شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة (https://www.rewity.com/forum/f258/)
-   -   فرشاة وحشية ج1 من س تمرد وحشي-قلوب أحلام زائرة-للكاتبة: Nor BLack*مكتملة&الروابط* (https://www.rewity.com/forum/t460845.html)

Nor BLack 29-10-19 08:22 PM

فرشاة وحشية ج1 من س تمرد وحشي-قلوب أحلام زائرة-للكاتبة: Nor BLack*مكتملة&الروابط*
 


https://upload.rewity.com/uploads/157236114664567.gif


هي عالم من الالوان عالم من لا الرقص الدرامى لبجعة الاوبرا الحزينة هي رحلة حاولت بكل جهدى ان تكون مختلفة وجديدة وسط صخب الالوان والمشاعر واختلاف الاباء والابناء ما بين الماضى والحاضر :fight::fight:


الجزء الثاني من سلسلة تمرد وحشي:


لغط متمرد ج2 من س تمرد وحشي- قلوب أحلام زائرة- للكاتبة: Nor BLack{مكتملة&الروابط}


https://upload.rewity.com/uploads/157236114668398.gif



https://upload.rewity.com/uploads/157225896149339.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157236214723681.jpg



https://upload.rewity.com/uploads/157236114673549.gif



https://upload.rewity.com/uploads/157256449211421.jpg


كتابة: Nor BLack
تدقيق لغوي: رانيا حسنى
تصميم الفواصل والداخلي: شيماء صلاح
تصميم الغلاف: رفيدة مناصرة
تنزيل الفصول: الأسيرة بأفكارها
تعبئة الكتاب الإلكتروني: Just Faith


https://upload.rewity.com/uploads/1572361146774110.gif

في المشاركة التالية....



https://upload.rewity.com/uploads/157236136667892.gif


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


لا تنسوا غاليتنا نورا من أرائكم وتعليقاتكم...
دمتم بحفظ الله...
قراءة ممتعة وشيقة للجميع...
:elk:

https://upload.rewity.com/uploads/157236136664081.gif

الأسيرة بأفكارها 30-10-19 01:30 PM

المقدمة
https://up.movizland.online/uploads/135878340710.gif
ما بين الممكن و اللا ممكن تنبعث أحلامنا بالأمل.
فيعاكس طموحنا المتوقع والمفروض.
المرفوض دحر الأحلام وتجنب القدرات ووئد وتحطيم الموهبة،
المفروض يُفرض ممن يعتقد انه يملك السلطة، يتمسك بخيوطنا الخفية فنتراقص كعرائس الماريونت …
وما بين الأبيض والأسود وتلك الرمادية اللعينة، تصرخ ألوان أخرى تتمرد بصخب على المنطق وتضرب بفرشاتها المتوحشة لتفرض اللامنطق، فينبعث النور الجديد المتمرد، شِق آخر يفرض توحش ضرباته، لا يهمه وضع الضوء المتجانس فتصرخ ألوانه ببرية وفرشاة وراء أخرى تضرب بتوحش لهدف واحد
"لا لفرض القيود التقليدية .. ولا لحياتكم المنهجية"
فليتلاشى تشكيل حياتي النمطية تحت موجات بقع ألواني الكونية!!
https://up.movizland.online/uploads/135878340710.gif

