آخر 10 مشاركات
❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          [تحميل]من قريت الشعر وانتي اعذابه من كتبت الشعر وانتي مستحيلة لـ /فاطمه صالح (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          بقايـ همس ـا -ج1 من سلسلة أسياد الغرام- للكاتبة المبدعة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          أهواكِ يا جرحي *مميزة & مكتمله* (الكاتـب : زهرة نيسان 84 - )           »          586 - حب لايموت - صوفي ويستون - ق.ع.د.ن ( عدد حصري ) (الكاتـب : سنو وايت - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree276Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-04-20, 11:34 PM   #511

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,954
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي


مسا الخير حلوتنا ساندي في فصل اليوم انشالله

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:43 PM   #512

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,014
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تسجيل حضور

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:44 PM   #513

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,014
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 54 ( الأعضاء 26 والزوار 28)
‏mansou, ‏rasha emade, ‏Tankosha, ‏laila2019, ‏روان أحمد فهمي, ‏فديت الشامة, ‏يمنى ذيب, ‏Ektimal yasine, ‏temoony, ‏Julya, ‏Msamo, ‏عماد فايز, ‏ام زياد محمود, ‏عاشقة الحرف, ‏ريمةمف, ‏غصة في روحنا, ‏Noor Alzahraa, ‏Nahlaesmaiel, ‏منال سلامة, ‏أميرةالدموع, ‏remokoko, ‏Salma mohamef, ‏Mais mo, ‏Areej abdo, ‏Diacono


mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:46 PM   #514

نوال ياسين

? العضوٌ??? » 450734
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 236
?  نُقآطِيْ » نوال ياسين is on a distinguished road
افتراضي

مسا الخير قي فصل أو لأ

نوال ياسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-20, 11:53 PM   #515

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,954
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضووووووور

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:10 AM   #516

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



البريق الحادي عشر

( مصر الصغرى )

اوقف فؤاد سيارته بجنون قيادته أمام بوابة منزله لينزل منها بخطوات تدهس الأرض وكل جسده يطلق شراراً
دخل المنزل بعنف تاركا الباب مفتوحا يتلفت حوله بنظرة سريعة للبهو ثم يتجه لغرفة جانبية لاستقبال الضيوف ثم إلي غرفة مكتبه وحينها صدح صوته

" إيزارا "

نداء أرسل صداه لكل الأركان فركضت إيزارا لتلبيته فيسألها وهو يقف شامخا بمنتصف البهو

" هل هناك أحد سأل عني أو جاء إلي هنا ؟ "

ردت إيزارا بحذر ووضوح

" لا سيد فؤاد "

رأسه يشتعل بالأفكار عن سبب تلك الرسالة فيخرج هاتفه يتصل وما زال هاتفها مغلقا ، أنفاسه كاللهب يفتح الرسالة مجددا محاولا فك شفرة أفكارها فيهديه خاطر أنها ربما بالخارج .. عند البيت لا فيه كما قالت !
لكنها ثوان فقط قبل أن يتحرك ودخل أكرم من الباب المفتوح صائحا

" ألماســـة "

تتعاظم القسوة بعينيه وتقبض على كل ما فيه بتحفز متوحش وهو يرى أكرم يندفع نحوه يمسكه من ياقته صارخا بشراسة

" أين هى .. ماذا فعلت بها ؟ "

قبض فؤاد على معصميه يبعده بقوة هائلة وهو ينفجر بنبرة مرعبة

" كيف تجرؤ على القدوم إلي هنا ؟ ''

ركضت رنوة من غرفتها إلي أسفل ترى ما يحدث فتُصدَم مكانها تغطي فمها وبركانان يتصارعان تفور حممهما وقبضة أكرم تضرب فك فؤاد بجحيم كلامه

" اقسم بالله لو مسست منها شعرة لاقتلنك ولن يمنعني شيء هذه المرة .. لم احاسبك بعد على كل ما فعلته يا ... كنت احضر لك ميتة تليق بابن الرافعين لكن سبقتني ألماسة "

باهتياج غير طبيعي دفع فؤاد قدمه بمعدة أكرم أبعده ثم أخرج سلاحه يوجهه نحوه بطول ذراعه هادرا بتوحش كل حرف

" ما رأيك إذا فعلتها أنا قبلك ؟! "

صاح صوت قاسم بصدمة من عند الباب

" فؤاد انزل سلاحك "

نزل شهاب ورمزي وخرجت تحية وعديلة من غرفتها وإيزارا تشاهد من مكانها وفؤاد يعلو صوته بغلظة

" ما الذي أحضرك أنت أيضا يا قاسم ؟! "

وقف الجميع مشدوهين حيرة وخوفا بلا فهم وقاسم يقترب منه آمرا بأعلى صوته

" قلت لك انزل سلاحك .. إنه ابن عمك "

كلاهما كالطود يتواجهان ملامحهما مخيفة تضج بالغضب نافرة العروق والإجرام يتجسد حيا مهددا
شهقت تحية بلا صوت وهى تتعرف على أكرم بعد سنوات بينما دقق رمزي وشهاب النظر فيه باستغراب شديد ليعلو صوت آخر بكبرياء راسخة

" دعه .. فليضغط الزناد أمام إخوته ... وأمه .. و... "

انعقد حاجباها بعجب وهى ترى امرأة عجوزا على الدرج تسندها امرأة أخرى فلا تعرف كيف تعرفت عليها وهى تقول بأنفاس مخطوفة

" جدتي بركة !! "

تلك المرأة التي كانت تخاف منها وهى صغيرة .. ما زالت حية
شع نور رهيب أمام عيني بركة فأغمضتهما بهمس مؤثر

" ألماسة .. بنت وِلدي "

تحرك رمزي خطوات صامتا يحاول الفهم بينما يهمس شهاب باسمها وهو يتعرف عليها وقد عاودهما غضب قديم ، وعديلة تتخذ ركنا تراقب منه بعينين ثاقبتين ما يحدث .. وقت الانتقام !!
التفت فؤاد ينظر إليها عند باب بيته ونزلت يده بالسلاح طواعيةً .. عيناها بعينيه تتحداه وتجابهه ولا يرى أثرا لما فعله فيها
خذلها .. لكن لم يكسرها ، أحزنها .. لكن لم يخيفها
تلك النظرة تخبره ليست مصادفة .. المصادفات لا تحمل هذا الاصرار وبأس ذلك الوهج
مشاعر محتدمة تتجمع تتصارع داخله بين الغضب والندم ينخر حتى عظامه .. بلحظة كان كريم أمامه يرى نار أبيه فترتجف يده بالسلاح .. والخوف !.. الخوف من القادم !!
بتوقيت قرع الطبول تقف على حافة – حرب – ولا مكان .. لا مجال .. لا إمكان لنزع – الراء - !
حين يكون – الأمل – مجرد – ألم –
حين يكون – الطريق – طاقة ممهدة من – الحريق –
وحين تصبح النفس – الحامية – لذنوبها – جارية –
فإن – الراء – لن تُنزَع بل ستقف بمنتصف قاتل للـ - كــره –
اقترب أكرم منها يقبض على ذراعها فأبعدت عينيها عن فؤاد لتنظر إليه يسأل بغضب

" ما الذي تفعلينه هنا ؟.. كيف تأتين له بقدميكِ ؟ "

خلصت ذراعها منه لتتقدم ناظرة في وجوههم قائلة بثقة

" رمزي ... شهاب ... رنوة "

ينقبض قلب فؤاد بصوتها وهى تحدق بوجه رنوة تتابع بقسوتها رغم إحساس الذنب بإيذاء هذه المسكينة التي تراها لأول مرة

" رنوة التي كانت في رحم أمها حين قُتِلَ أبيها "

انخرست ألسنتهم والدنيا تدور حول رنوة هامسة بارتجاف

" ماذا ؟! "

علا صوت فؤاد بقوة مرعبة

" اخرسي "

تحرك أكرم مزمجرا نحوه فأوقفته ألماسة قائلة بجرأة

" ورمزي .. وشهاب ... لا تعرفان إلا أن أبي قتل أبيكما بخلاف على الأرض والإرث .. لا أحد يعلم إلا أن زاهد الظالم وراسل المظلوم .. لكن أخاكم حفر في الماضي حتى نشب أظافره فينا وظن أننا لن نواجهه .. اليوم حقيقة راسل ستعرفونها "

ينظر فؤاد لوجوه إخوته المبهوتة فيصرخ بصوت مخيف مقتربا منها

" اخرجوا من بيتي "

تصدى أكرم لطريقه فيتشابك الاثنان وقاسم يحاول إبعادهما وأكرم يهدر بغضبه الأعمى

" هل تخاف من الحقيقة أم تخاف على إخوتك ؟.. هذا لأجل ما فعلته بأختي في الشارع .. ستذوق من نفس الكأس في أختك يا جبان "

قوة صرخة رجت جدران البيت انطلقت من فؤاد بذكر أخته وهو يبعدهما كالثور الهائج ليطلق عيارا ناريا اخترق الحائط وصرخت رنوة بتزامن مع صرخة الزهراء الخائفة

" أكــــرم "

التفتت ألماسة نحو أمها بينما تفرد بركة ذراعها بعينين متسعتين رهيبتي الرماد لتسأل بنبرة لهفة تقشعر الأبدان

" الزهراء .. هل هذه الزهراء ؟ "

تبكي الزهراء وهى تتجه نحوها مسرعة تأخذ بيدها تقبلها هاتفة بخوف

" عمة بركة .. سيقتلون بعضهم يا عمة "

تركت بركة يد نصرة التي تسندها لتمدها في الهواء وتنزل الدرج مع الزهراء بالقول

" ماذا يحدث ؟.. أنا .. أنا لا أرى شيئا "

عيناها ضعيفتي النظر مفتوحتين عن اخرهما فبدتا مخيفتي النظرة وهذه النظرة كانت بعيني فؤاد الغاضبتين تخترقه وتؤلمه .. ألم حارق شعره بكل جسده سامعا صوت ألماسة القاطع

" تكلم يا عمي "

يسأل شهاب بعصبية وهو يفيض غضبا بكل ما يحدث

" يتكلم عن ماذا ؟!.. هل بإمكان أحد أن يفهمنا ماذا يجري بالعقل ؟ "

يصدح صوت رمزي بحدة مشيرا لألماسة بإهانة

" ما الذي قالته هذه ؟!.. أي حقيقة سنعرفها ؟! "

نظر قاسم إليهم شاعرا بحصار كريح عاصفة تلف حوله تحكم عليه ليستقر نظره على ألماسة بغضب لكنها تواصل صامدة ثابتة

" اليوم لن تخرج من هنا قبل أن تتكلم .. تكلم .. أعد حق أخيك .. أعد حق زاهد مما فعله أخيه به .. اخبرهم أن أبيهم تعدى على شرف أخيه "

نظر شهاب ورمزي إلي فؤاد بصدمة لتقع رنوة على كرسي خلفها بهول الكارثة
أصعب يوم في حياتهم على الإطلاق .. لم يشهد آل الرافعين جميعهم يوما مثله منذ واحد وعشرين عاما .. منذ الكارثة
همد جسد بركة على أقرب مقعد لتجلس جوارها الزهراء ودموعها لا تنضب وفجأة صرخت تحية

" لاااااا "

توجه كلامها للزهراء بنبرة صارمة وعينين راعدتين

" لا أحد سيتكلم عن شيء .. ما مضى مضى ودُفِن .. زهراء .. خذي أولادكِ وارحلي "

ردت ألماسة عن أمها بلا خوف

" ابنكِ جاءنا بقدميه .. وأولادكِ عرفوا الحقيقة .. حتى لو ذهبنا سيعرفون "

اقترب فؤاد منها وعيناه تحتدان بغضب مهول يتملكه ويسيطر على كل مشاعره وأفكاره قائلا من بين أسنانه

" يا بنت الـ ... .. هى خطة إذاً ؟! "

للمرة الثانية توقف أكرم بصعوبة وهى تقترب من فؤاد بنفسها وعيناها تشعان بجفاء وتمرد وتهديد لتقول أمام وجهه بنبرة باترة

" جئتني فجئت إليك والبادئ أظلم .. ظننت أنك ستظلم وتتجبر وتفتري ولا أحد سيقف لك .. هآنا أمامك .. ند بند .. ستحرق ساحرق .. ستفضح سافضح .. يا ابن عمي "

لكأن عيناها الترابية تنتفض بعاصفة تأخذ كل ما بطريقه .. وغضبه كالنار تأخذ كل ما بطريقها
شياطينه تعمي عينيه ونظرة مريعة طلت بهما وهو يشد أمان سلاحه بصوت زلزل القلوب .. نظرة جادة .. انتوت وستنفذ
ويده ارتفعت بالفعل بلحظة تحرك أكرم لكن بكاء بركة منعه وهى تمد يدها بقولها المفزوع

" لا يا فؤاد .. لا يا ولدي إياك .. دمك يا ولدي .. النور يا ولدي ... قاسم .. قاسم "

هرع قاسم إليها يمسك بيدها ويضمها إليه بالقول

" أماه اهدئي .. اهدئي "

مخطوفة الوجه متشنجة الجسد موجوعة القلب تنوح بصوتٍ مؤثر مختنق وعيناها كما هما مفتوحتين

" أنا لا أرى شيئا .. لكني اسمع الصرخات .. كأن راسل .. كأنه يصرخ في الجحيم .. ما الذي فعلته يا ولدي ؟.. آآه لعذابك يا ابن بطني .. ألست مظلوما ؟!.. أنت الظالم يا ولدي ؟! "

تسيل دموع رنوة بفجيعة الحقيقة وهى تقترب من خلفها تمسك بكتفها هامسة

" جدتي "

شدت يدها على يده بقوة مفاجئة لتقول بنبرة مشتدة

" تكلم يا قاسم .. اخبرني يا ولدي .. ماذا فعل راسل بأخيه ؟.. لماذا يصرخ ؟ "

دموعها تسيل بلا وعي منها فيخاف عليها وهى لا ترمش بجفنيها قائلا

" لا تبكي أماه لا تبكي "

بحالة عجيبة اخذت تهز رأسها تردد بدمع العين ولهفة القلب

" المكتوب مكتوب يا ولدي .. والمنجي هو المغيث ... يا مغيث يا مغيث ... "

ظلت تردد فيتنفس قاسم بصعوبة والأنظار مسلطة عليه .. وخز الضمير يؤلم إن كان سكت لأن لا مطالب بالحق فالسكوت اليوم نار تحرق روحه اكثر ويخاف على أولاده من باطل الصمت
شفتاه تشحب للذكرى وهو يقول

" قبل واحد وعشرون عاما .... "

يعلو صوت تحية يوقفه ناظرة لابنها فؤاد

" قلت لا "

اقترب فؤاد منه عيناه تجحظان بشكل مخيف ونبرته تهدد عمه

" إياك أن تنطق بحرف "

هتف رمزي بحدة والأمر صار يمس سمعته إن عُرِفَ

" لمَ لا ينطق بحرف ؟!.. ونحن أيضا نريد فهم ما يجري بدلا من ألغازكم "

بدأ قاسم يروي وألماسة ترفع رأسها بعزة وشرف تخاطب أبيها بروحها قد جلبت له حقه

" بأرض الرافعين ودارها .. عاد راسل من أحد احتفالات الموالد بمحافظة أخرى .. رأيته من نافذتي وبدون أن اقترب كنت اعرف رائحته .. تفوح بالحرام .. نساء ومال سائب .. كان يترنح مخمورا والجميع نيام ... عدا أنا ورفيع .. والزهراء "

وجد لسانه يسرد دون اعتبار للسامعين .. إن كان السبب الرئيسي محاولة اعتدائه على زوجة أخيه فأي كلام حتى وإن كان قاسيا سيكون اهون !
وبطريقة ما كان ينتقم لزاهد بعد تأخر طويل .. يأخذ بحق أخيه فيتابع

" كانت تنتظر زاهد بالباحة الأمامية للدار بعد عودته من سفر بيع محصول الحصاد لتاجر بالعاصمة .. المرة الأولى التي يخلف موعد عودته على آذان العشاء .. هدأت البلدة وعم الظلام .. وفجأة وجدت الزهراء تُسحَب مُكمَمة الفم نحو اسطبل الخيل .. وبعد ثوان سمعت صرخاتها تصل مكتومة لأجد زاهد يدخل من بوابة الدار "

انخسفت قلوبهم بالصدمة الجماعية والدماء تنسحب من وجوههم وعديلة تحرك فمها يمينا ويسارا بينما تهز تحية رأسها تتمتم باحتراق

" يكفي يكفي يكفي "

أكمل قاسم كلامه ناظرا للزهراء التي تذوي أمامه

" كنت سانزل لأمنعه فورا لكنني وجدت زاهد وعرفت أنه سيمنعه .. نزلت لكن وقفت بعيدا حتى لا اشهد موقفا يؤذي الثلاثة وليتني ما فعلت .. سمعت صراخا وشجارا وراسل يصرخ أنت أخذتها مني كانت ستكون زوجتي .. ثم سمعت صوت عيار ناري فلم يكن هناك إلا أن اذهب لكنني حين وصلت الاسطبل وجدت زاهد على الأرض بدمائه وقد اطلق راسل على ساقه ليشل حركته ويعود للزهراء وزاهد يصرخ بعجزه عن الدفاع عنها .. وبلحظة خاطفة أخرج سلاحه واطلق على ظهر راسل فوقع أرضا في الحال "

شهقت الزهراء ببكائها فتتجه ألماسة إليها تضمها لجسدها .. صهيل الخيل تلك الليلة كصراخها يعيد نفسه بأذنها وراسل يحاول التغلب على مقاومتها فلا يستطيع لكن مجرد محاولاته جرحتها
حمدت الله أن زاهد وصل لحمايتها لكنها لم تكن تعلم ما سيحدث
تابع قاسم محاولا تبرئة نفسه أمامهم

" لم يكن بيدي شيء لاوقف زاهد .. وأنا اخبركم قد تتصورون أن الأمر أخذ وقتا لاستطيع منعهما لكن يومها لم يستغرق الأمر إلا ثوانٍ .. كل شيء صمت بعدها وزاهد يبكي والزهراء تبكي .. وأنا سالت دموعي ولم ادرِ إلا ورفيع يقف جواري لا اعرف ماذا شهد "

يتنفس فؤاد بانتظام مريب عاقدا حاجبيه بشدة وهو نفسه لم يكن يعرف كل هذا فيستدير يخفي وجهه ناظرا للجدار وقاسم يقول

" لكنها كانت بداية لشيء أكثر سوادا .. كانت بداية ثعبان الرافعين ... "

اتجهت أنظارهم إليه بصلابته واقفا لا يبدو عليه احتدامات مشاعره وصوت قاسم يخفت

" دخل فؤاد بفرسه إلي الاسطبل .. كان مراهقا لا أكثر .. ليس كالبقية .. متمردا منصاعا لهوى نفسه وعنف طباعه .. وقف مذهولا أمام أبيه وأخذ وقتا ليفهم حتى أنه سأل زاهد لمَ قتلته .. حاول رفيع أن يبعده لكنه ثبت في الأرض كالصخر وأبعده بقوة أوقعته أرضا .. ونهض وحده .. عيناه تشعان غضبا أعماهما .. أخذ سلاح أبيه الواقع جواره واطلق طلقة واحدة "

اغمض فؤاد عينيه بشدة ليمحو تلك الصورة من رأسه .. الدماء والرصاص .. لكأن رأسه يشتعل ويغرقه في سواد لزج لا خروج منه
أنفاسه تهدر والقادم أصعب عليه وهو نقطة تحول حياته وقاسم يذكره

" اطلق قبل أن اتحرك أنا أو رفيع .. لكن طلقته لم تصب زاهد .. بلحظتها دخل غفيرنا وابنه ليعيدا فرس فؤاد وحين رأى زاهد من الباب ركض نحوه يحاول إنقاذه دون أن يرى البقية .. وقُتِلَ الغفير أمام عيني ابنه "

متجمدا عيناه تلمعان بدموع لن تُذرَف وهى تنظر إليه .. يكاد يشعر بنظراتها تخترق ظهره فيحطمه الخزي ومرارة الماضي
يتذكر قولها ذات يوم بمكتبه


( وأنت اخطأت الهدف لتتعذب به بقية حياتك )

ليس عذابا فقط .. بل دمارا كاملا بتلك الرصاصة الخاطئة .. وكم اعترف أنه اخطأ بأخذ السلاح تلك الليلة .. لكن شيطانه انتصر عليه تلك الجولة
صوت قاسم لا يرحم وهو يسرد

" وجدنا الجميع حولنا .. باقي الغفر وأهل الدار .. النسوة والأطفال .. الجميع في صدمة ما حدث ولم يكن هناك مجال لإخفاء شيء إلا ما لم يره أحد .. زاهد أوصاني أنا ورفيع بكتم ما فعله راسل ليكون الأمر أنه قتل أخيه بخلاف على الأرض .. وصار زاهد الظالم وراسل المظلوم .. و.. تم إعدامه بتهمة قتل أخيه "

صمت قليلا ليطرق برأسه تاركا يد أمه بركة التي تبكي في صمت لينهي كلامه بإجهاد

'' حاولت الزهراء أن تجعلني اشهد أنا ورفيع لكننا نفذنا وصيته "

انفتحت الدائرة أخيرا !.. أخيرا شعرت بالراحة ووالدها يُرَد إليه شرفه .. وستفعلها في بلدته وليس هنا فقط .. كل مكان نُبِذَ فيه اسم ' زاهد رافع ' ستعيده إليه
تنظر ألماسة لوجوههم وقد عم الصمت المصدوم مثل صمتها هى وأكرم حين علما الحقيقة
هنا يعرفون أن زاهد قتل راسل فقط بإخفاء السبب الحقيقي .. بل الجميع بالبلدة يعلم مثلهم لا أكثر .. رنوة فقط تخمن أنها أول مرة تسمع كل هذا من قدر الفاجعة على وجهها حتى أشفقت عليها
فؤاد نفسه رغم أنه شهد جزءا من تلك الليلة إلا أنه لم يكن يعرف السبب حقاً .. وبالبلدة اخبرتها أمها أنه تم ترضية أهل الغفير لينتهي الأمر ولا يطالبون بالثأر
أكرم يناظر فؤاد بعينين ناريتين منتظرا فرصة انقضاض عليه ومع كل هذا نظر لأخته بإعجاب هائل .. مذهلة ألماسة فيما فكرت وخططت لتدرك أين مقتل فؤاد لتضربه فيه
وجدت ألماسة أمها تبتعد عن حضنها لتهتف بقوة ما إن أنهى عمها كلامه

" لم تفعلا هذا لتنفذا وصيته .. فعلتماه لأن تحية من الرافعين وأولاد راسل مغروسين في أرضكم .. أما أنا فكنت الغريبة التي نبذتموها هى أولادها .. لقد فاضلتما بين أولاد راسل وأولاد زاهد واخترتما أن يرفع أولاد راسل رأسهم ويُنبَذ أولاد زاهد "

نكس قاسم رأسه بصحة كلامها ليعلو صوت تحية بغل وهى تنظر إليها حقداً بعد فضيحة زوجها

" هذا حقي .. لا تصدقوا كلامها .. لقد رأيت كل ما حدث .. هى مَن نادته يومها "

كانت مجرد امرأة تحترق علم الجميع أنها لم تكفِ زوجها فأراد غيرها .. الكره يفور بأوردتها فلم تنتبه لما قالت إلا وفؤاد ينظر إليها متسائلا

" كنتِ تعرفين ؟! "

شعور الغدر كسكين يذبح ما تبقى منه وهم يخفون عنه ليظل برغبة انتقامه سنوات وسنوات .. كانوا يعلمون أنه يريد الانتقام وصمتوا ليتركوه بعذابه باحثا عن عائلة عمه
وقفت الزهراء مرفوعة الهامة عالية الكرامة لترد عليها بصلابة

" ما الذي تقولينه ؟!.. توقفي عن الافتراء كابنكِ .. تعرفين أنهما رآني هما الاثنان معا وراسل قدم لي كل ما يملك لأكون له زوجة ثانية لكني لم أرد إلا زاهد .. الآن بعد كل تلك السنوات تقولين أنا مَن ناديته .. ألا يكفي أنكِ كتمتِ شهادة الحق ؟! "

جلس رمزي وشهاب صامتين كلاهما مشوش حاد شاحب الوجه ورنوة مكانها جفت دموعها كأنها بكابوس مريع تنكمش بكرسيها
تخطو تحية نحو الزهراء لترد بغضب

" أنا .... "

هدر صوت فؤاد جهوريا مخيفا وقد وصل غليانه أقصاه

" كفى "

انطبقت شفاه الجميع وهو يقترب من تحية فيدب الرعب بقلبها منه وعليه متسائلا بنظرة قاتلة كأن عيناه بئرين من جحيم

" كنتِ تعرفين أن راسل فعل هذا ؟!.. رأيتِه بعينيكِ ؟! "

تهز رأسها بعجز تتأسى ملامحها بلا رد فيستدير نحو قاسم صائحا

" وأنت .. كم مرة سألتكما عن السبب وأخبرتماني نفس السبب ؟.. خلاف الأرض والإرث القديم "

وقف قاسم وما زال يدافع عن نفسه مجيبا

" أردت أن اخبرك لكن رفيع أخذك لتعيش معه .. هو مَن زرع داخلك الكره أكثر وأكثر .. هو مَن غذى داخلك الانتقام وما عاد أحد يقدر عليك .. ثم إني لمحت لك ولم تتراجع أم نسيت ؟! "

كان يتذكر سؤاله لقاسم يوم وصله إعلان القضية

( الزهراء ؟! )

توقع يومها ما حدث قبل مجيئه بفرسه للاسطبل لكن قبل واحد وعشرين عاما كان أصغر من أن يستنتج
كانت الزهراء موجودة تبكي واعتقد أنها تبكي على زاهد .. لم يدرك عرق النذالة بأبيه والذي ورثه بجدارة
أعاد أمان سلاحه ليدسه في حزامه متراجعا قائلا بهدر صوته وبأس كيانه وطوفان النيران الفائض فيه

" كل هذا لا يهمني وليس له قيمة الآن .. لا أحد له عندي أي شيء .. لا حق ولا قرش واحد .. ألست ظالماً ؟ .. نعم ظالماً .. نعم "

‏خرج أمام أعينهم جميعا تاركا كل منهم يجمع شتات نفسه ويعود مكانه ..
‏تمرد الصحراء القديم يتعاظم بدمائه .. صخر الجبال فوق كتفيه يصبح جزءا منه متداخلا فيه أكثر ..
‏لا نبع مياه جوفية يطفئ اشتعال اللهب بصدره .. لقد علم الجميع بدايته .. لكن ما رآه مع ' رفيع رافع ' بعد ذلك اليوم .. محظورا !.


