الأول من أغسطس ج 2

[MooNy87]

3
دلفت دون أن يأذن لي أحد ، لأجد أن الرجل ، الذي دلف منذ قليل ، يمسك مسدسا ، ويصوبه ناحية الأستاذ (أيمن) مهددًا .. أما عن الأستاذ فكان يقف أمام مقعده الوثير رافعا كلتا يديه ، وأخذ يتمتم بكلمات على غرار .. (صدقني .. ما تفعله خطر .. لم يكن ذنبي ..)
ما إن رآني حتى نظر لي نظرة ذات معنى ، فهمتها على الفور .
كان الرجل صوته مرتفعا ، ولازال منهمكا فيما يفعله من تهديد .
لذا أمسكت بأقرب مزهرية كانت مستقرة على إحدى المناضد القريبة من الباب ، وبتؤدة شديدة دنوت منه من الخلف و ..
بووووووووووووم .. دششششششششششش .. وخلفهم طااااااااااااااااااااخ !
دوى صوت تحطيمها على رأس الرجل ، فهوى على الأرض بلا حراك فاقدا الوعي
وسقط عنه المسدس ، بعد أن خرجت منه طلقة اقلعت مباشرة من فوهة المسدس إلى صدر الأستاذ (أيمن) بدقة متناهية ، فتهاوى بدوره على الأرض بلا حراك .
***

[MooNy87]

هنا دلف عم (مدبولي) إلى الغرفة فوجدني أقف متصلبا بلا حراك ..
أخذ يرمق الجسدين ، ثم أضاف متسائلا :
ـ ما الذي حدث ؟
قالها فلم أجبه فقط اعترتني دهشة ، وصموت وفقدت القدرة على الحراك ، والحديث .
أعاد السؤال مرة أخرى ، فأضفت بتؤدة :
ـ هو من قتله .
قلتها وأضفت :
ـ صدقني لم أفعل شيئا .
ـ حسنا يجب أن نواري جثثهم .
وقبل أن أخبره معلومة هامة وهي أن هناك جثة واحدة ، أمسك بالمسدس ، وافرغ منه رصاصتين في صدر الرجل الذي يرتدي المعطف ، وقد وقفت أنا مبلبل الأفكار مشدوها ، ثم أضاف :
ـ هكذا صارتا جثتين .. هذا لأنه الشاهد الوحيد ضدك .
صرخت قائلا :
ـ لم أفعل شيئا ، هو من فعل .. أنت مجنون حتما .
قلتها وهممت في التحرك من سباتي لولا أن أضاف بخبث :
ـ أنت من فعل ، وأنا شاهد !
ـ بل أنت من فعل .
قالها وهو يصوب المسدس نحو رأسي مباشرة ..
***

[MooNy87]

لم أدر ماذا أفعل ، لذا أضفت :
ـ مالذي تريدني أن أفعله ؟
أراح يديه ، وأضاف :
ـ تحمل معي هذه الجثث لنواريها ، و .
هنا قاطعته بأن أمسكت معصمه ، الذي يحمل المسدس به ، وحاولت أن استخلصه منه ، معركة بسيطة لم تستمر طويلا ، وتوقفت فور أن دوى صوت الـ طاااااااااااااخ ! مرة أخرى ، لكن هذه المرة كانت في أمعاء (مدبولي) المجنون !
***
جثوت على ركبتي مشدوها لثوان ..
ثم نهضت بتثاقل ، ومترنحا أخذت بعضي وخرجت من غرفة المكتب ، وأغلقتها خلفي ، ثم خرجت من الشقة بأكملها ، ثم من البناية بدورها دون أن يراني أي أحد .
***

[MooNy87]

