آخر 10 مشاركات
البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          548 - الحب الملتهب - كاتي وليامز - ق.ع.د.ن (الكاتـب : لولا - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          176 -البَحث عن وهم ..عبير القديمة ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : Shining Tears - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

Like Tree20Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-10-19, 07:37 PM   #1

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile26 همس الموج - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack **مكتملة& الروابط**





هي همست صاخبة عاتية من موج يثور باعصار صامت!!!!!!! هي نظرة مجتمع كامل معاق فكريا متنمر انسانيا وعنصرى اجتماعيا اتجاه اصاحب العطايا الخاصة جدا هي رحلة طويلة للحب والعشق ومعنى الصمود فقط اتنى ان تنول اعجابكم














كتابة وتدقيق لغوي: Nor BLack
تصميم الغلاف: رفيدة مناصرة
تصميم الداخلي والفواصل: شيماء صلاح
تعبئة الكتاب الإلكتروني: Just Faith



في المشاركة التالية


رابط التحميل
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


قراءة ممتعة للجميع







ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 13-11-19 الساعة 06:03 PM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-19, 09:53 PM   #2

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الأول



كانت تهرول في ثوبها الوردي الطويل...فيعرقلها كعب حذائها الرفيع الذي ينغرس بين طيات رمال الشاطئ الكثيفة...
فتسب نفسها بعنف وأبوها وعائلتها والمظاهر الاجتماعية جميعها جعلتها تنقاد لهذا الفخ الغبي..."ربااااه..أيان كيف لم يسعفني عقلي الغبي لأفهم"
مسحت غلالات دمعها في ساعدها بعنف بالترافق مع انحنائها لتخلع حذائها وترميه بطول ذراعها...صراخها كان يخرج يائساً غاضباً صاخباً ككل ما فيها وهي تلمحه أخيراً يجلس في الظلام مواجهاً لموج البحر العاتي...أم يا تُرى ثورتها التي أتت بإعصار مدمر هي ما صورت لها ذلك الموج العالي الذي يهدد بإغراق كل شيء....
وصلت اليه أخيراً وقبل ان تضع كفها الناعمة على كتفه كان وجهه الصارم يلتفت لها بحدة وكأنه أدرك ان أحداً ما أصبح في محيطه وفي حدود مملكته...توسعت عينيه للحظات وهو ينظر لعينيها بلون البندق مباشرة بذهول وتوتر...سرعان ما تحول للغضب…وقف ببطئ يواجهها وتساؤلاته كانت تبدو بلانهاية...مشاعره مختلطة مضطربة لأيام كان يموت..رجولته تُذبح وقلبه يئن وهو يتخيلها معه...روحه تنكسر وكرامته تضرب في مقتل وهو يعلم رأي والدها العزيز به بنقصه!!
كانت هي الناطقة بشجاعة متهوره:"لقد إكتشفت ان كل ما قلته لي لم يكن إلا الحقيقة أنا أحبك أنت وأنت فقط ولن أستطيع ان أكون لغيرك يوماً"
رفع عينيه مرة واحدة مجفلاً...أسرت عيناه عينيها اللتان كانتا تراقبانه بتمعن وحرص وبخوف ان يرفض ما جاءت تقدمه اليه...قطعت هي الصمت بنوع من الشجاعة رغم الخوف الذي أصبح يزحف نحو أطرافها بشعور خسارة مكروه:"انت تفهمني؟ تستطيع قراءة ما أقوله؟"
عبست … وهو يضغط على شفتيه بغضب محاولاً ان يلجمه فأسرعت هي تقول بصوت إنفجر في البكاء المستعطف:
"أسفة والله لم أقصد أن أذكرك بأنك أصم وأبكم"
تصلب جسد إيان بصدمة حقيقية سرعان ما تحولت لضحكة عالية نادرة عندما رآها تلطم خديها بقوة وشفتيها تتحرك بسباب لنفسها :
"يا إلهي انا غبية غبية سأصمت من الأفضل ان أصمت ولكن ولكن..أنا أتيت لأخبرك أني لن أحب سواك يوماً..لن أتزوجه لقد هربت قبل عقد القران ورميت رفضي في وجهه...أتيت إليك ركضاً غير عابئة بتهديد أبي وتوعده لي بالويل..لم ألتفت لتحذير خالتي فقط إتبعت قلبي كما أخبرتني أمي وقلبي رغماً عني أتى بي الى هنا"
كانت كلماتها تخرج سريعة مضطربة متلاحقه مبعثرة وكأنها تريد أن تخبره كل ما يُعتَمل في صدرها و كل ما حدث دون ان تخفق في شيئاً
واحد..توقفت عندما شعرت بكفيه الباردتين تحيط بوجنتيها الملتهبة يرفع وجهها لتقابل عينيه...للحظات ثقيلة طويلة ترك قلبه هناك...ترك كرامته أرضاً ورمى برجولته بين أمواج البحر وهو يطرف بجفنيه عدة مرات وكأنه يخبرها ان تتوقف حرك كف يده وأخذ كفها وثبتها على قلبه الذي كان يضخ بهدير من عاد للحياة من الموت للتو...
لم تنطق ولم تريد كسر اللحظة ولكنه أبى أن لا يجعلها تكرر له عشقها عندما سحب يدها وهبط على ركبتيه ضاممها بجانبه وبين رمال البحر كان يكتب :"أعرف ما أنا عليه...ولا تحتاجي للإعتذار ولكن ان سمحت لكِ الأن بالدخول الى حياتي...لن أغفر لكِ أبداً ان مللتي من صمتي يوماً...ان تردد قلبك في حبي يوماً او شعرتي أنها مجرد نزوه"
تحركت زحفاً من جانبه لتصبح في مواجهته تماماً رفع وجهه ليستطيع ان يقرأ شفتيها وهي تقول بالترافق مع يديها التي أخذت تعده بلغة الإشارة :"لن أفعل أعدك أنا الآن فقط أعلم أني أحبك منذ الطفولة قبل حتى ان نفترق؟!"
ابتسم وحدثها بلغة الإشارة مثلها :
"لن تسمعي صوتي يوماً..لن أستطيع أن أمطرك بكلمات الغزل"
قالت سريعاً مندفعة:
"صدقني تلك أفضل نعمة اذ أن هذا يعني انك لن تصرخ أو أسمع نزقك او جنون الرجال المعتاد والذي يؤدي في النهاية بالزوجة لوضعه في شنط سوداء"
تنهد كامن يرغم نفسه على احتمال جنون وتهور طفله صغيرة ولكنه لم يستطع ان يكتم ضحكته بينما إمتدت ذراعيه تقبض على ذراعيها ووقف جاذبها معه ودون أدنى تردد او انتظار كان يضمها الى صدره يرفع جسدها عن الأرض سنتيمترات ويدور بها وهو يصرخ طرباً وجنون مثلها:
"ستتزوجني؟َ!"
أومأ برأسه وشفتيه تتحرك دون صوت بهمهات لم يخجل أخيراً. ان يجعلها تستمع اليها :"نعم سأتزوجك"
"ربما لم تفسر كلماته ولكنها يكفيها ذلك الصوت منه تلك الهمهمة الغير مفهومة والتي كانت تسمعها منه في طفولتها وتوقف عندما عادت اليه بكامل أنوثتها..إحتضنته دون خجل دون تردد معتاد بقوة بخوف ان تفقد ما وجدته يوماً فيه:
"لن أخذلك أبداً سأواجه المجتمع أجمع بك ومعك "
ولكن كليهما لم يعلم ان ما يكتب على الرمال يكسر عند أول موجة وقد كانت هي موجته التي أحنت ظهره وكسرت كل شيء بداخله للمرة الثانية"
*********************
دخلت بفستان أسود يماثل أيامها في بعده...ولكن قلبها مازل يسكنه الأمل حتى مع تلك الابتسامة المتشفية الغامضة من والدها عندما أخبرها ان أيان هنا يريد الحديث معها..انها على ثقة أنه أتى لمراضاتها او ربما لإخبارها انه صفح عنها ومنحها مسامحته ككل مرة .
فور ان وقعت نظرته على دخولها المتردد تعلقت عينيه مباشرة في تلك العينان التي أغوته...وتلك اللمعة التي جعلته يخاطر بكل شيء عاش حياته يبنيه ويقويه...تلك الفتاة التي عشقها دون انذار وصدق فمها الذي ملأ عقله بالاحاديث الكاذبة ؟! انتفض جسده والألم يُمزقه تمزيقاً…لا ألم الحب الذي تعشم فيه...ولا ألم حياة سوية إعتقد بغبائه ان المجتمع المعاق سيجعله يتحصل عليها بهدوء..بل ألم الخذلان..وجع الخيانة...رانيا خانته حتى وإن أنكرت حتى وان كان كل مافعلته في حقه يصر الجميع انه لم يكن خيانة ولكن هو وهي يدركان جيداً أنها لا يمكن ان توصف إلا بالخيانة...
تنبه تماماً عندما شحب وجهها مرة واحدة وهي تهتف بدون تفكير :"ماذا يفعل هذا معك"
خفق قلبه بعنف داخل صدره قبل ان يداري مشاعره جيداً وهو يخرج ورقه من جيبه مكتوب بها:
"عذراً تعلمي انني ناقص...ولكن هذا بالضرورة لا يعني اني غبي فتوقعت سؤالك وحضرت إجابتي..لقد أتيت لأتمم الطلاق فما بيننا انتهى دون رجعة"
تراجعت خطوة للوراء وهي تقول مرتجفة :
"لا..لا يمكنك فعل شيء أنا أرفضه"
هز كتفيه ببرود معاكس تماماً للألم الذي يعصره عصراً ويتركه قتيل عاجز دون حول او قوة رفع كفيه يستخدم أنامله وهو يحدثها بلغته الخاصة التي أجادتها من أجله :
"هذا الشيء الوحيد الذي استطيع فعله دون نقص...ودون ان أستمع لأحد"
قالت سريعاً بحرقة وهى تندفع نحوه غير مبالية بالجمع المحيط به فتمسكت بيديه توقفه عن اللغة الوحيدة التي يعبر بها عن نفسه :
"لا أريد يا أيان أنا أخطأت أقر بهذا وسأفعل المستحيل لأصلح ما فعلته ولكن امنحني فرصة ولا تقتلنا"
أغلق جفنيه بقوة قبل ان يزيحها بعيداً عنه بإشمئزاز وقرف وكأنها إحدى بنات السوء وليست حبيبته وإمرأته عاد للإشارة بيديه وهو يفسر نفسه:
"لا أحب معدومات الكرامة وانتِ خاصة لا يشرفني وجودك في عصمتي"
قالت بتهدج وصوت شهقاتها يعلو وهى تعود تمسك أنامله توقفه عن ذبحها عن نحر كل جميل بينهم :
"مازلت أحبك صدقني تلك المرة مختلفة لن أعود أبداً لما فعلته ؛ لن أخطئ لن أكذب ولن ألتفت لأحدهم"
أخذ نفس صعب طويل قبل ان يصدر صرخة ملعونة جعلت كل من في الغرفة ينخلع خوفاً يراقبوه وكأنه حقاً حيوان سيبتلعبهم وليس مجرد رجل وشاب له هيبته ومكانة بينهم ولكن كل هذا يضيع وسط الأسطورة الشعبية والاجتماعية لغضب الأصم الأبكم انه يصبح خارج السيطرة عند استفزازه او غضبه...متناسين ان ذلك الأصم بما ابتلاه الله انسان مثلهم غير منقوص ولا ناقص بل هم الناقصين..مجتمع معاق خُلقاً وفكراً .
ابتعد عنها هذه المرة يمحنها ظهره قبل ان يخرج ورقة من جيبه يمنحها لها تناولتها بكف مرتعش فوقعت عينيها سريعاً على ما خطه فرددت كلماته المكتوبة في صدرها كالسهم السام الذي لن تنجو منه يوماً:
"انتِ طالق رانيا"
تمتمت فلم يراها ولم يسمعها:
"هكذا بسهولة استطعت ان تفعلها ووجدت لها الحل أيان"
الجو كان ثقيل قاتل عندما مر أيان بجانبها وجلس أمام المأذون يشير له بهدوء ان يبدأ إجراءاته...وقفت تراقب عامين من عمرها لا ؟!
بل خمسة وعشرون عاماً من سنين حياتها تُدَمر دون قدرة لها على الاعتراض أوعلى اصلاح ما كان في لحظات معدودة كان كل شيء انتهى تماما...ببساطة ويُسر
هكذا انصرف أيان على الفور دون ان يلتفت اليها مرة أخرى وكأن المكان وساكنيه أصبح جرثومة سامة خبيثة ان بقي فيها أكثر ستقضي علّيه....
ظلت تتأمل الورقة التي خطها بيده وكأنها تجمدت..انفصلت عن المدار الذي يسبح فيه العالم أجمع وأصبحت هي فى مدار تصارع فيه وحدها مدار من المرارة الحزن الذبول تمتمت بشرود و بقلب مكسور :
"أرجو ان تكون هدأت بابا لقد تخلصنا من المعاق الأبكم اخيراً..."
اقتربت من وجه والدها الذي شحب وكأنه أُخِذَ على حين غرة..طبعت قُبل ممتزجة بدمعها المالح على خد والدها وهي تكمل :
"ولكن انا لن أسامحك ولن أسامح نفسي يوماً على خسارته...رانيا مدللتك ماتت اليوم...احترقت وذهب قلبها معه دون رجعة"
*****************
خرجت مسرعة من باب الغرفة لا ترى أمامها شيء عالمها قد إنهار وقلبها يئن..الألم لا يطاق والصرخة خرساء بكماء تنهش صدرها كأنها وحوش صغيرة تأكلها داخلياً ولا تستطيع التعبير عنها
"أمي"
لم تكن والدتها أفضل حالاً عينيها تزرف الدمع والقلب والعقل يلوما شريك العمر والذي تعلم جيداً إن كانت ابنتها أخطأت مرة فهو أثم معهن جميعاً لسنوات ؟!
فتحت نوال ذراعيها تستقبل ابنتها التي اندفعت إليها تلملم بقايها داخل صدر أمومتها ربما تمنحها شيء من الثبات و السكينة ولكن تعرف وتعلم انه هباء...
" انا أحترق " همستها رانيا بوجع...
ضمتها والدتها الى رحاب صدرها الواسع كأنها تريد ان تخفي صغيرتها من العالم أجمع...همست جانب أذنها بغصة بكاء :
" أعرف..حبيبتي لا أحد في العالم أجمع يمكنه ان يشعر بنارك غيري "
كان جسد رانيا يهتز منهاراً حتى هبطت على ركبتيها ساحبة جسد نوال معها:
" رباااه أمي انا أموت..أموت أيان فعلها بي..كيف استطاع؟! "
أغلقت نوال جفنيها ويدها تربت على ظهر ابنتها تمسده هبوطاً وصعوداً وهي تهمس بألم مماثل يصل اليها كاملاً دون نقصان :" كل شيء سيكون بخير"
عينين كبيرتين..مراقبتين كانتا تراقب انهيارها بروح خاوية رغم الغصة المريرة الخانقه في حلقها...ورغم إحساسها العارم بالرغبة في البكاء...ولكنها مؤكد ليس من أجل انهيار أختها ولكن من أجله هو فقط...صديق طفولتها..الشاب المكافح والجار الوفي المهندس الناجح والمعجزة التي هزت أرجاء حي العجمي...أيان!!
نهضت من حيث كانت تجلس على الدرج الداخلي لمنزلهم المكون من طابقين مُشكلاً " فيلا" فخمة..أنيقه ولكنها خالية من الروح من الدفء والمحبة والآن خلت من السعادة والفرح " مطلقتين!! " سخرت بألم!
اندفعت نحو أختها ووالدتها وجلست القرفصاء..وببرود جليدي كانت تميل أمام وجه رانيا تخبرها :
" لا أصدقك..فهذا الانهيار كله مجرد خدعة انت لم تستحقيه يوماً "
أجفلت نوال والصدمة شلت لسانها للحظة مما تقوله صغيرتها!! أزاحتها نوال بعيداً وهي تقول بغضب وقسوة :
" هل جننتِ؟!إبتعدي من هنا حالاً "
هزت رأسها بالرفض بينما تميل لتخبر أختها الغائبة عن العالم وسط انهيارها والتي لم تكن في حالة تسمح لها بالتركيز اطلاقاً :
" كنت أتمنى ان أحتضنك الآن أواسيكِ كما كنا قديماً ولكن في تلك اللحظة انا لا أشعر نحوكِ إلا بكل ما هو كريه..أريد تمزيق وجهك..جلدك حتى تستفيقي او تموتي كمداً "
اهتزت عضلة في وجهها بينما تكبح دمعتها تتمسك بالقوة..لا لن تنهار لن تسمح أبداً لغريمتها برؤيتها تئن:
" أنتِ خائنة و أنانية رانيا منذ طفولتك... الغدر صار طبعك والتلاعب بقلوب الناس هوايتك الإجبارية "
هدرت أمها مع تعالي ارتجاف جسد رانيا وتشبثها بصدرها وكأنها تستجدي منها الأمان وتحتمي فيها من الموت كمداً كما تتمنى شقيقتها لم تستطع ان تدافع عن نفسها لم تملك القوة للجدال لقد كانت تنشطر تتحول لشظايا بلور مكسور لن يتم اصلاحه أبداً .. لقد كانت تعتصر حسرة وندم ولكن ما فائدته لقد كانت ضعيفة مترددة لم تثق في عشقها او اختيارها إياه يوماً...التردد في الحب ضعف تمر أيامه بطعم العلقم فتعتصرنا بين قطب الألم ورحى الخيانة وهي أكثر من فعلت.
تمسكت بأحضان أمها ربما تجد في صدرها ما يبرد النار التى تنهشها وسياط كلام شقيقتها المسموم ينهشها .
اعتصر قلب أختها أخيراً لرؤيتها بهذا الضعف..والانهيار فإعتدلت عنهم تنوي المغادرة والانزواء بعيداً عن الجميع تبكي ألمها وفجيعتها وحدها دون مُعين دون يد تحنو وتطيب ألمها...ولكنها لم تستطع ان تقاوم ان تخبرهم بتصلب عندما وقعت عينيها في عيني والدها :
" السلو عن الاثم لا يكفي لمحوه...وأنتِ أثمتي رانيا في حق الجميع "
صمتت لبرهة واحدة قبل ان تكمل بصوت مختنق :
" لقد خسرت يا أبي..أردت ان تجمع الدنيا كلها في يديك وانظر للنتيجة لا إبنتك المفضلة حصلت على سعادتها ولا صغيرتك المنبوذة تخلصت منها"
**************
موجة تتبعها موجة تضرب صدره تذكره بنعومة أولها وبجذر أوسطها وبضرب السوط بآخرها ثم جارفاً أخيراً إياه بداخلها لتمنحه القهر والحسرات ويصبح همسه مجرد ترنيمة في تسابيح الأموات....
الغضب هو المسيطر عليه و هو ما يتحكم في كل جزء منه...رغم مرور أيام على اكتشافه فعلتها ورغم الإلحاح الذي لم يتوقف منها بعد ان قام بطردها من حياته...حتى يستمع اليها يعلم أسبابها ولكنه رفض لقد طعنته في الصميم...قتلته رانيا فقدت إيمانها به خدعته غشته ..ان يستمع ويعلم نقصانه في عيون البشر أجمع شيء وان يعلم ان إمرأته رفيقة دربه تنظر له بأعينهم شيء أخر المخادعة..كان يشعر بالغضب الجامح يتراقص في عينيه يقتحم كل خلية في جسده فتبرق عينيه الخضراوين بجنون وحديث داخلي لنفسه :"لا أحد ملام إلا أنت ..كنت تعلم وتعرف انها ليست أهل ثقة لن تكون السند يوماً ولكن عقلك الغبي وقلبك الأحمق هو من تتبع أهواء نفسك...فإستحققت ما نلته من تحقير منها!!
كان هاتفه يهتز في جيب بنطاله...منذ ساعات..فأخرجه يحدق فيه بروح خاوية مقاوم نفسه ان لا يعود لأي ذكرى معها...لعامين كاملين من العشق الجارف...الحب الملتهب الذي لم يخمد لحظة واحدة...كيف استطاعت ان تلمع عينيها بعشقه...بينما تخبره الأكاذيب...ان يرتجف قلبها على صدره.. وهي تحيك من خلف ظهره المؤامرات..ان تنصهر على جسده وتتوه في غيابات عشقه..تضيع حروف نطقها بين أصابعه ان تنطق شفتيها المرتعشة بغرامه...وهي تغدر!!
حدقت عينيه في الرسائل المتتابعة من أمه الهلعة ورغم إشفاقه عليها لم يستطع ان يجيبها ..ان يطمئنها...ان يعلمها بمكانه لقد كانت والدته رغم حبها الجم له..أول من غدر به أول من قلل من شأنه...وأول من رآه بعين النقص"
وقف على قدميه اخيراً مكتفياً من جلسته الشاردة لساعات..مد يده وأغلق الهاتف بهدوء...ثم توجه أخيراً للكبينة المطلة على شاطئ البحر مباشرة وفتح الباب ثم توجه نحو الفراش المزدوج وألقى بجسده بإهمال دون ان يهتم ان ينفض الرمال العالقة به...يقولون ان النساء تتألم وحدها.. يتعاملون ان الرجل كائن لا يشعر بالمرارة ..بالألم بوجع الخيانة...ان كانت رانيا دمرت طعنها بسكين فهو يتمزق إرباً يتوجع لقد حرم حتى من ضمها أخيراً الى ذراعيه
"وللرجال نصيب من الوجع من المرارة من الشعور بالخسارة وحياة كان يأملها دُمِرت"
وضع يده على عينيه محاولا بكل قوة ان يكبح صورتها المتراقصة أمامه فيفشل تماما ً تأوه بمرارة:
"لم فعلتي هذا...ما الخطأ الذي ارتكتبته معك ؟لماااااذا لقد منحتك التفهم يليه صك الغفران...والمقابل كان خداعي...من فينا المخطئ ومن المذنب ؟! هل كان غبائي وعشق مسموم أعمى بصيرتي أم اهتزازك وضعفك وحبك لنفسك ؟!"
"لم يعد مهم أيان...كل الألم سيمر يوماً...ربما البُعد قاتل ولكنه يبقى افضل من قرب بلا تقدير....
كان الظلام الحالك يسود أرجاء الكبينة بينما هو يتألم..ولغة الصمت التي عرفها طول حياته تسود المكان...والوجع يجثم على فؤاده بينما يجبره على تذكر بداية ايقاع نفسه في الفخ...

ما الذي اتى بك الي هنا يا أيان الى مكانكم الخاص الذي شهد كل ركن منه أكاذيبها..وعشقك الأحمق بها ؟!
*************************
قبل عامين

اعتدلت رانيا سريعاً من انحنائها...تحاول إلتقاط أنفاسها التي توقفت بخوف لحظي...والذي تحول لارتباك يرفض مغادرتها عندما تستشعر بأنفاسه :"لقد أخفتنى"همستها بخوت وأنفاس لم تهدأ بعد.
كانت إحدى يديه تستريح على خَصرها واليد الاخرى مستندة على الحائط بينما هبط بوجهه نحو عنقها يتشمم ملوحة البحر المختلطة برائحة اللافندر التي ينشرها جسدها...فتختلط حواسه بمزيج من رائحتها الخاصة التي تسلبه لبه وتجرف كل قلوعه:
"أيان "همست فلم يسمعها بالطبع..فوضعت يديها على صدره شاعره بتيار حاراً ملتهب. يجتاحها بترقب.
عقد حاجبيه وهو ينظر لها من بين أنفاسه العنيفة باستفهام همست أمام عينيه ببطئ :"ما الذي تحاول فعله..العائلة بأجمعها في الخارج"
للحظات طويلة ظل أيان محدق فيها وكأنه غير مصدق بعد لتواجدها معه في مكان واحد في كبينته الخاصة…والتي جهزها يوماً متأملا وحالماً ان تشاركه فيها..الحاجة لأن يقترب منها ان يلمسها..لأن يضمها الى صدره كانت قوية الى حد احتاج معه لبذل كل طاقته كي يكبحها...رفع يديه مشير نحو فمه ثم بإصبعه السبابة نحو قلبه:"إشتاقتك"
عضت شفتيها ووجهها يتخضب بحمرة الخجل وهي تخبره مرتبكة :
"وأنا أيضاً هذا ليس عدلاً قبل الزواج كنت أتواجد معك بحرية ؟!"
أخذ أيان نفس عميق مضطرب قبل ان يبتعد عنها خطوة ويجلس على طرف الفراش ثم يشير بأصابعه بلغة الأشارة قائلاً باختصار :"مازالت فضيحة هروبك تدوي في الأرجاء ولم يقتنع احد بما قاله والدك والحل الذي فعله لينقذ الموقف ليلتها"
أغمضت عينيها بحزن بينما الندم يضربها ليس لشيء إلا ما أوقعت فيه شقيقتها بأنانية ولكنها لم تكن تعرف ابداً أن أبيها او خطيبها السابق قد يفعل بموافقته على المهزله التي حدثت"
فتحت عينيها بينما تسمع ضحكه قهر تخرج من فم ايان وهو يشير باصابعة :"لقد أخذتي الكثير لتستوعبي انكِ حقي انا...وان لا أحد قادر على إخراجك من حياتي او سرقتك مني...حتى وان حاربتك انت كما فعلت"
هبطت يديه بجانبه وكأنه قد اكتفى من لغة إشارته...وأطرق بوجهه ناحية أرضية الغرفه بصمت...فاقتربت رانيا منه تجلس بجانبه بهدوء..استشعر يدها الدافئة تضعها على كتفه وكفها الأخر المرتعش تضعه على صدره تدور بها في حركة دائرية تنتهي على قلبه ابتسم بينما رائحتها تغمر حواسه..حرارة جسدها الرقيق..تدفع الدفء لقلبه الذي كان ينبض بقوة بين أضلعه...التفت اليها برأسه..فهمست هي مرتجفه :
"أحبك..للموج همس خاص يعصف بالعقل خالق زوابع في القلب"
"وانتِ موجتي الخاصة ان لم أرزق الهداية لحبك كنت أضعت ما تبقى من عمري أيان"
أمسك بيديها بين كفيه وهو يشير نحو باب الغرفه المغلق ثم رسم خياليا معبر عن والدها.
هزت رأسها بالنفي وعينيها الجميلتين متوسعتين مملؤتين بدموع التنازع ولكنها اخبرته بثقة غير قابله للجدل او التردد:-" لقد كنت من الشجاعة ان اهرب واتي اليك هل تعتقد انه يستطيع ان يفرق بيننا …بعد ان اصبحت زوجتك ..ايام قليلة فقط تفصلنا عن "
عادت وجنتيها تتلون بالحمره القانية وهي تهز كتفيها بدلال تذكره ان زفافهم اقترب اخيراً بعد الفضيحة التي افتعلها والدها ومحاربته إياها وإيان ولكنه بالنهاية رضخ حتى يخرس كل لسان...ولكن أحدهم لم يدرك ما يضمره الرجل لزواجهم المرتقب"
كان بداخله كلام كثير يثور يهدر ليخبرها إياه ولكن حالته لم تساعده ولم تكن تلك اللحظة بينهم مؤهلة حتى يأتي بورقة وقلم ويخبرها كل ما يعتمل بصدره وأهمها انه لن يأمن غدر والدها حتى تصبح داخل بيته...على كل حال يكفي انه كتب عليها قانونياً وأصبحت زوجته....
اشار اخيراً ووجهه يبتسم يذكرها :"حتى اللحظة لا أصدق انكِ فعلتيها.. وإمتلكتي الشجاعة لتقفي بوجهه"
هامت بعينيها من جديد..على ملامحه الوسيمة...وغاصت لداخل عينيه الحبيبه حتى سكنتهما وأرست فيها أشرعتها..قبل ان تنطق بتمهل وببطئ حتى تتأكد من اقحام كل كلمة داخل عقله :
"سأفعل اي شيء لأكون معك ملكك القلب لم يعد يتحمل البعد...كلمة أبي دائما ما كانت حائلاً لا يحول ولا يزول...ولكن عشقي اليك قد وضع كلمته الاخيرة"
غاص لوهلة في جوف بندق عينيها قبل ان يعود ليرفع أنامله ويتلمس ملامحها بينما رأسه تنحني ببطئ ببطئ حتى لمست جبهته جبهتها ..وثبتت أرنبة أنفه..على مقابلتها..فمه يناور بنفس حار حلو بطعم الموج العاصف..أمام شفتيها..ويده تنحدر يتلمس بها نبض القلب الذي انطلق يتمرد على أضلعها ..صار الهرج بداخلها وهي ترفع كفيها الرقيقتين تتمسك بساعديه...عله يمنعها من سقوط محقق من هجومه على مشاعرها
همست اخيراً بصوت ضعيف لم يصله بالطبع ولكنه مؤكد شعر داخله بدوامة سحرها بتحرك شفتيها :"لو كنت أملك ان أنزع قلبي وأمنحه لك...لتثق بحبي ما ترددت...انا فضلتك عن جميع الخلق..فلم يعد من حقك ان تظن اني من الممكن ان أتراجع للوراء"
وكأن حديثها وصل لتلابيب قلبه عندما همس لنفسه بحديث داخلي :
"الحب إرداة ثقه وقوة..ورغم قلبي الذي يئن بعشقك منذ الطفولة...يجذبني للعيش داخل أرضاً خرافية مليئة بالأحلام فأدعه يسيطر علي بجبروته ولكن ما رأيته خلال حياتى يجعلني أخاف ان تٌفقد سفينتنا داخل دوامة...وإعصار"
أنفاسها المضطربة كانت تحرقه...بينما تدفعه بضعف عن محاوطته اياها تخبره :"سأذهب..ربما أحدهم يبحث عني"
هز أيان رأسه بالرفض القاطع...وعينينه الملونتين تفيض منهما المشاعر الجامحة..الجديدة كلياً على كليهما...
النار أحرقتها والألعاب النارية تفجرت داخل الكبينة الصغيرة عندما دفعها أيان بهدوء وبطئ على الفراش وثقل جسده يغطى جسدها شفتيه تعرف طريقها تماما لتحتوي اي اعتراض قد يخرج من داخل شفتيها...كما فعل ليلة مواجهتهم قبل موعد زفافها السابق!!
قبلتها الثانية معه ؟! ولكنها لم تكن غاضبة عاصفة منتقمة...كما قبلتها الأولي بل ما تعيشه الان تجربة جديدة حلال...من حقهما زوجها حبيبها..حقها وحدها وهي حقه..همستها لعقلها المضطرب حتى هدأت أفكارها..ولم يعد للخوف او التردد مكان بينهم ذراعيها التفت حول عنقه تجذبه أكثر وأكثر اليها تلهبه تفقده حواسه فلم يعد يشتم او يشعر إلا برائحة البحر فوق جلدها وبطعمه المالح الحلو فوق بشرتها...لقد غرق وغرقت ،، ضاعت وضاع في لجة مشاعرهم المحمومة في اثبات ملكية كل منهما للأخر!! فلم يشعر كليهما بما كادا ان يفعلاه..
أطلقت رانيا شهقة قصيرة عندما شعرت بفقدانها دفئه..وجهه يتلوى بالغرام..والهواء يخرج من بين شفتيه فيلهبها..اعتدل سريعاً تاركها...فبحثت يديها بخجل ورهبه تلملم ملابسها تحاول اغلاقها ولكن عبثاً !!!
فرك وجهه بتعصب..بينما يعود اليها سريعاً يجذبها بين ذراعيه يسكنها داخل صدره بقوة بحماية حتى من نفسه...
أغلق جفنيه كابح مشاعره محاربها ...عندما دفنت وجهها داخل عنقه وأصابعها تتشبث بصدره وكأنه الحياة..أنامله عرفت الطريق نحو ذقنها فامسكه بين انامله يرفعه اليه وتخلي عن احتضانها لدقيقة واحده واخبرها شارح نفسه بلغته ووجهه يرسم ابتسامة ضعيفه مهتزه :"ما الذي كدنا نفعله..انت زوجتي حلالي وحب طفولتي وشبابي لن آخذك ابداً هكذا"
عينيها لمعت بالعشق لملامحه الرجولية بالانبهار وقالت بتلعثم خجل :"كيف تريدنى اذن ؟!"
اشار بكلمة واحده ولون واحد:"بالأبيض ياموجة"!
انتفض من أثر الذكرى ساخراً من نفسه صارخ بقهر نعم هي موجته التي أشبعته حباً زائف وأوهمته بنعومة مدها...قبل ان تعود تخدعه وتخون عهدها فتجذبه للبحر الواسع ترميه داخل غياباته دون انذار مسبق او حتى تمهله لتعلم فن العوم ؟!"
*************************
عندما يتذكر الطريقة التي بدأت بها الحكاية لا يستطيع ان يمنع نفسه من الغضب…من القهر والثورة لرجولته...من الاحساس بالعجز آن ذاك...كم كان ضعيف وقد ظن في نفسه القوة التي لا تقهر...كم كان ساذج وغبي وقد اعتقد في نفسه انه أذكى مخلوق وسط عالم من الاغبياء...
لقد بدأت الحكاية منذ ما يقارب التسعة أعوام عندما كان شاب أحمق...رغم عنفوانه وكفاحه مثل الكثير من الشباب الذي يغترب يبحث عن لقمة العيش...فباع كل ما هو غالي ونفيس وذهب لدولة الكويت في بدء الأمر عمل في كل شيء واي شيء...حتى عامل بالأجرة يرفع"القصعة"على كتفه حتى أدمته وتقرحت تاركه أثرها ليتذكر ما كان عليه لما تبقى من عمره ستة أعوام كاملة يدخر القرش على القرش كما يقولون...حتى كون مبلغ مالي محترم..معتقد انه ملك الدنيا ويستطيع ان يبدأ حياته كما يجب وكم كان مخطئ..عندما ظن في نفسه انه بعيد عن الطامعين ضعاف النفوس...والذي أوقعه حظه الأسود مع أحدهم لسعه بالقهر المحتوم لوى ذراعه وإبتزه...بكل ما يملك من حطام الدنيا..؟!
"ما كان يجب ان تستسلم..ربما ان قاومت أعلنت رفضك...تمسكت بها ما كان وصل بكما الحال لطريق مسدود لن يفتح أبداً وكيف يصلح ووالدها ترك بداخله قهر وثورة وشعور بالعجز لن يداوي رجولته حتى وان كان أخذ حقه الأن على أكمل وجه...ولكن تبقى هي!!
صوته كان هادئ خفيض..وفِي عينيه حزن دفين لم يسمح يوماً لأحد أبداً ان يراه عندما قال:
"لقد كنت هشاً ضعيف..عاجزا عن الرفض تارك له حرية التلاعب بمصائرنا فلم تستحقيني ولا انا استحقك ؟!
عاد الي وقته الحاضر وهو يتأمل من نافذة سيارته المرصوفة بعيد عن الأنظار الفضولية...وإنما استراتيجية لمراقبة بوابة الجامعة.. ما الذي اتى به الى هنا...ما الذي يجبره ان لا يخلصها ويخلص نفسه من قيدها...وقد نفذ بالفعل وخلق لنفسه حياة جديدة ؟!! ابتلع أركان ريقه وهو يراقبها تتهادى في فستان أنيق طويل يصل حتى كاحليها...يعلوه جاكت من الجينز الأبيض يعلم يقينا انه يغطي ذراعيها العاريتين تحته...وكيف لا وهو من قام بشرائه بنفسه!!
خطت لخارج الجامعة متوجهة مباشرة نحو الشارع وكم حمد الله ان لا أحد يرافقها او يتبعها..كعادتها وإلا كان خرج من مخبئه..ولم يتردد للحظة في صفعه وتهشيم وجهه كما فعل مع الأخر الذي كان يحاول الاقتراب منها بتبجح نظر لساعته فوجدها لم تتأخر اليوم في محاضراتها الليلية...هي ملكه..ملكه وحده:"ربااااه"
ابتلع ريقه وهو يخبط رأسه بتعصب على المقود متى ينتهي من دوامة آل الزيني ؟! لقد حرمها على نفسه فحرمت هي نفسها عليه بعد ان كانت تحوم حوله وتطالب بوده ؟!
رنين هاتفه أعاده لواقعه ليصفعه بحقيقة وضعه...يجب ان يترك بندقية العينين قريباً.. قريباً جداً..لا هو لا يهواها ولا يريدها...لن تسيطر عليه إبنة مختار الزيني..حتى وان كانت حياته هي الثمن....
نظر لهاتفه بجحيم يعانيه يعرف يقيناً انه ألقى نفسه فيه...لطامعة أخرى لم تتهاون او تتردد ان تغازله تلاعبه تلقي شباكها لإغوائه بكل الطرق حتى وهي تعلم يقيناً انه متزوج من أخرى تفوقها جمالاً وعلماً ونسب..حتى انها أصغر منها سناً!!
ضحك بسخرية قبل ان يفتح هاتفه قائلاً بصوت لا حياة فيه :"مرحباً"
اتاه الصوت المدلل يخبره :"مرحباً حبيبي اشتقت اليك...لماذا لم تمر علي من الأمس..كما اتفقنا ؟!"
أخذ نفس عميق كي يكبح ذلك الغضب الأعمى الذي كان يجتاحه كلما تذكر ما يفعله بنفسه:
"العند يورث الكفر..والغباء يوقعك في الحضيض ومن سخرية القدر هو يعلم تماما انه عنيد وغبي وسلبي؟!"
قال باقتضاب:
"لم يكن لدي الوقت..وقد أخبرتك يا دلال مراراً اني لست شاب صغير انت اول فرحة زواجه حتى ألف معك على محلات الاثاث او الجهاز"
عينيها السوداوين على الطرف الأخر امتلأت بالغضب والكراهية التي هذبتها جيداً ليخرج صوتها الخبيث يخبره ببطئ :"نعم حبيبي ربما انا الثانية ولكني الاخيرة..والوحيدة..الم يكن هذا كلامك لي"
قال بصوت مكتوم جاف :"اسمعي دلال من أجل مصلحة هذا الزواج لا تعيدي علي مسامعى اي شيء أخبرتك اياه مجاملة...كانت فقط من أجل ليلة عقد القران"
نفخت في طلاء أظافرها الذي لم يجف قبل ان تسيطر جيداً على نبرتها كأفعى سامة وهي تقول :
"كما تأمر يا سيد الناس...وحبيب قلبي انا ليس لي غيرك يا أركان ارجوك حبيبي تذكر هذا"
أغمض عينيه سامح لنفسه بأن يصدق ما يدرك بكامل قواه العقلية انه كذباً...عندما سمع نفسها الحار المتملك يخبره :"انا أغار اركان عندما اتذكر انك كنت لها..لمستها أخذت منك ما هو حقي حبيبي...انت حبيبي انا عشقي وهي لم تكن لك يوماً لم تستحقك او تقدرك والا ما كانت تركتك هكذا دون اي محاولة ولو ضعيفه للاحتفاظ بك ؟"
لوى شفتيه وعينيه تبرقا ببريق مجهول وهو يخبرها مصدقاً :"نعم هذا صحيح..انت محقه كانت فرصتها بزواجنا…كما هي فرصتك الوحيدة والضخمة عزيزتي"
ارتبكت وهي تسأله"ماذا تعنى..انا احبك فقط"
افتر فمه عن شبه ابتسامة وهو يقول :"اه نعم أعرف بالطبع..على كل حال المال الذي طلبه والدك كامل لقد مررت اليوم ومنحته اياه ومفتاح الشقة معك..اذهبي مع عائلتك واشتري ما تريدين ولكن انا يجب ان اذهب للقاهرة اليوم لدي عمل يجب ان أنجزه"
وبدون تردد أغلق الهاتف ملقي شوقاً زائف وسلام باهت"؟!
*************************
لمسها ؟! ليته لمسها او تملكها..لقد أهدر من عمرها وعمره عامين وبضعة أشهر..تاركها مع أمه هارباً من كل شيء لجئ لأحضان الغربة حتى يكسب حربه..ويستعيد كل ما لوى والدها ذراعه به..وقد ربح وانتقم منه في عقر داره ولكنه مازال بين شقي الرحى يتأرجح..متنازع في غيبات القدر لا هو قادر علي المضى قدماً او الرجوع الي الوراء...
تذكر ليلة عقد قرانه على دلال..والتي لم تمانع للحظة ان تغويه وتغريه حتى يلامسها بحميمية..يذكر يده التي كانت تحوم فوقها بجنون برغبة وحتى شهوة إعتقدها في نفسه..أجبر شفتيه على الغرق فيها كما كانت تدعوه مرحبة...تحاول ان تنهل منه المزيد..كان يعلم جيداً انها لا تريد إلا توريطه بتفعيل زواجه حتى لا يتردد او يتركها وهو كان لا يبالي ولا يهتم...لقد تزوجها لهدف واحد محدد ان يسيطر على مشاعره المحمومه تجاه أنثى واحدة فقط..لقد أراد الهروب معتقداً انه اذا أَطْفأ رغبته ومشاعره في اي أنثى سواها قد يستطيع ان يمضي قدماً في حياته وينساها..
ولكنه لم يجد مع دلال شيء الا البرود والخواء...فأزاحها برفق مبتعد عنها متحجج بأن الامر لا يجب ان يتم بتلك الصورة...وبين عينيه لا يتذكر الا عينين بندقيتين شقيتين بهما حنان العالم عينين أحبته بيقين تحملت منه..ما لم تتحمله إمرأة..عينين تشابه عيني رانيا الخائنة المخادعة..والتي أوقفت حياته وجعلته يعاني يفقد الثقه والانهزام...عينان يريد ان يتخلص من طيفهما ولم يستطع..
الطريق طويل ومظلم ما كان يجب ان يذهب الى القاهرة الآن
حاول ان يٌفيق نفسه وهو يبحث في السيارة عن سجائر للطوارئ فهو ليس بالمدخن الشره ولكنه يحب ان يستخدمها من وقت لآخر..
يده اصطدمت بشيء صلب بدل علبة السجائر فسحبه يرفعه امام وجهه "صدفه بحرية مزينة بعدة ألوان زاهيه"
ارتعشت ابتسامته وهو يتذكر من أهدتها اليه صارخه في وجهه عندما ضرب أستاذها وسحبها من أمامه مقحمها في السيارة بثورة وغضب انتهي جدالهم عندما وصلت لمنزل أمه المقيمان فيه منذ تزوجها..عندها أخرجتها من حقيبتها الشبابية البسيطة ملقية بها في وجهه:
"انها صدفه قيمة يا أحمق..صنعتها من أجلك.."
لم يبالي عندما صاح فيها بعنف :"وما علاقة تلك التافهة..بوقوفه معك"
زمجرت بشراسة وشعرها البني الناعم يثور حولها في هالة جذابة ساحرة :"كان يسأل عن مكان شرائها"
سخر"وهل اخبرتيه يا ودودة؟!"
"غبي"
تمتمت قبل ان تجيبه بصراحة محددة واضحة:
"لقد بحثت عنها على الشاطئ من أجلك عملت عليها وزينتها لتشبهك ولكنك لا تستحق"
لم يرد بل منحها نظرة ساخرة وقحة علمت فحواها...ناظرته بقوة ببأس قبل ان تخبره بجمود وقد هدأت فجأة :"الآن علمت لما رانيا هربت منك تاركه اياك ليلة زفافكم..انت لا تستحقها...انت بارد يا أركان"
كلماتها وضعت الملح على الجرح النازف حارقه كليهما..قبل ان تراه يُجن تماماً كثور جامح أعمى البصر والبصيرة...
خرجت مسرعة صافقه باب السيارة خلفها بعنف مما زاده جنون فوق جنونه عندما ركض خلفها وهو يقول:
"ستدفعي الثمن ديالا غالياً...كل ما قولتيه كوم وما فعلتيه بسيارتي الغالية كوم أخر"
عاد من ذاكرته وهو يضع الصدفة في جيبه مبتسم الوجه..ذكرى فقط لوجهها المستدير المتناسق مع جسدها الممتلئ..تكفيه للابتسام...أشعل سيجارة اخرى وأخد نفس خلف الأخر وهو يضيق ما بين عينيه...هامس لنفسه"لم يحب المرأة النحيلة يوماً بل منذ أحلام مراهقته أراد شريكة فراشه ممتلئة مغرية وطرية"
اطلق دخان السيجارة وهو يهمس ببرود:
"نعم ولذا استبدلتها بالأنسه ممسحة الأرضيات جلد على عظم"
تأفف وهو يتذكر مرة أخرى..ما حدث هذا اليوم الفارق في حياة كليهما
دفعها داخل الغرفة بحدة غير مهتم بما قد يسببه لها من الألم او حادث عرضي...وقال صارخاً :
"من تظنى نفسك لتعصي أمراً قد أصدرته ؟!"
التفت سريعاً على عاقبيها وهى تنظر له بعينين باردتين دون ان تهز فيها شعره واحدة..ثم ما لبثت ان قالت ساخرة :
"عرض ممتع سيد أركان..."
صمتت لبرهة تقترب منه خطوة أخرى ويدها ترتفع تزيح خصلات شعرها المتهدل على عينيها ثم قالت بصقيع مستفز :"وطالما سألت...أحب انا الأخرى ان أعلم من انت وما هي صفتك في حياتي لتتحكم بي لتحرجني أمام أستاذي الجامعي"
أحس أركان بالدماء تهدر صاخبه في عروقه وباستفزاز لرجولته فمد يده مرة أخرى يقبض على ذراعها بخشونة وهو يهزها بقسوة قائلاً بغلظة: "الناعمة البريئة أصبح لها صوت...وتقف أمامي..انا من يأويك لعامين في هذا المنزل انا من يدفع ثمن ملابسك مأكلك ودراستك...وانا الوحيد الذي أملك كل جزء منك ؟!"
وكأن ما يفعله لا يعنيها عندما هزت كتفيها بلا اهتمام وهي تقول مستفزه اياه :"هل تعايرني بأشياء واجبه عليك أركان ؟! "
توسعت ابتسامتها أكثر وأكثر وهي تستدير علي عاقبيها تستطيل على أطراف أناملها وترفع وجهها ليصبح على بعد أنش واحد من وجهه وهي تقول :
"اذاً فلتعتبر كل أموالك تلك تعويض عن تقصيرك كرجل في حق أنوثتي..هل نسيت ما حدث ليلة زفافنا ومازال يحدث ام تحب ان أذكرك ؟!"
أحس بالدماء تتجمد في عروقه...ووجهه يبهت فاقد كل معدلاته الحيويه.. عندما أمسك كلا ذراعيها بتشدد وفاهه يفغر بذهول غرس أنامله التي مؤكد ستترك أثار لن تشفى بسهوله من علي جسدها اللين:
"هل تستوعبي ما تتهمينى به...هل ظننتي ان الأمر لعيبِ فيّ انا...وليس تعفف منى..لملامست إمرأة مثلك ؟!"
لم تستطع ان تصمت رغم الألم العميق الذي شق قلبها بمشرط حاد قاسي لن يشفى جرحه الدامي يوماً...فقالت مصححة صريحة واضحه :
"بل فتاة مثلي !! ماذا أركان ما عيبي الذي يؤلمك هل مازلت ترى وجهها بين ملامحي ام مازلت تبكي عشق رمته في وجهك كما ألقتك انت شخصياً وراء ظهرها وذهبت للأخر تعيش معه أجمل أيام حياتها..بينما انت تبكي أطلالها ؟!"
وجهه بملامحه الصارمة كان يعبر لأول مرة عن حرب ومعاناه وصلتها واضحه فشعرت ببشرته التي اقشعرت ومشاعره العاصفة التي تتبدل علي وجهه ما بين غضب ثورة حيرة وألم ؟!
أغمض عيناه بقوة ثم فتحمها مرة واحده عنيفتين قويتين غاضبتين بينما يدفعها نحو الفراش...ويده تمسك بطرفي قميصه شده مرة واحده فتتطاير أزراره في كل مكان وهو يقول بنبرة شرسه خطرة :
"بل لأول مرة أراكِ مثلها...وضيعة..تقفين تغازلين هذا وذاك وان كان جسدك يطالب بهذا فلما لا أسد حاجتك تلك"
اعتدلت"ديالا"سريعاً من على الفراش وهي تخبره بغضب تصاعد اخيراً وثورة أوشكت على الانفجار في وجهه :
"هاااه اكمل مره اخرى وكأنِ أصبحت اخشاك سيد أركان..بل انا انتهيت منك تماماً والى هنا كل شيء بيننا انتهى"
وقفت سريعا تنوي المغادرة ظناً منها انه تهديد كعادته محاولة اقتراب واهيه او حتى قبلات محمومة يسرقها منها يصهرها فيها...ثم يفل منها هارباً موجع قلبها ومحطم رقتها على صخر قلبه المجحف في حقها...
عاد ليمسك مرفقها بعنف ثم ألقاها بحدة على الفراش...وهو يقول:
"ليس الليلة سيدة ديالا طالما...طالما الفتاة الصغيرة أصبحت تُشكك برجولتي يجب ان نثبت لها العكس حتى تضب لسانها داخل فمها وعينيها المغوية داخل محجريها والا المرة القادمة سيكون علي ان أعميهما"
قاومته بكل ما تحمل من كبرياء وغضب...حب كان كموجة جارفة نقيه كسرت وانحصرت على شطه المقفرصرخت:
"أبتعد أركان والا سأخبر خالتي بما تفعله معي لن أتوانا في إخبار الجميع انك تحاول اغتصابي"
لم تلن ملامحه ولم تصل لروحه أي حس دعابة مما تقوله بل كان يعلم جيداً كيف يثبت جسدها اللين..وكفيه الغليظة تعرف طريقها نحو ملابسها التي أصبحت بعد خمس دقائق من معركته الشرسة معها ملقاه في كل مكان فى أنحاء الغرفة.
لدقائق طويلة لم يستطع ان يمنع عينيه ان تحدق فيها بإنبهار جسدها الخمري كان دون غلطة ممتلئ قليلاً كما يعرف ولكن مغوية قاتله..جعلت كل جزء في جسده كما قلبه ينبض بجنون صارخ مطالب بالامتزاج معها..لم يعلم ولم تعلم متى مال نحوها يلتقط بفمه الغليظ شفتيها الرقيقة.. برفق بتمهل..كان يشعر بنفسه ضائعاً جداً..غريقًا وفقد القشة الوحيدة التي كانت قادرة على انتشاله من الغرق من رفع راياته نحوها..من الاحتفاظ بكرامته وكبريائه..كان يعرف ويعلم ان بدأ معها ان إحتواها بين ذراعيه ان لمسها كما يفعل الأن..سيرفع رايات استسلامه وتنهزم كل جيوشه ويخسر كل معركته تحت قدميها..رباااه انه يخون نفسه وعهده معها وفيها...كيف يستطيع ان ينظر لنفسه ان وقع أخيراً في فخهم مرة أخرى عبر ديالا ؟!
"ديالا"
همسها بصوت مبحوح ينبض عشقاً وقهراً...لم تكن أفضل منه حالاً وقلبها ينبض بتسارع مجنون انها تحبه...منذ ان رأته أول مرة تمنت وده وامتلاك قلبه...ومعه تصبح ضعيفة هشة كما هي الآن! ابتعد برهة واحده ينظر لعينيها الغائمة بمشاعر مختلطة لفمها الملتهب إثر قبلاته ..لذراعيها التي تلويها على صدره وكفيها التي تتمسك بشدة بكتفيه وكأنه كنز ثمين تخشى ضياعه...
ورغم كل الحديث المتناقض بين الرفض والقبول التوسل والتكبر...الذي يملأ صدر كل منهما ولكنها صمتت خشية ان ينطق أحدهم بما يفقدهم سحر اللحظة..فانخفض هو برأسه نحو أنوثتها العارية ينهل منها ويمنحها بحق عامين من البعد والجفاء والغربة الذي اختارها هو طريق طويل بينهم...أحاطت ديالا رأسها على الوسادة..مستسلمة تماما مخدرة بين مشاعره الجامحة..وما يفعله بها يلسعها بسياط الخجل والحرج..ولكنه أبداً ليس الندم ؟!
كانت تشعر أخيراً بالدفء بين عينيه وبالعواطف القوية عبر يديه.. بالترجمة الفعلية لا اللفظيه أنه يريدها يرغبها...ربما أصبحت أخيراً تمثل شيء داخل قلبه ؟!
كان ضائع كليا في ترجمة إحساسه بها...ورغم كل شيء هو أرادها جسده كان يصرخ مطالب بعشقها بالانصهار داخلها....
ولكن جزء متمرد فيه جزء منتقم غاضب وناقم مازال يحذره يرعبه ان يسلم لإحداهن يوما لديالا بالذات من بين جميع حواء...
كاد كليهما ان يحسم معركته عندما ارتفع أركان ينوي ان يحسم معركته تماماً عبر امتلاكها...ولكن كلاهما تجمد في مكانه رعباً عندما صدح صوت أخر وكأنه ضبطهم بجرم مشهود لن يغتفر ابداً!!!
يذكرجيداً ما حدث بعدها وهو ينهض سريعاً من فوقها يحدق في جسدها العاري الذى تحاول ستره بنوع من العجز..الضياع..لقد كان تائه ينازع...ليعود اليها يحتضنها يُطفئ حاجته بها وفيها...ولكنه لم يستطع كبريائه منعه صورة رانيا ومختار الزيني كانت تقف حائلا بينهم عناده وكبره..الكثير والكثير من الحواجز التي لم يستطع كسرها..يذكر جيداً كيف سحب ملابسه ليرتديها سريعاً...دون إبطاء يذكر أيضاً كيف وقف يخبرها ببرود وقسوة :"الاتصال من دلال خطيبتي...وهي الأهم لدي الأن وإلا كنت علمتك جيداً من هذا الذي تشككِ في رجولته"
تبدل في لحظة تورد وجهها للشحوب التام حتى شابهت الأموات شفتيها أخرجت نفس صعب وهي تردد بذهول :"خطيبتك ؟!"
لم يلتفت اليها وهو يخرج من غرفتها مسرعاً وقال دون شفقه :"نعم وماذا اعتقدتِ انى سأرهن عمري بجانبك..انتِ كنتِ مجرد تعويض لصفقه خاسرة...تعويض لم يكن كافي لي...او لنتحرى الدقه..انت تشبهينها جدا ولكنك ليست هي !!
عاد أخيراً من الذكريات التي لا ترحم عقله...كان وجهه بدون تعبير عينيه الداكنتين تتابع طريقه دون انفعال يذكر...ساد صمت طويل في عقله لم يتخلله سوى صوت محرك السيارة وهواء الطريق الصحراوي البارد ليلاً حتى التجمد!
أغلق عينيه لبرهة فقط وهو يسحب سيجارة أخرى لم ينتهي من إشعالها...حتى وجد نفسه يضيع في اللاشيء فقط حياته تمر أمام عينيه وصوت صرخات من كل جانب..عيناه تغلق اجبارياً وألم يشتعل في كل أنحاء جسده ألم ونار حقيقية تكويه وعجل سيارته المنقلبة...يدور نحو السماااااء..
************************
بعد عشر ساعات
شابة صغيرة لم تتخطى أعوامها الواحد والعشرون كانت تهرول بملابس غير مهندمة ووجه ملطخ من أثر البكاء شعرها مشعث حول وجهها معبر عن حالة الجنون التي تعانيها...
اقتحمت مستشفى"……."في أطراف مدينة الاسكندرية..
تتخبط في كل من يقابلها لا تدري حتى بالدنيا حولها هدفها واحد ومحدد فقط روئيته حي يتنفس مازال بينهم...تتبعتها أختها ورائها اذ لم تستطع ان تمنعها او تتركها وحيدة عندما سمعت الخبر لقد رفض الجميع اخبارهم.. عن مكانه متعللين انه ليس من حق إلا زوجته وأمه!! ولكن أحد أصدقاء أركان أشفق على حالهم فأوصلهم بنفسه...
وصلت أخيراً لممر طويل أمام غرفة الحالات الحرجة وبعينيها التائهة التي تورمت من البكاء استطاعت ان تلمح والدته تجلس على احدى الكراسي البلاستيكية تمسك بيدها المهتزه مصحف صغير تقرأ فيه بصوت منتحب متهدج ان ينجيه...ركعت الشابة أمام قدميها تتمسك بركبتي"الخالة صفاء"وهي تسألها بتوسل مرير:
"أخبرينى فقط انه بخير أرجوكِ خالتي أريد ان أراه...يقولون انه ليس من حقي"
رفعت صفاء عينيها الموجوعتين على وحيدها...قبل ان تضع المصحف جانباً تحاوط وجهها بكلا كفيها الحنونتين:
"يجب ان يكون بخير ادعو له حبيبتي من أجلي وأجلك"
صوتها كان مبحوح وهي تعيد توسلها بريق جاف:"أريد ان أراه..حتى لو لدقيقة واحدة ارجوكِ خالتي"
الصوت الكريه كان مجيبها بثورة تعلم يقيناً كذبها"وما هي صفتك لتريه غادري من هنا حالاً…لقد أخبرنى اركان انه لا يريد ان يرى احد"
بعض الأصوات من الحاضرين أهل او أصدقاء صدقوا على صحة ما قالته دلال...التي لمعت عينينها بانتصار لم يكن مكانه او وقته
"تباً"
قالتها اختها المراقبه للموقف...وقبل ان تأخذ خطوة للتقدم لنهش وجه الأخرى للدفاع عكس طبيعتها الهشة التابعة...كانت تقف بعنفوان. مناقض تماماً لجسدها المهتز حزن وانهيار وغضباً صرخت بكل ما تحمله في صدرها من كبت قهر تقدمت رانيا أخيراً تقف في ظهر اختها تسندها بكلا كفيها تمنحها دعم تأخر كثيراً كثيراً جداً:
"تباً لكم جميعاً انا زوجته زوجته...لا أحد أحق مني برؤيته والوقوف بجانبه..لا أحد سيرتضيه غيري"
وكانت الكلمة الحاسمة للطبيب الذي خرج يسألهم:
الصوت الكريهه كان مجيبها بثورة تعلم يقيناً كذبها " وما هي صفتك لتريه غادري من هنا حالاً…لقد اخبرنى اركان انه لا يريد ان يرأى احد " بعض الأصوات من الحاضرين اهلها او اصدقاء صدقة على صحه ما قالته دلال …التى لمعت عينينها بانتصار لم يكن مكانه او وقته
تباً " قالتها اختها المراقبه للموقف … وقبل ان تاخذ خطوة للتقدم لنهش وجه الاخرى للدفاع عكس طبيعتها الهشه التابعه..؟!
… كانت هي تقف بعنفوان. مناقض تماماً لجسدها المهتز حزن وانهيار وغضباً صرخت بكل ما تحمله في صدرها من كبت قهر وهي تستشعر تقدم رانيا اخيراً تقف في ظهرها تسندها بكلا كفيها تمنحها دعم تأخر كثيرا كثيراً جداً " تباً لكم جميعاً انا زوجته زوجته …لا احد احق منى برؤيته بالوقوف بجانبه ..لا احد سيرتضيه غيرى "
وكانت الكلمة الحاسم للطبيب الذى خرج سألهم سريعاً يسألهم باضطراب " المريض استفاق وطلب رؤية زوجته ؟!
أجفلت ديالا وهى تلتفت برأسها سريعاً ناحية الطبيب شاعره بالقهر بالخيبة بالخوف ؟! حبست انفاسها عندما تقدمة دلال … تخبره بثقه " انا زوجته ..بالطبع لن يريد غيرى "
توقف الزمن للحظات ..شاعره بالخيبه بالوجع … ولكنه يبقي حقها رغم كل شئ رغم ذبحه اياها ولكنها تعلم حقيقة نفسه جيداً لذا قطعت الصمت وهي تتقدم صارخه ناهشه دلال من امام باب الغرفة تزيحها بعنف وهي تصرخ بجنون وفقدان سيطرة :-" تباً لك ولكم …انا اعرفه اكثر من نفسه الغبي لن يريد ان يرأك او غيرك "
وقفت والدته متقدمة اليهم تبعد بين كليهما بضعف وقالت باكية لعينى الطبيب الذاهله مما يحدث :-" يكفي ابنى يضيع منى منذ ساعات وانتِ تتنافسان ؟!"
واجهت عينى دلال الخبيثة التى تنظر إليهن بشررر لم تحبها يوما ولم ترضى عن قرار ابنها ابداً …؟!
ثم عاودت النظر لكنتها وصديقتها بل كانت عون لها في غربة ابنها فلم تشعر اتحاها الا انها ابنه نطقة اخيراً بثبات رغم انهيارها وانشطار قلبها علي ابنها ولكنها لن تستطيع الان رؤيته والمواجهه ؟!؛- ابنى لا يوجد لديه الا زوجة واحده هي من لها الحق الان لتراه اي ما كان ينتظرها في الداخل ،..انا اثق انها تستطيع المواجهه "
صمتت لُبرهه تقلب عينيها بينهم …ثم قالت بقوة غير قابلة للجدل " ديالا ..ليس هناك احق منك لرؤيته …انت ِ لن يتسطيع احد ان يكون بديلك يوما او يتاخد مكانتك .."



سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-19, 09:58 PM   #3

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني



رغم انهيارها الكامل داخلياً...ولكنها تمسكت بواجهة صلبة…حتى تستطيع مواجهة ما تُجزم انه ينتظرها فور ان يتبين ملامح وجهها!كان من الغريب على ديالا ان تراقب وضع أركان الجديد… كيف لإنسان ان يكون بكل هذا الجبروت والقسوة لدهر من عمره وفي لحظة من ترتيب القدر يصبح بهذه الصورة...الصورة البشعة؟!! تقدمت خطوة أخرى أكثر جراءة حتى أصبحت مواجهة فراشه أغمضت عينيها لبرهة وأخذت تشحن نفسها بالمزيد من الصبر والطاقة تحاول ان تبعد عن عينيها صورته السابقة وتتأقلم مع ما تراه الآن وكأنه وضع عادي لا تقشعر له الأبدان...تمتمت لنفسها بألم دفين:" تذكري انكِ الوحيدة القادرة على احتوائه...لا يجب ان يشعر ان شيء تغير المهم هو ديالا…كل الاهم هو!!"

فتح أركان جفنيه أخيراً بتشوش...بتعب وإجهاد..ثم رفع رأسه نحوها متأوه بصوت خفيض معذب وكأنه يفعل شيء لا طاقة له به ومجهود يحتاج ألف رجل !!

اقتربت منه بلهفة تخبره بصوت متهدج رغم محاولتها التماسك :" لا تحاول التحرك..يمكنني الاقتراب منك وإخباري ما تريده ؟!"

راقبت ديالا كيف لملامحه رغم تشوهها تبدلت في لحظة كلوحة جليدية من الغضب المكبوت…ثم ما لبث ان قال بصوت متقطع خرج من حنجرته بصعوبة :" انتِ ما الذي أتى بكِ الى هنا ؟"

كانت قد وصلت اليه بالفعل فمالت قليلاً نحوه لتوجد لها مكان وسط الأسلاك المتعددة الموصولة في جسده وقالت بصوت متهدج بدا واضحا أن دموعها المكبوتة كانت سببا فيه:

" وأين تريدني في وقت تحتاجني فيه ؟!"

لم تتغير ملامحه..ولم يبين صوته رغم تألمه الجلي :" انتِ وعائلتك أبعد ما يكون يوماً ان أحتاج إليكم أخرجي من هنا حالاً..."

للحظات ظلت صامتة تتأمل صدره العاري الملفوف بضمادات طبية وبعين الخيال رأت ما تحتها مستنتجه مما تراه في وجهه من حروق واحمرار قد يصل الى الدرجة الثانية…جرح عميق على طول جانب وجهه...فبدل ملامحه الوسيمة سابقاً تماماً مودعها الى الأبد كما يبدو…بجانب ما سمعته من الطبيب عن تحطم الكثير من عظام جسده حتى انه احتاج لزرع الكثير من الشرائح..لم تستطع ان تمنع دمعتها التي هبطت بتلقائية..ولا صوت شهقتها التي خرجت متقطعة مكبوتة على حاله وهي تقول :" الأمر لم يعد إختيارك او إختياري…أنا هنا في مكاني…لا أنت ولا أي أحد يستطيع ان ينكر علي حقي في التواجد هنا "

لم يرد على الفور بل عينيه الداكنتين حدقت فيها بمشاعر مبهمة بينما يختلط داخل صدره الكثير من الأحاسيس..يستمع إليها وقد شعر ان العقاقير والمسكنات قد بدأت أخيراً تسري في جسده مسكنة أوجاعه ام يا تُرى وجودها هي هنا عكس ما توقع هو ما سكن الألم ؟!

نطق أخيراً بخشونة وليته ما نطق :" هذا لا يُشكل فارقاً او يمنع الحقيقة انتِ أتيت الى هنا للشماتة يا ابنة الزيني…فهل أعجبك ما رأيتي؟أخرجى من هنا حالاً…لا أريد رؤية وجهكِ مرة أخرى"

للحظة…لحظة واحدة أحس بقلبه يرتعش..وهو يشعر برجفة جسدها وهو يستمع لتهدج صوتها المختنق بالبكاء ولكنها كما عهدها عندما رأها أول مرة قوية حازمة مندفعة ومدافعة نحو ما تريده :" هنا مكاني..وهذا دوري ورغم أنفك سأبقى معك أساندك "

رغم آلام جسده وعدم استيعابه بعد او تصديق ما وصل اليه حاله وبالطبع جهله التام أين سينتهي به الأمر؟! ولكن مع كلماتها القوية كان قلبه يطرق بدوي مجنون داخل صدره… ولكنه قال بكلماته الغبية الجارحة المعتاده : "بأي صفة انتِ هنا…ذكريني؟!"

اقتربت بوجهها من وجهه وهي تقول بتصلب:"زوجتك"

تلوى وجهه بألم المرض وهو يقول :" لم تعودي "

شحبت وهى تسأله :" هل طلقتني؟!"

قال بصوت مكتوم :" لا "

سكنت ملامحها فجأة تحدق به متسعة العينين..بينما بادلها هو التحديق بسكون مماثل وقد بدا في تلك اللحظة ان الصمت خيراً لهما من كل جمل العشق او الندم..او ﻋتاب..يدها كانت الأجرأ فمدتها بخفة تمررها على وجهه المحمر والمغطى بعدة ضمادات متقاطعة الاتجاهات ولكنها لم تغير ملامحه الوسيمة حد الألم بعينيها. وقالت بشفتين مرتعشتين ولكن واثقتين: "هل تنوي أركان؟!ان كنت..أخبرني بها الآن في وجهي مباشرة وصريحة"

كانت عينيه ترفض ان تُقابل عينيها بإصرار فأغلقهما مدعي الثبات وكأنه يخشى ان ترى ما ارتسم على ملامحه من مشاعر من نزاع وذعر كرامته الآن وفِي تلك اللحظة تُجبره ان يرمي اليمين في وجهها ليحررها منه قبل ان تجبره عليها بنت الزيني قبل ان تعايره بما وصل اليه حاله..." ولكن قلبه كان له السلطة والقوى ان يتحكم فيه ولا يجرأ ان يفعلها ….

وكأنها فهمت..لا بل هي عرفت عندما كانت تطلق عليه في سرها وأحيانا تُجاهر بها انه غبي جلف ومحدود المشاعر لم تبالغ لذا حاوطت وجهه برفق وحذر وقالت بعين اشتعلت بالإصرار والتحدي:

"أرفضني كما شئت…تخلى عني كما تُريد..ألفظني من حياتك كما يأمر هوى نفسك ولكن رغم أنفك وأنفها رغم كل شيء أنا لن أرحل أبداً ولن أتركك حتى تعود كما كُنت أحمق قاسي..تتجبر عليّ بعشقك الذي تعرف انه يسكن قلبي "

أغمض عينيه وهو يتشرب قربها..نعومة كفيها..دفئها..حنانها رائحتها المخلوطة بماء البحر! فلا تُذكره إلا بطفولته بشاطئ العجمي الذي ترعرع فيه وملأه بالدفء..بالحنان والحنين..بالقوة والأصل..برائحة الوطن..كما رآها أول مره !!"

لم يرد بشيء ولم تنتظر عندما أخبرته قبل ان تندفع خارجة من الغرفة: " أنا هنا أقحم هذا في عقلك..لو عينت ألف وألف حارس على غرفتك لن يستطيع منعي عن الوصول اليك !!"

أغلقت الباب خلفها قبل ان ترى الطبيب يهز رأسه نحوها ويدفعها برفق ويلج الى الداخل..

تعلقت العيون بها..فلم تكن في حالة تسمح لها بالجدال او دخول معارك مع أحد ،فقط استطاعت ان ترفع عينيها لأمه تُخبرها بإختصار وابتسامة مرتعشة: "انه بخير لم يحدث شيء..تعلمين ان ابنك صلب وأعتقد انه أراد إخافتك قليلاً "

اقتربت منها صفاء بجسد مهتز وكما أيامهما الخوالي حاوطت وجه ديالا بكلا كفيها المتغضنة وقالت من بين بكائها :" أنتِ تكذبين؟! "

هزت رأسها دون ان تستطيع ان ترفعه لتواجه المرأة ثم دفعت بجسدها كله على صدرها وهي تخبرها بإنهيار وبُكاء سمحت له بالخروج عالياً: "نعم..نعم أنا أكذب..أكذب خالتي ولكني أعرفه والله أعرف انه سيقوم منها فهو أقوى من هذا "

حاوطت صفاء بذراعيها تحتضنها بقوة ولم تعرف هل تواسيها ام تواسي نفسها لم تقل شيء ولم تجد ما قد تُخبرها إياه لتُصبر قلب كليهما…اكتفت فقط بالتشبث بها وشكر القدر ان معدن ديالا غير جميع من مر في حياة ولدها..اذ انها تُوقِن أن لا أحد سيتحمل مصابه او يقف بجانبه إلاها.

وضعت دلال يدها على صدرها تراقب احتضان كل من أمه وزوجته بإستخفاف ساخر بينما بداخلها يشتعل قلبها بالحقد الدفين…لقد راهنت على نفسها أنها تستطيع إخراج تلك اللا شيء من حياته خلال شهور قليلة وقد كادت ان تفعل..لولا هذا الحادث المُزعج والتي لم تعرف أبعاده بعد… كان ينقصها الأن مرض وتمريض ومزيد من الاهتمام والود الزائف ،وتلك العلقة بالطبع لن تتركه..سبت أركان داخلها بعنف فلو كان طلقها كما تعشمت وحاولت إقناعه بكل السُبل المتخفية واعدة اياه بالجنة والتعويض لما كانت الآن اضطرت لتتنافس أيهما حزنها أعمق وتستطيع الاعتناء به همست: " لقد ظننت انه صيد سهل رجل متزوج كاره زوجته لديه من المال والشباب ما يجعلني افعل المستحيل لأحصل عليه وقد فعلت خلال أشهر قليلة فلماذا أصبح الأمر صعب معه ؟!فالقاعدة معروفة متزوج أحمق وزوجة حمقاء اذن الصيد أسهل بكثير مما كانت تظن!"

صبراً دلال صبراً ستحققي كل ما تتمني ولكن الأمر قد يتطلب منك قليلاً من المجهود عبر أزاحة زوجته الأولى وأمه قبلها !!"

******************

لساعات وساعات كانت تجلس أمام غرفته بجسد متصلب..شاردة لا تسمع لا ترى..حتى وهي ترى جدالهم حولها..فقط من آن لآخر ترفع عينيها في وجه أختها الشاحب الشارد مثلها ثم تعود مرة أخرى لوضع عينيها على غرفته…لقد حاولت المتبجحة دلال اثارة مشكلة معها..محاولة استفزازها ولكنها لم تكن في حالة تسمح لها بالجدال او كما قررت منذ ان قام بخطبتها..انها أبداً ابداً لن تتنازل وتمنح من مثلها شرف الجدال او الشماتة والحديث معها..بداخلها ينفر من دلال وممن مثلها فكبريائها وكرامتها يرفضان حتى ان يخوضا في تنافس او جدال معها سابقاً أرادته فلتأخذه كله لن يفرق بشيء بالنهاية الرجل الذي يُفرط فيها بسهولة يختار أنثى أخرى على امرأته لا يستحق أبداً حتى المحاولة ولكنها للأسف تعرف جيداً ان دافع أركان لم يكن أبداً انجذابه لدلال ,كما انها لن تستطيع تركه في مصابه..ربما آخر لقاء بينهم يجعلها تثور عليه أخيراً تلفظُه تُثير حوله الزوابع والجنون مطالبة بالطلاق منه رامية في وجه الجميع كره ارتباطها به…لقد أصابها أركان في مقتل عندما تركها هناك على فراشه عارية الروح لا الجسد محطمة القلب لا القوى..كان الذعر يتصاعد بداخلها مصاحب بألم الهجران ومخالط للفشل ولكن عينيه وقتها وصوته المتهدج الملتوى بين طياته المختبئه بحبها هو ما جعلها تأتي اليوم مندفعة اليه محاربة نفسها. وإياه قبلها..

أرجعت رأسها للوراء مستندة على الحائط خلفها ورغم عنها ابتسمت بشحوب متذكره البداية...

***********************

الكويت

قبل ثلاث سنوات..

دخلت مندفعة وراء أختها الى منزلهم وهي تقول بصوت عالي مهدد : "حاولي الاقتراب مني رانيا مرة أخرى...وسترين ما يجعلك تندمين"

إلتفت اليها رانيا في منتصف بهو شقتهم وهي تقول بإغاظة :

" انا أفعل ما يحلو لي بأمر من بابا..وأريني آخرك "

صرخت وهي ترمي بحقيبتها نحو أختها تنوي إصابتها :

"سأحطم كل أشياءك الثمينة وملابسك الثمينة حتى والدك لن يمنعني عن الانتقام منكِ وليصبح عقابي مضاعف لم تعد تفرق "

كالعادة هزت رانيا كتفيها بدلال مغيظ تاركة إياها تغلي وتوجهت لغرفتها...كانت تشعر بكل جزء منها يتصاعد بالغضب بالثورة ومع ارتفاع درجة الحرارة أصبح الألم لا يُطاق...

اندفعت نحو غرفة الضيوف عندما سمعت صوت والدها…يهدر بإسمها لوت شفتيها بإمتعاض :

" هل تذكر الآن ام المدلله المغيظة ذهبت اليه شاكية ؟!"

حسناً..وقت مستقطع في الغرفة الخارجية قد يمنحها بعض الهدوء والفرصة لإلتقاط أنفاسها..دفعت الباب متسللة بحرص ثم أغلقته خلفها وتراجعت بظهرها واحدة..واحدة تنظر للباب بنوع من الحرص..وعندما مر صوت والدها من أمامه..لا إرادياً رفعت تنورتها عن كاحليها حتى وصلت أعلى ركبتيها بقليل وبدأت بالرقص طرباً مفتعلة حركات بهلوانية وفمها يتغنى بكلمات خليجية:

" رضا والله وراضيناك دلع حتى ودلعناك

كافي لا لاتزودها لو ندري مازعلناك

يعني وش تبي منا أكتر يامتعبنا

مستكثر تسامحنا مااحنا ياما سمحناك"

استدارت على عقبيها أخيراً وهي تشوح بيدها وتقول بنفس النغمة :

" فل تذهب الى غاليتك مختار لم أعد أبالي..."

قطعت جملتها وهي تشهق بصدمه خرجت شبه صرخة ويدها تدب على صدرها :

" يا مصيبتي..يامصيبتي"

كان هناك على بعد خطوتين منها يقف شاب طويل بجسد عريض ربما ضعف حجمها...وسيم بملامح خشنة..قمحي اللون وعينيه المتوسعة تناظرها بذهول وفم فاغر..وكأنه عجز عن الكلام او أبدى اعتراض عن البث المباشر الذي منحته اياه..نظراته انحدرت بنفس الصدمة يشملها كلها كانت تيبست مكانها وكأنها باتت جزء لا يتجزأ من أرض الغرفة لا تقوى على الحراك ولا تجرؤ على الحركة..كان هو صاحب رد الفعل الأول عندما اقترب منها أخيراً يخبرها بوقاحة ام احتراماً لم تعلم :

" أنزلي ملابسك أعتقد أني شاهدت من العرض ما يكفي لأعوام مقبلة من الترفيه "

للحظات فقط لا تعرف ما سر حمدها لله مرارً وتكراراً ان من لهجته تبين انه مصرياً مثلها اذن ربما يفهم جنون سنها..

عينيها الذاهلة كانت مازالت تحدق فيه بنفس نظرة الصدمة فكرر بحزم :

" تنورتك يا آنسة حالاً"

فلتت من يدها سريعاً ووجهها يعود يتغضن كمن يوشك على البكاء ولم تنطق شفتيها إلا بكلمة واحده :" يا مصيبتي"

بدا على ملامحه كتمان ضحكة أرادت ان تخرج عالية ولكنه قال برفق متفهم :

" أعرف..ولكن العرض لم يكن بهذا السوء"

ارتفعت شفتيها لأعلى وهي تكرر" يا ويلّي "

رغم عنه ابتسم ولكنه حاول ان يقول بلطف فاشل:

" ليس لهذه الدرجة ربما قدميك وحركاتك تحتاج لمزيد من التدريب ولكنها جيدة"

رفعت كفيها تندب وجنتيها وهي تكرر: " يا ويلّي "

عندها ضحك عالياً هذه المرة بصوت خشن عنيف استطاعت ان تتحرر من تيبسها وتستدير مندفعة نحو باب الغرفة هاربة ولم تلتفت حتى لمحاولته معرفة اسمها....

كانت بملابس الدراسة وقتها تتذكر جيداً…كما تذكرت عينيه التي كانت تحاوطها في كل لحظة يجمعهم بها لقاء او دعوة من والدها له..تذكر جيداً كيف كان يحاول ان يتقرب منها ويمازحها..يغمز بعينيه مذكرها برقصها في أول لقاء ومحاولته بكل السبل ان يجعلها تبادله حديثه..وقد رضخت بالنهاية وفعلت مطلقة معه شخصيتها الحقيقية المرحة..ولكنها توقفت وتوقف عندما حلت الكارثة فوق رأسها كجبل صخري أسود هبط فوقها في ليلة نسيم هادئة كانت تركت فيها نفسها للهوى يداعبها يحركها ويرميها على شؤاطى الغرام يداعب قلبها المراهق ويغطيه بدفء رماله..فلم يمنحها حتى وقت للابتعاد وإنقاذ نفسها عندما سحقها سحقاً تحت سَنَن أحجاره القاسية

" انا سأتزوج رانيا...هي تناسبني..أردتك ان تكوني أول العارفين "

مازالت تتذكر صوته وهو يخبرها بنفس مكتوم متلاحق كأنه مجبر وليس اختياره!

" اللعنه هل هوى تملك مني وجراح مازالت تُدمي داخل صدري..

و أقف أنا في المنتصف لا أقوى على الرحيل وما عدت أملك ما يدفعني لقربك "

" دائماً كنتِ الأقوى…تستطيعي كسبه ديالا "

إلتفتت بجانب وجهها دون ان تتحرك من جلستها…إلتوى فمها بشبه ابتسامة ساخرة وهى تقول بجفاء:

"انظروا من يتحدث!رانيا هانم بنفسها تذكرت الأن اني الأقوى وأستطيع!"

ضمت رانيا كفيها لبعضهم تحاول ان تسيطر على ارتعاشهم..ثم ما لبثت ان قالت بهدوء ظاهري :" كفي عن التعامل معي وكأني غريمتك أنا… أنا.."

قالت تقاطعها ببرود: " أنانية..إنسانة انتهازية"

شحبت ملامح رانيا حتى أصبحت تماثل الحائط الأبيض الذي خلفها وقالت بتقطع :" لا..أنا لست كذلك ربما أنا..أنا.."

صمتت وكأنها تعجز عن تفسير نفسها..ولكن النظرة القاتلة في عيني أختها والتي لم تعد تتحملها..لم يكن بها طاقة لفعلها رغماً عنها بكت..بكت بحرقه منفجرة فجأة في وجه أختها قبل ان تقول باختناق متسارع:" انا أنانية نعم...ولكني لم أعد أطيق نظرتك لي…ربما أنا كنت السبب في تدمير حياتك..ولم أنظر خلفي لما فعلته بكِ..ولكن أركان يُحملنى فوق طاقتي…أركان كاذب حتى على نفسه هو لم يُحبني من الأساس ديالا لم يهتم بمشاعري لم يلتفت لي لقد كان يرى أيان معي ولا يبالي..مجرد إعتراض لرجولته لا أكثر لم يحمل الغيرة او الغرام بين طياته يوماً"

رمشت بعينيها وهي تتحدث مجفلة توترت ديالا للحظة…رباه انها تُعذبها تعرف تزيد أوجاعها ولكنها لم تعد تستطيع ان تتحمل ما يصدر منها..تركتها تسترسل عندما وقفت رانيا بتوتر تخبرها بحرقة:"نعم أنا أنانية لم أجد فيه نفسي..لم يحبني لقد كان هو الآخر أناني جداً معي…ونعم أخرى أقولها الآن بعد فوات الأوان...انا هربت منه وذهبت لأيان لأجد نفسي لأرى رانيا في عينيه أنثى مرغوبة متكاملة..إمرأة ينظر لها وكأن الكون لم يُخلق فيه سواها "

لم تعرف ديالا ما الذي حدث معها وهي تخبرها بغضب مكتوم :" وماذا فعلتِ انتِ..نظرتي له بعين النقص "

فاضت الدموع من عينيها وهي تقول بصوت متهدج :" نعم..نعم فعلت وخنت !"

***********************

دخلت رانيا متسللة على أطراف أصابعها لغرفتها...وبهدوء كانت تغلق الباب خلفها...ما لبثت ان إلتفت لتغير ملابسها حتى وجدت أمها تفتح الباب مندفعة وهي تهمس من بين أسنانها بغضب :" أين أختك؟ "

كانت تنزع ملابسها بآليه بينما تخبرها دون ان تلتفت اليها :" مع زوجها أين تظني من الممكن ان تكون في هذا الوقت؟!! "

فركت نوال وجهها بتعصب مكتوم ثم قالت بتوتر:" يقولون ان حالته خطيرة؟!"

أجابتها بهدوء:" لقد تحدث مع ديالا..اذن لا أعتقد ان هذا هوالخطر الذي ينتظره زوجك حتى...."

" رانيا !! " قالتها نوال بغضب تقاطع حديثها

فنظرت لها الأخرى بسخرية مريرة وهي تقول:" الرجل كان شريكه لسنوات وخطيبي السابق ثم زوج إبنته الصغرى...أخبريني أمي كيف يملك كل هذا الجفاء وقلب متحجر ليمنعها عن رؤيته ويتمنى له الموت؟"

تبدلت ملامح نوال تماما وهي تقترب منها تعلم ان رانيا تتكلم بلسان غير حالها مجرد إسقاط على وضعها...مشاعر غاضبة متألمة أصبحت تحوم متكومة داخل صدرها جذبتها اليها فلم تعارض رانيا بل نظرت الى أمها بعينين زائغة وكأنها أصبحت لا تعرف ما تريده او تحدد ما تشعر به داخلها...بصوت أخذ في التدرج نحو الهدوء قالت أمها:

" أركان لم يكن أبداً منصفاً مع أختك كما ان ما فعله مع والدك بالكويت يجعله بالتأكيد مازال يحمل الغضب نحوه..."

قالت رانيا بنبرة خاوية :"ما فعله هناك كان حقه...استرداد لما سلب منه!"

سألتها بتعجب:" أتدافعين عنه ؟!"

فلتت رانيا من بين يديها وهي تتجه الى فراشها ترفع الغطاء وتندس تحته وهي تقول :

" لا ماما بل أدافع عن حق ديالا..أدافع عن قلب أختي..إبنتك تحبه وأنا خسرتها لوقتِ طويل وسأفعل أي شيء لأُعيد ثقتها بي وصداقتها"

أراحت رأسها على الوسادة ولم تستطيع ان تكتم دموعها مرة أخرى فسمحت لعينيها ان تخونها مجددا ثم قالت بتقطع:"أنا أريد قلب أختى..أريدها ان تحبني كما مضى "

لم تستطيع نوال منع نفسها من التحرك...ثم جلست على طرف الفراش وشدت ابنتها بين ذراعيها تحتضنها بقوة..تستمع الى شهقاتها التي خرجت مكتومة...بينما تخبرها بانهيار:"لقد أتت صفعة أيان في وقتها المناسب..لقد أفاقتني لأرى كم الدمار الذي خلفته حولي...لقد كنت أهرب من أعين الجميع ومن رؤية كره أختي وعذابها بين ذراعيه في حبه لي وعشقي له...لم التفت لعذابها...ماما انا أكرهني جداً "

تشبثت بصدر أمها التي ضمتها اليها بقوة تحاول ان تهدئ بكائها المحترق...همست لها بأن كل شيء سيكون بخير..لم تستطع منحها ما هو أكثر ربما بداخلها..تعرف ان رانيا تحتاج لتلك الصدمات المتوالية لمواجهة ما كانت تهرب منه بتابعية وسلبية لمختار الزيني...لطالما رانيا كانت الحلقة الأضعف رغم دلالها والأنانية ورغم امتلاكها كل شيء وصاحبة الأخذ لا العطاء كما عودها والدها...بينما ابنتها تهدئ تدريجياً كان قلبها وعقلها مشتت مع صغيرتها..ماذا تراها تفعل الآن؟ ومن يمنحها الدعم والجلد لتستطيع ان تكمل وتقف دون انكسار ودون ان يؤذيها أحدهم!!...تنهدت بحرقة لمجرد ان مر بعقلها ان على ديالا أن تحارب في اتجاهين...لولا مختار وتصلب رأسه بل جحوده في حق ابنتها لكانت الآن هناك بجوارها ولكنها مضطرة ان تبقى هنا تداري على اختفائها من المنزل...حتى لا يعرف انها هناك تبيت بجانبه...تعرف ان ابنتها قوية وتستطيع المواجهة ولكن الآن لا تريدها أن تفتح جبهة أخرى من الحروب مع والدها يكفيها أركان وقسوته!!

*********************

لقد ظنتها نامت...فخرجت بهدوء مغلقة الباب خلفها...هي أرادت تلك العزلة لنفسها حتى تسمح لعقلها ككل ليلة بأن يعود يغرق في دوامة ذكرياتها معه..يمنحها السلام لذكرى حلوة أو يصفعها بتوحش..للمحة مما كانت تفعله من وراء ظهره…!

لم تنسى من بين القهر الذي تستشعره ان تخرج هاتفها لتبعث رسالة نصية الى أختها :" هل انتِ بخير ؟"

انتظرت لدقائق طويلة وهي تحدق بالهاتف غير متعشمة في رد ولكن يبدو ان ديالا ستظل أفضل منها بكثير اذ أرسلت لها الرد: " نعم بخير..والآن انا معه وحدي "

انتهت الرسالة وكادت ان تغلق التطبيق حتى أتتها رسالة أخرى جعلتها تبتسم مرغمة من بين دمعاتها اذ قرأت ما وراء سطورها :" لقد أجبرته على تقبل وجودي معه...لقد تشفيت فيه وهو عاجز عن إبعادي "

ألحقتها بوجه ضاحك رأت رانيا ما خلفه وهي ترسل لها :" انت تكذبين..لن تستطعي الشماتة به يوماً"

أرسلت ديالا على الفور:" نعم..أنا أفعل..ولكني لن أغفر له أيضاً او أنسى أذيته لي "

" منذ متى أحببته؟!"

انتظرت الاجابة بقلق وكأنها تعلم الحقيقة...ولكنها إحتاجت بداخلها المزيد من الصفعات و جلد النفس....

" منذ زمن لم أعد حتى أريد ان أذكر مداه ولكن مؤكد انه من قبل حتى ان يراكِ انتِ او تعلمي بوجوده في الدنيا بالأساس "

انتهت الرسالة التي جعلت كل مشاعرها تتكسر كموج ضعيف يصطدم برمال الشاطئ ولكن ديالا لم ترحمها اذ أرسلت :" أحيانا أسأل نفسي كيف لم تشعري بي او تعلمي انه حبيبي السري وأنا كنت أخبرك بهيام عن نظراته لي حديثه معي مغازلته ومداعباته؟!"

لم تستطع رانيا ان تخبرها انها كانت مشغولة بنفسها...مطيعة لِما يأمرها به والدها...انها لم تلتفت أبداً لانطوائها بعد خطبتها بأركان...لإنزواء ديالا دائماً في الظل وكأنها تريد ان تختفي من العالم ولا تسمح لأحد برؤيتها كيف لم ترى كل هذا؟ولم تشعر بأوجاعها...كيف استطاعت ان تداري عشقها إياه وكتمانه بصدرها!!

خرجت منها شهقة طويلة وأناملها المرتعشه تذهب بآليه كل ليلة للصور التي تجمعها معه ربما تجد ذكرى ما تخفف عنها كل هذا الألم...وضعت أحد كفيها على فمها بقوة وهي تتأمل ملامحه الهادئة التي تبتسم لها بإشراق وعينيه الخضراوين تلمعان بتلك النظرة الحالمة...تلك النظرة التي كانت تجعل أحشائها تتلوى بعشقه..أغمضت عينيها بقوة وكأنها تعجز عن مواجهة تلك النظرات حتى في مجرد صورة وقالت بحرقة :

" رباه أنا أحتاج اليك...كيف لم أدرك حينها الى أي مدى أحبك…بل كيف سمحت لهم بأن يؤثروا بي ويدفعوني لما فعلته بك؟!!انا لم أخن إلا نفسي أيان...خنت عشقي اليك توقي لهذا الشيء أكثر من رغبتك بكثير...رباااه انا كنت أتعذب أضعافك لما أفعله...كان وجعك يقتلني يمزقني ويدي المرتعشة لما أفعله بك بل بنا تنهشني بقسوة....."

تهدجت وهي تقول بحرقة:" لم أراك بعين النقص حبيبي والله لم أراك ولكني خِفت ضَعُفت...انا لم أستحقك لأني ضَعُفت ولم أمتلك القوة لحفظ وعدي لك...لم أستطع المواجهة تاركة للجميع تمزيقك وقتلي قبلك بوحشية...ان كان ما فعلته أوجعك فأنت لن تشعر يوماً عزيزي بمقدار الدمار في قلب امرأة تفعل هذا بنفسها!!

فتحت عينيها تُقلب في صوره على هاتفها...تبتسم من بين دموع الألم...متذكرة همهماته لمساته التي جعلت جسدها يرتعد لمجرد الذكرى...كما فعلتها أول مرة معه مازالت تذكر وكأنها بالأمس عندما قرروا الرجوع من الكويت..والاستقرار في العجمى أخيراً بعد طول غربة...بناء على رغبة أركان الذي أراد ان يكون عرسهم واستقرارهم بجانب والدته...وبالطبع أعربت ديالا وقتها انها تريد ان تكمل دراستها فى جامعة بالاسكندرية....

******************

كانت عينيها تبحث عنه...لا إرادياً عندما علمت من أمها انه أصر ان يكون هو من يستقبلها هي وأختها في مطار القاهرة الدولي…لقد أرادت ان تراه..أن تحظى بقربه بعد فراق دام لأكثر من عشرة أعوام كاملة...كيف أصبح شكله يا تُرى؟!وهل سفره لخارج مصر عند عمه ترك أثر فيه..ام مازال كما هو أيان الهادئ الطباع حنون التعامل ورفيق طفولتها الودود حتى وهو يكبرها خمس أعوام..لم تتأخر كثيراً لتعرف اذ خرجت من البوابة تدفع عربة حقائبها تتبعها ديالا..وقعت عينيها على يافطة كبيرة تحمل اسمها..كتمت أنفاسها وتجمدت مكانها للحظات..كما فعلت عينيه هو تماماً...تلك الرعشة التي إجتاحتها بغير إنصاف..ذلك البريق الذي جعل عالمها يسرق لدقائق..ذلك الجسد الرجولي الممشوق والوجه الوسيم جعل معدتها تتألم مطلقة بداخلها فراشات وردية صغيرة تدغدغها..يا الله لم قلبها يقرع كالطبول بداخل أضلعها وكأنها لأول مرة ترى رجل؟!!

" أيان " صرخت شقيقتها التي اندفعت من خلفها ملتفة حول السور الحديدي العازل بين القادمين والمستقبلين بالمطار..جعلها تستيقظ تماماً ولم تكد تستوعب العالم حولها إلا وكانت صدمتها للمرة الثانية وهي ترى ديالا تندفع نحوه بثقة ففتح ذراعيه على الفور مستقبلها! وكأنها كانت تعرف تماماً انه سيفعلها...

" ما الذى يحدث هنا حباً بالله وكيف لديالا ان تتذكره او تفعل ما تفعله؟!"

عقدت حاجبيها بغرابة وهى تراه يربت على رأس ديالا مهدئاً بينما بعض الدمعات طفرت من عيني أختها..أبعدها برفق مشيراً لها بيديه ...بصعوبة حاولت ان تتذكر معنى كلماته: " انتِ هنا بخير يا صغيرة "

ابتسمت ديالا بإرتعاش وهي تخبره :" أعتقد هذا..ولكنك تغيرت "

تدخلت هي مندفعة تسأل بإستنكار:" مهلاً لحظة كيف تتحدثان وكأن السنون لم تفرق بيننا "

عادت عينيه تتأملها بتلك النظرة التي كانت مبهمة وقتها ولكنها كافية ان تجعل مشاعرها كلها تتفتح كوردة عبَّاد شمس تبحث عن الضوء الذي يُزهرها بعد ان كادت ان تموت من ظلال الوهم.....

اتاها صوت ديالا الهادئ يخبرها:" انت فقط من ابتعدتِ...انا وأيان نتواصل على موقع التواصل الاجتماعي منذ أعوام..كيف ظننتي انه علم بقدومنا اذن ؟!"

توترت ومرغمة شعرت بالغيرة الحارقة و بالذنب..انها لم تحاول حقاً التواصل معه او ربما حاولت ولكنها توقفت تماما بعد أن نهرها والدها...وقطع كل السبل ان تصل اليه..تجنبت الرد بخجل..وببطئ اقتربت منه ومدت يدها نحوه بتردد وقالت ببطئ متوتر:

" سعيدة برؤيتك..أيان..وكما قالت ديالا انت تغيرت كثيراً "

ضغط على يديها بقوة في حركة جعلت مشاعر عنيفة مجهولة تجتاحها بشعاع يخترقها ويصل الى شغاف قلبها بالدفء والازدهار بل والآدمية وانها فتاة يمكن لرجل ان ينظر اليها هي..رانيا فقط وليست مدللة مختار الزيني...كما كان يفعل أيان قديماً

ترك يدها ببطئ وأشار مبتسم الملامح :" وانتِ لم تتغيري مازلت أراكِ صديقة الطفولة والمراهقة "

ابتسامته تسللت الى قلبها تلقائياً مانحة ملامحها الإسترخاء وحرية التعبير سريعاً بإشارة :

"أنا لم أنسى ان أتحدث مثلك مازلت أتذكر معظم دروس معلمتك الخاصة"

أغمض عينيه وقد بدا مستمتعاً لذكرى ما..فتحهما متلاعبتين قويتين ساحرتين وهو يُشير مستغلاً انشغال ديالا في حقيبتها:"ما نسيتيه سأذكرك إياه..مازال سطح المنزل وركننا الخاص ينتظرك"

شهقت ووجها يتورد بخجل..لا لم يكن منصف أبداً ليشير لشيء حدث في مرحلة مراهقة غبية..بإشارة سريعة تحاول إدعاء الحزم :" عن أي ركن تتحدث؟انا لا أذكر "

لم يظهر على ملامحه أي نوع من التنازل او الغضب فعادت تقول سريعا: " أنا..مخطوبة وأتيت هنا لتجهيز زفافي"

عندها فقط تبدلت ملامحه تماماً ما بين الغضب والبرود الذي حل على تصرفاته تقدم نحوها يسحب عربة الحقائب ولم ينسى ان يدس ورقةً ما في يدها...علمت عندما قرأت محتواها ان أيان قرر منذ وقت طويل لم تدرك مداه انه أبداً لن يتركها تنجو بتنكيسها وعد منحته إياه وهي مجرد مراهقة لم تُكمل الثالثة عشر...

*********************

" لقد تأخرت"

قالتها بوجه غاضب وفم متكور..وعقيق عينيها يناظره بغضب طفولى..تقدم نحوها يخلع حذائه كما جرت العادة..فى ركنهم الخاص على سطح عمارتهم..مكان صغير أسسه هو هرباً من الجميع عزلة خاصة يجد فيها نفسه ولم يسمح لأحدهم اقتحامها إلا هي..

جلس قبالتها مسند ظهره مثلها على الوسائد المريحة..عينيه تتأمل الباب الخشبي المصنوع من الأرابيسك..يتخلل من فتحاته شجرة العنب التي زرعها هو منذ أعوام فتشعبت فروعها حتى غطت السقف المقوس أعلى رأسه..



رائحة البحر المالح تأتيه منعشة أنفاسه من باقي السطح المفتوح..رفع حاجبيه بتعجب متسائل عندما وجدها تقف بقامتها الفارعه والتى لا تناسب مجرد مراهقه في الثالثة عشر....تطل عليه وهي تنفض يديها..بقوة تخبره ممتعضة:" طالما انك اشتقت للسقف هكذا ابقى معه انا سأغادر "

عندما منحته ظهرها منفذه تهديدها جذبها من ذراعها سريعاً فإلتفت مختل توازنها لتقع فوق جسده الفتي مباشرة..

ضحك بهمهماته المعتادة..عندما بكت على الفور محرجة..فدفعها برفق لتجلس بجانبه..ومد يده مرجع خصلات شعرها للوراء وحمل وجهه كل ما يستطيع من مشاعر التفهم والحنان وهو يشير لها بأربع أصابع نحو جبهته ثم قلبه :" لا تغضبي "

اعتدلت تواجهه تخبره بيديها بالترافق مع شفتيها بنبرة عادية..اذ عرفت منذ زمن ان الاعتقاد الخاطئ بأن الشخص الأصم يحتاج لفتح الفم بمبالغة او حتى يتحدث ببطئ بل دائما يجب التحدث بطريقة سلسة:" ولكني غاضبة..منك ومن ماما ومن قرار بابا..في تفرقتنا!"

تنهد بكبت قبل ان يُشير مخبرها:" انا سأغادر على كل حال..وكما اتفقنا..لا قرار والدك ولا حتى رحيلي يستطيع التفرقة بيننا "

اندفعت تخبره بما يمليه عليها سنون عمرها المراهقة:" لا لن يستطيع أحد أبداً..دائماً أنت ستكون معي..رفيقي وصديقي"

أمال برأسه قليلاً نحو وجهها وأشار نحو قلبه بإبهامه ثم رفعها نحو فمه وترجم بكفه:" انتِ لست رفيقتي فقط انتِ هنا "

ربما هو يكبرها بخمسة أعوام وأصبح الأن رجل يجب ان يكون مدرك ان ما يفعله بطفولتها خاطئ ولكنه لم يرى رانيا يوما طفلة تصغره بل كانت دائما صديقة تجاوره بتعامل معها بأريحية..يتحدث بأصواته المبهمة دون ان يخجل منها..دون ان يخاف ان تسمعها وتسخر منه كما كان يفعل العديد من رفاقه او حتى صديقات أمه في جلساتهم النسائية..