بعد منتصف الليل وصل فؤاد شقته التي كانت لبَهار يوماً ليجلس على أريكة البهو في الظلام التام .. مطعونا بالغدر مثقلا بالفضيحة
هذه الشقة رمزا من رموز سيطرته .. ثعبانيته !
هذه شقة الالتفاف حول ضحاياه حتى صارت
تخنقه هو نفسه ..
بَهَار تركت كل شيء كما أمرها .. وفي اليوم التالي أرسل معها أحد رجاله إلي عيادة تستتر من عمليات الإجهاض .. وخرجت بَهار من حياته بلا شيء ..
ودخلت ألماسة بكل شيء صاعق .. لم يظن يوما أنه قد يُفضَح على يد أنثى .. كشفته وكشفت أبيه
كانوا يعلمون أنه قتل خطأ وتم دفع الدية .. اليوم عرفوا أنه كان يحاول قتل عمه زاهد وأخذ ثأر أبيه ، كما حاول يوما قتل عمه رفيع ومنعه عماد
الليلة يشعر بالوهن .. بالخزي .. ضعيف وعاجز وهى الأقوى .. وتلك النظرة بعينيها ..
تدق أوتار الانفجارات دون رمشة استجداء ... أقامت غيد الأعناق ثباتا على دقات ذات ما كسر منها رفات
وضعت حطبا بموقده وأشعلته ولم ترحل ، بل ظلت تراقب تراقص ألسنة النار وهى تحرقه ويداها .. تغزل أوشحة الدجى الشعثاء
الليلة نطقت .. وشعر أن السماء عليه سقطت ، بقولها المجدول كرها

( جئتني فجئت إليك والبادئ أظلم .. ظننت أنك ستظلم وتتجبر وتفتري ولا أحد سيقف لك .. هآنا أمامك .. ند بند .. ستحرق ساحرق .. ستفضح سافضح .. يا ابن عمي )

صوتها لا يصمت يردد نفسه كأنما يرسل إليه إشارة .. لقد كانت كل مشاعره في حالة اختراق !!.





بغرفة الفحص بعيادته دقت الساعة العاشرة مساءا وهو يفحص أحد مرضاه بمهارة خلف الحاجز الأبيض .. عبوس تركيزه يضفي على وسامة ملامحه جاذبية مميزة مع شعره الأسود المختلط بوقار الفضة
فجأة اندفع باب الغرفة بشهقة بكاء عنيفة ليدخل سكرتير العيادة قائلا

" من فضلكِ هذا لا ينفع "

خرج راشد من خلف الحاجز بملامح جدية يرى مَن يقتحم بهذا الشكل ليتفاجأ برنوة أمامه تبكي بقوة ووجهها يضج حمرة الانفعال فيقترب منها قائلا للسكرتير

" لا بأس اخرج أنت "

خرج الرجل مغلقا الباب فيمسك كتفيها لتتشبث بذراعيه وهو يسأل

" ما بكِ .. لمَ تبكين ؟ "

تحاول رنوة الكلام وهى تشهق بلا قدرة توقف لأول مرة بحياتها وراشد يهزها هاتفا

" اهدئي واخبريني ما بكِ .. هل فعل أحد شيئا لكِ ؟ "

تهز رأسها إيجابا ولسانها يعجز عن الكلام فيبعد شعرها الملتصق بالدموع على وجهها ناظرا إليها لحظة وألف احتمال يعبر أفكاره يشوشه ويخيفه عليها .. يخيف قلبه وهو يدق لأجلها ..
أعصابه تتلف من فزع كيانه على أنثاه وهو الذي يتعامل يوميا مع الدم والأمراض بمنتهى الحزم !.. ليتمالك تلك اللهفة ويسحبها للكرسي أمام مكتبه يجلسها قائلا

" تعالي اجلسي .. انتظريني دقيقة "

بعملية يستعيدها أخذ دفتر وصفاته الطبية وقلمه ليعود لمريضه الذي وقف مشاهدا متعجبا وغاضبا خلف الحاجز يقول بجدية وهو يكتب الأدوية

" آسف جدا لما حدث .. كما قلت لك الجرح ينغلق بانتظام جيد .. ساكتب لك مضادا حيويا مع الدواء الآخر تستمر عليه وتأتيني الاستشارة بعد أسبوع "

أخذ الرجل الورقة ليخرج ملقيا على تلك الفتاة نظرة ثم خرج من الغرفة متجهما ليتبعه راشد قائلا ببهو الاستقبال ناظرا للمرضى المتواجدين

" آسف لن استطيع إكمال الفحوصات اليوم .. ابنتي بحالة صعبة كما رأيتم .. من فضلكم مَن دفع نقود الفحص فليستردها "

توقف ذلك الرجل لحظة ملتفتا للخلف وقد خفت غضبه بمعرفة أن تلك الفتاة ابنة طبيبه ثم ذهب !.. نهض المتواجدون متجهين لمكتب السكرتير داعيين لابنته بالعافية بحق الخير الذي يفعله فأشار راشد للسكرتير بالأمر الجاد

" أعد لهم النقود واذهب أنت .. أنا ساغلق العيادة "

يومئ السكرتير يقول باحترام

" حاضر يا دكتور .. آسف أني منعتها لم اعرف أنها ابنة حضرتك "

هز راشد رأسه بإحساس مقبض ليرد بوجوم

" لا بأس .. فعلت الصواب حتى لو كانت ابنتي "

وكأنه لن يكون لها مسمى في حياته سوى ابنته .. وإن منعه المجتمع عنها لن يتردد لحظة أن يهاجر بها حيث لا حساب لعمر أو فارق سن يعيق ارتباطه بها .. مشكلته الوحيدة رغبته في الاطمئنان على ابنته تقى ، وربما الحرب التي سيخوضها مع أهل رنوة ليأخذها منهم ستكون مشكلة أكبر .. ولهم الحق !..
إن كان هو نفسه في مكانهم لكان رفض أن ترتبط ابنته برجل يكبرها بكل هذا العمر !.. لكنه لا يناقض نفسه ..
الفرق أن غالبا أي رجل كبير السن يطلب الزواج من فتاة شابة أنه سيكون طامعا في شبابها وجمالها وأنوثتها إنما هو ..
لا يريد سوى حبها .. قلبها .. بلا منطق وأعراف وتقاليد يعشق تلك الأنثى الصغيرة التي تداخلت في عمق رجولته ..
عاد ليدخل غرفة الفحص مغلقا الباب ليطالع رنوة منهارة بشكل لم يره قبلا .. دموعها غزيرة وجسدها ينتفض فينعصر قلبه ألما لها
جلس على الكرسي المقابل يمسك بيديها المثلجة يغطيها براحتيه يدفئها متسائلا بقلق

" اهدئي رنوة أريد أن افهم .. ماذا حدث ؟ "

أخفضت رأسها لينسدل شعرها يخفي وجهها وهى تشهق بخفوت مرهق من البكاء فتحاول التحدث بصوت مبحوح مفجوع بالصدمة

" عرفت .. عرفت عن أبي .. وفؤاد أيضا .. أشياءا ... "

صمت صوتها المتقطع ودموعها تسيل أكثر غزارة وكلها يرتجف لا تصدق ما سمعته ، ولا تصدق بشاعة الدنيا التي يحدث بها شيئا كهذا ، ومن أقرب الناس لها
يرفع راشد وجهها بين كفيه مبعدا شعرها ليحاول الفهم

" ماذا عرفتِ .. ما الذي جعلكِ بهذه الحالة ؟ "

تهز رأسها نفيا ترغب بالقول لتريح قلبها ولا تريد القول كي لا تشوه أهلها فتهمس بتشتت

" أنا متعبة .. متعبة جدا "

أطرقت مجددا تمسح جبينها بصدر مختنق متأوهة بعمق فيربت على كتفها ثم ينهض ليخرج فيرى باب العيادة مغلقا وقد ذهب السكرتير والمرضى ، توجه للمطبخ الصغير ليعود لغرفة الفحص حاملا كوبا من الماء ساعدها أن تشربه لتهدأ .. ثم جلس أمامها يقول بصوته المطمئِن

" اهدئي رنوة .. هل يمكن أن تفهميني ماذا حدث ؟.. كنتِ عندي اليوم بخير وذهبتِ قبل مواعيد فتح العيادة كالعادة .. ماذا حدث في خلال تلك الساعات ولمَ جئتِ الآن في هذا الوقت المتأخر ؟ "

ذكرى عمها قاسم وهو يروي تلح عليها بصعوبة بالغة .. التفاصيل دامية ملطخة لوثت كل ما بنته لأبيها الذي لم تره .. تحمد الله أنها لم تره
وفؤاد .. أخاها قتل ببداية حياته ! .. يداه التي تربت عليها كانت مغرقة بالدماء !!
تعاود البكاء باحتراق الذكريات البريئة كالمطر الذي بدأ هطوله بالخارج ورأسها يتثاقل شاعرة بفقدان وعي قريب فتنهض متجهة للباب بقولها المنهار

" أنا ساذهب .. ما كان يجب أن احضر إلي هنا "

تبعها راشد ليغلق الباب الذي فتحته سائلا

" انتظري رنوة كيف ستذهبين هكذا وحدكِ وبهذه الساعة ؟.. لمَ لا تريدين إخباري بما حدث ؟ "

تنفست بضيق لتفتح الباب مجددا ترد باختناق باكٍ

" اتركني راشد من فضلك .. أنا فجأة وجدت نفسي اخرج إليك بعد ما حدث .. أنا آسفة أني جعلتك تغلق العيادة بهذا الشكل "

وضع راشد كفه على الباب لينغلق بحدة هاتفا بجدية

" اخبريني عما حدث إذاً .. لا ينفع أن تأتي بهذا الانهيار واترككِ تذهبين هكذا .. لا تتصرفي كالأطفال .. كوني على قدر مسؤولية ما فعلتِه "

ازداد بكاؤها وخاطرها ينكسر بهتافه الغاضب لتقول بألم ونبرة حادة عصبية

" قلت لك عرفت اشياءا لم أكن أتصورها عن أبي وفؤاد .. اشياءا بشعة .. بشعة "

أسندت رأسها على صدره القريب تطلب أمناَ مما رأته فاختفى الغضب ليحتويها بين ذراعيه بحنان داعم صامت يمسح على شعرها برفق لحظات ثم يقول بخفوت

" أنتِ لا تريدين إخباري وساحترم ذلك .. لكن توقفي عن البكاء .. كل شيء له حل "

ضربت برأسها على صدره لترد بوجع البراءة وحلم الطفولة المنكسر

" هذا ليس له حل .. لقد مات وانتهى الأمر "

يخفض راشد رأسه نحو وجهها ليقبل جبينها قائلا بهدوء

" أنتِ قلتِها .. مات وانتهى الأمر .. وبالنسبة لأخيكِ فقد يكون اخطأ لكنه يعاملكِ كابنته ومن حقه عليكِ أن تفهمي منه وتعذريه إن أمكنكِ "

في رحاب دفئه يتلاشى المطر والبرد وارتجاف الخوف يتحول لارتجاف دقات قلب حالم أبيض نقي فتطوق ذراعاها عنقه بقوة هامسة بنبرة مجروحة

" ليس مجرد خطأً راشد .. أنا لم أعد أثق بأحد .. أريد أن أظل معك أنت فقط .. لم يعد لي سواك "

ذراعاه تشتد حول جسدها يغمض عينيه لحظات متنهدا .. المرة الأولى التي يضمها .. يشعرها .. يحتويها بقوة رجولية تنتفض داخله بعد سنوات حرمان عفّ فيها نفسه عن أي أنثى
يحتضنها لصدره فتشعر أن جسدها كله يذوب فيه كأنما كان على استعداد للذوبان .. هو كذلك !
بطول برد ألهبتها حرارة تلاقي عشقين مختلفين .. ليسا كالقصص المروية والحكايات المعلبة .. بل قصة بدايتها بنهايتها وكل لحظة تخاف النهاية بأول البداية .. بأول الحكاية !
شعر بوجهها يتحرك ببطء لينغمر برقبته وأنفاسها الدافئة تستنشق عطر رجولته فيخرج نفسا مرتجفا مبعدا وجهه جانبا ثم تنفتح ذراعاه حولها بصعوبة ليبعد نفسه عنها قليلا هامسا

" رنوة ... هيا لأوصلكِ "

فراغ تركه بينهما اخترقها الهواء البارد منه فتضم نفسها إليه بسرعة وشهقة بكاء حزينة تنحر صدرها وصدره وهى تقول بخوف

" ثوانٍ فقط .. اتركني معك ثوانٍ ثم اذهب "

ذراعها تلتف حول عنقه والأخرى منقبضة اليد على قلبه بينهما ووجهها ينغمر فيه وأنفاسها تحرق كل ما به فقبض يديه جواره دون أن يمسها ..
‏وهى كالقطة الصغيرة منكمشة فيه كأنه والدها .. لديها قدرة فائقة على امتصاص حنانه الدافق حباً ..
‏عناقها براءة لا رغبة .. أنفاسها حلما لا شهوة .. مشاعرها صدقا لا طمعا
‏وكل أحاسيسها معه تتفتح على مهل .. لا تدرك ما تفعله فيه الآن إلا أنها تطمئن به لكنه عن الدنيا .. ينفصل !
‏المطر يضرب زجاج النافذة خلف مكتبه وأرض الشرفة صارت بحرا ليلياً خلف مكتبها والرعد يدوي يحذره ويذكره بمقامه فيزداد انقباض يديه حتى ابيضت تماما وفجأة ..
‏انفتح باب الشرفة الموارب مسبقا بقوة هواء جعلته يضرب الجدار بصوت مفزع فصرخت رنوة وهى تنظر إلي الباب وتضم نفسها لراشد أكثر .. وحينها ارتفعت ذراعاه يحتضنها بلا فراغات .. بلا مسافات يهمس بأذنها

‏" اهدئي "

‏لم يكن يشعر بالهواء الثلجي القادم باشتعاله بأفكار خطرة لكنها تشعره ببرودة عنيفة ترجف جسدها كله كعصفورة بين يديه وهى تهمس مختبئة في صدره

‏" أنا .. اشعر بالبرد .. جدا "

‏غامرا وجهه بشعرها ورائحته الأنثوية شفتاه تمس أذنها بالقول الهامس

‏" حاضر "

‏ظل لحظات يغمرها فيه وكفاه على ظهرها تشتدان عاقدا حاجبيه بشدة يمنع اندفاعا أحمقا يشعره يحاول استعادة اتزانه فيبتعد دون النظر لوجهها ليغلق باب الشرفة ويقف مستندا بجبهته عليه يتنفس بحرارة رهيبة ..
‏فجأة يصل لأذنيه صوت مكتوم مع تأوه متألم فيستدير ناظرا إليها تدلك كتفيها ثم تكرر همسا مغمضة عينيها

‏" آآآه ... "

شعر بقلبه سينفجر بضخ الدماء !.. ‏ملامحه تتجمد بتعبير غريب كأنه فوق صفيح ساخن عيناه تتجرأ بخيالات يقاومها قائلا بتشنج

‏" رنوة اذهبي الآن هيا .. ساطلب لكِ سيارة "

‏فتحت عينيها بحزن لتتوقف يداها على كتفيها متسائلة بصوتها البرئ المسكين

‏" اذهب في هذا المطر ... وحدي ؟! "

‏أجمل من كل مرة .. ترتدي فستانا بسيطا عليه وشاحا صوفيا .. وجهها يحمل حزنه وطفولته وحلمه المكسور ، وشبابه النضر وثماره العطرة .. وشعرها يحيطه مجعد الغرة من الدموع الجافة عليها
‏تنظر إليه بعجب جميل مجروح فتمر عيناه عليها وهو يقترب منها وكل خطوة .. شرارة تشب !
‏لكنها استدارت بكسرتها ودموعها تنهمر مجددا لتفتح باب الغرفة لـ .. ينغلق الباب بكفه وهو يتوقف خلفها ..
التفتت ترفع عينيها تلاقي عينيه الرمادية الداكنة .. تتأمل ملامحه وتعابيره وتلك اللحية الخفيفة الجذابة .. وجبهته المتعرقة رغم البرد !.. وتلك النظرة التي لم تفهمها أو ربما فهمتها كأنثى !..
‏جعلته الليلة أكثر وسامة .. أكثر جاذبية .. وعيناها تتشبع به فترى أناقته الرسمية الراقية .. لا تبالغ ولكن راشد شكلا يبدو أصغر من أخيها رمزي ذو السبعة والثلاثين عاما
‏صدمة اليوم تتراجع في ركن مهمل من العقل وهو يقترب أكثر وأكثر .. حتى مد يديه لخصرها يديرها إليه يقربها منه وانصعق كل ما فيها متسعة العينين ..
‏أنفاسها تتسارع تنذهل ثم ارتخى جفناها وشفتاه تضم شفتيها .. ودرب آخر تخطوه معه .. لمسة أخرى ليست ليديها .. قبلة أخرى ليست لجبينها .. حنان آخر ليس لدعمها .. ‏ ‏
‏كان .. كان يمسح دمعها بشفتيه برقة جعلتها تبكي أكثر مستندة برأسها للباب ويداها بلا وعي تتشبث بجانبي قميصه على جذعه تطلب .. تطلب اختباءا .. المزيد والمزيد من الاختباء .. الحلو !
‏صوت المطر يرتفع مع أنينها الضعيف المرتعش وعقله يحذره

‏( تراجع .. تراجع )

‏لكن نفسه أقدمت بكل فقدان سيطرة بكل لحظة حرمان وبكل خاطرة عشق ونفس مشتاق ورغبة اقتراب تاركا لكفيه الحرية .. ولشفتيه حرية أكبر .. ليقع وشاحها أرضا وهى تميل على أريكة لا تعرف كيف تحركت معه إليها ، ثم يتراخى حولها الفستان بيديه فينتفض جسدها ارتجافات عنيفة بالبرودة والخوف لكن .. كل شيء التهب وجسده الحار يغطي جسدها تماما. ‏


صباح اليوم التالي

يجلس أرضا مشعثا بفوضى يديها التي تجاوبت معه قميصه مفتوحا غير آبها بصقيع الشتاء يسند ذراعه على ركبته المرفوعة ، مستندا بظهره للأريكة التي تنام عليها توليه ظهرها مغطاة بالملاءة البيضاء الخاصة بسرير فحص المرضى وجسدها يهتز ببكاء مكتوم منذ استيقظت
‏بعد الفجر وانتهاء السعادة المسروقة اندست بحضنه وغفت مرهقة باكية واستيقظت على نفس البكاء المرير النادم وهو يحايلها بصوته المعذب منذ نصف ساعة تقريبا لامسا كتفها البيضاء الظاهرة

‏" رنوة .. رنوة ردي عليّ من فضلكِ .. لا تعذبيني بهذا الشكل "

انتفض جسدها مبعدة كتفها بانكماش غريزي جرحه وهى ترفع الملاءة أكثر حتى رقبتها فيطرق راشد لحظات بصمت موجوع قابضا يده ثم يقول بنبرة خافتة متعبة

" رنوة أنا أحبكِ .. وبحياتي كلها لم أحب هكذا "

تدفن رنوة وجهها في وسادة الأريكة تعتصر الملاءة التي تحمل دليل شرفها بيدها وهى تبكي بألم قاتل وبالكاد يخرج صوتها مبحوحاً بندم يذبحها ذبحا

" اصمت .. اصمت أرجوك "

رفع راشد عينيه ينظر إليها فيحرقه الشوق بقدر الندم بسماع صوتها ، صوتها الهامس يتكرر يودي بعقله بوجهها الأحمر الخجول

( غطيني راشد )
ابتسم أجمل ابتساماته بجاذبية اهلكتها ليقبل شفتيها بشغف مستمتعا بجمالها الأنثوي وانبهارها بتناسق جسده وقوة عضلاته الصلبة ، ثم ينهض عن الأريكة يحضر تلك الملاءة البيضاء ويغطي جسديهما معا.


شهقت رنوة بانفعال ودموعها تجري مدرارا فتلمع عيناه وجعا وهو يعبر حاجز خوفها بالقول

" لا تبكي .. ساذهب واطلب يدكِ من أخيكِ .. اقسم لكِ ساذهب له اليوم "

علا صوت شهقاتها ضاربة بقبضتها على الأريكة بخوف أدركه .. تمزق فيه وقارا واتزانا ورجولة آثمة في حقها ولم يتحمل هروبها منه رافضة النظر لوجهه فيديرها من كتفها إليه قائلا بعذاب إحساسه الحاد

" توقفي عن البكاء كأنكِ نادمة على معرفتي "

مغلقة عينيها بقوة جعدت جفنيها تخاف النظر إليه كي لا تكرهه وهى ترد بخزي مختنق مذهول

" نادمة على ما حدث .. كيف فعلت هذا بنفسي ؟!.. أنا في مصيبة .. مصيبة "

وجهها يحتقن احمرارا وبكاؤها يتحول لنواحٍ هستيري أخافه عليها ليمد يديه تحت رأسها يرفعه هادرا

" انظري إليّ "

فُزِعَ جسدها لدرجة فتحت عينيها الحمراء برعب تنظر لوجهه أمام وجهها يقول بقوة صادقة

" لكن أنا لست نادما .. أنتِ جميلة رنوة .. كل شيء فيكِ جميل "

انطبقت شفتاها وهى تغمض عينيها بانكسار باكٍ فيمد أصابعه يخفض الملاءة عن جيدها رغم تشبثها بها لكنه يبسط يده على جانب رقبتها يتأكد أنها لا تنفر بلمسته ثم يسأل

" ما زلتِ تحبين دكتور راشد أليس كذلك ؟ "

تتنفس رنوة بانقباض مرتجف وأسنانها تتضارب ببعضها خوفا وتأثرا لتهمس

" اصمت "

يزفر بتوتر ويده الأخرى ترفع يدها لشفتيه يقبلها ثم ينظر لتلك اليد الصغيرة الناعمة بأظافرها المطلية وردياً .. ملمسها ما زال يشعره على عضلاته تقبض عليها تخدشه تفرغ فيه احتياجا عنيفا .. كان كل شيء مثاليا عدا التوقيت .. لو فقط انتظر حتى تصير حلاله
تسحب رنوة يدها منه لتوليه ظهرها مجددا وهى تعاود البكاء قهرا يميتها فيمرر يده بشعره ليستند للأريكة بظهره كما كان قائلا بضيق وغضب من نفسه

" لست نادما على امتلاككِ أبدا رنوة .. نادما فقط أني فقدت سيطرتي بهذا الشكل وأنا دائما كنت احافظ عليكِ "

يغمض عينيه يستمع لبكائها مفكرا بما سيفعل ليصلح كل هذا .. وفراغ ابتعادها ينغرس وجعا بقلب باتت نبضاته الباقية ملكاً لأنثى.

بعد ساعتين وصلت رنوة منزلها لتستند على بابه غير واعية تماما بما حدث .. حالة من التبلد والبرود تسيطر على كل أعصابها بعدما نضبت الدموع في العيادة .. جواره
ولا تدري كيف طلبت منه الخروج من الغرفة لترتدي ثيابها وتطلب سيارة بهاتفها وتخرج دون الاستجابة لأي محاولة منه بل رافضة النظر لعينيه كي لا يقرأ اتهاما هى شريكة فيه
تضم وشاحها على فستانها وهى تتجه للدرج فتسمع صوت رمزي صارما خلفها

" أين كنتِ ؟ "

ارتجفت مرتعبة وهى تستدير تواجه رمزي وشهاب يتقدمان منها وقد كانا بانتظارها منذ الأمس فتجيب بخفوت

" كنت عند صديقتي .. تقى "

توقف رمزي أمامها بملامحه الجادة الحازمة لترتفع كفه بلحظة خاطفة وتنزل على وجهها بصفعة حارقة وصوته يعلو بغضب

" كيف تبيتين خارج البيت وحدكِ وكأن لا أهل لكِ ؟ "

أمسكه شهاب ليقف بينه وبينها قائلا بغضب مماثل

" ماذا تفعل رمزي ؟!.. ابعد يدك عنها "

عينا رمزي تقدحان انفعالا ورنوة متجمدة متسعة العينين ولا تبدو عليها حياة .. فقط دموع ودموع تسيل على شحوب وجهها وهى تدرك أنها تستحق أكثر من تلك الصفعة
التفت شهاب إليها يحيط كتفي أخته الصغيرة ليصعد معها الدرج قائلا برفق

" تعالي حبيبتي "

يدخل معها غرفتها يجلسها على سريرها جالسا أمامها بالقول الحنون

" لا تحزني .. لقد قلقنا عليكِ كثيرا وليس لدينا أرقام هواتف صديقاتكِ وهاتفكِ مغلقا .. لكن صدقيني لم نخبر أحدا ولم نبحث عند أحد ... نعرف أنكِ عاقلة وعند واحدة منهن "

لا تستجيب له ولا تنظر إليه فيتابع كلامه بلين

" تعرفين رمزي وتفكيره .. لكن لا يصح ما فعلتِه رنوة .. جميعنا بنفس صدمتكِ لكن لا أحد هرب منها "

تدافع كل شيء بعقلها منذ الأمس فتهمس بتشوش

" على الأقل أنتم كنتم تعرفون أن أبي مات مقتولا من أخيه "

يرد شهاب بجدية

" هل ستفرق إن كنتِ تعرفين ؟!.. السبب وحده كارثة صدمتنا جميعا "

وقف بوجوم وما فعله أباهم عار سيلحق بهم بعد اليوم فيقول متنهدا

" المهم الآن ألا تهربي من شيء مجددا .. أنا لدي عدة رحلات قادمة ثم لنا حديث طويل معا حين اعود "

بالكاد لمح رأسها يهتز قبل أن يخرج ويتركها وحدها وهى شاردة جامدة قبل أن .. ترفع يدها على خدها المصفوع بذهول
لقد كان كل شيء أجمل من أن يُقاوَم .. أمواج الاشتياق جرفتها معه بلا قدرة على إيقافها .. كانت تحتاج ارتباطا قويا به مثله لكن بهذا الشكل .. تشعر أن كل ما حدث هو ضربة عنيفة على رأسها وستصحو من هذا الكابوس .. لقد كانت تدرك أنها في مصيبة .. مصيبة حقيقية.





