آخر 10 مشاركات
متى تحضني عيونك اذا هذي العيون اوطان ؟ , متميزة"مكتملة" (الكاتـب : توآقهَ ♥ لِــ ♥ لُقّياكـْ - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          608 - المرأة الضائعة - روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : samahss - )           »          الإغراء الحريري (61) للكاتبة: ديانا هاميلتون ..كاملهــ.. (الكاتـب : Dalyia - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          عروسه المقامرة (63) للكاتبة Rebecca Winters .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عزيزى ديزموند(62) للكاتبة K.L.Donn الجزء5من سلسلة رسائل حب Love Letters كاملة+الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عزيزتى لينا (61) للكاتبةK.L. Donn الجزء4من سلسلة رسائل حبLove Letters كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كُن لي عناقً وسأكون لك ظلاً كُن لي مأوى وسأصبح لك وداد (الكاتـب : تدّبيج - )           »          عزيزى مافريك(60)للكاتبةK.L. Donn الجزء3من سلسلة رسائل حب Love Letters .. كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree277Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-05-21, 12:56 AM   #2011

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي


كل عام وأنتم بخير
جعل الله أيامكم أعياد ويمن وبركات

سيتم تنزيل البريق الرابع والثلاثين يليه الخامس والثلاثين

البريق الرابع والثلاثون

مدينة الغريب

على شاطئ البحر يسيران ، تمر الأمواج تحت أقدامهما وتعاود اختلاطها بالبحر الساحر في نهار شتوي خفيف البرودة ، كأنه يترفق بهما تقلب الطقس كتقلب الدنيا

عينا دموع تدمع تحت نظارتها السوداء بجلال اسمها وعذاب ما رأته وتراه حيا على جسده كوصمة عمر راحل

يدها بيده تشد الوثاق بينهما وتنظر للجو الصافي حولها قائلة

" أنا اريد العودة أكرم "

مثلها تأخذه الاجواء الساحلية بعيدا عن الألم فلا يشعر إلا بالهدوء والسكينة يرد

" لم نقضِ إلا اسبوعا دموع "

الشمس غائبة لتترك النهار بلا احتراق الحرارة ويداعبهما النسيم بردا وسلاما لتقول أي مبرر

" الجو أصبح بارداً والشتاء هنا أكثر برودة "

أحاط أكرم كتفيها يدرك ما بها قائلا بعزم

" لا اريد لشيء أن يؤثر عليكِ هكذا .. أنا بخير واعيد حياتي كما كانت دموع .. بداخلي اشعر بالهزيمة نعم .. لكن هناك شعور آخر يدفعني لأكون أفضل .. ووجودكِ معي يساعدني "

هذه الفترة هى مَن تشعر بالهزيمة أكثر وتستسلم للصورة بالقول

" لكن هناك ما تغير بنا يا أكرم .. يستحيل أن يعود لسابقه .. لن تُمحَى الصورة التي رأيتها من عقلي .. ولن أتوقف عن تخيل العذاب الذي رأيته أنت "

توقفت خطواته ليوقفها أمامه يمسك بكتفيها وترى في عينيه إرادة تجاهد لتبقى قائلا

" لدينا العمر كله .. لن نجعل ثمانية أعوام يقضون على باقي العمر .. لن نجعلهم يقضون على باقي العمر دموع "

وجودها بتلك الصورة يساعده بطريقة لم يتوقعها ، كان يخجل من رؤيتها له لكن تلك الرؤية ونظرتها إليه من عشق لا شفقة جعلته يقاوم حطامه أفضل
ضمها لصدره يؤكد عليها

" اتفقنا ؟ "

تعانقه دموع بكل إحساسها به ولا تمنع لسانها

" لم تكن تريدني جوارك في كل هذا ! "

أبعدها يحيط رأسها الصلب يهزه قائلا بامتعاض

" اريد أن نتناقش مرة واحدة دون عتاب !! "

ابتسامة صغيرة مالت على شفتيها ليعاودا السير وتعاود السؤال

" متى سنعود ؟ "

أصدر صوتا معترضا قائلا

" نحن في شهر العسل دموع .. اردت أن نبتعد لفترة عن كل شيء "

تنهدت دموع صامتة فيسأل

" لماذا تريدين العودة ؟ "

رفعت نظارتها الشمسية التي تضعها لا للشمس بل لإخفاء الدموع ترى من خلالها الدنيا مظللة رمادية كئيبة وتصف شعورها

" لا اعرف .. لكن وجودنا وحدنا يجعلنا كل يوم ... "

صمتت زافرة بيأس فتابع أكرم عنها

" نزداد كآبة .. لا سعادة ! "

رمقت وجهه للحظات يزداد فيها اليأس ويتضارب بالأمل قائلة

" هى فترة وستمر مع الوقت .. لكن اريد أن نعود لنبدأ حياتنا معاً كزوجين .. اريدك أن تعود لعملك واعود لعملي .. وجودنا هنا بهذا الوقت يجعلنا نفكر بشكل ... كما قلت .. كئيب "

ابتسم أكرم ساخرا بتوابع الاعتقال التي ستلاحقه دوما يرد

" حاضر دموع سنعود .. يكفي اسبوع عسل وربما نأتي الصيف القادم إن زال تأثير الصدمة عليكِ ! "

توقفت قدماها لتتجه للبحر تغمر الأمواج منتصف ساقيها تملأ رئتيها بالهواء قائلة

" أنا لست مصدومة يا أكـرم .. أنا مقهورة "

فهمها بكل ما فعله وكل ما قاله ليصمت قليلا ثم يقول بصوت خافت منكسر

" اعرف اني اظلمكِ بقرار منع الحمل لكن لا استطيع الآن .. ليس بعد تسعة أشهر .. صدقيني لا استطيع .. ولن تفهمي إحساسي بفقدان نفسي وأنا اطلب هذا منكِ "

يراقبها وهى تواجه البحر شعرها يطير طويلا لامعا حتى اقترب يلامس خصلاته يستند بذقنه على رأسها فتقول بحرقة القهر

" بدأت اعتاد عليه .. كل ليلة تضع القرص المر بيدك في فمي .. لا تنسى يا أكرم .. لكن يجب أن تعلم انني لن افعل هذا بنفسي .. وإن نسيت أنت يوماً لن اُذكِرك "

لف ذراعيه حول صدرها وكلماته تمر صدقا جوار أذنها

" واليوم الذي سانساه فيه سيكون عمداً دموع .. واتمنى أن يكون قريبا .. قريبا جدا "

هذا المنظر ينعكس بعيونهما لا يُنسَى .. وأجمل صوت للطبيعة وهى تمارس حريتها بلا قيود
الهواء يغني بصوته .. البحر يغني بصوته .. الأمواج تتدفق بلا رادع .. بلا خوف .. والسماء تصفو وتحلو للعين الدامعة

منها إليه مرسال من صوت أنفاسهما بالاشتياق لكل ما كان

" هل تتذكر كيف كنا نحلم يا أكرم ؟.. كيف كنا ثوريين .. مناضلين .. لنا كلمة يسمعها مَن حولنا ويتأثر بها ؟.. كيف كنت انطق اسمي أمامهم بكل فخر ؟.. دموع جمال عبد الناصر .. والاسم وحده يفتح موضوع الحديث "

أصابعه تبحث عن يدها تتشابك بها ليسيرا على الرمال في رحلة تبدأ لنهاية أسعد يرد

" اتذكر .. لكن الأمر لم يعد كله ذكرى دموع .. ما زلنا هكذا .. عن نفسي لم أتغير .. انكسرت .. انهزمت .. تحطمت .. وفقدت ثقتي بنفسي .. لكن ما زلت أنا .. أكـرم رافع .. وإلا ما علا صوتي مجددا "

مرت بملامحها ابتسامة حزينة .. من الحزن وإلي الحزن تعود .. من الحلم للصحوة على أسواط اليأس والألم
خطواتهما على الرمال تحفر إرادة من هشاشة إصرار باقٍ للحياة .. والحياة نفسها تذكرها وتذكره

تدندن معها وتدوزن الوجع بصوت الأمل ودواء منير

" علي صوتك .. علي صوتك .. بالغنا .. لسه الأغاني ممكنة .. ممكنة .. ولا انهزام .. ولا انكسار .. ولا خوف ولا .. ولا حلم نابت في الخلا .. في الخلا "

غناها يوما على مسرح الجامعة في احتفالية حياة آملة .. وغناها دوما في زنزانة اليأس والسقوط للهاوية

غناها وهو يحلم بوطنٍ حر .. وغناها وهو يحلم بها في ظلام البرودة والوحدة

غناها والأسواط تجلده .. والتيارات تصعقه .. والنيران تحرقه .. غناها في كل وقت وكل ألم لعله بكلماتها يتشبث باخر ما بصدره من نَفَس
واليوم ذكرته ليغنيها مجددا ويعلو صوته بالغنا .. وتدور معه تحت السماء الشاهدة

تشهد أن لا وحدة لا ألم لا يأس بعد اليوم .. ما زال في العمر بقية .. ما زال في الصوت غنا


علي صوتك .. علي صوتك .. بالغنا
لسه الأغاني ممكنة .. ممكنة
ولسه ياما .. ياما في عمرنا
علي صوتك .. علي صوتك بالغنا
لسه الأغاني ممكنة .. ممكنة
ولو في يوم راح تنكسر
لازم تقوم واقف كما ..
النخل باصص للسما .. للسما
ولا انهـــزام .. ولا انكـســار
ولا خوف ولا .. ولا حلم نابت في الخلا

غنوتك وسط الجموع
تهز قلب الليل فرح
تداوي جرح اللي انجرح
ترقص ؟.. ارقص
غصب عني ارقص
ينشبك حلمك في حلمي
غصب عني ارقص
ولا انهزام .. ولا انكسار
ولا خوف ولا .. ولا حلم نابت في الخلا
علي صوتك بالغنا
لسه الأغاني ممكنة .. ممكنة








منزل ' راسل رافع '

أغمضت بركة عينيها من شدة التعب الذي يحل بها فانحنت ألماسة تقبل كفها ثم نهضت برفق تتجه للباب مغادرة .. تبعها فؤاد ينزلان الدرج في صمت المنزل حتى وجدا أمامهما شهاب ورنوة بالبهو

" ألماسة "

نطقها شهاب بتعابير غير مفهومة وهو ينظر لأخيه الكبير وابنة عمه .. أو ابنة قاتل أبيه .. ثم قال بجدية

" اعرف أن الماضي لا يغفره أحد .. صعب .. علينا وعليكم .. لكن لا ذنب لنا أيضاً .. الكل اخطأ وأخذ جزاءه .. لذلك لا يمكنني أن أخفي إعجابي الشديد بكِ وبتلك المقدرة فيكِ .. دخلتِ هذا البيت لكشف الحقيقة يوماً .. واليوم أنتِ هنا لأمر أكبر منا جميعاً .. لذلك ... "

مد يده لها مبادرا بالقول

" أهلاً بكِ أيتها ( الجزء الغائب ) من الرافعين "

تقف ألماسة أمامه وجها لوجه مرفوعة الرأس ثم مدت يدها في يده لسلام جديد مبتسمة فأضاف

" قد تكون مشاعرنا مشوشة حالياً لكن .. فلندع الماضي للماضي .. أليس كذلك ؟! "

هزت رأسها موافقة ثم اتجهت إلي رنوة التي تقف بملامحها الشفافة الرقيقة ينير الحجاب وجهها ويضفي عليها جمالا أنثويا مختلفا قائلة

" كيف حالكِ رنوة ؟.. فؤاد اخبرني انكِ حامل .. مبارك "

نظرة من عينيها لعيني أخيها لا تصدق انه سامحها بالفعل وأذن لها بدخول البيت مجددا فعادت تنظر إلي ألماسة ترد بخفوت

" شكرا لكِ .. على كل شيء "

نظرة أخرى منه وهو يقف شامخاً على حبيبته التي غيرت كل حياته وقبل التغيير لأجلها ، لا عناد ولا مكابرة للقلب الذي علق بهوى الألماس وعشق الضوء

يراقب كل حركة منها .. أناقتها وتماوج شعرها .. خطواتها وسلامها وجلوسها وحروف شفتيها كأنها غير ما رآه من بشر .. هى عنده كوكبه الجديد وساكنته الوحيدة

جلس شهاب جوارها على الأريكة يبدأ مزاحه كالمعتاد

" المهم الآن .. كيف حالكِ ماسة ؟!.. غبتِ طويلا عني !.. متى ستحددين لي موعداً مع الوالدة ؟! "

لم تنتبه حقا فتتساءل

" ماذا ؟! "

رد شهاب بوجهه الحيوي البسيط

" ألا تذكرين ؟!.. لقد كنت اقول دائما اني ساتزوجكِ !.. أنا بعمر أكرم .. أكبر منكِ بعام واحد لذلك كنا الأقرب .. هل نسيتِ ؟! "

ابتسمت ألماسة لتجاريه وهى تنظر إلي فؤاد

" لا لا كيف انسى ؟!.. تنير البيت بأي وقت .. لسنا منشغلين نهائيا !.. حين تجد وقتاً تعال .. بانتظارك ! "

بطرف عينه ينظر إلي فؤاد يرى استياءه قائلا

" وقتاً ؟!.. اليوم سأكون عندكم ! "

فجأة هبطت كف فؤاد على كتفه تربت بعنف قائلا بامتعاض

" اهدأ على نفسك ! "

مسد شهاب كتفه المتألمة يسبه بسره حانقا بينما تضحك ألماسة وتتعجب رنوة غيرة فؤاد لأول مرة فيقول شهاب بعناد

" دعكِ منه ! "

جلس فؤاد على الكرسي المجاور يضع ساقا فوق الأخرى يراقبهما بملامح شـره وشهاب يتابع

" المهم .. أنا الآن مرشد سياحي وجاهز كعريس من كل شيء .. لكن اسمعي يا بنت الناس .. أنا أحب الحرية .. جو السيارات والكبت ليس لي فيه .. أنا لدي دراجتي النارية كالصاروخ .. تركبين خلفي ونطير معاً !.. موافقة ؟! "

تظاهرت بالتفكير ثم ردت ضاحكة

" يا سلام !.. موافقة جداً !!.. أنا بالفعل لم اركب صاروخاً .. اقصد دراجة نارية من قبل !! "

سأل شهاب بشك

" حقاً ؟! "

اومأت مبتسمة فصمت للحظات مفكرا ثم قال جديا بلطف

" لكِ عندي جولة به إذاً .. وبما اني مرشد سياحي واعرف خبايا البلد سنذهب لأماكن مذهلة لم تتخيلي انها موجودة "

ربما تكون المشاعر الحقيقية مشوشة لكن البعض يقدم بادرة سلام لمستقبل يوقف دماء الماضي
تتمنى لو يتمكن أكرم وأمها على تقديمها .. أو تحية وبقية الرافعين !
سرحت للحظات منه فعادت متسائلة

" هل تحب عملك شهاب ؟ "

رن جرس الباب فرأى إيزارا وهى تتجه إليه وبين جمال القارة السمراء وجمال مصر المميز فيها يرد مبتسما

" أنا تركت كل شيء آخر لأجل هذا العمل .. أعيش هكذا .. رحـالة .. من مكان لمكان .. ومن بلد لبلد .. وكل مرة أعود إلي هنا واكتشف أن البلد هنا مظلوم بمَن لا يعرف قيمته حقاً .. هذا البلد ينقصه ثقافة .. ينقصه معرفته بتاريخه وجماله الحقيقي "

نظرة منها لوجه فـؤاد الذي تغيرت ملامحه لغيرة حقيقية عليها ، كأنه انتقل من حالة سكون إلي حالة هجوم وقتي
نظرة سوداء تطل من عينيه ينفخ نارا يده تضرب على ذراع كرسيه ويده الأخرى تخرج سلاحه يضعه على الطاولة بحركة حادة معتادة وصوته يرتفع

" اللهم أطالكِ يا روح ! "

التفت شهاب إليه لا يدرك حقاً ينظر للسلاح بحاجب مرفوع فيغمز ممازحا

" اهدأ يا فؤاد .. أنا مثل أخيها ! "

تكتم ألماسة ضحكتها وتخفي ما شعرته مؤقتا وهو يرد بعصبية صوته الغليظ

" لا أخوها ولا خالتها ولا عمتها .. وفر مجهودات إرشادك السياحي لغيرها ! "

قبل أن يرد دخل أحمد يركض نحو عمه هاتفا

" شهااااب "

استقبله بحضنه مداعبا شعره بالقول

" أهلاً .. تأخرت يا بطل وننتظرك للغداء "

رد أحمد وهو يترك حقيبته أرضا

" خرجت من المدرسة منذ قليل "

اتجه إلي فؤاد فيخفت صوته بتهذيب فطري وحب طفولي يبتسم بقوله

" عمو فـؤاد "

اعتدل فؤاد على كرسيه ليقربه إلي صدره يتذكر ولده الذي كان يقارب أحمد بكل شيء تقريبا ، يده تمتد للسلاح خلف أحمد على الطاولة ليعيده إلي حزامه بينما يهمس شهاب إلي ألماسة

" أحمد يقولها وبراءة الأطفال في عينيه !.. يظن عمو فؤاد هو عمو فؤاد المهندس !.. لم يرَ السلاح الذي خرج منذ لحظة !! "

لم تدرك حنان ابتسامتها وعيناها تلمعان بمرآه يحتضن طفلاً وما زالت تخفي ما يخصه وتمزح مع شهاب همسا

" هل تتخيل فـؤاد حين يصبح أباً ثم جداً ؟!.. أتخيله يجر أولاده وأحفاده صارخين ويدخل بهم الحروب !! "

ضحك شهاب ثم قال فجأة

" دولة النفاق !.. استعدي !! "

لم تفهم ما يقصد إلا حين وجدت عديلة أمامها بعباءتها السوداء تربت على كتفها بقوة كفها الخشنة وتقول بابتسامة عريضة

" أهلاً يا حبيبتي أهلاً .. انرتِنا يا ابنة الغاليين "

بإشارة منها لفؤاد تهز رأسها أن تحية لن تخرج من غرفتها ثم جلست جوار ألماسة تزاحم في الأريكة لينهض شهاب قبل أن يقع وهى تتابع بتكلف مبالغ

" لقد قلت هذه الفتاة من صلب الرافعين بحق حين رأيتكِ .. ولا تتصورين فرحتي يوم زفاف أخيكِ .. قلت الحمد لله الذي جمع شملنا من جديد .. ودعوت من قلبي طوال الليل ألا نفترق أبداً "

هزت ألماسة رأسها بتفهم ناظرة إلي وجوههم الحانقة من عديلة ثم عادت بنظرها للوجه الذي يقطر كذبا وهى تضيف بلؤم وابتسامة صفراء مصطنعة واضحة للأعمى

" و.. ألا تفترقي عن فؤاد أبداً ! "

عينا ألماسة ثبتت على وجهها بصمت اختنقت معه كلماتها وتلاشت بسمتها الصفراء وهى تزدرد ريقها بحرج فابتسمت ألماسة نفس الابتسامة لتربت على كتف عديلة بحركتها وترد بنفس اللؤم

" إن شاء الله .. لا تخافي !.. لن نفترق ! "

شبح ابتسامة طال وجه فؤاد المتجهم وسط ضحكات رنوة وشهاب الخفية فيما وصل رمزي مقتنعا بفكرة واحدة أخفاها مقتربا منهم بالبهو ينادي ابنه

" أحمد "

وقف أحمد مكانه لثوان قبل أن يتحرك نحو والده يتلقى حضنه الفاتر ثم اقترب رمزي منهم فبادرت ألماسة بصوتها الهادئ

" كيف حالك يا رمزي ؟ "

توقفت عيناه عليها بنظرة شملتها من أسفل لأعلى بتلك الفكرة ينقل بصره بين الجميع ثم صحح لها ببرود

" دكـتور رمزي "

تلقت كلمته ورفعت ذقنها باعتداد تعتدل بجلستها بكبريائها سامية النظرات وسط صمت الحرج الذي أصاب الجميع
ليقف فـؤاد متحركا خطوات حتى صار أمامه بكل الغضب الذي يعربد بصدره يرد عنها بصوته المتحجر شامتا

" دكتور رمزي !.. نعم هكذا أفضل !!.. رمزي لا يهتم في حياته كلها إلا بنفسه وبهذا اللقب .. لدرجة أن زوجته تركت له البيت وكانت سترفع عليه قضية خلع لانها لم تحتمله .. لكنها ارتاحت أخيرا بطلاقها منه ! "

عيناه بعيني أخيه شراسةً وعيناها على أحمد الذي أطرق حزنا فوقفت تهمس

" فـؤاد .. الولد "

لا يهمه أحد ولا شيء كما أحرجها يحرجه فيتمادى رمزي بغيظه ونبرته الباردة المستفزة

" لست وحدي هكذا من الرافعين !.. يبدو انها مثلي تماما .. ظهرت في توقيت ممتاز وتجاوزت الماضي والدم وبعد القضايا والمحاكم أخذت حقهم في المجموعة !!.. غريب أن يشتعل الحب فجأة هكذا !.. لكن لأجل المال كل شيء يهون !.. أليس كذلك ؟! "

اتسعت العيون بعدها وبحركة مباغتة زجاجة مياه على الطاولة مد فؤاد كفه لعنقها يكسرها بحافة الطاولة ويسلطها على رقبة رمزي صارخا بصوت تردد بالجدران

" رمـــزي .. كلمة أخرى ولن تلحق أن تكملها "

شهقت رنوة وهرولت تحية من غرفتها تهتف بفزع

" فـؤاد هل جننت ؟ "

قلوب تدق صدمةً وهلعاً ناظرين لملامح فؤاد الشيطانية يجابهها رمزي ببروده ولا مبالاته وابتسامة أكثر استفزازا وشهاب يقترب يمسك بمعصم فؤاد هاتفا

" فـؤاد ابعد يدك "

عينا ألماسة جاءت بعيني تحية التي أرسلت لها رسالة خراب للبيت واضحة فأخذت حقيبتها لتنظر إلي فؤاد نظرة غاضبة وتغادر

أنزل فؤاد يده يرمي عنق الزجاجة ويلمح أحمد يبكي بصمت مكسور فينظر لرمزي باشتعال عينيه ثم يخرج مخلفاً حقداً كالعادة

على البوابة الخارجية لحقها فأمسك ذراعها يديرها إليه لتهتف بحدة

" لن تتغير أبداً "

رد فـؤاد بغضب

" لمَ أتغير ؟!.. البادئ أظلم .. وتعرفين أن السيطرة على نفسي ورغباتي ليست موجودة عندي بأي شكل "

زفرت ألماسة بضيق تحرر ذراعها وتتذكر وعدها بالغفران والتحمل فترد

" هذا لن ينفع حين نسافر فـؤاد .. علينا أن نواجه الجميع بهدوء .. لا اريد أن أرى أي سلاح في يدك تهدد به أحدا .. اليوم أخوك وبعدها عمك وبعدها غيره وغيره حتى تصل يوماً إليّ وتفقدني مثلهم "

وضع يديه بخصره يرفع رأسه للسماء يتنفس بعمق متحكما بغضبه فأمسكت بياقة قميصه لتقول بصوت قلق

" افهم .. أنا أتحدى بك الدنيا .. أريد أن يعرف الجميع كم أصبحنا أفضل معا لا العكس .. أنا لا اريد فقدانك فـؤاد .. أصبحت أخاف غضبك لاني لا اريد فقدانك "

أخفض فؤاد عينيه لعينيها بنظرة .. ووجدت نفسها بحضنه تنغمر بذراعيه وتقاومه لتبتعد .. ثم سكنت لدفء احتياجه إليها
لغمر العطر الذي كسرته ثم جلبته قريبا منها .. لأبيات القصائد وحكايا الأباطرة حين يتكلم
لحظات طالت حتى ابتعد وسكت الغضب عن عينيه ليضيئا بوهج وجهها
وهج غريب وهو يسأل

" هل اخبرتِهما عن السفر ؟ "

يداه بين خصلات شعرها ينتظر قولها فلم تنتبه وهى ترد

" ساخبرهما "

لم تتوقع إجابته التي خرجت عفوية عنيفة

" ربما بعد أن تركبي الموتور خلف شهاب ! "

رمشت ألماسة متراجعة برأسها دهشة ولم تتمالك ضحكة خافتة وهى تهز رأسها بلا فائدة
تخطف نظرها حدة عينيه الداكنة فتقول مبتسمة

" هذه النظرة رأيتها حين سمعت أحمد مدير الحسابات يطلب الزواج مني ! "

ابتعد فـؤاد يسارا حيث مكانه المفضل هنا يجيبها ساخرا

" حين تتحدثين مع أي شخص اشعر انه سيأخذكِ مني .. وتعرفين هذا .. لمَ تستغربين ؟! "

صمتت وهى تسير خلفه حتى شعرت بانعزال تام في هذه المنطقة ثم قالت ما شعرت

" لأن غيرتك حياة .. إحساساً لم اشعره من قبل "

التفت إليها بتلك النظرة الغيور فتلين مع كل خطوة منها نحوه وابتسامتها تطمئن خوفه من النبذ الأكبر
نظرت حولها باستغراب الهدوء المفاجئ لتلمح سورا قصيرا عليه عدة زجاجات على مسافات متساوية فأشارت متسائلة

" ما هذا ؟! "

أخذ فـؤاد نفسا عميقا ناظرا للسور لثوان قبل أن يخرج سلاحه يرفع أمانه ويطلق رصاصة تصيب زجاجة
عيناه تحتد وجسده يتصلب ويطلق الثانية تصيب أخرى
والصوت بينهما يدوي في الهواء وقلبها يطلق كل نبضة معه رصاصة عشق
عيناها عليه تهوى خطره وناره وصوته مع حروفه المظلمة

" يجعلني اطلق غضبي مع كل رصاصة .. لكنه يُغبِر القلب بدخان أسود "

اطلق الثالثة والرابعة يصيب الزجاجات بدقة .. يصيب أعمق مكان بقلب اتخذ أمره مخالفا الكل
اقتربت ألماسة خلفه عفويا تضع يدها على جرح جانبه القديم بالرصاصة التي تسببت في فقدانه لجزء من جسده .. ودوت الرصاصة الخامسة في الهواء دون أن تصيب شيئا !

نظر فـؤاد ليدها على جانبه ثم رفع عينيه التائقة لوجهها فابتعدت خطوة تقول بمكر

" تأثيري عليك سيئا ! "

لحظة .. وحركة خاطفة مد ذراعه يحيط خصرها يقربها إليه وضرب الرصاصة السادسة .. فأصاب.

لن تنكر أن السلاح في يده له هيبة جاذبة كرهبة المخاطرة .. هيبة تخاف أن تدمنها وتخاف أن يعرف انها تجذبها كي لا يتمسك به
ولا تعرف ما أصابها حقا وهى تقولها

" علمني "

يده تحركت على خصرها بابتسامة خبيثة يشم عطرها الهادئ قصدا ليربكها هامسا بأذنها

" علمني عندي معناها المسني "

دفعته في كتفه مبتعدة ترد بترفع

" احترم نفسك .. ثم إنني لو كنت اريد التعلم حقاً لذهبت لغيرك "

اقترب فؤاد يرد ببساطة الأذى عنده

" لكي اقطع خبركِ وخبره "

رفع يدها يضع فيها السلاح ويضبط أصابعها قائلا

‏" امسكي .. يدكِ هنا "

إحساسها بالسلاح غريبا فتكذب على نفسها وتمازحه ‏

‏" اعرف .. ستقول اثبتي وركزي ليكون السلاح جزءً منكِ .. هذا المشهد تكرر في ألف فيلم !! "

يقف جوارها يتعامل مع يدها بخشونة قائلا ‏

" لا .. لن اقول ذلك "

شعرت بجسده خلفها يظلل عليها بصلابة ويهمس بصوته الحار

" اجعليني أنا جزء منكِ "

تبتسم وعطره معها في كل نَفَس هاتفة بتحذير

" فـؤاد ! "

أنفاسها ترتجف فيبتسم لتأثرها هامسا

" انظري لهدفكِ "

نظرت إليه هو .. كان هدفها وقدر العمر الذي رأى ما رأى ليرسو هنا أخيرا متخطيا العداوة والكراهية
في عينيه القاتمة تركيز جاد على هدف يريده كأنه ينسى نفسه ما إن يصوب .. أو يستعيد نفسه الحقيقية
ربما هذا الواقع الذي تغفله .. السلاح جزء منه .. لا يمكنه أن يتركه يوما !

انتبهت على نظرته القريبة وكلمة من بين شفتيه

" اضربي "

أجفلت ألماسة واصبعه يضغط على اصبعها يدفعها لتضغط الزناد فنظرت أمامها وانطلقت الرصاصة .. وأصابت هدفه
ذُهِلَت ملامحها بنفس الإحساس .. شعورها بارتداد السلاح في يدها وتلك القوة التي تكتسبها الروح بالرماية
عيناها تعصفان بقوة فوق قوة على الأهداف تشعر انها تماثله قائلة

" مرة أخرى "

رأسه يميل لوجهها تشعر لحيته فتوقفه ليهمس قريبا منها مدركا ما تشعر

" ساعلمكِ فقط لكن لن تمسكي سلاحاً وحدكِ .. لن افعل بكِ ما حدث لي "

مأخوذة بكل لحظة معه في دنيا جديدة لم تتوقع أن تحياها تثيرها وتقتلها وتحييها وقلبها بخوفه عليها يدوي أعلى وأعلى ترد

" أصبحت تنسيني غضبي منك وبعدما كان موضوعنا ما فعلته مع رمزي أخذتني لعالم آخر .. عالمك "

انسحبت يده حتى ذقنها تلمس أصابعه وجهها يديره إليه قائلا

" مكتوب عليكِ دخول هذا العالم .. لانكِ مكتوبة لي "

ببهاء الأنوثة وكبرياء العشق ثقةً تكرر

" وقلت لك أنت مقدر لي أنا يا جبل "

تلك الجملة صارت تشعله بكل الطرق فيضغط إبهامه على شفتها السفلى يضحك فيضحكها قائلا بلا صبر

" ‏تباً لحبكِ ! "














صباح يوم جديد .. هنا على أرض مصر

في أكبر مدينة مصرية تطل على البحر الأحمر .. السويس .. مدينة الغريب
يتماوج مركب شراعي كبير في مياه قناة السويس في أول رحلة من شركته السياحية للقناة بعد جنوح سفينة بنمية بها لعدة أيام وتعامل هيئة قناة السويس حتى تحركت السفينة.

ليست أول مرة فقد شهدت القناة أكثر من أزمة وخرجت أقوى في كل مرة
يقف شهاب على مقدمة المركب يرى القناة الجديدة بعدما جرت بها المياه .. لم يأتِ إلي هنا منذ أيام حفرها فيلتفت إلي الحاضرين معه قائلا

" المرة الأخيرة التي جئت بها إلي هنا كانت اثناء حفر قناة السويس الجديدة .. رأيت عملاً مستمراً .. رأيت عمالاً في خطر المعدات العملاقة والأسلاك الحديدية العالقة بباطن الأرض .. كنت على الكراكة المصرية المسماة ( مشهور ) .. على الأرضية الملطخة بزيت المعدات والروافع من حولنا .. كل عامل ممَن حفروا القناة كان معرضاً لخطر الموت انزلاقاً بذلك الزيت .. أو خطوة خاطئة منه تسبب اصطدامه بالروافع .. عمال في مواجهة الموت لأجل الوطن من جديد .. أربع وعشرون ساعة من العمل المتواصل يومياً .. نهارا وليلا .. لا إجازات .. لا راحة .. كان مشروعاً قومياً حقيقياً شعره كل فرد منهم وشعره الشعب معهم .. خاصة وانه يعد المشروع القومي الأكبر منذ سنوات طويلة "

يلمع سطح المياه بآشعة الشمس كأنما نُثِرَ على وجهه الألماس غاليا وهو يقول ما أعده اليوم

" أعادت لنا الذكريات النائمة في بلد لا ينام .. قناة السويس شكلت خريطة العالم من جديد .. أهم وأطول ممر ملاحي في العالم .. وأسرع ممر بحري بين الشرق والغرب .. وتعود فكرة حفرها إلي قديم الزمن لتكون مصر بذلك أول مَن حفر قناة اصطناعية على سطح كوكب الأرض كله "

جالسين أمام سور المركب يسير ببطء في رحلته البحرية يستمعون إلي صوت مرشدهم بالتاريخ

" فكرة شق قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط ترجع للفراعنة .. في عهد سنوسرت الثالث لتسهيل النقل البحري التجاري فكانت السفن تسير من البحر المتوسط ثم نهر النيل إلي بحيراته وصولاً للبحر الأحمر .. وهكذا كان الطريق غير مباشر .. وتوالى الحكام على مصر وكل منهم اهتم بتلك القناة من خلال رؤيته الخاصة .. من الفرس للرومان ثم إطلاق عمرو بن العاص اسم قناة أمير المؤمنين عليها وحتى الحكم العباسي .. حيث ردمها الخليفة أبو جعفر المنصور فتعطلت الملاحة بين البحرين لمدة أحد عشر قرناً ثم أمر محمد علي بإصلاح جزء منها "

من التاريخ القديم إلي الحديث ينتقل بسلاسة صوته المحب لعمله

" أما القناة الحالية ذات الطريق المباشر .. فكان أول مَن فكر بها هو عمرو بن العاص .. أن يشق قناة مباشرة بين البحرين المتوسط والأحمر .. لكن الخليفة عمر بن الخطاب رفض ذلك اعتقادا بأن شق القناة قد يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر .. حيث كانوا يعتقدون أن منسوب مياهه أعلى من البحر المتوسط .. وحين جاءت الحملة الفرنسية على مصر فكر نابليون بونابرت في شق نفس القناة .. ومرة أخرى كانت الحسابات خاطئة واعتقدوا ارتفاع مياه البحر الأحمر مما يتطلب تمويلا ماليا ضخما ووقتا طويلا لإنشاء قناة مائية تستوعب المياه دون طغيانها على البلد .. فأوقف الفكرة "

كعادته ينظر للعيون وطبع الإنسان فيها مستمتعا بالحكاية .. أي حكاية وإن لم يكن يهتم حقاً .. وإن لم تكن المعرفة كنزه لكن الاستمتاع شغف
وشغفه هو في روايته للأحداث يتقدم للتاريخ الأحدث راوياً

" بعدها بسنوات طويلة عادت الفكرة مجددا من فرديناند دي ليسبس وهذه المرة تم التنفيذ .. صدر فرمان الامتياز الأول في عهد الخديوي محمد سعيد .. الذي أعطى الدبلوماسي المهندس الفرنسي فرديناند دي ليسبس حق إنشاء شركة عالمية لشق قناة السويس .. ونص الفرمان على أن دي ليسبس ينشىء الشركة ويشرف عليها بينما يتم تعيين مدير الشركة بمعرفة الحكومة المصرية .. ومدة الامتياز تسعة وتسعون عاماً تستفيد الشركة من القناة على أن تحصل مصر على خمسة عشر بالمائة فقط سنوياً من الأرباح !.. غير باقي بنود الفرمان لمصلحة الشركة .. وتم تأسيسها برأس مال ضخم تم تقسيمه على أسهم كثيرة واضطرت مصر لاستدانة باهظة لشراء الأسهم ليكون لها ما يقرب من نصف رأس مال الشركة "

تتوالى الأحداث في رأسه كأنه يراها أمامه ناظرا للأراضي الصحراوية على الجانبين قائلا بنبرة اختلفت .. غضبت

" وبالفعل تم ضرب أول معول في أرض القناة بيد دي ليسبس نفسه .. ثم بدأت عملية الحفر بيد مليون عامل مصري .. مات منهم أكثر من مائة وعشرين ألفاً بسبب الجوع وشدة الحرارة والأوبئة والمعاملة السيئة .. على مدار عشر سنوات حفر العمال المصريون فيها بنظام السُخرة .. بأجور قليلة وتقديم الخبز اليابس كطعام .. وفرض عقوبات إجبارية على العمال الرافضين للعمل .. وكان من بنود الفرمان أن تشق الشركة قناة للمياه العذبة لتمد العمال بمياه الشرب لكنها لم تنفذ البند .. فمات الكثير من العمال بالعطش وسط الانهيارات الرملية .. وخالفت الشركة وعدها بتوفير وسائل متطورة في الحفر وأكرهوا العمال المصريون على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على أياديهم الحاملة للفأس "

ينظر للمياه الصافية الممتدة لنهاية بصره يكاد يشعر آلامهم وهو يحكي ويتابع حكايات الراحلين

" كانوا يقومون بفرز العمال لاختيار الشباب الأقوياء ثم إرسالهم مقيدين بالحبال .. ويقال انه بعد فترة توقفت الشركة عن دفع أجور العمال بل وانشأوا معتقلا لسجن أي عامل متمرد أو يسئ التصرف .. وطبقاً للتقارير الطبية وقتها كان أكثر الأمراض انتشاراً بين العمال هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وأمراض الكبد والجدري والسل .. ثم جاء وباء الكوليرا وقضى على الكثيرين لدرجة أن الشركة لم تجد رجالاً لرفع جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء .. ومع كل هذا تعرض العمال اثناء الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق أدت لإصابتهم بالأمراض ثم الموت "

من ألم المدوَنين في نهاية القائمة إلي احتفال المدوَنين في أعلى القائمة لا يشعرون معاناة بل ترف ، يحكي معتزا بمصريته أكثر

" وتم افتتاح القناة في مشهد أسطوري .. تراصت الأساطيل البحرية في مياه القناة .. آلاف المدعوين من بينهم ملوك ورؤساء من دول العالم وفي مقدمتهم الإمبراطورة اوچيني زوجة إمبراطور فرنسا .. ورجال السياسة والعلم والأدب والفن .. وتم إرسال جماعات من أهالي مصر بنسائهم وأطفالهم لينتشروا على طول القناة .. من الصعيد والفلاحين والمدن والنوبيين والبدو .. تعبيراً عن كافة طوائف الشعب المصري .. وانتشر الجيش المصري على ضفاف القناة وبالسفن الحربية لتأمين ضيوف مصر "

تجري السنوات على مصر وهى في كل جبهة لها انتصار .. ما وقعت إلا ونهضت .. وابناءها مثلها
ابن مصر .. ضد الكـسر
وجرت السنوات على القناة ليحدث ما حدث

" بعدها بخمسة أعوام تقريباً وبعد مرور مصر بأزمة مالية كبيرة أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية التامة لفرنسا وانجلترا ولم تكن تحصل مصر على أي شيء .. بل أخذت انجلترا كل أسهم مصر مجاناً .. أو كما يقال ما دفعته باليمين أخذت أضعافه باليسار !!.. بل عقدت الدول الكبرى اتفاقا يخص القناة وضمان الملاحة بها باعتبارها تملكها تماما !.. بل وتقدموا بطلب لمد الامتياز أربعين سنة أخرى فوق التسعة والتسعين !! "

ذكرى ما سيقول تجعله يبتسم مسبقا فيجلس يجذب انتباههم بلحظات صمت ليتابع

" لكن هناك مَن لم ينسَ أن هذه القناة بأرض مصر وتم حفرها بأيادٍ مصرية .. وقالها في خطابه ( لقد حُفِرَت القناة بأرواحنا وجماجمنا وعظامنا ودمائنا ) .. فى السادس والعشرين من يوليو عام ١٩٥٦ .. قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية "

ابتسامة على وجه كل مواطن من شعب مجاهد يرددها بوطنية وقت الشدة موجودة .. وقت المحنة على الظالم عصية
يواصل شهاب حكايته ناظرا للوجوه التي تألف الجملة

" في ميدان المنشية بالاسكندرية .. كل فرد من شعب مصر يحفظ هذه الجملة جيدا وسمعها كثيرا وشعر بانتمائه فيها .. كان ذلك بعد أن قامت الشركة بسحب المرشدين الأجانب بالقناة لإثبات أن مصر غير قادرة على إدارة القناة بمفردها رداً على قرارات جمال عبد الناصر .. لكن مصر نجحت بكفاءة بالغة وإلي اليوم .. وكان الرد الأول من فرنسا وانجلترا هو تجميد الأموال المصرية فى بلادهما .. ومن امريكا هو وقف أي مساعدات مالية لمصر ... ثم قام العدوان الثلاثي على مصر "

بخبرة سنوات لمح على وجوههم انتظارهم لباقي الحكاية فانتقل من الماضي للحاضر

" ولكم معرفة باقي القصة التاريخية .. لكننا هنا الآن في مشهد تاريخي آخر سيحكيه غيرنا بالمستقبل .. قرار بحفر قناة السويس الجديدة في وقت قياسي .. عام واحد .. اثنا عشر شهراً من العمل المتواصل .. وكان القرار لإنشاء المجرى الجديد وتعميق المجرى القديم وتنمية محور قناة السويس بالكامل .. هى قناة موازية لتسير السفن فى الاتجاهين بدون توقف وهذا ما يتماشى مع حجم التجارة العالمية فى المستقبل لأهم ممر ملاحي في العالم .. آلاف العمال المصريون شاركوا في حفرها .. بأياديهم وعزمهم كرروا التاريخ ولكن هذه المرة بكامل إرادتهم .. بوسائل أكثر تطوراً وتكنولوچيا .. والأهم .. بثقة وعزيمة انها هذه المرة من مصر وإلي مصر "

نظر إلي ساعته وإلي المرسى الذي يلوح أمامهم قائلا

" ستضم رحلتنا زيارة متحف السويس القومي .. حيث القطع الأثرية التي تسرد تاريخ المدينة كاملا منذ بداية نشأتها وتحكي قصة القناة التي حفرها الفراعنة التي اخبرتكم ملخصاً لها .. وسنرى نموذجاً للسفن في عهد حتشبسوت .. ثم قاعة كاملة لتاريخ مدينة السويس الحديث توثق بطولات ابناء المدينة خلال كفاحهم ضد الاحتلال وخلال حرب أكتوبر .. ثم نتجه إلي الجزيرة الخضراء وهى جزيرة صخرية كحصن حربي شهدت إحدى ملاحم حرب الاستنزاف .. وإلي اليوم حين تدخلها تشعر بعودة للماضي واجواء الحرب وقتها "

على بُعدٍ ضبابي تبدو سلسلة جبلية مرتفعة مد ذراعه نحوها مشيراً بالقول

" وهناك ترون جبل عتاقه المشهور من الفيلم المصري القديم .. من أجمل الجبال الممتدة على ساحل البحر الأحمر وبه تفاوت مميز في ارتفاعاته ليكون سلسلة جبلية يُطلَق عليها اسم جبال الجلالة البحرية .. وكان موقعه هاما في حرب أكتوبر .. أما تسلقه والنظر من قمته قصة سحر مصرية أخرى "

وقف شهاب ينظر إليهم يبتسم بمهنية ويختم كلامه

" وسننهي الرحلة بقضاء عدة أيام في العين السخنة .. من أجمل المناطق السياحية .. منتجعات عالمية وإطلالة جبلية تستقبل الجميع طوال العام .. ولن ننسى زيارة عيون موسى الوارد ذكرها في القرآن الكريم .. يأتون إليها من كل العالم .. وهى توجد بطريق سيناء وحتى مسافة من السويس .. تلك المنطقة كانت قاحلة وجافة فاشتد ببني اسرائيل العطش لتحدث معجزة سيدنا موسى من الله عز وجل وتتفجر لهم عيون الماء اثنتا عشرة عيناً بعدد أسباط بني اسرائيل .. واستمر تدفق المياه إلي العصر الحديث لتكون المنطقة واحة تُعرَف بواحة موسى محاطة بالأشجار والنباتات بل ويقصدها الكثيرون للاستشفاء بالمياه الكبريتية .. لكن للأسف تلك المنطقة الهامة طالها الإهمال واليوم تحتاج اهتماما كبيرا اتمنى مثلكم رؤيته "

على مدار سنوات طال الإهمال أكثر وما زلنا نفخر .. نتمنى لو رأتها عين الجمال مثلما يراها العاشقون للتراب
نتمنى فخراً بكل أرض .. بكل خطوة .. بكل مساحة
رحم الله الراحلين لأجلها .. وما زلنا نعطي ونردد .. فِداكَ يا وطن
















بعد يومين

دخلت مكتب أكرم تحمل أوراقها بأناقتها الرسمية في كلاسيكية بيضاء مع شعرها المرفوع وثقة ملامحها
تقابل نظراته المليئة اتهاما وتأنيبا فلا تغضبها بل تبتسم برفق قائلة

" حمداً لله على السلامة .. لم اركما حين عدتما بالأمس "

على كرسيه متجهم الوجه منذ عاد مع دموع وعادت إليه الأحداث بغتة تكدره فينفض شيئا وهميا عن حلته الرمادية متسائلا

" لم تكوني بالبيت .. أين كنتِ ماسة ؟! "

وضعت ألماسة الأوراق أمامه لترد مباشرة

" كنت اتناول العشاء مع فؤاد واخبرت أمي بذلك قبل خروجي يا أكرم .. أنا لا افعل ما أخجل منه "

نقر بأصابعه على المكتب ساخرا

" لكنها لم تخبرني !.. ربما شعرت بالقرف ! "

اتسعت عيناها صارمة تبرق تحذره الإهانة ولم ترد بل أشارت للأوراق قائلة بثبات

" هذه التقارير لكل ما تم في غيابك "

استدارت تتجه للباب فعلا صوته متسائلا

" متى ستعودين لعقلكِ ؟.. متى سينتهي لعب الأطفال هذا ؟ "

يد فـؤاد توقفت على باب المكتب بالخارج حين سمع السؤال وبالداخل التفتت ألماسة تناظر أخاها بسؤال آخر

" متى ستغلق أنت الماضي وتعيش حياتك ؟ "

وقف أكرم يلتف حول مكتبه متجها نحوها يحاول معها

" ليس معنى أن نغلق الماضي أن نضع يدنا في يده مباشرة .. بإمكاننا غلقه ورميه وراء ظهورنا ! "

نظراته تصمم وتحارب شبح الحب فيها .. ونظراتها تصمم وتحارب شبح الماضي فيهم
ترد بنبرة حازمة .. قاطعة

" صحيح .. لكن حدث وأحببت رجلاً من الماضي ماذا افعل ؟! "

أمسك كتفيها يلين صوته قليلا عله يغلب عنادها قائلا بنبرة مؤثرة

" ما تفعلينه دائما .. ارفعي رأسكِ وامضي في طريقكِ والحب سيصبح بلا معنى مع مرور الوقت "

صمتت ألماسة تنظر لملامحه المصممة لحظات .. لحظات قبض فـؤاد يده ظناً أن أخيها أقنعها .. يده الأخرى تشتعل على مقبض الباب ليدخل ويأخذ حقه من فم الأسد كالعادة .. ثم تراجعت وهبطت فارغة .. فراغ نبضات قلبه وهى تعلو خوفا
وبالداخل ظن أكرم مثله انه اقنعها حتى رفعت ألماسة يديها تنزل ذراعيه عن كتفيها لتقول بهدوء

" أنت سُجِنت ثمانية أعوام ولم تنس دموع وأنت لم ترها .. كيف أنساه أنا وهو أمامي كل يوم ؟ "

بعينيها عهد ووعد لن تخلفه .. وإرادة لحياة هى صاحبتها وحاملة عواقبها
ومجددا يخرج صوتها واثقا حازما .. قاطعا

" أحبه يا أكرم .. أنا أحب فـؤاد وهذه حقيقة الآن كلما تقبلتها أسرع كان أفضل للجميع "

طرقة واحدة على باب الغرفة وفُتِحَ الباب ليدخل فـؤاد بخطواته المهيبة وأناقة الأسود الثمين وتوقف ناظرا إليهما فنقلت ألماسة عينيها بين الاثنين
شبح ابتسامة على ملامحه ، قرأت بعينيه انه سمعها .. وطيف انتصار كالصقر جارح مفترس

طيفاً رأته من قبل يوم أعلنت بالزفاف .. فـؤاد يحيا من جديد حين تنصفه أمام أحد
تنظر للغضب على وجه أكرم والصمت في وجودها فتتحرك بالقول

" ساترككما قليلا "

تسير بارتياب مترددة خوفا مما سيحدث حتى مرت جوار فؤاد فهمست بشك

" اهـدأ "

مالت شفتاه بابتسامة من قلبه ناظرا لعينيها الجميلة يرد

" لا تخافي لن اقتله الآن ! "

رغما عنها تبتسم وهى تخرج وتغلق الباب فتنحنح فـؤاد وتلاشت ابتسامته ليواجه أكرم
يتجه إليه حتى وقف أمامه وبين شرر عيونهما بادره أكرم بعداء

" لأوفر عليك كل ما ستقول .. لو فردت أمامي كل مبررات الدنيا لن اصدقك .. ولن اصدق أن مثلك له قلب .. ولا اعرف ما غايتك حقا من كل هذا !.. ربما تريد المجموعة مجددا .. وربما لأنك لم تكسرها بالشر فتجرب اسلوباً آخر "

ضاقت عينا فؤاد وهو ينتظر وأكرم يلوح بيده بمكر إجرام عايشه سنوات حتى نكزه في كتفه بسبابته وصوته يخفت بشراسة

" لكن أنا لا أنخدع بنعومة الثعابين وهى تلتف ببطء مثلك .. واقسم لك إن كسرتها ساقتلك وهذا ليس تهديدا فارغا .. أنا رد سجون .. جسدي اعتاد نوم الزنزانة وبرد الشتاء .. لذلك انسحب من حياتها بهدوء أفضل لك ولها وللكل "

متقابلين يكاد كل منهما حرق الآخر بأنفاسه .. تلح على فؤاد صورة راشد وهو يقف في موضعه اليوم .. دنيا دوارة !
يقدر موقف أكرم تماما وقد كان مثله بوقت رنوة لذلك لم يتعجب هدوءه وهو يبعد سبابة أكرم عن كتفه قائلا بغرور

" لم آتيك للتحدث عن هذا لكن لا تخف عليها .. لن اكسرها .. وكما قالت لك .. هذه حقيقة الآن كلما تقبلتها أسرع كان أفضل للجميع "

اشتعل وجه أكرم أكثر فابتعد من أمامه حتى المكتب يتابع بنبرة عادية

" أنا جئتك لطلب نريده .. عرفت منها انك في فرقة موسيقية رأيتها في زفافك ورآها عماد زين الدين .. وهناك حدث سنوي للسياح يقام على أرض الزِيِن بالوادي واقترب موعده .. خيمة سياحية بحضور الصحافة وتحت تأمين شرطة السياحة .. عماد يريد فرقتكم هذه السنة ضمن البرنامج .. فكر واخبرهم بالأمر .. وأنا سارسل لك رقم عماد إن أردت التواصل معه "

التفت أكرم إليه عابسا فنظر له فـؤاد بابتسامة مستفزة قائلا

" شيء آخر يا أكرم .. أنا لا أُهدَد .. لكن لأجل عيون ألماس ساعتبر اني لم اسمع شيئا "

تحرك خطوة واحدة ثم عاد متظاهرا بالنسيان ليخرج سلاحاً بحزامه يضعه على المكتب بصوت حاد ويقول بنفس النبرة

" آه تذكرت أيضا .. هذا سلاح أبيك .. سلاح زاهد .. ليس الذي قتل به راسل لأن ذلك صادرته الشرطة بعدها .. لكن هذا كان يملكه وأنا أخذته حين كنت انوي الانتقام منكم .. ها هو أصبح معك "

وكانت الرسالة .. أن ذنب أبيه لا يقل عن ذنوب الجميع .. الكل اخطأ والكل دفع ثمنه
اتجه فؤاد للباب ليضيف بغرور الأفاعي

" في حال أردت قتلي .. فقط ! "

وكانت الرسالة .. لن يكسرها .. ولن ينسحب .. ولن تُطلَق رصاصة أخرى من السلاح ..
وبنفسه .. أعطاه السلاح !.












يراقبها وهى تتحرك في بهو شقتها منقطعة عن الكلام معه منذ أيام طويلة .. أياماً لم يعد ينامها وهو يرتب لحياته كمرحلة جديدة عما انتواه قبلا
يلاحظ حركاتها بنظراتها المتعالية وكيد النساء فيها يطغى ، توهمه انه لم يعد يهمها .. لكنها متعبة .. روينة مرهقة بشكل غريب هذه الأيام

متعبة من وضعها ومن حبه .. صدقت صدفة .. هو كالسم في عروق نسائه
يلفها ثوبها الحريري الأصفر كملكة من طغيان أنوثة الشرق وهو يتابع خطواتها الحافية على الأرض من مكانه على الأريكة .. عاقدا ساعديه يركز بجمال قدميها ونعومة تسير على نعومة فيتبسم لحلاوة حظه

عيناها البندقية ترنو نحوه بأنفة وغضب فتتسع ابتسامته ويداعبها كما تحب

" حاسب على الأرض يا شبح ! "

استدارت روينة بلا مبالاة تكمل ترتيب المقاعد وعندما اقتربت منه خطف يدها ليجذبها تجلس جواره قائلا

" حقكِ عليّ .. هذا أطول خصام مررنا به روينة "

ترفض النظر إليه فيحيط عماد وجهها المستدير الخمري بالقول

" لكن هذه المرة الأولى أيضا التي لا تشعرين بي فيها .. كنت عائداً من السفر بعد كارثة مزرعة الخيل والخسارة الكبيرة التي حدثت .. ولا تنكري أن خبر الحمل ضايقكِ فصببتِ كل ذلك عليّ "

تجمدت نظراتها وهى ترد بقوة

" لم يعلو صوتي إلا حين تكلمت عن طلاقي بتلك الطريقة .. كأنني شيء تريد التخلص منه وتظل معه شفقة "

أدار وجهها يجبرها على رؤية عينيه هاتفا

" شفقة !.. لو كان الأمر شفقة هل كان ليصعب عليّ تنفيذه هكذا ؟!.. لن تفهمي أبدا "

أبعدت روينة يديه عنها بلا اقتناع فتنهد مهموما يقول

" أنا لا استطيع الاستغناء عنكِ .. ولا عنها أيضا .. لن يفهم أحد هذا .. ربما يفهمه الرجال وربما لا يفهمه أحد .. كأنني أب لا يستطيع التخلي عن أحد ابنائه .. أحبكِ وأحبها .. ولا استطيع الابتعاد عن يحيى وأنا أول مَن حمله بين ذراعيه .. الأمر أصعب من أي شيء جربته .. أنتم عائلتي روينة .. عائلتي الكبيرة التي وضعت حجرها حتى بنيتها ولا استطيع هدمها لاني سأكون أباً .. وكل ما فعلته اني تكلمت معكِ بصراحة وظننت انكِ ستفهمينني ككل مرة "

هزت روينة رأسها وهى تنظر لملامحه الصلبة جلابة الغرام وتردد بابتسامة صدق مريرة

" كأنك أب لا تستطيع التخلي عن أحد ابنائك .. لكن هناك أحدا من هؤلاء الابناء أعز على قلبك من البقية وله مكانته الخاصة عندك ككل الآباء .. هل تصدق أن هذا أدق وصف وصلني للأمر ؟! "

ووصله هو أيضا .. ووصفه وصدق فيه
قلبه فيه للعشق واحد .. وفيه للود والحنين الكثير .. ولا يُلَام فيما لا يملك
ظل عماد صامتا فربتت على كتفه لتتابع بهدوء راضٍ .. واجم

" وأنا فهمتك بالفعل .. لذلك سهلت عليك الأمر وطلبت الطلاق بنفسي .. واطلبه اليوم مجددا .. طلـ .... "

قبل أن تكملها وجدته نزع دبلته ليضعها أمام عينيها فأخذتها باستغراب تدقق فيها وقرأت اسمها هى .. رويـنــة
الآااان !!.. بعد سنوات لم يرتديها يوما .. بعد أحلام وأماني للفؤاد ذهبت أدراج الرياح
عيناها رغما عنها تدمعان وهى تضع الحلقة الفضية بكفه وتبتسم بسخرية مريرة قائلة

" لن يُحَل شيء بمجرد ان دبلتي أنا في اصبعك عماد "

وضعها باصبعه يمد كفه لشعرها الهائج يحيط جانب وجهها ليقول بنبرة جادة

" أنا لن اطلقكِ روينة .. لن استطيع .. وسأقولها لكِ بصراحة مجددا .. نعم فكرت بالطلاق لأجل ابني أو ابنتي .. لا اريده أن يجد أباه عند أمه اليوم وغداً عند زوجة أبيه .. لا اريده أن يتعب بهذا الوضع .. لكن أنتِ أغلى مما تتصورين .. وأياً كان ما سيحدث بالمستقبل ستكونين شريكتي فيه .. وابني القادم سيحبكِ مثلي ويعرف انكِ جزء ثابت في حياتي "

سالت تلك الدموع من حافة عينيها .. انسكبت في خطين من حزن وفرح .. من حب وخوف .. من واقع وألم
وقفت تبتعد ببطء وهى تفكر بكل شيء .. قلبها يطرق نبضا صاخبا ولا تملك إلا الحب .. ومشاعر الرضا نحوه كأنها تستعذب الوجع منه
فجأة استندت على حافة طاولة التلفاز تطرق برأسها بدوار عنيف فانتبه إليها متسائلا

" ما بكِ ؟ "

تتنفس بإجهاد ولا تعي الأمر بالاً ترد

" متعبة قليلاً "

نهض عماد يتجه إليها يمد يديه لخصرها ويميل لأذنها وهو يعاتبها بابتسامة

" هذا ذنبي .. أنا روينة ؟!.. أنا يقال لي بالسلامة أنت ومالك ! "

استندت لصدره تغمض عينيها وتترك ثقل جسدها عليه وتراضيه بصوت منخفض

" حقك عليّ أنت أيضا .. دخل بيننا الشيطان "

بكلامها المحبب لقلبه تهدأ الروح وتسير في مسارها الجديد ويرتاح عقله قليلا من التشتت
ينهل من فيض الحنان فيها مقبلا عنقها برفق هامسا

" اريد أن اسألكِ عن شيء هام نسيتِ إخباري به ! "

هزت رأسها شاعرة أن ضغطها ينخفض وانها تغيب عن الوعي وتشم رائحة غريبة وهو يسأل بلا انتباه

" ما هو ( الكُفت ) روينة ؟! "

ضحكت ضحكة خافتة مرهقة وهى ترفع ذراعها تتمسك بمؤخرة عنقه كي لا تقع بينما تقتحمها يداه تلامسها بشغف مع قبلاته وهمسه

" اشتقت إليك يا شبح ! "

أهدابها ترمش تحاول التجاوب معه حتى شعرت أنفاسه بين شفتيها فأبعدت وجهها هاتفة باستياء

" عماد .. رائحة عطرك غريبة !.. لا احتملها "

التفت إليها مندهشا يرد

" أنتِ تحبين هذا العطر روينة ! "

تراخى جسدها بين يديه فرفعها على ذراعيه متفاجئا يهتف قلقا

" روينة ما بكِ .. هل أنتِ متعبة حقاً ؟ "

تأوهت روينة وهى تتشبث به والدموع تتساقط من عينيها بغرابة لتجيب بإعياء

" لا اعرف .. اشعر أن الأرض تدور بي "

اتجه عماد للأريكة يضعها عليها ويجلس جوارها قائلا

" ساتصل بالطبيب "

مسحت دموعها ومشاعرها تجتاحها بنهم ترد

" لا لا .. ليس لهذه الدرجة .. أنا لم اتناول شيئا منذ يومين "

فتح مقدمة ثوبها قليلا ومسح العرق عن وجهها وجيدها هاتفا بحزم

" لا تفعلي هذا مجددا .. سواء تشاجرنا أو غضبنا أو تركت البيت أو حتى مت "

لا تعرف لمَ تبكي وتثيره بكل حركة .. بكل دمعة يشتاق إليها .. بكل كلمة تثيره أكثر

" بعيد الشر عنك .. فليمت كل مَن يعاديك "

ضحك عماد راضيا بكل ما به .. قلبه وعقله ورجولته تنجذب عفويا إليها .. لكل حرف من بين شفاه يحب تذوقها على مهل
وعلى مهل يقترب يلمسها بشفتيه يلتقط الدموع فتبعده مجددا هاتفة

" رائحتك "

تعجب مبتعدا عنها وفجأة نهضت مسرعة إلي الحمام ويسمعها تتقيأ كل ما بجوفها ، فلم ينتظر أكثر ليخرج هاتفه متصلا
مرت دقيقة حتى خرجت من الحمام مرهقة الملامح جافة الوجه فيتجه إليها يسندها لجسده قائلا

" تعالي لترتاحي قليلا .. لقد اتصلت بالطبيب "

حلّ كل تعب الأيام السابقة عليها مع قلة الطعام والنوم ومرارة التفكير في القادم والأدهى .. قتل الفراق للعشاق
دخلت غرفة نومها ارتاحت على سريرها ويجاورها وهى تغمض عينيها وتذهب في نوم عميق.


بعد ساعة كانت بين صحوة ونوم والطبيب يفحصها وقد انسحبت الدماء من وجهها لتتركه شاحباً
يقف عماد جوار السرير ينظر لصديقه وطبيب العائلة متسائلا

" ما بها رفيق ؟ "

أتم فحصه كما يجب ثم ابتسم ناظرا له بالقول

" مبارك يا عماد .. ستصير أباً "

طار النوم .. كانت صحوة كصاعقة حلت عليهما معا فساد الصمت طويلا وهما يتبادلان النظر حتى سأل عماد مصدوما

" أنت متأكد ؟ "

رفع رفيق حاجبه يمازحه

" عيب على اللافتة المُعلَقة على باب عيادتي !! "

كتمثالان تجمد كل منهما في مكانه ورجفة الترقب تسري في أوصالهما فتهمس روينة بلا فهم

" لكن أنا .... لا أنجب "

نظر رفيق إلي عماد باستغراب فأوضح له بلا تصديق

" طبيب النساء قال مسألة وقت "

عاد مبتسما ينظر إليها ويغلق حقيبته الطبية مؤكدا

" أنتِ حامل .. مبارك "

وقف رفيق يناوله ورقة الوصفة الطبية قائلا

" المهم الآن أن تتابع مع طبيبها وتجري التحاليل اللازمة .. هذا الدواء فقط ليخفف الأعراض التي تشعر بها حتى ترى الطبيب .. مبارك مجددا "

في ذهوله مخطوف الأنفاس بالكاد يهز رأسه وعيناه عليها في سريرها حتى تحرك رفيق مغادرا فهمّ عماد ليخرج معه فأوقفه

" لا تتعب نفسك .. أنا اعرف طريقي "

خرج رفيق وكلاهما مكانه حتى سمعا صوت الباب يُغلَق
دموعها تنهمر وهى تلمس بطنها وتنظر إليها وهو يقترب منها جالسا يمسك بكتفيها برعشة يديه متذوقاً الكلمة

" روينة أنتِ حامل "

عيناه تدمعان وهو يحتضنها لصدره يقول باشتياق رهيب

" أخيرا .. لو تعرفين كم انتظرت هذه اللحظة منذ سنوات "

قبل أي شيء ومنذ حمل يحيى تمنى ابناً من صلبه .. قبل أي خطط وأي صدف ترتبط بطريقه .. كانت روينة الأولى والوحيدة قبل أي شيء .. قبل أي تغيير
تعانقه روينة بكل قوة فيها تشعر جسده مع جسدها ودفئه الدائم وتهتف بلهفة

" أنا سأنجب منك .. سيكون لي طفل منك يا عماد .. قطعة منك بداخلي تمنيتها منذ عشقتك "

انحني برأسه ليقبل يديها الاثنتين قائلا بصوت حار

" مبارك روينة .. مبارك "

لا يتوقف بكاؤها في قمة سعادتها بطفلها وبعينيّ زوجها اللامعتين فرحة ويعلو صوتها شكراً لله

" الحمد لله الحمد لله .. بركة يوم مولد سيدي رسول الله .. اللهم صل وسلم عليك يا نبي .. كنت اعرف أن الله سيرزقني .. لقد دعا الناس لي بالخلف الصالح "

ببركة الدعاء والعمل الصالح أغلى هدية .. طفلا انتظرته من الدنيا وبكى قلبها إليه شوقاً .. اليوم في احشائها ينمو فرحاً
بركة الدعاء .. مولاي إني ببابك قد بسطت يدي
ولأجلها .. لأجل عينيها وفرحتها وحسن ظنها .. قالها وعزمها وعلى ربه تركها

" عهد عليّ روينة ألا أحرمكِ هذه الفرحة طوال حياتكِ .. وأول خميس من كل شهر ساقيم لكِ مائدة إطعام تشرفين عليها بنفسكِ وتستمعين لدعوات الناس لكِ "

أشرق وجهها بذهول وهى تعجز عن الكلام .. تضحك باكية وتعيش أثمن لحظات حياتها
واليوم .. اليوم رُفِعَ القلم عن حكايته .. روينة وصدفة هما مستقبله وحياة رسمها وسيكملها هكذا .. روينة وصدفة .. واحدة في قلبه والأخرى تملك قلبه

وأولاده منهما عزوته وسنده ورجال الزِيِن مستقبلا .. اليوم فقط بإمكانه أن يرتاح ويرفع عن كاهله أحمال التفكير
اليوم فقط سيعيش حياته الجديدة .. امرأتان من صفا النساء
واحدة بخمر الشرق وأخرى بإمارة البحر
واحدة بسحر الذهب وأخرى بجمال الألماس
امرأتان في فـؤاده .. ألماستا الـفؤاد !.














منزل ' زاهد رافع '

تجلس ألماسة بالبهو تتحدث بهاتفها إلي أخيها وأعز اصدقائها علي تشاوره وتسمع منه

" هل أنتِ واثقة ؟ "

الحنان بعينيها يظهر بلا مواربة تبتسم وتصارحه

" نعم يا علي .. أحبه وافكر به كل لحظة .. اشعر أن حياتي كلها أصبحت تتوقف عليه .. إنه يدهشني .. كل فعل يفعله يجعلني مذهولة أمامه "

ضحك علي لا يصدق ما يسمع قائلا

" وبالطبع لم تخبريه كل هذا .. ماسة تعيش بمبدأ الثقل صنعة !! "

تمرر يدها بشعرها كما يفعل فـؤاد ترد

" نعم لم اخبره .. أو ربما اخبره ببطء شديد !.. هذا أنا وهو تقبلني بكل طباعي "

تحلى صوت علي بجديته وطيبته وحزمه قائلا

" أنا سعيد لأجلكِ ماسة .. ثقي بقراركِ فالحياة نعيشها مرة واحدة والذكي وحده لا يضيعها في صراعات أو اهتمام بكلام الناس "

عادت تبتسم وتنهي المكالمة بالقول

" شكراً انك معي علي .. سأراك قريباً "

مالت للأمام تضع الهاتف على الطاولة وتأخذ كوبا ساخنا من قهوة داكنة .. بلا سكر
البخار أمام عينيها يذكرها به .. بعنايته بها وطعامها وشرابها ومواعيد دواءها .. إن كرهت مرضها يوماً فالآن تصالحت معه مرحبة بالسقوط في أيدٍ أمينة

القلادة حول عنقها تلامسها بشرود حيث الحجر الذي يحمل اسمهما معاً
وحدها لا يراها إلا خالقها سمحت للدموع أن تنساب بشكوى الصمت تتساءل كيف ذاب الجليد ؟!.. سبحان مقلب القلوب
خرجت الزهراء من غرفتها مغتمة الوجه ككل يوم ، الهموم تعاود ركوبها بعد زوال

لمحتها وهى تشرب قهوتها شاردة حتى اقتربت ورأت وجهها الباكي فأسرعت تجلس جوارها تسأل عابسة

" ما بكِ ماسة ؟ "

مسحت دموعها لتنطق اسما واحدا

" فـؤاد "

برد فعل طبيعي توقعت الاسوأ فسألت بذعر

" ماذا فعل بكِ ؟.. هل أذاكِ ؟ "

هزت ألماسة رأسها بيأس لتقول بخفوت

" قلت لكِ لن يؤذيني أمي .. أنتم جميعاً أذيتموه .. جميعكم "

جمدت ملامح الزهراء وتصلبت نظرتها متسائلة

" ماذا قال لكِ مجددا ؟ "

أدارت وجهها حيث جرت الدموع بلا رادع وهى تتذكر الندوب على جسده .. ملمسها الحي تحت أصابعها .. ونيران الألم الملتهب في صدره لا تنطفئ
أي شيء أكبر من أن يفقد الإنسان جزءا منه ؟
خرج صوتها مجروحا كأن جانبها هى يُشَق مثله

" فـؤاد يعيش بكُلية واحدة أمي .. ضُرِب بالرصاص ثلاث مرات من قبل وفقد كُليته .. لم يرحمه أحد "

لم تنكر الزهراء استغرابها مفكرة ثم قالت باهتمام

" هو مَن اخبركِ بهذا ؟ "

نظرت ألماسة لوجه أمها تبحث عن رحمة وتعاطف .. وغفران بكلماتها

" وهآنا اخبركِ رغم تحذيره لي ألا يعلم أحد .. لا يريد أن ينكسر أمامكم .. لكنه رضى أن أكون الوحيدة التي ترى انكساره وضعفه "

تنهدت الزهراء ثم اعتدلت صامتة طويلا .. وألماسة تشرب قهوتها مع ملح دموعها التي تسيل حتى شفتيها .. ثم التفتت إليها قائلة بصوتها الحنون

" أنا سمعت كل كلامكِ مع أكرم ماسة .. أنا التي دائما ربيتكِ على الحق .. ومع الحق يأتي الغفران ليوازن هذه الدنيا التي نحياها .. لكن أجدني اليوم كأم أرفض لابنتي الوحيدة رجلاً ظالماً وإن تراجع فيما كان يفعله "

بقلب الأم فيها لا تتقبل .. بين نارين من الحزن والخوف على ابنتها والغضب ممَن اقترب
وبقلب الأم تخاطب عقل ابنتها

" فكري في أولادكِ .. كيف سيكون أبوهم ؟.. والمستقبل .. مَن يضمن لنا انه سيظل هكذا ولن يتغير مرة أخرى ؟!.. مَن شب على شيء شاب عليه .. والمثل صحيح يا ماسة "

ابتسمت بحزن ساخر ومسحت دموعها لترفع رأسها للغد وتقول ببساطة

" ومَن يضمن اني سأعيش أمي ؟!.. مَن يضمن أن يعيش هو ؟!.. في أي مرة ربما أموت بغيبوبة السكر .. وفي أي وقت ربما يصاب بفشل كلوي ويموت به .. أو نموت كلانا في حادثة من حوادث الدنيا .. مَن يضمن كل هذه الحياة ؟! "

هزتها أمها من كتفها بقوة لتقول بتعب وألم

" بعيد الشر عنكِ .. أنا أريد أن افرح بكِ مع مَن يصونكِ .. افهمي "

منذ أيام قالت له افهم .. أتحدى بك الدنيا
وعند وعدها تتحدى وتصمم وتتحدث بهدوء

" أنتم تنظرون إليه في الماضي أمي .. لم يسأل أحد نفسه كيف لماسة العاقلة الواثقة تحب رجلا فعل بها كل ذلك ؟!.. جميعكم تضعون أمام أعينكم ذلك الجدار الذي بُني بينكم وبينه لسنوات طويلة ووحدي أنا هدمته "

سألت الزهراء بصرامة

" ولو لم يظهر فؤاد .. واذكركِ انه ظهر للانتقام منا إن كنتِ نسيتِ .. كيف كنتِ ستتابعين حياتكِ ؟ "

لا تعرف لمَ رأت نفسها ترتدي الأسود .. ربما لقتامة حياتها عندها
انقبض قلبها بغرابة لتجيب

" كنت سأظل اعمل في نفس شركتي القديمة .. ماهر مات وهذا عمره .. وأكرم ميكانيكي في ورشة مرتضى ونادل في مقهى المهندسين .. نسكن بناية عبد الجليل بالإيجار .. وأكرم ودموع يبحثان عن شقة صغيرة بالكاد يقدران على دفع إيجارها .. وغرقنا بالديون لتجهيز شقتهما وإقامة زفاف صغير دعونا فيه أهل الحي "

لا تجد الزهراء مدخلا إليها وأغضبها تصور ضياع حق زاهد مجددا فتهتف بعصبية

" صحيح .. لكن أيضا أكرم معه حق .. ليس المفروض أن نشكر فؤاد انه لم يكمل سرقته لنا .. ليس المفروض أن ننسى له كل ما فات لمجرد انه أعاد حقوقنا التي نهبها "

ربتت على كتف أمها لتهدأ لتعتدل تواجهها وتقول بتفهم

" أنا لا اشكره ولم انس له ما فعل بالعكس .. مجرد وجودي معه يذكره بما كان ويؤلمه وأنا ادرك هذا جيدا .. لكن العدل يقول إن ظلم وعاد فلنمسك بيده لا أن نتركها ليضيع مجددا .. خاصة انه نال عقاباً أشد ألماً مما يتصور أحد .. رجل مثله عاش عمره في الظلام وخطى وحده خطوة واحدة للنور وأنتم تريدون إطفاء النور بطريقه مجددا .. أنتم لا تريدون مجرد الاستماع إليه "

هتفت الزهراء بلا جدال

" لاننا لا نأمن له "

ردت ألماسة وهى تنظر إليها بثقة

" يكفيكم اني في أمان معه .. هو الوحيد الذي دائماً حولي .. هو الوحيد الذي يراقبني ويراقب أفعالي العنيدة المتهورة أحيانا "

تبتسم فجأة تتذكر ما يفعل لتقول بأنفاس مرتجفة

" المجنون !.. أمر سكرتيرتي حين يدخل مكتبي أي طعام أو شراب أن تبلغه !!.. الفتاة إلي اليوم تسألني عن السبب ولا تستطيع سؤال أحد خوفاً منه ! "

تضحك دامعة وقلبها يطرق حباً وتواصل

" يأتي إليّ بنفسه ليسألني إن أخذت دوائي ويعد الأقراص حتى لا أكذب عليه عناداً .. ويتذوق أي مشروب قبلي حتى يتأكد انه بلا سكر "

تعقد الزهراء حاجبيها بلا تصديق كأن المسافة بينهما تتباعد وابنتها تضيع في دوامة بعيدة وهى تقول شاردة

" لا يعرف انني لم أعد احتاج إلي سكر .. لأن تلك الحركة منه فقط تجعلني اشرب أي شيء دون غضبي القديم من مرضي .. تلك الحركة منه تضيف لحياتي كلها السكر وليس للشاي أو القهوة فقط "

هزت رأسها تقول بعمق إحساسها به

" أنتم لا تفهمون شيئاً "

شعرتا بحركة عند الباب حيث يقف أكرم مستمعا للقصائد الغزلية عن عدوه وترى ألماسة ملامحه الغاضبة فترمي الحقيقة بكل هدوء

" أكرم منذ خرج لم يسألني مرة واحدة عن مرضي أو متابعتي مع الطبيب .. وأنتِ أمي .. لم تنسي لكن تسألين .. تسألين فقط .. وهذا ليس عتاباً أبداً .. أكرم رأى أكثر مما يحتمله أحد وكان الله بعونه .. وأنتِ كذلك .. أنا فقط اخبركما أن هناك رجلاً أصبحت كل دنيته وتفكيره .. لذلك دعوني اتخذ قراري وأنا وحدي مسؤولة عنه بالمستقبل "

اقترب أكرم يلقي مفاتيحه ويرد بسخرية

" أنتِ تحاولين إقناعها .. وأظن أن محاولاتكِ الجادة ستفي بالغرض حقاً !.. أمكِ تصمت حين لا تجد فائدة من الكلام !.. ما المطلوب منا أكثر ؟! "

رفعت نظرها إليه تقول بصدق

" أن تجعلاني أعيش سعيدة .. لاني قلت لكما اني لن اختار .. لكن أيضا لا أريد أن أظل بهذه الحيرة بينكما وبينه "

جلس أكرم أمامها ينظر للزهراء تبادله النظرات وتهز رأسها فيقول باشمئزاز

" للأسف أنا لا أتذكره إلا وهو يوجه السلاح نحوي .. ونحوكِ أنتِ أيضاً ذلك اليوم الذي جمعتِنا فيه "

اعتدلت له ألماسة ترد

" هل تعرف حين يتدرب الجنود بالجيش أن سلاحهم جزء منهم .. حين يتدربون أن أي عدو يطلقون عليه مباشرة ؟.. هذه تشبه حال فؤاد تماماً .. طوال عمره اعتاد السلاح جزءا من يده وجميعنا اعداءه وعليه أن يرهب الكل .. لقد تصرف كما تعود .. ولا تعرف كيف يقاوم هذا الآن لأجلي "

يرفع أكرم حاجبيه الكثيفين قائلا بدهشة

" وتجدين له المبررات !!.. عظيم ! "

صمتت للحظات تزفر نفسا طويلا ثم لمست قلادتها لتقلب الحجر وتقول بثقة

" بدون سخرية يا أكرم .. لانك لن تغير شيئا من الواقع الذي يقول اني أصبحت ' ألماسة الـفؤاد ' ! "

ثبتت عيناه على الحجر بذهول غاضب بينما تديرها الزهراء بحدة قائلة

" هو مَن وضع فيها هذا الحجر !! "

قبضت ألماسة بكفها على الحجر الغالي لتقول بهدوء

" سيأتي يوم وتقتنعان فيه .. أما الآن فأردت إخباركما بشيء فعلته وحدي ككل مرة "

هتف أكرم منفعلا

" كارثة جديدة ! "

أطرقت للحظات صامتة قد ضربتها الكلمة بمنتصف صدرها ثم رفعت عينيها له تقول بجمود

" أنا صاحبة الكوارث الآن !.. بعد الحقوق التي عادت والحياة التي تغيرت ! "

طال السكوت والجرح يترك أثره على قلوبهم وبين الأخ وأخته ما يتساقط محطما أمام عينيّ أمهما فينقذه أكرم باعتذاره

" أنا آسف .. قصدت كارثة مع ابن راسل ولم اقصدكِ أنتِ .. تعرفين اننا نثق بكِ إلا في هذا الأمر "

تنهدت متغاضية تهز رأسها ساخرة ثم قالت

" أنا تحدثت مع .. ابن راسل !.. بشأن عودتنا للوادي .. طلبت منه أرضنا وحقنا في بيت الرافعين الكبير وبيت أبي .. طلبت تبرئة اسم أبي أمامهم وهو فعل .. وإعلان ذلك سيكون بذهابنا إلي هناك "

وقف أكرم لا يصدق مجددا ويصيح بعصبية

" بدون التحدث معي أنا أولاً !.. أصبحت كلمته هى النافذة علينا الآن .. تطلبين منه تبرئة اسم أبي أنا كأني ما زلت في السجن ؟! "

وقفت أمامه تقول بتعقل

" هو دائما هناك يا أكرم .. الأمر ليس مباراة بينكما .. المنطق أن نتحدث مع شخص يعرف الجميع أياً كان ذلك الشخص "

تنظر الزهراء إليهما لا يدركان أفكارها ثم سألتها بصدمة

" ماذا فعلتِ ؟!.. كيف تفعلين ذلك دون الرجوع إليّ ؟!.. ألا تدركين أي شيء بقوانينهم هناك ؟!.. ما الذي فعلتِه ؟! "

استدارت إليها تربت على كتفها بالقول

" اعرف كل شيء أمي .. اهدئي لنتكلم "

ضربت الزهراء يدها لتقف بغضب هاتفة بصوت عال منفعل

" يا للمصيبة .. أي تبرئة ؟!.. ماذا سيقول لتبرئة اسم زاهد ؟!.. سيتحدثون في سمعتي .. يحميني أبوكِ وتفضحينني أنتِ ؟ "

أمسكت ألماسة كتفيها تهدئها

" لا .. أنا قلت لفؤاد ألا يمس اسمكِ أبداً وهو فعل .. سيظل الأمر خلافاً على الأرض والإرث لكن راسل هو مَن بدأ ورفع سلاحه على أخيه فدافع أبي عن نفسه .. انتهى الأمر بدفاع عن النفس أمي "

صاحت الزهراء وهى تلوح نحو أكرم بجنون

" يا غبية حتى لو انتهى الأمر سيظل زاهد قاتل راسل .. هل تعرفين معنى هذا ؟.. معناه أن يأخذوا الدية ويقدم أكرم كفنه إلي فؤاد لأن فؤاد لم يقبل بالقصاص الذي حدث .. ما الذي فعلتِه ؟! "

تتنفس ألماسة كأنها تحارب بكل جهة قائلة

" اعرف .. اعرف كل هذا .. سيأخذون الدية مالاً أو من الأرض .. في كل الأحوال لم تكن الأرض لنا .. لكن الآن الأرض ستعود إلينا ولو ناقصة جزء صغير ثمن الدية .. وفؤاد سيقبل الكفن إن حكموا به ولم يكتفوا بالدية وينتهي الأمر "

جنت نظرات أكرم يسألها بلا استيعاب

" هل جننتِ ؟!.. تريدين أن اقدم كفني له واطلب منه العفو عما فعله أبي !! "

ابتعدت عنهما تمسد جبهتها بتعب وترد

" نحن بعيد عن أرضنا وأهلنا طوال تلك السنين بسبب ما فعله أبي .. اليوم علينا تحمل ذلك الذنب ودفع ثمنه "

أصبحت ملامح الزهراء أكثر صرامة وهى تنظر إليها بشفقة كأنها صغيرة لا تفهم شيئا ثم قالت

" أنتِ لا تفهمين شيئا .. فؤاد يستحيل أن يقبل .. هل قال ذلك وكذب عليكِ ؟ "

نقلت عينيها بينهما بلا فهم ثم سألت

" كيف كذب عليّ ؟! "

لم تنكر خوفها مما قد يفعله فؤاد بلؤم طبعه وبين الخوف والثقة تنتظر إجابة الزهراء التي قالتها ساخرة

" لأنه يريدكِ ويعرف انكِ في أعرافهم لجسور ابن عمكِ صالح .. سيرفض ليضطرهم للحل الأخير بأن يتزوج منكِ حقناً للدماء .. سيقف لجسور بالدم .. وستُكتَب العهود على ذلك لكل الرافعين .. هل اخبركِ بهذا أم أخفاه ذلك الثعبان ؟ "

التفتت ألماسة تتذكر فتضرب عقلها كلماته يوما

( جسور ينتظر )

شاهد أكرم ما يحدث وصمت ألماسة المريب ثم سأل

" ماذا تعني أن ماسة لجسور ؟! "

جلست الزهراء بألم تباغتها الذكريات وترد

" عمك صالح دفع مْهْرها لأبيك .. لا اعرف ما كان بينهما لكن الكلمة عهد لاخر العمر .. وجسور ما زال يحفظ أعرافهم ويبحث عنها .. قاسم دائما كان يخبرني سراً أن جسور يرفض الزواج تماما حتى يجدها وأعلنها قبلاً .. لن يتزوج إلا ابنة عمه التي مَهَرها "

احتدت عينا ألماسة وهى تفهم ما قيل وأكرم يراقبها منتظرا أن تنقلب على فؤاد والزهراء تضيف بإنهاك

" أنا هنا كنت اعرف اننا لن نعود .. بعد واحد وعشرين عاماً نسيت كل ذلك وعشنا حياتنا هنا بعيدا عن الرافعين وقوانينهم .. وهى تريدنا أن نعود ليتحكموا فينا من جديد "

تستمع إلي أمها وتفكر كالعادة في مبررات لفؤاد تحمي بها قلبها من شعور الغدر ومجددا تتذكر صوته الحامي واثقا

( ما عاش وما كان مَن يجعل منكِ امرأة فصلية .. حتى لو كبير الرافعين كلهم .. والذي خلق الخلق ما يمسكِ أحدهم بشيء قد يؤذيكِ )

جعلتها الكلمات تهدأ كأنه ادرك هذا اليوم ليطمئنها قبلا وابتسامة صغيرة تطرق شفتيها لتقول

" لم يخبرني فـؤاد إلا عن القوانين وقبول الرافعين .. لكنه قالها يوماً .. لن يجعل مني امرأة لزواج الدية .. واقسم انه لن يؤذيني شيء ولو كبير الرافعين .. هذا معناه انه سيأخذ الدية فقط لتُكتَب تلك العهود "

نظر كلاهما إليها باستغراب وهى تتابع بثقتها فيه

" وأظن أن له مع جسور كلاماً آخر حتى ينسى الماضي ويتقبل الواقع ! "

قالت الزهراء بيأس وتعب

" ما زلتِ لا تفهمين ولا تدركين ما وضعتِنا فيه .. هذا معناه أن جسور عرف بالفعل مكانكِ وينتظر .. أو لن ينتظر وسيأتي ليطالب بحقه فيكِ "

استدارت ألماسة لأخيها بملامحها العازمة لا يهمها شيء قائلة باصرار

" أكرم .. لن يمنعنا كل هذا عن العودة .. لن نظل هاربين يا أكرم .. لن نظل خائفين من قوانينهم بسببي أنا وزواجي .. أرجوك .. أنت كبير عائلة زاهد الآن ولابد أن يكون لك كلمة هناك .. الكبير وحده كلمته عهد يا أكرم "

رفعت الزهراء وجهها المرهق تسألها ساخرة

" وماذا سيفعل الثعبان مع جسور ؟!.. هل سيقتله ويأخذكِ رغماً عن الجميع ؟! "

لمعت عيناها ببريق غريب يضاهي عشقا صاخبا حاد المشاعر ثم ردت بكبريائها

" لا اعرف حقاً .. لكن اعرف اننا سنذهب ونواجه .. واعرف أن فـؤاد على استعداد أن يعصي كل الرافعين .. لأجلي أنا "















على جسر جزيرة الشاي يقفان فوق مياه البحر في عالم وحدهما .. بعيدين عن أي شيء قد يرمي برؤيته السوداء المستحيلة عن علاقتهما
المياه تمتد لمرمى البصر كالسماء صافية دون حرارة شمس في يوم شتوي بارد

وهى تقف تستند على سور الجسر بملابسها الصوفية الثقيلة تشعر برودة الهواء بوجنتيها .. بلون الكرز كانتا كشفتيها ..
وعينيها .. في موسمهما الشتوي ولون التراب بعد المطر .. هادئا حينا وعاصفا حينا
تفرك ألماسة كفيها بالقفاز الصوفي وهى تتابع المنظر المنعزل عن العالم قائلة

" لأول مرة احضر إلي هنا "

وهو .. عيناه بنيرانها على وجهها يتأمل جماله لا يشبع من فتنة رغم ما تذوق من نساء .. إلا هى .. فتنة دائمة بأمر البهاء .. كبرياء
يراقب أنفاسها البيضاء ببخار الماء واحمرار أنفها الطفيف ويسأل

" هل أخذتِ دواءكِ ؟ "

تنفخ بحنق تجيبه

" أخذته يا فـؤاد .. أخذته "

انحدرت نظراته ليديها الباردتين فأخذ يدها اليمنى ينزع القفاز رغم اعتراضها وبين كفيه الدافئتين يغطيها ويسألها

" هل قلتِ لهما عن السفر ؟ "

بطرف عينها راقبت ملامحه وتصنعت اللا مبالاة ترد

" نعم .. غضبا قليلا ثم وافقا لأن هذا الطبيعي .. لن نعيش بعيدا عن أهلنا العمر كله "

لا يشعر بضغطه على يدها بين كفيه والقلق يخفيه متسائلا

" لماذا غضبا بالضبط ؟ "

نظرت له تبتسم عفويا وتقول بنبرة دلالها

" لاني تحدثت إليك أنت .. أنت تحديدا يا عدونا اللدود ! "

نظر فؤاد أمامه لثوانٍ وهى تحاول رصد أفكاره حتى سأل

" فقط ؟.. ألم تخبركِ الزهراء أي شيء آخر ؟ "

بيدها الأخرى نكزت كتفه ثم قالت بمكر

" قلت لك من قبل لا تنادي أمي باسمها .. ثانياً لا .. لم تخبرني بشيء !.. هل يُفترض أن تخبرني بشيء معين ؟! "

تشرد عيناه منها بين نار ورماد وعشق وليد وظلام يباغته فتلمس لحيته تسأل بتفهم

" هل تريد أن تخبرني أنت بأي شيء ؟ "

نظر لعينيها بسهولة يقرأ انها تعرف وكلاهما يعرف أن الآخر يخفي .. اللسان فقط يتثاقل عن نطق ما لا معنى له الآن
بقانون الرافعين هى حق جسور لا حقه لكن بكل قانون آخر هى له ولا جدال
خصلة ناعمة من شعرها الأسود تطير على عينيها فيبعدها قائلا

" سنواجه أكثر مما تظنين ألماس .. لذلك أريدكِ مستعدة .. كما قلتِ .. للطوفان الذي بعدنا "

أغلقت يدها بيده دعما تقترب منه أكثر لتقول بدفء

" ما الذي تتوقعه ؟!.. اخبرني "

اشتدت ملامحه بعنفها وقتامة عينيه ليقول

" لا يهم .. لا يهم أي شيء .. المهم الآن أن تأخذوا مكانكم في الرافعين مجددا .. وأياً كان ما سيحدث .. أنتِ لي أنا "

هل يكذب حقا ولن يقبل دية ؟!.. هل سيقف لجسور بالدم ويتزوجها دية ؟!.. هل سيحميها من كلمة الرافعين إن نُطِقَت ؟!
مر السؤال بعينيها عن إخفائه لما قالت أمها وأمر جسور كله فتابع يعطيها إجابة بنبرته النارية وغلظة صوته

" أنتِ لي أنا رغماً عن الكل .. ولو عاديت الدنيا لأجلكِ لن يهمني .. ولن يؤذيكِ أحد .. كوني واثقة من هذا إن حدث أي شيء في جلساتهم العرفية وأحكامهم .. اعرفي إن أي شيء لن يعجبكِ ساغيره "

ابتسمت لعينيه وهى تعدل معطفه الأسود الأنيق ثم سألت

" لماذا تخبرني بكل هذا ؟! "

كفاه أحاطت يديها على حافتي معطفه قائلا بخشونة

‏" لاني أردت قوله وأردتكِ أن تعرفيه "




يتبع بالفصل الخامس والثلاثين



نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 01:03 AM   #2012

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

البريق الخامس والثلاثون

أرض الوادي .. أرض الرافعين

وصلت السيارات متتابعة في الموعد المحدد على الطريق الجديد الذي اختصر ثلثا الزمن فلم يعودوا بحاجة ماسة إلي طيران داخلي .. الطريق الجديد اختصر مسافة العشر ساعات إلي ثلاث ساعات فقط وهكذا هى أهمية الطرق الجديدة بالبلد

توقفوا أمام الدار الكبيرة المقسمة بين الأعمام الكبار ليكون لكل منهم نصيب منفصل .. دار زاهد أمامهم تجاور دار راسل
ترجل فؤاد من سيارته أمامهم كدليل الطريق ، تليه الزهراء وألماسة من سيارتها ، تليها دموع وأكرم من سيارته .. في موكب عائد بعد واحد وعشرين عاما

الرهبة تسكن القلوب والنظرات تحوم بين الدار والأراضي الزراعية حولهم في طبيعة صنعها الخالق بجمال لا مثيل له
تقدمتهم الزهراء والذكريات تباغتها كصورة تجري أمام عينيها منذ جاءت لأول مرة كعروس .. وحتى رحلت منكسرة مع أطفالها

تشاهد دموع مع أكرم البيت المرتفع كالقصر بينما وقفت ألماسة جوار فؤاد تشعر بنبض قلبها يعلو ترقبا وقالت

" لم يتغير المكان كثيرا .. ما زلت اذكره بعد واحد وعشرين عاماً "

تغير القليل وبقي كل شيء راسخا شاهدا على كل حدث مر بتاريخ الرافعين
رفعت الزهراء رأسها بعزة تتقوى على وجع القلب وتقول بحنين

" أنا لم أنسه للحظة حتى اذكره "

للمكان نفسه مهابة تناسب رجاله وأصلهم ، له رائحة من البأس والقوة ، وظلالا عفية لا يمحوها مرور السنين
اقترب منهم أربعة رجال بعباءاتهم الصوفية ووجوههم الخشنة فينطق كبيرهم بنبرته القوية

" حمدا لله على سلامتكم "

دققت الزهراء بالملامح المهيبة كبيرة السن وتلمح خاتم الرافعين الأسود باليد المرتكزة على العصا ذات المقبض الفضي فتعرفت عليه قائلة

" تستقبلنا بنفسك يا شيخ صالح "

هو أيضا عاودته الذكريات وكل ما رأى بعمره كعبرة جديدة يضمها لخبرة الحياة ويرد بلهجتهم

" أنتم دمنا وعرضنا .. وكل ما كان قد كان "

ينظر حولها لعائلتها الصغيرة فيقول

" صار أكرم رجلاً .. وكبرت الفتاة "

التفتت تشير نحو دموع قائلة

" هذه دموع زوجة أكـرم "

حياها الشيخ بإيماءة بسيطة ثم أشار للرجال معه قائلا

" أظنكِ لا تتعرفين على عبد الجليل وولديه رافع ومحمد "

الأخ الأحب إلي قلب زاهد رحمه الله
لم تنسه هو أيضا لكنها كتمت دموعها بالقول

" نعم .. لقد مر ما يقارب ربع قرن ! "

التفت بنظرة ثاقبة إلي ألماسة التي خطبها لولده جسور فرأى خطوة فؤاد الحامية تنذر شرا من البداية فعاد للزهراء يقول

" ارتاحوا بداركم اليوم وستأتي النساء بالطعام بعد قليل .. وغداً سنعقد جلسة الرافعين ليحضرها أكرم وفؤاد ونكتب العهود .. اظنكم تعلمون "

عفويا أحاط أكرم كتفيها حين شعر قلقها ناظرا لعمه بقوة فاستدار الشيخ صالح منهيا

" أنرتم أرضكم "

غادر الرجال فظل الجميع مكانهم كأن البيت يخيفهم حتى حثها أكرم على التحرك فسارت معه ببطء تجاورهما دموع
بقيت ألماسة مع فؤاد تنظر للبيت برهبة مختلفة وتسمع صوته يطمئنها

" أنا ساذهب .. سأكون بمزرعة الخيل طوال اليوم وساتصل بكِ حين اعود .. زفاف أختيّ عماد بعد يومين وهو يدعوكِ كما دعوته !.. إن أردتِ سنذهب معاً "

تغيرت ملامحها ممتعضة بالقول

" أنت مؤكد ستذهب أليس كذلك ؟ "

عيناه تحذرها برفق مجيبا

" يا حبيبتي أنا قبل عماد نفسه !! "

ابتسمت ويدها تتمسك بحافة سترته وتقول بدلال

" صرت تقول حبيبتي ! "

عقد فؤاد حاجبيه بلا مبالاة يرد

" لم انتبه ! "

شعر بيدها تتمسك به أكثر وهى تلتفت إلي الدار فيغطيها بكفه قائلا

" لا تنسي موعد دوائكِ قبل الطعام "

لا تتركه وتعود مقتربة منه أكثر تسأل

" هل ستأخذني إلي مزرعة الخيل ؟! "

لاحظ نظراتها الزائغة وتوترها المريب فيمر بيده على شعرها ويحثها

" سآخذكِ إلي كل مكان بالوادي .. هيا ادخلي بيتكم ألماس "

إحساس غريب يراودها بالفقد گأن هذه الأرض ستفرق بينهما فتنظر لعينيه ولأول مرة يرى ضعفا حقيقيا بقولها

" اشعر أن قلبي ينقبض .. لا اريد أن اتركك "

أمسك فؤاد كتفيها مبتسما ويمازحها رغم جديته

" اجمدي .. لا اريد لحظة الضعف تلك الآن ! "

لا تمزح والتردد على وجهها يجعله يتوجس كوجه العملة الآخر فيطمئنها داعما

" المكان يعيد إليكم ذكريات كثيرة .. فكري فيها بهدوء .. تحتاجين للهدوء لا أكثر "

فجأة التفتت لجهة معينة تتساءل رغم معرفتها

" أين الاسطبل الذي حدث فيه كل شيء ؟ "

أدار وجهها ينطق بحزم

" ألـمـاسة "

لأول مرة ينطق اسمها هكذا فعادت بنظرها إليه ليحيط وجهها قائلا

" ادخلي البيت الآن ولا تسألي عن أي شيء .. اتركي الأمور تسير وحدها وأنا سأكون معكِ دائما "

قلقها يتزايد بغرابة فتستدير لتغادر ثم التفتت مجددا قائلة

" لا تغلق هاتفك "

اومأ فؤاد ينتظرها لتدخل ويراوده نفس الشعور كأن هناك مَن يراقبهما !
وما إن اختفت بالدار حتى تلفت حوله يواجه هذا الشعور إما قاتلا إما مقتولا .. قبل أن يغادر بسيارته.

دخلت ألماسة الدار القديمة ، تحتفظ بترتيبها وأثاثها ، مرتبة نظيفة وكأن رائحتها لم تتغير .. أو ربما هو الحنين الذي يصور ما يريد
ترى أمها وأخاها وعودة إلي الأرض وتبرئة لاسم أبيها .. وما بين عام وعام تغيرت الحال
تدخل أكثر وتلمس الأثاث وتتذكر قائلة

" لم يتغير كثيرا .. وُضِعَت بعض الاشياء فقط "

على طاولة جانبية شاهدوا تحفة لا تنتمي إلي المكان بأي شكل !.. تحفة لثعبان ملتفا حول غزال !!
أمسكتها دموع بنظرة ذات مغزى وأعطتها إلي أكرم فأطبق عليها غاضبا ثم ناولها إلي أخته فابتسمت قائلة

" هذا ذوق فـؤاد ! "

رد أكرم ساخرا

" يجيد الاهتمام بالتفاصيل ! "

اتجهت للطاولة تضع التحفة بجوار صورة حديثة لها في إطار ذهبي مزخرف فأمسكتها تلوح بها أمامه وتغيظه

" ويجيد الاهتمام بي ! "

نفخ أكرم يتجاهلها على رنين هاتفه فأعطى الهاتف لزوجته قائلا

" مصطفى يتصل دموع .. اعرفي منه متى سيأتي مع الفرقة .. أمامنا اسبوع تقريبا للتدريب هنا "

قبلت الفرقة برنامج الخيمة السنوية كحدث سياحي على أرض البلد .. بعضهم سيأتي والبعض سيظل بالمعهد لمتابعة التدريب
أخذت دموع الهاتف وخرجت لتجيب ، فيما اقتربت ألماسة من الزهراء تمسك بيدها تناديها من شرودها

" أمي "

وقفت الزهراء أمام صورة قديمة ظلت معلقة على الجدار لزوجها .. مشاعرها تؤلمها وقلبها ينهار لتسمح بتحرير دموعها فتنساب مع قولها

" لقد عشت هنا سنوات وسنوات .. أحببت زاهد كما لم تحب امرأة .. وحزنت عليه حتى شاب شعري وضعف بصري .. ظننت اني لن أعود لأرضه أبدا .. وهآنا هنا .. أرى الذكريات أمامي حية "

مدت ألماسة يدها تمسح دموع أمها وتقول برجاء

" سامحيني إن تصرفت دون رأيكِ .. لا اريد إلا أن ارفع اسم أبي مثل راسل الذي لا يستحق .. من حق أبي علينا أن نفعل ذلك "

عينا الزهراء لا تفارق الصورة فجلست على المقعد المواجه لها متعبة من فيض الماضي وتشعر انها تحادث زاهد معها

" دوما أحببت وقوفكِ للحق ماسة .. رغم انكِ ترينه مخطئا وقلتِها بنفسكِ .. راسل اطلق الرصاص على ساقه ليوقفه فقط لكن أبوكِ أخذ الخيار الخاطئ وقتله ليدافع عني .. لم يحتمل تهجم راسل عليّ واطلق الرصاص .. ومع ذلك تريدين رفع اسمه هنا مثل راسل لانكِ تعرفين انه كان رجلا جيدا وقتله بغير عمد .. وكم بكى زاهد على أخيه نادما "

دموعها تنهمر فتقبل ألماسة رأسها لتقول برفق

" الجميع اخطأ والجميع دفع الثمن .. وليس عدلا أن تظل سيرة راسل وتُدفَن سيرة زاهد .. كل ما احمل همه هو أنتِ أمي .. الأمر صعب عليكِ هنا "

رفعت الزهراء رأسها ترد بعزم

" أنا قوية ماسة .. ما زالت بي قوة .. المهم الآن أكرم وما سيحدث في جلسة الصلح "

سمعها أكرم فاقترب يرد

" وأنا انتظر أن يتغابى فـؤاد ويطلب الكفن .. أو يطلب زواج الدية كما قالت أمي "

ازدردت ألماسة ريقها بتوتر من عناد الاثنين كالثيران وأكرم يهتف

" اقسم بالله لن يأخذكِ بعدها إلا على جثتي "

نقلت ألماسة بصرها بينهما ثم ابتعدت ترى باقي البيت.













تجمع آل الرافعين في مضيفة دار كبيرهم الشيخ صالح .. يجلسون على الجانبين يتوسطهم الشيخ صالح على مقعد عتيق مرتكزا على عصاه ذات مقبض الفضة
على يمينه يجلس فـؤاد صاحب الحق اليوم .. وعلى يساره أكـرم ابن القاتل
وفي حرب النظرات قتال يُثار بين كل طرف وآخر

على بُعد عدة مقاعد يجلس جسور باتزانه الموروث من أبيه ، يناظره فؤاد بتحدٍ وعداء وقد وصلت الأخبار الجديدة
والمطلوب .. سيأخذه أحدهما على جثة الآخر !
مسلطاً نظراته باستقامة ليصمت الهمس ويبدأ الشيخ صالح حديثه بدعائه المعتاد بصوته المهيب المرهق بكبر السن

" بسم الله .. والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد عبده ورسوله .. اللهم اجرِ الحق على لساننا وأنر بالعدل قلوبنا .. وامنحنا بصيرة الحكم بما ترتضيه يا رب العالمين "

أمّن الرجال على دعائه فتابع

" منذ واحد وعشرون عاماً أصابت الرافعين أكبر مصيبة في تاريخهم .. الأخ قتل أخاه ... كأول قتل على وجه الأرض كأن الدنيا تذكرنا ببدايتها كل حين .. وتذكرنا بأنفسنا ما بين خيرها وشرها "

رفع أكرم رأسه أمامهم وهم يتظاهرون بالأسف بعد ما يقارب ربع قرن والشيخ صالح يواصل حديثه

" مات راسل وزاهد .. ورحل أولاده وانقطعت سيرته .. واليوم .. عادوا لأرضهم .. الحكاية كما قلتها لكم عن لسان كبير عائلة راسل .. ولده فـؤاد .. خلاف المال والشراكة .. راسل بدأ ورفع سلاحه على زاهد .. وزاهد دافع عن نفسه لكن للأسف .. زناده لم يعد دون أن يسقط روحا .. فاللهم تغمد كل مَن فقدنا بواسع رحمتك ومغفرتك "

تأكد أكرم مما قاله فؤاد فتبادلا نظرة حملت أكثر من معنى قبل أن يقول الشيخ صالح بصوته الآمر

" وجَمْعَنا اليوم لنحقن دماءنا ونحفظ أجيالنا .. العهد إقرار بصفاء الضمائر ورضا النفوس .. العهد التزام لاخر فرد من نسلنا على وجه الأرض "

اومأت الرؤوس موافقة ملزمة وأكرم يجلس بأعصاب محترقة لما يسمع من عمه الأكبر

" تم القصاص من القاتل وإعدام زاهد جزاء القتل العمد وعليه فلا ثأر ولا دية ولكن .. تبقت رغبة فؤاد في أخذ ثأره بنفسه منذ سنوات .. وهذا ما يعرفه الجميع وسيُتدَاول الأمر لعشرات السنين القادمة .. ولذلك وجبت الترضية وحل النزاع نهائيا "

نظرات فؤاد العنيفة اللا مبالية أحرقت أكرم أكثر بينما نقر الشيخ صالح بعصاه على الأرض قائلا بنبرته القوية

" وبناءا عليه .. إخماداً للثأر .. نطمع في العفو .. فهل يقبل ابن القتيل الدية من ابن القاتل أو يريد منه تقديم كفنه ؟ "

اتسعت عينا أكرم بغضب ناظرا لعمه الذي لا يعرفه إلا اسماً ، يتساءل ما الذي أحضره إلي هنا والرضوخ لمجلس أهل نبذوهم منذ صغرهم ؟.. وينتظر من فؤاد رفضا ليجبرهم اللجوء لزواج الدية
ينظر إليه بغل أعمى عينيه وأعاد له سنوات اعتقاله القاسية ، بينما يتنفس فؤاد بحدة أكبر والجميع ينظر إليه كرهاً .. وخوفاً

هو العرق الأسود من الرافعين .. هو مَن يكمل الضلع الفاسد بعد رفيع
انتظر الكل إجابة بالكره والحقد الكامن في نفسه منذ سنوات .. وانتظر هو أن يرى نفسه كما تراه هى .. ألماسته .. بعين الغفران
وكلمة خرجت من فمه تمحو صفحات الماضي وتوثق حاضره

" عفوت "

سرت الهمهمات ذهولا والرجال ينظرون إليه بتفاجؤ أمام عينيّ أكرم المتسائلتين عن مكره ولعبته فيما قال فؤاد لعمه قاطعا

" انتهى الأمر على ذلك يا شيخ صالح .. لن تُقدَم أكفان ولا دية ولا غيره .. رضيت بالقصاص "

صمت الشيخ صالح ناظرا إليه ثم إلي رجال الرافعين بدهشتهم .. وإلي ولده جسور الذي نظر إلي فؤاد بتمعن .. وإلي أكرم الغريب عنهم وهو منهم .. ثم قال برضا

" الحمد لله .. ستُكتَب العهود على ذلك حتى لا تُثار الفتن يوماً .. والله على ما نقول شهيد .. هو وكيلنا ووكيلكم وفُض النزاع على ذلك ووجب الصلح "

عاد صوت الرجال همساً عما حدث وفؤاد يطالع جسور بتحد يبادله برزانة بينما يميل الشيخ صالح نحو أكرم قائلا بصدق

" الحمد لله الذي أعادكم إلي أرضكم سالمين يا ولدي "

من خارج المضيفة كانت تقف تستمع إلي الحديث رغم نظرات الغفر والنسوة إليها .. لم تكن ألماسة أكثر قلقا من اليوم
قلق على أخيها العائد بعد غياب .. بعد عذاب
وقلق على مَن اتخذته حبيباً وتحدت به الدنيا
بالداخل تسمع صوت أحد الرجال سمجاً

" سنسجل تاريخ اليوم يا فؤاد .. المرة الأولى التي تعفو بها في حياتك ! "

التفت فؤاد إليه بنظرة صاعقة جعلته يبتلع لسانه أمام الجميع ليعلو صوت جسور .. جسوراً

" هناك موضوع آخر علينا التحدث به مع أكرم أبي "

توجست عينا الشيخ صالح وأبصرت وجه فؤاد مباشرة وهو يُرسَم بالشر وجسور يتحدث إلي أكرم

" أظنك تعرف ما ساقوله يا أكرم .. وتعرف أن أبي طلب يد أختك لي ودفع مهرها إلي عمي زاهد رحمه الله .. وأنا كنت أبحث عنكم وانتظر ابنة عمي لكنني لم أجدكم .. حتى وصلتني أخباركم منذ فترة "

سرى التوتر صمتاً مريبا والعيون على فؤاد بملامحه الصخرية المتجمدة وهو يسأل بنظرة شرسة

" ألم تصلك أخباراً أخرى يا ... جسور ؟! "

ابتسم جسور ناظرا لملامح فؤاد المحتدة ليقول بصوته المتزن المغيظ

" أنا لم أتخطى الأصول يا ابن عمي .. لكن غيري تخطاها وهو يعرف ! "

بالخارج تسمع ألماسة ما يحدث وقلقها يتزايد .. وغيظ بغيظ اشتد وجه فؤاد بالغرور والتبجح يرد

" أنا لم أتخطى شيئا ... العشق غلاب ! "

التفت أكرم إلي فؤاد يرمقه بغضب ثم التفت إلي جسور الذي أصيب بكرامته فتجاهل فؤاد يسأله

" ماذا قلت يا أكرم ؟ "

نظرة لوجه فؤاد لمح تهديدا معتادا منه وعنفا غير قابل للنقاش فالتفت إلي عمه صالح قائلا بنبرة حازمة

" أنتم أهلنا نعم لكننا رحلنا عن الوادي منذ كنا صغارا .. لم نعش في عاداتكم وأعرافكم .. ما يتحدثون عنه مر عليه أكثر من واحد وعشرين عاماً .. لذلك لن نلتزم اليوم بشيء يُفرَض علينا من سنوات .. ألماسة أختي لها حق الاختيار .. ولا اعرف ماذا ستفعلون حسب عاداتكم في مسألة المهر هذه لكن كما قلت .. أختي لها حق الاختيار ولن يُفرَض عليها شيء "

نبض قلبه بسرعة مذهلة والاختيار أمام الجميع لحبيبته .. اختيارا علموا مسبقا انه بصفه .. أنصفه
لكن الوحيد الذي لم يقتنع ولن يفعل وهو الأحق بها قال

" أنا طبيب يا أكرم .. رجل متعلم واعرف رأيكم مسبقا حتى وأنا أتمسك بجذوري هنا لذلك ادرك ما تقول جيدا .. لهذا اطلب منك أن تأذن لي بالجلوس معها مرة واحدة "

وقف فؤاد مباشرة يهتف بشراسة

" لن يحدث "

التفت إليه جسور وبكل هدوء مغيظ قال

" أنا أتحدث مع أخيها ! "

رد فـؤاد بعلو صوته وعنف ملامحه

" وأنا طلبتها للزواج من أخيها .. ومن نفسها .. ومن أمها .. والجميع وافق .. لذلك استفق من أوهام الماضي التي لن تحدث "

نهض أكرم بغضب وكل شيء يضعه أمام الأمر الواقع .. ألماسة لن تُكذِب فؤاد فيما قال وهو لن يصرح بحب أخته لفؤاد علنا اليوم .. يكفي ما أعلنته هى ووصل الجميع !
غطت ألماسة فمها متسعة العينين تترقب رد فعل المفاجأة وبعد لحظات صمت سمعت صوت ذلك الجسور جامدا

" لا تخطئ معي يا فؤاد "

نال فؤاد ما يريد من غريم جديد .. تلك الهزيمة .. بشماتة شيطانية يسحقه أكثر

" هات أخرك ! "

ظل الشيخ صالح يستغفر الله حتى نهض جسور متحفزا فهتف بصوته النافذ

" جسور "

أمام الأعين شامخا قاتلا مستعدا لإراقة الدم يقول بصوته الجهوري

" عذرا يا شيخ صالح .. قلت من قبل ما عاش ولا كان مَن يخطئ بك وأنا موجود .. لكن ابنك السبب ! "

اقترب جسور قليلا ليقف بمنتصف المجلس مستعيدا هدوئه قائلا

" وإن كانت وافقت بالفعل .. أنت تخاف أن اجلس معها حتى لا تغير رأيها .. لانك تعرف اني بقادر على هذا !! "

اقترب فؤاد يواجهه .. عين بعين .. دم بدم .. ثورة بثورة .. بخبث الثعابين يرد بنبرة ترجف البدن

" اريد أن أراك تحاول !! "

هتف أكرم منفعلا متجها للباب ليغادر

" ما تفعلانه لا يصح .. أنتما تتحدثان عن ابنة عمكما .. وأنا قلت الكلمة النهائية لها "

أوقفه صوت أحد الرجال وهو يتحدث إلي فؤاد بقوة

" لن ينفع يا ابن راسل .. بينكما دم حتى ولو تم الصلح .. لكن في البيوت المغلقة سيُثار الكلام "

التفت أكرم يطالع فؤاد الذي نظر للرجل يريد قتله ثم قال فجأة

" فلتختار بيننا إذاً "

تقدم أكرم خطوات يشير لعقله صائحا

" هل جننت ؟ "

هدر فؤاد بصوت جعلها تنتفض بالخارج

" حقها "

عاد ينظر إلي جسور ورائحة الدماء بأنفه يشتهيها بهمجية مضيفا

" اريده أن يسمع بأذنيه ويشهد خسارته !.. وبعدها لا كلام "

ابتسامة جانبية على شفتيّ جسور وهو يقول ساخرا

" تريدها أن تقف وسط الرجال وتختار ؟!.. واضح انك تخاف عليها .. وتغار عليها .. حقاً !! "

بلحظة ما لم يدرك أحد ما حدث .. رقبة جسور تحت ذراع فؤاد تنتظر حركة بسيطة لقتله .. بينما ينهض الرجال للفض بينهما وجسور يقاوم بلا خوف يتمتم بحشرجة

" لا تظن انك ستأخذ حقي "

تغلي الدماء وتفور في عروق فؤاد يرد بنبرة مخيفة

" الحق أصبح حقي ولو على جثتك "

حرر جسور رقبته ليلكم فؤاد فيرد له الضربة بأقوى .. ثارت الحمية في قلوب الرجال وهم يصيحون بغلظة لوقف الاشتباك
وقف الشيخ صالح يصلب طوله مشتد القسمات ليهدر صوته صارماً

" توقفا .. ابتعد عنه يا فؤاد "

وسط صخب فض العراك علا صوتها فوق الرجال

" فـؤاد "

التفت الجميع إليها بعد صرخة باسمه أثارت صمتاً أطبق شفاه الجميع .. واشرست عيناه وهو يراها تقف بكل كبريائها وهيبة الملكات فيها تأمر وتطاع
لا تخاف .. عيناها بعيني الكل تواجه وتثبت حضورها كأنثى لها كلمتها
دهشة .. لونت محيا كل مَن بالجلسة وهم يرون ابنة الرافعين العائدة من صلب ' زاهد رافع '

نظرة منها لعينيّ فـؤاد جعلته يدفع جسور بحدة مبتعدا عنه .. علت أكثر باحترامه لكلمتها
وهى .. بعد عشرين عاماً ما زالت تتعرف ملامح جسور .. رجل أنيق مهندم واثق النظرة .. سمعت كلام النسوة عنه وهن يحضرن الطعام .. طبيب الرافعين وسمعته تسبقه بالوادي

جسور الذي تأملها كعروسه المنتَظرة وحلم عمره .. أجمل من أي شيء توقعه .. أجمل من أي جمال تمناه
اتجه أكرم إليها يحيط كتفيها برجولة منهيا الجلسة الثائرة

" لقد انهينا أمر الدم والثأر بيننا .. فلنؤجل أي شيء آخر "

استدار ليخرج معها واخر ما رأته نظرات فؤاد القاتلة إلي جسور الذي غاب في صورتها !.






في سيارة أكرم تجاوره وهو يسأل بغضب

" هل يعجبكِ ما يحدث ؟ "

عيناها تلمع كلما تذكرت احترام فؤاد لكلمتها وسط الجميع فتبتسم وتجيب

" ماذا يحدث ؟!.. الخطأ على جسور الذي يتمسك بماضٍ لم يعي أحد عليه "

صاح أكرم بجنون مبرراتها اللا متناهية

" على جسور فقط ؟! "

ردت بثقتها ومنتهى التحكم في أعصابها

" ماذا ؟!.. ضع نفسك مكان فؤاد .. إن جاء ابن عم دموع يقول لك خطبتها وهى طفلة ويريد منك أن تنسحب بعد كل سنوات حبها هل كنت ستقبل ؟! "

صمت أكرم بغتة يتنفس بتتابع ويتخيل ما قالت فيصدق مع نفسه ومشاعره فيقول بهدوء قدر إمكانه

" الخطأ في اختياركِ ماسة .. في الشخص الذي لا يستطيع الكلام بلسانه مثلنا .. ألم تري بعينيكِ أم تصبحي عمياء عنده ؟!.. ماذا إن رفع عليكِ أنتِ سلاحه يوماً وقت غضبه ؟.. هل ستسامحينه أم ستعودين مطلقة ؟ "

بنفس الثقة اتخذت قرارها

" ساعود مطلقة .. ومستقلة .. ولي عملي وحياتي التي لن تتوقف على أحد .. وستكون تجربة ومرت بحلوها ومرها .. وهو يعرف هذا جيداً "

هتف بلا تصديق أو استيعاب لتفكيرها

" أنتِ مجنونة ؟!.. ولماذا تضعين نفسكِ في هذا الموقف ؟!.. حكمي عقلكِ الآن قبل فوات الأوان "

نظرت إليه تعيد مرارا عله يستوعب

" اعرف رأيك هذا يا أكرم .. وهو يشبه رأيي تماما في أي حالة أخرى .. أنا أيضا ساقول حكمي عقلكِ قبل قلبكِ .. وأنت تعرفني وتعرف آرائي الحادة حين أجد اختيارا خاطئا أو فتاة تعمي عينيها باسم الحب لدرجة التغابي .. لكن وقتها يكون الاختيار بالفعل خاطئا .. يكون شابا مستهترا لا يصونها ويضحك عليها بالكلام .. وليس رجلاً خرج من كل المصائب التي وقعت عليه بلا شيء ليصبح لا يملك إلا هى "

لوح على المقود بعصبية هاتفا

" الكلام معكِ بلا فائدة "

صمتت قليلا ليهدأ ثم قالت

" لا تخبر أمي بالتفاصيل حتى لا تقلق .. الأخبار العامة فقط "

رد أكرم ساخرا

" لا اخبرها أن فؤاد يريدكِ أن تقفي وسطهم وتختاري بينه وبين جسور ؟!.. الأحمق "

فتحت فمها لترد لكنها صمتت وهى ترى سيارة فؤاد تمر جوارهما ثم تسبقهما بسرعة مجنونة جعلتها تميل للأمام قلقا عليه
نظر أكرم إليها وهى تعود لمقعدها شاردة عيناها خائفتين رغما عنها .. ألماسة تحبه حقا .. حبا غير مشروط قابل للغفران بكل الطرق
وهى تتذكر حين قال لها يوماً

( قلتِ دعني اختار .. هل هذا معناه لو خيروكِ يوماً بيني و... بين شخص آخر أفضل مني ... سأكون أنا اختياركِ ؟ )

اليوم فهمت .. فؤاد يرى جسور الأفضل بينه وبين نفسه ..
وبينه وبين نفسه .. هى فقط .. هى التي اعترف أمامها ليترك لها الخيار
تركها أكرم في صمتها لنفسها قليلا حتى سمع صوتها الشارد متعاطفا

" اعرف لمَ فعل ذلك .... يريدني أن أنصفه أمام الجميع مجدداً .. يحتاج هذا "

هو مَن صمت هذه المرة .. ينظر للطريق المظلم ويرى طريقه المماثل
يفهم شعور فؤاد تماماً ، لقد أنصفته دموع بعدما أصبح رد سجون وقبلت أن يكون أولادها منه .. أولاداً يحرمها منهم الآن بكل قسوة .. وألم
عاد صوت أخته يخاطب إنسانيته وقلبه

" أنت رأيت بعينيك أكرم .. الجميع يكرهه "

يجادل ثابتا على رأيه ليفاجئها

" هو مَن فعل هذا بنفسه .. عن نفسي افضل لكِ جسور "

التفتت إليه باستنكار ثائرة العينين فتابع

" ولمَ لا ؟!.. دكتور محترم واثق من نفسه ويُعتَمد عليه ومتمسك بكِ لأبعد الحدود حتى وهو لم يركِ .. يكفي تمسكه بكِ هذا .. لن يفرط فيكِ يوماً "

هتفت ألماسة بغضب

" جسور لا يتمسك بي أنا .. جسور يتمسك بعادة خاطئة تظلمني .. هل تعرف مَن المخطئ حقاً ؟.. أبي وعمي اللذان تصرفا كأنني لعبة .. عامةً سنرى ما سيحدث "

تنهد أكرم ثم قال بعد فترة

" ما زلت أثق بكِ ماسة .. وأمي كذلك "

تسللت ابتسامة صغيرة لشفتيها براحة عبور الخطوة الأولى لهم هنا .. تنظر من نافذتها للطريق الزراعي القصير نسبيا بين الدارين
حتى وصلا الدار ليجدا دموع والزهراء في استقبالهما بالباب قلقة تهتف

" ماذا حدث ؟ "

أحاط أكرم كتفيها يدخلها معه قائلا

" الحمد لله أمي .. تم الأمر وانتهى كل شيء "

التفتت إليه تقول بلهفة

" كل شيء ؟!.. هل .. قبل فؤاد الدية ؟ "

نظر أكرم لأخته وملامح الغرور بها ثم أجاب

" لقد عفا !.. رضى بالقصاص بحكم الإعدام .. وقال بنفسه انتهى الأمر على ذلك ولن تُقدَم أكفان ولا دية ولا غيره "

نقلت عينيها بينهما لتكرر بدهشة

" عفا !!.. فؤاد عفا ؟! "

ابتسمت ألماسة بفخر اختيارها وصحته بأول دليل حقيقي لهم بينما ابتعد أكرم بصوت ساخر فقالت الزهراء متنهدة بارتياح

" الحمد لله .. يا ستار يا رب .. كان حملا ثقيلا على قلبي "

اقتربت ألماسة تقبل وجنتها وتقول بشقاوة بمعنى مبطن

" سلامة قلبكِ أمي ! "

من وراء أمها تغمز لدموع الجالسة جوار أكرم تضحك بصمت وتطالعه بريبة بينما سارت الزهراء نحو صورة زوجها المعلقة تقول دامعة

" رحمك الله يا زاهد .. لذلك كان مصمماً على أقواله حين سلم نفسه للشرطة .. أراد القصاص منه ليحمي أكرم من الثأر فتصبح جلسة اليوم مجرد ترضية "

مرت لحظات تطلب الألسنة الرحمة ثم عادت تلتفت إليهم بالسؤال

" هل حضر جسور ؟ "

نظر أكرم وألماسة إلي بعضهما ثم إلي الزهراء التي توقعت ما حدث !.
















وصلت إلي دار راسل المجاورة لدارهم ، دوما أبت أن تأتي إلي هنا صغيرة .. كانت تخيفها تحية وتضايقها نظرات راسل وتفزع من تمرد صبي يأخذ حقه بعنفه يدعى فؤاد !

تلف حول الجدران باحثة بعينيها عن ذلك الصبي حتى وجدته بالشرفة الأرضية .. نظراته ساهمة نحو الأرض الزراعية بخضارها الممتد لاخر البصر

كالأسد الكامن يدبر أمراً ما وشروده يأخذه لما لا يفهمه أحد .. كما قالها هو وشيطانه ومَن ينتصر للنهاية .. لكن لن يفهم أحد حزنه الآن كما تعرفه هى !

علا صوتها مبتسمة بخفة

" لماذا لا ترد عليّ منذ الأمس ؟! "

التفت يراها تخطو بعباءة شرقية فيروزية كأنها تطبعت بالمكان فازدادت جمالا .. تقترب منه بنظراتها التي تحمل أكثر من الكلام فرد

" ألم يخبركِ أكرم بما حدث .. أو ربما سمعتِ بنفسكِ ما فعلته ؟ "

صعدت عدة درجات للشرفة لتقف جواره مجيبة

" سمعت نعم .. كانت جلسة بلا معنى !.. أنت عفوت ورضيت بما حدث ولا دية ولا أي شيء وكتبوا العهود على ذلك "

ظل فؤاد صامتا فتضرب كتفه بكتفها بمكر قولها

" هذا معناه أن كلامنا في مكتبك كنت تخيفني به بقوانين الرافعين واني من حقك وكل هذا المسلسل من تأليفك لا أكثر !! "

عيناه لا تنظر لوجهها يرد

" الأمر لم يكن هكذا سابقا .. الجميع كان يعرف رغبة انتقامي منكم فاتفقوا إن ظهرتم يوماً أن تتم ترضيتي حتى لا تسيل الدماء مجددا لذلك عقدوا تلك الجلسة "

تدير وجهه إليها وتبتسم بذاك المكر متسائلة

" وهل تمت ترضيتك ؟! "

نظر لعينيها السوداء الترابية يتذكر ما تذكر وقتها من ظلام نفسه الذي يضئ بها فيقول صدقا

" منذ أحببتكِ وأنا عفوت عن الدنيا كلها .. كل مَن أذاني يوماً نسيته .. ورضيت بكل شيء حدث لي ليوصلني في النهاية إليكِ "

تمر أصابعها على لحيته التي طالت تسأل

" لماذا لا ترد عليّ إذاً ؟! "

أبعد فؤاد وجهه مبتعدا عنها يجيبها بتشنج

" لاني اذيتكِ .. وساؤذيكِ ولن أتوقف .. هذا أنا "

طالعت قبضته على السور وجسده المتصلب فتقترب هى تضع كفها على كتفه وتسأل

" بماذا اذيتني ؟ "

نفر جسده مبعدا يدها يرد بغرابة

" ألم تسمعي ؟ "

نظرت ألماسة ليدها ثم دارت حوله وقفت أمامه تلمس ذراعيه بدفئهما وتقول بحنان

" سمعت لكن لا افهم .. لم تؤذني بأي شيء بالعكس .. أنت دافعت عن حبكِ لي ضد عادة غريبة خاطئة تتحكم بي كأني لعبة .. فهل ترضى أن أكون لعبة ؟! "

شعرها يتطاير يلامس وجهها ويداها تشدد على ذراعيه مهما رغب الابتعاد .. وقلبه يعصف وتلك العاصفة بعينيه الداكنة تشتعل شوقا ورغبة وخوفا .. ويرد قلبها غيث نبض أبعد من الحياة .. للموت
كفاه تتمرد يمسك كتفيها بعنف قائلا بنظرته النارية

" أنتِ لا تفهمين شيئا ألماس .. لقد تصرفت كما افعل طوال عمري .. بنذالة .. قلت لهم فلتختار بيننا .. أردتكِ أن تقفي وسط الجميع وتختارينني .. وبداخلي أردت ذلك وبشدة .. أردت أن اكسر جسور بكِ .. أردت أن اكسر كلمة الرافعين بكلمتكِ .. وأردت أن يتردد بالوادي كله أن ابنة الرافعين اختارت ثعبانهم رغم الدم "

كل ما به يحترق كلما تذكر فيتوقف أمام عين نفسه عاريا يبصر ندوب روحه قبل ندوب جسده
وباحتراقه يحرق الكلمات أمام عينيها هى

" كل ذلك دار بعقلي دفعة واحدة .. وبعدما نطقتها شعرت بنااار .. نار غيرة وخوف عليكِ كأن ذلك السواد داخلي اشتعل فجأة .. وزاده اشتعالا حين قالها جسور بنفسه .. اني لا أغار ولا أخاف عليكِ .. فأردت قتله ودفنه مكانه "

تنظر لوجهه الدامي غضبا ونفور عروقه وتهتز بيديه وهو يأمر بشراسة

" ارفضي ألماس .. ارفضي كل ما اقول ولو طلبته بنفسي منكِ "

كان به أنانية التباهي بعشقها ، رغم غيرته إلا أن سواد كيانه الذي أبعد الناس عنه كان يشتهي أن يروه مرغوبا منها
وكان بها أنانية كسر القوانين وتحدي ما يُفرَض عليها ، رغم حبه إن فعلتها ستفعلها لنفسها أولاً ثم له .. لتنصفه مرة بعد مرة بلا نهاية

أبعدت شعرها عن عينيها بإصرارهما تسأله بترفع

" لماذا تتحدث وكأني وافقت ؟! "

أنزل فؤاد يديه ناظرا لملامحها وكأن كل شيء به توقف فهدأ تماما متسائلا بلا تعبير

" هل سترفضين ؟ "

اقتربت منه بنظرة ذات مغزى تجيبه

" أنت طلبت أن أرفض ! "

أدار فؤاد وجهه صامتا جامدا كطفل خذله أقرب الناس إليه !.. وخيبة الاشتعال بعينيه أثارت ضعفا فيها فضله لديها على كل الكون
فجأة وضعت يدها برفق على جانب ضلعه تتساءل

" هل تعرف اني من ضلعك ؟ "
أخفض بصره ليدها ثم همس

" ماذا ؟! "

تقلصت أصابعها على جسده تشعره قوة كلماتها

" ليس فقط الدم الذي يجري في عروقنا واحد .. ولا الاسم والعائلة .. أنا اشبهك كثيرا "

وتشبه ذاك الحب الذي يأتي في توقيت أصبح كل شيء فيه مكسورا .. فيصلحك
ذاك الحب الذي يأتي بتوقيت العتمة .. فينيرك
ذاك الحب الذي يأتي بتوقيت الخذلان .. فيرفعك
ذاك الحب الذي يغزل الأبجدية العربية لتنشد بالهوى

" أنا منك ... مثلك ... لا أخاف واواجه أعتى الرجال بنفس قوتك وغضبك .. أنا وأنت قصة واحدة لها خط واحد سنسير عليه معاً "

أصلحت .. وأنارت .. ورفعت .. وعاد الضوء لروحه مدويا .. عاد الاشتعال لعينيه صخبا
ووقفت الأنانية تتباهى بكل منهما .. كلمة وكلمة .. وتقولها

" بكلمتك سأقف أمام الجميع .. وبكلمتي ساختارك "

بكلمة أخرى بينهما ملك القصائد وساحر العربية .. قلت يا نزار فأبدعت يا قباني .. قلت


( وأريد أن أعانقكِ
قبل أن يلقوا القبض على فمي وذراعي
‏أريد أن أحبكِ يا سيدتي
‏واضبط ساعات العالم على إيقاع خطواتكِ
‏اني أحبكِ يا سيدتي
‏دفاعا عن حق الفرس في أن تصهل كما تشاء
‏وحق المرأة .. في أن تختار فارسها كما تشاء )


ويريد أن يعانقها دفاعا عن حق قلبه أن يشعر نبض قلبها .. كي يضبط الساعات وعلى صدره أنفاسها
أراد وفعل .. وكانت بين ذراعيه تسمع أنفاسه الثائرة وثورة كل ما فيه .. وثورة عشقه العارم وهو ينطق

" أنا أحبكِ .. أحبكِ أكثر من نفسي .. أكثر من أمي وأبي .. أكثر من أي شيء بهذه الدنيا "

تبتسم الحياة فتبتسم معها .. ولا شيء في الكون يضاهي لحظة صدق
طالت اللحظات يعانقها كحياة يتوحد فيها ثم أضاف

" لكن لن يحدث "

حررت نفسها بين ذراعيه بصعوبة تنظر لوجهه بثقة ومشاكسة الأنثى فيها ترد

" لماذا ؟!.. فلندع الوادي كله يتحدث عن ابنة الرافعين الغائبة التي عادت لتختار حبيبها رغم أي شيء "

عيناها تبرقان كاسمها وسلساله في عنقها ووجهها المتورد الدافئ أجمل من كل شيء وتقتله الغيرة كلما تذكر نظرات جسور إليها فتعكر وجهه فجأة متسائلا

" لماذا لم تقولي لي أحبك حتى الآن ؟! "

تلاشت بسمتها بدهشة تطالعه عابسا بشدة فتقول بتفكه

" لاني سيدة أفعال لا أقوال ! "

ضاقت عيناه بنظرة مخيفة لا إرادية وقال ساخرا

" أخاف يوما تتركينني فيه وتقولين أنا لم اخبرك اني أحبك ولو مرة واحدة !! "

ارتفع حاجباها بذهول ثم نكزته بسبابتها بصدره ترد محذرة

" هذا من السواد داخلك !.. شكاك !! "

زفر فؤاد وهو ينظر إلي الزروع الطويلة بضيق من نفسه قائلا

" لانكِ لن تتخيلي ما رأيته .. قلت لكِ لا تعرفين كل شيء عني .. عشت في جحيم الدنيا .. رأيت كل شرور الأرض .. كان نصيبي أن أكون مع الضلع الفاسد في الرافعين .. وكان عليّ أن اصمت لأحمي رمزي وشهاب من نار الثأر .. وحين فاض بي قررت قتل رجب لأتخلص من كل هذا لكنني لم أجده .. رفيع أبعده في مكان وحده كان يعلمه ومات مع سره .. وإلي اليوم ابحث عنه .. أضع عيونا على أهلي لحمايتهم وهم يظنون اني اراقبهم "

بسرها تدعو الله ألا يجده يوما وتسأل بتوتر

" رجب هذا هو ابن غفيركم الذي قلت ان اسمه عبد الوارث ؟ "

صمت فؤاد شاردا فازداد قلقها ثم أحاط جانب وجهها يرتاح بجماله قائلا

" لقد وضعت عيوناً عليكِ أنتِ أيضاً "

اتسعت عيناها متفاجئة تهتف

" أنت تراقبني ! "

مد يده الأخرى حول وجهها كأنه يُكلم ابنته ويراضيها

" اطمئن عليكِ .. وإلا ما كنت اخبرتكِ "

نفخت ألماسة ناظرة له بامتعاض فيطل الرجاء من عينيه يخاطب قلبها مباشرة فتقول باستياء

" في حالة أخرى كنت سارفض رفضا قاطعا .. لكن طالما هذا يطمئنك فلا بأس .. هآنا أضعف لك وأمري لله "

شبح الابتسامة عاد يراوده حزنا بما أذاها وسيؤذيها فضم رأسها لصدره قائلا

" ساعطيكِ نصيحة مما تعلمته من الدنيا ألماس ... لا تأمني لأحد .. ولا تنتظري الخير من أي أحد .. لا مني ولا حتى من نفسكِ .. لأن حتى نفسكِ ترتكب أخطاءً غير مقصودة قد تهلككِ .. لذلك استعدي للضربة من أي أحد وواجهيها حتى الموت وأنتِ واقفة .. لا تنكسري أبدا "

رفعت رأسها تنظر لعينيه ويراودها هى نفس الإحساس المخيف بالفقد فيتابع فؤاد بألم غريب

" يعلم ربنا اني لا انوي لكِ شراً ولن اقصده .. ساحميكِ من أي شيء لاخر نفس .. لكن ساظل احذركِ مني .. أنا لا خير بي "

على تحذيره وقف كلاهما ينظران إلي الأرض الخضراء الواسعة .. صمت الكلام تحت السماء الصافية والشمس التي ما تركت عتمة إلا أنارتها .. إلا عتمة النفوس.

















