آخر 10 مشاركات
308 – نيران الحب -جينيفر تيلور -روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          صغيرات على الحياة / للكاتبة المبدعة أم وسن ، مكتملة (الكاتـب : بلازا - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أحلام بعيــــــدة (11) للكاتبة الرائعة: بيان *كامله & مميزة* (الكاتـب : بيدا - )           »          317 – صدى الذكريات - فانيسا جرانت - روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          فِتْنَة موريتي(103) للكاتبة:Katherine Garbera(الجزء2من سلسلة ميراث آل موريتي) كاملة (الكاتـب : Gege86 - )           »          العروس المنسية (16) للكاتبة: Michelle Reid *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree277Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-19, 10:56 PM   #121

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي


مساء الورد يا جميلات
اليوم موعدنا مع أول بريق لرحلة الألماسة حتى تستقر في الفؤاد
ألماستي المقصودة ستعلمونها مع الوقت
دمتم بكل الخير



البريق الأول

أمام مائدة الطعام الطويلة بالبهو وقفت السيدة تحية رافع تمر بعينيها الصارمتين على الأطباق الموضوعة للإفطار ثم ترفع نظرها للنوافذ المفتوحة بدعوة لشمس الشتاء الباهتة أن تدخل المنزل الكبير
تتحرك بعباءتها الشرقية داكنة الزرقة على جسدها المتماسك المنتصب بقوة النساء في بلدتهم رغم سنوات عمرها لتنادي بصوتها السميك الجاد

" إيزارا "

بعد لحظات اقتربت فتاة إفريقية ذات بشرة سمراء ذهبية جميلة الملامح تقول بلغة عربية فصحى ضعيفة

" أمرك سيدة تحية "

أشارت تحية بسبابتها نحو إحدى النوافذ آمرة

" افتحي هذه النافذة .. كم مرة قلت لكِ أن تفتحي كل النوافذ مع بداية شروق الشمس ؟ "

تحركت إيزارا بقوامها الطويل تنفذ الأمر مسرعة فتشير تحية لطبق على المائدة قائلة بغير رضا

" وما هذا الطبق أمام فؤاد ؟!.. تعرفين أنه لا يأكل البيض عيوناً ناعما هكذا بل يحبه ممتزجا ناضجا تمام النضج "

أسرعت إيزارا للمائدة تحرك الطبق قليلا أمام الكرسي المجاور قائلة بارتباك

" هذا طبق الآنسة رنوة .. طبق السيد فؤاد سأحضره حالا "

نفخت تحية قائلة بحزم

" اصعدي وايقظي شهاب أولا .. منبه هاتفه يرن منذ الصباح ولا يسمعه "

اومأت برأسها مبتعدة باحترام لتصعد الدرج فيما اقتربت تحية من النافذة وظلت تنظر للحديقة الواسعة بالخارج .. ترفع عينيها السوداء المحاطة بالتجاعيد القاسية للسماء الغائمة فتتذكر أول يوم أحضرها راسل إلي هنا .. فرحتها بالمنزل الجديد بقلب العاصمة بدلا من دارهم الكبيرة في بلدهم .. كان يوما شتويا كاليوم ..
لا تعلم لمَ تشعر بحدس غريب هذه الأيام يخص فؤاد .. ازداد عنفا وجفاءا باردا أكثر من السابق
زفرت نفسا ضائقا ودون أن تدري رددت بهمس قاسٍ

" ما زرعته أنت ورفيع يا راسل .. سنجنيه جميعا من أشواك فؤاد .. عسى أن يخيب ظني "

ضربت أنفها رائحة البخور القوية من خلفها فاستدارت منزعجة الملامح مختنقة الأنفاس لترى البهو معبق بدخان رقيق واضح للنظر والمبخرة تدور وتدور مع تمتمات القرآن الحافظة
سعلت فجأة حتى احمر وجهها ثم هتفت بقوة

" يا نصرة .. كفى أصبتِنا بالاختناق منذ الصباح .. قلت لكِ من قبل لا تبخري البيت كله .. غرفة العمة بركة فقط كما تريد هى "

ظلت نصرة بملامحها المجعدة طاعنة السن تدور بالمبخرة في يدها ويدها الأخرى منقبضة على فمها تقرأ فيها بعض الآيات القرآنية ثم تمد ذراعها وتبسط يدها بوجه كل ركن من البهو
حتى صرخت تحية بغضب

" أنتِ يا امرأة يكفي "

أجفلت نصرة وهى تلتفت نحوها بوشاحها الأسود كجلبابها تنظر إليها نظرة غريبة جعلت تحية ترتعش عفويا .. ثم قالت بهدوء مريب

" العمة بركة تحب رائحة البخور بكل مكان .. وهى مَن أمرتني اليوم بتبخير البيت كله "

صمتت قليلا وتقدمت خطوة بملامحها الخشنة بوجهها المستدير فابتلعت تحية ريقها بتوجس وهى تضيف

" خاصة غرفة السيد فؤاد .. وقد بخرتها وهو لم يمانع "

استدارت نصرة وابتعدت بهدوء فنظرت تحية للأعلى تجاه غرفة فؤاد هامسة بقلق

" استر يا ستار "



فتحت باب الغرفة بعد أن ظلت دقيقة واقفة بالخارج تطرق الباب بلا جدوى .. نائما على بطنه وذراعه ممتدة للطاولة المجاورة للسرير حيث يضع يده على هاتفه .. كلما رن المنبه يطفئه وينام كالعادة !
مالت بجذعها نحوه قليلا تناديه بخفوت

" سيد شهاب .... سيد شهاب "

صوت أنفاسه يعلو بشخير خافت فمطت شفتيها ومدت يدها تضعها على كتفه تهزه برفق وهى تنادي مجددا بلغتها المُكسَرة

" سيد شهاب استيقظ .. الإفطار جاهز والسيدة تحية تريدك بالأسفل "

تململ في نومه لحظات تتغير وتيرة أنفاسه حتى فتح عينا واحدة فقالت بابتسامة

" صباح الخير سيد شهاب .. الإفطار جاهز "

فتح عينه الأخرى ينظر للعينين السوداوتين الكبيرتين ثم انقلب على ظهره قائلا بصوت مبحوح وهو يتثاءب

" صباح الخير يا نهر الخمر "

أخفضت إيزارا عينيها خجلا مبتسمة وهى تسمع دلالها اللطيف منه بسبب لون بشرتها الأسمر الذهبي فيقارب لون الخمر الداكن
التقط شهاب هاتفه ينظر فيه لحظات قائلا

" افتحي الشرفة من فضلك إيزارا "

اتجهت لتفتح الستائر تتبعها بالزجاج ليغمر ضوء الصباح الغرفة ثم استدارت إليه متسائلة باحترام

" هل تريد شيئا آخر سيد شهاب ؟ "

نظر إليها قليلا ثم قال وهو يبعد غطاءه وينزل ساقيه لينهض

" لا شكرا .. لكن أريد قهوة زائدة السكر على الإفطار اليوم لا شاي "

اومأت إيزارا برأسها قائلة

" حاضر "

انتظرت حتى دخل حمامه ثم اتجهت لترتب سريره وتطوي الغطاء وما إن انتهت خرجت لتنزل الدرج لكنها توقفت مكانها في الرواق قائلة بابتسامة ودودة

" صباح الخير آنسة رنوة .. الإفطار جاهز "

ابتسمت رنوة ابتسامة باهتة دون النظر إليها وهى ترد

" صباح الخير إيزارا .. سأرى جدتي وانزل "

تجاوزتها متجهة لغرفة منعزلة بنهاية الرواق .. وقفت إيزارا تراقبها بإعجاب وشعرها البني الناعم قليل الكثافة يصل لبعد كتفيها بقليل فترفع هى يدها تلمس شعرها الأسود الكثيف المجموع دائما بحكم عملها ..
مرتدية بنطالا ضيقا وفوقه كنزة طويلة فضفاضة بلا ملامح أنثوية تبتلع جسدها الصغير كعادة ملابسها الجامعية البسيطة رغم إنها بالجامعة الأمريكية ..
مرتبكة دائما حتى بخطواتها لكنها جميلة بشكل خفي يسبي القلب .. أحيانا تشعرها أختها أو .. تتمنى أن تكون أختها ..
لكن الأمنيات تظل أمنيات .. فالعين لا تعلو على الحاجب وهى مهما مر الزمن .. ستظل خادمتها.


بعد دقائق كانت تحية وأختها عديلة حول مائدة الطعام وإيزارا تضع أخر الأطباق ثم اتجهت للمطبخ
نزلت رنوة للبهو ووصلت إليهما قائلة بفتور

" صباح الخير أمي "

ردت تحية صباحها وما إن فتحت رنوة فمها حتى ارتفع صوت عديلة ممتعضا

" وليس هناك صباح الخير خالتي ؟! "

نظرت إليها رنوة لحظة ثم تصنعت ابتسامة باردة وهى ترد

" لو صبر القاتل على المقتول ! .. كنت سأقول حالا صباح الخير خالتي"

ردت عديلة مبتسمة ببشاشة مستفزة

" صباح الخير يا عروس البيت "

امتعضت ملامح رنوة متمتمة بكلمات همسا وهى تتجه لكرسيها حتى رأت رمزي متجها للمائدة فظلت تنظر إليه بوجوم وصوته يرتفع مناديا

" إيزارا .. أريد قهوتي حالا "

جلس رمزي على أبعد كرسي عنهم يطالع شاشة هاتفه باهتمام شديد ويده تمتد متناولا طعامه دون انتظار لأحد حتى قالت تحية بغضب مكبوت

" هناك أشخاص يجلسون معك يا رمزي إن كنت لم تنتبه "

نظر إليها نظرة خاطفة ثم أعاد عينيه لهاتفه قائلا بلا مبالاة

" انتبهت أمي .. صباح الخير "

حركت عديلة فمها الغليظ يمينا ويسارا بسرعة عجيبة علامة الخيبة ! .. فيما أبعدت رنوة عينيها عن أخيها بنفس الوجوم الصامت وتحية ترمقه بنظرة غاضبة قائلة

" ألا يمكنك انتظار سكان هذا البيت والجلوس معهم قليلا وأنت تنظر إليهم بدلا من هاتفك يا دكتور ؟ "

ظل رمزي لحظات بملامحه الجادة الجذابة الغير مهتمة ثم رفع عينيه الداكنة إليها قائلا ببرود

" هناك موعد محدد للمشفى .. إن انتظرت كل شخص منكم فلن ألحق أنا بحياتي "

زفرت تحية بغضب تدير وجهها عنه متسائلة بحدة ضاربة بيديها على الطاولة أمامها

" أين فؤاد وشهاب ؟ "

ردت رنوة ناظرة إليها

" شهاب كان ينهي ارتداء ملابسه حين نزلت .. وأظن فؤاد ما زال بغرفته "

جاءت إيزارا تقدم القهوة لرمزي فأخذ الفنجان يرتشف منه ثم قال بسخرية

" كبيركم بغرفة جدتي بركة "

نظرت تحية لأعلى الدرج والقلق يعاودها من جديد.



جالسا أمامها بغرفتها المعتمة إلا من طيف ضئيل لنور الصباح من بين الستائر .. على مقعد من الأرابيسك العتيق يشبه مقعدها الوثير الذي تكاد تختفي فيه بجلبابها الفحمي الشاحب .. هزيلة .. ضعيفة .. جلد على عظام .. جلد خفيف لدرجة رؤية ما تحته بوضوح من شرايين وأوردة وفجوات عظمية ..

ملامحها شديدة التجعد تكاد الاختفاء كشفتيها التي تداخلت بفمها عديم الأسنان .. وشعرها الأبيض تماما يظهر من تحت وشاحها الأسود الشفاف .. مَن يراها للوهلة الأولى يدب في قلبه الرعب إلا .. حين ينظر لعينيها

عيناها ضعيفتي النظر تشع رمادا بعد السواد العميق بحكم عمرها الذي تجاوز التسعين .. لكنها عينان مُكحلَة بالحنان والفقد الغالي لولديها معاً رغم بقايا القوة النسائية القديمة ..

وهو .. صلب الملامح .. قسماته شديدة الحدة والتشنج .. وصدره يستعر بالحريق المكبوت بعينيه القاسيتين

بعد أن هذب طباعه كثيرا بأقنعة زائفة باردة عاد كل شيء من جديد ..
ظلت عيناها بعينيه طويلا تخترق أعماقه بغرابة حتى تساءل مجددا بهدوء بعيد عنه

" لم تخبريني بعد لماذا جعلتِ نصرة تبخر غرفتي اليوم ؟ "

صوته كان يحمل الجواب والقرار كأنه يخبرها بما صار دون أن ينطق .. لكنه لا يجرؤ على إخبارها وجرح قلبها العجوز
ظلت بركة صامتة بنفس النظرة رهيبة الأثر حتى قالت فجأة بصوتها المتداعي ولهجة بلدتها

" نارك هبت يا وليدي "

انقبض قلبه متلويا بعنف واستعر الحريق أكثر .. لم يكن يوما مفهوما شفافا إلي أي أحد إلا بشيء واحد .. عنفه وقسوته التي تندلع فجأة من خلف أقنعة البرود والسخرية واللا مبالاة فيصبها على الجميع بلا استثناء
وحينها .. تهب ناره التي يعرفها الكل
عيناه حارقتين .. بلون السواد العميق الفضائي .. تنويان تدميرا قريبا ..
اشتدت شفتاه بتصلب ثم سأل بتحكم رهيب بأعصابه ليخرج صوته هادئا

" لماذا تقولين ذلك ؟ .. ماذا حدث ؟ "

تضيق عيناه بنظرة مخيفة رأتها بركة وهو ينتظر ردها فتابعت بأسف

" مراجل نار حراقة وتضع حطبها بنفسك دون وعي "

ساد صمت قصير ثائر وهو يخفض نظراته المحترقة عنها .. الآن تأكد أنها لم تعرف شيئا .. ربما رأت حلما مزعجا عنه لا أكثر ..
أنفاسه تعلو ببطء متحكما في انفعاله الداخلي بقبضتين شرستين حتى انسحبت الدماء من يديه على ذراعيّ المقعد وهو يقول بنبرة قاتمة

" دون وعي ؟! "

أدارت بركة وجهها العجوز الأسمر تنظر للجدار البعيد فتتجعد ملامحها أكثر بالحزن حتى قالت بصوت خافت عميق

" هذه المرة نارك أخرها الدم "

ابتسم فؤاد ساخرا .. سخرية عقيمة مريرة بطعم العلقم الذي جُبِرَ عليه يوما
النار بعينيه تتدافع حتى رسمت خطوط وجهه الحاد وقبضته ترتفع قليلا قائلا بخفوت متشنج

" ربما .. مثلما كان أولها الدم "

أغمضت عينيها لحظات طالت بأنفاسها الرتيبة حتى ظن أنها صمتت فوقف بطوله المهيب يعدل سترته متجها للباب إلا أنها فتحت عينيها لتقول بحزن أكبر

" دمك غالي يا وليدي "

توقف مكانه وحاجباه ينعقدان بشدة .. صوتها مؤثرا نافذا لأعماقه بصدق محذر لكن هذه المرة لن يستجيب
عضلة فكه تختلج عنفا وقلبه يطرق صدره المنفعل حتى التفت إليها متسائلا بنبرة غريبة

" دمي أنا ؟! "

لكنها عادت لتغمض عينيها تحني رأسها على كتفها منكمشة بجسدها الضئيل وهى تردد همسا كأنها انفصلت عن العالم

" يا مغيث يا مغيث يا مغيث .... "

ظل ينظر إليها طويلا برهبة لم يظهر منها شيء على ملامحه الجامدة حتى تحرك ليغادر الغرفة بهدوء لا يمت له بصلة.



نزل فؤاد الدرج متجها لمائدة الطعام بالبهو .. يرتدي حلة شديدة الأناقة ، ساعته تنطق بالفخامة ، حذاؤه يلمع كحزام بنطاله ، والخاتم ذو الحجر الأزرق الداكن المنقوش برسم الرافعين في بنصره اليمنى يزيده هيبة جاذبة ..

طويلا .. مهيبا .. ضخم الجسد بصلابة الرجال الأشداء ، الغضب يحفز عضلاته القاسية وصرامة ملامحه ، ذقنه شامخا كمثلث حاد الزوايا تغطيه لحيته قاتلة الجاذبية

عيونهم تتابعه حتى مر من خلف كرسي رنوة لكرسيه برأس الطاولة وجلس متجهما بلا كلمة يضع الطعام بطبقه ويتناوله بصمت شارد ..
مطت تحية شفتيها بقلق وهى تنظر إليه ثم بدأت تتناول طعامها بصمت فيما ظلت رنوة ناظرة إليه بوجوم شديد وعيناها تنضح بالعتاب وقلبها وحيدا منزويا بلا سبب ..
رفع عينيه فجأة ليصطدم بعينيها الضيقة الحزينة فازداد غضب ملامحه هادرا بعنف

" لماذا تنظرين إليّ هكذا ؟ "

اتسعت عيونهم بدهشة منتفضين وهم ينقلون نظرهم بينهما ..
عديلة تراقب كل شاردة وواردة ، بينما انتفضت رنوة مكانها متراجعة قليلا على كرسيها تنظر له بصدمة .. ارتعشت شفتاها لحظة والدموع تلمع بعينيها وصدرها ينجرح بكسر خاطرها أمامهم قبل أن تخفض بصرها لطبقها وهى تطبق شفتيها مانعة البكاء بقوة ..
تنغز عديلة تحية بخصرها فتتبادلان النظرات المتسائلة بصمت متوجس
رمزي يتناول طعامه وهو يرمق فؤاد بسخرية غريبة غير مهتمة ثم يعود للنظر بهاتفه
زفر فؤاد بضيق مناديا

" إيزارا "

أسرعت إيزارا إليه من المطبخ فسألها بنبرة أهدأ قليلا

" هل جهزتِ إفطار جدتي ؟ "

اومأت إيزارا مجيبة

" نعم سيد فؤاد .. جهزته وصعدت به نصرة منذ قليل "

صرفها فؤاد بإشارة من يده ثم أعاد نظره لأخته الصغيرة التي تكتم بكاءها بصعوبة .. ستسيل منها دمعة الآن .. الآن ..
ها هى ! .. سالت دمعة على وجنتها فأخفضت وجهها أكثر تتظاهر بتناول طعامها وهى تمسحها بظاهر يدها حتى لا ينتبه أحد ..
لقد نسى اليوم .. أو انشغل بسواد قادم عن وردته الوردية
التعود .. حين يصبح شيء ما ولو كان بسيطا جزءا من حياتنا فيجرحنا عدم الحصول عليه
كان عليه ألا يجعلها تتعود منه على أشياء خاصة بها خوفا من مزاجه القاسي المتبدل حسب مواسم العنف بداخله
منظرها البائس يثير عطفا لا يرغبه حاليا فتنهد بشبه ابتسامة على زاوية شفتيه ثم نهض من كرسيه ليفعل ما نساه
وقف خلف كرسيها يمد يديه لكتفيها ملاحظا تشنجا بسيطا سرعان ما زال وهو يميل ليقبل رأسها ثم يقترب من أذنها بصباحه المعتاد

" صباح الخير يا وردة "

ردت رنوة همسا مبتلعة ريقها باختناق

" صباح النور "

استند فؤاد بذراعيه على ظهر كرسيها منحنيا إليها بقوله جوار أذنها

" هل تعرفين أنني لولا صباح النور اليومية خاصتك هذه ما كنت أكملت اليوم معكم وأنا أتشاجر مع ذباب وجهي أصلا ؟! .. لذا تفضلي وتكرمي وقوليها بذمة وضمير وبابتسامة واسعة أيضا لكي يمر هذا اليوم على خير "

ابتسمت رنوة ابتسامة عريضة متسامحة قائلة بعشق أخوي

" صباح النور يا فؤاد "

مد فؤاد يده لجانبها يدغدغها مداعبا فتضحك رنوة عاليا وهى تبعد يده لكنها شهقت متفاجئة ويد شهاب تمتد لجانبها الآخر يدغدغها مع قبلته على وجنتها قائلا

" صباح الورد للورد "

ردت رنوة ضاحكة دون أن تغفل نظرة أخيها الأكبر رمزي المستهينة بما يفعلون .. رمزي لا يعيش إلا لنفسه ، رغم أنه أكبرهم جميعا بسنوات عمره السبع والثلاثين إلا أن حياته باردة خالية من المشاعر حتى تركته زوجته
انتبهت من أفكارها على صوت شهاب ناظرا لتحية ثم لفؤاد وهو يجلس جوارها

" صباح الخير أمي .. صباح الفل يا كبير "

فتحت عديلة فمها لتقول شيئا إلا أن شهاب سبقها قائلا بلطف زائد وابتسامة صفراء

" صباح الخير يا خالتي صباح الخير يا خالتي صباح الخير يا خالتي .. لو صبر القاتل على المقتول "

همست رنوة بجواره

" نفس ما قلته لها منذ قليل "

مال شهاب نحوها هامسا

" هل بدأت إذاعتها اليومية ؟ "

هزت رنوة رأسها نفيا وصوت عديلة يقصف بسعادتها الدائمة

" صباح الخير يا روح خالتك "

تناول شهاب بضعة لقيمات ناظرا لرمزي قبل أن يقول بعجب

" صباح الخير يا دكتور "

لم يرد رمزي وهو يقف فجأة مجيبا على هاتفه متجها لباب المنزل

" آه نعم نعم .... عرفت موعد المؤتمر وسأحضر مؤكد .... نعم بالتأكيد ... لا مشكلة سنتصرف هناك .... آه حقا .. هذا جيد .... أنا سأكون في المشفى بعد دقائق إن أردت المجيء لنتناقش في الأمر ..... حسنا حسنا إلي اللقاء "

ساد الصمت قليلا بعد خروجه وهم يتناولون إفطارهم بتوتر وفؤاد ينظر في اثره نظرة مرعبة
لكن صوت عديلة انطلق فجأة كرصاصة غادرة

" سمعت أن هناك جلسة صلح بين الزِيِن والجبالية في البلدة يا فؤاد .. هل ستذهب ؟ "

نظرت إليها تحية بغضب ثم أعادت نظرها إليه هاتفة بقلق

" لا تذهب يا فؤاد .. لا داعي لوجودك كل مرة .. يكفي كل ما رأيناه من تلك البلدة "

نظر إليها نظرة حادة بلا وعي لكن نبرته كانت عادية جامدة

" تعرفين لماذا يجب أن أذهب كل مرة "

زفرت تحية بانزعاج فيما تطوعت عديلة لتقول بفخر

" بالطبع اذهب يا حبيبي اذهب .. الجميع يحبك هناك .. كما أنك لا تمثل راسل فقط .. أنت تمثل رفيع أيضا ولابد أن يظل اسماهما يترددان "

إن كانت نظرته منذ قليل مرعبة فقد كانت الآن جحيما خالصا بوجهه الغاضب لدرجة أنها انزلقت بجسدها قليلا بكرسيها صاغرة تضع عينيها بطبقها دقائق طالت في صمت الجو المشحون
إن كان للنفاق اسم سيكون .. خالته عديلة !

