الخدعة _ د.سيد زهران

[MooNy87]

دلف (طايع) إلى معمل الدكتور (هاشم) .. يردد بخلل نفسى واضح :
-" هل أنهيت عملك يا سيدي ؟ "
برقت عين (هاشم) .. قائلا :
-" تقريبا .. "
وأخذ يتأمل عشرة بوابات إلكترونية ، اصطفت في جانب من معمله الواسع ، على مسافات متساوية .. وهو يستطرد :
-" لقد حصرت الفجوات الزمنية في تلك الأبعاد .. "
ضحك (طايع) بهستيرية .. يتمتم :
-" عظيم .. عظيم .. ومتى سنقوم بالتجربة ؟ "
كشف (هاشم) أحد ستائر النوافذ ، يتأمل السماء مُرددًا :
-" عند ظهور أول رعد .. "
نظر (طايع) بدوره للسماء في إثارة ..
-" ما أقرب هذا !؟ "
سحب الدكتور الستارة عائدًا للمعمل .. وهو يقول بحدة :
-" لابد أن نستعد .. "
لاحقه (طايع) .. يتمتم :
-" كيف ؟ "
فرك (هاشم) يده بإثارة اختلطت بالعصبية .. مجيبًا :
-" عشرة أفراد .. "
ضاقت عين (طايع) بعدم فهم لثواني .. ثم سرعان ما ابتسم قائلا :
-" تقصد فئران تجارب ؟ "
أماء (هاشم) برأسه .. قائلا :
-" احدهم فقط سينجو ؟!.. أما التسعة الآخرون ستتحلل أجسادهم بمجرد عبور تلك البوابات .. "
-" وكيف سنحضر هؤلاء ؟ "
تَقَمص (هاشم) دور الشيطان .. مرددًا :
-" كل يوم ستذهب إلى الحانة لجلب أحدهم !؟.. ثم تحبسه في البدروم حتى يكتمل العدد .. "
تراجع (طايع) مترددا خائفا .. وهو يتمتم :
-" وهل سأقوم بهذا وحدي ؟ "
-" نعم .. "
ثم اقترب منه (هاشم) يمسح على رأسه .. مردفًا :
-" تعرف أنني لا أثق إلا بك .. "
(طايع) بسعادة مفاجأة :
-" حقا .. "
-" نعم .. وهل لديك شك في هذا .. أنت شريك في هذا المشروع .. "
ابتسم (طايع) في مزيد من السعادة كالأطفال .. ثم حسم أمره ..
-" أمرك يا سيدي .. هل نبدأ اليوم ... "
ضاقت عين (هاشم) .. الذي فيما يبدو أنه قد فُجئ بالسؤال ..
-" ولما لا .. "
هنا .. أسرع (طايع) يغادر المعمل ، لاعبا دور التابع البائس (فرانكنشتاين) بجداره ، أما الدكتور (هاشم) ، عالم الطاقة المُختل .. فكان هو الماستر الذي يحاول أن يمنح البشرية خلاصة خُباله الفكري !!
***

[MooNy87]

مرت أيام كثيرة .. استطاع خلالها (طايع) رغم خلله النفسي ، في جلب ثمانية أفراد ، لكن مشكلة اختفاء البعض بدأت تثير القلائل الأمنية ، مما جعل (هاشم) يأمر (طايع) بالتوقف .
هنا .. كان لابد من التحرك السريع .. لكن كيف ؟.. التجربة من الأساس قائمة على فكرة استخدام طاقة الرعد ..
أضف احتياجات الأفراد الثمانية اليومية من طعام وشراب للبقاء أحياء ..
كل هذا خلق مناخ من الضغط والتوتر ، حاصر الدكتور (هاشم) .. وجعله أكثر عصبية .. بل نستطيع قول أكثر جنونا !
حتى جاءت تلك الليلة المُنتظرة .. اندفع (طايع) للمعمل يقول بإثارة :
-" السُحب .. السُحب يا سيدي .. "
أسرع (هاشم) ينظر للسماء .. مرددا :
-" تفتكر ؟ "
-" نعم يا سيدي .. إنني اسكن هنا منذ عشرات السنين ، وأعرف متى تسقط الأمطار .. "
صمت (هاشم) يتأمل السماء أكثر .. قبل أن يقول بحسم :
-" هيا .. لنعد كل شيء .. وننتظر .. "
غربت الشمس .. زحف الظلام .. وعند التاسعة مساءً اشتدت الرياح .. وظهر البرق ثم الرعد .. وبدأت الأمطار في التساقط ..
أصابت الإثارة دكتور (هاشم) .. والذي برغم عدم اكتمال فئران تجاربه العشرة !.. أخذ قرار البدء !
كان لديه أمل أن تصيب أحد التجارب الثمانية .. ولا يحتاج للاثنين الباقيين !
اسرع في توصيل كابلات البوابات .. ال(antenna) الضخمة خارج المنزل شرعت في استقطاب الرعد .
طاقة هائلة تسرى الآن في أليافه الزجاجية .. فتألق كل شيء ..
إنها اللحظة المثالية التي كان ينتظرها .. تألقت عينا (هاشم) مرددا :
-" (طايع) .. فلتحضر احدهم .. "
أسرع الأخير في إحضار أول الضحايا ، الذى كان يبدو مُتسولا مسُلوب الإرادة .. فأشار (هاشم) قائلا :
-" تلك البوابة .. "
انتبه المتسول البائس .. فشعر بالخوف .. وبدأ في المقاومة ، لكن (طايع) قوى البنية ، قاده بقسوة نحو الاتجاه الذي أشار إليه سيده (هاشم) ..
-" الآن .. "
دفعه (طايع) بقسوة نحو البوابة .. فدوت صرخة رهيبة في المعمل ، جعلت الأخير يتوارى خلف احد الصناديق !.. قبل أن يرفع رأسه متسائلا بخوف :
-" ما هذا يا سيدي ؟ "
صرخ به (هاشم) متجاهلا سؤاله :
-" هيا .. احضر الثاني .. ليس لدينا وقت .. "
هنا .. دَمعت عين (طايع) فجأة ، بعدما بدأ يلمس بشاعة ما يحدث .. إلا أنه لم يملك سوى الطاعة ..
-" حاضر .. حاضر يا سيدي .. "
ثم غاب لثواني .. عاد بعدها بأعز أصدقائه ..
-" إلى أين تأخذني ؟ "
لم يستطيع الرد ..
-" ما الذي أصابك .. اتركني انصرف .. أرجوك .. "
لكن (طايع) دفعه نحو البوابة الثانية .. ودوت نفس الصرخة ..
***