الأسيرة بأفكارها 30-10-19 01:32 PM


الفصل الأول
https://up.movizland.online/uploads/135878340710.gif
عندما تتذكر كيف بدأت قصتها معه لا تستطيع منع نفسها من الضحك، الضحك الساخر كما سخريته منها وهي بحماقتها وحالميتها لم تنتبه لها، بل كانت تغرد حوله وتشدو بأعذب الألحان فتتراقص على أطراف أصابعها بخفه فراشة كما تعودت منذ نعومة أظافرها .. منّ الله عليها بموهبة وقاما والداها الحبيبان بتنميتها لتصبح أشهر راقصة بالية في مصر بعمر التاسعة عشر فقط .. وبعدها تُؤهل للمشاركة في عرض الفرقة المسرحية الروسية "البولشوى" عندما زارت مصر. كانت فرصة عمرها التي لم تحلم أن تحصل عليها، بل إنها جاءت في وقتها بعد موت والديها وانتقالها للعيش تحت وصاية عمها فأصبح ذلك العرض هو كل حياتها القادمة والتي تخفف عنها وطئ الحزن على فراق والديها.
جلست "آيتان" بأناقة أمام سُوَر نهر السين وفي مقابلها على طول جسر العشاق شبكة تمتلئ بالعديد من "الأقفال" على كل شكل ولون، ما بين صغير متوسط وضخم بحجم وجعها بحجم الصفعة التي وجهت إليها، بحجم ابتسامته الساخرة التي كانت تحتل وجهه الوسيم وهو ينحني بطريقة مسرحية نحوها وقام بفتحه ثم ألحقه بالشبكة بجانب تلك الاقفال للعاشقين السابقين. تباً هي لم تطلب منه تلك الرحلة ولم تكن صاحبة اقتراح أن يتسللا بعيداً عن أنظار والديه، بل هو من طلب، هو من منحها الأمل وهو من أغواها بعشقه.
أغمضت عيناها تحاول أن تحجب عنها سيل الذكريات المؤلمة، فتحت حقيبتها الأنيقة مثل كل ما فيها وبحركة هادئة بطيئة كانت تخرج القفل الصغير للغاية، قفل باللون الرمادي، رخيص وصدئ، كما تحرص أن تحصل عليه كل عام .. وبنفس البطء وكأنها تتلذذ بكل ما تفعل كانت تمد يديها نحو القفل الصامت البارد وتشبك به قفلها، ثم أخرجت المفتاح الصغير وبسلاسة كانت تضعه في سلسلة مفاتيحها، همست ضاحكة عجبا وهي تعد أقفالها الصغيرة
"أصبح عددهم أربعة أقفال فوق قفله يا آيتان!!لا هو عاد ولا أنتِ حصلتِ على النسيان والسلام، أربعة بعدد سنوات تمرده وعذابكِ أنتِ ووالديه"
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تغلق جفنيها بقوة ثم فتحتهما ومنحت قفله الصامت والشاذ بمظهره الفارغ من الحياة بين كل أقفال العاشقين التي رسمت بحروفهم وقلوبهم المتشابكة نظرة ذكرتها أنه قام بوضع المفتاح في جيبه ورفض أن يرميه في نهر السين كما يُفترض بكل عاشق أن يفعل، كل هذه العلامات وهي لم تنتبه كييييف؟! ساذجة وضعيفة وهشة، وقعت في أول مطب صنعه فنان متوحش برع في تمرده وانتقامه، ولم يكتب لها بعد التحرر منه!!
…………
نفس الابتسامة الساخرة مازالت تحتل فمه وكأنها لم تُمحى منذ أربعة أعوام مضت، بينما عينيه العسليتين المتمردتين تضيقان بنظرة مبهمة، يقف أمام حامل رسوماته يضرب بفرشاته ضربة تلو الأخرى بعشوائية، بينما رأسه تتحرك بعنف يميناً ويساراً، ثم تتباطأ بنوع من الدرامية لتعود تعلو مع نغمات النسيان التي تعزفها من تجلس بجانبه.
لم يلتفت اليها ولكنه يعلم أن كليهما يلهثان من فرط الانفعال، وكأن كليهما يحفران صخرة قاسية بأظافرهما!!
بعين الخيال كان يرى دجينة بملامحها الناعمة المشدودة وعينيها البريئتان متوسعتان بينما يدها الماهرة تمسك بعصى"Violin"تحمله على كتفها واليد الاخرى تتمسك به، تضرب عليه بتسارع مجنون فيشتد الألم بداخله مع لحن النسيان يطالب بالتحرر ويتمرد على ما كان، وتعود دجينة بمهاراتها تتباطأ موسيقاها فتُذكره بشابة جميلة تتراقص حوله ببهجة وفرحه فيضربه شعور الندم، وتعود نغمات تمردها تتعالى بجنون صاخب متوحش بالترافق مع تمرد فرشاته التي أثارت الفوضى والصخب بلوحته، فاختلطت ألوانه الصارخة بفوضوية جعلته يشعر بالرضى.
"لا لفرض القيود ولا لرسم حياته بأشكال نمطية تقليدية"
انتهت أخر ضرباته فوضع فرشاته بإهمال على أحد أركان الحامل، التفت لدجينة واقترب منها بتمهل الى أن وقف أمامها تماماً، أجفلها وهو يقول بصوت مكتوم
"أنا سأعود، إن كان على أحدنا أن يُخاطر ويضحي فهو أنا وليس أنتِ"
وضعت دجينة "الفيلون" بهدوء على ركبتيها قبل أن تتمالك نفسها وقالت
"أنت لست مجبر على فعل ذلك يا جلاء، لقد هربت من قيودك لأربع سنوات كاملة فما الذي يجبرك الأن للعودة وربط نفسك بسلاسلهم؟!"
رفع جلاء كفيه يفرك وجهه بعصبية، ثم تخلل بأصابعه خصلات شعره الأشقر الطويل نسبياً، ثم ما لبث أن زفر بضيق وهو يقول:
"أنا لن أستطيع أن أراكِ وأنتِ تٌجبرين على ما خططه أهلكِ لكِ، لن أسمح أبداً بعودتك إليهم وتحطيم حلمكِ بالموسيقي من أجل تلك الصفقة اللعينة التي يريد والدكِ جعلكِ جزءاً منها"
ابتلعت ريقها وهي تضع آلتها الموسيقية والتي تعتبرها جزءاً لا ينفصل عنها بجانب الكرسي المهترئ بتلك الشقة الفقيرة والخالية من أي مظهر للترف، ماعدا بعض المستلزمات الضرورية جداً لحياة رجل مثل جلاء.
جلاء!! ومن يصدق أن ذلك الرسام المتشرد الفقير هو ابن أحد أهم رجال الأعمال في مصر!!بل الوريث الوحيد لوالده، ولكن بعد ما فعله أخيراً وهروبه من تلك القيود حُرِمَ من كل المميزات التي توفرها أموال والده مثلها تماماً.
وقفت أمام النافذة الزجاجية التي تُطل على أحد الأزقة الضيقة لمدينة -نيس -درة الريفييرا الفرنسية، والتي تتوزع فيها البيوت الملونة الجميلة بألوان مبهجة تسر النظر، بعضها يرسم عليها بالألوان المتوحشة الصارخة كما يُفضل جلاء.
ابتسمت وهي تتذكر عندما صادفته أول مرة عندما كانت تعمل نادله في أحد المطاعم ودافع عنها ضد محاولة أحد الاغبياء التطاول عليها، صادف تواجد فنانها المجنون هناك وقام بضربه قبل أن يسحبها من هناك ويهربا سوياً.
التفتت لجلاء أخيراً وقطعت الصمت قائلة بمنطق بسيط
"إن ذهبت إلى هناك تطالب بما تريد فهذا يعنى أننا خسرنا حربنا يا جلاء، وأحدنا سلم راياته وببساطة ستعود لقيودك"
احتلت عيناه صرامة غاضبة وقال متوعداً
"لن يستطيع أحد فرض ما لا أريده، كما لن أمنح لوالدكِ الفرصة لتدمير موهبتك، إن لم يسمعنا أحد أبداً ويدعمنا فأنا وأنتِ سندعم بعضنا إلى أن نصل لما نريده"
قست ملامح دجينة فتعارضت مع تلك الهالة البريئة لملامحها، ثم ما لبثت أن قالت بصوت مكتوم صريح
"زواجنا لن يجعلنا نصل لما نريده يا جلاء، أنا وأنت لا نعرف حتى ما هدفنا تحديداً بما نفعل!! أن نجعلهم يعترفوا بنا ويؤمنوا أننا لم نخلق لتلك الحياة التي رسموها هم؟ أنت واهم عزيزي لن يفعل أحدُ منهم"
أخذ نفساً عميقاً كي يكبح ذلك الغضب الأعمى الذي يجتاحه كلما تذكر ما فعله والده في حقه، كم الألم الذي استشعر منهم وكم الإحباط الذي تعرض له والسخرية الموجعة من قدراته وموهبته، أخيراً قال بصوت مكتوم
"لا يهم كل ما تقولينه، أنا لا أنوي تضييع حياتي يا دجينة وأنا هائم في الطرقات، وبالتأكيد لن أسمح لكِ بذلك القيد الأحمق الذي ينوي والدكِ ربطكِ به مستغلا سلطته المادية، أنا أكثر من قادر على مساومة والدي، سأوهمه بما يريد حتى أنقذ أحدنا"
أخفضت دجينة رأسها بيأس وهزت رأسها بقنوط وهي تقول
"افهمني يا جلاء خطتك بالزواج فاشلة، أنت لا تُحبني ولن تفعل يوماً .. واجه نفسك لأني لا أنوي أن أسبب الألم لنفسي أو لك"
اقترب منها جلاء ببطء ورفع رأسها بأطراف أنامله قبل أن ينظر بعمق عيناها الخضراوين الساحرتين وقال
"أنا وأنتِ وجهان لعملة واحدة لذا لن نسبب لبعضنا الألم أبداً، بل إن توقف أحدنا سيدفعه الأخر للاستمرار، يكفي نقاشاً أنا سأعود إليهم ولن ارجع هنا إلا ومعي الحل لمشكلتكِ، فقط أريد منكِ الصمود والمقاومة والتمرد على من يحاول جبركِ منهم"
أغلقت جفنيها بتعب وهي تأخذ نفساً عميقاً، إنها رافضة لكل ما عزم عليه جلاء ولكنها لم تعترض أو تجادله مرة اخرى، ربما جلاء يحتاج لتلك المواجهة بدلا من هروبه وعناده كل تلك الأعوام!!حتى وإن كان سيأخذ زواجهم حجة ربما يجد طريقه حقاً بدلا من توهانه وتخبطه.
ابتعد عنها والتف على عقبيه حافي القدمين، مشى بتمهل نحو لوحته الصارخة وعقد يديه على صدره، مال رأسه بزاوية متأملاً لوحته بضيق وسخط وبقايا ذنب لم يتحرر منه بعد، سأل نفسه
"تباً لماذا لا يتخلص من طيفها ؟!ما سر ظهور وجهها دائماً بين ألوانه ؟! لِما تصر فرشاته المتوحشة علي جلده وبرغم انفه ترسم بريق ضحكتها الذي انطفئ ؟!"
…………………………………
كانت آيتان تقطع الممر الداخلي للشركة بخطوات أنيقة لفتت انظار الجميع، فمساعدة صاحب الشركة وذراعه الأيمن وابنة أخيه قد تبدو للعين هادئة رزينة ودافئة ، ساحرة مغوية ذات ملامح شرقية دقيقة تميزها بشرة حنطية ، عيناها السوداء اللامعة واسعة كحيلة تزيدها جمالاً ، طول متوسط لجسد متناسق وخصر نحيف ترسمه بدقة بدلة عملية من اللون الأسمر ذات تنورة ضيقة بالكاد تصل أسفل ركبتيها ، يعلوها جاكت قصير بأكمام طويلة مع تلك البلوزة الرمادية التي ترتديها ، ابتلع أشهب ريقه وهو يراها تخطو نحوه تبتسم بسحر انيق ككل ذرة فيها ، اتجهت نحوه وهي ترفع نظارتها الشمسية فتريح معها شعرها الكستنائي الناعم الى الخلف مسترسلا بتموجات مغوية على ظهرها وقالت
"مرحباً أشهب، لقد افتقدناك في رحلة العمل القصيرة تلك"
سيطر أشهب على تلك النبضة الهاربة منه مرغماً قائلاً بمرح
"من خلال التقرير الذي اسلتيه لمكتب عمكِ لا يبدو لي أنكِ افتقدتني، بل ربما أنتِ سعيدة لأنكِ ربحتِ تلك الصفقة وحدكِ"
كتفت ذراعيها بترفع أمام صدرها ورفعت حاجبا واحداً، وبعينين تبرقان وحشية قالت "أنا دائماً ما اربح منذ أن بدأت العمل مع عمي، فما الجديد؟!"
مال أمامها بحركة مسرحية وأخبرها مدعياً المرح رغم لومه المتخفي "إن كان في مجال العمل أرفع لكِ القبعة احتراماً يا سمو الأميرة آيتان، ولكن على مستويات أخرى لا أظن، فذكائكِ وفوزكِ لا يتعدى إنجازات طفل"
كراهية عميقة هي ما ارتسمت على ملامحها الغاضبة المتوعدة، أبداً لم تكن موجهة له عندما قالت بهدوء رغم ملامحها المتشنجة "أرى أنك تخطيت حدودك كمدير تنفيذي، حديثي معك من وقت لأخر لا يعني أبداً أنك تستطيع تحليلي ومصارحتي بوجهة نظرك الشخصية عن أفعالي"
كان عقله يعمل بسرعة ونشاط داخل رأسه وهو يحاول أن يتخطى حاجز برودها، قفز من تلك الصورة البريئة التي يظنها الجميع بها، فهو يعرفها ويحفظ أدق تفاصيلها، بل هو الأحق بها من ذلك الغبي الأرعن الذي حطم تلك الروح المرحة البريئة فيها، تنهد أخيراً وقال بنعومة مراضيه
"لم اقصد إزعاجكِ تعلمين هذا، ربما أنا اردت القول إني اشتقت لكِ آيتان لا تغيبي مرة أخرى"
قالت مرغمة نفسها على إعادة تركيزها على عملها وقوقعتها
"لا تهتم، لا شيء قادر على إزعاجي أشهب"
استدارت مرة أخرى وتركته وقالت من خلف ظهرها مدعية البراءة
"ولا تقلق هكذا على فشلي من الناحية التي قصدتها، أنا صبورة .. صبورة جداً على تحقيق نجاحي واثبات انتصاري أشهب ولو استغرقت عشرة أعوام"
جز أشهب على اسنانه غضباً وغيظاً، متى يستطيع الوصول اليها ؟! وأي طريق قد يستطيع أن يسلكه معها؟ لقد جرب جميع السبل اليها وكلها كانت مسدودة في وجهه.
………………….
أخفض عزيز العاشوري هاتفه ووضعه على المكتب الفخم الذي يجلس خلفه ورفع رأسه الأشيب وتهلل وجهه بابتسامة فخورة مرحبة، فتح ذراعيه على الفور فرمت آيتان حقيبتها جانباً واندفعت نحو ذراعي عمها الحبيب تحتضنه بقوة وهي تهتف بانتصار
"لقد فعلتها أخيراً عمي واستطعت الفوز بتوكيل الشركة الفرنسية للعطور لصالحنا، نحن أصبحنا الموزع الوحيد المعتمد في مصر"
ربت عزيز على ظهرها بحنان وهو يقول "كنت أعلم منذ سنوات أنكِ من سيخلفني، إصراركِ وعزيمتكِ على النجاح هما ما يقودانكِ نحو ما تريدين"
اعتدلت لتقف بجانبه وهي تقول بابتسامة مهتزة بددت فرحتها السابقة
"بما أنى فشلت في أمور اخرى وأفسدت مستقبلي وحلمي السابق كان يجب أن أبرع في شيء أخر عمي"
برغم جمود وصلابة عزيز التي تماثل الصخر الصامت البارد في مشاعره لكن عند ابنة أخيه الراحل وأمانته لا يستطيع إلا أن يرق قلبه لها، يريد أن يدفع المتبقي من عمره فقط لمسح حزنها وتعويضها عما كان، تماسك وهو يخبرها بحزم ناظراً لعمق عيناها السوداوين:
"أنتِ لم تفشلي، ما حدث كان خطئي وحدي، أما عن تدمير حلمكِ كان قدر صغيرتي، حادث الجميع معرض له"
أطلقت ضحكة مرتبكة ثم قالت
"شكرا عماه على رفعك روحي المعنوية دائماً"
هز رأسه قائلاً بتأكيد
"بل الشكر لوجودكِ بجانب عمكِ وهو في قمة ضعفه وانهياره"
عبست بوجهها وهي تقول بمرح زائف
"من هذا الضعيف يا عزيز؟! أنت قرش شرس لا يرحم يا عزو، لم ينحني بسهوله لشيء أبداً"