الجميع يحبه هناك !! .. بل يخافونه .. بالنسبة إليهم هو لا يمثل والده ولا عمه فقط .. لكنه الابتلاء الذي حلّ على رؤوسهم ليكمل مسيرة .. رفيع رافع .. الشيطانية !

يتوق ليوم يتحرر فيه من كل هذا صدقا ، لا تحريرا زائفا .. ينطق فيه اسمه دون هذا الثقل الذي يشعره جبلا يخنق أنفاسه

فــؤاد راســل رافــع

ابن الرافعين

أجفلت رنوة على كفه التي غطت يدها قائلا بابتسامة صغيرة

" بطاقتكِ الائتمانية عادت كما كانت يا رنوة .. ادفعي مصاريف جامعتكِ واشتري كل ما تريدين "

ابتسمت رنوة لعينيه المظلمتين بقولها المحب

" شكراً فؤاد "

انطلق صوت عديلة باستفزاز بعد أن هدأ الجو قليلا

" والله يا رنوة جامعتكِ وحدها تحتاج ثروة كل عام .. لا اعرف لمَ لم تدخلي كلية عادية وانتهينا ؟! "

زفر فؤاد وهو يأكل متحكما بأعصابه فيما نظرت رنوة إلي خالتها وهى تثرثر وحدها كعادتها

" لكنكِ ماهرة في الدراسة منذ صغرك .. تسلكين الطريق المستقيم .. بالطبع .. امشٍ مستقيما يحتار عدوك بك "

تمتعض ملامح رنوة ناظرة لطبقها وشهاب يهمس ساخرا

" بدأنا ! "

تتابع عديلة مواضيعها من الشرق والغرب دون انتظار أحد ليرد

" وهذا الفتى محمد الذي كان يريد خطبتك من البلدة .. الحمد لله أن فؤاد رفض .. كان يريد هو الزواج والتعليم على حساب أهلكِ .. يريد أن يدخل بمجهوده ويقول بصلة المحب خروف ! "

ضحك شهاب ضحكة مكتومة فابتسمت رنوة تلقائيا وهو يميل عليها هامسا بتلاعب

" والله حتى مجهوده كان ليكون بصلة .. وفاسدة أيضا !! "

تورد وجه رنوة وهى تهمس بنزق منتبهة لنظرة فؤاد إليهما

" احترم نفسك .. أنا أختك بالمناسبة "

انتبها على صوت عديلة الذي لا يتوقف

" صحيح مرآة الحب عمياء لكن ليس علينا .. لكنني اليوم أردت أن أكون وسيطا لشخص آخر .. رجل بسم الله ما شاء الله .. طول بعرض وجاه ومال والكل يشكر فيه .. بالطبع .. مَن يحببه ربه يُحبِب فيه خلقه "

نظروا جميعهم إليها باستغراب وتحية تسأل

" مَن الذي تتحدثين عنه هذا ؟! "

توترت رنوة وهى تنظر لفؤاد الناظر لعديلة نظرة شديدة الغضب وهى تجيب أختها بسعادة

" نديم رافع .. ابن خالة راسل رحمه الله وتربية رفيع كـ.... "

انتفضوا فجأة على صوت فؤاد الهادر يقطع كلامها

" خالتي "

صمتت عديلة تماما ناظرة إليه بحذر وهو يقول بصوت مخيف

" ادخلي غرفتك "

امتقع وجهها الممتلئ فجأة حتى احتقن الدم به غضبا واتسعت عيناها مذهولة لتقف ببطء تقول بلا تصديق

" تطردني من وسطكم يا فؤاد ! .. لم يكن العشم .. عشت ورأيت اليوم الذي أُطرَد فيه من بيت أختي .. كيف تفعلها ؟!.. وأنا التي في صفك دائما ... أنا التي .... "

لن يتوقف كلامها المتلاحق فارتفع صوته بنبرة أشد غضبا

" كفى "

صمتت ناظرة إليه بصدمة غاضبة بوجهها الأحمر .. لم يكن صمتا بإرادتها بل انطبقت شفتاها وحدهما من هدر صوته ، واستسلم صوتها لأمره المخيف
ناظرا إليها والغضب يلون ملامحه برماد قاتم حتى استدارت متجهة لغرفتها بإحدى الزوايا بالطابق الأرضي فتسمع صوته عاليا محذرا

" بعد اليوم لا تتدخلي بأي شيء يخص رنوة "

تنظر رنوة إليه وعيناها تفيض حبا وتقديرا فتبتسم وهى تقف تأخذ حقيبتها المعلقة على كرسيها لتقول بهدوء

" أنا سأذهب حتى لا اتأخر على أول محاضرة "

التفتت تحية التي كانت تراقب أختها تسأله بعتاب

" لماذا فعلت ذلك يا فؤاد ؟ .. إنها خالتك وببيتنا وعلينا إكرامها "

لم يرد عليها وهو ينظر إلي رنوة قائلا

" تعالي معي وسأوصلكِ في طريقي "

ارتبكت رنوة بغتة ثم ابتسمت بتوتر لترد وهى تشير بهاتفها

" صديقتي تقى اتفقت معي أن تمر وتأخذني من هنا لنراجع أشياءا هامة في السيارة قبل ذهابنا .. وها هى وصلت بالخارج وأرسلت لي رسالة "

انحنت لتقبله بخده فمالت شفتاه بشبه ابتسامة ثم اتجهت للباب بخفة وهى تلوح إليهم مع قولها

" سلام "

خرجت من الباب لتسير متجاوزة الحديقة يتلاعب الهواء البارد بشعرها الخفيف وقطرات مطر بسيطة تستعد للهطول ، حتى وجدت سيارة صديقتها تقى خارج البوابة فاتجهت إليها
ما إن رأتها تقى حتى نزلت لتعانقها بابتسامة ثم تشير لسائق السيارة ممازحة بفخر

" أبي حبيبي الدكتور راشد الصيفي قرر أن يقلنا اليوم وأنا استغليت الأمر ووافقت بالطبع "

ثم مالت على نافذة السيارة قائلة

" صديقتي رنوة تتذكرها بالطبع يا أبي أليس كذلك ؟.. رنوة راسل رافع التي كنت أحدثك عنها "

مد راشد يده من النافذة قائلا بوقار مبتسم

" مرحبا رنوة "

ابتسمت رنوة وهى تمد يدها تصافحه قبل أن تستقر كلتاهما على المقعد الخلفي ليراجعا معا بعض المحاضرات فيقول راشد باسما

" هآنا أصبحت سائق سيادتكما اليوم "

نظرت إليه رنوة بالمرآة مبتسمة وهو يحرك السيارة لينطلق .. رجلا خط الشيب شعره حتى صار أبيض مزين بالفضي الباهت .. ملامحه قليلة التجاعيد تحمل جاذبية وقورة جادة .. أنيقا للغاية بالنسبة إلي عمره خاصة مع اللحية السوداء المختلطة بالأبيض التي تحيط فمه فتعطيه سنا أصغر
انتبهت على صوت تقى تسألها عن شيء ما في الأوراق التي أخرجتها فعادت كل أفكارها للتركيز بدراستها.


وبداخل المنزل زفر فؤاد بغضب وما إن خرجت رنوة حتى نظر إلي تحية يرد عليها

" إنها تريد غرس رنوة بالبلدة أمي .. كل عدة أيام تحضر لنا عريسا معتوها مختلا لا يناسبها لكن المهم أن يكون من طرفها "

صمت لحظة تشع عيناه خطرا وهو يواصل من بين أسنانه

" افهمي أمي .. إنهم يريدون رنوة لأجل الأرض .. يريدونني أنا "

علا صوته بنهاية كلماته فأطرقت تحية بنغزة قلب أم متألمة لحال ولدها المتبدلة ? مواسم السنة .. فؤاد لا يأمن جانبه أبداً .. شراسته لم تعد قابلة للسيطرة مهما ظن الجميع أن كل شيء انتهى بموت .. رفيع ..
نقل شهاب بصره بينهما قبل أن يشرب أخر قهوته ثم ينهض قائلا

" سأطير أنا "

وقف فؤاد متجها إليه بقوله الساخر

" تعال أريدك قبل أن تطير "

خرجا معا تحت نظر تحية التي بقيت وحدها في البهو الواسع تردد بغضب مقهور

" أحرقك الله بنار جهنم يا رفيع "


وصلا إلي المرآب فرفع شهاب الغطاء الرمادي عن دراجته النارية ليركبها ثم نظر لأخيه متسائلا باهتمام

" ماذا تريد مني ؟ "

نظر فؤاد للدراجة النارية نظرة غريبة ثم نظر لشهاب قائلا

" ستأتي معي لجلسة الصلح "

رفع شهاب كفه يرد بشبه ذعر

" لا يا فؤاد أكرمك الله .. لا روح لي لهذه الجلسات "

انزعجت ملامح فؤاد هاتفا بجدية

" لابد ان تعرف ما يحدث ببلدتك .. قاربت على الثلاثين ولم تذهب إلي هناك سوى عدة مرات منذ جئنا هنا "

أدار شهاب وجهه بملل فرفع فؤاد قبضته اليمنى أمام وجه شهاب متابعا بشراسة طباعه

" هذا الخاتم سيؤول إليك بعدي بعد أن تنازل عنه رمزي .. ستكون كبير هذه العائلة .. عائلة راسل رافع "

مال شهاب أكثر يشغل المحرك رافعا حاجبيه بقوله

" بهذا الزمن أصبح كل شخص كبير نفسه يا أخي "

ابيضت مفاصل أصابعه وهو ينزل قبضته جواره يزفر بقوة ثم يرد بعنف مكبوت

" الأرض والمصانع تحتاج لكبير واحد يا شهاب .. السفينة ذات الرئيسين تغرق .. هذه فائدة الكبير الآن وليس للتسلط كالماضي .. بل لإدارة كل هذا "

ربت شهاب على كتفه قائلا بهدوء مبتسم

" البركة بك يا فؤاد .. اعفني هذه المرة لأن لدي عدة رحلات قادمة تحددت مواعيدها منذ فترة .. أم نسيت أنني من أمهر المرشدين السياحيين بالبلد ووقتي ليس ملكي "

قست ملامح فؤاد أكثر لكن شهاب لم يرها وهو يطير منطلقا بدراجته النارية هاتفا

" سلام يا كبير "

ظل مكانه لحظات عيناه تنضح شرا مخيفا ثم اتجه لسيارته ليركبها ناظرا لأرضية المرآب الرمادية .. حيث نقطة لامعة أشعلت بعينيه نارا سوداء حاقدة .. نقطة تشبه .. الألماسة الحرة !.



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 12-12-19 الساعة 11:22 PM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 10:58 PM   #122

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




وقفت أمام باب المصعد في المبنى الفخم والذي تعمل بفرع الشركة الهندسية للانشاءات فيه ، عمل تقريبا يناسب دراستها في كلية الحاسبات والمعلومات
بعد عام من عملها هنا أصبحت مسؤولة عن كل ما له علاقة بالحاسوب بالشركة في هذا الفرع
ترفع رأسها ناظرة لأرقام الطوابق المتناقصة حتى فتح أمامها الباب أخيرا فدخلت ضاغطة زر الطابق ليغلق الباب بموسيقى رقيقة

عملها السادس ! .. بعد أن تركت خمس شركات ومكاتب قبله استقرت به .. ‏أجمل ما بهذا العمل المنطقة الراقية التي رأتها لأول مرة فأغرمت بها ، وخلف المبنى بشارعين مجمع للكليات فترى الشوارع المزدحمة بالطلبة فتشعر أنها منهم مجددا
أما الأسوأ .. سيرها وسط الطلاب يذكرها بسنوات عمرها الثمانية والعشرين والتي خطفها .. النظام .. حين خطف أخيها الوحيد ..

منذ العشرين من عمرها غاب أكرم عن بيته لتظل هى ووالدتها الزهراء تحاولان الحياة حتى يخرج
خرج أكرم منذ يومين ولم يعد أخيها .. دخل السجن شابا يافعا ممتلئاً بالأمل والحرية وخرج رجلا مطموسا بلا أحلام ولا أماني للمستقبل ..
وها هى كارثة جديدة في استقباله .. عرف أولاد راسل طريقهم
تتمنى فقط لو تستطيع إبعادهم قبل أن يعرف أكرم .. رغما عنها تتذكر حوارها مع عبد الجليل يوم عودة أكرم حين تعللت بتصليحات أسفل درج البناية


نزلت معه حتى الطابق الثاني حتى لا يسمع أكرم حوارهما ثم قالت بهمس غاضب

" يا حاج .. يا حاج بالله عليك هل هذا وقته ؟ .. لم أخبر أكرم بعد "

يقف عبد الجليل أمامها بجلبابه قائلا

" اعلم يا أستاذة لكن أنا أخبرتكِ منذ مدة وأعطيتكِ مهلة كافية لتجدي مكانا آخر "

‏ترد بحزم لا مبالٍ

" وأنا لم أجد .. ماذا ستفعل ؟ .. ستطردنا خارج الشقة "

يلوح بيده يرد بعناد غاضب

‏" يا أستاذة ألماسة هذا حقي .. عقدكم انتهى ولا أريد تجديده .. أنا أريد الشقة "

يا رحيم من هؤلاء البشر .. بعد أن كانوا يملكون شقتهم انتقلوا لإيجار حديث بسبب أمر إزالة للبناية التي كانوا يقيمون فيها
تتنهد بابتسامة صفراء ثم تهادنه برفق

‏" يا حاج .. نحن نسكن هنا منذ سنوات ونجدد العقد كلما انتهي ونسدد الإيجار بمواعيده .. ما الذي تغير هذه المرة ؟ "

‏يعلو صوته قليلا مشيحا بوجهه بقوله المتصلب

" أريد الشقة .. بيتي وأنا حر به "

تطرق ألماسة برأسها لحظات تمسك بسور الدرج العريض ثم تنظر له تسأل

‏" هل تريد أن ترفع الإيجار ؟ .. إن كان كذلك لا مشكلة "

‏لا ينظر إليها وهو يقول بنفس النبرة

‏" بصراحة عُرِضَ عليّ إيجارا أكبر خمس مرات وأنتِ تعرفين أني أجهز ابنتي للزواج وأحتاج لكل قرش "

عقدت حاجبيها باستغراب تتفحص ملامحه المجعدة حتى قالت

‏" إيجار أكبر خمس مرات في هذا الحي ! .. وهذا البيت !! "

تتكسر قشرة بروده وهو يشعرها تهين بنايته الغالية فيرد غضبا

" يا سيدة إنه طبيب مشهور ويريد فتح عيادة في منطقة شعبية كهذه لعلاج الناس البسيطة هنا .. هل ستحققين معي ؟ "

ارتفع حاجباها بلا تصديق .. سيدة !! .. لو سمعه ماهر لدك عنقه !! .. يناديها مثلما ينادي بائعة الفجل على ناصية الشارع !!
تمتعض ملامحها ورغما عنها تراعي سنه الكبيرة فتقول بهدوء

‏" لا حول ولا قوة إلا بالله .. ونحن ما ذنبنا يا حاج ؟ "

يهم بالمغادرة منهيا النقاش

‏" ولا ذنبي أنا .. جدوا مكانا آخر وهذا أخر كلام عندي "

‏لا تعلم لمَ ‏استوقفته بسؤالها

‏" ما اسم ذلك الطبيب ؟ "

يلتفت الرجل عابسا وهو يسأل بتوجس

‏" لماذا تسألين ؟ "

‏تمط شفتيها وهى تفهم قلقه أن تُضيع عليه البيعة فترد ببرود

‏" أريد أن أعرف مَن الطبيب المشهور الذي يريد فتح عيادته هنا ؟! "

تتكبر ملامح الرجل كأنه يعرفه شخصيا قائلا بفخر

‏" دكتور رمزي رافع "

سكنت أمامه بغيمة ملامحها القلقة مكررة

‏" رمزي رافع "

تفترق شفتاها عدة مرات خوفا من نطق كلمة ليست بمكانها حتى قالت بنبرة عادية

‏" الدكتور رمزي رافع تحدث معك بنفسه ليفتح عيادته هنا ؟! "

‏نفخ الرجل ببرود مستهينا بها ثم قال بنفس الفخر

‏" لا يا أستاذة .. تحدث معي أخاه السيد فؤاد رافع بنفسه .. وبصراحة هو يريد هذه الشقة لأخيه بأسرع وقت "

‏أطرقت تنظر أرضا تشتد شفتاها كوتر حامٍ ثم تتمتم

‏" هذه الشقة تحديدا أليس كذلك ؟ "

‏لم يسمعها عبد الجليل وهو يقول بتهديد واضح

‏‏" لو سمحتِ أريد الشقة خالية خلال أسبوع وإلا ... لا .. بدون إلا .. حتى الآن "

نزل الدرج مغادرا لشقته بالطابق الأول وتركها في غضب لم تشعر به منذ زمن خوفا على .. أكرم .