طرق راشد الباب ليدخل إلي ابنته تقى وهى على مكتبها تذاكر فتبتسم تلقائيا لوجهه وهو يسأل بابتسامة

" كيف هى دراستكِ ؟ "

أغلقت تقى الكتاب باستياء لترد بتذمر

" شيء يخنق ويجعل الشخص يخرج من ملابسه والله يا دكتور ! "

هز راشد رأسه ضاحكا ليجلس أمامها على حافة مكتبها مترددا فيما سيقوله فتقرأه تقى قائلة بابتسامتها المشرقة المتلاعبة

" ما الذي تخفيه يا جميل ؟! "

يضحك راشد بتوتر رغم أنه أبيها يشعر بالقلق من رد فعلها لتختفي ضحكته خلف ذنبه بحق رنوة ويدفعه ذلك الذنب لاصراره بالقول المباشر

" أريد أن اتزوج "

ترفع تقى رأسها بتفاجؤ لتنظر لأعلى قائلة بسعادة في رد فعلٍ أدهشه

" يااااه أخيرا .. كم مرة قلت لك ؟! "

يرد بابتسامة باهتة تعلم عن يقين بالقادم رغم سعادتها

" تستطيعين القول أني وجدت مَن تغير رأيي أخيرا "

وقفت تقى تمسك بكفه الحانية تنظر لوسامة أبيها وهى تقول بنبرة جميلة وابتسامة شقية أجمل

" أنت تحب يا دكتور ؟!.. أبي الجميل هذا سيتزوج وتموت كل زميلاتي بحسرتهن عليك ! "

يضحك راشد باتزان جذاب ممررا كفه الاخرى على شعرها على جانب وجهها صافي الملامح وهى تضيف بحلاوة

" أنت لا تعرف كم يتغزلن بك حين توصلني للكلية وأمامي !.. وتلك الشعيرات الفضية بشعرك الأسود تودي بعقلهن !!.. واؤكد لك أنك خُطِبت مني أكثر من مرة وأنا واضعة ساقا فوق الاخري املي شروطي فلا ترضيني ولا واحدة منهن ! "

ظل يضحك وهو يضمها لصدره بحنان متألم لما فعله برنوة .. ندم ؟..
بل شيء أكبر من الندم يصيب به كل شيء معنويا وماديا وكل ثانية تمر منذ الصباح تصعقه صدمة ما حدث تذكره أنه لم يكن حلما أجمل من كل أحلامه بل حقيقة تحمل بين طيات جمالها قبح خطيئتها
وتصعقه صدمة رجولته بنفسه حين فقد سيطرته على مشاعره في حضرة أنثى عاملها كالماسة في علبة مخملية وأخفاها في فؤاده خوفا عليها من نظرة مجتمع بأكمله .. ليخرج الماسة بيده ويمتلكها بلا وجه حق
أنفاسه تختنق بأفكاره فتزيده عزما على اصلاح ما فعل وهو يسألها بحذر

‏" وهل سترضين باختياري ؟ "

‏أشارت تقى بسبابتها مجيبة بحزم محبب

‏" سارضى .. إن كانت مناسبة "

‏هز راشد رأسه مطلقا نفسا عميقا يمط شفتيه بابتسامة قلقة ليقول

‏" وإن قلت لكِ إنها أصغر مني بالكثير "

‏زمت شفتيها بحاجب مرفوع مفكر وهى تبتعد خطوة مستندة على ظهر كرسيها ثم تنظر إليه متسائلة

‏" هل اتكلم بصراحة أم ستغضب ؟! "

‏كتف ذراعيه فتشتد عضلاته بجسده اللائق بدنيا وهو يجيب باهتمام

‏" بصراحة جدا "

‏عيناها تركزان النظر ويدها تضرب على ظهر الكرسي بترتيب أفكارها المنطقي قائلة

‏" إن كانت صغيرة هكذا .. فلا شيء يجبر فتاة على الارتباط برجل يكبرها بالكثير إلا أن تكون .. طامعة "

‏يبتلع راشد ريقه مبتسما ابتسامة صغيرة ليومئ برأسه موافقا ثم يرد

‏" وإن كان مستواها في مستوانا وربما أعلى .. ومن نفس وسطنا ونفس طباعنا "

‏تضيق تقى عينيها متحركة بالغرفة لتقول بعقلانية

‏" ربما الطمع ليس ماديا بل معنويا .. ربما طامعة في اسمك ومكانتك كطبيب معروف "

‏يومئ برأسه يوافقها مجددا لكن يؤكد بحجته

‏" اسم عائلتها يكفي أن يجعلها لا تطمع في اسم أحد "

‏وقفت أمامه تبتسم بحنان لوالد ما قصر معها منذ سنوات في وحدة صعبة لتقول بمكر أنثوي

‏" اممم .. أنت تحبها واتخذت قرارك إذاً وتخبرني لا تأخذ رأيي "

‏يمسح على كتفها قائلا بتوتر

‏" أنا اناقشكِ مثلما تعودنا معاً "

‏رغم ثباته تكاد ترى اهتزاز عينيه بشيء يثقل نفسه ويثقل الكلام على لسانه بألم لم تعهده بأبيها فتوفر عليه عناء الفكر بالقول السمح

‏" حسنا أبي .. أنا موافقة "

‏لم تتغير تعابيره بأي بادرة أمل وهو يقول بتوجس

‏" عليكِ أن تعرفي مَن أولا "

‏هزت تقى كتفها لترد ببساطة منطقية لا تحمل مثقال أنانية

‏" أيا كانت .. سنوات ونحن نعيش وحدنا بعد وفاة أمي رحمها الله .. أنت تعيش لي ولعملك وأنا يوما ما ككل ابنة ساتزوج واتركك وحدك .. مع من ستعيش ؟! "

‏ملامحه الغير مقروءة يحل عليها وجوم مهموم وهو يكرر

‏" عليكِ أن تعرفي مَن أولا "

‏تعقد حاجبيها ناظرة له نظرة مخبر لتسأله بنصف عين

‏" لهذه الدرجة ؟!.. اخبرني مَن هى ؟! "

‏يده المُكتفة تنقبض وقلبه يدوي بين وجع ابنته ووجع حبيبته فيقول بنبرة خافتة وعينين غائمتين بالاعتذار

‏" رنوة رافع ... صديقتك "

‏الابتسامة على شفتيّ تقى تجمدت كما هى فلا تتسع ولا تختفي لكنها وقفت بمنتصف استيعاب أن أبيها سيتزوج وتراجعت الموافقة فجأة
‏خيالات عنيفة ضربت كل أفكارها المنطقية التي كانت تناقشه بها فتتحول لصدمة خيانة لها .. خيانة مضاعفة مريعة
‏خيانة أبيها لها مع صديقتها .. وخيانة صديقتها لها مع أبيها
‏كيف كان ينظر لرنوة حين كانت تأتيها ؟!
‏كيف كانت رنوة تنظر إليه وهى في بيتها .. بجوارها ؟!
‏وهى في الوسط الحمقاء الغبية لاثنين لا يليقان ببعضهما بأي طريقة !
‏ ملامحها تتجمد والابتسامة تلاشت وهى تطرق برأسها في صمت عاصف .. أو صمت سابق للعاصفة !
‏بينما يقف راشد أمامها بذنب جديد فتتهدل ذراعاه معتدلا ليقترب منها وما إن همّ بقول شيء حتى رن هاتفها فتبتعد لتجيب كأنها تنقذ نفسها مما سيقول فترد على محدثها

‏" نعم أنا قادمة "

‏أغلقت الخط أمام عينيه الآسفتين لتجمع أغراضها في حقيبة ظهرها قائلة بتباعد دون النظر له

‏" عذرا أبي لدي دورة تدريبية ولابد أن اذهب حتى لا اتأخر .. سنكمل كلامنا فيما بعد "

‏تحرك راشد حول المكتب ليناديها بلهفة أب

‏" رنوة ... "

‏جمدت مكانها عند الباب وهو يضع كفه على جبهته مغمضا عينيه شاتما بسره ثم ينظر لظهرها يصحح بضيق متألم

‏" يا تقى ... "

‏لم تلتفت له وعيناها تدمعان بجرح غائر لتقول مسرعة وهى تغادر

‏" ساتأخر أبي "

‏سمع صوت باب المنزل ينغلق خلفها فضرب على سطح المكتب بغضب مما فعله .. كيف يخطئ باسمها ؟!.. وكيف صار اسم رنوة هو كل شيء وأهم شيء الآن ؟!
‏ربما الذنب الحي القريب .. وربما العشق الحي الأقرب
‏صار يفقد كل توازنه والموضوع معلقا على حافة اسمه وسمعتها معاً .. ومعلقا على نبضات قلبه التي تحيا بعد سبات عميق ..
‏لكنه عهد رجل اقسم قسما لن يخلفه بمهنته ولن يخلفه بحياته .. عهد رجل شريف حر زلت قدماه بخطأ عمر .. واقسم مجددا على اصلاح الخطأ ولو إجبارا !.



مساءا

فتح فؤاد باب غرفتها ليغلقه خلفه بهدوء شديد بعد أن اطمأن عليها من طبيبها .. بحكم السن كان الأمر شديدا عليها لكن لم يحد من خوفه وهى الشخص الوحيد الذي يصدق الأمل به
عاد من شقته منذ قليل لتخبره نصرة بوضع جدته ويخبره شهاب بوضع رنوة وتخبره إيزارا بوضع أمه وهى منعزلة بغرفتها ، فكان أول ما فعله طلب طبيب جدته بركة قبل الجميع
انقلب البيت فوق رؤوسهم بسبب ألماسة !.. بل بسببه من الأصل !
اقترب من الكرسي العتيق أمام سريرها ليجلس ثم يمس يدها برقة ويتبسم قليلا بألم
ألم يخترقه حتى عمق العمق .. حتى ليشعر أن قلبه قطعة بالية سوداء لا قيمة لها في سوق العارفين
وجهه مرهق وملامحه تتجمد بذاك الألم وهو يهمس

" كنتِ تظنين أني قتلت خطأً يا بركة .. الآن بعد هذا العمر تعرفين أني كنت أريد قتل ولدكِ ... لأنه قتل ولدكِ الآخر "

نائمة باستكانة مرض ووجهها متشعب التجاعيد يكاد الاختفاء فيهمد جسده كله بذاك الألم وهو ينظر إليها يواصل همسا مجروحا

" ولدكِ الذي تشربت كل ما فيه دون أن ادري .. نذالته ودناءته .. كان يحاول الاعتداء على شرف زوجة أخيه .. وحاولت أنا الاعتداء على شرف ابنة عمي "

تشرد عيناه بتلك التفاصيل التي عاشها مؤخرا فلا يرى إلا سفينته التائهة التي كانت تلاقيها هى كل لحظة عبور .. منذ عثر عليهم وشجاعة روحها كل مواجهة ..
وبداخل ركن خفي برجولته يحمل فخرا بها !.. رغم رغبة الانتقام إلا أن ذلك الإعجاب يتسلل إليه كل نظرة عين منها
ابنة الرافعين بحق .. تلك هى ابنة دمه !
أحيانا لا يمكنك إلا أن تعترف لخصمك بالتفوق عليك .. يجبرك على ضغط زناد سلاحك لأنه أقوى من كل ما تفعل
يغمض عينيه متذكرا تلك اللحظة التي شد فيها أمان سلاحه أمام ألماسة تاركا يد بركة حتى لا يؤلمها بتصلبه هامسا بتشدد

" لم احاول .. بل فعلت بالفعل .. مرتين لا مرة .. منعتني في الاولى ثم جاءت تخبرني أنها عرفت الحقيقة .. رأيت في عينيها أنها تعذرني بل .. بل قالتها .. قالت حقك .. حقك لأنك لا تعرف "

لا أحد قد يدرك ما يمر به ونفسه تعاقب نفسه .. روحه تحرق روحه في عذاب لا ينتهي وهو يمسد على صدره المُطبَق عليه يخنق أنفاسه مرددا بنبرة لا تُسمَع

" عذرتني وأنا .. دمرتها مجددا وأنا افضح سمعتها بكل خسة تحت بيتها .. رغم كل ما فعلت لأول مرة بحياتي اشعر أني لست رجلا .. ولست أهلا لأكون والدا لكريم "

يعض على شفته السفلى بوجع والهدوء والظلام حوله يدفعانه للبكاء متسائلا بعذابه

" اخبريني بركة لمَ لا تريدين رؤيته ؟!.. هل .. هل سيضيع مني ؟.. هل .... سيموت ؟ "

الموت يفجع قلبه بمجرد خيال قاتل لا يُحتَمل وهو يعقد حاجبيه مصدوما واضعا هذا الاحتمال أمام عينيه المحترقة بالقول المفجوع

" اخبريني بالله عليكِ .. لن احتمل .. لن احتمل أن اخسر الشيء الوحيد الذي صار يربطني بالحياة .. لقد .. لقد جربت الموت ثلاثة مرات وكل مرة كنت ارحب به فيذهب ويتركني حياً .. لكن الآن .. اريد أن احيا مع ابني "

صمت فجأة والفكرة تشع في عقله بلا مقدمات ليقول بنبرة تحيا بعد موت

" اريد أن اهاجر به بعيدا عن فؤاد رافع الذي تربى هنا على الدماء والدمار .. اريده أن يرى أبيه شخصا عاديا بسيطا لا هم له سوى إسعاده .. نعم .. ربما هذا هو الحل .. أن اهاجر به بعيدا .. فقط كريم ... واسما .. اسما التي ظلمتها بخسة أكبر "

يعقد حاجبيه بلا تفكير بأحد إلا أسرة صغيرة صارت ملكه فيضغط بكفه على عينيه مدركا الدمار الذي طال تلك الأسرة بسببه قائلا بحرقة روح

" كم أنا دنــــــئ "

مال برأسه على كف بركة المستريحة لا تشعر بشيء مما قاله فيحاول أن يرتاح لكن .. لا راحة
سيظل معذبا في هذه الدنيا بأفعاله .. بنفسه !
بعد دقائق وقف متنهدا بعدما سكب كل ما بصدره فيمسح زاوية عينه من دمعة حارقة أبية ليستدير ويخطو للباب .. وجهه يعود لبروده وصقيع مشاعره وجليدية ملامحه ، جسده يصلب عوده كالصخر الشامخ لا كسرة فيه !
حالما خرج وجد إيزارا تتجه نحوه من الممر الجانبي لغرفة شهاب قائلة

" سيد فؤاد .. هناك ضيف بانتظارك بمكتبك "

لم تتوقف خطواته ولم يسأل ولم يبد أنه سمعها وهو بطريقه ينزل الدرج متجها لغرفة خالته عديلة أولا !.

نزل فؤاد للبهو يقف بمنتصفه ناظرا حوله كأنه يشهد الأمس مجددا .. عيناه تطالع الجدار الأمامي فيتجه نحوه يتحسس موضع رصاصته ثم يبسط كفه عليه كجزء من جماد الجدار
ورغما عن أي إرادة تبعدها عن رأسه إلا أنه يدير عينيه حيث كانت تقف وصوتها يتردد بصدى بعيد داخله

( جئتني فجئت إليك والبادئ أظلم .. ظننت أنك ستظلم وتتجبر وتفتري ولا أحد سيقف لك .. هآنا أمامك .. ند بند .. ستحرق ساحرق .. ستفضح سافضح .. يا ابن عمي )

ضرب كفه الجدار مصدرا صوتا قويا زافرا بحدة ليتجه لغرفة خالته المفتوحة كالعادة بخطوات نارية فيقف عند الباب لتلتقطه عيناها الرادارية بجلستها على السرير بالترحيب المبالغ

‏ " فؤاد !!.. أهلا يا ابن أختي تعال "

خطوة واحدة تحركها بعينين مشتعلتين بالجمرات فانكمشت عديلة بتطاير شرارها عليها بكلماته المحذرة بتهديد خطر ‏

‏ ‏" إن سمعت .. سمعت فقط .. أن شيئا مما حدث هنا وصل للبلدة .. أو لأي مخلوق .. سيكون حسابك معي أسود من السواد "

‏تبتلع عديلة ريقها بوجه محتقن انفعالا والخوف يدب بقلبها فعليا بنظرته وهو يتابع ‏بنفس النبرة

‏" ‏وتعرفين كلمة فؤاد رافع جيدا .. ورخص الدم عندي "

‏بكل سيطرة على الوضع في بيته استدار ليتجه إلي مكتبه بينما نظرت عديلة لهاتف النميمة جوارها بتوجس ثم ادخلته تحت الوسادة بإحباط !. ‏


دخل فؤاد المكتب بملامح صلبة واثقة أبية يستقبل ضيفه فينهض يمد يده معرفا عن نفسه

" دكتور راشد الصيفي "

صافحه فؤاد بالقول ثم يلتف ليجلس خلف مكتبه

" أهلا .. تفضل "

جلس راشد بتوتر داخلي رهيب رغم الثقة التي تبدو عليه فيرتشف القليل من الماء الذي احضرته إيزارا مع القهوة ثم يقول بثبات

" لا اعرف كيف ابدأ الموضوع لأنه .. شائك قليلا لكن .. سادخل فيه مباشرة "

يجلس فؤاد مريحا جسده على كرسيه تماما ومرفقه يستند على ذراع الكرسي ليسند خده بأصابعه مستمعا لراشد يكمل

" أنا اطلب يد أختك الآنسة رنوة "

انتبه فؤاد بكل تركيزه مضيقا عينيه صامتا بغرابة ثم يسأل بخفوت

" لمَن ؟ "

صمت راشد قليلا ناظرا إليه وفؤاد يمرر أصابعه على لحيته بنظرة عدائية مسبقة ثم قال بتأنٍ

" لي .. لي أنا "

ظل فؤاد محدقا به ثم لم يتمالك نفسه ليضحك عالياً لحظات طويلة حتى اختنق راشد بالموقف قائلا

" أظن أنه لا داعٍ للضحك سيد فؤاد "

ضحكات فؤاد لم تتوقف حتى سعل ثم أشار لأذنه متسائلا بتفكه

" هل قلت ما سمعته أم .. أنا اخطأت السمع ؟! "

انتظر راشد لحظات ناظرا إليه بجدية تامة حتى خفتت ضحكته ثم قال بنبرة عازمة واثقة

" اعلم أن الفارق بيننا في السن كبير لكن كما تراني أمامك .. رنوة نفسها حين رأتني أول مرة ظنت أني بعمرك لا أكثر "

نظر فؤاد للتقويم على مكتبه عاقدا حاجبيه فيرى بداية شهر ابريل ليتساءل بعجب مصطنع

" هل هذه كذبة ابريل ؟! "

ابتلع راشد ريقه بتوتر أكبر يخفيه بمهارة وفؤاد يميل على المكتب قائلا بسخرية

" يا رجل !.. إنها بعمر ابنتك !! "

أطرق برأسه يحاول السيطرة على أعصابه التي تتلف ثم ينظر إليه ورغم تجهمه يحاول بجدية

" أنت تنظر للموضوع من زاوية واحدة .. من فارق السن فقط "

كان تعبير فؤاد مخيفا ومضحكا بنفس الوقت وهو يشير لنفسه ثم لراشد ثم لنفسه مجددا قاصدا معنى وقح

" والله أنا عن نفسي لا أرى زوايا أخرى .. هل ترى أنت زوايا أخرى ؟!.. بالنسبة لي في عمري اعرف زواياي جيدا وبفضل الله ما زالت بخيرها .. لكن أنت زواياك .... !! "

يرجف فؤاد يده بإشارة مهتزة رافعا أحد حاجبيه بابتسامة ساخرة وقحة فيلتقط راشد المعنى فورا ليقول بتجهم بعد لحظات

" وإن قلت لك أني أحبها .. أحبها حقا "

اسبل جفنيه قليلا بلا رد .. تدور الأفكار وتركيزه يبلغ أقصاه ليميل برأسه متسائلا

" وهى ؟! "

عيناه بعينيه ارتفع رأس راشد ليرد بثقة

" اسألها عن رأيها "

اومأ فؤاد برأسه ببطء ليدرك أنه أوقع رنوة وانتهى الأمر .. نقر على المكتب مفكرا ثم نهض وملامحه الساخرة تتخذ قناعها القاسي ليلتف حول المكتب ثم يقف أمام الكرسي المواجه لراشد وينحني مستندا على ظهره قائلا بقسوة أشد ونبرة مخيفة

" اسمع .. أنا لا يهمني اسمك ومركزك ومعارفك ولا كل هذا الكلام الفارغ .. ولن تغرني عضلاتك المنفوخة ولا وسامتك التي تحافظ عليها إلي اليوم .. كل ما يهمني هو أختي الصغيرة .. الصغيرة جدا يا دكتور "

ارتجفت يد راشد خفية بدقات قلب عنيفة وفؤاد يتابع بسيطرة حازمة

" أنا لا اعرف لمَ تفعل هذا ؟!.. رجل مثلك ما الذي قد يكون طامعا فيه ليطلب نسب عائلتنا ويهين نفسه بهذا الشكل !! "

كان يتكلم بلغة السوق .. ابن سوق يجابه طبيبا أرقى من أن يرد على معناه الوقح وهو يواصل ساخرا

" لكن اعرف أن القالب غالب .. والقالب عندك زواياه ..... تعطلت !! "

ملامح راشد ثابتة بلا معنى لكن دماؤه تغلي بالإهانة الضمنية وفؤاد يعتدل واقفا ثم يغمز له قائلا بسخرية أوقح

" صدقني .. كلمة من رجل خبرة لرجل يعاني مثلك .. اختر واحدة في سنك لتقدر عليها أفضل .. لأن منظرك أمام واحدة في سن ابنتك سيكون .... فضيحة !!! "

أنهي كلامه بعينيه المخيفتين فابتسم راشد باتزان رغم ألم الإهانة الذي نال من رجولته بقوة .. يده مفرودة على حافة المكتب تضغط عليه بانفعال شديد لا يظهر عليه وهو يرد بثقته

" أنا هكذا فعلت ما عليّ .. انصحك أن ترجع إلي رنوة لأن الصورة عندك ناقصة وزواياك أيضا .. مهزوزة !!... لكن حين تأتي أنت إليّ ساذكرك بكل كلامك لاطردك بعدها طردة الـ ... !! "

صمت تاركا كلامه معلقا ليقف قائلا ببرود مبتسم

" بعد إذنك "

خرج راشد بملامح واجمة خاسرة والغيظ الشرس ينشب أظافره فيه .. لم يتوقع أن أخيها سيكون أوقح مَن قابل في حياته ليهينه بهذا الشكل لكن .. الأيام بينهما !!.
ظل فؤاد في مكتبه يفكر بكلمات راشد وهى تتشكل بمعانٍ جعلت ملامحه وحشية مرعبة

( فعلت ما عليّ .. الصورة عندك ناقصة .. حين تأتي أنت إليّ ساذكرك ... )

وفجأة وجد نفسه يخرج للبهو صاعدا لغرفة رنوة فيهم لفتحها لكنه يتمالك نفسه ليطرق الباب أولا وحين سمع صوتها الخافت دخل ليجدها جالسة في شرفتها بملامح غريبة .. مصدومة .. خائفة !
توقف أمامها متصلب الملامح شفتاه في خط مشتد عاقدا حاجبيه ثم يسأل بخشونة

" ما بكِ ؟ "

أجفلت رنوة بعينيه الغاضبتين كأنه كشفها من مجرد صمتها فترد بتوتر

" لا شيء "

ظل ينظر إلي عينيها الصغيرة المرتعبة بعينيه طبيعية الاحتداد كأنه يتفحص أعمق مشاعرها ثم أخرج نفسا عميقا ليجلس على ذراع الكرسي يسألها

" ما الذي يحدث معكِ رنوة ؟!.. شهاب اخبرني بما فعلتِه ولن ألوم رمزي على ما فعله "

نظرة غريبة طلت من عينيها كأنها استنكار لحسابه جعلت ملامحه تبهت ثم ترد بسؤال خافت

" ألم تسمع ما قالوه عن أبي .. وعنك ؟ "

ارتاح قليلا بقولها المنطقي البعيد عن راشد .. مد يده لوجهها فرفعت ذراعها تغطيه بخوف ليزداد انعقاد حاجبيه بالقول مستغربا

" اهدئي !.. أنا لن اضربكِ .. لم افعلها وأنتِ صغيرة لافعلها اليوم وأنتِ عروس يطلبها الشباب والـ .. عجائز ! "

انتفض قلبها ثم هوى وفهمت .. فهمت أن راشد نفذ كلمته وطلبها .. والمصيبة فهمت أن فؤاد رفضه فتجمدت عيناها دامعة
أبعد فؤاد ذراعها ثم بسط كفه على صدره قائلا بهدوء حازم

" كنتِ صغيرة قطعة لحم على ذراعي وأنا ربيتكِ .. أنتِ ابنتي ولستِ أختي فقط .. ما مررت أنا به صعب على أي شخص وكم يجرحني اليوم أن تنظري إليّ هكذا .. لكن اعذركِ لما عرفتِه عني وعن أبيكِ .. لكن حتى لو كنت اسوأ شخص بالعالم فقد كنت لكِ أخا وأباً ولم احرمكِ من شيء "

أخفضت وجهها بذنب لا يُحتَمل كأن كل شيء فيها يتلوى بالخطيئة فتريد الصراخ والاعتراف
كالوردة تذبل وتتلاشى كأن نار تأكل أطرافها وتسرح إلي عمقها لتحرقها تماما وهى تنتظر ما جاء لها لأجله وتتوقعه
حتى سأل فؤاد مباشرة بفتور

" هل تحبين راشد الصيفي ؟ "

شحب وجهها وهى تنظر إليه شاعرا بأنفاسها تتحشرج وتنكتم بين شفتيها المرتجفتين ثم أطرقت بصمت
انقبضت يده بحدة وهو يرمقها بنظرات جامدة ثم يقول بصوتٍ لا يحمل أي عاطفة

" لا بأس .. سيمر هذا "

بنظرة لملامحها تأكد أن قصد راشد أنه سيأتيه أنها ستتعذب بحبه ويكون عليه الرضوخ لأمرهما الواقع .. الغير واقع !!
رفعت رنوة عينيها قليلا منتظرة الأسوأ وقلبها يدق بسرعة غير طبيعية تشعرها برقبتها وصدغيها وهو يقول بتفهم نادر معها فقط

" كنت اتوقع شيئا منكِ وأنتِ تبحثين عن الأب فيّ .. في رمزي .. وحتى شهاب .. وأمكِ ما شاء الله لا تعرف عن الحنان شيئا .. أنا حاولت قدر استطاعتي أن اوفر لكِ هذا الشعور .. رغم أني افعل مصائب واخر شخص في الدنيا تأخذي منه نصيحة .. لكن أظن أنني كنت لكِ أنتِ بالتحديد أخاً جيدا .. بل وأباً أيضا "

اومأت باهتزاز ليسود صمت ثقيل .. صمت أتعبها وهو يخترقها بعينيه بسهولة فيشل الرعب أطرافها أمامه حتى تابع بحزم الأخ الأكبر

" اسمعي مني .. هذه المشاعر التي تشعرينها غير حقيقية .. ستتلاشى حين تبدأ حياتكِ العملية وتنشغلين بعملكِ .. ثم يطرق الحب الحقيقي قلبكِ وشاب في سنكِ يقول لكِ أحبكِ بصدق .. أنتِ بنفسكِ ستضحكين على هذه الأيام وتقولين بالماضي كنت بلهاء لأظن أني أحببت رجل مثل أبي .. وربما تقولين مثل جدي !! "

ظلت تنظر أرضا دون رد وصدرها يختنق بثقل كالروح تخرج منها وارتجاف مثير للشفقة يحل بكل جسدها الذي برد فجأة
نهض فؤاد يهيمن عليها بطوله المسافر ولا يصدق أنه تعامل مع الوضع بهدوء دون عنفه المبالغ .. ربما وجود كريم يحد من عصبيته قليلا ويهديه الحكمة على طبق من براءة !
سار خطوات نحو باب الشرفة متجاهلا سؤال يعلم أنه سيغضبه بشدة لكنه عاد يلتفت لها بسؤال آخر

" من أين تعرفينه أصلا ؟! "

همست رنوة بعينين متسعتين بصدمة فجيعتها وقلبها يغور بألم .. ألم شديد

" هو ... والد .. صديقة لي "

يرد ساخرا والسؤال يلح عليه

" توقعت أن لديه أولادا في عمركِ !! "

بالثقة التي كان يتكلم بها راشد يدرك إجابة السؤال مسبقا لكنه سأل يوقعها كأنه يعرف

‏" هل تخطى حدوده معكِ حين كنتِ تقابلينه ؟! "

ظلت رنوة بحالتها الجامدة ثم هزت رأسها نفيا فتأكد له ما أغضبه بالفعل .. كانت تقابله ..
أطبق شفتيه بقوة يمنع نفسه عن قول لاذع فيزفر بحدة قائلا من بين أسنانه وقد فاض به الهدوء لمنطقة خطره

‏" منذ اليوم قبل أن تفعلي شيئا عليكِ التفكير بعواقبه أولا .. التفكير في نفسكِ .. في أهلكِ .. في صديقتكِ التي تخونينها بخطف أبيها منها "

رفعت رنوة عينيها ‏تنظر أمامها نظرة مقتولة .. مشدوهة .. هل الأمر كذلك ؟!
يصفق فؤاد الباب خلفه لينتفض جسدها وللحظات شعرت أن ذلك الجسد يتمزق بما فعل هل انتهى الأمر هكذا ؟!.. ماذا ستفعل الآن بنفسها ؟!
هل سيرحمها الموت ويأتي إليها قبل أن تنفضح ؟!
يدها قبضت على صدر ملابسها بقوة تشدها كأنها ستقطعها كما يتقطع كل ما فيها ندماً.