صمت عنها لدقائق ملحوظة قبل أن يلتفت لبعض الاوراق يقلب بينهم .. قرأ بعض الخطوط بعينيه وعقله أبعد ما يكون عن فهم ما امامه, يعلم أنه غير عادل في تملكه ابنة اخيه بتلك الطريقة ، ولكن جوهرها الثمين لم يمنحه الفرصة بأن لا يفعل ، إن زهرته الرقيقة البريئة والمتوحشة العنيدة في أعمالها تماثله تماماً في جديتها وإصرارها ، وفصلها حياتها الشخصية عن عملها منذ أن ألحقها معه بالعمل منذ أربعة أعوام مضت لم تُخيب ظنه ولو مرة واحدة ، كان يقصد في البداية تعويضها ولو بقدر ضئيل عن ما حدث لها وشغل عقلها بعيدا عن تفكيرها بهمومها ، رفع وجهه يراقبها وهي تتحرك من جانبه بهدوء ولام نفسه الى متى يتمسك بها حد الاستماتة ؟ يعلم أنه يظلمها بتشجيعها على محورة حياتها حول شركتهم وأعمالهم لدرجة نسيانها نفسها وقلبها، قلبها!! قضية أخرى وآيتان لا تقدم أي مساعدة في هذه الجهة، مازالت على عهدها القديم رغم أن صاحب العهد غدر بهم وتركهم ضارباً عرض الحائط بكل شيء باحثا عن نفسه وحلمه، حلمه!! أفتر جانب فمه عن ابتسامة ساخرة عميقة، الأرعن يعتقد أن شخابيطه بالألوان موهبة هامة يجب عليه أن يحترمها ولا يطالبه بأن ينضم لعمل العائلة، منذ أعوام وابنه الغبي لم ينضج ويدرك أنه كان يبنيه ويُعِده لشيء أهم وأعمق، أراده رجلاً حقيقياً يعتمد عليه وليس مجرد فنان صعلوك متشرد لا يمتلك قوت يومه.
"هل رأيته؟"
أجفلت للحظات من نبرة عمها المستفسرة بغضب، تمالكت نفسها قبل أن تقول بهدوء ظاهري عكس تلك النار التي اشتعلت لتأكل قلبها البريء "لا. لم أفعل ولن أفعل يوماً"
صمتت لبرهة وأخذت نفساً عميق ثم ما لبثت أن ابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تخبره
"اتركه عمى يبحث عن ذاته مهما استغرق من أعوام، جلاء طير يصعب أسره، كلنا أصبحنا ندرك هذا، امنحه الفرصة ليحلق وسيعود من تلقاء نفسه"
نظر لها عزيز بإعجاب قبل أن يقول بتلاعب
"هل أنتِ صادقة آيتان مع نفسكِ؟"
وقفت آيتان مره أخرى وهي تهز كتفيها بقلة حيلة مفتعله ثم قالت ببساطة
"بالطبع عمى أتمنى لفنانا الهمام أن يجد نجاحه ويحقق كل أحلامه سريعاً، سأكون فخوره به"
وبدون انتظار الرد تركت الغرفة وغادرت، لم يخفي على عزيز ذلك الوميض الذي برق من عيني ابنة اخيه وملاكه الحارس، ولكنه وقف متحيراً هل يسعد بذلك الوميض المنتصر أم يخاف على وحيده ؟!
………………………
"كم مرة أخبرتكِ ألا تخلعي حذائكِ أمام المنزل؟"
قالتها آمال زوجة عمها بغضب متصنع عندما استقبلتها في ساحة المنزل الواسعة، رقّصت آيتان حاجبيها بإغاظة طفولية وهي ترفع يدها الممسكة بحذائها وتخبرها
"أنا كائن بوهيمي يفعل ما يحلو له، اخلعه أمام المنزل أو حتى فور خروجي من الشركة"
نظرت لها زوجة عمها الرقيقة المتكلفة جداً والمهتمة بتصرفات طبقتها المخملية بارتياع وقالت "لا أنتِ لا تجرؤين على فعلها"
هزت آيتان رأسها لأعلي وأسفل بهدوء مؤكدة وهي تقول مغلقة الجفنين
"بل فعلتها فور أن وصلت لمرآب الشركة، خلعت حذائي وجواربي …وجلست بالسيارة حافية القدمين"
نظرت آمال لقدميها العاريتين بيأس قبل ان تقول:
"افعلي ما يحلو لكِ فأنا أصابني القنوط من تصرفاتكِ"
اقتربت منها آيتان خطوة أخرى وطبعت قبلة عميقة على وجنتها وهي تقول بخفوت
"بعض العادات لن نستطيع نسيانها يا زوجة عمي وأنا خلال أربعة عشر عاماً لم أكن أرتدي إلا أحذية البالية المسطحة الخفيفة"
التوى فم آمال بضيق قبل ان تقول مهاجمه:
"جيد أنك تخلصتِ من ارتدائها .. فرغم تمسككِ بها كانت تؤذي قدميكِ مازالت أذكر الجروح والنتوءات البشعة أثر كل تدريب تجتهدين فيه"
اغرورقت عينا آيتان بالدموع فجأة وهي تقول متألمة
"كانت موهبتي وحلمي يا زوجة عمي، حياتي التي اجتهدت فيها منذ أن كان عمري خمسة أعوام فقط، كرست أربع عشرة سنة من حياتي لدراسة البالية وممارسته وعندما كدت ألمس نجاحي بيدي تحطم كل شيء و و و خسرت"
عضت آمال طرف شفتيها بحرقة لتكتم صرخة ندم تريد الخروج، أنها السبب فيما آلت إليه، هي من كانت السبب والبداية، جميع مجتمعهم يشيد بما فعلوه مع اليتيمة ولكن وحدها تعلم أنها جرحتها جرح لن يندمل .. همست داخلياً بتضرع
"رحماك يا رب .. وحدك تعلم أنى لم أنوي لها الضرر ولكني أردت ربط أبني بنا عبرها وهي أرادت ورغبت بأن أزوجها إياه"
اقتربت منها آمال مسحت عينيها بطيبة وهي تقول بهمس خافت
"انا أسفه افعلي ما يحلو لكِ يا بوهيمية"
جعدت آيتان وجهها وهي تقول سريعاً نافية بتشدد رغم حشرجة بكاءها التي مازالت تحتل صوتها مرغمة
"لا أنا لست بوهيمية بل مديرة شركات العاشوري، فتاة ناجحة حصلت على بكالوريوس الأعمال من الجامعة الأمريكية بأعلى الدرجات، فلا داعي لتعاطفكِ هكذا بالنهاية لم أصل لقمة درجات البؤس"
"هذا صحيح حقاً، إن الفتاة الذهبية حققت ما كان يأمل به عزيز العاشوري ورمت كل أحلامها وراء ظهرها "مبهرة"
الصوت الخشن المستهزئ والساخر الآتي من ورائها جعلها تتجمد مكانها لدقائق طويلة، مشلولة الجسد، مسجونة الروح ومصدومة العقل، شعرت بالخواء عندما ابتعدت زوجة عمها عنها سريعاً بلهفة تصرخ باسم ابنها وهي تقول "جلاء حبيبي لقد عدت! لا أصدق عيناي"
رأت بعين الخيال من خلال وقفتها المتجمدة لهفة زوجة عمها في احتضانه، فتسكنه بقلب الأم فيها بين أضلعها، تبكيه بحرقة دون تحفظ أو اهتمام بمظهرها.
ابتلعت آيتان ريقها الذي جف في محاولة واهية للسيطرة على الذات، ثم ما لبثت أن استدارت بجسدها كاملاً ناحيته، عيناها كانت أشبه بشعلتين ناريتين من الغضب عندما وقعت مباشرة في عمق عسل عيناه المستخفة بها، عادت لتسيطر على انفعالاتها سريعاً وبوجه أخذ في السكون التدريجي كانت تبتسم بترحاب وود وهي تقول بمحبة خالصه مدعية البراءة
" مرحباً بالفنان العظيم .. بل أنت من كنت وستظل الفتى الذهبي للعائلة .. وكل ما أنا فيه لم يكن إلا بفضلك، لولاك ما كانت الفتاة الهشة تحولت لأخرى يتفاخر بها والدك .. بينما يتناسى حتى حروف اسمك"
صمت للحظات وهو ينظر لها متمعنا من فوق كتف أمه التي تتشبث به بقوة كأنها غير مصدقة لوجوده، مستشفاً القوة الكامنة خلف القشرة الجميلة والرقيقة، مرغماً خطر على باله في تلك اللحظة وهو يتأمل الجسد الفارع بملابس أنيقة عصرية وعملية بقدميها العاريتين وساقيها الطويلتين الجذابتين ، متى نضجت آيتان وهل تركه لها ليلة عقد قرانهم هو ما دفعها لتكون ما هي عليه اليوم ؟؟ربما هو لم يهتم بأي اخبار عنهم بل ظل هائماً على وجهه سارحاً في ملكوته الخاص دون أن يهتم بمصائر أحدهم إلا أمه الحبيبة التي كانت تلتقيه كل بضعة أشهر من وراء والده في فرنسا ، ولكنه كان يسمع ويرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور سيدة الأعمال الصغيرة والمتوقع أن ترث شركات العاشوري لتكمل مسيرة والدها وعمها من بعده . تباً يبدو أن راقصة الدراما لن تجعل مهمته سهلة.
……………
منذ آتى بالأمس واحتفال أمه به وترحيبها لا يقبل شك، تبكي جفائه مرة وتضحك بسعادة لعودته أخيراً مرات، ثم انتهي الحال به ليصعد إلى غرفته القديمة منتظراً أن يأتي والده، ولكن عزيز العاشوري آتى ولم يُبدي أي اهتمام لرؤيته.
نظر جلاء أمامه بشرود متذكراً معاملة والده الجافة له منذ نعومة أظافره، لم يكن يوماً أباً حلو المعشر بل كان جامداً قاسياً .. يدفعه بإصرار نحو أحلامه الخاصة ومخططاته دون الالتفاف لأحلام ابنه و قدراته واحتياجاته ، والده كان المحبط لكل محاولته في الصعود والظهور ، لم يراعي يوماً قدراته الخاصة ، لم يتعدى تفكيره يوماً حد الأنانية والتخطيط لما يريده هو منه ، تدريب السباحة و الرماية ، معاملته بجفاء وغطرسته حتى تشرب جموده ، قسوته عليه منذ أن كان طفلاً صغيراً و يحتاج لاهتمام ورعاية ، كسره لأدوات الرسم خاصته والاستهزاء منه عندما كان في المرحلة الثانوية ، الاستخفاف بموهبته وأحلامه أمام أفراد الأسرة فقط ليكسره ويجعله يستسلم لما يريده هو .. وهو بالفعل استسلم في مرحلة ما بل ودرس إدارة الأعمال في فرنسا بناء على رغبة والده، ولكن هناك بدأ يحصل على حريته الحقيقية ، اطلق لموهبته العنان وتوحشت اخلاقه كما فرشاته ، رفض النمطية والرسوم الهندسية التي توقعها الجميع منه ليتجه للألوان الصاخبة الصارخة لعلها تُعبر عن ما يعانيه من الألم داخله وكسر روحه ، ومع انتهاء سنواته الدراسية كان انهي سراً مراحل فهم الفن وتشرب براعته ، ربما هو لم يلتحق بأي مدارس فنية ولكن شوارع باريس وأرصفتها المليئة بمن مثله كانت خير بيئة لتطوير موهبته وإشباع روحه الجائعة المتمردة بالكثير والكثير من الفخر الذاتي ، ولكن للأسف في مرحله أخرى أجبر على العودة بعد أن وصله خبر وفاة عمه ، وعند هذا الحدث الفاصل في حياتهم ..تغير كل شيء ليجد نفسه مجبراً على معاونة والده في مراعاة ابنة عمه الصغيرة و راقصة البالية الموهوبة.. وبعد عامان قضاهما في شركات والده بشق الأنفس والمعاناة الذاتية ليتحمل الامر، اكتشف أن والده العزيز يخطط لزواجه من آيتان دون حتى أن يسأله عن رأيه، مكتفياً أن فتاته المدللة أعلنت عن موافقتها وتعلقت به كالعلقة فصعب عليه التخلص منها، عند هذا الحد اكتفي جلاء منهم وكان انتقامه مدوياً موجعاً.
"مرحباً جلاء .. سعيد بعودتك"
قالها السيد عزيز بجمود وهو يقف امام شباك مكتبه في المنزل واضعاً يده خلف ظهره بصرامة، نبراته جامدة لا حياة فيها كأنه يجبر نفسه إجباراً على مقابلته بعد كل سنين الجفاء التي حدثت بينهم.
قطع جلاء الصمت الذي ساد أخيراً قائلاً بغلظة
"لا اعتقد أبداً أنك سعيد بوجودي سيد عزيز بل ربما استغرقت ليلتك كلها تفكر كيف تتخلص منى سريعاً"
لم يبدو على والده التوتر أو حتى التردد وهو يستدير ناحيته ليخبره بنبرة جليدية "لو أردت طردك من هنا لا شيء سيمنعني جلاء، أنت من فررت هارباً شارداً وأنت من عدت لبيتك وموطنك بكامل ارادتك"
قاطعه جلاء قائلاً من بين أسنانه "أنا لم أهرب بل تركت لك كل أعمالك وأموالك العزيزة ونجوت بنفسي من مخططاتك التي خطفت بريق روحي ودحرت مستقبلي وموهبتي"
لم يتحمله عزيز أكثر .. لم يعترف يوماً بتلك الاحلام التي يتحدث عنها ابنه بل السؤال العالق في رأسه "إن كان لجلاء كما يدعي موهبة ما وهو حاول تحطيمها في صغره فلماذا بحق الله عندما نضج وأصبح رجلاً يعتمد عليه لم يوازن بين الأمرين ؟!!ما الذي دفع ابنه لمسايرته في كل مسار رسمه له هو وأمه دون أدنى اعتراض؟؟ بل كان راضياً جداً عن كل ما يحدث حتى يوم عقد القران المشؤم"
لذا هتف بحدة يسأل بنبرة قاطعة
"لماذا عدت يا جلاء؟ رغم كل ادعائك الظالم في حقي إلا أني أعرفك وأحفظك، أنت لن تأتى بنفسك إلا لحدث جلل"
أطلق جلاء ضحكة خشنة يائسة قبل أن يتحرك في مكتب والده المترف يقلب بين التحف الثمينة بإهمال عارضاً أوراقه المكشوفة
"أريد الدعم المادي والعائلي منك بالطبع حتى أستطيع الزواج من امرأة من اختياري."
تمالك والده نفسه بصعوبة وعضلات وجهه تنفر برفض وغضب أعمى قبل أن يقول جازاً على أسنانه "وما الذي سيعود عليّ من منحك كل ما تحتاجه للزواج من صعلوكه تماثل ما حولت نفسك له؟"
لم يجفل جلاء ولم يهتم أنه لقبه بالصعلوك بل قال مصححاً ببرود
"إذاً أنت تعلم عن دجينة !!ولكن غابت عنك بعض المعلومات هي ليست بصعلوكه بل خريجة …"
قبل أن يكمل قاطعه قائلاً ببرود
"أنا لا يعنيني أبداً دفاعك عن رفيقتك .. بل سؤالي هنا أنت اتيت طالباً المساعدة وفي مجال رجال الأعمال أريدك أن تخبرني ما الذي تستطيع أنت أن تقدمه لي بالمقابل؟"
توتر جسد جلاء وعقد حاجبيه مفكرا ً.. تباً لقد أتى وهو يراهن على تلك المساومة أن يعود لهم وينفذ كل ما يريده والده .. وفور أن يحصل على المال واسمه سيعود لدجينة في الحال ينفذ وعده لها ..أخذ نفس مهدئاً ومسيطراً ثم ما لبث أن قال "سأعود لقيدك وأنفذ ما أردته أنت من البداية .. استلم أمور العمل وأكمل طريقك هذا ما لدي؟!"
أصدر جلاء صوتاً مختنقاً وهو يقطع حديثه ويشيح بوجهه عن أنظار والده الذي يتأمله بتمعن محاولاً ثبر أغواره.
الصمت عم بينهم ربما لدقائق أو وقت طويل من الزمن لا يعلم جلاء تقديره تحديداً ولكنه لم يمتلك إلا أن ينتظر رد ابيه على عرضه.
استمع لصوت والده أخيراً يخبره متنازلاً بنبرة خشنة وهو يستدير يسحب كرسيه الجلدي الضخم وهو يقول
"اجلس جلاء لدي ما أخبرك به وإن وافقت على عرضي .. ستحصل على صفقتك المتبادلة"
نفخ جلاء بتوتر وهو يرفع كلا كفيه يتخلل بأصابعه الطويلة شعره الاشقر المجعد .. ثم تحرك طواعية دون جدال يسحب المقعد المواجه لوالده وهو يقول "تفضل أسمعك"
عم الصمت المهيب مرة اخرى وكأن والده يوازن أمراً جلل في رأسه يصعب البوح به، توتر فمه وهو يخبره "أنا لن أسالك أو أراجعك بزواجك من تلك الصعلوكه ..لقد تعلمت درسك القاسي بأصعب الطرق .. وعلمت الأن أنك لم تكن أبداً خليفتي القادم"
أغمض جلاء عينيه بقوة مقاوماً قسوة كلام والده غير مصدق تفريطه فيه بسهولة هكذا لقد توقع أن يقاومه، يجبره، يساومه ويتقبل صفقته .. أي شيء عدى أن يخبره بكل هذا الهدوء أنه لم يعد يهتم بشيء يخصه .. فقال في محاولة يائسة منه لتكذيب نبرة والده "أنا لا اصدق أنك ستتركني ببساطة هكذا أحدد ما أريده."
هز عزيز رأسه بالنفي وهو يقول بقسوة "بلا! يجب أن تصدق أنت لا تعني لي أو تهمني تصرفاتك وحتى مستقبلك لم يعد يغريني لرسمه وتتبعه .. افعل ما يحلو لك طالما أنك لن تؤذي سمعتي وتطيح باسم العائلة كما فعلت منذ سنوات .. لقد شُفينا من الفضيحة التي حدثت بسببك بصعوبة وإن كانت مازالت بقاياها موجودة"