فتح باب المصعد بموسيقاه الرنانة فأخرجت نفسا قلقا تحك جبهتها بتوتر كلما تذكرت الموضوع .. تتجه للشركة ولقاؤها معه يصيبها بنفس الغضب

( أريدكِ أن تموتي .. لن ارتاح إلا حين أراكم أمامي ... جثث )


صوته المخيف يجمد الدم في عروقها كلما تذكرته كأنه يرن بعقلها لا يتوقف ولا تنسى نبرته .. لم تعرف والدتها بزيارتها له وإلا كانت منعتها .. لو فقط يفهمها أحد ماذا حدث ؟!
بعد ما قاله ظلت تنظر إليه بثبات رغم دهشتها العارمة وهلعها الخفي وهو على وشك قتلها بمكانها حتى خرجت تكاد ساقاها انهيارا وشيكا
تخاف .. على والدتها وأخيها ونفسها .. وعلى ماهر إن تدخل

تمر بالمكاتب العديدة حتى قابلتها مساعدتها يمنى فانتشلتها من أفكارها بقولها المبتهج

" صباح الخير مهندسة ألماسة .. لقد أعلن الأستاذ سيد للجميع اليوم أنني مظلومة ولم أُزوٍر الأرقام في أوراق المشروع الأخير كما اتهموني .. أردت أن أشكركِ .. لولا الأوراق التي أرسلتِها إليهم تؤكد براءتي لكان الله وحده اعلم أين سأكون الآن ؟.. ربما في السجن .. لا أوقعكِ الله في ضيق أبداً "

ربتت ألماسة على كتفها قائلة بابتسامة عملية

" لا داعي للشكر يمنى .. لم افعل شيئا .. لكن اؤكد عليكِ مجددا .. اكتبي .. اكتبي كل شيء لتتذكريه .. حتى مواعيد حضورك وانصرافك بالتواريخ .. حتى تاريخ الإجازة اكتبيه .. تاريخ استلام راتبك وكل شيء له علاقة بعملك .. لا تعتمدي أنهم يكتبون لكِ بدفتر الشركة .. اعتمدي على الله ثم على نفسك .. لو كنتِ كتبتِ تاريخ استلامكِ لتلك الأوراق لكان إثبات براءتك سهلا للغاية بدون أن افعل شيئا "

ردت يمنى بوجهها الصبوح البريء

" صرت اكتب كل شيء منذ نصحتِني .. أنا لا أصدق أنكِ كنتِ تكتبين لي وتسجلين كل شيء "

اتسعت ابتسامتها وهى تقول بتألقها المهني

" أنتِ تعملين معي في القسم التابع لإشرافي .. إذاً الاهتمام بأموركِ المهنية من صميم عملي .. والآن هيا إلي عملكِ كي لا نضيع مزيداً من الوقت "

هزت يمنى رأسها قائلة

" حسنا لكن السيدة ولاء الدغيدي اتصلت وتريد نسخة من برنامج الشركة للستة أشهر القادمة "

تلك السيدة التي تعمل بشركة الحاويات وأعطت لها بطاقتها يوما .. نفس البطاقة التي أعطتها لسكرتيرته مدعية أنها ولاء
ردت ألماسة بجدية

" ستجدينه جاهزا في مجلد على الحاسوب اسمه حاويات "

اومأت يمنى بعملية وامتنان متجهة لغرفة جانبية سعيدة بقول رئيستها أنها تعمل ( معها ) رغم أنها وظيفيا مساعدتها إلا أن المهندسة ألماسة رغم حزمها لا تتكبر على خلق الله كمدير الشركة سيد المستفز بغروره .. ورغم أنه أعلن براءتها اليوم للجميع إلا أنه سيظل أسخف رجل رأته بحياتها.

اتجهت ألماسة لغرفة في نهاية الممر وقد عاد إليها مزاجها العملي المعتاد متناسية مؤقتا الكارثة المقبلة عليهم
طرقت الباب وفتحته تطل برأسها بابتسامة عريضة بصباح خاص

‏" صباح الخير "

وضع القلم من يده على المكتب ثم وقف بقامته المتوسطة مقتربا بقوله المنشرح

‏" يا صباح النور "

آه .. شيء آخر جميل بالمكان ! .. هذا الرجل الذي انطبق عليه وبجدارة .. فارس أحلامها !! .. بملامحه الحنونة بطيبة أهل البلد ورجولة صارت نادرة هذه الأيام
يفتح الباب أكثر ليطالع وقفتها الأنثوية فيتابع همسا

‏" والجمال "

متألقة ? بحر ساحر بثوب صوفي فيروزي على بنطال سماوي تختفي ساقاه داخل الحذاء الأسود عالي الساقين .. الوشاح الصوفي الدخاني الذي اشتراه لها حول عنقها ? موجة تتأمل لمس وجه بدر البدور الماسية
يبتسم لعينيها اللامعتين ألقاً متسائلا بإعجاب

‏" ما هذا الجمال ؟! .. من أين تحضرينه ؟! "

ترمش بأهدابها الطويلة المزينة بالأسود مجيبة وهى تنظر لعينيه الخضراء الداكنة

‏" من عينيك الأجمل "

‏يقترب خطوة ينظر بالخارج إن كان هناك أحد بالممر ثم يقول بصوتٍ خافت

‏" اشتقت إليكِ منذ الأمس .. تخيلي ! "

‏تبعده بظهر يدها قائلة بترفع لذيذ

‏" وأنا "

‏تتجاوزه حتى مكتبه فيغلق الباب يراقب ما تفعله وهى تخرج لفة ما من حقيبتها
‏منذ بداية تعاملهما بالعمل وقد افتتن بذاك الترفع العشقي الذي تحمله .. تجمعه بتواضع عجيب وضعف أعجب لحبيبها فقط .. لكن الكبرياء تجري حرة بعروقها لا تقبل تنازلا لا ترضاه
‏يسمع صوتها المهتم وهى تفتح اللفة البيضاء

‏" هيا تعال .. أحضرت لك شطائر للإفطار "

‏تأخذ واحدة تبدأ في تناولها فتمتد يده يأخذ شطيرة فول يدقق النظر بها ثم يتساءل بشك الذي يكذب نفسه

‏" من أين هذه الشطائر يا ماسة ؟! "

‏تقضم ألماسة متلذذة بالطعم الساخن للفول مع البهارات ولمسة الطحينة تجيب ببساطة

‏" من عربة عم خليل "

‏نظر إليها بصمت مغتاظا لحظات قبل أن يشير بسبابته للشطيرة التي بيده الأخرى قائلا

‏" توقعت .. هى بائنة فعلاً ! "

‏تجلس تأكل شطيرتها بلا مبالاة فيجلس على الكرسي الآخر أمام مكتبه يقول بغيظ رغم هدوئه

‏" وقفتِ على عربة الفول المحاطة بخيرة رجال المنطقة هذه الساعة من الصباح وطلبتِ الشطائر عادي !! "

توقف فمها مفتوحا لحظة ثم عقدت حاجبيها ببطء تناديه بنبرة تجمع دلالها وعدم اهتمامها بتكبير الأمور مثله

‏" يا ماهر .. يا ماهر ! "

‏كعادته يرد من بين أسنانه

‏" يا نعم ! "

‏تهز ألماسة كتفها المترفعة مثلها مع كلماتها المتدفقة ببساطة مغيظة

‏" عم خليل عرفني من كثرة ذهابي معك وانتظارك بعيدا عن العربة .. اليوم سألني أين المهندس فقلت له لاااا .. اليوم المهندسة ستحضر الإفطار .. قال لي أنرتِ ونادى على صبيه محمد ليعد لي طلباتي سريعا "

‏ ‏ظل ماهر ينظر إليها بحنق حتى حك ذقنه قائلا بابتسامة صفراء

‏" يا سلام ! .. ما هذا العسل ؟! "

عربة عم خليل أيضا من الأشياء الجميلة ! .. عربة أمام مجمع الكليات يعمل عليها هو وصبي يقربه في الثالثة عشر .. لا تخلو من الرجال ولا من الطلبة أبدا .. تجعل رائحة تلك المنطقة مشبعة بالبصل دوما ورائحة الأنفاس الفواحة !! .. لكنها من أجمل الأشياء البسيطة الشعبية التي تحبها

‏تبتسم ألماسة رافعة ذقنها ترد بثقة

‏" لا تقلق .. خطيبتك رجل "

تختفي ابتسامته ناظرا إليها بملامح معكرة ثم يقول محذرا

‏" إذاً لا تفعلها مرة أخرى يا ذكر أحسن لك "

تعقد حاجبيها مبتسمة بدلال وهى تأكل بأريحية ثم تلتقط قطعة جزر مُخلل تضعها بفمها وهى تقول باستفزاز

‏" هيا كُلْ .. سيبرد الفول "

يتعلق بعينيها الهاربتين بدلالهما العنيد فينبض قلبه خوفا غريبا مناديا بجدية

‏" ألماسة "

تعرفه حين ينادي ألماسة وليس ماسة يكون جادا للغاية .. لذلك رفعت عينيها لعينيه الخضراء الساحرة واعدة بصدق

‏" حاضر يا ماهر .. أخر مرة "

بنبرة صوتها ضعفها لحبيبها وبين الوعد قوة دعم مستقبلية هائلة الطاقة .. تمده بالرغبة في فعل المستحيل لأجل عينيها
انسابت عيناه من ملامحها الجميلة لقوامها المتناسق بحرفية الرغبة فيقول بمكر

‏" رجل ! .. كل هذا ورجل ؟!! "

عبست ألماسة تضيق عيناها مشيرة بذقنها لمكتبه قائلة بغضب زائف

‏" والله اضربك بدباسة الأوراق هذه افتح دماغك "

ضحك ماهر ثم رد عليها بإغاظة

‏" والله ساعتها ستجلسين تبكين عليّ كأنكِ أنتِ المضروبة ! "

امتعضت ملامحها وهى تأكل من شطيرتها بغل رجولي خالٍ من الأنوثة فيهز رأسه يأسا ثم يأخذ أحد الملفات على مكتبه يضعه أمامها قائلا

‏" خذي .. هذه البيانات تدخل اليوم على الحاسوب .. اتركي أي شيء آخر وادخلي هذه أولا بنفس الترتيب لأن أستاذ سيد يريدها اليوم "

ألقت نظرة سريعة على الملف ثم هزت رأسها فيأكل من شطيرته ببطء ثم يقول

‏" و .. شيء آخر "

نظرت له بتساؤل متمتمة

‏" ماذا ؟ "

رفع عينيه للسقف بيأس ثم نظر إليها قائلا بتوجس

‏" وجدت شقة مناسبة "

ابتسمت ألماسة هاتفة بأمل متزن

‏" حقا ؟ "

ذلك الأمل الكاذب ينحر صدره .. كل مرة يذهب ليرى إحدى الشقق فيجدها إما معيبة إما أعلى من مقدرته وهى .. دائما مبتسمة متحملة بهذا الأمل
ينظر إليها طويلا وقلبه ينقبض بعجز مادي خانق ثم يقول بابتسامة واهية

‏" هل ستأتي معي وترينها أم ككل مرة سأرسل لكِ صورها ؟ .. تعالي معي ربما يكون وجهكِ حلواً علينا هذه المرة "

يرق قلبها لحاله كلما تطرقا لهذا الموضوع وهو ليس بيده شيء أكثر .. يفعل كل ما يستطيعه لكي يجمعهما بيت قريبا لكن .. ما باليد حيلة ..
عبست بطفولية قائلة بحنق مدلل لتخفف عنه

" ربما ؟!! .. وجهي حلواً بالطبع بدون ربما .. ثم نحن اتفقنا لو أعجبتك أول مرة سآتي معك لأراها المرة الثانية وكل الشقق السابقة لم تعجبك .. لكن قلبي يشعر هذه المرة إن شاء الله خيراً "

أنهت كلامها بدفء مبتسم فاطمأن قلبه بدعمها الخفي ثم يسأل مداعبا

‏" حقا ؟!.. فقط ؟! "

تعقد حاجبيها متسائلة بلا فهم

‏" فقط ماذا ؟! "

يرد ماهر بخبث مغيرا الموضوع مؤقتا

‏" ظننت أنكِ لا تأتي معي .. خوفا مني أو شيء من هذا .. لكن لا تقلقي السمسار سيكون معنا حبيبتي ! "

زفرت نفسا حادا خجولا وهى تنظر جانبا منادية من بين أسنانها

‏" يا ماهر .. يا ماهر ! "

يبتسم ابتسامة عريضة مجيبا

‏" يا نعم "

أشارت بحاجبيها نحو المكتب قائلة بفظاظة مصطنعة

‏" ابعد الدباسة من أمامي ! "

‏ضحك ماهر ليسود الصمت دقائق يتناولان الشطائر حتى قال بنبرة دافئة

‏" يا رب تكون مناسبة حقا .. أريد أن أتزوجكِ اليوم قبل غدا "

نظرت إليه لحظة ثم أخفضت عينيها ووجنتاها تشعان وروداً فيبتسم قائلا

‏" ماسة .. أريدكِ أن تحددي لي يوما لأدعوكم على العشاء حسب ظروفكم .. أنا كنت سأقول الليلة لكن لا اعرف ظروف أكرم .. أريد أن أتعرف عليه أكثر وأن يعرفني هو أكثر .. صحيح أنا كنت أزوره معكِ من حين لآخر لكن من بعيد لبعيد "

أنزلت يدها بالشطيرة وملامحها تتخاذل بتثاقل حتى ردت بنبرة مهمومة

‏" حاضر يا ماهر إن شاء الله .. تمر فقط هذه الأيام على خير أولا .. أكرم لا يخرج من غرفته تقريبا ولا يتحدث معنا كالسابق .. تغير كثيرا "

رد ماهر بجدية ونبرة داعمة فوق ما تخيلته

‏" ثمانية أعوام ظلماً يا ماسة .. كان الله بعونه "

ابتسمت لعينيه فمنحها أمانه وعدا غير مشروط .. دائما هذا الإحساس بالأمان معه يلوح بعينيها .. ربما لابتعاد الكثيرين عنهم بسبب موضوع أكرم حتى أنها كانت متحفظة بكبرياء في إخباره حين طلب خطبتها بالبداية
اليوم ترسم مستقبلها معه براحة وسكينة أنه لن يخذلها ..
تعود لتناول إفطارها متذكرة ما قالته الزهراء صباحا فتخبره

‏" بمناسبة العشاء .. أنت هو المدعو على العشاء معنا غدا .. أمي تقول لك ستعد أصنافك المفضلة كما ستعدها لأكرم فأنت عندها مثله "

مال للأمام يلتقط قطعة خيار يضعها بفمها قائلا بسعادة

‏" حماتي وتحبني ! .. وهى أيضا حبيبتي الزهراء "

تتناول شريحة الخيار من أصابعه قائلة بامتعاض زائف

‏" اشعر أنكما ستتفقان عليّ مستقبلا "

‏مال رأسه باستعراض متراجعا لظهر كرسيه مجيبا

‏‏" هذا يحدث منذ الآن يا حياتي "

ساد الصمت لحظات أخرى بنظرات أكثر دفئا حتى قالت بصدق

‏" أنا أيضا أتمنى أن تكون مناسبة ! "

الزواج بحد ذاته صار معضلة هذه الأيام !.. وسواء كانت الشقة مناسبة أم لا فإن القلوب حية على أرض البلد العامر بالخير ..
وكان هو يبتسم لأرضه الماسية هامسا

‏" أحبكِ على فكرة "

اتسعت ابتسامتها فتلمع عيناها بلونها الآسر لترد بترفعها الساحر

‏" وأنا أيضا على نفس الفكرة .. تخيل ! "

‏وقف ماهر مبتسما براحة يخرج هاتفه ثم نظر إليها قائلا

" تعالي "

وقفت بجواره تنظر لشاشة الهاتف مبتسمة مثله ليلتقط لهما صورة .. لذكرى أخرى.





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 12-12-19 الساعة 11:28 PM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 11:00 PM   #123

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




شركة العامري

فتح المصعد بابه ليخرج منه إلي الرواق المؤدي لغرفة مكتبه الجديد بعد ترقيته كنائب رئيس مجلس الإدارة بالشركة
اثنا عشر عاما يعمل هنا تاركا أرضه وأملاك عائلته وبلدته التي يزور أهله بها كل حين بعيد ..
الأرض ألم .. دم .. دموع بقايا البشر
ورغم ذلك .. كان وسيظل مجرد حادث إرهابي لن ينال منا .. زاد من قوة الشعب ليزدادوا عددا وهيبة وبأسا ليدفنوا الظالمين بأسفل سافلين ، ويظل الشعب صامدا شامخا

بأناقته الملفتة وخطواته الواثقة المعتدة بنفسه ذات الكبرياء .. غامضا .. شديد الغموض لكل مَن حوله ..

يقولون أنه مليونير ماتت حبيبته بسبب ماله فترك كل شيء ليبدأ من الصفر .. ويقولون أنه مجرد فقيرا قادما من حارة شعبية ارتفع بمستواه .. يقولون أنه متزوج عرفيا .. ويقولون أحيانا أنه مزواج وعلى ذمته أربعة !! .. ولا أحد يعرف أين الحقيقة ؟!
ولن يريح هو أحد بمنطق .. الصيت ولا الغنى

مريحا ومريبا بنفس الوقت .. عفويا حد الهلاك بسحر رجولته .. يعامل الجميع بمنتهى المهنية والرقي ، ويجابه مَن يتحداه بثقة تصل للغرور
هو .. نظرة من عينيه تحكي حكايا التملك .. العبث .. المكر .. عيناه السوداء تشعان طاقة وحيوية وإثارة .. عيناه مثل .. مثل شقيّ قمر ..
تستقيم من الأسفل لتدور بك من الأعلى وحين تضيق .. تقع في الفخ !
فخ جاذبية رجال الوادي .. قتالاً يا ابن الزِيِن
وخلف التأنق .. يتلوى القلب وجعا .. قتيلاً قتالاً
وصحراء الوادي تحكي .. عـمـاد رشـاد زيـن الـديـن

يتجاوز مكتب السكرتيرة لمكتبه حين وقفت تقول بتهذيب

" هناك مَن بانتظارك سيد عماد .. السيد ... "

لم تكمل كلامها وهو يفتح باب الغرفة ويدخل بالفعل يرى مَن ينتظره ثم يهتف

" فـؤاد رافـع عندي هنا !! "

نهض فؤاد متحركا خطوة ليعانقه عناقا رجوليا صلبا ثم جلسا متواجهين أمام المكتب ليرد

" الهاتف لا يأتي بنتيجة معك لذا جئتك بنفسي "

رفع عماد سماعة هاتف مكتبه ضاغطا على أحد الأزرار قائلا

" أنرت يا فؤاد "

يأتيه صوت سكرتيرته على الهاتف فيقول

" اثنان قهوة بسرعة يا رنا "

وضع السماعة ناظرا إليه فيقول فؤاد بنظرة غامضة

" حلوة رنا ! "

ابتسم عماد مخفضا عينيه لحظة ثم رفعهما إليه قائلا

" اممم .. إذاً ما سـر هذه الزيارة الغريبة منذ الصباح ؟! .. لا تخبرني أنك أتيت لتبدي إعجابك بسكرتيرتي ! "

طرق فؤاد بأصابعه على المكتب لحظات متنهدا ثم قال مباشرة

" أظن أنك تعرف أن هناك جلسة صلح بين الزِيِن والجبالية ... الشيخ رشاد تحدث معي لأقنعك بالمجيء "

غابت ابتسامة عماد خلف غيمة ملامحه وهو يطرق برأسه لحظات طويلة .. يغمض عينيه متمالكا انتفاضة قلب قديمة عمرها أكبر من عشر سنوات .. عمرها من عمر مراهقته ..
منذ أول طيف ماكر لون عينيه بطاقة الشباب .. وأصاب ابنة الجبال
أخرج نفسا طويلا وهو ينهض يلتف حول المكتب ليجلس مكانه قائلا بجدية واثقة

" الزِيِن والجبالية لن يكون بينهم صلح أبداً يا فؤاد .. كل هذه جلسات شكلية لا أكثر .. ومؤكد أنا لن أضع يدي في أيادي رجال الجبالية "

نظر إليه فؤاد قليلا بصمت ثم قال

" لقد سال الدم بين الرجال يا عماد .. الشيخ رشاد يريدك بجواره كأخيك عوف "

انقبض صدره بتذكر الدم وذلك اليوم فهتف بقوة نبرته

" أنا لم ابدأ هذا الدم يا فؤاد .. الجميع صاروا يحملونني ذنبا قديما لا دخل لي به "