4
في البيت جلست أرتعد تحت الملاءة مسترجعا كل ما حدث ..
سألني أبي كثيرًا أن ماذا دهاني ، لكنني كنت أخرج من هذه ببضع جمل أغلبها أنني مرهق وربما قد لحق بي مرض ..
يأتي الصباح فأدخل إلى صفحة الانترنت باحثا في كل الجرائد والأخبار عن جريمة قتل بالجملة قد حدثت في وسط المدينة بذات الكيفية ، لكنني لم أجد .
قل طعامي ، بعد أن فقدت شهيتي تماما ، أصبحت لا أغادر غرفتي وجهازي الشخصي قط .
أجلس طوال الليل والنهار أبحث حتى أجد ما أريد ، لكنني لا أجد .
بالطبع كانت الكوابيس تزورني يوميا ..
الشرطة قد أخذت خبر ، وذهبوا بعد أن طلبهم أحدهم بعد أن تسربت إليه رائحة الجثث النتنة .. الشرطة تذهب يقتحمون الشقة يبعثرون الأثاث ، يبحثون عن الخيط ، يتعرفون على الجثث الثلاث ، يبلغهم حارس البناية بأنني من فعل ، لأنه رآني من ظهري ، وقد هرولت خارجا من البناية بعد أن فعلت فعلتي .
يرن جرس المنبه ليوقظني ، ويخبرني أنني كنت للمرة المائة أحلم ، وأن شيئا لم يحدث
باختصار شديد صارت حياتي سوداء تماما .
بعد أسبوع تقريبا دخلت على مواقع الانترنت لأجد ذلك الإعلان ..
مكتب محاماة كبير بوسط البلد يطلب محام حديث التخرج !
العنوان ( ..............)
ذات العنوان تقريبا إن لم يكن هو !
عندئذ قررت أن أخرج من مخبئي ، وقررت أن أذهب إلى البناية .
***

[MooNy87]

يقولون أن المجرم يحوم حول جريمته ، بالفعل أنا مجرم وأحوم الآن حول موقع جريمتي .
توقفت على مسافة تتيح لي أن أنظر إلى داخل البناية وأرى ما يدور بها .
وجدت أن الهدوء يعم المكان تماما ، لا أثر لأي جريمة قتل قد تمت .. ربما لم يكتشفوا الأمر إلى الآن ؟ .. هكذا قلت وخمنت ، إلا أنني قررت أن أخاطر وأقترب أكثر ، لكن بعد أن تأكدت من مغادرة حارس البناية مكانه .
وهكذا بضع خطوات واسعة ، ثم ركضا دلفت ، وأخذت أنهب الدرج نهبا إلى الطابق الرابع حيث الشقة التي يقبع بها المكتب .
توقفت أمام الباب ، للحظات التقطت فيها أنفاسي .. عندئذ تناهى إلى مسامعي بعض الأصوات الآتية من الداخل !
دنوت أكثر وأصغت السمع .. من هؤلاء ؟
هكذا سألت نفسي في غرابة .. فلم أتبين شيئا .. لذا لم أتردد لحظة واحدة ودققت الجرس ووقفت أنتظر!!
***

[MooNy87]

بعد لحظات من الترقب والحذر والخوف وأشياء كثيرة اختلطت ببعضها البعض تم فتح الباب .. وخلفه كان عم (مدبولي) بهيئته واقفا على قدميه ، والشيء الأهم أنه لا يملك ثقوبا في بطنه !
بالطبع لم أتمالك أعصابي ولا قدماي من هول الصدمة ..
قاطع هو كل هذا وأضاف في تؤدة واستغراب كأنه لم يعرفني ولم يقابلني بالمرة :
ـ أهلا وسهلا .. كيف أساعدك ؟ .. ثم .. تفضل .
كدت أن أمسك بتلابيبه ، وأخبره بما قد حدث .. لولا أنني فكرت في أمرين الأول هو أن كل ما مررت به كان حلما ، وهذا بالطبع مستحيل ، الأمر الثاني هو أنني مخبول لا محالة ، أو أن هناك أمرا ما لا أفقهه ..
لذا آثرت الصمت ، وأضفت في تؤدة :
ـ أريد أن أقابل الأستاذ أ .. (أيمن) .
قلتها والرجل يقتادني إلى الداخل .. فدلفت معه بحذر رامقا إياه ورامقا نظراته
***

[MooNy87]

بضع لحظات مرت علي وأنا جالسا على مقاعد الانتظار أنظر فيها إلى نتيجة الحائط التي تعلن عن أن اليوم هو الأول من أغسطس ، ثم برز لي عم (مدبولي) ليخبرني أن الأستاذ ينتظرني في مكتبه ..
وهكذا اقتادني إلى الداخل .. فنهضت لأسير في طرقة طويلة ، عابرا عدة مكاتب مغلقة ، وإضاءتها كذلك مغلقة .
نظرت إلى عم (مدبولي) ، الذي فهم ما أرنو إليه ، فأضاف :
ـ أنت أول محام يلتحق بالمكتب هنا ..!
لم أستطع أن أرد عليه ، لأننا كنا قد وصلنا إلى غرفة المستشار ، ودق هو الباب ..
عندئذ تناهى إلى مسامعي صوت وقور ، أجش ، يقول :
ـ تفضلا ..
وبالفعل تفضلنا ..
***