نظر جلاء لوالده بشيء من الحسرة إذاً أخيراً حصل على حريته المنشودة .. رمى طوبته وابتعد عنه بتسلطه .. ولكن ما باله يشعر بالألم والخواء والخسارة هكذا ؟؟
تمتم "هذا جيد ويسعدني"
حدق والده في ملامحه يستشف مشاعرة المتعاقبة بوضوح .. متى كانت أخر مرة اهتم بمشاعر ابنه وتفهمها ؟!هل يا ترى الحسرة هذه المرة كانت من نصيبه إذ كانت الاجابة الموجعة أبداً لم يفعل ؟!
بحسم كان عزيز يلقي ما بجعبته هو الأخر
"أنا سأمنحك ما تريد .. إن تزوجت آيتان ابنة عمك لمدة عام واحد ثم بعدها افعل ما يحلو لك لن أهتم"
رفع رأسه بوجل وعيناه تتسع بوجه والده .. يحاول أن يستوعب تلك الصفقة الغريبة .. مجرد القاء العرض يعد أكبر أضحوكة سمعها في حياته، شعر أن والده عاد يلقيه بمتاهات لا منجى منها ردد بهمس
"اتزوج آيتان .. هل هذه مزحه؟!ما الذي يجبرني على الارتباط بها وأنا من تركها منذ سنوات؟؟ اعتقد أن هروبي وقتها كان أكثر من كافِ ليؤكد أني لا أرغب أبداً بربط نفسي بها"
أشاح بوجهه بعيدا عن ابنه محاولاً حجب الألم ومنع سيل الذكريات التي تريد التدفق .. يريد بإصرار محو صورة أمانة أخيه وهي تتألم جسداً وقلباً من تلك الدوامة القاسية التي رموها فيها مع ولده التائه في الأصل، لقد خذله ابنه منذ البداية وعاد بوجع عن غير قَصد لقرة عينه، ربما آيتان ابنة اخيه ولكنها لطالما كانت اميرته المدللة شبيهته ..عنيدة ،مصرة وقوية لا تنكسر .. صديقته الأقرب وعقله المدبر المحنك، منقذته إن عصى عليه أمراً وغفل عن حله .. تمتم أخيراً وهو يجيبه مباشرة
"الأمر لم يعد مثل الماضي. لقد جدت أمور كنت غافلاً عنها تهدد بفقدي لآيتان وأربعون بالمائة من أسهم الشركة"
استرعى انتباه جلاء كلياً وسأل باهتمام "لا أفهم .. كيف ستفقدها ؟!"
أخذ والده نفساً عميقاً قبل أن يقول: "عمك رحمه الله ترك وصيه تنص على عدم اقتراب آيتان من أموالها إلا عندما تتم الخامسة والعشرون من عمرها، كان كل شيء جيداً وتحت أمرى وهي تعمل معي بالفعل منذ أربع سنوات .. ولكن الفتاة نضجت وأصبحت امرأة جميله يطلبها الكثيرون من ابناء رجال الأعمال .. حتى أن احد مديري التنفيذ في الشركة يطاردها .. وهي مجرد فتاة بالتأكيد سرعان ما سيداعب أحدهم قلبها"
رفع جلاء يده مره أخرى يغرس أظافره بتوتر في فروة رأسه في حركة عصبية كان يفعلها منذ صغره، لا يعلم سر الضيق الذي أصابه .. آيتان مع أحدهم!! يقترب منها يخبرها كلمات الغزل .. يضع يده على خَصرها الدقيق ويلتهم بعينيه قدها الرقيق .. يخادعها ويقتطف منها قبلة مرغِمة .. يغيبها ويغيب معها في عالم لم تتذوق مثله من قبل قط ..ابتلع ريقه الذي جف تباً ما الذي جعله يتذكر؟!تباً تباً"
قال جلاء هامساً بريق جاف "هذا.. هذا ليس سبباً منطقيا لزواجي منها فأنا لن استمر معها أبداً .. بالمنطق هذا الامر سيقلل من فرصها ويجعل المجتمع ينظر لها بدونية"
ضحك عزيز قائلاً بتهكم "هل ألمح في صوتك نبرة حذر وخوف على سمعة ابنة أخي التي دمرتها بالفعل في الماضي ..هذا يصدمني قليلاً بك"
"لا داعي لتهكمك أنا أوضح أمامك الصورة التي وصلتني"
صمت كليهما محدقاً في الأخر .. ثم ما لبث أن قال عزيز مكملاً
"ليس هذا بالطبع ما يدفعني لطلبي بل لأن آيتان عاد خالها يطالب بها بإلحاح ويوطد علاقته بها ومما فهمته وبحثت ورائه هو أفلس ويريد أن تذهب ابنة اخته لتعيش معه بأية طريقة ليقنعها بطريقة أو أخرى بسحب أموالها واستثمارها معه .. وهذا ما لن اسمح به لسببين في الحقيقة: أحدهم أموال ابنة أخي وأمَّانته .. والأخرى إن سحبت آيتان أموالها وانفصلت عنى بالتأكيد سينهار كل ما بنيته أنا وعمك وورثته عن ابى خلال أشهر قليلة"
التوى فمه بابتسامة صغيرة بينما عيناه تبرق بفطنة وذكاء وهو يقول
"وما علاقة كل هذا بوصية عمى المذكورة .. بالعكس تلك الوصية ستأمنك لعام أخر لا أن اتزوجها أنا لعام، كما أن فتاتك الذهبية لن تترك قيدك عزيز بك"
تجنب عزيز سخريته وسعى بإصرار نحو هدفه وهو يخبره "وصية عمك تنص أن من تلجأ له ابنته وتفضل العيش معه هو المتصرف الأوحد في أموالها وله حرية التصرف دون أن يسألها حتى ..أما عن تركى فإذا كان ابنى قد فعل ما الذي يمنع ابنة اخي عن فعلها وقد أصبح كل شيء هنا يزيدها ألماً؟ حتى وإن كان بعضهم يطلب ودها مازالت آثار كارثتك تعاني منها فتاتي الرقيقة وحدها"
ساد صمت مهيب بينهم لم يجرؤ أحدهم على قطعه .. لم يستطع جلاء قول شيء أخر أو مجادلته .. وقد اصاب والده الهدف وضغط على جرح دامي غير مرئي داخل روحه .. قطع عزيز الصمت ليخبره بحزم قاطع
"تلك شروط صفقتي إن استطعت تنفيذها فكل طلباتك مجابة .. ولكن يبقي شرط أخر اقناع آيتان بك سيقع على عاتقك وحدك"
..........
اسبوع مر على صفقة والده الغريبة وهو يعود لدوامة رسم والده لحياته لقيود رفضها ولقسوة نفرها، رفض أن يتفهم رجلاً لم يتفهمه أو يحتويه يوماً، يسمعه ويصادقه كما يجب أن يفعل كل والد، مثلما كان يفعل عمه مع ابنته مثلاً "آيتان "مجرد حروف اسم لأنثى بريئة هادئة وجميلة .. يجب أن يعترف لنفسه أنه كان يراها جميلة بل ربما اقنع نفسه في وقت من الأوقات أنها تناسبه تماماً .. ليس لجمال وجهها فبالتأكيد هو رأى من قبل من يتفوقن عليها جمالاً وسحراً ولكن كان هناك شيئاً ما يجذبه بشدة لاكتشافها .. يريد أن يعرفها ويقترب منها .. يلمسها ويغوص فيها ليغرق حتى الثمالة ..
"اللعنة .. اللعنة"
لقد اكتشف أن كل هذا سراب فقط رضوخ منه لأوامر والده .. لذا آفاق لنفسه وضرب ضربته القاتلة منهم .. ولكنه لم يقصد يوما أن يؤذيها.
أخذ جلاء نفساً طويلاً مغمضاً عينيه و مريحاً رأسه على الحائط الخلفي لجراج منزلهم الكبير يذكر نفسه بإصرار "دجينة تستحق منه تلك التضحية .. سيخدع تلك الآيتان مرة اخرى ويتزوجها ويحقق لهم ما يريدون .. ويأخذ جانب صفقته ويفل عائداً إلى "نيس "الساحرة ليتزوج منها ويعيشان الحياة التي خططاها هما لنفسيهما .. أما آيتان هو لن يقترب منها في الأساس .. همسها مؤكداً لنفسه فقط خدعة صغيرة أخرى ..لن يحدث شيء وتظل كل الخطوط في يده وحده ..هو المتحكم داخل دوامتهم وسينجو منها متى اراد.
قطع خلوته صوت السيارة التي بددت الهدوء من حوله ..اعتدل جلاء في وقفته ليعود مره اخرى ليسند احدى قدميه على الجدار من خلفه يربع يداه على صدره .. لم يستطع أن يمنع نفسه من تأملها وهي تهبط من السيارة برشاقة .. شعر كستنائي جذاب اللون والملمس ترفعه بعقدة متزمتة فوق رأسها .. فتتمرد بعض الخصلات الرقيقة لتحيط بوجهها الذي يشع براءة مغرية .. وجهها كان خالياً تماماً من الزينة! هه إذاً الصغيرة مازالت لم تتخلى عن بعض عاداتها وهذا ما تأكد له عندما لمح قدميها الحافيتين والحذاء التي تمسكه بيديها .. تحركت نحوه بقوة صلابة وثقة تعاكس تلك الهالة من الرقة التي تمتلكها خطواتها المتمهلة بعد أن تخلت عن الحذاء جعل تلك التنورة ترتفع وتنخفض فتعلن بوقاحه عن فخذين رشيقين ومغريين .. المشهد جعل الدماء تغلى في عروقه مرغماً وجعله يتساءل عما سيحدث إن تجرأ وخان عهده لنفسه ودجينة وأوقع تلك "العلقة "فيه وتقبل دعوة ذلك الجسد وخاض في الخطيئة ..خطيئة سيفعلها ضد مبادئه وضد حريته المزعومة إن أتم زواجه منها…
"ما الذي تفعله هنا ؟"
الصوت الرزين رغم جليده جعله ينتبه من أفكاره الخاصة فمال برأسه قليلاً ورسم ابتسامة هادئة وهو يخبرها
"انتظركِ .. لي حديث مطول معكِ"
ألقت نحوه نظرة عابرة بطرف عينيها .. ثم عادت تلقي حذائها أرضاً ترتديه برتابة وهو تقول بهدوء "ليس بيننا شيء يستدعي الحديث أو حتى التطويل يا جلاء .. كل ما بيننا انتهي قبل أن يبدأ"
تخلى جلاء عن هدوئه الظاهري فأنزل قدمه على الأرض واقترب نحوها بتمهل وهو يجيبها بإصرار
"بل هناك الكثير .. وأنتِ تعلمين هذا .. أنا أريد أن أوضح موقفي"
رفعت آيتان رأسها عندما اقترب منها إلى حد خطر كانت تحرص خلال الاسبوع الماضي أن لا يحدث .. عيناه عليها بنفس النظرة القديمة وكأنه يحرص على أن يترك تأثيراً خاص به وقد فعل .. حاولت ألا تتوتر ولكنها لم تستطع أن تداري تشنج صوتها وهي تقول
"لا لن توضح أي شيء لي .. كل ما بيننا انتهي ليلة أن تسببت أنت في وئد حلمي في مهده"
للحظات لم تدرك مدى تعلق نظراتهم ببعضها بغير تنازل .. كلاهما يحدق في الاخر بما يشبه التحدي .. لطالما كان جلاء يترك ذلك الأثر فيها بطريقة لم يسبق أن احستها في حياتها قط .. بنظراته المتوحشة وكأنه يبحث عن شيء ما فيها .. عن سبب يجعله يتغذى على روحها هي دون باقي البشر .. حتى وسامته الخشنة رغم شقرته الفرنسية وكأنها اعلان سافر يؤكد أن تلك البلد التي انتمى اليها جلاء لم تطبع داخل عقله افكارها المتوحشة ولكن ملامحها الباردة.
انتفض شيء داخل قلبها وهي تتذكر ما عاشاه كليهما هناك .. ورغم كل ما كان منه إلا أنها تدرك أنه كان الحدث الحقيقي الوحيد في قصتهم.
ابتسم ابتسامة جانبية صغيرة جعلتها ترتعد وتوقن أنه عرى روحها ليكتشف ما تخبئه داخل عقلها .. ابتسامه ضارية كانت تأكيداً على نظرتها فيه .. أحالته لكائن غير آدمي ..كائن مفترس متوحش يعيش ليصطاد ويقتات على أرواح الأخرين ، ربما يعوض جزئه الذي نقص وعاناه مع والديه.. احست بالشفقة عليه لوهله وهي ترى في عينيه العسليتين كل تلك المشاعر السلبية المرارة والغضب كنمر جريح حُبِس داخل قفص دون أن يهتم احد بسؤاله ما الذي يؤلمه .. جلاء كان ومازال تائهاً لا هو قادر على الاندماج معهم ولا هو يعرف من الاساس ما هو طريقه ؟!
كان دورها أن تقطع سيل النظرات والذكريات التي تتدفق دون رحمه فهتفت بدون مقدمات "لماذا عدت .. ومتى تغادر؟"
أجفل جلاء للحظات من فظاظتها فعقد حاجبيه وهو يقول عابساً
"لم أكن أعرف أن وجودي يسبب لكِ الألم هكذا .. حسنا ربما أنا سأبقى ولن أعود هناك"
لم تتأثر البته بتلميحه وهي تقول ببرود "وجودك من عدمه صدقني لا يحرك فيّ مقدار شعره واحده ولن يفرق معي يوما، أما عن بقاءك فهذه كذبة ابريل .. سرعان ما ستشتاق لحياة التشرد التي كنت تحياها"
نظر لها ملياً قبل أن يقول بهدوء دون أن تفارقها عيناه
"حياة التشرد استطيع أن احصل عليها في أي مكان .. كما أن عزيز بك اعلن عدم رغبته في وجودي قبلكِ .. لذا أعتقد أن أسباب نفيي سقطت وأستطيع البقاء إن أردت"
أطبقت فمها بقوة تكافح للسيطرة على مشاعرها الملتفة!! فأخبرته بتهكم
"لم ينفيك أحد بل نفيت نفسك بنفسك …ولكن أحب أن أعلمك إن كان عمى العزيز يقبل بك عالة في المنزل .. فأنا سأرفض وبشدة"
همس وكأن ما تقول يصدمه
"ما عدتِ تريدين صحبتي ..لما كل هذا العداء منكِ؟"
تمتمت وهي تنزع عيناها بعيداً عنه تحجب وجعها الخاص وهي تخبره
"وجودك من عدمه كما اخبرتك لن يفرق معي في شيء .. كل ما هنالك أنى غير مستعدة للملمت كوارثك ورائك"
لاحظت أن جسده الضخم يتشنج وكأن فكرة هروبه مرة أخرى راودته مراراً وتكراراً خلال الاسبوع الماضي حين كان يتأرجح بين اللهفة والاشتياق والرفض مما يقدم عليه .. فأخبرها بغموض "وإن وعدتكِ أن لا افعل .. إن قدمت كل فروض ولائي وأصلحت ما خربته في الماضي ..فهل تتقبليني مرة أخرى؟"
أشاحت بوجهها عنه وكأنها تمنعه من قراءة عيناها التي ومضت ببريق مخيف سرعان ما خبئ .. ثم ما لبثت أن قالت بنبرة جافة
"بالطبع يا جلاء سأكون من السذاجة إن صدقتك .. قبل أربع سنوات أنت كنت الفتى الرائع الوسيم الهادئ الذي يفعل كل المتوقع منه وفجأة وبدون مقدمات هجرت وخدعت .. هل تذكر رسالتك التي ارسلتها لي قبل موعد عقد قراننا بساعات؟"
سريعاً وكأنه يتهرب من الذكرى أخبرها بصوت اجش
"كانت غلطة لم تكوني أنتِ المقصودة بها"
افتر وجهها عن شبه ابتسامة ميته وهي تخبره "خطأ كلفني كل ما اجتهدت عليه .. رعونتك دمرت اهلك من بعدك"
صمتت لبرهه تأخذ نفساً محترقاً قبل أن تقول بنبرة خالية من أي تعاطف "على كل لا تهتم أنا أسفة من اجلك .. لم يكن من المنصف أبداً أن يجبرك عمي على الزواج منى"
نظر لها من بين رموشه الكثيفة بينما العسل في عينيه يحترق .. فاقترب منها أكثر يمد يده يمسك بأحد خصلات شعرها الشاردة لم تجفل من فعلته ولم تهتز حدقتيها بدت وكأنها تمثال من الحجر لا يشعر ولا يتأثر حتى وهو يخبرها بنبرة أودع كل صدقه فيها
"لم يجبرني احد على الارتباط بكِ عامين كاملين .. ورغم تحفظ علاقتنا في بدء الامر وبُعدي عنكِ ..إلا أن أخر فترة كل ما عشته معكِ وأخبرتكِ اياه كان حقيقياً للغاية ..كان يخرج من قلبي لقلبكِ دون حساب أو تفكير"
من وراء نبراته الصادقة كانت قادرة على رؤية خداعه وكذبه .. هدفه من محاولة التقرب منها فقالت بهدوء متهكم عكس النيران التي شبت بداخلها "ولكنك اكتشفت أن كل هذا وهم وسراب وتكرار والدك الامر على مسامعك هو ما أوهمك أنك ترغب بالارتباط بي .. لذا حررتني منك لمصلحتي وهربت هائماً على وجهك .. أليس هذا ما تركته لي في خطابك جلاء؟!"