تنهد فؤاد وهو يحك ذقنه مفكرا ثم رد دون مواربة

" لكن أنت لك دخل به بالفعل يا عماد .. صحيح أنك لم تبدأ الدم لكن العداء الذي صار بين الزِيِن والجبالية كنت .. سببه الرئيسي "

سببه الرئيسي أنه أحبها .. وذنبها عندهم أنها أحبته
صمت فؤاد ينظر لعيني عماد التي تقدح نارا قديمة ثم تابع

" اليوم أي شجار بسيط بين رجال العائلتين لابد أن يُذكَر اسمك به ''

ظل عماد ينظر إليه بصمت غاضب .. بين التذكر والنسيان يقف محترق القلب .. ضاع منه كل شيء منذ سنوات ..
الآن جزاؤه بهذه الدنيا ذلك الخير الذي قدمه بإنقاذه لعدة حيوات لا أكثر ..
منذ تسع سنوات انتهت حياته بموتها أمام عينيه .. تلك السلاف الخالصة جمالا وحنانا وإباءا ..
ثم كادت حياته تنتهي فعليا ودماؤه تسيل ذبحا لولا إنقاذ عائلته ووقوف فؤاد بجواره يومها ..
لتهديه الحياة صدفة غير كل الصدف .. جاءت وضاعت بلمح البصر

طُرِقَ الباب لتدخل رنا مع ساعي الشركة يقدم لهما القهوة ثم خرجا معا وما إن انغلق الباب حتى نفخ عماد نفسا لاهبا بالغضب ثم شرب قليلا من قهوته قبل أن يضع الفنجان بحدة على طبقه مصدرا رنينا قويا ليسأل محاولا التحكم بأعصابه

" ما الذي تريده الآن ؟ "

نظر فؤاد لفنجانه على الطاولة أمامه وسواد القهوة يألفه داخله تماما .. قبضته الأخرى تشتد بغضب آخر .. الآن يحاول إقناعه بالعودة للأرض وهو نفسه الذي أراد الهروب منها منذ زمن لولا أن انغرس بها غرسا شيطانيا ..
هو لم ينقذ حياة عماد فقط يوم الحادث الإرهابي .. لكنه كان يرد جميل عماد برقبته وهو الذي أنقذه قبلا من سواد كيانه ..
صداقة دامت لسبعة عشر عاما لا يفصمها شيء .. ورغم كل ما يقال عنه ببلدته إلا أن عماد يتفهم ما حدث له ويبقي على صداقته دون الاهتمام بالآخرين
رد فؤاد بهدوء غريب عن طبعه الناري

" كما قلت لك .. الشيخ رشاد يريدك أن تحضر "

تراجع عماد على كرسيه يمرر يده بشعره زافرا باستياء ثم قال

" أبي لا يريدني أن أحضر فقط يا فؤاد .. يريدني أن أعود للبلدة وأنت تعرف أن هذا مستحيلا الآن حتى لو لم يكن هناك أي مشاكل "

ربما .. حين تحدث معه الشيخ رشاد لمح بصوته توجسا من تلك الصداقة المشؤومة على عماد لكنه اضطر لذلك بما أنه مع عماد في نفس المدينة والأقرب إليه وإلا ما كان تحدث كبير عائلة الزِيِن في موضوع كهذا إلي أحد ابناء الرافعين .. بل الأسوأ منهم
تصاعد الاصرار بعيني فؤاد المحترقتين بحدتهما الطبيعية ليرد

" لا تعد .. أنا أيضا لن استقر بها يوما .. لكن الأرض والعائلة تحتاجك يا عماد .. لا تنس أخواتك البنات .. سيحتجن يوما أن تصلب ظهرهن .. أنت كبير عائلتك بعد عمر طويل للشيخ رشاد وأخيك عوف "

نقر عماد على الملفات الموضوعة أمامه قائلا بثقة

" توقف عن تلميحاتك يا ابن الرافعين .. تعرف أن وقت الجد ستجدني حاضرا "

هز فؤاد رأسه مؤكدا بنبرة قاتمة

" أعرف .. لكن هناك واجبات لا تستطيع التخلص من حملها الثقيل بمجرد الابتعاد "

ملامحه المنحوتة صخرا جامدا تقسو وهو يضرب بقبضته على صدره مواصلا بنبرته المشتعلة ولهجة بلدتهما

" العائلة برچالها يا وِلد بلادي "

علت الدهشة ملامح عماد ضاربا كفا بكف متسائلا

" تبا لجنونك .. أنت مجنون يا ابني ؟!! "

يهز رأسه يأسا مواصلا بدهشته

" من عدة أيام تكلمني لأحضر معك سهرة مجنونة واليوم تأتي لتقنعني بالذهاب إلي البلدة وتتصنع العقل عليّ !! "

لوح فؤاد بيده بلا تعبير .. لكن عينيه كانت تعكس حريقا لاهبا شب منذ أيام وعليه إطفاءه بالدم قبل أن يحرقه .. تحديدا منذ عرف مكان أولاد زاهد .. ومنذ رأى تلك الألماسة الـ .. الحرة
كيف يكون أولاد زاهد أحرارا وهو الذي تقيد عمرا حتى كاد يفقد حياته مرة بعد مرة ؟
فليذيقهما ويل ما فعل والدهما
يوم قابلها لم يستطع السيطرة على جنونه كما فعل لسنوات تحكم فيها بناره .. وكانت سهرة مجنونة بالفعل أخرج بها كل طاقته حتى ارتمى ليلا لاهثا من شدة تعبه ..
سهرة بدأت برهان مجنون لسباق الموت على الطريق السريع فاز به بجدارة الاحتراق .. وانتهت بين أحضان بَهار
ينتبه عماد لنظراته التي تستعر كالماضي فيعلم أفكاره الراحلة .. دُفِنَت منذ سنوات لكنها خلفت غبارها الداكن على روح فؤاد الهائجة وملامحه الشرسة
يخرجه من أفكاره بقوله الهادئ .. الشارد

" معك حق .. واجبات ثقيلة ولن نتخلص منها .. أيام الجامعة لم نكن نهتم بشيء .. كنت أظن أنني سأتزوجها وأسافر بها بعيدا عنهم جميعا .. لكني كلما ابتعدت سحبتني الأرض إليها مجددا .. حتى أخذت مني أغلى ما أملك "

هل يمكننا أن نُحمِل الأرض ذنب إرهاب الملعونين ؟!
هل يمكننا أن ندين الوطن لأن أغلى مَن نملك مات على ترابه بسبب رغبتهم في تشويهه ؟!
وهل ندين ترابه لأن دماء أحبائنا سالت عليه ؟!

رفع فؤاد عينيه ينظر أمامه بلا تعبير سوى طيف عنيف أسود ثم قال

" لم تكن أيامي الأفضل لكنها مرت بكل ما تحمله .. موت ودم ودمار .. لكن كان بها رغبة لحياة قادمة .. كان بها صداقة .. أنا وأنت وحمزة العامري وتيم "

ابتسم عماد عاقدا حاجبيه قائلا بتلاعب

" ونورين "

ارتد رأس فؤاد إليه يرد بحدة

" أنا لم أحب نورين يا عماد .. كان مجرد إعجابا وانتهى قبل حتى أن اتكلم معها "

اومأ عماد بنظرة ماكرة ثم رفع فنجان قهوته يشرب منه وهو ينظر لفؤاد الذي يكتم غضبه المعتاد بصعوبة من فوق حافته ..
تلك الفترة كانت الأسوأ بحياة فؤاد ولم يجازف أن يتكلم مع تلك الفتاة التي أعجب بها صدقا رغم أنه كان كثير العلاقات بشكل مبالغ به .. لكن نورين الوحيدة التي لم يقترب منها

صداقته بفؤاد نشأت بظروف قاسية بحكم أنهما من بلدة واحدة .. ثم عرفه فؤاد على حمزة العامري والذي بدوره عرفه على والده كامل العامري .. وبعد الدراسة حين بدأ حمزة العمل بشركة والده .. أراد كامل تجديد طاقة الشركة فطلب من حمزة اختيار ثلاثة من أصدقائه للعمل هنا .. وبالفعل اختار حمزة فؤاد ونورين وهو .. لكن فؤاد أراد العمل بمصانع رافع من البداية
أما هو .. وجدها فرصة للابتعاد عن عائلته وبلدته ليؤسس حياته هنا في المدينة لأنه كان يعرف بالمشاكل التي ستواجهه حين يطلب سلاف للزواج .. كان يستعد قبل أن يعرف أن كلمة القدر .. فراق
وها هو أصبح نائبا لكامل العامري بالشركة .. بل ويملك نسبة من أسهمها في السوق
منذ سنوات قدمت زوجة حمزة .. قمر العامري .. اقتراحا مذهلا نقل الشركة لمكان مستقل بالبلد ..
اليوم إن أطاع رغبة والده في الاستقرار ببلدته وترك عمله هنا بالشركة سيكون أحمق شيء قد فعله
يعيش بلا تعقيدات العائلة بالوادي .. بلا قوانينهم المجحفة .. بلا اهتمام بالآخرين .. حتى أصدقائه لا يعرفون عنه شيئا هنا .. فؤاد فقط مَن يعرف حيث تتناقل الأخبار عنه بالبلدة

أنزل فنجانه ناظرا لملامح فؤاد عنيفة القسمات ثم سأل

" هل كنت عند حمزة ؟ "

رد فؤاد بصوت غريب قاتم

" لا لكن سأمر عليه .. منذ فترة طويلة لم نتقابل .. تعرف كل منا انشغل بحياته .. أنا انشغلت بالعمل والعائلة وهو بزواجه وابنتيه "

نطقها بلمحة ضيق خفية .. نفس اللمحة التي ينظر بها لشهاب وهو يركب دراجته النارية منطلقا .. نفس اللمحة التي يرمق بها رمزي وهو يتعامل معهم بتعالي الطبيب غير مهتما بشيء ..
الجميع وجد راحته إلا هو .. دوامة من سواد يدور بها وها هى تتسع كلما مر العمر
قطع عماد أفكاره بقوله

" لم تتسابقا منذ فترة إذاً "

نظر إليه متنهدا ثم رد بنفس النبرة

" منذ مدة طويلة لم يتسابق معنا .. أظن أن زوجته منعته "

ابتسم عماد ولم يرد بشيء .. وهل يخبره عن قمر العامري زوجة حمزة وابنة عمه ؟! .. لقد كان أستاذها حين بدأت عملها بالشركة وها هى اليوم صارت مكان والدها سليمان العامري

تابع فؤاد كلامه بلا مبالاة

" وأنا وتيم وبعض أصدقائنا نتسابق من حين لآخر حين يستبد بنا الجنون أحد الأيام .. تلك السهرة المجنونة منذ يومين كانت أخر مرة "

استند عماد بذراعيه على مكتبه قائلا

" سباق على الطريق السريع وسط السيارات !.. إنه موت مؤكد وإن شاء الله تنكسر رقبتك يوما ما "

رفع فؤاد كفه بلا اهتمام وهو ينهض قائلا

" دعني لحالي وانشغل بأمورك .. اليوم أصلا ليس عاطفيا من بدايته "

منذ بداية جلوسه مع جدته بركة والقلق ينهش به وتلك النار .. ناااار وهو يرغب .. يرغب برؤية تلك الـ .. الألماسة .. مجددا
يريد أن .. أن يعذبها .. يريد أن يسمع صراخها
زفر بحدة وهو يضرب على المكتب ضربة خفيفة متابعا

" المهم فكر وحاول أن تحضر .. وأنا بظهرك في أي شيء "

تراجع للخلف خطوات واثقة متابعا

" ورجال الجبالية .... "

صمت يرفع كفيه ينفضهما للخلف بلا اهتمام بإشارة لا يهمني أحد .. التقطها عماد فرفع رأسه مبتسما قائلا بكبرياء لهجة بلدته

" نحن رچال أولاد رچال يا ابن بلادي .. ما نهاب شيئا "

مال رأس فؤاد مؤكدا بتحية صامتة ثم استدار ليخرج من المكتب تاركا عماد في رحاب السلاف الراحلة ..
قبل أن يأمره قلبه أمرا أن يشتعل كيانه كله متذكرا تلك .. الصدفة.





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 12-12-19 الساعة 11:35 PM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 11:01 PM   #124

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



فتحت الزهراء باب الشقة مع الطرقة الهادئة الثانية لتنظر للقادمة بابتسامة عطف قائلة

" دموع .. تفضلي "

مع أول خطواتها هلت رائحة البيت بأنفها .. رائحته هو .. رغم زيارتها المستمرة لوالدته وأخته ، إلا أن الزيارة كانت خاصة به هو ..
ابتسمت دموع وهى تلتفت خلفها للزهراء تنظر لجمال وجهها المنير كجمال روحها متسائلة بخفوت

" كيف حالكِ ماما زهراء ؟ "

اقتربت منها ترد بابتسامة حانية

" بأفضل حال دموع .. لم اشعر أني بخير هكذا منذ زمن "

خفتت ابتسامتها وهى تنظر لوالدته بحب لن يفهمه إلا قلب عاشقة تتشبث بمَن يحمل رائحة وطنها الغائب .. هو وطنها الأكرم .. الأغلى .. الأزهى
جميلة الزهراء .. سيدة رقيقة باسمة تتدفق حنانا ذات ملامح دافئة تحلت بخطوط زمنية خفيفة مثل شعيرات الفضة التي خالطت سواد شعرها الناعم ، وعينين صغيرتين بلون عينيه البنية الداكنة

ارتجفت أنفاسها ترقبا كارتجاف نبضاتها وهى تتردد قليلا على غير عادتها ، ثم أطلقت نفسا مشتاقا لتعترف بحنين رهيب غير قادرة على الصبر

" لم استطع الانتظار أكثر .. أريد رؤيته "

ملامحها العذبة المعذبة تحكي ألما لفراق إجباري حدث .. لكن لم يستطع أحد إجبارها هى على انتزاعه منها
تنظر الزهراء لملامحها المترددة بإشفاق ازداد عن كل مرة .. تلك الثورية التي لا تسكت عن كلمة حق لأجل وطنها تأتي عند ولدها وتسلم كل حصونها .. ثمانية أعوام لم تترك ولم تمل فكيف لا تحبها كابنتها ؟
ربتت الزهراء على كتفها بحنان وهى تقول

" سأخبره "

تحركت نحو غرفته وهى تدعو الله همسا ألا يكسر قلبه ولا قلب المسكينة الصامدة على مدار سنوات
فتحت باب الغرفة الصغيرة لتدخل خطوة تنظر للسرير الذي وجدته خاليا فتحركت عيناها حتى الشرفة لتجده هناك
شاردا مهموما لا يكف عن التفكير في مستقبل ضاع منه مسبقا
اتجهت نحوه بابتسامة قولها

" صباح الخير أكرم "

للحظات لم يتحرك حتى رسم ابتسامة باهتة ليواجهها بها ثم استدار يرد بنبرة ذابلة كعينيه المنطفئة

" صباح الخير أمي "

تملأ عينيها بملامحه الرجولية التي اشتاقتها ثم تقول بصوت حمل رجاءا خفيا

" جيد أنك استيقظت .. هناك مَن ينتظرك بالخارج و... إنها .... "

صمتت عالمة أنه سيرفض مقابلتها لكنها شعرت بارتجاف أنفاسه لهفة لحظة واحدة وبريق خاطف أحيا عينيه .. ثم ماتت الابتسامة على شفتيه وهو يستدير يطرق برأسه قائلا

" لا أريد رؤيتهـ .... رؤية أحد أمي ... أرجوكِ "

نظرت خلفها للباب بحذر ثم اقتربت أكثر تقول بصوت منخفض حنون

" لا يصح يا أكرم .. إنها في بيتنا .. اخرج وقابلها ولو دقائق ... كانت ستموت اشتياقا لك "

اشتدت أصابعه على سور الشرفة مطبقا شفتيه بقوة .. وكأنه كان بحاجة لتأكيد أنها هى تحديدا !!
تتنهد الزهراء ناظرة لصمته اليائس فتدمع عيناها عفويا لحال ولدها لكنها تحمد الله همسا على وجوده جوارها ثم تضيف بأسى

" كانت تأتي لتبكي في حضني وتخبرني أنها تجدك بحضني هذا لتتصبر به على الفراق "

أغمض أكرم عينيه زافرا نفسا متألما .. دموع لا تبكي أمام أحد ، لا تضعف ، ثورية حرة لا تخشى إلا خالقها
دموع .. كانت تسكب دموعها بحضن أمه ألما ، وتبثه العزيمة والصبر بخطاباتها أملا
عضلاته كلها تنفر منه غضبا ويأسا و .. شوقا لعناقها مجددا ، متذكرا تلك اللحظات التي أحيت مشاعره دفعة واحدة بعد طول موت
حين اندفعت لصدره لأول مرة بحياتها أشعلت ذلك الفتيل المغبر به .. شعر أنها .. أنها .. أضاءته .. وهو كان بحاجة لضوء بعد طول ظلام
فتح عينيه ينظر للشارع بالأسفل وكل شيء يبدو كما هو ، تلك الحياة المستمرة تجعل قدما منه تريد التقدم للمستقبل .. وقدما أخرى خائفة مكانها بتجبر الظالمين
عاد ينظر للسماء وضياءها الحر ثم قال بخفوت ميت

" ليس اليوم أمي أرجوكِ ... ما زلت لم اشعر بنفسي وسطكم بعد هذا الغياب وكأني ... كأني لم اعرف الحرية يوما "

سحب نفسا عميقا يتذوق به هواء الحرية .. منذ عاد لا يفعل إلا أن يتنفس ، يتنفس دون أن يشعر بمخلوق يعد عليه أنفاسه .. بل ويحاسبه عليها
استندت الزهراء على مكتبه الصغير وقلبها يرتجف لبكرها مقاومة البكاء وهى تقول حزنا

" كما تريد يا بني "

خرجت من غرفته بخطوات بطيئة تاركة بابه مفتوحا لترى دموع في صالة الشقة تتحرك بتوتر ، يدها تقبض على شعرها تنتظر على جمرات من نار ، وملامحها تفيض باشتياق هادر لا تخفيه
وحين التفتت إليها .. رفضت عيناها ما قرأته بملامح الزهراء متسائلة بحذر رغم علمها بالجواب

" هل هو نائم ؟ "

ردت زهراء بارتباك صوتها الأمومي

" لا .. اقصد .. ليس تماما .. إنه مستيقظ على سريره لكنه متعب قليلا و .... "

أطرقت دموع برأسها وزوايا شفتيها تميل لأسفل رفضا وحزنا .. كانت تتوقع أن يخرج إليها ويأخذها بحضنه دون اهتمام بأي شيء اليوم .. هل تاهت عن ذلك الأكرم المندفع الثوري بمرور السنوات أم ماذا ؟!.. أم ربما كلاهما تغير وهدأ هو واندفعت هى ؟!
صمتت زهراء قليلا مقتربة منها تربت على كتفيها ثم قالت

" اعذريه دموع "

رفعت عينيها تجاه الرواق حيث غرفته المفتوحة ثم قالت بنبرة غريبة

" دعيني ادخل إليه "

عقدت حاجبيها ملتفتة خلفها ثم نظرت إليها قائلة

" لا يصح يا ابنتي "

شعور غريب داهمها فجأة برفضه لرؤيتها وهى تنظر لتلك المسافة الفاصلة بينهما .. شعور أن .. أكرم يسحب نفسه منها ، ربما عليها هى اليوم التقدم ..
هو يسحب .. وهى لن تترك
لكن .. لكن خلف التوقعات العالية للأمل هناك تنبيه صغير يتساءل كناقوس خطر
أيعيش الحب ثمانية أعوام رغم القيود ؟!
أعادت عينيها لوالدته قائلة بنفس النبرة الحارة الراغبة في التأكد

" رجاءا أمي ... رجاءا "

