آخر 10 مشاركات
الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          شـقّ الـغَـمـام (الكاتـب : مدامع حزينة - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          17- غدا يعود الماضي - فيوليت وينسبير (الكاتـب : فرح - )           »          بين قلبين (24) للكاتبة المميزة: ضي الشمس *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          309- من يحب.. يخسر! - كيم لورنس - (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > سلاسل الروايات المصريه > منتدى سلاسل روايات مصرية للجيب

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-12-19, 06:55 PM   #1

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile27 مذكرات طبيب فى صعيد مصر الجوانى




مذكرات طبيب فى الصعيد الجوانى
سيرة ذاتية

بقلم : د.نبيل فاروق



(1)
1- الصعيد ..

"قنا" ..
سرت قشعريرة باردة فى جسدى، وأنا أقرأ اسمى ، فى كشف أطباء التكليف ، دفعة ديسمبر 1980 ،وأمامه اسم محافظة (قنا) ،إحدى أكبر محافظات الصعيد ..
بل لعلها أكبر محافظات الصعيد على الإطلاق ، وأطولها فهى تمتد من (أبو تشت) شمالاً وحتى (اسنا) جنوباً ، مروراً (بنجع حمادى) و(دشنا) و (قنا) و (الأقصر)، وكلها أماكن سياحية أو صناعية شهيرة ..

وهذا مأعرفه الآن..

أما عندما قرأت اسمى فى ذلك الكشف , فكل ما كنت أعلمه ، هو أن (قنا) هى إحدى محافظات الصعيد..
وفى ذلك الحين ، كانت كلمة (الصعيد) هذه تبدو مبهمة مخيفة، بالنسبة لسكان وجه بحرى ، فهو اسم يرتبط بالصرامة ، والعنف ، و الثأر ..
والعقاب أيضاً..

بل وربما العقاب هو المرادف الطبيعى لكلمة (الصعيد) ، فى تلك الفترة من الزمن، إذ كان أهم ما نعلمه هو أن ما يرتكب خطأ لا يغتفر فى الحكومة ، يتم نقله إلى الصعيد..
وكانت العبارة تقال آنذاك على نحو أشبه بالنقل إلى الجحيم نفسه..
وبعد هذه الدبياجه السابقة ،أعتقد أنه سيدهشكم بحق أن تعلموا أن تكليفى بالعمل فى (قنا) لم يكن نوعاً من العقاب ، أو حتى مفاجأه بالنسبة لى ..
لقد كانت الرغبة الأولى ، التى كتبتها على رأس إستمارة الترشيح للتكليف..
والسؤال الذى سيقفز إلى أذهانكم حتما هو لماذا ؟!
لماذا يلقى طبيب شاب نفسه فى ذلك الجحيم ، دون أن يكون مضطرا لهذا؟!
والجواب أيها السادة هو دبلة الخطوبة ..
نعم ففى ذلك الحين كنت قد ارتبطت بخطبة زوجتى الحالية ، وهى وحيدة والدها ، الذى لم يمكنه أن يهضم أبداً خطبتها لطبيب شاب ، في بداية حياته ، استدان ثمن دبلتى الخطوبة ، ولا يملك سوى راتبه الضخم ، الذى يقل عن الخمسين جنيهاً بعدة جنيهات (كثيرة )..

ولكن لأنها ابنته الوحيدة .. وتصر على الارتباط بهذا الطبيب المفلس بشدة ، وهو لا يرغب فى لعب دور (زكى رستم) أو (سراج منير) الذى يقف فى وجه ابنته ،ويحطم قلبها ، فقد وجد أن أفضل وأذكى وسيلة ، هى أن يتخمنى بطلبات مرهقة ، من مهر وشبكة وخلافه ، حتى اضطر إلى الانسحاب ، فى نفس الوقت الذى يرسم هو فوق رأسه تاج القديسين وبراءة الأطفال فى عينيه..

ولأننى لم أكن أدرك أيامها أن الرجل طيب ،وحنون للغاية ، أن قليلاً من الضغط كان سيجعلة ينهار ويعترف، فقد وافقت على كل طلباته (التى ستبدو اليوم مضحكة ، مقارنة بما يطلبه الأهل الان من لبن العصفور إلى شعر الهدهد اليتيم إلى سوارى كسرى) ، وأنا أعلم أن هذا سيجشمنى ما لا اطيق ، لعدة سنوات قادمة ..

باختصار ، تقمصت دور أبو على ، وليس فى جيبى من تذكرة الأتوبيس ، للعودة إلى منزلى (من حسن الحظ أننى من مواليد (طنطا) ولا توجد ضرورة حتمية هناك للأتوبيس ..

ولأن أهل الخير كثيرون فى بدلنا هذا فقد انهالت على النصائح من كل صوب، وراح الكل يقترح أى شئ ممكن ، للحصول على المال اللازم ، لإتمام الخطبة والزواج ..
وبعد استبعاد الاقتراحات الخاصة بتهريب المخدرات ، والإتجار فى البضائع المهربة ، والعمل كقاتل محترف ، ولأننى لا أصلح بالطبع لمهنة الراقصة ، فلم يعد أمامى سوى اقتراحين لا ثالث لهما..
إما أن أفتتح عيادة ..
أو أسافر إلى منطقة (داخلية أو خارجية ) ،يمكننى منها جنبى بعض المال ..
وبعد مناقشة قصيرة جدا ، باستخدام قواعد العقل والمنطق ، تم استبعاد فكرة العيادة من الأساس ، لأن تكاليف فتحها تكفى للخطبة والزواج، وربما الإنجاب وتعليم الأطفال أيضاً..
ثم إن فكرة الحصول على عقد عمل خارج البلاد، كانت تبدو مضحكة ، بالنسبة لطبيب فى نهاية فترة الأمتياز ، اللهم إلا اذا كان هذا العقد فى (كوالالمبور) أو بلاد (الواق الواق)..
لذا فلم يعد هناك سوى البحث عن فرصة سفر إلى منطقة داخلية ..
وهنا اقترح أولاد الحلال محافظة (قنا) ..
وكانت حجتهم ـ حينذاك ـ هو أن الوزارة تمنحنا الحق فى ، العمل الخاص فى فترة التكليف ، بعد مواعيد العمل الرسمية ، كما أن من حقنا الحصول على مقابل للزيارات المنزلية ، وفى المناطق النائية ، مثل محافظة (قنا) ، يكون دخل هذا العمل كبيراً، بالإضافة إلى حصولنا على علاوة إضافية ..
وعلى الرغم من جهلى التام –حينذاك – بما إذا كان هذا صحيحاً ،أو حتى قانونياً، فقد قبلت الفكرة على الفور (من باب اليأس بالشئ) ، وطلبت أن أقضى فترة التكليف فى (قنا)..
وظهرت النتائج ..
وقبلت الوزارة مطلبى ..
وهنا راحت السكرة ، وجاءت الفكرة ..
(قنا)؟!
الصعيد ؟!

لقد قضيت فترة دراستى كلها فى (طنطا) ، وكان مجرد السفر إلى (القاهرة ) يبدو أشبه بمغامرة غير مأمونة العواقب ..
فماذا عن السفر إلى (قنا)؟!
أما خطيبتى (زوجتى الحالية ) ،فقد استقبلت الخبر بوجوم وشحوب، وخاصة عندما علمت أننا سنحصل على إجازة لمدة ستة أيام فحسب ، كل شهرين..
ولكنها لم تعترض ، لأنها كانت تعلم مثلى أن هذا هو الحل الوحيد..
والمدهش أن والدها كان أكثر الجميع حزنا ، واغزرهم انفعالاً وحناناً، عندما ذهب لوداعهم، قبل سفرى إلى (قنا) مباشرة ..
فالحقيقة أن الرجل قد أعتبرنى ، ومنذ خطبتى لأبنته ، ذلك الابن الذى لم ينجبه ابداً..
والمضحك أن الفكرة انغرست فى كيانه ، حتى أنه كان يقول لخطيبتى أحيانا فى حماس :
- سلى أخاك .. هل يرغب فى تناول بعض الشاى ؟!
وكنت أعترض ضاحكاً على صفة الأخوة هذه التى تحرمنى من الزواج منها ، ولكن لا أحد يمكنه أن يتصور سعادتى ، مع التلقائية والبساطة التى كان الرجل (رحمه الله ) ينطقها بها ..
المهم أننى أصبحت الان مكلفاً للعمل فى (قنا)..
وكان على أن أستعد للسفر إلى هناك..
وفى أسرع وقت ممكن ..
وبناء على هذا ، راحت أمى تعد الزاد والزواد ، باعتبار أننى مسافر إلى الصحراء والمجاهل المصرية ، ولكننى رفضت بشدة حمل أى طعام (ومازالت هذه عادتى ، حتى لحظة كتابة هذه السطور) باعتبار أنه مادام هناك سكان فى هذه المجاهل يجدون طعاماً لأنفسهم ،فلن أموت جوعاً هناك حتماً..
وفى محاولة يائسة منها للأطمئنان، أرادت أمى أن تعلمنى كيفية طهى الأرز ، أو بعض الخضروات البسيطة ..
وكما يحدث دوماً فى هذا المضمار ،باءت كل جهودها ومحاولاتها بالفشل الذريع..
وفى الثانى من مارس ، عام 1982 م ، حملت حقيبتى إلى (قنا)، وأنا أتساءل:
- هل ستبدو كمدينة عادية ، أم أننى ساضطر لشراء رمح، لقتال الديناصورات الضخمة هناك ..
ولأولئك الذين يجهلون هذا، كانت الرحلة ، من (القاهرة) إلى (قنا) تستغرق بالقطار المكيف اثنتى عشرة ساعة كاملة .
لذا فقد بدأ القطار رحلته فى الثامنة من مساء الثانى من مارس ليصل إلى (قنا) فى العاشرة من صباح اليوم التالى (راجع المدة المذكور فى العبارة السابقة، ثم تذكر أن هذا يحدث فى (مصر).
وأخيراً ،أصبحت فى (قنا)..
مدينة صغيرة بسيطة ،بدت لى مزدانة متألقة ، على نحو غير مألوف، فتصور أنهم قد علموا بقدومى، واستعدوا لاستقبالى، و..
وقبل أن أتمادى، وألقى خطبة عصماء، أو أصافح المارة فى الطرقات ،أخبرتنى لافته كبيرة أن اليوم .. الثالث من مارس، هو العيد القومى لمحافظة (قنا)..
حملت حقيبتى الثقيلة ، ورحت أبحث عن مديرية الشئون الصحية القناوية..
والناس فى (قنا) غاية فى الشهامة والسخاء والكرم، لذا فلم أكد ألقى أول سؤال، عن مكان المديرية،حتى كان هناك من يحملى حقيبتى ، ومن يقدم لى كوباً من الماء البارد، ومن يسير إلى جوارى إلى هناك، مصراً على ألا يتركنى، إلا بعد الاطمئنان إلى أن كل شئ على مايرام..
وامتلاءت نفسى بدهشة كبيرة ، مع شعور عارم بالامتنان ، وتساءلت لحظتها : لماذا يلقى البعض نكات على الصعايدة ؟!
والواقع أنه لو كان هؤلاء هم الصعايدة ، الذين يتحدثون عنهم ، فهذا يثبت أننا نحن أبناء بحرى ، الذين نستحق أن تقال عنا النكات..
وبالمناسبة :مره واحد.. ولا بلاش..

