قلت ما بتردي ! ببرود : كنت مشغولة .. سليمان : كنت أبغى أتطمن عن إبراهيم ، شلون صار ؟ رفعت أحد حاجبيها ، صمتت لثانية ثم أجابت : بخير الحمدلله ، كويس إبراهيم .. سليمان : و انتِ شلونك ؟ عَروب و هي تشعر برغبة في إغلاق الخط فورًا : و أنا بعد بخير يا سليمان .. الحمدلله سليمان : امممممم ، طيب ، وش فيكِ ؟ عَروب تفتح صوتها المختنق منذ مدة و تتكلم دون توقف : وش فيني ؟ كل هاللي قاعد تسويه و تسألني وش فيني ؟ بعد هالغيبة داقق علي تسألني عن أخوي مثل الغربا ، ما كلفت روحك تيجي البيت و تزوره مثل أي نسيب ! أنا صدق مستغربة و ما كنت متوقعة إنك بتتغير كِذا قاعِد تتعامل معاي كأنك تعاقبني و المصيبة إنك إنت اللي غلطت معاي و لو المفروض أحد يحاسب الثاني فهو أنا مو إنت أنا صدق ماني قادرة أفهم وش اللي صار و شلون وصلنا هنا أنا مرة .. قاطعها في منتصف حديثها : أحبك .. ألجمت كلمته لسانها ، كما كانت دومًا تفعل ، صمتت و كان صوت أنفاسها الغاضبة وحده مسموعًا لدى سليمان ، أردف بعد صمت لم يطُل : عروب أنا أحبك ، أنا عارف إني غلطت معاكِ و أخذت قرار بلحظة غضب بس ما يبيلها كل هاللي قاعدة تسويه معاي ! أنا و إنتِ بنتزوج و بنعيش حياة كاملة مع بعض مو معقولة عند كل مطب نسوي فـ بعض كذا ! بهالصورة الاستمرار بيكون صعب علي و عليكِ ! أنا أحبك و أبيكِ ليش تعقدي الأمور ؟ عَروب بهدوء بعد الاحتداد : ليش ما جيت لما عرفت وش صاير مع أخوي ؟ ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه : ما قدرت ، تعاملك معاي ما تحملته ، أنا متعود على عروب حبيبتي اللي تملى علي دنيتي بضحكتها ، مو على عروب النكدة ! عروب : أنا ماني نكدة ! سليمان: ههههههههه ، طيب مو نِكدة ، بس كنتِ مزودتها الفترة اللي فاتت! تنهّدت بعمق تحاول أن تتجاوز ما مروا به ، قالت : طيب سليمان أنا الحين بروح ، عندي شغل .. سليمان : طيب ، اليوم بمر عليكم .. اتفقنا ؟ هزّت رأسها مع ابتسامة خفيفة أعطت نبرة انتعاش لصوتها : طيب ، أهلا و سهلا .. أغلقت الخط ، وَقفت أمام مرآتها بتعابير وجهها الحائرة ، لا تعرف إن كان عليها التجاوز ، أم الإبقاء على موقفها الحاد ! لكنني خائفة ، لا أعرف ما الذي جعلني أقلق من مستقبلي معك يا سليمان ، لطالما كنت أنت الأمان الذي أبحث عنه ، لكنّك تخليت عني عند أول مهب للريح .. لا أعرف إن كانت تِلك إشارات من الله ، يُرسلها لي لإيقاف هذا الزواج ، أم أنها مجرد توجسّات و أوهام ! رَفعت رأسها نحو الأعلى ، بعينين راجيتين ، و قلب مرتجف نادت : يـاارب ، أرشدني للطريق الصحيح ! ،, تَناول فنجان القهوة عن الطاولة ، عاد ليعتدل بجلوسه و يلف ساقًا فوق الأخرى ، ارتشف أول رشفة ، مرر لسانه على شفتيه و قال : المرة الماضية و أنا طالع من عندَك شفت شب ، يمكن موظف جديد .. عقد نعيم حاجبيه ، ثم قال : أيوه صح صح ، فهد هذا موظف جديد صحيح .. حافظ موظفيني يعني ؟ ضحِك يعقوب : ههههههههههههههه ، أكيد ماني حافظهم ! بس أنا أعرف هالشخص .. تقدّم نعيم بجسده ليتركز بأكواعه على طاولة المكتب و يقول بترقب : وش معنى كلامك ؟ أعاد يعقوب فنجان القهوة لمكانه ، ارتخى في جلوسه و هو يشبِك أصابعه و يقول : إنتَ أكيد عارف عمر حرب .. نَعيم : طبعًا ، معروف ، و داخل معانا بمنافسة المناقصة الجديدة .. يَعقوب : اممم ، إنتَ عارف إن فهد هذا ، يكون واحد من رجال عمر ؟ رَفع أحد حاجبيه بتعجب : شلون يعني ؟ يعقوب : ما يبيلها شرح ، لما كنت بروما شفت فهد مع بنت عمر حرب ، يعني فيه معرفة بينهم .. نَعيم : طيب و أنا وش علاقتي بهالكلام ؟ يَعقوب : أول قول لي ، شلون وظفت فهد عندك ؟ نعيم : بصراحة عن طريق الواسطة ، سُلطان صديقي و صديق صاحب الشركة بعد و اهوة اللي طلب نوظف فهد ، لأن أبوه كان يشتغل سايق عند عمر و قبل لا يتوفى وصاهم فيه .. ضحِك بصخب : هههههههههههههههههه وصاهم فيه ؟ هالحين صاروا يخافوا من ربنا و ينفذوا وصية الأموات ؟ و منو هذا سلطان وش اسم عيلته ؟ نعيم متعجبًا من ضحك يعقوب : سلطان الغانم .. نهض يعقوب من مكانه و قال بحماس : آها قلتلي سلطان الغانم المحامي .. هزّ نعيم رأسه ، اقترب منه يعقوب و دنا من طاولته : إنتَ عارف إن سلطان صديقه الحميم لعمر ؟ عارف وش معنى هالكلام ؟ نظر نعيم إليه باستفهام ، أردف يعقوب : يعني هذا الولد اللي اسمه فهد ، ما وظفوه عندك عشان سواد عيونه ولا عشان وصية الميت ، هذولا ناس ما يخافوا ربهم أساسًا ! هذا جاسوس ، يبي يعرف الرقم اللي رصدتوه للمناقصة و يقولهم عليه ، عشان تخسر المناقصة يا نعيم .. صَمت نعيم لوهلة و هو يفكر ، ثم انفجر ضاحكًا : ههههههههههههههههههههههه والله عليك سوالف يابو غَسان !جاسوس مرة وحدة ؟ اللي يسمعك يقول عندي معلومات تخص الدولة ! ابتعد يعقوب عنه متعجبًا من ضحكه و قال بحدة : و ليش قاعِد تضحك ؟ أنكت معاك أنا ؟ أكمل ضحكه : ههههههههه ، لأنك قاعد تبالغ ، صحيح أنا وظفته في قسم المحاسبة بس ما خليته يحضر اجتماعات خاصة بالمناقصة .. عدّل نبرة صوته و أردف بجدية : يعني فهد هذا ما يعرف وش المبلغ اللي رصدناه ولا يعرف أي شي ! يَعقوب : و إنت ضامن إنه ما يقدر يسحب كلام من الموظفين اللي حضروا الاجتماع ؟ رَفع نعيم حاجبيه بالنفي و قال : ما رح يقدر ، أنا منبه عالموظفين .. لا تخاف مو أول مرة نشتغل .. بعدين فهد ماخذ إجازة 3 أيام عشان أمه مريضة في المستشفى ، يعني المناقصة رح تنتهي و اهوة في الإجازة .. نظر إليه يعقوب بطرف عينه ، و حقده يزداد على عمر الذي يعجز دومًا عن الانتصار عليه ، قال مصطنعًا اللامبالاة : على كل حال ، أنا حبيت أنبهك .. يلا أنا بمشي الحين .. نهض نعيم من مكانه : تو الناس ! يَعقوب يمشي نحو الباب : لا مابي أعطلك أكثر ، طمننا يوم تربح المناقصة .. نَعيم : إن شاء الله ! خرج يعقوب ممتعضًا من عدم قدرته على التأثير في قرار نعيم ، الآن عرفت اسمك ، فهـد .. دون أن ينظر إلى مرافقه قال و هو يتعدّاه : يلا مشينا يا أشرف .. ،, القلق يستبيح تفكيره كله ، يقف خارج غرفة والدته الراقدة منذ وقت طويل ، متكتفًا و الهم واضح على وجهه ، تسترق ياسمين النظرات إليه خِلسة ، و يعرف هو كيف تنظر إليه ، قلبها يرتجف تدعو أن لا تنجح محاولته في التبرع لوالدته ، ذلك الكنز الثمين الذي ستسلب منه هي و سلطان ما استطاعوا ..خَرج الطبيب من الغرفة و تبعته الممرضة ، أوقفه فهد : دكتور .. وش فيها أمي ؟ من أمس نايمة ! تنهّد الطبيب و قال : والدتك تعبانة ، و الكِلى عندها مو شغالة و الوقت ماهو بصالحنا ، ضروري نسوي عملية نقل كِلية .. فهد : طيب دكتور متى نقدر نسوي العملية ؟ الطبيب : ننتظر نتائج تحليلك الأول ، و إذا كانت متوافقة نقدر نسوي العملية من بكرا إن شاء الله .. فهد : يعني اليوم تظهر نتائج التحاليل ؟؟ نظر الطبيب إلى ساعته ، و قال : يعني تقريبًا ساعتين زمان يكونوا جاهزين .. لعله خير .. هزّ رأسه و الطبيب يُغادِره ، جبينه المتصبب عرقًا يزداد لمعانًا ، ينظر خلفه نحو سرير والدته ، يتعبه أن يراها بهذه الصورة ، جَلس على الكرسي دون أن ينتبه إلى تحديق ياسمين فيه ، كأنها تنتظر أن يفتح معها حديثًا ما ! ارتكى رأسه إلى ظهر الكرسي ، أطبق عينيه بتعب و قلبه يدعو ليحفظ الله له والدته ، كنزه الأخير الذي بقي يُحارب لأجله .. جَلست ياسمين إلى جانبه ، تتأمل الحزن في عينيه ، أيحب أحدهم والدته إلى ذلك الحد ؟ لِم لم أكن مخلصة إلى أمي ؟ ما الذي سلبني أي شعور تجاهها ؟ ما الذي قدمته لك تِلك الأم العاجزة منذ سنوات لكي تكون مخلصًا لها إلى تلك الدرجة ؟ تنحنحت و هي تشعر بتثاقله كلما خرج من حنجرتها حرفًا واحدًا ، لم تكترث و قالت : لازم شفت ناس يسووا تحاليل للاحتياط ، عشان تكسَب الوقت .. نظر إليها بطرف عينه و حاجبه أخذ مكانًا مرتفعًا في جبينه ، كأنه يقول أرجوكِ كفي عن أكاذيبك ، أعاد نظره نحو الأرض و قال بهجومية : لا تتدخلي .. نظرت إليه بدهشة ، يبدو أنه بدأ يتحول إلى فهد العدواني حتى قبل وفاة والدته ، شعر فقط أنه سيخسرها و أصبح على تِلك الشاكلة ، كيف سيصبح إن رحلت ؟ أخرج جواله الذي يهتز في جيبه ، نظر إلى اسم المتصل لتتغير معالم وجهه كليًا ، الابتسامة أشرقت وجهه من جديد إلى درجة أثارت فضول ياسمين ! فتح الخط و نهض من مكانه مبتعدًا عن ياسمين : آلو بصوت خافت خجول: شلونَك فهد ؟ فهـد : وَحشتـينـي .. ابتسمت بخجل ، تجاهلت ما قال : شلونها الوالدة ؟ فهد بصوت مهموم : تعبانة يا شهد .. شهد : لا حول ولا قوة إلا بالله ، الله يشافيها و يعافيها يا رب .. فهد طارِق جاي عندَك المستشفى .. فهد بحب : و إنتِ ، ما بشوفك ؟ بخجل : ممم صعب ، المهم أبغى منك طلب .. فهد : تآمري على قلبي و عيوني .. شهد و حمرة خديها تُشعل حرارة في جسدها : يسلم عيونك و قلبك .. طارِق مو ملاقي شغل .. قاطعها و قد فهم طلبها : خلاص لا تكملي الموضوع عندي .. أنا أدبر الموضوع .. شهد : تسلم ، طيب أنا بروح الحين .. سلم على عمتي جواهر .. فهد : أفداكِ و أفدى عمتِك جواهر .. رفع نظره ليرى طارق يتقدم نحوه ، تنحنح بارتباك و قال و هو يحادثها بلهجة المذكر : طيب أكلمَك بعدين و خلاص لا تقلق أنا بحل الموضوع أغلق الخط و أعاد الهاتف إلى جيبه ، وَصل طارق إليه ، تصافحا و سأل طارق : شلونها الوالدة إن شاء الله تحسنت ؟ تنهد فهد بحزن و يأس : ما تحسنت ، محتاجة كِلية .. طارِق : أبشر ياخوي وش تبي أنا جاهز .. طبطب على كفّه بامتنان : ما تقصر يا طارق ، سويت تحاليل و إن شاء الله أنا بعطيها الكِلية .. سار برفقته مبتعدين أكثر عن الغرفة ، تساءل فهد : وش تسوي فـ هالأيام يا طارق ؟ ابتسم ساخرًا : وش بسوي يعني ، عادي ، ما في شي .. فهـد : للحين ما لقيت شغل صح ؟ تنهّد و عيناه تمشيَان معه تحملقان في حذائه المهترئ ، و ابتسامة تسخر منه اعتلت شفتيه ، هز رأسه بالنفي دون أن يتكلم ، أشار له فهد ليجلسا على الكراسي الملتصقة بظهر الحائط ، جَلسوا إلى جانب بعضهما ، تقدّم فهد بجسده و هو يتكئ بكوعيه على ركبتيه ، تشابكت أصابعه و على عكسه طارق الذي ارتخى جسده على الكرسي أيما ارتخاء ، و انتقلت عيناه لتحدقان في السقف البعيد ، بعد أن كانتا تحدقان في أسفل الأرض .. كَسر فهد جمود الصمت و قال : لمتى بتظل على هالحال ؟ لم تفارق ابتسامته الساخرة وجهه ، كأنه يقول في داخله جاء الزمان الذي أتلقى فيه نصائح ممن ارتكب جريمة ليملك قِرشًا يُنظّر فيه على العالم .. تِلك النظرات و السخرية التي تشرح ذاتها في ضحكته كانت مفهومة جدًا لدى فهد ، إلا أنه تجاهلها ، رَبت على ركبته بكفه و قال : أنا رح أدبرلك وظيفة محترمة خلال الفترة الجاية .. انتفض بذعر أثار تعجب فهد ، و قال : لا لا مابي تدبرلي شي ، انسى الموضوع .. ألتلك الدرجة أصبحت مرعبًا بالنسبة لك يا صديقي ؟ كانت الخيبة على وجهه ، أكان ذلك جزاء أن أفرغت ما في قلبي أمامك وحدك ؟ تدارك طارِق أن رد فعله كان مؤذيًا لصديقه الذي لم يكن ينوي سِوى مساعدته ، صديقه الذي لم يرضى يومًا عما آلت إليه حاله اليوم ، صديقه الذي يدفع ثمن ذنوب والده الراقد تحت التراب تاركًا همّا لا يُحمل لشاب في مقتبل عمره ، جعل منه مجرمًا ، ولا يدري إلى أين الطريق سيقوده بعد ! طارِق بنبرة خجولة : فهد أنا ، ما قصدت … قاطعه و طبطب على ركبته بابتسامة مخذولة ، نهض من مكانه عائدًا نحو غرفة والدته ، ببطئ شديد ، يراقب طارِق رحيله و هو يلوم نفسه ، ولا يعرف أيختار البقاء ، أم الرحيل ؟ ،, فتح عينيه و بدأ ينظر حوله ، مَريم إلى جانبه نائمة بتعب ، بقميص نومها الحريري القرمزي ، ابتسم بحب و هو يتأملها ، رفع نظره إلى المنبه على الكومدينيا القريبة من مريم ، الواحدة و النصف ظهرًا ، فَرك وجهه بيديه ، أبعد اللحاف عن جسده و نهض من سريره ، غطّى زوجته مجددًا ، توجّه نحو الدولاب ليأخذ منشفة ، بهدوء و على رؤوس أصابعه دخل الحمام ليستحم بسرعة .. خرج بهدوء محاولًا ألا يوقظ مريم ، الواضح أنها كانت تغط في نوم عميق ، منشفة طويلة تلف خصره ، و الأخرى صغيرة وضعها على رقبته و يُمسك بطرفها يجفف شعره ، أخذ بدلته السوداء مع القميص الرمادي الداكن ، ارتداها بسرعة دون أن يضع ربطة عنق ، و ترك الزر الأول للقميص مفتوحًا ، صفف شعره بسرعة ، وضع قدمه في حذائه الأسود ، و خرج من الغرفة و هو يحمل زجاجة عطر و يرش منها خارج الغرفة .. وضع زجاجة العطر أمام باب الغرفة و نزل إلى والدته التي تجلس في الصالة تقلب في جريدة تقرأ أخبارها ، جاء من خلفها و قبل رأسها : صباح الخير يالغالية .. أدارت رأسها نحوه بتعجب و قالت : وين صباح الخير ، أذن الظهر يمه ! جَلس أمامها و قال : كِنت نايم ، و أخذت إجازة . أم عِصام : و مريم وينها ؟ عصام ، يحك أسفل رأسه بإحراج : نايمة فوق .. أم عِصام : مممم ، و وين يا مُسهِّل أشوفك لابس و متكشخ ؟ عِصام بضحكة : هههههههههه ، يمه أنا دايمًا متكشخ ، بروح المركز أشوف شلون الشغل ماشي .. أم عِصام : مو قلت أخذت إجازة ؟ خلاص لا تروح اقعد مع حرمتك اليوم .. عصام : المركز ما ينترك يوم من دوني يمه ، ما بتأخر خلاص .. تنهّدت بيأس من مجادلته التي تعرف أنها لن تجدي نفعًا : طيب ، صليت الظهر قبل لا تروح ؟ عصام : بصلي في المركز ، دوبني أخذت شاور و لبست و نزلت مابي مريم تقعد و تشوفني رايح .. أم عِصام : يمه إنت متى بتعقل ؟ هارب من زوجتك ؟ عصام : هههههههههههههه لا ماني هارب بس الحين إذا قعدت ما بتخليني أروح .. هزّت والدته رأسها و هي تدقق النظر في رقبته ، عَقد عصام حاجبيه و قال : في شي يمه ؟ أم عِصام : لا ما في شي ، بس على عجلتك بتفضحنا بين الناس .. عِصام بابتسامة خفيفة : ليش ؟؟ أم عِصام و هي تعاود القراءة في الجريدة : قوم لغرفتك و شوف نفسك كويس فـ المراية .. رفَع حاجبيه متعجبًا ، نهض من مكانه و صعد الدرج بخفة و سرعة ، وَصل إلى غرفته و فتح الباب ببطء شديد ، دخل بهدوء و أغلق الباب محاولًا أن لا يُصدر صوتًا .. تقدّم نحو المرآة و نظر فيها إلى رقبته ، تجعّد جبينه متذمرًا من ذلك التوقيع الذي تركته مريم على رقبته ، جَلس على الكرسي الصغير أمام المرآة و بدأ يُفتش بين كريمات مريم و مسحوقاتها التجميلية ، تأفف و قد عجز عن معرفة أي منها سيستخدم .. استدار رأسه نحوها ، زم شفتيه و ترك الكرسي ، تقدم نحوها و جلس على السرير بخفة ، مد يده لتداعب أصابعه خصلات شعرها : مريم ، حبيبي مريومي .. فَتحت عينيها ببطء و قالت بصوت ناعس : عصام ! عِصام : قومي حبيبتي .. فَركت عينيها بأصابعها و هي تعدّل جلستها : وين لابس ؟ عصام بخجل : حبيبتي ، اتصلوا فيني من المركز ولازم أروح .. باحتجاج : مو قلت اليوم إجازة و بنظل سوا ؟ عصام : صحيح بس في شغل ضروري ، أنا ما بتأخر عليكِ و جهزي نفسك عشان نتغدى فـ أي مكان تحبيه .. رفعت راحة يدها تغطي بها فمها حتى أنهت تثاؤبها ثم قالت : طيب حبيبي رح أنام ساعة و أقوم .. أمسك بذراعها قبل أن تعاود النوم : ويين تنامي قومي شوفيلي حل لهالورطة ! رفعت حاجبيها و هي تحاول فتح عينيها قدر المستطاع ، حتى تنبهت و بدأت بالضحك : هههههههههههه ، طيب حبيبي آسفة والله ما انتبهت ! نهضت عن السرير مقتربة من طاولة التسريحة ، تناولت من حقيبة المكياج ما تحتاج و اقتربت منه ، و بدأت تطبطب بها على رقبته ، قال باعتراض : يا ليل ، آخري أحط مكياج ! ابتعدت قليلًا لتأخذ نظرة : لا حبيبي مو مبين شي .. لا تتأخر علي والله أزعل .. قبّل جبينها : ما بتأخر حبيبتي .. سَلام .. ،, يجلِسان متجاورين على الأريكة ، جهاز الحاسوب أمامهم يعرض تسجيلات الكاميرا ، يدققان في كل التفاصيل ، حتى هزّ يحيى رأسه بيأس : ما استفدنا شي ! إبراهيم : قلتلك ما بتستفيد .. ما صدقتني .. نظر إليه بعتب ، ثم نظر إلى صاحب المنزل : عم ، أبغى منك خدمة .. الرجل : قول يا ولدي .. وش تبي ؟ يحيى : هذا السي دي اللي عليه التسجيلات لو ما فيه مانع أبغى آخذه معاي و أتفرج عليه مرة ثانية .. الرجل : أكيد يبه ما في مشكلة طبعًا .. على حسابَك السي دي و كل اللي تبيه .. يحيى بابتسامة : ربي يخليك .. و إن شاء الله بأقرب فرصة برجعه .. نهضوا مستعدين للمغادرة ، نهض برفقتهم الرجل : خذ راحتك ما في مشكلة .. إبراهيم : آسفين عالإزعاج عمي .. مشى معهم حتى وصلوا إلى الباب : لا ولو البيت بيتكم .. إبراهيم : ربي يخليك .. السلام عليكم .. تقدموا سوية بخطوات بطيئة نحو السيارة ، تساءل إبراهيم : وش رح تستفيد الحين ؟ شفنا التسجيلات و ما استفدنا شي .. يحيى بتفكير و هو يقلب السي دي بين يديه : أبغى أشوفه مرة ثانية ما تعرف ممكن نكتشف شي .. إبراهيم : طيب ، وين الحين ؟ يحيى : بروح لبيت عزيز هذا الولد و بكلمه ، إنت رد المركز ما يصير تاركينه فاضي كِذا إبراهيم : وين أرد المركز ؟ وصلني تفضل مثل ما جينا بسيارتك بنرجع بسيارتك .. قبل أن يركب : خلاص إبراهيم ما فيه وقت بعدين من هنا أقرب أروح لبيت عزيز ، خلاص خذ تكسي … سلاام .. ركِب خلف مقوده ، و تحرّك بسرعة ، بينما يقف إبراهيم متأففًا تحت الشمس جبينه يتصبب عرقًا .. قَاد بسرعة ، حتى وصل إلى بيت عزيز حسب العنوان المسجل ، اصطف بسيارته و نزل و هو يبحث عن رقم المنزل حتى وجده .. اقترب نحو الباب ، و قرع الجرس عدّة مرات دون استجابة ، تأفف في داخله و قال بهمس : معقول يكون عند أهله ؟!! خلال ثوانٍ فُتِح الباب ، عزيز أمامه ببنطال البيجامة الأزرق ، عاري الصدر أشعث الشعر ، للتو مستيقظ من نومه ، وقف مندهشًا من زيارة يحيى ، مد يده بارتباك إلى شعره محاولًا أن يصلحه ، دخل يحيى و باستهزاء قال : ما شاء الله ، للحين نايم ، و تزعل لا قلنا عنك متعين بالواسطة .. أغلق الباب و دخل خلفه : افففف ، ممكن تصطبح ؟ نظر إليه بطرف عينه : أصطبح ؟ يا حبيبي أذن الظهر و إنتَ نايم .. و بعد شوي بيأذن العصر ! دخل عزيز إلى الحمام و هو يسمع كلام يحيى من الخارج : وش هالولدنة اللي مسويها ؟؟ فتح صنبور المياه ، تساءل قبل أن يلقي المياه على وجهه : أي ولدنه ؟؟ بدأ يغسل وجهه و يحيى يقول : يعني منت عارف ؟ وضع فرشاة الأسنان في فمه و قال بكلمات غير مفهومة : لا ماني عارف .. يحيى : طلبات النقل و حركات رابع ابتدائي .. يتمضمض ، منغاظًا من كلمته ، خرج و المنشفة في يديه يجفف وجهه و فمه ، ينظر إلى يحيى بحدة دون أن يجيب ، يحيى : ههههههههههههههههه ، قاعد أمزح معاك يا رجال .. تعال اقعد خلصني ماني فاضي .. عَزيز : بس لو ما كنت ضيفي ، قهـوة ؟ يحيى : ماابي شي ، تعال اقعد ! تقدم عزيز ، ألقى بالمنشفة على الأريكة الصغيرة ، و جلس أمامه ، نظر إليه يحيى : قوم بدل و تعال معاي المركز .. اعتبرني أخوك الكبير و صارت بيننا مشكلة كِذا بتسوي ؟ عزيز : يحيى ، لا تزعل مني ، بس إنتَ شخص لا يُحتمل في الشغل .. مسوي فيها إنك فاهم كل شي و ما حد غيرك فاهِم !! يحيى : خلاص عاد لا تزودها ، و قوم معاي ما رح أخليك تنتقل ، أساسا ما استغني عنك .. عزيز بابتسامة مستفزة : ليش ؟؟ يحيى ، بابتسامة مشابهة : واسطتك تلزمني .. اختفت ابتسامته ، أخذ الوسادة الصغيرة و ألقاها في وجهه : ما تستحي ! يحيى : هههههههههههههههه وش فيك يا رجال أمزح معاك ، قوم عاد خلصنا .. ،, تجلِس على برندة غرفتها ، شاردة في معالم الدّنيا من حولها ، عيناها تحترقان من قلة النوم و زيادة التفكير ، الوقت لم يعد في صالحها و عليها أن تتخذ القرار بأسرع ما يمكن ! نهضت من مكانها بتثاقل و بطء ، على رنين هاتف الغرفة ، جَلست على السرير ، رفعت السماعة و تحدثت بالإيطالية : نـعم ؟ ارتبك جسدها ، قالت بلهجة مضطربة : زائر ؟ حسنًا .. شكرًا أغلقت الخط ، لوهلة شردت و هي تفكر ، لا بد أن حسناء أخبرته بقراري في الإجهاض ، ولا بد أنه سعيد جدًا ، و ربما أتى لاستعادتي ! تنهدت بحزن يغطي ملامح وجهها ، اقتربت لتأخذ عباءَتها السوداء ، ألقتها على جسدها بإهمال ، و بالإهمال ذاته ألقت الحجاب على رأسها ، دون أن تضع أية مساحيق تجميلية ، كأنها أرادت أن تثبت له أن قدومه غير مرحب به على الإطلاق .. في صالة الانتظار ، مرتبكًا ينتظر قدومها ، التردد يسيطر على تفكيره ، لا زال الخوف يبني أعشاشًا في قلبه تجاه ذلك الطفل القادِم ، قدماه تحثانه على الرحيل ، الهروب قبل مجيئها .. لا يعلم كيف بنُطفة صغيرة أضعفته ، و جعلتها أقوى منه بعشرات المرات ، حتى أصبح عاجزًا عن مواجهتها ! نهض من مكانه يتأمل خطواتها البطيئة نحوه ، إنها القَسوة التي لم يعهدها في عينيها ، الطّفل ذاك معجزة حقًا ، قَلب الموازين رأسًا على عقب .. بجمود تقدّمت أكثر ، جَلست دون كلام ، و دون إلقاء التحية ، ثوانٍ من اللقاء جددت حبها في قلبه ، و بالأحرى ، تلك الثواني خلقت حبها في قلبه ، فهو لا يعرف حقًا إن كان قد أحبها من قبل .. يشعر الآن بمشاعر جديدة ، لِم لا أحب إلا من يقسو علي ؟ تِلك المشاعر غَزت قلبي مرة واحدة ، لتلك التي ألقتني و ذهبت .. الآن أشعرها معك ، أنتِ يا ريم .. إنه طفل معجزة .. جلس إلى جانبها ، ابتعدت حتى الطرف الآخر من الأريكة ، اقترب مجددًا ، تكتفت و قالت : شوف يا عمر ، أنا عارفة إن حسنا قالتلك إني بسوي الإجهاض ، و طبعاً هذا اللي تبيه من الأول ، و الحين إنتَ مبسوط طبعًا إني بسوي الإجهاض ، و جاي عشان تردني البيت و تاخذني للمستشفى بنفسك بس لمعلوماتك … قاطعها و يده تضغط فوق ركبتها : ريم ! أنا مابيكِ تجهضي الولد .. ارتسمت الدهشة على وجهها و هي تنظر إليه بعدم فهم ، قال : ريم ، قبل لا أشوفِك و أنا قاعد هنا في الصالة ، كنت خايف أقول هالكلمة ، خايف من النتائج و خايف من المسؤولية ، و خايف أندم .. بس مادري وش صارلي لما شفت وجهك بعد هالغياب ! أنا مو بس اقتنعت بكلام حسناء إني ما يصير أسمحلك تجهضي الولد ، أنا أبغـاه ، صـدق ، أبـي يكـون عندي ولـد ، ولـد حقيقي .. ريـم : عـمر ! وش قاعِد تقول ؟ مدّ يده لتلامس يدها : أنا قاعد أقول وش حاسس هاللحظة .. أبي هذا الطفل ، و أبغـاه يكـون ولـد .. أسميـه كريم ، على اسم أبوي ، و أعلمه و أدرسه ، و يصير طبيب ، و أزوجه و أشوف أولاده .. ضحِكت : ههههههههههه ، وين رحت بخيالَك ! ابتسم ، تنهّد و قال : يمكن هذي فرصتي الأخيرة إني أكون أب ، أب حقيقي .. ريـم : عمر ، إنتَ تتكلم من قلبك ؟ هز رأسه ، ثم قال : بس أبيكِ هالفترة تظلي هنا فـ الأوتيل .. عقدت حاجبيها : ليش ؟؟ عمر : بعد بكرا بنسافر أنا و حسنا للرياض ، و راح نغيب حوالي 10 أيام ، و مابيك تقعدي في البيت بروحك ، هنا أأمن .. زمت شفتيها بعدم رضا ، تساءلت : ليش م تاخذوني معاكم ؟ عمر : لا حبيبتي إنتِ حامل ، و ماهو كويس السفر ، مابي أي شي يأثر على حملك ! نظرت إليه بريبة ، أيعقل ذلك الانقلاب المفاجئ ، من النقيض إلى النقيض ؟ ، جَلس أمام طاولة الطبيب بترقب ، يرتجف قلبه بخوف شديد ، معالم وجه الطبيب لا تُنبئ بالبشرى أبدًا ! تساءل بتلهف : دكتور ، طمني وش الحالة ؟ بقلة حيلة : مع الأسف ، ما تقدر تتبرع لوالدتك بالكلية ، ما صار توافق في الأنسجة و حتى فحوصات الدم مؤشراتها ما تعطينا الإذن حتى ناخذ كليتك .. أخذ نفسًا عميقًا يعبر عن خيبته ، ثَقل رأسه الذي وضعه بين يديه بيأس ، أردف الطبيب : لا تيأس ، طالما الوالدة للحين تتنفس في أمل إن شاء الله ، بس لازم تحاول تدبر متبرع بأسرع وقت .. بصراحة في كثير مرضى ينتظرون دورهم ، و إذا والدتك بتنتظر على الدور ممكن ما نلحق عليها ! رفع رأسه ، بصوت مهموم قال : لا لا ، أكيد بأسرع وقت رح ينحل الموضوع ، لو كلفني هالشي حياتي ! ابتسم الطبيب : الله يشافيها يارب و يخليها لك .. خرج فهد من غرفة الطبيب ، ياسمين تترقب حالته التي تزداد انهيارًا ، عيناه تشتاطان غضبًا و هو يتصل بسلطان ، بصوت غاضب مكبوت : ويين اللي قلتلي بتدبر متبرع ؟؟؟ سلطان : واضح إن نتائجك ما كانت مرضية ؟ فهـد ، يضغط على أسنانه : قلتلك وييين الرجال ؟؟ شوف يا سلطان ، قسمًا بالله لو أمي صارلها شي ، بتشوفوا فهد ثاني .. فاهم ؟؟ أغلق الخط في وجهه ، ألقى نظرة حانقة إلى ياسمين ، ابتعد عنها و الهموم تأكل تفكيره كله ، و جرح في قلبه يزداد نزيفه كلما تذكر رد فعل طارِق .. جلست ياسمين تراقب حالته عن بعد ، لقد بدأ يتحول تدريجيًا ، و قد نفقد البوصلة تمامًا إن خسرنا والدته ، جواهر ، هي صمام الأمان لفهد .. سينفجر حتمًا إن رحلت ! ،, اقتعدت الأرض و هي تُراقب أخيها و تنهداته المتتالية ، في يدها بنطال والدها ، تخيط زرّه بتشتت و هي تنظر إليه بين الحين و الآخر ، كانت تظن أنه سيعود مُشرقًا بعد أن يعرض عليه فهد المساعدة في الحصول على وظيفة ، لكن ما حدث كان العكس تمامًا ! تنحنحت بارتباك ، مصطنعة اللامبالاة و هي تخيط الزر دون أن تنظر إلى طارق : طارِق ، وش فيك ؟؟ طارِق : ما فيني شي .. بخير .. شهـد : حبيبي من ساعة ما جيت من المستشفى و انت شارِد ، فيك شي ؟ خالتي جواهر فيها شي ؟؟ يرتشف والده الشاي و هو ينظر إليهما بطرف عينيه ، تنهّد و قال و هو يعرف ما سيقول والده : اليوم فهد ، عرض علي يدبر لي وظيفة .. رفع والده نظره باهتمام ، بلهجة منكسرة أردف : و أنا ما وافقت ، و ضايقته ! نظرت إليه بتعجب ، أغلقت فمها و هي تشعر بالخجل من فهد ، الكلمات تتزاحم لتخرج من حنجرتها ، تكبتها في داخلها بصعوبة ، قال والده بخيبة : هذا إنتَ ، بتظل طول عمرك مكانك ! الرجال يبي يساعدَك ، بدال ما تتشكره ، ترفض و تضايقه بعد ؟ نظر إلى والده باستغراب ، و حاجبه الأيسر ارتفع بعفوية معبرًا عن تعجبه : يُبه !! الحين صرت تدافع عنه ؟؟؟ أبو طارق : والله ، إذا بيساعدَك و بيغير حياتَك مثل ما غيّر حياته ، أدافع عنه و عن أبوه بعد ! باندفاع قال : يبه أنا ماني مستعد أعيش بدون مبادئ عشان الفلوس !! أطبق عينيه مستدركًا لما قال و ما قد يترك من علامات استفهام حول كلامه ، تنهّد و هو يقول في داخله : أغلق فمك أيها المغفل ، كلما تكلمت أخذتنا نحو مصيبة جديدة !! فتح عينيه ، ليواجه نظرات الترقب و الشك في عيونهم جميعًا ، بالإضافة إلى قلب مرتجف يجلِس في الزاوية ، خائف من أن تنكشف ضرباته المتسارعة ، شهـد ، التي لم تعد تفهم أي شيء ، و التي لا زالت تحاول أن تبرئ حَبيبها من كل التهم الموجهة إليه ، تشعر أن يوم نهاية ذاك الحب بات قريبًا جدًا ، سينتهي حتى قبل أن يبدأ ! ،, أغلقت حقيبتها ، كانت تود لو تكون ككل المسافرين ، تودّع أهل بيتها بحب ، يدعون لها بالسلامة و هي تحمل في قلبها لائحة طلباتهم و هداياهم ، ينتظرون عودتها قبل ذهابها ، لكنها دائمًا ما كانت الاستثناء لكل قاعدة .. نظر إليها غسّان بابتسامة ، يحاول أن يأخذها إلى عالم آخر ، ابتسمت بعد أن أجبرت شفتيها على الابتسام ، هل سيغير ذلك السفر في مصيري شيئًا ؟ رفع غسان الحقيبة و هو يقول : مُصرّة ما تبي تودعيهم ؟ هزت رأسها بـ نعم .. تنهّد و هو لا يجِد ما يقول ، حمل الحقيبة و نزل أمامها ، بحركات بطيئة تبعته و عيناها تتجولان في المكان ، تُلامس أصابعها الجدران كأنها تودّعه ، لا أعرف لم أشعر بالحنين لمكان يحوي كل ذكرياتي السيئة ، لِم أشعر بالانكسار لمغادرته ؟ أم أنه الشعور المسبق بأنه لا عـودة لي أبدًا ؟! وَصلوا إلى أسفَل ، ألقى غسّان نظرات العتب إلى عائلته ، بينما شعرت سـارة ، أن حتى نظرات العتب تِلك ثمينة جدًا ، ولا يستحقونها ، توجّهت نحو الباب بتجاهل تام لهم ، لكنها كانت تعرف يقينًا ، أن ذلك الصوت الباكي سيوقفها قبل الخروج ، ذلك الصوت الذي دومًا ما كان يحركني في عز جمودي ، هل سيحركني اليوم بعد ما أكل الرماد قلبي و ذاكرتي ؟ تنهّدت ، وقفت في مكانها دون أن تلتفت ، بكاء والدتها خلفها ، إنها تبكي كأنها لن تعود ، كأنها تقول ببكائها ، أرجوكِ ، لا تعودي ! إنها حتى لم تجرؤ على الاقتراب منها ، احتضانها .. سـارة كـانت أغـرب أولادها ، لم تشعر يومًا بأمومتها تجاهها ! رغم إصراري الشديد على أن لا أودع أحدهم ، و أن لا ألتفت خلفي ، إلا أنني لا أعلم ما المثير في صوتها الباكي أوقفني و ألجم خطواتي ، لربما لا زلت أرغب في إعطائها فرصة ، لا زلت أرغب في أن أشعر أن لدي أم ، و أنني ابنة ككل الأبناء ! ولا زالت هي ترغب في أن تجعلني نادمة على كل فرصة أتيحها لها ! ابتسمت بسخرية من جُبن والدتها ، أكملت طريقها يائسة نحو السيارة ، و في الوقت ذاته ، متفائلة بالمستقبل المجهول الذي ينتظرها في روما ، الذي سيكون حتمًا ، أفضل من ماضيها و حاضرها و مستقبلها ، المعلومين جدًا ، في بيت يعقوب ! ،, نَظرة على البارت القـادم =ما شاء الله ما شاء الله ، غاب القط العب يا فـار ! =الظاهر إنك ما تربيت من أول مرة ؟ =جَلست إلى جانبه ، و هي ترفع باكيت السجائر عن الكرسي : هذا وش ممكن يغير فـ الموضوع ؟ انتهى أتمنى أن يكون البارت قد نال إعجابكم ، الأربعاء القادم موعدنا بإذن الله .. دمتم بـود طِيفْ | ||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|