ابتلع ريقه مغمض عينيه منحي الذاكرة جانباً..ثم مد يده مخرج من جيب بنطاله ظرف أبيض صغير فتحه ببطء وعينيه لم تتنازل عن مراقبة عينيها الفضولية..استوت تجلس على ركبتيها تسند كفيها هناك ثم ما لبثت ان سألته "ما هذا؟ "

لم يرد واكتفى بفتح الظرف مخرج ما به أمام عينيها التي ذهلت سريعاً.. وقلبتها بين يديه ووجهه..

ارتفع هو الأخر يجلس على ركبتيه..ثم استدار خلف ظهرها دون ان يكلف نفسه التوضيح لفضول القطط الذي تملك ملامحها..استوى خلف ظهرها.. مزيحاً شعرها الحر على كتف واحد ثم بهدوء كان يضع السلسال حول رقبتها تقافزت على الفور سريعاً أمام عينيه تمسك هديتها بكفها بقوة :

" انها لي..لي انا ؟!"

هز رأسه مجيبها..عادت لتسأله بفضول:" كيف استطعت الحصول عليها تبدو غاليه"

أشار بيديه موضحاً:"عملت بجهد حتى أستطيع الحصول عليها انا أدخر منذ زمن"

عادت للجلوس بجانبه مواجهة إياه تأملت للحظات طويلة شكل الطوق المميز:"دولفنين متشابكين أحدهم من الذهب الأبيض والآخر من الذهب الأصفر"

لمعت عينيها كالعادة بتلك النظرة المتملكة عندما يقدم لها أحدهم شيء..ثم بدون تردد أمسكت بوجهه وقبلته على خده شاكرة إياه..

يديها التي تحاوطه ..جسدها اليافع الذي لمس جسده منحه ارتجافة لم يعرفها من قبل..أدار رأسه محاولاً ان يتهرب منها…فتلامست لوهلة الشفاه..ابتعدت هي سريعاً شاهقة بصدمة..فأمسك هو بذراعيها بصبوة غمرته فلم يعد لديه القوة ليتحكم فيها..أغمض عينيه يمنح عقله هدنة .وفرصة..فغرق وهو معصوب العينين في شعرها المتطاير..تلفحه رائحتها..تشعل حواسه..بعد لحظات لم يعرف كيف قربها منه يميل اليها ببطء..لثوانٍ معدودة قاومته دفعته وربما ارتعدت منه رعباً..ولكن عندما عاد يلمسها لم تقاومه أبداً!

لدقائق معدودة وربما أعوام غرق كليهما في فورة الاشتياق ولهفة المراهقة..هبت العاصفة بداخل كليهما مزلزلة كيان القلبين الخافقين..أبعدها وردته من صدره عنها..كلاهما ينظر للآخر بصدمة يرافقها الانبهار...

لم تجد ما تقوله او تُعبر به عن نفسها غير البكاء..

فعاد يضمها سريعاً الى صدره محتضنها بقوة فأفلتت نفسها منه..تنوي الهروب..من ذلك المكان لم يسمح لها رغم بعض الندم الذي طرق عقله ولم يصل الى قلبه..أشار سريعاً مختصراً:" حبيبتي؛ تعلمي انكِ حبيبتي" أطرقت بوجهها فتهدلت خصلات شعرها تحاوطه قبل ان ترفعه سريعاً تخبره قبل هروبها:

" وأنا مازلت على عهدي لك لتعرف اني لست طفلة ولن أنسى يوماً"

***************

أفاق أيان من شروده مجفلاً..محاولاً ان ينفض عنه الذكريات التي لا ترحمه..حاول بكل قوته ان يستعيد وقاره وإتزانه..عندما إلتفت ليجد يد أمه تحاول لفت انتباهه وهي تستريح على كتفه بهدوء ولطف كان يتحامل على نفسه ويبعدها عنه..استدارت تخبره ببطئ أمام عينيه:" لا تستحق حبيبي ما تفعله بنفسك"

ارتفع طرف فمه بسخرية وهو يشير لها متجنب الرد عن رانيا ومشاعره:" وانتِ ما تستطيعي التعامل معى بطبيعية وتعلمي اني لا أحتاج تصنع اللطف الزائد او البُطئ المبالغ فيه!!"

ارتبكت ودمعت عينيها بالبكاء والندم وهي تخبره :" وانت متى تسامحنى؟الى متى ستظل تعتقد اني كرهت ضعفك وعجزك؟! "

جملتها أصابته بخنجر مسموم داخل قلبه لتنزف جراحه التي لم تشفى قط " ربما عندما تتوقفي عن إخباري بها..بعد كل ما فعلته وما وصلت اليه مازلتي لا تري إلا شيء لم ينقص من قدري إلا بعينيكِ انتِ وعين مجتمعك !"

كان وجهه مرهق شعره المتهدل على جبينه ووجهه..عيناه الغائره تحدثها بالكثير مما يعانيه أيان وحده منذ أسبوعين يغلق باب بيته على نفسه يرفض التحدث مع أحد او يقابلها او حتى يذهب لعمله عادت تقول بخفوت:" انها لم تستحق"

لم يلتفت فلمست كتفه كما كانت ترى زوجته تفعل حتى لا توتره او تربكه..فنظر اليها بعينين خاويتين من المشاعر فكررت:" لم تستحق "

نفس السخرية المميتة كانت ترتسم على وجهه وهو يشير:" لماذا..هي فقط شبهتك انتِ فيما فعلت "

النار شبت بداخلها..نار لم تستطع ان تُطفئها منذ ان دخلت ابنة الزينى حياته فصرخت:" لا تشبهني بها هي خدعتك..لم تراك..لم تحترم أياً مما فعلته لها "

كان متعب مرهق لا رغبة له في الحديث و الجدال..متألم حد المرارة.. تصنع الهدوء وهو يستدير بجانبه نحو طاولة صغيرة..بجوار الاريكة.. يبحث عن دفتر صغير مزين بألوان الرمادى المتداخل مع الأسود..يتعلق في أول صفحته قلم باللون الوردي..كتم صرخة آنينه بداخله وهو يفتح دفترهم الذي كان كثيراً ما يتبادلا فيه الحديث أثناء مشاهدتهم فيلم او مسرحية في لياليهم الخاصة أغلق على ذكرياته وهو يكتب:

" انا لا طاقة لي بالحديث..ولا أحتاج لمساندة أحد او الادعاء..انا بخير تماما لطالما واجهت كل شيء وحدي حتى تعودت..أما عن رانيا أنت لم تحبيها يوماً حتى من أجلي انا ولم تحاولي التظاهر باللطف وانتِ تعلمي اني أعشقها..لا أريد ان أذكرك في تلك اللحظة ما فعلتيه معي عندما أخبرتك انى أرغب بالزواج منها "



منحها تلك الورقة ثم غادرها ودخل الى غرفته صافقاً الباب خلفه بعنف متذكر وجيعته عندما أتت له أمه بعروس لا تليق به اجتماعياً ولا أخلاقياً ولا حتى دراسياً مخبرة إياه ان تلك الفتاة هي من سترضى بحالته ؟!

" اه يا أمى وجعيتي منك..تُعادل كل ألمي من العالم أجمع وكيف ألوم رانيا وقد كنتِ انتِ أول من قلل من شأني..حتى بعد ان أصبح اسمي يلمع بين أرجاء الاسكندرية مهندس البرمجيات العائد من الخارج..معجزة جيله كما يطلقون علي تصرين انتِ اني مجرد ناقص لا يأخذ إلا بقايا البشر "

دار بعينيه في أنحاء الغرفة بإختناق..حتى وقعت عينيه على الأدوية المتعددة التى تحتل جانب من الغرفة..أحس بالنار تعود تلتهم أحشائه.. وبالمشرط الحاد ينغرس في حلقه..وبمحيطه يعود ينسحب منه الهواء عندما وقعت عينيه بعمد على دليل خيانة امرأته والتي لم يجرؤ ان يتخلص منه او يرفعه من مكانه وكأن الألم أصبح يكمن بداخله ككائن عريق أسطوري يرفض ان يقترب منه او يسمح له بالفناء تاركه بتعمد ليتغذى على ما تبقى منه ربما يمنحه الخلاص..من قيدها لا بل من العالم أجمع على هدف واحد ان من مثله من لا يشبههم ليس من حقه الحياة




سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-19, 10:01 PM   #4

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث



اسبل جفنيه للحظة يأخد نفس عميق واحد يليه الاخر …ينفض كل ما هو فيه جانباً تارك حياته الشخصية وقلبه الذى مازال ينبض بالوجع جانباً … ثم بعمليه كان يفتح باب السيارة .. وهو يهندم ملابسه مرتبها كعادته بأناقه لا تقبل الجدل بدله سوداء تعلو قميص بلون مماثل …وربطة عنق رماديه … اغلق أيان سيارته …بعد ان سحب شنطة الحاسوب خاصته الجلدية ثم بخطوات واثقه متزنه كان يتوجه الى مقر الشركة ولم ينسى ان يرسم ابتسامة هادئه متواضعه في وجه كل من يقابله ..وكالعاده يحاول بعض العاملين متواضعه الحال مثل عمال الأمن او موظف الاستقبال تصنع اللطف الزائد فيصيحون في وجهه ملوحين بترحيب ..يعلم جيداً انه دون قَصد منهم …فلا يهتم او يتوقف عند افعالهم بل يكتفي بهز رأسه او وضع كف يده على جبهته بشكل مستقيم ثم يلوح بها دلاله على تقبلهم وفهم سلامهم … اما البعض الاخر من وضعه في خانت المنافسة … دون ان يبطلوا جهد ان يسبقوه او يحققوا تفوق في وظائفهم مكتفين بسخرية مبطنه ..لا يعيرهم اى اهتمام يذكر مكتفي دائماً وابدا بوضع نصيحه عمه نصب عينيه :-" دعهم يتحدثون ..وانت أفعل !!" كلمات بسيطة لم يفهم معانيها عندما ذهب اليه مجرد فتى على اعتاب الرجولة كان يعانى من ظلم محتمع كامل ومنظومة اجتماعية " عنصرية الفكر " حتى حقه في التعليم والالتحاق بجامعة احلامه لم يناله هنا بل لم يجد الا أبواب التأهيل المهنى هي ما تفتح له ابوابها مجرد فنى لصيانة أجهزة الحاسوب …غير عابئين او مهتمين بأنه قدم بالفعل ما يثبت انه قادر على تصميم برامج it"" بدائية وقتها وبأنه بقليل من الاهتمام والسماح له بالالتحاق بكلية الهندسة ..قد يحقق ما يصبو اليه ويقدم للبلد ما يستطيع اي فرد اخر المساهمه به ولكنه رفض مخبرينه دون اي مداراه " انت معاق"
ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه نافضها من ماضيها عندما دخل مكتبه … مغلق الباب ورائه … بهدوء فتح حاسبه ولم ينسى ان يرسل لمساعدته رسالة بسيطة على هاتفها " صباح الخير يا بشمهندسة انا هنا ارجو ان يصلنى كل العمل المتأخر وما فاتنى خلال ثلاثون دقيقة "
وضع نظاراته فوق عينيه بعد ان خلع " جاكت البدله معلقه على ظهر كرسيه …ثم شرع سريعاً وبأنامل ثابته تحفظ جيدا.خطواتها التى تعادل الضوء سرعة على ازرار لوحه المفاتيح كان أيان يضع " رقمه السرى المعقد" ثم يشرع في رؤية كل ما هو جديد في نظم المعلومات اذ يحفظ جيدا القاعدة الثابته ..ان عالم تقنية تكنولوجيا المعلومات متجدد بسرعة كبيرة حيث يجب البحث عن الجديد دائماً
للتعلم أكثر وأخذ خبرة أكبر و التطور بالتقنيات التى لديه دائماً لأن تكنولوجيا المعلومات مجال متجدد
بكل ما تعنيه الكلمة حيث ما تعرفت عليه الآن قد يصبح قديما بعد يوم واحد فهو كما يقال بحر كبير من العلوم .


ومضأت متتاليه كان ابتكرها لنفسه على هاتفه حتى تلفت انتباهه لبعض المكالمات الهامة اذا غرق في العمل …. جعلته يلتفت سريعا وبدون تأخر كان يفتح هاتفه متلقي الرسالة " هل عدت الى عملك "
أرسل مجيباً "عدت اليوم "
زفر سامح بأرتياح قبل ان يرسل اليه :-" جمعينا نمر بأزمات ..او حتى خيبات امل .. فالامر لم يقتصر عليك وحدك بنى "
رد أيان برسالة مختصره وكأنه ما عاد يطيق الحديث في الامر وتذكره …:-" انا بخير عمى ..لا تقلق مجرد مرحلة انتهت من حياتى "
" أنكار الالم وادعاء التماسك لن يمحيه أيان "
ضرب سريعا وهو يقول بدون تردد :-" ومن قال انى أنكره …انا فقط احاول ان اجمده ؛ حتى استطيع ان أفجره ممحيه من داخلي "
ارسل سامح مرة اخرى غير قادر على مقاومة نفسه ولكنه يثق ان جلد وقوة ابن اخيه بل ابنه الروحى يستطيع اكثر من التحمل والمواجهه :-" هل اعترفت بكامل فعلتها يصعب على التصديق ؛ بعد كل هذا الحب بينكم "
" تقصد الوهم ..الذى كان يعيش فيه ابن اخيك الاحمق …. ونعم تأكدت " أرسلها ..
بردوده سرت على طول عموده الفقرى والالم يعود بخنجره السام ينحر قلبه نحره فينبض بالقهر داخل أضلعه وبعجز يحاول ان يتحرر فلا يستطع الخلاص وهو يرسل لعمه باعتراف يخرج لأحدهم اول مره :-" حتى اللحظة لا اصدق انا الاخر ما وجدته عامين تخدعنى تجعلنى أتشكك في نفسى موهماً إياي بما ليس بي ..عامين احمل الذنب نحوها اواسيها عند كل محاوله تبوء بالفشل وهي تنهار على صدرى وبين ذراعي ..لأكتشف بعد كل هذا … ان إمرأتى مجرد ممثله بارعة "
كان القهر يتدرج بألوانه على ملامحه انامله التى ترتعش فتخرج حروفها مرتبكة مليئه بالاخطاء الشنيعة عكس طبيعته فيستخدم مرات بعض الكلمات العربية مخلوطة بالانجليزية "
بدون حتى ان يراه كان سامح يستشعر كل ما يمر به ابن اخيه …الحياة غير عادله وقدر أيان كان غير منصف معه …ربما ولد بعيب لم يكن له يد فيه ولكن رب العباد منحه من الذكاء والبداهه والقوة والعزيمة ما لم يمنحها للكثير من شباب اليوم ..ولكنه لم يجد في حياته الا الخذلان … يذكر جيدا عند وفاة اخيه والذى كان يدعم ولده جيداً …مساهم ومساعد ملامح شخصية أيان …وقدرته على الصمود امام الكثير من المعوقات التى قابلته …عكس والدته تماماً ؟!
عندما ذهب وجد أن إبن أخيه اصبح شخص آخر محطم مكسور القلب مغتال المشاعر مع أمه ..عاشت داخل قوقعه من الرثاء انها سلبيه لم تقف يوماً في وجه أحدهم صارخه بحق ابنها بتكامله في عينيها … فأخذ قراره بأن يفعل المستحيل ويصطحب إبن أخيه معه …. ولم يتأخر كثيراً ..وفعلها…لقد عوده على الاعتماد علي الذات لم يدلله ولم يعامله على انه ينقصه شئ فسعى له في توفير عمل بجانب الدراسة في كلية الهندسه في إنجلترا بلده التى هاجر اليها منذ اعوام …ولم يخيب أيان ظنه ولكنه أصر بعدها على الرجوع لإسكندرية قابلته الكثير من العراقيل اول الامر والتى سرعان ما ذابت بعد ان أثبت إبن أخيه ذكائه في تخصصه…
أخذ سامح نفس عميق قبل أن يرسل له :-" لم تخدع الا نفسها .. ليس ذنبك أنك أحببت أو آمنت فلا تندم على ما منحته يوماً ..ولكن لا تسمح لنفسك في الانخراط بالرثاء .. والضياع..وإياك بالسماع لها او منحها السماح يوماً فالمخادع لا يصدق ولا يستأمن "
……………………
منذ وقت كانت تقف امام مكتبه بنعومة .. تتأمله بعينين مشتاقتين ومتعاطفين مع ما عرفته حتى اللحظة لا تصدق ابداً ما سمعت بعض موظفين الشركة يتناقلونه ..لقد راقبته لثلاث أعوام كاملة … ورافقته في العديد من صفقات العمل الرابحه .. كانت قريبه منه حد معرفتها بجانب من حياته الشخصية والتى بالطبع تتمحور حول زواجه من حب طفولته كما اخبرها يوماً بفخر عندما رأت صوره له مع فتاة ينامان على رمال الشاطئ في المغيب الغسق خلفهم بلون احمر ناعم يترآى للبعيد بأنه يهبط ببطء حتى يختبئ هناك بين أحضان الموج …كما كانت تختبئ زوجته بين ذراعيه وهو يضمها إليه بتملك مقبل جبينها …وكما كانت تلك الصورة على قدر جمالها وحالميتها موجوعة وقاتله للحبيب القريب البعيد …
رسمت إبتسامة ودوده لم تخفي إرتباكها وهى تتقدم منه تضع يدها على حاسبوه بخفه حتى ينتبه لها ..
رفع رأسه علي الفور ثم بعد لحظات من تحديقه بها أدركت انه ينتظر كعادته بدءها في الحديث :-" لقد أرسلت جميع ما طلبته على الحاسب بالفعل ولكن " الريس " طلب ان أذكرك بأن آخر موعد لتقديم ما طلبه منك بشكل شخصى اليوم "
رفع أيان ابهامه والسبابة يفرك ما بين عينيه تحت نظارته قبل أن يكتب لها على أحد الاوراق " أخبريه …سارة أنكِ مساعدتى وليس أحد السكرتارية ..كما أن هذا الامر لا يجب الحديث عنه ..هذا الملف بالذات حساس ؟!"
مشاعر من السكينة بالترافق مع إهتزاز ناعم بين أضلعها هي ما رفقتها فاقتربت تمنحه الرد وكل أمنية بداخلها ليتها تخبره أنها تستطيع الحديث بلغته ؟!!!!" بالطبع سأخبره ولكنه يعلم أنك تشاركنى بالفعل بعض من المعلومات وبأنى على اطلاع لتصميمك تلك المعلومات والبرنامج لهندسة السفن "
لم يجيبها بشئ على الفور بل تصنع إبتسامة مجاملة ثم كتب :-" وبعد إندفاعك هذا يجب أن نتخلص من هذه الورقة مهندسة " سارة"
هزت سارة رأسها بتفهم مدركة أنه كالعادة يعاملها برسمية …لا تخلو من اللطف والرفق ..تتمتم لنفسها " كيف لعمياء كزوجتك أن تفرط في رجل مثلك وقد ندر في العالم من يحملون صفاتك …..بل كيف لأي إمرأة أن تقاوم سحر قربك او ترفع عينيها عن حسن خلق وتصرفاتك ..ترى من منكما ترك الاخر يا أيان وكيف لهذا العشق الذى كان يحسدك عليه الجميع بل ويستكثرونه عليك ..ان ينتهي بهذا الشكل القاهر ؟!"
…………….
رائحه الملح المخلوط باللافندر …تسللت ببطء إلى مجرى أنفاسه تتشعب بجذور غير مرئيه بداخله حتى وصلت إلى داخل صدره ضاربه وتين قلبه …فتجعله يستيقظ رغم كل المسكنات والادوية الممنوحة إليه …فتح عينيه ببطء وهو يوقن من المسؤله عن هذا الصباح الذى منحه اكثر من امل في الحياة ..منحه هي وكأنه يخبره " عاندنى كما شئت تجبر على قلبك كما تريد ولكنك أبداً لن تغير القدر وهي كانت ومازلت قدره …!!
فتح العينين الداكنتين المرهقتين ببطء ليتبين كتلة الشعر الملقي بجانب خَصره … التوى فمه بابتسامة قهر …وهو يرى جلستها المعذبه على احدى المقاعد تنحنى نحو سريره وتطوى ذراعيها تحت رأسها والذى لم يستطع تبين ملامحه من كتلة الشعر العسلية التى تنتشر على فراشه …بهدوء وبطء كادت يده تخونه تتمرد على قراراته …ويرفعها ليمررها بين طياتها الكثيفه برفق وتمهل يزيحها عن طريقه حتى يستطيع أن يصطبح بوجهها كما وعدها يوماً متخفين ؟!
في هذة اللحظة بالذات ….بدأ يسمع أصوات من الماضى..حلم شاب مجتهد الغربة اخذت من عمره الكثير ..هدته وارهقته ووقت اتى ان يرتاح وجد ان الجميع يطمع فيه يمد يده يريد أن ينهش منه ما استطاع الحصول عليه ….ولكن هي منذ أن وقعت عليها عيناه كانت موجته الرائقه التى أتت بالترافق مع القمر لتمد همسها نحو شؤاطئه الجافه والتى اشتاقت لقطرات الماء …يده وصلت نحو جبهتها فيتعمد كشف جزء يعرف أن آثار غبائه هناك مازالت موجودة جرح طولي عميق اخذ يومها اربع غرز كاملة ..جرح كان المتسبب فيه دون قَصد ..ولكنه كان البداية معها ليعرف أنها إمرأة قلبه والتى حرمها مختار الزينى عليه لاحقاً ،…
……………..
قبل ثلاث اعوام
كان يقف في حديقة المنزل ينتظر والدها كما أخبره ..فشد انتباهه صوت جلبه تأتى من وراء المبنى ..لم يقاوم فضوله أن يذهب الى هناك بحرص ليستطلع ما يحدث …
ومن خلف الحائط أطل برأسه وعينيه تتوسع بتعجب ..من العرض الذى يراه ..كانت نفس الفتاة ذات الشعر العسلي الناعم " ديالا " نطق الاسم بتمتع مكرره في حلقه بتلذذ متذكر محاولته المستميته ليتقرب منها ليحذب حديث معها عندما يأتى لمنزلهم وتقوم هي بإدخال الضيافة اليه … وتفر هاربه رافضه بعنف أي مبادرة لكلام بينهم
عاد بعينيه يراقب ..وقوفها وسط حوض بلاستيكى كبير يعلم ان بعض العوائل تستخدمه كبديل حمام سباحة للصغار وليست آنسة ممتلئه مغرية كل جزء منها ملفت للانتباه ….تتراقص في وسط الحوض وهي تمسك بخرطوم مياه كبير تضعه على رأسها فتتناثر المياه حولها في كل مكان ..ويدها الاخرى ..حسناً مثل المرة الماضية تماماً ترفع ملابسها حتى أسفل ركبتيها بقليل "…تقدم دون تردد يسند كتفه على الحائط ويربع ذراعيه على صدره ثم ما لبث أن قال مدعي التعجب ؛-" ما هى قصتك بالظبط مع رفع ملابسك يا فتاة ألم أخبرك أنى إكتفيت من عرض أول مرة "
تجمدت على الفور وخرطوم المياه يفلت منها واقع علي الارض ناشر رزازه …نحو أركان ..الذى قفز على الفور نحوها وهو يشتم بلفظ لا يليق جعلها تشهق بصدمه ..على الفور كان يقول بغيظ :" أقسم بالله ان سمعتك تستخدمى كلمة مصيبتى تلك ..لأغرقك بهذا الشئ مرة أخرى "
عقدت ديالا حاجبيها ثم قالت سريعاً:-" تغرقنى بماذا هل أنت أحمق ..انا مبتله بالفعل ؟!"
وقف مكانه وابتسامته تتوسع وعينيه الوقحه تشملها بنظرة كاملة وهو يقول :-" إذن الانسة مصيبتى لديها صوت وتستطيع إستخدام كلمات أخرى "
لوت شفتيها بتهكم ويبدو أنها لم تلتفت بعد لنظراته :-" ويبدو أنك أحمق لتعرف الان انى لدى صوت إن كنت سمعت بمصيبتى هذا بالتأكيد يعنى انى أملك أحبال صوتيه مسبقاً .."

عينينه حملت نظرة مرعبة مصوبة اليها وهو يقول من بين أسنانه :-" مهلاً لحظة يا أُنسة …رفع ملابس ..هل نعتينى بالأحمق للتو"
لم تهتم بنبرة التحذير في صوته اذ تراجعت على الفور قافزه من الحوض وهي تفلت ملابسها سريعاً ..تنوى الهرب هذا كثير منذ دخلت في مرحلة المراهقه لم يرى أحد إنش واحد منها ليأتى هذا الشخص بسهولة يكشفها مرتين ..
أربكها عندما تحرك سريعاً مجارى قفزتها ليقف في وجهها مباشرة وهو يقول بنفس نبرته الحازمة :-" ليس سريعاً هكذا ..؟!"
تراجعت خطوة للوراء حتى لا يلمسها ذراعه الذى وضعه امام جسدها رفعت وجهها لأعلي حتى تستطيع ان تنظر الى ملامحه الوسيمة ابتسامته المبهمه وعينيه التى تنظر لها بغرابه وكأنه اكتشف كائن ما ندر وجودة أو لم يصدق بوجوده يوما
" إبتعد من طريقي والا أبلغت الشرطة أنك تعتدى على العوائل "؟!
هز كتفيه ببرود وقال :-" وأنا سأبلغ والدك انه كلما دعانى للمنزل أجدك ترقصى لى وترفعى تنورتك"
شهقت وهي تتدهور خطوة اخرى للوراء:-" أنت تكذب ..بل أنا من أجدك في طريقي ؟!"
إقترب الخطوة التى تراجعتها ..فتراجعت هي خطوتين ..لم يبالي وهو يسألها :-" ماذا كنت تفعلي"
ضمت شفتيها بعناد وهي تخبره :/" هذا ليس شأنك "
أمال بوجهه بزاوية وقال برقه زائفه:-" وان طلبت بتهذيب..ستجيبى"
هزت كتفيها بلا مبالة مع فتح كفيها بقلة حيله وهي تخبره :-" ولكنى غير مهذبة بالأساس ..إذن محاولتك فاشلة"
ارتد رأسه للوراء بذهول وهو يردد غير متوقف عن التقدم وهي عن الابتعاد :-" ماذا قُلت ..يا ابنت الاسكندرية "
للحظة واحده بانت اللهفه في صوتها الذى سأله :-" هل تعرف مدينتى "
ادعي التفكير وهو يقول ببطء متأمل ملابسها المبتله :-" أممم ….لا لا أعرفها "
أُحبَطت ووقفت مكانها وهي تقول :-" إذن أغرب عن طريقي بدل أن أصرخ مدعيه انك تحاول التعدى علىّ "
يديه ارتفعت يرسم وهمياً سلاح ما نحو لسانها وقال بغيظ:-" انا لا أعرفها ..لأنى منها ولدت على شواطئها واختلطت دمائى بشوارعها ..وتشربت كل عضله في جسدى من مياهها المالحة …مدينتى تعيش داخل قلبي وتمتزج بشراينى"
أطلت من عينيها نظرة عرف معناها جيداً اذ يتعايش معها منذ أعوام وقالت بصوت باهت بدا بعيد يأتى من بئر سحيق:-" أشتقت اليها ..منذ أتينا الى هنا يرفض بابا السماح لنا بزيارتها "
إستغل الفرصة واقترب منها خطوة أخرى وقال وهو يتفرس ملامحها :-" جميعنا نشتاق لجزء من أنفسنا … والوطن يا حوريه يعيش بداخلنا نحمله معنا ..فلا تحتاجى الا كشف هذا الجزء من نفسك سامحه لها بالتجول فيه .."
لم تنتبه لاقترابه حد الخطر بل كل ما كان يشغل عقلها ان هناك أحد يتكلم بلسان حالها يحاورها …ويغامر ليسمعها :-" عندما أغلق عيناي اسمع همس موجها مختلط بصخب اولاد الجيران ليل ونهار اشتم رائحه المطر المخلوط بتراب شوارعها ..يتسلل لمسامعى صوت النوة التى تزلزل دواخلى"؟
توقف مكانه ناظراً لها بانبهار اليست صغيرة جداً على ما تقوله .. على نبرة الشجن التى ينطوى ورائها حكايا مخلوطة بالأنين ؟!
فمه وقع نحو أذنها مباشرة وهمس بصوت حار لم يستطع السيطرة على ارتجافه :-" يوماً ما ..يا حورية سأعيدك بنفسى على شواطئها …غارق بيك وفيك بين مالحها أذيقِك منه حتى ترتوى"
فتحت عينيها وهى تعود تهرب منه تتحرر عنه لخطوات وخطوات قائلة بشفتين مرتجفتين :-" المالح لا يروى ظمئان "

التوى فمه بشئ من التسلية وهو يقول :-" ومن قال أنى أنوى جاعلك ترتوى يوماً ..بل كل هدفي أصبح الان كيف أجعلك دائماً وابداً متعطشه …يا حورية ؟!"
حدقت فيه متسعة العينين …وقالت بنبرة ارتعشت رغماً عنها أنت تخيفنى"
إقترب خطوة وهو يقول :-" لا تبدى أبداً من النوع الذى يخاف "
رمشت بعينيها وقالت هامسة :-" ولكنك تبدو من النوع المخيف ؟!"
كان يحاوطها …يحاصرها محارب أن يبقيها قدر إمكانه مستمتع بالحديث معها ولكنه كعادته سبب لها الأذى ..اذ لم ينتبه إليها عندما تعرقلت في ذلك الحوض منقلبه علي جبهتها ..والتى تدفقت منها الدماء علي الفور مسبباً لها هذا الجرح الغائر مازال يذكر كيف إنتفض جسده رعباً …وهو يحاول مساعدتها فترفض باصرار والدموع تحبس في عينيها غير سامحه لها بالهبوط ..ولكنه كان المنتصر عندما أصر أن يأخذها في عربته ..ذاهب بها لأقرب مشفي ولم يستطع أن يقاوم نفسه وهو يخلع معطفه ليغطى به ملابسها المبتله …
…….
أغمض عينيه بقوة والالم يرتسم على ملامح وجهه ويديه مازالت هناك على جرح جبهتها ..
يدها الناعمة الملتفه ككل ما فيها وضعت بدفء على كفه وصوتها الناعس يخبره :-" لم أنسى إهتمامك بي يومها ..رغم أن خوفك كان مبالغ فيه قليلاً "
فتح عينيه لينظر لها مباشرة وقال :-" كان يجب ان أهتم بعد ان تسببت أنا به "
إعتدلت قليلاً تلملم خصلات شعرها الناعم في رابطة شعر واحده تاركه بعض من خصلاته المتهدلة تحاوط وجهها المستدير وقالت :-" اممم ..دعنا نقول انك قدمت خدمه وها أنا أردها اليوم ؟!
ابتلع ريقه وهو يتمتم بخشونة زائفه :-" هل هذا سبب مجيئك يا ابنت الزينى رد دين "
هزت رأسها بالإيجاب ثم اتبعتها بوضع كفها علي قلبها وقالت بصوت مكتوم البكاء….بكاء على سعادتها المفقودة حبها الجريح ..أحلامها الفتيه والتى حطّمها على صخرة جحوده …:-" بل اتيت لاسدد وعد كنت قطعته لقلبي "
بصوت مكتوم كان يسألها :-" وما هو هذا الوعد "
لم تقل شئ على الفور متحاشية النظر لعينيه باصرار ..يديها كانت عادات لتسريح بجانب ذراعه فلامسها بأصابعه متعمداً …فرفعت عينيها مرغمة نحو عينيه وقالت :-" سأكون من الغباء إن أخبرتك وأنت من الحماقة ان لا تعرف الاجابة وحدك …
" رباه لقد حاول الهرب منها …بكل ما امتلك من قوة ..جعل كل حياتهم سوياً معاناه ومراره ..ولم تيأس منه مازال جزء منه يثور لكرامته يوجعه يتألم يخاف إن اقترب يعلن موت آخر ما تبقي له من كبرياء وكرامة …
كان كليهما يغرق في عيني الاخر أناملة تضغط على أناملها بإصرار وكأنه يترجاها ان تفهم حديثه الصامت الذى لن يجرأ على البوح به يوماً …متوسلاً ان تقاومه تبقي بجانبه أن لا تستغل ضعفه او تضغط على حاجته مثلما فعل به ذويها …
لم ينتبه للظل المقيت والذى ملأ الغرفه بالتوتر علي الفور الا وديالا ترفع رأسها ثم تسحب كفها من تحت انامله بهدوء …
أغمض عينيه بقوة …عندما رأى وجه دلال المتجهم ..:-" هل امك تمنعنى من حقى لتخلي لكم الجو …اليست هذة من كنت تطوق للخلاص منها أم أنك خدعتنى"
صوته رغم إرهاقه خرج آمر خشن مهدد :-" أخرسى واغلقي ..تلك القمامة والا ستندمين "
انسحبت ديالا بهدوء دون ان تكلف نفسها بقول كلمة …او حتى منحها نظرة وكيف لها ان تجادل " قمامة " كما هو تفضل وقال …راقبها حتى اختفت خلف الباب …بمشاعر مغلقه وهى تحيط نفسها بذراعيها وكأنها تحجب ألم ومرارة ..بما فعله بهما ..رغم إدعائها الثبات..
…………..
" لم أستطع منعها بالنهاية هذا حقها "
ابتسمت ديالا بهدوء وهى تقول :-" لا تهتمى خالتى الذنب لم يكن ذنبك"
أطل الحزن من عينى صفاء وقالت بهم :-" هل يأستى منه …لا تخبرينى أنكِ ستغادرى بغير عودة "
لم تستطع ان تخبئ ارتجاف صوتها خيبة الامل التى لونته بدرجات قاتمة :-" المصيبة انى لم أيأس منه رغم ما يفعله بي..مازلت أتفهمه ..انا على وعدى …خالتى ولكن هو من لا يفهم نفسه وخان وعده ؟!
صمتت ثم تابعت بحسرة:-" في الحقيقة هو خان الكثير من الوعود"
شعرت صفاء بالذنب بالعجز ..لعدم قدرتها على اصلاح ما بينهم ولكنها قالت بمحاولة أخيرة :-" ولكن رغم هذا تعلمى أنه يحبك أنتِ لا تتركيه لها أرجوك"
زفرت بقوة قبل ان تقول بتصلب :-" أنا لن اسمح لنفسى يوماً بالمنافسة على رجل باعنى ،.. ولكن ليطمئن قلبك تلك التى معه ليست منافسة لي من الاساس…ما بينى وبينه أكبر بكثير من أن يفهمه أحد يوماً
…………………………………

إقتربت رانيا منها بتردد وهي تراها تسحب ملابس أخرى من خزانتها ثم تتوجه لحمام الغرفة الداخلية :-" كيف حاله "
أغمضت ديالا عينيها بقوة ثم اخذت نفس عميق ..قبل أن تجيبها :-" بخير حال .."
" هل مرت مرحلة الخطر "
توجهت ديالا نحو خزنة صغيرة فتحت إحدى أدراجها تسحب منشفتها وهي تقول بهدوء :-" لا أعرف الحادث مر عليه عشرة أيام فقط مازال مناطق من جسده تقبع تحت الضمادات الطبية ..ولم يتحرك من سرير المرض بعد …اذن ليس لدينا تصور كامل على ما سيكون عليه !"
همست رانيا وهي علي ذات التردد :-" سيكون بخير …"
زفرت ديالا بتعب متمتمه :-" أتمنى هذا …فقط لا أريده الا ان يقف على قدميه مرة أخرى …ولا يهم أي شئ آخر بعدها "

توجهت ديالا إلى حمام الغرفة دون رد …فسمعت صوت رانيا المتردد يأتيها خجل مرهق … ومتألم :-" وهو هل رأيتيه أو تحدثتى معه منذ ..منذ"
خنقتها العبرات وطبقت على أنفاسها بشعور أكبر وأشد عنفا مما شعرته من قبل لقد طنت أنّ الالم سيهدأ تدريجياً ..ستستطيع التحكم فيه علها تستطيع ..ان تفكر ان تجد مخرج للتكفير عن خطيئتها …ولكنه كلما زاد إبتعاده عنها كان الالم يفترسها ..حتى جعلها مجرد ورقة يابسة في مهب ريح خريفية
" منذ أن طلقك ..لا لم أره ..لقد خسرت صداقته على ما يبدو بفضلك " صوت رانيا الجاف الخالى من التعاطف صفعها بنيران ..وكأنها على حين غره أمسكت أحد المشاعل ضاربه بها في وجهها مشعلة النار في كل جزء منها ..لتحترق؟!"
" أنتِ قاسية " تمتمت رانيا مرتجفه …
إلتفت إليها ديالا متلبسه قناع الوقاحه والتى لم تمتلك غيره لسنوات للدفاع عن نفسها لحماية روحها ..لتختبئ خلفه حتى لا يرى أحدهم يوماً جانبها الضعيف فيقضى عليها :-" وأنتِ إنتهازية … لا تهتمى الا بنفسك ومشاعرك … أنتِ ومن بعدك الطوفان رانيا "
صرخت فيها رانيا بحده مخلوطة بالقهر :-" تباً لكِ ديالا انا أختك كنت صديقتك لوقت طويل …لا تحاولي قطع محاولتي المستميته لكسبك؟!"
برقت عينى ديالا وزفرت نفس قاتم بارد…ثم قالت بجمود:-" تريدى كسبي لمصلحتك وحدك عاشمه في دعمى ملقيه كل جرحي على أشخاص آخرين معادك"
هزت رانيا رأسها بالرفض قبل ان تقول بصوت تدرج بألوان القهر :-" لا والله ما اردت الا أنتِ…وما تعشمت الا فيك ..أنا أريد أختى ديالا …أن أصلح ما كان بيننا …هل تظنى أنى أغطى عليكِ أقف أحرس لكِ الباب كل ليلة لتتسللى إليه أوصلك بنفسى للمشفى وآخدك منه أقدم كل ما أستطيع عليه ..فقط لانى أريد إصلاح صورة ما في عقلك ؟!"
لم تقتنع ديالا ولم تتعاطف ومن يلومها بعد كل ما رأته منها …فسألتها بحدة واقتضاب :-" ماذا تريدى اذن ..حبي أخوتى أنتِ عاشمه رانيا ما خربتيه في اعوام لن يصلح بجرت قلم او اعتذار واهي ..لا يعنى لي شئ ؟!"
…………………………..
بعد ساعتين لا أكثر كانت أراحت جسدها المتشنج بالفعل في حمام دافئ وبدلت ثيابها ،..ثم بهدوء وضعت بعض الاشياء التى قد تحتاجها في ليلتها الطويلة معه وخرجت ككل يوم متحججه بالمحاضرات الطويلة …مستغلة أمها ورانيا الذين يغطون جيدا على عدم بياتها في المنزل .." ها وكأنه سيهتم من الاساس المهم لديه ان يتأكد بأنها لن تذهب لأركان " واهم بابا ..لولا فقط محايلة ماما لي ،.وحماقة الغبي حتى الان وتقلبه معى ..كنت رميت في وجههك وقوفي بجانبه مدت يدها تفتح مقبض الباب عندما آتاها الصوت الصلب القاتم من خلفها :-" الى أين "
لم تهتز ولم تتأثر وهي تستدير على عقبيها تخبره بهدوء دون ان تهتز فيها شعره :-" الى جامعتى "
نفس الملامح الكارهه …ونفس الجمود والنفور والتى لم تعرف سببه يوماً ؟! نطق أخيرا. بغضب مكتوم :-" هل ذهبتى اليه "
رفعت رأسها بأناقه وملامحها منذ طفولتها كانت تحكى عن رأس صلب كالصخر لا يلين …قيادية ..لا انقيادية نافره رافضة…لم تخضع لامر يلقيه يوماً فكان يستخدم معها القسوة والحرمان ..فلم تلن ولم يستطع هو ان يتقبلها ..خالق بينهم هوة كبيرة سحقيه لن يستطع احدهم ان يتخطاها يوماً :-" مازال زوجى وإن أردت الذهاب …لن يمنعى أحد أي أحد بابا ؟!
جز مختار على أسنانه قبل أن يقترب منها سامح لنفسه ان يجذب خصل شعرها بين انامله يشدها منه وهو يقول بغضب أعمى :-" جربي تجاوزى او كسر كلمتى وانتِ سترى منى ما لم تريه في حياتك "
أغمضت ديالا عينيها لبرهه تحاول أن تقاوم نفسها ان لا تعامله بقلة أدب متعمده أن لا تنفض يده المهينه بعيداً عنها …مذكره نفسها بصبر انه المرة الاولى التى يتطاول عليها بالايدى على الاقل ؟! " تُرى إلى أي حد أذاك أركان وهو يسترد حقه ليجعلك فاقد لسيطرتك وهدوءك هكذا يا سيد مختار ؟!"
شهقت أمها ويدها كانت الأسرع وهي تفلت شعرها منه وتقف حائل بينهم وصاحت بثورة رغم اضطرابها :-" ما الذى تفعله مختار ..منذ متى تمد يدك على إحداهن "
قال بصوت جليدى كان يقهرها في طفولتها ؟!:-" لا تجمعيها يوما برانيا فتاتى الغالية ؟!"
إبتلعت كلماته بصعوبة …وقالت بسخرية لذعة :-" لا أظنها عادت تعنى لك هذا …وان نست ما فعلته بها …وطاوعتك مرة أخرى مغلقه عينيها ..اذن هي تستحق كل ما حدث لها وسيحدث.."
صوت امها قصف بصرامة وقوة :-" ديالا يكفي ،..وهيا اذهبي من هنا "
للحظات طويلة كانت النظرات بينهم متحدية قاهرة غير قابلة على التنازل الخضوع ..عينيها البندقيين كانت تشتعل بالإصرار بالتوعد وكأنها تخبره وتؤكد له حقيقة واحده ديالا لن تخضع لقيد يوماً ولن ..تسلم الا ما تقرر هي أنه يستحق ..المتمردة الغبيه كما كان يعلم تماما لن توصله يوما لشئ ……..
……………………………..
قصيدة لـ أحمد فؤاد نجم
يا اسكندريه
بحرك عجايب
ياريت ينوبنى م الحب جانب
تحدفنى موجه
و البحر هوجه
والصيد مطايب
أغسل هدومى وانشر همومى على شمسه طالعه و انا فيها دايب
كانت الضحكات ترتفع بصفاء من حولهما أما هو يكتفي بمراقبة شفتيها باسمتاع ..كلماته التى تخرج موجهه اليها بعفوية ..بشوق يعلم وتعلم انه يغلب عليه همسه ..او وعد كان قديماً…ربما هي تدعي النسيان ولكن هو لم ولن ينسى يوماً ..لقد كان وعدها رغم صغر عمرها ..هدف ووسيلة زاده وزواده في الغربة …التى استمر فيها ما يزيد عن سبع اعوام كاملة….
يدها كما الماضى لمست كتفه بخفه تشد انتباهه وهي تقول :-" اسم هذا المقهى مضحك ولكن مبهر ..
إرتبكت من تلك النطرة التى يوجهها اليها شاغل أنوثتها مغذية الشعور المتقد بداخلها للحب للاهتمام بذكرى كانت معه قديماً …رغم أنّ كليهما كان مراهق…وقتها ولكنها كانت تراه أكثر من رجل كافي لها ..تشعر بالتلذذ من قربه ..بوجع ممتع يعصر قلبها من نظرات الإعجاب التى تتقض في عينيه الخضراوين كجمرتين تشعل دواخلها …إبتلعت ريقها بصعوبة بينما هو يخبرها مشيراً :-" انها مقهى خاص بالصم والبكم …بنا ..وبمن بالطبع ينضم إلينا بعض المثقفين الفنانين وأيضاً الأدباء والشعراء "
تجنبت تماماً ذكره بانه يخصهم ؟! وقالت بعفوية " ولكنه يبدو تاريخياً"…
كان المكان بدا يزدحم بالرجال بالفعل ..فمد أيان يده يجذب يدها ينوى المغادرة فسحبت يدها سريعاً تخبره " لا أستطيع"
جمر عينيه الذى اشتعل علي الفور …جعلها تخاف منه ..تندم على لفتها انتباه لتلك الحلقة الذهبية التى تزين إصبعها .." تباً لم تقصد ان تذكره او تتذكر اركان المتجهم والذى يبدو كارهاً حتى اسمها ..في تلك اللحظة ..نفضت ذكره بعيداً ..متبَعه يد أيان التى امتدت مشير لها بالتقدم .. مشت امامه من نفس الطريق التى قدمو منه ، مشى كليهما جانب الى جنب في شوارع تحمل طرازا آثريا فريدا، ثم ممرات صغيرة تشبه السراديب والمغارات الموجودة فى الجبال والكهوف، وبمجرد وصولك للقهوة من خلال عبور هذه الممرات ستجد نفسك وكأنك فى عالم آخر ومختلف لقد كان المقهى يعج بالعديد من السياح ولا يتحدثون إلا بلغة واحده لغه الإشارة …
إلتفت اليه تحاول أن تطرد الجو المتوتر بينهم وهي تسأله " هل تأتى الى هنا كثيراً "
"ولكنها بعيده عن حي العجمى"
هز رأسه بالإيجاب ..قبل أن يشير لها يفهمها" الشركة التى أعمل بها لديها فرع في محطة الرمل لذا معظم وقتى أحب أن يكون هنا "
عادت للسؤال في اي شئ حتى تصرف التوتر :-" ماذا تعمل"
عبس وهو يشير بضيق:-" لقد أخبرتك سابقاً لا يعقل ان تكونى نسيت "
ابتسمت بارتباك هامسة :-" لا لم انسى …ولكن ربما أريد معرفة المزيد عنك "
كان خرج من الحارات الاثرية بالفعل فلم يعد يفصلهم بين الشاطئ الا ان يعبرا الشارع ..لم يتردد ايان ان يمسك يدها مرة أخرى ..غير مبالي باعتراضها …جذبها سريعاً خلفه عابراً بها الطريق جرياً غير ..للحظات فقط كادات تصرخ ..ثم اندفع الاندرلين في أوردتها منحها نوع من السعادة ..وصل بها للبر الآخر بالفعل للكورنيش مباشرة ولكن يده التو تضغط علي يدها اليسرى رفضت تركها فاستسلمت مستمتعه بما يفعلاه متذكرة ماضى بعيد قريب كان الجرى على شاطئ البحر هو هوايتهم المفضلة ..ضغط علي يدها اكثر وهو يلتفت اليها مبتسم الوجه صاحب الملامح فبادلته ضغطه متحرره من الشعور بالذنب ..غير متذكرة الا عيناه هو التى حاوطتها منذ ان هبطت مطار القاهرة مانحها تلك الرسالة التى تحتفظ بها في تلابيب عقلها
كان وصل لسلم يعلوه حائط مقوص فهبط سريعاً جاذبها على درجاته لم يسألها ولم يحاول ان يفهم اى من حديثها فقط اكتفي ان يرفع احدى حاجبيه مع مد وجهه للأمام وكأنه يتحداها ان تعترض ..يشاكسها .. لم يلفتها الا بعد ان غاصت اقدام كليهما في رمال البحر ….
عندما تركها هناك انحنت واضعه كفيها على ركبتيها وهي تتنفس بتلاحق ..مبتسمه منتعشه ..ضاحكة منذ متى لم تشعر رانيا بالاكتمال هكذا منذ متى …لم تعرف معنى انها تعيش حره لا تنتظر رأي أحد ولا تحتاج إذن مباشر يجب عليها أن تنفذه …
كان الظلام حل بالفعل على عروس البحر المتوسط تارك البحر الازرق الصافي يضرب بنعومة الرمال من تحت أقدامهم …السماء فوقهم بزرقه مماثلة ..والقمر هناك ابيض منير يسطع في الأرجاء يزيد حربها الداخليه ..جعل كل احشائها تتلوى صارخه بالحاجه " منذ ست أشهر خطبت لشريك والدها لم تشعر معه لحظة واحده بالاهتمام بالحب ..بأي مشاعر إنسانية حتى" فيجعلها الآن في تلك اللحظة التى يجذبها أيان فيها لتجلس بجانب جسده الممدد على الرمال لا تشعر بأي نوع بالذنب ناحيته ؟!"
جلست هناك طواعيه فوضع أحد يديه تحت رأسه وهو ينقش لها تحت ضوء القمر :-" بماذا شعرت هل تخلصت من الطاقة السلبيه التى كانت بداخلك"
للحظات عبيره الرجولى كان يضربها مرغمها علي استنشاقه ..ابتسمت بارتباك وهي تحرك شفتيها :-" منذ عشر أعوام لم أشعر أنّى حيه …أنا بأفضل حال "
إعتدل أيان وهو يشير لها بدون مقدمات :-" لماذا قبلتى به إن كان يتعسك هكذا !!"
إشتعل وجهها باحمرار لم يعرف سببه ..بالترافق مع ارتجاف شفتيها وصوتها سوياً وهي تخبره :-" أركان جيد ..بابا يقول انه أكثر من مناسب"
عقد حاجبيه قليلاً وهو يتأملها طويلا طويلاً جدا بينما حركة صدره غير ثابته متزعزعة ومتسارعة لم يرد أن يخبرها ولن يعترف لها الان " ان هذا البابا رفضه قبل عام عندما ذهب اليه أيان طالباً وراغباً ان يراها ..متحجج فقط انه في الكويت بسبب العمل ويريد ان يرى جيرانه القدامى" ولكنه ذهب وراءها هي عندما عرف أنه أصبح الان في مكانه من حقه أن يحارب الدنيا ليصل اليها …
" أنتِ لستِ صغيرة رانيا حتى تنتظرى ما يقوله بابا "
قرأت جملته ..بينما تأخد نفس عميق وهي تقول بنبرة مغلقه :-" منذ زمن طويل طويل جداً ..نسيت معنى أن آخذ قرار بنفسى ..لنفسى أو أرفض شئ ما يقوله والدى ..هو ..هو دائماً يعرف الصالح لي لن يضرنى أبداً"
أشار بتجهم" ووعدك "
تصلبت بالرفض المهتز وقالت بعدم اقتناع لما يتفوه فمها:-" أي وعد لقد كنا صغار ..بدليل ما نفعله الان كأصدقاء "
كان شعرها يتطاير مع نسيم البحر ..فيجعل قلبه يطلق آهات إشتياق لم يعد يسيطر عليها ليجعلها مكتومة ..فمسك إحدى خصلاتها الشاردة بين أنامله وهو يشير لها ببطء وانفاسه الحاره تداعبها تلفحها تجعل كل إنش منها يرتعش تأثراً وقل ذرة عقل فيها تضيع ذاهبه بغير رجعه مع كل حركة منه :- أنتِ فتاتى انا منذ ان اقتفت من شفتيك عذريتها منذ ان طوقت عنقك بسلسالى ..والذى مازلتى تحتفظى به بجوار قلبك..منذ ان اطلق فمك وعوده …وانا غير منصف أبداً ..وغير جيد التعامل مع الوعود الناقصة…أنتِ لى رانيا
……………………………………
وكانت …
مازالت تذكر عينيه الخضراوين التى تحاوطها …مطاردته اياها بغير انصاف محاولته المسميته لتذكيرها بعشق قد كان ،.غير عارف بأن القلب لم يعشق يوماً سواه بان أنوثتها لم تتفتح أبداً على يد الاه ولكنها كانت تعاند تكابر تحاول أن تلتزم بالقوانين كعادتها بأمر والدها …موهمه نفسها بأنها تستطيع أن تكسب أركان ولكن كيف تستطيع ان تكسب رجل لا تشعر نحوه بشئ من الاساس…رجل لا ينظر نحوها الا بالبرود وربما الكراهية ؟!!
رجل كان كل نظراته باردة ميته كارهه ولا تحيا وتشتعل وتنبض بالحياة الا عندما يرى طيف ديالا المعذب مثله؟!
رباااااااه
شهقت رانيا بعنف وهي تنتفض من على الفراش ..وكأن الحقائق التى تتذكرها بمشاهد بطيئه ومكرره تكشف لها ما كانت غافلة عنه ..
وقفت في ساحه الغرفه مضطربة تتذكر في إحدى المرات دعت والدة أيان والدتها وهي وديالا على عشاء أصر أيان أن يكون أمام كبينته الخاصة
" يا الله" كيف لم ترى عينى ديالا الباكية حتى تورمت وعينى أيان التى اطلقت شرر مكتوم ..بينما يربت على كتفيها يخبرها أنّ كل شئ سيكون بخير ولن يسمح لأحد بأذيتها ..بل لن يسمح لأحد بأخد ما هو لها…يومها بعد أن أنهت مكالمة بارده مع أركان ذهبت سائلة فأكد كليهما أنه مجرد التواء لكاحلها..
بعدها غرفت في دوامة من مشاعر أيان الجامحه عمداً أصر أن يراقصها يده تستريح على خَصرها مشعله كل جزء منها لتصرخ مطالبه بالمزيد من الدفء من الحنان من الاحتواء والحب ..انفاسه المشتعله تغرق حواسها كما تطغي على كل حواسه بأنها الفرصة من الحين لاخر مدعى عدم الانتباه فيضمها الى صدره بقوة مخفيها ..فيتلون وجهها بالخجل وثغرها بأجمل الابتسامة وقلبها بأجمل الالوان تذكر كيف أبعدها لدقيقة واحده وهو يشير اليها " أنتِ هنا في المكان الصحيح ..أفيقي رانيا أنتِ تقتلي جزء منكِ ببطئ دون أن تدرين "
……
صوتها كان متسارع هستيرى وهي تسأل ديالا على الهاتف" إياكِ أن تكذبي علىّ ..هل أيان كان يعلم بحبك لأركان ..وهل كنتِ على علاقة به قبل ان يتقدم لخطبتى"
" هل كنت كرة يركلها الجميع بقدمه ليربح اللعبة حينما يريد أجيبنى ديالا "


سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 08:49 PM   #5

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

ايثار عمر likes this.

سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 08:53 PM   #6

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

دانه عبد likes this.

سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 08:58 PM   #7

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السادس

نزار قبانى

أيا إمرأة تمسك القلب بين يديها...
سألتك بالله لا تتركيني...
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني ؟
بحذر شديد...وخوفا أن يسبب لنفسه مزيد من الألم...أو يثير رهبتها أو يزعجها كان يعتدل ببطء ويسند نفسه الى مقدمة السرير ثم خلع من يده حقنة المحلول الطبي"ومسدها بيده الأخرى لدقائق...كانت ديالا مازالت تلف ذراعيها على خَصره...مسندةً رأسها على ركبتيه بعد أن أصر هو أن تشاركه فراشه ولا تبات على المقاعد ككل ليلة...فإستسلمت بعد لحظات من التردد وهي تخبره بثقة...أنها لن تنام من الأساس..فذهبت في نوم عميق قبله...
أنامله المتشنجة إمتدت بحذر تُزيح خصلاتها المتهدلة جانباً يتذكر أول سر أخبرها إياه في دوامة أسراره...إبتسامة خفيفة إرتسمت فوق شفتيه...وهو يتذكر إنفجارها فيه ونعته وسبه ثم ثقتها وهي تخبره انها كانت متأكدة من غبائه وان تلك الدلال لم تكن أبداً بينهم ولكنها لن تغفر له فعلته...المجنونة الصغيرة المتمرده تنوي معاقبته"ثُوري...جِني كما تريدين ، لكن إبقي دائماً حولي"
تنهد بحرقة وهو يغلق جفنيه بشدة:"كيف كُنت أعمى البصيرة عن عشقي إياكِ ؟!بل كيف أوهمني جنوني أن من الممكن أن أنساكِ يوماً أو ان عشقك في قلبي لم يتواجد من الأساس"
خلف جفنيه المغلقين ويديه التي تجول في خصلاتها الناعمة...ذراعها الملتف حوله متمسك فيه...كان يرى بنار الغيظ مدى حماقته...نظرات تلك الدلال بعد أن دخلت عليه الغرفة وقت الحادثة مازال يتذكر شهقتها المذعورة ووجهها الذي شحب بالترافق مع إشمئزاز..تلك الحثالة أصابها النفور من حروقه وجروحه!
الحنق تزايد بداخله فأبعد يده سريعاً بعيداً عن إمرأته حتى لا يؤذيها بينما بداخل صدره تندلع ثورة مجنونة تحرقه كمداً..حتى أنه عندما صرح يومها أمام وجهها الذاهل وأنفاسها المتوقفة:"أنتِ طالق دلال...لا أريد رؤية وجهك هنا مرة أخرى"
لم تشفي غيظه من نفسه قبل كل شيء...ولكنه متعجباً من نفسه إنه بالفعل شعر أن تلك الصفعة من دلال كان يحتاجها انتقاماً لما فعله بحبيبته الصغيرة..مازال يتذكر صراخ دلال فاقدة للسيطرة...مازال يرى بإشمئزاز محاولاتها المستميتة لإقناعه أنها ستموت إن إبتعد عنها !!إنها تستحقه و أنه ظلمها عندما طلقها رغم أنها أتت للوقوف بجانبه...طرقع بلسانه ساخراً أتت بعد يومين من الحادث...لتقف بجانبه بحجة ان ديالا تمنعها!! مشكلة وغباء دلال الحقيقي أنها كانت من الغرور أن تُقنع نفسها بأنها تستطيع أن تضحك على إبن سوق مثله!!شب في حواري الإسكندرية وتمرغ في ترابها وتراب الغربة سوياً..ربما شِباك دلال ومن مثلها يقع فيها غر أحمق ساذج فيصدق ذلك العشق الكاذب!!!
"متى استيقظت؟!"
فتح أركان عينيه على الفور ونظر لعينيها الناعستين عندما رفعتهما نحوه فسيطر على مشاعره وهو يضع ابتسامة بسيطة وقال:"منذ وقت بسيط…كُنت أحتاج أن أخلع ذلك الشيء عن يدي فهو يُزعجُني"
كانت مازالت رأسها على ركبتيه بينما هو يخفض وجهه وينظر اليها فسحبت كفه السمراء الضخمة لتضعها على صدرها ومسدتها برفق.. عم الصمت لدقائق بينهما قبل ان يقول:"بماذا شردتي؟"
بذلت ديالا جهداً كبيراً كي تمنع نفسها من النظر اليه أو تتبادل الحديث معه لقد كانت منذ الأمس في حالة تخبط…معاناة وتنازع فقط لو أنها لا تشعر بكل هذا الألم...بذلك السكين المنغرس داخل قلبها الذي لم يُطبب بعد..كيف تتسامح ؟!! ولماذا قد تُصدقه وهو لم يقدم لها ما تحارب من أجله يوماً..حتى قلبه يقينها وإيمانها بحبه قد سحبه منها وضن عليها به!!عاقبها لذنب لم تكن هي من اقترفته..وبعد أن كادت تُجزم أن لا فائدة مما تفعل جاء الآن وبمنتهى البساطة يخبرها ان لا امرأة سواها وأنه طلق الأخرى لأنها حقاً لم تكن بينهما كما أجزمت وقالت ببساطة:"أنا لا أريد تصديقك"
فجعلت ابتسامة متوسعة تعود لترتسم على شفتيه و قال بهدوء:"لا تريدي!!هذا يعنى أنكِ مقتنعة بكل حرف أخبرتك إياه"
اعتدلت ديالا قليلاً لتريح رأسها على صدره سامحة ليديه ان تحيط كتفيها ليضمها اليه فتمتمت بخفوت:"نعم...ولكن هذا لا يعني أنك لست ملام...ولا تستحق هجري إياك"
تصلب جسده للحظات قبل ان يقول بخشونة معتاده:"كلانا حاول...الهجر والإبتعاد؛ ولكن أُنظرى للنتيجة ها أنتِ على صدري وأنا أسقط جميع أقنعتي واحد تلو الأخر بين يديك.. اذن ليس من حقكِ أن تتفوهي بهذه الحماقات"
أحس بأصابعها تتقبض حول قميصه بقوة حتى أصابت بعض من جلده...كانت تشعر بالطعنه تلو الطعنة تقتلها فلتت منها شهقة مرتجفة وهي تقول بحرقة:
"أياها الحقير الخائن.. لقد كرهتك كما لم أكره أحد في حياتي قط…لقد تزوجت تلك المرأة...قدمتها للعالم أجمع وأقمت لها زفاف أنت..."
لم تدرك أن أظافرها تنغرز في لحم صدره وهي تحاول كبح أعصابها...إلا عندما أبعدها عنه أركان برفق رغم تألم ملامحه وقال:"انتِ تلوثي جروحي وتزيديه إلتهاباً"
لم تكن تعلم انها تفعل..تنهدت وهي تنظر ليدها المعلقة في كفه ثم قالت:"يؤلمك؟!"
أجابها بصراحة:"بالطبع؟!"
قالت ديالا بصوت مكتوم:"تخيل كل تلك الجروح لم تكن جزء بالمئة من جرح قلبي...المفارقة الوحيدة هنا أن لديك أنا والمسكنات والأطباء..بينما أنا كنت أئن وجعاً وحدي"
ترك يدها..وقلبه أصبح مرتعباً من مجرد فكرة فقدها وأجبره أن يتنازل عن كل شيء و يقول برفق:
"ما الذي يمكنني فعله لرفع ذلك الجانب من الوجع على الأقل ؟!"
رفعت عينيها الجميلتين تحدق فيه بجمود ثم قالت:
"لا شيء قد تفعله من الممكن ان يُصلح ما كان"
أحس أركان بقلبه يقع بين قدميه وقد استحال لقطعة من الحجر..
أكملت ديالا بنفس النبرة:"دائماً ما كنت أعالج جروحي بنفسي.. لذا سأجد مخرج لما أشعر به..ولكن أريدك أن تفهم أني من الثقة أن أعلم أن تلك الدلال لم تكن أبداً بيننا..وإلا وخالق الكون ما كنت غفرتُ لك ولا عُدتُ اليك حتى لو كانت روحي وحياتي معلقة بك"
كبح نفسه للحظات وكلماتها القاسية تُؤلمه من أجلها:"دائماً ما كنت أعالج جروحي وحدي"رباه كيف قسى عليها؟!كيف كان من الجنون أن لا يرى لجوءها اليه ؟تمسكها وإحتماءها بأمه ورفضها لأي علاقة بعائلتها رغم هجره إياها؟!!! أغمض عينيه للحظه وهو يقول بصوت أجش:"هل تسمحين لي هذه المرة أن نجد علاج جروحك سوياً ؟!"
حبست أنفاسها وقلبها يهدر بين أضلعها وخيال يصور لها صوت شيء يتهشم...كبرياء أحمق يتحسر ويندحر..هل من المعقول أن تأمل ؟!!
لم تدرك إنها ترتجف إلاعندما أجبرها لتستدير وتصبح بجانبة...متحاملا على نفسه أصبح ساعده يحيط رأسها ووجه مشرف عليها قال هامساً:"كنت تعرفين انها زوجتي؟! اذن لماذا أتيتي مسرعة إليّ؟؟"
يدها كانت ترتاح على صدره وهي تهمس بصوت مرتجف:"لأنى برغم كل شيء حقدي عليك..غضبى منك و تعاستي...خسارتي وحتى عجزي فلم تكن لديّ المقدرة أو الإستطاعة أن أقسى عليك..."
همس بعاطفة مشحونة:"لأني كُنتُ أحتاجك ولأني لم أكن أقبل بمخلوق سواكِ"
إغرورقت عيناها بالدموع وهي تردد بإختناق:"نعم...كنتُ أعرف هذا حتى وان لم أحلم أن تنطقها يوماً"
العاطفة الجياشة أطلت من عينيه الداكنتين وهو يميل اليها يهمس برفق:"لم تدخل امرأة الى قلبي يوماً سواكِ..لا تدعيني أفقدك"
يده انتقلت لتحيط بوجهها وجسده مال يعانق جسدها…رأسه إنحنى ليلتقط شفتيها بقبلة جارفة.. ارتفعت يدها لتحيط بخصره لتبادله قبلته المتلهفة بحرارة وشوق جارف لا ينتهي…منذ أن سلمته قلبها بيقين امرأة أحبته وأخلصت في حبه…
تحدث من بين شفتيها لاهث الأنفاس قائلاً:"رباه...أنا أحبك ؟!"
توسعت عينا ديالا للاعتراف الصريح المباشر بينما عقلها كان ضبابيا...فما يفعله كان أشبه بفيضان جارف كسر كل السدود المقامة في وجهه وبدل ان يسقي الأرض المتعطشة لمائه جرفها دون إنصاف..كانت تشعر بالذهول والارتباك...وبحاجة ضارية لأن تشعر بلمساته وقبلاته التي إنحنى مرة أخرى يمنحها إياها ليبثها مشاعر رغم توقها اليها لكنها كانت من البراءة أن تترجمها أو تفهم ما كانت تشعر به في تلك اللحظة او ما هو رد الفعل الصحيح؟!!
لقد كانت غافلة تماماً أنه وبرغم كل كلمة صادقه نطق بها ولكنه كان ما يتحكم به هو شعور رجل أوشك على خسارة المرأة التي أحب فشرع بغيرعدل يفعل أي شيء وكل شيء مهما كان سيؤلمها لاحقاً فقط ليضمن ارتباطها به وعدم إفلاتها منه أبداً مرة أخرى
*************************
رغم إرتجاف جسدها وإنقلاب كل عالمها رأساً على عقب..لم تفكر أبداً ويدها تترك فمها الفاغر بصدمة وذهول مما سمعته...
اقتربت رانيا تقف بمواجهة والدها تنظر له بحرقة...بغضب ووحشية قاربت على الظهور وهي تسأله بصرخة خرجت عنيفه:"هل تاجرت بقلبي ومشاعري من أجل مصلحتك ونظرة الناس؟!"
الكراهية العميقة التي لم يسبق أن رآها قط على ملامح ابنته جعلت جسده يتوتر...وبلسانه المنطلق الملتف يتلجلج فاقداً للحظات حنكة الرد..فأكملت رانيا بسخرية غاضبة وكل شيء أصبح يطبق على صدرها بوحشية مجنونة فأصبح داخلها وحش صغير يوشك على الفتك بكل من تظن أنه كان السبب في ضياع نفسها منها:"أيان جاء لخطبتي!! كان على عهده بعد أن حقق كل انتصاراته عليكم جميعاً جاء مطالباً بي وأنت بكل جبروت ألقيتني لرجل أراد أختي!! رجل لم يرغبني!!جعلتني أخسر الجميع وحب أختي لي...حقد وقطيعة شبت بيننا لأنك لم تريد هذا المعاق"
لم يكن مختار مستعد للمواجهة بل لم يكن يعترف بحقها في الاعتراض من الأساس..عندما قال بصرامة:"توقفي رانيا وعودي لرُشدك..منذ متى تعارضيني ؟!لقد فعلت ما في مصلحتك"
هتفت بيأس وهي تدور حول نفسها والدمع في عينيها توقف وجف ليحتل مكانه الإحمرار مقرون بالغضب بالقهر بالفشل:"مصلحتي ؟!أخسر رجل حياتي مرتين بسببك لمصلحتي...تستخف به وتستحقره لمصلحتي!!! تُجبر شاب آخر يحب أختى ليتزوجني.. فأخسرها بالتابعية أيضاً لمصلحتي؟!"
أحياناً ظلم الناس..يكسر في النفس شيء يستحيل إصلاحه...فكيف تكون قسوة ظلم الأهل؟!!لم يفكر مختار كثيراً بل لم يتوقع يوماً ان يكون هذا رد فعله على مدللة قلبه عندما اقترب منها يمسك مرفقها بعنف يخبرها من بين أسنانه:
"أضحك تبالغين قليلاً في مشاعر الأبكم المعاق...انه سبب كل ما نحن فيه حتى وان سطع القمر يوما سيظل رجل ناقص غير أهل لإبنتي ولنسبي أبداً...أما ذلك الحقير الآخر لم يكن ذلك العاشق الذي صمد دفاعاً عن المتمردة الغبية بل باعها أمام حفنة مال"
كانت الدماء تضخ بين أوردتها عنيفة وهائجة..عندما صرخت بقهر و بثورة تأخرت كثيراً في الظهور:"أيان ليس بناقص..بل أشرف وأكمل من الجميع...الناقص هو من يضع إبنتيه في مزاد ويساوم رجل بماله المسروق"
لم يفكر مختار اطلاقاً ويده ترتفع في ردة فعل تلقائية نحو وجهها...لتصفع وجنتها بعنف جعلتها تقع على أرض الغرفة صارخة بذهول...تجمد الزمان بين ثلاثتهم لدقائق طويلة..لم يعلم مداها ولم يقم أحد برد فعل حقيقي إلا نوال التي كانت تراقب ما يحدث بخوف وذُعر تدعو الله لأول مرة أن تكون رانيا من الضعف أن لا تواجهه..هرعت الى ابنتها محاولة ان تضمها اليها وهي تهدر في زوجها:"يكفي واتقي الله فيما تفعله بهن ألا تكتفي بما أوصلتهن اليه؟!!"
قبل ان تصل ذراعيها لرانيا كانت تزيحها هي بخواء بينما تنظر لوالدها الذي أظلمت ملامحه بشكل غير مفسر مكبوت لم يتردد وهو يقول بصوت مكتوم:"دائماً كنتِ المميزة لي...ليأتي غبي يُخرجك عن طوعي ورغم رعونتك وغبائك وحماقتك تركتك تخوضين التجربة مع الأخرس للنهاية وها انتِ مشردة ضائعة منبوذة...عدتي تجرين ذيول الخيبة"
عينيها البنيتين كانت تحدق فيه بذهول وهي تقول باختناق:"بسببك أيضاً...تركت نفسي للظنون ودمرت بيتي بيدي.. خسرت زوجي وحبيب عمري لأني تركتُ مسامعي لك أبى ولم أكن أدري أنك تخطط لكل هذا من البداية"
قال بإستخفاف:"لا تقنعي نفسك...بأني السبب بل لأنكِ خُفت أن تأتي بمعاق وكأنكِ كنتِ من الجهل ألا تعرفين ان هذا ليس أمر وراثي؟!"
الألم ضرب صدرها بمطارق حادة وقالت بقهر:"هل علمت الآن من تلقاء نفسك انه ليس بوراثي؟!لا أذكر أنك أخبرتني بهذا وانت تقنعني بالعكس بل وتضرب لي بالأمثلة الحية ان العلم ليس جازماً تماماً..انت حرمتني أنا من الأمومة..من قطعة مني أحملها بداخلي وتكبر بين ذراعي...انت إغتالتني أنا لا هو"
ارتد مختار للوراء وعقد لسانه للحظات بعجز عندما رأى الوهن يعود يضرب بأشرعته المعتادة بها وهي تقول بحرقه:"لقد أردت قهره فقهرتني أضعاف…انا كنت أقتل طفلي بيدي..عبر أخذي تلك الوسائل شهر تلو الشهر أمومتى تتنازع بداخلي وهسيسك ينزل كالسكين الحاد في أذني ورأسي يمزقني..أعاني من وجع زوجي ووجع أنوثتي وأمومتي وخطيئتي وبالنهاية ماذا لا شيء حتى...المساندة للغفران والتعاطف لم أجده حتى منك؟!"
وقفت رانيا تستند الى نفسها تزيح يد أمها بإصرار ثم قالت بصوت مهتز:"دلالك وتمييزك لي كان قيدُ من نار يصهرني ويكبلني تتركني ضعيفة غبية عمياء ومكروهة.. من قال انه كان شيء يميزني!! بل كان يأسرني يخنقني واليوم.. اليوم فقط أنا أشكرك لتحريري منه…اليوم فقط بابا أستطيع أن أخبرك ان تنسى تماماً أنى إبنتك وبأني لن أسامحك أبداً أبداً ما حييت على ما فعلته بنا جميعاً
********************
"مازلت أرفض ما تفعله..ان التاجر استغل الفرصة وبخث بثمن منزلك يا مجنون"
خيم ظل باهت فوق رأس أيان الشارد تماماً وهو يشير لصديقه:"بيعها انا موافق"
سيبيعها بذكريات عامين ودفئ شهور طويلة.. بكل تفصيله وركن أسساه سوياً...مشتركين في كل قشة أدخلوها منزلهم...بكل مكان دافئ معبق برائحتهم سوياً بمشاعرهم...وبعشقهم.
نظر اليه شهاب طويلاً دون رد رافضاً لما يفعله...عالماً أن وقت إفاقه أيان من حُرقته وصدمته سيندم لا محالة على ما يفعله...سأله شهاب بحرص:
"والاثاث وأشيائك؟؟"
فرك أيان وجهه بتعصب قبل ان يزم شفتيه بقوة ويكتب مخبره:"جميعها...تبرع بها أو قم ببيعه...ألقيه حتى في البحر لا أهتم ؟!"
أومأ شهاب بتجهم دون اقتناع....
قبل ان يضع سماعته العزيزة على أذنيه ويشرع في فعل شيء ما على حاسبوه...لفت انتباهه أيان مرة أخرى وهو يشير له ان يفتح بريده الإلكتروني
وأرسل له:"لدي صديق عزيز جداً علي...يريد نظام مراقبة كامل لموظفيه…ومتابعة عمله من خلال حاسوبه او الهاتف"
أرسل له بآخرها إسم التصميم والبرنامج الذي يُفكر في تنفيذه...لم يكلف شهاب نفسه رفع سماعاته وهو يرسل سريعاً بتعجب:"هل تمزح هذا ليس اختصاصك او اختصاصي...طلبك يُبخث بمكانة كلينا"
ابتسم أيان وهو يكتب:"الجنية الصغيرة...لا قدرة لي على رفض طلب لها او تستطيع القول لا إجراء على فعله حتى وان أردت"
عبس شهاب في وجهه وأنزل سماعته قليلاً رافعاً وجهه نحو أيان وقال ببطئ:"الجنية...أعرفها أليست هذه أخت؟؟"
رفع له أيان إصبع واحد مانعه ان يستمر...ثم أرسل بملامح هادئه تماما:"ديالا رفيقة...صديقة...أخت صغيرة يمكنك ان تطلق عليها ما تريد إلا جمعها بأحد...حتى ولو كان غريب الأطوار زوجها ؟!"
لم يستطع شهاب ان يمنع نفسه وهو يعيد سماعته فوق أذنيه بتجهم:"خسارة فيه"
إبتسم أيان مردد بداخله:"ربما هي خسارة كبيرة فيه ولكن منذ متى عرف العشق منطق...ديالا تستحق التوفيق معه من أجلها لا من أجله"
"البرنامج يجب ان يُنفذ بكاميرات المراقبة خلال يومين كما اني أريد ان أضيف لمسة خاصة بنا على المخازن...وجهاز بصمة حتى يعلم بالمواعيد الدقيقة دون غش...أما المخازن والمطبخ أريد تصميم برنامج ذكي يخبره عن المتواجد والهالك وما تم إستخدامه بالفعل ليستطيع حساب المكسب والخسارة بسهولة ؟!"
رفع شهاب وجهه وقال بعملية:"أرسل لي كل ما تفكر به فكل هذا سهل التنفيذ وفِي أقل من أربعة وعشرون ساعة"
"إتفقنا العنوان بآخر البريد انت ستنفذ وأنا سأتابع مع جنيتي حتى تتعلم كيف العمل به "
وقف شهاب ملقي تحيه بأصبعيه ثم غادر باسط حاسوبه على ساعده...خرج من باب مكتب أيان ليجد سارة تقف كالمعتاد بنظرات متألقةً تثير إمتعاضه وإستخفافه سوياً عندما تكون على وشك رؤيته ؟!
تجمدت سارة مكانها تماماً وملامحها تتصلب عندما مال شهاب نحوها يقول بخفوت مستخف:"كيف حالك يا مهندستنا الواعدة ؟!"
أجبرت نفسها على رسم ابتسامة لطيفة مجاملة وهي تقول:"بخير حال أعتقد ان هذا خامس سلام يا بشمهندس...ألا يقولون ان السلامات تقل المعرفه"
طرقع شهاب بلسانه وهو يعتدل بقامته الطويلة يخبرها باستخفاف ساخر:"اذن سلامات سلامات سلامات...يا مهندستنا العظيمة"
بهتت ملامح سارة مجفلة لم تكد تفيق لتمنحه رد لاذع الا كان يكمل بخبث:"أفكر أن نجعل أيان هو الأخر يرحب بك بمبالغة قليلاً...ام هذا يضر ويقلل فرصك"
رفعت سارة رأسها بحدة وهي تقول بنفس عنيف:"أي فرص وعن ماذا تتحدث؟! من فضلك إلتزم حدودك يا بشمهندس شهاب"؟!
طرقع بلسانه وهو يقول:"وان لم أفعل ؟"
تشنج جسدها بحرقه ولم تستطع الرد!فتبدلت ملامح شهاب كلياً وهو ينزاح من أمام الباب سامحاً لها بالدخول وقال بغموض:"من الغباء والغرور سوياً ان ينخدع الانسان بالمظاهر...وان يندفع وراء قلبه مغيب عن الحقائق ولن ينال الا أذية نفسه!"
زاد امتقاع سارة بشكل يدعو للشفقة عندما أكمل بخفوت قاطع كمشرط حاد:"ربما المسكنات تخفف الألم تمحيه للحظات ولكن سرعان ما تبهت شيء فشيء...فاقدة قيمتها وتأثيرها فيرميها على طول ذراعه لأقرب سلة مهملات..ليهرع المريض لعلاجه الحقيقي حتى وان كان مؤلم موجع ولكنه يعلم جيداً ألا علاج لداءه بسواه"
************************
دخلت ديالا متخفية للمنزل...تتلفت يمين ويسار حتى لا يكتشفها أحد فوجدت السكون التام والظلام يخيم بشكل موجع على أركانه...تنهدت بخفوت متعب...وهي تهز رأسها بأسى ثم تدخل لغرفتها مباشرة...
قبل ان تُدير مقبض الباب تنآى لمسامعها الأنين المكبوت من خلف باب غرفة أختها المغلقه..هزت كتفيها بلا مبالاة...وهي تفتح باب غرفتها ناوية الدخول مقنعه نفسها بأنها لا تهتم ولجت الي الداخل وهي تخلع ملابسها بروتينيه...
الأحمق الغبي الدب القطبي البارد سلسلة من الألقاب ما كانت كافيه ابداً لنعته وهي ترى انعكاس صورتها في المرآة…كيف كانت من الغباء والتغيب ان لا تشعر بكم هذه العلامات فوق ذراعيها وعلى جيدها وعنقها...للحظة فقط كانت أناملها تتشنج متذكرة وعوده الوقحة فيحمر وجهها بالحرج والخجل سوياً:
"ما الذي تحاول فعله بي..تعويض نفسك مني وتعويضي فيك..ام خوف ان أتركك فتحاول ربطي بيك؟!"أسئلة من الصعب تحديد إجابتها الواضحة مع مضطرب الفكر كأركان...
الأنين المكبوت كان يزيد حدة فجعل قلب ديالا ينخلع مرغماً من مكانه...لم تستطع أن تستمر مدعية الجمود وهي تنسحب نحو الحمام المشترك...لتدخل نحو الغرفة الأخرى...من باب جانبي...كانت الغرفة مظلمة بطريقة مخيفة ترج البدن...فتلمست طريقها بخطوات هادئة متمهلة على نور الحمام الخافت لتقع عيناها أخيراً على جسد أختها المهتز المتكور حول نفسه في الفراش ،كان مظهرها الهش الضعيف يُحنن قلب الحجر...فكيف بها هي؟!
بحذر كانت ديالا تخلع حدائها وتضعه جانباً ثم تنسل سريعا بجانب أختها ودون تردد كانت تلف ذراعيها حولها...تضمها الى صدرها بقوة...تصلب جسد رانيا لدقائق بالرفض ولكن فور ان أتاها صوت ديالا المهادن:"انها أنا رانيا ما بكِ"!
استرخت على الفور تاركة لدموعها العنان فوق صدرها...استمر بكائها لدقائق دون انقطاع قبل ان تقول بحرقة:"عشت عمري كله في خدعة اسمها والدك!"
مسدت ديالا على ظهرها هبوطاً وصعوداً وهي تقول بخفوت:"مرحبا بكِ في صفعة الإفاقة"
ثم تابعت:"ما الذي حدث انتِ تكادين تأخذي أنفاسك"
"لقد أكتشفت الحقيقة بعد طول غباء !!! بعد أعوام من سد أذني وإغلاق عيني لأشعر بالجميع...لقد كنتِ انتِ الضحية حتى من حبيب عمرك"
نطقتها رانيا بحرقة وقهر داخلياً دون ان تجرؤ على التفوه بكلمة ماذا قد تخبرها الآن وفِي هذا الوقت وهي تعلم ان ديالا تحتاج لكل دعم...لتنقذ ما تبقى من قلبها المسكين الذي دعسوه جميعاً تحت أقدامهم ؟!
"انا امرأة معطوبة"
تصلبت يد ديالا فوق ظهر أختها...والكلمة قتلتها قبل ان تجرح رانيا للصميم:"قطع لسان من يخبرك بهذا"
دفنت رانيا رأسها أكثر داخل صدر ديالا وهى تقول بقلب خافق متوجع:"لا هو لديه حق..أتصدقي هذا لقد اقتنعت اليوم أني امرأة معطوبة ولم يعد الأمر يؤلمني بقدر ان لا أصلاح مني يوماً.. تلك هي الحقيقة"
"أيان من أخبرها حسناً هذا يغير كل شيء...ماذا قد تخبرها الان"
لم تشعر ديالا بنفسها وهي تهمس بضياع:"جميعنا نستحق الفرصة للاصلاح ان أردنا...المهم ان يكون ندمك حقيقي...ان تقرى بأخطائك على الاقل...لا ان تكون مجرد إقرار دون اقتناع لتريحى الطرف الذي أمامك ؟!"
للحظات طويلة اخرى عم الصمت بينهن . ووجدت ديالا نفسها تستسلم بكل ذرة في كيانها لاحتضان اختها بقوة...تتشبث فيها كأن جزء من كيانها كان ضائع مشتت وعاد!!
همست رانيا بضعف يثير الشفقة:"أريد استعادتك...كما كنا قديماً...من يوم ان فقدتك...انا لم اعد انا"
رمشت ديالا بعينيها...ثم قالت باضطراب:"انت لم تفقدينى من الاساس الرابط الذي يربطنا أقوى من اي ما يحدث"
كان الخوف يزحف فوق رانيا يغطيها بطبقة سوداء لا تزول...وهي تقر معترفه بالحقيقة المرة:"بل فقدتك منذ ان ذهبنا هناك...فأصبح كل عهد أخذناه سويا بان لا نفترق يوما يبهت تدريجيا يتباعد،.حتى اصبح بينى وبينك مسافات ليس بهين ابداً طيها...وكله بسببى وحدى"
أبعدتها ديالا عنها برفق...فوضعت رانيا رأسها على الوسادة هابطة بجانب رأس ديالا...للحظات طويلة تقابل وجه الفتاتين بدمعة عالقة في أهداب كل منهما ينظران لبعضهما متذكرين عهد الأخوة القديم...أجفلتها ديالا وهي تقول بخفوت:"الرابط تباعد ولكنه لم يُقطع مازال موجود...إذن هناك أمل أن يقترب واحد الى الأخر و يكون طرف واحد"
ارتسم الألم على وجهها عميقاً وهي تقول ببهوت وحرقة:"لم أكن أعرف أبداً بأنكِ تحبينه كنت عالقة ومغيبة...أنااا كنت"
رفعت ديالا يديها تمسد على وجنتها وهي تقول برفق والدمع يخون عينيها:"هششش إهدأي...أعرف وأجزم بهذا وربما هذا سبب غضبي منكِ بالحقيقة لا إرتباطك به"
قالت وهي تغلق جفنيها بشدة غير قادرة على مواجهة كم الحنان في عيني ديالا والتي لم تستحقه يوماً:"لم يكن بيني وبينه أي شيء إطلاقاً لا كلمات غرامية ولا لمسات عشاق ولا غيره...لم يكن بيننا غير البرود والفتور وربما الكره من ناحيته ولكني لم أنتبه"
أنأملها كانت تمسح دموع أختها برفق وهي تقول بتفهم:"أفهم هذا أيضاً...بل أنا أجزم به...أركان لم يحب إمرأة غيري يوما...لم يخفق قلبه حد الذعر من نفسه لغيري يوماً...ورغم كل الجنون الذي نعيشه أنا وهو الآن لكني أثق بهذا !"
إرتجفت شفتا رانيا وهي تفتح عينيها ببطئ قائلة:"لم أحب غير أيان يوماً...تعلمت حبه صغيرة جداً حد ان كنت أتنفسه عبر كل شهيق يلتقطه صدرى!"
قالت ديالا برفق:"أعرف هذا أيضاً"
قالت رانيا بوجوم:"ولكني لم أستحق أي من هذا العشق بل ربما أنا كاذبة كما إدعى هو!"
تتهدت ديالا وهي تهييء نفسها لكسر وعود قد كانت قطعتها بأن تبتعد عن رانيا مختار الزينى لما تبقى من عمرها ولكن من أمامها الآن كانت رفيقة طفولتها لا مدللته:"لا تسمحي لأحد بأن يهينك ،.او يستقل بكِ أنتِ أخطأتي وكما يقولون:
"من منكم بلا خطيئة..المهم أن تُصلحي الخطأ رانيا!"
أغمضت عينيها بقوة كأنها تصارع شعور حبيس بداخلها يؤلمها أكثر مما هي فيه...ثم فتحتهما ليطل البؤس واليأس منهما وهي تقول:
"أنا لا أصلح لشيء من الأساس...وهو لن يغفر لي يوماً"
ابتلعت ديالا ريقها وهي تقول بصوت مختنق:"الرجل يكره المرأة الضعيفة...ولن يسلم نفسه يوماً لإمرأة متجبرة أوغبية…ربما إن أردتي إستعادته يجب ان تعيدي نفسك القديمة كإمرأة قوية دون تجبر...غارقة في حبه حتى النخاع دون ان يتحكم فيك...سلميه نفسك دون أن يمسك مفتاحها...إمنحيه روحك دون أن يعلم أين هى أسرارها ؟!"
حبست رانيا أنفاسها...وهي تحدق في ديالا متسعة العينين...بينما أكملت ديالا بخفوت:"اكبر خطأ قد يرتكبه الانسان هو ان يربط حياته على شخص واحد.. منحي نفسه بعيداً وجعلها مجرد متفرج واهن ضعيف...فإن غادر هذا الشخص أو خان لسبب ما تنهار كل حياته وتنتهي رحلته..."
صممت ديالا لبرهة قبل ان تقول بخفوت:
"وانتِ فعلتي هذا مرتين...المرة الأولي مع والدي...والمرة الأخرى ورغم حبي لأيان كنت معه...فأين أنتِ من كل هذا رانيا؟!"
قالت رانيا بتعاسة:"لقد تهت...ولم اعد قادره أن أستعيد نفسي يوماً او ثقة الأخرين"
"ثقة الأخرين...تبدأ من ثقتك بنفسك"
فتحت رانيا عينيها أخيراً سامحة لروح أختها أن تلج الى داخلها وأن ترى الهشيم في عينيها...ان تلمس الضياع الساكن في روحها:"لا أعرف...أنا متعبة جداً ديالا مصدومة حد الموت منحورة حد التمزق"
كانت ديالا تعرف عن يقين أن ما تمر به رانيا يتعدى أنها من الممكن قابلت أيان صدفة بل هناك شيء آخر أكثر قسوة وتوحش نهش فيها هذه المرة دون رحمه:"ما الذي حدث"
عاد كل جزء من رانيا يختض بالوجع بالمرارة...بالصدمة الحقيقة فبدت كلوحة سريالية جسدت كل معاني تشوه الانسانية:"لن أستطيع أن أخبرك الآن...ولكن في يوم ما أنت ستعلمي...فهل ستغفري لي وقتها عدم تحدثي"
تجمدت يد ديالا فوق وجنة رانيا وخوف مكروه يدب داخل أوصالها..لماذا تشعر ان هذا الشيء سيحطم آخر دفاعاتها سيجعلها تنهار..بعد طول مقاومة:"هذا الأمر يتعلق بوالدي وحياتنا"
"نعم"
إدعت ديالا القوة وعدم اللامبالة وهي تقول:"ما عاد شيء يفعله يصدمني...المهم ان تكوني ممتنعة عن البوح به خوفاً على مشاعري وليس خوفاً منه...أو طاعة له"
الحزن كان طاغي على كيانها يتلبسها بالمرارة وهي تقول:"لا والله...بل أخشى عليك أنت..أتنازع ما بين إخبارك...وما بين حجب تلك الحقيقة عنك خوف من ضياعك...يكفي أنا وقد حطمت حياتي على كل حال..أما انتِ فيبقى لديكِ فرصة"
حدقت فيها ديالا للحظات طويلة قبل ان تقول:" لا تُجزِمي بلسان يأسك الآن...بعد وقت أعدك أن الألم سيزوي بعيداً هناك في ركن مستتر داخل قلبك..ولمفاجأتك سيتحول لشيء أخر وكيان منعزل...بعيد حتى عن المشاعر البشرية...بعيد عن الماديات المسببة لكِ بطعنات متتالية...فيصبح عالم تتلاشى فيه ويذوب فيك فيبات مجرد كيان هائم على وجهه يسهل عليك التحكم فيه وحدك دون أن يؤثر على باقي حياتك"
توسعت عينا رانيا مذعورة مما تتفوه به أختها الصغيرة:"ما تقوليه مرعب هل هكذا كنت تشعرين"
لم تغضب ديالا...لم تحزن حتى وهي تقول بهدوء:"الألم ولد بداخلي صغيراً وأصبح يكبر بالتدريج...فلم يكن أمامي حل آخر غير أن أصادقه حد أن أطوعه بين يدي...صعب على من مثلي أن أدع شيء يتحكم فيه..أن أخفض رأسى لأياً من كان رانيا ،حتى وان كانت مشاعر بشرية"
صمتت لبرهة قبل أن تقول بنفس مذهول:"إلا هو فكل شيء يقف عنده...ينهار معه بجموح بري صاخب ومتمرد على نفسي...سامحة له أن يترك بصمته بداخلي عميقاً جداً وعنف...فيتحول حبه بداخلي لكيان لا أستطيع السيطرة عليه"
قالت رانيا بصوت مرتجف:"نعم...أعرف هذا ولكنك تستحقين وهو أيضاً يستحق فرصة أخرى ديالا!"
قالت ديالا فجأة وبدون مقدمات تجفلها:"لقد طلق الأخرى!"
ارتبكت رانيا للحظات وأن لم تعرف ما تقوله تحديداً رد على هذا ولكنها سألتها بخفوت:"جيد...ولكن لا أظن أنه بطلب منك؟!"
قالت بجفاء:"أنا ما كنت أبداً لأحط من قدري وأطلب منه طلب كهذا بل كانت نيتي الحقيقة كما أخبرتك أن أطمئن أنه بخير وبعدها أبتعد عنه نهائيا"
"لماذا تزوجها إذن ولم طلقها؟؟"
أخذت ديالا نفس طويل قبل ان تقول:"هل يهمكً حقاً ان تعرفي"
ساد الصمت ثقيلا بينهم مشبعاً بالكثير من التساؤلات...بالكثير من الوحدة والمرارة قبل ان تقول بهدوء:"لا...ولكني أحترق لأسمع عنكِ أنتِ كل شيء...هل تستطيعي فتح قلبك لي؟؟"
لم تدرك ديالا ان هناك عبرات خانتها وهبطت أمام شقيقتها متوالية عنيفة متدفقة وهي تقول بصوت مهتز:"وأنا أيضا أريد أن أخبرك الكثير وأسمع منك. الأكثر..بعيداً عن تلك الصورة التي يعرفها الناس أريد أن أدخل بين أضلعك رانيا"
مدت رانيا يدها بثبات تمسد على شعر أختها للحظات تنظر لها بإبتسامة مرتجفة قبل ان تجذبها أخيراً تحضنها بقوة بشوق...بحق ثلاثة عشر عام من ضياع كل منهما للأخرى..همست ديالا وهي تلف يدها بيقين وقوة حولها:"أنا دائماً هنا...مازلت بداخلي أريد أختي وصديقتي أنا الأخرى..."
اغمضت رانيا عينيها تتشبث فيها بحرقه وهى تقول:"ارجوك انت الاقوى بيننا فلا تبتعدى مرة أخرى ولا تجعلينى أتوه منك"
قالت ديالا على الفور بصوت أجش:"يا حمقاء الرابط بيننا لا يمكن ان ينفصم يوماً مهما ابتعدنا...سنعود الى هذا العناق...وطالما أنا وأنتِ معاً لن يستطيع شيء
أبداً ان يفرقنا معاً لن نحتاج لأحد"
ساد الهدوء بعد كلمات ديالا وكأنه كان الصبر والسلوان نزل على قلب رانيا أخيراً مهدىءً جزء من إرتياع روحها معيدها الى دنيا البشر منفصلة عن كل مرارتها وضياعها لساعات بين ذراعي أختها...
*******************
كان الألم يشطرها هي الأخرى من خلف الباب المغلق بعد ان رفضت رانيا بشكل قاطع وعنيف ان تجعلها تمنحها الدعم...رباه لن تنسى تلك النظرة الجريحة المتهمة لما وصلوا اليه جميعاً ما حيت...نعم صغيرتها محقة هي السبب هي من تركت وحش مختار يكبر ويتوحش حتى قضى عليهن جميعا :"ليتني كنت وقفت في وجهه منذ أن رأيته يفرق بينكما...متجاهل ديالا لتنزوي وحيدة مجروحة حد الصميم من قال إن ديالا لم تتوجع لتفرقته؟؟ لم تتشوه طفولتها لوقت طويل..خالقه لنفسها شرنقة من القوة واللجوء لذاتها فقط حتى تهرب من ما كان يحدث منه في عزلها...ربما ما ساعد ديالا قليلاً فقط أنها حقاً كانت تدعمها تحاوطها تمنحها مزيد من مشاعر الأمومة ولكنها كانت مشاعر فاشلة فضاع كل شيء عندما عرفت ديالا أنها كانت تعلم بما يدور بينها وبين أركان ورغم هذا آثرت الصمت...دافنة رأسها في الرمل وقيد مختار الزينى"رباه ماذا فعلت بهن؟!!"
*******************
رغم كلمات شهاب الطاعنة إياها جاعلها تهن قليلاً...لكنه عاد التصميم ليتألق فوق وجهها وهي تقترب من أيان بحزم... طرقت كتفه بخفة فإلتف اليها مجفلاً للحظات وهو يعبث بوجهه...خفق قلب سارة بقوة وهي تراه في عينيها...كياناً قويا جذاباً لا مثيل له...فكيف لها أن تسمح لكلمات مثل كلمات شهاب الكريهة ان تحدد رؤيتها لفرصتها في عينيه؟! لقد كانت ترفض تماماً داخلياً أن تقترب منه وهو مرتبط بأخرى ومقيد بعشقها...إرتسم الألم على ملامح وجهها وهي تتوجع من الذكرى ..أن روحها تُسحب منها ببطئ متذكرة كيف شهدت على قصة العشق الجارفة بينهم...كيف كانت تبكي كل ليلة كمداً ووجعاً إثر أي شيء تراه من العاشقين دون ان يعرفا...لقد كانت تزوره رانيا هنا...فتسمع من خلف الباب المغلق الضحكات المكتومة و الأصوات الحذرة التي لا تعني إلا شيء واحد إحتضانه إياها وتقبيله لها وكأن حياته تتوقف عليها...رسائلهم الخاصة التي كانت تلمحها دون قَصد أحياناً...لقد كان يفتح معها حوار بشكل يومي دون أن ينقطع وكأنها تجلس بينهم في أرجاء المكتب...
إبتلعت سارة ريقها تحاول ان تداري غصتها مما عانته مشجعة نفسها:"لقد قال ان كل ما بينهم انتهى دون رجعة...وها هو يتخلص من كل ذكرى جمعتهم يوماً...مؤكد انها لم تستحقه...الشيء البديهي انها جرحته بعمق تاركة إياه خلفها لشيء ما في نفسها...هذا ما أقنعت سارة نفسها به وهي تتقدم منه تقتنص فرصتها وإحساسها بأنها قد مست شيء من دفاعياته وأنه إلتقط وجودها أخيراً حوله يشجعها للقول بلغته:"أنا أتيت لك معي بطعام للغذاء أعرف أنك لا تأكل شيء حتى تغادر ليلاً وأنت تغرق في دوامة العمل"
كان مازال يتأملها منذ دخولها المتردد محيطه...تدفع نفسها لدائرة لا يعرف هو ان كان على استعداد لفتحها من الأساس ولكن لما لا؟هي من تلج اليها لا هو من ينزعها عنوة كما فعل مع موجته!!
لم يدرك أنه كان يشير بلطف وعينيه تلتهم تفاصيلها الناعمة بنظرة أخرى مبهمة حتى لنفسه!:"هل تحبي الطعام الحار!"
رمشت بعينيها غير مصدقة تجاوبه السريع...فقالت بإبتسامة متوسعة متوترة بعض الشيء:"نعم جداً فوق ما تتخيل ؟!"
ضرب بقلمه للحظات رتيبة على سطح مكتبه وهو يتأملها بعين رجولية بحته لم تفهم معانيها...ثم وقف برزانة ساحب معطفه يرتديه بينما يشير:"اذن لم لا نبدأ ان نجرب شيء معاً بعيداً عن هنا...ربما يجد كلانا ما يبحث عنه بدون اختيارات محدودة او دون أن أخبرك أنه يعجبني مجاملة"
"ماذا؟!" لم تشعر ان تلك الدعوة أبعد ما تمت للطعام بصلة؟!!
………

دانه عبد likes this.

سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 09:03 PM   #8

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع

خاطرة بقلم أمال عمر

عندما اخبرتك بانني لا املك من الدنيا الا انتي

لم يكن هذا حديث دافئ وينتهي لقد كنت اعنيها

بصدق فانا لا احد لي بهذا الكون الا انتي وحيد

باهت لا حماية لي الا باحضان قلبك.

ايان



نظر إليها للحظات صامتاً قبل ان تتبدد ابتسامته وهو يقول:

"ما الذي يعنيه أنكِ لجأتي الى طليق أختك بالذات من بين البشر لمساعدتي"

إحتقن وجهها غضباً وهي تضع الأوراق والحاسوب جانباً من يديها ثم قالت من بين أسنانها المطبقة:"ولماذا يزعجك هذا الأمر من الأساس!!انه مهندس ومشكوراً وافق لمساعدتي.."

مال فم أركان بما يشبه الإبتسامة الفاترة وقد وصله سر غضبها الحقيقي من كلمات إعتراضه..فقال بهدوء نسبي:

"أنا لن أحتاج عند كل حديث بيننا إخبارك أن رانيا لم تعني لي شيئاً يوماً"

"إلا بالطبع تحطيم رجولته..وغروره وخططه عندما هربت معرضة إياه لكلام الناس الذي نكس رأسه بينهم"مذكراً لنفسه بصمت دون أن يتجرأ ويتفوه به أمامها….