يُتبع ..




MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 06:56 PM   #2

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني:

"مركز تدريب(قفط).."
نطقها الأستاذ (شوقى) ،مدير شئون الأفراد فى مديرية الشئون الصحية ، فى صرامة لم يكن لها ما يبررها ، وهو يناولنى أوراق تسلم العمل، فترددت لحظة ، قبل أن أسأله :
- وأين (قفط) هذه؟!
رمقعنى بنظرة نارية غاضبة، جعلتنى أنكمش فى مكانى، وأراجع كل معلوماتى الجغرافية ،بحثاً عن مدينة أو قرية تحمل اسم (قفط) ، قبل أن يأمر الأستاذ (شوقى) بإحضار الفلكة ، التى لا أعرف عنها سوى اسمها، أو يطالب بإحالة أوراقي إلى المفتى ..
ولكن ملامح الأستاذ (شوقى) لانت فجأة ،وحملت ابتسامة كبيرة ،وهو يقول:
- يالجهل البحاورة! (قفط) هذه واحدة من المدن الشهيرة ، فى طريق (قنا) (الأقصر) ..إنها تبعد خمسة أو عشرة كيلومترات فقط عن مدينة (قنا)..
وبينما ينطق كلماته ، انتبهت إلى ظاهرة عجيبة..
فالصعايدة ، كل الصعايدة ، لاينطقون حرف القاف، وإنما يستبدلون به – فى المعتاد – حرف الجيم ..
وعلى الرغم من هذا فمعظم مدن المحافظة تبدأ بحرف القاف..
(قنا).. (قفط).. (نقاده).. (قوص)..(الأقصر).. وهم بالطبع ينطقونها (جنا) (جفط)..(نجادة) (جوص) ..(الأجصر)..
ولكن ما شأننا نحن بهذا..
المهم أن الأستاذ (شوجى) ..معذرة (شوقى) أخبرنى أن سيارة المديرية ستحملنى ، مع بعض الأطباء الجدد، إلى مركز التدريب فى (قفط)، حيث سنلتقى علومنا الإدارية الأولى ، التي تؤهلنا للعب مع الشياطين,,
احم .. أعنى مع كتبة الوحدات الصحية ..
ومنذ اللحظة الأولى ، كانت فى انتظاري مفاجأة فى (قفط)..
إنها ليست وحدة صحية ، وإنما مستشفى قروى ومركز لتدريب الأطباء الجدد..
أو بالتحديد ثلاثون طبيباً شاباً، سيقيمون معاً، فى صالة كبيرة، تتراص فيها الأسرة ، كما يحدث فى الوحدات العسكرية ..
ثم إن الدولة ستكفل لنا الإقامة فحسب..
وليست التغذية ..
وسقط قلبى بين ضلوعى ..
كيف سأقيم مع كل هذا الحشد، الذى لاتربطنى به أية صلة ؟!
ثم ماذا سنفعل فى أمور التغذية ؟!
واسترجعت حديثى الأخير مع أمى ، ورفضى حمل أية مأكولات ، ورحت أبحث عن الحذاء ، الذى خلعته منذ قليل..
ليس لأرتديه ،ولكن لأضرب نفسى به..
لماذا لم تجبرنى أمى على حمل الطعام ؟!
كان ينبغى أن تهددنى بمسدس ..
أو حتى بمدفع آلى ..
ولكن هذا ما جنيته على نفسى ، ولم يجن على أحد ..
لكن ما باليد حيلة ..
لا مفر من الاستسلام ..
والجوع ..
ولكن ذلك الجوع ، كما يقولون كافر لا يرحم ..
لذا كان من الضرورى أنسعى جميعا للبحث عن الغذاء ..
ولكن الأسوأ أنه كان من المحتم أن نتولى أمر نظافة العنبر أيضًا..

------------------------------------

ومع الأيام الأولى ،شعرت أننا لسنا فى مركز تدريب ..
بل فى معتقل ..
كلا لست أعتقد أن الوصف صحيح ، لأنه من المؤكد أن المعتقلين يجدون بعض الطعام على الأقل ..
ولأننا غرباء ، والغريب أعمى ، ولو كان مبصراً، كما يقول المثل ..
ولأننا أكسل من تنابلة السلطان أيضاً، فإننا ننتبه إلى وجود سوق فى (قفط )، إلا بعد أن بدأ بعضنا يرى سراباً، من شدة الجوع والعطش..
الشيء الوحيد ، الذى كان يدفعنا إلى النشاط والحركة كان قطار القصب..
وقطار القصب هذا قطار قديم، يبدو أشبه بذلك النوع ، الذى كان يظهر فى أٌفلام رعاة الأبقار الأمريكية، فقط ليطارده الهنود الحمر..
وفى (قفط)، كان ذلك القطار القديم هو الوسيلة الوحيدة ،لنقل قصب السكر ،من الحقول إلى المصنع..
وكنا نحن الهنود الحمر ..
فما إن يلوح قطار القصب فى الأفق ،أمام عيوننا وبطوننا الجائعة، حتى ننفض عن أنفسنا الكسل ،ويدب فينا نشاط إلهى ، ونطلق لنعدو خلف القطار ، للحصول على بعض القصب ..
وبعض الشبع ..
ولست أدرى كيف لم أنتبه ، إلا لحظة كتابه هذه السطور، إلى ما فى المشهد من غرابة فى قلب الصعيد؟!
وأكاد أتصور إخواننا الصعايدة وهم يقفون فى حيرة وبلاهة ، متطلعين إلى الأطباء المحترمين ، وهو يجرون بالبيجامات والشباشب ، خلف قطار القصب..
ومن حسن الحظ أنهم لم يشاهدونا ونحن نأكله ..
هذا كان سيكفى ليتصورا أن أبناء البحاروة من أكلة لحوم القصب..
وهذا يكفى لإثبات أن الجوع يطلق صوت المعدة ..
ويخمد صوت العقل ..
ويبدوا أن جوعنا قد أثار شفقة أحد الزملاء، وكان من محافظة (قنا) نفسها ، فتكرم بإحضار كيس من الخبز الشمسي (وهو نوع من الخبز الصغير المدملك ، والذى يتم تخميره فى أشعة الشمس ، قبل وضعه فى الفرن، و (بطة)..
نعم ..إنكم لم تخطئوا القراءة ..
ولكن لاتفزعوا، أو تتصورا أن الأطباء الثلاثين قد انقضوا كالوحوش على البطة البريئة المسكينة (المذبوحة طبعاً)..
فالواقع أن ذلك الزميل (الخبيث) لم يفعل هذا ، إلا بعد أن اطمأن إلى أن الجميع تقريباً قد انهاروا، وفروا عائدين إلى بلادهم (ربما لتناول وجبة أو وجبتين) ، ولم يتبق منا سوى سبعة بالإضافة إليه ..
أى أنه كان لكل منا ثمن بطة ..
وهذا يعد وجبة دسمة متخمة ، لمن اعتاد تناول حناج عصفور كل ثلاثة أيام ..
هذا لو أصيب العصفور بأزمة قلبية ، وسقط ميتاً من تلقاء نفسه ..
المشكلة الوحيدة أن السادة الزملاء أصروا على أن أقوم أنا بطهو البطة !!..
لقد أصابني نفس ما أصابكم من فزع ، وحاولت إقناعهم بإرجاء التجربة إلى مناسبة أخرى ـ يكون فيها أحدهم من علينا بعلبة سردين أو تونه ـ ولا داعي بالمخاطرة بالبطة المسكينة ..
ولكنهم أصروا..
وأصروا ..
ولم يعد أمامي سوى الاستسلام ..
والبكاء على البطة ..

------------------------------------

وشمرت عن ساعدىّ، وحاولت أن استرجع ولو سطرًا واحدًا ، من دروس أمي عن الطهى ..
أو حتى عن طرق إشعال الموقد ..
ولقد كان لدينا موقد واحد صغير، يمكنك أن تصنع عليه كوباً من الشاي ، خلال مدة قياسية ، لا تزيد عن الأسبوعين ..
وكان من المفترض أن أطهو البطة وكثيراً من الأرز ، على هذا الموقد ..
وهكذا استيقظت من السادسة صباحاً، ووضعت كثيراً من الماء ، فى الحلة الوحيدة لدينا، وألقيت فيه الأرز، ووضعته على الموقد الصغير، وجلست أنتظر ..
وأنتظر ..
وأنتظر..
وأيضاً أنتظر ..
وفى منتصف النهار، بدأ الماء يغلى ..
وكانت معجزة ..
وبحسبة بسيطة ، أدركت أن البطة سيتم طهيها خلا أسبوع على الأقل ، وهذا بعد أن ينتهى طهو الأرز، فى الصباح التالى على الأرجح..
وهنا تفتق ذهنى عن فكرة عبقرية ..
وبمنتهى الهمة ، صنعت حفرة كبيرة فى قلب الأرز ,,
دفنت فيها البطة (دون أن أترك بصماتى فى مسرح الجريمة بالطبع)..
وفى حيرة سألنى الزملاء:
- أهذا ممكن ؟!
وبمنتهى الحماس والثقة (الزائفة )، هتفت :
- بالطبع.
ولم يعترض أحد ، (لأنهم كما ثبت فيما بعد)، كانوا أكثر موهبة منى فى عالم الطهى ..
وفى السادسة مساء، بدا من الرائحة أن الأرز قد نضج .. والبطة داخلة بالطبع ..
وسال لعاب الجميع ، ونحن نحمل الوعاء إلى مائدة الطعام ، وقد بدا ساقا البطة واضحين خارج الأرز..
وفى حماس ،جذب أحد الزملاء ساق البطة ..
ولكنه فوجئ بأن ماصعد إليه لم يكن الساق وحدها..
كان البطة كلها ، مع الأرز كله ، الذى تحول إلى عجينة متماسكة ،لم تلتصق بقاع الوعاء ..
ولم تعد تصلح للاستخدام الآدمى ..
وكذلك البطة ..
صحيح أن الكل ثار، وهاج ، وماج ، وانهال على بالعبارات الغاضبة الساخطة المستنكرة ..
ولكننا فى النهاية ألكنا الأرز ..
والبطة ..
ألم أقل لكن أن الجوع كافر ..
جداً؟!