الفيوم

وسط بستان الزيتون يسيرون .. ظل ظليل وجمال بهيج يريح النفس ويدفئ القلب .. رائحة الأزهار تحيطهم وبحيرة قارون بالقرب منهم والسماء صافية فوقهم
حين تجسد الجمال .. يخطون على جمال فوق جمال حول جمال
التفت شهاب لمجموعة الطلاب الباحثين التابعين لاحد نشاطات الجامعة الامريكية حيث تعلم ويتابع تقديم خدماته للجامعة كمرشد سياحي لكن .. بوطنية مصرية لا امريكية
يبتسم في وجوههم المتعجبة بالقرية حيث صاروا ينتمون للمجتمع الامريكي فكريا قائلا بفخر

" اهلا بكم في مصر الصغرى .. واحة الصحراء .. بستان مصر الأول .. الفيوم "

قد كان مثلهم يوما مبهورا بالثقافة الامريكية ولا غيرها لكنه أدرك بما لا يقبل الشك أن ثقافته أعرق .. ادرك أن عليه معرفة ثقافات أخرى لكن عليه الاعتزاز بثقافة وطنه
يتقدمهم متحدثا إليهم بعفوية

" بما أنكم طلاب وهذه الرحلة تابعة لدراسة بحثية عن الفيوم ولستم فوجا سياحيا فلنجعلها مناقشة مشتركة ... على كلٍ منكم أن يقول نقطة واحدة عن المحافظة .. مَن يحب أن يبدأ ؟ "

أحد الشباب ينظر حوله ليقول بلا اهتمام

" لُقِبَت بمصر الصغرى بسبب تنوع البيئة الاجتماعية والثقافية والتراثية والتاريخية فيها "

يتابع شهاب نظراته ليضيف المعنى

" وفيها أيضا .. تمثل بحيرة قارون البيئة الساحلية وبحر يوسف نيلها والأراضي الخصبة على الجانبين دلتاها .. إذاً فهى مصر مصغرة بالفعل ! "

يتفرقون هنا وهناك يلمسون أشجار الزيتون بأيديهم ليقول آخر وهو يعدل نظارته على أنفه

" بحيرة قارون أكبر بحيرة طبيعية في مصر منذ عصر الفراعنة وهى الآن محمية طبيعية لأنها موطن شتوي للطيور المهاجرة .. وموطن لأكبر عدد من الغزلان نحيلة القرن في العالم .. بل تعتبر أقدم الآثار الطبيعية بالعالم "

ينظر شهاب إليهم منتظرا نقطة أخرى لينطلق صوت أنثوي حاد

" ومحمية وادي الريان .. يعتبر بيئة صحراوية متكاملة من كثبان رملية وعيون طبيعية ونباتات وحيوانات برية وحفريات بحرية أيضا "

نظرة إلي وجهها بثقته الكبيرة استدار شهاب بإعجاب سائرا يحثهم على اتباعه وهو يكمل لها

" فيه الشلالات الوحيدة في مصر وهى صناعية تم انشائها لاستيعاب مياه الصرف الزراعي الفائضة لكن قيمة هذه الأرض أكبر مما يتخيل أحد .. هذه الأرض عمرها لا يقل عن أربعين مليون سنة .. كنوزها لم تُكتَشف بعد "

في وادي الريان وبحيراته العليا والسفلى وأمامه جبل المدورة حيث صحراء تمتد لنهاية البصر تسير فيها وتبحث تحت قدميك عن الحفريات الصغيرة الشاهدة على قدم الأرض
متعة بحث حية تتخلل العروق تنعش حساً منتبها وتركيزا عاليا في فقه الرمال .. الحرية فقه الرمال .. حيث لا حدود لكيانك
يخرجون من البستان لتشير فتاة بامتداد ذراعها نحو البعيد متسائلة

" هذه سواقي الهدير أليس كذلك ؟ "

إلي مكان إشارتها ينظرون حيث ما يشبه العجلات الضخمة فيجيب شهاب

" صحيح .. ولمَن لا يعرف هى آلات ري خشبية قديمة تدور بقوة دفع المياه وتعمل طوال العام .. ولا توجد إلا في الفيوم "

يسير قليلا معهم على طريق القرية المكسو بالبلاط في نظام مميز ثم يشير لاتجاه خارجي قائلا

" بعد جولتنا بالقرية سنتجه إلي محمية وادي الحيتان لنرى هياكل الحيتان التي تعود لملايين السنين مشيرة أن أرض الوادي كانت محيطا وجف "

جدار على يمينهم مكتوبا عليه ( تونس ) وجدار على يسارهم مرسوما عليه رسومات فنية يدوية تخطف النظر لألوانها الزاهية وأحد الطلاب يتحدث

" لم نتكلم عن المكان الذي نحن فيه .. قرية تونس .. أجمل القرى الخضراء ولكثرة طبيعتها الخضراء وبساتينها سميت تونس "

بظل أشجار العنب يرفعون أعينهم للطبيعة الخلابة ناظرين للطيور النادرة بالقرية وشهاب يعلق

" معظم سكان القرية يعملون بصناعة الفخار ويقال أن بداية اشتهار الحرفة من سيدة سويسرية اسمها ايڤلين زارت القرية منذ زمن واستقرت فيها هي وزوجها المصري وبدأت تعليم الناس بحبها للأمر .. أحد صناع الفخار قال لي مرة أنهم تعلموا حب الصناعة فيضعون أرواحهم في أعمالهم وحين تمسك قطعة تشعر فيها بحب صانعها "

يلقي نظرة عليهم فتبادله تلك الفتاة الواثقة نظرة أنثوية متعالية فيبتسم بعجب قائلا

" سنذهب الآن إلي مخيم سفاري العرب نتناول الغداء ثم نعاود الحديث عن باقي رحلتنا .. هيا بنا "

يسير باتجاه المخيم وكل منهم خلفه في اهتماماتهم المختلفة.
بعد الغداء ذو الطابع الريفي بأصناف الفيوم المتفردة ما زالوا يجلسون في المخيم يشربون شاي الفحم ويبدأ شهاب نقطة أخرى راجعا بالزمن

" لا يعرف كثيرون أن الفيوم فيها ثلاثة أهرامات .. هرم سيلا .. هرم هوارة .. وهرم اللاهون .. قد كانت الفيوم عاصمة لمصر في ظل الحكم الفرعوني للأسرة الثانية عشر بدلا من منف .. وحول هرم اللاهون سنجد مقابر ومصاطب الأميرات وبقايا معبد الوادي وعثروا على برديات تحوي الكثير في علوم الطب والقضاء "

تلك الفتاة الجذابة تجابه نظرته بتحدٍ لا يعلم سببه ثم تقول بثقة كأنها القائدة

" بالقرب من هوارة نجد معبد اللابرانت أو قصر التيه .. مثل المتاهة به أكثر من ثلاثة آلاف حجرة يقول عنه المؤرخ هيرودت .. انتظروا "

صمتت لتخرج كتيبا صغيرا عن الآثار فيضحك الجميع ويبتسم شهاب يهز رأسه فأغاظها لتقول بعبوس رغم صلابتها

" علام تضحكون ؟!.. أنا ادرس نعم .. احفظ لا ! "

تعلو ضحكاتهم أكثر فيعلو صوتها عليهم جميعا بثبات أثار انتباههم

" اسمعوا ماذا قال .. ( أنه يفوق الوصف ، ويتكون من اثنا عشر بهوا ومن ثلاثة آلاف غرفة نصفها تحت الأرض ونصفها الاخر فوقها ، والغرف العليا تفوق ما أخرجه الإنسان من آثار إذ أن سقوفها كلها قد شيدت من الأحجار ، ويحيط بكل بهو أعمدة مصنوعة من الأحجار البيضاء ) .. هذا معناه أن القصر كان جميلا !! "

يتضاحكوا على جملتها الأخيرة التي قالتها ببساطة لتلخص كل ذلك الفن المبهر .. والواقع أن كلمة جميل أقل بكثير من طابع الانبهار الذي تتركه تلك الآثار داخلنا
لكن نبرة صوتها الرنان جعلت ابتسامة شهاب تخفت قليلا ليركز بملامحها هى الجميلة .. حسنا هو معجب !
سؤال عن القصر من إحدى الفتيات أعاده من شروده فيجيبها بلباقة

" للأسف القصر لم يتبق منه سوى مساحة فيها الصخور وقطع الجرانيت وأعمدة الحجر الجيري فقط "

يتنحنح مطلقا نفسا عميقا ثم يقف وهو يقول

" وهناك آثار رومانية ويونانية تتمثل في أطلال مدينة كرانيس .. كانت أهم الأراضي الخصبة .. وعثروا فيها على توابيت ومنازل حجرية وأوانٍ فخارية وتماثيل ومطاحن حجرية وصحون وقدور مياه وأدوات خياطة .. كانت حياة كاملة .. والآن كل هذا أطلال لكن الرسومات على الجدران تحكي لنا تلك الحياة "

يشير لهم بيده ليكملوا رحلتهم فيخرجوا من المخيم ثم من القرية كلها تحت آشعة الشمس الساطعة متجهين بحافلتهم إلي وادي الحيتان ليخبرهم عن باقي ما سيرونه

" سترون أطلال مدينة أم الأثل المسماه باسم الشجرة جميلة المنظر شجرة الأثل دائمة الخضرة .. وسنمر على مسلة سنوسرت ومعبد قصر قارون والأديرة القبطية مثل دير العزب ومسجد قايتباي والروبي .. كل هذا يمثل الفيوم قلبا وقالبا "

صعد الطلاب الحافلة ليستقر كل منهم مكانه بينما يقف شهاب ناظرا للكرسي الفارغ جوار تلك الفتاة الصعبة ثم ابتسم !
يطمئن على ركوبهم جميعا ثم ينظر إليهم بالحافلة ليقول بنبرة دافئة

" لكن ما سنراه من تاريخ وحاضر الفيوم يثبت لنا أن كل جزء من أرض مصر له أصالة وعراقة خاصة .. لا يوجد جزء من مصر إلا ويشهد على حكاية عظيمة .. مهما درستم بعيدا عنها أو بثوا بأفكاركم أفكارا عن غيرها عليكم أن تعرفوا أن هويتكم هنا .. مصيركم هنا .. انتماءكم هنا .. ويكفي .. يكفي ذلك الدفء فيها وهى أم الدنيا .. طيب هواءها وهى عروس الدنيا "






تجلس في أحد المقاهي الكلاسيكية الراقية التي اعتادت دخولها معه فقط ، فميزانيتها لا تسمح لها أن تدخل مثل هذه الأماكن الغالية إلا مرة كل شهر إذا أرادت التجربة لا أكثر ، واليوم غلبها الحنين للمرة التي لا تُحصَى
اليوم ذكرى ذلك اليوم الأخير الذي انكشف فيه .. كانت معه يخطط معها للمستقبل ومن حيث لا تدري جاءت زوجته لتهدم كل ما بناه
يدها تشتد على فنجان الشاي ذو الطابع الأثري كالمقهى وسخونته لا تعادل حريق القلب ولو بدرجة مئوية واحدة
‏القلب يغلي كبركان فائر ما له من قرار أما خارجها .. يغرق في رمال متحركة ولا نَفَس مقاومة لتصعد
‏البخار يتمايل أمام وجهها وعيناها الموجية تميل معه ، نفس موسيقى ذلك اليوم تحيطها وأنفاسها تتطبع بأنفاسه كأنه معها .. والحنين .. الحنين قاتل يا سيدي .. فقد كانت ...

‏تأخرت في عملها فأسرعت الخطى حيث ينتظرها بالمقهى لتصل بعد دقائق تأخيرها الذي يرهق قلبه كما يقول ، يخاف تأخيرها .. يخاف ابتعادها .. يخاف غيابها عن عينيه وهى معه .. كل ساعة مكالمة وكل دقائق رسالة
‏هى المحور .. محور حياة تشبعت بتفاصيلها وتشعبت بتفاصيله
‏على باب المقهى وقفت تنظم أنفاسها اللاهثة تراقبه بقلب خافق وعينين تتسمران أمام رجولته لتنهل من نبع عميق بدوي الطباع .. صحراوي الملامح .. متحضر المحيا ..
‏يده منقبضة على الطاولة متجهم الملامح وأصابع يده الاخرى تنقر جوار فنجان قهوة تكاد ترى أنه لم يشرب منه شيئا .. ينظر لساعته وتشتد شفتاه كالوتر وهو يمسك هاتفه ليجرب الاتصال بها مرة اخرى وحين سمع الرسالة المعتادة للهاتف المغلق رأت شفتيه تتمتم شاتما وهو يضع الهاتف بحدة فيضغط على طبق الفنجان الصغير لينقلب الفنجان على يده !
‏شهقت ضاحكة وهى تقترب من طاولته حيث يقف يمسح يده بغضب والنادل يأتي لتنظيف الطاولة وحين وقعت عيناه عليها تصلبت ملامحه أكثر وهو يصرف النادل بطلب فنجان قهوة آخر وبيتزا الدجاج !
‏وصلت لكرسيها فتعلق حقيبتها الصغيرة على ظهره واضعة هاتفها على الطاولة وجلست مبتسمة قبل أن يجلس هو .. تنظر إليه وغضبه لا نقاش فيه حتى جلس يمسك بهاتفها متسائلا بخفوت عنيف

‏" ما لزوم هذا معك ؟! "

‏ردت صدفة بابتسامة بسيطة

‏" انتهى شحنه !.. طوال اليوم مكالمات للعملاء "

‏أشاح عماد بوجهه يشتم عملها على العملاء وكل مَن تتعامل معه سواه ثم يخرج جهازا صغيرا من جيبه يضعه أمامها قائلا بتصلب

‏" هاتفكِ تخرجين به مشحونا وشاحن البطارية هذا لا يفارقكِ مفهوم ؟.. لا اريد كل مرة أن تنسكب القهوة على يدي من القلق عليكِ "

‏دفعت الجهاز نحوه على الطاولة لتقول بنبرة متلاعبة

‏" لكن أنا أحب أن تنسكب القهوة كل مرة على يدك من القلق عليّ ! "

‏ينظر لعينيها وشقاوتهما فتلين ملامحه الغضوب ولا يبقى سوى حب لا إرادة فيه .. تدهشه عفويتها في سحب غضبه رغم أنها لا تفعل شيئا سوى أن تتكلم بما لا معنى له لكن بالنسبة إليه هو كل المعنى
‏بنظرة عاشقة يغرق في عينيها السماوية حتى الرمق الأخير وتسمع همس صوته

‏" وإن احترقت يدي يوما ؟! "

‏تتسع ابتسامتها لتشمل سماءه وأرضه وبحار كونه ووهج شمسه وأصابعها تمتد لأصابعه تشبك أصغرها باصبعها الصغير هامسة لعينيه

‏" ساكون هنا "

‏انتفض قلبه بشغف مجنون خارج حدود معقوله ووضعه .. وجهه يفيض تأثره ولغة صارخة أبجديتها مذهلة الهوى تربطهما بجنوح ثائر للعشق فقط
‏كل مرة يكون معها يعلم أنه يجازف بقلبها وهو يقدمه للوجع إذا عرفت ما يخفيه .. كل ما يحتاجه بعض الوقت .. بعض الوقت يمارسها على مهل .. يدخلها فيه أكثر .. يسري في دمائها أكثر حتى لا يخرج منها بسهولة
‏أناني !.. مؤكد .. لكنه لن يغامر بقدر لا يشبه قدراً بحياته .. أنثى يشعرها من ضلعه هو خُلِقَت
‏وصل النادل بالطلبات فيضع أمامه قهوته وأمامها البيتزا بإغرائها الشهي !
‏حسنا !.. هى لا تتناول هذه الأطعمة إلا معه لكن كبريائها أغلى من ثمن البيتزا لتبعدها قليلا رافعة حاجبيها بالقول

‏" مَن قال لك اريد بيتزا ؟!.. لست جائعة "

‏نفس طويل يخرج من بين شفتيه مراقبا تلكما الحاجبين السميكين ثم يمسك الشوكة والسكين ليقطع قطعة صغيرة من أحد المثلثات ويمدها لشفتيها وهو يقترب بوجهه منها قائلا بعينين لامعتين توقاً لتلك الشفاه

‏" ومع ذلك ستأكلين رغما عنكِ "

‏يعلم أنها تحبها ولا تأكلها إلا معه وكل مرة يذيقها الأغلى والأحلى والأغرب ، ولا يستطيع منع بهجة روحه وهو يفعل
‏تبتسم صدفة وهى تفتح فمها تأخذ القطعة وتضغط على الشوكة بأسنانها حتى تركها مبتسما ليدها لتخرجها وتضعها جانبا وتمد يدها تمسك بمثلث البيتزا وتقضم منه بعفوية بلا شوكة .. بلا سكين ابن الذوات !
‏وتدهشه فوضاها الحياتية وكل شيء معها له طبيعة أخرى ومعنى أبسط من معناه .. تشعره أنها أنثى كل شيء وهى حرة اللا شيء
‏ولا يحتاج إلا هذا التعلق بها حيث يملأ الشغف حياته من جديد .. هنا نبض القلب على نغمات سحرها ، ودفء البحث عن الذات ليجدها بمدينة عشقها
‏المثلث الثاني أخذته لتقربه لفمه أولا فيلف كفه على يدها وهو يقضم نصفه مرة واحدة فتركته من يدها قائلة بامتعاض ضاحك

‏" ستدخل على أصابعي يا عماد !.. وحش يأكل !! "

‏يضحك عماد من قلبه ثم يقول بخبث وعيناه تمر عليها بجرأة

‏" وحش مثلكِ يا عود برائحة العود !.. تبا لجمالكِ اخاف أن افترسكِ ليلة زفافنا .. لدي شعور غير طبيعي بالتهامكِ داخلي ! "

‏يتوهج وجهها المحاط بالحجاب الأبيض وهى تخفضه حياءا بضجيجه النابض هامسة بارتباك

‏" كفى كلاما يا ابن الزِيِن .. أحيانا لا اصدق أن هذا الكلام يخرج منك "

‏تناديه بلقبه فيضع كل أسلحته شاردا بعينيها .. يدفعه المد نحو أمانها .. ويسحبه الجزر نحو طوفانها .. يتأمل وجهها الجميل قائلا بغرام قلبه

‏" أنا اتكلم جديا .. لا تدركين كم وكيف تثيرين فيّ البدوية بحرية صحرائها .. لا افكر إلا في ليلة لنا معا تحت ضوء القمر .. حدودنا صحراء لا نهاية لها ولا مخلوق فيها سوانا .. فراشنا رمال وغطاؤنا رياح تعبر فوقنا فاغطيكِ بجسدي من برودتها ... لا اريد تلك الليلة أن تشعري بحرارة إلا حرارتي أنا "

‏اندلعت الحرارة بجسدها فتشعره يتفكك وهى تتلفت حولها باضطراب أنفاسها ، وكلماته نورا يطوف بطرقها المعتمة .. وظلاما يغرقها دونه فلا تتنفس إلا به
‏مرتبطة به بعنفوان ثائر عنيد كأنهما بأرض لا عنوان لها .. لا ذكر لها على خرائط الحضارات .. ولا مسمى لها إلا في كتب التعاويذ المشفرة
‏مرتبطة به هو المتغير دائما في زمن ثابت لا دلالة له .. زمن لا يشير إلي عمر محدد .. لا دقائق وثوان له .. لا حسابات فلكية إلا فلك عشق جاحد لا يقبل بدائل
‏يشرب عماد من فنجان القهوة ومشاعره كلها تتوحد في صدفة ولا سواها ابنة القلب ثم يحثها مسيطرا على نبرته المشوشة

‏" كلي "

‏إنه حتى لا يعرف كيف تخرج منه الكلمات بهذا الطابع البدوي واللهجة الصحراوية معها وحدها لكنه يدرك أنه كان مع سلاف هكذا .. طابع العشق فيه لا يتبدل
‏يرفع سبابته مشيرا للنادل فيأتيه ليطلب

‏" اثنان شيكولاته بالحليب وقطعة كعك محلى بالسكر "

‏يومئ النادل وهو يمد يده ليرفع البيتزا فيشير عماد له أن يتركها لينسحب وهى لا تفقه ماذا قالا ولا ماذا طلب ولا ما يدور حولها ..
‏حولها .. كانت حروفه تتطاير .. تلفها بدوامة إعصارية تسحبها نحوه وتتحرر من كل ما هو سواه ..
‏حتى شعرت بحافة مثلث البيتزا تمر على شفتيها بحسية كأنه يقصد أصابعه فتقضم بلا وعي سوى بنظرة عينيه الراعدة ثم يقول بجدية

‏" اريد أن اخبركِ شيئا صدفة .. لكن عديني أنكِ ستسمعينني للنهاية "

‏تأكل ببطء تحاول التغلب على تأثيره الحراري لتهمس بطاعة قلب

‏" ساسمعك بالطبع "

‏يرتب عماد أفكاره يركز بما سيقول فيستند بذراعيه على الطاولة مقتربا منها بسؤاله

‏" هل تثقين بي ؟ "

‏كان جديا وسؤاله كحاجة ملحة تشغل عينيه فتحملان الكثير من الحكايا كأنها أخبار عالقة بانتظار فرصة بوح .. أو لحظة سماح !
‏تبتسم في وجهه لتطمئنه بسؤالها كإجابة إرادتها

‏" لمَ اجلس معك إذاً ؟! "

‏اومأ عماد بابتسامة قلقة غريبة ثم قال ناظرا لعينيها

‏" اريد أن اطلب يدكِ من أبيكِ "

‏قلبها يتفجر بنبضات كالكهرباء تشعل أوردتها وتلمع في عينيها بشعلة نيران تمطرها عليه بلمحة تمرد ساحرة وهى تسأل

‏" وهل امنعك ؟! "

‏ابتسامته تخفت ببعض التردد والألم وهو يرد

‏" هناك اشياء عني لابد أن تعرفيها ... اشياء أُجبِرت عليها أو ... حدثت بلا تخطيط مني .. أنا ... "

اسبل جفنيه وسائل شديد المرار يسري في عروقه يشعره ملموسا .. ملموسا لدرجة موجعة
رفع عينيه يطالع ابتسامتها الرقيقة الخجولة وسكت اللسان عن الكلام .. سكت والمطر يرد على حيرته أن عذاب الهوى غير مأمون للكاذبين !
فصل بينهما النادل وهو يحضر الطلبات الجديدة فتنظر صدفة بعجب لكأس الشيكولاتة والكعك وجوارهما البيتزا ما زالت دافئة الطعم .. لكنها لم تقاوم كأسها وهى ترتشف منه بتلذذ وتنظر له بأعلى عينيها ثم تحرك حاجبيها صعودا بأنوثة ألجمته تماما وقلبه يصارع الحياة !
لن يستطيع إخبارها .. حياة كاذبة أم موتا صادقا
هل عليه الاختيار ؟!
هى الموطن الذي عبر سنينه ليصل إليه بعد غايات منكسرة وشفق مظلم .. إن كان على وعدٍ بالصدق .. فسيكون أول العشاق الصادقين لدرجة الكذب !!
ظل صامتا فتقرأ صدفة قلقه لتقول برفق يحنل مرح روحها