لدقائق طويلة نظرت اليه ديالا بعينين قويتين رغم الجرح العميق فيهما..ثم ما لبثت ان قالت ببرود جاف:"اه..بالطبع أتفهم هذا...ولذلك تهجمت عليه وحاولت إيذائه..ناعته بالمعاق الناقص منعدم الرجولة!!

اختفت ابتسامته بل والثبات الإنفعالي الذي كان يتبعه معها لأيام ماضية في محاولة لكسبها...لمحو تاريخه السيء معها ووضع قواعد وبناء جديد يرتكز عليه عندما تعرف الحقيقة كاملة...

تلون صوته بالغضب وهو يقول:"يبدو أنه لا يترك شيء إلا ويشكوه إليكِ...تلك الصداقة لا تعجبني"

مازالت عينيها متحدة مع الجمرتين في عينيه...لم تقل شيء لوقت أطول من لحظات صمتها الماضية..اقتربت منه خطوة أخرى حتى أصبحت ملتصقة بسرير مرضه تماماً...ثم تنازلت أخيراً قائلة ببرود ظاهري بينما بداخلها يصرخ حاجة ووجعاً:"أيان لا يشتكي لأحد ولا أسمح لك بإهانة رفيق طفولتي..وصديق غربتي"

خصلات شعرها الناعمة الغزيرة إنسدلت على وجهها الذي أصبح على بعد إنش واحد منه بالترافق مع جذعها الذي مال عليه...فلم يتردد وهو يمد يده يشد بعضه برفق معاكس تماما لزمجرته الخشنة عندما قال:"لا أقبل أن تكون زوجتي بصداقة مع شاب...ثم عن أي صداقة وغربة تتحدثي..ما أعلمه يقين أنه عاش أعوام في بريطانيا ثم عاد الي الاسكندرية"

لم تهتم كثيراً بما يفعله عندما قالت بلا مبالاة:"في الواقع أيان رجل وليس بشاب ! ...رجل رائع لو وضعناه بجانب الكثير من الحمقى الذين أعرفهم سيربح دون أدنى مجهود منه"

جذبها بقسوة كادت تخلع ذراعها تحت أصابعه لتقع بجانبه تماما أطلقت صرخة قصيرة تحولت لأنفاس لاهثة...عيناها البنيتان تبرقان بحدة..شعرها يلتف حولها بفوضوية وجاذبية جعلت قلبه يعتصر ألماً..ووجعاً سأل نفسه بإنهزام:"متى تحولت ديالا الى إمرأة جميلة..كاملة أكثر بكثير مما تمناه يوماً؟!ألهذا كان يخاف ان يرخي جميع قلوعه نحوها هارباً منها نافياً لقلبه؟!!إنه لم يُحب تلك المراهقة المتمردة والشاردة...لقد هزمته ديالا..وحان الوقت ان يرفع رايته معترفاً بالأمر..ولكن ليس قبل أن يمتلكها كاملة...ليس قبل أن يبدد جميع مخاوفها و معاملته السيئة..واضعاً بكل ما يملك من قوة ذكريات جديدة...أسباب قوية حتى يكسبها الى الأبد حابسها داخل قفصه غير سامح لها يوماً بالتحرر!!

قال بنبرة مهدده:"ضعي لسانك الطويل داخل فمك الجميل بدلاً ان أقصه تماماً...وذلك الأرعن ستقطعي علاقتك به"

أغمضت ديالا جفنيها وهي تطلق زفرة حارة ثم قالت بخفوت:"لا"

إحتدت ملامحه بينما يقول:"ما الذي تعنيه تلك’ اللا ’ اللعينة؟"

إقشعر بدنها ووجهها يشحب تماماً فعقد أركان حاجبيه مستشعراً تغير مزاجها لمشاكسة أصبحت معتادة عليه معها ,أبعدته عنها معتدلة..وجلست ضامة ركبتيها إلى صدرها وضعت رأسها على مرفقها ثم قالت أخيراً بشرود:"لا تُدخِل نفسك مع أيان في معركة محسومة...ولا تسألني عن سبب تمسكي بصداقته رغم النيران التي أصبحت بينه وبين زوجته"

إعتدل هو الآخر مداري صعوبة تحركه...ثم قال بصوت جامد مخيف:"ما الذي يعنيه كلامك ديالا...هل تختاري رجلاً آخر فضلاً عني.. لان هذا سيغير الكثير بيننا"

نظرت اليه بطرف جفنيها ثم قالت بخفوت:"أنت تعلم جيداً معنى كلامي..وإلا ما كنت وجهت تهديداً لي بل ربما حطمت رأسي سابق عظامي"

"جيد أنكِ تعلمين هذا" قال بجفاء…

ابتسمت بألم..ثم تابعت مقاطعة إياه:"لا أحد في الكون يقارن بك أركان..إن وضعوا العالم بكفة وأنت بكفة سأختارك أنت دون تساؤل او تردد"

خفق قلب أركان بعنف...يصارع ألماً أن لا يذكر إختياراته المحدودة..عندما وقع في ذات الاختيار الذي تتحدث عنه...يصارع لوعة عندما يتذكر ما فعله بها لما يزيد عن عامين"

قال بوجوم:"إذن ما الذي يعنيه كلامك الغبي هذا؟!"

صمتت لدقيقة كاملة تخللها ضربات قلبها الرتيب...قبل ان ترفع ملامحها الجميلة فجأة لتسأله بضحكة مقهورة:"هل أخبرتك يوماً ما سر تنازلي وتقبل مداعبتك ومغازلتك لي رغم أني على حد قولك وقتها كنت أحبس نفسي في قوقعة وعالم غير مسموح لسواي بمشاركتي إياه"

صخب قلبه وهو يعلم جيداً أن ما سيأتي لن يحب أن يعرفه أو يسمعه...مدركاً أن حقيقته ستجرحه للصميم..إرتسمت المرارة على ملامح وجهه الصلب ثم قال بصوت مكتوم:"ربما أعرف بعض أسبابك..و لم أحسب أنكِ مجرد مراهقة تتفتح أنوثتها وما كان يجب أن أهاجمك موجهاً كل أسحلتي نحوك"

نظرت اليه نظرة غامضة قبل أن تسأله:"هل أنت نادم"

إفتر جانب فمه عن شبه إبتسامة قبل أن يقول بصوت مهزوز اثر إقراره بالحقيقة:"إن كان يعني ضخك في قلبي مع مجرى دمائي سبب للندم..فأنا نادم!!إن كان وجودك في حياتي يمنعني من لفظ أنفاسي الأخيرة متشبثاً بالحياة..فأنا نادم !! إن كان وجودك بجانبي أتنفسك مع كل شهيق حابسك بداخلي..مقيم حولك كل الحواجز مقيدة بي ومستغل ضعفك نحوى مغذيه ومحتويه بضعفي نحوك..فأنا نادم"

مد ساعديه الأسمريين القويين يجذبها نحوه يسند رأسها على صدره محتوي دمعها داخل قلبه وهو يكمل بصوت رخيم خشن:"أنا نادم..على كل لحظة غباء وعناد مني أبعدتك عني...ومنعت عني كل ما رغبته يوماً في الحياة متمثل فيكِ وحدك"

دفنت وجهها في قميصه القطني ثم قالت بنزق بمحاولة واهية لمداراة دموع الضعف والتأثر بكلماته التي تجعل قلبها البريء يتخبط في حيرة..متعمق في معركة نفسية مهيبة لم تجد لها إجابة:"أنت لم تحتويني يوماً يا أركان...لم تحاول أن تقترب مني لتتعرف علىّ من جديد..أن تكمل ما بدأته هناك..ونعم أنا ضعيفة جداً بك وكم هذا يقتلني!"

تنهد أركان لدقائق بعمق...مرتبك ومضطرب لا يعرف تحديداً بماذا يجيبها ولكنه إختار الصراحة القاسية عندما قال:"سأكون كاذب ان أخبرتك أني أريد أن أكون نقطة قوتك...لأن هذا يعني خسارتي إياكِ..أنا أريد المزيد من ضعفك نحوي حتى لا تستطيعي يوماً ان تتنفسي بعيداً عن ذراعي...أريدك ان تشبهي سمك البحر إن بَعُدتي عن شواطئي يوماً يتوقف قلبك عن العمل!!

ما يقوله يفترض به ان يدفعه بعيداً عنها ثم تفر هاربة لملايين الأميال ولكن بدلاً عن هذا تشبثت به بقوة..وإلتف ساعده حولها بخشونة حتى لم يصبح هناك مجال للمزيد...فقالت بنبرة أشبه للهلع:"ما تقوله مرعب متوحش..وجنون يجعلني أخافك"

مال برأسه ودفنه ما بين كتفها ورأسها..ثم قال بنبرة جعلتها ترتعد غراماً مغيبة للحظات عن سبب ما أوصلهم الى هذا النقاش:"لا يجدر بك ان تخافي عندما أكون انا مِلكُ لكِ وحدك..ولا أستطيع يوماً الإبتعاد عنكِ أنتِ بتي منيّ!عندما إقتربتُ منكِ أردت بعضك..ولم أدرك أني منحتك كلي"

أغرورقت عينيها بالدموع وهي تبعد رأسه عن نحرها وتنظر لملامحه بنظرة هزت كل كيانه..وتركته يرتجف بعاطفة فاضت من داخله:"عندما سلمتك قلبي...دون إرادة مني..أحببتك بطهر فتاة لم تعرف رجلاً قبلاً..أدخلتك عالم كنت أنزوي فيه وحدي من جميع البشر أئن ألماً ووحدة وعاطفة مفتقدة...كنت أنت نور الهداية...لأول مرة كنت أسقط أقنعتي راغبة أن أحب وأُحب...أن أشعر أنني مرغوبة..كنت أبحث فيك عن حنان مفقود وصحبة ووطن كان رفاهية بالنسبة لي لم أحصل عليها في بيت مختار..."

إختنق صوتها بغصة بكاء مؤلمة ثم أكملت ببهوت مرتجف:"ولكني إكتشفت في هذا الوقت أنك كنت سراب..كنت أتوجع فوق وجعي كنت أعيش بجحيم...شعور قاتل و أكثر قسوة أن تُمثل القوة وأنت بداخلك مثل البلور الهش لا يحتاج أكثر من لمسة إصبع ليتهشم!!"

أمسك وجهها بين كفيه وشعور بالإختناق يتصاعد حتى أحس به يكاد يُفجر قلبه ثم قال بصوت أجش:"رباه ديالا..لم أكن أعرف"

إبتسمت بإرتجاف وهي تقول بغصة:"لأنك غبي"

بادلها الابتسامة وقال معترفاً:"أغبى مخلوق على وجه الأرض"

قالت بخفوت:"يعجبني أنك تعترف من تلقاء نفسك"

شيءُ فشيئا عاد يضمها حتى أصبحت جزء لا ينفصل عنه..عم صمت مهيب بينهم للحظات لا يتخلله إلا صوت بعض الأجهزة الطبيبة والتي أصبح لا يستخدمها للتحسن الجزئي لحالته...ماعدى الحروق التي تركت أثراً بشع في بعض أجزاء جسده...والتي لن يستطيع للأسف إجراء أي جراحات تجميلية الآن ولكن فليحمد الله انه لم يصاب بشلل أو عجز دائم فمع الاستمرار بالعلاج الطبيعي وبعض الجراحات لعظامه فسوف يستطيع مؤقتاً إستخدام عكاز والعودة لممارسة حياته الطبيعية بنوع من الحذر.

قطع الصمت صوت ديالا مرة أخرى تخبره بأنفاس عنيفة من بين طيات قميصه:"الغربة أبداً لم تكن غربة وطن...فقد تكون بين أهلك غريب وحيد..لا أحد يهتم بآلالمك ولا يسمع وجعك..لا أحد يفهم ما بداخلك فتصبح غربتك غربة روح!!وأيان كان رفيق غربة روحي...معيناً لي على آلامي منك..فأرجوك لا تخيرني بينكما..لأن لا أحد أبداً يستطيع أن ينال مكانتك عندي يا أركان"

ضمها من كتفيها اليه متشبثاً بها ثم قال بحرقة:"أنا أغار ديالا...أغار من أي مخلوق قد يأخذ حقٌ لي فيكِ..أكاد أجن عندما أرى أحدهم ينظر لكِ حتى ولو صدفة فيتوحش داخلي وأريد أن أقتلع عينيه..أغار لدرجة إني أريد أن أحبسك في قفص ذهبي لا يملك مفتاحه سواي"

صمتت ولم تجد ما قد تخبره إياه تقلباته النفسية توصلها لحالة من الجنون تربكها تقلب كل أسلحتها معه وتخسر كل حربها...قالت أخيراً ببطء حذر:"حسناً للمرة المائة هذا مخيف لكن لا مشكلة...أيان بأي شكل ليس طرف مهدد بل هو فقط إنسااااان"

وهل يستطيع أن ينكر الرجل بعد أن أهانه وإعتدى عليه...أطلق كل التراهات في وجهه ووجه من يعرفهم عن المعاق الذي تجرأ وإعتدى على حرمته هو الكامل..عاد ببساطة يحاول ان ينقذ ماله بكل الطرق كما شرحت له ديالا منذ وقت:"المعاق لديه إنسانية أكثر منهم هم الكاملين"يسخر داخلياً من نفسه بل المعاق في عينيه هو ومختار الزينى ومجتمع ظالم بالكامل..لديه من الرحمة ما تُعادل قلوبهم الجاحدة وحقق من النجاح ما يتفوق عليه هو الكامل...او كان كذلك قبل الحادثة!

"ان طلبت أن أراه للتعرف عليه مثلك وأشكره بنفسي هل سيأتي"

فغرت ديالا فمها بذهول و قالت مجفلة:"هل تسخر مني أم تتحدث جدياً"

قال بخشونة:"ولما قد أسخر منك...أريد أن أعرف ذلك الرجل الذي تتمسك به زوجتي مصرة أنه أخيها...رجل ساعدني في وقت حاجتي رغم الحرب التي بيننا"

صمتت لبرهة مفكرة بينما ملامحها تُكلل بالرفض لإصراره ان بينهم حرب أركان هو من طلقها..بغض النظر عن فعلة أيان في حقه هو ورانيا ولكن الغبي يبقى زوجها وحدها...

قالت أخيراً بإحباط:"سأحاول معه ولكني لا أعتقد أنه تخطى إهانتك بعد!"

*************************

صوتها كان مهدد غاضب:"إبتعد عنه يا سامح يكفيكم حتى هنا لقد سرقتوه مني لسنوات وهاأنت تُعيد كرتك..."

صمتت لبرهة تبتلع ريقها الجاف إثر جنونها ثم أكملت متخفية تماماً عن صورتها الأرستقراطية المعتادة:"من تظن نفسك لتتجرأ وتتصل على مهددني لأبتعد عن إبني...إبني أناااا"

نبرتها المتسلطة..غرورها وكبرياءها ضربت صدره بلا رحمة وهو يتذكر ملامح المراهق المُنذوي المنبوذ بعد موت والده الذي كان يدعمه..يقويه ويقدم له كل الممكن واللا ممكن متحدي إعاقته!! بثبات إنفعالي عنه يقول سامح بحزم:"إكراماً لإبن أخي..وأخي في تربته لن أتطاول عليك..ولكني سأذكرك بما أنتِ حقاً في حياة إبنك...مجرد بهلوان أحمق مدعي وكاذب فاشل"

شحب وجه إيناس على الطرف الآخر من الهاتف...عندما أكمل سامح بغضب وثورة:"ما تفعليه وتقوليه هذا يصدقه أحمق لم يراكِ على حقيقتك..لم يعرف ضعفك وسلبيتك..لم يرى إبن أخيه يتألم ويستمع لشكواه طفل...عن تنمر صديقات أمه..عندما كانوا يأخذونه مجال سخرية وضحك لجلساتكم النسائية المنحطة"

لكم شعرت إيناس في تلك اللحظة بالعجز بالصغر متذكرة وحيدها التي حصلت عليه بمعجزة بسبب مشاكل لديها في الإنجاب..ولكن معجزتها أتت ناقصة!!لكم بكت ليال تنعيه وتنعي حالها حتى مع محاولة زوجها الدئوبة للتخفيف من الأمر لإقناعها أنه فتى بمواصفات خاصة إن نقص شيء..رب العالمين سيكمله بأشياء أكثر تميزاً ولكنها لم تصدق..انها أحبت أيان صغيرها ولكنه كان يحرجها يضعفها بإعاقته..لم يكن فتى طبيعياً فلم يقبل به أحد بينهم...لم يقبل به حتى أطفال الحي او النادي...حتى الأهالي كانت تبعد أطفالها خوفاً منه..فأصبحت هي منبوذة بعد أن كانت سيدة الحفلات والجلسات النسائية...رغم حبها الكبير له ولكنه كان هو الناقص و السبب في عدم إعطائها إياه حبها الكامل...لقد كانت أمومته صعبة..مطالبة طول الوقت بالإهتمام به فقط..مطالبة بأن يحرجها يتعب بجرحها بنقصه:" أنت أم بلا أمومة فإياك والتجرأ والوقوف في وجهي أو أذيته..من يقترب من إبن أخي سأمزقه بأسناني إيناس"

دمعت عيناها للحظات والقلب يئن ندماً ووجعاً فقالت بتهور غير محسوب:"إنه إبني...أنا لم أفعل شيء لتهددني بل أحاول إستعادته والإنتقام من تلك الفتاة التي حطّمته..فأدمرها"

تقبضت يدا سامح على الطرف الآخر من الهاتف بعنف متذكرا إتصال أحد أصدقائه ليخبره ان جلسات إيناس هانم يدار فيها الآن سبب طلاق رانيا..مزوره الحقائق بالطبع أن الفتاة تركته لأنها وجدت هذة المرة من يدفع أكثر وأنها لم تعد تتحمل العيش مع الأبكم..الغبية!! ألا تعلم ان هذا يجرح إبنها قبل طليقته؟!لم يترفق أبداً سامح وقال من بين أسنانه المطبقة بوحشية حطمتها بمصارحتها بحقيقة نفسها:"أتعلمِ رغم كُرهي الآن لتلك المدعوة رانيا...إلا أنها تظل أفضل منكِ وان كانت شابهتك في إجحافك معه..ولكنها تظل هي من منحته ما عجزتي أنتِ عن منحه لأيان"

"أصمت..أصمت"صرختها إيناس غير قادرة على وضعه مرآة الحقيقة البشعة أمام عينيها...نعم هي كرهتها...كرهت كل ما مثلته رانيا يوماً في حياة ابنها منذ ان كانت طفلة كريهة تنظر له بإنبهار وكأن لم يخلق طفل آخر في الكون سواه...حقدت عليها عندما تحولت لمراهقة مندفعة تداعب قلب ابنها وتثبت له بكل الطرق انه كامل مثلهم...بل يزيد عن جميع الرفقاء تميزاً عندما كانت تتعلق به كعلقة مصرة ان تتعلم لغته وتشاركه شغفه وتستمع الي حزنه وتشاركه نبذه....شعرت بألم ينخر صدرها وبنقص أمومتها يظهر جلياً واضحاً صارخاً ممزقها..عندما تذكرت الشابة الجميلة بنت الحسب التي عادت لتحيي في قلب ابنها كماله!!أثبتت بكل الطرق أنها ظالمة وأن حب ابنها لم يكن كاملاً...لا هي لم تكن مخطئه هي حاولت وضعه أمام حقيقة المجتمع..تعاملت بطبيعية وهو ينقصه الكثير وكان يجب ان يتقبل فكرة أخذ البقايا...ولكن ابنة مختار حاربتها بغير إنصاف عندما رمت بكل شيء متزوجة إياه بدفاع مخزي قالت:"وبالنهاية ماذا؟! أدركت خطئها...ومنعت وجود طفل منه خوفاً من إعاقته...انا لم أخطئ انا كنت محقة و صادقة معه ومع نفسي عندما حاولت أن أضعه في موقعه الحقيقي أمام المجتمع"

"ملعون هذا المجتمع وملعونة أمومتك تلك..ابتعدي عن أيان و طليقته وإلا ستكوني في مواجهتي أنا ولن يعجبك أبداً..ما ستناليه مني"

قالها سامح بغضب كالجحيم قبل أن يغلق الهاتف دون أي إستئذان ينفث لهب على إبن أخيه وتمتم بحرقة:"لم تستحقك تلك الجاحدة يوماً...أما الأخرى ربما لها أسبابها ورغم كرهي إياها فأنا على يقين أنها أحبتك بني...الغبية! يجب ان تكف أذاها عنك..انها لا تعي أن بتلك الإشاعة السخيفة تذبحك أنت وحدك"

************************

"عصفورتي"

أرسلها أيان مع ملصق مغيظ...تأفأفت ديالا وهي تكتب بحنق:"توقف وكأنك تجد الأمر مسلي...لتزيده جنون فوق جنونه"

"مهلاً...يا جنية هل الأحمق يفتش هاتفك"

"بالطبع لا...ولكن أنا لا أفعل شيء خطأ لذا لا أمحوالرسائل بيننا وهاتفي دون أرقام سرية لذا وارد ان يراه صدفة"

"الآن أنتِ حمقاء"

نفخت ديالا بغيظ وصل مداه قبل أن ترسل مكررة:"توقف..توقف وإجعلني أشرح لك مطلبي"

خلع أيان نظارته يفرك عينيه بتعب إثر سهره الطويل على عمله وكأنه وجد المهرب المثالي لفكره المضطرب وألمه الذي مازال ينبض بالوجع:"صغيرتي ألن تكتفي من الطلبات"

للحظة واحدة إنتابها إحساس بالذنب لما ستطلبه فهي تعرف جيداً أنها ستحمله فوق طاقته..ولكنها أرسلت:"ومن لي غيرك لأطلب منه يا بشمهندس"

أتبعتها بملصق بريء جلب إبتسامة حنان لشفتيه...جنيته صديقته وصغيرته التي لن تكف يوماً عن دفع كل شعور بالحنان..بالأهمية..بالكمال داخل أوردته...قطع أفكاره وهو يسخر من نفسه:"حسناً سيده ديالا أسحب ما شعرت به"

عندما قرأ رسالتها الغاضبه:"لكن إحذر مرة أخرى يا سيد أيان..كُف عن منحي ألقاب تحبيبيه ،، تباً .أتعلم ان زوجي العزيز لم يناديني ’صغيرتى’ لمرة واحدة"

عقد أيان حاجبيه وهو يرسل بحيرة:"على حد علمي انه زوجك حتى الآن فلماذا قد يناديك صغيرتي...هل قدم أوراق تبني لكِ؟!"

عضت ديالا شفتيها بقهر وهي ترسل:"توقف عن إدعاء الغباء...أنت تعلم جيداً انه لفظ تدليلي"

ابتسمت ملامحه بخفوت وهو يكتب:"هذا لأبطال القصص الرومانسية عزيزتي ومؤكد زوجك لا يمت للرومانسية أو للبطولة بأي صلة"

ارسلت غاضبة:"لا فائده منك"

فأرسل هو على الفور:"لا تلفي وتدوري ما هو مطلبك...ديالا؟ ولا تحاولي إلهاء نفسك حتى تؤجلي مطالبتي به"

عاد شعور الذنب العميق يغزوها..وترددت للحظات أمام شاشة الحاسوب..ثم أخذت نفس عميق وهي ترسل مرة واحدة بتهور:"أركان يريد ان يراك ويشكرك لما فعلته وربما لديه شيء آخر يفوق هذا ولكني لا أعرف تحديداً ماذا يريد؟!للحقيقة لقد أصبحت لا أفهمه وكأنه رجل آخر غير الذي عودت نفسي جيداً على طباعه!"

كانت تثرثر وكأنها تلهيه عن الطلب الحقيقي..أما هو ظل طويلاً يتأمل كلماتها وطلب زوجها...وتذكر بقسوة ما فعله به وجرحه إياه بعمق...لن يكذب على نفسه ربما ثورة أركان لم تؤثر فيه..بل كان لوهلة يتفهمه..ويشفق على رجولته المجروحة لقد شعر بالذنب والخجل لأنه تعدى على حرمته مستغلاً تلك العلاقة الجافة بينه وبين رانيا معتمداً على معرفته لحبه الدفين لديالا أخذ نفساً عميقا وكتب:"لا أعلم ديالا...دعيني أفكر في الأمر وأخبرك أما شكرى أنا لا أريد عرفان من أحد..لقد فعلت الأمر من أجلك.."

أرسلت ديالا بأحباط:"حسناً سأنتظر قرارك ولكن حتى هذا الحين هناك أمور لم أفهمها تماماً بكيفية التصرف مع البرامج الجديدة"

غاب أيان قليلاً قبل ان يرسل:" لقد تبرع المهندس شهاب أن يأتي للمشفى ويشرح لكليكما هذه البرامج"

"حسناً أنا ممتنة لهذا"

"يجب ان تمتني صغيرتي وتخبري زوجك أني بطلك الأوحد"أرسلها مازحاً

فأرسلت بحزم مغيظ:"توقف..توقف..نحن صديقين ولكن هذا لا يعني التباسط في المغازلة"

تبدد كل مزاجه الرائق في لحظة متذكراً جملة مشابهة لم يعي لنفسه وهو يرسل:"لا صداقه تقام بين رجل وإمرأة صغيرتي...إحذري جيداً من جانبك وان كنت سأظل مُعيناً لكِ دائماً"

تفحصت ديالا رسالته للحظات لم تخشى أن تجرحه أو أن يفهمها بشكل خاطئ لإدراكها الكبير أن ما بينها وبين أيان تخطى رابط الصداقة منتقلاً بقوة الى الأخوة...رغم القواعد الكبيرة التي تضعها بينهما..حتى وان كان إحتضنها مرة واحده في أشد لحظاتها ضعفاً عندما عادت إلى الوطن وتفجر كل شيء بداخلها!

راقبته يكتب شيء ما لوقت طويل فإنتظرت الرساله ولكنه إنقطع فجأة ويبدو انه تردد في إرسالها مكتفي فقط بالنداء بإسمها:"ديالا..كيف؟!!"

لوقت استغرقته تأملت حروفه مدركة ان لكل نفس بشرية لحظة حنّين وضعف يتخطى بها العشق كل منطق"تشتاقك حد الفقد"

أرسلتها وأغلقت نافذه الدرشة بينهم...تاركه ملامحه تتصلب وتلك الغصة المؤلمة تزيد الضغط على أنفاسه...يداه تقبضت بعنف أعلى وركيه ربما يكبح ذلك الألم الذي ينكره نفخ أيان بقهر وهو ينتفض من مقعده بحدة ويتوجه ناحية النافذة يراقب البحر الأزرق الذي داهمه الليل بظلامه وأغرقه بسواد موجع مماثل لقلبه الذي أصبح كقطعة من حجر الصوان...والذي يذوب تماما عند كل ذكرى غرام نقشها بداخله مع إمرأته:"متى أتخلص من بقايا عطرك العالق بجسدي؟وبملمس شفتيك الناعم الذي يرتسم داخل عقلي حافر حفراً عميقاً وكأني لم أصل للكمال يوما ولنشوة الانتصار للغرق عشقاً عندما أراقب حديثهما البطئ متخلل من بينهم إسمى"

***********************

"أنا مرتعبة...دعنا نعود لمنزلنا"

شفتيها التي تهمس فوق صدره العاري مباشرة جعلته يعلم انها تتحدث...فأرجع رأسها للوراء ووضعها على الوسادة ثم اتكئ على مرفقه وهو يشير لها على فمه بإصبعه السبابة:"هل تحدثتي؟!"

هزت رأسها بالإيجاب فرفع كفه مديرها في حركة نصف دائرية:"عن ماذا؟"

هزت كتفيها من تحت الغطاء الثقيل بدلال وهي تقول بنظرات ناعمة:"ألم تفهم..لقد قلت أني عندما ألمس صدرك بحروفي تفهمني أليست هذة لغتنا الخاصة"

مال بفمه يقبل بشرتها المتوهجة اثر غرامه ثم اعتدل يشير بمداعبة:"كذبت بالطبع حتى تتحرري من خجلك ليلة الزفاف..أنا أجتهد حبيبتي للتواصل معك..ولست بطل خارق أو ساحر"

تلونت وجنتيها بالخجل...قبل ان تقول بتهرب:"أخبرتك اني خائفة من صوت’النوة’ يبدو ان البحر هائج جداً وتلك الكبينة قريبة منه"

داعب بطرف أنامله شفتيها وهو يشير بعينيه للتتابع حديثها..أرسلت حركته تلك قشعريرة لذيذة في أنحاء جسدها وهي تقول بإرتجاف:"لقد. نسيت وبعد"

أشرف عليها من علو وإتكئ على كفيه حول رأسها ثم رفع إحدى يديه وجذب مفكرتهم الصغيرة والتي جذبتها منه هي وقالت برفق:"هذا الشيء لن يكون معنا إلا بتدوين بعض الذكريات المميزة..إمنحني فرصة لخلق طريقة تواصل بيننا"

إعتدل أيان قليلاً ليجلس على ركبتيه ثم جذبها لتواجه جلسته وهو يشير بهدوء:"ما بيننا طريق طويل لا يحتاج لتواصل أو لغة..ما بيني وبينك قلب قُيدَ بحبك منذ أن كنتِ مجرد مراهقة"

أشارت بلغته بينما الأحمر القاني ينتشر على خديها وذراعيها التي تتمسك بالغطاء:"مازِلت تتذكر"

برقت عيناه بتلك النظرة التي تُثير فيها كل المشاعر الأنثوية...متذكرة بقسوة وعينيها تطوف على وجهه الوسيم وجذعه العاري النحيل...فبنظرة أو لمسة منه تذوب تماما فيصبح لا حول لها ولا قوة بين يديه حتى الخجل في تلك اللحظات يصبح لا مكان له بينهما وكأنه بكل الطرق الممكنة يفرض نفسه عليها ويتملكها…يتواصل معها حتى لا يكون مقصراً بمحادثته وكلامه..كأنه عندما حذرها من صمته ذاك كان هو من يخاف من تلك الفكرة فأصبحت حياتهم صاخبة حتى أكثر من أي رجل يجيد استخدام لسانه

"لم أنسى ملمس شفتيك يوماً و إرتجافك بين أضلعي..جلدت نفسي بالذنب كنتِ بريئة جداً وقتها وعيناكِ الباكية آلمتني ولكنها منحتني القوة واليقين لأعود إليكِ مُطالباً بكِ بعد أن أحقق ذاتي"

إبتسمت بشحوب قائلة:"ألم تخاف أن تفقدني وقد كدتُ أن تفعل"

أخذ نفس عميق معبئ به صدره قبل أن يشير :"كنت على يقين أنكِ مهما تطرفتِ لن تستطيعي أن تقتربي من أحدهم…أنتِ ملكاً لي قلباً وروحاً"

مدت كفيها المرتعشة تحاوط وجهه وهي تهمس:"أحبك"

أشار بأنامل مرتعشة:"اذن دعيني أخبرك كيف تكون كلمة أحبك بطريقتي"

رفعها بين ذراعيه مزيحاً الغطاء جانباً فشهقت خجلاً وإعتراضاً..لم يبالي عندما دفن وجهه في عنقها طابعاً قبلة عميقة هناك بينما أنأمله تبحث عن يدها يضم إصبعي السبابة والوسطى في يده بحركة تودُدية عميقه خاصة …ثم أخبرها بإشارة من يده الأخرى هكذا تكون أحبك خاصتي.."

للحظات إستشعرت بكل شيء يذوب حولهم...بصوت البرق والرعد متضامناً مع همس الموج الهائج الذي يعصف بكليهما...تحررت من كل شيء وهي تضمه اليها..شفتيها الناعمة تُقبل كل إنش من جسده تمر به بكبت تفجر عشقاً…بعنف اشتعل حباً..وبقلب امرأة سلمته أكثر من نفسها…عندما ضمها اليه متراجعاً بها على الوسائد متلاعب بأناملها هامس بأصابعه داخلهم:"لا خوف وأنتِ معي"

من بين شغفها الذي نافسه جنون كانت تهمس:"لا.. العالم داخل حدود شطئانك أهابه...."

****************

إبتسم بوجع وهو يغلق عينيه مرة أخرى وكأنه يحبس ذكرياته داخل قلبه مستمتعاً جداً بعذابه لنفسه...وهو يتذكر جنونه الحقيقي عندما إشتد موج البحر ليتمرد على الشاطئ فيضرب الرمال بتوحش قد يخافه الجميع ويخشاه إلا هو لقد كانت سمفونية عذبة خاصته يراقب ألحانها بعينيه ويصوّرها عقله كنوتة مايسترو أوبرا مهيب كان عالمه الخاص وحده والذي أراد أن يقحمها فيه ومنحها الكثير منه..

تذكر كيف أجبرها أن تنهض من الفراش عقب إلتحامهم وأجبرها أن ترتدي بنطال جيتز خفيف تعلوه إحدى كنزاته الصوفية...وإكتفى هو ببنطال مماثل من الجينز ثم حملها بين ذراعيه متوجهاً الى باب الكبينة غير مهتم أن يفهم أو يراقب ما تخرجه شفتيها..توقف لبرهة يفتح حاسوبه ثم يوصله بجهاز سماعته والذي رغم صغر حجمها صدعت في الأنحاء...متحدة مع صوت تلاطم الموج…سكنت رانيا على الفور تنظر اليه بخفة لذيذة مؤلمة"مازلت تذكر؟!"

جذب كفيها نحوه لترتطم بجذعه ثم مرر كف يده على وجهها ببطئ قبل أن يشير:"بل إشتقت أن تشرحي لي ماذا يقول"

تنهدت ودمعة تفر من عينيها وهي تقول:"تستطيع أن تقرأ ما يقوله على الانترنت"

"من بين شفتيك حياة رانيا…تعيد لأوردتي التوازن لأشعر بكل ما حولي مثلكم…بين شفتيك نعيم لن يعرف مذاقه يوماً سواي"

إقترب منها بشفتيه يشير بإرتجاف:"حياة تدب في عيني...تتسلل لقلبي..تملأ عقلي وتضخم صدري حد التخمة والإرتواء...همسك حياة..ينعش قلبي الذي مات من قسوة الدنيا"

رمشت بعينها متلاحقة الأنفاس بينما إلتفت ذراعه حول خَصرها ببطئ وهو يجذبها نحو الخارج لحظة فقط لشعورها بالهواء البارد جعلها ترتجف فضمها أكثر اليه حتى رفعها قليلاً عن الأرض جاعلاً قدميها فوق قدميه...التف ذراعيها حول عنقه...متعلقه به وهي تمتم بكلمات أغنية مطربها المفضل"

*لما النسيم بيعدى بين شعرك حبيبتي بسمعه

بيقول آهات وعطورك الهاربة الدايبة فيكي

كل ما تلمسك بتقول آهات

تشابكهم تحول لرقصة ناعمة هادئه مناقضة لصوت البحر الهائج خلفهم وللسماء التي تصرخ بالرعد ملحقة إياه بالبرق الذي يشتعل فوقهم مباشرة مضيئاً تعانقهم خالق صورة كلاسيكية نادرة من ألحان الحب العشق الذي تفعم بهم أوردة كليهما...تحمل همسها أمام شفتيه ورغم الظلام كان يرى بقلبه الكلمات التي حفظها عن ظهر قلب مناجيها بها متغزلاً فيها...لفها ببطئ فتكمل دون انقطاع:

*يا نجمة كل ما ضيها يلمس حجر يعلى ويتحول قمر بكتب حروف اسمك بحبات الندى على كل أوراق الشجر

فجأة حقاً عندما ضمها الى صدره مرة أخرى ثم أحنى جسدها ليصبح فوق ذراعه مال نحوها مطلقاً أصواته المبهمة والتي ان أقسمت لأحد قد لا يصدقها بشر ولكن لا يهم طالما هي شعرت بها تعزف على مواطن عشقها إياه عندما أطلق نغمة مشابهة للكلمات وكأنه درب نفسه عليها ملايين المرات:

*مين اللي يقدر يعشقك أدي انا مين اللي يقدر يوصفك زي انا.

كانت تنظر الى وجهه الذي يشرف عليها وهي تقول بإرتجاف"لا أحد..ولا أقبل أن يكون أحد إلاك"

ضربة أخرى من البرق تبَعها الرعد هبطت فوق رأسهما مباشرة فإستطاعت ان ترى تلك اللمعة الآسرة في عينيه...تلك النظرة التي يخصها بها وحدها والتي إنمحت أخيراً منها...شعور الوحدة والوجع...البحر الهائج ثار مرة أخرى فضربهما بموجة أغرقتهم ببرودتها..ولكن للغرابة كان كليهما يشعر أن تلك السياط ما هي إلا دفء...عدلها بين ذراعيه ملتفا بهما مرة أخرى والبحر يهيج من حولهم وهو يستمر في رقصته الصامتة الأدرينالين إرتفع أثره داخل جسدها فتعلقت به أكثر وأكثر مبادلة إياه جموحه...

لم يعلما متى تحول إرتجاف كليهما لتهبط رقصتهم ببطئ نحو الرمال والشغف يحيط بكليهما فيبدد الرهبة التي قد يستشعرها أي أحد إلا القلبين عاشقين...فصمت كل شيء فجأة ولم يتبقى إلا همسهم متضامناً مع همس الموج من خلفهم...وكأن كل أمواجه الهائجة إنحنت إجلالاً..أمام حدة مشاعرهم"

"كيف استطعتي أن تفعلي هذا بنا؟!"الصرخة المقهورة المعتادة كانت تحوم داخل صدره بجنون...

"كيف سمحت لمختار الزيني ان يتلاعب بهما...بل السؤال الأهم هل أحبته رانيا أم حقاً ان حاجته الملحة لحبها الصادق هو من خَيل له هذا؟! ارتجافها المقيت كان أكثر من تحمله وهي تحرك شفتيها لتخبره:"خفت على قطعة مني ومنك تنال ما رأيتك تعاني منه وأنا عاجزة حتى لازاحة الأذى عنك..مجرد صورة لآخر في عقلي تقتلني أيان"

أغمض عينيه وهو يقطع لقائهما قبل الأخير بإصرار هامس بقتامة:"بل أنتِ قتلتي أيان..كُنتِ موجته التي حطّمته ومنحتي مختار انتصار آخر على المعاق وهو ظن أنه إلتف حول الأمر بذكاء وإنتصر غير مدرك أنه حطمكم جميعاً!!إن أغبي البشر من يرى في نفسه أنه أذكاهم..أنا أعلم انكِ تتعذبين مثلي ولكنك لا تستحقين الغفران او الشفقه...رانيا !!"

***************************

وضع شهاب القلم بين أسنانه وهو يرفع سماعته نحو أذنيه مرة أخرى بنوع من اللامبالاة...بينما بداخله يمتعض من تلك الغيرة الحمقاء الغير مبررة التي تصدر عن من أمامه...تابع بجدية شرح ما جاء من أجله دون أن يهتم ان فهم ذا العقل الصدئ أم لا:

"الأمر بسيط كما أخبرتك منذ قليل..لا تحتاج إلا شخص أمين يقيد الوارد بدقة ثم يضعه على الكمبيوتر والبرنامج الخاص بالمخزن..سيقوم بالباقي وهو يحسب مع البرنامج الأخر كم وجبة تحديداً خرجت وكم كمية ما تم سحبه وطهيه...وبالطبع هناك نسبة هالك لم نغفل عنها"

رفع وجهه مرة أخرى يبتسم لوجه ديالا المحمر خجلاً وغضباً فقال:"الأنسة ديالا لماحة وذكية...لقد فهمت كل ما شرحته أنا وأيان دعها تساعدك حتى تستوعب الأمر"

اشتدت يده التي تُكبلها بعنف وقسوة حول خَصرها فمنعت بصعوبة صرخة الألم وأعادتها الى حنجرتها...هل لقب زوجته للتو بأنسة؟!مهلاً وإتهمه بالغباء؟!!وكأنها استشعرت أنه على وشك إرتكاب جريمة فأجبرت نفسها على الجلوس بجانبه ملتصقة فيه وهي تقول بمجاملة مانعة من جوارها من ارتكاب حماقة:"مدام ديالا يا بشمهندس يبدو أنك نسيت"

"البراءة المطلة من وجهك مع خجلك وهذا الإرتباك لا يخبرني أبداً بهذا يا فتاة"نطقها لنفسه باقرار..

ولكنه قال بلطف:"أنا في الخدمة دائماً...وقتما تحبي..على كلٍ أنا المشرف على العمل داخل المطعم"

حسنا لو قصد ان يقتل ما كان لوح بهذا الشكل السافر أمام الدب القطبي الهائج الذي خلفها...قالت ديالا أخيراً ببطئ خافت:"اذا إحتاجنا لشيء سنخبرك إذن فأنا الآن أعرف كيف يعمل البرنامج...يبقي أن أشرح لأركان كيفية تفعيل العمل بالمطعم"

وقف شهاب يلملم حاسوبه داخل شنطته الجلدية..ثم ناول أركان هاتفه وهو يقول:"لقد انتهيت من ضبط كل شيء حتى تستطيع العمل بسهولة"

أعاد النظر لديالا بلطف مبالغ فيه ثم قال:"أراكِ في المطعم قريباً...بالمناسبة لديه طلة ممتازة على البحر لقد أحسن زوجك إختيار مكانه"

نظرت اليه ديالا بصمت متبلد دون رد..حسناً هذا الشهاب مستفز..ما باله يبالغ بهذا الشكل السافر؟!لم تحاول ان تهدئ أركان عندما تطاول يجذب من يده الهاتف بحدة ثم يخبره بغلظة:"المطعم مغلق حتى إشعار آخر"

ثم وضع الهاتف جانباً دون أن يقول كلمة شكر واحدة صمت..وكأنه يخبره أنه ضيف غير مرغوب فيه...

لوح شهاب بيديه بفتور قبل أن يخرج بمنتهى الهدوء والرزانة..مقر لنفسه بفخر :"يبدو أنه حقا كما وصفتني أمى العزيزة كائن لا يشتعل ويساعد على الإشتعال.

عاد ينظر الي باب الغرفة وهمس بوجوم

.ومازالت الفتاة خسارة فيه"

أفلتها أركان أخيراً وهو يقول من بين أسنانه:"أغلقي هذا الباب اللعين وتعالي الى هنا"

إرتفع حاجبي ديالا وقالت ببرود:"لا تحدثني بهذا الشكل..أخبرتك اني لا أحب سبابك الوقح...يجب ان تهذب لسانك قليلاً من أجلي"

انخفضت نبرته وهو يقول بخفوت خطر:"أغلقي الباب وتعالي الى هنا لأني على وشك الانفجار"

نفخت ديالا بضجر وهي تنفذ أمره مدركة جيداً أين سيصل جنونه وتهوره..مازالت لا تفهم سر هذا الشهاب ولماذا فعل هذا؟!وكأنه يقصد استفزازه"

أغلقت الباب وعادت اليه..ثم قالت بحذر بطيء في محاولة واهية لصرف تفكيره عن ما حدث منذ قليل:"لقد أخبرنى الطبيب اليوم أنك تستطيع أن تتمشى في حديقة المشفى...بالاضافة للعلاج الطبيعي لساقك"

لم ينجر لمحاولتها وقال بلهجة آمرة:"حقا!!هذا لن يغير شيء اقتربي وإجلسي بجواري بنفسك"

تتهدت ديالا بحرج ثم قالت مدعية البراءة:"أياً كان السؤال عن هذا المهندس فأنا لا أملك إجابة..هل يمكننا تخطي هذا؟"

أومأ برأسه مدعي التفهم..ثم قال بلطف فاشل:"بالطبع حبيبتي ولماذا قد أوجه أي سؤال عن رجل يخبر زوجتي أمامى أنها أنسة شديدة الذكاء؟!رجل كل كلامه موجه اليها فقط!!"

تلاعبت ابتسامتها وهي تقول ببطئ:"تغار!!'"

كانت تحديداً قد وصلت اليه وعلى بعد خطوتين إعتدل سريعاً وفاجئها ثم سحبها ورماها على الفراش بعنف..جثم فوقها وهو يقول بتصلب وغضب:"أنا أحترق"

"حقاً"

صرخ محذراً:"ديالا لا تزيدي جنوني"رباه..إنها فتاته العنيدة وإمرأته الطفولية..تلك الشابة المفعمة بروح جذابة محاربة تجعله يشرف على الجنون...هل كُنتُ مغيب في صراعي لأغفل عنكِ عامين بينما أنتِ بين ذراعي وتحت سقف بيتي؟!!على أتم الإستعداد لتمنحيني ما أكاد أخسر عقلي الآن للحصول عليه؟!

توقفت أنفاس ديالا وهى تراقب ذلك الدب الجامح الذي انخفض بوجهه يُقبل شفتيها..جفنيها..خديها وكل إنش يطاله منها..لفت ذراعيها حول عنقه مانحة إياه ما اعتادت ان تتبادله معه..خلال شهرين ونصف من فترة مرضه عودها ذلك المجنون على تلك العاطفة التي تغيب فيها تتلاشى هناك على ذلك الصدر القاسي وهذا القلب الذي لفظها يوماً...مروضاً أنوثتها ومخرج ذلك الجانب الذي لم تعرف أنه موجود فيها من الأساس إلا على يديه...إرتفع عنها ينظر لعينيها بلون البندق الغائم بالغرام..شفتيها المكتنزتان الشهيتان محمرتان إثر قبلاته..جسدها الممتلئ الى حدٍ مثير جعله يشرف على الجنون..حتى أنه فقد نفسه للحظة بلذة جسدية متضامنة مع سمو المشاعر الغرامية وفكر انها يجب ان تنتمي اليه بكل الطرق.....

لم يفق من سكرته فيها إلا عندما شعر بيديها تخبطه على صدره بعنف وهي تشهق بذهول قائلة:"ما الذي تحاول فعله هل جننت نحن في المشفى يا أحمق"

بدت ملامحه كالصخر وهو يقول بتصلب ويديه لا تكف عن اجتياحها:"في المشفى..في الطريق العام..في شارع خلفي أنتِ زوجتي وأفعل بكِ ما أريد...أقله نحلل المال الذي يهدر هنا بإستنزاف غير قابل للتوقف"

قالت بذهول لم يخبو بعد:"تريد ان تحلل مالك بجعل ليلتنا الأولى هنا في المشفى!!هل جننت؟"

توقف للحظات ينظر لها بنوع من الإنبهار لم تعلم سببه..صدره لا يزال يهبط ويعلو بسرعة وعنف..ثم قال:"أنتِ توافقي على مبدأ اتمام زواجنا..اذن لن يفرق المكان"

هل تتهور الآن وتخبره أن ظهره لن يتحمل حتى تلك الأنفاس التي تخرج من صدره..صمتت على مضض حتى لا تجرحه وعوضاً عن هذا إدعت الغضب وهي تقول:"أنا لا أريد....إبتعد"

غضبها هذا أعاد لجسده الدماء تضخ هادرة ومعدل الأدرينالين يتعالى لمعدل غير مسبوق..فمنح جسده قوة لم تكن فيه حتى وهو معافى الجسد تماماً وقال بإصرار:

"لا تدعي الرفض ديالا..كلانا يلتف منذ أشهر حول ما أحاول تحقيقه الآن فلما الغضب؟!"

مزعج...ركلته بإحدى ساقيها في قدمه مزمجرة كنمرة شرسة صغيرة تزيده جنون وهوس غير مراعي لشيء او مهتم بما قد يترتب نتيجة تهوره هذا:"سوف أصرخ..وصدقني ستكون فضيحة من النوع الثقيل ان دخل أحدهم ووَجَدَك تحاول اغتصابي"

تأوه من اثر الضربة شاتم إياها بعنف دون مراعاة حتى لأذنيها المرهفة...شهقت بإرتياع رافض وهي تقول صارخة:"توقف عن كلامك السافل..لا أحبه"

جثى عليها بثقل جسده كله ساحقها تحته ثم مد يده نحو شرشف السرير يمزقه بأسنانه لعدة قطع طويلة...خرج صوت ديالا ضعيف مختنق كمن تسارع الموت:"ماذا تفعل يا دب..لا أستطيع التنفس"

قال بجفاء:"وكأن الأمر قد يثير إهتمامي..بل ليته يحدث حتى يسهل الأمر علي"

قالت بتوجس:"هل تعني إن مت تحتك الآن لن يمنعك هذا عن ما تفعله"

رد ببرود:"بالطبع لا"

اعتدل قليلاً..قليلا فقط غير سامح لها بالهرب وهو يدفع يدها سريعاً فوق رأسها ثم لفهم بطرف الشرشف المقطوع والطرف الآخر ربطه في طرف السرير..لم تمنحه ردة فعل فورية بل نظرت له بعينين متوسعتين كعيني غزال عربي اصيل ثم قالت بإهتمام عجيب وكأن ما يفعله لا يعنيها:"هل وقعت على رأسك وأنت صغير وأصابك تخلف عقلي من نوع نادر؟! أخبرني الحقيقة وصدقني لن أجذع بل سأبحث لك بنفسي عن علاج"

لم يهتم وهو يتمم أسرها جيداً في فراشه وقال برتابة:"ليس مرة واحدة ولكن مرات تعلمين أن أمى امرأة طيبة كانت تقول لمن يحاول منعي من أذية نفسي دعوا الأرض تربيه"

قالت بدون تفكير:"هذا يفسر كل شيء اذن..فأنت لم تتربى"

هز رأسه مصدقاً:"وهل إعتقدتي في أي مرحلة إن نلت أي تربية"

حدقت فيه كمن تقبل سوء حظه في الدنيا برحابة صدر وسلم أمره لله وقالت:"لا أعرف بماذا أخبرك بعد هذا التشجيع المبهر من جانبك لأستمر معك...أنت تدفعني لرفضك لأني لن أخاطر بأن أنجب طفل يملك تخلفك؟!"