[MooNy87]

بالداخل كان المستشار (أيمن) يجلس على مقعده بكامل هيئته لا يشوبه شائبة .. كما رأيته أول مرة ، ويقلب في عدة أوراق ، ثم انتبه إلينا ، ليقول لعم (مدبولي) :
ـ اذهب أنت يا عم (مدبولي) ، وأحضر للأستاذ ما يطلبه ..
وقفت متصلبا أسترجع شريط الأحداث .. فهذا كله قد حدث من قبل !!!
ما الذي يحدث ؟!!!
هل هذه ظاهرة (الديجافو) كما يقولون ؟، أم أنني جننت أم أن هؤلاء موتى أحياء ؟! أم .. أم ؟؟
هكذا تكدست في رأسي الأسئلة ولا أملك إجابة واحدة .
بعد لحظات دلف عم (مدبولي) ، ليقتادني إلى مكتبي الجديد !
سألت عم (مدبولي) في حذر إن كنت قد قابلته من قبل أم لا ، فأجابني بابتسامة هادئة أن رأسه قد صارت كالأنبوب وأنه صار لا يتذكر ، وأن سنه لم يعد كما كان ، و .. شكرا يا عم (مدبولي) .
جلست على المكتب أفكر ..
لابد من تفسير .. لابد من وجود تفسير .
أستعيد الأحداث وأتذكرها ثم أفكر في تفسير لما يحدث وما حدث .
حتى تناهى إلى مسامعي صوت المشاجرة إياها !
لا مفر .. أنا أعيش الموقف مرة أخرى بكل تفاصيله !!
دلفت إلى غرفة المكتب دون إذن ، لأجد أن الرجل إياه يقف .. يمسك بمسدس .. يهدد الأستاذ (أيمن) .. الأستاذ (أيمن) يقف يرفع كلتا يديه !!
وقفت للحظة صامتا مشدوها أفكر في تفسير ، لكن الأستاذ (أيمن) لم يتح لي أي فرصة ، فقط رمقني بتلك النظرة التي تحمل المعنى ذاته ، فلم أدر إلا وأنا أحمل المزهرية و ... بوووووووووووووم !
ومرة أخرى تلاحقت الأحداث ، وطاااااااااااااخ !!
رصاصة في أحشاء الرجل من عم (مدبولي) ، ثم طاااااااااااااااخ !
رصاصة مني إلى أمعاء عم (مدبولي) ، ثم أخذت بعضي وهرعت إلى أسفل ، ثم تنفست الصعداء في منزلي .
***

[MooNy87]

بعد منتصف الليل ولم أنم بعد ..
جلست إلى جهاز الحاسب الآلي ، وكتبت في محرك البحث ( ظاهرة ديجافو ) .
وانتظرت قليلا حتى ظهر لي عدة خيارات اخترت إحداها أو لنقل أولها ..
وبدأت في القراءة :
التفسير العلمي الأكثر دقة لهذه الظاهرة ربما يرجع إلى شذوذ الذاكرة حينما تعطي مشاعر خاطئة تقول للمخ بأننا عشنا هذا الموقف من قبل لكننا لا نستطيع تذكر تفاصيل الموقف !
كلام ليس صحيح بالمرة .. فأنا أعيش الموقف كاملا وأعرف تفصيلا ما الذي سيحدث !
أكمل :
(ديجافو) هي الشعور الذي يشعر به الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحاضر من قبل . يلازم هذه الظاهرة شعور بالمعرفة المسبقة وشعور بـ"الرهبة" و"الغرابة" أو ما سماه عالم النفس (فرويد) بـ"الأمر الخارق للطبيعة" .
كلام منطقي من الممكن أن يكون حقيقة ، لكن .
هنا هبطت بعيني إلى التاريخ الموجود بركن الشاشة لدي ، فوجدته اليوم الأول في هذا الشهر الجديد.. شهر أغسطس !
هنا هبط علي التفسير كالصاعقة ..
فقط بقى لي أن أصرخ (وجدتها) .. لكن علي أن أنتظر حتى الصباح .
***

[MooNy87]