" تابع كلامك واطربني ! .. ما الذي تريد قوله وأُجبِرت عليه يا عماد ؟!.. لا تخبرني أني بعد كل هذا الوقت اجلس مع قتال قتلة مثلا !! "

يضحك عماد وهى تخفف عنه قليلا ليضغط أعلى أنفه ثم يقول بعد تنهيدة طويلة

" ليس لهذه الدرجة !.. يا ظالمة لقد رأيتِ أوراقي الرسمية وحتى شهادة الكلية وشهادة الخدمة العسكرية .. هل تريدين إثباتا أكثر ؟! "

تهز كتفها لتشرب من الشيكولاتة قليلا ثم تجيب بحلاوة مثل فمها المحلى

" اممم .. يا حبيبي هناك اشياء لا تُذكَر في الأوراق الرسمية .. اشياء تحت الطاولة !!.. هيا اعترف بما تحت طاولتك ! "

نظر إليها قليلا وحاجبه يرتفع بعبث ثم ارتفعت ضحكته عالية وعقله يتجه شمالا !!.. شمالا جدا جدا !! .. وضحكته تعلو حتى جذبت أنظار الجميع ..
تغطي صدفة وجهها بكفها تكاد الاختفاء تحت الطاولة هامسة من بين أسنانها

" فضحتنا كالعادة وسط كبار السن المحترمين من أجداد أبي الهول في هذا المكان الأثري ! "

وضع عماد يده كلها تحت ذقنها ليرفع وجهها قائلا بضحكته العابثة

" ارفعي رأسكِ صدفة وتوقفي عن النظر تحت الطاولة !.. مبكرا جدا على هذه المرحلة حبيبتي !.. ما زال هناك خطوبة وعقد قران وزفاف وبلاوى زرقاء !! "

عقدت حاجبيها ناظرة له باستنكار مبعدة وجهها عن يده لينير مصباحه – الوقح – في رأسها لتفهم مقصده فتتسع عيناها شاهقة هاتفة بغيظ الجملة الشهيرة لراغبي النساء

" كلكم مصطفى أبو حجر !! "

تتعالى ضحكته مجددا ورأسه يرتد للخلف حتى دمعت عيناه فيضغطها لحظات حتى هدأ وتوقفت ضحكاته لتظل ابتسامة عالقة على شفتيه ..
ابتسامة تتغزل بجمال وجهها كأنه مغسول بنور القمر .. بروح الأعراس وبهجتها .. مكملة الأعراس كعراقة مدينة تشرق فيها شمساً حرة
تنحنح بملامح جادة ليستعيد تركيزه قائلا

" حسنا .. شكرا على الفاصل الممتع يا قدر .. كنت اريد أن اخبركِ أن ... "

" هل هذه الرابعة ؟! "

نظر عماد للخيال الأسود الذي خيم عليهما فتصطدم عيناه بليلة وهى تميل برأسها بابتسامة مستفزة تشهد بحقدها لتكرر سؤالها

" هل هذه الرابعة التي تشغل عقلك ؟! "

تهيج عينا عماد غضبا كارها وابتسامة ليلة تتسع وهى تنظر لصدفة التي تطالعها باستغراب ونفور تلقائي عاقدة حاجبين مميزين فوق عينين بلون أكثر تميزا
تنظر صدفة إلي عماد ولا تعلم لمَ شعرت أنه على جمرٍ مشتعل !.. فلم تستطع إلا الهمس مشيرة بعينيها نحو ليلة

" عماد ... مَن ؟! "

تمرر ليلة يدها بشعرها الطويل وابتسامتها تزين ثغرها الأحمر وهى تنظر لصدفة بوقاحة ثم تقول بلؤم

" أنا ليلة يا حبيبتي .. زوجته .. الأولى ! "

تصمت لحظات أمام صدمة صدفة فيعرف عماد أن ذاك الصدق المرفوض يقف أمامه يتربص به بعقاب كلمة من شفتين سامتين

‏" ألا تعرفين أنه متزوج من ثلاثة .. والثالثة عرفي ؟! "

لأول مرة بحياتها تجرب كيف تقع الكلمات كوقع البلور ؟!
شيء ثقيل نزل فوق رأسها فحطمها ثم تناثر حولها ليصنع حجابا مكسورا حجب عنها أي شعور سوى تلك الكلمات
وقفت ببطء حتى لا تميل لأنها تشعر أن الأرض هى المائلة .. عيناها لا تحيد عن عينيّ ليلة ثم انتقلت لعينيه بصعوبة لترى .. ترى بهما ما تخشى قراءته لكنها تقرأه بسهولة .. بكل سهولة خادعة !شظايا لوح زجاجي نقشت فيه الثقة به أصابتها كالسهام المتطايرة
لم تدرِ بالدنيا سوى بنظرات إليه وإليها .. حتى سألت بصوت مرتجف بعد ثوان طويلة .. طويلة .. وعيناها تتوسله تكذيبها بلا وعي

‏" صحيح ما تقوله ؟!! "

‏" انت متزوج ثلاثة ؟!.. وعرفي ؟! "

انتفضت عينا عماد ناظرا لليلة بغضب لم تره على وجهه سابقا قبل أن يلتفت إليها هاتفا بوضوح

" روينة زوجتي على سنة الله ورسوله وليس عرفي "

حلقها يجف كجفاف عينيها الموجية .. فلا موجة .. ولا قطرة ماء .. نار صدمتها تحرقهما ثم تشققهما ورئتاها تزودان عن أنفاسها الهاربة ..
والقلب .. ينغزها صراخا كأنه استيقظ فجأة فاعتصر نفسه يتضرع الرحمة .. تشعر .. تشعر بالغباء
لم تكن ترغب بالبكاء قدر رغبتها بالصراخ النابض انفعالا بدوارها العنيف ..
الصراخ بوجهه هو .. وهو .. حيث يقف مكانه ظل .. بلا كلمة .. غادر .. مغدور !
شامخا لا ينحني لكن عشقه تجسد في آهة صرخت بروحه لموت آخر .. آهة صرخت آآآآه
تنظر صدفة حولها بتشتت ثم تأخذ هاتفها وحقيبتها ثم تستدير لتسير ببطء نحو باب المقهى وحقيبتها تُجَر أرضا بلا وعيها
أمسك عماد مرفق ليلة بقسوة فيقول بنبرة مشتدة وعينين مخيفتين بالوعيد

" لي حساب معكِ اسوأ من كل ما رأيتِه بحياتكِ "

ولم تعرف أن حسابها سيكون اسوأ ما رأت بحياتها فعليا .. ولم تدرك وقتها أن عماد يمكن أن يحمل ذلك الجبروت !
خرج عماد خلف صدفة ليمسك بذراعيها قائلا بنبرة لم يدرك فيها توسلا

" انتظري وسافهمكِ "

رفضت النظر إليه .. تقاوم كل شيء .. بكاءا وانفجارا وضعفا لكنها لم تقاوم الدوار الذي يسحبها
تسحب نفسها منه بتشنج وتسير بلا هداية فيوقفها بأنفاسه الهادرة وحالة خوف من الفقد تسيطر عليه تماما

" هذا ما أردت قوله منذ قليل ولم استطع .. أنا لا اخدعكِ صدفة اقسم بالله .. رغما عني اخفيت الأمر صدقيني .. اقسم بالله أحبكِ "

ينفر ذراعها منه وهى تسحبه بقوة بجمود ملامحها ثم تتجاوزه فتدمع عيناه وهو يقول بصعوبة

" ألم تعديني أنكِ ستسمعينني للنهاية .. أنكِ لن تتركيني مهما عرفتِ عني ؟.. أرجوكِ اسمعيني مرة واحدة .. لأجل أي لحظة جمعتنا شعرتِ فيها بحبي لكِ "

ما زالت ترفض رفع عينيها مسدلة عليه ستار من ظلام خداعه فيمسح عينيه ووجهه الأحمر يشي بدموعه السجينة مثله في أقفاص ذهبية أغلقها على نفسه بيده ليقف أمامها يحاول مجددا بصوت متحشرج

" لم اخدعكِ صدفة .. أنا أحبكِ .. أحبكِ "

تتحرك يمينا مبتعدة وبلحظة لا تدركها ركبت في حافلة مرت جوارها فلا تدرك متى أشارت لها أو أين ستذهب ؟!.



كل ما تذكره من ذلك اليوم منذ عامين أنها وصلت شقتهما القديمة وبكت حتى شعرت بعينيها تفقدان الرؤية مؤقتا فنامت لتستيقظ مريضة .. إعياء شديد أصابها صنفه الطبيب الذي احضره والدها أنه صدمة نفسية فلم يفهم هو ولا جدتها كيف تصاب ابنتهما بصدمة نفسية تمرضها ؟!
كوب الشاي الذي استطاعت دفع ثمنه برد في يدها لكنها لم تكن تهتم إلا أن تكون هنا اليوم .. تحتاج قسوة الذكرى لتواجه قسوة الحنين
عماد مرحلة ومرت ستجتاز توابعها لتعود سالمة .. هكذا عزمت وتنفذ.
نظرت لساعتها ثم نهضت لتخرج من المقهى تستقل الحافلة الاولى لمحطة الحافلات ثم تركب الحافلة الثانية لأول الحي
تدخل الحي ونظرات المعلم عفيفي تخترق ظهرها فيقشعر جسدها برغبة الغثيان المعتادة لكنها تتحامل حتى تصل للشقة فتدخلها واضعة حقيبتها على طاولة جانبية ثم تفك حجابها .. تتبعه بشعرها الطويل تنفضه ليلاقي الهواء بعد كتمان ..
وما إن خطت قدماها غرفة نومها مع جدتها حتى شهقت برعب .. ثم انطلقت صرختها ...


انتهى

تم تنزيل الفصول التي حذفت في صيانة المنتدى وسبتم تنزيل المناقشة التي تلت الفصل يليها فصل اليوم الجديد لليوم 6/4/2020




‏أولا : كل ما سبق مقتبس عن قصة حقيقية لأخ قتل أخيه بالفعل لسبب ( اتفه ) بكثير وتم القبض عليه وإعدامه .. ربنا يحفظنا من شر النفوس المريضة

ثانيا : عماد
قصة عماد مقتبسة ايضا عن قصة حقيقية من محاكم الاسرة
لكن القصة الحقيقية كانت سيئة بشكل ترفضه النفس وارفضه انا .. لرجل ( يشرب مخدرات ) تزوج امرأة لأنها ( جميلة بشكل مبهر ) لتكتشف المرأة انها زوجة ( ثالثة ) وحين طلبت الطلاق كان يضربها ويهينها بأشكال تعرفونها !!
المصيبة الكبرى ان اهلها ايضا كانوا يضربونها إذا تركت بيت زوجها ولجأت إليهم !! .. فقررت الهرب وعاشت في ( شبه قبر ) حتى استطاعت رفع قضية وطلقتها المحكمة
ذلك الموضوع باختصار .. من هنا جاءت الفكرة ان اناقش التعدد
ولاني كما قلت ارفض ان اناقش الموضوع مع شخصية رجل ( دنئ وحقير ) مثل صاحب القصة الحقيقي .. قررت أن اناقشها مع رجل ( امتلك الشهامة والرجولة بكل معنى الكلمة ) تمثل في عماد
قررت أن اناقشها بمثال ( حسن ) وظروف ( استثنائية ) للتعدد
رجل ستر صلة دمه .. ثم وُضِعَ امام الاختيار ( الاجباري لرجولته ) الثاني فقرر ( الاكتفاء ) به لكن للاسف الاختيار الثاني كان مجرد ( حاجز حماية ) فقرر ان ( يعف نفسه بزواج حقيقي )
وانتهى الأمر..
لكن القلب له أمر آخر حين مال لفتاة بعشق إجباري .. انا اعتبر ان رغبة عماد في الزواج من صدفة ( زلة نفس ) لن ( اجلده ) عليها كما يفعل ( البعض ) لانه ( تراجع وابتعد ) عنها فلن احاسبه على مجرد ( فكرة او شعور داخله )
لذلك ارى عماد شخصية ( تكاد تقارب المثالية ) مع وجود اخطاء النفس بالطبع فكلنا بشر خطائين

هل هذا معناه اني ساظهر الجانب الايجابي بهذا المثال فقط ؟!
لا .. خلال رحلة الرواية ستتم مناقشة كل الجوانب سلبية وإيجابية ( بنماذج حقيقية في مصر والوطن العربي )

ثالثا : الي الان اتضحت ثلاثة اهداف للمناقشة في الرواية
- معنى الوطن وبلدي مصر
- ‏التعدد
- ‏فارق السن المبالغ في الارتباط وهذا يدخلنا الي رابعا


رابعا .. راشد ورنوة
موضوع فارق السن مقتبس ايضا من قصص حقيقية وانا لمحت عن واحدة ( في مصر ) ولا ننسى أيضا جورج كلوني وامل علم الدين ( في العالم )
اذاً الموضوع ( موجود ) وقد تنجذب أنثى لرجل اكبر منها بكثير
حين وصفت راشد وصفته مثال الرجل الرياضي المحتفظ بوسامته ولياقته وشبابه في سن ( الخمسين )
لكن شعرت ان المعظم نظر اليه بنظرة ( الجد العجوز ذو الشعر الابيض ) !!!
‏هل تعرفون ان احمد السقا عمره ٤٧ سنة ؟!
‏هل تعرفون ان كريم عبد العزيز عمره ٤٤ سنة ؟!
هل تعرفون ان ماجد المصري عمره ٥٦ سنة ( اكبر من راشد ب ٦ سنوات ) ؟!
‏هل تعرفون ان عمرو دياب عمره ٥٨ سنة ( اكبر من راشد ب ٨ سنوات ) ؟! ‏
‏وجميعهم تجدون الشعر الابيض ( الشيب ) يختلط بالاسود في جمال رجولي وجاذبية منمقة
‏اذاً بامكانكم الان فهم قصدي وتخيل راشد كما تخيلته انا ( والاقرب ماجد المصري هههه )

‏هذا ليس معناه اني اشجع هذا .. بالطبع لا .. فالموضوع للطرح والمناقشة ومعرفة النتيجة النهائية كما تصورتها قد تحدث
‏لكن هذا فقط حتى لا ( تنفقع مرارتي وانتم تصفون راشد بجدو هههههه )


خامسا : الحياة الوردية السهلة
كثير يطالبني بفض الاشتباكات وفض التعدد والرفض الرفض الرفض لوجود اشياء ( قد تعتبر سوداوية ) في المجتمع ( مثل شخصية ليلة مثلا وبالمناسبة هى حقيقية ايضا وكانت من عائلة محافظة !!! )
مثال على ذلك رفض نهاية لمياء في روايتي السابقة عشقك عاصمة ضباب
لكن الحقيقة - وكما قلت للمتابعين وقتها ان لمياء شخصية حقيقية - ان لمياء ما زالت تعمل في الصيدلية وخطبت لشخص خطوبة ( تقليدية مناسبة ) لكنها قنعت ان الرزق كما كتبت بالفصل الثاني حين ظهرت ضيفة شرف قد يكون ستر وصحة وراحة بال وليس ( الحياة الوردية ) التي يطالب الجميع بها
إذاً الحكاية ( موجودة ) فلماذا نطالب دائما ( بالخيال ) ؟!
علما ان الثلاثة ثنائيات الاخرى في ضباب كانت نهايتها ( وردية ) لكن لمجرد ( واحدة فقط ) واقعية اعترض ( البعض ) !!!

ختاما : لماذا ذكرت كل تلك النقاط ؟
لأن معظم الشخصيات في هذا العمل مثيرة للجدل بتصرفاتها الخارجة عن ( المألوف والمعروف ) فاجد تعليقات عبارة عن احكام او انفعالات شخصية لا تناقش بل ترفض وجود المواضيع في المجتمع مع ان ( تقريبا كل ) قصص الثنائيات مقتبسة من ( قصص حقيقية )

لذلك .. إلي اصحاب ( الدنيا الوردية والنهايات الوردية ) الذين لا يصدقون وجود اشخاص سيئة تصل لدرجة الشر الخالص .. قد كنت مثلكم يوما قبل ان اقرر خطوة الكتابة والبحث في قصص الدنيا لاجد ان الدنيا ( تحتاج بشدة أن ندعو الله فيها بالستر والصحة والرزق الحلال )
بعد ما قرأته من ( سواد قصص حقيقية ) احمد الله دائما على ( البياض ) .. بعد ما قرأت عن اشخاص ( اولاد حرام ) احمد الله على ( اولاد الحلال )
القراءة كما تأخذ إلي دنيا الخيال والجمال فهى ( تعلم وتحذر ) ايضا.

هذه وجهة نظري المتواضعة

والان إلي فصل اليوم



noor elhuda likes this.

نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:15 AM   #517

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



البريق الثاني عشر

انطلقت ضحكاته الطفولية السعيدة تطرب قلبه الحجر وهو يتمسك بيده بقوة .. الأيام السابقة قضاها مع كريم نهارا ليذهب ليلا إلي شقته رافضا بيت العائلة حتى لا يرى بنظراتهم اتهاما أو كرها
أحيانا يتواصل مع أخته رنوة ليخفف عنها صدمة ما عرفت فتقضي بعض الوقت معه ومع كريم بين أنشطة النادي أو دعوات في أجمل المطاعم

رنوة ذابلة منطفئة ويبدو أن راشد الصيفي ترك فيها أثرا لن يزول بسهولة من صغيرته لكن لا بأس ... الوقت كفيل بإصلاح كل شيء فيها لتدرك أنها علاقة غير منطقية .. لتدرك أنها اخطأت
وأحيانا يجازف ليفرض سيطرته غير آبها بشيء ويذهب بكريم حيث منزل عائلته فتتقبله تحية على مضض وكعادة رمزي لا يهتم بأحد ويعامله شهاب بخفة ظله وما زالت جدته بركة رافضة رؤيته
يقفز كريم في مشيته المعتادة وهما يخرجان من متجر المثلجات كل منهما يحمل مخروطا تزين بنعومة الشيكولاتة وألوان الفاكهة

يسأله فؤاد عن سباق السيارات الذي وعده به سابقا وهو ينظر إلي المخروط يتساءل عن اخر مرة تناوله بها

" هل أعجبك السباق ؟ "

اتسعت عينا كريم بإثارة وهو يهتف حماسا

" تحفة "

صمت قليلا وهما يسيران ببطء في الميدان متجهين للسيارة فيقول فؤاد بعد تفكير

" لكن السباقات بالخارج لها متعة أكبر بكثير "

يلعق كريم مثلجات الفراولة متسائلا بشفتيه الحمراء

" ماذا تقصد ؟! "

كل تفكيره كان منشغلا بفكرته المفاجئة التي تلح عليه بضراوة الاغراء تعده بعالم جديد ومستقبل أفضل له ولأسرة صار يرغب في وجودها تحيطه بعد نبذ الجميع
يجيب فؤاد بابتسامة صغيرة مترقبة

" ما رأيك لو سافرنا ؟ "

توقف كريم مكانه ينظر إليه بحزن ظلل عينيه متسائلا بوجوم

" مجددا أبي ؟ "

كلمة أبي تدق نبض قلبه ولا يسعه إلا أن يتخيل كيف سيكون كريم له صاحبا حين يكبر .. نادما على كل لحظة مرت من طفولته وهو ليس معه لكن لا بأس .. سينجب غيره ويعيش كل ما فاته .. سينجب غيره ومن اسما !
مجرد تخيل الأمر جعل ابتسامته تتسع منخفضا أمام كريم ليكون بمستواه مجيبا

" نعم .. لكن هذه المرة أنا وأنت واسما .. نذهب إلي بلد بعيد ونعيش معا "

عيناه تشتد بنظرة عازمة لامعة وهو يرتب لكل شيء بسلاسة عجيبة لينقل كل عمله للخارج ويسافر تاركا كل شيء هنا .. ربما سيحضر رنوة إليه بعد عامها الجامعي الأخير لتعمل هناك بفرص أحسن لها

يسأل كريم ناظرا لعيني أبيه الحادة

" هل ستترك أهلك ؟ "

وقف فؤاد يمسك بيده ليتناولا المثلجات ويعاودا السير والحديث يتحول لسمر من القلب

" هل تحبهم .. هل تريد أن تظل معهم ؟ "

أجاب كريم وملامحه تنقلب عابسة

" في المرات القليلة التي قابلت بها رنوة وعمي شهاب أحببتهما .. لكن لا تغضب مني لأني لا احب عمي رمزي أو .. جدتي تحية .. إنها تشبه .. ( الزومبي ) "

يكتم فؤاد ضحكته ليلعب دور الأب قائلا بحزم

" عيب يا كريم لا تقل عن جدتك هكذا "

يلوح كريم بيده بلا اهتمام ليعبرا الشارع بحذر

الفترة الماضية قربت بينهما وربطت قلبيهما معا بطريقة ما .. يشعر أنه يعرف طباع ولده ومواعيد ما يفعل .. كيف يلعب وما هواياته وطعامه المفضل لدرجة أنه حين يأكل كريم يتوقف هو عن الأكل ويراقب طفله فقط بنهم

عبرا الشارع ليقع مخروط المثلجات من كريم فيتراجع خطوات راكضا تاركا يد فؤاد الذي نظر خلفه للسيارات القادمة فصرخ بهلع

" كريـــم "

بسرعة بديهة تحرك فؤاد مسرعا للخلف ليسحب كريم من ذراعه لصدره فتمر سيارة بسرعة صاروخية ويشهق كريم مفزوعا وصوته يتقطع بخوف أنفاسه اللاهثة

" أنا .. كنت .. ابعد الآيس كريم .. جانبا "

عينا فؤاد ترنو نحو المثلجات المهروسة بالشارع بعد مرور السيارة فوقها فيحمل كريم لحضنه قائلا بخفوت مرتجف

" ساحضر لك غيرها "

يضمه بذراعيه بكل قوته فيئن كريم بالضغط على عظامه لكن قلب فؤاد كان في صحوة نبضاته
عظيمة هى الأبوة حين تتجسد قطعة منك تتحرك من صلبك وتؤمن أنها ستكون سندك
يعانقه فؤاد وروحه تسلم الأمر لخالق الكون راجيا ألا يعاقبه في ولده .. ألا يأخذ حق المظلومين في طفله ..
لكن هاجس يسيطر عليه أن الانتقام سيكون من .. كريم

شهقة مختنقة صدرت منه فيبتعد كريم على كتفه ليلمس خده فتلاقي أصابعه الصغيرة دمعة حرة لرجل مقيد

يفرد كفه على وجه فؤاد متسائلا

" هل تبكي أبي ؟! "

عدله على ذراعه ليمسح دموعه مجيبا باضطراب

" لا حبيبي لكن لا تترك يدي مرة أخرى كريم هل تفهم ؟ "

يهز كريم رأسه إيجابا مستغربا حال أبيه المتلهفة وهو يصل به للسيارة فينزله ليركب مثبتا حوله حزام الأمان بإحكام ثم يلتف ليتخذ مقعده
ظل فؤاد صامتا شاحب الوجه وقد شعر ما حدث إشارة فقد سيأتيه بغتة !
قلبه يهدر محاولا تمالك أعصابه ليلتفت إلي كريم الجالس ببراءة ساكنة قائلا

" لا تخبر اسما بما حدث حتى لا تقلق "

اومأ برأسه بطاعة وهو يفسر الأمر بعقله الصغير قلقا عاديا لكن فؤاد علم أن اسما ستتهمه عمدا بأي خدش قد يحدث لكريم
عاد ينظر أمامه يشغل محرك السيارة ليتذكر متسائلا

" لم تقل ما رأيك في السفر ؟ "

أخذ كريم ثوانٍ ليفكر ثم قال بابتسامة متلاعبة

" إذا استطعت أن تصالح أمي لنذهب جميعا معا أنا موافق .. والآن هيا حتى لا نتأخر على السينما لنشاهد الجزء الثاني من فيلم ملكة الثلج !.. لعلك تتعلم شيئا عن معاملة ملكات الثلج !! "

هذه المرة فؤاد هو مَن أخذ وقتا ليستوعب قصد كريم فتنطلق ضحكته عالية كسرعة السيارة مفكرا بخبث

( إذا أردت فلن تأخذ مني أكثر من دقائق !.. أنا فؤاد رافع يا ابني !! )

اسما لم تكن يوما ملكة ثلج بل تشبه دفء الليل
جمالها ? السهر .. دعوة مفتوحة لمساء شاعري خلاب السحر
ابتسامتها بأنوثة الأميرات في رقي عناقات الشمس في سماوات صافية
وهو .. لا ينكر أنه يشتهي الشعر الأشقر كلما تذكر شعرها الليلي الأسود منذ سنوات !.