للحظات لم يمنحها الرد .. إذ اخفض رأسه بعيداً عن مرمى نظراتها اللائمة المتألمة .. وبدون مقدمات أو توقف للتفكير كان يلقي طلبه كحمل ثقيل عن كاهله يريد التخلص منه .. حتى وهو مازال متنازع الفكر بين الأمل في قبولها وبين رفض الفكرة والهروب بعيداً عنهم مرة أخرى "ندمت يا آيتان وأدركت خطأي في حقكِ ..أريد العودة والتكفير عن ذنبي"
قالت بنفاذ صبر
"حسنا مرحباً بعودة الابن الضال ما الذي تريده منى تحديداً؟"
لم تنتظر الرد إذ إزاحته بنوع من الحدة من كتفه وهي تمر من جانبه تغادره .. بخشونة رفع يده يثبتها مكانها ومال برأسها قليلاً للوراء يضع وجهه امام وجهها وهو يقول بنبرة أجشه خافته "أريد أن اتزوجك آيتان ولن اقبل برفضكِ مهما كانت أسبابكِ"
https://up.movizland.online/uploads/135878340710.gif


الأسيرة بأفكارها 30-10-19 01:35 PM


الفصل الثاني
https://up.movizland.online/uploads/135878340710.gif
وقد فعل ……
ابتسمت آيتان بملامح مبهمة وهي تعاود التحديق لنفسها في المرآه ..هامسه لنفسها "لا اصدق أنكِ سمحتي له بفعلها ؟!لقد كسب جلاء رهانه وتزوجكِ بعد اسبوعين فقط"
عادت تشمخ بذقنها .. وابتسامتها تتلاشى من على وجهها تتأمل بجمود تسريحتها الانيقة أعلى رأسها التي رفعتها ببساطة وانهتها بعقدة جميلة على هيئة جناحي فراشة .. شاردة كانت تعود لهمسها الأحادي
"فراشة يريد حرقها للمرة الثانية بزواج يرضي به والده ليحصل على صفقته ويعود سريعاً لامرأته المتشردة مثله"
سيطرت على دواخلها سريعاً .. بينما تبتلع ذلك الألم الذي يبعثرها لشظايا امرأة أحبت بأمانة فخُدِعت .. همست لنفسها بإصرار وهي تعود تتأمل فستانها الابيض الجميل والملتصق على جسدها اللين بإغراء ..فستان احتفظت به لأربع سنوات ماضية منذ ليلة عقد قرآنها المشؤمة .. فستان زفاف مماثل لثوب أخر رقصة لها على مسرح البالية ..لا يختلف عنه في شيء إلا بذيله الطويل ..الحياة معركة يا آيتان لا نتوقف عن القتال فيها.. وأنتِ ضربتِ أول مسمار في نعش جلاء"
سواد عيناها عاد يومض ببريقه المتشفي المخيف بينما تضع أخر لمسة من زينتها الخفيفة …تتذكر كم عانى الأحمق وهو يتبعها في كل مكان يقدم ندماً حقيقياً يلحقه باعتذار ويكرر طلبه في الزواج منها ..انطلقت ضحكاتها بقوة وهي تتذكر وجه جلاء الذاهل المصدوم عندما تم عقد القران بالأمس .. فأتى يريد طبع قبلة مباركة على خدها فمنتعته هي ببساطة مخبرة إياه أن الوقت لم يحن بعد فلينتظر هديتها المميزة.
بهدوء مدت يدها نحو هاتفها وخطت عليه أول رسالة بينهم منذ رسالته التي حطمتها .. أول خطوة حقيقية في انتقامها.
…….
"لا أصدق أنك عدت إلينا أخيراً لتأخذ دورك الطبيعي حبيبي بدل تلك الحياة الصعبة التي كنت تحياها"
أخذ جلاء نفس عميق وباسم الوجه والتفت لأمه .. قلق القلب والضمير أيفعلها للمرة الثانية بها؟ ضميره يجلده .. كيف وافق عزيز العاشوري على تلك الصفقة؟ بل ما الهدف من ذلك الزواج؟؟ أيعقل أن يطلقها بعد عام واحد أم يتمسك بها ويجمعها بدجينة ؟!
"يا الله .. ما هذا الهراء الذي يتفوه به؟!هو لا يحب القيود و يكره النمطية ..هو لم يرد الزواج من الاساس ليجد نفسه بين يوم وليلة مجبراً لإنقاذ دجينة على الزواج وربط آيتان باسمه من أجل هدف والده .. أم ربما هو يكذب على نفسه وذلك الهوى القديم عاد يداعب عقله؟!
قالت آمال بقلق عندما استشفت كم المشاعر التي تتعاقب على وجهه
"ما بك حبيبي ؟؟جلاء ارجوك آيتان لن تتحمل أية حركة مجنونة منك"
عبس جلاء وهو ينظر لها قائلاً بحيرة "عن أية حركة تتحدثين أمي؟"
بتردد اخبرته
"وجهك لا يبشر بالخير جلاء ..لا أرى فرحة عريس على وجهك"
أشاح جلاء بعينيه بينما كان شبح أخر مزعج يتربص به .. ينتهز الفرصة لينهش بمخالبه مدمراً ما تبقى له من ضبط نفس "ماذا لو آذاها مرة أخرى ؟!وكيف يستطيع أن يضع عينه في عينها وهو يعرف أنه تزوج منها للوصول لأخرى؟"
وكأنها كانت تقرأ أفكاره عندما أعلن هاتفه عن وصول رسالة جديدة
"مرحباً جلاء .. مبارك عليك أنا زوجي العزيز ..هل قرأت شروط عقد الزواج جيداً ؟؟"
انقبضت معدته للحظات بينما عضلة بجانب فمه ترتعش بينما يرسل لها
"مرحباً حبيبتي .. بالطبع قرأتها ولا أعتقد أن لها قيمة ..انتظركِ"
قامت آيتان بالرد سريعاً مختصرة "لا هي مهمة جداً عزيزي لأني لن أتنازل عن شرط واحد منها عندما تطلقني"
شعر جلاء بذبذبات الخطر أن شيئا ما خطأ يحدث في تلك المعادلة .. سألها بحرص عبر رسالة أخرى "عن أي طلاق تتحدثين ليلة زفافنا يا آيتان؟ لم يكن هذا أبداً ما اتفقنا عليه عندما تحدثناً مطولاً في مكتبكِ"
ضحكت آيتان على الطرف الأخر دون مرح قبل تكتب له أخر رسالة قاسية كاشفة له من فيهما كان الأحمق والضحية والذي وقع في فخ ساذج حاكته هي بنفسها لتلف حول يديه التي تطالب بالحرية أول قيد من قيودها الوحشية!!
……………………
انقبضت معدته عندما أطل خيال عروسه أعلى الدرج وكل عضله فيه تتحفز عندما ظهرت أخيراً تتهادى بخيلاء .. شعر أسود حريري تتركه خلف ظهرها ..ترفع خصلتين طويلتين تشبكهم بدبوس فضي اللون على شكل فراشة رقيقة يتناسب تماماً مع جمالها الوحشي البري .. كانت تبدو ككائن خرافي أتى من قصص الأساطير اليونانية ولكن كائن مخيف يتحداه بعينين سوداوين رغم براءتهم لكن واثقتين مرعبتين متوعدتين ..ببرود جليدي أومأ لها بوجهه رافعاً حاجباً واحداً قابلاً التحدي رغم الألم الداخلي الذي عاد يحطم املاً بسطوة كان يتعشم فيه قلبه ..نسخة والده في أنثى تهادت وهي تهبط السلم درجة درجة ..وابتسامتها الشرسة تزداد أنفة مثيرة للإعجاب ..لقد كسبت أول جوله .. عروسه العتيد ظفرت بأول نصر في المعركة وأجبرته على الزواج منها عبر خطة ولعبة لم يدرك أبعادها إلا عندما أرسلت له تلك الرسالة والتي كانت كصفعه على وجهه .. تباً ! لقد أجبروه على ما أرادوا ..مازال في صدمته ولا يصدق أن آيتان هي من رسمت تلك الحبكة لتوقع به لماذا ؟؟!لما رمت نفسها في أمر تعرف عاقبته؟ همس بسخط وغضب داخلي صاخب ولم يسمح أبداً لمشاعره أن تطفو على صفحه وجهه "حسناً آيتان سنرى من سيبكي ندماً في نهاية اللعبة التي بدأت للتو ؟!"
وصلت آيتان لأخر السلم ترفع حاجبيها قبلت تحديه .. رفعت الخمار الرقيق بنفسها دون أن تنتظره ليفعل .. دارت خفقان قلبها السريع وأخذت نفساً عميقاً سحيقاً ترد على رسالته غير المنطوقة "أنت الخاسر جلاء وها انا أعلنت أول دفوف حربى , سأجعلك تندم على ترك زفافنا قديماً وهروبك مستغلا ضعفي وصغر سني , سأنزعك من قلبي وأنحيك عن ذلك العرش الذي احتللته وأنت غائب وحاضر, أنا من ستضع كلمة النهاية...وأنا من ستحقق النصر وجلائك عن تلك الأرض بغير رجعه, فستاني الابيض الذي اعتقدت أنى أرتديه كصك عبودية أخر لك ما هو إلا لون الوهم الذي سيزيد صراخك ويحتل ألوانك ويضرب بفرشاته الوحشية لوحاتك .. ولن تستطع أن تعبر أبداً عن مقدار الألم الذي سأطعن قلبك به"
أظلم وجه جلاء وهو يقترب منها .. يمد يده ينوي سحب يدها تحت ذراعه فنطقت بخفوت جاف مراعية الحضور الذي يراقبهم من بعيد عند باب القاعة المفتوحة
"انتظر خالي سيقدمني لك يا ابن الأصول .. أم أن الفنان الهائم لا يعرف التقاليد؟"
امتزج الظلام بالغضب بخط ملامحه الوسيمة ثم ما لبث أن قال
"خالكِ المفلس الطامع الذي يريد أموالكِ .. وأنتِ الساذجة التي تريد الحماية من خططه؟"
وجه بملامح شرقية خشنة وجذع عريض فارع أطل من وراء كتف جلاء يخبر آيتان بأريحية "أرى أنه لا يستحق أبداً تشويه سمعتي بأني مفلس آيتان .. ليكن في حسابكِ أنتِ مدينة لي بخدمة"
بسط كفيه بعجز مصطنع امام جلاء المصدوم "اعذرني أنا صريح حد الوقاحة أحيانا ولكن أنت تستحق ما فعلوه بك، تعلم أن الخال والد ويجب على مساندتها"
لقد وقع في عصابة بقيادة والده!!هل يضرب بعرض الحائط كل شيء الأن ويرمى يمين الطلاق عليها رداً لما فعلوه ويحطمها هذه المرة الى الابد؟!!
وكأنها استشفت ما يفكر به فاقتربت منه هذه المرة بنفسها قائلة بصوت منخفض وبارد مشبع بالعزيمة المشربة بالحسرة
"عن أية فعله تتحدث يا "آصف" هل تعتقد أنه مهما أصلح جلاء من أخطائه سيستطيع يوماً أن يعوضني ثمن قدمي التي شوهت وموهبتي التي فقدتها الى الأبد؟"
نظر لها جلاء بتوتر والصمت عم من حولهم طويل و مرعب .. ثم ما لبث أن قال بتردد "عن ماذا تتحدثين بالضبط ؟؟ ألم تتركِ رقص الباليه من اجل عمكِ؟؟"
اقربت منه آيتان خطوة اخرى بينما خالها يراقبهم بصمت ووجه صامت التعبير غير مفسر بينما قالت هي بصوت خفيض "لا جلاء لقد رقصت رقصتي الاخيرة على الأشواك وتناغمت درامية حركاتي على شظايا زجاجك الملون المكسور الذي رميته تحتي فأدميتَ قلبي وسلبتني أخر رمق لي في التحرر عبر ألواني الخاصة مثلك"
……………………….
ربما زفافهم الفخم والذي أقامه والده بهدف المظاهر الاجتماعية كالعادة .. كان زفافاً أسطورياً يتمناه أي شاب ولكن لما لم يشعره بأي بهجة؟! لا هو ولا عروسه التي ترسم ابتسامة مقتضبة خالية من الحياة على صفحة وجهها الجميل .. قاما بأداء رقصتهما مجبران وكانت خالية من الروح والمشاعر .. حسنا ربما هي لم تتأثر ؟! لكنه أصابه التوتر ليعترف لنفسه آيتان مازالت تترك فيه ذلك الشعور الغير مرغوب فيه أبداً!!
"أنا سأنام التجهيز للزفاف كان متعباً بشدة وتنظيم قوائم الاسماء بكل رجال الأعمال هؤلاء كان يحتاج جهداً إضافي ..أرجو فقط أن يكون أتى بثماره لعمي"
أجفله صوتها البارد حقاً ليخرجه من دوامته الخاصة .. تحرك جلاء وغضبه أخيراً يتحرر من قفصه الذي روضه فيه خلال الساعات القليلة الماضية فاقترب منها دون تفكير وقبض على ذراعها بغضب وهو يسألها بنبره منخفضة خطيرة "أنتِ متواطئة معه ؟!أنتِ من جهزتِ تلك الخطة الغبية لتوقعي بي ..لتفرقيني عن المرأة التي وعدتها بالزواج حقا ً..لماذا؟؟"
علامة استفهام خرجت صارخة غاضبة بينما عيناه تطلق شرراً متوعداً كأنه نمر بري وجد نفسه فجاءة محشوراً داخل شباك صياد ماهر وأدرك بعقله أن لا خلاص!"
حاربت لتتحرر منه ..شهقت مذعورة لوهله وهي تراه يحاوطها بجسده مرجعها للخلف إلى أن سقط كلاهما على الفراش ..عيناه المشتعلة كشمس يوم صيفي حار أتى برسالة من جهنم جعلت للحظة لحظة واحدة الخوف يتملك منها ..يداه القاسية كانت تُكبل كلا يديها التي قاومته فوق رأسها بينما يقول بنبره أكثر خطورة
"قديماً أدخلكِ عزيز في اللعبة ولم أتردد لحظة لضره فيكِ ..فأخبريني الأن ما الذي يمنعني من تدميركِ آيتان ..أن اتشرب روحكِ كما سأنتهك جسدكِ!!ثم أطلقكِ ليلة زفافكِ وأعود من حيث أتيت وهذه المرة فضيحتكم ستكون الى الأبد ؟؟"
احساسها بيده وثقل جسده القاسي فوقها وكلامه الفج المتوحش يخترق أذنها جعل أحاسيس مجنونه تتصارع داخلها وتجعل كل تماسكها يطير في الهواء .. لقد كان قريباً منها للغاية .. قريبا إلى حد جعل قلبها ينتفض بخفقان عنيف جعل أنفاسها تتلاحق ..أخبرته من بين أسنانها
"جبان مجرد طفل أحمق ..جبان لا يجيد إلا الهروب وكلنا يعلم أنك لن تستطع فعل شيء أو أن تأخذ مني ما لا أريد منحك إياه"
لوى فمه باستمتاع بينما يحجب ألماً من نوعٍ أخر ..ألم الوحيد المتسبب به هو عزيز العاشوري!! شفتيه لمست أذنها وهو يخبرها بخفوت
"هل تراهنين أنى لن أستطع اخذ ما أريد منكِ ؟! أم هل أذكركِ بما كان منكِ أخر ليلة بيننا في باريس؟"
أطلقت شهقة خافتة فضحت ذكرى لم ينساها كلاهما فأغلقت جفنيها لثواني معدودة تحاول أن تسيطر على قلبها الخائن وقنواتها الدمعية الغبية حتى لا تبدي أي رد فعل آدمي أمامه ..فتحت عيناها السوداوين سريعاً لتخبره من بين أسنانها "ابتعد عني جلاء ..صدقني لن يفرق معي كونك تنال منى أي شيء أم لا ..أما عن طلاقك مني فالشاة لا تذبح مرتين ..مرتك الأولى كانت أكثر من كافية ..أما هذه المرة لن يذبح أحد إلا أنت ودجينتك الغبية, هل تعتقد أنى وضعت تلك الملايين في عقد الزواج من أجل مظاهر اجتماعية ؟ بالطبع لا بل لأطاردك بها وأزج بك في السجن لعلمي أنك وصعلوكتك لا تملكان حتى قوت يومكما"
تمتم: "توقفي عن استفزازي ..أنتِ الطرف الضعيف هنا"
أجابته بقوة تنبع من داخل ذكرياتها القديمة
"كنت يا ابن عمى الطرف الضعيف الساذج ..ولم أعد بفضلك"
قال هو بقسوة "نعم ..علمت هذا جيدا تحولتِ لنسخة أنثوية من عزيز ..أضعتِ نفسكِ بحجة أني السبب"
لا فائدة إنه يتغابى ..يحاول نكران ما سمعه منها أمام باب القاعة .
"ابتعد عني جلاء لأنني لن أتردد لحظة بضربك بأي شيء تناله يديّ"
فقال بصوت عميق بارد "ما الذي يجبرني على عدم أخذ حقي من الصفقة؟"
أشاحت بوجهها بينما تحاول تناسي رجولته الفجة الطاغية التي تشعرها بأنوثتها المدفونة منذ أربع سنوات مضت ..بعنفوان كانت تنفض مشاعرها المتناقضة جانباً ولم يطل الصراع بين جسديهما المتشابكين قبل أن تُجبر ساقيها أن تتفاعلا مع يديها وتُزيحه عنها بقوة ..فلتت من تحته بصعوبة ووقفت بعيدا عن الفراش تخبره من بين أنفاسها المتصارعة بغضب
"انا أجبرك ..أنت لن تنل مني شيئاً"
صمتت لبرهة قبل أن تقول بجمود لا يضاهي النار المشتعلة في صدرها والمرار العميق الذي ينهش قلبها دون رحمة
"ودجينة تمنعك ..لن تكون سعيدة إن علمت أن امرأة شاركتك الفراش قبلها ..وأنت كعاشق يقدم على المستحيل من أجلها بالتأكيد لن تقدم على أذيتها"
اعتدل جلاء وتقدم منها يقف أمامها يكاد يلامس رأسه المنحنى رأسها المرفوع بتصلب شامخ فقال بغموض بارد "ومن سيخبرها ؟؟مجرد صفقة أُجرِيت من أجلها ..وهي من الذكاء والثقة بي لتدرك هذا"
أطرقت آيتان بوجهها وهي تقول بصوت باهت محترق لم تستطع أن تداري الوجع بين طياته
"المرأة تعلم ..الحبيبة تشعر جلاء"
صمتت تسيطر على مشاعرها قبل ان تضيف بتهكم
"وأنت لن تُسبب لها هذا الألم صحيح؟!"
لم تفهم سر شحوبه وهو يقول "نعم صحيح تماماً الحبيبة تشعر وتعلم"
استدار مغادراً دون كلمة جدال أخرى ..ثم ما لبث أن التفت برأسه يسألها "مازالت لم أفهم سر لعبتك للزواج آيتان إن كنتِ لا ترغبين باستمراره ..ومازالت أريد أن أعرف كيف كنت أنا السبب في اعتزالكِ لشغفكِ؟!"
الغضب تصاعد بداخلها تدريجياً فقالت بنبرة شرسة
"أخرج من هنا وكف عن الكذب ..أتريد إخباري أنك لم تعلم بسقوطي الشهير عن خشبة المسرح عقب ما فعلته بي ؟!!"
…………