مرت من باب الغرفة القديم العالق فيه القلب حتى مع غياب صاحبه ، ذلك بأن ثمة قناعات داخلنا لا يمكننا تغييرها ببساطة الغياب ، الغياب فيها يؤلم ، يشقي الروح إذا حاولنا انتزاعها ، وبناءا عليه هى ما فكرت مجرد تفكير في التغيير
وها هو عاد صاحب الباب .. صاحب القلب ، بأعماقها اللقب منقوشا على بوابة صدرها .. في مدخل قلبها لافتة استئذان ( مملوكا لصاحب باب القلب )
وها هى تقف على بابه في صورتها المنسية ، عاشت ثمانية أعوام في ثوب الانتظار
تحركت عيناها بالغرفة التي حفظتها أثناء غيابه حتى رأته بشرفته واقفا .. فوضعت يدها على مقبض الباب تدعم نفسها المشتاقة حين شعر بأحد معه مجددا فقال بضيق

" أمي من فضلك .. لا أريد رؤية أحد "

ساد صمت طويل وهى تغمض عينيها بنبرة صوته .. ثمانية أعوام لم تسمعها دون وجه حق ، والحق الآن يعود لنبضات قلبها الوارفة حتى كادت تشعر بالدوار من تدافع مشاعرها .. نفس حار تفترق به شفتاها الدافئة

عقد أكرم حاجبيه مستمعا لهمس نفس حار التف حوله فجأة .. أنفاسه تتسارع بتشنج عضلاته وهو يعلم يقينا أنها هى .. قبضتاه تتطابق مع السور حتى صارت حجرا مثله .. ينتظر صوتا ما تأخر عليه وهى تعاتبه

" ثمانية أعوام انتظر وأول كلمة تقابلني بها لا أريد رؤية أحد "

انقبض قلبه طارقا ذلك الضلع الأعوج الذي بنت منه كيانها قديما .. فكرا وشعورا كانت بجواره كتفاً بكتف ، لكن .. لم يعد ينفع
تتنفس دموع بارتجاف وهى تدخل الغرفة تنظر لظهره العريض بصمت الحنين حتى همست باشتياق

" انظر إليّ أكرم ... دعني أرى عينيك "

ظل متصلبا مكانه يعيد صوتها مرارا .. كان يستعد لهذا اللقاء يوميا لسنوات طويلة واليوم .. لا يقدر على النظر إلي عينيها
يخاف ضعف قلبه الراغب فيها حد الرغبة في الحياة .. يخاف عليها منه
يحاول التحكم بحركة صدره المنفعل متذكرا للمرة التي لا يعلمها عناقها ، ويموووت ليلقي هو برأسه على صدرها هروبا من كل الدنيا إليها

لكنه استدار ببطء في النهاية ليواجه وجهها في النور لأول مرة .. وتسمر كلاهما مكانه
في الضوء الخافت على الدرج يوم عودته رأته بقلبها قبل عينيها لكن الآن .. كانت تشرب !
تدقق بخصلات شعره الناعمة ذات اللمحة البنية الداكنة كعينيه .. آآه .. عيناه البنيتان بئران بصبغ كحيل آسر ..
انخفضت كبرياء أنفه بذل الأسر لكنها سترتفع مجددا ، وتعالت حرارة شفتيه رجولة .. وتلك اللحية الخفيفة !..
عيناها تمر على جسده لا تتذكر أنه كان بهذا العرض الصلب الخشن .. ثمانية أعوام أشغال شاقة نعم ! .. دون أن تشعر سحبت نفسا طويلا ? شهقة حياة وهى تهمس بانشداه وعيناها تلمع بالذهول

" يا إلهي .. لقد صرت ... صرت ... "

مال وجهه قليلا وهو يتأمل جمالها اللاڤندري الناضج .. يتأكد مما تركته السنوات عليها
كبرت نعم .. صارت أخطر على قلبه من سنوات المراهقة
وذلك النبض المميز بها .. إنها تنبض حقا كما رآها يوم عودته
تقدم خطوة يبتلع ريقه الجاف بصعوبة قائلا ما خجلت منه

" رجلاً ! "

ابتسمت شفتاها ببطء ثم قالت بصوت ذاهل ذائب بمرآه

" لطالما كنت رجلا يا أكرم ... لكنك لم تعد ذلك الشاب الجامعي زميلي .. وابن الجيران .. لكنك مؤكد كما أنت .... "

تقدم أكرم أكثر بتمهل فتوقفت كلماتها مخطوفة النَفَس .. ينظر إليها كلها حتى وقف أمامها يحدق بعينيها اللامعة العميقة .. سوداء ليلية ? فضاء رحب له وحده
وشفتيها الصريحتين التي تابعت كلامها همسا

" حبيبي "

ارتفع شحنه !.. قلبه يضخ منتفضا بعنف فلا يجزم أيقاس هذا التدفق بمقياس ضغط أم بمقياس ريختر ؟!
إنها تضيئه ? بطارية طبيعية صُمِمَت لأجل هواه .. تضيء مشاعره وتعثر عليها في الركام داخله دون أن تدرك وجود ذلك الركام بعد
اقترب خطوة أخرى وصدره يتحرك بقوة أنفاسه قائلا بنبرة منخفضة

" ازددتِ جرأة "

ابتلعت ريقها بتوتر قربه وعيناها تطرف لصدره فتتذكر كيف عانقته بلا وعي يوم عودته لترد بتوهج مشاعرها

" لم اتغير كثيرا .. لكنك ستندهش من الفتاة التي تقف أمامك اليوم "

كان يقف مندهشا مثلها .. يقف أمام تلك الفتاة الجامعية التي يعرفها حقا .. وأمام أنثى أكثر فتنة بثوب سيدة ناضجة صارت تعلن عشقها بلا خجل
عاماً واحداً وتكمل الثلاثين مثله ..
شعرت به يقترب أكثر فشعت الحرارة بوجهها .. لكنه لم يقاوم شيئا أراد التأكد منه منذ عانقته عسى ألا يكون حلما

هذه الرائحة .. اللاڤندر .. اشتراها لها قديما ولم تغيرها إلي اليوم .. صار عطر الغياب بينهما .. نفس رائحة الخطابات

يا سيدة الطريق
قد بات لكِ بين البيوت عطرٌ لا يغادرني
‏في غربتي .. في وحدتي .. لم يفارقني

رفعت عينيها لعينيه فأجفلها ذلك الانفعال الذي تراه كأنه يذكرها أنها كانت هنا منذ يومين بحضنه
نظرت لذقنه أول ما لفت انتباهها يوم عودته فتهمس باضطراب

" جميلة اللحية عليك "

تنفس بقوة رفض لتأثيرها عليه عاقدا حاجبيه بشدة كمَن يقاوم شيئا يسحبه حتى رأته يبتعد خطوة قابضا يديه وهو ينظر إليها بملامح مُجبَرة ! .. كأنه مُجبَر على الابتعاد !!
قلبها يتلوى ألماً جميلا وجسدها كله يرتجف فتحك جبهتها باضطرابها العنيف محاولة الخروج من دائرة الانشداه هذه قائلة بابتسامة مرتبكة

" لا أصدق أني أقف أمامك بعد كل تلك السنوات "

وجهها المستدير المحاط بشعرها الأسود وبشرتها التي ازدادت بياضا .. كانت الشمس تؤثر على بشرتها أيام الجامعة وكان يأمرها أن تبقى في الظل وهى .. ثورية لا تنصاع
عاد بنظره لشعرها الذي قارب خصرها وازدادت كثافته فقال بخفوت

" لقد استطال شعركِ "

مالت زاويتا شفتيها بابتسامة ألم أجمل من أن يبعد عينيه عنها .. كانت سر نبضها الحار الحائر وهى تقف أمامه تريد سماع كلمة شوق من بين شفتيه وهو لا يرحم حيرتها
عيناها العميقتان تنظران له بيأس رغم ابتسامتها وهى تقول

" وظهرت بعض الخطوط تحت عينيّ ... وازداد وزني "

تعلقت عيناه بابتسامتها لحظات متذكرا .. دائما ما كانت شفتاها تعكس مشاعرها واضحة .. تتبسم ألما بوضوح وتضحك سعادة بوضوح .. تنحني حزنا وترتجف اشتياقا وتنطبق خجلا .. صريحتان مثلها
نظرت عيناه لتحت عينيها الليلية العميقة ملاحظا تلك الخطوط الدقيقة التي تنتظر شفتيه ، ثم مرت عيناه على جسدها ولم يدرك افتراق شفتيه بنفس حار سمعته فتورد وجهها وهو يهمس

" قليلاً "

أطرقت برأسها وابتسامتها تتسع لتسأل ساخرة

" هذا على أساس أنك ما زلت تتذكر كيف كنت أيام الجامعة ؟ "

ظلت مطرقة وهو ينظر إليها بصمت قاس تنتظر منه كلمة تذكُّر .. إلي أن رفعت وجهها أخيرا بلا ابتسامة حين طال الصمت لتقول بخفوت حاد

" لماذا كنت ترفض زيارتي كل تلك السنوات ... هل تعرف ماذا فعلت بي ؟.. هل كنت تدرك حالتي بتلك السنوات ؟ "

يتوهج وجهها انفعالا وهو يرى أنصالا حامية بعينيها الثائرتين بغضب مشاعرها وهى تواصل بصوتها الخافت الغاضب المشبع بالألم مشيرة لسريره جوارها

" كنت أموت كلما رفضتني .. أبكي في حضن والدتك لعلي أجد رائحتك به .. كنت .. كنت اطلب منها أن تدعني أنام هنا بغرفتك التي حفظت كل ركن بها .. على فراشك وعلى وسادتك كلما كاد يهزمني الشوق إليك .. لاستمد بعض القوة لاصمد وأحارب "

أصابته .. ألهذا شعر برائحتها حين دخل الغرفة ؟!
تراشقت أنصالها بقلبه وهى لا تدرك هدير نبضاته الصاخب وهو يحدق بوجهها بألم يحاول إخفاءه بجمود ملامحه وهى تضيف بحرقة قلب

" كنت عزيمتي وأنت بعيد عني .. قوة إرادتي واصراري للحصول على حرية وطني وحريتك "

أغمض عينيه لحظة والوجع يزحف لكامل جسده .. وجع لها وله وغضب .. غضب على مَن سرق عمرهما معا وهى تجلده بسياط انتظارها
لكنه حين فتح عينيه رأت برودا لا يتأثر وهو يقول بنبرة هادئة كأنها ما لمست فيه أي شيء

" لم تتغيري كثيرا حقا ... ازددتِ نضجا "

عقدت حاجبيها ببطء ناظرة لعمق عينيه المنطفئتين تؤكد لها سؤالا سألته لنفسها قبل أن تدخل إليه ، لكن للأسف كان تأكيدا .. بالنفي !
أين الخطأ ؟!.. ما الذي غفلت عنه طوال سنوات ؟!
للحظة قرأت ما سيقول بعينيه قبل أن يقوله .. لحظة عصيبة أرادت أن تصرخ فيه اصمت ، ليس بعد ثمانية أعوام !
ابتلع أكرم ثقل حلقه متابعا بنفس النبرة التي لا تعبر عن شيء

" لكن للأسف نضجا كاذبا .. كل ما حاربتِ لأجله وهم .. لأني اكتشفت أن الوطن كذبة كبيرة صدقناها حتى صارت أسطورة .. ليس هناك وطن من الأساس نحارب لأجله .. لم يعد هناك سوى بعض الأنظمة التي تدهس مَن يعارضها .. أنظمة احتلت ذلك الوطن المزعوم وصدرت إلينا فكرته لتشغلنا عما يفعلونه حقيقةً من نهب وفساد "

كأن أشواكا تندس بقلبه واحدة تلو الأخرى ، كان يخبرها بأحلامهما التي تهدمت .. يهدم نفسه فيها
يسحب نفسه منها حقا ويتنحى بأفكاره كرئيس دولة انهزم دون توقع .. أصابته نكسة الحياة في توقيت الحب المبكر
هزت دموع رأسها بلا فهم وهى لا تعرف ماذا تقول ، لا تصدق مَن يقف أمامها فتهمس مصدومة

" ما هذا الذي تقوله ؟!.. هل هذه أفكارك أنت ؟! "

لأن مفاتيحها بيده هو .. كان يعرف كيف يصيبها وينتزع نفسه منها .. يعرف أين يمد يده تحديدا بمشرط كلماته
الوجع فيه ينزف والأشواك تغور بقلبه وهو يقاوم حاجته إليها فيرد بجمود

" هذه الحقيقة التي يغفل عنها الجميع .. لكن أنا كان لدي الوقت لأراها كاملة واضحة "

وكأنها تسمع صوت صفير لقطار جاء إليها متأخرا ثمانية أعوام .. رياح شديدة البرودة لفتها فجأة فارتعش جسدها نافرا
لقد .. لقد عرفت أين الخطأ !!
عقدت حاجبيها وملامحها تنطق بالرفض وهى تهتف بجدية وانفعال صادق حارق

" لست أول مَن اُعتُقِل في الثورة يا أكرم ولم تكن الوحيد .... هناك مَن دفع حياته كلها وسال دمه دفاعا عن وطنه .. هناك أمهات ثكالى ونساء ترملت وأطفال تيتمت وآباء انكسر ظهرها "

ارتفع صوتها بحدة بنهاية كلامها لكنه لم يتحرك وهو يبتسم ساخرا يضرب ضربة أقوى

" ثورة !! .. ألم تدركي بعد ؟!.. لم يكن هناك ثورة .. كل شيء كان مؤامرة مُخطَطَة ومدروسة "

علا الصفير فجأة برأسها ودماؤها تتدافع بقوة عجيبة
يا إلهي .. طوال سنوات تظن أنه فخور حتى لو دفع من عمره ثمنا لحرية بلده .. إنه الخطأ الذي لم تدركه !
تباعدت خطوة .. خطوة ? ميل تنسلخ فيه عنه .. تبتعد عن مداره وأفكاره التي ما عاد هو نفسه يتعرف عليها
أشاحت بوجهها .. ملامحها تنصدم ويغطيها ذهول الإدراك البطيء كأنها تفكر الآن فقط أن عمرها ضاع هدرا
تحرقه حرقا والظلام داخله يمتد لشبه قبر ذاق فيه العذاب ألوانا لكنه سيصمد من دونها .. لأجلها
أعادت دموع عينيها لوجهه الجامد ليلمح فيها بريقا دامعا مالحا تقول بلا استيعاب

" مؤامرة ! ... لا لا ... لا يمكن أن تكون أنت مَن يتكلم .. أنا فقدت أخي كما فقدتك ... وأنا التي كنت أظن ... "

صمتت تدير وجهها عنه تغرس أصابعها بشعرها تتنفس بحدة حتى لا تتساقط دموعها
لطالما كانت دموعها عذبة إلا حين تنجرح تتساقط مالحة أبية تؤذي مَن يحاول ارتشافها بسموم كلامه
أما لوطنها .. وإليه .. دموعها العذبة خوفا وقلقا وحبا ..
تعمقت عيناه بطيف ألمه وهو يرى وقفتها المصدومة فيه يرد بنبرة فارغة من الشعور

" لأني لم أعد أنا بالفعل .. لم أعد زميلك .. ولا ابن الجيران نفسه .. ولا حتى ..... "

صمت .. فاتسعت عيناها بصدمة أكبر وهى .. تتكسر
تنظر إليه بذهول الألم تسمع دوي حطامها داخلها فتهمس بنبرة مفجوعة

" وأنا ؟! "

رباااه .. هذا هو ما غفلت عنه لسنوات !
يده تنقبض بعنف يقاوم أن يسرقها لصدره يدفنها بجسده المُعذَب ويدفن نفسه فيها
لكنها لا تشعر بالوجع الذي ينحره فتسأل بصدمتها

" أنا أيضا اكتشفت أنني كذبة ؟!.. لذلك كنت ترفض زياراتي ورؤيتي ولم ترسل لي خطابا واحدا ؟.. ألم ... ألم .... "

تتوقف الكلمات ثقيلة على لسانها ? احتضار عشق مات ولم تدرك موته إلا اليوم .. هذا ما غفلت عنه
أكرم تغير .. سنوات الأسر غيرت كل شيء وهى التي ظنت حبهما من ثوابت كيانهما !!
كانت تدرك أن تلك السنوات ستترك بنفسه أثرا غائرا قميئا لكن لم تظن يوما أن الأثر هو .. زوال الحب
شفتاها ترتجف هامسة بصعوبة

" ألم تعد ... تحبني ؟ "

أطبق أكرم شفتيه لحظات والسؤال لا يحتمل سوى ثلاثة أحرف النعم أو حرفين اللا
لم تكن هناك مراوغة مأمونة فماتت نظرته وهو يقول سببا دون إجابة

" قلت لكِ أنني ما عدت نفس الشخص ... آسف "

لكنها كانت إجابة حقا .. إجابة مذهلة في هذا الوقت !!
آسف !! .. إنها تشعر .. تشعر بالغباء !
أنفاسها تعلو وهى تنظر إليه بانفعال داخلي رهيب يثور شيئا فشيئا وهو يضيف

" آسف لأنكِ أضعتِ ثمانية أعوام من عمركِ بلا ثمن ... بانتظار الشخص الخطأ .. شخص لم يعد موجودا "

يسمع أنفاسها حتى أشفق عليها من مقدار الغضب الذي تكتمه .. غضبا رافضا مصدوما مذبوحا ولا يملك إيقاف ألمه
وجهها يُغطَى عن عينيه بقناع ثائر بارع الجمال .. ثورة ازدادت عما عرفها يوما
ذقنها ارتفع وهى تقاوم البكاء بذاك البأس العنيف وهى تقول بإباء وصمود

" لا يا أكرم ... عمري لم يضع بلا ثمن .. ثمنه ما وصلنا إليه اليوم .. ثمنه استقرار نعيش فيه بينما بعض البلاد الأخرى ما زالت تعاني ويلات الانقسام والارهاب .. ثمنه كل حبة رمل من وطني ظلت بخير ولم تطأها قدم مُدَنسَة "

هدر قلبه عشقا لثوريته .. نبضها يرعد أمامه رافضة ذرة ضعف كأنه .. كأنه أحد أعدائها !
يستحق .. كان عليه إرسال هذه الرسالة منذ أعوام لكنه خاف .. خاف أن تتوقف عن مراسلته وخطاباتها كانت أمله المتبقي وطاقة الصبر التي لا تنفد
يحفظها كلمة كلمة عن ظهر قلب .. ثماني سنوات ترسلها مع أخته لم تمل رغم رفضه لرؤيتها .. يعيدها ليلا ونهارا
يتعرف ملامحها كلما تغير بها شيء وهى بعيدة عنه .. أفكارها وطموحاتها وكل عمل قامت به لأجله ولأجل وطنها ..
تلك القوية التي تماثل الرجال بكلمة الحق لم يعد يليق بها وهو حُكِمَ على مستقبله بماضيه .. مهما تقدم سيظل بعمره وصمة سوداء سيعيره بها المجتمع كلما أراد
ظل صامتا ثابتا مكانه يخاف إن اقترب خطوة تخونه يداه لسرقتها وهى تتابع بإبائها

" لكنني أنا الآسفة على مشاعر ظننتها ما زالت بداخلك وغفلت عن مرور السنوات واحتمال تغير القلب ... ربما لأن قلبي لم يغير صاحبه ظننت أنك مثلي لكن ... أنا آسفة حقا لأني كنت أثقل عليك وأريد رؤيتك وزيارتك ... آسفة على كل خطاب أرسلته إليك مع ماسة أخبرك فيه بكل شيء عني كأنك موجود تماما "

ازدردت ريقها بصعوبة وهو يلتقط من ملامحها ما يقدر لعلها المرة الأخيرة التي تتواجد قريبة منه هكذا
صوتها يخفت قليلا وهى تهز رأسها نفيا ودمعة تغافلها أخيرا لتحرقه أكثر

" لست نادمة على انتظارك ولن أندم أبداً ... انتظارك كان أجمل شيء بحياتي حتى بعذابه ومرارته يا أكرم .. لكن آن أوان انتهائه "

استند بكفه لمكتبه جواره يحفر فيه حفرا وقرارها الحاسم نصلا آخر بصدره المنتفض نبضا .. يتابع تلك الدمعة المالحة منها وعيناه تلمعان بدموع أبية مثلها
تنظر لعينيه بعتاب صارخ حتى استدارت لتخرج لكنها .. وقفت جوار الباب تتمسك بمقبضه فجأة مطرقة الرأس

تشتد يدها بقوة على المقبض مطبقة شفتيها المنحنية ألما وغضبا واللافتة داخلها تُطمَس !
القلب .. مملوكا لصاحب باب القلب .. كذبة طويلة ، لقد .. لقد ضاع عمرها هدرا مهما أنكرت أمامه ، ضاع عشقها ومشاعرها كانت من طرف واحد ، لم يخبرها ولم يهتم بإخبارها أنه ما عاد لها كأنها هواء بالنسبة له

لكنها لم تدرك أنها بالفعل هواء بالنسبة إليه .. كانت هواءه وحريته وسماءه ونهاره وشمسه ، قبل أن تسدل عليه الليل
تقدمت قدماه خطوة خائفة عليها مراقبا كل ما بها .. جسدها المرتجف وشعرها الطويل كأسواط سوداء جالدة
لكنها رفعت رأسها تنظر أمامها بثبات قائلة بنبرة ميز فيها الوداع قتلا قبل أن تغادر

" أتمنى أن تجد نفسك مجددا يا أكرم ... أتمنى لك كل السعادة "

يا دموع
قد سمعت همس القطرات السائلة وهى تتخفى بين البشر
تتوسل حبيبا خُطِف من داخل عينيها تاركا شباب العمر
يا لغة الضاد .. أخبريها بكل الحروف أن عائدكِ من ظلام القبر ..
‏قد رحل وما وجوده اليوم إلا طيف أثر
يا سيدة الطريق .. الضلوع .. الدموع
‏قد حان وقتٌ نُحمِل فيه الوداع سلاماً فـ .. سلاماً.