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:00 PM   #3

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثالث

أسبوع واحد وتنتهى فترة التدريب ، بعد أن احتشدت عقولنا بعشرات القواعد واللوائح الإدارية ،ودفاتر العهدة، واستمارات 111، و112 و 118 ع.ح .
وفوجئنا بأننا سنخوض امتحاناً فى الأمور الإدارية ..
امتحان ؟!
ألن تنتهى الامتحانات ابداً..
وسألنا عن أرقام الجلوس، وأقرب مكتبة لبيع أوراق تصلح للبرشام ، و....، و........
وأدركنا جميعاً أن فترة التدريب قد شارف على الانتهاء ..
وأن كلا منا سيفترق عن الآخرين ، وسيذهب إلى وحده صحية، يقوم بها بعمل الطبيب البشرى ،وطبيب الصحة ، والصيدلي ، والطبيب الشرعي ، وطبيب المعامل، ومدير المخازن ، ومسئول الثقافة الصحية ، و....
وكل هذا مقابل راتب ضخم يبلغ ستين جنيهاً مصرياً لا غير ..
ولست أدرى لماذا يذكرني هذا بالفنان (فؤاد المهندس) ؟! والعجيب أنني شعرت بالأسف الشديد، لأنني سأفترق عن تلك المجموعة ، التي قضيت معها شهرين كاملين ، في عنبر واحد ..
ربما لا أذكر الأسماء كاملة ، ولكن كان هناك (محمود ياسين) (ليس الممثل المعروف بالطبع) ،و(فارس) و (أسامه) و (مدحت عبد الفضيل) و (عثمان) ..
كل منا سيذهب إلى مكان منفرد في قرية من قرى محافظة (قنا) ..
ويبدو أن شعوري هذا هو نفس شعور الجميع ، فقد ساد الوجوم المكان ، وانخفضت درجة المرح، وبدا وكأن كلا منا يشعر بالحزن ، لأننا أخيراً سنفترق .
نفس الحزن الذي شعرنا به ، عندما أدركنا أننا سنجتمع فى عنبر واحد في البداية ..
وما أغرب النفس البشرية ,,
ولكن حتى تلك الأيام الأخيرة لم تنته دون موقف ما..

------------------------------------

فقبل امتحان الإداريات بيومين فقط ، كان زميلنا الصعيدي هو المسئول عن إعداد الطعام ، وكنت أجلس معه وحدي في العنبر، في حين ذهب الآخرون لقضاء بعض الوقت في مدينة (قنا)..
كان يستعد لعمل المعكرونة ، عندما روادتني فجأة فكرة العبث معه قليلاً..
ولقد عجزت عن كتمان تلك الرغبة ، فسألته متظاهراً بالهدوء واللامبالاة..
هل قمت بغسل المعكرونة قبل طهيها؟!
حدق فى وجهة بدهشة ،وسألني :
- وهل يتم غسل المعكرونة قبل طهيها؟!
نظرت أإليه باستنكار ، وأنا أوكد له أن هذا أمر حتمي ، لأننا كنا نبتاع المعكرونة المعبأه فى أجولة ضخمة ، معرضة للتراب والغبار ..
ومن الواضح أن منطقى أقنعه ، فقد قام بكل حماس ، وغسل المعكرونة ، ثم وضعها فوق صحيفة فى الشرقة لتجف، قبل أن يقوم بإعدادها ، وأنا أكتم ضحكتي فى أعماقى وأتظاهر بالانهماك فى القراءة ..
وعندما عاد الجميع ، كانت المعكرونة قد تحول إلى عجينة ..
وغنى عن القول أننى أنكرت تماماً فى التحقيقات ، أننى نصحته بغسل المعكرونة ..
باختصار، كانت عملية نظيفة مائة فى المائة ،خرجت منها مثل الشعرة فى العجينة ..
عجينة المعكرونة ..
المهم أن الموقف مر بسلام ـ وتحول إلى نكتة جديدة تضاف إلى نكت الصعايدة ، ورحنا جميعاً نستعد للامتحان ..
ثم جاء الامتحان ..الأساتذة ألأطباء ، مديرو الإدارات الطبية ،أعطونا الأسئلة والأجوبة ـ والدرجات ,,
وانتهى الأمر قبل أن يبدأ ..
وهكذا ، انتهت فترة التدريب ، وبدأنا نستعد للتوزيع ..
وهنا عاد النشاط يدب فى الجميع، وراح كل من الزملاء يسعى للحصول على وساطة ، ليتم توزيعه على وحده صحية مناسبة ..
وفى ذلك الحين كان لى قريب فى منصب مدير إدارة الطب البيطرى ، وكان صديقاً لمدير مديرية الشئون الطبية فى (قنا) ولقد عرض علي قريبى هذا أن يرسلني في أي مكان أشاء ..
ولكنني كنت ، ومازلت أومن بالقدرية ، فى مثل هذه الأمور..
لست أحب أبداً أن أختار المصير، فى الأمور التى أجهلها ..
إننى أترك الأمر كله لله (سبحانه وتعالى )ى ، حتى يمكننى قبول أية نتائج فيما بعد ، دون أن أشعر بالندم ..
وهكذا تم عمل القرعة التقليدية ، لتوزيعنا على القرى والمراكز المختلفة ..
وعندما سحبت الورقة الخاصة بى ، وجدت بها أسم قرية ،لم أسمع بها من قبل قط ..
(أبو دياب شرق) ..
وعندما سألت الجميع عن موقع القرية ، التى سأذهب إليها ، نطلع الجميع إلى بإشفاق واضح ، ثم ربت أحدهم على كتفى ـ وهو يبلغنى أنها تبعد سبعة وأربعين كيلومترا عن مدينة (قنا) ، وأنها تتبع مركز (دشنا)..
الأمر الوحيد ، الذى لم يبلغنى به ، هو أنه ، من بين الكيلومترات السبعة والأربعين، كان هناك أربعة وعشرون كيلو مترا فقط على الطريق الأسفلتى ..
أما الثلاثة والعشرون كيلومتراً الأخرى ، فكان فى قلب الجبل ..
أو كما يقول الصعايدة ..
فى حضن الجبل ..
وكان هذا يعنى أن كل ما رأيته ، منذ وصولى إلى قنا كان الصعيد البرانى فحسب ,,
وأنه منذ هذه اللحظة ، سأبدأ رحلتى فى حضن الجبل ..
فى الصعيد الجوانى ..
جدا ..

------------------------------------

2- البخيل وأنا
(أبو دياب شرق)..
اسم أثار فى نفسى خوفاً مبهماً، كلما رددته فى أعماقى ، وأنا أعد حقيبتى الوحيدة ، استعداداً للانتقال من سطح الصعيد إلى أعماقه ..
ولست أدرى لماذا انطبع فى ذهنى اسم (أبو دياب) هذا بوجه صارم ، لقاتل صعيدى محترف، ضخم الجثة ،كث الشارب ، معقود الحاجبين ، يحمل (البندجة) .. أقصد البندقية ، ليلبد بها فى حقول الذرة ، و(يطخ) الرائح والغادى ..
ربما كان هذا مجرد بقايا أو ترسبات قديمة ، من مسلسل تليفزيونى رأيته فى طفولتى ، أو بعض الرسوم الكاريكاتورية ـ التى كان يبدعها العمالقة انذاك ، أمثال (صلاح جاهين) ، و (الليثى) رحمهما الله ، والفنان (حجازى) وغيره أبقاهم الله ..
المهم أننى لم أستطع أغمض عينىّ لحظة واحدة طوال الليل ، متصورا أن (أبو دياب) إياه سيفط من أسفل فراشى بغتة ، فى مركز التدريب، صارخاً:
- اثبت ياولد
ثم يطخنى عيارين ..
وفى كل مره كنت أقفز من نومى صارخاً:
- (أبو دياب) ..(أبو دياب)..
ولكن كل الشهود أجمعوا على أننى لم أحدد إذا كان (أبو دياب شرق) أم (أبو دياب غرب) ولكن الأرجح أنه كان (أ[بو دياب شرق)..
المهم أننى استيقظت فى اليوم التالى بوجه شاحب، وعيون منتفخة ، وقلب ينبض ألف نبضة فى الدقيقة ، لأكشف أنه لن يتم توزيعنا مباشرة ، ولكن علينا أن نستكمل بعض الأوراق فى مديرية الشئون الصحية أولا..
وهنا قفزت إلى ذهني فكرة مجنونة ..
لماذا لا أنتهز الفرصة ، وأذهب لرؤية قرية (أبو دياب شرق) هذه؟!
وسيطرت على الفكرة ، حتى إن كل ذرة فى كيانى صارت تتلهف لرؤية ذلك المكان ، الذى سأقضى فيه عاماً على الأقل..
ما أن أخبرنا الأستاذ شوقى أن الأوراق تحتاج إلى يوم آخر لاستكمالها ،حتى هرعت من فوري إلى موقف سيارات الأجرة ، لأسال :
- كيف أذهب إلى (ابو دياب شرق) وحياة والدك؟!
ولأن الشهامة متأصلة للغاية فى إخواننا الصعايدة ، فلم تمض ربع الساعة حتى كان أحدهم ينزلنى من سيارته (دون أن يتقاضى أجرا ) ، عند موقف سيارات (دشنا)..
وبالتحديد (أبو دياب شرق) ..
وما أن أخبرت السائقين أننى طبيب الوحدة الصحية الجديد، حتى انهالت السلامات والتحيات ، وانفتحت أبواب السيارات ، وسرقنى السكين كما يقولون ـ فم أشعر إلا وأنا أنطلق فى سيارة الأسطى (عبدالله) ـ إلى (أبو دياب شرق)..
وفى الطريق راحت السكرة ، وجاءت الفكرة ..
ولقد جاءت هذه الفكرة بالتحديد، عندما انحرفت السيارة عن الطريق الأسفلتى ، وبدأت تنطلق نحو مجاهل وجبال مخيفة ، عبر طرق ترابية غير ممهدة ..