يده إنزلقت أسفل خَصرها يزيح بلوزتها بقصد بينما يده الاخرى تثبت ساقيها حتى لا تكرر فعلتها بضربه...ثم ما لبث ان قال ببطئ:"دعينا اولاً نثبت صك إمتلاكي لكِ وبعدها..يمكن البحث في أمر الطفل"

عادت للتحرك من تحته بجنون وشراسة:"لن يحدث إبتعد..لا أريد"

مط شفتيه ببرود ويديه تواصل عمله:"لماذا سمعتي كلامي وأغلقتي باب الغرفة إذن"

إضطربت وقالت:"إعتقدت أنك تريد ان تغير ملابسك"

"كاذبة"قالها وهو يستطيل دافناً وجهه في بشرتها مانحها قبل مذكرها لما كانت متلهفة لمنحه اياه

"انت مريض..وفِي المشفى ولن تستطيع"قالتها في محاولة باهتة ضعيفة لدفعه....

رفع رأسه مجفلاً:"هل عيرتيني للتو"

عقدت حاجبيها...بتفكير مبهم ثم قالت بتلقائية:"أعتقد هذا...فهل سيمنعك"

توسعت ابتسامته...بينما يديه تمتد ليضعها على كفيها المعلقين فوق رأسها وقال بنبرة شريرة:"لا بل هذا يستدعي أن أعلمك أدب التحدث مع مريض مسكين"

"حسناً. ما تفعله كثير هل تتريث قليلاً أحياناً أشعر ان كل هذا غريب"

كفه الضخمة احتضنت وجهها ورفعه نحو وجهه وهو يقول بنبرة تبدلت جذرياً:"انه أنا...ما الغريب تلك المحاولات الغير مثمرة يجب أن يضع لها حد..أريدك ان تخصيني ديالا"

رفعت جفنيها تنظر له بإنبهار مازال يحمله قلبها الصغير وقالت:"أنا أخصك وحدك دائماً"

مال ببطء ولطف متفهم..متحايل وهو يقول:"أريدك ان تنتمي لي هكذا كلك ديالا زوجة وأم لذلك الطفل الخيالي الذي سيحمل جنوني"

أسبلت جفنيها وإزداد دفء وجنتيها إحمرارا...وإحساسها يزيد بالشغف..بضربات قلبها تتعالى بهدير موجع لذيذ زوجته..امرأته وتحمل طفل منه..ذكرى لا يمكن ان تنفصل يوماً...رابط مقدس لا ينفصل أبداً..كانت غارقه تماما في لجة مشاعرهما الجياشة في خيالها الخصب..عندما عاد جسد أركان يتصلب فوقها فجأة صارخاً بعنف:"تباً..ظهري"

للحظات تجمدت ملامح ديالا رُعباً سرعان ما تحول لضحكة انفجرت بجنون عندما ارتفع عنها ملقياً بنفسه جوارها وهو يسب بعنف حظه وظهره..لن تنكر ان جنونه هذا وتهوره يعوضها قليلاً..قليلاً جداً مما أهدره سابقاً من كرامتها...من حبها إياه..

"توقفي عن الضحك انت السبب في كل هذا"

لم تغضب وملامحها تبتسم بجمال زادها سحراً عندما فتحت ذراعه رغماً عنه وتكورت على صدره ملصقة جسدها في جذعه:"يكفيك اتهامات لي..ما ذنبي انا في ذلك الحادث"

للحظات لم يرد بل مد يده يفتح الدرج المجاور للكمود ثم أخرج شيء ما..ثم أظهره أمام عينيها وهو يقول ببطء:"لم أرمي أبداً هداياكِ..بل أحتفظ بها داخلي بين أضلعي..وتلك القوقعة كانت هي ما شغلني يوم الحادث .كنت أحتضنها متذكراً لكِ أنازع ما بين كرامتي وكبريائي..وعشقي إياكِ"

ابتسمت أكثر وأكثر وقلبها يخفق بجنون وإنفعال ملامحها تزداد جمال وإذهار من إعترافاته المتكرره..لاح الصدق في عينيه جلياً بينما يعترف بخفوت صعقها اذ لم يذكر هذا أبداً من قبل:"قبل الحادث بلحظات كنت أفكر ان أستدير عائداً اليك وأنزعكِ من مخالب مختار..أقدم ولائي واعتذاري وحبي وغبائي لأنني ظننت في نفسي القدرة على الارتباط بغيركِ يوماً...من دون الحادث كنت سأطلقها بالنهاية

كان الهدوء الذي يلفها مريب..لقد توقفت عن النواح والشكوى وإلقاء الأسئلة...حتى المطالبة بالمعرفة عن ما فاتها أثناء غيبوبتها الذاتية !

نظرت ديالا بألم نحو شقيقتها التي تجلس فوق سريرها مواجهة للنافذة تضم ركبتيها الى صدرها محتضناهما بذراعيها بينما عيناها شاردة للخارج تراقب الشارع الهادئ بصمت كما الأيام السابقة..بينما ملامحها يتعاقب عليها كل أنواع المشاعر الموجعة’الغضب…الشوق ؛ الذنب والإنكار !!

تنهدت ديالا بحسرة وهي تعود تدفن رأسها في أوراق حسابات مطعم أركان بينما تهمس لنفسها:"تُرى ما الذي تكتشفيه في نفسك..ومن حولك ليفصلكِ عن الواقع هكذا ملقياً بكِ في جحيمك النفسي؟!"

عم هدوء جزئي آخر بينما ديالا تغرق كلياً في الأرقام لنصف ساعة أخرى فلا تصل لشيء..أخرجت ديالا زمجرة نزقة وهي تقول من بين أسنانها:"أرقام..أرقام تباً أنا لا أفهم أي شيء يحدث هنا ! ما الذي جعلني ألعب دور البطولة؟!"

أخيراً أبدت رانيا رد فعل إنساني وهي تقف من مكانها لتقترب من ديالا بتردد وجلست أمامها ثم مدت يدها بتردد أشد نحو الملفات المتراكمة أمامها..فعادت ديالا تخبرها بشقاوة ساخرة:"إلمسيها رانيا..أعدك ليس بها متفجرات ولكن لا أعدك انها لا تعض"

رفعت رانيا عينيها في وجه أختها الباسم فتسللت الى قلبها ابتسامة صادقة وهي تقول بخفوت:" لا أريد التدخل في أمر يخص زوجك دون إستئذانه"

أخذت ديالا نفس عميق آخر وهي تقول:"دعكِ منه لقد أوكل لي الأمر كله ولكني لا أفقه شيء على وجه الإطلاق"

صمتت لبرهة ثم تابعت وهي تراقبها وقد بدأت في فتح الأوراق وجذب اهتمامها:"أنا فتاة الألوان والديكورات ...مالي انا والموارد والخارج والهالك وغيرها"

قلبت رانيا ما بين يديها وعينيها تجري على السطور سريعاً وهي تقول بنبرة منشغلة:"اه نعم..مفهوم...لا عليك يمكنني المساعدة"

لاح التشكك في ملامح ديالا وهي تقول:"حقاً...تستطيعي؟"

رفعت رانيا وجهها ببطئ لتنظر هنية لوجه أختها وقد أوضحت قسمات وجهها الواجمة شعور الاحباط الممزوج بالخوف والاهتزاز المعتاد فيها:"أتذكري..لقد كنت أساعد والدك في بعض الحسابات هناك أثناء دراستي وبعد التخرج كما أني كنت لعامين من يجهز الملف الضريبي لأيان ولكن لا أعرف ديالا ربما الأمر يفشل أو ربما أريد مساعدة أحد…فأنا.."

لمعت عينا ديالا بشيء مبهم قبل ان تنهيها سريعاً وهي تمسك كفيها بقوة وقالت:"أنتِ لا تحتاجي لرأي أو مساعدة أحد ليخبرك كيف تديري حياتك رانيا..بل قوتك بداخلك هناك في أعماق مكنون قلبك وأعرف أنكِ تملكيها وفقط تحتاجين الإيمان بها"

التشكك كان مازال يسكن عينيها..فتابعت ديالا:"ربما حان الوقت لتبحثي عن فرصتك الثانية ولكن على فرصة لتكونِ رانيا نفسها..صححي أخطائك وأقعني نفسك لتستطيعي اقناع الأخرين بتغيرك !!"

قالت بقهر عاجز وهي تتمسك بكف أختها:"انا مازلت أتخبط…خائفة أن أسبب لك أو لأحد المزيد من الأذى"

ابتسمت ديالا بجمال وهي تقول بثقة:"إنها مجرد أرقام وأنتِ لطالما كنتِ بارعة بها فعن أي أذى تتحدثِ ثم لا ضرر من أحداث بعض المشاكل الصغيرة وأنتِ تبحثين عن ذاتك"

ترحيب ديالا بها ودعمها واحتضانها إياها وكأن شيئاً لم يكن؟! كان يجلدها عميقاً يلسع قلبها بسوط من الندم..حاولت وضع ابتسامة وهي تقول بتوتر:"هل أنتِ متأكدة من أننا مازلنا نتحدث عن بعض الأرقام؟!"

هزت ديالا رأسها رافضةً وهي تقول:"بالطبع لا..بل عن حياتك كلها..يكفيكِ تبعية وبكاء على الأطلال..حبيبتى يجب ان تبدأي بنفسك وتصدقيها تدعميها بقدرتك على النجاح بتميزها حتى تستطيعي إقناع الأخرين"

"حسناً يمكنني أن أبدأ الآن…إمنحيني فقط هذة الليلة وعندما تعودي سيكون كل شيء منتهى وأمنحك تقرير مبسط تستطعين فهمه"

"ممتاز"قالتها ديالا وهي تقفز من بين الأوراق وكأنها تهرب من عفريت ما"

هزت رانيا رأسها بيأس متذكرة أن ديالا لم تحب مادة الرياضيات يوماً وربما كان هذا إختلاف آخر مع والدهما..لقد حاول معها بكل الطرق ان تكون عقلية حسابية وكأنها جهاز حاسوب خالي المشاعر وعالي التقنية..لم يتقبل أبداً فكرة أن الآمر يفوق قدرتها الطبيعية…وأن لها مجالات أخرى تبدع فيها فظنها تعانده وأصبح أمر آخر يجب ان تعاقب عليه المتمردة...قطع تفكير رانيا وهي تسمع ديالا تقول بهمس:"أركان طلب مني ان أدير المطعم في غيابه..لقد أصبح يخسر بطريقة غير مناسبة أبداً مع زبائنه وسمعته أصبحت تتدهور..اتعلمي أن دلال تركته بعد ان إفتعلت فضيحة في المكان وسط رواده متهمة بعض العمال بعدم النظافة والسرقة ومدير المكان بالإهمال واستخدام مواد فاسدة"

شهقت رانيا بإرتياع ثم قالت:"الحقيرة كيف تجرؤ؟! لقد أواها المكان لعام ونصف؟!"

خلعت ديالا سترتها بهدوء لا يعكس الثورة التي تمور بداخلها مهددة بحرق الأخضر واليابس ولكنها سيطرت عليها مهذبة إياها وقالت بثبات انفعالي رهيب:" يبدو انها لم تتقبل فكرة أنه طلقها وانها خرجت من الوليمة الكبيرة للرجل المغترب في الخليج بلا شيء فأعلنت الحرب من باب عليا وعلى أعدائي"!

رمشت رانيا بعينيها وهي تسألها بحرص:"ولكن مما أخبرتينى هي مازالت تحاول معه لتعيده اليها متعللة بحبها الكبير أو أياً ما كانت تقوله"

كان قلب ديالا يرتجف رفضاً لترديد رانيا ما عاشته يقيناً مع تلك الحثالة..بينما طعنة عميقه تتسلل الى داخلها وشعور الخيانة وخيبة الأمل والفشل يعود اليها ككل مرة بوجع قاتل من ذلك الأحمق الذي قال أنها تجاوزته..هي مازالت تتألم بصمت كعادتها...تألمت رانيا حقاً على ما تعانيه أختها الصغرى التي ردت:"لا أعرف ربما يئست او ربما قد تبرر له لاحقاً أنها فعلت هذا بدافع الغيرة"

تلونت ملامح رانيا بالغضب وهي تسألها بإقتضاب:"هل تعني أنه من الممكن ان يعود اليها"

قالت ديالا بسخرية مريرة:"أرجوكِ!كيف تظني هذا؟!انا ليس لدي ذرة شك واحدة فيه..انا أعلم يقيناً أنه يكاد يفقد عقله ليثبت لي حبه..ليملكني بين يديه ليربطني به حد اللا رجعة"

هدأت ملامحها قليلاً وهي تقول بجفاف:"انتِ زوجته بالفعل ويبدو أنكِ قررتي حقاً أن لا تعودي من طريقك معه ولكنه يحتاج الكثير ليثبت أحقيته بك؟!"

إمتقع وجه ديالا لدقائق بينما يظهر جلياً التنازع على ملامحها وكأنها تحارب شيء تريد إخبارها به ولا تجرؤ! بدون انذار وعلامات التنازع مازالت تسكنها كانت تقول سريعا وهي تنهج تقريباً:"انا لست زوجته!!لم أصبح بعد وهو لا ينفك يطالبني الآن بهذا و…وقبلاً كنت انا من..كنت أرغبه حد الجنون ولكن الآن انا خائفة مترددة رغم تسليم روحي بين يديه"



نظرت اليها رانيا بعينين متوسعتين مصدومتين ذاهلتين تمتمت:"انت تمزحى ؟"

نكست ديالا رأسها بخجل وهزت رأسها بالنفي بينما تقول بإختناق:"أكاد أجن ليسمعني أحد !!من يوم أن عرفته وأنا مندفعه متهورة واثقة من عشقي إياه أتصرف بيقين بإيمان في إختياري..ولكن أنا الآن ولأول مرة خائفة من أي قرار أتخذه؟!"

هبت رانيا من جلستها وتوجهت اليها تربت على كتفيها بمساندة ثم قالت بحيرة:

"لا يبدو زوجك من هذا النوع من الرجال!!لا أفهم ما أسبابه ان كان يهتم بك حقاً كما يقول وان كنتِ انتِ تحبينه وتهتمي به ؛ بل لماذا صمت ديالا؟ لم تحملتِ ولماذا لم تتحدثي وحبستي نفسك معه؟!"

ضغطت ديالا على أسنانها وهي تقول بكل ما يعتمل بداخلها من قهر:"تحملت وسأتحمله لأني أحبه..أنا أحب أركان…لقد عرفت معنى ان يتفتح قلبي على يديه وان أشعر بالاهتمام وأنني مرغوبة من أحد ما..يطاردني ليجذبني اليه..كان أركان قبل تدخل مختار الزيني يهتم !!لقد منحني ما كنت أجوع اليه..دون أن يطالبني بالمقابل..دون ان يهتك حرمتي او يضلل بعقلي لا أستطيع ان أنسى كل هذا ببساطة لا أستطيع رانيا ما أحمله له في قلبي أكبر بكثير مما قد تستوعبي"

رقت ملامح رانيا وهي ترى شقيقتها لأول مرة على هذه الحالة ضمتها الى ذراعيها وهي تقول بإختناق:"يمكنك البكاء على صدري..أرمي ألمك داخلي كما أفعل أنا معك"

وضعت ديالا يدها على صدرها وكأنها تكبح ألمه تصده عن الخروج وتعيده لمكانه الطبيعي هناك عميقاً مخفياً في نقطتها المجردة من المادة؟!! كانت الدموع تغشى عينيها وهي تقول بصوت مرتجف:"انا آمنت به…حاولت أن أستغل الفرصة التي منحها لنا القدر وتزوجته ليس لأن والدك قال بل لأني أردت!"

رفعت رأسها مرة أخرى تنظر لعيني رانيا الدامعة وهي تقول بنفس النبرة الخافتة:"كنت أؤمن بحبه لا استطيع الهرب منه أو اليأس لأنه كان يهتم بالتفاصيل حتى وان كان غبي"

سألتها رانيا مدركة بحاجه ديالا لنشر حديثها الغير مترابط ربما تخرج تلك الكلمات من الكبت والتي ان استمرت في كتمها ستقتلها كمداً."وكيف فعل ان كان جار عليكِ حتى في أبسط حقوقك كإمرأة"

ابتسامتها المرتعشة كان يتخللها الخجل وهي تقول بتردد:"ربما هي أشياء تافهة ولكن الحب يكمن بداخلها..لقد كان يعرف ما هو لوني المفضل..كيف أحب ان يكون ملمس كراس الرسم خاصتي ونوعي المفضل لألواني…حقائبي الشبابية زهيدة الثمن..نوع الشكولاتة المفضل لي. حتى نوع ملابسي كان هو من يشتريها بنفسه ويضعها في حقيبة مغلقة عليها اسمي وحدي ويرسلها اليّ"

عادت للابتسام بيأس وقلبها يعتصر بالالم:"وبالطبع كان يحرص ان يرسل كلمتين جافتين عن واجبه في اطعامي وكسائي طالما أعيش تحت سقف بيته..لقد كان أركان يعلم ويهتم..بما غفل أبوكِ وأمك وحتى انتِ عنه..ولكن هذا كله لا يغفر له جرحه إياي..رغم عشقي إياه"

**********************

"صوت صراخك المزعج جعل المرضى يفرون من الطابق كله..ماذا هناك؟!"

إلتفت اليها أركان من أمام نافذة غرفته واضع ثقل جسده على عكازه ثم قال بنبرة مكتومة:"الطبيب الأحمق يرفض منحي تصريح لأكمل علاجي بالمنزل"

وضعت ديالا أشيائها كالمعتاد على طاولة جانبية ثم اعتدلت تقترب منه برقة وهي تقول:"ولما الغضب حبيبي؟!الطبيب لن يفعل إلا ما في مصلحتك..جسدك مازال لم يشفى تماماً"

تأملها بعينين سوداودين قاسيتين وهو يدرك كم تبدو أنثوية اليوم في فستان بلون الكراميل طويل وبسيط ينسدل القماش القطني على قوامها الممتلئ بإغراء محدد منحنياتها المتناسقة يعلوه جاكت مماثل الخامة ولكن باللون الاسود الذي تناقد مع اللون الوردي لوجنتيها المكتنزتين قليلاً..أغمض عينيه مردد لنفسه:"كيف تحملت بعنادي ورعونتي الابتعاد عنك؟!"

كل صراعه وغضبه تبدد فجأة وهو يقول بحزم من بين أنفاسه:"تعالي إلى هنا"

وقفت مكانها مانعة نفسها من التقدم وهي تهمس بشقاوة:"أنا هنا بالفعل هل تحتاج عوينات؟!"

زمجر وهو يفتح عينيه:"إقتربي ديالا لقد تأخرت بالفعل"

هزت كتفيها وهي تقول:"كان لديّ عمل..الكثير منه في الحقيقة مديري الجديد قاسى بشكل لا يُطاق"



تحامل على عكازه وهو يقترب منها ويخبرها بنبرة متلاعبة:"ربما ان قدمتي اليه خدمات خاصة قد يترفق بك"

كان قد وصل اليها ليلتصق صدرها بصدره فتلاحقت أنفاسها وهو يلف ذراعه حول خَصرها دافعها أكثر نحوه حتى لم يصبح هناك ما يفصلهما إلا ملابسهما..إرتعشت خلاياها وهو ينحني ليطبع قبلة على جانب عنقها وألحقها بأخرى على نحرها فهمست:"أركان...أرجوك"

أغمض عينيه وهو يحاول ان ينظم أنفاسه العنيفة ليسيطر على إرتجافه لتأثير وجودها حوله والاقتراب منه..انه يعانى كبته وحرمانه و ربما هو يستحق ذلك العقاب:"أحبك...يا حورية"

ضمت نفسها اليه محاوطة بذراعيها خَصره وهي تطلق آهة مرتجفة…منهارة تحت أحاسيس جارفة تجتاحها من قربه لتجعل كل تشككها عندما تبتعد عنه يذهب مع الرياح ولا يبقى إلا احتراقها لأن يلمسها:"وأنا أحبك أنت يقيني يا أركان وإيمانى فأرجوك لا تجعلني أكفر به"

عندما نزع شفتيه منها وأراحها من سطوته وضع جبهته على جبهتها وهو يقول بأنفاس مضطربة:"لن أفعل...أعدك لن أؤذيكِ مجدداً...أنتِ كل غنائم حربي من الدنيا"

تسربت أنفاسه التي تلفحها قبل ان تقول بهمسها المرتجف:"الكلمة عهد ووعد وانا لا أجيد التعامل مع الكلمات الناقصة"

"وعد..وعهد يا روح أركان"

هزت رأسها تحت جبينه وهي تقول بخفوت:"لا أصدق رقتك تلك..لما أشعر انها خداع الثعالب"

قال ببساطة:"ربما ولما لا ؟!قد أكون هكذا بالفعل...سأفعل أي شيء لتبقي معي"

صمتت مفكرة للحظات..ثم ما لبثت أن قالت ببطء حذر:"اذن دعني أستغل الفرصة وأطلب منك تعيين محاسبه جديدة..تساعدنى في إدارة المطعم؟!"



استرعت انتباهه كاملا وإنفصل عنها برفق وهو يرتكز على عكازه مرة أخرى ويمشي الى فراشه ثم جلس هناك برفق حذر وهو يقول بأنفاس عالية قليلاً:"أخبرتك أنا أثق بكِ..إفعلي ما ترينه مناسب"

اتبعته وهي تلوح بيديها شارحة:"ولكن أنت أيضاً قُلت ستشرح لي كيف أدير المكان وأي شيء أو توظيف يتم عن طريقك أنت"

ضيق ما بين عينيه ثم قال مدرك للمعة معركة في عينيها:"لما أشعر انكِ وجدتيها وإسمها لن يُعجبني"

قالت ديالا بخفوت ممتعض:"ولا إسمك او هيئتك يعجبها..صدقني الشعور بينكم متبادل"

حسناً اذن محاسبه ولا تعجبه ولا يعجبها هل يستطيع القول انها:"رانيا!! هل جننتِ كيف أثق بها؟! انها..."

"أختى ؛ شقيقتي..."نطقتها ديالا بتصلب ملتهب

نظر اليها بوجوم فتابعت بنبزة أقل حده:"لن أثق بأحد إلا هي حالياً...كما أتعهد لك انها تغيرت تماما…هى فقط بشر أخطأت وتغابت وتحتاج فرصة ثانية يا أركان فأرجوك دعني أدعمها وتكون الى جواري إن كُنت تثق بي"

شعرت بتشنج عضلاته وبتوتره وهو يقول:"هل تؤمني بمنح الفرصة الثانية؟!!"

ابتسمت بحلاوة وهي تقترب منه لتضع يديها حول عنقه وقالت:"بالطبع لمن يستحقها ويعافر ليربحها"

صمتت ثم تابعت بحرص:"انا أدرك ان المطعم آخر ما تبقي لدينا وأتفهم مخاوفك..ولكنك تثق بي"

صمتت مرة أخرى ثم تابعت مازحة دون ان تقصد ولم تدرك كم إنهار داخله متحطماً عندما قالت:"ثم حتى وان خيرتك حزني أم مالك..فمن ستفضل؟"

كان يلهث بجنون عندما عاد يحاوطها ويعصرها عصراً داخله غير مدرك لتألمها بين يديه كان يردد بنفس ذاهل ونادم وحزين وكأنه عاد داخل ذاكرته لإختيار مماثل"انتِ سأختاركِ أنتِ…"

********************************************


سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 09:10 PM   #9

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن



لم أحبّك كشخص فقط، بل أحببتك كوطن لا أريد الإنتماء لغيره.



نزار قبانى...



للحظات طويلة شعرت سارة بالضياع والألم الذي احتل دهاليز عقلها وقلبها سوياً…شهر مضى منذ أن قبلت دعوته التي كانت ظاهريا لتناول الطعام ولكن خفياً وكعقد وقع من كليهما كانت دعوة للدخول الي حياته..

"ماذا تفعلين بنفسك؟!"

اليوم بالذات كانت تعيد السؤال على عقلها المضطرب وهي تراقبه شارد في عالم آخر غير عالم البشر..عيناه تسبح هناك مع موج البحر الذي يضرب على الحائط الخراساني مصدراً صوت قوي يرعد من أمامه مزلزلاً لكل ثوابته...وجهه يتلوى بالنزاع والألم...ثم تستعر عينيه بغضب ورفض لم يكن موجه إليها أبداً...تراجعت عنه خطوة واحدة حتى لا يستشعر تلك الهزة المكتومة التي خرجت اثر دمعها لا تعرف ان كانت تبكي حباً رغم مجاراته إياها ولكنها لم تستشعره أبداً من ناحيته أم تبكي تحطمه هو من حبيبة وعالم إغتالوا إنسانيته؟!

"كان اليوم هوآخر يوم في عِدتها!"همس عقلها بحرقة وهي تدرك سبب مرارته اليوم والتي عبر عنها بالصمت التام...لقد أتى صباحاً الى الشركة وظل لساعات يدور في المكتب بشكل هستيري كنمر بري ظن في نفسه القوة والمقاومة ليبقى دائماً حر ولكنه صُدم بالحقيقة المرة عندما أسروه ملقين بِه في قفص ضيق لا فرار منه...ثم هدأ كل شيء فجأة بسكون مرعب...بينما يرسل لها بإختصار إنه يدعوها للغداء اليوم أيضاً تحبب في صحبتها...

"مازلتي تكابري...عجباً على امرأة أمامها الكثير من الفرص لتكون بطلة الحكاية ولكنها بكل حماقة تصر أن تأخد دور النسخة الباهتة"كومبارس"معتقدة بغباء وغرور..إنها تستطيع" رنت كلمات شهاب القاسية في أذنيها عنيفه قاتلة

"لا اليوم بالذات لا تتذكري حديث هذا المتبجح المغرور"

إلتفت إليها أخيراً ولاح بعض الألم في عينيه الخضراوين فشعرت بنصل من الألم ينالها هي...شعرت بجسده يمنح ذبذبات مبهمة وكأنه متشنجاً...كسر حاجز الصمت أخيراً وهو يشير لها:"لم أسالك من قبل ولكن لماذا تعلمتي لغتي سارة؟لماذا الآن تقبلين بتقربي؟!"

أجفلت ملامحها للحظات وكأنها لم تكن مستعدة أبداً لسؤاله الصريح والذي بدا منطقياً جداً لعلاقتهم تلك التي لا تجد لها مسمى...رفعت كفين مترددين وهي تشير اليه..فقطعها وهو يشير:"يمكنك استخدام شفتيك"

هزت رأسها رفضاً وهي تكمل بلغة الإشارة:"تعلمتها من أجلك وأتقبل صحبتك من أجلك أنت...وربما أنانية صغيرة مني لأقول إنها من أجلي!"

انعقد حاجبيه وإلتوى فكه قليلاً وكأن المغزى المتخفي من كلامها وصله كاملاً ولكنه لم يتقبله:"هل يمكننا التحدث بصراحة مطلقة؟!"

إهتزت ابتسامة عدم ثقة على شفتيها وقالت وهي تزيح شعرها الأسود القصير خلف أذنيها بحركة عبرت عن قلقها:"هذا كل ما أتمناه أيان وما أطالبك به منذ شهر نحن أصدقاء..يمكنك الحديث معي"

أومأ برأسه وعيناه لا تحيدا عنها ثم أشار بهدوء:"الكثير من العلاقات الناجحة تبدأ بالصداقة لذا ما سأطلبه منكِ الأن أريدكِ ان تفكري به جيداً بعقلكِ سارة لا بقلبك"

خفق صدرها بقوة وترقب..بشعور مبهم من الهلع ولكنها هزت رأسها بموافقة...أخذ نفس عميق وهو يغلق عينيه لدقائق تاركها في احتراقها بالترقب بينما داخله مازال يعاني وينازع في حرب شرسة ضاع فيها كل جنوده وأسباب حربه...كيف له ان يقدم على تلك الخطوة؟!هل يستطيع أن ينسى حب عمر كامل كان يجري داخل خلاياه؟!حب تعلم علي يديه معنى الاكتمال!تقبضت يداه بعنف مذكراً نفسه بقسوة:"حب عرفت طعم الإهانة والنقص..مقراً بهزيمتك أخيراً بعد طول محاولة لانتصار حب دمر المتبقي منك في تشبسك بأنك انسان كامل..أخد الله منك شيء واحد ليعوضك بأشياء!!"

صمتت الضجة بداخله لتصبح عالم في محراب الصمت المرعب الذي عاش فيه عمر كامل..ولأول مرة يشعر أيان بمدى نقصه مقر ومعترف لنفسه!! صمت ضجيجه غير قادر على متابعة جلد نفسه بمازوشية ذكريات للماضى...صمت ماحياً ذكرياته ومنهياً معها كما سينتهي آخر رابط بينهما بعد ساعات.."

فتح عينيه فجأة فأربك من أمامه أكثر فأكثر...ظل ينظر الى وجهها طويلاً وكأنه لم يحسم معركته لقد مشى وراء قلبه الأحمق طويلا وماذا جنى لا شيء إلا وجع الخيانة والخذلان و...الإستسلام مُقِراً بعجزه!!!

فليجرب طريق العقل إذن...لقد أحب حد الجنون فإنغدر به..فلما لا يجرب أن يُحَب ربما يكون في هذا خلاصه...ضاقت عيناه قليلاً وأشار أخيراً بصعوبة وكأنه يجاهد نفسه:"هل عائلتك تعرف عني شيء؟!"

كانت تنهج تقريباً...وصرخة متمردة تريد الخلاص من بين أضلاعها فتُريد ان تُطلقها...هل يقصد ما فهمَت هل تتعشم حتى؟! لم تدرك أن كلها كان يرتجف وهي تقول بشفتين مرتعشتين:"والدتي تعرف عنك كل شيء...كما اني لست صغيرة أيان عمري سبعة وعشرون عاماً أي أني أدرك جيداً كل خطوة أخطوها"

أجابته وكأنها تدرك الكثير من الأسئلة التي تدور في خلده..تشجعه وتساعده ليأخذ خطوته المتهورة..أشار بأصابعه وملامحه ترسم الجديه:"لا أريد أذيتك"

"ان كنت لا تنوى...فلن تفعلها"نطقتها بعاطفة شجاعة...

ابتلع ريقة وهو يقترب منها خطوة ويشير:"لن أفعل..ولكن عقلي هنا هو من يريد الاقتراب منكِ"

لم تدرك ان دمع عينيها يسيل وهي تقول باختناق:"سأكتفي به حتى إشعار آخر"

"ما الذي تفعله بنفسها؟هل تتعشم أم انه مجرد محاولة نسيان لطليقته"همست بداخلها وعينيها مازالت معلقه في عينيه

رفع كفيه يشير إليها:"إذن أريد أن أقابل أخيكِ ولكن قبلاً أريد شرح ظروفي كاملة"

عضت علي شفتها السفلية بقوة حزناً وغضباً من أجله ثم قالت بقوة ويقين يغذيه الايمان:"وما بها ظروفك...ومن يماثلك.من شباب اليوم يا بشمهندس؟!"

ضحك بسخرية قبل أن يشير:"الإعتراف بالعلل ليس عيباً..ولكن الخطيئة الحقيقية هى المكابرة!"

"من فضلك إفعلي ما أقوله وسأنتظر الرد"

"ما تقدم عليه جنون مخاطرة غير محسوبة العواقب ولو كان لها ضحايا لن يكون الا هي...ولكنها تحب...وتحت رايات العشق تنكس كل أسلحة العقل منسحبه متدحدره ومنهزمة"

**************************



كانت عينيه مظلمتين حارقتين وهو يراقب هاتفه بمشاعر مغلقة تماما...إلا من اللوعة...إن ديالا أصبحت مصدر قوته...عونه وسنده ففي شهور قليلة فقط أثبتت بكل الطرق انها كل غنائمه!!ولكن المشكلة الأعظم انها كانت ومازالت نقطة ضعفه وهو لا يستطيع التعايش مع نقاط الضعف!خاصةً أنه جربها من قبل على يد أبوها...

مد أصابعه يلمس الشاشة يقرب الصورة بشكل أكبر..فتطعنه ضحكتها الرائقه والتي لم تكن موجهه اليه بل لذلك الحقير الذي يدعي شهاب...لقد أصبح يزور المطعم بشكل منتظم ؟! حريص ان يكون في وقت تواجد زوجته هو!!

أحس بنغز الألم توجع قلبه وكأنه معرض لنوبة قلبية!! تبدلت ملامحه وشاشة الهاتف تطفئ ليصدمه شيء كان يتناساه مع مراعية امرأته..مع حرص حبييته الصغيرة ان لا تشعره به...ابتلع أركان ريقه وهو يواجه ملامح وجهه...فيعتصر قلبه كم من النغز المهول وهو يرى اثر الحروق التي أخذت جزء لا يستهان به من الجانب الأيسر لوجهه فطالت فكه حتى أسفل عينيه بقليل..مغيرة بعض من ملامحه..او ربما يخيل له كما تصر الحورية...

"هل يمكنه الأمل أن ما يفعله قد يبدد بعض من الذكريات السيئة خالقاً له مكانة جديدة في قلبها؟!شعر أركان بقرب بداية النهاية..شعور داخلي يراوده أن مختار الزينى لن يترك له الفتاتين والمال جاعله ينتصر خاصة بعد أن قبل رانيا معهم بل وشجعها؟فهو نفسه لا يصدق انه فعل..فمازال يكرهها..مازال بداخله كرامته تثور عليها ولكن ما جعله يتعاطف مع حالتها شيء واحد فقط بجانب دعم ديالا القوي لها..انه يدرك بالفعل ان تلك الرانيا مجرد تابع متخبط ومهتز...اذن لا ضرر ان يمنحها فرصة..خاصةً بعد ان كشفت تلاعب الحشرة دلال لعام ونصف بتزوير الحسابات وسرقته!!

"مبالغ صغيرة على دفعات حتى لا يلاحظ ولكنها في المجمل مبلغ لا يستهان به! خرابة بيوت وزوجة ثانية من الطراز الأول..أفعي متلونة كما جرت العادة...ومازال بعض الرجال الحمق مثله لا يصدقون أنهم أفاعي متلونات مهما إدعت الحب!عاد بعد برهه يلمس الشاشة بأنامله متتبعاً زوجته التي تشرف على العمل بإهتمام لم يكن حتى فيه قبل ان يفكر فيما هو مقدم عليه الليلة كان الطبيب يدخل أخيراً راحمه من نيران الانتظار...

******************************

كان يشعر ان العالم يدور من حوله يفقد كل خيوط اللعبة...وجهه يكلل بملامح إجرامية مرعبة..ابنتيه!! لقد نجح ذلك الغبي وتفوق عليه...فضم إبنتيه اليه لكسب انتمائهم.. بينما هو هنا في بلاد الغربة لاهي في محاولة للملمت الخسائر الفادحة التي عرضها له أركان..فكل شيء ينهار من حوله!!لقد ترك الاسكندرية وتوجه الى الكويت تاركاً زوجته وبناته هناك مطمئن البال فلن تجرؤ واحدة منهن على مخالفة أوامره حتى تلك العنيدة ديالا كان يعلم يقيناً أنه بعد مافعله أركان بها وزواجه عليها لن تتنازل أبداً وتغفر له…فكيف إذا تنازلت الصغيرة عن كرامتها للمرة التي لا يعرف عددها؟!

"لقد أحبته يا مختار لطالما كانت تحبه وسلطان القلوب ليس عليه حارس..وأنت ظلمت كليهما..دمرت ابنتك..وأكملت على البقية الباقية لمكانتك في قلبها هذا ان كانت تملك نحوك أي مشاعر؟!"حديث نوال اشتعل في عقله بلمح البصر..اختفى كل شيء من حوله وغطت الظلمة نظراته بينما يضغط على هاتفه..لم يمر الكثير من الوقت ليأتيه صوت كبيرته ومدللته مجيبة بإهتزاز أشعره بالنشوة بالاطمئنان مهمها فعل ستظل مكانته في قلب رانيا كما هي لا يهددها شيء..

"هل تعملين نادلة عند خادمنا؟!" سؤاله الهادئ المحتقر سبب لها صدمة إستنكار وغضب فقالت بقوة:"لم يكن خادم لأحد يوما لقد كان شريك بالتساوي بابا"

"كان ينفذ أوامري وتحت رهن إشارتي"نطقها مختار ببرود جعل رانيا تشتعل و تثور على نفسها متذكرة نبرة التحقير في صوته التي كان يخص بها أيان...وهذا التفكير كان كافي أن يجعل إنتفاضة قوية تدفعها لتقول بتصلب:"كان يخدم ماله فقط...هل هناك من خدمة بابا...لدي الكثير من العمل"

أتاها الصمت لدقائق..صمت تعرفه جيداً كان يفعل ذلك في الماضى معرضها لضغط نفسي وهي تموت رعباً من الترقب..إن أبيها يعرف تماما كيف يتحكم فيها ويتلاعب بها...نطق أخيراً بصوت ناعم مرعب مهدد:"ستتركين هذا العمل حالاً وتتوجهي لعديمة التربية الأخرى ديالا وتسحبيها من يدها ثم تعودا الى المنزل وتنتظراني فلدينا حساب عسير سيطول"

"أنتِ لم تفعلي شيء مخجل او خطأ...أنتِ عشتي تنفذين الأوامر طوال عمرك ولم تنالي شيء...بينما شهر في هذا المكان أشعرك أنكِ علي قيد الحياة...لا تخافي رانيا..أرجوك..أرجوك"لم تكن تدري أنها تعصر الهاتف بينما أناملها خائفة مهتزة وضائعة..للحظات كادت أن تجبن وتهرب تتبع كلامه...هو يفعل دائما ما في صالحها هي لا تريد خسارته..هو ابيها!"لا و لا بابا..أنا أعمل ولا أنوي أبداً ان أخون مرة أخرى من إئتمنني رغم ما فعلته به ؟!"

******************

دخلت ديالا الى حجرة مكتب المدير والتي تحتلها هي ورانيا لإدارة المكان منذ ما يزيد عن الشهر ونصف...بعد أن كان قرار أركان المباشر...حتى يستطيع أن ينقذ ما يمكن إنقاذه ولم يجد أفضل منها للحفاظ على ماله!! لقد أغلق مكتبه الصغير وباع محتوياته سيكتفون حالياً بتطوير المكان والذي أصبح بأفضل حال ببعض الأفكار التي اقترحتها رانيا وساهم شهاب في مساعدتهم لتنفيذها!!مازالت لم تفهم سبب حشره لنفسه بينهم ولكن على كل حال الرجل لطيف ولم يؤذي أحد!! ولكن مازال أركان يمقته يرفض وجوده ولكن هي لن تستطيع أن تخبره ببساطة أنت مطرود!! عندما تقدمت للداخل متوجهة الى حقائبها حتى تذهب لزوجها...سمعت صوت نهنه خافته ميزتها على الفور...توجهت سريعاً نحو الحمام الداخلي مقتحمة إياه كانت رانيا ممسكه بهاتفها باكية بعنف..

"ماذا حدث"سؤال ديالا القلق جعلها تستدير سريعاً تكفكف دمعها محاولة ان تسيطر على إنفعالها ولكنها فشلت فشل ذريع وهي تجهش بالبكاء المرير...تبكي ألماً خوفاً وربما ضعفاً..كيف تستطيع ان تنتصر لنفسها يوماً وأن تكف عن التأثر بكلماته؟ كيف لها ان تبني شخصية إنسانية وهي محطمة من الاساس؟!عندما رفعت عينيها لديالا متذكرة سعادة أختها الوليدة بحياتها التي إقتربت من الاستقرار..قررت انها ستفعل المستحيل حتى لا تُعرض ديالا لدمار مختار الزيني وعدم التلاعب بها...كذبت وهي تقول بإختناق:"لقد أصبحت مطلقته رسمياً ما عاد هناك أي أمل للعودة"

نظرت لها ديالا بوجوم...ثم قالت:"لقد مر أسبوع رانيا على انتهاء عدتك وبكينا أنا وأنتِ حتى إنتفخ جفنينا…ألم نتفق ان الأمر انتهى..وبأنكِ سَتُثبتي لنفسك أولاً أنكِ تستحقين فرصة ثانياً ان تغيري من نفسك وبعدها لا تجعليه ينتصر لقراره بالابتعاد عنكِ دون حرب؟!"

كفكفت دمعها بكفها بعنف قبل أن تقول بصوت لم تستطع السيطرة علي اهتزازه:"نعم لديك حق..لقد استغرقت الكثير من الوقت بكاءاً على الاطلال وهذا يكفي...لن أدع أحد يتلاعب بي أو يؤثر علي مرة أخرى"

أطلقت ديالا زفرة إرتياح..قبل أن تميل برأسها قليلاً وهي تقول مازحة:"هل تريديني أن أحتضنك وأربت عليكِ؟!"

"ستكون فكرة جيدة...ربما سأفكر في تخفيف عقوبتك للتأخير عليّ"

إلتفت ديالا بقوة فتطاير شعرها العسلي الناعم حولها خالق هالة تشابهت مع إشعال النار التي أحرقته.."أركان"

لم تدرك انها تقريباً صرخت بها وقلبه بدأ فجأة بالطرق بقوة داخل صدرها...فور أن وقعت عينيها عليه لم تصدق أنه هو حقاً يقف في منتصف الغرفة مواجههاً كجدار صلب كما إعتادته حتى وهو يلقي حمله على ذلك العكاز!

انتفضت على الفور وكأنها لا تصدق رؤياه وبجنون متهور يتناسب مع سنين عمرها الواحد والعشرون كانت تهرول مندفعه اليه ملتفه كلها به..تلقفها على الفور.. فإختل توازنه قليلاً مجبراً أن يتراجع الى الوراء حتى هبط على أحد المقاعد الجلدية..لم تدرك انها كانت تضحك وتبكى في آنٍ واحد..بينما شفتيها تقبل كل إنش من وجهه بلهفة متمتمة من بين قبلاتها:"انت هنا..أخيراً أنت خارج أسوار ذلك المشفى...رباه لا أصدق"

كان قد أفلت عكازه وذراعه تلتف حول خَصرها بينما ساقيها إلتفت حول خَصره..يده الأخرى دفنت بين خصلات شعرها المتطاير...ثم قال:"انتِ كل يوم معى...يا مجنونه ماذا أصابك؟!"

سكنت فجأة بينما رأسها ينخفض تسند جبهتها على صدره..بينما جسدها كله يرتجف..دافعة إليه شعور إرتجاف مماثل .وهو يلمس إختناق صوتها بالبكاء:"ألم أخبرك أني كٌنت أكره تواجدك هناك!! كان يقتلني ..يشعرني بالخوف والعجز.. وكوني أراك مرة أخرى خارج أسوارها يعني الكثير"

أمرها بلطف:"إرفعي عيناكِ أريد أن أسرق تلك النظرة فيهما لأخبئها داخل قلبي جامعها مع غيرها"

ببطء كانت تنفذ كلامه...رافعه عقيق عينيها ليحتضن النار السوداء في عينيه"

"حمد الله على سلامتك"همستها أخيراً بنوع من الاتزان الذي سرعان ما تبدد عندما إلتفت يده حول عنقها..وشفتيه تميل لتلتحم مع شفتيها وقبل أن يلمسها..كانت رانيا مجبرة ان تشهق بإرتياع وهي تقول:"حسنا وقت مستقطع مازلت هنا"

إلتفت اليها الإثنان مجفلين وكأنهما نسيا وجودها من الأساس..لم ينطق أحدهم..فأشارت رانيا بعجز وهي تعتذر بخجل:"أسفة..سأغادر الآن وحمد الله على سلامتك"

شعرت ديالا بنار الخجل تغزوها بينما تتململ على ركبتيه تريد الإستقامة فتشبث بها بتعنت يعيدها اليه...ثم قال بهدوء مجبراً نفسه ومجاهدها:"شكراً رانيا...ولا داعي للإعتذار أنا من فجائتكم"

لم تكن رانيا جاهزة بعد أن ترفع عينيها في عينيه ان تواجهه رغم محادثته معها في الهاتف لتشرح له ما وجدته في حساباته أو مرات قليلة حول العمل وما يدور هنا ..عندما لم ترد إلتفت لديالا ينظر اليها بشوق بلغ مداه..ثم قال:

"أريدها معي اليوم وغداً وربما لشهر..فهل أنتِ في حاجة لها؟!"

تلونت وجنتا ديالا بالأحمر القاني بينما صوته الأجش بطلبه هذا يجعل كل مشاعر العاطفة تغزوها..ردت رانيا على الفور:"لا أبداً..أنت تحتاجها وأنا الآن أصبحت أجيد إدارة المكان وان إحتجت لأمر سأبلغك"

قبل ان تخرج من الغرفة..أخرجت مفاتيح سيارتها ناولتها لديالا وقالت بهدوء:"لا تلزمني اليوم..خذيها..حتى تصلا الى منزلكما ولا داعي لإستخدام سيارة أجره"

لم تتوقع ان يرد أركان بحدة:"شكراً لكِ أعيدى مفاتيحك لا أنا ولا زوجتي سنستخدم شي من مال مختار الزيني"

ابتسامتها المرتعشة لم تمحى وهي تقول بألم:"إطمئن..السيارة بمال أيان لقد رفض ان يستعيد شيء مما منحني إياه"

*******************************

لم تدرك صفاء أنها كانت تبكي وتضحك في آنٍ واحد بينما تحتضن ولدها بحرقة داخل صدرها...فإبتسم بلطف وهو يقبل يديها وأخبرها مازحاً:"يبدو انكِ وكنتكِ قد فقدتما الأمل بي...للخروج من هناك"

قالت صفاء بصوت باكي:"أبعد الله عنك كل شر يا حبيبي...ولكنك أطلت الغيبة هناك..لقد كان الطريق من البيت الى المشفى كأشواك أمشي عليها رغم علمي أنك بخير"

ابتعدت عنه مرة أخرى مقبلة جبينه ثم قالت:"لماذا لم تخبر أحد..والطبيب بالأمس لم يخبر زوجتك شيء"

رؤيتها هنا أمامه في منزله مرة أخرى...بعد خروجها من هذا المنزل مطالبة بالطلاق وهجرها إياه بفقدها الايمان فيه بث اليه ضجيجاً من العاطفة..إنها هرعت اليه رغم كل شيء..عادت معه دون نقاش...دخلت الى باب منزله يده بيدها تجاوره تتشبث فيه تسنده!!إرتسمت ابتسامة خافتة علي شفتيه وهو يقول بخشونة:"ومن أخبرك ان كنتك لا تعرف..ربما هي لم تريد إخبارك مخبئة الحقيقة عنكِ"

رفعت ديالا حاجبيها بإستنكار ؛ مدت وجهها للأمام وهي تقول من بين أسنانها المطبقة:"هل عدت لمحاولة إحداث وقيعة بيننا؟!!"

قال بصوت أجش:"بل لمحاولة كسب كل إنتمائك وصداقتك لي أنا"

حدقت به متسعة العينين مرتبكة كانت تحاول أن تعبث بأي شيء حولها..ما الذي يجري معه؟هل أثر الحادث على عقله ماحياً ذاكرته ام ربما تلبسه جن من النوع العاشق:"هذا يبدو منطقي فكثيرا ما سمعت عن الجن الذي يملأ الطريق الصحراوي لكن أركان عاشق متيم هذا الجنون بحد عينه!!"

تنحنحت صفاء ترحمها من الحرج وهي تقول مغيرة الحديث:"لماذا لم تخبر إحدانا يا بُني"

لم تغادر عيناه مراقبة كيان من أمامه وقال بنبرة غامضة:"أردت مفجائتكم أمي...ذلك اللقاء بكِ وبها خارج أسوار المشفى عنى لي الكثير؛ كنت أحتاج أن أرى ردة فعل مختلفة!"

لم يدرك انه كان يكمل حديث العقل محلل نفسه وحقيقة فعلته:"وكأني لم أمر بذلك الحادث قط…بل خرجت من باب هذا المنزل غاضباً..ثم عدت خلال دقائق..معتذراً ومطبب على جرحها مني..ثم أحقق كل خيالاتي الأكثر جموحاً معها..لنبدأ حياة سليمة بعيداً عن كبريائي ورجولتي الجريحة وبعيد عن ذكرى آل الزيني"

ليته يستطيع الآن كشف كل الحقائق معها..محتوي غضبها الذي يعرف يقيناً بأنه سينفجر به في أي لحظة...مهلاً أركان ليس قبل ان تتمم زواجك منها..حتى ينتمي اليك آخر جزء فيها !!

هرولت صفاء بأمومة معتادة نحو المطبخ تخبرهما:"لا يهم طالما أنك هنا بيننا..ساعة واحدة وسيكون كل الطعام الذي تحبه جاهز"

تدخلت ديالا وهي تتبعها وقالت:"سأساعدك!"

خطى بسرعة وهو يعرج بوضوح متخلياً عن عكازه ومد يده وسحبها من ذراعها عبر مسافة ليست بقليلة..ضمت نفسها اليه سريعاً تمسك بكفيها الناعمتين المدببتين أسفل كتفه وهي تقول مجفله:"ماذا تفعل؟!"

قال بصوت مكتوم لم تعرف سبب تغيره:"أحتاج للحديث معك.."