كانت تلتف حول نفسها بجنون غاضب عقب خروجه من غرفتها وتوجهه لغرفة أخرى ..كانت قد أعدتها زوجة عمها كغرفة إضافية ليس لها معنى او ربما أمال هانم تعرف جيدا أن لا فراش سيجمعهم سويا ..ولكن بسلبيتها المعتادة تتهرب من الحقيقة ..بالتأكيد لن ترد للخدم اكتشاف أن العريس لم تسمح له عروسه بلمسها ..على كل حال هذا الجناح المنفصل عن باقي المنزل هو أفضل حل لتلك المرحلة ..تخلصت من فستان زفافها بالفعل وارتدت منامة خفيفة عملية ..شرعت في فك عقدة شعرها وهي تتوجه للفراش أخيراً فجذبها صوت جلاء المنخفض آتياً من خلف الباب المتصل لغرفهم ..فضول القطط أجبرها أن تقترب وتحاول أن تفهم مع من يتحدث بعد تلك المواجهة بينهم وليتها لم تفعل ! خنجر من الصخر المسنن كان يطعن صدرها بقوة يشطر قلبها نصفين وليته خرج منه بسلام بل ترك تلك الشظايا من بقاياه داخل فؤادها المحطم كأنه يقسم أن لا يمنحها السلام يوماً حتى وإن شفت غليلها منه ..كان صوت جلاء رقيقاً مهادناً وهو يخبر الأخرى
"دجينة أرجوكِ لا تحزني ..ألمكِ يقتلني حبيبتي ما قرأته على شبكة التواصل محض مبالغات وخيالات ..زواجي من آيتان مصلحة وصفقة أجريتها مع والدي ..خلال وقت قصير سأكون عندكِ وأتمم زواجناً حتى نتخلص من عقبة أهلكِ إلى الأبد ..فقط عديني أن تظلي في مأمنكِ بعيداً عن يديه اتفقنا"
ما بال الدنيا تظلم في وجهها هكذا ما بال الوجع المرير يصر أن لا يترك صدرها يوماً ..أن تعرف أخباره وما يفعله شيء ..وأن تسمع بأذنها وصفها في نظره شيء أخر ..كانت ترتعش حرفياً وهي ترفع غطاء الفراش وتندس تحته وهي تخرج هاتفها تضغط على رقمه وكأنه كان يتوقع اتصالها وهي تقول مباشرة بنبرة مهتزة "يحدثها خالي ..يصبرها على ارتباطه بي .. ينكر أنه يعلم بدماره لي ..آصف أنا أتألم"
على الجانب الآخر كان آصف يحاول أن يداري ذلك الغضب البارد ثم ما لبث أن قال
"وأنا أخبرتكِ آيتان أن لا فائدة من تلك الخطة الغبية التي رتبتيها مع عمكِ ..كان يجب أن ترميه وراء ظهركِ ..تنسيه و تبدأين حياة جديدة"
تعلم جيداً أن علاقتها بخالها لم تكن يوماً إلا صداقة قوية صريحة دون حتى مجاملات ولكنها الليلة تشعر بالوهن والضعف، تخرج من تلك القوقعة للمرأة الجليدية والحديدية الشرسة التي تنتزع صفقاتها من أشرس حيتان رجال الأعمال ولكن عندما يصل الأمر لجلاء كل حساباتها تنقلب وتتغير
بدون تفكير قالت
"أريد أن أؤلمها ..أريد أن أوجعها هي الدخيلة ولست أنا"
لطالما كان آصف رجل التحديات والمهام الصعبة ..لم يحفر في الصخر من بداية شبابه في الغربة إلى أن كون ثروته بالسهل أبداً.. بل كان عليه أن يحارب حضارة وشعب ومنافسين شرسين ..لذا إن لعبة خضراء العينين كدجينة ما هي إلا متشردة بغيضة تُعَد وجبة خفيفة .. سيقتلعها من حياة ابنة اخته إلى الأبد ويستمتع بتناولها وهي تنتفض بين يديه رعباً!! لذا رق صوته هذه المرة وهو يخبرها "ما حدث مؤخراً كان كثيراً على اعصابكِ صغيرتي وأنتِ بشر لذا طبيعي أن تهتزي الأن وتفقدي إيمانكِ بما تفعلين ..لذا أريدكِ أن تنفضي رأسكِ الأن من كل ما سمعتي وتخلدي للنوم."
حاولت توضيح نفسها وهي تقول بوجوم "خالي أنا لست ضعيفة ولكنى .."
اسكتها وهو يقول "أعرف آيتان ..أريدكِ ان تتذكري أنا دائماً في ظهركِ ..ولكن انتظر منكِ أن تعلمي ما تريدينه من ذلك الجلاء أما الصعلوكة الأخرى فسأخلصكِ منها الى الأبد ..أعدكِ بهذا"
……………………………
اغمضت آيتان عيناها أخيراً تحاول الاسترخاء ..حسناً كما قال صديقها الغالي وخالها الحبيب هي بشر وتحتاج لهدنة ..فاصل ولو ليلة واحدة حتى تستطيع المواصلة فالقادم مع جلاء أسوأ .
وما إن أغلقت عينيها حتى عاد القلب الخائن يتضامن مع الجسد المتعطش لأحضانه يذكرها بقسوة معنى أن يلمسها رجل كجلاء كان يجسد كل احلام المراهقة وذكريات الشباب ..وفوراً لا ارادياً كأنها تعزل نفسها عن الواقع ..كانت ترحل لعالم موازي ..ذكرى منذ أربع سنوات كاملة ..ذكرى جلبت دموع أحرقت عينيها ..فرحبت بشدة أن تستسلم للبكاء ..لأن تدفن نفسها وتتلاشى بعيداً عن الحمل الذي ألقي فوق كتفيها ..عن سلاح الانتقام الذي تصر عليه هي نحو هدف محدد .
……………………………….
باريس قبل أربع سنوات:
شارع الشانزليزيه الشهير..
كانت تتراقص حرفياً على أطراف أصابعها وهي تتقافز حوله ..بخفه ورشاقة لراقصة باليه شابه لم تتوقف يوماً واحداً عن التدريب منذ أربع عشرة سنة مضت كما أخبرته بانطلاق مرح
"سيقتلك عمي إن علم بتسللنا."
مد يده يقبض على يدها وهو يقول بجفاء "أنتِ خطيبتي رسمياً الأن وليس من شأنه أبداً كيفية إدارة علاقتي بك"
لم تكن حالتها الحالمة آن ذاك تسمح لها بأن تنتبه للنزاع الداخلي الذي يعانيه ..فهزت كتفيها بذات المرح تخبره "ولكنه اخبر والدتك أن نقوم بشراء فستان الزفاف فقط ولا تدعك مطلقاً تنفرد بي"
توقف جلاء عن المشي فأجبرها أن تتوقف معه وتنظر له بتساؤل قبل أن يسحبها مرة أخرى نحو زقاق ضيق صغير يقع بين أشهر محلات الشانزليزيه (ديزني للألعاب ومعرض شركة سيارات المرسيدس العالمية) عندما ألصقها بالحائط يحاصرها بجسده وأحد ذراعيه تستند بجانب رأسها ..فأخبرته مرتبكة "ماذا هناك ؟ ابتعد عنى جلاء"
في هذا الوقت كان جلاء يلتزم بكل أوامر والده بيأس وقنوط فقط يتبع أهوائه وما يخططه له دون أدنى مقاومة ..لم يكن حتى يريد أن يقاوم الرجل الجاف البارد الذي دمر طفولته ..وحكم على مراهقته وشبابه بالقيود المميتة ..حتى زواجه وشريكة حياته لم يمنحه الفرصة لاختيارها بل فرض عليه آيتان فرضاً وهي طفلة لا يتعدى عمرها السابعة عشر بحجة أنه الضمان والأمان لها بعد وفاة والديها في ذلك الحادث ..أخيراً طلب منها الرد سائلاً" بمن تهتمين يا آيتان علاقتكِ بي أم بغضب والدى ؟من منا هو أول أولوياتكِ؟؟"
عبست دون فهم حقيقي لمقارنته الغريبة ولكنها اجابته بحنكه "كليكما أهتم لأجله ..ورغم حرصي على غضب عمي ..ولكني ايضاً لم أرفض دعوتك للتسلل من وراءهم"
صمت للحظات طويلة قبل أن يقول "لماذا وافقتِ على الزواج بي؟"
السؤال الفج صدمها للحظات فتورد وجهها خجلاً وهي تتهرب من نظراته المثبتة عليها ..تلعثمت وهي تخبره مختصرة مستسلمة "لأنك …جلاء"
فسألها بصوت أجش "وماذا يعنى هذا لكِ آيتان؟ فسري لي"
عضت شفتيها بإغراء جعله مجبر أن ينظر لها بطريقة أخرى أجبرته هي عليها برقتها منذ وقت مضى رغم تجنبه لها في الماضي ورفضه لها داخلياً ..ولكن كل شيء تغير عندما أجبرته الاقتراب منها واكتشافها حقيقةً سمع صوتها يأتي خافتاً رقيقاً وهي تقول مكررة "أنك جلاء ..لدى هذا التفسير وحده يكفي حالياً"
وضعت يدها على صدره تحاول أن تزيحه فصدمه الذبذبات المشحونة التي صعقت كليهما اهتز جذعه الضخم بينما يبتعد عنها خطوات، فشعرت بنظراته تمسح وجهها ..تمشط جسدها ..بسروال جينز ضيق من الأزرق الفاتح وقميص أحمر اللون بدون أكمام والذي التصق بحناياها بدلال ..شعرها الكستنائي الناعم يستريح على كتفيها بحرية و نسمات من الهواء الرقيقة تداعبه لتشرد بعض من خصلاته الحريرية وتقع على شفتيها المكورتين كحبة فاكهة مغرية للقضم..
مد جلاء يده وكأن قوة لا ارادية تجذبه نحوها ليغرق في تفاصيلها وينسى تماماً أنها مجرد فرض أخر من والده! أعاد خصلة شعرها وراء أذنها بهدوء ومال وجهه نحوها ليخبرها بخفوت "أنتِ جميلة جداً آيتان ..وأرق من أن تتحملي القادم ..دائما ما انظر لك وأتساءل كيف لفراشة باليه مثلكِ أن تتقيد بقوانين؟!!"
علمت هدفه فور أن توقفت أنفاسه أمام أنفاسها المتلاحقة تأثراً بفعل كلماته التي تتلاعب على أوتار قلبها الذي احبه".
اختنق وجهها بالخجل وهي تحاول أن تبعده عنها هاتفة باستنكار "أنت يا جلاء ما بك اليوم؟ وعن أية قوانين تتحدث؟"
سريعاً كانت تهبط بقامتها وتنزلق من تحت ذراعه التي يثبتها ..وتخبره بمرح وهي تقفز على أطراف أصابعها
"هل ستختار معي فستان الزفاف؟؟"
ارتعش جانب فكه وهو يخبرها: "نعم قد أفعل"
فقالت بهمس
"والدتك تقول أنه فأل سيء ولكن معك لا يصبح شيء أبداً سيئاً"
راقبت كيف تحرك حلقه بصعوبة وملامح وجهه تتبدل بتلك النظرة الغامضة التي يحجب فيها نفسه عنها ..ثم ما لبث أن قال بنبرة خشنة
"ما رأيك أن نكسر جميع القواعد يا "بنفسجية" ؟"
عضت آيتان شفتها السفلة تردد باستفهام "بنفسجية!!"
عاد يقترب منها يلمس أطراف شعرها بشغف أفلت منه مرغماً وقال
"لدي مفاجأة لكِ ليلاً وسأخبركِ معها كيف أراكِ يا بنفسجية"
ابتسمت بخفر وهي تومئ موافقة وقلبها المسكين يغرد بنغمات الحب التي يتراقص عليها جلاء بغير انصاف ..سمعته يخبرها مرة أخرى
"ما رأيكِ في فستان زفاف غير تقليدي ..نمزج فيه لون البنفسج بلون البرتقالي والأزرق"
هزت آيتان رأسها بتعنت رافض وهي تخبره "لا اقتراح مرفوض جلاء ..بل أريد فستاني هو نفسه نفس تصميم أزياء رقصتي لبحيرة البجع"
أمسك وجنتها بين أصبعيه قائلاً بصلابة وبدون تفكير "اكره التقليدية والقيود ..آيتان أنا اخترتكِ وداعبت قلبكِ لأني اقدر بشدة ذلك الجزء المتمرد فيكِ الخارج عن المألوف فلا تغيري نظرتي لكِ"
ابتعدت عنه آيتان بلطف تمسك كفه بين يديها ثم اخبرته بثقه هادئة مسيطرة "تلك ليست قيود ولكنه حلم لكل فتاة .. تقليدي اجتماعي ننشأ عليه منذ الصغر ..وإن رغبت في شيء مثل باقي البشر هذا لا يعنى أبداً اني أرضخ للقيد"
صمتت للحظات ثم ابتسمت ابتسامة جميلة وضعت فيها كل رقه العالم وهي تخبره "كما أنى اخبرك بأنى سأضع فيه بصمتي الخاصة ..ليصبح يومي مميز رقصتي وحلمي مع فرقة ( البولشوى) وبعدها زواجي منك أنت ..ستصبح ملكي ولن تشاركني امرأة أخرى فيك"
نبرة التملك في صوتها ..تلك الغرغرة التي خرجت منها مرغمة فضحت ضعفها نحوه ..آيتان تعرف أنها لم تكن المرأة الاولى في حياته ..تعرف عنه اكثر مما يرغب وهذا ما أثبتته عدة مرات في أحاديثهم التي بدأت منذ شهور ولكن هذا الامر لا يزعجه لأنه ببساطة عاهد نفسه معها ألا يرتبط بامرأة سواها .. فقط هي من ستكون في حياته ..ولكن تلك النبرة التملكية جعلته يفكر ملايين المرات هل سيستطيع أن يحقق لوالده تلك النمطية التي يُسَيِر بها حياته؟ تلك القيود التي يلفها حول عنقه الى أن أصبح غير قادر على التنفس ..أحلامه تداعبه وعقل الفنان وتمرده يخبره بل ويأمره بالرحيل ..ولكن بقايا صوت باهت بداخله يجبره على البقاء …
ليلاً الشمال الغربي لحديقة "شامب دى مارس"
تحت برج "أيفل" مباشرة كانت تتلألأ بالبرج الضخم الأنوار بطريقة خطفت عقل آيتان ..فجعلتها ترقص طرباً بانبهار دون موسيقى ..بينما ضحكة خالية من كل صراعاته الداخلية ترتسم على وجهه ..الشغف هو ما كان يحيط بالأجواء ..فستان من البنفسج كان يزين جسدها البض بمنحنياته المثيرة جعلته يتساءل كيف لآيتان ان تجيد رقص البالية رغم أنوثتها التي تغوى قديس زاهد في النساء ؟!! رغم القاعدة المعروفة أن راقصات البالية يمتزن بالجسد الضئيل ولكن يبدو أن البنفسجية تكسر القاعدة.
التفت حوله وهي ترقص على قدم واحدة، ترتفع على أطراف أصابعها بينما قدمها الأخرى تتشابك مع ركبتها ويديها أمامها متشابكه الكفين لتوازن جسدها ..ادعت التذمر وهي تخبره "لا ترسمني بهذا الشكل ..أين ملامحي ..كل ما أراه الأن مجرد ألوان صاخبة"
تحركت مرة أخرى بالفعل من أمامه ..فأخبرها وهو يتأمل دورانها حول نفسها عدة مرات بخفه فراشة حقيقة ترفرف حوله وتقتحم حصون قلبه
"تلك هي ألواني ..لا يهم الشكل الموجود بالرسم ما يهم النقاء الذي سيصرخ من الصورة ..عنف التباينات لمن ينظر للوحة فيرى فيها صرختكِ ثورتكِ وانفجاركِ"
توقفت عن الرقص وهي تقول مدعية الريبة "انفجاري!! هل ستقوم بتفجيري لتحصل على لوحتك ؟! أنا اعلم أن الفنانين امثالك مجانين"
أخذ جلاء نفساً عميقاً مسيطر قبل ان يخبرها بهدوء "يكفيكِ انطلاق وحركة وفرى بعض من مجهودكِ للعرض ..تعالي اجلسي بجانبي"
جلست آيتان مكانها وسط البرج متربعة القدمين بتشابك ثم غمزت بعينيها وهي تقول: "لا المنظر هنا يعجبني تعال أنت"
اقترب جلاء منها وهبط بجانبها يرتكز على ركبتيه وهو يقول "نحن لسنا مجانين ..الفن والألوان فطرة تولد بداخلنا ..وقد يصدمكِ أن تلك الألوان التي تخرج عبر فرشاتي ما هي الا سطور نفسي ووجهة نظري بالعالم"
رفعت وجهها نحوه تسأله "وهل تعتقد أنى سأستطيع قراءتك يوماً؟"
أومأ بهدوء وهو يخبرها "نعم ..إن أردتِ ستستطيعين ..إن حررتِ عقلكِ وتركتِ العنان لقلبكِ ..إن تفهمتِ حاجتي لفني"
شردت قليلاً قبل أن تقول
"أنا اتفهمك ..لأنك الوحيد الذي تفهمت حاجتي لرقص البالية بعد وفاة والديّ ..عندما حاول والداك أن يبعدوني عنه"
تجهم وجه جلاء وهو يعود يمسك بالفرشاة الصغيرة ..يكمل رسمه بالألوان الحرة المباشرة ثم قال مقتضباً "نعم فعزيز يريد لكل من تحت سيطرته أن يصبح نسخ مصغره عنه"
رغم عمرها الصغير آن ذاك ولكن عقلها كان ناضجاً بما يكفي لتستشف تلك الهوة السحيقة التي بين جلاء ووالده ..لذا غيرت مجرى الحوار وهي تسأله "أنت قلت أنك تريد أن تصرخ رسمتي بالتباينية ..ما الذي يعنيه هذا ؟؟"
رفع جلاء وجهه بابتسامه رجولية جذابة وتلك اللحية الفرنسية تزيده وسامة فجة عنيفة على قلبها الصغير.
فأخبرها وهو يمد يده يضع شعرها وراء أذنيها ببطء وفرشاته الرفيعة مازالت عالقة بين إصبعيه السبابة والوسطى "التباينات اللونية ..تعنى التضاد والتنازع في الشخصية الواحدة أي إيجاد الشيء وعكسه"
عقدت آيتان حاجبيها وهي تخبره "ولكن أنا لست متباينة كما تدعى"
للحظات طويلة عيناه بشمسها المتوهّج تعلقت في سواد عينيها اللامع بالذكاء والفطنة حجرين كريمين ينتظران فقط من يمنحهما قيمتهما الحقيقة ..قطع الصمت متنازلاً أخيراً وهو يقول مؤكداً وجهة نظره "لا ..أنتِ متباينة آيتان ..بنفسجية الشخصية وصفراء الهواء ..وعندما يجتمع اللونان بداخلكِ دون أن يختلطا يحققان توازنكِ الداخلي الذي أستشفه"
عيناها المتوسعتين بانبهار أخبرته حقيقة أنها مأخوذة به ولكنها لم تفهم حقيقة ما الذي يعنيه ..حرك يده وشيء في بشرتها القمحية وملامحها الناعمة الجذابة حد الفتنه يستفز وحشيته فيه ليصرخ بألوانه فوق بشرتها ..مد فرشاته كمغيب يلون جبهتها مروراً بجانب جفنيها حتى وصل لوجنتها وهو يقول بصوت أجش خافت "بنفسجية "تأخذين من قوس قزح عنوانه لتطغي على باقي الألوان بداخلكِ ..امتزاج من ألوان الأحمر والأزرق ..طاقة الأحمر الروحية الحالمة التي تسيطر على قلبكِ ومشاعركِ نحو فنكِ وأنا...."
قضمت آيتان شفتها السفلى بين أسنانها تحاول كتم انفاسها التي علت تأثراً ربما يرحم قلبها الذي علت دقاته وأصبح يتقافز بصخب بينما فرشاته مستمرة في غزو وجهها يمررها على ذقنها ثم يصل لوجنتها الأخرى قائلاً بنبرة أخذت في الخشونة التلقائية
"أنتِ لديكِ قدرة على التناغم بين العقل والعاطفة وبين الفكر ..موهبتكِ أنتِ يا بنفسجية تعنى الحب الخالي من الأنانية، تمنحين دون شرط أو تفكير إن أردتِ ..تبدعين في أي مجال تكونين به"