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 12-12-19 الساعة 11:46 PM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 11:03 PM   #125

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



واقفة بشرفة غرفتها الصغيرة الممتدة لشرفة غرفة أخيها المجاورة .. تبتسم وهى تسمع سؤاله الخافت عبر الهاتف

" ماذا تفعلين ؟ "

ترد بصوتها الحنون المداعب

" أفكر بك "

رد ماهر مبتسما وهو يضع ذراعه تحت رأسه على وسادته

" حقا ؟! .. القلوب عند بعضها إذاً "

استدارت ألماسة لتجلس أرضا تستند بظهرها لسور الشرفة حتى لا يراها أحد من الحي وهى تقول

" حسنا يا سيدي .. لكن للحق لقد أنهيت بعض الأشياء بالبيت وكنت سأجلس مع أكرم قليلا لكن هذا لا يمنع أني كنت افكر بك "

سمعت صوته هادئا طيب النفس كعادته

" عامةً لدينا عمر طويل معا وجهي في وجهك ليلا نهارا حتى نمل من بعضنا .. المهم اخبريني علام ينوي أكرم ؟ "

امتعضت ملامحها وهى تنفض شيئا وهميا عن البساط الخفيف الجالسة عليه قائلة

" يا ساتر .. تتوقع أن نمل من بعضنا من الآن ! .. ربما عليّ التفكير في هذه الزيجة قبل أن أتورط .. وبالنسبة لأكرم لا شيء بعد "

شرب ماهر القليل من كوب الماء ثم أعاده بجوار السرير يرد بعفوية

" أولا أنتِ تورطتِ معي وانتهى الأمر .. وبالنسبة لأكرم وفقه الله "

ضحكت بخفوت تهز رأسها عجبا محباً .. أجمل ما بعلاقتهما ذلك الخط المستقيم الذي يسيران عليه معا .. التفاهم والتجاوب من طرف لآخر كأن كل منهما يعطي فيأخذ الآخر ليعطي بدوره ثم يأخذ الآخر وهكذا
تجمع شعرها الأسود على كتف واحدة تسمع نداءه القلق

" ألماسة "

قال ألماسة ! .. إذاً الموضوع جاد !!
نقلت الهاتف لأذنها الأخرى متسائلة

" ما به صوتك ؟ "

ظل ماهر صامتاً يحدق بسقف غرفته بعينين مظلمتين حائرتين قبل أن يقول بهدوء

" لا شيء .. اكلمك لأعرف رأيك في صور الشقة "

ليس هذا ما كان يريد قوله ! ، تعرف تلك النبرة بصوته حين يتردد ثم يهدأ هدوءا مريبا
لكنها ردت بعد لحظات تمنحه وقتاً ليروي

" جيدة "

ظل صامتا لحظات أخرى كأنه أخذ منها ذلك الوقت بالفعل ثم قال بنفس النبرة

" كل الشقق السابقة قلتِ عنها نفس الكلمة "

عيناها تنظر للجدار الترابي أمامها فتمط شفتيها متنهدة ثم تقول بحزم

" ماهر .. قلت لك قبلاً لا تهم مساحة الشقة أو مكانها .. المهم أننا سنكون معا فيها "

كأنه خيطاً التقطه منها بترياق الرواية فيقول بجدية

" ألماسة .. أريد أن أخبركِ شيئا يقلقني منذ فترة "

ألماسة للمرة الثانية ! .. إذاً الموضوع جاد جدا !!
اعتدلت في جلستها بتحفز تقول حاسمة

" اخبرني بالطبع "

تردد ماهر لحظات طويلة حتى أرسل قلقه إليها فتحثه

" ماهر .. تكلم .. أظن أنه ليس شيئاً خطيرا لهذه الدرجة ! "

أظلمت ملامح ماهر بمزيد من القلق المختلط بـ .. خوف .. ليضرب بقبضته على السرير ثم يقول متراجعا

" لا ليس خطيرا ماستي .. سأخبركِ لاحقا "

أصدرت صوتاً معترضاً تهتف باستياء

" أولا أنا لست ماستك .. أنا ألماسة حرة ولن يمتلكني احد يا حبيبي .. ثانيا تكلم الآن حالاً لأنك أقلقتني جدا "

ضحك ماهر وهو يسير على خطهما المتناغم قائلا

" أولا كلمة حبيبي هذه يا ماستي تجعلك ملكي اصلا يا ماستي فلا تخدعي نفسك يا ماستي .. ثانيا سأخبرك لاحقا لأن الأمر ليس هاماً حقا ... يا ماستي "

همت بالهتاف ضاحكة لولا خروج أكرم لشرفته متسائلا

" ماسة .. مع مَن تتحدثين ؟ "

نظرت جانبا حيث يقف أخاها ترد

" إنه ماهر يا أكرم "

عقد أكرم حاجبيه وهو ينظر لجلستها أرضا والهاتف على أذنها .. منظراً يراه لأول مرة بعد عودته فيراوده شعور بغيض من قلة الحيلة .. عجز يخبره أن أخته كبرت وخُطِبَت ، وأنه لم يعد يعرف شيئا عن عائلته الصغيرة
هز رأسه أخيرا ليقول بوجوم

" حسنا سلمي لي عليه "

راقبته حتى دخل غرفته لتزم شفتيها بتعبير مضحك ثم تقول

" لقد دخل أخي وتركني أتحدث معك في الشرفة ! .. والله نحن عائلة ديمقراطية جدا !! "

سمعت ضحكة ماهر قبل أن يرد

" أنا خطيبكِ يا حياتي بالمناسبة أي أن مكالماتنا تندرج تحت بند المسموح .. في الشرفة في السرير في الحمام سأظل خطيبكِ "

ارتفع حاجباها ناظرة أمامها حيث رأت والدتها تدخل غرفتها تبحث عنها وحين رأتها في جلستها خرجت من الغرفة فتهتف

" احترم نفسك .. ألن تخبرني ؟ "

نهض ماهر عن سريره متجها لطاولة صغيرة بزاوية غرفته يجيب

" أنتِ استلمتِني محترما ولله الحمد .. ونعم لن اخبركِ الآن .. ليس شيئا مهما .. سأخبركِ لاحقاً "

تنهدت ألماسة وهى تقف تقول باستسلام

" حسنا .. سأغلق معك الآن لأني أريد التحدث مع أكرم قبل أن ينام "

رد ماهر بحنانه الهادئ

" حسناً حبيبتي .. سنكمل كلامنا غدا "

تحركت نحو شرفة أكرم قائلة

" سلام "

لكنه استوقفها متذكرا بجدية

" ماسة .. إياكِ أن تقفي مجددا على عربة الفول كاليوم .. غدا سأحضر أنا الإفطار "

ضحكت بخفوت تهز رأسها بيأس قائلة

" حاضر ... سلام "

اتجهت نحو باب شرفة أكرم المفتوح فطرقت عليه بخفة وهى تقول بمرح مشددة على السين

" السلام عليكم "

اعتدل أكرم نصف مستلقيا على سريره بقوله

" وعليكم ... تعالي "

دخلت مقتربة منه حتى جلست أمامه تثني ساقيها تحتها بأريحية وظلت تتأمله طويلا بابتسامة حتى سأل

" ما بكِ ؟ "

ردت بارتياح مبتسمة

" سعيدة أنك هنا أمامي .. ببيتك وبغرفتك .. أراك وقتما أحب دون إذن "

جالت عينا أكرم بغرفته ثم قال بنبرة جادة صاخبة الأسى المتواري

" اكتشفت أن الحرية غالية جدا يا ماسة ... أغلى من أي شيء قد نسعى وراءه بهذه الدنيا "

اختفت ابتسامتها تتابع ملامحه الجامدة لتقول بيقين

" مؤكد الحرية غالية .. ولكي نتمتع بهذه الحرية علينا أن نتقدم للأمام ولا ننظر للخلف .. لا نجعل شيئا أياً كان أن يجعلنا نسير جوار الحائط ظناً أن نحافظ على هذه الحرية لكنه في الحقيقة يقمعنا ويلغينا .. أليس كذلك ؟ "

أعاد أكرم عينيه إليها بغرابة فتابعت

'' هل سأخبرك أنا هذا الكلام أم ماذا ؟! ... أنت مَن علمني إياه "

ظل يحدق بها متذكرا ماضٍ تغبر بداخله عذاباً وقمعاً حتى قال بملامحه المظلمة

" أنتِ أيضا كبرتِ يا ماسة ... كبرتِ وتعبتِ مبكرا "

عادت ابتسامتها تنير وجهها قائلة

" ما زلت أصغر منك بسنة .. ثم إني لم اتعب التعب الذي تظنه بالعكس .. لقد ازدادت خبرتي بالحياة .. التجارب الشخصية تُعلِم أكثر من أي تجربة قد نسمعها من الغريب يا أكرم "

شردت عيناه بغيمة قاتمة منفصلة عن العالم لحظات راقبته فيها بتعاطف ثم يؤكد بخفوت

" صحيح .. التجربة الشخصية مختلفة تماما عن الاستماع "

حتى لو كانت مريرة خانقة .. ما تعلمه جيدا أن أكرم تأذى كثيرا نفسيا وجسديا لكن لا تعلم مقدار الضرر الذي أصابه وربما لن يحكي لها أبداً كما هو بصمته دائما لكنها ستكون مهمة .. دموع
ضربت بخفة على ركبته تسأل

" إذاً .. علام تنتوي ؟ "

هز أكرم رأسه متنهدا بيأس ثم أجاب بتلك النبرة الذابلة

" لا اعلم ... لكن مؤكد سأبحث عن عمل أول شيء "

مجرد كلمة سأبحث جلبت الألم لعينيه وهو يسبل أهدابه يخفيهما عنها فتقول ألماسة برفق

" وعملك عندي "

نظر لها نظرة منفعلة غاضبة متسائلا لتواصل بحذر

" أنت تعلم أني اعمل في شركة انشاءات هندسية وهم يحتاجون إلي مهندسين باستمرار .. ساتكلم مع المدير غدا عنك "

ظلت عيناه على انفعالهما لحظات كأنه يستنكر بشرقيته أن تجلب له أخته عملا ، قبل أن يضيع الانفعال وهو يشيح بوجهه قائلا بجمود

" لا أظن أنه سيوافق .. أنتِ تتكلمين وكأني نفس المهندس المعماري الذي كان بالكلية لكن مَن أمامكِ الآن مجرد رجل موصوم .. خريج سجون وشبهة "

هتفت ألماسة بقوة

" ظلماً يا أكرم "

أعاد وجهه لها قائلا بغضب مكتوم

" لا يهم .. لا أحد سيهتم أن يعرف الموضوع من بدايته .. يكفي أني شبهة سياسية وجنائية كي يرفضوا مجرد المبدأ .. وأنا أيضا لن احكي قصة حياتي لكل مَن أقابله .. ولا تنسي أن أي شركة محترمة ستحتاج صحيفة الحالة الجنائية الخاصة بي "

لم تستسلم ليأسه المثقل بالمرارة بل ابتسمت بحنان وهى تقول

" لا بأس .. ابحث أنت عن عمل وأنا أيضا سأتحدث مع المدير وليسهل الله الأمر "

هدأت ملامحه مطرقا برأسه ليقول بنبرة واجمة

" عنيدة كما كنتِ ... كدت انسى "

مالت برأسها تسأل بمكر

" وماذا كدت أن تنسى أيضا ؟! "

رفع عينيه نحوها دون أن يظهر على وجهه أي تعبير فواصلت بنفس النبرة المتلاعبة

" أمي أخبرتني أن دموع جاءتك اليوم بل ودخلت إليك هنا غرفتك .. لو كنت اعلم لأخذت إجازة لأشهد على ذلك اللقاء العاصف "

ثارت عيناه لحظة خاطفة وقلبه يرتج بقوة نبضها الغارب من حياته فيهمس بألم غاضب

" كنت سأموت وآخذها في حضني يا ماسة ... لكن لم أستطع إلا أن أبعدها عني لأجل مستقبلها "

اقتربت منه قليلا هاتفة بدهشة

" ماذا ؟!!... كيف أبعدتها ؟! "

قبل أن يجيب دخلت الزهراء مقتربة منهما تسأل بابتسامة ناعمة

" ماذا تفعلان ؟ "

نظر كلاهما إليها قبل أن يعتدل أكرم في جلسته يربت بيده جواره قائلا

" تعالي أمي "

جلست الزهراء جواره تنظر لوجهيهما فتدمع عيناها قائلة بحنان

" وأنا أراكما هكذا حولي لا أريد شيئا آخر من الدنيا "

مدت أناملها تمسح عينيها وأكرم يربت على ظهرها فتهتف ألماسة

" يا أمي لا تبكي أرجوكِ "

أطرقت زهراء برأسها تسيل دمعتان على خديها وهى تهمس بحزن

" اشتقت لزاهد "

تمتم أكرم وألماسة بخفوت

" رحمه الله "

نظرت ألماسة إليهما مترددة وهى تتنفس برتابة ثم قررت الأمر قائلة

" أكرم .. أريد أن أخبرك شيئا لتكون معنا بالصورة ... الحاج عبد الجليل صاحب البناية لا يريد تجديد عقد الإيجار لنا ويريد الشقة وأنا أحاول معه حتى يجدد العقد ... لكن في نفس الوقت أبحث عن شقة قريبة هنا في الحي تناسبنا إذا لم يوافق "

اعتدل أكرم أكثر على حافة السرير يسأل بجدية

" منذ متى هذا الكلام ولماذا لا يريد تجديده ؟ "

وقف فجأة متحفزا ينتظر إجابة لم يجدها من أخته التي هزت كتفها بصمت فقالت الزهراء تهدئه

" هو يريد الشقة يا أكرم .. عامةً سنجد حلاً مناسبا بإذن الله "

تنقلت عينا ألماسة بينهما بقلق .. لا أحد يعرف أن ذلك الذي دعته أمها بالزرع الشيطاني هو مَن يريد أكثر من الشقة .. إلي الآن.





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 12-12-19 الساعة 11:51 PM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 11:04 PM   #126

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



خرجت من غرفة نومها تطرق بكعبيها تنفض شعرها الطويل المموج للخلف حين سمعت صوت وصوله بالخارج .. خطواتها تتهادى بجمالها وزينة وجهها الهادئة ، بثقتها التي تملأ كيانها وهى وحدها ، والتي تتلاشى تماما أمامه ولا تعرف كيف ؟!
بنظرة من عينيه يأمر .. وبكلمة من شفتيه تطيع
وجدته جالسا على الأريكة بالبهو يحتلها ناظرا للأرض مستندا بمرفقيه على ركبتيه فوضوي الهيئة

اليوم الوحيد الذي يقضيه عندها في الأسبوع تكون متعتها الوحيدة مراقبته .. يخرج من البيت صباحا أنيقا بدرجة مهلكة .. ويعود مساءا هكذا
ربطة عنقه مفتوحة حول رقبته كأزرار قميصه المفتوح نصفها ، أكمامه مرفوعة وسترته الموضوعة جواره على الأريكة تكون معلقة بإصبعه خلف ظهره
عبثا كان ألا تغرم بجنون بريته .. برياً مفترساً هكذا يليق به ..
جذابا لدرجة لم تظنها في رجال عائلتها إلا حين تعاملت معه عن قرب ، حين صار زوجها .. مع إيقاف التنفيذ

غرامك افتراس يا ابن الزِيِن
معها حق ابنة الجبال أن تترك العالم لأجل عينيه

رفع رأسه ينظر إليها وانتفض قلبها بدقة خائنة ، تليها دقات ودقات وثقتها تزول حتى وصلت للصفر .. حين اقتربت منه لتجلس على كرسي منفصل عن الأريكة تحت نظراته التي تقتلها قتلا
ترى فيها استهانة واحتقارا و.. اشمئزازا لا يختفي بمرور السنوات
يشملها بنظرة من أسفل لأعلى ولا يؤثر به شيء .. فتنتها ، بهاءها ، ندمها .. ثابتا راسخا بشموخ رجال الوادي ، لدرجة أفقدتها الثقة في جمالها كما فقدتها في نفسها
أشاح عماد بوجهه متسائلا بنبرة باردة

" لماذا طلبتِني اليوم ؟ .. قلتِ شيئا هاما "

لعقت شفتيها الوردية وهى تمر بيديها على بنطالها الجلدي الأسود ثم ترد بهدوء

" نعم .. شيئا هاما .. لكن .. لتأكل أولا على الأقل ثم .... "

أعاد وجهه المتصلب إليها بنظرة أوقفت كلماتها يقاطعها بصرامة

" لـيـلـة .. انجزي "

تحرر نفس مرتجف من شفتيها وهى تنظر لصلابته نظرة مجروحة .. تصمت قليلا والكلام منحشرا في حلقها كالعادة
ثقيلا كلامها عليه .. دائما يسمعها رغما عنه مضطرا لكونها تحمل اسمه .. شهامةً
وثقيلا عليها أيضا .. كغصة تقف بحلقها لا تخرج ولا تُبتَلع ، إذا خرجت تخرج متجمدة غاضبة أو محتدة بلا وعي ، وكثيرا تخرج مقهورة ، تحاول التمسك بأي ذرة كرامة .. وإذا ابتلعتها تبتلعها خوفا وندما مكسورة الخاطر
وكانت تحاول استدعاء تلك الكرامة الآن .. فرفعت وجهها بثبات تقول بوضوح

" حاضر ... رأيت إعلانا لإحدى شركات التأمين على الانترنت به شرحا لأحد برامج الشركة .. نظام أقساط شهرية أو سنوية ويتم استلامها بعد المدة التي تحددها من عشر سنوات إلي ثلاثين سنة .. بنسبة أرباح جيدة قابلة للزيادة .. وأنا أريد وثيقة تأمين باسمي .. ويكون استلامها بعد عشرين سنة "

ظل عماد ينظر إليها نظرة غريبة بلا أي تعبير حتى أخافها صمته .. فابتلعت ريقها لتتابع بنبرة صوت أقل تماسكا

" الشركة قطاع عام .. أي أنها مزيج من شركات خاصة وشركات حكومية .. الأرباح بها مضمونة ولها اسمها في السوق منذ ستين عاما تقريبا "

انخفض صوتها تلقائيا مع نهاية كلامها وعيناه تضيق قليلا ، هادئا ثابتا منتظم الأنفاس ? سلطان ينظر بسلطة متعالية لإحدى جواريه
هذه النظرة لها وحدها تدفع غضب روحها المدفونة جواره للتمرد .. لم تره يوما ينظر لأنثى هذه النظرة المهينة
احتدت نظرة عينيها بصمته المريب حتى سأل بنبرته الواثقة

" تريدين تأمينا ... لماذا ؟ "

تراجعت على كرسيها تكتف ذراعيها قائلة بنبرتها الجامدة

" أريد تأمين مستقبلي .. أريد مبلغا معقولا من المال يكون باسمي حين اكبر "