ضيقت ما بين عينيها..ثم قالت بهدوء:"لا تحتاج إلا النداءعلي لأتي بنفسي اليك"

يده تقبضت حول ذراعها بنوع من العنف الذي يخرج منه لا إرادياً ثم قال بنفاذ صبر:"ديالا أنا لست طبق من الخزف سيتهشم لا يعجبني مبالغتك للأمر...لقد أخذت وقت أكثر من المعتاد في هذا المشفي وأنا أمامك سليم أم لديك رأي آخر؟!"

سكنت عن الحركة وهي ترفع عينيها تواجه عينيه تنظر اليها بشحوب لم تدرك ان صوتها تسلل له نوع من الإرتجاف وهي تقول:"ما الذي حدث...انا لم أعني هذا ولكن الطبيب قال إنك يجب أن تحذر من الحركة حتى لا تؤذي فقرات ظهرك"

هز رأسه وهو يقول:"لا يهم..أعرف ما قاله جيدا..ولكن أريدك أنتِ أن تتوقفي عن النظر اليّ بهذا الشكل"

رفع رأسه نحو والدته التي تدخلت لتخبر كلاهما وكأنها تريد ان تنهي شيء سيء تستشعر أنه أتي:"ديالا حبييتي لقد كان اليوم طويل على كليكما ما رأيك أن تساعديه ليرتاح في غرفته...وأنا سأحضر العشاء وحدي"

لم تكن تخلت عن مساندته ولا هو أراد إفلاتها..عندما قالت بإبتسامة باهتة:"لا أعتقد أنه يحتاج لأحد...ألا تري مطلبه بالتوقف عن منحه دعمي!!"

هتف بخشونة وهو يدير رأسها اليه:"أنا لم أقل هذا..."

ضغطت صفاء يديها على صدرها بيأس...وهي تهمس:" ترفق بها..من يوم يومك يا ولدي لا تكمل طريق جيد للآخر يجب أن تخرب كل شيء بسوء طباعك"

حاولت أن تتملص من إمساكه بها تتخلى عن إسانده وهي تقول بنبرة تبدلت لنقيض ما كانت تستشعره كل الأيام الماضية:"أنا تأخرت يجب ان أعود الى المنزل..."

يديه الإثنين تشبثتا بها وهو يهتف بصوت أجش:"أي منزل وعودة تلك!!ألم نتفق أنكِ ستبقين معي !"

كانت عيناها ترفض لقاء عينيه وهي تقول:"لم نتفق علي شيء انت من قررت من تلقاء نفسك...سأعود لمنزلي كما أنك بخير الآن وما عُدتَ بحاجتي"

استشعرت توتره ورجفة جسده الضخم تحت يديها التي إستندت على صدره بتلقائية..وتبدل صوته الذي قال بإضطراب:"هنا منزلك...وهذا تحديداً ما يجب ان نتحدث عنه"

لم تقل شيء...ولم تحاول أن تفعل ما إنتوته من دقائق..فعاد ليهدئ نفسه وبثبات إنفعالي منحه لعقله كان إيمانه يزيد بأن ما يفعله من أجل مصلحة كليهما...لقد كان الأمر أشبه بوعد قطعه لعقله وقلبه ربما تهدأ روحه...

"أريد مفتاح شقتنا أمي"

***************************



كانت سارة تنظر لوالدتها بعدم ثقة تملكتها لثوان معدودة...ثم همست بصوت خافت:"أيان ليس لديه ما يعيبه...مهندس ناجح وإبن عائلة محترمة لها وزنها فلما التردد او الرفض يا أمي"

نظرت لها حنان شذراً وعادت تقول بإصرار:"لا تجبريني أن أخبرك ما أرفض التفوه به ..تعلمين عيبه جيداً!"

اعتدلت سارة من جلستها...ثم قالت بإنتفاضة مدافعة:"ان كنتِ تعنين فقدانه حاسة السمع والكلام...هذا لا يهمني أبداً ولا يُشكل عائق أمامي...أيان بالنسبة لي رجل استثنائي...لم أجد أحداً في أخلاقه أوإخلاصه يوماً...أنا أحبه أمي لا تقفي في وجه فرصتي الوحيدة معه"

خبطت حنان بقوة على ركبتيها وهي تهتف بما يشبه التوحش:"وأنا تغاضيت عن كونه معاق...عن نقصه "

قاطعتها سارة بقوة مدافعة بشراسة:"أيان ليس بناقص...لن أسامحك أبداً يا أمي ان نعتيه بهذا"

صرخت حنان بها:"كل من سيعرفه سيلقبه بهذا ..تلك هي الحقيقة لا تضعي رأسك في الرمل..."

إمتقع وجه سارة...متراجعة عن دفاعها ثم قالت بجمود:"هو تعود على تهكم البشر وأنا تعودت على سماع السخرية منه...ولكني أعلم يقيناً انه أفضل من شباب كثيرة معافاة الجسد كاملة الخلقة وناقصة الأخلاق والعقل...هناك شباب في مثل سنه فاشلين يا أمى مازالوا يعتمدون على فرص وهمية ستأتيهم وهم في غرف نومهم او في حجور أمهاتهم"

تراجعت عصبية حنان قليلاً..وهي تقول:" أنا لستُ في عقد مقارنات هنا..ان كان هو نجح..فهناك الكثير مثله ولكنه طبيعي ويناسبك"

قالت سارة بتعب:"يكفي أمي أرجوكِ...كثيرون ماذا؟!هل تعلمي كم عمري يا امي...هل تدركي انه لم يأتيني أحد من الأساس يناسب مؤهلي او يناسب شخصيتي...أفيقي أمي قليلاً القطار يفوتني بالفعل..وتأتيني فرصة ذهبية ومع من؟! الرجل الذي أحببته وتمنيته..وتريدين مني تركها"

نظرت لها حنان طويلاً طويلاً...جداً دون أن ترد..تراقب ابنتها بوجوم قبل أن تقول بهدوء ما يسبق العاصفة:"عمرك يا بش مهندسة!!هل تبحثي عن حُجة لتقنعي نفسك بما تقوليه..العمر ليس حُجة انتِ مازلتي صغيرة يا سارة إنظري حولك وستعلمي ان العمر أصبح شيء نسبي للقاء نصيبك!"

همست سارة بشحوب:"الناس لا ترحم..ورغم ما تقوليه فقريبا سألقب بالعانس"

جارتها حنان وهي تقول بنبرة أشد وطئة:"ملعون المجتمع والبشر الأحمق الذي يجعلك تلقين بنفسك في تجربة ستخرجين منها خاسرة الروح ؟!"

أحست سارة بقبضة ألم تعتصر قلبها ولكنها قالت بعناد:"غريب الآن أصبح مجتمع أحمق..ومنذ قليل كنتِ ترفضين أيان لنفس السبب"

اقتربت منها حنان أخيراً لتجلدها وتعذبها دون رحمه علّها تفيق مما تلقي بنفسها فيه:"حسنا يا إبنة بطني لم أريد جرحك ولكن انتِ الجانية على نفسك...هل تدركي أي وضاعة تنطقين بها؟!"

شحب وجه سارة حتى ماثل الأموات وهي تقول:"عن أي شيء تتحدثين؟! الرجل طلبني للزواج لا مصاحبته"

زادت عينا حنان خطراً وهي تقول بانفعال:"رجل أحببتيه وهو متزوج من أخرى...همتي به عشقاً وبكيتيه ليالي وهو في أحضان زوجته تمنحي قلبك حقد وغيرة ليس من حقك"

لهثت أنفاس سارة داخل صدرها لإتهام لم تكن مستعدة أبداً لمواجهته.. نطقت بتحشرج وكأنها تستجدي الرحمة:"أمي..أرجوكِ أنا لست شريرة الحكاية هنا انا لم أقترب منه حتى إنفصلا ولم أوافق على مطلبه إلا عندما أكد لي أن قصتهم إنتهت وأنه من المستحيلات أن يعود اليها بعد ما فعلته به..هي من فرطت به ما ذنبي أنا"

هزتها حنان بغضب بلغ مداه لم ترق لحالها ولم تتعاطف معها ولم توافق ان ترمي صغيرتها بنفسها في الوهم..تلاحق حلم سيتحول لكابوس مرعب مدمرها:"هذا لأنك غبية..هل تنتظري من رجل مجروح ينوي الزواج من أخرى أن يخبرها أن زوجته ملاك..او أنه ينوى العودة اليها..او ربما العيب منه؟!من الطبيعي أن يُخبرك بكل هذا يا غبية"

هتفت سارة متأوهة بصوت معذب تصر على إيمانها فيما يؤكده القلب المغرر:"انا أحبه أمي أرجوكِ توقفي..أنا أصر عليه وقد وافق أبي وأخي بالفعل..ولن أغير قراري"

برقت عينا حنان بغضب تقودها الغيرة العمياء على كيان إبنتها ثم قالت أخيراً بنبرة شابهت سياط من النار تجلدها:"إذن لا تتوقعي مني أن أفرح لكِ...إذ أني لم أستوعب ما الذي يجبرك على أخد رجل امرأة أخرى...لن ينساها ما حيا"

صمتت لبرهة قبل أن تنفضها بعيد عنها غير مبالية بملامحها التي طعنتها للصميم ثم تمتمت بجفاء:"كما يقولون من يحمل قِربة مثقوبه..ستنقط فوق رأسه وأنتِ قربتك تحوي نار من سَقَر لن يتلظى بها غيرك"

************************

قالت ديالا بصوت مرتجف لتقطع جدار الصمت الذي لفهم منذ أن دلفت معه الى داخل ذلك المكان:"أنا لا أفهم لماذا أتينا الى هنا.. وتركنا شقة خالتي"

كان يسيطر على إنفعاله بقبضة من نار..مجبراً نفسه أن لا ينظر اليها بينما يرتعد جسده بالرغبة الصافية التي تفجرت بكل إنش منه دون قدرة له لجعلها تتوقف...ثم ما لبث أن قال أخيراً:"نحن مازلنا عملياً لم نبتعد عنها..لقد انتقلنا للطابق الذي يعلوها فقط…أما عن سؤالك لقد تأخرنا كثيراً في الأساس.. لنستقل بحياتنا"

حدقت به بعينين غشيهما التشوش وهي تقول بنبرة احتلها الألم:"متى إشتريتها ومتى أسستها!"

لم يستطع ان يقاوم نفسه فإقترب منها يقف على بُعد إنش واحد منها مانع نفسه أن يلمسها..هز رأسه وهو يقول:" كان شرائها منذ عام مضى...لم أؤسس شيء إلا غرفة نوم بسيطة...تصلح للإستخدام...أما البقية ستختارينه أنتِ بنفسك"

إزدردت ريقها وهي تقول بإضطراب:"وماذا عن المكان الآخر؟!"

سمح لكفيه ان يمسكا كتفيها أخيراً وقال بحرقة:"المكان الآخر لم يكن من أجلك في الأساس يا ديالا ولم يكن حتى إختياري ..مَن أسسه أبوكِ ورانيا..لم أريده ولم أحبه كُنت أشعر أنه مقبرتي التي ستحوي جثتي الهامدة كلما دخلته!!"

أغمضت عينيها وهي تقول:"على كل حال جيد أنك تخلصت منه لأنني...صعب ان انسى ما حدث لي فيه ليلة زفافنا"

يده إرتفعت يمسك بذقنها ليرغمها على النظر إليه وعينيه يفيض منهما الشوق صافياً..قوياً فيدفع اليها الشعور بالحب الجارف الذي يسحرها ويسقيه لها قطرة قطرة كخمر معتق يسكرها حتى الثمالة:"لا أريد التحدث في الماضي"

وضعت كفها الناعم حول يده وهي تقول:"لديك حق؛لقد تحدثنا عنه بما يكفي"

أسبل جفنيه بينما رأسه ينخفض ببطء واضع جبينه على جبينها وهو يقول بخفوت:"لا أريدك ان تفارقيني مرة أخرى...أريد الليلة أن تكون بدايتنا الجديدة كلانا يوثقها في عقله وكأنها عقد جديد يمنحنا الحياة"

فغرت شفاهها قليلاً وهي تقول بأنفاس متسارعة:"أنت تغزو دون رحمة..وأنا أردت أن أتحدث معك..أركان أنا أخافك"

أزاحها برفق نحو الجدار البارد ساند ظهرها عليه ثم سند ذراعه على الجدار من خلفها بينما كفه مازالت تمسك بذقنها وجسده يلتحم معها محتوياً كل ما فيه..علت أنفاسه قليلاً تأثراَ بإرتعاش جسدها الممتلئ المغوي تحت خشونة جسده فقال لاهثاً:"حُجة خوفك لم تقنعني يوماً يا ديالا أنتِ أقوى من أن تهابي شيء..أقوى من ان يكسر إيمانك بعِشقي"

الثقة التي يتحدث بها جعلت وجهها يشحب وهي تهمس قائلة:"هذا صحيح..وتلك خطيئتي التي أخشى الندم منها...فأنت متقلب يا أركان.. قيد قلبك منطقة مرعبة بالنسبة لي..ساحة حرب شرسة من القرون الوسطى وأنا..أنا مجرد فتاة تسللت الى تلك الأرض لا تحمل بين يديها لمجابهتك إلا قلب بكر لم يعرف من الكون سواك"

"أنتِ تخافي أن أغدر بك مرة أخرى..وأنا لا أستطيع لومك لهذا!"

لم تدرك أنها تغمض عينيها بقوة تعض على شفتيها وكأنها تريد منع نفسها من إجابته ولكنها قالت أخيراً بصعوبة:"نعم..خيبات الأمل المتكررة معك..لا تمنحني القوة لأبدد كل مخاوفي"!

أبعد رأسه عنها ثم قال بتفهم:"ولكنك تعلمي أني صادق عندما قُلت أني أحبك يا ديالا...أريدك بجانبي..بأني نادم على ما فعلته بحقك"

فلتت منها ضحكة قهر في محاولة فاشلة أن تداري دمع عينيها الذي هبط رغماً عنها:"أرجوك يا أركان...توقف عن النطق بحبي ببساطة هكذا"

أنامله الخشنة تسللت ببطء نحو وجنتها متابعة طريقها بنعومة يمررها على جانب عنقها حتى إلتفت كاملة خلف رأسها فقربها منه وهو يهمس أمام شفتيها بعينين غشتهم رغبة سوداء حارقة قائلا ببطء:"ولكني أحبك يا صغيرة ولن أستطيع ان أتوقف عن قولها بعد أن تغلبت على كبريائي المجروح"

"صغيرة؟!"

همست بصعوبة مرددة إسمه وكأنه الشيء المنطقي الوحيد الذي تستطيع إجابته به

لم يرد ولصدمتها في نفسها بأنها لم تريد أن تسمع منه تفسير أو إجابة..او حتى مزيد من الدفاع عندما إنحنى مزمجراً بضراوة يقبلها!

إلتفت يديها حول عنقه تبادله قبلته بألم وشوق غلبته رجفة كليهما.. بقوة عهد غير منطوق و بكل جموح موعد غرامي كان بينهما...عندما ارتفعت يديه تزيح معطفها الخفيف الذي ترتديه فوق فستانها كاشفاً ذراعيها الناعمتين..مرر أنامله فوقهم يغزهما بخشونته وشوقة وبيأسه..لم يتوقف إلا وكفه يحتضن كفها وأنامله تتشابك مع أناملها...إنفصل عنها تارك لكليهما المجال لإلتقاط أنفاسه..شفتيه تنخفض ليدفنها في الشق الطويل أعلى صدرها ولحيته الخفيفة تخدش بشرتها فتدفع لجسدها مزيد من الرجفة المبهمة من التغيب عن أي تردد مبددة خوفها وقرارها في عدم تسليم نفسها كاملة اليه ! أنفاسة العنيفة...والإحساس بالطاقة الرجولية الهائلة التي كانت تفوح من جسده جعلتها تعود لوعيها للحظة واحدة فقط عندما قالت هامسة:"ترفق بنفسك أركان حالتك!"

استطاع أن يفصل نفسه عنها وينظر اليها بعينين غيمتهم المشاعر الصاخبة وخفقات قلبه التي ماثلت الطرق العنيف لقلبها وقال بكل ما يملكه من شغف:"إن لم أفعل هذا الليلة سأموت كمداً بأشواقي يا ديالا"

إرتجفت شفتاها..وجهها الجميل كان متورد..وجنتيها الناعمتين المكتنزتين كانت تنافس الورد الأحمر في لونه وملمسه..تباً...كيف يستطيع أن يمنع نفسه..في لحظة وهكذا تبددت كل خططه..ونسي كل أهدافه ولم تبقى إلا مشاعر غرام خالصة.. مشاعر رجل حار لم يريد إلا امرأته...

إمتدت يده مرة أخرى يحاوط خَصرها بكلا ذراعيه دافعها إليه ساحق صدرها على صدره...أنفاسه كانت عنيفة...نبرته ممتزجة بالرغبة الوحشية وهو يقول:"سأكون غبي وأستحق الموت رمياً بالرصاص إن تركتك...لذا لا أهتم أياً كانت النتائج"

"أركان"ندائها الخافت اليائس كان يبدو كأعجوبة تحرره من كل تردد.. تدفعه لعشق خالي من الخوف.. ديالا له..أياً ما كان ستكتشفه وستعرفه أبداً لن تكون نهايتهما تعقب بدايتهما لن يسمح لها..حتى وان دفع عمره مقابل الدفاع عنهما…

يداه التي تحاوط خصرها كانت تكمش قماش فستانها الناعم لملمة إياه في كفه مستغل جسدها الذي يرتعد تحت لهفة لمسات شفتيه المستكشفة لأنوثتها وبلحظة ودون مقدمات شعرت بذراعيها يُرفعان لأعلى وبملابسها تمرر عبر رأسها.. شهقت وشعور من الخجل ممتزج بخوف من الهجر و تركه لها يعود ليندفع الى أوردتها زاحفاً الى ملامحها...ما يعيشه الآن كان يحرره من أي عجز شعربه بعد الحادث حتى بعض الألم الخفيف الذي تحرك على طول عموده الفقري تبدد في لحظة تاركاً له حالة من الطاقة العنيفة المتوحشة...فلم يتردد أن يعود لإحتوائها يضمها اليه رافعاً جسدها قليلاً عن الأرض بين ذراعيه...همس برفق:"أنا أحتاجك ديالا...أكاد يقتلني الألم والشوق.. ان خوفك غير منطقي بينما أنتِ من تكسر كل شيء علي يديك..فمن أمامك هو حبيبك القديم"

هكذا وبسهولة كان يعيدها الى محيط دائرته تحاوط ذراعيها عنقه وتعود شفتيها الخجلتين تدفن بتردد بجانب عنقه... سلمت نفسها اليه كما كانت تفعل دائماً حتى إنها لم تدرك انه كان يتخبط بها بين الجدران تراه يقبلها ويعبث بأنوثتها محايل عذريتها مبدد خجلها..وماحي خوفها وتراه يسابق نفسه ليصل بها الى فراشه...هكذا وخلال بضع لحظات أخرى كانا يتشابكا على الفراش الناعم...مستسلمين لغيمة عشقهم الذي تحقق أخيراً قولاً وفعلاً !

***********

عندما فتحت ديالا عينيها كان ضوء النهار يتسلل عبر الستار الخفيفة الناعمة مداعبها مع نسمة هواء...تقتحم دفء الغرفة.. تشبثت بخصرها ذراعين رجوليتين جعلاها تجفل للحظة مدركة وضعها...رفعت رأسها قليلاً ونار الخجل تسري في أوردتها...متى نامت وكيف تسطحت فوق صدره...كانت تتمدد هناك رأسها تحت عنقه صدرها على صدره وباقي جسدها مستلقي بين ساقيه مغطيان ببطانية ثقيلة ولا يفصل بين جسديهما الملتحم فاصل...حاولت أن تزيح شعرها المتناثر في غيمة يغطيهم سوياً بإرتباك بينما ضجيج هاتفها يأتي من خارج الغرفة...مدركة انه هو من أيقظها..حاولت أن تلملم نفسها لتبتعد عنه..فشعرت بأنفاسه التي علت معبرة عن إستيقاظه لم يكن فتح عينيه عندما حرر خَصرها وحاوط بيده رأسها ليعيدها تطل على وجهه..تسللت شفتيه ليطبع قبلة على نحرها وهو يقول:"لم تكوني خيال جامح اذن؟!"

صوتها كان خفيض يفيض منه الخجل:"يبدو هذا للأسف!"

ضحك بصوت أجش فوق نحرها:"أسف لكِ...وانتصار لي!"

لم ترد فأبعدها وهو يفتح عينيه بكسل ينظر اليها بنظرة هربت من داخل قلبه يضمها اليه أكثر يعصرها بداخله وكأنه يخشى إن أفلتها أن يضيعها من بين يديه مرة أخرى..."هاتفي يرن !"

قال ببطء:"دعيه"

قالت بنبرة مختنقه يقتلها الخجل ..الارتباك والبراءة:"أريد أن أذهب لمنزلي"

عاد يهادنها وهو يقبل وجنتها بحنان :"انتِ في منزلك ديالا"

قالت معترضة متهربة:"ولكن لا أستطيع أن أعود اليك هكذا...يجب ان أوضح نفسي إليهم لقد تهربت من مواجهة بابا بالعودة اليك ولكن الآن...انا مستعدة تماما!"

شعرت بتصلب جسده تحتها ولثوانِ لفه الصمت..قبل ان يزيحها برفق لتتمدد بجانبه...كفه الكبيرة حاوطت وجنتها وقال بوضوح حذر:"سيذهب كلانا الى هناك لننهي تلك المهزلة..لن أسمح لك منذ اليوم أن تواجهي أي شيء وحدك"

هزت رأسها تحت كفه وقالت:"الأمر ليس حرب بيني وبينه هو أبي بالنهاية وأنا أعلم أخر تطرفه معي...لذا سأخوض الأمر وحدي"

بإصرار كان يقول:"لا ؛ لم يعد هناك مجال لوحدي تلك يا ديالا"

أخد نفس عميق ثم قال بهدوء:"ألم تخبريني أنه عاد للكويت"

إرتبكت ثم أجابته:"رانيا قالت ربما يصل الليلة ويريد ان يراني معها"

رفع حاجبيه وهو يمرر عينيه على ملامحها...عودها الممتلئ والذي سلبه لبه بالأمس القريب...فضخت الدماء الحارة في عروقه ويده تتسلل إليها دافعة شهقة عنيفة خرجت من شفتيها صدمة...ثم قال ببطء:"حُلت إذن..ربما جولة عشق أخرى...ليقتنع عقلي وقلبي المسكين إنك لم تكوني حلم...وبعدها نناقش أمر ذهابنا معاً"

رقته معها وتعامله العاطفي الذي يناقد خشونة طباعه جعلها تعود تستكين بين أحضانه مستسلمة...القلب والجسد

عندما تسللت ديالا من جواره كانت الرجفة تتسلل فوق جلدها وهي تشعر برائحته تغمرها...عبير عطره الممتزج بعبيره الرجولي منحها شيء خاص جداً غرس بداخلها...كانت مضطربة ومرتجفة..وهي تتوجه الى الحمام الخارجي لتغتسل سريعاً. في محاولة يائسة لمسح أثاره التي تغطي كل إنش منها...ما حدث بينهما كان شيء خاص ومقدس ..لن تسمح لمخلوق بمعرفته..شعرت بالضياع ؛ للحظات بخوف فطري من تجربة عاشتها بكل تفاصيلها زوجته بكل ما تحمله الكلمة من معنى !

إرتدت ملابسها على عجل وتوجهت الى السيارة المركونة أسفل منزله على الفور غير قادرة حتى على رؤية صفاء وكم تمنت لو تحدثت معها...إبتلعت ريقها وهي تحاول السيطرة على نفسها بالقول:"العودة لبيت مختار ستمنحك وقت كاف من الإلهاء لتعيدي ترتيب نفسك...تتعاملي مع ما يحدث بينكما...لتكتشفي زوجك الجديد !"

*****************

عندما فتحت باب منزلهم ببطء تتسلل الى المكان بحذر معتاد وكأنها تجبر نفسها على اقتحامه تعرف يقين أنه لم يكن مكاناً او منزلاً لها يوما...إنتفضت ديالا وهي تلتفت مجفلة لليد القاسية التي سحبتها بعنف لتصبح أمامه...عيناه حمراوان بلون الدم...وجه مسود غضباً وفمه يتصلب ناعتها:"كنت أعلم دائماً..انكِ لم تنالي التربية اللازمة...تعيشين على هواكِ..جالبة لي العار"

نظرت له ديالا بذهول غير مستوعبة:"أنا.."

تصلب وجه مختار ويده تتقبض حول ذراعها مسببة لها ألم علمت انه سيترك آثاره ولكنها رفضت أبداً أي لحظة ضعف أمامه..فعاد يجز على أسنانه:"قضيتي ليلتك عنده ؟!"

أحست بالرؤية أمامها تتلون بالأحمر القاني...بالغضب المستعر والذي هذبته لتنطق بقوة:"زوجي..كنت مع زوجي..ولأشهر ماضية كنتُ أؤدي دوري كزوجة..أسانده وأدعمه...فلا تصور الأمر أني كُنتُ أفعل خطيئة"

برقت عينا مختار بغضب هائج غير محسوب العواقب هذا الحثالة لن يربح كل شيء لن ينتصر عليه..ان كان خسر أبوته لديالا فلن يكسبها حقير كأركان....

"لقد تزوج عليك بأخرى وانتِ طلبتِ منه الطلاق...أم انكِ معدومة الكرامة ونسيتِ"

ابتلعت ديالا ريقها وهي تفلت ذراعها منه وتبتعد عنه خطوات ثم قالت بتصلب:"لم يتزوجها عليَّ...بل فعلها ليهرب من طوقك انت متخيلا أنه يعيد كرامته وكبريائه الذي حطّمته أنت...لذا ان كان جرحني هو مرة فأنت قتلتني بأفعالك آلالف المرات"

هدر فيها مختار بغضب:"بأي منطق تتحدثين انتِ؟!ذلك الحقير لا يستحقك إن أرادك وأحبك...لم يكن ليجرؤ بربط نفسه بحقيرة"

مستمرة في عدم كسر نفسها أمامه بإصرار وأن لا ينال منها قالت:"ان كانت تلك حُجتك بابا فهو إعتذر مني وطلقها وأنا منحته غفراني"

لفهم الصمت القاتل لدقائق عينا مختار بلون الجمر الملتهب وصدره يهبط بإنفعال كمن يوشك على سكته قلبية ..

لم تدرك ديالا إلا بيد رانيا التي إلتفت حول ساعديها مساندة وهي تهمس:"أردتُ إخبارك ألا تعودي"

همست ديالا بخفوت :"كان يجب ان ننهي الأمر!"

استدارت متوجه نحو غرفتها..تتبعها رانيا التي تصر على عدم تركها! بينما راقبت أمها بعين الخيال تتمسك بكتف والدها محاولة منعه بإصرار ان يتقدم نحوها..

"ديالا"الصوت القاسي ثبتها مكانها هادر فيها بنبرة وضع كل جحيم العالم فيها:

"ألم تتساءلي يوما...عن سبب تقدم زوجك لأختك قبلك وتفضيلها عليك؟!"

"مختار".."بابا"صرخة رانيا وأمها المرتاعة..جعلتها تتنفس بعنف وبخوف ولكنها أصرت على القوة وهي تجابهه:"نصيب..ما حدث نصيب ما عُدتُ أريد أن أعلم عنه شيء"

كانت رانيا بجوارها تقريبا في لحظة وهي تقول:"كفاك تحطيم فينا والدي...أرجوك توقف"

كان وجهه يتقوس بقسوة وهو يقول وعينيه لا تتنازل عن النظر لعيني ديالا فرأى من خلف تلك القوة الذعر الخوف من الفقدان"لم يستحقها..المتمردة الغبية كثيرة عليه يجب أن تعرف"

"لا أصدق خوفك هذا..على طفلتك المنبوذة؟!"قالت ديالا ساخرة

اقترب منها مختار خطوة متحرر من يد زوجته غير مهتم بصراخها لتنهيه عن ما يفعل حتى إن تجرأت وهددته"بالطلاق منه ان فعل"

كأن العالم لا يحوي إلا هو وتلك العينين القويتين فيغريه شيطانه لكسر ذلك التحدي فيهما:"لقد أرادكِ انتِ من البداية"

تهكمت:"سر عظيم كم هو مدمر..لكني أعرفه بالفعل كما أعرف أنك أنت من منعته من الزواج مني"

قال ببطء بنبرة شبيهة بالنصل الحاد:"يبدو ان عديم الأصل شجاع بما يكفي ليخبرك بهذا"

أغلقت عينيها للحظة ولم ترد فأكمل بذات النبرة دافع سكينه داخل قلبها:"خيرته بينك وبين ماله..انتِ فقط او رانيا وماله."فاختارهما عنكِ..ملقياً في وجهي انه لن تفرقي معه من الأساس مقر أن إختياري هو الأفضل؟!"

قبضة من نار عصرت قلبها الذي تهشم ..أحست بأطرافها تتجمد..بأنفاسها تعلق في حنجرتها..كان عليها أن تعرف..انها لم تساوي عند أركان شيء انها كائن عديم النفع.. ليس لديه إنسانية او كرامة..الألم كان نابعاً من داخلها..من روحها..كيف لم تتوقع هذا..وكيف لها ان تعرف ان الحقيقة أكثر قسوة ومرارة من أن تتوقع يوما...

ابتسامة عجيبة هي ما إرتسمت على وجهها وهي تفتح عيني مثل الزجاج وقالت:

"شكراً والدي...لتوضيح مكانتي الحقيقية لدى كل منكم انا ممتنة منك"

التفت مغادرة نحو باب المنزل فلحقتها رانيا التي أخبرته بنبرة حاقدة:"لم أتخيل يوماً أن أقف أمامك انت بالذات من بين البشر وأخبرك أني أكرهك يا أبي"!

ملامحها لم تغادره صادمة إياه بعنف..كان يلتقط أنفاسه بصعوبة...لقد كان يتألم..يتألم بشدة..."ماذا فعلت ؟!"

******************

"لا تصدقيه..أرجوكِ ديالا تعقلي..وتذكري ان من أخبرك هو مختار المغترب الذي لا يعرف من العالم إلا إكتناز المال ارجوكِ...لا تدعيه يحطمك كما تلاعب بحبي له وحطمني"

نظرت اليها ديالا بنظرة مفرغة خالية من الحياة..ثم قالت بخفوت:"أريد أن أبقى وحدي من فضلك"

"لن أتركك!"

بهدوء أثار تحفز رانيا ولوعتها اذ تدرك جيداً النار التي تشتعل تحته:"لن أبقى وحدي...سأذهب الى زوجي فهو ينتظرني!"

قالت رانيا برفق:"دعينا نبقى قليلاً سوياً نتحدث..وبعدها إذهبي اليه"

لقد كان العرق فوق جبينها رغم برودة الجو بينما عينيها تتلون بالقهر وصوتها خافت من الحياء وهي تقول:". العشق خطيئة لا يحترق بنيرانها إلا كل من أُطفِئ عقله واتبع ضجيج قلبه"

ضمت رانيا كفي أختها وهي تقول بقهر:"انا بجانبك يمكننا ان نتحدث...لا تفعلي هذا بنفسك !!"

بهدوء بارد كانت تقول ديالا:"توقفي عن افتعال الدراما...هل ستوصليني الى منزله..أم أنزل وأبحث عن سيارة أجرة ؟!"

نظرت اليها رانيا بحزن تراقب ملامحها الجميلة التي إنطفأت..وكأن كان هناك شيء بداخلها يتوهج بالقوة والحياة ثم كُسر !

************************

كانت تشعر بنفسها خاوية مرهقة وشعور من الاحباط والقهر يتملك عقلها وقلبها...مشفقه علي ما قد تواجهه ديالا من الحقائق مرة ..اكتشاف الخداع يجلب جبال من الكسر الذي لا يجبر أبداً ألم ترى هذا سابقاً في عيني أيان عندما كان يمسك بكف مرتعشة وأنفاس متوقفة مانع الحمل بين يديه كان غير مصدق وعينيه تتوسلاها بصمت ان يكون هذا الشيء له تفسير أي تفسير إلا أنها تخونه ؟!

"وأخيراً. وجدتك..مساء الخير يا أستاذة"

أجفلت للحظة وهي ترفع رأسها نحو شهاب اغتصبت ابتسامة شاحبة وهي تقول:"مرحباً...تأخرت اليوم قليلاً هل هناك خدمة أقدمها لك !"

كانت نظرات عينيه مبهمة وهو يتفحصها...لا توحي بشيء ؛ ولكنها تدرك أن خلفها شيء لا يستوعبه العقل لطالما كان شهاب صندوق مغلق لا أحد يستطيع توقعه او إكتشاف ما يدور في رأسه هكذا كان يخبرها أيان دائماً:"هناك خطأ ارتكب بالأمس وأريدك ان تري تعديلاتي"

قالت رانيا بهدوء:"وما أدارني انا بالبرمجة...ومنذ متى يراجع أحدنا وراءك؟!"

جلس أمامها بأريحية ثم قال بتلاعب:"لقد كنت زوجة أفضل أحد المهندسين فى تصميم برامج" it"لا أصدق أنك لم تتأثري بأي شيء من عمله"

اهتزت ملامحها التي أرادت الابتسام فلم تستطع...فقالت متهربة:"تفضل أرني..ما أردت لن يشكل فارق"

وضع جهازه علي سطح المكتب يعبث بشيء لدقائق..فقالت هي غير قادرة على منع نفسها من السؤال:"أعذرنى لقلة ذوقي ولكن ما أعلمه أن عملك لا يشمل متابعة..المحلات..أو أن هذا تخصصك من الأساس..ألا ترى أن الأمر غريب انت تأتي بشكل أسبوعي منتظم تقريبا"

لم يرفع رأسه عن الحاسوب وهو يقول ببساطة:"ثلاث مرات أسبوعياً...بالطبع ما تقوليه صحيح ولكني آتي الي هنا لأن المكان يُعجبني وأتناول الطعام فقط وإن وجِدَ عطل فما الضرر أن أراه ..الأمر لا يستغرق خمس دقائق"

هزت رأسها بتفهم بينما يدير اليها الحاسوب ببطء...ليشرح لها أشياء ومعدلات ،لم تستوعبها عن تسجيل موارد لم تدخل مخزن الأطعمة من الأساس..همت ان تشكره وتنهي الأمر..عندما سطع فجأة صورة ما على الشاشة جعلت قلبها يتوقف بين أضلعها ..قبضة من نار تمكنت من صدرها وطعنة من سكين بارد نال منها...لقد كانت تتحطم أمامه دون صوت تتهشم لبقايا في صورة خيالية قاسية شعر بالأسف وليس الندم لفعلته ولكنها كان يجب أن تعلم!!

وجهها الذي شابه لون جثة فارقت الحياة منذ أعوام كان ينظر له بصدمة بعدم تصديق..لم تنطق بشيء وهي تقف أمامه مرتبكة مهتزة تمشي نحو باب المكتب بضياع لم ترى أمامها وهي تتخبط في كل شيء "رانيا"تخلل صوته الرفق

فإلتفت اليه تنظر اليه دون ان تراه...ثم وبدون مقدمات كانت تغلق جفنيها تترنح مستسلمة للدوار الذي لفها لتعانق رحابة الأرض ربما يكون هذا أرحم عليها من تذكر صورته"أيان يحتضن امرأة غيرها..بعد أن ألبسها خاتمه!؟"


******************


سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 09:12 PM   #10

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل التاسع



كانت تُحدق في الفراش الذى ترك أركان أثرها عليه منذ وقت فقدت الشعور بتقديره!! الدليل القاطع الذي يصفعها بحقيقة قدرها في عينيه ليحيل ليلتها الغرامية التي ظنتها البداية الى ذكرى خداع...منحها الدليل الحي بأنها عاشقة غبية..امرأة ضعيفة قيدها الحب لتمتهن دون حساب دون توقف حتى أصبحت لعبة بين يديه يرميها متى أراد يُلقيها تحت قدميه داعسها متى يحب..ويعود بإشارة من إصبعه مناجيها لتمنحه الغفران يليه صك الامتلاك...لقد عرف أركان كيف يملكها و يتحكم في نبض قلبها...كيف يحولها لكيان هش جائع للحب..للإهتمام

لقد منحته دون حساب أوعقاب...طامعة في إستقرار وأمان لم تحصل عليه يوماً..لقد أحبها أركان ولكن بشروطه..بحججه..بخداعه وهو ما لن تغفره له يوماً!

لم تدرك أن جسدها تحول لقطعة من الحجر عينيها تلمع بها دموع أبت من تلقاء نفسها أن تهبط..حتى وهي تدرك الآن فقط وبحسبه بسيطة أن تفعيل زواجه منها كان ليضمن تكبيلها به لربطها أكثر وأكثر إليه...لم يكن هذا الغرام من أجلها هي بل من أجل قلبه هو...لقد بحث أركان فيها عن نفسه عن رغبته ولكن متى تحدث عنها هي؟!هل كانت من الغباء واللهفة ألا تدرك أنانيته فيها؟!كيف سلمت لرجل أخذ من ضعفها سلاح ضدها يحاربها به لتخضع له..ليتحكم فيها ويحركها كما يهوى...غير مبالي بجرحها الذي لم يشفى..

"كيف لم أدرك أنك أضعت نفسي مني..من يوم معرفتي بك؟!"

"أغلقت عينيها وهي تستشعر القبضة التي أحاطت ذراعها..كاتمة إنتفاضة جسدها الذي أفاق قليلاً..قليلاً فقط من تحجره ليشعرها بواقعها المر الذي أصبحت فيه..عندما أحست بقبضته تؤلمها تعتصر لحمها متخللة عظامها...وصوته المكتوم يخرج من بين أسنانه:"أين كنت؟لقد كدتُ أفقد عقلي..بحثت عنكِ حتى هاتفك لم تردي عليه"

استدارت اليه بوجه شاحب هربت الدماء منه فإستحال لقطعة من رخام ضربت صدره في مقتل مجتاحة جسده برعشة قلق مبهمة..إستشعر فيها الاحساس بشيء سيء لم يكن أبداً على إستعداد لمواجهته عندما قالت بنبرة مفرغه:"كُنتُ أنتظرك..حتى مل الصبر مني..وليتني لم أفعل وسمعت صوت العقل الذي أخبرني بخسارتي المسبقة؟!"

توقف قلبه عن الخفقان وهو يحدق بها فاقد الأنفاس..إرتخت يده من حولها ليستبدلها بمحاوطة كتفيها بحنان ثم ما لبث أن قال بصوت أجش وضع فيه كل ما يملك من سيطرة على الذات يوماً متهرباً مما إستشعره:

"عندما إستيقظت لم أجدك..فإعتقدت أنكِ بالأسفل عند أمي"

لم تبتعد عنه بل إحتل وجهها بجانب المرارة السخرية وهي تقول:"حقاً !ولماذا قد أذهب لأمك بعد ما منحتك إياه؟!بل كُنتُ أحتاج لرؤية أبي..وليتني فعلتها قبل أن أتنازل لك عن آخر ما تبقى من نفسي"

رفع يده الأخرى ليقبض على ذراعيها بقوة ورعب إجتاح جسده مصفوعاً بكلماتها...حدق فيها بذهول..متهرباً من الأمر كله وبنبرة غير واثقة قال:"ظننتكِ قد تحتاجيها كأي فتاة في موقفك"

كانت باردة بين يديه متباعدة قاسية كما لم يعهدها من قبل:"إنها أمك أنت وليست أمي!بل كان كل ما أحتاجه هو أبي ليفيقني من كذبة رميت نفسي بها منتحرة بين هياج أمواجها..تُدعى أنت؟!"

إختفت الأصوات كلها من حوله وتوقف الصوت الداخلي لعقله والذي أخبره بوقوع ما كان يرعبه ولم يبقى إلا ماقالته..أبى!!وكذب حبه :

"أنا لم أكن يوماً كذبة وأنتِ تعلمي هذا وإلا ما كنت قرأتيني ككتاب مفتوح وحللتي ألغازي مؤمنة..متأكدة أنني مهما فعلت سأعود اليك!"

قالت مغمغمة:"كذبت...أنا خدعت نفسي ولم أدرك أني من البداية لا أساوي شيء في حياتك..لم أعني لك أكثر من فتاة صغيرة لهوت بها مُضيعاً وقتك،لم تستحق منك قليلاً من الجهد أوالدفاع !"

ضيق عينيه وبريق شرس يُطل منهما وحاول أن يتجاهل الضجيج الذي يلف صدره وقال:"بماذا أخبرك يا ديالا؟!ولماذا لم تنتظريني لنذهب سوياً كما إتفقنا؟!"

أياً كانت الإجابة التي توقعها لم يكن أبداً أن يكون رد فعلها ضحك هستيري ….. نفضت يديه بعنف لتبتعد عنه خطوات تتجه نحو الفراش..ومثلما بدأ ضحكها توقف كما توقف كل شيء بينهما تماماً. الصمت المرعب لف أرجاء الغرفة حولهما..بكل ما إستطاع ان يجمعه من رباطة جأش …حاول ان يمنحها وقتها و يحتوي لحظات تمردها وضعفها او حتى صدمتها...أياً ما كانت تعانيه ديالا في تلك اللحظة سيبذل حتى آخر أنفاسه أن لا يجعلها تتهور أو يخسرها!؟

لم تُدرك أن دموعها تهبط بغزارة فوق وجنتيها الشاحبتين..وهي من قاومت بشدة أن لا تجعله يرى لحظات ضعفها مرة أخرى...جسدها المهتز بالبكاء فضح ما كانت تُحاول أن تخفيه عنه...لقد كان مرتبك..مضطرب تائه...يجهل حتى كيف يحتوي ذلك الألم؟!!عندما تقدم منها رامياً بعكازه جانباً تحول نحو الفراش أولاً...يجذب الغطاء سريعاً يداري الأثر الذي تُحدق فيه قاطعاً أياً ما يدور في عقلها بتلك اللحظة..

عندما رفع أركان عينيه الداكنتين نحو عينيها ليرى تلك النظرة المظلمة...اهتز حتى الأعماق وقد أدرك أن أياً ما كان أخبرها به ذلك الشيطان فهو وحده من سيدفع الثمن..

قطع تلك الخطوة بينهما..ولم يتردد لحظة أن يمد يده خلف رأسها ليغرس أنامله في شعرها الغزير ثم جذبها ليدفنها في صدره..أغلق جفنيه زافراً بحرقة عندما تقبضت يديها ممسكة بقميصه..ثم ما لبث ان قال بصوت مكتوم:"هل تذكرين وعدكِ لي...انك من القوة لتجعليني لا أخسرك...أياً ما كان قد حدث يمكننا معالجته فقط إمنحيني فرصة ثانية ديالا!"

تمتمت من بين طيات قميصه بصوت مختنق:

"لقد منحتك...منحتك فوق ما تتحمل طاقتي...أعطيتك حتى إستنزفت آخر قطرة مني...لقد وهبتك أكثر مما قد تستطيع أنثى التنازل عنه..وماذا جنيت لا شيء..لقد حان الوقت الذي أعترف فيه بهزيمتي"

ذراعه الأخرى إلتفت حول ذراعيها بذعر ليضمها اليه حتى شعر بالألم في أضلعه...بعكس خشونة صوته الذي هدر فيها:"كفى حديث بالألغاز..عن أي هزيمة تتحدثي؟!!لن أسمح لكِ بالتراجع الآن أو الخسارة..ولابهدم علاقتنا بعد ان وصلنا أخيراً لبر أمان ثابت"

أزاحته بحدة غير مبالية بهدير قلبه الذي كان صاخباً(نبضات قلبه الذي كُسِر)

نظر لعينيها رباااه!!لم تكن أبداً تلك العينان التي عشقتها وآمنت بها وحاربت الجميع لتبقى في انتظاره..لم تكن أبداً تلك المرأة التي ضمها بين يديه…تلك الحبيبة التي كان يتهرب من حبها ويرتكب المعاصي نحوها وهو مؤمن انه سيعود ليجدها طوع يديه...راقبها تمسح وجهها بعنف وكأنها تريد إخفاء تلك الدموع التي زُرِفت من أجله ثم قالت بصوت ثابت لم يكن لإهتزاز مشاعرها أثر به فهزه هو بقسوة:"إن لم تهرب منك رانيا ليلة الزفاف وفزت بها وبمالك...ما كان موقعي من الإعراب لديك يا أركان..هل كُنتَ ستستمر في حبي و الإعتماد على غفراني أم هل صور لك عقلك اني كُنت سأخون أختي وأستمر في منحك قلبي ونفسي مثلما خنت أنت عهد كان غير منطوق بيننا؟!"

عيناه لم تفارق عيناها..ذاهلاً مصدوماً بسؤال كانت إجابته أقسى مما قد تتحمله ديالا وأعنف من أن يطاوعه قلبه ان يخبرها به...صرخ فيها هادراً:"اللعنة ديالا..لقد إنتهى الأمر وأنتِ زوجتي...لماذا تريدى تعذيب كلينا؟"

صرخت هي الأخرى بهستيريا:"اللعنة تحترق بها وحدك..لقد سأمت منك ومن غدرك؛من تهربك لأنني لم أعني لك يوماً شيء إلا صفقة خاسرة هربت من تحملها و إختيارها فور أن وضِعَت أمام حفنة من المال"

لم تتغير نبرة صوته الذي لف أرجاء المكان:"عن أي إختيار تتحدثي؟!لقد أخبرتك أنكِ لم تكوني في حسابات مختار يوماً"

نبرة صوتها ماثلته علو وكأنهما في صراع قوي لا تنازل فيه:"ولم أكن في حساباتك أيضاً..كان إيماني الخيالي في الغرام مزعزعاً أو غير موجود من الأساس"

وصل الي حافة الهاوية وهو يهدر فيها :"إن كنت رفضت الإختيار كُنتُ خسرت كل شيء فأقنعتُ نفسي بأن أتمم الزواج منها لأدمرها وأعيدها اليه ثم ابتعد غير ملتفت حتى إليكِ أنتِ"!

توسع حدقتيها وتجمد الشعوربهما جعله يدرك ما صرح به فتوقف عن الحديث..رفع كفيه يخبط على وجهه بذهول وقهر ثم أكمل بعصبية و بإقرار بالذنب ومصارحة كان ينتويها وليته فعل:"أقنعت عقلي وقلبي أنكِ مجرد مراهقة حلوة المعشر لم أحبك..لم تمثلي لي شيء وعندما لوى والدكِ ذراعي مستغلاً قلة حيلتي وقتها ثارت كرامتي لرجولتي وأخذت على نفسي عهد أن أتخلص من كل ما ينتمي لمختار الزيني عقب أن أنتقم لنفسي وأدمره"

كانت كل ذرة في كيانها تتألم بعجز...تلهث بإنفعال وأنكسار لن يُجبرأبداً فتمتمت بقهر:"أي أني لم أكن بحساباتك من الأساس !!لكن القدر عاندك وألقاني إليك!! بالنهاية الفتاة المنبوذة من أسرتها والتي وعدتها بإحتواء مستغلاً ضعفها وحاجتها لم تكن تعني لك شيئاً لذا تركتها بنصف الطريق غير مبالي بمصيرها"

كان يقف في مواجهتها ثابت كقطعة من الصخر..ولكنه صخر تحول لكومة من تراب منهار داخلياً وهو يقول بإقرار:"لا كنتِ كل شيء..بل إعتقدت اني وجدت مكافأتي أخيراً بعد طول غربة وشقاء..بعد طريق طويل من الهوان قطعته وحدي ولكن كذبتُ على نفسي فأقنعتها أنكِ لم تعني لي ذلك القدر وتهربت منكِ بكل قسوة ظالماً لنفسي قبل ان أظلمك أنتِ"

صمت لبرهة ملتقطاً لأنفاسه ونظر اليها بإستسلام ثم أردف:"إنه كاذب..كنت أعلم أنه لن يتركني أنتصر عليه و أفوز بكِ قبل المال الذي خيرني بينه ورانيا أو لا شيء...أنتِ كُنتِ خارج الإختيار من الأساس..لم يضعك في أي مقارنة"

كانت وكأنها تريد بالفعل أن تخسر كل شيء معه وكأنها أخيراً فاض بها الكيل وما عادت تريد إكمال هذا الطريق عندما قالت بتصلب:"وإن فعل..وخيرك كما أخبرني..وإن كُنت أنا أو مالك فمن كنت ستختار؟"

عاد يهتف فيها بجنون:"هذا غير عادل..غير عادل أنتِ غير منصفة"

توسعت عينيها وهي تحدق به مصدومة ومدركة الإجابة التي لم ينطقها فحاول أن يسيطر على جنونه موضحاً بتوتر جعله يفقد كل ذرة تعاطف لديها:"إسمعى..ربما أنا بخست بقدرك في قلبي كابرت ضد نفسي مجازفاً لإنقاذ مالي شقى عمري الذي تذوقت الأهوال حتى أحصل عليه..ولكن أبداً لم تكوني أنتِ المقابل لأنه بكل الطرق لم يضعكِ كإختيار لي وأنا لم أفكر أن أضعك في تلك المقارنة"

للحظات طويلة كانت تحدق فيه متجمدة فمها فاغر بذهول كمن يرى ويشعر بروحه تفارقه وتُسحب منه وهو عاجز ضعيف عن الدفاع عن نفسه فإستسلم لحرمانه من الحياة!!

إقترب منها خطوة أخرى ومد يده الكبيرة الدافئة نحو وجنتها ووجهه يتلون بكل ألوان القهر فإرتعد جسدها بسبب لمسته وهي تطلق شهيق عالٍ أشبه بصرخة توسل لعل أحد ينقذ روحها المسكينة التي تتمزق بمشارط الغدر..إبتعدت عنه خطوة أخرى و بضعف يمس شغاف القلب وعينين تفيض بدمع المرارة أخيراً همست دون أن تدرك:"لقد كُنتُ أموت كل ليلة في إنتظارك بينما انت تستبدلني بحفنة من المال!!"