[MooNy87]

أخذ ذلك المشهد يتكرر مع كل الحالات الثمانية .. حتى وقف (هاشم) يتأمل البوابتين الباقيتين بعيون زائغة ، خالية من العقل .
وقف (طايع) بجواره يبكى .. وينتحب ..
-" اصمت .. "
لم يتوقف عن البكاء ..
-" قلت لك أصمت .. دعني أفكر .. "
كتم (طايع) أنفاسه بيده .. فتأمله (هاشم) باستياء ..
-" أنت عديم الفائدة .. "
ثم لمعت عيناه .. هنا توقف (طايع) عن الانتحاب .. وأخذ ينظر له في رعب ، اخرج (هاشم) مسدس .. متمتما :
-" أنت من سيدخل تلك البوابة الأخيرة .. "
تراجع (طايع) .. يردد :
-" لا .. لا .. لن أدخل .. "
-" بل ستدخل .. وإلا قتلتك .. "
-" القتل أفضل مما ينتظرني هناك .. "
تمالك (هاشم) نفسه بعض الشيء .. قائلا :
-" لكنك لو قفزت .. هناك فرصة 50 % تنتظرك .. "
صمت (طايع) يفكر .. والدموع تغرق وجهه .. في حين استطرد (هاشم) :
-" أما لو بقيت سأقتلك .. هيا .. إنها فرصتك الأخيرة .. "
-" هل هذا أخر خدمتي لك .. "
(هاشم) بقسوة :
-" أمامك دقيقة تحسم فيها أمرك .. "
ران الصمت لثواني .. قبل أن ينتحب (طايع) قائلا :
-" حسنا .. سأقفز .. "
تراجع (هاشم) يردد بجنون :
-" عظيم .. الخلود ينتظرك .. "
ثم عاد يعبث في أزرار كمبيوتر ضخم أمامه .. و(طايع) يقف أمام أحد البوابات الزمنية المُتبقية ..
-" مستعد ؟ "
-" نعم .. "
-" رحلة موفقه .. "
ثم قفز (طايع) نحو البوابة التاسعة .. لتدوي صرخته المُعذبة بالمعمل !!
بعدها ساد الصمت ..
غادر (هاشم) موقعه .. يقترب في تؤدة من البوابة الأخيرة كالمسحور .. متمتما :
-" إذا هو أنتى !؟ "
تلمسها .. ثم عاد مُسرعا للكمبيوتر يرصد التردد الذي ظل طيلة عمره يبحث عنه !
-" ثواني .. وسأغادر ذلك العالم .. "
قام بضبط كل شيء ، ارتدى تلك الخوذة الغريبة .. وأسرع يقف أمام تلك الفجوة الباقية يتأملها .. مستحضرًا قواه الداخلية .. ثم .. قفز .....
قفز بحماس .. تحول لعذاب شديد !؟.. كأن هناك ألف خنجر من سيوف الطاقة اخترقت جسده ..
شعر أنها النهاية .. وأنه أفنى كل عمره يطارد وهمًا ..
هنا فجأة .. شَاهد (طايع) في فراغ المعمل ، يعود من بوابته .. ويقترب ليقف أمامه يتأمله في شماتة ..
التقت أعينهم .. وتشبث (هاشم) بكل ما لديه بحاجز البوابة .. قائلا بعذاب :
-" كيف حدث هذا ؟ "
(طايع) :
-" لقد دخلت البوابة الصحيحة .. لكنني أطلقت تلك الصرخة لتحظى أنت بتلك النهاية.. "
حاول (هاشم) العودة .. التنفس .. الدوران .. لكن قوى الجذب الكبيرة للفجوة ابتلعته .. وتحررت تلك الصرخة الرهيبة .
بعدها ساد الصمت .. و(طايع) يتأمل جدران المعمل بحقد وكره شديدين .. تمهيدا لفعل ما يفعله آي (فرانكنشتاين) - عبر التاريخ - نحو سيدة عندما يسقط إنسانيا أمامه.
تدمير كل شيء ..
أخذ يحرق المعمل بهستيريا .. وانطلق يهرول في ضياع فوق تلك التبة التي يوجد فوقها المنزل .. مخلفا ألسنة اللهب الأزرق تلتهم كل شيء ..!!
***

تمت

[serenade]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .