آخر 10 مشاركات
عروس المهراجا (163) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          253- لعبة الحب - بيني جوردن - دار الكتاب العربي- (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          موريس لبلان ، آرسين لوبين .. أسنان النمر (الكاتـب : فرح - )           »          151 - قسوة الحب - روايات ألحان كاملة (الكاتـب : عيون المها - )           »          همس الشفاه (150) للكاتبة: Chantelle Shaw *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          25 - تهربين إليه ! - شارلوت لامب ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          زَخّات الحُب والحَصى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          221 - مدللة - جيسيكا هارت (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree277Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-20, 11:33 PM   #481

Noor Alzahraa

? العضوٌ??? » 352224
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 225
?  نُقآطِيْ » Noor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond reputeNoor Alzahraa has a reputation beyond repute
افتراضي


في فصل اليوم ؟؟؟؟؟؟

Noor Alzahraa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 11:57 PM   #482

Nidal Bayrakdar

? العضوٌ??? » 442924
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 257
?  نُقآطِيْ » Nidal Bayrakdar is on a distinguished road
افتراضي

بانتظار الفصل الجديد

Nidal Bayrakdar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 12:00 AM   #483

ريما دودو حياتي

? العضوٌ??? » 462060
?  التسِجيلٌ » Feb 2020
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » ريما دودو حياتي is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضووووووور أين الفصل الجديد 😂😂

ريما دودو حياتي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 12:21 AM   #484

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

مساء الهدى والنور
اللهم عافنا أجمعين واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين وابعد عنا البلاء والوباء

نظرا لما حدث للمنتدى سيتم إعادة تنزيل الفصول الناقصة والاثنين القادم سيكون الفصل الجديد بإذن الله
دمتم في رعاية الله وحفظه



البريق السابع
( مدينة الشمس )

أمام صحراء تمتد بلا نهاية للعيون .. عيناها شجيرات الصبار وخصلاتها نخيل التمر .. تطل شمس الوادي على عينيه المتفحمة بالغضب .. والحزن
وذكرى ذهبية الهوى التي ماتت قريبا من هنا تطل معها .. تؤازر قلبه الراحل بعدها لتترك الحياة يوما رجلا كان مفعما بالحياة
سلاف .. صبية الهوى ووجهة الترحال .. الراحلة منذ عام ونصف .. عام ونصف ولا يخفت ذاك الألم العشقي القاتل
دمعة تسيل من عينه فيمسحها مستنشقا هواءا حارا كحرارة جرحه .. كالتهاب غضبه الذي زادته خالته بالأمس فقط
تقبل صبية بزيها البدوي الأسود تقف جواره تشعر حزنه لحظات صمتا حتى رفعت غطاء وجهها قائلة بنبرة غاضبة مكتومة

" لا تفعل عماد .. لا تتزوج ليلة .. ليلة لا تستحق الستر "

يلتفت عماد إليها بملامحه الناقمة الثائرة يرى قوة الصبايا وبأس الرجال بوجهها متذكرا وصية خالته على فراش مرضها بالأمس .. ليلة واحدة ستقلب حياته .. دقائق أردته بكلماتها

( استر عرض ابنة خالتك يا عماد .. اعلم أنها خاطئة وتستحق الذبح لكن الفضيحة ستكسر ظهر أبيها .. ستقتله .. استر عليها ولك الحق ألا تتخذها زوجة وأن تتزوج عليها مَن تشاء ولن تفتح فمها بكلمة .. اتوسل إليك يا بني أن تنقذنا جميعاً من عارها )

ظل بعدها صامتا مذهولا ينظر لخالته لا يستوعب ما حكت له منذ قليل .. هل فرطت ليلة بشرفها حقا ؟!
ليلة !!.. فخر الزِيِن وأجمل بناتها ... ليلة المتمردة ذات الدم الحر التي لا تقبل إهانة !.. ليلة الناقمة على حياة الوادي وتريد الانطلاق بعيدا تقع بتلك الخطيئة لتُذَل عمراً !!
لم يرد .. نهض نافرا وتركها باكية ودمه يفور غضبا يريد ثأرا ممَن أخذ شرف إحدى بناتهم ..
ملامحه تهتاج أكثر قابضا يديه ببغض فتتابع كلامها بصوتها الناري ناظرة لعينيه المحتدمة بنخوة الرجال وشرهم

" ما فعلته ليلة لا تفعله عاهرات الشوارع "

يحمر وجهه وتنفر عروقه كأعمدة بركان تتدفق حممه سخطاً هاتفا

" جميلة !! "

لم يعلم أن جملتها هذه ستظل تتردد دائما بعقله .. لسنوات بعد اليوم ستتغير حياته كانقلاب كوني مفرط الاضطراب
ما فعلته ليلة لا تفعله عاهرات الشوارع !
ولم يحتج لتساؤل وهى تنفجر كهدير النهر الفائض

" أنت لا تعرف شيئا ...أمي لم تخبرك كل شيء لكن أنا ساخبر الجميع .. هل تظن أن ليلة فرطت بشرفها رغماً عنها أو بعيداً عنا وهى تدرس بالمدينة ؟ "

يتطاير الشرر من عينيه وتتصلب عضلاته منتظرا ما لم يتوقعه وهى تواصل هدراً

" لا يا عماد .. ليلة أحضرته هنا بالبلدة .. أدخلته منزل أبينا .. في منزل الشيخ علوان .. في غرفة نومها وجميعنا بالبيت .. بمزاجها وإرادتها لم تهتم بحرمة البيت حتى .. هل علمت الآن لمَ أقول أن ما فعلته لا تفعله العاهرات ؟.. هل رأيت فجوراً أكثر ؟ .. أي ستر تستحقه تلك المخلوقة ؟ "

يعلو صوتها فيعلو صوته أكثر هادرا بعنف متوحش

" كفى جميلة كفى "

مصدوما بفجور ليلة لم يظن أن تصل لتلك الدرجة من الحقارة وخالته صورت له الأمر بضعف الخطيئة ..
لكن الدم يغلي في عروقها يكاد ينفجر من عينيها المحمرتين الدامعة لتتابع بقهر يصارع اخوتها لليلة

" أنا ساموت بفعلتها .. ساموت لأجل اسم أبي الشيخ علوان الذي لوثته بوحلها .. لا أريد أختاً فاجرة "

يمسك عماد بكتفيها يهزها صائحا بعصبية بالغة

" اصمتي جميلة "

تنزل دموعها تبكي بحرقة لتبعده راحلة بقولها العازم

" ساخبر أبي ليقتلها ونرتاح من عارها "

أمسك عماد ذراعها يوقفها يحاول التحكم بتهور أعصابه ليسيطر على تهورها قائلا

" لا .. توقفي .. اسم الزِيِن سيكون في الأرض من الخزي وعار الفضيحة "

تصرخ جميلة بخزي عار أختها

" هو الآن في الأرض بسببها "

ينظر عماد للسماء عاجزا شاعرا بالضيق والحصار فيقول بنبرة مقيدة

" لا .. لن يكون في الأرض يوماً .. ساتزوجها جميلة وابعدها عن هنا "

تتأسى ملامحها المبللة دمعا تهز رأسها بحزن لتقول باستنكار

" ما الذي ستفعله بنفسك ؟!.. بعد سلاف وحبك الشريف سترمي نفسك في النار لأجل تلك الفاجرة ؟! "

ينظر عماد إليها متنفسا بعمق ليرد باختناق

" ليس لأجلها .. لأجل هذه العائلة .. لأجل اسم الزِيِن جميلة .. ولأجل أمكِ وأبيكِ وأنتِ أيضاً يا زينة البنات "

تبكي جميلة ناظرة إلي وجهه المحاصر .. عماد طير حر في سمائهم وكل شيء قيده فجأة .. بعد موت سلاف ابتعد عن الأرض لتعيده أمها إليها حاميا للشرف منقذا من العار
وليلة أختها وتر ناشز في عائلتهم .. وتر يهدد الآن بنغم الفضائح الكريه
تجلس على صخرة ضخمة ودموعها لا تتوقف قائلة بأسف نبرتها الشجية

" ستهلك نفسك ما بين الغضب والاحتقار يا عماد .. ليلة لن تكون لك زوجة بما يرضي الله .. أنا لا أرى الندم الحقيقي بعينيها .. اشعر أنها تمثل الندم "

يتوغل المقت بصدره أكثر كلما تكلمت نفرت نفسه فيقول بعداء

" توقفي جميلة بالله عليكِ .. أنا لا اطيقها بالفعل "

وقفت جميلة لتتقدم نحوه تنازع بين حب وكره أختها وبين ضميرها وبين اسم والدها الذي تلوث وكل مشاعرها تختلط فتشفق على عماد لما سيناله بغده تقول بتألم

" أخاف عليك يا أخي .. أنا كنت مرسالك لسلاف ويشق عليّ أن تتعذب وليس لك يد "

بتلك اللحظة صدق عماد كلمتها أنه سيتعذب .. ومرحبا بالعذاب يقتله ببطء عزم على إتمام الأمر .. ما من حياة بعد سلاف حياته ..
فليعش قدر ما يعيش في انتظار موته
لم يكن يعلم أنه سيأتي بعد سبع سنوات ونصف عمر زواجه بها ليقف أمامها وهى تتمناه بضراوة قولها

" المسني عماد .. قبلني مرة واحدة فقط "
يتنفس عماد بعنف ناظرا لوجهها الأحمر وجسدها المكشوف متوهجا .. ولا يدري كيف اختفت يداه في كثافة شعرها لــ...

ليرن هاتفه فجأة فيبعدها نافرا يجيب وهو ينظر إليها باشمئزاز فيأتيه صوت وصال باكيا

" الحقني يا عماد .. يحيى لا يستطيع التنفس "

تتفاجأ عيناه جزعاً ليتحرك مغادرا وهو يقول بلهفة

" ماذا حدث ؟.. وصال .. لا تخافي ساكون عندكِ في الحال لكن قومي بما قال عليه الطبيب "

يهمد جسد ليلة على الأريكة خلفها وعيناها تحترقان غلا وغيظا وهو يغلق باب الشقة لا يدري بشيء سوى بمكالمة .. وصال.
يسمع عماد صوت وصال يرد مهتزا بلا تركيز

" حاضر حاضر .. لا تتأخر "

أغلق الخط قلبه يطرق رعبا وهو ينهب الدرج بلا انتظار للمصعد ليستقل سيارته منطلقا لشقة وصال.


شقة ليلة كانت أول شقة يختارها لزواجه بعد شقته أيام دراسته بالجامعة في المدينة .. فخمة تليق بابنة الزِيِن التي يأخذها زينة شبابهم حتى يتمم رفع رأسها وسط أهلها ..
ليختار بعدها بشهور قليلة شقة وصال حين جاءت بقدره ، فيختارها قريبة تماثلها فخامة لكن أكثر حياة تليق بنقاء وصال .. وبعد عام تقريبا اختار شقة روينة تماثلهما أيضا بالقرب حتى يستطيع التنقل بينهم في أسرع وقت ..
إنها حياته المقلوبة مضطربة الأهواء !
وهذا القرب جعله بأعلى سرعة لسيارته في تسع دقائق تقريبا يصل لوصال في هدوء الطريق بهذا الوقت بعد منتصف الليل فيدخل شقته باحثا عنهما ليجدهما بغرفة يحيى ..
يراها وهى تقوم بالاسعافات الأولية ليحيى الممدد على فراشه يشهق متنفسا بصعوبة ووجهه محتقنا متعرقا يتألم على وشك فقدان وعيه .. ووصال تضغط على موضع قلبه محاولة أن تقوم بالانعاش القلبي الرئوي كما قال الطبيب قبلا ثم تحاول توصيل الهواء إليه بالتنفس الصناعي وهى تبكي بلا توقف ..
اقترب عماد منهما بشحوب وجهه وقلبه يكاد يتوقف خوفا يبعدها عن يحيى ويحمله بين ذراعيه متجها للباب بقوله المخطوف

" سنذهب إلي المشفى يحيى لكن كن معي .. حاول ألا تفقد وعيك .. افتح عينيك وظل معي .. سيهدأ الألم حبيبي "

تفتح وصال الباب ليغادروا وساقاها لا تحملها ويحيى يسعل طالبا للهواء واضعا كفه الصغيرة على صدره الموجوع وملامحه تتألم ودموعه تسيل بصمت يقطع قلبيهما ..
يضعه عماد في مقعد السيارة الخلفي لتركب وصال جواره تمسد صدره وهو ينطلق بهما للمشفى المعتاد لنوبات يحيى القلبية.


بعد ساعة

يقفان مواجهين لزجاج غرفة الرعاية المركزة حيث يرقد جسد يحيى الطفولي على سرير أبيض متصلا بقناع تنفس وأسلاك عدة ..
قال القدر كلمته حين جاء يحيى للدنيا مريض قلب
جاءه ليكون أول مَن يحمله ليظل طوال سبع سنوات عمر زواجه بوصال يحمله كأب لَهِف القلب على ولده الوحيد ..
استدار ليستند على الجدار جواره يغمض عينيه بهذه الليلة المرهقة من بدايتها .. منذ كلام بركة معه والقلق ينهش فيه حتى انتهى بالمشفى ..
وليلة .. ذلك الفجور بدمها رغم أنه زوجها لكنها ليست بتلك المرأة العفيفة التي يقبل بها ..
ما فعلته ليلة لا تفعله عاهرات الشوارع .. لقد صدقت أختها جميلة ..
ومثلما ينفر جسده من لمس عاهرة بالشارع ينفر جسده من لمس ليلة .. مَن يلومه ؟!
وطلاق .. لا تريد طلاقا يحرره ويحررها .. قيد هى برقبته لكنه سينزعه يوما بلا اهتمام بها .. لا يعرف أصلا لمَ لا يتركها ولتُحبَس بدار والدها للموت ولن يهمه ؟!.. تبا لتلك الرجولة ونخوة الشرف إذا قيدته هكذا !!
يشعر بيد وصال على كتفه فيفتح عينيه يخفض رأسه لينظر إليها وهى تقول بشفتين مرتعشتين ضعفا

" سيكون بخير "

وجه وصال الحبيب .. جميل كوجه الحليب النقي ترتاح النفس إليه .. وزمرد عينيها الأخضر .. إبداع الخالق في خلقه
يمرر عماد كفه على رأسها المغطى بالحجاب الناعم فتجرى دموعها بوجل يضعفه هو لأجلها .. يقربها إليه محيطا كتفيها لتسكب حزنها بصدره الرحب كالعادة .. عادة حزينة احتملها منها لا يمل يوما كأن له مع الدموع ذكرى ..
ذراعه الأخرى تحيط خصرها يضمها يهبها سكينة الأمان أن لها ظهراً .. لها سنداً .. لها مكاناً هنا بحضنه .. مكاناً وحدها
ما فعلته ليلة جعله يخطو نحو وصال برغبته هو .. لكن وصال لم ترده مجرد زوج !.. لذلك كان الحل .. روينة !!
لن يفهم أحد يوماً ما يشعر به .. التمزق
بعد أن كان - كله - مع سلاف .. صار عقله مع ليلة وروحه مع وصال وجسده مع روينة لتأتي صدفة وتجمع – كله – لترحل مجددا ومعها ذلك .. الكل.
يخرج الطبيب من الغرفة ليطمئنهما مرة أخرى قائلا

" الوضع استقر الحمد لله .. قمنا بكل اللازم وأعطيناه الأدوية المطلوبة .. آشعة الصدر ومخطط القلب لم يظهرا شيئا غير طبيعي عن المعروف .. لكن كما تعرفان هذه حالته وستستمر لبعض الوقت لكن بالعناية الجيدة لن يتكرر هذا كثيرا .. نحن بانتظار أن يكبر قليلا حتى يحتمل عملية القلب وحينها سيتعافى تماما بإذن الله "

ينظر عماد ليحيى عبر الزجاج متسائلا بقلق أبوي

" متى يمكننا إخراجه من هنا ؟ "

يرد الطبيب قبل أن يغادر

" خلال يومين بإذن الله سيكون بخير وبعد أسبوع راحة يمكنه العودة إلي المدرسة لكن دون مجهود "

مسح عماد دموعها الجارية ليبتسم بحنان قائلا

" توقفي عن البكاء وصال .. إنه بخير .. ألم تقولي أن هذا اختبار الله لنا ؟ "

تهز رأسها إيجابا ببسمة أمل قبل أن تقترب تضم نفسها إلي حضنه مجددا .. وتغمض عينيها.





صباح اليوم التالي

وقفت الزهراء بمنتصف بهو الشقة الجديدة الواسعة تنظر لألماسة الغريبة عنها وهى تأمر العمال الذين يصعدون بالأثاث بصوت جهوري لا يحمل ليناً

" ضعوا هذه الأريكة هنا مع كراسيها "

تضبط كل شيء كما تريد هى دون سؤال أحد فيقسو صوتها أكثر مشيرة لأحد الجدران

" أنت .. ألا ترى أن هذه اللوحة مائلة ؟.. ألا تستطيعون فعل شيء بضمير ؟ "

يتأفف العامل وهو يعدل وضع اللوحة بنظرات ساخطة لينزل ينقل باقي الأثاث لأعلى والزهراء مكانها تشاهد ولا تتكلم .. لأول مرة تشعر بالعجز مع أولادها وكأن تربيتها وخوف السنين ضاع سدى ..
ولأول مرة تتفكك أسرتها الصغيرة التي تماسكت في أصعب الظروف بين الفقر واعتقال أكرم لكن كان هناك دائما أمل بالغد القريب .. ليأتي الغد حاملا بين طياته .. ماضٍ منتقم
تستدير ألماسة إليها تسأل بنبرتها الجافة

" أين أكرم ؟ "

نظرة أمها لها تشعرها بالذنب والضآلة لكن تؤجج فيها نار رفض للاستسلام الخائف وهى تجيب

" نزل إلي مرتضى "

تصدر ألماسة صوتا ساخرا وهى تلتفت تتمتم بهمسة واضحة لأمها

" ميكانيكي "!!

تطرق الزهراء حزناً وقد آلمتها الكلمة تماما كما أرادت ألماسة .. أشعرتها هى الاخرى بالذنب تجاههما وأولاد أعمامهما جميعا يعيشون في مستوى أعلى منهم .. فؤاد مستوليا على أملاكهم التي كانت سترفع شأن أكرم بعد خروجه من سجنه ولم تكن لتضيع دموع منه ..
كلمة واحدة نطقتها ألماسة حملت بثناياها أحاديث عمر .. حسرة .. ووجع
يعلو صوت ألماسة فجأة فتجفل الزهراء

" انتبهوا للمرايا "

ترى العمال صاعدين ببعض الاشياء الجديدة التي اشترتها ألماسة لتكمل تجهيز الشقة الأكبر مساحة .. اشترتها بمال عمها فوق البيعة !
دخلت الزهراء إحدى الغرف تهز رأسها بأسف ناظرة حولها للغرفة المفروشة والمفترض أنها غرفتها فدخلت ألماسة خلفها تسأل بفظاظة

" هل أعجتبكِ الشقة أمي ؟.. بما إني اخترتها وأنهيت الاجراءات "!

منذ انفجارها الأخير وهى تتصيد الفرص لتتشاجر على أي شيء كأن بداخلها طاقة غضب تحترق ونارها تحرقها ولا متنفس لذاك الغضب إلا أمها .. بحجة أنها السبب في كل شيء !
لو كانت سعت لتأخذ حقوقهم مثلا لكانوا في مستوى آخر ولما كانت عملت بشركة الانشاءات وقابلت ماهر وضاع منها !
لما كان أكرم نزل الثورة من الأصل لأن اهتماماته كانت ستختلف !!
وهكذا وهكذا أمثال من شرق إلي غرب حياتهم التي تدمرت فجأة
ترد الزهراء وهى تواجهها بنظراتها الحازمة

" شقة ليست بمالنا يا ماسة "

ابتسمت ألماسة وهى تسير بالغرفة تقول بثقة

" ستكون بمالنا "

لم تكن ثقتها .. كان الغرور يحتلها .. صورة ناقصة انقطع منها جزء شوهها .. ملامحها الجميلة يكسوها إختيال ينزف حزناً تحت التباهي الكاذب
تلك المشعة الحرة مقيدة بأغلال تضرب الأرض لتتحرر ولا أحد يسمع صراخها
تقف ألماسة أمام النافذة تتابع حركة الحي الرائجة وعيناها تدمعان وهى تنظر نحو بوابة بنايتهم القديمة فتتذكر وقفتها هى وماهر ليلة موته
كان يريد قول شيء ما وظل يؤجله حتى تلاشى صوته تماما .. ماذا كان يريد أن يقول ؟.. عذابا آخر تعيشه
تراقبها الزهراء بدقة حانية فتسألها بخفوت متفهم

" لمَ لم تخبريني أنكِ تبحثين عن شقة ؟ "

تستعيد تركيزها المتكبر وهى ترد بصلف

" ولماذا اخبركما ؟! "

تتنهد الزهراء بيأس قائلة

" لماذا تخبريننا !! .. لأننا أهلكِ على الأقل وسنسكن معاً "

مسحت ألماسة عينيها لتلتفت إلي أمها بالقول اليابس المتهكم

" هل كنتما ستبحثان معي مثلا ؟َ!.. لا أظن ذلك أمي .. علي أي أساس كنتما ستبحثان وليس معنا نقود ؟!.. والاسئلة ستكثر وتعرفين الكلام الكثير يوقف أي موضوع ! "

جلست على حافة سريرها تهز رأسها لتكمل عنها ساخرة

" نسيتِ أن تقولي أننا لم نكن لنقبل شقة بمال عمكِ قاسم ! "

تنفعل ألماسة ضاغطة على أسنانها تمنع لسانها لكنه ينفلت منها بعجرفة حادة

" لو لم أتصرف أنا بهذا الشكل لكنا ظللنا ضيوفا بمنزل رجل لا يقربنا سوى بصلة الدم وأكثر ما كان بوسعكما أن تنقلوننا لشقة إيجار مجددا .. لذلك احمدا الله أنكما ستسكنان في شقة تمليك أنا السبب فيها "

تتجه إلي الباب تمنع مزيدا من اندلاع نيرانها بوجه أي أحد فيرتفع صوت الزهراء متسائلا

" طالما تعيريننا هكذا كنتِ اخترتِها بمكان أكثر رقياَ أم لا تستطيعين الابتعاد عن هذا الحي ؟! "

تلك النبرة من أمها تعرفها جيدا حين تريد فهم شيء بطريقة غير مباشرة لذلك لم تتظاهر بالجهل وهى تلتفت إليها ترفع رأسها تجيبها بعينين تبرقان مشيرة بسبابتها بتكبر

" سيكون لنا في كل مكان بيت .. لكن الآن .. هنا وأمام بناية عبد الجليل وأنظاره في شقة أكبر وبناية أجمل .. الحي الذي خرجنا منه مطرودين عدنا إليه مُلاكاَ .. وأمااام الكل "

انزعجت ملامح الزهراء وهى تقف هاتفة باستياء

" لماذا تتحدثين هكذا ؟.. متى تعلمتِ طريقة الانتقام والند بالند هذه ؟ "

ترد ألماسة بلا مبالاة مستفزة متشحة بالمرارة والقهر

" من الدنيا .. الدنيا التي جاءت على أخي وأخذت ماهر مني "

تبتسم بوجع وملامحها الجميلة تسكنها أطياف الذبول بعد إشراق تتابع بنبرتها

" من فؤاد ! .. ألا تصدقين أن ابن عمي يريد قتلنا حقا أم لأنكِ تختبئين منه تنكرين الأمر ؟!.. حتى أنه حاول " ...

صمتت بقهر يتفاقم صارخا .. هل تخبرهما أنه حاول الاعتداء عليها ؟.. هل تخبرهما أنها وقعت على ذراعه ولا تعلم ماذا فعل فيها قبل أن تستعيد وعيها ؟
رباااه .. تحاول مسح الأمر من ذاكرتها لكنه ناااار .. تشب فيها تأكلها ولا تستطيع النطق
لم تنتبه الزهراء إلا لكلمة واحدة فتدمع عيناها هامسة

" أنا اختبىء !! "

لوحت ألماسة بذراعها تكبت بكاءها بقوة رهيبة وهى تستدير هاتفة بتذمر

" كلما تحدثت معكِ تتأثرين هكذا ولا كأنكِ اخطأتِ بحقنا سنوات ... اتركيني بحالي أمي لا تتكلمي معي "

تترك الزهراء باكية لتدخل غرفتها هى بموسم أمطار عينيها
تعلم أنها تتبدل وتخرج اسوأ ما فيها .. وذاكرتها لا ترحمها تلح عليها بسواد التفاصيل .. كل التفاصيل المريرة التي حملت رصاصة دمار حياتها
استيقظت وشربت قهوتها الأخيرة لتلحق بركب الألم المبكر .. ذهبت إلي عمل مطرودة منه لتجد جثمان الحب منصوبا بعد ضمة ..
ويحاسبونها على طيش كلمات .. بضع صرخات منقطعة الرحم .. لو يعرفون حجم الخراب داخلها لأمدوا لها الصمت دعوة مفتوحة .. هى الماسة المخدوشة دون أن تخدِش ..
لأن لا أحد يعلم ألم مَن يشعر أنه مغضوب عليه .. فجأة ..
وفجأة أيضا رن هاتفها فأجفل صمت الدموع لتخرجه ناظرة لرقم غريب على الشاشة فتجيب بلا انتباه لتسمع الصوت الواثق شامتا

" أنتِ معذورة لأنكِ لا تعرفين مَن هو فؤاد رافع .. ترسلين لي إعلان قضية تطالبين بحقكِ وحق أهلكِ .. لا بأس !.. لا تعلمين كم اتوق لرؤية وجهكِ بالمحكمة وأنتِ منهزمة أمامي مجددا يا .. ألماسة "

اتسعت عينا ألماسة بطريقة مخيفة تستوعب محدثها تستنتج كيف احضر رقم هاتفها ليرتفع ضغط دمها فائرا وهى ترد بصوتها الصارم

" بل صرت اعرفك جيدا .. شخص حقير شوه سمعتي ودمر حياتي .. لكن هل تظن أني حمقاء لأرفع قضية بلا أساس ؟!.. كل الأوراق بيدي أنا لذلك انصحك أن تستعد للهزيمة القريبة .. أنا التي تتوق لرؤية وجهك البشع وأنت منكسر بالخسارة "

لم تحضر نفسها لضحكته العالية .. ضحكة متجبرة لرجل لم تسمعها قبلا .. خبيثة ترسل السم لعروقها وهو يقول بتلاعب مكير

" أوراق !!.. هذه الأوراق تشربين ماءها كل صباح مع دواء السكري خاصتك .. أنا استطيع إحضار ألف نسخة من أوراق تقول ما أريده أنا واجعل الجميع يبصم لي بالعشرة عليها "

حالما ذكر مرضها داهمها الغضب شلالا فائضا .. أنفاسها تلهب صدرها حارة متلاحقة وهى ترد بمقت

" لأنك دنئ ومزور "

تهدأ نبرة فؤاد الضاحكة لتعلو بالتوعد مقايضا برهان كما اعتاد

" اثبتي .. وكلمة شرف مني .. إن حكمت المحكمة لمصلحتكم لن اعطيكم حقوقكم فقط .. بل ساتنازل عن كل نصيبي واكتبه باسمكِ بيعا وشراءا معلنا هزيمتي أمامكِ .. وأمام الجميع "

تتأجج النيران بقلبها فتبدو كالبركان الثائر تشتد عروق رقبتها واقفة مكانها بلا رد فتسمع ضحكة خافتة مستفزة ثم صوته حارا بتعمد إيلامها

" لمَ أنتِ صامتة ؟!.. هل فقدتِ وعيكِ مجددا كما فقدتِه في حضني ؟!.. كانت فرصة جاءتني على طبق من فضة لألمس فيكِ ما اريد دون أن اجد رذاذ الدفاع عن النفس بعيني ... حملتكِ بين ذراعيّ و.... "

اغلقت الخط بوجهه بأنفاسها الثائرة لتلقي هاتفها صارخة بأعلى صوتها

" لعنك الله ... لعنك الله .. آآآه .. آآآآه "

صرخاتها تتواصل تهز جدران الألم وجهها بلون الدماء وجسدها يرتعش انفعالا هستيريا وهى تبكي بحرقة قلب وتصرخ

" آآآآه ... فليحرقك بنار جهنم .. فلتحترق بنار جهنم "

فُتِح الباب سريعا لتدخل الزهراء هاتفة بجزع

" ألماسة ! .. ألماسة ماذا حدث ؟! "

تتسع عيناها وهى تضع كفها على صدرها برعب من منظر ابنتها المخيف حرفيا .. شعرها المجنون الملتصق بالدموع على وجهها الأحمر وبكائها العنيف وصرخاتها المجروحة كأن أحدهم .. أحدهم مس أغلى ما تملك !!
تتقدم منها تضمها لصدرها فتنفر ألماسة بتشنج قبل أن تستسلم لحضن أمها وهى تنهار معها أرضا باكية ..
تبكي بكل قوتها .. بكل عذابها .. بكل ألم الدنيا وثورة الغضب بداخلها ...
تتمسك بموضع قلبها تشعر بسخونة النار به فترغب في إخراجه من مكانه واعتصاره حتى يتوقف نبضه .. شرايينها تنبض بالألم الذي يجري مع دمها فيحرق كل خلية بها ..
كل ما فيها ينزف .. عيناها تنزف دموعا .. قلبها ينزف دما .. شفتاها تنزف صراخا مختنقا محترقا ..

" آآآآه ... "

بصرختها المذبوحة تميل على رجلي أمها أرضا تدفن وجهها الساخن ويموت بكاؤها يختض له جسدها الذي لوثه .. حقير.





يجلسان على مقاعد المشفى الجانبية عيونهما تغفل قليلا وتصحو كثيرا بجوار غرفة الرعاية المركزة حيث ينام يحيى مستقر الوضع
لم تكن المرة الأولى بل اعتادا مع الوقت النوبات القلبية لصغيرهما .. لكن كل مرة يزداد الهلع عليه والرعب من فقدانه بعد سنوات حب ..
حين عرفت وصال حالته منذ سنوات انهارت لدرجة أن ظلت تدعو الله أن يأخذه قبل أن تتعلق به أكثر .. وحين استعادت وعي كلامها لم تتوقف عن الندم إلي اليوم
يمد عماد يده يحيط يدها قائلا بإرهاق

" اذهبي أنتِ لترتاحي وصال .. أنا سأظل هنا "

تنظر له بعينيها الناعستين ووجهها الشاحب ببياضه لترد

" تعرف أني لن ارتاح إلا حين يخرج معي "

يضغط عماد كفها الباردة بين يديه متنفسا بعمق مريحا رأسه على الجدار فتسأل

" هل اتصلت بهم في عملك لتخبرهم بعدم حضورك ؟ "

التفت إليها يبتسم يهز رأسه إيجابا يقول بخفوت عابث

" سألتِني هذا السؤال ثلاث مرات .. توقفي عن التفكير بي ! "

تبتسم وصال أخيرا بعد طول ليل مؤلم لترد بصوتها المجهد

" لأنك كل مرة تنسى .. نسّاي ! "

يميل عماد للأمام تتسع ابتسامته مستندا بمرفقيه على ركبتيه ويدها ما زالت بيده فيقترب بوجهه منها مداعبا

" بذمتكِ يا مؤمنة .. ألا تفكرين بي ولو قليلا ؟! "

تضحك وصال بخفوت تنظر إليه بعينيها الخضراء تعلم ما وراء هذه القشرة التي أحاط نفسه بها سريعا بعد رحيل حبيبته .. عذاب وتشتت وفقدان حياة
عيناه السوداء جميلة الرجولة صريحة لعينيها وقد اخبرتها .. هنا عاشق مات مرتين ..
يدها الأخرى تعدل حجابها داكن الزرقة وعيناها في عينيه تسأله

" بل افكر بك كثيرا لكن .. افكر بك بأي طريقة بالضبط ؟! "

اخرج عماد نفسا طويلا ثم عقد حاجبيه مفكرا ليرد بجدية زائفة

" آآه سؤال مهم !.. بما ان نيتي سوداء وتفكيري شِمال ! "

تضحك وصال مجددا فيشرق وجهها الوضاء وما أراد أكثر من رؤية عذوبة محياها بلا وجع .. حين تتألم تؤلمه كأنه موصول بها بطريقة ما
تخفت ضحكتها متوردة الوجه بعد الشحوب تتأمل ملامحه الوسيمة لتقول بصدق

" تعرف أني أحبك يا عماد "

‏يتحسس أصابع يدها الناعمة بيده ناظرا لعمق اخضرار مقلتيها بسؤالها هى

" اعرف .. لكن تحبينني بأي طريقة بالضبط ؟! "

أطرقت وصال قليلا تفكر في هروب مأمون من الإجابة التي تفتح عليها عقدا نفسية أكبر من احتمالها فتضحك بتوتر قائلة بشقاوة

" مؤكد ليس حبا اخوياً !! "

يضحك ليدير وجهه نحو الجدار يرد بيأس ممازحا

" كفى حبا اخوياً يا وصال !! "

تقلق ملامحها مستديرة نحوه على كرسيها لتسأل

" هل تتكلم جديا ؟ "

أعاد عينيه لها يجيب همسا بابتسامة مهلكة

" امزح فقط "

لكنها لا ترتاح فتلح أكثر وهى تشد على يده

" عماد حقا .. لماذا تكلمت بالأمر ؟ "

يتنهد مجيبا بنبرة عادية

" الكلام جاء وحده بلا قصد "

تلك التنهيدة تحمل دخان أفكارها ومشاعرها فتقول بتردد

" لا .. حقا .. إذا كنت تريد فلن ... "

يقاطعها عماد بجدية تنفذ لقلبها لامسا خدها بظاهر أصابعه

" ششش .. ماذا حدث ؟!.. أنتِ لا تعرفين أهمية وجودكِ بحياتي وصال .. مجرد النظر إلي وجهكِ حياة "

وكان يدمن تلك الحياة فعليا بجمالها المجروح .. بشفتيها كأس ممتلئ لم يقربه كي لا يفرغ .. وعلى جسدها سطور كتب لم تُقرَأ .. وبأوتار صوتها ألحان لم تُعزَف
لن يقص أشرطة حياتها يوما إلا بإرادتها ، بعد أن قصها غيره يوما رغما عنها لن يجبرها هو .. ورغم أن جسده يأبى ليلة لأن غيره لمسها إلا أنه يتقبل وصال راغبا بنقائها
لكنه بات يفهمها منذ تزوجها صغيرة في الثامنة عشر من عمرها وحتى اليوم وهى أنثى الخامسة والعشرين تريده حباً صافيا وصرخة بلا صوت وكلمات بلا ثرثرة.
عيناه بعينيها الخضراء تنحدر لشفتيها وأصابعه تسرح على وجهها وهى ساكنة حتى شعر بخطوات في الممر فرفع عينيه ليبتعد قائلا بدهشة

" روينة ! "

تقترب منهما بملابسها البسيطة الأنيقة وشعرها المجموع في ذيل فرس قصير حاملة حقيبة بيضاء لتنظر إليهما بقولها

" حمدا لله على سلامته .. لم استطع الجلوس بالبيت ويحيى بالمشفى وأنتما طوال الليل معه "

ملامحها ساكنة واجمة لا يبدو عليها شيء لكن عماد قرأها منذ أتت ورأته مع وصال متقاربين فوقف جوارها ينظر إليها مبتسما بنظرة خاصة التقطتها ووصال تنهض تقبلها على وجنتيها قائلة برزانة

" أصيلة يا روينة .. حضوركِ فوق رأسي "

تبتسم روينة لعينيه لتنظر لوصال ترد بلا تركيز

" يحيى ابني يا وصال وأنتِ مثل أختي "

تتسع ابتسامة عماد مبتعدا خطوة يدير وجهه يكتم ضحكته ووصال تتنحنح بابتسامة وقورة وروينة تنتبه لما قالت فتحاول القول

" اقصد ... ااا .. "

يستدير عماد يقف أمامها ينقذها من الحرج بسؤاله

" هل اتصلتِ بأختكِ داليا لتطمئني عليها ؟ "

تبدلت ملامحها تماما فتعبس غاضبة وهى تهمس بكره

" أحرقه الله فرج زوجها ضربها مجددا "

يتفاجأ بقولها ليسأل باستغراب

" ضربها ؟!.. أليست بمنزلكم ؟! "

ترد روينة بغضبها العارم

" نعم بمنزلنا .. جاء إلي هناك وضربها أمام أمي واخوتي يا عماد .. وما يغيظني أكثر أن أختي شهد تخبرني أن أمي وقفت تشاهد ولم تنقذ داليا من يده خوفاً أن يرمي عليها يمين الطلاق .. وكل هذا لأن داليا اشتكت بخله إلي أمي .. البخيل الجبان "

يطلق عماد نفسا مشمئزا تستاء ملامحه قائلا وهو يربت على كتفها

" اهدئي حبيبتي .. يخرج يحيى بالسلامة ولي وقفة معه .. أنتِ وأهلكِ برقبتي ولن اسمح له أن يرفع يده عليها مجددا "

بصوته شهامة الرجال وبكلمته نضوج الكبار .. تشعر به خيمة دافئة تحميها من برودة الكون .. حضنه الأجمل ووجهه الأصدق .. ووسامته ... !!
آآه صدقت مطربتها المفضلة .. ورد وطرح قبل مواسمه !
يهدأ غضب روينة لينقر العشق عليها يناديها فتبتسم أجمل ابتساماتها لتهمس بحب

" يا روح روينة أنت .. اشتقت إليك "

يبتسم عماد مشيرا بعينيه يحذرها وجود وصال خلفهما فتبتعد عنه قليلا تخرج من الحقيبة البيضاء علبتين لتقول

" أنا ... أحضرت لكما إفطارا خفيفا "

تناوله إحداهما لتفتح وصال علبتها ترى شطائر صغيرة بجوار ثمرة تفاح مقطعة وعلبة عصير فتبدأ أكلها فعلا وهى تقول بمودة

" سلمت يداكِ روينة .. دائما تتعبين نفسكِ "

ردت روينة بعزمها الصادق جالسة جوارها

" تعبكِ راحة .. بعد الإفطار تذهبين إلي بيتكِ تحضرين كل ما يلزمكِ للمشفى .. مؤكد خرجتما ليلا بلا أي شيء .. اذهبي واطمئني .. يحيى في عيني لن اغفل عنه "

ما أجمل أن تكون لأنثى بمائة رجل .. أنثى رغم الغيرة ونصف الامتلاك وألم المشاركة لكنها بظهرك تقف مع مَن يخصك كأنها أنت ..
ينظر عماد إليهما معاً فيشعر بنعمة الرؤوف سبحانه عليه .. قد يكون محتجزا في ثلاث خانات لكنها واسعة لأجله .. رحبة العطاء أصيلة المرفأ
ابتسمت وصال تربت على كفها داعية

" جزاكِ الله عنا جميعا خيراً روينة "

ترفع روينة عينيها نحوه بحذر صامت وهو يبادلها النظر فتقف وصال قائلة بتفهم

" ساخبرهم أني أريد الدخول ليحيى مجددا قبل أن أذهب واسألهم عن موعد نقله للغرفة العادية "

يومئ عماد برأسه يراها حتى اختفت من الممر ليعيد نظره لروينة وهى مستكينة مكانها فيتجه ليجلس جوارها يرد على كلامها متنهدا

" أنا أيضا اشتقت إليكِ .. لا تتصوري كم احتاجكِ "

ينظر للوحته الخمرية الشرقية لا يمل من أنوثة كنبع ماء يحلو لفمه .. وجهها المستدير ونظرتها اللامعة بالحنان تلمس به القلب والكيان
تتأمل روينة ملامحه في هدوء قسم المشفى فتلمس خده هامسة

" يا حبيبي .. وجهك مرهقا للغاية "

أطرق عماد بإرهاق فعلي نفسيا وبدنيا يستند على ركبتيه يسمع صوتها الهادئ به لمسة حزن

" فجراً حين اتصلت بك كنت سأجن من تأخيرك وبصراحة كنت أظن أنك ... ستبيت عند ليلة أو وصال .. كنت غاضبة جدا ولا ترد على هاتفك ولا استطيع الوصول إليك .. حتى أرقام الهواتف الأرضية لليلة ووصال لم أرد الاتصال عليها حتى لا يشمت أحد بي وأنا انتظرك للفجر "

ظل صامتا للحظات يضغط عينيه والصداع يؤلمهما كألم حزنها وهى تخاف أن يفرح فيها أحد فيقول بتعب

" كنت عند عمة بركة جدة فؤاد .. قلت لكِ عليها من قبل .. ثم اتصلت وصال ومن وقتها وأنا هنا "

تنظر إليه بقلق خائف وهو متعب بوضوح فتمسح على ظهره قائلة بنبرتها القوية

" ارفع رأسك يا حبيبي .. لا يحني الله ظهرك أبدا إلا له "

التفت عماد نحوها يرتج قلبه فجأة بنبرة أولاد البلد الأصيلة بها ، متذكرا قول والده يوما

( اصلب طولك يا ولدي .. ربي ما يكسرك أبداً )

يوم عصيب عنوانه الموت .. لكن روينة حياة .. حياة بسيطة راضية لم يتوقعها
أنفاسه تعلو بغرابة ناظرا لها بجدية وهى تتابع ببساطتها

" يحيى سيتعافى ويخرج ويعود ليلعب معك وتراه طبيبا كما تتمنى "

للحظات شعر أنه تائه هنا ولا يرغب بعودة .. هنا سبيله كعابر ارتحل كثيرا ليذوق من كل صحراء صبارها .. شوكها
واليوم تمد له الحياة واحة طيبة المذاق .. منذ سنوات كانت ملكه لكنه عشق بستاناً بعيداً متناسياً واحته
تبتسم روينة لعينيه تقرب وجهها منه قليلا لتهمس بجمال

" لا أحب أن أراك حزيناً هكذا .. حين تأتي إليّ ساعرف كيف امسح هذا الحزن واريحك وافصلك نهائيا عن أي وجع فيك .. تأمر وتطاع يا سلطان قلبي "

ارتجاج آخر ! .. كل ما فيه يشتعل لتندلع الحرائق بقلبه .. وسهام رموشها صائبة !
قلبه يدق بنفس ملامحه الجادة غارقا بأفكاره ينظر لوجهها الخمري القريب فيمسك يدها بقوة كلمته

" أحبكِ "

تسبل روينة أهدابها ونبضها يتعالى مثله لترفعها مجددا بتلك النظرة من عينيه .. يريدها الآن .. تريده الآن ..
تعض شفتها السفلى لا تدرك حالته حقا لتهمس بخبث

" لأول مرة تقولها بهذه الطريقة .. دائما تقولها لكن اليوم اشعرها مختلفة "

يضحك عماد بخفوت يفهم مقصدها ليرفع يدها مقبلا باطنها يكرر بصدق حالته العجيبة

" لأني أحبكِ .. جدا "

كأنه وقت وحان !.. حان وقت تحرر قلبه من الوجع
هنا السلاف الراحلة .. هنا الصدفة الضائعة .. بمستودع ذكرياته لهما رصيد لا يعادله شيء لكن .. فليحرر قيوده ..
أرصدة الحياة تغدق السعادة حوله بمنتهى .. منتهى اللذة !.





في معهد الموسيقى الذي يجاور كنيسة عتيقة من أقدم الأبنية بالمدينة تجرب دموع الكمان وتضبط مستوى الصوت ثم تصفق بيديها لتنشيط الفرقة قائلة بصوت عالٍ

" هيا يا مصطفى .. فجر اليوم غائبة عنا فننام جميعنا !! "

يلتفت إليها من حواره مع بعض الشباب ممازحا

" آآه .. انظروا إليها بعدما عادت لمستواها وتوقفت يداها عن الارتعاش وهى تعزف !! "

تبسط دموع كفها في وجهه ترد بامتعاض زائف

" اللهم احفظنا من العين الحاسدة "

يتأكد مصطفى من توصيل الآلات الموسيقية قائلا بمكر

" أنا لا احسدكِ يا سيدة دموع لكن واضح أن خطبتكِ نتيجتها فائقة الإيجابية عليكِ !! "

غابت بسمتها تماما .. تثاقل نبض قلبها وخفت الحماس مجددا
منذ اخبرها شريف أن لديه مأمورية مع فرقته العسكرية بالجيش وانقطعت أخباره مؤقتا .. والدته الحاجة كوثر تكلمها من حين لآخر وتسألها عن تفاصيل تجهيز نفسها والشقة للزفاف .. وهى عليها تقبلها كحماتها رغما عنها لكنها لا تستطيع أن تناديها ماما كوثر كما كانت مع الزهراء
غياب شريف يجعلها تعيد تفكيرها بكل شيء لتحسم الصراع العقلي القلبي الذي تعيشه .. القلب يتألم لكن العقل يتخذ قراره الصحيح
تجفل بصوت أمجد المرتفع لأحد الشباب

" لا تقل كلاماً لست مسؤولا عنه "

يرد الشاب الآخر بعصبية

" أنت لا تفهم شيئا "

نهض أمجد بحدة ليرتفع صوته يسبه

" أنا لا افهم !! .. ما شاء الله على فهمك أنت يا ... "

يتجه مصطفى إليهما بسؤاله

" ماذا يحدث بينكما ؟! "

يشير أمجد نحو الآخر قائلا باشمئزاز

" عينه قوية لأن أخيه ضابط شرطة سيتجبر على مخلوقات الله "

ثم يتحدث إلي ذلك الشاب مشددا على كلامه

" المفترض أن تضع عينيك في الأرض خزيا لأنه ينتمي لمؤسسة فاسدة "

أصابها حين مس سيرة أخيها أحمد .. تتقدم دموع منهم بتحفز لتسأل بنظراتها الصلبة

" لالالا لحظة .. مَن قال أن مؤسسة الشرطة فاسدة ؟ "

يمد مصطفى ذراعه محاولا إيقافها بقوله

" دموع اهدئي إنه لم يقصد "

تقترب دموع ناظرة لأمجد الذي ادرك ما قال لتقول بجدية

" لحظة مصطفى من فضلك .. إنه يعمم الأمر !.. تعرف أن أخي كان شرطيا يا أمجد قبل أن يموت وهو يحمي صفوف المتظاهرين الذين كنت أنت منهم .. ألم تنزل الثورة مثلنا ؟! "

كان من معايير اختيار اعضاء فرقة ثورة أن يكون الجميع نزل الثورة .. عاش تجاربها ورأى انتصاراتها ومآسيها وسط الناس .. انتفض قلبه بالهتاف المليوني في قلب الحدث ..
لذلك كانت تسأل بتأكد تام لتتابع

" وأنت .. ألم يكن ممكنا أن يكون أباك أو أخاك أو أي من أسرتك ضباطا ؟!.. هل سيكونون فاسدين حينها بالتبعية للمؤسسة ؟! "

ساد الصمت المعتاد لنقاشات الفرقة ودموع تواصل بقوة

" فلنعترف أن مؤسسة الشرطة بها تجاوزات .. بل مليئة بالتجاوزات .. لكن لا يمكن تعميم الأمر وإلا يصبح الشعب كله بكل فئاته فاسدا .. لأن الشرطة ليست من العائلات الكبيرة الثرية فقط .. الشرطة بها من الصعيد والفلاحين ومن الأسر المتوسطة والفقيرة أيضا ومن كل الطبقات والأمثلة أمامنا .. هل يمكن أن يكون كل هؤلاء فاسدين ؟!.. هل أنجبت كل تلك العائلات رجالا فاسدين ؟! "

يجلس مصطفى متنهدا لو كانت فجر هنا لاستمر النقاش إلي منتصف الليل ودموع يعلو صوتها بحرية أفكارها

" قلنا ألف مرة لا للتعميم .. نعم الشرطة مليئة بالتجاوزات بل كل مؤسسات الدولة بها تجاوزات مثل أي مؤسسة بالعالم كله فيها الصالح والفاسد .. بل حياتنا جميعا بها تجاوزات وهذا الطبيعي .. لقد خلق الله الكون به الخير وبه الشر وهناك ثواب وعقاب .. أم لمجرد معارضتنا لشيء فيصبح بأكمله فاسدا ؟! "

صمتت حين وجدته يقف على باب غرفة التدريب ناظرا إليها بابتسامته الجذابة فيقف مصطفى وقد علم أن اليوم لن يصلح للتدريب بعد نقاشهم قائلا

" هيا هيا سنؤجل اليوم .. فجر ليست هنا على أي حال "

تقترب دموع منه باستغراب تاركة أمجد وذلك الشاب يتمتمان متجهة إليه وهو يستند لإطار الباب ناظرا لعينيها حتى وقفت أمامه فيقول مبتسما

" لن استطيع أن أحبكِ أكثر .. كل كلمة من شفتيكِ أصابت قلبي "

تيبس لسانها لحظات بثقل قلبها المفاجئ ناظرة لملامحه المهيبة وقد ترك شاربه يتكاثف أكثر ثم تسأل

" متى عدت من المأمورية ؟ "

ينظر شريف لساعته عاقدا حاجبيه يرد

" اممم .. منذ نصف ساعة "

ترجع دموع خصلة من شعرها الطويل خلف أذنها هاربة بعينيها من نظراته تتساءل

" جئت إلي هنا أولا ؟! "

مد اصبعه يدفع تلك الخصلة مجددا لوجهها متسائلا بتلاعب

" ألا ترين ؟! "

تتأمل دموع ملابسه العسكرية لها مهابة فخمة الرجولة وجسده العريض القوي فيها ثم تنظر إلي عينيه قائلة

" حمدا لله على سلامتك "

يبتسم شريف صامتا لحظات يتأمل ملامح وجهها المستدير الذي اشتاقه في غياب ليقول بخفوت

" كنت سأموت لكن مقدراً لي أن أعيش جواركِ قليلا .. لكن لابد أن تعلمي أنكِ ستتزوجين مشروع شهيد "

تنتبه لما يقول فتعقد حاجبيها متسائلة بتشوش

" لمَ تقول هذا ؟ "

يلاقي عينيها السوداء الجادة يجيب بصوته العميق

" مرت رصاصة جواري تماما .. خدشت ذراعي لكن بعدة سنتيمترات قليلة كان ممكنا أن تكون بقلبي .. كما أصبتِه أنتِ منذ زمن "

تتوتر بدفق حبه الواضح لكنها تعيد توازنها متسائلة بثبات

" بعيد الشر عنك .. هل أنت بخير ؟ "

صمت شريف يمنع خيبة أمل من التسلل لقلبه ، فلم يكن سؤال حبيبة عن حبيبها .. لم تكن هناك لهفة خوف وهو يخبرها أنه كان سيموت ..
لكنه يعلم أن مشواره معها ما زال طويلا لذلك أمسك ذراعه المصابة قائلا بنبرة عادية

" بأفضل حال .. حديد الحمد لله "

اومأت دموع ناظرة خلفها لفرقتها وهم يجمعون الآلات الموسيقية فيسألها

" ألا تريدين أن تقولي لي شيئا ؟ "

أعادت عينيها له تسأل

" مثل ماذا ؟! "

يضغط مؤخرة عنقه مبتسما بتعب يرد بنبرة غريبة عابثة

" أي شيء ! "

تهز دموع رأسها نفيا بلا فهم فيقترب بوجهه منها هامسا بنبرته الرجولية

" لكن أنا اشتقت إليكِ "

ارتجف جسدها برد فعل تلقائي لترتبك ناظرة أرضا فتتسع ابتسامته قابضا على تأثيره عليها ليقول ضاحكا برضا

" حسناً .. هيا لنتناول الغداء ثم اوصلكِ "

تتضايق من ذلك الارتجاف تكره تأثيرا جسديا وهى الناضجة على كل هذا إلا لأكرم .. ومجرد تفكيرها في أكرم الآن ضايقها أكثر لترد بانزعاج

" لست جائعة شريف "

يرفع شريف رأسه قائلا

" أخيرااا قلتِ شريف ! .. شعرت أنكِ نسيتِ اسمي ! "

اطلقت نفسا خائنا بالذكرى .. تخاف أن تخطئ يوماً بل أكثر من مرة على الهاتف كادت أن تنطق .. أكرم
لا تنظر إليه فيدرك حيرتها الغالية عنده ليمسك ذقنها يعيد عينيها لوجهه قائلا بنبرة عميقة الفهم

" دموع .. أنا ساموت من الجوع ! "

وبنظرة لجدية عينيه اومأت برأسها موافقة ..
لم تكن دعوة طعام .. شعرتها دعوة بعيدة المدى لرجل يطلب .. حياة.




أمام الورشة يقف محنيا يصلح موتورا لسيارة حديثة الطراز يجاوره أحد الشباب ليعلمه خطوة بخطوة أصول ميكانيكا السيارات .. العمل ممتع رغم أنه نفسيا يتقبله على مضض لكن التعامل مع السيارات نفسه هواية للكثيرين
يقترب منه مرتضى يربت على كتفه مشجعا متسائلا

" كيف الحال يا أكرم ؟ "

رد الشاب نيابة عنه ممارسا دور الأستاذ

‏ " لا تقلق .. يتعلم سريعا للغاية "

يناظره مرتضى قائلا ببشاشة ابتسامته

‏ " إنه مهندس يا ابني .. علمه أكثر مني ومنك "

ابتسم أكرم ابتسامة باهتة ليرد بنبرة فاقدة للحياة حاول جعلها عادية

‏ " حتى إن كنت خريج كلية الهندسة لكن خبرتك وعلمك الحقيقي أكبر مني بكثير يا مرتضى .. أنا الذي يتعلم منكما "

يربت مرتضى على كتفه مجددا ليدخل إلي الورشة ويتركهما لعملهما .. دقائق تمر في إصلاح السيارة وتجربتها حتى لمح سيارة يعرفها جيدا تدخل الحي وبداخلها يتضاحكان عاليا وحينها .. شبت النااار !.
يتوقف شريف بسيارته أمام بناية عبد الجليل حيث تسكن دموع بينما هو لا يتوقف عن الضحك بما قالت ..
تهز دموع رأسها عجبا لتسأله

‏" هل اعجبتك لهذه الدرجة ؟! "

‏ما زال يضحك ضحكة رجولية جذابة تخفف جمود ملامحه تاركة مهابة وسيمة ليرد

" بالطبع .. هل سمعتِ عن عروس تسأل شخصا يطلب يدها عن حلف الناتو ؟! "

تضحك دموع بخفوت متذكرة ذلك العريس ووالدته وهما ينظران لها كمجنونة ثم تنظر إليه متسائلة بابتسامة

" وهل رأيت خطيباً يحدث خطيبته عن مارجريت تاتشر ؟! "

توقفت ضحكته لتظل ابتسامة عالقة على شفتيه يراقبها بدقة وهى تخرج من السيارة لتدخل البناية فيذهب وراءها يوقفها قائلا بشجن

" لأن هذا نحن .. أنا وأنتِ نكمل بعضنا .. أفكارنا واحدة .. لغتنا واحدة .. أنتِ تسيرين معي على نفس الخط دموع ولا تشعرين "

كانت من المرات القليلة التي يراها معه قالبا .. وقلبا أيضا
ذلك القبول حيث المزيج من المودة والإعجاب والاحترام والتفهم يرضيه حاليا ..
ويكفيه أنها تتذكر حديثه معها يوم خطبتهما
وهى كانت تشعر بكل كلمة من قلبه تمس قلبها لكن هناك حاجزا يمنعها من الاستقرار في ذلك القلب ..
ذلك الباب الموصد حيث لافتة قديمة كُتِبَ عليها مملوكاً لصاحب الباب ما زال موصدا على جراحه .. وجراح أوطان القلب أعمق من سرعة زوال
تتعمق عيناها بالنظر لصدق عينيه السوداء المحبة فتختلج نبضة بداية وحيدة بقلبها وهى ترد بصدق مماثل

" بل اشعر .. لو لم اشعر لما وافقت "

وكانت تشعر وأكثر أنه رجل يصعب ألا تتأثر به أي أنثى .. هناك رجال تكون كلمة ( رجل ) لهم صفة لأخلاقهم وشهامتهم وليست ذكر لنوعهم الذكوري ..
شريف رجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى .. لا يستحق إلا امرأة تعشق تلك الرجولة وترفعها تاجاً على أنوثتها
اقترب شريف قليلا بظلام فناء البناية الصغير يتأمل ملامحها اللامعة بضوء خافت من الخارج وشعرها الطويل يحيط وجهها فيقول بنبرة جادة حارة المعنى

" يكفيني هذا الشعور الآن .. أما بعد .... لن تنام عيناكِ إلا حين تطمئنين أنني جواركِ "

نبضة أخرى ترتجف كجسدها برد فعله التلقائي المجنون فتصعد درجة للخلف لتقول بارتباك

" أنا ... ساصعد "

رأته يغمض عينيه لحظة لتسمع نفسا طويلا أطلقه ثم نظر إليها بنفس النظرة الحارة يرد

" ساذهب إذاً "

وقفت دموع قليلا تبادله النظر بلا كلمة في حضرة الصمت
صمت جميل في سكوته .. شهي في نظراته .. متآمر في نبضاته ..
ورغم الارتجاف ومحاولة النسيان لكن هناك ارتياح هادئ يتسلل إليها ..
لتستدير صاعدة درجة أخرى وهو يتجه إلي بوابة البناية ليلتفت مجددا ينادي

" دموع "

تلتفت إليه يدها تتقبض على سور الدرج متوقعة كلمة واحدة لكنه قال مبتسما بعبث

" بالمناسبة .. حلف الناتو هو حلف شمال الأطلسي .. تحالف عسكري دولي للدفاع المتبادل عن الدول الأعضاء فيه .. ويمكنك معرفة الدول الاعضاء بسهولة من جوجل !!.. في حالة إذا أردتِ اختباري أنا أيضا !! "

افلتت منها ضحكة مفاجئة .. ضحكة من القلب حقا وهى تراه يضم شفتيه ليرسل لها قبلة بالهواء ثم يغادر حتى انطلق بسيارته ..
رغم أي شيء قد يعترض طريقه إليها لكن يكفيها أن تقول أنه رجل بحق لتكمل معه الطريق حرة .. حرة ..
وهى لا تنتمي إلا للحرية
واصلت صعود الدرج بابتسامتها المرتاحة لكن فجأة توقفت وهى تسمع صوت تكسير عنيف بأسفل الدرج حيث جلستها المفضلة ..
ولم تفكر وهى تنزل سريعا مضيئة هاتفها لترى مَن تجرأ على المساس بمكانها ..
وكان هو صاحب المكان !
واقفا والأريكة الخشبية مقلوبة جواره .. متحفزا غاضبا متضخما ناري الملامح حتى إنها تراجعت خطوة بهول نظرة عينيه صاخبة الجنون ..
تتسع عيناها بتفاجؤ وتلقائيا نظرت للخلف لتتأكد من مغادرة شريف مما جعله يجن أكثر وهو يدرك ما تفعل فيقول بعداء

" نسيتِ أن تخبريه أن ذلك الخط أنا رسمته لكِ وجعلتكِ تسيرين عليه إلي اليوم "

يجف حلقها وكل مشاعرها تتدفق دفعة واحدة شاعرة بضغط رهيب من قلبها على صدرها لكنها ترد بلا مبالاة ثابتة

" مبارك الشقة الجديدة .. عدنا جيراناً يا ... ابن الجيران ! "

يقترب أكرم منها غير سوي النظرات محدقا فيها بغرابة على ضوء الهاتف ليقول بنبرة غريبة كالتحذير

" لن تنام عيناكِ إلا حين تفكرين بي أنا "

انتقل الضغط إلي كل أوردتها فتنتفض خلاياها حتى شعرت بخصلات شعرها تهتز وهى تقاومه وتقاوم البكاء وتقاوم الارتماء بحضنه وتقاوم العشق متسائلة بهدوء قاتم

" هل تتنصت علينا ؟! "

يفرد أكرم ذراعيه قائلا بنبرة ساخرة كريهة

" عليكما ؟!.. بالطبع !!.. ضابط وسيارة وعمل ومال وسلطة وشقة جاهزة ويحبكِ أيضا وما ينقص أن يضع لكِ الملعقة الذهب في فمكِ !! "

ترفض ملامحها وتستنكر كلماتها بهتافها

" حقا ؟!.. هل تحاسبني أم تخدع نفسك لتبرر استسلامك وضعفك ؟ "

أظلمت عيناه البنية المجروحة مسبقا بعذاب الرحيل .. يقف أمامها مستنشقا اللاڤندر الذي لم يغب عن عطرها كأنها تعذب نفسها به .. يعاتبها بخفوت ميت

" أنا ضعيف يا دموع ؟! "

لم تستسلم لهوة الذنب التي يدفعها نحوها فتهتف بقوة واصلة لأخر تحملها

" نعم ضعيف .. ضعيف .. ظننتك بقوة أن تحارب كل شيء لأجلنا لكنك تركتني بكل نذالة وتأتي الآن تحاسبني !!.. شريف هذا انتظرني سنوات وظل لديه الأمل أني سأكون له في وقت كنت أنا بانتظارك توقفت حياتي عليك لتتركني "

أنفاسها متلاحقة متعبة أمام عينيه المحترقتين بذكر شريف وهى تتابع بعنف كل صراع تعيشه بين عقلها وقلبها

" الآن هل تحاسبني ؟.. ليس لك حق الحديث معي حتى .. أنا خطيبة ذلك الرجل الذي يعشقني وسأحبه وأعيش معه وأكافح معه وأنا واثقة أنه لن يهرب كالجبان مثلك "

يثور أكرم بطرق كلماتها على كرامته ورسم مستقبلها الذي كان له يوما يضرب قلبه فيشير لصدره منتفضا من يأس طويل

" أنا جبان !!.. حين احميكِ من نفسي تقولين عني جباناً .. حين ننجب مَن سيكون والد أولادكِ في مدارسهم وحياتهم .. مَن والدهم وما عمله وهو له سابقة سجن وشبهة ؟!.. اجيبيني "

تهتف دموع بعينين متسعتين شديدتي القوة

" لم يكن يهمني "

رد أكرم بعصبية غير طبيعية

" أنا يهمني "

كل عصب فيها يرتجف بالغضب وهى تدفعه بكتفه لتقول بنبرة ثورية

" اذهب إذاً وابتعد عني .. لا تحدثني إلا إذا استطعت أن تعيد لي من عمري ثمانية أعوام انتظرتك فيهم وهو المستحيل يا أكرم "

استدارت دموع لتغادر فيشد ذراعها لترتد مكانها متفاجئة وهو يقول بأنفاسه الهادرة

" أنتِ مستعدة للتخلي عن كل شيء حتى نكون معاً .. بدون تفكير ولا أي ضمان للمستقبل ؟! "

تقف وجها لوجه مع عشق تركها بمنتصف الطريق تسمعه يتابع بنبرة ضارية لم تسمعه منها يوما

" اتركيه إذاً لنعود معاً "

لم يكن هو .. كان صوت المساجين وفاقدي النخوة .. نبرة مقايضة وملامح سرقة ..
تلمس به تأثيرا حيا مما رآه لتدرك الفارق فعليا بينهما .. نظراته الزائغة عليها ليست له ..
‏كان .. كان يريد سرقتها من شريف ليس أكثر !!
‏لكنها لم تصدق للحظات وهى تهمس مصدومة فيه

‏" هل تدرك ما تقول ؟! "

قبضته تشتد عمدا على ذراعها التي تتصلب وملامحه تتخذ لونا ممتقعا في ظلام قاتل جعلها تستعيد صلابتها لتواصل بقسوة

" تريدني أن اترك رجلاً انتظرني سنوات ويحبني بصدق من أجل واحد يخاف الحياة والمستقبل ورمى حبه ووطنه أرضا بتلك السهولة ؟! "

لقد نسى في خضم تخبطه أنه جرحها قبلا في ثوابت وطنيتها .. تآمر على ثورتهما وتنكر لكل معايير كلمة الحرية ..
فكيف تقبل كلمته الآن في ثورة عشق وهو المتنكر لثورة وطن ؟!
تخلص ذراعها من يده وملامحها يكسوها أسف أخير وهى تحسم قرار حياتها المتأخر

" لم نعد كياناً واحداً ... لم أعد أسير على خطك لأني أدركت خطئه ... أنا لن اترك شريف إلا على جثتي يا أكرم ... ولن يفرق بيننا إلا الموت "

بنظرة إلي وجهها وهى تغادره علم أنها تفصل نفسها منه نهائيا .. لقد كانت بالفعل تسير على خط ملكها وحدها .. خط صار لرجل آخر.





دخلت صدفة الحي الذي تسكن فيه بعد انتقالهم هنا فائضة الحزن .. باع والدها شقتهم القديمة لتدبير مال عملية جراحية لجدتها التي ما عرفت سواها أماً وقد رحلت أمها وهى تلدها كما قال والدها ..
سافرت مع جدتها وبعد العودة أقاموا ببلدتهم قليلا قبل أن يعودوا إلي هنا لظروف عمل والدها بمصلحة البريد ، فيشتري شقة صغيرة بهذا الحي بمال قطعة أرض كان عليها نزاع مع عائلته حتى تنازل عنها وأخذ تعويضا مناسبا
حي شعبي بسيط فيه الفقر وفيه الثراء كحال كل البلد
تمر من أمام محل بيع اللحوم ووخزها جسدها بنظرات وقحة تطاردها ذهابا وإيابا .. تفصل ملابسها الرسمية وحتى حجابها كأنه يرى تحته ..
وكالعادة يرتفع الصوت السمج الغليظ

" تفضلي يا آنسة "

نظرت صدفة جانبا لتخفض عينيها سريعا تقول بنبرة جامدة

" شكرا .. السلام عليكم "

تهيم نظرات الرجل يدقق بمشيتها هامسا بوله

" أنرتِ الشارع يا برنسيسة "

خرج صبيه من المحل يقف جواره فيحدثه الرجل بنبرة مدلهة وهو يتابعها بطريقها للبناية

" يا نهار ألوان .. بيضاء وعيون زرقاء !.. الحي لم تدخله هذه الحلويات من قبل يا ولد "

ينفخ الصبي ممتعضا ليرد بضيق

" يا معلم عفيفي هيا لتنظر في الثلاجة لقد وصلت اللحوم من المجزر "

ضربه عفيفي بمرفقه في خصره قائلا بهيامه الأحمق

" اصمت يا ولد .. انظر .. هذه هى اللحوم على حق !.. طوال عمرنا نأكل سمينا ودهون تقف على قلبنا لكن هذا اللحم الصافي لم نجربه من قبل !! "

ينظر الصبي خلفه لداخل المحل ثم ينظر لبطن عفيفي الكبيرة فيقول بحذر

" يا معلم .. المعلمة صباح تنظر إليك "

انتفض عفيفي ناظرا لزوجته بالداخل وملامحها القوية مرفوعة الحاجب فيهمس بامتعاض

" يا رحيم بعبادك يا الله "

يكتم الصبي ضحكته فيضربه عفيفي على مؤخرة عنقه زاجرا

" ادخل يا ولد سددت نفسي عن الدنيا كلها "

دخل الصبي ليتبعه لكنه لم يقاوم نظرة نحو بنايتها هامسا

" آآه .. لحم يذوب في الفم وليس اللحم الجملي بالداخل !!.. والله لاكلم أبيها اليوم ولن يهمني "



دخلت صدفة الشقة تتجه لغرفة جدتها فتجلس جوارها على سريرها تحتضنها متسائلة بلهفة خائفة

" جدتي .. هل أنتِ بخير ؟ "

تضمها نجية ترد بابتسامة طيبة

" الحمد لله صدفة .. خذي أنفاسكِ "

ظلت صدفة قليلا عيناها تلمعان بالدمع حتى ابتعدت تسأل

" ألم يعد أبي ؟ "

ردت جدتها وهى تراقب ملامحها

" على وصول .. خرج من عمله "

تنهض تضع حقيبتها جانبا بوجوم وتخرج ثيابها حيث تنام هنا مع جدتها والغرفة الوحيدة الأخرى يشغلها والدها فتسأل نجية

" ما بكِ صدفة ؟ "

توقفت مستندة على باب خزانة الملابس فتسيل دموعها رغما عنها وهى تقول بقرف

" نظرات ذلك الجزار عفيفي تضايقني بشدة .. لا استطيع إخبار أبي حتى لا يتشابك معه ونحن لا نستطيع مواجهة شخص مثله "

تخوفت ملامح نجية المجعدة بالعمر لتدعو بقلق

" ابعده الله عنا وأعمى عينيه عنكِ يا ابنتي .. لا تخافي واصبري .. سيفرجها الله قريبا "

قلبها يتوجع والنار تأكل فيه بحزن كل شيء بحياتها فتأخذ ثيابها متجهة للحمام وحينها تركت شهقاتها تخرج لكنها تكتمها حتى لا تسمع جدتها ..
تنزع حجابها ناظرة إلي مرآة ما عادت تعرفها .. هل كان ورحلت ؟!.. هل عاد ورحل ؟!
عيناها سماوية اللون .. موجية النظرة .. وببصمته هو فضية الهوى .. أميرة الأمواج
ركدت مياه الحب لتقف الحقيقة منتصبة الأسى .. بكل موعد أخلفه بملء ظروفه لا بملء إرادته .. ظلت تنتظره أن يطلب – يدها – حتى سرق – كلها – بلا طلب ..
وها هو الرحيل أصدر مرسوم حضوره .. قد أتيت وما في وجودي غير الفراق .. الفراق الأشهى للعشاق ..
صدرها ينزف ألما وبكاؤها ينفلت صخبا مريرا حارق الدموع وكلها يدعو دون صوت سوى أنين المدمن خالصاً من إدمانه

( يا رب .. انزع حبه من قلبي يا رب .. لقد صرت أخاف من كل الرجال ولا أريد غيره .. يا رب ساعدني يا رب )

ومن الحب إدمان ما منه شفاء .. سمه في عسله قاتل ولن تتعلمي يا قلوب .. مهما أخذتِ مضادات العشق الفراقية سيظل داؤه أجمل داء.

بعد ساعة دخل والدها إلي الشقة يضع الأكياس التي أحضرها صائحا بحدة

" لا حول ولا قوة إلا بالله .. لا حول ولا قوة إلا بالله "

يتجه إلي غرفة والدته فتجفل نجية بصوته تتساءل

" ما بك يا مهدي ؟ "

يضرب الرجل كفا بكف يرد بانفعال ووجهه أحمر بالغضب

" الرجل الجزار المجنون عفيفي يطلب يد صدفة ويريدها زوجة ثانية على زوجته .. يظن أننا ضعفاء ولن نرفض له طلباً .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. ماذا حدث بالدنيا ؟! "

أتت صدفة من المطبخ تقف على باب الغرفة ونجية تقول بخوف متزايد من تكرار الأمر

" ليتنا عدنا إلي نفس الحي الذي كنا نسكنه ولا دخلنا هذا الحي أبدا "

اقتربت صدفة من والدها حيث جلس على نهاية السرير تقول باشمئزاز

" دعك منه أبي .. حين يسألك عن ردك ارفضه .. إنه رجل مجنون ومنظره يجعلني اريد أن اتقيأ "

نظرات مهدي تحتدم سخطا ليرد بقوة

" هل تظنين أنني لم ارفضه ؟!.. لقد رفضته فعلا وقلت له إنها بعمر بناتك اتق الله .. وجدت وجهه صار ألوانا من الغضب ... اللهم احفظنا وابعده عنا "

تمسد صدفة كتفيه مبتسمة بضعف لتميل مقبلة رأسه ذات الشعيرات البيضاء البسيطة قائلة

" هيا أبي ساجهز العشاء لأني اريد النوم مبكرا "

تنفس مهدي بعمق تهدأ ثائرته لينهض يتجه إلي غرفته قائلا

" حاضر .. يا معين يا رب "

تنظر صدفة إلي جدتها تسبح الله على مسبحتها ذات الخرز الأزرق .. مسبحة من الفيروز أهداها عماد لها حين ذهب والده الشيخ إلي الحج ، فأوصاه أن يحضر مسبحة أصلية الأحجار وليس مجرد هدية رمزية لمعارفهم .. وهذه المسبحة جاءت لها لتهديها هى لجدتها قائلة أنها اشترتها بلا جرأة على قول أنها مهداة من الأغلى على قلبها.
رجفة قلب ترج كيانها فتعود إلي المطبخ تجهز العشاء منتظرة خروج والدها من الحمام لتناديه بصوت منخفض

" أبي "

توقف مهدي مكانه يراها تقترب منه هامسة باضطراب

" لقد ظهرت نتيجة تحليل دلائل الأورام الخاص بجدتي "

يهز رأسه متسائلا فتدمع عيناها تتابع بوجل

" لقد عاد الورم ينتشر بالمخ "

أطرق مهدي لحظات مغتم الوجه ليهمس بتحسر

" لا إله إلا الله .. يا حفيظ "

ظل الصمت يلازمهما بلا قدرة على تحمل فجيعة المرض ثم قال مهدي بخفوت

" لا تخبريها حتى نتابع مع الطبيب ونرى ما العمل "

تهز صدفة رأسها إيجابا لتعود للمطبخ مع صاحبة الحاضر .. الدموع.

لم يبارح السؤال رأسها على العشاء رغم كل الحزن النفسي والقهر القلبي والشقاء الروحي الذي تعانيه منذ عودة عماد وفراقه الثاني ..
بعد أن تعودت غيابه المرة الأولى بدافع خداعه لكن حين عاد اهتزت كل قواعدها التي بنتها أنه مخادع لتصدق .. أنه أخفى عليها فقط ولم يخدعها !
إنه غباء العشق !.. تصديق ما يريد الحب أن نصدقه ورؤية ما يريده لا ما نريد نحن !
لكن طلب عفيفي جعل السؤال يدور بشكل مريب بها .. أهى مغناطيس للمتزوجين ؟!
أحدهما يريدها زوجة رابعة وآخر يريدها زوجة ثانية !!
جعلها الأمر تسأل والدها بصفته رجل وليس بصفته أبيها

" أبي .. لماذا يتزوج الرجل بأكثر من واحدة ؟ "

يتنهد مهدي بغضب متذكرا طلب ذلك الأحمق لكنه يرد

" كل شخص حسب ظروفه يا ابنتي .. وهناك رجال تتزوج هكذا بلا سبب لمجرد أن أعينهم التي لا يملأها إلا التراب رأت امرأة اعجبتهم "

يدها تنغلق وقلبها يرتجف بذكراه تفكر بكلامه متسائلة بتردد

" وإن .. كان هناك سبب أو أُجبِرَ الرجل أن يتزوج اكثر من واحدة ؟ "

يتناول مهدي طعامه ليجيب بنبرة عادية

" التعدد في الزواج أتاحه الله عز وجل لحل المشكلات التي لا تحل إلا بالزواج بشرط العدل بين الزوجات .. كمرض الزوجة او عدم إنجابها .. أو لإعفاف نفسه فبعض الرجال لا تكفيهم واحدة .. فإن أخذ الرجل إتاحة الله أن يتزوج حتى أربع نساء فعليه أن يؤدي واجبه الذي فرضه الله وهو إلزام الرجل بالعدل بين زوجاته "

مرض الزوجة أو عدم إنجابها أو إعفاف نفسه .. تستبعد السبب الأخير في حالة عماد بمنتهى الغيرة .. وتفكر في الأسباب الأخرى لا تجدها مبررا له أيضا !.. عماد لا يفكر هكذا !
إذاً .. هل يمكن أن يكون أُجبِرَ حقا بأسباب مختلفة ؟!.. ما الذي يجعل شاب مثله يتورط في أمر كهذا ؟!
لكنه يحبها هى !.. وإن كانت الرابعة سـ ...
تنزعج ملامحها والخبز بيدها تقضم منه لتسأل بلا قدرة على تجاهل الأمر

" وإن أحب الرجل واحدة أكثر من الاخريات ؟ "

ينظر لها مهدي متمعنا شاعرا بضيقها من طلب عفيفي ! .. ليقول بتفهم

" العدل المقصود هو القسمة السوية في المكان .. الزمان ..متاع المكان وشكله وأثاثه .. ومتاع الرجل نفسه أيضا بمعنى ألا يجعل شيئا له قيمة عند واحدة وشيئا لا قيمة له عند الأخرى .. إذاً العدل المقصود هو عدل أي شيء من اختياره .. لأن العدل فيما لا يدخل في اختياره لا يكلف الله به وهو العدل القلبي وميل النفس لواحدة دون الاخرى .. ذلك ليس بيد الرجل ولا قدرته كأن يرتاح نفسيا عند واحدة ولا يرتاح عند الاخرى .. أو يحب واحدة أكثر "

تستمع نجية إلي صوته حتى أنهى كلامه فتقول متذكرة

" جدكِ الكبير كان متزوجا من أربع .. رحمه الله .. حين كانت تموت واحدة يتزوج بدلا منها وظل هكذا حتى مات وعمره تسعين عاماً .. لا اعرف إن كان يعدل بينهم أم لا فقد كانوا جميعا بمنزل واحد وكل واحدة لها غرفتها .. لكن كان الجميع يحبه ويحترمه .. كان كبير العائلة "

رد مهدي على كلامها

" كان حال كثير من الرجال بالماضي أن يتزوجوا أكثر من واحدة لكن بالتعليم والثقافة قلّ الأمر في المجتمع "

تشرب صدفة بعض الماء هاربة بنظراتها منهما لتقول بانزعاج

" هناك احصائيات تقول أن تقريبا أربعة رجال من كل مائة رجل متزوجين أكثر من واحدة ومنهم أصحاب تعليم جامعي "

لا تصدق أنها بحثت يوماً بالأمر حين صدمتها زوجته الأولى فيه .. كانت هذه هى الاحصائيات بتلك السنة ولا تعرف هل قلت النسبة أم ازدادت ؟!
لا يدرك مهدي الأمر حقا لكنه صار نقاشا عاديا فيقول

" وكل شخص منهم له ظروفه المختلفة عن الآخر .. فالله لم يأمر بالتعدد بل أباحه .. والمباح أنت حر في اختياره بشرط أن تؤدي واجبك فيه .. أصل التعدد لم ينشئه الاسلام بل جاء الاسلام ليحدده ويقيده .. كان موجودا قبل الاسلام فكان الرجل يتزوج ما يشاء حتى اسلم البعض وعلى ذمتهم عشر نساء .. فأمرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يمسكوا أربعاً فقط .. ثم إن التعدد لا يصلح لأي رجل فإن كان رجلا لا يؤدي واجبه نحو بيته الأول فلا ينفع أن يفتح بيتا آخر "

هل يؤدي واجبه نحو الثلاثة بيوت إذاً ؟!.. صحة ومال ابن الذوات !!
تضغط أسنانها بغيظ مقيت يجتاحها تجاه عماد ووضعه الشبه شاذ قائلة باستغراب

" يقولون إن سألتم امرأة تخطت عمراً معيناً أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة أم تعيش العمر وحيدة بلا زواج فستختار أن تكون زوجة ثانية أو حتى رابعة لكن لا تعيش وحيدة "

ردت نجية بأسى متذكرة حال كثيرات ببلدتها

" الوحدة صعبة يا صدفة .. لا كتبها الله على أحد "

تكتئب ملامحها صامتة وأفكارها تأخذها لمنطقة شديدة القتامة ومهدي يجيبها

" بالماضي كان سيكون الاختيار أن تكون زوجة ثانية لكن فتيات هذه الأيام ستختلف آرائهن مؤكد .. وحتى الزوجة الأولى ربما تطلب الطلاق لكن لا يتزوج عليها فهى تخاف من التعدد لأن الزوج سيتجه بنفسه وزمنه وحتى بسمته للأخرى فتكره أن يشاركها أحد ما هو لها "

قلبها يدق بأمل كاذب ينحره عقلها سريعا وينحرها معه كلما تذكرته .. فهل يتعذب هو بها مثلها ؟!
تغيم عيناها بنظرة غريبة داكنة الأسف لتهمس برثاء نفسها

" ليس كرها فقط يا أبي .. بل معاناة كاملة "





طرقت إيزارا الباب لتفتحه حين أمر بالدخول قائلة بلغتها الفصحى الضعيفة

" سيد شهاب إنهم يستعجلونك بالأسفل "

نظر شهاب إليها طويلا بدقة عجيبة محدقا في وشاح ذهبي داكن بلون بشرتها تحيط به رأسها تماما ليعلوه وشاح إفريقي ملون .. الوشاح الذهبي يتطابق مع بشرتها تماما فيبدو قطعة من جبهتها مخفيا لشعرها تماما
فيقترب منها كاقترابه من فريسة وهى تميل للخلف باستغراب مشيرا للوشاحين متسائلا

" ما هذا إيزارا ؟! "

تناظره بعينين متسعتين بقولها

" لا افهم "

الوشاح الذهبي يضايقه بلون بشرتها فيقول ببؤس

" هل يمكن أن اطلب منكِ طلباً ؟ "

اعتدلت في وقفتها تجيبه بابتسامة الناظر إلي مجنون

" بالطبع سيد شهاب تفضل "

حك شهاب أنفه ليتنحنح صامتا لحظات ثم يسأل بشجاعة حذرة

" هل يمكن أن تحرري شعركِ ؟ "

تندهش ملامحها ببطء تستوعب لينعقد حاجباها متسائلة بارتياب

" لماذا ؟! "

البؤس يزداد على وجهه مجيبا

" مؤكد هو أكثر جمالا من هذا الوشاح إيزارا ! "

ملامحها أصبحت جادة للغاية وهى تجيب

" لم اعتد أن احرر شعري في العمل سيد شهاب "

زم شفتيه ناظرا إليها يقول بعناد

" وأنا صاحب العمل يا نهر الخمر ولابد أن تستمعي إليّ ! "

لم تبتسم لدلالها هذه المرة وهى تهتف بعناد أكبر

" ليس قبل أن تعطيني سببا مقنعا "

يزمجر شهاب ووجهه في وجهها

" هل تريدين سببا مقنعاً ؟! "

ترد إيزارا بقوة

" نعم "

يظهر الشر على وجه شهاب مضيقا عينيه يقول بنبرة خافتة مريبة

" هذا الوشاح يجعلنا نظنكِ صلعاء "

تلجمت إيزارا للحظات مصعوقة تنظر إليه هامسة

" صلعاء !! "

يشمخ شهاب وهو يمثل الجدية بجدارة فيقول بأسف مصطنع

" نعم إيزارا .. كنت احسبكِ صلعاء !!.. خدعتِني ! "

تجاوزها خارجا من الغرفة لتهمس بصدمة

" أنا صلعاء !! "


نزل شهاب إلي البهو حيث تجلس تحية جوار عديلة ورنوة بالقرب منهما على كرسي منفصل ينقل نظراته بينهم بريبة وقد لاحت على وجوههم صدمة واضحة وغاب رمزي كالعادة فيبتسم متسائلا

" ماذا هناك ؟! "

لا يرد أحد بنفس الحالة العجيبة التي تلبستهم فيكرر

" ما هذا الصمت ؟!.. ماذا حدث ؟! "

جميعهم ينظرون أرضا وفؤاد يحدق بهم بقوة عينيه يتحدى مخلوقا أن ينطق فتتبرع عديلة بالقول الخافت

" فؤاد عنده ولد "

يميل شهاب برأسه جانبا موجها أذنه نحوها متسائلا بابتسامة عريضة

" عنده ماذا يا خالتي ؟! "

كتفت عديلة ذراعها لتستند بالذراع الأخرى عليها تغطي فمها بيدها تجيبه بتوجس

" عنده ابن .. ابن "

ما زال شهاب بنفس ملامحه البلهاء ينظر نحو فؤاد ضاحكا يسأل

" يا رجل !!.. كيف ؟!! "

مسح فؤاد على لحيته المهذبة والتي هى الشيء الوحيد المهذب به فعليا لينظر لشهاب بنفاذ صبر يرد بوقاحة

" كيف تأتي الأولاد يا ذكر ؟!! "

فغر شهاب فمه لحظات طويلة عاقدا حاجبيه بملامح أكثر بلاهة ليجلس على كرسي خلفه سائلا بلا استيعاب

" هل تتكلم بجدية ؟! "

يزفر فؤاد نفسا ملتهبا ناقلا نظراته بينهم لتتركز على أمه وهى تستوعب الخبر ببطء مصدوم ثم تقول فجأة

" من حرام يا فؤاد .. حفيد الرافعين ابن حرام .. يا سوادي .. يا سوادي "

تلوي عديلة فمها يمينا ويسارا منكمشة على نفسها تهمس

" يا للخيبة الثقيلة ! .. يا خيبتك يا كبير العائلة !! "

وقف فؤاد لا يدري ما يحدث داخله لكن كله يطحن كله في رحى مؤلمة نافرا من نفسه ناهرا بصوت جهوري مخيف

" إياكم أن اسمع هذه الكلمة بهذا البيت مجددا .. أمه ستكون زوجتي وابني سيعيش هنا في خير أبيه ويرث كل هذا من بعدي .. أحسن لكم إن تقبلتموه سريعا لأن كلمتي أنا هى التي ستسري على الكبير والصغير "

يستوعب شهاب الأمر أنه حقيقة فيقف قائلا بجدية ناقلا نظراته بينهم

" إن كان فؤاد له ابن جاء من خطأ فها هو يصلح الخطأ وعلينا نحن تقبله لأنه بالنهاية مهما أردنا أن ننكر فإن هذا الطفل يحمل دمنا .. دم الرافعين "

يستدير فؤاد واضعا يديه في خصره أسفل سترته الجلدية السوداء يتنفس بانتظام مريب ليلتفت نحو شهاب قائلا

" كريم ليس طفلا .. عمره ثمانية أعوام "

تضرب تحية على رجليها بفداحة المصيبة التي حلت عليهم ورنوة تنظر لظهر فؤاد بتفاجؤ ثم تنظر لخالتها عديلة وهى تشير بيديها علامة الخيبة .. الأثقل !!
ووسط الدهشة يحك شهاب رأسه بلا فهم متمتما

" منذ ثمانية أعوام !! .. كنت أنا في الكلية أجاهد بين التاريخ والجغرافيا وأنت في الـ..... !! "

نهضت رنوة تتجه إليه تقف أمامه قائلة برقتها

‏" لا تخبره أن يقول عمتي .. ساعلمه أن يناديني باسمي ونكون أصحاب "

‏شبه ابتسامة باهتة تظهر على شفتيه وهو يلامس جانب وجهها بحنان كفه البعيد عن احتراق عينيه ..
‏ليغادر بعدها تاركا تحية تتقبل الأمر الواقع .. ذاهبا إلي موعد لابد أن يعتاد عليه بعد الآن .. موعد ابنه.





بين سحر غامض ومهابة الجبال تسير على الرمال التي تحوي أسرارا لم تُكشَف جميعها بعد .. تتلاقى العراقة بجمال حضارة لا يمكنك ألا تقع بغرامها فور معرفتها
وهنا .. في مدينة الشمس .. غرام أكثر إشراقا .. ومعنى
توقفت فجر أمام مجموعة الطلاب التي تتقدمها لتستدير إليهم حذرة الخطوات على الرمال بالقول

" حين أرادت الجامعة أن تقوم بهذه الرحلة لم اتردد .. جمعت لكم كل ما في المنهج الدراسي عن الأقصر وتاريخ الآثار بها وتركت باقي المنهج ندرسه في مدرجات الكلية لكن اليوم .. استمتعوا بشرح عملي لن تنسوه طالما رأيتم بأعينكم "

تتابع كلامها وهى تنظر في وجوههم وهم يبسطون كفوفهم على جباههم يحتمون من الشمس

" جئت الأقصر مرة واحدة في حياتي اثناء مشروع التخرج ولم انسها مطلقا .. يقولون أن هنا ثلث آثار العالم لكن المقولة الأصح أن هنا أهم آثار بالعالم "

تتحرك فجر بملابسها الأنيقة وحجابها الوردي تواصل بفخر

" الأقصر .. مدينة الشمس .. هى طيبة عاصمة مصر في العصر الفرعوني .. واليوم هى عاصمة الحضارة الفرعونية وبقرار من جامعة الدول العربية صارت الأقصر عاصمة الثقافة العربية .. أما اسمها فقد أطلقه العرب عليها وهو جمع الجمع لكلمة قصر لكثرة قصور الفراعنة بها "

يتوزع الطلاب هنا وهناك وهى تشير للأرض حولها قائلة

" من هذا المكان تحديدا أردت أن أتحدث إليكم .. من وادي الملوك .. مكان فريد .. ساحر .. ثري بالاكتشافات التاريخية ويحمل أسرارا إلي اليوم لم يكتشفها أحد .. يعتبر مركز دراسة علم الآثار وعلم المصريات .. هو اختيار القدماء المصريين لتشييد مقابر الفراعنة والنبلاء .. فهناك هضبة هرمية الشكل تشرف عليه والهرم عند الفراعنة يرمز للشمس .. كما أن له منفذ واحد فيسهل حراسته من سارقي القبور .. كان أهم الاكتشافات به مقبرة توت عنخ آمون التي أبهرت العالم .. يقول هاورد كارتر مكتشف المقبرة أنه حين دخلها وجد بريقاً يلمع ليجد قناع توت عنخ آمون الذهبي حيث وجه الملك الشاب "

تتقدم للأمام تخرج مفكرتها لتقرأ النقاط التي عليها شرحها متابعة وهى تشير لاتجاهات معينة في الوادي

" وإلي اليوم تم اكتشاف ثلاث وستين مقبرة على جدرانها رسومات ونقوش بديعة التصميم عن عقائدهم ومراسمهم لتكون مقبرة الملك حور محب هى الأجمل فيهم لأنه قد تم طلاء رسوماتها لتشكل جدرانها لوحات فنية مميزة .. وعلى بعد مسافة قصيرة يوجد وادي الملكات الذي خُصِصَ لمقابر الملكات وأشهر وأجمل مقبرة به هي مقبرة الملكة نفرتاري زوجة رمسيس الثاني حيث كانت له الزوجة الأعظم و الأجمل لذلك اسماها نفرتاري أي جميلة الجميلات .. ولقد أراد رمسيس الثاني أن يعبر عن شدة حبه لها فأمر بإنشاء أجمل مقبرة لأجمل ملكة .. وظهر فيها مهارة الفنان المصري بكيفية تصوير نفرتاري وهي ترتدي أثواب جميلة الشكل "

يضحك الطلاب معلقين بنكات خفيفة الدم عن زوج يهدي زوجته مقبرة فتقول فجر ضاحكة

" نعم نعم لأنه يحبها أهداها أجمل مقبرة !!.. لأن المقابر عند الفراعنة كانت أهم من قصر الملك نفسه .. لاعتقادهم بالبعث بعد الموت كانت الحياة الأبدية بعد الموت مبتغاهم ويستعدون لها منذ حياتهم .. يا رب نتعلم شيئا !! "

تخفت ضحكاتهم البعض ناظرين أرضا والبعض يبتسم برضا فتنتقل للنقطة التالية في المفكرة قائلة

" وفي زيارتنا لمتحف الأقصر سنرى مجموعة من التحف كانت داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون بالاضافة إلي المومياوات الملكية للفرعونين أحمس الأول ورمسيس الأول بداخل المتحف .. وتعرفون أن هذا الجزء المفضل عندي ولا اعرف لماذا ؟! "

تنهي كلامها بابتسامة عريضة ناظرة إليهم حين لمحت وجها ليس من طلابها !!.. وجه يبتسم محدقا في عينيها ليرفع قبعته السوداء يميل برأسه لها في تحية أنيقة ثم يرتدي قبعته مجددا !
تكسو الجدية ملامحها تلتفت لتشير باتجاه المعبد القريب تقول بنبرة باردة عالية

" وهنا ترون معبد حتشبسوت التي تعتبر أول ملكة فرعونية حكمت مصر وهو تحفة معمارية من ثلاثة طوابق .. وتكمن أهميته في تصوير البعثات البحرية إلي البلاد الاخرى للتجارة فعرفنا معلومات عن اقتصاد مصر المزدهر بتلك الفترة .. كما أن روعته في دقة النقوش واحتفاظها بألوانها رغم آلاف السنين .. أما عن حتشبسوت فيقال أنها كانت جميلة وهى أول من ارتدت القفازات المطرزة بالأحجار الكريمة لوجود عيب خلقي بأصابعها وكُشِفَ ذلك بعد رؤية موميائها "

رغما عنها عيناها تتجه نحوه وشعره يتطاير بابتسامته فتحاول التركيز مواصلة

" وهناك مصدر آخر مهم للمعلومات العسكرية .. معبد الرامسيوم الذي بناه الملك رمسيس الثاني وهو أكثر الملوك الذين بنيت لهم معابد .. يضم المعبد تماثيل ضخمة له ونقوش تحكي وقائع معركة قادش التي انتصر فيها رمسيس الثاني على الحيثيين وكيفية تخطيطه للحرب بالصور المسجلة على الجدران "

تستعيد فجر تركيزها فعلا فتشير بيدها مؤكدة

" إذاً من ذلك نفهم أن المعابد ليست مجرد أبنية وصروح تدل على القوة أو عظمة الفن فقط .. لكنها حكايات الدولة والأسرة الحاكمة وكل ما يتعلق بشؤون البلد .. إذا نظرنا لمعبد مثل معبد الأقصر الذي يندرج تحت قائمة التراث العالمي لجماله وعراقته نجد أنه من المعابد المعقدة .. فمن بداية اختيار موقعه ليكون على خط واحد مع معبد الكرنك وحتى انتهائه شارك في بنائه الكثير من الملوك فكان كل ملك يضع بصمة خاصة حتى نتج المعبد بشكله النهائي المبهر وسنراه في رحلتنا بالطبع "

اقترب زايد قليلا متجاوزا بعض الطلاب ليتضح لها أكثر وهى تتابع

" ويصل بين معبدي الأقصر والكرنك الطريق المسمى بطريق الكباش .. وبه تماثيل لأبي الهول برأس كبش .. والكبش هنا يرمز للإله آمون لحماية المعبد .. لنصل لأشهر المعابد وهو معبد الكرنك وهو ليس معبدا واحدا بل مجموعة معابد وأبنية حيث يتكون من عشر صروح مع بعضها تشكل المعبد كوحدة واحدة .. وأيضا شارك في بنائه الكثير من الملوك تعاقبوا علي حكم مصر فكان كل ملك يبني صرحا ليضيف اسمه للمعبد "

ازداد جسده ضخامة مهيبا بعضلات بارزة أكثر من اللازم فناسب النقطة التالية تماما ونظرتها تتركز عليه

" ومن التماثيل التي أراها مهيبة في موقعها وشكلها تمثالا ممنون وهما عملاقان كبيران في الطريق المؤدي لمعابد ومقابر غرب الأقصر .. فكأن بنائهما هنا بقصد حراسة الطريق وكافة المعابد بالغرب علما أنهما للفرعون امنحتب الثالث ومن بقايا معبده .. وسبب تسمية التمثالين بـممنون يتعلق بأسطورة .. وهى أنه حين تصدع التمثالين في عهد الإغريق كانت تصدر منهما أصوات تشبه غناءا حزينا بسبب مرور الهواء من الشقوق .. فقال الإغريق أن هذه الأصوات هى بكاء أم بطل عندهم يدعى ممنون قُتِلَ في حروبهم "

كان عملاقا بالفعل بالنسبة إليها فاستدارت لتنهي بداية شرحها العملي بقولها الثابت

" وغير هذا سترونه بأعينكم على مدار الرحلة لندخل في جزء آخر بمنهجنا وكيف تمت عملية التحنيط باستخدام ملح النطرون وأسرار كتاب الكهوف وكتاب الأرض وكتاب الموتى حيث كانوا يضعون نصوصا منها على برديات مع الفرعون في رحلته الأخيرة .. إنه صميم علمنا .. علم المصريات "

أدخلت مفكرتها في الحقيبة لتنظر إليهم قائلة

" الآن لديكم وقت لتتجولوا في وادي الملوك أولا وسأكون معكم نتحدث عنه بتفصيل أكبر ومَن يريد أن يتصور أو يأكل لكم كل الحرية "

تفرقوا حولها كلٌ فيما يشغله فلم تهرب وهى تثبت مكانها وزايد يتقدم ليقف أمامها أطول منها بكثير فتسأله ببرود

" كيف جئت إلي هنا ؟! "

خلع زايد قبعته السوداء الامريكية فيتناثر شعره المتجاوز كتفيه بالهواء مجيبا بابتسامته

" بالحافلة !! "

عيناها قويتان صامدتان حافظة مركزها كمعيدة فتتحمل سخافته متسائلة بهدوء

" كيف عرفت تفاصيل الرحلة ؟ "

يدير زايد سبابته جوار عقله يتصنع التفكير مجيبا

" اممم كنتِ تتكلمين أمام شقتكِ على الدرج .. أظن البناية بأكملها سمعت التفاصيل !! "

أطبقت فجر شفتيها متذكرة تلك المكالمة التي تلقتها على الدرج قبل أن تدخل شقتها ناسية أن الشقة التي أمامها عادت مسكونة !!
اومأت برأسها لتسأل بنبرتها الباردة

" حسنا عرفت التفاصيل .. ما الذي أحضرك إلي هنا ؟!.. لست طالبا عندي على ما أظن ! "

سبابته تتحرك كعادة قديمة ينبهها ليرد ببساطة

" أنا الآن مواطن يزور بلده بعد سنوات غياب طويلة .. ثم إني وجدتها فرصة لأراكِ وأنتِ تتحدثين عن مصر العظيمة بكل فخر !! "

ثقيلا على قلبها وحين ذكر مصرها تصلبت عيناها تقول بضيق قديم

" ما زلت لا تحبها "

يلف زايد حول نفسه ببطء ناظرا لجبال وادي الملوك تحيطهم قائلا باستهتار

" لم احقق شيئا فيها لأحبها .. لكن دعكِ مني .. صرتِ معيدة يا فجر !! "

استهتار أكبر من الماضي وقد غدا رجلاً ليس كالشاب المراهق في شكله لكن في سوء طباعه لترد بقوة فخورة

" معيدة مصريات يا زايد .. حققت شيئا اعتبره كبيرا للغاية .. في مصر .. وصميم العلم المصري .. وعن التاريخ المصري "

يلتفت برأسه للخلف نحوها مبتسما قائلا باستهزاء مبطن

" صدفة !.. قليلون مَن يصلوا بهذا البلد .. هناك الكثير من المظلومين يستحقون مكاناً أخذه غيرهم بالواسطة والمحسوبية "

تتمالك فجر أعصابها المشتعلة ترد بنبرة تحمل بعض التعالي على جهله

" صحيح .. لن ننكر الظلم لأنه موجود بالفعل وكثير جدا .. لكن هل مصر هى الظالمة أم بعض شعبها ؟!.. هل تستطيع إدراك الفرق ؟! "

تحرك حولها باستفزاز قائلا بسخرية

" لا بأس لن أتجادل معكِ .. فأفكاركِ العقيمة لن تتغير ! "

هذه المرة لم تتمالك أي اشتعالات وهى تجابهه بتحد

" مثل حياتك العقيمة مثلاً ؟! "

ألجمته ! .. كان واضحا أنه ذهب وعاد كما هو
توقف مكانه صامتا واجما فاستدارت هى تقف أمامه بتكبر تنظر لعينيه القاتمة بابتسامة أكثر سخرية بقولها

" ذهبت إلي امريكا وعدت كما أنت .. نفس الفشل .. نفس سكن والديك رحمهما الله .. نفس الشخص .. لم يتغير فيك إلا استطالة شعرك !!.. كنت أظن أن العيب في مصر وقلت امريكا بها الحل السحري لكنك اثبت لي خطأ الأمر بلا شك !! "

يزدرد زايد ريقه بصمته الصاغر أمامها قائلا بهدوء

" شكرا لترحيبكِ بي يا مصرية "

يتجاوزها مبتعدا يكمل رحلته مع نفسه ..
اشعرها بالذنب لكن .. لن تنسى أبدا .. مَن يهين بلده يستحق ألف إهانة.






يجلس طاهر بجسده الممتلئ ووجهه البشوش مستكين الملامح أمام يحيى المستريح على فراشه بعد خروجه من المشفى يربت على صدره قائلا بحنان

" أقلقتني عليك يا يحيى "

هادئ الملامح راضي الوجه يرد يحيى بصوته الطفولي العذب

" أنت المخطئ يا جدي .. المفروض أنك تعودت فلمَ تقلق ؟! "

تضحك وصال بألم وهى تجلس جواره تتلاعب بشعره الناعم وعماد يقف عند باب الغرفة مبتسما وطاهر يقول بصوته الأجش

" معك حق أنا المخطئ لكنني أحبك وأخاف عليك ماذا افعل ؟! "

يهز يحيى كتفه قائلا ببساطة الحل

" تعال واجلس معنا دائما "

ضحك طاهر عاليا ليقول

" لن ينفع يا يحيى .. هذا بيتكم وأنا لي بيتي "

تحرك يحيى بجسده الصغير جانبا على سريره ليرد عليه مشيرا جواره

" لمَ لن ينفع ؟!.. هناك مكان تنام فيه .. أو تنام جواري "

يميل طاهر يقبله متأثرا قائلا بابتسامته الحنونة

" يا حبيبي حاضر .. ساحضر ملابسي واشيائي من بيتي واحضر إليك لنلعب ونحل واجبات المدرسة .. اتفقنا ؟! "

يرد يحيى ببراءة غير مدركا لتأثيره عليهم

" أنا لن استطيع الذهاب إلي المدرسة إلا بعد أسبوع يا جدي "

وقفت وصال تتنهد بتعب تتجه نحو عماد فيمسك يدها يطمئنها بعينيه وعينا طاهر تدمعان متسائلا برقة

" لا بأس .. أنت في إجازة .. كل زملائك يحبون الإجازة فلمَ لا تحبها أنت ؟! "

عينا يحيى تتجه نحو عماد بنظرة دقيقة يرد بعبوس حزين

" لأن أبي وعدني أنني ساتعلم الچودو وهكذا سيعود في كلامه "

بسط عماد كفه على صدره متسائلا بتفاجؤ مصطنع

" أنا اعود في كلامي يا يحيى ؟! "

نظر يحيى نحو وصال بغضب مبكر مؤكدا

" نعم .. ستقنعك أمي أنني مريض وتمنعني من التدريب "

تتسع ابتسامة عماد قائلا بنبرة متلاعبة ناقلا نظراته العفوية بينهم

" من جهة والدتك فهى ستمنعك مؤكد لكن لا تقلق لن اجعلها تقنعني ! "

لوح يحيى بيده بلا اهتمام متذمرا

" في النهاية توافقها ! "

تتعالي ضحكاتهم صادقة من قلوب ذاقت ويل الألم أعواما لكن كلمة من شفاه طفل صغير سالما تعيد أرواحهم الغائبة
يقبل طاهر يحيى يحتضنه بقوة يودعه ليتكئ على عصاه واقفا بإجهاد قوله

" أنا سأذهب .. هل تريدون شيئا ؟ "

ردت وصال وهى تأخذ بيده

" سلامتك يا أبي "

تحرك عماد نحوه ممازحا بخبث كما اعتاد معه

" ألا تريد أن تنفذ كلام يحيى وتأتي لتعيش معنا بدلا من الجلوس وحدك يا رجل يا طيب ؟!.. تقلقني عليك ولا اعرف ماذا تفعل وحدك وأنت في هذه السن الخطرة ؟! "

يتبسم طاهر ضاحكا يجيبه بخبث مثله متجها مع وصال لباب الشقة

" هل تريد أن تكتم على أنفاسي في هذه السن كما تقول ؟!.. دعني أعيش بحريتي دون مراقبة .. الدنيا حلوة يا عماد "

يضحك عماد قائلا بصخب متحدثا إلي وصال

" يا رجل يا ماكر !! .. هل رأيتِ والدكِ كيف فسدت أخلاقه ؟! "

تبتسم وصال تميل تقبل كتف والدها وعماد يربت على كتفه الأخرى قائلا

" ساسبقك لأطلب المصعد "

دائما ما يترك لهما مساحة لحرية الكلام يأخذها طاهر فيلتفت إلي وصال يحاول إقناعها

" ألن تستمعي إليّ وتعيشي حياة طبيعية مع الرجل ؟.. سنوات تمر وعقلكِ صلباً .. حرام عليكِ تحرمينه حقوقه الشرعية "

يتخضب وجه وصال بالحرج لكنها ترد بملامح معكرة حادة القرار

" لن نتكلم في هذا مجددا .. لن أعيش حياة طبيعية مع رجل ستر عليّ لأظل طوال عمري مكسورة العين أمامه "

تنفجع ملامح طاهر هاتفا بنبرة منخفضة جزعة

" يا للمصيبة .. هل تنتوين على الطلاق ؟ "

تجمدت ملامحها بذكرى الماضي منطفئة الجمال .. وخبا زمرد عينيها على صفحة وجع عميق منكسر بغيض
تهز رأسها نفيا تجيبه وهى نفسها لا تعرف غيره جواباً

" لا .. لكن أنا وهو مرتاحين هكذا .. أنا وافقت على هذا الزواج حتى لا نهرب ونعيش في خوف لكن أكثر من هذا لا "

حرفان يحملان أنانية جديدة منها لكن ماذا كان بيدها سوى الموافقة على سترٍ مُقدَما إليها أمام الجميع ؟.. زفافاً لم تحلم به وسط أهلها بالصعيد .. ورفعة رأس أمام الدنيا
نحن البشر أنانيون بطبعنا حين يتعلق الأمر بنا نتجه بلا جدال لما فيه خيرنا .. قد نتردد قليلا حين نورط أحدا معنا لكن الغلبة دائما لأنفسنا .. طبيعة بشرية ..
وهى ترددت ورفضت وحين تكرر طلبه وافقت مبررة أنه هو الذي اختار !.. أكرمه الله !!
قلب أبيها يحيا بجرحه وقهره على ابنته لكنه يحمد الله على تدبيره سبحانه هو الذي أرسل إليهم رجلا يحمل عنهم الوجيعة ..
وهى تدرك مشاعره وألمه فتقول بنبرتها الهادئة الراضية

" اعلم أن عماد رجل وشهم ويستحق كل الخير ولم يرض ضميره أن يتركني هكذا حين عرف بأمري .. ولن يكسرني أو يذلني يوما لكن .. لن تنكسر عيني بأي شيء ولو حتى شعور بداخله يا أبي "

يتصبر طاهر بعون الله له يخرجه من كل ضيق فيدعو بصدق

" هداكِ الله يا وصال "

خرج يلحق بعماد يدخلان المصعد وهى تغلق الباب لتستند عليه لحظات بلا أدنى تراجع ..
هى بخير الآن .. وهكذا !!.. ولن يتغير هذا .. لن تنكسر مرة أخرى مع رجل يعرف حكايتها كاملة .. ربما مع أول بادرة شجار بينهما يعيرها بنفسها .. تعلم معدن عماد الأصيل أنه لن يفعلها لكن .. إنها تلك ( السوسة ) التي تنخر بالرأس زارعة احتمالاتها الكريهة .. وهى لن تتجاهل تلك الاحتمالات !.

فتح المصعد بابه ليسند عماد ذراع طاهر ويتجهان لبوابة البناية الفخمة على الأرض الرخامية فيسأل بتردد

" كيف حالها وصال معك يا عماد ؟ "

رد عماد بشجن مبتسما بارتياح

" نعمة يا عم طاهر .. النظر بوجهها يشفي الروح "

بل هى تلك الروح .. ميزان صافٍ يعتدل به بحياته كلما تنقلب يجد وصال ويحيى يرجحان بكفة النور
توقف طاهر عند المدخل يلتفت إليه ضاغطا على عصاه يقول بحرج

" سلمت يا بني ... لكن أردت سؤالك عن علاقتك بها "

يعقد عماد حاجبيه متسائلا فيتابع طاهر بجدية هادئة

" أنا أريدها أن تعيش مثل باقي البنات يا عماد .. هى أم لكنني ما زلت اعتبرها صبية وفتاة وليست كبيرة عانت كثيرا .. اعلم أنك وعدتها ألا تبادر معها وستبقيها في حمايتك وجزاك الله بما فعلته خيرا .. لكن أنا اليوم اطلب منك أن تبادر معها .. ربما ينصلح حالها "

ابتسم عماد بتفهم آخذا بيده يخرجان من البناية وهو يرد

" وصال بأفضل حال يا عم طاهر .. وبعد علاجها النفسي مما حدث أصبحت تدرك ما تريده وما لا تريده .. لكن لا تقلق سيكون كل شيء بخير "

اومأ برأسه بقلق لا يعرف تفكير وصال أين سيأخذها قائلا بخفوت

" أكرمك الله يا بني "

يتجه عماد لسيارته قائلا

" هيا سأوصلك "

ابتعد طاهر خطوة يرد بجدية

" لا والله .. اصعد إلي بيتك .. أنا سأنهي مشوارا قبل أن أعود للبيت "

اومأ عماد مبتسما ليتقدم نحو الشارع مشيرا لسيارة أجرة ثم يساعده على الولوج فيها ويخرج نقودا يعطيها للسائق بقوله

" تظل مع الحاج أينما يذهب حتى تعيده إلي بيته "

يرفع طاهر يده بسلام ممتن وعماد يقف قائلا

" في رعاية الله يا حاج "

يراقب السيارة تغادر وفكرة واحدة تقفز بشقاوة لعقله ..
ما بال الجميع يطلب منه إتمام الـ.... ؟!!.

دخل عماد الشقة متجها لغرفة صغيره مناديا

" يحيى "

ارتفع صوت وصال من البهو حيث تجلس

" نام يا عماد "

يتوجه إليها متوقفا قليلا وهو يراها تقرأ فيرتفع أحد حاجبيه وضحكة تكاد تنطلق منه ببؤس حاله !
لم يكن يهتم بفكرة الجمال النسائي من قبل حيث كانت سلاف هى الأولى والأخيرة .. اليوم صار محاطاً بجميلات كل منهن تمثل في حياته نقرة ! .. ليلة نقرة ووصال نقرة أخرى وروينة .. نقرة أخرى جدا جدااا !!
يقترب منها معتادا جمال شعرها حين ينسدل يحيط بشرتها الحليبية واخضرار عينيها المزهر .. جلس جوارها ناظرا للرواية فيسأل بدهشة زائفة

" أريد رجلا !!.. لهذه الدرجة لا املأ عينيكِ يا وصال ؟! "

ضحكت وصال بينما ينتبه عماد لاسم الكاتبة آخذا الرواية منها يقول باستغراب

" نور عبد المجيد .. الرواية السابقة كنتِ تقرأينها لها أيضا !! "

تأخذ وصال الرواية من يده ترد

" رغم أن مواضيعها مكررة مثل الخيانة او الرغبة في المولود الذكر لكنها تعرف كيف تعرضها وتكسب ثقة المنتجين أن يحولوا الرواية إلي مسلسل تليفزيوني ينجح جماهيريا .. كاتبة ذكية "

يدقق النظر فيها شاعرا حدساً ما ليبتسم بغرابة يمد لها مفتاحاً بنفسه

" اعلم أنكِ تحبين الكتابة .. لو كتبتِ رواية هكذا سأساعدكِ أن تُنشَر وتُحوَل إلي مسلسل أيضا "

عيناها تتعمق تتألق بالفكرة تتساءل بشك

" حقا ؟! "

خطف عماد الرواية مجددا ليقول بعبث

" عيب !.. كلمة شرف .. لكن دعينا نعود للسؤال المهم .. أريد رجلا !!.. لهذه الدرجة لا املأ عينيكِ !! "

تتضاحك وصال محاولة أخذ الرواية فيبعدها عنها وهو يميل مرتكزا بمرفقه جوارها على الأريكة فتضرب كتفه هاتفة

" توقف .. هيا امشِ "

ملامحه تمثل الصدمة الحزينة قائلا بعتاب زائف

" تطردينني من بيتي أيضا !!.. فسدت أخلاقكِ أنتِ أيضا يا وصال ! "

ضحكها لا يتوقف وهو يعلق الرواية بذراعه لأعلى متدللاً فتنهره بحزم مصطنع

" عماد ... هيا اذهب إلي روينة "

على نفس وضعه يقترب منها أكثر وهو يقول بنبرة استعراضية

" أنا أريد أن أظل هنا هل عندكِ مانع ؟!.. وروينة حبيبة قلبي لم تتضايق لأجل يحيى ! "

تبعده وصال متذمرة وهى ترد

" روينة حبيبة قلبك هذه مظلومة معك .. يكفي أن المسمى أنها زوجتك الثالثة ولا تعلم طبيعة علاقتنا وتتحمل مشاركتك معي أنا وليلة دون أن تفهم "

هى أيضا لا تعلم طبيعة علاقته بليلة لكنها تشعر بحدسها الأمر وإلا ما كان تزوج روينة مكتفيا بليلة
تعلم أن عماد لا يريد هذا التعدد ووُضِعَ فيه إجبارا .. تكاد تجزم أن عماد رجل لامرأة واحدة .. ولا تعلم أنه حقا رجل لواحدة ..
لكن النظرة الخارجية شديدة السوء .. أنه مزواج ومن محبي التعدد .. وهى تكره تلك النظرة لأجله ..
إنه خطأ النظرة السطحية أنه زوج ثلاثة .. لكن فعليا عماد زوج واحدة فقط وهى روينة ..أما هى وليلة على اسمه فقط
لا تعلم كيف أذته ليلة لكنها تدرك كما تدرك كيف أذته هى ؟!
ظُلِمَ من ليلة .. وظُلِمَ منها .. وتركته مَن مال قلبه إليها ولم تحتمل الوضع
تخاف أن يكون عماد قنبلة موقوتة بانتظار لحظة انفجار يطرد فيها كل هذه الأحمال عن كتفيه ليفكر بنفسه فقط وحينها ...
تنتبه بأنفاسه الحارة على عنقها هامسا

" وما هى طبيعة علاقتنا ؟! "

وقفت وصال فجأة بقولها المتردد

" عماد !! "

نظرة عينيه تضايقها تتداخل فيها ترى كل جزء منها بلا كلمة فتشيح بوجهها متسائلة

" ألم تقل في المشفى أنك لا تريد ؟ "

ظل مرتكزا على الأريكة يزم شفتيه ناظرا إليها ثم يسأل

" وأنتِ ؟ "

أعادت عينيها نحوه تجيب بعد صمت صلب

" من البداية اتفقنا .. ربما أبي تحدث إليك لكنه يظن أني لست بخير "

اعتدل عماد ناهضا يقترب منها قائلا بصدق

" وأنا كنت اطمئن أنكِ بخير وعند موقفكِ لا أكثر "

يتقطع الكلام بين شفتيها

" عماد .. أنا .. "

أحاط عماد وجهها يقبل جبهتها فمنع كلامها ليبتعد قائلا بهدوء

" لا تقولي شيئا .. أنا سادخل لأنام بجوار يحيى .. ارتاحي أنتِ "

ابتعد حتى دخل غرفة يحيى وتركها في رحاب قرار لن يتغير .. ربما لو كان وضعها – عاديا – لكانت عاشت حياة – عادية –
لا .. لو كانت عادية لما وافقت أن تكون زوجة ثانية أبدا .. لكن نفذ الأمر
وهى صارت تفهم الكثير بنظرة .. ألم يجعلها تكمل دراستها بعد أن ظنت انتهاء حياتها فأكملت دراسة علم النفس ..
المشاعر البشرية – فيها – إعجاب ومودة يعتمدان على القبول وهذا تقوم عليه زيجات كثيرة ناجحة ومستمرة وكلمة أحبك تقال دائما وبصدق .. وأيضا – فيها – العشق .. بكل نظرة للحبيب ترجف الجسد وتعلي نبض القلب ..
صارت تفهم عماد تماما .. مشاعره طبيعية ما بين إعجاب ومودة بينه وبينها وبينه وبين روينة لكن العشق .. لصدفته ..
ومشاعرها نحوه مثله تماما .. قبول وإعجاب ومودة واحترام يكفوا أن يصنعوا بيتا ناجحا كأغلب البيوت في المجتمع لكن ليست هى .. ليست هى مَن تعيش العمر ملبدة بغيوم الماضي
عماد أيضا لن يحبها عشقاً .. يخبرها أنه يحبها لكن بنفس القبول والإعجاب والمودة والاحترام .. وهى واثقة أن مشاعره نحو روينة هكذا لكن يزيد عليها تقدير وامتنان أكبر
جميع البشر تتقلب مشاعرهم باختلاف المواقف ولا يدركون .. لكنها تدرك نفسها .. ومشاعرها .. وقرارها.






أيام تمر شديدة الشبه ..

على طريق مظلم لا حياة فيه إلا صوت السيارات الراعدة باضوائها الخاطفة المجنونة .. كان هو متفاقم الجنون ..
سرعة سيارته تسبق الرياح مرحبا بموتٍ حتمي .. أو حياة صاخبة الضوضاء ..
وإلا .. الهدوء سيصيبه في مقتل ماضيه وحاضره يذكره كل لحظة بمذاق يتم متكامل الأركان
جاءه طوق نجاة لا يعرف كيف يستغله لمصلحته .. تلك الأبوة نعمته أم ستكون ذنبه لا يعلم .. لكنه يعلم أنه لا يعرف كيف يكون أباً ؟!
يحبه ، يخاف عليه ، يحميه .. يكون بحياته كالنهر يجري أم يظل على ضفاف الحذر كي لا يؤذيه
وعلى حين بحث سنوات .. دخلت ماسة براقة حياته .. تطلب حربا يتوق لها .. وذكرى كلامه يوما

" لن تفهمي أبدا صلتي بها وبعائلتها .. شيء أكبر من رابطة الدم يجمعنا .. إنه رائحة الدم نفسها .. كلا منا سيرتاح بدم الآخر .. تلك العقربة مليئة بالسم لدرجة اني أريد انتزاعه منها .. ذلك الثعبان بداخلي يلتف حول نفسه استعدادا لمعركته الأخيرة .. لولا أباها ما كنت ثعبان الرافعين "

اليوم .. يتناسى الألم حد المتعة المحرمة .. يطابق دماء فادحة الخسارة على ثوب الابرياء .. ويشعل الدمار كأعواد البخور في قبيلته
وبكل حبة رمل في صحراء بلدته .. ما عاد له من عين ترأف به .. تطلب رحمته ..
هى مَن تطلب سمه الآن ..
غدا جولة أخرى بحياته .. منتقما ناقما .. وظالما.




..............


‏" هيا تعال .. أحضرت لك شطائر للإفطار "
‏" من أين هذه الشطائر يا ماسة ؟! "
‏" من عربة عم خليل "
‏" توقعت .. هى بائنة فعلاً ! .. وقفتِ على عربة الفول المحاطة بخيرة رجال المنطقة هذه الساعة من الصباح وطلبتِ الشطائر عادي !! "
‏" يا ماهر .. يا ماهر ! "
‏" يا نعم ! "
‏" عم خليل عرفني من كثرة ذهابي معك وانتظارك بعيدا عن العربة .. اليوم سألني أين المهندس فقلت له لاااا .. اليوم المهندسة ستحضر الإفطار .. قال لي أنرتِ ونادى على صبيه محمد ليعد لي طلباتي سريعا "
‏" يا سلام ! .. ما هذا العسل ؟! "
‏" لا تقلق .. خطيبتك رجل "
‏" إذاً لا تفعلها مرة أخرى يا ذكر أحسن لك "
‏" هيا كُلْ .. سيبرد الفول "
‏" ألماسة "
‏" حاضر يا ماهر .. أخر مرة "
‏" رجل ! .. كل هذا ورجل ؟!! "
‏" والله اضربك بدباسة الأوراق هذه افتح دماغك "
‏" والله ساعتها ستجلسين تبكين عليّ كأنكِ أنتِ المضروبة ! "

تسير بنفس الشارع تمر أمام عربة عم خليل لتتوقف بعيدا على رصيف الذكرى
كان عليها تلقي رسالة الحياة حين دخل حياتها .. تقبل أخيها وظروفها .. أن السعادة الوقتية التي تمنحها باليد اليمنى سيمر الوقت وتأخذها منها باليد اليسرى .. وكان عليها الاختيار ..
إما أن تنهار مستسلمة لذلك الحريق القاتل الذي اشعل حياتها .. إما أن تتقبله لتواجه شراراته المتناثرة حتى لو انطفأت هى .. وقد اختارت ..
مواجهة تقاصص بها كل شيء ظنته وعاكس ظنها .. لن يهمها الخراب وراءها بعد اليوم فهى ليست سببا به وإنما ضحيته .. وما اسوأ أن تكتشف بعد عمر طويل أنك ضحية دون أن تعلم
عيناها تميلان حزنا متذكرة لحظات ذاكرتها الجميلة .. مدمرة خرافية تحمل روعتها مغلفة بطلقات رصاص كانت تتكوم فيها لتُطلَق وقت يحين ميعادها .. وقد حان ..
ولادتها الجديدة من طعنة .. وموت قلبها بنفس الطعنة
ولادتها الجديدة من وعد .. وموت قلبها بالتوعد
ولادتها الجديدة وهى رماد .. وموت قلبها وهى تدخن أحداث حياتها
دمعة تسقط على خدها فتمسحها مرتفعة الرأس بكبرياء فائضة القسوة
غدا جلسة المحكمة الحاسمة بعد جلسات فائتة مرت بالتأجيل بناءا على طلب محاميه بلا سبب لكنها تعلم السبب .. يسويها على مهل إمعانا في حرق قلبها !
غدا فصل جديد بحياتها .. إما مولودة .. أو مفقودة.





صباح اليوم التالي .. دار القضاء العالي

( بعد الاطلاع على الأوراق المُقدَمة والتأكد من صحة التواقيع على الوثائق الرسمية المُثبَتة بالشهر الxxxxي فور كتابتها ومقارنتها مع المستندات المُقدَمة من قِبل الطرف الاخر تبين لهيئة المحكمة الآتي بيانه
حكمت المحكمة حضوريا بأحقية المدعي عليه فؤاد راسل رافع في الأراضي والأملاك محل النزاع وموضوع الدعوى
رُفِعَت الجلسة )


وقف فؤاد بابتسامته القاسية يدير وجهه قاتل النظرات لتتلقى منه أول نظرة شامتة .. صاعقة خادعة ..
لكنها لم تحني رأسها لتتجه نحوه وتقف أمامه بكل هيبة جمالها .. بين صفوف قاعة المحكمة وجهاً لوجه ..
فصل ينتهي .. فصل جديد يبدأ
بعينيها بريق التحدي لا تخفت نيرانه .. بعينيه برق الثأر لا يخمد دخانه
وحولهما حروف تشكل نفسها للبوح .. ستكون الفصول القادمة ملاذ السفر
تخبرهما .. ذلك طوفان البحر ورعد المطر
على باب مقبرة الدنيا يعقدان قرانهما على انتقام .. وعيناها بعينيه تسأل ..
مَن منا الميت .. ومَن المميت ؟!.






انتهى
سيتم تنزيل الفصل الثامن بعده مباشرة



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 31-03-20 الساعة 12:41 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 12:29 AM   #485

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

البريق الثامن

خرجت ليلة من غرفة نومها متجهة إلي البهو فتستند بكتفها للجدار تضع يدها بخصرها ناظرة إليه بحاجبها المرفوع لتسأل بنبرتها الساخرة

" هل أنقذت ابنك يحيى كالعادة ؟! "

رفع عماد رأسه في جلسته على الأريكة تمر عيناه على ثوبها الأحمر الضيق وشعرها البني المموج طويلا حتى خصرها لتمثل آية جمال لمَن لا يعرف حقيقتها
ما زال ما فعلته أخر مرة له صداه في عيونهم فيتساءل بملامحه الصلبة

" هل أنتِ واعية للجنون الذي فعلتِه المرة السابقة ؟ "

تسير ليلة بتمايل أنثوي نحوه تتخلل خصلات شعرها بقولها الخافت

" إن كنت تسمي رغبتي بك جنونا فأنا مجنونة نعم ! "

بعينيها تلك الدعوة وأكثر .. رغبة تائقة تسير على قدمين حافيتين ..
حافية !.. منذ متى ليلة تسير حافية القدمين بلا كعب عال ؟!
آآه تلك الحناء على قدميها !.. لقد جاءتها الحناء في الزيارة التي أرسلها الشيخ رشاد لبيوته الثلاث كما أرسل البخور للعمة بركة
إذاً روينة أيضا جاءتها الحناء !!
يبعد أفكاره المنحرفة حاليا ليركز مع ليلة هاتفا بانزعاج

" تبا لوقاحتك .. منذ متى ؟!.. تريدين تفعيل زواجنا هكذا فجأة ؟! "

جلست ليلة تكتف ذراعيها لتجيب صراحةً

" حسنا اعترف أني في البداية كنت اكرهك ولا اطيق أحداً من عائلتي .. وأنت تركتني حرة ولم تجبرني على شيء .. لكن الآن أنا كبرت وفهمت ... "

صمتت تتأمل قسمات وجهه بوسامته البرية وعرض جسده فتضيف بتأثر

" وأحببتك "

يتعكر وجهه نافرا غير قادر على تحملها متسائلا بلا تصديق لطريقتها

" وأنا بمزاج سيادتكِ ؟! "

أشاحت بوجهها فغطى شعرها ملامحها المتبجحة وهى ترد بقوة واقتناع

" لا لكنك لا تعطيني فرصة .. دماغك مغلقا مثل كل رجال الزِيِن ذو تفكير عقيم "

نهض عماد متحفزا وقد استفزته لأقصى درجة فتتحجر ملامحه بجفاف صحرائهم ليمسك مرفقها يوقفها هادرا بعنف

" التفكير في الشرف أصبح تفكيرا عقيما عندكِ يا بنت ... خالتي ؟! "

توقف لسانه عن سبها بأخر لحظة حافظا أهلها من خطيئتها فتشحب ملامحها خوفا منه وهو يفيض بالقسوة يذكرها ما لا ينساه

" لم يكن الأمر رغما عنكِ .. أحضرتِه في داركم وغرفة نومكِ وبوجود والدكِ !!.. ماذا تريدين أكثر لأنفر منكِ ؟!.. كنتِ بسنتكِ قبل الأخيرة بالجامعة .. ناضجة كفاية ولستِ ساذجة صغيرة .. كيف اتقبلكِ اخبريني وأنا ابن الزِيِن وابن كبيرها ؟! "

تتسع عينا ليلة وأنفاسها تتلاحق وهى تهتز بيده شاعرة بالدوار وهو يغلي غضبا صائحا

" احمدي الله أني سترت عليكِ وجعلتكِ تكملين تعليمكِ .. لولا خوفي على اسم أبيكِ وسمعة العائلة لكنت دفنتكِ تحت التراب "

يرميها على الأريكة فتئن وجعا لتسيل دمعة منها هاتفة بيأس

" كفى يا عماد .. منها لله أختي جميلة مَن اخبرتك كل هذا حتى كرهتني "

نظر عماد إليها بذهول مجنون لا يصدق فكان على وشك أن يفقد رشده تماما وهو يرد بحدة صوته الجهوري

" أنتِ مجنونة أم غبية ؟!.. هل تظنين أنني لو لم اعرف أنكِ احضرتِه لداركم وفعلتِ فعلتكِ في مكان آخر كنت ساتقبلكِ ؟ "

تشهق ليلة باكية فيمسح عماد وجهه بكفيه يحاول استعادة هدوء بعيد عنه ولا يعرف لهذا الوضع حلا كأنه فخ وأطبق عليه هو تحديدا من بين كل الرجال
يجلس حيث كانت وهى تمسح دموعها ناظرة إليه بيأس وصدره يغرق في سواد عميق يسحقه شاعرا بالقيود من كل اتجاه
وبذلك الهدوء يعتدل بجلسته نحوها كالجالس على الأشواك قائلا

" اسمعيني بالعقل ليلة .. دعينا نقول أنه خطأ وندمتِ عليه واليوم تريدين حياة زوجية متكاملة .. تعرفين أنني لن استطيع أن اقربكِ .. حتى لو حاولت سينفر جسدي .. لذلك دعينا نفترق ليبحث كل منا عما يريده "

هتفت ليلة سريعا وملامحها تقارب ذعراً حقيقيا

" لا .. طلاق لا "

فجأة وجدها تنزل على ركبتيها أمامه لتتشبث بيده بيديها الاثنتين تتوسله

" طلاق لا يا عماد اقبل يدك "

ينظر لوجهها ولا يراه حقا فلا يميز سوى ملامح جافة كاذبة هلعة مسؤولة منه فيسحب يده منها هاتفا باختناق شديد

" لا تكوني كالقيد في رقبتي هكذا ليلة "

ترجع شعرها خلف أذنيها وتتمسك بذراعيه تتأسى ملامحها بالقول

" حسنا أنا راضية بالحياة هكذا لكن طلاق وعودة لأهلي لا أرجوك "

شاعرا بالحصار اختناقه يزداد فيعتصر ذراعيها بقبضتيه قائلا بكره

" لقد تدمرت حياتي كلها بسببكِ .. لولاكِ لما كنت بهذا الوضع الآن "

تنظر ليلة لجحيم عينيه وهى تشعر مقدار كرهه لها .. حتى إن تناسى خطيئتها الكبرى فلن يستطيع أن يقربها بسبب كل هذا الكره لها داخله
لكن الأمر ليس في كرامتها بل عليها وعلى اعدائها الآن فتهتف بغل

" والله إن طلقتني رغما عني لأقيم الدنيا في الزِيِن واخبرهم أنك طلقتني لأجل زوجتيك واجعلهم يجبرونك على ردي "

لم يتمالك أعصابه وهو يشد شعرها بخشونة فيرتد رأسها للخلف هاتفا

" يجبرونني أنا ؟.. أنا ؟ "

تتألم ملامحها ونبرتها تلين بالهمس المتوسل

" أرجوك يا عماد لا تعيدني إليهم "

ترك رأسها يسقط ثم يمر بكفه على شعره مستنزَف نفسيا وجسديا .. ما عاد يصلح لهذا الجدال المؤذي مؤخرا بينهما
كانا يكتفيان بأحاديث سطحية لسنوات يؤديها مرغما .. صار يحتاج إلي وقت خالٍ من ليلة كي يرمم الدمار الذي خلفته داخله .. ما عاد قادرا على شرح نفس النقطة لها كل مرة ..
لا يستطيع أن يعيش معها حياة زوجية عادية كأن لم يحدث شيء وتعيش هى كما تريد بلا عقاب على ذنبها .. وبنفس الوقت لا يريد أن يطلقها رغما عنها حتى لا يحمل ذنبها .. حلقة مفرغة يدور فيها وتدور معها بلا كرامة
يوقفها لتجلس على الأريكة أمامه قائلا برفض

" زمان كان الوضع مختلفا .. كنتِ رافضة وجودي رغم حاجتكِ له فلم أكن احرمكِ من شيء لكن اليوم أنتِ تريدين شيئا لا استطيع تقديمه لكِ فستظلين محرومة منه "

تهز ليلة رأسها نفيا لترد بنبرة متصلبة

" لا يا عماد .. لو طلقتني ساموت بدار أبي أو يزوجني لأي رجل من العائلة .. تعرف الشيخ علوان وتحكمه .. أرجوك "

يقف عماد وكل أصوله البدوية تزأر بوحشية

" افهمي .. لا اريدكِ .. كلما حاولت اتخيلكِ في داركم بمنظر يجعل الدماء تفور في عروقي وامنع نفسي عن قتلكِ بصعوبة "

ضمت ليلة ذراعيها على جسدها ناظرة إليه يوليها ظهره غاضبا لتقول بعناد خفي

" اعرف يا ابن القبيلة .. اعرف تلك الدماء التي تجري في عروقك رغم التحضر والتعلم والحياة هنا لكن بدمك تعصب الزِيِن "

تتراجع بظهرها للأريكة وابتسامة غريبة تظهر على شفتيها فتقول باستهزاء مبطن

" ثم إنك لم تفعل شيئا جديدا .. هناك رجال في العائلة متزوجين من اثنين وثلاث وأربع .. حتى إن الشيخ رشاد نفسه يوافقك راغباً في العزوة والعائلة الكبيرة .. وبعضهم يقول أنك طامع في مشيخة القبيلة بعد عمر طويل للشيخ رشاد .. لذلك هذا الوضع يصب في مصلحتك "

تتغير الأمور تماما وهى تذكرها من ناحية أصلهما البدوي !
فخورا بنسبه وأصله وهناك العزوة هى الأهم فيأخذ وضعه بعائلته كاملا مكملا !
‏يستدير عماد بتعابير غير مقروءة متسائلا

" سنظل بهذا الوضع إذاً ؟ "

ابتسامتها تتسع وعيناها تلمعان بفطنة خبيثة تسأل

" أنت تريدها أليس كذلك ؟! "

حدسه يخبره بكل الألم عمَن تتكلم فتجمد ملامحه كالصخور الناتئة وهى تتابع

" أنت تغيرت بعد رؤية تلك الفتاة مجددا .. تريد أن تتزوجها لذلك تريد أن تطلقني "

كاد أن يطلق ضحكة ساخرة مريرة من صميم جرحه .. أي فتاة وأي زواج ؟!
بعد كل ما قال تظن أنه يريد طلاقها لأجل أخرى !!.. فقط ؟!!
وقفت ليلة متخصرة يظهر وجهها الحقيقي وهى تقول بعين قوية وقحة

" لا يا حبيبي .. بإمكانك أن تطلق وصال .. أو روينة تلك الفلاحة !.. لكن أنا لي ظهر استند عليه .. الزِيِن جميعهم معي إن فكرت أن تطلقني .. أنت صرت مجبرا على هذه الزيجة وليس اختيارك "

رفع عماد سبابته يحذرها بنبرة شديدة الجدية

" إياكِ .. إياكِ أن تتكلمي عن وصال أو روينة مجددا .. يكفي أن وصال والفلاحة أشرف منكِ "

ترتجف شفتاها كرها لهما يظهر جليا بعينيها السوداء الجبلية وهو يقترب منها يسألها متحديا أن تنطق

" هل تظنين أن بإمكان أي أحد أن يجبرني على شيء لا أريده ؟!.. هل تظنين أنني لو أردت أن اعيدكِ مطلقة لدار أبيكِ سيجبرني أحد على ردكِ ؟! "

توقف أمامها فيتراجع رأسها للخلف قليلا برهبة نظرة عينيه الصارمة وهو يقول بترفع حازم بنبرته السلطانية المتعالية

" تعرفين أن عندنا وإلي اليوم كلمة النساء ليس لها قيمة أمام كلمة الرجل .. وحتى إن أظهرتِني ظالماً فلن يستطيع أحد الوقوف بوجهي أو التحدث لي بكلمة .. أنا باقٍ عليكِ لأجل صلة دم ستنقطع قريبا جدا ليلة .. لذلك لا تستغلي كرمي معكِ لهذه الدرجة "

صرامة عينيه تزداد ينتظر منها كلمة وقد تجاوز أخر صبره فصمتت متراجعة خطوة ليستدير يدخل غرفة النوم الأخرى ويتمدد على سريره ليفتح هاتفه ناظرا إلي صورة وحيدة التقطها لصدفة دون أن تنتبه ..
كانت على البحر أمامه وقد خلعت حذاءها لتغمر المياه قدميها .. كما يغمره الحنين الآن بوجع غير عادي .. كأن قلبه يلتهب وروحه تشتعل بسكرات موت عشقي ..
ولا يعلم أنها الآن هناك .. تشتعل أكثر حتى نفس الموت !.





بمكان آخر .. أمام بحر هادر لا يملكه أحد إلا رب الأفلاك جميعها
تقف صدفة والشوق يلتهمها التهاما .. تكتم بكاءا يقف غصات بقلبها والعشق حامِ .. كالنار كأنه من بركان ينبع ليسير مع دمائها حمما .. حمما فائرة
تتذكر وفي الذكرى مقتلٌ .. وما من سبيل للقاءٍ أقربُ
فإن كان الشوقُ عصيا لهذه الدرجة .. فلمَ كان القرب منه أهجرُ ؟!

" عماد قل شيئا آخر هيا "

نطقتها بشقاوة وهى تنظر إلي عينيه المبتسمتين بسعادة وهو يرد بعناد محبب

" كفى ما سمعتِه اليوم "

حاجبها الكثيف باستدارته الجميلة التي يعشقها يرتفع مشهرة سبابتها في وجهه بالقول المحذر

" ساشكو للأمواج أنك تغضب أميرتها ! "

يتبسم عماد فيبدو لها أكثر رجال الكون جاذبية ليقترب منها هامسا

" اشكِ !! .. أحب الاستماع إلي شكواكِ "

يميل رأسها تقبل تحديه بجنون وهى تفرقع أصابع يديها قائلة بغمزة من عينها السماوية

" ستعاقبك الأمواج بفقداني "

قبل أن يستوعب كلمتها كانت تخلع حذاءها الصيفي كطفلة لتسير على الرمال الناعمة بالشاطئ فتقف حيث تغمر الأمواج قدميها قائلة بصوت مرتفع

" أرأيت يا بحر !.. لا آخذ منه سوى كلاماً يمنعه عني أيضا ! "

شعور غريب ينتابه وكلمتها تتردد مرة بعد مرة .. ستعاقبك الأمواج بفقداني
شعور مؤلم بقوة يجعل عينيه تدمعان بخوف فيمسح الدمع يخفيه سريعا بين ثنايا رجولته الموجوعة .. دائما هذا الخوف يرافقه بلقائه معها
منذ أول نبضة لهذه الأنثى يشعر أنه سيفقدها كما فقد سلاف .. بل سيفقدها لأنه يخفي أن على ذمته ثلاث !
لقد كُتِبَ عليه الفقد المرير .. لو عرف أنه سيقابل عشقا لهذه الدرجة لتغير الكثير .. لكنه شعر أن سلاف الأخيرة فأكمل حياته بلا دقات قلب
يخرج هاتفه يلتقط لها صورة خفية ليطبق عليه ككنز عمر سيُسرَق منه حتما وهو بكل لحظة يستعد للوداع
فلا يريد أن يحرمها شيئا كأنه كل مرة ينفذ وصايا عشق يحتضر فتتعذب الكلمات معه بالجوى

" سألتني عن عينيها قلت موجةَ بحر ..
حسنٌ في الهوى أبدعه رب الأكوان
فلستُ شاهداً يوماً على لهفة سحر ..
وابتسامةِ ثغرٍ كالدرِ المُصان
فإن جنت على حياتي صدفةٌ ..
راضٍ أنا راحلٌ بيدها الصوان "

تستدير صدفة مبتسمة دامعة وهى تستمع إلي لهجته البدوية فينبض قلبها هدر الحب .. هدر الوجد
اهتز صوته بالصبابة وعيناه تتوهجان بمعان تحترق شغفا .. ولهاً
كانت تحب تلك اللحظات التي يفقد فيها زمام عقله بنظراته فتخفض وجهها خجلا هامسة

" تابع "

القلب يختض والخوف يقتله والهيام يضنيه بهمس معذب

" أريد أن اتابعها في حضنكِ "

وجهها ظل مطرقا يضج احمرارا وهى تعود لترتدي حذاءها بارتباك لذيذ فيقترب يقف جوارها يحني أصابعه بقبضتيه حتى لا يمسها بتهور يغمض عينيه مواصلا بتلك النبرة الخائفة

" عديني أنكِ لن تتركيني أبدا صدفة .. حتى إن عرفتِ شيئا صدمكِ يوما عني انتظري أن تسمعيني قبل الرحيل .. لكن لا ترحلي هكذا "

ترفع صدفة عينيها إليه فتختلج أضلعه لوعة لا تشعرها لكنها تشعر توتره الغريب فتخفف عنه قائلة بدلال

" لن اتركك إلا حين تنفذ كلماتك بهذه اللهجة ! .. جميلة يا ابن الزِيِن "

هى الوحيدة التي يسمح لها أن تناديه بأصله القبلي .. وقبلها كانت سلاف فقط .. وهى أحبت الأمر لأنه غريب ومميز مثلها .. مثل كل ما بها
لون عينيها الشفاف .. سبحان مَن أبدع سحر جمالها
وشعور عجيب يشبه طيرانا في الكون وهو يملكه .. إلي الآن يملكه
يبتسم بفيض عشق جارٍ بنهر قلبه المتيم هامسا بعبث

" حين اتزوجكِ ساكلمكِ بها كثيرا .. هذه اللهجة تحلو ليلا ! "

تبتعد صدفة زافرة وهى تستدير عنه تخفي خجلها قائلة بجدية مصطنعة

" احترم نفسك يا عماد .. احترم نفسك أحسن لك "

يضحك عماد بلا توقف وهى تستدير تنظر إليه بحيوية مبتسمة مشيرة بسبابتها بتحذيرها الدائم

" ستعاقبك الأمواج بفقداني ! "

تضيع ضحكته في دجى يرسم الكآبة على خطوط قلبه .. وليس الظلام وحده .. الكل كان يرسم على ذاك القلب عناوين الفراق.





عدلت اسما الحجاب على شعرها لتفتح باب شقتها فتنقلب معدتها مباشرة وفؤاد يقف أمامها بكل تبجح نظرته القوية المغرورة كأن وجوده هنا منة عليها !
تواجهه نظراتها بكل جمود عفوي بلا مجهود لترسمه لكن رؤيته تستدعيه تلقائيا فتدخل تاركة الباب مفتوحا ليدخل وراءها مغلقا الباب واضعا يديه بجيبي بنطاله الجينز ينظر حوله أولا يتأكد من عدم وجود كريم ثم يقول بتهكم

" جيد أنكِ صرتِ تتقبلين رؤيتي "

ردت اسما بنفور بدون النظر إلي وجهه البغيض على قلبها الآن بعد حب زائل

" رغما عني .. لكن تأكد كلما رأيتك اشعر بالغثيان "

توقف فؤاد مكانه بنظرة قاتمة وهى تلمس وترا حساسا له طوال عمره .. النبذ .. من أقرب الناس إليه حتى اعتاد أن يكون وحده متجبرا عليهم جميعا فلا يقربه أحد بإرادته هو لا بإرادتهم هم
يقترب منها قائلا بنبرة متسلطة خافتة

" اخفضي صوتكِ "

استدارت تكتف ذراعيها لتقول بجمود

" كريم ليس هنا .. نزل يلعب مع ولد تعرف عليه هنا في المجمع السكني "

عيناه تحتد بشعور خوف غريب متسائلا بغضب

" كيف تأمنين أن يلعب مع أي أحد بهذه السهولة ؟ "

ترد بقوة بنفس النبرة الثابتة تحمل حزماً وأمرا

" والله هذا ابني واعلم مصلحته أكثر منك .. ولا تتدخل في تربيتي له مجددا "

يقف أمامها باحثا عن خوفها القديم منه فلا يجد سوى تلك القوة الكارهة ليقول بتصلب

" كان زماااان .. حينما لم أكن اعلم بوجوده وأنتِ هاربة به "

بنفس وقفتها ترد وعيناها بعينيه

" اكمل الجملة .. هاربة من نذالتك ! "

يزفر فؤاد شامخا مكانه لكن للحظة .. للحظة فقط أخفض عينيه أرضا ليعاود النظر إليها متسائلا بنبرة اهدأ

" المهم .. متى سنتزوج ؟ "

تشمئز ملامحها بتقزز وهى تجلس خلفها على الأريكة مجيبة بلا اهتمام

" لا اعلم "

ذاك النفور منها يضايقه بشدة كأنها قائمة يتزايد عددها ولا ينقص فيتساءل بعصبية

" كيف لا تعرفين ؟.. أريد أن يظهر كريم للنور باعتباره ابني أمام كل الناس .. حينها مَن ستكون أمه ؟! "

تضع اسما ساقا فوق الأخرى تتهكم بتعالٍ

" حقا ؟!.. سنتزوج وفي نفس اليوم يصبح عندك ولد عمره ثمانية أعوام !!.. ما هذه العظمة ؟!.. خارقٌ أنت !! "

تضرب الدماء بمخه فجأة فيقول بمنتهى الوقاحة

" خارق نعم .. أم نسيتِ ؟!.. هل تحبين أن اذكركِ ؟! "

رعشة نافرة اختض لها جسدها داخليا فتقف على قدمين مرتجفتين بالغضب والمواجهة الكريهة تقول بنبرة جادة قاطعة

" اسمعني جيدا .. أنا اتحملك لأجل كريم ويعلم الله أني اتقبل الموت ولا اتقبلك .. إياك أن تنسى هذا .. لا تتخطى حدودك معي حتى بالكلام .. ولا تظن أني ساسامحك يوما .. سأظل ادعو عليك لاخر يوم في عمري "

صمت فؤاد يستدير يخفي ملامحه المُدَمَرة ونفسه السيئة لا تدرك خلاصاً حقيقيا فيتشبث بولد قد يكون طاقة نجاة قائلا بهدوء قاتم

" سنقول أننا اخفينا زواجنا ونعلنه الآن "

تزفر اسما بإجهاد لتسأل

" وكيف اخفينا كريم ؟! "

عقله يدور باحثا عن إجابات مرضية للجميع فيجيب بعد تفكير

" سافرتِ وكنت اذهب إليكما "

تهز رأسها بلا فائدة في محاولاته التمويهية لتسأل مجددا

" وأهلي ؟.. وإن قال كريم نفسه أنه أول مرة يراك ؟! "

حاجز خلف حاجز وسؤال خلف سؤال وعجز بغيض ينتابه عن ترتيب الأمر بلا كذب أو تزوير فيلتفت إليها يقول حانقا نافذ الصبر

" اخبريهم الحقيقة وتوقفي عن الاسئلة .. حين اقول أنا كلمة لن يجرؤ أحد على مراجعتها "

تطرق بنظراتها بضيق وكل ما حولها يطبق عليها حصارا بالموافقة لأجل مصلحة ابنها في مجتمع شرقي .. قد تكون وضعته ببلد غربي غريب لكن لن تظل هاربة به كما قال
لذلك رفعت رأسها شامخة مثله وأكثر قائلة بحسم صارم منتهٍ

" سنتزوج .. وفي اليوم التالي ترمي عليّ يمين الطلاق "

نظر لوجهها الحازم ولم يرد بشيء .. قد يقنعها بالبقاء معه لأجل كريم .. قد يُكوِن أسرة أخيرا حتى لو بابها كان نذلاً بالبداية لكن مَن يهتم بعد سنوات بالماضي ؟
مَن يهتم بعد سنوات بالماضي ؟!
يطل وجه ألماسة بخياله يحثه بنفس السؤال .. لماذا ينبش الماضي ؟!
والسؤال يدور به لاسئلة أخرى .. لمَ هى صامتة ؟!.. ألن تثور بعد خسارة القضية ؟!.. ما معنى تلك النظرة الواثقة التي واجهته بها حتى اخر لحظة ؟!
نظرة اشعرته بالهزيمة حتى لو حليفه النصر .. كانت .. كانت أجمل نظرة يراها بها .. بعد الغضب والعداء والكره لامس فيها الثقة .. كانت أمامه أنثى مغرورة مرفوعة الهامة عالية الكبرياء .. ولأول مرة يشعر أنها ليست ابنة عمه فقط .. إنها ..
ابنة الرافعين !!
رنين جرس الباب قطع تواصلهما النظري الحاد فيتجه فؤاد قبلها بخطوات واسعة يفتحه ناظرا لأسفل إلي كريم الذي أجفل قليلا بوجود المُفتَرض به والده فيحدق فيه متسائلا بنبرة عادية

" كيف حالك ؟ "

يدق قلب فؤاد دقات مختلفة لأول مرة بحياته .. حتى حين أعجِبَ بنورين زميلة الجامعة مر الأمر سريعا وانتهى لكن اليوم يقف أمام طفل يشبهه كثيرا فيعجز عن قول شيء إلا

" أنت كيف حالك يا كريم ؟ "

تتنهد اسما وهى تراهما كلا منهما على جانب لا يستطيع الوصول للآخر .. لا يستطيعان التواصل ولا تعرف تفسيرا لحالة كريم المتبدلة من الحماس للا مبالاة .. فؤاد ايضا لا يعرف معنى أبوة .. يريدها بصدق .. تشعر ذلك لكن بلا فهم أو استعداد
يركض كريم إليها متجاوزا فؤاد ليخبرها بحماس

" أمي .. أريد أن اشترك مع رامي في فريق كرة القدم "

ظل فؤاد مكانه ليغلق الباب ويستدير بوجوم يخفيه خلف ملامحه الصلدة فتنظر اسما إلي كريم تدفعه لمحاولة تواصل برفق صوتها

" اسأل أبيك يا كريم .. لقد عاد بابا فؤاد وهو المسؤول عنك مثلي تماما "

للحظات شعرت أن كلاهما ارتبك مكانه .. يستدير كريم يواجهه بوجهه الصغير البرئ قليل الفهم .. عيناه حائرتين ناظرا لعيني فؤاد الذي ابتسم قليلا فانفرجت حدة ملامحه الواجمة ليسأله بتردد

" هل .. يمكن .. أن اذهب مع رامي ؟ "

يقترب فؤاد منه يرمق اسما بنظرات تبدو قوية لكنها تحمل توترا خفيا لينخفض أرضا بمستوى كريم متسائلا بهدوء

" مَن رامي ؟! "

التفت كريم إلي أمه كأنه يأخذ إذن الرد منها لتومئ برأسها إليه مطمئنة لينظر إلي أبيه يرد

" رامي صاحبي .. يسكن بجوارنا واذهب للعب معه "

تتسع الابتسامة الصغيرة التي رققت ملامحه يسأل مجددا

" منذ متى تعرف رامي ؟ "

توجس كريم أن كل هذه الاسئلة ليرفض بالنهاية فيعقد حاجبيه مجيبا

" منذ .. عدة أيام "

فهم فؤاد ما يفكر فيه فيسأل بابتسامته وهو يمسك كف ولده الصغيرة

" ومنذ متى ... تعرفني ؟ "

يتعجب من السؤال فيرد بحذره الطفولي

" منذ .. أيام "

يقبل تلك الكف بصدق وقلبه يهدر بإحساس الأبوة الذي يختبره ويختبر نفسه فيه قائلا

" عرفتنا أنا ورامي بنفس الوقت لكن هو صار صاحبك وأنا لا .. أنت لا تقول لي أبي حتى ! "

تاهت الأفكار من كريم ينظر حوله بمشاعر مختلطة بين التشبث بوالده وخوف فقدانه مجددا لكنه لا يفهم ما يمر به سوى أن يعبر بالقول

" أنا ورامي بنفس العمر لذلك أصبح صاحبي .. ولم اتعود عليك بعد .. وربما ستسافر مجددا "

يضغط فؤاد كفه كأنه نسى أنها يد طفل لكنه لا يشعر وهو يقول بحرارة

" لا .. قلت لك سأظل معك وتعيش معي في بيتي الكبير وتعرف عائلتك "

انسحبت اسما بجمود ملامحها تاركة فؤاد يحمل كريم متجها لغرفته فيقول المزيد يمنح ابنه أملا

" هل تعرف .. عمتك رنوة قالت لي لا تجعله يقول عمتي لأنه سيناديني باسمي ونكون أصحاب "

يثير انتباهه الصغير فيسأل باهتمامه بحياته الجديدة

" هذه أختك أليس كذلك ؟ "

يلامس فؤاد صدر كريم يشعر أضلعه بإحساس ناعم جميل كانسياب ماء في جدول عذب لم يدرِ حلاوته يوما .. ذلك الماء الذي يطفئ النار مؤقتا
يدخل الغرفة الملونة يجيبه

" نعم .. رنوة أختي .. أنت تشبهها كثيرا .. هى رقيقة وجميلة وصغيرة .. أحيانا اشعرها ابنتي لذلك ستتفقان أنت وهى "

يجلس فؤاد على السرير الذي يعلوه شخصية كرتونية شهيرة ويُجلِس كريم على رجله فيتفاجأ بقوله الحزين بكل براءته

" أنا لم اعرف أهلاً لي من قبل "

مزقه .. شعر بشيء داخله ينفصل إلي اثنين يتباعدان في جحيم كيانه
يزفر نفسا ملتهبا بالذنب الذي يتعاظم داخله ثم يقول بعينين لامعتين

" هناك أيضا أخي .. عمك شهاب المجنون .. يعمل مرشدا سياحيا يلف كل البلاد .. ساجعله يأخذنا في رحلة طويلة لتشاهد العالم كله "

لم يتحمل أكثر فينزل كريم ليقف يخفي دمعة تحرق صدره قبل عينيه يمسحها وهو يمر على أغراض كريم بغرفته فيسأله برقة تلين الحجر

" وجدي وجدتي ؟ .. اعني أبيك وأمك "

يغمض فؤاد عينيه محاولا التغلب على ذلك الشعور القاسي .. كم أضاع من عمره في رحى الدنيا ؟.. كيف كان يشعر ابنه وهو يتيم ببلاد الغربة ووالده حي يُرزَق .. ويظلم .. ويهدر دماً ؟!
يفتح عينيه متنهدا بحرقة قلب ليجيب بصعوبة

" هناك جدتك تحية فقط .. أبي .. جدك راسل مات منذ واحد وعشرين عاما "

يمسك الألعاب المتراصة على أحد الأرفف يتفحصها هامسا

" الحمد لله أنك لن تراه "

استدار يحاول الابتسام ناظرا لكريم بجلسته المهذبة متابعا

" ربما ستخاف منها قليلا في البداية لكنك ستعتاد عليها مع الوقت "

يراقب كريم ألعابه بيد والده متسائلا

" مَن أيضا ؟ "

اتجه فؤاد يجلس جواره فيحيط كتفيه يضمه إليه قائلا

" هناك أخي رمزي وجدتي الكبيرة .. امرأة عجوز لم ترَ مثلها يوما .. ستتعرف على كل عائلتك وتحبهم كما أحبوك حين قلت لهم عنك "

لا يبدو على كريم أي شيء وهو صامت في حضنه ثم يقول مترددا

" لا اعرف .. لم اعتد بعد على .. وجودك "

عقد حاجبيه بشدة والألم ينال كل جوارحه كرجل .. كأب .. كنذل
يشدد على كريم إلي صدره معترفا

" أخبرك سراً ... أنا أيضا لا اعرف كيف أكون أباً .. لأول مرة أنت ترى أبيك .. ولأول مرة أنا أرى ابني .. نفس الوضع لكن ... "

يبعد رأس كريم متلاعبا بشعره الناعم ليبتسم لعينيه قائلا

" ما رأيك إذا حاولنا ؟!.. أصبح صديقك أولا ثم أبيك .. نادني باسمي إذا كان صعبا عليك مناداتي بأبي "

تحتار ملامح كريم بلا رد وفؤاد ينظر خلفه جوار السرير ثم يميل بجذعه يأخذ سيارة صغيرة متسائلا

" هل تحب السيارات ؟ "

يومئ برأسه فتتسع ابتسامة فؤاد وعيناه تشعان بوهج مثير خاص قائلا بنبرة رجولية خبيرة

" أنا أيضا أحبها كثيرا .. وأحب السباقات .. حين تطير بالسيارة على الطريق .. تعدو مثل البرق وبعقلك هدف واحد .. أن تصل لخط النهاية قبل الآخرين لتكون الأول دائما "

ينتبه كريم إليه تماما قائلا

" أنا ايضا أحب سباقات السيارات "

يرفع حاجبه ليقول بنبرة عفوية كأنه يسر إليه سرا

" حسنا .. هناك سباق كبير سيقام قريبا .. هل نذهب لمشاهدته معا ؟ "

يضحك كريم بعينين متسعتين حماسا ليرد بإثارة ممائلة

" بالطبع .. وسنراهن على أسرع سيارة "

تتلاشى ابتسامة فؤاد وهو يتأمل ملامح كريم التي تشبهه فيأخذه بحضنه قائلا بخوف مفاجئ يدك قلبه

" لا .. هذا السباق بلا رهانات .. إنه السباق الأخير لراحة طويلة بعده "

لقد كان ولده .. من صلبه .. مراهنا حماسيا مستثارا بالفطرة
لقد كان حقا ابن .. ' فؤاد رافع ' !.





يفتح عماد خط الهاتف الذي يرن للمرة الثانية وهو يفتح باب الشقة مجيبا بسؤاله

" كيف أحوالك يا أبي ؟ "

يرد الشيخ رشاد بوقار صوته قبل لهجته

" بخير يا ولدي .. والله حالنا نعمة رب العالمين "

بنظرة سريعة لمح روينة بالمطبخ تشير له بصمت حين رأته يتحدث على الهاتف فيدخل غرفة النوم قائلا بلهجته الأصلية

" أدام نعمته علينا يا أبي .. خيراً بإذن الله "

يعلم أن والده لا يتصل به إلا للأخبار الهامة وقد صدق ظنه وهو يرد

" حان الوقت يا ولدي .. سيأتي عمك رضوان لخطبة اختيك لولديه أول الهلال الجديد "

صمت عماد قليلا وهو يجلس على حافة السرير قائلا ما لم يكن سؤالا

" غرام للزهار .. وإباء لشهري "

يؤكد الشيخ رشاد

" نعم يا ولدي بمشيئة الله "

تردد لحظة بوجع قديم فترتفع يده عفويا لجرح رقبته متسائلا بوجوم

" ألن تسأل إباء عن رأيها يا أبي ؟ "

سمع نفسا ثائرا خشنا من والده وهو ينهي الحوار بقوله الحازم

" أمامك وقت لتضبط أحوالك قبل الحضور يا ولدي .. تصل سالما بإذن الله "

أغلق الشيخ رشاد الخط .. فانغلقت ملامح عماد تماما واضعا الهاتف جواره والألم يحرق به ما يحرق .. مستنزفا كما كان مع ليلة .. بل حياته كلها صارت هكذا
خائر القوى بعد رحيلها لا يرغب بالدنيا فلا يفعل سوى أن يراعي بضعة أشخاص في رقبته .. كان ليحارب لأجل إباء كما عزم لكن اليوم يشعر .. بالعجز ..
عجز مقيت عن الحصول على ما يريده .. عجز عن الاتيان بفعل يغير أمرا ما .. عجز أن يعيش بلا ألم .. أن يتنفس بلا احتراق .. أن يدق قلبه بلا وجع.