يبحث في خزانة ملابسه بلا اهتمام ليخرج منها قميصا أبيض ألقاه على السرير خلفه ليفاضل بين بذلته الرمادية والكحلية
أفكاره تأخذه هنا وهناك والشوق يدمر مقدرته على تحمل الابتعاد .. يوم بعد يوم يذهب عند شركة التأمين يراها من بعيد ويرحل بعد اختضاض القلب بقسوة الفراق
دخلت وصال تحمل حلته السوداء تنفض كتفها بعناية بعد كيها ثم تضعها له على السرير بقولها

" جهزت لك ملابسك "

تأخذ القميص الأبيض تعيد ترتيبه بالخزانة وهو يتفحص بذلته ثم يجلس جوارها قائلا بوجوم

" لا أريد الذهاب "

اغلقت الخزانة واستدارت ترد عليه

" ألم تقل إنه زفاف صديق مقرب لك ؟! "

يمسح عماد على جبهته حتى شعره ثم يهز رأسه بقتامة ملامحه فتجلس وصال جواره تربت على كتفه قائلة بتفهم

" اعلم أنك تعيش فترة صعبة منذ رحيلها لكن كل شيء سيمر "

يضغط عماد صدره يمسده بتثاقل وصوته يتألم بكل ما يحمل داخله

" صعبة .. أحيانا اشعر أن روحي تنسحب مني وشيء يقبض صدري .. مثل الثلج "

يضيع صوته والعذاب يقاسيه كل ثانية بأيامه ويعلم أنها تتألم مثله .. ودعوته دعوة عاشق ألا تتعذب مثله حتى لو هان الحب
يحني رأسه مهموما فتبعد يدها عنه لتقول بخفوت صادق

" يصعب عليّ أن أراك هكذا .. لو عليّ كنت تركتك لكن المشكلة ليست في وجودي أنا .. هناك اثنتان غيري"

نظر ليديها بطرف عينه وهى تقبضهما معا ورغما عنه إحساس مريع بالظلم يشعره لنفسه فيكسره متحاملا على ألمه قائلا

" لا تقولي هذا مرة أخرى .. لم ولن تكوني مشكلة أبدا وصال "

كفتاة كبرت تحت جناحه تعلم ما يخفيه بنظرة .. وامرأة عاشت في ظله تشعر ما يجرحه بمرارة صوته
شعورها بذنبها في حقه لا يعادله مقياس ضمير لترد بحزن وخجل من نفسها

" لكني اعرف أني أنانية .. منذ وافقت على زواجنا لأنقذ أبي وأنقذ نفسي .. منذ وضعت لك شروطا لا ترضي أحدا .. لا ترضي الله "

ترتفع نظرته لوجهها الصبوح وشعرها مسدلا حوله بجمال فيهدأ الظلم قليلا بإحساس النعمة .. لقد فاز بوصال ميزان روح ويحيى براءة قلب

لكنه بعد كل تلك السنوات لم يعد قادرا على كتم شعوره بالضيق والإرهاق ومقدار التشتت بحالته
بوضع التعدد
من بيت إلي بيت ومن وضع إلي وضع .. إنفاق هنا وهنا وهنا .. والعقل هنا وهنا وهنا .. والقلب لا يرتاح
يتوق لبيت مستقر يعود من عمله ليجد زوجة بانتظاره يفصل بها عن الدنيا .. مهما كانت مشاكل الزواج والحياة يتشاركانها معا .. لكنه بوضعه مضطرا أن يدبر كل شيء بنفسه حتى لا تنفرط حبات حياته
يتوق لحياة طبيعية .. أولادا من صلبه وحبا لابناء قلبه .. لا مشاكل متزايدة .. مُضاعَفة

فهل يتوق كل رجل يجمع على ذمته أكثر من امرأة أن يرتاح من ذلك العبء .. أن ينفض عن كتفيه أحمالا مكتفيا بامرأة واحدة ؟!

فرد جذعه متنهدا بتأوه مكتوم ثم رد دون النظر إليها

" لا تفكري هكذا لأني وافقت منذ البداية .. لو كنا اصدقاء وطلبتكِ للزواج ورفضتِ هل كنتِ ستقولين عن نفسكِ أنانية ؟!.. نفس الأمر .. نحن اصدقاء وأقرب من الاصدقاء فلا تحملي نفسكِ عبئا غير موجود "

راقبته وصال تعلم أنه يكذب كذبه الأبيض المعتاد ليخفف عنها .. عماد تعب من هذه الحال
اختنق من المسؤوليات والواجبات التي – يضطر – إليها بإجبار ضميره ورجولته .. يريد مسؤولية يقوم بها – بإرادته –
حر وقيد نفسه بنفسه
ابتسمت بسمة باهتة لتقف وتمسح على كتفه تحثه بتشجيع

" هيا قم .. انهض لتذهب إلي الزفاف وتقوم بالواجب كعادتك .. وافرح "

رفع عينيه إليها وبعض الغضب يظهر فلا يستطيع إخفاءه فتتراجع خطوة لتقول بنبرة تحاول جعلها عادية

" افرح قليلا .. حتى لو قلبك يتألم "

لم تحتمل تلك النظرة فخرجت مسرعة وعقلها يؤكد لها صحة ما تفعل ألف مرة .. هذا الغضب في عينيه من وضعه .. منها هى .. هى اضطرته ليتزوج روينة ..

لكن إن كانت وافقت أن تعيش معه حياة طبيعية كانت لترى نفس الغضب منها من حين لآخر .. كانت لتجبره أن يكتفي بها ويعيش بحصار ستره لها عمرا كاملا .. في كل الأحوال هو مجبر ، ويحيى قيد آخر يحبه.

وبالداخل كان يرتدي ملابسه ليخرج حتى لا يفقد سيطرته على ذاك الغضب حقا
لو كانت وصال تعيش معه حياة طبيعية لما كان تزوج روينة .. لو كانت ليلة عفيفة الزِيِن لما دفعته للزواج بوصال .. لو لو لو !!

يوم رأى وصال تموت على فراش المشفى بما حدث لها لم يستطع أن يتركها وهو ستر قبلها الخاطئة بفجورها .. وهكذا صار ..
سبب زواجه بوصال هو زواجه بليلة .. وسبب زواجه بروينة هو زواجه بوصال !

قبضته تضرب على الخزانة بغضب واختناق ويوم القرار يتذكره كأنه الأمس رغم مشواره الطويل مع وصال

صوت مديره كامل العامري بأذنه بالمشفى وهو يحدث والدها

" أما زلت تصر على ما تنتويه يا طاهر ؟ "

دموع طاهر تنزل على استحياء فيمسحها وهو يرد بقلة حيلة متكئا على عصا قديمة

" لن يصدقوا أنها اغتُصِبَت سيد كامل .. وحتى لو صدقوا سيظل العار عليها .. سيقتلونها أو يحبسونها عمرها كله وتعيش مرفوضة من الكل .. أنت لا تعرف كيف تفكر عائلتنا بعقولها المتشددة .. يزعمون أن المرأة لا تُجبَر إلا بإرادتها ! .. سنبتعد عن هنا أفضل .. ساختفي بها وليساعدنا الله في القادم "

يدعمه كامل قائلا بحمية وغضبه مما حدث يرفع الأمر على عاتقه

" لا تهرب .. أنا ساحميكم يا طاهر .. أنت ووصال وطفلها القادم "

اتكأ طاهر بيده الاخرى على الجدار جوار غرفة ابنته وقد نقلهما كامل إلي مشفى خاص ليرد بأسى وحسرة

" طفلها !!.. الطبيب قال أن الإجهاض خطر على حياتها .. هى لا تريده .. وأنا لا اعرف ماذا افعل فيه حين يأتي .. كيف ساربيه على إنه حفيدي ؟! "

كان مقهورا منحنيا مكتفا وجسده الممتلئ يتمسك بأي شيء حتى لا تنهار ساقاه .. الخزي بملامحه العاجزة عن فعل ينقذ ابنته .. وما ادراك بعجز الرجال .. قهر الرجال

والنار لا تبرد حتى بعد القبض على المتهم وإعدامه
منذ أيام يفكر في زيارته للمشفى مع كامل العامري واتخذ قراره .. ستكون وصال هدفه بعدما دمرت ليلة حياته
وبكل عزيمة كان ينفذ قراره

" عم طاهر ... أنا اطلب منك يد ابنتك وصال .. على سنة الله ورسوله "

التفت إليه كامل وطاهر معا والمفاجأة تغشي أعينهم فيسأل طاهر مصدوما

" ما الذي تقوله سيد عماد ؟ "

اقترب عماد منه قائلا بنبرة إرادية

" يشرفني نسبك يا عم طاهر .. ماذا قلت ؟ "

ساد صمت خانق عاجز مثله والأفكار كالطواحين وهو لا حول له فيها فيقول بتيه

" يا بني .. أنا اعلم أنك متزوج منذ عدة أشهر فقط .. ما هذا الذي تقوله ؟! "

نظرة إصرار وفخر بدوي تحتل عينيه بجدية وهو يرد

" اسمعني يا عم طاهر .. قد تكون سمعت عن أصلي وعائلتي وعندنا الأمور تختلف قليلا .. زواجي من ابنة خالتي له ظروف عائلية ولن يمنعني عن زواجي من وصال .. إذا وافقت هى "

هز طاهر رأسه بعدم قدرة على الرد وعيناه تدمعان بخوف وضعف لكن قلب الأب به يأبى جرح ابنته أكثر فيقول برضا بالمكتوب

" أنت تطلب هذا شهامة منك يا بني .. خيرك سابق لكن اعذرني .. هذه المرة الأمر يمس ابنتي ولن اكسر نفسها بشفقة أحد عليها "

لم يشعر عماد أنه يريد شيئا بحياته مثل اللحظة وهو يقول بتصميم

" صدقني ليست شفقة ولا حتى شهامة .. أنا أريدها ببيتي في حمايتي مُكرَمة هى وابنها وساتكفل بهما تماما وأمام الدنيا "

فرصة حياة تأتيه ولا يعرف ستكون ضربة لابنته لو ظنت أنه يتخلص من عارها خاصة أن عماد متزوج ، أم حماية لها ولابنها وإنقاذهم جميعا من الهرب والاختباء من عائلتهم عنيفة الطباع
يطرق برأسه وتلك الطواحين تُشَل قائلا بخفوت شديد

" لا اعرف ماذا اقول ؟! "

استدار ليفتح باب غرفة ابنته ويدخل إليها مهموما مفكرا وما إن ابتعد حتى سأل كامل بنبرة منخفضة منطقية

" ما الذي تفعله عماد ؟!.. قد تشعر نحوهما بالحزن أو الشفقة لكن الزواج ليس الحل .. هل ستتزوج كل امرأة مُغتَصبَة بالبلد ؟! "

الأمر أكبر مما يتصور أحد لمَن يوضع فيه ويحمل ضميرا مثله وظروفا كظروفه .. ليلة تشعل النار بأوردته غضبا ويحتاج بيتا آخر وامرأة اخرى وحياة اخرى وقيمة تعيد لروحه الحرية
عيناه ترنو حيث ترقد وصال داخل الغرفة ليرد

" لا سيد كامل .. المسألة أكبر من مجرد زواج للشفقة أو لأنه حل لتلك الأسرة .. لقد وُضِعَت وصال أمامي أنا بالذات وبهذا التوقيت لأنها قدري .. إشارة لن يفهمها غيري .. وعامة كما قلت لعم طاهر أن أمور عائلتي أنا مختلفة قليلا فلن يرفضوا وصال كزوجة ثانية بالعكس .. فليتمم الله على خير "

زفر كامل ليربت على كتفه داعما مقدرا لرجولته ثم دخل الغرفة يطمئن على الفتاة ذات الثمانية عشر ربيعا
استند عماد لاطار الباب وهو يراقبها باكية على وسادتها وأباها يمسح على رأسها المغطى بحجاب برئ مثل وجهها المقمر
رقيقة جميلة كطفلة اغتالوا عمرها .. كانت .. كانت تنتظر الموت بوضوح .. تطلبه كمعجزتها المُنتظَرة
وداخله يزداد الاصرار أن يكمل معها حياته .. داخله يصرخ بالوجع سراً .. لكن صريحاً

( نار بداخلي انطفأت برؤية وجهكِ البرئ .. ستكونين الميزان الذي سيمنعني من قتل ليلة يوماً كلما رأيت وجهها الأسود وصال .. ستكونين زوجتي الوحيدة دون أن تعلمي .. كلانا مجروحا بجرح عمرٍ لن يتداوى إلا بمشوارنا معاً )


رنين الهاتف أعاده لصورته حيث يقف أمام المرآة يعدل قميصه الأسود ويرتدي سترة حلته السوداء مكتفيا بتمشيط شعره بأصابعه ثم يفتح الخط مجيبا فيأتيه صوتها الباكي

" عماد .. عماد ... "

وتوقف وقته .. تخبط القلب بين جنبات الأمواج العاتية القادمة بطوفانها نحوه
وذابت الحروف بين الشفاه ليتذوق .. إبريق عطش يقطر شوقا .. همسا

" صدفة !! "

كانت أسرع في الخروج من دائرته الجاذبة وصوتها المنفعل خوفا وبكاءا يأتيه يقلب كيانه

" عماد .. جدتي واقعة أرضا ولا اعرف ماذا افعل .. أبي بمأمورية خاصة بعمله بالصعيد وهاتفه لا يستجيب وأنا وحدي .. لا اعرف لمَن الجأ وسيارة الإسعاف تأخرت كثيرا "

تحفز جسده منتبها وهى تتكلم ليأخذ مفاتيحه ويخرج سريعا أمام أنظار وصال مغلقا الباب قائلا

" اهدئي صدفة أنا في طريقي إليكِ .. ألا يوجد أحد من جيرانكم يمكنه مساعدتكِ لتذهبا للمشفى أسرع ؟ "

تجيب صدفة وهى تحاول تحريك جسد جدتها نجية على الأرض فلا تستطيع رغم جسدها العجوز الهزيل ليزداد بكاؤها بشهقات حارقة

" لا يا عماد لا اعرف أحدا هنا "

لم ينتظر المصعد فينزل الدرج حتى وصل لسيارته فاستقلها يرد

" اهدئي صدفة سأكون عندكِ خلال دقائق .. إن وصلت سيارة الإسعاف قبلي أبلغيني "

أغلقت الخط مباشرة فنظر عماد للهاتف ثم زاد سرعة السيارة لأقصاها ، متجها إلي عنوان عرفه مؤخرا حين كان يبحث خلف خطبتها الكاذبة.


تجلس صدفة أرضا رافعة رأس جدتها على رجليها منذ جاءت من عملها ودخلت الغرفة لتجدها أرضا وصرخت برعب
تبكي حتى تورم وجهها الأبيض وصدرها يختنق بالشهقات خوفا من فقدانها وهى لم تعرف أماً غيرها
تأخرت الإسعاف والهاتف بيدها تجرب الاتصال بوالدها بلا فائدة ولم تجد رقما تتصل به قد يساعدها سواه .. حتى وإن سلكت طريقا آخر فها قد أوصلها طريقها لاحتياجٍ إليه
دقائق مرت وطرقات على الباب ارتفعت فنهضت مسرعة تلتقط حجابها الذي خلعته حين وصلت تضعه على رأسها كيفما اتفق وتفتح الباب بلهفة
أمامه تلهث لا تسيطر على شيء فيها وكل جسدها يرتجف بين الخوف على جدتها والـ .. شوق المهول في عينيه
أبعد عماد عينيه عنها لينظر خلفها يحاول السؤال بتركيز

" أين جدتكِ ؟ "

ابتعدت عن الباب تشير له نحو الغرفة ودموعها لا تتوقف بلا وعي فيدخل عماد مسرعا حتى وجدها أرضا فحملها بسهولة جسدها الضئيل متوجها للباب وصدفة خلفه تخرج من الشقة فتسمع صوته على الدرج

" غطي شعركِ "

حينها انتبهت أن وشاحها انساب حول عنقها فرفعته تلفه بعشوائية وهى تسرع خلفه ثم تتقدمه في فناء البناية المتهالكة لتخرج للشارع وتفتح له باب سيارته ليضع جدتها بالخلف وتركب هى جوارها ثم انطلق بالسيارة لأقرب مشفى ..
ومن أمام محل الجزارة وقف المعلم عفيفي يراقب ما يحدث ويحك ذقنه متسائلا بشر وعينين ماكرتين بالتوعد الخبيث

" ما الذي يحدث .. هل ماتت المرأة العجوز ؟!.. مَن هذا الذي دخل الحي وأخذهما هكذا .. من أين تعرف تلك الفتاة ذلك النظيف ؟!.. ساعرف .. أين ستذهب مني ؟! "



بعد ساعة في المشفى كانت تجلس جواره على المقاعد المتصلة بينهما كرسي يفصلهما ترتاح كفها عليه وهى تطرق برأسها .. خرج الطبيب منذ قليل وطمأنها على جدتها .. والآن ..
لم تكن تدري سوى بوجوده السخي .. بحضوره الطاغي كعادته .. وبما فعلته وهى تلجأ لهذا الرجل دون غيره
رجل ? لغز جرائم العشق في مفاجآتها الموسمية .. حر ومقيد بذات التناقض
تطالع قدميها في حذائها البسيط لحظات تتنفس بتخبط ثم تقول بصوتٍ كالهمس

" شكرا أنك أتيت "

يستند بمرفقيه على ركبتيه وعيناه بالأرض البيضاء الناعمة تحيد جانبا ليدها المستكينة على الكرسي فيرد بصوته الخافت

" شكرا أنكٍ اتصلتِ بي أنا "

ما كان يعنيها هذه اللحظة إلا أنه ترك عالمه وأتاها مهما كان يفعل .. لبى النِدا
وما أقسى أن يجيب عاشق دعوة مضطرٍ إلي الفراق مهما بقي...
تزدرد ريقها بصعوبة ورغبة في البكاء تداهمها بقولها

" لم أجد غيرك .... للأسف "

أنفاسه ترتجف شوقا وجسده يتصلب بذكريات سنوات ماضية ليرد بصدق عميق مؤثر وهو يستند بظهره لكرسيه بنفس طويل

" قلت لكِ من قبل سأكون سندكِ وفي ظهركِ دائما "

بالماضي قالها بلهجة بلاده البعيدة
وهى .. كانت تشتاق إلي لهجته حد إسراف مدمن بعد غيابه عن جرعته .. إلي لسانه حين يقطر الندى على بتلات روحها .. ونظرة عينيه حين تشرق على أمواج عينيها بشمس الهوى
يده استقرت جوار يدها فسرى تياره مع دمائها لحظات لم يقاوم أن يلمس أصابعها لتغطي كفه يدها متشبثا بها بحرارة همسه

" اشتقت إليكِ "

وما كان اللحظة إلا ساعة زمنها وهى دقائقه المُسرِعة .. ما كان إلا محيطها وهى أمواجه الباحثة عن الأشرعة
مريدا طالبا فاكهة جنة وهى سكينه المترصِدة .. لم يكن إلا عاشقاً .. عاشقاً هى ليلاه المُحرَمة
فجأة رن هاتفها فسحبت يدها لتخرجه من حقيبتها وترد

" أبي .... "

نهضت تبتعد قليلا لتعود بعد دقائق المكالمة بالقول المتردد


" عاد أبي من الصعيد .. سيأتي بعد قليل .. اذهب أنت حتى لا تتأخر على .... بيتك "

قالتها بتردد غاضب متألم فنظر إليها وعيناه السوداء تمتلئ بتفاصيلها ثم يرد بشجن

" تعرفين أني لن اترككِ هنا واذهب "

أسبلت جفنيها تحفظ نظرته بذاكرة عينيها لتجلس مكانها بصمت طويل تسري فيه أنفاسهما حتى سألته فجأة

" هل لديك أولاد ؟ "

التفت عماد إليها باستغراب يتأمل وجهها الذي تزين بحمرة الحياء وهى تهرب بعينيها ندما على سؤالها فتحاول تبريره

" عرفت أن على ذمتك ثلاثة لكن ... لم تتحدث عن .. أولادك "

هل يمكنه أن يوقف هذه الدقائق لأبد اللقاء ؟!
‏يوقفها ليسري نور القمر الذي غسل وجهها بعروقه .. تلك الأنثى المخلوقة من حُسن ، لتكون – ست الحسن – وعفافها أبهر ..
هى لؤم القلب ونبضة صارخة بضلعٍ أعوج ما له من استقامة بسواها
أطرق مجددا ينظر أرضا وسلاسل شعرها الذي رآه لأول مرة بخياله تتماوج كأنها الليل حول البدر يرد

" ليس لدي أولاد "

اندفع لسانها بلا وعي مُحرَضا من غيرة قلبها بأمر مباشر

" لماذا ؟ "

عاد يلتفت إليها بحاجب مرفوع فتعض لسانها قائلة بضيق

" آسفة .. أني تدخلت فيما لا يعنيني "

ظل ينظر إليها مبتسما وتلك الغيرة مراجل نار تهدر بطوفان عينيها واضحة توتر جسدها وترجف يديها معا ، وما إن همّ بالرد عليها حتى تعالى صوت من اخر الممر

" صدفة "

أسرع المهدي بخطواته متجها إليها فتقف صدفة وهو يصل لاهثا متسائلا

" كيف هى جدتكِ الآن ؟ "

أجابت صدفة متمسكة بيده بقوة

" بخير أبي .. نائمة الآن وستظل في المشفى حتى نرى نتيجة الآشعة والتحاليل ونرى إن كانوا سيبدأون علاجها الكيميائي أم ماذا "

يشعر مهدي بالحمل الثقيل مفكرا بمصاريف المشفى والعلاج بعجز مادي عن علاج والدته قائلا بحزن

" أنا مَن تأخرت في أخذها إلي المشفى منذ اخبرتِني أن الورم عاد ينتشر بالمخ "

المرة السابقة باع شقته لتسافر للعملية الجراحية وبثمن التنازل عن قطعة أرضه الوحيدة اشترى الشقة الجديدة فما العمل الآن ؟
تدخل عماد في حوارهما ليقول بنبرة داعمة

" حاج مهدي لا تحمل نفسك الذنب .. الطبيب قال أن الحالة مستقرة وستبدأ الاجراءات فور ظهور النتائج "

انتبه مهدي لوجوده فينظر لصدفة باستغراب ثم إليه متسائلا

" بإذن الله .. مَن حضرتك ؟ "

تبادل عماد نظرة معها لتجيب صدفة بثبات يعلمه منها والدها

" سيد عماد عميل هو وزوجته عندي بالشركة وهو مَن أحضرنا إلي هنا "

هز مهدي رأسه بإدراك ليمد يده قائلا

" أتعبناك معنا "

أطبق شفتيه ناظرا لها باستياء وقد وضحت لوالدها زواجه كأنها تقطع عليه سبل التودد إليه فيصافح الرجل بالقول الجاد

" لا تقل هذا يا حاج "

أخذها مهدي جانبا فجلس عماد مكانه يتظاهر بعدم الاهتمام ليسألها بخفوت غاضب

" كيف يحضركما عميل عندكِ إلي هنا ؟!.. ما علاقته بالأمر من الأساس ؟! "

ردت صدفة بارتباك وقد فكرت في الأمر منذ اتصال أبيها

" أنا اتصلت به .. هو .. زوجته هى العميلة عندي وهو .. يعرف بعض الأشخاص هنا واخبرني يوما إذا احتجت شيئا أن اتصل به أو ... بزوجته "

أطرق المهدي يهز رأسه متعبا ثم يتجه ليجلس على أقرب مقعد يريح قدميه بعد تعب يومين متصلين في الصعيد.

بعد ساعتين وصل عماد بسيارته لأول الحي فيقول مهدي شاكرا

" شكرا يا بني على إيصالك لنا بهذا الوقت المتأخر "

عيناه في المرآة تأسر عينيها بنظرات حارة وهو يرد

" هذا واجب يا حاج لا تقل هذا .. شفى الله الحاجة .. بعد إذنك أنا سانتظر أستاذة صدفة حتى أعيدها للمشفى كما ترغب "

ردت صدفة وهى تهرب بعينيها من جمال عينيه وجرأتها

" لا لا .. شكرا لك أنا ساعود وحدي "

يلتفت عماد نصف التفاتة برأسه ليقول بنبرة عادية لكنها موقنة أن صوته يبتسم

" لا يصح .. كما أن المشفى في طريقي بكل الأحوال "

نزل المهدي من السيارة شاكرا وصدفة تتبعه بحنق أن كلمته سرت فتصفق الباب بحدة لتدخل شارع بنايتهم خلف أبيها وحينها توقفا كلاهما ونظراتهما تتعلق بالأعلى في صدمة تقصم الظهر
انتبه عماد لوقوفهما فنزل يتبعهما حتى وصل خلف صدفة لتتسع عيناه وهو يسمعها تهمس مصدومة

" ما هذا ؟! "

صوت المهدي يضيع وهو يقول بتحشرج

" يا إلهي ... ما الذي ..... "

انحشر الكلام بحلقه ودموعه تنزل فزعا على شقاء عمره ..
فأمامه كانت النار تحرق شقتهم الصغيرة والدخان الأسود يرتفع للسماء .. أصوات أهل الحي ترتفع صياحا وحزنا وخوفا والأطفال الصغار يهرعون لبيوتهم
وضعت صدفة كفها على فمها متسعة العينين بصدمتها تُشَل مكانها والنار تتصاعد من النوافذ وفرقة الاطفاء تحاول السيطرة على الوضع
بدون وعيها تركض تجاه البناية القديمة هاتفة

" لا "

أسرع عماد خلفها يمسك ذراعها فترتد لصدره سائلا

" توقفي أين تذهبين ؟ "

علت شهقتها فارتفع بكاؤها جواره ليحثها للسير معه حتى والدها المفجوع مكانه يردد بشحوب

" إنا لله وإنا إليه راجعون .. إنا لله وإنا إليه راجعون "

يقترب مهدي من أحد الرجال ودموعه تسيل بانحناء الجبال يسأل بضعف

" ماذا حدث ؟ "

يرد الرجل وهو يربت على كتفه مواسيا

" ماس كهربي يا حاج .. احترق كل شيء .. عوض الله عليك "

أطرق المهدي وصدفة تسنده جوارها باكية فيظهر عفيفي من سواد الأرض قائلا بصوت مرتفع

" لا حول ولا قوة إلا بالله .. عوض الله عليك يا أخي .. لا تحزن .. تعال معي .. تفضلوا عندي الليلة .. والله لا تقضيا ليلتكما إلا عندي "

أمسكه عفيفي من ذراعه الاخرى وفجأة وجدت صدفة أبيها يقع من يدها فهتفت بخوف

" أبي "

رفعه عماد مسرعا يسنده ليقف بينما ينادى عفيفي لرجاله فيسحبون المهدي للمقهى القريب ويساعدونه لشرب بعض الماء حتى استفاق فتسأله صدفة بجزع

" أبي هل أنت بخير ؟ "

لم يعي المهدي ما حوله إلا أن يردد درءا لمصيبته

" إنا لله وإنا إليه راجعون "

صفق عفيفي وهو يصيح في جمع الرجال ليذهب الجميع لمصالحه ويعاونه رجاله في فض الطريق ليوقف مهدي قائلا

" قم يا مهدي يا أخي .. قم لآخذكما لبيتي ترتاحان فيه .. سيعدلها الله صدقني .. فرجه قريب "

بعض الرجال يذهبون به نحو بيت عفيفي وهو لا حول له ولا قوة فيما يستدير عفيفي برأسه ونظراته تلتهمها فيضعها أمام الأمر الواقع بالقول

" هيا يا آنسة .. ستنيرين بيتي "

سمعها عماد وضرب الدم بمخه لتطلق عيناه شررا وأنفاسه تصارع برئتيه ليسحب صدفة خفية قائلا بحزم وهو يخرج مفتاحا من جيبه

" صدفة .. خذي .. مفتاح شقتكِ .. اذهبي أنتِ وأبيكِ وجدتكِ حين تخرج .. ظلوا هناك حتى تدبروا أموركم .. سارسل لكِ عنوانها برسالة "

ثبتت عيناها على المفتاح تائهة لا تدري ما حولها والإجهاد ينال منها حتى لم تعد تستطيع الوقوف فتبعد يده بالمفتاح قائلة بنظرة زائغة

" اذهب .. لا أريد منك شيئا "

استدارت تبتعد خلف أبيها وصخب الشارع يعميها لا ترى أمامها فيهمس عماد بحرقة القلب

" صدفة "



بعد ساعات ظلت جالسة على سرير الغرفة التي دخلا إليها بشقة عفيفي .. بحجابها وملابسها تخشى أي غدر على حين غفلة .. يقولون أن رجال الاطفاء انتهوا ليتركوا الشقة مجرد جدران سوداء لا تنفع بشيء وداخلها بقايا أثاث ورماد أشياء

نظرات زوجة عفيفي أحرقتها حية ولم يسمع صراخها أحد .. ليتها قبلت المفتاح من عماد على الأقل كانت لتشعر بالأمان
تشعر أن الباب سيُفتَح بأي لحظة ويدخل ذلك الرجل الشبيه بالضباع المسعورة

أباها جوارها تنظر إليه نائما بتعب بعدما رأت دموع ضعفه .. لم تتصور يوما أن ترى أبيها يبكي العجز .. عجز عن كل شيء لدرجة أنهم سحبوه حتى يأتي إلي هنا كأنه بغير وعيه ليدخل هذا البيت القمئ
وهى لم تستطع تركه والرجوع لجدتها بهذا الوقت

ابتلعت ريقها ضاغطة على صدرها بألم لتسمع صوت اهتزاز هاتفها برسالة فأخذته لتقرأ

( أريد أن اطمئن عليكِ )

أغمضت عينيها ودمعة تنحدر على خدها فتمسحها ثم تنهض تتجه للباب لتخرج إلي الحمام فتفتحه بحذر ناظرة للخارج أولا ثم تتحرك خطوات لتشعر بحركة أحدهم ..
استدارت بخوف وانقباض تنظر نحو أريكة جانبية لتواجه نظرات عفيفي حيث يجلس ويده على بطنه الكبيرة مبتسما بسماجة جعلتها تريد التقيؤ ، فعادت مسرعة للغرفة تغلق الباب الذي لا مفتاح فيه وتجلس على السرير تعض أصابع قبضتها بخوف وألم ورغبة دخول إلي الحمام صارت ممنوعة

دموعها تتزايد فتأخذ الهاتف تكتب بضعف

( خائفة .. خائفة جدا )

لحظة واحدة وكان عماد يرد فتشعر لهفته وخوفه

( هل احضر إليكِ ؟ )

انكمشت على السرير بوضع جنين موجوع لتكتب وتكتم بكاءها

( لا أنا بخير )

يرسل رسالته كأنها كل أمانها هذه الليلة

( سأكون عندكِ صباحا بالمشفى .. نامي الآن وكل الأمور ستُحَل .. أحبكِ يا قدر )

قرأتها مرة ومرة ثم مرة و.... أغمضت عينيها ليسحبها نوم قلق إلي حلم حضنه الآمن.



يتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 07-04-20 الساعة 01:04 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:16 AM   #518

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



تجلس اسما في بهو شقتها تشرب كوبا من الينسون لتهدئة أعصابها المتوترة وعيناها لا تفارق الساعة التي تقارب منتصف الليل
بطاقمها البيتي وحجابها ملتفا على شعرها الأشقر بانسيابية أنثوية اضاءت وجهها ناعم الملامح
كريم مع فؤاد منذ الصباح ولا يمكنها ألا تقلق عليه رغم مكالماتها المستمرة لكريم ليبلغها أنه بالسينما

كم تمنت لكريم والدا بعد عذاب الغربة واليوم عليها أن تتقبل ذلك الرجل مهما فعل بالماضي لتفتح صفحة المستقبل أمام الدنيا
رن جرس الباب أخيرا فنهضت لتفتح وتوقفت أمامهما بنظرة غاضبة ثم ابتعدت تستدير لتقول بحزم

" هيا إلي الحمام كريم "

تبادل كريم مع فؤاد النظر بتوجس وهما ينظران إلي ظهرها ثم غمز كريم لوالده مشيرا بذقنه إلي أمه قبل أن يبتعد للحمام قائلا بلطف زائد

" حاضر أمي "

كتم فؤاد ضحكة صاخبة مكتفيا بابتسامة لطيفة رققت ملامحه الحادة وهى تستدير تقول بغضب ملامحها ونبرتها الصلبة المشحونة

" ما الذي تظن نفسك تفعله .. هل تعرف كم الساعة الآن .. كيف تظل بابني بالخارج لهذا الوقت المتأخر وتدخلا سينما أيضا .. ألا إحساس بالمسؤولية لديك .. هل تريد تربيته ليصبح مثلك أناني ونذل ولا يهمه إلا رغباته القذرة ؟ "

ضاعت الابتسامة بإظلام عينيه بمشاعر تتضارب داخله بعنف ليطل منها احتياج صارخ لما يفعل لكنها لا تعلم ولا أحد سيعلم .. يحتاج لهذه الرفقة مع ولده بكل الطرق والأوقات .. يحتاج لرفقة حقيقية بلا مصالح وزيف
يحتاج ذكريات .. بلا دمار ودماء ... صدقاً تتعافى فيه شرايينه المتشبعة كذبا .. ويحتاج أن يلحق الوقت لأنه يشعر أنه ينفد ..
كأن العمر ساعة رملية وينساب بين ذراتها المتسربة ولا يعرف عمر مَن المعني بالانسياب .. هو أم كريم !!
لم تتوقع اسما رده المهذب وهى تجهز ردا مسبقا على وقاحته

" آسف يا اسما .. صدقيني لا اشعر بالوقت وأنا معه .. لكن اعدكِ أني سانتبه لهذا فيما بعد "

نبضة ألم قبضت قلبها وعيناها تتعلق بعينيه رغما عنها .. عيناه العميقة كالمحيط في غموض أسراره تحمل الوجع وتجرفها بعيدا لمنطقة ما عادت تخطوها

( آسف يا اسما .. آسف أني أحبكِ كل هذا الحب وغيرتي عليكِ تعمي عينيّ .. لكن اعدكِ أني سانتبه لهذا فيما بعد )


نفس الصوت .. نفس الكلمات منذ ثمانية أعوام .. الكاذب المخادع ..
لكن ما كانت نفس النظرة والملامح .. ما رأت اليوم رهاناً بالوعود الزائفة ولا ميلاد غيرة يتيمة الحب
تدرك أنه صادق في رغبته بالزواج بها .. تدرك تعلقه بكريم الشبه مرضي ، لكن يشق عليها الامتثال له الآن
بعد أن بكت وأعلنت حداد القلب وقالت كفى لن تسير بأوهام طريقه لتتعثر بأمنيات ماتت مدهوسة تحت عجلات أنانيته .. تفضل أن تظل من ثكالى الخداع على أن تكون من احياء حبه الأموات.
استدارت تتجه لكريم بخطوات ثابتة القوام قائلة بجمود

" اغلق الباب ورائك حين تذهب "

لم تتوقع ردا آخر منه بمنتهى الهدوء

" لن اذهب .. سأظل الليلة مع كريم "

الغضب اشتد داخلها والدماء تندفع برأسها في غليان يتصاعد وهى تدرك ما يفعل وهو يضع لها كل عقد وجوده مع كريم ليضغط عليها في الزواج المؤجل
استدارت مجددا تقترب منه وجسدها يتشنج بقسوة ودقات قلبها تتسارع وهى تهتف بانفعال

" أين تظل الليلة ؟!.. هل تعتقد أن هذا البيت مفتوح لك تنام فيه متى شئت .. ماذا تظنني ؟!.. المرة السابقة تركتك لأن صدمة وجود كريم كانت كافية عليك لكنك اعتقدت أنه تساهل مني لتتمادى بحقارتك عليّ .. اتق الله فيّ يا أخي أنا أم ابنك "

عيناه بنفس النظرة تطالعها ونبضة أخرى يسرقها من قلبها في خيانة جعلت غضبها من نفسها يتعاظم .. تحرك خطوة نحوها فتراجعت للمرة الأولى منذ التقته وحينها .. عرف أن قبضته داخلها !.. عليه فقط أن يطبق على ذلك القلب المجروح بلين شديد !!
ألقى نظرة حيث اختفى كريم ثم عاد لعينيها القاسية يقول بخفوت رقيق

" من فضلكِ اسما .. أنتِ لا تدركين ما يتغير داخلي وأنا جواره وأنتِ ترفضين كل الطرق التي تجمعنا وترفضين أن آخذه ينام في بيتي أو حتى في شقتي وحدنا .. دعيني أظل معه .. أريد أن آخذه في حضني وارتاح أن ابني تحت عينيّ .. أنتِ حرمتِني منه سنوات طويلة فلا تفعلي الآن .. أرجوكِ "

نار بعينيها تندلع جنونا ناظرة له بذهول خفي وغضبها كله يتحول نحو قلبها الخائن تذكره بقهره وعجزه أياما وليالٍ طويلة في غربة وحيدة ..
لكنه يستعيد كل ما فات بنقرة أخرى تعذب روحها

( ساسلك كل الطرق التي تجمعنا اسما .. أريد أن آخذكِ في حضني وارتاح أنكِ معي )
( لا اعلم فؤاد لمَ أخاف منك .. أحبك لكن بك قسوة كأنك راغب أن تؤذي العالم كله ! )
( وتأكدي أني ساؤذيكِ ! )


ابتسمت وتمسكت بيده .. لم تنتبه لتحذيره الجاد وقد كان حقا يحذرها لتبتعد قبل أن تغلبه اهواء الحقارة .. لكنها أدركت أن روحه تحمل ظلاما مخيفا وكان الأمر جاذبا لدرجة مذهلة أن تخترق الظلام علها تنيره .. فاطفأها.
أنفاسها تثور وأفكارها تتشتت فتنزعج ملامحها باختناق لتهتف بوجهه

" اخرج من بيتي حالاً .. حالاً "

تحولت ملامحه بلحظة لصخر اليابس تخفي جرح عينيه وكريم يخرج من غرفته ليتجه إليها متسائلا

" أمي لماذا ترفعين صوتكِ هكذا ؟! "

صرخت اسما بفقدان سيطرة على أعصابها

" ادخل غرفتك أنت كريم "

دبّ كريم الأرض بقدمه ليظل واقفا أمامها بعناد قائلا برفض عصبي

" أنا طلبت منه أن يظل معي الليلة .. أنتِ تمنعيننا أن نكون معا أمي ولا يهمكِ أني بدون أب "

اتسعت عيناها وهى تنظر له بصرامة فيقترب فؤاد خطوة ليسحب كريم من كتفيه نحوه قائلا بهدوء

" اصمت كريم .. لا تغضبها أكثر "

ينظر إلي اسما ورغم هدوئه لمحت طيف انتصار ماكر وهو يضيف متجها مع كريم للغرفة

" لا تقلقي .. لن اخرج من غرفة كريم حتى الصباح .. هيا حبيبي "

أمام عينيها كان يدخل مع كريم غرفته ليغلق الباب بوجهها وهى واقفة مكانها ترى – مكانها – بحياة كريم يأخذه فؤاد بكل سهولة !.

يبدل كريم ثيابه بانزعاج فيستند فؤاد لظهر السرير الصغير قائلا

" أنت كلمتها بطريقة سيئة جدا كريم .. لا تكررها "

يعلق ثيابه بترتيب كما عودته اسما ليرد بنبرة غريبة لم تكن لولد صغير

" هذا هو ما اعطى نتيجة بالنهاية "

ارتفع حاجباه بإدراك ما يفعل ولده ليصمت قليلا ثم يقول بخفوت

" اسما تعبت معك كثيرا وأكثر مني فلا تغضبها لأجلي مجددا "

صعد كريم على السرير يعدل غطاءه الملون قائلا بغضب بارد

" ليس لأجلك بل لأجلي .. لأنكما لا تشعران بي وتظنان أني طفل لا افهم ولا اعرف معنى الأسرة المستقرة مثل أصحابي "

يتعجب فؤاد من كلامه فيعتدل بجلسته يسأل مستغربا

" كم عمرك يا ولد ؟! "

نام كريم يوليه ظهره قائلا ببرود

" اذهب إن أردت "

ظل فؤاد جواره يطالع جسده الصغير وعقله الكبير وغضبه المكتوم وصوته العنيف .. كان نسخة منه بكل شيء .. نسخة أدمن وجودها
ضحك بخفوت صادق ليرتاح بجسده على السرير وتمتد أصابعه يلعب في شعر كريم بحنان غريب عليه

( وحين دخلت عليك المكتب وجدتك تلعب في شعرها ! )

صوت عماد يباغته تلك الليلة وملمس شعرها في ذاكرة يده ناعما دافئا !
توقفت يده مبتعدة عن شعر كريم مغمضا عينيه بقوة يمحو صورتها المستفزة من أفكاره فيشعر بكريم يستدير لينام على ظهره قائلا

" هل ستبقى ؟!.. احك لي شيئا إذاً "

فتح فؤاد عينيه ينظر إليه عاقدا حاجبيه بحدة أفكاره ليسأل بامتعاض

" ماذا احكي لك ؟! "

رد كريم بهدوء

" قصة .. حكاية .. أي شيء "

وضع ذراعه تحت رأسه المستند لظهر السرير ليقول بفظاظة

" لا اعرف أن احكي قصصا "

نهض يلف بجذعه ليأخذ قصة من الطاولة الجانبية وهو يهمس باستخفاف

" آباء معوقة ! "

اتسعت عينا فؤاد لحظات سائلا بذهول

" ماذا تقول يا ولد ؟! "

وضع كريم القصة على صدر فؤاد ليأمر بحزم

" لا شيء !.. اقرأ بصوت خافت وتفاعل مع الأحداث "

يكرر باستغراب ناظرا لولده بعدما ألقى أوامره

" اتفاعل مع الأحداث !! "

لكنه أغمض عينيه لينام منتظرا ففتح فؤاد الكتاب ليبدأ

" كان يا ما كان ..... "


بعد ساعة أخذ يدور في الغرفة يتفحص محتوياتها وأغراضه مجددا رغم أنه تقريبا حفظها ، لكن النوم يجافيه وكريم نام بعد أول حروف القصة
يتذكر كلمات اسما ويعطيها حق الغضب منه إذا كان هو نفسه غاضبا منه !
رفقة السوء كانت لحياته بالمرصاد .. يتذكر لحظة رهان أخذ فيها حقه كاملا

( اسما صعبة على فؤاد .. إنها لا تتعامل إلا مع المحترمين !! )
( توقفوا عن الضحك سيغضب .. وغضب الثعبان أجاركم الله منه )
( لا لن اغضب ... اعتبروا اسما على سريري منذ اللحظة .. لقد وقعت حين وضعتها في رأسي !!.. مليون جنيها مني مقابل نصفه منك إن حدث !.. وبالنسبة لكلامك معك حق .. أنا لست محترما .. أنا اختصاص قلة أدب !! )
( آآآآه ..... )
( فؤاد ماذا تفعل ستعميه ! )

يده انقبضت بعنف على إحدى ألعاب كريم الصغيرة عائدا من شروده
ما زال يتذكر صراخ صاحبه وهو يغرس سيجارته المشتعلة تحت عينه اليمنى بكل قسوة .. تلك لا أكثر من نقطة في بحره الأسود !.
سمع صوت الأكواب وجهاز غليان الماء بالخارج فعلم أنها مستيقظة .. أخرج من جيبه علبة سوداء صغيرة وفتحها ينظر لمحتواها ثم نهض بحذر ليخرج من غرفة كريم.


أنهت اسما إعداد قهوتها الداكنة وجلست بالبهو تحاول التغلب على النوم .. المرة السابقة حين نام هنا قضت ليلتها هكذا أيضا
وصدق حدسها بعد دقائق وهى تجده يخرج من غرفة كريم ليقف ينظر إليها قليلا ثم يقترب قائلا بخفوت صوته العميق

" لم استطع أن أظل بالداخل واعلم أنكِ مستيقظة هنا "

عيناها تنظر أمامها في جمود تلقائي فتشرب قهوتها بتعالٍ عفوي لترد بصراحة

" لا اطمئن لأنام وأنت في بيتي "

شبه ابتسامة على شفتيه بنظرة حارة تجوبها كلها ثم يقترب ساخرا

" هل ساتهجم عليكِ مثلا ؟!.. حسب علمي لم افعلها سابقا ! "

نظرة .. مجرد نظرة تلاقت فيها مع عينيه ودق قلبها برهبة شاعرة بالليل وهدوئه .. وكم يشبه فؤاد ظلام ذلك الليل
بينما كان يراها مجددا فتتسع ابتسامته وهو يلتف حول الأريكة التي تجلس عليها .. بكامل أناقتها في جلباب مخملي تغطي شعرها بوشاح ناعم لتكون جميلة كالعادة ، لطالما كانت اسما واجهة راقية تُشرِف أي شخص
توقف خلفها ليفتح يده المنغلقة على القلادة التي كانت في العلبة السوداء فيمد يديه ليلبسها لها قائلا بنبرة أرجفتها

" كنت اتساءل لماذا تحبين هذه الاشياء لكنني أدركت جمالها حين اختارها كريم لكِ وقال أمي ستحبها "

نظرت لصدرها حيث تدلت قطرة زجاجية تحمل داخلها زهرة زرقاء لامعة كالنور
وفؤاد ينخفض خلفها مستندا بذراعه على ظهر الأريكة قائلا بنفس النبرة المرسومة

" كل عام وأنتِ بخير اسما "

يزداد نبض القلب لا تعرف شعورا محددا وهى تحدق بقطرة عيد ميلادها الأسبوع القادم وهو يتابع بابتسامته

" عيد ميلادكِ القادم سيكون في بيتي "

ارتد رأسها ناظرة له بحدة وفكرة واحدة تشع بعقلها أن

( الثعبان يلتف !! )

عيناه في عينيها قريبا منها بتأثير كالسم يسري في الأوردة لتنخفض لشفتيها وصوته يهمس

" ألا تشتاقين ؟! "

نهضت اسما بكل قوتها لتخلع القلادة تلقيها على الأريكة باتجاهه هاتفة بغضب

" اشتاق لك عزرائيل .. حركاتك هذه لن تخدعني مرة أخرى "

أغمض فؤاد عينيه بنفس ثائر ليقف يميل برقبته يمينا ثم يسارا ناظرا لها بعينين كالجمرات المشتعلة ثم قال من بين أسنانه

" يكفي .. لا تحمليني كل الذنب وحدي وأنتِ مشتركة معي به .. أنا اخطأت وفعلت ذلك حقارة مني وأنتِ اخطأتِ وضعفتِ للحرام .. الآن أنا أحاول إصلاح كل ذلك لنبدأ من جديد أمام العالم كله لذلك لا تتمادي اسما "

الليلة نهضت كأنه اختبار توبتها ، لأنها تلك الليلة لم تنهض ، تركته يقبل شفتيها وهى لا تدرك أنها تدخل بقدميها جحره
الليلة تشعر بانتصار ذاتها على شيطانه فتعترف لنفسها قبل إليه

" صحيح .. أنا أيضا اخطأت "

رفع رأسه بتحد ليسألها مجابها ذلك الاعتراف

" متى سنتزوج إذاً ؟! "

ارتجفت شفتاها لحظة لتخفض عينيها ثم تعاود الجلوس واضعة كفيها على رأسها بضيق لترد رغما عنها بنبرتها الحازمة

" الاسبوع القادم .. سنذهب لأهلي لكن بدون كريم .. نخبر أمي وأبي أولا حتى يتقبلا الأمر ثم نعقد قراننا "

هل سيكذب إن قال إنه شعر بالراحة ؟!.. كأنها أول طوبة في بناء يسعى لإقامته بكل إرادته
دار حول الأريكة متنفسا بعمق ليأخذ القلادة ثم يجلس جوارها يسأل

" ألا يزورانكِ هنا ؟ "

أخذت اسما الكوب من الطاولة تشرب قليلا لتجيب بصوتها المميز بقوة شخصيتها

" لا .. أنا اذهب إليهما .. تعرف أني مستقلة عنهما منذ سافرت لإكمال دراستي بالخارج ثم عملت وأصبحت مسؤولة عن نفسي "

صمتت لحظات تطبق شفتيها تمنع الكلام لكنها عادت تضع الكوب برفض تقول بتصلب

" وأظن هذا ما جعلك تظن أني سهلة بالماضي !.. لأني كنت اسكن وحدي واسافر كثيرا فظننت .... "

قاطعها فؤاد وهو يمسك يدها بقوة يفتحها بالإجبار ليضع بها القلادة قائلا بصوت مشتد محذر

" لم أظن شيئا .. ولم أظن يوما أنكِ سهلة ومثل غيركِ وإلا ما كنت مثلت عليكِ الحب وأخذت كل ذلك الوقت والمجهود لأوقعكِ "

نظرت اسما للقلادة في يدها لتقول بنبرة مجروحة

" أنت تتكلم بكل سهولة !.. كأن الأمر عاديا بالنسبة لك وفعلته كثيرا !! "

وضع ساقا فوق الاخرى ليرد بوقاحة

" أنتِ الوحيدة التي فعلته معها بهذه الطريقة .. لم اخدع غيركِ .. كلهن تحت قدميّ !! "

تغمض اسما عينيها لتهمس بنفور

" حقير "

تسمع صوته يرد بلا مبالاة

" جدا !! "

زفرت اسما تنظر لأعلى تتراجع بظهرها بيأس فينظر لها جانبا ثم يقول بجدية

" لكن هذه المرة صادق معكِ .. أريد بيتا وأسرة مستقرة .. أريد أن نسافر معاً اسما .. سانقل عملي كله للخارج ونرحل أنا وأنتِ وكريم "

نظرت له بتفاجؤ فيعتدل ليواجهها يتابع بصدق

" لا تتركيني اسما .. اكملي حياتكِ معي .. دعينا نُكوِن أسرة كبيرة .. إخوة وأخوات لكريم .. ساحقق كل أحلامكِ .. سيكون لكِ عملكِ الخاص وبيتاً كبيراً وحياة أفضل "

تردد الكلام على شفتيها طويلا حتى نطقت

" تريدني أن اسامحك بهذه السهولة ؟!.. كأنك تشتريني !! "

مد فؤاد كفه يمسك بيدها يضغط عليها بنظرة عينيه البارقة ليرد بابتسامة دهاء

" ستسامحين .. لأنكِ أذكي من أن ترفضي .. ولأنه مهما فعلتِ عيناك تفضحكِ .. وعيناكِ تقول أنكِ ما زلتِ تحبينني !.. أو لنقل .. ما زال ذلك الحب موجودا حتى وهو يثور غضبا "

يقال أن الفرصة تأتي مرة واحدة !.. لكن الحياة أحيانا تفتح ذراعيها بالفرص فتغدق عليك العطايا بإذن منظم الكون وحده جل جلاله
مهما كانت مشاعرك وأفكارك ، قد تأتي لحظة وتغيرها كلها بناءا على حلم تجسد ببضع كلمات
وهى كانت تفكر بفرصتها .. بحلم ماضٍ ضاع بين دروب الوهم بعد ذبحٍ أحمر

وصوته العميق الشارد يرسم بخيالها ألواناً تختلط بالأحمر فتمحوه ليحل فجر جديد

" منذ الليلة .. احلمي .. وأحلامكِ وأحلام كريم كلها مُجابة "

لم يكن الحب موجودا كما يظن .. لكن عرض الأحلام كان يتداخل بأعماقها لتتلون .. بلون ' فؤاد رافع ' !.



يتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 07-04-20 الساعة 12:41 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:17 AM   #519

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



صباح اليوم التالي

أحضرت ألماسة صينية الشاي معها بعض الشطائر وجلست بالبهو تفتح التلفاز وتنادي

" أمي "

خرجت الزهراء من غرفتها بعد ترتيبها فرمقتها ألماسة بنظرة جانبية ثم قالت بهدوء

" تعالي لتفطري أمي "

وضعت علبة دواء أمامها بحدة قائلة

" خذي دوائكِ هذا .. منذ يومين لا تأخذينه "

نظرت إلي الدواء وقد ضاق بها أمر مرضها بعد غيبوبتها بمكتب فؤاد فتتمتم باستغفار بسرها ثم تنظر للزهراء تسأل

" ما بكِ أمي ؟ "

تهز رأسها بقلق والتوتر يشتت كل أفعالها هذه الأيام ترد

" لن يسكت فؤاد على ما فعلتِه "

ابتسمت ابتسامة عريضة وهى تأخذ شريحة خيار تضعها في فمها قائلة بلا مبالاة

" منذ ما حدث وكل يوم تقولين لي هذا .. فليفعل ما بوسعه "

تنقل نظرها للتلفاز وهى تتناول شطيرتها وتسمع أمها

" سترنا الله من شره "

الغريب أنها لا تتوقع منه شرا !!.. تتوقع ردا لكن ليس شرا !.. ذلك الانكسار به والجميع يعلم ما حدث رأته فيه واضحا
عادت تنظر للزهراء فتفتح علبة الدواء لتأخذ منه واحدة بابتسامة هادئة لعيني أمها ثم قالت بنبرة أخفت منها الألم وأقنعة البرود

" سامحيني إن كُشِف الماضي وجاءت سيرتكِ أمامهم بهذا الشكل لكن أنتِ ستظلين مرفوعة الرأس ولا يمسكِ سوء أمي .. أنتِ المظلومة وهم الظالمون "

دمعت عينا الزهراء وقلبها يبكي ما عاد إليها من ماضٍ عاشته لترد بألم

" صدقيني بعد هذا العمر لم يهمني نفسي بقدر ما أهمني معرفة الجميع أن زاهد مظلوم .. رغم خوفي على عمة بركة من صدمتها بعد سنين طويلة لكن كان يجب عليّ أنا فعل هذا منذ زمن .. اشعر أني اخطأت بالصمت على ما حدث .. بالماضي شهادتي لم تُبرِأ زاهد أمام القانون ولم تخفف عنه العقوبة .. وهو صمت وأنا صمت بعده وابتعدت بكما هنا ونسيت عائلة رافع كلها "

تسمعها ألماسة وقلبها صلبا عازما لا يتراجع عما انتوته .. تريد حقهم ، إرثهم من الرافعين .. تريد اسماً ترفع به الرأس
عزمت على الذهاب إلي الأرض التي تحمل أصلهم لكنها قالتها بتردد

" أمي أنا أريد أن اذهب إلي ... "

قطع أكرم كلامها بخروجه من غرفته فيجلس جوارها يشبك أصابعه قائلا

" منذ اليوم لن احضر مبكرا .. وجدت عملا اخر بعد الورشة "

تتبادلا النظرات معا فتسأل الزهراء بحذر

" أين ؟ "

يرد أكرم متنهدا وهو يأخذ شطيرة يتناولها باحباط

" ساعمل في مقهى مع اصدقائي "

هتفت ألماسة رفضا

" ستعمل نادلا يا أكرم !! "

يرد أكرم بلا اهتمام

" ليس بالضبط .. المقهى ليس شعبيا بل شبابيا راقيا أقامه مجموعة من اصدقائي كمشروع بعد التخرج وهم يعملون فيه بأيديهم أيضا "

تتمتم الزهراء ببعض الحسرة

" مقهى المهندسين ! "

يأخذ كوبا من الشاي يشربه مع االشطيرة يرد

" بالضبط !.. ومعنا خريجين فنون جميلة وحقوق أيضا !! "

تنظر ألماسة إليه تسأل بوجوم

" هل أضحك ؟! "

لوح أكرم بيده والزهراء تراقب حالهما الغير مستقرة بألم فتقول ألماسة

" حسنا أنا أيضا تقريبا وجدت عملا "

يلتفت إليها مكررا

" تقريبا !! "

ردت ألماسة بغير اطمئنان

" ما زال هناك مقابلة أولا ثم نرى "

سألت الزهراء متوقعة رد صادم

" أين ؟ "

غمزت أكرم خفية وهى ترد

" شركة خدمات بترولية "

كما توقعت نهضت الزهراء تجلس جوارها تحيط كتفيها تقول بابتسامة صافية

" خدمات بترولية !.. وفقكِ الله يا ماسة "

ابتسامة جانبية مريرة على شفتيها وهى تنهض بقولها

" هيا افطروا إذاً "

اعتدل أكرم ليقول بجدية

" بالنسبة للنقود التي دفعها عمي قاسم في الـ ... "

استدارت ألماسة عند باب غرفتها لتنهي الكلام ببعض الحدة

" سنردها له يوما ما .. وحتى لو لم يحدث أظن هذا حقنا "

وقفت الزهراء لترد عليها بحسم

" قاسم لن يطلب منا شيئا .. لقد فعلها من أجل أخيه بعد ظلمه له .. أي أنه لا يخاف من تهديدكِ أن تذهبي للبلدة وتقولي الحقيقة هناك يا ماسة .. قاسم أكثر الرافعين برودا ولا يهمه أن تنقلب الدنيا طالما هو وأولاده بخير "

رفعت ذقنها ترد بخفوت

" الحقيقة الرافعين جميعهم بهم برود غير عادي ! "

وضع أكرم كوبه ليقف قائلا بنظرة عتاب

" أنا وأنتِ منهم إن كنتِ نسيتِ ! "

أخفضت رأسها أمام أخيها الأكبر شاعرة بالذنب لأنها رفعت صوتها عليه فتذكره أن يمنحها عذرا قبل أن تدخل غرفتها

" لم انس مؤكد .. ليس هناك أكثر برودا مني بعد كل ما حدث لي .. أنا ساذهب إلي مقابلة العمل "

يبتسم أكرم لاعتذارها الضمني ثم يخرج إلي الشرفة يتابع حركة الحي بالأسفل فتثبت عيناه نحو البناية الأمامية والشقة التي يسكن فيها القلب بكل جرحه .. ليجد دموع تنزل من البناية تحمل الكمان على كتفها وتركب سيارة شريف لينطلق بها ..
تتقبض يداه على سور الشرفة كالحجر وقلبه لا يتوقف عن الخفقان القاتل.




نزل شريف مع دموع من البناية الفخمة ليتوقفا أمام بوابتها وهو يصافح رجلا اخر قائلا

" شكرا يا حاج .. يومين وسنأتي لنوقع العقد "

مال الرجل برأسه وهو يقول باحترام

" في أي وقت تحت أمرك .. بعد إذنك "

غادر الرجل وسبقته دموع للسيارة تركبها فوصل إليها يستند على نافذتها متسائلا بابتسامة واثقة

" هل أعجبتكِ شقتنا المستقبلية يا زوجتي المستقبلية ؟ "

ضحكت دموع تهز رأسها إيجابا وهى تقول بنبرة استعراضية

" أعجبتني جدا يا حضرة الضابط .. الآن هيا لأني ساتأخر على التدريب "

التف شريف حول السيارة ليركب جوارها قائلا

" تملين سريعا وبطء النساء هذا لن ينفع معي "

نظرت إليه تهتف بذهول

" بطء النساء !!.. لقد جعلتني اختار الأثاث قبل أن أرى الشقة وتقريبا اخترنا كل شيء .. وها نحن اخترنا الشقة في نفس اليوم !.. هل تظن أني مهمة عليك إنجازها سريعا ؟! "

ابتسم شريف بنظراته القيادية وهو يشغل محرك السيارة يرد

" ألا تعرفين أنكِ أجمل مهمة استلمتها في حياتي ؟!.. لو عليّ أريد أن اتزوجكِ اليوم ولنسكن في هذه السيارة لا يهمني لكن المهم أن تكوني معي "

تضحك عاليا فيرنو نحوها بعينيه ولا يعلم لمَ تقلب كلماته مواجع الخوف فيه ؟!
كأنه ينتظر شيئا منها يخاف حدوثه .. دموع ستتركـ...
قطعت أفكاره وهى تميل برأسها إليه قليلا مبتسمة لتقول بمكر

" إن جئت للحق فإن بطء النساء هذا نوع من فن تعذيب الرجال ونحن بارعات فيه ! "

اعتدل شريف يواجهها يتأمل حلاوة ملامحها وشعرها الطويل المربوط للخلف بسواده الناعم المريح فيقول بنبرة حارة

" تعالي نتناول الغداء معا ولا تذهبي للتدريب اليوم .. اقضي اليوم معي "

ابتسامتها تتسع ناظرة لعينيه وحرارتهما ترجف قلبها بلذة فتعتدل بكرسيها تنظر للأمام بالقول الواثق

" لدي تدريب يا شريف ! "

ظل ينظر إلي فن تعذيبها لحظات ثم اومأ برأسه بكبرياء لينظر للطريق ويحرك السيارة متجها لمعهد الموسيقى.




دخلت فجر المدرج بأناقتها في كلاسيكية داكنة وحجاب زهري يحيط بوجهها جاد النظرات خلف نظارتها الطبية
أخرجت أوراقها وحاسوبها الشخصي حتى ساد هدوء الطلاب فنظرت إليهم متسائلة

" صباح الخير .. هل قمتم بالبحث الذي طلبته منكم ؟ "

سرت همهمات موافقة والبعض يهز رأسه إيجابا فتحركت أمام الصفوف تقول

" حسنا جمعوا لي الأوراق على نهاية كل صف .. ساقرأها واجمع ما نريد مناقشته واعطيكم درجاتكم عليها "

تعبر الأوراق بسلاسة لنهاية الصفوف وهى تتجه إلي حاسوبها تنظر بشاشته بالقول

" أحد منكم يحضر لي جميع الأوراق هنا "

نهض أحد الشباب يجمع الأوراق من اخر صف نزولا للأمام ثم اتجه إليها يضع كومة الأبحاث على طاولتها فتبتسم فجر وهى ترفع عينيها إليه قائلة

" شكرا لـ ... "

توقفت كلماتها وهى ترى زايد أمامها مبتسما عابثا يغمز لها ثم يستدير ليتخذ مقعدا وسط الطلاب وبعض الفتيات ينظرن له باستغراب وجوده وإعجاب عضلاته !
نظرت إلي الطلاب بقلق وتوقفت عيناها عليه لحظات بنظرة غاضبة ثم اضاءت شاشة العرض لتبدأ المحاضرة

" سنبدأ اليوم من حيث توقفنا .. الإرهاب في عهد الفراعنة "

كتف زايد ذراعيه مستمعا وعلى وجهه نظرة لا تهتم بما يُقال لكن تهتم بمَن يقول وفجر تتحدث

" على مدار العصور يحارب الجيش المصري مع الشرطة قوى الإرهاب داخل الدولة أو حين تجرؤ أن تتخطى حدود البلاد .. ومنذ أكثر من خمسة آلاف عام كانت مصر دولة موحدة اللغة والديانة والتقاليد وقد كانت هذه حالة نادرة في التاريخ كله على وجه الأرض إذ أنها استمرت ككيان حضاري واحد لفترة طويلة "

ابتسامة على وجهه تستفزها فتنظر لشاشة العرض قائلة

" كان الإرهاب يتمثل في غارات لجماعات متنقلة مهاجرة تقطع طريق القوافل والبعثات التجارية وتحاول الوصول إلي وادي النيل واحتلال خيره .. كان الجيش خط الدفاع الأول يتصدى لهذه المحاولات .. وجدنا أن مجموعات الإرهاب التي كانت تدخل سيناء كانوا يقطعون أيديهم اليمنى ليتم إحصاء القتلى .. ولذلك الآن نسمع مقولة إعلامية تتحدث عن ( قطع يد الإرهاب ) ولا يعلم العالم أن الجيش المصري هو أول مَن حقق هذا فعلياً "

يومئ زايد برأسه وقد أعجبته المعلومة فتمط فجر شفتيها بنفس ثائر والغضب داخلها يتصاعد وهى تتابع

" وقد كان للجيش المصري القديم مبادئ تم تسجيلها ووصلت إلينا .. يقول أحد القادة واسمه وني .. ( قد أعطيت أوامري أن لا تُقتَلع شجرة ولا يتعرض جندى لطفل أو امرأة أو شيخ عجوز ) .. وهناك مقبرة مسجل عليها تفاصيل محاربة مجموعة من الإرهابيين تحصنوا في قلعة واستخدموا النساء والأطفال كدروع بشرية .. ونصبوا مجموعة قناصة بالسهام على أسوار القلعة .. لم يكن الجيش المصري يحمل أسلحة إلا السهام والسيوف ولم يكن حل إحراق القلعة وارداً بسبب وجود النساء والأطفال بالداخل "

تغير فجر الصور المعروضة على شاشة العرض لتعرض رسم المقبرة وتكمل بصوتها الإلقائي المعبر

" وضع الجيش خطته أولا لاستهداف القناصة بالسهام .. وبينما انشغلوا بتساقطهم أتى جنود اخرون بأبراج خشبية صعدوا عليها ليقتحموا القلعة وسيطروا على المجموعة الإرهابية دون إصابة امرأة أو طفل "

عيناها تلقي عليه نظرة فتجده مبتسما ورغما عن غضبها وضخامته ولحيته الجذابة شعرت بشفقة غريبة نحوه .. لقد كان بعينيه .. طفل !!.


أنهت فجر المحاضرة بعد سيطرة محكمة على أعصابها فوقف الطلاب يخرجون من المدرج وزايد جالسا مكانه حتى خرج اخر طالب فاتجه إليها لتبادره بالسؤال

" كيف دخلت الكلية ؟ "

نظر حوله بعينين ماكرتين ثم كتف ذراعيه على الطاولة أمامها ليرد بتلاعب

" قلت لأمن البوابة أني ساسأل شؤون الطلبة على اجراءات الماچستير .. لكني دخلت هذا المدرج بالخطأ تقريبا !.. هل يمكنكِ مساعدتي ؟! "

وصلت فجر لأقصى درجاتها من ضبط النفس فجمعت أغراضها وحاسوبها وعلقت حقيبتها وحقيبة الحاسوب على كتفها لتحمل أبحاث الطلاب تضمهم إلي صدرها بصعوبة وتتجه إلي باب المدرج .. وبضغطها على الأوراق نُثِرَت نصفها أرضاً فنفخت بحنق ناظرة لهم باحباط
تحاول الانخفاض لجمع الأبحاث فيسرع زايد يجمعهم عنها ضاحكا بالقول

" انتظري انتظري "

أعاد ترتيب الأوراق وهى تراقبه بمشاعر لا هوية لها تنقلب داخلها حتى وقف فمدت يديها تقول بحزم

" اعطني إياهم "

ابتعد خطوة مشيرا لها بكفه أن تتقدمه ليرد ببساطة

" ساوصلكِ لسيارتكِ العجيبة ! "

ظلت تنظر له بصرامة وتخاف أن يكون تباسطها السابق معه قد فسره بشكل خاطئ ليعتاد عليها هكذا
كان بلا حدود .. هائم يفعل ما يريده ودليله هواه ، لا حكم عقل يوقفه ولا قانون يمنعه
كان حرا لدرجة أنه لا يترك مخلوقا خلفه .. ولا يترك حتى نفسه !.. حرا لدرجة استقبال أي شيء في أي وقت ، حتى لو .. الموت
انقبض قلبها بغرابة الفكرة لكن صوتها الغاضب لا يلين وهى تردع بساطته

" زايد .. من فضلك لا ينفع أن تأتيني في الكلية هكذا بلا نظام .. الجميع يعرف كم أنا منضبطة .. ما الذي تريده ؟ "

أخفض زايد وجهه لحظات ثم نظر إلي وجهها الذي حلم به مرات عديدة الأيام السابقة
كانت برقة كل شيء .. براءة كل شيء .. وحدة كل شيء .. امرأة كالسيف في كل شيء
وكالفجر في إشراقها كطبيبة روح
اقترب منها قليلا ووسامة ملامحه تعكس إرادة قلبه وهو يرد بنبرة قاتمة

" أريد أن احضر معكِ التدريب .. أريد أن اسمع صوتكِ فجر .. أنا ليس لي أحد هنا ... "

صمت لحظة وعيناه تتعمق بنظرة جعلت قلبها يخفق برهبة وهو يكمل باحتياج

" إلا أنتِ "

لأول مرة بعمرها كانت تدرك .. بداية !


بعد نصف ساعة في الشارع بين الكنيسة ومعهد الموسيقى أوقفت فجر سيارتها لتسمع صوته ممتنا

" آسف على ما فعلت فجر ... أنا .... "

قاطعته فجر بتسامح وهى تبتسم أخيرا

" زايد .. لقد وصلنا "

نظر للمعهد ثم نظر إلي وجهها المحاط بوشاحها الملون يسأل بابتسامة هادئة

" مؤكد أصبتكِ بالصداع أليس كذلك ؟ "

هزت رأسها نفيا بتسامح وتلك النظرة بعينيه تأسر كل ما فيها وهو يقول بصوت لن تنساه

" شكرا أنكِ تحملتِني فجر "

أطرقت قليلا واحتياج صوته يلمس فيها وترا مقلقا ثم نزلت من السيارة فنزل بدوره لتسأله

" ماذا تريد أن تسمع اليوم ؟ "

نظر إليها نظرة طويلة وهو يسير جوارها حتى أجابها عند باب المعهد

" ما زلت أريد أن اعاتب الوطن ... بصوتكِ "






في السيارة يجلس كريم بالمقعد الخلفي يلعب على جهازه اللوحي ثم يضعه جانبا ويقفز على مقعد فؤاد الأمامي متسائلا بسعادة

" أبي هل نتناول الغداء معا غدا مثل اليوم ؟ "

تجلس اسما جوار فؤاد تنظر أمامها فيرمقها بنظرة جريئة مجيبا بابتسامة متلاعبة

" إذا وافقت أمك الجميلة هذه سنذهب "

تزفر بحنق تحاول التغلب على ما يفعله اليوم منذ وافقت أن تخرج معهما لتسمع إلحاح كريم الطفولي

" أمي من فضلكِ وافقي من فضلكِ "

نظرت إليه تجيب بحزم

" اذهبا أنتما كريم .. أنا لدي عمل "

يلتف فؤاد بالسيارة ليدخل شارعا حيويا بالمتاجر ووجود الكنيسة والمعهد الموسيقي فيه متسائلا

" أي عمل ؟ "

حادت عيناها نحو يده الممسكة بالمقود ودقة قلب تزعجها تذكرها أنها كانت تحب قيادته المجنونة فتقول ببرود

" هل تظن أني متفرغة للخروج معك ؟!.. العمل اليوم أصبح من خلال الانترنت "

تتسع ابتسامته وغمزة من عينه ترقق حدة ملامحه قائلا بعبث

" لكني افضل العمل المباشر .. العمل باللمس !! "

ابتسمت اسما رغما عنها فتخفي ابتسامتها وهى تدير وجهها جانبا لنافذتها شاعرة باستجابة إليه لأول مرة منذ رأته بعد سنوات
شعر فؤاد بيد كريم تلكزه خفية يشير لابتسامة أمه قائلا بنبرة ذات مغزى

" هيا لنذهب إلي السينما !! "

نظر فؤاد إليه بنصف عين خبيثة وكريم يضحك ضحكته الطفولية مغلقا عينيه بينما اتسعت ابتسامة اسما فتوقف جانبا بالسيارة أمام الكنيسة والمعهد الموسيقي قائلا

" ساحضر شيئا لنشربه في طريقنا "

نزل من السيارة يعبر الشارع متجها إلي متجر قريب واسما تراقبه من النافذة وابتسامتها على شفتيها .. تفتح له صفحة جديدة لحياة قادمة
ربما تبدل حقا .. وربما يحتاج فرصة حقيقية معهما ستعطيها له.



حركة تشعر بها أمام الكنيسة فتدير رأسها لترى عروسان يخرجان من سيارة بيضاء مزينة بالأزهار وخلفهم الكثير من المدعوين والضحكات على الوجوه .. العروس بتاجٍ يبرق تبتسم فرحا وعيناها تتألق بالبهجة .. تشع حبا لعريسها الوسيم

لوحة جميلة جعلتها تتمنى زفافا .. فستانا أبيض تكون فيه عروساً سعيدة وحبيبها ...

التفتت اسما للناحية الأخرى حيث يعبر فؤاد الشارع عائدا إليهما وابتسمت .. لحظة تلاقت عيناها بعينيه فابتسم لها بثقة

ونظرة بينهما صفحت بالغفران .. رآها كريم فأسعدت طفولته .. غفرانا كلاهما يحتاجه ..

وصل فؤاد إليهما يده تفتح باب السيارة و... دوى الانفجار


انفجار اخترق الجدران وحريق هائل دفع البشر وفحم الجثث ودمر السيارات وشقق الأبنية وحطم النوافذ .. وشهد الوطن إرهاباً ..

وقوة حرارية رهيبة ألقته بعيدا والشظايا تخترقه وتدمي وجهه .. على رصيفٍ قاسٍ حط جسده لتتكسر عظامه بألم الموت ..

أذناه لا تسمع سوى أصوات الوجيعة وعيناه تنظر لسيارته والنيران تحرقها .. تحرق عمره كله .. تحرق أحلامه ومستقبله .. والدموع تسيل بكاءا بالهمس الثقيل المقتول

" كريــــم "

يحاول النهوض فلا يستطيع ، وجهه مغطى بالدماء ويده تنادي ما يعجز عنه اللسان ، يحاول الزحف بسكاكين ألمه ليجمع اشلاء صغيره .. صغيره الذي لم يره إلا أيام ليضيع في لحظة
وروحه في نار الحمم باحشائه تكوي الجسد والفعل
مات الولد والظهر .. قُتِلَت البراءة والجمال .. شوهوا الدنيا بإرهابهم الجبان

طفلة جواره ثوبها الأبيض ممزقا غارقا في الدماء مشوهة الوجه فيطبق جفنيه ودموع القهر تحرق عينيه .. قهر يصرخ فيه .. يصرخ يصرخ
عقاب الحق .. وأنفاسه تموت موتها الأخير مع صخب الموت
أمام عينيه الباكية .. الطفولة بأسمى معانيها تُذبَح

وانطلقت الصرخات .. صرخات رعب ووجع بكل مكان

بداخل معهد الموسيقى سقط الكمان .. وسقطت معه دموع أرضاً لينجرح جسدها بالزجاج المكسور

وصرخ زايد صرخة رجل وهو يركض نحو فجر يحميها لصدره فيندفعا معا أرضا والنافذة أمامها تتحطم بعنف .. كانت تشاهد الزفاف بالكنيسة ليحولوه إلي عزاء

حداد القلب يُعلَن سوادا في سواد

غربت الشمس على بشرٍ راحلين ، ليتوه الكون الصغير في أنين المصابين .. وفزع الراكضين
الدماء تلون كل شيء .. اللون الأحمر الغادر .. الخائف في قلوب الملايين

دخان أسود صاعد إلي السماء أمام عينيّ الفؤاد .. الفؤاد شهد انتقامه الأخير
وصوت بركة العمر في رحلة الوداع .. يا ويلي كيف سيداويك ؟
احترق الفؤاد واستنشق رائحة جثته .. أي عذاب بعده عذاب ؟

رائحة الجثامين المتفحمة أنستنا رائحة زهر العرس وتراب الأرض الثمين

وأجساد الصغار المنفصلة إلي أجزاء تهز الأرواح بالدماء النازفة .. الأرض صارت بحرا من دماء

خرج الفجر يركض .. تصرخ وداخلها ينزف

( موطنـــي )


مَوطني
مَوطني
الجلالُ والجمالُ والسَّنـاءُ والبهـاءُ في رُبـاك
والحيــــــاةُ والنّجـــــــاةُ والهـناءُ والرّجاءُ في هـواك


وطن يغفر إن خانت الحروف وإن طُلِبَ العفو يعفو .. وطن يتحمل اهتزازه في العيون .. وطن ندعي ميله ونحن المائلون
حبٌ لم يُصنَع بل وُلِدَ فينا .. عمرٌ حقيقي في العمر الزائف .. كل وطن هو ذهب زماننا وقمره
ليس قوانين تحكم بل أرضٌ تضم .. لا تنصهر إلا مع ابنائها
وسلاماً لكل الأوطان وإلي بلدٍ صامد .. مصر ...


هل أراك سالماً مُنعّـماً وغانماً مُكرّماً ؟
هل أراك فـي عُلاك تبلغُ السّماك ؟
مَوطنـــي


مصر الحرة أرض التحرير ، صبية رافضة تغسل شعرها على ضفاف النيل .. تعانق الكنائس ، تعشق المساجد ، سيدة الشرق وأم الدنيا .. الجلال والجمال .. حب لا يتوقف وعطاء لا ينضب ..
خلاصة سحر الأرض وعبق الهواء وطيبة القلوب وبأس الرجال .. خلاصة كل شيء .. هى السلاف !!
مهما ترامت الأطراف واندلعت النيران ستكون السند مستوطن القلوب .. الحق الزاهق لكل باطل .. كل المجد في قصائد كل ديوان
فداكِ العمر يا نهراً شربنا منه .. يا رملاً شرب منا
وإرهابهم ...


الشبابُ لن يكلَّ همُّهُ أن تستقـلَّ أو يبيد
نستقي من الرّدى ولن نكون للعـدى .. كالعبيد



إرهابهم خسة الضعفاء .. جبناء ، مُدَمرين النفوس والعقول .. يكسرون الأبواب خلسة ليذلوا أهلها
يبكون أمهات الوطن ويبيعون نسائه ، يقتلون أطفاله ويعذبون رجاله .. ويذبحون أعراسه ..
حروب نذالة لا تعرف نهاية .. حروب من الظلم والاستبداد ، تنكيل تهديد تهجير انتهاك اغتصاب إشاعة فتنة ، سلاحهم استعباد دمر البشر .. والحجر
والله فوقهم قاهر .. قاهر
اليقين .. بعد كل دمار سنظل ناجين ، ولعنة الله على الظالمين .. والأمل ...


لا نُريد ذُلّنا المؤبّدَ وعيشنا المُنكّدَ
لا نُريد .. بل نُعيد مجدنا التّليد


الأمل سكينة الأرواح .. سلامٌ للبحور ، للبيوت ، للسماء لليالي للأشجارِ والنخيلِ والورود
سلامٌ إلي الشهداء حتى نلقاهم بخير الوجوه
وسلامٌ لتلك الصخرة .. لكل مَن تلقى ضربة خلف ضربة وما زال .. يصلي
بأرضٍ نبدأ فيها رحلة الحياة ، انتماؤنا إليها .. لكل نقطة دم اختلطت بها دفاعاً عنها .. لمكانها وسمائها ورياحها وحرية أمطارها .. مَوطني ...


مَوطني
الحسامُ واليراعُ لا الكلامُ والنزاعُ رمزنا
مجدُنا وعهدُنـا وواجبٌ إلي الوفا يهزُّنا



بلغة البتلات المرمية ، وصوت الشرارات النارية ، وشعور الألم .. الجراح .. والدمار ، رُفِضَ الظلم ، وبالماضي والمستقبل صُنِعَ حاضرٌ مُقاوِمٌ من إرادة ، حاضرا نعيشه ونفتح الأبواب لشمس المستقبل لتشرق على عيون الأطفال ..
هذا الألم الذي لا ينتهي ، والذي لن يستمر ، وشعبٌ يحارب الاندثار حد العبث .. ودماء الشرفاء بمحبرة أفكارنا لا تُنسَى .. وعِزُّنا ...


عِزُّنا .. عِزُّنا غايةٌ تُشرِف ورايةٌ تُرفرِفُ
يا هَنَاك في عُلاك قاهراً عِداك .. قاهراً عِداك
مَوطني
مَوطني



توقف نبض القلب وضوى النور .. خفت الظلم بظلم أكبر والموت المتربص الأخير ، فأغمض عينيه بالدموع على دمائه مستسلما و... رُفِعَ القلم.




انتهى



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 07-04-20 الساعة 12:37 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 12:32 AM   #520

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي



ياعنى فيه فصل النهارده ولا ايه يانور مش فاهمه


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:46 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.