التوت شفتاه بقسوة جرحت مشاعرها أكثر من كلامه فانطبقت شفتاها تمنع وخز البكاء بملامحها الجميلة قبل أن تتابع بنفس النبرة التي لا حياة بها

" أنت تعرف أني لا اشعر بالأمان معك "

التف وجهه نحوها أكثر بنظرة مخيفة فنظرت جانبا وهى تلمح انقباض يده بقوة تتابع بخفوت مقهور

" والعائلة أيضا .. لا أمان لي فيها .. إنهم لا يسمحون للفتيات بتملك الأرض أو المال .. وأنا أريد شيئا ملكي "

سحب عماد نفسا طويلا ليطلقه وهو يهز رأسه باستهانة وقبضته تتراخى مبتسما بسخرية متسائلا

" بعد عشرين سنة ! "

نظرت إليه بعينين مظلمتين داكنتين شديدتي الجمال .. جميلة لـيلة .. جمال يسبي القلوب إلا قلبه
وردية الملامح نارية النظرات بأنوثة جنوبية صارخة تدعو أي رجل لينجرح بأشواك ورودها
لـيلـة .. الحياة السوداء الأولى التي أنقذها
وهى ليلة كاسمها .. ليلة حالكة الظلام عوت فيها ذئاب الصحراء لتنتهي بـ .. وصية .. ودماء كفه كـ شرف مبتور
أبعدت ليلة عينيها عنه تفك ذراعيها بيأس ترد بجمودها

" المدى البعيد أفضل يا ابن خالتي .. بما أن زواجنا لا مستقبل مبشر به و... "

وقف عماد فجأة بضخامته العضلية فتوقف كلامها وانتفض جسدها متراجعا لظهر الكرسي قليلا دون أن تظهر
وحين وجدته صامتا قالت بتماسكها الهش

" كان بإمكاني فعلها دون علمك خاصة وأن الأقساط ليست كبيرة ولن تنقص من نقود البيت شيئا لكن أنا لست هكذا "

عاد يبتسم ساخرا بوضوح فابتلعت إهانتها بصمت غاضب مكبوت وهى تسمع سؤاله اللاذع

" هذا هو الأمر الهام ! .. ألم يكن لينتظر يومين بعد ؟! "

ألا يكفي أنه يتعطف عليها بيوم واحد فقط في الأسبوع ؟.. يتركها هكذا كالمُعلقة وحدها فلا نالت بلح الشام ولا عنب اليمن !.. ضاع عمرها بخطأ واحد فهل تقتل نفسها ؟
تضغط على أسنانها بكبت وغصة كلامها تخرج خافتة محتدة وهى تضرب على رجليها

" أردت رؤيتك .. أردت رؤيتك "

نظر عماد إليها من علو تلك النظرة السلطانية .. وهى ترفع عينيها الهائمتين لطوله المسافر المهيمن عليها وعلى المكان حوله بفطرة رجولية به
للحظات تاهت كرامتها تماما والندم يلون ملامحها بذنب أسود قديم في حق نفسها .. وذنب آخر في حقه هو

أذته ومعترفة .. حين قتلت صدفة قلبه بعد طول عذاب
لم تستطع منع نفسها ذلك اليوم من أن تجرح قلبه لأن نار قلبها أدركت عشقها الميؤوس منه له
ومع ذلك لم يتركها .. تقسم بالله لو رجل آخر من رجال الزِيِن لدفنها حية .. لكن عماد .. أرجل رجال الزِيِن أصلاً وكرماً وشهامةً

ابعد نظراتك عني يا ابن البراري ..
قد قتلتني عشقا وانتهيت
ليتني بعفة ابنة الجبال التي مت معها ..
ليتني الصدفة التي أعادتك للحياة
لم أكن سوى ليلة ضالة أظلمت ليلك المهيب ..
وأسالت دماءك لتحمي شرفها المُهان

لم تدرك التوسل الذي طل من عينيها تسأله الغفران وهى تهمس برجاء

" تعبت من الوحدة "

لم تكن مستعدة لطلقة الرصاص الهادئة التي أطلقها بثبات دون رحمة ودون تفكير مرتين

" هل تريدين الطلاق ؟ "

ارتجفت شفتاها وهى تنظر له بعينين واسعتين مشتعلتي الجمال .. إلا لعينيه ..
كانت مثالا للبؤس الجميل .. بؤس عنيف محترق .. ورغم عنفه منكسر
تموت أنفاسها وهى تفتح فمها تحاول الكلام أكثر من مرة فينغلق فمها بنظرة ميتة بلا رد
حتى ابتسم ابتسامة جانبية قاسية قهرتها أكثر لتقول بنبرتها الميتة

" هل تتحجج لتطلقني ؟ .. شهامتك تؤلمك ولا تريدها أن تأتي منك فتنتظرني أنا أن اطلبها "

ظلت ابتسامته تستفزها وهو يرد بصوته المتسلط البارد

" الحمد لله أنكِ تفهمين "

وقفت ليلة لحظات مكانها بصمت تنظر له بملامح حفظها جيدا .. ملامح ميتة جامدة تنطبق شفتاها بقوة ثم ترتجف مع ثورة عينيها التي تندلع
نار تشتعل فيها بشيطانية عينيها حين يشعرها بالغباء فتنطلق نبرتها الحادة

" وطالما أنك شهما هكذا اعدل بيننا يا هارون الرشيد "

تلاشت ابتسامة عماد وهو يقول بصرامة

" اقصري الشر "

سمع صوت أنفاسها الغاضبة وهى تستدير تضع يدها على جبهتها ثم تمررها في شعرها الأسود الطويل بعنف كأنها ما عادت ترى جمالها ولا تهتم به
يراها تغطي عينيها بكفها وهى توليه ظهرها تثير شفقة أي إنسان سواه ثم قالت باختناق

" حسنا .. لا .. لا أريد الطلاق "

شملتها عيناه بنظرة تقييم عابرة من بنطالها الجلدي الملتصق بساقيها لقميصها الناعم الملتصق أيضا !.. كعبا عاليا في البيت !! .. سمع صوت طرقاته حين أتت لكنه لم ينتبه أصلا ولم يهتم
ارتفع حاجبيه ناظرا للحذاء العالي باستخفاف .. الحذاء وحده بقدميها فتنة !! .. الحقيقة أنها تبذل مجهودا مضنيا ليراها .. لكنه لن يفعل مطلقا
اتجه للأريكة يأخذ سترته قائلا ببرود

" لا تشتكي من الوحدة إذاً "

سمعت صوت خطواته فامتنعت عن قول لاذع بصعوبة تغمض عينيها بقوة تمنع البكاء ثم تفتحها لتقول بجمود مستعيدة ذرة الكرامة الباقية

" لن اشتكي مجددا ... ماذا قلت في أمر التأمين ؟ "

علق سترته على كتفه متجها للباب قائلا باقتضاب

" سأفكر "

استدارت ليلة بحدة شعرها ينتفض معها وصوتها يعلو

" تفكر ويظل الموضوع أسابيع حتى تتكرم وترفض بعد أن تذلني كما تحب و... "

أمسك عماد مقبض باب الشقة بعنف هادرا

" انتهينا "

اقتربت منه خطوات مجنونة الغضب وحاجباها ينعقدان بشدة ذاك البؤس قائلة بقهرها

" أنت لم تسأل عن اسم الشركة حتى .. لم تجلس إلا خمس دقائق "

صوتها المرتجف غضبا مكتوبا يعيده لهدوئه فيلتفت إليها ينظر لوجهها الأحمر المنفعل قائلا

" أخذتِ من وقتي الكثير "

عيناه بعينيها قريبة منه لدرجة لم تشعرها إلا حين ارتفعت يده تمس فكها فاتسعت عيناها بهدوء مباغت وشفتاها تفترقان عفويا بدعوة مائلة نحوه .. دعوة ناعمة الإغراء ووجهها يسخن مشعا تورده تحت أصابعه
إلا أنه ضرب على جانب فكها ضربتين خفيفتين بحركة مستفزة يبتسم متابعا بتعمد قاتل

" والليلة ... ليلة روينة "

صرخت عيناها بجنون .. غضبا ، غيرة ، حقدا .. صرخت حتى كاد زئيرها يخرج بوجهه وذلك المنظر منذ يومين لا يرحمها .. حين دخلت غرفة نومها هى لتجده مع .. أخرى في سريرها
تتذكر قبلاته لتلك الغجرية فيئن جسدها الجاف رغبة حارقة إليه .. كانت أسوأ لحظاتها إذلالاً منذ تزوجها منذ سبع سنوات ونصف ولم تملك يومها سوى أن تهمس بـ حاضر حين أمرها أن تخرج من الغرفة
كلما تذكرت يكاد رأسها الانفجار احتقانا بالدماء التي تندفع كدبابات الحرب بشرايينها ..

كالآن .. وهى تنظر إلي عضلات صدره من أزرار قميصه المفتوحة .. محرم لمسها عليها .. محرم دفء حضنه عليها بأمره
تلك الأزرار المغلقة المتبقية ستفتحها له أخرى لتتنعم بجموح البرية وشراسة الافتراس
تتمرغ الفلاحة بصلابة ابن البراري .. وهى هنا يكاد الحقد يعميها دون أن يشعر بها أحد
استدار عماد يفتح الباب مبتسما بقسوة تستدعيها ليلة فقط .. فيسمع صوتها المحترق

" عماد "

توقف لحظة يرفع رأسه بكبريائه الجبارة وهى تقول بتلك النبرة المحترقة حقدا

" من فضلك لا تحضرها إلي هنا مرة أخرى "

التفت ينظر إليه باستهانة لكن ملامحه كانت باردة جامدة وهو يقول بتلك السلطة الرهيبة

" بيتي وأنا حر به .. احضر فيه مَن أشاء وقتما أشاء "

وأمام عينيها النارية القاتمة خرج مغلقا الباب خلفه بخطوات سلطانه العالي.




فتح باب الشقة وهو يسمع الصوت الصاخب من الخارج فابتسم بعبث .. دخل إلي البهو ملقيا سترته المعلقة بإصبعه خلف ظهره جانبا وكما توقع .. وجد !!
تتمايل بجسدها الغجري الممتع للنظر مرتدية قميصا حريريا طويلا يظهر الكثير والكثير بلون نبيذي مستفز للرجولة .. حافية .. طبيعية بدون ألوان صناعية
والصراحة أنه يحب هذا الاستفزاز الصارخ هنا .. وهنا فقط !

يستند للجدار مكتفا ذراعيه يتلاعب بمفاتيحه بلا صوت يراقبها .. يتذكر تلك الليلة منذ يومين .. لم يتعمد أن يأخذها لشقته مع ليلة ولم يتعمد إذلال ليلة .. لكنه كان معها بالخارج قرب الشقة وكانت أكثر جمالا من أن ينتظر !! .. أو ببساطة أكبر لم يرد الانتظار حتى يصل إلي هنا !!
ربما كانت تلك أكثر مرة جرح فيها ليلة لكنها تستحق .. تستحق قتلا بلا رحمة
ثم إن تغيير المكان ممتع مؤكد !!

عيناه الماكرتان تضيقان على خصرها وهو يتمايل يمينا .. ثم يسارا .. يمينا ثم .. يمينا ! .. ثم يدور دورة كاملة وهى تنحني انحناءا .... اوووف
زفر نفسا حاااارا وهو يتابعها .. تنخفض للأرض مع الإيقاع ثم تعتدل وتستدير وحينها ..
اتسعت ابتسامتها الشقية وهى تجده أمامها فمالت كتفها بدلال مقتربة منه حافية القدمين برقصها البطيء المتناسق مع حركة ذراعيها الرشيقة ..
بهجة حقيقية للنظر .. جمالا غجريا ممتعا .. فائق المتعة
عيناها الواسعتان تلمع بشقاوة كبشرتها الخمرية .. جميلة واضحة الملامح .. كل ما بها واضح بأنوثة شرقية
وصلت إليه فأحاطت عنقه بذراعيها بابتسامتها الواسعة متمايلة على جسده فيتأمل جسدها المكتنز بحرارة نظراته هامسا

" شبح ! "

تضحك عاليا ثم يعلو صوتها مع الأغنية

" وأحب الناس الرائقة ... "

يتحرك جسدها للأسفل بجملة فتغني هى الجملة التالية

" أما العالم المتضايقة .. تؤ تؤ ... "

أحاط عماد خصرها بكفيه ضاحكا ليجذبها إليه أكثر قائلا بنبرته المثيرة بطبيعتها

" يا لذيذ يا رائق أنت .. اقسم بالله حين أصل إلي هنا افصل عن كل العالم الأسود بالخارج "

ارتفعت على أطراف أصابعها هامسة أمام شفتيه بنبرة حلوة كالعسل

" وهذا المطلوب "

زفر نفسا حارا كعادة أنفاسه بهذا البيت قبل أن يميل بوجهه ليقبل تلك الشفاه الطائعة ..
أنفاسه هنا حارة محترقة والأجواء دائما عاصفة شديدة الحرارة صيفا كثيرة الأعاصير شتاءا !!

رويـنـة .. الحياة الثالثة التي أنقذها .. وهرب من قلبه فيها
لكنه هروب أجمل من أن يسمى هروباً

تحاول إبعاده فتلامس شفتاه خدها هامسة بنبرتها الرائقة

" هيا لتأكل أولا "

تنحدر قبلاته لعنقها وهى تدفعه في صدره برفق قائلة بنعومة

" تأخرت عليّ اليوم "

تزفر بانتشاء وهو غائب بلذة بشرتها الخمرية الدافئة فتدفعه أكثر هاتفة بأنوثة متمنعة

" يا عماااااد "

رد بنزق وهو يغمر وجهه بشعرها

" اممم .. اصمتي قليلا روينة "

أبعدته أكثر مستشعرة حرارة جسده الصلب هاتفة باعتراض

" لقد برد الطعام واضطررت لتسخينه مرتين "

ابتعد عماد نافخا وهو ينظر إليها عاقدا حاجبيه .. ابتسامة تتسلل إلي شفتيه ناظرا لشعرها الناعم بكثافته ورغم نعومته تحب تركه منتفشا .. مفترقا من منتصفه على جانبي وجهها المستدير فينخفض يقبل فرق شعرها كما يحب
رائحتها بأنفه أجمل من أن يصفها .. رائحة طبيعية بجمال الأرض الزراعية حيث أصل عائلتها ..
روينة تريحه .. تخدر روحه عن ألم فقد السلاف .. وضياع الصدف .. تفعل ما بوسعها لترضيه .. ككل زوجاته !
لكن روينة .. روينة !! .. سحر الشرق المختلف

يتقدمها لمائدة الطعام وهو يخلع ساعته ويضعها جانبا ناظرا للأصناف التي داعبت أنفه برائحتها النفاذة فتقول روينة بخبث

" أكلة أكارع تطيب لفمك يا روح روينة .. اعلم أنك لا تأكلها إلا عندي "

جلس عماد على كرسيه بصمت مذهول يحدق بالأصناف النارية بحاجب مرفوع وابتسامة ذات مغزى شديد الحرارة !
انتفخ صدره بنفس طويل ناظرا لطبق الأكارع المتفجر ثم نظر إليها قائلا

" بالأمس كان جميع أنواع الفوسفور واليوم وليمة المحشو والأكارع هذه !.. ما زلت مشعا منذ الأمس روينة !! "

وقفت جواره تمسد مؤخرة عنقه بيدها ترد بدلال مبتسمة بنعومة ماكرة

" هذه أيامي التي انتظرها كل أسبوع .. ثم إن أنت دائما مشع يا عمدة .. هذا الطعام لمستي الأخيرة لا أكثر "

عيناه تنصب فخها الرجولي المدمر وهو ينظر جانبا لقوامها المثير فيهمس بحرارة

" أخيرة على حق ! "

تمرر روينة يدها على جانب خصرها أمام نظراته المتقدة متسائلة بنبرة يكمن بها شر الأنوثة

" أنا الأخيرة في كل شيء يا عماد .. أم لك رأي آخر ؟! "

رفع عينيه إليها لحظات طويلة ثم ابتسم بغموض .. أحيانا تغلبها الغيرة فتسيطر على نبرتها إلا إنها تقتلها قتلا حتى لا تعكر مزاجه بما يضايقه
لا تعلم أنها ... الوحيدة !!

أمسك يدها من خصرها ليجلسها قائلا بنبرة خافتة تعلمها جيدا

" هيا اجلسي لتأكلي لأن الأمور عندكِ تسوء بسرعة البرق "

جلست بهدوء متغاضية عن عدم رده .. عماد مراوغا بثقة مختلفة لم ترها في رجل من قبل .. ربما لأن مَن في محيطها من رجال كانوا مجرد رمزا للبطش والاشمئزاز وانعدام الرجولة .. كزوج أختها داليا الذي يضرب أختها صباحا ومساءا .. أو كخالها الذي يعيرها بالنقود القليلة التي كان يساعدهم بها بعد موت والدها منذ سنوات طويلة ..

عماد نجدة السماء إليها .. تشكر ربها يوميا على زواجه بها ولا تعلم إلي الآن كيف أعجب بها وأرادها رجل مثله وهو بإمكانه الزواج من أثرى وأرقى العائلات بالبلد ؟!
لكنها كلمة القدر .. قدرها هو وهى قدره ..
حتى لو فكر في الزواج مجددا لن تمانع .. ستقف بزفافه تزغرد له وتخدم مدعويه من كل قلبها .. ولو أراد لخدمت عروسه بنفسها رغم معرفتها أنه لن يحط من قدرها أبداً
معززة مكرمة منذ جاءت لبيته وهى لم تكن معززة ببيت أهلها .. ذاقت شقاء الدنيا من عمل إلي عمل حتى تكرم خالها ليوظفها في محل العطور الخاص به ..
وهناك .. قابلت عماد قلبها

انتبهت لعينيه العابثة وهو يضغط على راحة يدها بإبهامه فابتسمت عفويا .. يفهم جسدها ولغته الخاصة ويعرف حساسية راحتيّ يديها .. فتستقبل قبلاته بباطن يدها ويستقبل ضحكاتها العالية ..
وجهها يتوهج ورديا يناقض خمر لونها وهى تسحب يدها تضع الطعام بطبقه تسأل

" ماذا تقصد أن الأمور عندي تسوء مثل البرق ؟! "

ظل ينظر إليها قليلا بوداعة ملامحها حين تشرد ثم رد مداعبا

" لا أبداً .. خمس دقائق فقط أجلسهم هنا والباقي في غرفة النوم .. أتصدقين أنني فعلا لا احفظ من هذه الشقة إلا غرفة النوم ؟!.. أينفع هذا ؟! "

اتسعت ابتسامتها وهى ترفع ملعقتها لفمه بالحساء هامسة لعينيه

" وهو المطلوب أيضا .. هل هناك أحلى من هذا ؟! .. هيا كُلْ "


بعد وقت طويل انفصل فيه عن كل العالم .. أضواء خافتة وباب مغلق على أسرار ممنوعة الولوج .. النسيان هنا سهلا كالشرب من ماء جارٍ لا ينفد .. بل يحلو طعمه لفمه وحده
هنا سر الحبيبة المتفانية .. العشيقة الراضية .. والزوجة الطائعة
روينة ليست أنثى واحدة .. روينة هى كل نسائه دون أن تعلم .. ودون أن يخطط هو لذلك ..
يرتاح معها .. ويحب هذه الراحة لدرجة لم يتخيلها
يشعر بأنفاسها وهى تمرر أصابعها على صدره العاري ثم تهمس

" عماد "

رأسها على صدره يضمها بذراعه لجسده ويده تختفي بشعرها الهائج يهمهم

" اممم "

تحرك وجهها لتقبل موضع قلبه ثم تقول بنبرة جميلة مثلها

" أدامك الله لي "

ابتسم راضيا مرتاحا لحظات طويلة .. ثم اعتدل رأسه على الوسادة ينظر لوجهها فيبعد خصلاتها عن عينيها متسائلا

" ما بكِ ؟ "

ذراعها تلف خصره أسفل الغطاء فتضم نفسها إليه أكثر وهى ترد بهدوء غائم

" افكر في حياتي قبل أن أقابلك والآن .. أحيانا اشعر أنني مدينة لك أكثر من أنني زوجتك "