وصل عماد إلي دار الزِيِن مع عائلته الصغيرة .. استقبلتهم أم الولد وباقي الغفر يحملون الحقائب إلي الغرف الخاصة بكل واحدة
ترحب بهم الحاجة نادرة وتساوي بين نساء ولدها في المعاملة وإن حملت في قلبها زيادة المحبة لصدفة .. التي أعادت ولدها إلي أرضه
انقضى الوقت في الاستعداد للزفاف المقام على أرضهم

عماد مع أختيه في مدخل الدار يمازحهما بينما أتت أم الولد بجسدها الممتلئ وعباءتها السوداء قائلة

" حريمكم في غرفهن يا ولدي "

رد عماد بابتسامة جانبية مختنقة

" تسلمين يا أم الولد "

تكتم غرام ضحكتها وتغطي فمها بوشاحها تهمس

" حريمك !!! "

جلس عماد على أقرب مقعد يرد

" اقسم لكِ لم اعد قادرا حتى على المزاح "

أشار إلي إباء أن تأتيه فيما يصرف غرام قائلا

" هيا اذهبي واستعدي أمام مرآتكِ .. من الآن إلي الزفاف أشك أن تنتهي ! "

ضحكت وهى تذهب وترد بجرأة

" أنا مستعدة منذ الآن ! "

اقتربت إباء منه تجلس جواره بملامحها الغير مقروءة لكنه يرى بنظراتها رهبة كل شيء قادم فبدأ كلامه بالقول

" عزت خيرة شباب الزِيِن .. وللحق هو أفضل مني أنا شخصيا .. بل أفضل ابناء أعمامنا .. أطيبهم .. وأكثرهم خُلُقا وشهامة .. عزت رجل أضمن حياتكِ معه إباء "

عيناها فارغتين من المشاعر إلا التسليم بالقضاء تهز رأسها بلا رد فتنهد عماد متسائلا

" أنتِ ستدركين ما أقول بنفسكِ .. لكن ساسألكِ شيئا .. هل تريدين أن أتحدث إلي عزت ليصبر عليكِ حتى تعتادي عليه ؟ "

فزعت إباء منتفضة وقالت بصوت منخفض

" لا يا أخي .. أريد لحياتي أن تمر طبيعية كالكل .. إن كان هو كما تقول عنه فسيعاملني بصبر .. وإن لم يكن فهذا نصيبي وأنا راضية به "

ربت على يدها بين كفيه وبكل دعمه وحنانه ابتسم قائلا

" اعرف انكِ عاقلة وستراعي الله فيه كما سيفعل هو .. لا اريدكِ أن تفكري في أي شيء قد يعكر حياتكِ .. دائما ما نعيشه هو أجمل مما نتمناه لكننا لا نعلم .. واعرفي دائما انني بظهركِ .. سادعمكِ وإن اخطأتِ ولن اتخلى عنكِ .. لا تعتقدي بذهابكِ إلي دار زوجكِ انكِ صرت له بالكامل .. ما زال لنا فيكِ دائما ولنهاية العمر "

ابتسامة حزينة أنارت وجهها وهى تنحني بجبينها على كفه الممسكة بيدها وظلت طويلا وهو يربت على رأسها.


أُسدِلَت ستائر الأنوار على دار الزِيِن ورفرف القماش الأحمر يبهج الطرقات
مجددا زينت الأفراح أرض الزِيِن كالرضا حلّ عليهم ألا تتوقف الزغاريد
نُحِرَت الذبائح ومُدَت الولائم في خيام الإطعام وتجمع أهل الوادي والكل يأخذ من الفرح صغيرا وكبيرا
صوت الطبول والمواويل التراثية يعلو من أرضهم إلي أرض الجبالية .. ويطوف شباب الزِيِن وخيرة رجالها يهتمون بضيوفهم كرماً وشهامةً
ليلة من أجمل لياليهم .. في مجلس النساء عروسان بالفستان الأبيض تزينتا .. تتباهى كل منهما بجمالها الليلة
غرام .. من اسمها ليلتها تُزَف إلي حبيب القلب
وإباء .. بخلاف اسمها رضيت بالنصيب عله بادئة لحياة هانئة
بجوار زوجة عوف جلست ليلة منغلقة الملامح حقودة المشاعر .. تتعالى على الجميع دون رادع
وصال الأقرب للقلب من الكل وابنها يحيى غاليا وربيب الغالي
وروينة الأقرب للفرح .. روينة المبهجة الممتعة صاحبة الزغاريد الصاخبة .. شرقية بدماء عسلية
حضرت ألماسة ولبت الدعوة .. وذاع صيت ابنة الرافعين العائدة
وأعادت صدفة يوم زفافها تتذكر تفاصيل تلك الليلة الأولى .. وتراقبه مجددا من النافذة الخشبية وهو يدك الأرض مع الرجال .. سيداً .. وسيد كل الناس !.

في مجلسهم يتوسطهم الشيخ رشاد وبالمنتصف العريسان عزت والزهار يطلقون طلقاتهم النارية فيعلو صوت الرجال

عماد وفؤاد ظهر لظهر لا يجابههما أحد .. إن اشتعلت نارهما لا تنطفئ .. والأرض تحت أقدامهما تهتف .. اثنان بقلب رجل واحد.













في مكانٍ على أرض الحكايات

ظلت فجر هنا بالمعهد مع مَن بقي من الفرقة يتدرب للحفل القادم ، ولا احتفال حقيقي دونكِ يا فلسطين .. يا أرض الكرامة

يا مَن تستحق حمل الروح على الأكف والصعود إلي الهاوية .. يا أرض القدس العربية
أرض المسجد الأقصى .. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين

وما كان العرب وفلسطين محتلة .. نسينا الأهم وانشغلنا بأصغر ما في الدنيا
وما كان الخوف يمنعنا .. إنما لها يوم يسر العيون ويقتل الاعداء شر قتلة
لكِ يوم تعاودكِ الأحلام يا فلسطين
إن كان في مصرعنا نجاتكِ فنحن لها .. بيدنا السلاح كما ينبغي وقت الحرب والفدا

فداكِ يا فلسطين
فداكَ يا شعبها الكريم يا خير البشر
فداكِ يا فلسطين

القدس عربية .. غزة عربية .. وكل ذرة تراب فيكِ عربية .. عربية .. عربية
فلسطين عربية .. عربية .. عربية

واختارت أن تكون قصيدتها اليوم بعنوان ( دعوة إلي الجهاد ) من شاعر فلسطيني شهيد .. الشاعر عبد الرحيم محمود
وانطلق صوت الفجر



دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد
فَخَفَّ لِفَرْطِ فَرْحَتِه فؤادي
وَسابَقْتُ النَّسِيمَ ولا افتخارٌ
أَلَيْسَ عليّ أن أَفْدِي بِلادِي
حَمَلْتُ عَلَى يَدِيْ رُوحي وقلبي
وما حَمَّلتُها إلا عتادي
وقلت لمن يخافُ من المنايا
أتفرق في مجابهة الأعادي ؟!
أتقعد والحمى يرجوك عونا
وتجبن عن مصاولة الأعادي؟
فللأوطانِ أجناد شداد
يكيلون الدمار لأي عادي
بني وطني دنا يوم الضحايا
أغر على ربا أرض الميعادِ
فمَن كبش الفداء سوى شباب
أبيّ لا يقيم على اضطهاد ؟
ومن للحرب إن هاجت لظاها
ومن إلاكم قدح الزنادِ ؟
‏فسِيْرُوا للنِّضَالِ الحقِّ نارًا
‏تَصُبُّ على العِدَا في كل وادِ
‏فليس أَحَطُّ من شَعْبٍ قَعِيْد
‏عن الجَلَّى وموطنه ينادي
ولا تقفوا إذا الدنيا تصدت
لكم وتكاثفوا في كل نادي
إذا ضاعت فلسطين وأنتم
على قيد الحياة ففي اعتقادي
بأن بني عروبتنا استكانوا
وأخطأ سعيهم نهج الرشادِ ‏

















وفي مكانٍ آخر على أرض الحكايات

اشتعلت المشاعل في جوف الصحراء أنارت ليل الوادي .. الفوج السياحي في الخيمة الحمراء الممتدة على الرمال الناعمة

سفاري النهار وتخييم الليل وعزف فرقة ثورة ورائحة الشواء الشهية .. ونجوم السماء تخيم عليهم تحكي عن بلد تشرفت التواجد بسمائه .. مصر
ربما كانت عسلاً .. أبيض يوماً وأسود يوماً
وما زلنا هنا على أرضها وسنظل .. بالبركة تحلى

وبموسيقى الكمان حضرت دموع تعزف على الأرض التي شهدت ضحايا ودماء .. تحكي قصتها .. قصة فتاة ناضلت للحرية وانتظرت .. وما زالت تنتظر

وبصوته العذب غرد أكـرم منطلقاً حراً .. يطير في سماء الدنيا متذكراً قيمة الحياة .. يحكي قصته .. قصة شاب ناضل للحرية فسُلِبَت منه .. وما زال يغني


كلمة حلوة وكلمتين
حلوة يا بلدي
غنوة حلوة وغنوتين
حلوة يا بلدي
أملي دايما كان يا بلدي
إني أرجع لك يا بلدي
وافضل دايما جنبك
على طووول



حضر الجميع ليشهدوا الحياة هنا ، برؤية أخرى وفخر دفين
دعوة تفتخر بها دنيا من مرشد سياحي جعله قدرها بالطريق .. تراقبه وهو يتحدث وهو يمزح وهو يطلق حيويته فيشرح صدر الأرض
ودعوة يعتز بها شهاب أعطاها لها فوافقت .. بين البيضاء والسمراء ما زال حائرا
بمزاحه يقترب من أخيه وعيناه على دنيا في تفاعلها مع السياح يسأله

" كيف أوقعت ماسة ؟! "

حدد فؤاد اتجاه بصره نحو تلك الفتاة ثم مال عليه يغمز قائلا

" يا ابني هناك نساء لا تأتي إلا بالاقتحام ! "

ابتسم شهاب مبتعدا فيسأل فؤاد بمكر

" أين ستذهب ؟! "

أجابه بتلك الشقاوة

" ساذهب لاقتحم ! "



ذكريات كل اللي فات
فاكرة يا بلدي
قلبي مليان بحكايات
فاكرة يا بلدي
أول حب كان في بلدي
مش ممكن أنساه يا بلدي
فين أيام زمان قبل الوداع



ووو .. ومن بريق الألماس إلي امتلاك العشق للقلوب ، سلطة الحب على البشر .. الحب يغير .. الحب يقتحم .. الحب يجتاح
تسمع ألماسة صوت أخيها وهى تنظر إلي حبيبها وتتساءل متى ؟!.. جاء الحب على غير موعد غيرها .. وعلى مهل اقتحمها .. وعلى هواه اجتاحها
وها هى تحكي قصتها .. قصة فتاة كافحت للحياة وغلبت وانتزعت حقوقها .. وما زالت تكافح



كنا بنقول إن الفراق
ده مستحيل
وكل دمعة على الخدين
كانت بتسيل .. مليانة بأمل
إن احنا نبقى موجودين
في بحر الحب .. على الشطين



ووو .. وهو يقترب ككل كارثة تحل ، هو الرجل الذي زامن الكره والحب .. في كفة وضعهما مع ألماسة ثمينة فرجح البريق .. وانتزع الـفؤاد
وما كان منه إلا كلمة لعينيها الساحرة ليلا

" أحبكِ "

وما زال قيد انتظار كلمة منها تحييه ، هو وشيطانه ومَن ينتصر بالنهاية ، متعة الظلام رهاناً وسباقاً تغويه .. ونور الألماس من دماء ضحاياه أمام نفسه يبريه .. فهل يبرأ يوماً كما خُلِقَ ؟
وها هو يحكي قصته .. قصة رجل سمح للعشق أن يغير فيه .. وما زال يتغير



كلمة حلوة وكلمتين
حلوة يا بلدي
غنوة حلوة وغنوتين
حلوة يا بلدي
فين حبيب القلب يا بلدي
كان بعيد عني يا بلدي
وكل ما بغني بفكر فيه



ووو ... وعلى هذه الأرض فقد أغلى ما يملك ، سلاف الحياة .. خلاصة كل جميل بالكون
هنا خطت .. هنا ماتت .. هنا سار بها بين ذراعيه
من هنا توقفت الحياة .. ومن هنا اليوم تستمر الحياة
ينخفض عماد بمكان موتها ليحمل بقبضته حفنة رمال .. رمال تشبعت بدمائها وصرخت معه صرخة وفاة
وتسمع الرمال همسه القتيل

" سـلاف ... ماتت "

وانسابت الرمال من بين أصابعه مشبعة بدمعة أخرى من عينه .. دمعة أبية ونظرة موت .. قبل أن يرفع بصره ليرى الحياة
وها هو يحكي قصته .. قصة رجل عاقب نفسه دون أن يعلم إلا ذنبه وصنع الوهم .. وما زال يصنعه



قول يا حبيبي
إنت سايبني ورايح فين
أجمل لحن ده
هنغنيه إحنا الاتنين
يا محلى كلمة بلدي
في غنوة بين سطرين
يا ليل يا عين
يا عين يا ليل



ووو ... ونظرة منه للحياة كانوا هنا
ليلة .. وسواد كل شيء فيها .. ليلة غابرة لا قمر لها ولا نجوم
وصال .. طيب الجراح ودواء الروح .. وهدية يحيى نفحة من الخالق لينير عتمة الحياة
روينة .. سحر كل النساء .. النافذة للقلب بكل استثناء
الليلة أكثر تألقا في انبهارها بما حولها ورضا نفسها .. كيف كان سيظلمها وهى تملك فيه ما لا يدركه أحد ؟
وها هى القصة لنهايتها .. فهل يكون هناك وداع ؟!



كلمة حلوة وكلمتين
حلوة يا بلدي
غنوة حلوة وغنوتين
حلوة يا بلدي
أملي دايما كان يا بلدي
إني أرجع لك يا بلدي
وأفضل دايما جنبك
على طول



ووو ... ولا أحد سيدرك عشقه لتلك الأنثى البعيدة ، يراها وينخطف القلب بلا جدال ولا أسباب .. وحدها ذائقة أعمق ما به .. مالكة كل ما فيه
تسير صدفة على الرمال ولا تعلم الخوف الذي تفجره بكل خطوة .. يخاف انفجارا آخر وجنازة أخرى سيراً بانكسار الضلوع
تستمع إلي الصوت وترنو بموج عينيها نحو الغريق ، تتساءل كيف عادت ؟!
كيف كان أملي دائما أن ارجع لك يا .. بلد ؟!
جاء الحب على غير موعد أذلها .. وعلى مهل أشقاها .. وعلى هواه وشمها
وها هى تحكي قصتها .. قصة فتاة ابتعدت ورحلت حتى تنازلت ورضخت .. وما زالت تتنازل



كلمة حلوة وكلمتين
حلوة يا بلدي
غنوة حلوة وغنوتين
حلوة يا بلدي
قمر يا بلدي
عمار يا بلدي



ووو ... وعمار يا مصر .. يا كل مدينة وكل ساحل وكل شارع وكل بـر .. وكل أصل
مكان واحد وعمل واحد جمع من كل حدب وصوب

بدو الصحارى وكـرم الصعيد .. حلاوة الريف وجمال المدن .. سحر النوبة وما أدراك !
شهد كل مَن زارها جمالها .. عسلاً .. أبيض يوماً وأسود يوماً

حلو يا بلدي .. ونتحمل
قمر يا بلدي .. ولا بأس
عمار يا بلدي .. عمار يا مصر





انتهى

بإذن الله سيتم الرد على جميع تعليقاتكم وعذرا لتأخري في الرد عليها بعد إجازة رمضان والعيد التي نوهت عنها قبل رمضان
دمتم بخير




نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 01:23 AM   #2013

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 127 ( الأعضاء 45 والزوار 82)
‏sandynor*, ‏هبه مختار2, ‏بشرى الخالد, ‏Gawish, ‏قطر الند, ‏سوزان سول, ‏taljaoui, ‏ايمان صفي, ‏دنيا الحياة, ‏دانه عبد, ‏Rania Khaled, ‏sawsan assaf, ‏الدوقة أيريس, ‏asaraaa, ‏نهى حسام, ‏أم محمد حنقه, ‏ريم الحمدان, ‏لولوn, ‏نسيمةlaplume, ‏Mini-2012, ‏eman90, ‏جنون امراه, ‏جواهر الخليج, ‏حبيبيه, ‏Time Out, ‏lovemanga, ‏Ziamanl, ‏Rayhan, ‏ahmed@haneen, ‏houda4, ‏imoo, ‏نوال11, ‏عاشقة الاوركيد, ‏rontii+, ‏امنه ح, ‏hapyhanan, ‏Shadwa.Dy, ‏shammaf, ‏k_meri, ‏حمامة بيضاء, ‏Mummum, ‏saja malik, ‏emy e m, ‏هنوذ, ‏نعامه


نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 01:23 AM   #2014

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,977
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

يالله ما اجمل اخر الكلام عن فلسطين الحبيبة ارض الكرامة في النهاية ❤️❤️
شكرا على اجمل فصلين يا اجمل ساندي


Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 03:50 AM   #2015

ام الارات

? العضوٌ??? » 390163
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 588
?  نُقآطِيْ » ام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond repute
افتراضي

يعني انت سايبانا نهري وننكت ونعيط ونتعصب و نقطع هدوم بعض و في الاخر روينة حامل.... ياااااه احلى مفاجأة.. بجد كملت معاه او لا بعد كده حبيت انها رجعت نورت تاني وانها حققت امنيتها.. مش عارفة ارضى عن عماد ولا لا ... بس لسه حكايته عويضة وبرضه مش عارف يخلص من ليلة ولا حتى وصال
عموما فصلين دسمين مليانين تاريخ وجغرافيا و اوجاع وحقايق و ياريت الصغيرين بجد يقروا اكتر يعرفوا اكتر .. كتر خيرك الجيل ده لو الحاجة مش في المنهج مش هيهتم يعرفها
كل سنة وانت طيبة يا نور تسلم ايديك


ام الارات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 04:28 AM   #2016

Mummum

? العضوٌ??? » 441364
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 462
?  نُقآطِيْ » Mummum is on a distinguished road
افتراضي

يالله ساندي ابدعتي حبيبتي جمال الوصف والسرد ابداع حقيقي يا قمر تسلم ايدك بجد

Mummum غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 07:24 AM   #2017

rahasff

? العضوٌ??? » 439628
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 247
?  نُقآطِيْ » rahasff is on a distinguished road
افتراضي

الفصل جميل الا من عماد وروينه 😑

rahasff غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 08:35 AM   #2018

ام ثائر حبايبة

? العضوٌ??? » 470372
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 62
?  نُقآطِيْ » ام ثائر حبايبة is on a distinguished road
افتراضي

ابدعت متالقه جباارة مبهرة متميزه سلااااام كبير من القلب لكي

ام ثائر حبايبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 01:09 PM   #2019

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصلين أجمل من بعض والأسلوب رائع والأحداث سريعة و مشوقة
فى الحقيقة لقد أبدعت في كل شيء
أتمنى لك دوام التوفيق


Wafaa elmasry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-21, 01:37 PM   #2020

ines e

? العضوٌ??? » 462884
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 257
?  نُقآطِيْ » ines e is on a distinguished road
افتراضي

فصلين رائعين و اسلوب متميز
عارفة كلامي موش هيعجب البعض يس موش قادرة اتقبل روينة و علاقتها بعماد
لاني دايما كنت حابة عماد و صدفة طربقتك في وصف مشاعرهم اول الفصول خلتني اعشقهم كنت اعتبر حبه ليها شء نبيل كنت حابة يكون يكون الها قلبا و روحا و جسدا بس للاسف
برافو حبيبتي موفقة


ines e غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.