------------------------------------

فى البداية ، تصورت أن السير فى هذه المجاهل سيستغرق خمس أو عشر دقايق على الأكثر ، ثم راح قلبى يدق فى عنف بعد ربع الساعة الأولى ، ثم أرتجف مذعوراً بعد ثلث الساعة ، وسقط بين قدمى مع الدقائق الخمس التالية ، قبل أن أسمع الأسطى (عبد الله ) وهو يقول فى حماس:
- الوحدة الصحية يا (باشا)..
وفى ظروف أخرى كان اللقب سيسعدنى بشدة (على الرغم من بغضى للألقاب)، ولكن فى تلك اللحظات هناك، فى حضن الجبل كنت مستعداً للتنازل عن لقب (افندى) ، مقابل لحظة من الشعور بالأمان ..
فتلك الوحدة الصحية ، التى ظهرت فجأة ، مع دوران السيارة حول مرتفع صخرى ، كانت مجرد بناء بسيط، نصفه من طابق واحد،والنصف الاخر من طابقين ، وسط فراغ ضخم ، تبدو فى نهايته قرية يختفى معظمها خلف الأشجار..
باختصار، كانت هى بالضبط ذلك المكان، الذى يصفونه بأنه ، لايحوى (صريخ ابن يومين )..
وعندما ابتعدت سيارة الأسطى (عبدالله)، واختفت فى الأفق، صرت أنا ذلك الـ (صريخ) ، ولكن ابن كذا ألف يوم ..
ومع نفس عميق، وقراءة المعوذتين، والاتكال على الله (سبحانه وتعالى) ،صعدت إلى الوحدة الصحية ..
فى البداية، تصور مع الصمت والسكون أن المكان مهجور، يصلح لأحد أفلام (ألفريد هتشكوك) ، ثم لم البث أن شعرت بحركة فى الطابق الثانى ، فصعدت إليه ، وطرقت الباب ، و ..
وانفتح الباب .
وأمامى مباشرة ، رأيت رجلاً قصير القامة ، أشيب الشعر ، ممتلئ الجسم ، يميل رأسه إلى اليسار ،حتى ليكاد يستند إلى كتفه ، وهو يرمقنى بعنين محمرتين نفاذتين ..
وبهدوء (افتعلته طبعا)، أخبرته أننى طبيب الوحدة الجديد..
وانطلقت صرخة استنكار واستجهان قوى ، كادت تدفعنى للقفز من الطابق الثانى ، والجرى بكل قوتى ، بمنتهى الرعب والذعر ، حتى أبلغ مدينى (طنطا)..
ولكن العجيب أن تلك الصرخة لم تنطلق من بين شفتى ذلك القصير ..
بل من داخل الوحدة نفسها ..
لقد أطلقها الدكتور (محمد) ، طبيب الوحدة الإسكندراني ، الذى استقر به المقام لأكثر من عام ، دون أن يتصور أن احداً سيقتحم حياته هكذا بغته ، ويشاركه أرباحه وغنائمه ..
وعلى عكس الحفاوة ، التى استقبلنى بها (حجاج) ، كاتب الوحدة (وما أدراك ماكاتب الوحدة ) ، كان الدكتور (محمد) جافاً وغاضباً ثائراً، يتمنى لو يلقى بى فى أعمق أعماق الجحيم ، وأنا أبلغه أننى سأستلم العمل منه ، بعد يومين فحسب ..
ولم تستغرق زيارتى هذه سوى دقائق قليلة ، لم تكمل نصف الساعة ، قبل أن ترهقنى ثورة الدكتور (محمد)، التى لم يحاول حجبها أو إخفائها ، وأقرر العودة إلى (قفط) بأى ثمن ..

------------------------------------

وصاحبنى (حجاج) برأسه المائل ونظراته النافذة، لنقف عند الطريق ، فى انتظار أية سيارة تعيدنى إلى (قنا) ، وراح يتحدث معى بمودة شديدة ، ويؤكد لى أن الحياة فى هذا المكان (الكئيب) ستروق لى جدا ، إذ يبدو أنه تصور أننى مصاب بالهلوسة أو الاكتئاب الذهانى لسبب ما ..
وفى (قنا) ،عدت أحزم حقيبتى الوحيدة ، وأستعيد ما فعله معى الدكتور (محمد) ، ثم أتساءل عما إذا كان من الضرورى أن أشترى طبنجه لحماية نفسى ، أم أننى أستطيع استئجار أحد أبناء أبو دياب كحارس خاص ؟!
كنت أفكر فى هذا ، دون أن أدرى أنه ولا الجن الأزرق ، يمكنه أن ينقذنى من زميل الوحدة الصحية ..
هذا لأنه كان ، وبمنتهى البساطة والوضوح ،بخيلاً..
وطول ستة أشهر كاملة ،عشت جحيم البخل هذا فى أسوأ صوره..
وقد يعترض البعض منكم على وصف (الجحيم) هذا ،ويتصور أنه قد يحوى بعض المبالغة ، لذا فمن المحتم أن انقل إليكم بعض نماذج هذا البخل ، على الرغم من كراهيتى لاستعادتها..
فذات يوم مثلاً، وفى أعقاب عيد الفطر المبارك، عدت إلى الوحدة الصحية بصندوق من الكعك والبسكويت، أصرت والدتى باستماتة على منحى إياه (ولم أقاوم أو أعارض بالطبع، بعد مرحلة الجوع الكافر، التى عشتها فى مركز التدريب) ، وكما علمونا، وضعت الصندوق مفتوحاً على منضدة الصالة، ليأكل منه كل من يشاء فالطعام والشراب لكل فم ، كما أكد لى الجميع منذ طفولتى ..
وفى كل صباح ، كانت عاملة الوحدة تعد لنا كوبين من الشاى ، ويخرج الدكتور (محمد) من حجرته) ، ليشرب كوبه ويأكل معه كل مايحلو له من صندوقى ..
حتى نفذت محتويات الصندوق تماماً..
واعتباراً من اليوم التالى ، ولفترة طويلة ، كان الدكتور (محمد) يخرج كل صباح من حجرته بكرم حاتمى ، حامل قطعتين من الكعك، ليلتهمهما وحده (بمنتهى البجاحة) ، مع كوب الشاى ، ثم يخرج لأداء عمله ، وكأن شيئا لم يكن وبراءة (العيال) فى عينيه..
مرة أخرى كان يستعد لشراء مستلزمات العشاء، فسألنى عما أرغب فى تناوله ، وبمنتهى البراءة أخبرته أننى أكل كل شئ ، فيما عدا المربات..
ومن المؤكد أنك قد استنتجتم ما حدث، وخاصة عندما تعلمون أننا كنا ندفع كل المصاريف مناصفة ..
لقد أحضر ست علب مربى، وعلبتى جبن أبيض..
واشتعل غضبى مع هذا الموقف السخيف، فما كان منى إلا أن حملت ثلاث علب مربى، وجلست فى الشرفة ، التهمها دون خبز أمام عينيه، اللتين أطل منها ألم ومرارة وحسرة الدنيا كلها ، وحتى أتيت عليها عن أخرها ..
كل هذا وانا اكره المربى، (وربما كان هذا سبب تلذذى من أكل فى هذه الأيام)..
الواقعة الثالثة ، هى أنه عندما غادر الوحدة نهائياً (وكانت أول مره أشعر فيها بالسعادة ، لأننا فى (قنا) بلد القلل، عثرنا أسفل فراشه على أطنان من قشر الموز والبرتقال وأوراق البسكويت، وعلب الجبن الفارغه ، التى كان يحضرها إلى حجرته ، ويلتهمها سراً ، حتى لا أراه ولا أشعر به ..
لكن أسوأ موقف فعله معى ، فى فترة عملنا معاً ، هو عندما أصابنى التيفويد ذات مره ..
ففى تلك الفترة لم نجد فى الوحدة كلها سوى شريط واحد من (كلوراميفيكول)، وكان هو العلاج الوحيد للمرض آنذاك ...
وبشهامة أحضر الكاتب (حجاج) ذلك الشريط، وعاوننى على ابتلاع كبسولتين منه على الفور، على أن أتناول منهم كل ثمانى ساعات ..
لكن الشريط اختفى تماما..
ولم تكن المواصلات متوافرة لمدينة (قنا) فى الليل، وقلب (حجاج) المكان كله بحثاً عن الشريط، وحالتى تسوء أكثر وأكثر، والدكتور (محمد) المحترم هادئ جداً، ولا يعلق على ما يحدث بحرف واحد..
ثم فجأه بمصادفة عجيبة ، كشف (حجاج) الشريط الفارغ من الكبسولات ، فى حجرة الطبيب المحترم ..
لقد سرق الشريط (علاجى الوحيد) ، وابتلع الكبسولات بانتظام ، ليحمى نفسه من العدوى ، حتى ولو أدى ذلك إلى موتى أنا ؟!
هل يكفيكم ذلك ؟!
عظيم دعونا ننتقل إذن إلى نقطة أخرى ..


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:01 PM   #4

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع



عظيم ، دعونا ننتقل إذن إلى نقطة أخرى ..
فمنذ يومى الأول فى (أبو دياب شرق) ، وكعادتى فى كل مكان جديد ، رحت استكشف كل ما حولى بمنتهى الاهتمام..
وأول ما لاحظته هو أن القرية تنقسم إلى فريقين كبيرين..
العرب .. والهوارة ..
كل فريق منهما له عالم خاص به ، يصعب اختراقه ، وكشف أعماقه ومكنوناته ..
وبالذات عالم الهوارة ..
إنه عالم أشبه بعالم النازية ، وأساطير السامية ..
فيه محدودية وتعال ، وقوة وغطرسة ، وزه و، حتى إن الهوارة يتصورون أنهم أفضل خلق الله (سبحانه وتعالى) ، فلا ينبغى عليهم أن يمتزجوا بباقى البشر ، ولا أن يشاركوهم أو يصادقوهم ، أو يزوجوهم بناتهم ..
لا بأس عندهم فى أن يتفضلوا بالزواج من بنت حواء أخرى ، من أى مجتمع ،باعتبار أنهم ـ طبقا للفكر الجنوبى- يسيطرون عليها وعلى عائلتها أيضًا..
أما أن يمنحوا بناتهم لجنس اخر، فهذا هو المستحيل بعنيه ..
وعلى الجانب الآخر تجد العرب، بتماسكهم واعتدادهم ، وإصرارهم على إثبات حين منبتهم وأصالة وجودهم ..
كل المهن المتطورة ، كان يمتهنها العرب وحدهم ..
أما الهوارة ، فهم أصحاب الأراضى الواسعة ، والثروات الضخمة ، والسطوة والنفوذ ، والقوة ..
ولأن الإحساس بالقوة وحده يكفى بعض البشر، فقد كانت منازل العرب أنيقة ، بسيطة ، نظيفة ،عصرية .. إلا فيما ندر..
أما منازل الهوارة ، فـ .....
ولا بلاش..
برضه إلا فيما ندر..
ونساء العرب تشبهن ، فى أزيائهن وتصرفاتهن ، نساء المناطق الشعبية البسيطة فى (مصر) ، وهن مرحات ، تلقائيات ، ومهذبات للغاية بالطبع ..
أما نساء الهوارة ، فمن المستحيل أن تصف أزياءهن ، لانهن يرتدين (البردة) طوال الوقت ..
وتلك (البردة) عبارة عن شئ أشبه بالبطانية ، مصنوعة من الصوف، وعلى أية هوارية أن ترتدية ، مادامت خارج المنزل، وألا تظهر منها سوى عين واحدة ،ترشدها إلى الطريق، بدلا من العصا والكلب الوولوف..
أما العين الثانية ، فهى قلة أدب، مادام يمكنها أن ترى بعين واحدة ..
وإذا مرضت عربية ، فهى تأتى إلى الوحدة للكشف الطبى ، أو يطلبك زوجها علنًا، لمعاودتها فى منزلها ..
أما الهوارية فمرضها له طقوس مختلفة ..

ففى أغلب الأحوال، يتم تركها للطبيعة ، فإما أن تشفى وحدها ، أو ترتاح من عذاب الدنيا ..
أما لو كان زوجها متفتحاً، فالأمر يختلف..
سيأتى لزيارتك سراً، بعد منتصف الليل بساعة ، أو ساعتين، وهو يخفى وجهه بوشاح سميك، وبعد أن يباغتك ، ويقطع ولدك، ويخبرك بكلمة سر الليل، سيطلب منك بخشونة أن تعد حقيبتك وتتبعه ..
ووسط الحقول والظلام، ومع موسيقى فحيح الثعابين ، وعواء الذئاب الشجى ، تتسللان معاً إلى منزله ، وتقطعان الأسلاك الشائكة ، وتتجاوزان حقول الألغام ، حتى يمكنك أن توقع الكشف الطبى على زوجته ، التى تعانى من مغص كلوى حاد، منذ شهر واحد فحسب، دون أن ينتبه هوارى أخر إلى هذا العار..
ولكن الحق يقال، لقد كانوا جميعاً فى منتهى الكرم ، فبعد كتابة الروشتة ، كانوا يعيدوننى إلى الوحدة الصحية ، (تسللا طبعا)، دون أن يتركونى طعاماً للذئاب ، أو يطلقوا على النار، حتى يموت معى السر العظيم ..
وفى أحوال أخرى ، كنت تجد أمامك عملاقاً، ضخما، عريض المنكبين ، كث الشارب والحاجبين ، غليظ الملامح ، يشكو لك من أعراض غريبة ، لا يمكنك معها إلا أن تصافحة، وأنت تبتسم فى ارتباك قائلا:
- مبروك جنابك حامل فى شهرين ..
فالاعراض التى يصفها بمنتهى الدقة ، تعانى منها زوجته وليس هو ، ولكنه يأتى للكشف بدلاً منها ، حتى لا تنكشف على رجل اخر ..
ومن أطرف المواقف التى واجتهها ، بسبب هذه العادات المتوارثة ، هو أننى قد تسللت يوما إلى منزل أحدهم فى الثانية صباحاً ، لأجد أمامى بابا مغلقاً، به ثقب فى منتصفه ومن الثقب يبرز أصبع أمراة ، إلتهب إظفرها، وأمتلأ بالصديد ..
وبمنتهى العناد والإصرار ،رفض زوجها أن أقوم بقياس درجة حرارتها ـ أو مستوى ضغط الدم لديها ، باعتبار أن الإصبع هو المصاب ، وها هو ذا أمامى ـ فما الذى أريده أكثر من هذا؟!
قلة حياء ..
منى طبعا ..
ولكنها تقاليدهم على أية حال، ومن الضرورى أن نحترمها ، حتى لو اختلفنا معها ألف مرة، وإلا فعلينا أن نعذر الغرب ، عندما يتهمنا بالتخلف ، لمجرد أن البنت عندنا تحافظ على عذريتها حتى الزواج ؟!
وعلى أية حال ، فمهما اختلف العرب والهوارة ، فى تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم ، فهم يتفقون جميعاً فى عادة واحدة ، ومزية لا يدانيهم فيها أحد..
الكرم ..
كرم حاتمى مدهش، يبهرك فى البداية ، ثم يخلب لبك كله فيما بعد ..
وبسبب هذا الكرم ، لم أكد أضع قدمى فى القرية ، حتى وجدت أمامى أكثر من عشر دعوات لتناول الغداء والعشاء،عند أكابر الهوارة والعرب على السواء ، بدءا من العمدة ، وحتى (فتحى أمين) ، الذى صار أفضل أصدقائى فيما بعد..
وبمنتهى الجدية والحزم ، أخبرنى الكاتب (حجاج) أنه من العار .. كل العار.. أن أرفض دعوة أى شخص منهم ،وأنه من الضرورى أن أرتب الدعوات ، بحيث يمكننى تلبيتها كلها فى أيام معدودات ..
وتصورت أنا ، بكل براءة ، أن الأمر بسيط للغاية ..

وذهبت لألبى دعوة العمدة فى البداية ..
وعلى مائدة الطعام ، وجدت أمامى طنا من اللحوم الدسمة للغاية ، والتى تسيل منها كمية من الدهون ، تكفى لفتح مصنع سمن طبيعى ..
هذا بالإضافة إلى الويكا والملوخية طبعًا..
و(الويكة) لمن لا يعرفها ، هى (بامية)، يتم طهيها دون صلصة ، باستخدام الماء والثوم فحسب..
وأنا أعلم هذا ، ليس لأننى قد تعلمت الطهى (فالأيسر أن اتعلم الهيروغليفية)، ولكن لأننى ظللت أكل (الويكة) و الملوخية ، دون سائر الخضروات الأخرى ، لمدة عام ونصف بلا انقطاع..
ولهذا قصة أخرى ..
المهم أنه كان على أن أتناول وألتهم نص طن الدسم هذا على الأقل، حتى لا يصاب الداعى بالإحباط ، وتصور أننى قد أهنته برفض طعامه ..
ولقد بذلت قصارى جهدى ، حتى كادت معدتى أن تنفجر ، ثم شرب بعدها كوبا من مادة سوداء كالحبر .. عرفت فما بعد أنه الشاى ، ولكنهم يعدونه فى كنكة البن الصغيرة ، بمقادير مدهشة ، إذ يوضع فى الكنكة كيلو من الشاى ، مع كيلويين من السكر ، مع أضافة الماء والتقليب لمدة أسبوع أو أسبوعين..
وعندما يتحول إلى المزيج إلى شئ اشبه بالقار، يتم صبه فى أكواب صغيرة جدا، ..
معذرة .. يتم صبه فى كوب واحد ، أشربه أنا أولا (وهذه هى الحسنة الوحيدة فى الأمر )، ثم يصب فيه الشاى للاخرين ، طبقا لمنزلتهم الاجتماعية ..
وغادرت دوار العمدة، وقد أصبحت فجأه أشبه بالممثل الراحل (عبد الفتاح القصرى) ، بكرش ضخم أمامى ، وعينين أصابهما الحول، وعقل لم يعد يبحث سوى عن (نورماندى تو)..
وباغتنى (حجاج) بأنه هناك دعوة تنتظرنا على العشاء، فى منزل الحاج (على ) ، كبير العرب..
ولأنه من العار أن أرفض الدعوة ، أو حتى أعتذر طلباً لتأجيلها لموعد اخر، ذهبت إلى منزل الحاج (على )..
وكان الطعام مختلفاً تماماً، باعتبارها وجبة عشاء..
طن من اللحم الغارق فى الدسم ..
مع (الويكة) بالطبع ..
وتساءلت وأنا أجلس على المائدة فى أسى :
- ترى هل توجد وسيلة لو خرجنا إلى الوحدة بعد العشاء ؟!
ولكم أن تتصورا أن هذا الأمر قد تكرر ، على المنوال نفسه ، طوال سبعة أيام كاملة بلا توقف ، و ...
ترى هل رأى أحدكم مركبتى (نورماندى تو )؟!

ستة أشهر كاملة ، قضيتها فى الوحدة الصحية فى (أبو دياب شرق) ، بصحبة الدكتور (محمد) وبخله ، وتصرفاته الأنانية السخيفة ..
ستة أشهر ، وأنا أكل الويكة والملوخية يوميًا..
وفى ذات يوم فاض بى الكيل ، وقررت أن أقضى يومى الخميس والجمعة فى (قنا) ، حتى يمكننى تناول وجبة طبيعيه على ألأقل ..
وفى صباح الخميس ، ارتديت ثيابى ، وحملت حقيبة صغيرة ، وانتظرت أول سيارة أجرة قادمة على الطريق، وانطلقت بها إلى مدينة (قنا)، متصوراً أننى أنطلق من السجن إلى الحرية ..
وما أن وصلت (قنا) ، حتى أنطلقت أسير فى شوارعها ، كطائر غادر قفصه بعد حبس طويل ..
ولكن فجأة اكتشفت أن شوارع المدينة كلها قد انتهت ..
لقد قطعتها كلها خلال ساعة واحدة ..
ولكنى قلت لنفسى :
- لا تدع هذا يحبطك ..تمتع بوقتك ، مهما كانت المنغصات ..
وكأى سجين محروم، رحت أبحث عن أهم شئ فى الدنيا ، عن مطعم ..
وبسرعة لم أكن أتوقعها ، عثرت على مطعم بسيط أنيق، فوثبت إلى أقرب مائدة خالية (الواقع ان كل الموائد كانت خالية ) ، وطلبت قائمة الطعام ..
وبدهشة حقيقة ، سألنى الرجل:
- أى قائمة ؟!
حاولت توضيح الأمر أكثر ، وأنا اقول بابتسامة كبيرة :
- القائمة تلك الورقة الكبيرة ، التى تحوى كل ما لديكم من أصناف الطعام .
وهنا ابتسم الرجل بعد أن فهم ما أعنيه (أو هكذا خيل إلى) ، وقال:
- وما الحاجة إلى الورقة ؟! أنا ساخبرك مالدينا.
وشعرت بدهشة مع كلماته ، فكيف يمكن لشخص ما أن يحفظ قائمة طعام كاملة بهذه البساطة ؟!
ولكن هذه الدهشة زالت بسرعة ، عندما علمت أن ما لديهم ثلاثة أصناف فحسب ، بخلاف الأرز طبعا ..
فهناك البطاطس ..
ثم (الويكة) والملوخية ..
وبمنتهى الإحباط ، طلبت طبقاً من الأرز ، وآخر من البطاطس المطبوخة ..
لا داعى فالذكريات تؤلم أحياناً..

المهم أنى قضيت اليوم بطولة فى (قنا) على نحو أو آخر ، حتى أتى المساء ..
وعندما يأتى المساء ، لا يفكرالمرء إلا فى أمر واحد ..
النوم ..
وهنا بدأت رحلة البحث عن فندق ..
وكانت الصدمة الكبرى ..
كل غرف الفنادق مشغولة بالكامل، وكل سيارات الأجرة ، الذاهبة لأبو دياب شرق رحلت ..
وسقطت أنا بين المطرقة والسندان ..
وبمنتهى الذعر ، رحت أتساءل :كيف سأقضى ليلتى ؟!
وعلى أى رصيف؟!
ويبدو أن الذعر كان قد حفر خطوطه بمنتهى الوضوح على وجهى ، حتى إن موظف الاستقبال فى أحد الفنادق نظر إلى بإشفاق: قائلاً فى تردد :
- الواقع أنه توجد حجرة ، ولكن ..
صحت أقاطعه فى لهفه :
- لا يهم لكن ..أعطنى إياها ..
وكالغريق الذى يتعلق بقشة، رفضت أن أستمع إلى الرجل ، وطلبت منه إعطائى تلك الحجرة فوراً..
وحصلت على الحجرة ..
لست أدرى فى الواقع ما إذا كان من الإنصاف أن أطلق عليها اسم حجرة أم لا ، فهى مجرد شريحة صغيرة ، تحوى فراشاً يحتلها بالكامل ، حتى إنك تفتح بابها ، ثم تقفز فوقه مباشرة ..
وفوق ذلك الفراش ، يوجد حوض (وهذا يجعلنى اتسأل عن الطبيعة الحقيقية لتلك الحجرة ، وعما يمكن أن أجده ، لو نظرت تحت الفراش)..
وعندما رقدت على الفراش ، الذى هو فى الوقت ذاته مساحة الحجرة كلها ، كان الحوض فوق رأسى مباشرة ..
ولكنى على الرغم من هذا ، قلت لنفسى :
- ليلة وتمر..
إلا أنها أبت أن تمر ..
فكوع الحوض مثقوب ، والنافذة الصغيرة بلا قفل ، و .... ، و......
المهم أن الليله كانت أطول ليلة فى التاريخ ، ولم تكد الشمس تشرق، حتى كنت ألملم أشيائى ، وأغادر الفندق ، وأعدو نحو موقف سيارات (أبو دياب شرق) ، حاملاً لافتات بيضاء ، كتب عليها بكل حماس: "نموت نموت وتحيا (الويكة) والملوخية"..
وعندما وصلت إلى القرية ، فكرت جديًا فى الانحناء وتقبيل ترابها ، لولا ما لمحته فوق ذلك التراب من مخلفات حيوانات القرية الأعزاء ، مما جعلني أصرف النظر عن الفكرة كلها ، وأكتفى بتقبيل يدى وجهًا لظهر ، على عودتى سالمًا..
ولكن القدر كان يدخل لى مفاجأة سارة للغاية ..
لقد أنهى الدكتور(محمد) مدة تكليفة ، وقرر العودة إلى الإسكندرية ..
وكان هذا يعنى أن الجحيم سيغلق أبوابه أخيرًا ..
وأن الوقت حان لبدء عهد جديد ..
عهد تنتقل فيه السلطة ، وأصبح الطبيب الوحيد فى القرية ..
ويا له من عهد!


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:03 PM   #5

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الخامس

3- حجاج
أخيراً انزاحت الغمة ، ورحل الدكتور(محمد) عائداً إلى الأسكندرية ، وأصبحت أنا طبيب الوحدة الأول ، ومديرها..
ودعونى أعترف لكم (دون تعذيب أو إهانات ) ، بأن للمناصب بريقها، ففى مثل عمرى آنذاك ، الذى لم يبلغ الخامسة والعشرين بعد، كان من المبهر أن يحمل المرء لقب (البيه المدير) ، وأن يعامله الكل ، فى رواحه وغدوه بناء على اللقب والمنصب وبريقهما..
ولكن نظرة واحدة إلى لائحة العمل ، جعلتنى أصاب بهلع شديد ، وبعقدة دائمة من كلمة (المدير) هذه ، وربما حتى يومنا هذا ..
فطبقا لموقعى ، ونظراً لأنني الطبيب الوحيد ، فى دائرة نصف قطرها سبعة جبال ونصف ،كنت أتولى (رسميا) ، منصب مدير الوحدة الصحية ، ومدير الطب الوقائى، ومدير المعامل ، ومدير الصيدلية ، ومدير مكتب الصحة ، ومدير قسم الطب الشرعى ، ومدير المخازن ، ومدير المبيعات ، ومدير المشتريات ، و,......
ويسعدنى هنا أن أتقدم بالشكر لوزارة الصحة (العبقرية) ، لأنها كانت رحيمة بنا للغاية ، فلم تفرض علينا منصب الحانوتى، أو مدير التموين ، أو حتى حامل الكوز (شوف الذوق!)..
ومنذ اليوم الأول ، بدأ (حجاج) تحركاته..
و(حجاج) لمن نسى ،هو جلالة كاتب الوحدة ، بكل جبروته وهيمنته ، وسيطرته الكاملة على عقول أهل القرية ، من صغيرهم إلى كبيرهم ..
ففى اليوم ألأول للعمل، فوجئت بالسيد(حجاج) يحمل إلىّ كومة هائله من الأوراق والملفات والدفاتر ، وكلها تحتاج إلى توقيعى ، باعتبارى مدير كل شئ فى الوحدة الصحية ..
وكان الموقف مثيراً للشك بالتأكيد، وخاصة لو أخبرتكم ببعض أساليب التحايل ، التى يميل إليها حجاج ، ويهواها، ويعتبرها جزء من تكوينة وشخصيته ، وهواية لا تلذ الحياة بدونها ..
لذا ، فقد رفضت تماما ، التوقيع على أية ورقة ، قبل أن أقرأها وأدرسها جيداً، وأعلم السبب الذى منع صديقى وزميلى الحبيب العزيز السابق، بكل سخائه وكرمه الحاتمى ، من التوقيع عليها فى حياته .. احم أقصد فى أيام احتلاله للمنصب ..
ولم يرق هذا للسيد (حجاج) بالطبع مما جعله يقضى اليوم كله ، فى محاولة أقناعى بالتوقيع على كل الأوراق، مع وعد منه بشرح مضمونها فيما بعد وهو يحضر لى العيش والحلاوة فى سجن (قنا) العمومى ،عندما يصبح هناك الكثير من وقت الفراغ ، إثر الانتهاء نم الهواية اليومين لتكسير الأحجار فى الحبل ..
وكان على أحدنا أن ينهار ويعترف ، ويستسلم للاخر، ويقبل بوجهة نظره .. لو أنكم تعاملتم يوما مع (حجاج) ، لأدركتم أنه من الممتع أن يتسلى المرء بتكسير الأحجار ، على أن يضطر للاستماع إلى إلحاحه المستمر ، الذى يتوقف لحظة (باستثناء ساعات النوم، وال.... احم)..
ولكن العجيب أننى احتملت ، وواصلت إصراري ، وامتنعت عن الشراب والطعام والـ... حتى انهار (حجاج) واعترف بأنها أول مرة يخسر فيها حرب الغلاسة هذه ..
وأخذت الأوراق كلها لمراجعتها ، ورفضت إعادتها للبك الكاتب ، الذى أًصر على استعادتها ، مادمت أرفض التوقيع عليها ..
وكانت ليلة ليلاء ..
وعندما أشرق الصباح، أدركت بكل أسف ، أننى قد ظلمت المسكين (حجاج)..
إنهم يكن نصاباً محتالاً كما تصورت..
بل كان شيخ منصر(والمنصر هو العصابة الكبيرة )..
فكل ورقة قدمها لى ، كانت تحايلا، أو تزييفاً ، أو بيانات خاطئة ، أو – وهذا الأرجح- قراراً باستقالتى ، أو اعترافاً بقتل (مارلين مونرو) ، و(جون كينيدى) ، وحتى خط الصعيد..
وفى اليوم التالى ، واجهته بكل هذا ، وأنا انتظر منه أن ينهار مرة أخرى ، ويعترف اعترافا تفصلينا، ولكن به يهز رأسه فى لامبالاة ، ويؤكد ببساطة أنه لم ينتبه إلى هذه الأخطاء البسيطة غير المقصودة ، ثم أمسك الأوراق كلها ، ومزقها ، وعاد إلى مكتبه ، وكأن شيئا لم يكن ، وبراءة الذئاب فى عينيه ..