وضع عماد ذراعه الأخرى تحت رأسه ينظر للسقف قائلا

" قلت لكِ من قبل لا تقولي هذا مجددا "

هزت رأسها وهى ترفع ذراعها تحيط عنقه لتقول بتردد

" نعم لكن .. اليوم ... تاريخ اليوم .... "

قطع عماد كلامها بقوله الهادئ

" اليوم عيد زواجنا السادس يا روينة "

سكنت لحظات لا تصدق أنه تذكر ككل عام فتظهر ابتسامة تتسع ببطء على شفتيها وهو يأخذ يدها من جانب عنقه ليقبل راحتها فيدغدغها ذلك الاحساس وهى تتمالك ضحكتها تسمع صوته الحنون

" كل عام وأنتِ معي "

فجأة هبت جالسة على ركبتيها نافضة الغطاء عنها تهتف بفرحة

" تذكرت "

ارتفع حاجبا عماد وهو ينظر لجسدها العاري وهى تجلس أمامه بأنوثة بلا خجل ثم يضحك بخفوت وهو يهز رأسه عجبا ..
يميل بجذعه نحو الأرض يلتقط بنطاله الملقى جوار قميصها النبيذي ليخرج من جيبه علبة حمراء صغيرة ثم يعتدل على السرير ليفتح العلبة يخرج منها سوارا ذهبيا رقيقا ويلفه حول معصمها وهى مشدوهة ..
ثم تركها تتأمل هديتها ليتأمل هو هذه اللوحة الخمرية الطبيعية تماما والخالية من أي إضافات قد تخفي معالم جمالها .. عدا سوار ذهبي ازداد جمالا بسحرها

أجمل ما بها .. لا تخجل منه .. تمنحه ذلك الشعور أن روحها به وكيانها له وجسدها ملكه كجزء منصهر فيه .. شعور يرضي رجولته برضا غاية في اللذة
يشك أن تستطيع أي واحدة أخرى فعل هذا حتى لو كانت تعشقه .. ذلك الاندماج الانسيابي بينه وبينها منذ قابلها وحتى عرض عليها الزواج وبعد سنوات لم تفتر علاقتهما
ربما لأنها ثلاثة أيام بالأسبوع لا أكثر .. ثلاثة أيام يترك لنفسه حرية النظر واللمس .. وحرية النسيان

تنظر روينة لمعصمها وهى تحركه أمام عينيها اللامعتين ثم تهمس بانبهار

" جميييل هذا السوار ... لم ارتدي ذهبا إلا بعدما تزوجتك "

ابتسم عماد حنانا وهو يفتح درجا بجانبه ليخرج منه ظرفا أبيض وضعه أمامها قائلا

" وهذا مال والدتك وإخوتك "

كل شهر لا ينسى .. ولا يذكرها يوما بالأمر حتى لا يجرح كرامتها .. يعطيها النقود صمتا ولا يتبع معروفه مناً ولا أذى
عقدت حاجبيها بشدة وعلت أنفاسها قليلا وهى تنظر للظرف حتى شهقت فجأة فأحاط عماد وجهها بكفيه آمرا بجدية

" لا تبكي "

انسابت دمعتان على خديها وهى تنظر له بعينيها الباكيتين هامسة بعجز

" لا اعرف كيف أرد لك كل هذا ؟ "

ذلك العجز يقربها إليه أكثر .. هى حقا جزء منه كأنها تكمله روحيا مثل .. وصال
روحه تجد السلوى فيهما معا بعد أن تعكرها .. ليلة
عزيزة النفس منذ عرفها وبصعوبة قبلت أن يساعد أهلها بعد أن توقف خالها الدنيء عن مساعدتهم ..
أرادت العمل مجددا لتساعدهم ورفض تماما الفكرة وكان شجارا استمر طويلا لعدة أسابيع في الأيام التي يقضيها معها ..
وفي النهاية رضخت له وهو يخيرها بينه وبين العمل .. خوفا عليها لم يقبل بعملها بسبب تعليمها المتوسط ..

لن ينسى ملامحها اليائسة يومها ودموعها تنساب ورغم ذلك كانت نبرتها شديدة العزة والكبرياء وهى تسأل

" وأهلي يا عماد ؟ "

ولا يعرف يومها ماذا أصابه وهو يخاف فجأة أن تتركه وتختار أهلها فرد بنبرة قاطعة منهيا النقاش

" أهلك في رقبتي "

تنهد عماد عائدا من ذكرى ذلك اليوم وهو يبتسم لعينيها الضعيفتين قائلا ببساطة

" ابتسمي فقط "

ظلت تنظر لملامحه لا تشبع منها .. في أبعد أحلامها عنها لم تتخيل رجلا بوسامته وقوة روحه ..
عماد فخ .. تظن أن لا امرأة قد تراه إلا وتعشقه
أطرقت لحظة ثم عادت تنظر إليه تبتسم بشفتيها المرتعشتين فيهز رأسه نفيا وهو يقترب بوجهه منها قائلا

" ليست هذه الابتسامة الحزينة .. بل تلك الابتسامة الشقية المدللة التي تطير بعقلي "

ضحكت بخفوت وهى تمسح خديها بظاهر كفها لتظل لحظات تستعيد ملامح دلالها .. حتى اتسعت ابتسامتها الشقية التي ترافقها حركة كتفها المائلة
لتلاقي ابتسامتها شفتيه الحارتين قبل أن يبتعد هامسا بنبرة رجولية قاتلة

" حلاوتك في الشقاوة يا أحلى من الفراولة والتوت "

ضحكت روينة عاليا وهى تدفعه بصدره على الوسادة قائلة بغنج

" أحب حين أخرج منك هذا الجزء الشعبي المدفون داخلك "

خطفها عماد لصدره هامسا بمكر عينيه المهلك

" في كل شيء سالِك يا شبح ! "

استندت بذراعيها على صدره تقول بصدق ابتسامتها السعيدة

" أنا اتكلم جديا .. أحب لغتك معي .. أشعر أنها معي أنا وحدي "

داعب عماد ذقنها بأصابعه مؤكدا

" هى بالفعل معكِ وحدكِ "

ظل ينظر إليها طويلا وهو يفهم منها تلك النظرة .. نظرة تقدير .. امتنان
وهى .. لم تمنع نظرتها عنه بل أحيانا تقولها له بنفسها
عماد راقي .. شديد الرقي في التعامل مع الجميع
ورغم ضآلتها أمام رقيه .. ضآلة تعليمها المتوسط أمام تعليمه العالي .. وضآلة عائلتها أمام عائلته العريقة .. إلا أنه هو مَن يحتوي مستواها ليرفعها لمستواه دون أن يشعرها بقلة قيمتها التي تشعرها هى ..
بل تشعر أنه يرتاح معها كما هى .. يرتاح للغتها البسيطة وغزلها الطبيعي دون التفكير في كلام عشقي منمق
اقتربت أكثر تقبل زاوية شفتيه لتغمر وجهها في عنقه تأخذ نفسا طويلا ثم تهمس

" أحبك يا عماد .. جدا "

مال وجهه يقبل رأسها ليمسح على شعرها برفق معدلا الغطاء فوقها حتى غابت ابتسامته وقلبه يرتج بنبض .. الصدفـة. ‏





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 13-12-19 الساعة 12:04 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 11:06 PM   #127

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

بعد منتصف الليل

يبحث ببعض الأوراق على مكتبه بغرفته الواسعة متحدثا في هاتفه ببرود
" لا طلاق يا سارة "
يسمع صوتها المنفعل قهرا وهى تبكي
" ما الذي تريده مني يا رمزي ؟ .. حرام عليك .. لا تريد إعادتي ولا تطليقي "
تحرك في غرفته بآلية يفتح خزانته الطويلة يبحث بأوراق أخرى على رف سفلي وهو يرد بانزعاج
" بصراحة لم أعد أطيق الحياة معكِ .. مللت واختنقت من نكدكِ وشجاراتكِ .. ومؤكد مستقبلي المهني أهم منكِ "
علا بكاؤها أكثر لعدة لحظات وهى تحاول التحكم في شهقاتها تكتمها بصدرها فتنشج بعنف ثم تهتف
" مللت واختنقت !! .. أنت تحاول أن تخفي لا مبالاتك وحبك لنفسك وعدم اهتمامك بنا ولا تحملك أي مسؤولية .. طلقني إذاً ودعني لحال سبيلي "
رد رمزي ببرود وهو يستقيم مغلقا الخزانة محضرا بيده بعض الأوراق
" لا .. ستظلين هكذا ترعين أحمد أم تريدين الطلاق لتتزوجي وتحضري له زوج أم ؟ "
صمت بكاؤها فجأة وصوت أنفاسها العالية يصل أذنه كهواء مباشر قبل أن تصرخ بحدة
" يا ظالم يا حقير .. تريد أن ترهنني بجوارك كالبيت الموقوف لأنك تخاف أن أتزوج فأحضر لابنك زوج أم .. الذي هو ابني وأخاف عليه أكثر منك "
يسمع لهاثها واضحا وصراخها يعلو أكثر
" ابنك الذي لم تره منذ أشهر .. منك لله يا رمزي .. حسبي الله ونعم الوكيل "
تحرك مجددا لمكتبه يضع الأوراق ثم يقول بلا اهتمام
" كلنا منا لله يا سارة .. اهتمي بابنك وتوقفي عن طلب الطلاق أفضل لكِ "
وأغلق الخط بهدوء ! .. وجلس يراجع أوراقه مرتاح البال !!
سمع صوتا من خلفه فالتفت ليجد فؤاد واقفا بباب غرفته متجهما .. نظرة من عينيه الحادتين تشع لهباً ، قبضته مستندة لإطار الباب فعلم أن ذلك الصوت كان ضربة قبضته للإطار !
أعاد نظره لأوراقه بتكبر معدلا نظارته الطبية فوق أنفه فتساءل فؤاد بنبرة مكتومة الغضب
" هل هناك جديد ؟ "
رد رمزي بهدوء بارد
" العادي "
دخل فؤاد الغرفة زافرا بحدة ليقول بخشونة
" إلي متى ستتركها مُعلَقة هكذا ببيت أهلها ؟ .. حتى أنك لا ترى ابنك الذي يحتاجك هذا الوقت تحديدا في حياته "
ابتسم رمزي ساخرا وهو يرمقه من فوق النظارة بنظرة ذات مغزى يحرق الدماء قائلا
" أدام الله له أمه "
التقط فؤاد معنى نظرته بوضوح فاندلع حريق عينيه .. كأنه ينظر للشيطان متسائلا .. منذ متى حنان قلبك ؟!
تراجع رمزي لظهر كرسي مكتبه مضيفا بابتسامة مستفزة
" ثم إنها مشاكل بيني وبين زوجتي يا فؤاد .. ما شأنك أنت ؟! "
تقدم فؤاد خطوة مندفعة ويده تنقبض كعينيه الداكنة المنقبضة بنظرة مستعرة قبل أن يتوقف مكانه متمالكا أعصابه قائلا
" إن لم يكن شأني أني أخاك فشأني أني كبير هذه العائلة "
نظر رمزي للأوراق يرد بنفس الابتسامة
" وأنا الأكبر سنا وكان من المفترض أن أكون مكانك "
ارتفع صوت فؤاد بحدة
" وتنازلت لي بإرادتك .. إذاً كلامي يسري على الكبير قبل الصغير "
ارتفعت عيناه إليه بلا اهتمام متسائلا
" وما هو كلامك يا .. كبير ؟ "
اقترب فؤاد من مكتبه قائلا بصوت آمر لا يقبل جدلا
" إما أن تعيدها إما أن تطلقها وتحدد معها مواعيد لرؤية ابنك "
رفع رمزي حاجبه وهو يتلقى الأمر من أخيه الأصغر منه بسنتين ثم قال بتلاعب
" سمعت خالتك عديلة حين عدت من المشفى تتحدث عن جلسة صلح ستُعقَد بين الزِيِن والجبالية الأسبوع القادم وعلينا الحضور كوسيط "
هكذا هو رمزي دائما .. حين يرغب في الهروب يحرق دم مَن أمامه ، ولا شيء يحرق دم فؤاد إلا بتذكيره بالماضي والبلدة ونظرة العائلة إليه
ملامح فؤاد صارت أكثر قتامة ورمزي يتساءل ساخرا
" أظن أنك لم تكن لتطلب مني أن احضر معك أليس كذلك ؟! "
وضع يديه في جيبيه يرد بنبرة ذات مغزي
" حسب معلوماتي لديك مؤتمر طبي وستسافر "
ارتفع حاجبا رمزي يهز رأسه ساخرا وهو يسمع .. فؤاد تقريبا عرف بالمؤتمر قبله ! .. لديه عيون عليهم جميعا !!
ابتسامته الساخرة ترسم برود جراح ماهر مؤكدا
" صحيح .. أنا لدي مؤتمر طبي وسأسافر بعد غد "
أخرج فؤاد إحدى يديه يمسح وجهه زافرا ثم يسأل بنبرة حادة
" إلي متى ستظل منسحبا من كل شيء ؟ "
تلاشت سخرية رمزي لينظر إليه مدققا قائلا بجديته النادرة
" وإلي متى ستظل أنت مقيدا بكل شيء هناك ؟ .. روحك اختنقت حتى ماتت وما زلت متمسكا بكل السواد الذي تربيت عليه هناك "
هدر فؤاد فجأة وقد وصل لآخر سيطرته على أعصابه وهو يضرب على كتفه بقبضته المتشنجة
" لأن أصلنا هناك .. الأصل والأرض والمصانع والعائلة على كتفيّ هاتين "
نهض رمزي يوليه ظهره قائلا بنفور
" وهذا لم يعد يعني لي أي شيء .. وقريبا سأنتقل من هذا البيت إلي بيت وحدي وحينها .. حينها سوف آتي لزيارتكم كل حين بعيد "
ارتفع ذقن فؤاد يرد بكبريائه الحرة ونظرة حارقة بعينيه تود لو أحرقت كل شيء عداءاً
" ليس غريبا عليك .. دائما كنت أنانيا تحب مصلحتك .. انسحبت من كل شيء يخصنا واكتفيت بدخولك كلية الطب وحصولك على لقب محترم يا محترم "
فخورا معتدا بنفسه رغم نبرة الضيق المعتادة .. كان نصيبه هو أن يُقحَم في ما هو أكبر منه منذ سنوات ، وانسحب رمزي لحياة عملية ومستقبل مهني ذو سمعة وصيت بالمدينة بعيدا عن بلدتهم
اليوم كلاهما بطريق مختلف .. عائلة راسل تفرقت منذ مات راسل ولم يحمها إلا فـؤاد
التفت رمزي يرد ناظرا إليه ببرود عينيه مشيرا بذقنه للخاتم
" لولا انسحابي لما كنت أنت كبير هذه العائلة بعد أبينا ... لما كان هذا الخاتم في إصبعك أنت "
اقترب فؤاد من المكتب يقول ساخرا
" ليس لسواد عينيّ ! .. بل لأنك لا تحب تحمل مسؤولية غيرك ولا ترى إلا نفسك يا رمزي "
تحرك رمزي أمامه قائلا بنظرة جامدة قاسية
" وأنت ماذا ترى غير نفسك يا فؤاد ؟!.. لا تقل أنك غير راضٍ عن قراري بالتنازل لك .. رأيت عينيك يوم وضع عمك قاسم الخاتم بإصبعي لأني الأكبر .. كنت تحترق وأنت ترى أنه حقك أنت "
تنفس فؤاد بحدة وتلك الأيام تعاوده بمزاج عنيف يميل للدماء بكل سهولة .. صعبة !
حتى نطق أخيرا مقتربا خطوة مشددا على حروفه
" أراكم كلكم .. كلكم تحت عينيّ "
عيناه تستعر بحريقها وهو يتابع كأنه قطعة جليد بشرية تخدش بلا رحمة
" زوجتك تنوي رفع قضية خلع لتتخلص منك ثم الرحيل من المدينة كلها مع أهلها لمكان لا تصل إليها فيه "
اتسعت عينا رمزي متفاجئا قبل أن يعقد حاجبيه بغضب يشتم سارة همسا فابتسم فؤاد ساخرا قابضا يده بقوة يضعها أمام عينيّ رمزي بقوله المسيطر الصقيعي
" هذا الخاتم .. واسم كبير عائلة راسل رافع من حقي تماما "
انخفضت عينا رمزي أمام قوة عيني أخيه العنيفة مفكرا في المصيبة التي ستحل على رأسه وفؤاد يعلمها جيدا .. إن رفعت سارة قضية الخلع ستضرب اسمه كجراح معروف بسمعته ومكانته بمقتل
تحرك فؤاد ليغادر الغرفة ظافرا بعد أن ضرب ضربته لكنه استدار مجددا يقول بهدوء رغم عينيه البراقة المستعرة
" بالمناسبة .. عرفت مكان أولاد زاهد "
خرج من الغرفة إلي غرفته تاركا رمزي بضربة ثانية أشد عنفاً ، يستوعب ما قال وقد استرعى انتباهه بجملته تماما فخرج وراءه يهتف
" فؤاد "
تابع طريقه لا يبصر سوى ما ينتويه فتحرك رمزي حتى وقف أمامه يهتف بقلق شرس
" فؤاد .. لا تفتح الدم من جديد .. لا تنس شهاب ورنوة ليس لهما ذنب وأكرم صار رجلا قد يؤذيهما "
شهاب ورنوة ! .. بل تخاف على نفسك واسمك يا رمزي !!
نظر فؤاد لأخيه نظرة غريبة مخيفة وابتسامة قاسية تميل بزاوية شفتيه قائلا بتوعد
" لقد بدأت بفتح الدم بالفعل يا رمزي "
تلك النظرة يعرفها رمزي جيدا .. نظرة قديمة بارقة لطالما احتلت عيني فؤاد لسنوات دمار فائت ، نظرة أخافته من الماضي وأقلقته على المستقبل
حتى تأكد قلقه وفؤاد يتابع بنبرة تجمد الدماء
" ببطء شديييد ... قاتل .. أو مقتول "



💖 انتهى 💖


نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 02:28 AM   #128

Khawla s
 
الصورة الرمزية Khawla s

? العضوٌ??? » 401066
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,978
?  نُقآطِيْ » Khawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond repute
افتراضي

يختاااي قاتل او مقتول 😭😭😭القفله بتخوف والثأر بلش وفؤاد ناوي عليها 😭😭😭واكرم والماسه بحزنو 😢😢
عماد وحكايته الي بتقطع القلب بالماضي
حكايات مشوقه وشكلنا هنشوف العجب العجاب الله يستو من الجاي
الفصل دسم ورائع ابدعتي ياقمر ♥♥♥


Khawla s غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 03:00 AM   #129

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

رمزي ده اغرب واحد فيهم بروده غير عادي تباعده ورفضه لتحمل المسؤولية وراه شئ يمكن شايف نفسه ضعيف أو أن فاهم أن فؤاد يقدر عليها اكتر منه بالاضافه لرغبة فؤاد فيها
فؤاد ده شكله محرك رئيسي هنا 😂 وشكلنا هنشوف اسم زي الفل علي أيده وربنا يستر علي الماسه
مش حاسه أنه هيسيبها في حالها تقريبا ميال ليها وهيزيد عقابه ليهم ورغبته في أنه يأذيها بسبب إحساسه ده عشان يداريه
بس ماهر عاوز يقول لها ايه 🙄شكله ناوي يسافر عشان يكونوا نفسهم
وجع شباب البلد كلهم في أنهم حتي مش قادرين يحققوا ابسط أحلامهم ايلي هيه من حقوق ليهم اصلا 🙁شاب كل حلمه أو حلمه الاساسي أنه يتزوج من حبيبته
بس اقولك علي سر يا نور 😁انا مش متفائل 😏أصل الصراحه انا مش بطمنلك وعارفه أن هترزعينا مقلب ملاوي يطلع من عنينا 😂
عماد بقي ايلي منتظره اعرف صدفته وازاي ليله خربت الصدفه ديه 🤔


م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 03:01 AM   #130

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

الله شوفتيني وانا من اوائل ايلي قرأوا الفصل 😁😂😂 ادعيلي استمر علي كده بقي 😂

م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.