رواية منظف الجرائم _ محمد رضا عبد الله

[MooNy87]

مــنظـف الـجـرائـم
****************

بدأ التحقيق معى قائلا :
ـ فُتح المحضر اليوم 25 / 5 / 2053 الساعة 11.30م من سراى النيابة .. س : ما هو اسمك وسنك وعملك ومحل إقامتك ؟
ـ ج : (شهاب على عثمان أسامه جوده) .. واسم الشهرة (شهاب جوده) .. واحد وأربعين سنة .. المهنة : منظف جرائم .
***

[MooNy87]

يا لها من ليلة !
عندما خرجت للعمل فى تلك الليلة المشئومة .. لم أكن أتخيل كم المفاجآت التى كانت تنتظرنى والتى غيرت حياتى للأبد !!
كنت جالسا مع ابنى (سمير) ذو التسع أعوام .. أشاهد فيلما أجنبيا على شاشة التليفزيون المجسم .. أما الصغير فكان مشغولًا بهاتفى المحمول يلعب عليه لعبة ثلاثية الأبعاد .
وفجأة ..
انطلق الصفير المميز من جيبى .. فقال (سمير) بضيق :
ـ العمل .. مرة أخرى .
إنه يعرف هذا الصوت جيدا ويستطيع تمييزه .. إنه جرس استدعاء لمهمة جديدة تخص العمل .. (ماهو عملك يا أبى ؟) لقد سألنى الطفل مرارًا هذا السؤال .. وفى كل مرة كنت أجيبه إجابة مختلفة .. الأطفال غالبًا لا يفهمون مهن آبائهم أو ينسونها .. أما ابنتى (سلمى) ـ التى تبلغ العشرين من عمرها ـ عندما كانت تسألنى نفس السؤال فكنت أجيبها بأننى ممرض فى احدى المستشفيات ولهذا يأتينى الاستدعاء فى أوقات كثيرة .. ولهذا أيضا لا يمكن أن أتأخر عن عملى لحظة .. وأذهب إليه بمجرد سماعى جرس الاستدعاء .
سألت صغيرى :
ـ أين أختك الآن ؟
ـ فى المطبخ .
قلت بلهجة آمرة :
ـ حسنا .. اذهب إلى غرفتك الآن ونم مبكرًا .. لا تضايق أختك واسمع كلامها .
ـ حاضر .
أطاع (سمير) أوامرى .. قلت بصوت واضح حتى تتلقاه السماعات جيدا :
ـ أغلق التليفزيون .
تمت الاستجابة وانطفأت الشاشة الكبيرة فور سماعها الأمر .. قلت :
ـ جيد .. لم يعطلنى هذه المرة .
وتذكرت المرة التى أصبت فيها بنزلة برد قوية جعلت صوتى يخرج متحشرجا فلم تستطع الآلات فهم أوامرى الصوتية فكنت أضطر لغلقها يدويا .
اتجهت إلى المطبخ .. وجدت ابنتى منهمكة فى غسيل الأطباق .. سألتها متعجبا :
ـ لماذا لا تستخدمى غسالة الأطباق يا (سلمى) ؟
التفتت لى قائلة :
ـ أحب الغسيل اليدوى .. أعتبرها رياضة .. أو عادة ورثتها عن أمى .. الله يرحمها .
نظرت إلى يديها المغطاة برغاوى الصابون وقلت :
ـ ولكنى أريدك أن تحافظى على يديك ولا ترهقى نفسك .
ابتسمت ابتسامة صافية جميلة وقالت :
ـ لا تقلق يا أبى .
ـ حسنًا .. أنا خارج للعمل .. هل تحتاجين شيئا ؟
قطبت حاجبيها غاضبة وقالت :
ـ ولكنى كنت سأعد لك المشروب الذى تحبه .
وأشارت إلى الموقد الإلكترونى .. فقلت لها :
ـ سأشربه عندما أعود .. لابد أن أخرج فورًا .
ابتسمت الفتاة وقالت :
ـ حسنًا .. سأنتظرك حتى تعود .
ـ لا .. سأتأخر .
ظهر الضيق على وجه ابنتى الحبيبة وأطفأت الموقد بالريموت كنترول .. قلت لها بلهجة أبوية حازمة :
ـ أخيكِ فى غرفته .. انتبهى له .. لا تفتحوا الباب لأى أحد .. إذا شعرت بأى خطر اطلقى جرس الإنذار البدائى واتصلى بى .. لا تستخدمى جرس الإنذار المتطور إلا فى حالة ..
قاطعتنى .. قائلة :
ـ (.. إلا فى حالة الضرورة القصوى) .. أنا أعرف ما ستقوله .. هذه ليست أول مرة .. اذهب لعملك يا أبى .. هناك مريض يعانى الآن ويحتاج مساعدتك .. لا تتأخر عليه .
***