صمت ونظرة الشغف في عسل عينيه تأخذ منحنى أخر فحاولت أن تقاوم سحره الطاغي الذي اغرقها فيه وقالت بتلعثم "لهذا استخدمت البنفسجي والأصفر في تلويني دون أن تسمح لهم بالاختلاط؟"
أخفض فرشاته بعيداً عنها والتقط بين أصابعه اللون الأصفر وعاد يعبث بوجهها دون قدرة له على التوقف أما هي لم تملك حق الاعتراض وهو يهز رأسه قائلاً بنبرة خرجت مختلفة مختنقة حارة
"نعم ..الأصفر هو نوركِ و بهاءكِ ..توهجكِ كشمس ربيعية حاره تسلبين اللب والقلب وتمنحين لمن يشاهدكِ الراحة النفسية الكبيرة والطاقة الروحانية رغم أن كلا اللونين متضادين"
انتهي من تلوين وجهها بالكامل كتلوينه السابق فأخفض فرشاته وأخذ وجهها بين كفيه وهو يقول بنبرة أشبه للتوسل المرير
"اياكِ يوما أن تسمحي باختلاطهم داخلكِ ..حتى لا تجعلي الرمادي يحتل وهجكِ وألوانكِ ..ابقي كما أنتِ آيتان ولا تتغيري ..حتى لو فرض الأسود علّيكِ يوماً طغيانه"
لم تجد ما تقوله ..كانت تشعر بالانبهار، العجز ،الحيرة و التعاطف ..ربما هي تحبه ،تفهمه وتشعر بوجعه الذي يتسلل باستحياء بين حروفه ..تكره رؤيته منصاع لوالده ..حارماً نفسه من بهجته وحريته ..منعزلاً عن فرشاته وألوانه ؟!
مدت يدها تمسك بأنامله تتلاعب بخاتم خطبتها في إصبعه واخبرته بوعدها "أعدك طالما أنت بجانبي لن اسمح للجانب المظلم أن يطول حياتي"
أحست بجسدها يرتعش وعيناها تنزلقان من وجهه الوسيم بملامحه الفرنسية ..إلى عضلات ساعديه القوية والتي كانت تتماوج بتناغم مع خَصرها الذي حاوطه متحكماً بها ..قبل أن ينحني برأسه نحو شفتيها وهو يقول "اعلم أن ما افعله خطأ ربما ستعنفينني عليه وتغضبين وتثورين ولكن لم أعد استطيع المقاومة آيتان أريد تقبيلكِ الأن وهنا في قلب برج أيفل حتى تبقى الذكرى في عقلكِ ولا تنسيها أبداً"
لم يمنحها الفرصة للهرب أو الاجابة بالرفض أو القبول ..لم تستطع استيعاب معنى قُبلة التي نطقها بكل لهفة وشغف العالم ..رأسه انحنى ليكتم شفتيها بفمه ..انتفضت في مقاومة فطرية لغزوه المفاجئ لها ..وأخذت قبضتيها تضربان كتفيه وصدره بخوف وخجل دون أن تتمكن من ابعاده ولو قليلاً ..أحاطت ذراعه الحرة يديها وثبتها على صدره وحرك يده لتثبت رأسها من الوراء اخذ وقته تماماً باكتشاف شفتيها ..الولوج لروحها ..ربما يومض نورها كاملاً داخل روحه وتحتل ألوانها قلبه تكشف له حقيقة انجذابه إليها ..تمنحه الاجابة المرضية والسبب القوي لرضاه بقيدها ..خلال لحظات استكانت بين يديه وأغلقت جفنيها ترتجف مستسلمة لقبلاته الجائعة المتلهفة الرقيقة والوحشية بتملكيه غريبة وكأنه يريد ان يوشمها باسمه ..ويكتبها داخل صدره بخط من نار شمسه.
تركها فجأة متقطع الانفاس وهو يهمس بحرارة "رباااه ..من أنتِ وكيف الطريق حتى انهي تبايني الداخلي نحوكِ ؟!
………………………..
الشهقة المكتومة بداخل صدرها خرجت عالية حارة غير مسيطرة بينما هي تعود لأرض الواقع القاسي ..الواقع الذي فرض نفسه بقسوة جلاء ..قًبلتها الوحيدة التي جربتها معه تحت أضواء باريس المتلألئة في الهواء الطلق كانت الأولى لإيقاظ أنوثتها والأخيرة لوأد تباينها المبهج كما وصفه..
"لم يلون حياتي بالرمادي إلا سوادك أنت جلاء ..وكما حطمت بداخلي كل أحلامي ..يجب أن توأد حريتك التي ضحيت بي من أجلها"
……………….
الصدمة كبلت الجميع كلياً وهما يرون المديرة التنفيذية للشركة
وذراع عمها الأيمن وعروس ابنه تخطو نحو مكتبها بأناقتها المعهودة ..تُلقي عليهم الصباح بابتسامة هادئة ..وكأن ما كان بالأمس فقط عشاء عمل دعت الجميع له وليس ليلة زفافها الأسطورية التي حضروها جميعاً!!!
فور أن دخلت آيتان مكتبها ..خلعت ذلك القناع جانباً ..وألقت بجسدها الذي لم يذق طعم الراحة في ليلتها المؤرقة الطويلة على كرسي مكتبها الجلدي ..رفعت مرفقيها تضعهم على سطح المكتب ودفنت وجهها بين كفيها ..تتذكر صباحاً عندما هبطت على درجات السلم تصحب معها ملفات عملها المعتادة وجهاز حاسوبها أجفلها للحظة جنون زوجة عمها الذي تصاعد ..هجومها تارة ومحاولة إقناعها بلين تارة ألا تزيد الفجوة بينهم ..تحشر في رأسها أن ذهابها للعمل صباح الزفاف لن يضر إلا بصورتها هي .. ولكنها تعلم أنه انتقام صغير ساذج ..ستترك الخيال للبعض عن سر هرب العروس باكراً من فراش العريس الذي عاد بعد طول غياب وقطيعة ..هنا في مجتمعه الشرقي العزيز لن تطول الاتهامات الا تقصير العريس الهمام ..عند هذا الخاطر استطاعت أن ترسم ابتسامة صغيرة متشفية على شفتيها...سيكون ممتع اتهام جلاء بالتقصير من تلك الناحية ..كما اشعرها هو بالنقص في أنوثتها!!!
فَتح الباب بعنف ثم إغلاقه أجفلها ..رفعت رأسها سريعا ليصدمها وجه أشهب الذي اعتلته الغيرة والعصبية متضامنين وهو يقول باتهام لاذع "توسمت فيكِ القوة والكرامة والعنفوان لكن صدمتي فيكِ أنكِ هشة ضعيفة ..لأربع سنوات الأميرة المسكينة تنتظر الفارس الهمام الذي لفظها ليلة عقد قرآنهم"
أظلم وجه آيتان للحظات وهي ترى انفعاله الغير مسموح أو مبرر لم تستطع أن تعذر حتى غيرته الحمقاء لأنها ببساطة لم تمحنه يوماً إلا كل برود فيها فقالت بهدوء ظاهري بارد
"ومن أنت ..لتسمح لنفسك بتقييمي أو الحكم عليّ؟"
اقترب أشهب نحو المكتب يخبرها بنار مشتعلة تأتى من جحيم حرقته الخاصة "بحق أنى وقفت بجانبكِ لأربع سنوات مضت ..بحق أنى قدمت كل وعودي مطالباً بالزواج "
صمتت للحظات ثم قالت "وأنا اخبرتك برفضي مرراً ..أوضحت لك بكل الطرق أن لا أمل لك أو لغيرك فيّ"
خبط على المكتب بحدة وهو يهتف بها
"لماذا؟ ما الذي يجبركِ آيتان ؟؟لم أتخيلكِ يوماً ضعيفة تهرعين إليه فور أن طالب بكِ بعد كل ما كان"
قالت بصوت مكتوم
"لم اهرع إليه ..جلاء طالبني بإتمام زواجناً المعلق ..وأنا وافقت ما بيني وبينه لا يعنى أحداً ..وحتى احترامي وصداقتي لك ..لا تمنحك الحق لتعلم أو تطالب بشيء أنا ارفض تفسيره"
لم تتراجع عصبيته ووجهه يفقد لونه شيئاً فشيئا حتى قال في النهاية بعدم اتزان "لا اعتقد أن هناك ذلك الرابط القوي الذي تحاولين أن تدعيه ..لقد صمتت منتظراً منكِ أن تردى له الصاع صاعين ..وترفضين الزواج منه أمام الجميع رد لكرامتكِ ..لا أن تمنحيه بيدكِ صك امتلاككِ"
اغلقت آيتان جفنيها تحاول ان تأخذ نفس عميق مهدئ ..تجبر نفسها على تفهم ما يعانيه ..تؤكد لنفسها أن أشهب يستحق تلك المحاولة بعد خسارته!! ثم ما لبثت أن قالت
"أنا لا أهرب أشهب ..كما انى اخبرتك ما بيني وبينه لا يعنيك لأنى لن اقوم بتفسيره أبداً ..أنت لن تتفهم علاقتنا يوماً"
صمتت لبرهة قبل أن تفتح عينيها تحدق في وجهه الذي بهتت ألوانه وهي تقول بحذر "أنت لا تحبني أشهب .. وأنا لم أكن لك يوما ً..حاول أن تقتنع بتلك الحقيقة وتنظر حولك عن من يستحق اهتمامك"
لم يتراجع عن غضبه وهو يمسح وجهه بكفيه ..ثم ما لبث أن قال بفظاظة "أنا أتوهم! وأنتِ وهو بينكم علاقة أسطورية عادت لتكلل بالزواج ..لهذا لفظكِ خارجاً صباح زفافكما؟!"
غضبها الذي تصاعد تراجع سريعاً وكأنها بركان اوشك علي الثوران وسرعان ما انطفئ عندما سمعت الصوت الرجولي الفظ الذي اقتحم مكتبها يتولى هو الرد الساخر قائلاً "ربما في وقت أخر كنت قمت بتهشيم وجهك ..ولكن كوني لا أريد اهدار طاقتي سأكتفي بإخبارك أن تطمئن من ناحية لفظها ..لقد سمحت لها فقط ببعض الوقت هنا قبل أن أأسرها لنفسي"
ازدرد ريقه ..قبل أن يمنح آيتان نظره أخيرة بملامح مغلقه ودون كلمة اضافيه توجه ناحية الباب ..نظر له جلاء بعيون غاضبة مشتعلة يخبره
"أنت لا تستحقها بل لا تستحق أن تتواجد في هذا المكان الذي كدت أن تدمره يا جلاء ..ربما هي غفرت ولكن أنا لن أغفر لك يوماً تعريض الجميع لخطر الفشل ؟!"
وبدون انتظار الرد كان يخرج مغادراً تكاد قدميه تحفر الأرض من تحته حفر نارية غير مرئيه إلا لقلب صغير يُنسب لثائرة متمردة أخرى منحته عشق لا يستحقه حتى ..قًلب لوعد متمرد بانتقام متوحش سيطوله قريباً ، قريباً جداً "الغبي" أنها تعلم جيدا أنه منجذب لآيتان بحماقه رغم علمه بأن الأخرى وهبت نفسها لعمها والآخر الذي هرب "صبراً يا أشهب وسأسقيك من ناري الخاصة قطرة قطرة ..وإلا لن أكون أنا سديم ..سأوقف شهبك وأطفئ نورك ويخبو بريقك بين ضباب فؤادي المحترق"
……………………:…..
"ما الذي أتى بك هنا؟"
الصمت الحذر عم بينهم للحظات طويلة ..بينما لم يتنازل جلاء عن وقفته الباردة يستند بكتفه على الباب يربع ساعديه على صدره ينظر لها بعينين مازال الغضب مكتوم فيها
عادت آيتان تخبره مستفزه إياه
"أخرج من هنا لدي عمل متراكم وليس لدي وقت لعاطل مثلك"
تحركت من على المكتب باتجاه مكتبة عملية تعلق على الطرف الأخر من الحجرة تسحب منها أحد الملفات وتتشاغل بها قاصده ؟!!
مرت لحظات ظنت أنه تجمد مما أصابه قبل ان تسمع صوت إغلاق الباب بهدوء ..كادت أن تأخذ نفساً عميقاً متعباً عندما أجفلتها ذراعه التي امتدت بغلظة تحاصر خَصرها ووجهه الذي انخفض نحو تجويف عنقها ..انفاسه الساخنة بغضبه المكتوم تلفحها عندما قال "لدينا حديث معلق لم ينتهي ولكن سنؤجله قليلاً في الوقت الحالي"
حافظت على أعصابها بانضباط انفعالي وهي تقول بصوت بارد "ماذا تريد؟ اعتقد أنا كنت من الاخلاق أن أخبرك بالفخ الذي أوقعتك فيه بالأمس وانتهينا ..عكس دناءتك أنت معي ومحاولة استغلالي للوصول لأخرى ..وأنت تنوي طلاقي بعد عام دون حتى أن تكلف نفسك وتخبرني"
هل شعرت بتوتر يديه حول خَصرها مع اضطراب أنفاسه متضامنين؟ سمعته يقول متمتماً "زواج تم بنائه على خطة منكِ في الاساس"
لم تحاول أن تبعده عنها وهي تستدير بين ذراعه التي لم تتركها ..قبل أن تأخذ نفساً عميقاً تخبره بفتور "عمى جاء لي كالعادة عندما يعجز عن حل معضله يخبرني أنك عدت بالتأكيد لتطلب شيء ما ..وهذه المرة هو يريد احكام قبضته عليك ."
هزت كتفها بلا مبالة عندما راقبت انفاسه التي تمردت مترافقه مع توحش عينيه ..ثم ما لبثت أن قالت
"وأنا كنت اعلم جيداً بعلاقتك بتلك الصعلوكة الهاربة ابنة رجل الأعمال المشهور عوني المنصوري، فأخبرته أنك بالتأكيد عدت من اجل المطالبة ببعض الأموال لذا لم أتردد بأن اقترح عليه أن يساومك على الزواج منى عبر تلك الحجة الهزلية"
اشتد ضغط اصابعه حول خصرها، أغمضت عيناها للحظة واحده متحمله الألم قبل أن تخبره ببرود "ما فجاءني حقاً حماقتك جلاء وسذاجة عقلك الذي تعدى الثلاثون عاماً كيف لم تفكر للحظة أن ما أخبرك به والدك حجة سخيفة غير منطقية؟"
يده الاخرى ارتفعت تقبض على ذراعها بقسوة قبل أن يرجعها بحدة نحو المكتبة الأنيقة أطلقت آيتان تأوه مكتوم وخشب الأرفف يصدم جسدها الرقيق بينما بعض الملفات تنهمر حولهم من أثر الارتداد ..ثم قال من بين اسنانه "كيف علمتي عن دجينة ولماذا تريدين الزواج منى علي كل حال وأنتِ تحقدين عليّ هكذا ؟؟"
ردت سريعاً دون مواره أو تفكير "أريد اذلالك ..حرمانك من حريتك المزعومة ، أن تكرهك المرأة التي أتيت مضحياً من أجلها بكل شيء"
باستخفاف ساخر أخبرها "غبية إن اعتقدتِ أنكِ أو عزيز تستطيعون، خطتكِ الغبية مثلكِ ستكون الحبل الذي سألفه حول عنقكِ ..عاد يجز على اسنانه متمتم
"كيف عرفتي عن دجينة ..من اخبركِ عنها؟"
ابتسامة ساخرة مزدريه احتلت فمها الجميل قبل ان تخبره ببرود
"منذ أن طُردت من شقة باريس وأنت تحت عيني جلاء، اعلم عن نومك في الشوارع كالمتشردين عن اضطرارك لبيع بضع من لوحاتك بأبخس ثمن لتجد مال تستطيع اطعام نفسك به ..لعملك المتقطع كنادل في محلات الوجبات السريعة ..حتى ذهبت لمدينة نيس واستطعت أن تجد أستديو حقير من غرفه واحدة ..ثم وجدت متشردتك الأخرى وقلبك الكبير عطف عليها وراعيتها ..حتى استطاع أخيراً والدها أن يحدد مكانها ويهددها للعودة وزواجها عبر صفقة فقمت أنت بإخفائها عندك ، وووو"
صمتت عن قَصد بينما ترى وجهه الذي احمر بالغضب بطريقة مضحكة متشفية ..قبل أن يقول بدون مقدمات وقد التقط ما اوحت به "أنتِ من أخبرته عن مكان هروبها ..أنتِ من منحتي عوني المنصوري هاتفها وخط سيرها؟"
عينيها السوداوين الكبيرتين توسعت بلمعة ذكاء مسيطرة ..فأعطت وجهها البريء المناقض تماماً لذلك الجمال الوحشي الذي لمسه فيها قبل أعوام مضت هالة من سحر الانجذاب و الخوف الحذر سمعها تقول بهدوء متهكم "نعم أنا من مررت له الخبر ،وأنا من منعت عنه باقي أخبارها متعمدة ..تعرف طيبة قلبي وتعاطفي نحو الفانين أمثالكم"
أسقط بيده فابتعد عنها خطوات واضعاً يده بين خصلات شعره الكثيفة يكاد يقتلعه من مكمنه ..التف حول نفسه نصف استدارة قبل أن يعود اليها بكليته يسألها: "لماذا كل هذا الحقد ؟!متى تحولتِ لنسخة مطابقة لعزيز يا آيتان؟"
لم تكن تحركت من مكانها الذي ألصقها به وهي تخبره بجمود
"منذ أن رقصت رقصتي الأخيرة على زجاج مكسور أدمي قدمي وحرمني من فني جلاء"
سريعاً أخبرها "وما ذنبي أنا في ترككِ موهبتكِ؟؟"
أجابته: "أنت كل الذنب"
ساد صمت طويل وعيناه معلقه بعينيها باتهام غير متنازل ..قطع جلاء الصمت تطرق برأسه قليلاً بتفكير قبل أن يقترب منها مرة أخرى يجذب ذراعها بحدة يطوق خَصرها بذراعه الأخر وهو يقول بنبرة غامضة غاضبة متهكمة "سنرى خطأي هذا فيما بعد ،ولكن طالما اخترتِ أن تطئي مملكتي بقدميكِ لن أسمح لكِ بجعل أخر يتغزل فيكِ يا عروسي"
هنا هدرت بصوت متشدد
"لم يُخلق من يهددني وأنا افعل ما يحلو لي اتركني حالاً"
لم يمتثل لأمرها وهو يتذكر استيقاظه صباحاً على صوت امه الغاضب الحاد تخبره مستنكرة خروج عروسه دون أن يشعر بها وعيناها تتهرب من إدراك الحقيقة التي تعلمها جيداً أنه لم يبت ليلته من الأساس معها كي يشعر بها ..لم يأتي بسبب معاييرهم الاجتماعية التي لا تهمه بل من اجل الغضب المكبوت الذي لم يتخلص منه بعد ..ليجد زوجته هنا تُحاسب من أخر أحمق طامع في وصالها ..عند هذه النقطة تبدد كل شيء ..الماضي والحاضر والتفكير في المستقبل ..اختفت معاييره ولم يتبقى إلا غضب بارد وحنق يتصاعد وغيرة مجنونه ينبعث منها احساس جديد بالتملك!! آيتان ملكه منذ زمن مضى .. له وحده ولن يسمح لمخلوق أن يكتشف ما تذوقه هو غازياً أنوثتها ومقتحماً قلبها البريء ..لم يفكر مرتين وهو ينحني برأسه ويده ترتفع تثبت رأسها التي ابتعدت في محاولة للتهرب منه وبدون مقدمات قبلها بتوحش غاضب ساخط مستكشف وخاضع ..قبلة واحدة كتم بها اعتراضها وحاول أن يضع كل غضبه المتناقض مع رقته فيها ..ابتعد أخيراً عنها ينظر للمعة دموع قاسية في عينيها تأبى الهبوط أو التنازل ..تركها أخيراً مبتعد عنها ليخبرها بزمجرة غاضبة
"صباح مبارك عروسي العتيدة"
https://up.movizland.online/uploads/135878340710.gif