------------------------------------


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:04 PM   #6

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



وهذا ما كان من أمر السيد (حجاج) ..
أما أهل القرية ، فقد راحت شهامتهم وأخلاقياتهم الطيبة تظهر ، فور رحيل الدكتور(محمد)، واحتلالي منصبه ، ففى كل مجلس كانت الشتائم تنهال عليه من كل صوب ولا حديث للكل إلا عن نذالته وطمعه ، وبخله ..
ووجدت نفسى أنكمش فى مقعدى صامتاً، وأتابع أحاديثهم فى ذعر..
صحيح أنى أتفق معن فى تلك الصفات الحسنة ، التى أضفوها على الزميل العزيز ، إلا أن أسلوبهم هذا جعلنى أفقد الثقة بهم وبمشاعرهم ، خاصة وأن معظمهم كان كثير الثناء والمديح للدكتور (محمد) ، أيام عمله فى البلاد.
بل وكان أكثر المتحمسين لسبه ولعن أيامه ، هو الشخص نفسه ، الذى قدمه لى الدكتور (محمد) باعتباره أفضل وأقرب أصدقائه فى (أبو دياب شرق) كلها ..
وفى خيالى ،رحت أتصور نفس المجلس ، وقد تم استبدالى فيه بالطبيب، الذى سيأتى من بعدى ، والكل يصفنى بالنذاله والطمع والبخل، ويلعن أيام عملى السوداء ..
ومن هنا ، اتخذت قرار بعد السماح بالإساءة إلى سلفى قط، والتصدى لها بكل الحزم والذوق والإصرار، حتى يدرك الكل أنها ليست الوسيلة المثلى للتقرب إلى ، أو كسب ودى وصداقتى ..
والواقع أنه كان لدى سبب آخر خفى وخبيث ،لمنع الحديث عن الدكتور (محمد) ، إذ أنه مجرد ذكر اسمه كان يعيد إلى ذهنى ذكريات جميلة وممتعه ، تكفى لأن تهاجمنى كل كوابيس الدنيا ، عندما يأتى المساء..
وللسبب نفسه ، دعونا نتوقف عن الحديث عنه هنا .. وهناك ، وفى أى مكان فى العالم الحر، وغير الحر، والمحلى والمستورد، وحتى عالم المرأة ..
المهم أننى قد أصبحت مدير ال، ... والـ.... والـ...، وصرت المسئول عن كل شيء فى القرية ، وكل الزمام التابع لها ..
وكان هذا يضيف إلى عبئا جديداً، إذ أننى ، فى أيام العز، كنت أعمل لنصف الشهر فقط (على نحو غير رسمى) ،ويتولى زميلى النصف الآخر ، أما الآن وبعد أن صرت وحيدا منفردا ، كان من الطبيعى أن اعمل طوال الشهر، باستنثاء سته أيام كل شهرين ، وهى كل الإجازة المتاحة لبؤساء الأطباء أمثالي ، وخاصة أولئك الذين يقيمون ويعملون فى منتجعات جبلية فاخرة ، مثل (أبو دياب ريزورت)..
وفى يطء وحذر،رحت أستكشف حدود منصبى ، احم .. أقصد مناصبى الجديدة ، وأراجع ما درسناه عن الإجراءت والإداريات ، مادمت سأقضى فترة طويلة بصحبة الرجل الذئب .. أعنى السيد (حجاج)، الذى يحفظ كل هذا، بحكم خبراته الطويلة ، التى تزيد عن خمسة عشر عاماً معظمها فى الوحدة نفسها ..
ومع مرور الوقت ، أدرك الذئب هذا ، ولأنه يهوى اللعبة ويعشقها ، فقد راق له ما أفعله ، وانتعش لإصراري على القتال، وراح يسن أنيابه، وبيرز مخالبه ، استعدادا للجولة الأولى ، باعتبارى ، مهما فعلت ، تلميذا فى مدرسة الذئاب الابتدائية المشتركة ، التى يعتبر نفسه ناظرها ومديرها ، ووزير التربية والتعليم والاحتيال فيها أيضاَ..

------------------------------------


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:05 PM   #7

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



وكوسيلة لإثبات تفوقه وبراعته ، أبدى استياءه ذات يوم من الثلاجة القديمة من مسكنى ، وأخذ يقنعنى بطلب أخرى جديدة ، من الإدارة الصحية ، باعتبار أن هذا حقى كطبيب مقيم ، ، وراح لثلاثة أيام متوالية يتغزل فى الثلاجات الجديدة ، التى وصلت إلى مديريات الشئون الصحية بالمحافظة ، والتى تعمل بالكهرباء، والغاز، والبطارية ، وحتى بالفحم ، لو أقتضى الأمر..
وصدقته أنا (توقف عن الضحك.. أرجوك)..
وبكل حماس، أرسلت طلباً رسمياً للإدارة الصحية ، لتزويدنا بثلاجة جديدة ، وحمل (حجاج) الطلب بحماس أكثر إلى (قنا) ، وعاد ليؤكد لى أن كل شيء تمام، وأنه قد عاين الثلاجة الجديدة ، بنفسه ، ووجدها رائعة ، وأنه يمكننا أن نصنع بواسطتها كل ما لذ وطاب من الآيس كريم، بكل أنواعه المعروفة فى الصعيد، .. الذرة ـ والبطاطا، والطين ..
وانتظرت فى شغف وصول الثلاجة الجديدة ..
وانتظرت..
وانتظرت ..
وأخيرا، بعد أن فاض بى الكيل، سألت (حجاج) بك عن الثلاجة الجديدة ، التى تعمل بوسائل متعددة ، خاصة وأن الثلاجة القديمة قد صارت تعمل أيضا بوسائل متعددة ، فى الآونة الاخيرة ، فهى تعمل بصعوبة ، وبالعافية ، وبدعاء الوالدين ..
وهنا رأيت ابتسامة الذئب ، التى يتحدثون عنها فى الروايات ..
ابتسامة كبيرة ، واسعة ، ظافرة ، شامتة ..
وفى هدوء ، هبط (حجاج) إلى مكتبه ، وعاد حاملاً دفتر المخازن الضخم، وقدمه إلى ، قائلاً فى حزم :
- قم بعمل الجرد واتهمني بالاختلاس.
لم أفهم ما يقصده بالضبط ، فسألته فى حيرة وحذر:
- أفعل ماذا؟!
هز كتفيه ، اللذين يستند إليهما رأسه ، وهو يقول بابتسامه كبيرة :
- أنت مدير المخازن ، وأنا أمين المخازن ، ولقد تسلمت الثلاجة الجديدة بالفعل ، ونقلتها فورا إلى منزلى فى (الأقصر)، والمطلوب منك حتى تحمى نفسك ، وتخلى مسئوليتك ، أن تقوم بعمل جرد مفاجئ للمخازن، وتتهمنى رسميا باختلاس الثلاجة الجديدة .
ومما يثبت أننى كنت مجرد ذئب فى (k.g.1) ، فى مدرسة (حجاج) بك، هو أننى قد حدقت فى وجهه بدهشة كبيرة ، وأنا أهتف:
- ولماذا يا حجاج؟! أعد الثلاجة وسنتجاهل كل هذا .
فوجئت به يهتف فى سخرية ذئبية :
- أعيدها ؟!
ثم راح يقهقه ويقهقه ويقهقه ، حتى تصورت أنى مهراجا هندى ، لا ينقصنى سوى الفيل الأبيض، الذى يستبدلون به فى الصعيد العجل الأبيض،(لظروف بيئية خاصة )، قبل أن يقول بكل سخرية الذئاب :
- أنها ثلاجة رائعة ، لا مثيل لها فى الأسواق، وثمنها ، من الناحية الرسمية ، لا يزيد على الألف جنية ، وهذا يعنى أنه ـ طبقا للقانون- لا بد أن يقتصر أمر اختلاسها على جزاء إداري مع خصم الثمن من راتبى، والقانون لا يمنح الحكومة الحق فى خصم ما يزيد عن ربع المرتب ، مهما بلغت كمية الخصومات، وهذا يعنى اننى قد حصلت على ثلاجة فريدة ، يدون مقدم ، وبقسط شهري يساوى صفرًا، لأن ربع مرتبى يتم خصمه بالفعل ، بسبب أمور سابقة ، وأنا اعتبره نفقه الحكومة ، تأخده من راتبى ، وآخد أنا فى المقابل كل ما يحلو لى من مخازنها .
قلت ذاهلا:
- وماذا عن الجزاء الإداري ؟!
مال نحوى بلهجة مشفقة ، وبأسلوب أستاذ كبير ، يلقن تلميذة الصغير درساً جديداً:
- وماذا عنه ؟! أنا مجرد كاتب وحدة صحية ، فى قلب الجبل.. ما الذى يمكن أن يفعلوه بى ، أسوأ من هذا ؟!