ابتلع غصة في حلقه وهو يقول بيأس:"ديالا..لم أستبدلك"

كان كل جسدها يرتعش وهي تقول بإختناق:"وإن صدقتك أنت وكذبته هو..هل هذا سيغير شيء؟!أنت كُنتَ تنوي بكل الأحوال تركي!!"

هز رأسه بقوة وهو يحارب نفسه مسيطر على أعصابه حتى لا يفقدها:"ولم يحدث!!ها أنا أقر أمامك بغبائي..علمت بالطريقة الصعبة أنكِ كُنتِ كل ما أردتُ إمتلاكه يوماً"

رفعت له عينان ناريتان..رغم الألم والمرارة والقهر فيهما..وهتفت أخيراً متفجرة فيه بهسترية:"الإجابة لن تُغير شيء..أنت الملام الأكبر أمامي..أنت من بعت فتاة صغيرة أوهمتها بحب أسطوري..غازلتها بغير إنصاف متعدياً على حرمة رجل فتح لك بابه لتعود وتغدر بها..و تتجرأ بكل جبروت وتنوي الزواج من أختها..غير عابئ بقلبي الذي تلوى ألماً..بروحي التي غادرت وأنا أشاهدكما معاً وخيالي يجلدني برسم صورتكما الغرامية معاً!!الرجل الذي أحببت وأختي وذلك بسببك وحدك"

إتسعت عيناه وهي تُقر بحقيقة مُرة...مرت في خياله مثلها..كيف سمح لنفسه ولمختار الزيني وحتى لماله المزعوم أن يكونوا جميعاً سلاح فتاك ينال من فتاته؟!ما حدث كان أقسى من أن يتحمل نظرة الوجع التي تسكن عيناها..لم تماثل أبداً شيء قد رآه من قبل و جعلت قلبه يتلوى حزناً من أجلها..فقال بيأس:"لم يكن بيني وبينها ذلك الغرام الذي تتحدثي عنه"

أجابته بتصلب:"ولكنني لم أعرف ! لم أرى إلا خاتمك الذي كان حلمي وحقي تدخله بإصبعها!"

همس بتعب:"ديالا..."

إقتربت هي منه هذه المرة لتهمس بخفوت شديد أمام عجزه أن يدافع عن نفسه:"أنت لم ولن تستحقني!"

رفع كفيه أخيراً يمسك بكتفيها بتشدد غير قابل لإفلاتها وهو يقول بخشونة:"ربما أنا لا أستحقك..ولكن أبداً لن أسمح لكِ بالانهيار وإدخاله بيننا بعد كل ما إجتزناه سوياً..."

قاطعته بنبرة حادة كحد السيف كاشفة خسته أمام نفسه:"عن أي إجتياز تتحدث؟هل تقصد خديعة الأمس..ربطي بك وعدم استطاعتي البُعد عنك؟!كم خابت حساباتك..أنت أعمى يا أركان لأني منحتك نفسي وأنت لم تبذُل جهد لفهمها ذلك الشيء لن يوقفني أبداً حتى وإن كان أدمى قلبي حد التمزق وقهر نفسي فقط"

في تلك اللحظة بالذات كان يُخيل له سماع صوت إنفجار مدوياً لفؤاده..داخل أضلعه تَهَشُم مدوي مرعب..رامياً بكل كبريائه الذي تمسك به سابقاً متوهماً أنه يستطيع الابتعاد عنها لم يدرك أنه يتمتم بصوت مكتوم:"قد يتوجب على غروري الذكوري وجنوني أن يخبرك في تلك اللحظة أني لا أهتم إن فقدتك...ولكني أرمى بكل شيء بين يديك يا ديالا كاشفاً نفسي أمامك...أنا سأموت إن خسرتك ولن أستطيع التعايش أبداً مع فقدانك"

دفعته من صدره غير مباليه بألمه وهي تهتف بإنهيار وكأنها لم تسمع أياً من إعترافاته :"تباً لك..انت خسرتني وإنتهى الأمر"

صمتت لبرهة تلملم أشلائها ثم تابعت بصوت أتى من أعماق احتراقها الداخلي:"لقد منحتك الغفران يليه التفهم وأنت رجل لم تمنحني دفئك يوماً...أي رجل أنت وأي حقير أحببت..لقد تركتني ليلة زفافي أئن وجعاً في أحضان أمك وهربت..وعدت بجبروتك لتستغل جهلي وتغويني لأسلمك نفسي ل..."

صمتت لبرهة تبتلع ريقها ..إهتز صوتها وفقدت إيمانها بقوة توهمتها في نفسها يوماً..فالذكرى تجتاح كل كيانها لتبدد كل شيء..ثم قالت بخفوت شديد أشبه بمشرط جراح بارد يمزق أنوثتها وإنسانيتها هي لا هو:"أي امرأة أنا!!أي عاشقة غبية أنا..لقد غفرت لك بعد أن تركتني عارية مهانة في فراشك من أجل امرأة أخرى ؟!"

يا إلهي ...شهقت كمن توقف قلبه للحظات عن العمل وذهب لدنيا الأموات ثم عاد من هناك محملا بالأهوال والجحيم بعينه:"نحن انتيهنا..انتهينا...لقد منحتك كل حناني وحبي وقلبي مختلطا بأسرار روحي...فجرب كيف يكون كرهي..وخلاصي منك!"



" سأنتزعك مني؛كأنك خيال باهت مريض تملكني..ستتحول لمجرد ذكرى تُدفن هناك بعيداً..وكأنك لم تتملك نبض قلبي يوماً"

كل حنانه..تفهمه..احتوائه الذي وعد نفسه تبدد ليتحول الى رُعب جعله يفقد نفسه ويتصرف بغوغائية غير محسوبة العواقب…بكل جبروت تملكه يوماً كانت يده تقبض حول يديها بعنف يهزها بقسوة ليهدر فيها بصوت مكتوم:"وكأني سأسمح لكِ…ليس بعد أن كشفت نفسي لكِ مُقدِماً فروض الولاء..معترفاً بحماقتي وجنوني..متنازلاً عن جزء من نفسي ومما أنا عليه فقط من أجل خاطرك "

" أبتعد عنى"

كانت رأسها تتراجع للخلف إثر هزه إياها..عينيها جاحظتان من الألم …وجهها شاحب وكأن الدماء لن تعرف طريقه مرة أخرى ما عاشت..لم يدرك أركان أنه يتراجع بكليهما نحو الفراش إلا عندما استدار يلقيها فوقه...لم يشعر بيده العمياء مثل عقله الذي فقد بصيرته اثر شعوره بالخسارة محاولاً إجتياحها بشيء من القسوة المختلطة بشعور الذعر الذي تعاظم بداخله..

الغضب الأسود كان يلون الرؤية أمامها...منصهراً في أوردتها وهي تدفعه بعيداً عنها تقاومه بشراسة مماثلة لقسوة العمى الذي غلف قلبه وضميره: "أنتِ لي..لن أسمح لشيء يجعلني أخسرك بعد أن أمتلكتك..إن كان عقلك توقف عن التفكير وغلف بغمامة كذب مختار…سأذكر قلبك وجسدك ليعرفا من مالكهما دون جهد مني وأنكِ لن تستطيعي الحياة بدوني"

توقفت مقاومتها تاركة إياه لهوسه في خلع ملابسها ونظرت اليه بعينين واسعتين وهي تنطق بجليد إستشعره يتدفق في أنحاء جسدها بين يديه:

"أرجوك إفعلها يا أركان حتى لا أبذل جهد في كرهك ونسيانك..أنا أستحق منك تلك الخدمة"

صوتها تدفق الى مدارك عقله بعنف صاعق فأوقفه عن الجنون الذي تلبسه ولم يدرك أنه كان ينتفض عنها بجزع وصدمة...راسماً صورة لن تنساها ما عاشت على وجهه من الخوف بينما يده الآثمه التي طاوعت جنونه سابقاً كانت تُعيد لملمة ما تبقى منها لا إرادياً..أغلقت جفنيها وهي تعتدل ببطء مبعدة جسده الضخم والذي كان يشرف عليها..بهدوء طاوعها فيما تفعل بينما عيناه تنظر لها بذهول...دقيقة واحدة هي ما منحتها لنفسها قبل أن تتحرك من مكانها متوجهة الى مقعد جانبي وسحبت معطفه الصوفي لتدفن فيه ذراعيها وتلملمه الى صدرها بقوة لتداري ما قد مزقه منها ثم وبدون حتى أن تمنحه المزيد كانت تختفي من أمامه الى الأبد..تاركه إياه بوجه شاحب فاقد كل معاني الحياة وكتفان متهدلان كأنه شاخ لأعوام مردد إسمها داخل حنجرته وكأنه لن يجرؤ أن يُعيد نطقه ما عاش …

*****************

كانت تعبث بخاتم خطبتها الذي ألبسها إياه بالأمس القريب فقط متذكرة السرعة التي حدث بها كل شيء!!وقت قياسي قد ظنه الجميع لهفة من العريس ليقيد بها محبوبته!!خدعة أقنعت الجميع حتى صدقتها بنفسها ثم رأت تلك الإبتسامة المزيفة التي تعتلي ملامحه راسماً بها سعادة وهمية...وذلك الذراع الذي إمتد يحتضن كتفيها من أجل صورة للذكرى عقب إلباسها خاتمه..كان حضن بارد متباعد لم يتعدى لمس كتفيها بخفة وكأن شيء مهول وحاجز من الصلب لن يهدم يوماً يقف بينهما...ولكنها قادرة على خلق ذلك الصدع فيه حتى يتحول لزجاج هش سهل التحكم لتعبر نحوه جاذبة إياه من دنياه الخاصة...هو قال أن لديه أمل بها وبعلاقتهم...سيحرص على تأسيسها وتقويتها ببنيان سليم ثابت غير قابل للإهتزاز وهي تؤمن به وتصدقه....

رفع أيان وجهه عن شاشة حاسوبه أخيراً...يرسم تلك الإبتسامة المبالغ فيها نحوها ولكنها تجنبت ذلك الشعور..تغرق نفسها بالثقه أن ذلك البريق الآسر الذي رأته سابقاً وتلك النيران المهتاجة في عينيه الخضرواين هي قادرة على إعادتها و جعله يوجهها اليها هي لا غيرها ! أشار لها بإستفهام:"ما سبب كل تلك الثورة التي تفضحها ملامحك؟"

نبرتها التي كانت مترددة يوماً...مهتزه وضائعة عند كل حديث معه..تبدلت للقوة وهي تنطق بهدوء وثبات:"لم تكن ثورة ولكنها إصرار على الوصول اليك و تحويل إرتباط العقل لشيء أسمى من أن نَصِفَهُ بالكلمات يوماً"

لم يتخلى عن تلك الابتسامة التي وضعت على شفتيه بينما نظراته كانت مثبتة على وجهها ولكنه أبعد ما يكون عن رؤيتها أمامه...رفع كفيه هذه المرة ليضع أحدهم أمام فمه والأخرى تحت ذقنه مشيراً بشرود:"أتمنى أن تجدي غايتك"

موقع يديه تبدل ليضع أصابعه على راحة كفه مكملاً حديثه:"لا ترهقي نفسك وعقلك بالتفكير بعقد مقارنة..كل شيء سيأتي في موعده.."

بدل يديه مرة أخرى مشيرا لها بأصابعه وبيده الأخرى وضعها نحو صدره:"أنا وأنتِ نحتاج للوقت..للتعود وترتيب حياة نضع أساسها بتعقل..بعيداً عن أي مشاعر جارفة..رابط الزواج لا يحتاج إلا لتخطيط العقل ؟!"

كان ينهي كلامه بأن أشار إلى عقله جاعلاً ملامح سارة تبهت..لا هي لا تريد ذلك العقل الذي يُصر أن يضعه بينهما..لن ترضى بتلك الكذبة التي يريد فرضها عليها...بل تريده كاملاً هي تستحق ان تتسلل الي داخله هازمة الأخرى في عقر دارها نازعة إياها منه بكل ما تملكه من قوة...

أشارت بقوة رافضة ما يتفوه به:"يحتاج للإثنان...لا تخدع نفسك..الزواج كيان قائم بذاته خلية تُبنى بتتابع إحداهم بالحب والأخرى بالعقل..لبنة يتبعها جدار مختلطة بمادة صلبة من التفهم والصدق والاحتواء ليخرج ذلك الكيان للنور بالنهاية..قوي متين يصمد أمام أي إعصار عاتي لا يستطيع حتى خدشه"

تراجعت سارة عن الاسترسال عندما رأت تلك النظرة في عينه..كبحت شعور بالألم وهي تقرأ تلك النظرة التي فضحته...متذكرة حديث أمها بقسوة:"رجل إحتلته إمرأة أخرى وإستنزفته حتى لم يتبقى لديه ما يقدمه اليكِ او غيرك.."

راقبته وهو يجذب ورقة مفرغ فيها كل ما يريد قوله..خطه الأنيق كان مرتبك يفضح إهتزاز مشاعره..عندما تناولتها تقرأ ما يحتويها كانت تحبس أنفاسها حتى لا تطلق صرخة تمرد وجنون في وجهه مدركة بقوة أنها ستواجه الكثير حتى تصل اليه فقرأت:

"ربما أنتِ لديك حق..عناصر بنائك سليمة تماماً بحسبة بسيطة لا يتخللها خلل واحد ولكن أنتِ واهمة يا سارة إن ظننتِ أن الحب قد يقوي أي بنيان عزيزتي بل الحب ضعف..يجعلك تتغاضي عن أشياء وتتنازلي عن الكثير مهدرة نفسك..مقدمة فروض الولاء دون حتى أن تستشعري مقدار خطئك..لذا الحب ليس مهم كما تعتقدي...بل تفهم الطرفين لكل ما يحتاجه الآخر ونعم الصدق والمصارحة..كشف مشاعرك أومخاوفك هو كل ما يهمني وأريده في حياتنا القادمة"

مؤكد هو لم يسمع صوتها المرتجف ولكنه رأى إبتسامتها الباهته وهي تومئ برأسها موافقة..تخبره برجاء مستتر:"بالطبع أتفهم حاجتك تلك ولكن الحب سيأتي..يجب أن يغزو تلك الحياة والرابط الذي تتحدث عنه!"

هو لم ينوي أبداً ظُلمها..عندما أقدم على توثيق علاقته بها لم ينوي إلا أن يتقي الله فيها...هي ليست طرف في مشكلة قلبه..إنه يريد أن يتخلص من طيف مالكته!! هز رأسه بموافقه مشيراً اليها:

"لا أحد يستطيع ان يحكم على علاقة قبل بِدأها كما أن الكثيرون وجدوا حياتهم الحقيقية في إرتباطهم الثاني عزيزتي"

أشارت سريعاً بقلب خافق:"ولكنك الأول لي يا أيان..."

عم الصمت والإرتباك بينهما وكأنها صرخت بأكثر شيء غبي في تلك اللحظة...أما هو كانت ملامحه مغلقة لا تُعبر عن شيء...لم يحاول الرد أو الإحتواء والتوضيح أكثر مما منحها بالفعل..الباب الذي طرق مرة واحدة ثم فُتح دون إهتمام بالاجابة جعلها لأول مرة تحمد الله لرؤية هذا الوجه المستفز لإنقاذها من موقف وحديث موجع لا تعرف أين كان سيصل بهما "مازال طريقك طويل جداً يا سارة"همستها بإمتقاع وهي تراقب شهاب يتقدم ملقيا بتحية باردة...وألقى بجسده على المقعد الذي يواجهها..تلكئ للحظات وهو ينظر اليها نظرة مبهمة ثم واجه أيان الذي لم يتخلى وجهه عن ملامحه الثابته وقال:"مبارك يا عريس الخطبة"

لا تعرف تحديداً ما الذي يجري بين الإثنان وكأن هناك حلقة مبهمة أو صراع خفي..رفض لم يبديه كليهما في تصرفاته أشار أيان بهدوء لا يعكس تلك العاصفة التي تألقت في عينيه الخضرواين:"العاقبة لك.."

هكذا فقط؟! صمتت سارة دون تعقيب إلا ذلك الشعور بالإحتراق هل يستطيع كل من كان أن يجذبه لحقيقته النارية إلا هي؟!

لم تكن مستعدة أبداً عندما إلتفت اليها شهاب قائلاً بنبرة ذات مغزى:"صور الخطوبة على صفحتك في التواصل الاجتماعي منتقاه بعناية.."

صمت لبرهة موليّ شفتيه بعيدا عن عيني أيان ثم قال بخفوت بنبرة باردة كالرصاص:"منتقاه بعنايه من قبلك..لأول مرة أرى سارق يتفاخر بغنيمته غير مهتم أن يرى الناس حقيقته!!"

شحب وجه سارة تارك ذلك الأثر المعتاد والذي يتركه شهاب على ملامحها ..يجلدها يقهرها ومخرساً حتى حجتها...

خبط أيان بنوع من الحدة على سطح مكتبه فألتفت وجههين ينظران اليه أحدهما بذعر والآخر بسكون وثبات..

أشار بتعصب:"تعرف اني أكره تلك الفعلة قل ما لديك ووجهه لي وليس لإمرأة أصبحت تنتمي إليّ"

الخبث المطل من عينيه إستشعرته سارة بوضوح بينما يقول مدعياً الاستسلام:"لا أعتقد أنك ستهتم بما أخبرتها إياه..انه شيء تافه بالنسبه لك"

زفر أيان بضيق وهو يشير بكفه في حركة دائريه ثم الى شهاب ملحقها بوضع كف على كف:"تلف وتدور كعاداتك..انت تستمتع بدور الغموض أصبحت أضيق منه"

هز شهاب كتفيه بلا مبالة ثم قال:"حسناً تذكر أنك من طلبت..."

صمت لبرهة ثم قال متابع ملامح وجهه بدقه:"كنت أخبرها بمروري صدفة على مطعم زوج جنيتك لتناول غدائي وكالعادة أقلب في صفحتي الشخصية لأتوقف عند صورة خطبتكما !"

نظر اليه أيان واجماً ثم أشار بتشكك :"حسناً هل هذا كل ما في الأمر؟!"

هز شهاب رأسه ببطء ثم قال بهدوء:"لا..ولكن ما حدث صدفة غريبة اذ أن زوجتك هي مديرة المطعم الأن وبالصدفة البحتة رأت ما نُشر وعرفت بخطبتك"

هل رأى كليهما شفتيه ترسم اسم رانيا بوضوح؟ملامحه كانت تتشنج وكأن ما يخبره به طعنه في قلبه مباشرة ودون رحمه..كان حلقه يتحرك بوضوح أمام أعينهم أطرافه تتصلب..كل كيانه تجتاحه مشاعر لم يستطع أحدهما تفسيرها..لحظات من صمته الخاص أجبرا عليها قبل أن يسيطر على نفسه بمهارة راسماً برود خادع وهو يشير لشهاب:"وكأن الأمر يعنيني لأعرفه...انها مطلقتي..إنسانة لم يعد يربطني بها شيء..عاجلا او اجلاً كانت ستعلم.."

شعر شهاب بالإمتعاض والغيظ لكنه لم يتوقف عندما أعاد سمعاته الموسيقية على أذنيه وأكمل ما إنتوى إخباره به بكل جليد العالم:"جيد اذن أحدكما على الأقل إستطاع ان يتخلص من أثر الأخر بداخله..على كل أنا اخبرتها بهذا عندما سقطت منهارة..منفصلة عن الواقع بين رواد المطعم...

لم يكمل كلامه عندما رآى الأخر ينتفض من جلسته مانحه ما أراده تحديداً أمام الأخرى..ذلك الجذع المخلوط باللهفة والخوف ليطفو أيان الذي عرفه على السطح قاتلا ذلك الأخر الذي ملأته القسوة والمرارة...ولكن سرعان ما تبدد شعور شهاب المنتصر عندما راقبه يتهرب مما حدث وهو يشير بعصبية:"أخبرتك أن الأمر لا يهمني..تلك هي مشكلتها الخاصة يجب ان تتعامل معها وحدها"

إدعى شهاب التفهم وهو يكمل أمام عينيه:"بالطبع هذا ما أخبرتها به عقب إفاقتها..حتى أنها رفضت الذهاب للطبيب وطلبت مني ان أوصلها لشاطئ في العجمى !

***********************

لقد كان يراهن نفسه وهو الذي لم يخسر تحديه يوماً اذ بعد نصف ساعة بالضبط خسر صديقه كل قوة وتجبر ظنها...نظر شهاب لملامح سارة الباهتة بتسلي مستمتع جداً بإمتقاعها بالألم المتعاقب على ملامحها وبأول صفعة يمنحها إياها أيان مدرك وجاذم بأنها لن تكون الأخيرة...ثلاثون دقيقة هي ما إحتاجها أيان لينهار ويخرج مسرعاً من مكتبه يحفر الأرض من تحت قدميه حفر نارية غير مرئية..تاركاً سارة خلفه ولم يحتاج أحدهما للتوقع اذ يدركان الى أين وجهته التالية..لقد شعرت سارة منذ أن تركت مكتبه بكل حركة تصدر عنه غاضبة مكبوتة وقلقه..لم يحتاج حتى للإشارة للحديث لتفضح أفعاله...ما يعانيه خوفاً عليها...هربت من وجه شهاب وهي تتمتم بحرقة عن سؤال لم ينطق:"أنا خطيبته رسمياً...كما أخبرك امرأة تنتمي اليه..انا ولا غيري؛أنا على ثقة أنّ لديه موعد ما خاص بالعمل"

أبعد شهاب سماعاته بعيداً عن أذنه ثم قال مدعي الاهتمام:"عفواً أنسة مخطوبة هل قلتِ شيء..لم أسمعك؟"

الخبيث..إبليس مفرق الجماعات يحرقها..يشعلها..يصوب سهامه نحو حياتها داسس سمومه..هتفت بقهر:"أخبرك أنه رجلي أنا..هي لا تعنيه لم يذهب اليها"

توسعت عينا شهاب وهو يدعي التعجب وقال:"عفواً..وما دخلى بالأمر؟ انتِ من تحتاجي لإقناع نفسك عزيزتي بهذا لا أنا..."

************************

العشق والكره وجهان لعملة واحدة...قد تختبئ بين طيات أحدهما مشاعر أخرى متباينة..نتمسك بواجهة واحدة منهما ؛ منتظرين الخلاص من كليهما..ولكن هل يستطيع هو ان يكذب على نفسه كما كذب على سارة...في تلك اللحظة بالذات بينما هو يقف على رمال الشاطئ..عينيه مرغمة تراقب بلهفة القوام الأنثوي الذي يقف أمامه يولي وجهه للبحر..شعرها الناعم يتطاير حولها حزين هزيل فاقد بريقه كأنه يتحدث عن حال صاحبته..ترتدى فستان أسود حريري يتطاير بفعل الهواء البارد خالق لوحه سريالية..معبرة عن الألم الوجع والإنتظار..كان أيان يُقر بأنه كذب على نفسه وعلى إمرأة وعدها برباط لن ينفصل..

شعرت رانيا بذبذبات معتادة أدمنتها حد فقد نفسها..حد تخليها عن قلبها مانحة إياه لينصهر مع دقات قلبه الذي تجاورها الآن لم تحتاج للإلتفاف..لم تجرؤ أن تفعلها..لتعرف أن من إحتل وحدتها وعزلتها وانهيار عالمها من القهر والوحدة لم يكن إلا هو...!

ترك أيان لكليهما عدة دقائق أخرى...دقائق كانت كفيلة ان تجعل أحدهما يتنازل عن تلك المواجهة ويفر هارباً..ولكن لم يكن هو ذلك الطرف ! لقد حان الوقت ليضع خط النهاية ليسد الطريق على نفسه قبلها اذ أن طريقهما الطويل سوياً ذكرياتهما تأبي أن تُصدق أن كل شيء إنتهى بغير رجعه...لم تكن تملك الشجاعة بعد لتبدأ هي بمواجهته..لم تملك رانيا القوة للنظر الى عينيه..ولكنه فعل عندما لمس كتفها بخفة ثم تراجعت أنامله سريعاً بعيداً عنها وكأن لمسها الذي كان يثير كل جنونه ومشاعره يوماً أصبح نار تحرقه...

كانت تضغط على شفتها السفلية بأسنانها بعنف في محاولة واهية لمنع عينيها المنتفختين من تأثير البكاء ان تزرف دمعها مرة أخرى ولكنها لم تستطع فإنفجرت باكية بحرقة بنشيج متقطع لم يدرك أنه يهمس بداخله"لا تنهاري..أرجوكِ..لم أعد أتحمل لمسك او مواساتك!"

متى تحول أيان للقسوة نحوها؟!بل كيف أستطاع أن يرى عينيها الباكية دون أن يهرع إليها ليأخذها بين ذراعيه..ربما لتذكره تمثيلها المتقن وهي تخبره بفشل محاولته!وهي من تخدعه كالأحمق..؟أطلق زمجرة من داخل حلقه وهو يشير بتعصب:"لم يعد يليق بكِ أدوار الضعف وانتِ من أثبت بكل الطرق أنكِ متجبرة حديدية خالية من المشاعر يا مدللة أبيكِ"

همست بضعف وهي تغمض عينيها بقوة حتى لا ترى المزيد من سموم اتهاماته:"توقف أرجوك..."

يده إمتدت مرة أخرى يلمس كتفها بنوع من القسوة في حركة تعلم جيداً معناها ففتحت عينيها تلقائياً تنظر اليه بوجل ثم أشارت بلغته:"ما الذي أتى بك الى هنا يا أيان؟ألم تنتهي مني بعد؟!"

لماذا أتى الى هنا؟هو نفسه لا يعلم الاجابة!ولكنه أراد أن يراها ولأول مرة منذ ما حدث رغب ان ينظر الى عينيها..أن يلمسها..أن يشتم ذلك العطر العالق في أنفاسه متخلل شريانه عن قرب..تهرب كلياً وهو يشير بهدوء ظاهري:"أخبرني شهاب ما حدث وعلمت أنكِ هنا ولأجل صداقة قديمة كانت بيننا أردت أن أنهي ما حدث وأخبرك أن تعيشي حياتك..إبحثي عن نفسك..وتعلمي من أخطائك"

لوهلة كان كل ما رأته هي صورة مشوشة لا شكل لها...شاعرة بثقل مبهم داخل أضلعها...لم تدرك رانيا بأن أنفاسها كانت تزداد عنفاً..وأن صدرها يهبط ويعلو بدون انتظام ..تمكنت رانيا أخيراً من إخراج صوتها صارخة بقهر:"أيها الخائن...عديم الرحمة؛عن أي حياة تتحدث؟هل لديك وجه لتأتي الآن وتخبرني بهذا الغباء"

وجهه العنيد كان يزيد إصرار على المُضي في طريقه..رانيا صفحة وانتهت..قطب وهو يشير ببرود لم تعرفه يوماً فيه:"بل ما أتعجب منه انا ما لديك من الجراءة لتعاتبيني لتتهميني بالخيانة وعدم الرحمة أيضاً!!هل غضبك أعماكِ رانيا عن رؤية الحقيقة؟"

كانت تشعر بالضعف والوهن فأصبح وقوفها في حد ذاته معجزة...فكرة رؤيتها لأيان الآن في تلك اللحظة و يلتف حول إصبعه خاتم أخرى كحية رقطاء صغيرة تُكبل بنصره داسة به سمها الذي يعلم الله وحده كيف لفت به رجلها بهذه السرعة؟!!رباااه إنها تموت..تحترق..غمامة أخرى من الدموع غشيت بصرها ليصبح كل شيء أمامها شديد السواد لم تدرك حتى أنها اقتربت منه لا ارادياً...تخبطت بكلتا قبضتيها بضعف وهي تهتف بحرقة هستيرية :"لقد منحتها ما هو لي ضممتها الى صدرك الذي تعهد يوماً ان لا يحتضن امرأة سواي...منحتها وعدك..الذي أخبرتني بأنك لن تجرؤ على إعطائه لغيري..أخبرنى هل قبلتها؟!هل صهرتها بين أضلعك ؟هل سمعت هدير قلبك حتى صُم أذنيها ولم تسمع من الكون سواه؟؟هل اعترفت اليها بحبك بتوق اليها..هل وهل وهل...أخبرني يا خائن"

للحظة ضعف واحدة أراد ان يمسك يديها يجرها لداخله يحتويها هناك بروحه قبل جسده مخبرها بالحقيقة المرة انه لم يجرؤ ان يمس حتى اللحظة يد سارة إلا عندما ألبسها خاتمه حتى تلك الصورة الوحيدة هي جرته اليها ولم يستطع رفضها...استطاع أن يضم يديها في قبضته مبعدها عن صدره..منحها دقيقة..اثنان وعشرة حتى هدأ بكائها من هستيريتها...عندما تحول انهيارها لنحيب ناعم وعينيها تحدق فيه منتظرة إجابة ربما تكون شافية مطيبة..إبتعد عنها خطوة للخلف وأخذ نفس عميق ثم أشار:"ان كان يُريحك لم أفعل كل هذا بعد لم أستطع..ولكني أنوي رانيا...أنوي على منحها أكثر مما منحته لكِ يوماً..ربما أعوضها عن جزء مني سرقتيه..كان من حقها وحدها"

هل هذا صوت قلبها الذي تهشم تارك خلفه فراغ..داخل صدرها الذي أحست به خاويا...خاوياً للغاية..وجهها كان شاحب..عينيها كانتا كبركتين من المرارة التي لن تنضب يوماً،لن تعرف طريق السعادة أبداً...أطرافها المرتعشة الباردة...كانت ترتفع تشير بتشوش بضعف:"ألم أقدم اليك ما يستحق الغفران؟أي شيء حتى لسماعي..تفهم ألمي الخاص ومخاوفي..هل كل ما تشعربه نحوي أني سرقتك يا أيان؟؟"

بقدر ما كان يرغب أن يجرحها ويخبرها بحقيقتها في عينيه..بقدر ما كان يريد أن يكذب مخبرها أنه يريد أن يسمع ويفهم..ولكنه أشار وهو يشعر بصدره يضيق:"لم آتي هنا لأعاتبك يا رانيا ولم أعُد أهتم بمرارتك...بل تستطيعي القول انا الآن تفهمتك تماماً انتِ من حقك أن تخافي من المعاق..لكِ كامل الحرية أن لا تأتي بطفل منه..ولكن ما لم يكن من حقك هو خداعي فارضة عليّ أمر لا أريده..أنا من إصطحبتك بنفسي للطبيب متجنباً الألم الذي كان يمزقتي ليؤكد لكِ ان ما خلقني الله عليه لن يكون أبداً أمراً وراثياً سيحمله طفلك"

هتفت بحرقة:"لدي مبرراتي ودفاعي..أنا كنت أتألم أكثر منك..أتمزق وأحترق..لم يكن أدائي تمثيلي كما إتهمتني بل كُنتُ أحترق مثلك يا أيان...لقد كنت أدمر أمومتي..ولكن كنت أنتظر نتيجة الحمل متمنية ان يخيب أثر هذا السم الذي كنت أمنحه لنفسي ربما يرغمني على التوقف"

النظرة القاسية التي منحها إياها كانت أكثر من كافية لتجعلها تبتلع لسانها داخل فمها...إبتسم بسخرية وتباعد تماما وكأن ما تفوهت به أعاد له تلك الذكرى البشعة لإكتشافه...لقد كان ببساطة انتهى منها ربما إحتاج ان يأتي الى هنا ليؤكد لقلبه أن قرار العقل هو الصحيح أنها لم تستحق أبداً ذلك الشعور بالندم والخواء..بالرعب بعد ما أخبره إياه صديقه أشار ببساطة: "كاذبة..وكما أخبرتك لم يعد الأمر يهمني رانيا..إبحثي عن نفسك وطريقك بعيد عني..كوني عادلة لمرة أخيرة ولا تحمليني ذنب نحوك.."

تهدلت يديه بجانبه ينظر لعينيها ليحرقه هذا الألم الشديد الذي يراه يلون ملامحها..ويمتد لداخله هو كأنه يؤكد لعقله أن ما بينه وبين رانيا أكبر من أن يكسر ويتخلص منه..ولكنها آذته صافعة إياه بحقيقة لم يعترف بها أبداً بشيء كان راضي به..طوّعه وتغلب عليه..هو كان راضي حد التشبع بما خُلق عليه ولم يطلب من أحد الكمال او الإعتراف به..لم يطلب من أحد التميز أو منحه مدح لم يستحقه هو لم يود من العالم إلا إياها وحياة هادئة كانت من حقه..أسرة وعالم يبنيه معها..حدود صغيرة يُرَى داخلها كاملا مؤمنين به..فهل كان هذا طلب كثير ؟!! ألم يستحق منها ذلك العشق والمجازفه قليلاً من أجله؟

أحس بشيء يحرق صدره بنار يتلظى بها داخلياً والصورة القاسية التي يرسمها لها تمزقه قبلها..قسى وجهه بالقهر بالحاجة لتدمير ذلك الرابط بينهما وهو يشير لها:"إبدأي حياتك كما فعلت أنا مع شخص كامل يستحقك أنتِ ووالدك..لتعوضي تلك الأمومة التي حرمتك أنا منها بالنهاية...سارة هي امرأة حياتي..هي المرأة التي أستطيع منحها نفسي وإبني وأنا مطمئن بأنها تستطيع محاربة العالم بنا ومن أجلنا...هي المرأة التي لن أرى فيها وجه إيناس هانم المخملي الذي كان يستعر من الأخرس والتي عجزت حتى عن الدفاع عنه تاركة إياه لتنمر صديقتها..."

عقب انتهاء لغته التي كان يشير بها بتتابع دون توقف او فاصل كان يعيدها مرة أخرى أمام عينيها بقسوة وكأنه يعذب نفسه ويجلدها بما قاله...وضعت رانيا يدهاعلى فمها وملامحها تحمل ما لا يوصف من ألم لا حدود له ولا قدرة لبشر للتعبير عنه...نظرت اليه وكتفيه تتهدل أخيراً ملامحه تنطفئ وكأن شيء بداخله قد مات...راقبته يستدير أخيراً وينصرف تاركها هناك..وهو يعرف أنها أبداً..أبداً لن تكون بخير كما حاله تماما...يقولون الألم يولد كبير ويصغر تدريجياً...فما بال وجعها هي ومصيبتها تكبر كل يوم الى حد لم تصبح دنياها تتحملها...……***********************

من الغريب أن تبحث رانيا عن ديالا في هذا الوقت بالذات وهي تعلم ان شقيقتها تعاني مثلها..مدمرة القلب..عالمها منهار ولكنها أرادت ان تراها لعل النظر الى وجهها وضمها بين ذراعيها يوقف ذلك النزيف بداخلها والذي أوشك ان يزهق روحها..عندما فتحت رانيا باب غرفتها المظلمة دخلت سريعاً مغلقة إياه خلفها لا تريد ان ترى أحد...لم تكن مستعدة ان تواجه تساؤلات أمها ولا رؤية وجه أبيها

"رانيا"الصوت المنهك كان يأتى من أخر الجدار..سريعاً كان فؤادها يسبق خطواتها لتجدها هناك تنكمش في وضع الجنين ملتصقة بالحائط وكأنها تحتمي فيه من شيء ما..بنظرة سريعة استطاعت ان تتبين ملابسها الممزقة وكنزة رجالي ملقاه بجانبها:"رباه ما الذي فعله بكِ؟َ!"

كانت ترتجف وهي تخبرها باختناق:"ضميني كالماضي رانيا..أريد ان أعود طفلة صغيره في الخامسة لا تريد شيء إلا رؤية والدها القادم من السفر حاملاً في يده إحدى الدمى"

تمددت رانيا بجانبها سريعاً وفتحت ذراعيها إليها تضمها بلهفة..وشعور القهر يتعاظم بداخلها كانت تشعر بالحاجه الضارية للصراخ..للتدمير..لفعل أي شيء ربما يبعد آذاهم عنها كررت بحرقة:"ماذا فعل بكِ كلاهما؟هل أذوكِ؟"

كان جسد ديالا كله يهتز بعنف بينما تمتمت:"لا شيء..أنا فقط تعبت..تعبت وأريد أن أرتاح لم أعد أريد مقاومة شيء فقط فليدعوني وشأني"

عندما دفنت رانيا وجهها في كتف ديالا لم تكن حتى تعلم هل تلك الدموع التي بللت صدر كلاهما..دمعها هي أم دمع شقيقتها؟!!

*****************

من الغريب أن يشعر مختار بهذا الكم الهائل من الألم...وجع لم يتوقعه وندم ضعيف باهت يريد أن يطفو على السطح...ينغزه يجلد ضميره المعدم نحو طفلتيه...ربما لم يستشعر بأى ألم نحو رانيا...لم يندم ولم يرهق نفسه بالتفكير بما تعانيه...سيأتي يوم و تعلم فيه ان خلاصها من الأخرس هو كل العقل والصحيح الذي فعله يوماً من أجلها...ولكن ديالا ملامحها بهوتها..ضعفها الذي أغراه شيطانه ان يراه يكسرها ويستمتع به..يجده الآن نار تحرقه..تكويه فيطفئها بإصرار جاعلها تخبو ببطء مؤكد لنفسه أن ذلك الأركان أبداً..لم يستحق ديالا ولم يليق بها..لم يناسبها أركان كان خطيئته التي أدخلها في حياته ويجب أن يتخلص منها...ربما هو وأركان كلاهما مغترب كلاهما بنى نفسه ولكن أبداً إبن الحواري..لم يكن يليق بإبنة مختار الزيني…عاد صوت نوال يطرق على عقله بعنف بوجع الخسارة:"أنت تريد أن تقنع نفسك كذباً حتى تغسل يدك من ذبح ابنتاي ولكنني لن أسامحك لن أغفر لك..فلتضع خسارتك لإبنتيك فوق خسارتي..سأعيش معك منذ اليوم غريبان لم يعرفا بعضهما أبداً"

كان وجهه يتصلب بعنف غير مرئي عيناه تبرق بغضب أسود عنيف...

"أبى "

الصوت الباهت المرهق جعله يستدير مجفلاً. تجمد للحظات مكانه وجهه الذي انهكته خطوط الزمن وربما سواد قلبه نحوها لم يستطع منع وسامة متبقيه فيه أنف بغيضه مستقيمة بتعالي كرهته..منذ ان تواجهت معه لأول مرة في الغربة وهي إبنة ثمان سنوات..يده التي هبطت على وجنتها إثر تمرد بسيط لرفض شراء ما إختاره من ملابس لها مازال يدمى قلبها يجرح طفولتها..كسر شيء بها كانت البداية لكل إهمال وجفاء رأته منه..صوته تلون برفق تعلم كذبه وخبثه عندما قال:"مرحباً صغيرتي..كنت سأمر عليكِ اليوم لأطمئن أنكِ بخير"

وجهها الشاحب منذ أسبوع مضى منذ أن دخلت بعد ساعتين من خروجها..إثر رميه إياها بما قاله كان نفسه..لم يكن أثر للحياة فيه او لانفعال..لقد كانت باردة متباعدة بإنفعالات لا تفسر عندما قالت:"أرجوك مختار بك..توقف انا لا أمثل تلك الأهمية في حياتك..ولا أنت ستفرق لدي أياً كان ما تعانيه !"

تبدلت كل معاملته في لحظة للنقيض ليظهر والدها الذي تعرفه على السطح عندما قال:"ما الذي أتى بكِ اليّ إذن..وأنتن جميعاً أعلنتن عصياني"

الهاتف الذي يرن منذ أسبوع في يدها بإصرار جعل قلبها ككل مرة يسقط بين قدميها جعلها تفتح فمها الذي تقوس بالقسوة..بشيء مبهم تفكر فيه إبنته ولن تمنحه أبداً سرها وما تهدف اليه حقيقة:"أريد منك خدمة مقابل شيء سأمنحه لك..ولكن خطوط النهاية ستوضع بشروطي أنا لا أنت.."

ابنته القوية..المميزة صاحبة الإرادة...كيف لم يستطع ان يسيطر عليها و يجعلها تحت طوعه؟ ديالا هي كل من أراده يوماً خلفاً له..هي كل ما أراد زرعه في رانيا بجانب إحكام سيطرته عليها"هاتي ما عندك"

تقبضت يديها على الهاتف وللحظة تراجعت بهتت أسباب ما تفعله..ما تريد ان تصل اليه حقيقة..لبرهة ترددت وكل ما أرادته أن تجيب على الهاتف صارخة فيه ما الذي يمنعك يا غبي؟ تعالى اليّ حررني من الظلمة التي أريد رمي نفسي بها..ولكنها تراجعت الى أقرب مقعد وهي تقول بحزم: "سأمنحك تشفيك في أركان..انتصار عليه كما تُريد وتسعى..وأنت بنفسك ستبلغه مطلبي الذي أريد ولن أتنازل عنه"

***************************

"مازالت لا ترد..."

رفعت رانيا رأسها تنظر له بصمت مطبق..ولم تجد ما تخبره إياه...هي للغرابة لا تلومه ولا تعتب عليه..بل تجد نفسها تقف في صف أركان بكل قوة ضد الجنون والتطرف الذي تفعله ديالا..هي تفهمه ولكن أبداً لا تعذره لا تبرر له الوجع الذي ضخه صافياً في قلب أختها لسنوات..ولكنها بالنهاية لا تستطيع الوقوف بقوة والقول انه خطأ...كانت تنظر لملامحه المرهقة وملابسه المهملة..ذقنه التي نمت غير مشذبة ..لم ترى إلا رجل آخر كسره والدها فرض عليه أمر لا يريد أي رجل مهما كانت الموانع أن يقبله..اغتالته هي أيضاً مشعرة إياه بعجزه وإهانته عندما غدرت به وتركته ليلة زفافه يواجه الناس والمجتمع بعروسه التي هربت منه وذهبت لآخر..إبتلعت ريقها وهي تقول بتردد:"إمنحها قليل من الوقت..تعلم أنها مهما جُنت ستعود إليك من تلقاء نفسها"

حدق فيها أركان بملامح مغلقة متذكراً وقوفها على باب المطعم إثر ما حدث تسأله بضعف..بهشاشة وضياع يعلم أنه فيها:"مازلت أريد عملي لم يعد لي غيره..هل أنا مُرحب بي أم أستدير مبتعدة عن هنا"

لن ينكر أنها صدمته..فهذا آخر شيء توقعه منها..لم يملك إلا أن يخبرها:"ديالا أرادتك هنا وأنا لا أستطيع الآن أن أزيد رصيدي السيء لديها"

ومن وقتها هي تعمل بصمت..بجد مبالغ فيه حتى انها تتحمل دوره هو وكأنها تُريد أن تشغل عقلها طوال الوقت عن شيء ما إن تركت نفسها اليه..سيقتات عليها حية

قال بإقتضاب:"لا أظن أعتقد هذة المرة انا خسرتها الى الأبد!"

وقفت رانيا من مقعدها المواجه له وهي تكبح ما تشعر به من إرهاق..ثم أخبرته بإبتسامة متصنعة:"لا تكن سوداوي هكذا المشاكل تحدث طوال الوقت وما عرفته ليس بشيء هين..ستهدأ وتتحدث معك..ستمنحك تلك الفرصة..قريباً"

نظر اليها مرة أخرى بصمت مطبق ولسانها المجامل يخبره أن ديالا لم تخبرها بما وصل اليه جنونه في حقها..عندما عاد يضغط على الهاتف مرة أخرى بإصرار كانت رانيا تغادر وهي تخبره:"لدي موعد هام..أراك غداً"

منحها إشارة من يده بينما ينتظر وينتظر..حتى فتح الخط أخيرا فهتف على الفور محاول ان يتمالك مشاعره:"لا تغلقي الخط يا ديالا...إياكِ ان تستفزي أعصابي كي آتي اليك لأهشم رأسك..نحن يجب أن نتحدث"

الصوت الرجولي المرتاح جداً المتشفي هو ما أجابه:"تكلم على ما يستطيع حجمك فعله"

وقف أركان من مكانه بعنف وهو يقول:"أين زوجتي..أريد امرأتي يا مختار لا تدخلها في اللعبة بيننا"

أجابة مختار بهدوء بارد:"تقصد إبنتي التي عادت الى عقلها أخيراً. والى أحضان أبيها"

تحركت يد أركان بعشوائية باحثاً عن عكازه..فسقط على الأرض مطلق صوت مكتوم ألحقه أركان بسباب عنيف وهو يلهت تقريباً وصل للأخرى التي تسمع حديثهما واضحاً فجعلها تقفز من مكانها..لا إرادياً بشيء من الرعب من صرخة سؤال لم تتعدى حلقها اذ ألحقه مختار بطلب ديالا...الذي جعل أركان يتراجع الى الحائط بعنف ملقيا حمله عليها مسقط الهاتف من يده وهو يشعر بالغضب..بالقهر..بطعنة الغدر والخيانة التي كان يخافها يرهبها.."أن تأتي منهم جميعاً شيء وأن تصدر منكِ أنتِ يا حورية شيء أخر لن أستطيع أبداً تحمله او السماح لك بأن يحدث !"

*********************************

وضعت رانيا ساعدها على عينيها حاجبة نظراتها القلقة المترقبة الطبيب ترفض ان تنظر للجهاز عالي التقنية والذي يعكس كل ما بداخل رحمها بوضوح...هي تعلم أنها تتعلق بأمل باهت..معدم..بأحبال الوهم ولكنها تتعشم مع الأعراض التي أصبحت..تعاني منها قيء..هزلان..غثيان وغيرها مما تعرفه من أعراض الحمل..هل يُعقل ان تفكر في هذا الأمل المعدوم..هل تطمع أن يكون الله رحيم بها فيمنحها معجزة..بشكل ما علها تستطيع ان تُكبل أيان تستعيده او حتى توقفه عن ما يفعله بهما من انتقام أعمى..من طريق لا رجوع منه..لم تدرك أنها تعود للبكاء بعنف مرة أخرى إلا عندما إعتدل الطبيب مرة أخرى بملامح غير مفسرة يخبرها برتابة:"لقد أنهيت الفحص ..من فضلك أريد الحديث معك"

خرج على الفور تاركها خلف الستار تعدل ملابسها سرعاً. تقدمت نحوه ويدها تتمسك برحمها تلقائياً..فاجائها الطبيب بسؤاله الذي لم يكن يحمل الود او المهنية:"لماذا أتيتي لي أنا بالذات مدام رانيا"

إبتلعت ريقها الذي جف ثم قالت:"أخبرتُك أني أعاني من أعراض الحمل...ولأكون صريحة معك أيان لن يثق إلا بك"

أخذ الطبيب نفس عميق طويل متذكر العامين الماضيين لقد كاد هو شخصياً أن يفقد عقله وهو يبحث عن الأسباب...عن سر ما يمنع كلاهما طبياً على الأقل وقد تطرق حتى أن يمنحها منشطات إلى أن جازف أخيراً وأخبر زوجها بما يشك به ويكاد يُجزم به يقيناً..قال بعملية باردة:"منذ متى تأخذين الحبوب وهل استشارتي أحد قبل تناولها"

هزت رأسها رفضاً بتوتر وقالت:"بعد زواجي بفترة قصيرة وأخذته من تلقاء نفسي..و..و أوقفتها فور إنفصالي أي ما يقارب الأربعة أشهر..."

تلهى الطبيب في الأوراق التي أمامه يفحص صور كان قد طبعها من جهازه..لحظات مرعبة كانت تجعلها تخوص في مقعدها بإنكماش..كانت تعلم ان ما سينطق به سيدمر آخر ما تبقى منها..ولم يتأخر عندما قال متنازلاً أخيراً:"لا أريد أن أكون قاسي عليكِ ولكن شكك ان هناك حمل أمر يثير الضحك والغرابة سوياً..يؤسفني حقاً أن أخبرك أنكِ دمرتي نفسك..."

كانت أنفاسها تلهث على الفور يدها انتقلت لتضعها على قلبها الذي كان يضيق ويضيق حتى لم يعد متبقياً منه شيء لتستطيع وصفه بأنه دمر:

"ماذا تعني؟"

قال سريعاً ودون رحمة وكأنه ينتقم من شيء ما:"أكياس هوائية تكونت على المبيض وبالطبع أنتِ لن تحتاجي لأخبرك بتبعتها..وبفقدانك فرصك للحمل من الأساس"

قالت بحرقة وبصدر يضيق بدنيا أصبحت كخرم إبره في عينيها:"ولكن هذا الأمر يعالج...ليس عقم ولا بأمر جلل"

كانت تتوسل الرحمه كلمة مرضية تنقذها مما هي فيه..ولكن الطبيب الخمسيني لم يرى فيها إلا ملامح شابة تصرفت برعونة وحماقة معترضه على أمر الله...متعففة عن ما منحه إياها..شابة إغتالت زوجها وخدعته حتى وهي ترى إنكساره وضعفه الذي كان يجعل قلبه هو يتلوى ألماً عند كل مقابلة..متظاهراً بالصلابة من أجلها..يرسم ضحكة الألم على شفتيه مشير لها"قدر..نحمد الله عليه وننتظر!"

نطق أخيراً بخفوت شديد مخبرها نصف الحقيقة فقط علها تفيق مما وضعت نفسها به:"بالطبع هناك علاج ولكن نسبة خطورته غير محسوبة العواقب…ربماعملية جراحية..اذ إنحرفت يد الطبيب أو اهتزت إنش واحد فقدتي فرص أمومتك الى الأبد…."




سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:46 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.