دخلت روينة غرفة نومها بثوبها البرتقالي المبهج بعد أن أنهت تحضير الطعام لتجده نائما على بطنه بفوضوية فتبتسم وهى تصعد على السرير بركبتيها ثم تميل على أذنه قائلة بخفوت
" عماد .. انهض حبيبي غير ثيابك لتأكل ثم ترتاح "

يتنهد عماد متأوها وعطرها الحار يتسلل إليه فيسترخي قليلا ليقول بتعب

" ظهري روينة "

تعتدل روينة بجلستها على ركبتيها جواره قائلة بابتسامتها الناعمة

" عيوني "

تتحرك يداها الناعمتين تمسد ظهره وكتفيه بضغطات منتظمة كخبيرة منذ زمن .. لكنها لم تكن خبيرة إلا بجسده تحفظ كل خط فيه وتدرك مواضع ألمه تماما ..
يسترخي عماد أكثر فيسحب أنفاسا عميقة مستمتعا برضا ليرفع جذعه قليلا يفك أزرار قميصه ويخلعه بمساعدتها ليعاود نومه وتعاود يداها حركتها الحرة على عضلات ظهره
دقائق تمر تشعر بانتظام أنفاسه فتختبر نومه بقولها الخافت

" عماد .. أنت لست بخير هذه الفترة "

لم يرد للحظات فتأكدت من نومه فتهدأ حركة يديها حتى لا توقظه وحينها أجاب مجهدا

" مرهق قليلا من العمل روينة .. ظللت واقفا طوال اليوم لتحميل بضائع الشركة لشاحنات التصدير "

عادت يداها لحركتها تمررها من رقبته لنهاية ظهره وهى تقول بنعومة

" لا بأس حبيبي ارتاح وأنا سأحضر لك الطعام هنا "

يبتسم عماد بعجب راضيا مرتاحا فيخف وجوم وجهه كثيرا متسائلا

" في السرير !! "

مالت روينة مجددا على أذنه هامسة بحنانها الفياض الثري

" في السرير وعلى رموش عيوني إذا أحببت "

لحظة فقط يستوعب فيض عشقها فتغيم عيناه بانبهار بهذه الأنثى الاستثنائية بقدره ، وبرغبة جنونية يلف ذراعه للخلف حول خصرها ليحضرها أمامه هاتفا
" تبا لحلاوتكِ هذه "

تصرخ روينة ضاحكة وهو يبعد شعرها المنتفش عن وجهها ليخفض رأسه نحو عنقها حين تراجع واختفت ابتسامته وهو ينظر إلي جرح بجانب شفتيها سائلا
" ما هذا ؟! "

تتوجس ملامحها الخمرية الفاشلة تماما في الكذب وهى تتصنع ابتسامة مترددة بالقول

" لا تقلق .. جرح بسيط سيزول سريعا "

يدير عماد ذقنها بأصابعه يتفحص وجهها يمينا ويسارا بعينين جادتين ليجد علامات أصابع ذات حمرة خفيفة على خدها الأيمن فيعلو صوته بغضب

" مَن فعل بكِ هذا ؟ "

تجفل روينة بصوته لتعتدل جالسة تحاول تهدئته

" اهدأ يا عماد الأمر لا يستحق .. كان شجارا بسيطا "

لكنه يهدر بمزيد من الغضب وهو يقف بقساوة ملامحه

" كنتِ عند أمكِ اليوم .. هى مَن فعلت ذلك ؟! "

تقف روينة أمامه خوفا على والدتها تجيب بحذر

" لا لا ... إنه ... فرج "

توحشت عينا عماد بعنف لا يخرج منه إلا بعد حلم شديد وهى تقول بخفوت خائف

" كان يضرب داليا وكنت أدافع عنها فنزلت الضربة على وجهي "

يعتصر عماد ذراعيها صارخا

‏" صفعكِ ! "

قبل أن ترد كان يأخذ قميصه يرتديه مندفعا خارجا من البيت صافقا الباب خلفه بصوت رجّ كل جدرانه.


في بيت داليا أختها يجلس زوجها فرج بقميصه الداخلي الابيض الممزق على بطنه الكبيرة يتكلم مع داليا وهى تبكي وتصرخ كعادة حواراتهم ..
فجأة ارتجت حوائط الشقة المشققة وقبضات عنيفة تطرق الباب فيقف فرج مذعورا سامعا صوت عماد بالخارج .. ليضرب عماد الباب بقدمه بكل قوته وانفتح الباب لاعصار هائج ..
انكمش فرج مكانه وعماد يقبض على قميصه شاتما صارخا

" تضرب روينة يا ابن ... "

لم ير فرج أمامه وعماد يسدد له اللكمات حتى كاد يفقد الوعي فيشعر بأسنانه المكسورة بفمه يقول باكيا

" حباً بالله يا عماد اتركني .. لن تتكرر "

دفعه عماد ليقع أرضا بدمه ناظرا إليه باحتقار يصيح بلهاث عنيف

" يدك القذرة إن مستها مجددا ساقطعها لك .. ولو سمعت أن يدك امتدت على داليا ساكسر عنقك .. هل تظن أن هذه العائلة بلا رجل ؟ "

تناظره داليا من خلف الستار القديم متسعة العينين تكاد لا تعرفه .. فلم يكن بهذا الهمجي المتوحش شيء من عماد زوج أختها المتحضر الهادئ برقيه
كان رجلا بدويا عنيفا حتى إن بعض شتائمه كانت بلهجة أخرى !!
ركله عماد ببطنه مرة أخيرة فيصرخ فرج متأوها ليغادر الشقة بخطوات نارية.

ما إن فتح عماد باب الشقة ليغلقه خلفه ويخطو خطوة واحدة حتى وجدها بحضنه تعانقه بقوة هاتفة

" أدامك الله لي .. يا رب يا رب يا رب "

لقد اتصلت بها داليا بقمة السعادة تخبرها أن عماد كسر لفرج أسنانه وأفسد معالم وجهه بعد تجبره الدائم عليها يبكي كالجبناء
عفويا إحدى ذراعيه تحيط خصرها والأخرى تبعد وجهها ناظرا للجرح الصغير
وجهها المبتسم بامتنان يقابله بتجهم الغضب ويده تتحرك لأعلى تصل لشعرها محركا أصابعه بين الخصلات الكثيفة .. ليخفض رأسه يرق لهذا الجرح بقبلات صغيرة ناعمة .. بالغة النعومة .. تزداد وتتسارع وتنحدر لشفتيها الطائعتين لهواه فينسى العالم كله بقبلة رضا
يضم فيها الوجع الذي شعرته .. الإهانة التي تلقتها .. اليوم وطوال سنوات شقائها يطيب جراحها سائلا رب الكون أن يريحه فيها .. يداويه بها
وهى كانت بالعشق ترتاح .. ترتفع عن الأرض بحضنه .. تشعر بقدميها تطيران بلا أن تخاف أين سيأخذها .. تحط على شراشف حريرية تلتف بحرارته الآمنة .. هنا حيث أمان وافر وحرية صافية لها ..
تشعرها حتى لو هناك غيرها .. لها وحدها مكان خاص لا يقربه مخلوق عنده بعدها .. مكان بإمضائها .. بيديها .. مهما قابل من نساء ستظل بصمتها عمرا كاملا ..
فلا أنثى قد تجلس تحت قدميه طائعة
ولا أنثى قد تفرش له رموشها يخطو عليها راضية
وهى لم تكن لتفعلها مع رجل غير عماد .. نصيبها الحسن من الدنيا .. فقبله كثيرا ما رفعت حذاءها على ذئاب في أثواب رجال تستحق القتل
لكن عماد وحده رجل .. يستحق أن تضئ الأنثى أصابعها من أجله.







يجلسان معاً في مقهى شعبي تحيطهما أصوات الشارع من حكايات الناس .. نداء صبي المقهى على المشروبات .. رنين الدومينو والرجال يخرجون فيه كبت اليوم .. تحركات أقراص الطاولة بصخب الفوز أو شتائم الخسارة
والهواء الدافئ الضبابي الخارج من الافواه حيث دخان السجائر والأرجيلة يتداخل مع رائحة القهوة محوجة البن صانعا طابع المكان المعتاد لرواده
أما هو .. مزاج قهوته بن داكن سكر مضبوط على شهوة تبغ خاص به
واضعا ساقا فوق الأخرى يدخن فؤاد سيجارته بجواره فنجان قهوة شاردا فيما حدث والهدوء المريب لها بعد خسارة القضية
يجاوره عماد ينظر إليه باتهام منتظرا تفسير ما حدث وهو يهرب منه منذ يوم المحكمة
جاء صبي القهوة بنشاطه المفرط يضع الأرجيلة أرضا أمام عماد ثم كوب القهوة قائلا بحيوية

" عماد باشا .. قهوتك في كوب لا فنجان كما تحبها "

يضبط الصبي فحم الأرجيلة يناولها ليد عماد ليسحب أنفاسا متتابعة حتى انتهى وذهب فيضع ساقا فوق الأخرى قائلا بامتعاض

" هل أتينا إلي هنا لتسمعني صمتك ؟! "

نظر فؤاد إليه ثم أخفض عينيه آخذا نفسا من سيجارته ليقول بنبرة غريبة ساخرة من نفسه

" معك حق .. كل الأوراق التي قُدِمَت في القضية كانت مزورة .. أوراق تثبت أن زاهد باع كل شيء لراسل قبل موتهما .. وأنا وإخوتي ورثنا كل شيء .. وبتوكيلات منهم صرت أنا وحدي لي حق الإدارة .. ماهر أنا أليس كذلك ؟! "

بدا شاردا بذنب جديد وعماد يدرك ما بخاطره متسائلا

" هل تشعر بالذنب ؟! "

يده تنقبض كصدره شاعرا أن هذه المرة لن تمر ككل مرة لكنه يعاند قائلا بنبرة منخفضة حادة

" أنا لا اخسر أمام أحد في قضية في المحاكم .. لا أحد يأخذ مني شيئا رغما عني .. ما أريد أن اعطيه اعطيه بمزاجي "

يسحب عماد من الأرجيلة بذهن منشغل بأفكاره لكنه يستمع إلي فؤاد فيسأل

" وهل ستعطي أولاد عمك حقهما ؟ "

ينهي فؤاد السيجارة ليسحقها سحقا في المنفضة يجيبه بنبرته المشتعلة

" كل هذا حقي أنا .. حقي من أبيهما الذي قتل أبي "

يطلق عماد أنفاسه الدخانية قائلا بنبرة عادية

" نحن لا نعرف إلي اليوم لماذا قتله ؟ "

يشعل سيجارة أخرى من صنع يديه ناظرا لبساطة الحركة في هذا الحي الشعبي أمامه ليقول

" لا عرفت "

أثار انتباه عماد الذي التفت له بنظرة تساؤل فيقابلها فؤاد بنظراته الحارقة وهو يقول بمقت

" وصدقني لو كنت مكان زاهد لم أكن اكتفي بقتل راسل بل كنت عذبته للموت حتى لو كان أخي "

ظل صامتا لحظات في عجب ذاهل ثم يضرب على الطاولة بينهما داعيا

" أخذك الله يا فؤاد "

يطرق فؤاد ورماد السيجارة يسقط أرضا جوار حذائه الثمين وعماد يقول بحنق

" طالما عرفت أن أبيك هو الظالم لمَ فعلت كل ذلك ؟!.. لا اعلم لمَ أنا باقٍ عليك بعد كل نذالتك ؟! "

يزفر دخانه يرى الناس مشوشين من خلف الضباب لكنه مشوشا دون الحاجة إلي دخان .. متصدعا لا يصلح لحياة في النور بعد أن دمغه الظلام ..
ويعترف

" ربما عندك فيّ أمل مثل جدتي بركة .. ترى ناري تخمد ونور ساطع يحرقني بقوته "

يشع ذلك الوجه البرئ بخياله يسمو فوق أنقاضه .. يعبر فوق حطامه ببساط طائر طفولي .. ولا ثالث لاثنين !..
إما ستهب النار تحرق البساط .. إما سيجد البساط مكانه على أرضه المنهارة بسلام .. وهذا ما يشك به !
تصفو نفسه لحظات فقط ليقول بشبه ابتسامة داكنة الحزن

" نور ابني ... كريم "

ظل عماد ثابتا كما هو ثم .. ارتفع أحد حاجبيه ثم .. التفت إلي فؤاد ببطء ثم .. سأل

" نور مَن يا معلم ؟!! "

يزدرد فؤاد ريقه بغصة مؤلمة ليقول بتحشرج

" عادت اسما "

يهمس عماد بلا تصديق

" اسما !! "

عينا فؤاد تضيع في دوامات الماضي والذكريات تذبحه ببرود قائلا

" هل تعرف أن أخيها عمر مات في حادث ؟ "

ترك عماد الأرجيلة ليستدير نحوه متسائلا وهو يجمع الخطوط معا

" أحرقك الله .. ما الذي تقوله ؟! "

أنهى فؤاد السيجارة وقبل أن تنطفئ تماما كان يشعل بها ثالثة يسحب منها نفسا طويلا يزفره في السماء ليقول بنبرته الضائعة

" اسما كانت حامل مني حين اختفت .. سافرت .. وعادت بسبب موت عمر ومعها ابني كريم .. كانت تريد إخفاءه عني لكني عرفت "

يسأل عماد بتركيز واستيعاب لحالة فؤاد الغريبة

" متى حدث كل هذا ؟! "

صمت عن كل شيء وهو يتناول قهوته السوداء كملامحه التي أظلمت وانغلقت على ألمها الصاعق فيسأل عماد بحذر

" وماذا فعلت ؟ "

يضع فنجانه برنين حاد لقى صدى بقلبه قائلا بحسم

" لا تقلق .. لن أكون نذلا أكثر وانكره .. اخبرتهم أن لدي ولد وساتزوج اسما .. كريم سيعيش في النور "

زفر عماد ببعض الارتياح وهو يعود للأرجيلة ودخانها النفاذ .. لطالما رافق فؤاد في أصعب ما مر به .. الأصعب على أي رجل لذلك ربما هو باقٍ عليه .. غافرا له كل ما يبدر منه على أمل أن يستقيم يوما كما أُمِرَ
وتمر السنوات وهما يقفان بظهر بعضهما أكثر من الاخوة .. سند رجل لرجل بلا مقابل
يتناول عماد قهوته من الكوب كما يحبها من يد روينة ثم يقول فكرة عجيبة في توقيت أعجب

" حالتك هذه لهذا السبب .. وأنا الذي ظننت أنها بسبب ابنة عمك .. اسمها ألماسة أليس كذلك ؟! "

كانت نبرته جدية للغاية فينفخ فؤاد متسائلا باستغراب

" وما دخل ألماسة بحالتي ؟! "

عيناه تتوهج تتركز في القهوة ودوائر وهمية لذكرياته مع صدفة تعبر وتتلاشى لكن تركيزه التام مع فؤاد يرد

" ظننتك .... أحببتها "

التفت فؤاد إليه بحدة معقود الحاجبين ونظرة عينيه .. مستحيلة الحرائق .. إلا معه
نفس حار يخرج من بين شفتيه بلا وعي ينظر لعيني عماد الماكرتين بطبعهما مكررا باستنكار

" أحببتها !! "

تدور يد عماد بكوب القهوة وابتسامة غريبة تلمع بعينيه يقول بلا مبالاة زائفة

" نظرتك إليها في المحكمة .. ويوم دخلت عليك وجدتك تلعب في شعرها .. وحين خرجت وراءها يومها لم تكن أنت ! "

يتنفس فؤاد بقوة وفكه يرتعش بالغضب كأنه يتذكر فجأة شيئا ما لينكره مكررا

" العب في شعرها !! "

يسحب عماد نفسا آخر من الأرجيلة ويطلقه ليرد بإعجاب نبرته العجيبة

" البنت جمالها عالمي الصراحة ! "

كل سيطرته على نفسه تهدد بانفلات أحمق وصوته يرتفع جاذبا بعض الأنظار

" أنا أحبها ؟! "

نظر عماد حوله ليعتدل على كرسيه بلا اهتمام بقوله

" يمكن ! "

ظل فؤاد صامتا ودماؤه تندفع تعمي بصره ليهتف فجأة

" لا تستفزني عماد "

والحقيقة أنه لم يكن يفعل شيئا يستفزه سوى ذلك الصمت الذي يواري مكرا دافعا بالفكرة أكثر في عقله المتحجر .. ذلك اليوم لم يكن فؤاد نفسه حقا .. كان ينفصل ويعود إلي كيانه الدامي ..
أنفاسه تتسارع ناظرا إلي عماد المستريح مكانه باستفزاز مبتسم فتقسو عيناه لينهض قائلا بعنفه الغير طبيعي

" أنا ساثبت لك كلامك يا عماد "

يتفاجأ عماد برد فعله وهو ينهض بجنونه متجها لسيارته فيقف هاتفا بدهشة

" تبا لك ماذا ستفعل ؟! "

يركب فؤاد سيارته منطلقا بها فيلحقه عماد بسيارته موقناً أن فؤاد على وشك حالة من الجنون المخيف كما اعتاد معه
ألم يمنعه يوماً من قتل عمه رفيع بأخر لحظة ؟!
يقود فؤاد متجها إلي حي يعرفه جيدا .. حي طردهم منه ليعودوا إليه منتصرين بمال عمه قاسم
يتذكر اثني عشرة دقيقة باشتهائه الآخر .. لحظات إشراقة لنفسه العائدة من لقاء النور الذي أتاه بغتة
جسدها محمولا بين ذراعيه ولمسة شفتيها .. دموعها التي مسحها بكفه وخصلات شعرها بين أصابعه
يكاد يشعر نعومتها على خطوط يده كأنها ما زالت هنا
بنظرة شفقتها عليه تساقط مطر روحه .. استندت على ذراعه لتقع بحضنه .. بحضنه !
أليست عيناها بلون التراب بعد المطر .. ووجهها المتروك لقراصنة الجمال ؟!
أليست هى شهية الغضب بظنها أنه سيحميها بصلة الدم ؟!
وشعوره المبهم بمعرفته أنها مريضة .. اعترفت أنه ظُلِمَ وهى الأولى بعالمه التي تفعل
هى القائلة يوما .. ظننت أن قوتك في كلمتك
كلمة لمست قلبه ليدق كما يدق الآن هادرا راغبا بـ .. راغبا بـ .. رؤيتها !
لكنه سيقتل ذلك الشعور قتلا بلا رحمة !!
الطريق يمر بسرعة طائشة وشريط أسود يمر أمام عينيه المظلمة يضرم النار فيه آمرا قلبه أن يصمت
كل متر يقطعه الفكرة تكبر في رأسه وملامحه تتخذ اسوأ اقنعتها .. الاسوأ على الإطلاق !
أوقف فؤاد سيارته تحت منزلهم الجديد لينزل منها بلا لحظة تردد يقف بمنتصف الشارع مناديا بجنون

" ألماسة .. ألماسة يا بنت زاهد "

فغر عماد فمه مذهولا ناظرا للوثة التي أصابت فؤاد بصدمة وهو يتابع بتهور يُسمِع كل مَن بالشارع

" انزلي إليّ بنفسكِ بدلا من الهواتف "

يتجمع الناس مستغربين مستنكرين وألماسة تخرج لشرفتها بالفعل فتقف بلا فهم وصوته يعلو يكتب سطرا آخر في نذالة لا تنتهي

" هيا يا ألماس سادفع لكِ المزيد .. أريدكِ الآن ... قلت لها نتزوج قالت لا .. تموت حباً في الحرام "

نزل عماد من السيارة مقطوع الأنفاس ينظر للوضع الملغم حوله .. كارثة ..
لقد كان كل شيء مخيفا .. وفؤاد نفسه .. خارجاً عن السيطرة .. تماما !.





انتهى


نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 12:35 AM   #486

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,963
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

منورة وأخيرا نزلوالفصل تسلم ايدك

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:12 AM   #487

Julya

? العضوٌ??? » 389489
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 994
?  نُقآطِيْ » Julya is on a distinguished road
افتراضي

فصول الروايات لما يتم حذفها لو سمحتو

Julya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:20 AM   #488

Hendalaa

? العضوٌ??? » 383726
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 222
?  نُقآطِيْ » Hendalaa is on a distinguished road
افتراضي

ياريتك اعطيتينا خبر انك راح تنزلي الفصول وما راح يكون فيه فصل عشان ما نستنى على الفاضي

Hendalaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:44 AM   #489

حلا المشاعر
 
الصورة الرمزية حلا المشاعر

? العضوٌ??? » 403837
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 481
?  نُقآطِيْ » حلا المشاعر is on a distinguished road
افتراضي

سلام ساندي مثل ما قالت لاخت في المشاركة السابقة كان لازم تعطينا خبر قبل موعد الفصل لكي لا نتظر على الفاضي ونحن كدة أستفدن أيه من الفصول السابقة لي نزلت ليلة ما نحن قرأناها سابقا وبما أنك كاتبة متميزة مع كامل التقدير و لاحترام أتمنى أنك في المرة القادمة إذا كان مافي فصل تعلمينا قبل موعد الفصل بيومين أو ثلاث .

حلا المشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:02 AM   #490

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 82 ( الأعضاء 32 والزوار 50)
‏mansou, ‏mannoulita, ‏بيبووووو, ‏Reem salama, ‏temoony, ‏ام جنا 15, ‏ريمةمف, ‏Noha Fathy, ‏aa elkordi, ‏حلا المشاعر, ‏remokoko, ‏أنت عمري, ‏MonaEed, ‏Hendalaa, ‏لاار, ‏ayaammar, ‏Omanas essam, ‏ايمان حمادة, ‏12nabiha, ‏Malak assl, ‏لولوn, ‏روان أحمد فهمي, ‏hadeer22, ‏منى طلحة, ‏سوووما العسولة, ‏دينا نبيل, ‏بيون نانا, ‏ارج هاجر, ‏Salma mohamef, ‏Ektimal yasine, ‏GAZALH


mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:50 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.