------------------------------------


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:06 PM   #8

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



وتعلمت الدرس الأول على يد (حجاج)..
فبدون عقاب رادع، لا يمكنك أن منع ارتكاب الجرم ابدا..
وأن أكثر ما يغرى بمخالفة القانون ، هو القانون نفسه ، لو أنه لا يعاقب الخطأ على نحو كاف ومناسب..
درس ممتاز من ذئب مفترس ..
ولكنه لم يكن أفضل درس تعلمته، على يد(حجاج) ولا اخر درس..
فطوال اثنى عشر شهرًاً، عشتها كمدير للوحدة الصحية فى (أبو دياب شرق) ، تلقيت من صراعى مع (حجاج) عشرات الدروس، التى أفادتنى طول عمرى ، فى حياتى وعملى ..
ولعل أهم هذه الدروس هو ذلك الدرس، الذى تلقيته ذات ليله، بسبب كلب..
نعم ..كلب ..
فالوحدة الصحية ، التى أعمل بها ، كانت بخلاف كل الوحدات الأخرى مفتوحة على العالم الخارجي ، من قبل حتى أن يسمع العالم بالعولمة ، ولكن انفتاحها هذا كان لسبب مختلف تماما ،فقد كانت وحدة بلا سور يحيط بها ..
ولأنها كذلك ، كنا ننعم طول الوقت بصحبة كل أنواع الحيوانات المعروفة (وأحيانا غير المعروفة )، وعلى رأسها طبعا الكلاب والحمير، وعلى (البوهى).. وللأخير قصة عجيبة جدا، سأقصها عليكم فيما بعد..
المهم أنه من بين ضيوفنا (الحيوانات) ، كان هناك كلب نحيل أجرب يكرهه السيد (حجاج) بشدة ، دون أى سبب واضح أو مفهوم، ويبغض وجوده بغضاً لا مثيل له ، كما لو أنه كان ينازعه الرضاعة فى طفولته ..
وذات ليلة وبينما كنت أجلس فى حديقة الوحدة (وحديقة هنا لفظ مجازى تماما، إلا لو اعتبرنا النباتات العشوائية والشوكية زهورا يانعة) ، وفوجئت بالأخ (حجاج) يحضر الكثير من الطعام والشراب لذلك الكلب النحيل، ويطرد الكلاب الأخرى ، حتى لا تشاركه طعامه ، ويحميه منها طوال الوقت ..
ولأننى كنت قد انتقلت فقط الى (k.g.2) ، فقد ابتسمت فى ارتياح وسألته :
- هل أنبك ضميرك على كراهيتك السابقة لهذا الكلب المسكين ؟!
ابتسم فى سخرية ، وهو يجيب :
- بل أننى أبغضه أكثر من ذى قبل ألف مرة .
سألته فى دهشة :
- ولكنك تختصه بالطعام والشراب ، وتحميه من الكلاب الأخرى .
ضحك ضحكته الذئبية الشيطانية ، وكأنما يسعده أننى لم أفهم ، قبل أن يقول فى لهجة أخافتنى :
- إننى أفعل ذلك ، حتى تكرهه الكلاب الأخرى ، مثلما أكرهه أنا ، بحيث تهاجمه وتوسعه ضرباً، فور خروجه من هنا ، وهكذا ينعزل وينزوى ، ولا يجد الراحة فى أى مكان بالأرض ..
والواقع أن جوابه هذا قد أصابنى بالذعر والهلع ..
ألهذا الحد تبلغ طاقة الشر فى نفس أى مخلوق ؟!
أيمكن أن يبلغ البغض والكراهية هذا المقدار ، دون مبرر أو سبب معقول ؟!

------------------------------------


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:06 PM   #9

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



ولكننى وعيت الدرس..
لا تسع قط للتميز عن الآخرين ، دون كفاءة حقيقية ، وإلا نلت كل غضبهم وبغصهم وكراهيتهم ..
وإذا ما أردت أن تبث الكراهية والبغضاء فى نفوس الناس، تجاه شخص بعينه ، فيكفى أن تقربه إليك ، وتختصه بما تمنعه عنهم ، وتمنحه امتيازات فائقة دون مبرر ..
وبعدها اتركه لهم ..
ترى هل استوعبت الدرس بدورك ؟!
فى الاتجاهين ؟!
الغريب على الرغم من كل هذا ، أن علاقتى بـ (حجاج) لم تكن سيئة ، كما قد يتصور البعض ..
لقد كانت أشبه بالحرب الباردة ..
فمع كوننا الوحيدين اللذين يعيشان فى المكان، باستثناء الشغالتين (فهيمه ) و (رقية) ، كان من الطبيعى أن نقضى معظم وقتنا معاً.. نتحدث ، ونتسامر، ونتبادل الخواطر والأفكار..
وباستنثناء أوقات التحايل والخداع، كان (حجاج) صعيدياً شهماً ، كريماً، يولينى اهتماما كبيراً ، ويقلقه أمر راحتى وطعامى وشرابى، حتى إنني تصورت أن روح الذئب الرضيع فى أعماقى قد راقت له ، وقرر أن يتبنانى ، وأن يمنحنى خبراته الذئبية ، من الحضانة إلى الجامعة ..
والحديث عن (حجاج) هذا يحتاج إلى كتاب كامل ، إذ كانت شخصيته مركبة معقدة، يمتزج بها الذئب بالحمل ، فلا يمكنك أن تتبين أحدهما من الآخر، فى معظم الأحيان ..
وهو فى معظم الأحيان يسعى لتحقيق أكبر ربح ، ممكن ، دون أن يسبب سوى أدنى خسائر للآخرين (فيما عدا الخسائر المادية بالطبع)..
ومن أطرف ما كان يفعله (حجاج) ، عملية شهادات التسنين ..
ففى تلك الفترة ، من بداية الثمانيات ،كانت لعبة السفر إلى بلدان البترول فى أوجها ، وكل شخص فى (مصر) يسعى للسفر ، حتى إن حصل على عمل تافه وبسيط للغاية ..
وفى الصعيد، كان كل مخلوق يحلم بوظيفة عامل أجرى ، فى سلة النفط ، وحتى يمكنه تحقيق هذا الحلم العظيم، كان من الضرورى أن يسافر ..
ولقد فؤجى كل صعيدى بأن السفر يستلزم أجراء متعنتا، لم يستوعب أبدا سر إصرار الدولة عليه ..
أن يمتلك جواز سفر ..

------------------------------------


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 07:07 PM   #10

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,926
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



ومشكلة جواز السفر هو أنه يحتاج فى البداية إلى بطاقة شخصية ..
والبطاقة الشخصية تحتاج إلى شهادة ميلاد..
وشهادة الميلاد عند النجار، والنجار يريد منشار، والمنشار..
معذرة .. أقصد ـ باختصار- أنه لم يكن هناك أحد من الكبار يمتلك شهادة ميلاد رسمية ، فى الصعيد كله ..
لذا كان من الضروري أن يستخرج كل من يرغب فى السفر ، شهادة التسنين ، لتحديد عمره الافتراضي ، واستخراج شهادة ميلاد ، بناء على ذلك العمر الافتراضي ، مما يفسح الطريق أمام استخراج بطاقة شخصية ، وجواز سفر، وتذكرة طائرة إلى بلاد النفط ..
وكانت فرصة ذهبية للأخ حجاج ، الذى أوهم الكل أن استخراج شهادة التسنين هذه يحتاج – من الناحية الرسمية – إلى عامين كاملين ، وأشاع هذه المعلومة المخيفة فى القرية كلها ، ثم أضاف معلومة خفية ، تقول : إنه من الممكن اختصار هذه الفترة إلى ستة أشهر ، مقابل رشوة مقدارها مائتا جنيه ..
ولأن الكل يجهل كل شيء عن حقيقة الأمر ، فقد تهافت الكل على الشيخ (حجاج) ، وكل منهم يدفع الرشوة المطلوبة ، لاستخراج شهادة التسنين هذه ، فى ستة أشهر فحسب ..
المدهش والمضحك فى هذا الأمر ، هو أن الحد الأقصى – رسمياً – لاستخراج شهادة التسنين هذه ، كان ستة أشهر بالتمام والكمال..
وهذا يعنى أن الأخ (حجاج) كان يتقاضى مبالغ الرشوة ، يدسها فى جيبه ، ثم يترك الأوراق لتأخذ مجراها ودورها الرسمى ، دون أن يبذل أدنى جهد.. ورزق الهبل..
وعلى الجانب الآخر من شخصيته ، فوجئنا ذات يوم بالشرطة تجرى تحريات مكثفة فى القرية ، ولأنها سرية جداً، فقد عرفنا أن وريث أحد أبناء (أبو دياب شرق) ، والذى يقيم منذ سنوات طوال فى (القاهرة)، قد استخرج شهادة وفاة عمه ، واتهم أبناء عمه بتزويرها ، باعتبار أن العم توفى منذ سنوات طويلة ، وليس منذ عامين فقط ، كما تقول الشهادة المزورة ، ثم دلل بأن هناك شهادة وفاة أخرى للعم ، مستخرجه من سجل مدنى (البدرشين)، منذ عشرة أعوام ..
ومع معرفة الخبر، بدا (حجاج) متوترا عصبياً، حتى إننى سألته عما إذا كان هو الذى استخرج شهادة الوفاة المزورة ، فاعترف لى بصحة ظنونى ، ولكنه أكد أنه لا يحمل أيه مسئولية قانونية ، حيث أن الدكتور (أحمد)، طبيب الوحدة فى ذلك الحين ، يعد من الناحية القانونية المسئول رقم واحد، لأنه من المفترض أنه قد فحص الجثة وحدد سبب الوفاة ، قبل أن يضع توقيعه على الشهادة ..
ولمن لا يعلم ، فهذا لا يحدث فى معظم قرى الصعيد ، أو لم يكن يحدث ، أيام كنت أنا هناك ..
فالناس فى قرى الصعيد لا تعترف كثيراً بالرسميات لذا فما أن يتوفى أحدهم ، حتى يقوموا بدفنه ، ويقيموا العزاء (لو لم يكن ضحية عملية ثأر)، ثم يأتون بعد أسبوع أو أسبوعين لاستخراج شهادة الوفاة ، كأن بطاقة تموين ، يمكن أستخراجها فى أى وقت ..
ولأنه من المستحيل تغير العادات الموروثة ، وخصوصا فى منطقة شديدة التحضر كهذه ، كان لابد أن يتكيف الأطباء مع هذه العادة غير الطبيعية ، لذا فكلنا كنا نعتمد على التحريات ، بدلا من الكشف الطبى ، فنسأل ونفتش ونتقصى ، حتى نعرف أسباب الوفاة المتفرضة ، ثم نستخرج الشهادة بعدها ..
وهذا بالطبع أجراء غير قانونى ، وحتى غير منطقى ، ويفتح الباب على مصراعيه للخداع ، والتمويه ، وحتى للجريمة والقتل ، ولكن الكل مضطر للسير فى هذا الأمر ، حتى يمكن تغيير عقول الأخوة الصعايدة ، أبناء قرى الوجة القبلى ..
ولهذه الأسباب ، تورط الطبيب السابق الدكتور (أحمد) ، الذى لم التق به قط ، فى شهادة الوفاة المزورة هذه ، وصار من المحتمل أن يتورط فى جناية تزوير محرر وفاة أيضاً، وهى تهمه كفيلة بتدمير مستقبلة تماماً..
لولا أن اختفى (حجاج) فجأة ..
اختفى لثمان وأربعين ساعة فحسب ، ثم عاد مبتسماً، متورداً، رافع الرأس (بمعنى أن درجة ميل رأسه على كتفه أصبحت أقل) ، وحضر إلى مسكنى ، قائلا فى ظفر :
- المشكلة انتهت .

------------------------------------


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.