الأسيرة بأفكارها 30-10-19 01:37 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

الأسيرة بأفكارها 30-10-19 01:40 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

الأسيرة بأفكارها 30-10-19 01:42 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

azeeta 28-11-19 06:39 PM

رواية جميلة جدا اشكركم جميعا

Shiekha111 28-11-19 09:38 PM

رواية جميله جدا جدا جدا جدا جدا

ملكة حمادة 28-11-19 11:04 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Nor BLack (المشاركة 14570941)


https://upload.rewity.com/uploads/157236114664567.gif


هي عالم من الالوان عالم من لا الرقص الدرامى لبجعة الاوبرا الحزينة هي رحلة حاولت بكل جهدى ان تكون مختلفة وجديدة وسط صخب الالوان والمشاعر واختلاف الاباء والابناء ما بين الماضى والحاضر :fight::fight:


الجزء الثاني من سلسلة تمرد وحشي:


لغط متمرد ج2 من س تمرد وحشي- قلوب أحلام زائرة- للكاتبة: Nor BLack{مكتملة&الروابط}


https://upload.rewity.com/uploads/157236114668398.gif



https://upload.rewity.com/uploads/157225896149339.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157236214723681.jpg



https://upload.rewity.com/uploads/157236114673549.gif



https://upload.rewity.com/uploads/157256449211421.jpg


كتابة: Nor BLack
تدقيق لغوي: رانيا حسنى
تصميم الفواصل والداخلي: شيماء صلاح
تصميم الغلاف: رفيدة مناصرة
تنزيل الفصول: الأسيرة بأفكارها
تعبئة الكتاب الإلكتروني: Just Faith


https://upload.rewity.com/uploads/1572361146774110.gif

في المشاركة التالية....



https://upload.rewity.com/uploads/157236136667892.gif


المحتوى المخفي لايقتبس


لا تنسوا غاليتنا نورا من أرائكم وتعليقاتكم...
دمتم بحفظ الله...
قراءة ممتعة وشيقة للجميع...
:elk:

https://upload.rewity.com/uploads/157236136664081.gif

حترحعىحعرحارحعرحعر


الساعة الآن 12:28 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.