[MooNy87]

مازال التحقيق معى مستمرا ..
ـ س : ما معنى (منظف جرائم) ؟
أجبت السؤال قائلا :
ـ إن المجرم بعدما يرتكب جريمته يتصل بى .. أذهب بسرعة إليه لأقوم بتنظيف المكان ومسح أى بصمات .. لا أترك أى شىء يدل على وجوده أو وجود القتيل .. حسب رغبة العميل .. فلو أن مسرح الجريمة مكان يخصه أكتفى بالتخلص من الجثة ومسح آثار الجريمة .. لو أن المكان يخص القتيل أمسح بصمات القاتل وأترك الجثة كما هى .. أو أتخلص منها .. حسب رغبة العميل أيضا .
ـ س : هل تستطيع التفريق بين بصمات القاتل وبصمات القتيل ؟
ـ لا طبعا .. لكن القاتل يحدد لى الأماكن التى دخلها أو الأشياء التى أمسكها أو لمسها وبالتالى أقوم بمسح البصمات منها بما فيها بصماته وأترك الباقى الذى لا يهم .
ـ س : لقد اعترفت أن عملك لم يكن إخفاء أدلة فقط .. ولكن إخفاء جثث أيضا .
ـ نعم .. ولكنى لم أقتل أو أسرق أو أغتصب أو أرتكب أى جريمة .. أنا فقط أنظف .
ـ التنظيف هنا جريمة .. لأنك تخفى أدلة وتضلل العدالة .
***

[MooNy87]

خرجت من المطبخ بعد أن ودعت ابنتى .. ثم خرجت مسرعًا من المنزل وركبت سيارتى ثم ارتديت القناع .. قناع عادى لوجه رجل آخر .. حتى لا يتعرفنى أحد أثناء العمل .
أخرجت هاتفى الخاص بالعمل من جيب بنطلونى وطلبت آخر رقم اتصل بى :
ـ آلو .. أرجوك انقذنى .. أريد التخلص من هذه الجثة .
ـ أين ؟
سؤال مقتضب عن مسرح الجريمة .. أجابنى الطرف الآخر قائلا :
ـ مساكن الشباب .. الشارع التاسع .. برج السعادة الدور الثامن شقة 8 ب .
أنهيت المكالمة وقلت بصوت واضح :
ـ مساكن الشباب .. الشارع التاسع .
ظهرت أمامى خريطة الكترونية على شاشة صغيرة بجوار عجلة القيادة .. عليها نقطة حمراء تبين الهدف .. ونقطة خضراء تبين مكان السيارة الحالى .. ثم صدر صوت أنثوى إلكترونى ناعم من السماعات بداخل السيارة يقول :
ـ بالسرعة العادية .. سوف تصل خلال ثلاث أيام .
ضحكت بقوة قائلا :
ـ وأنا لن أستخدم السرعة العادية أبدا .. ولن أستخدم الطريق الطويل .
ثم أدرت محرك السيارة وانطلقت بها ثم قمت بتزويد السرعة تدريجيا .. فانطلق الصوت الالكترونى مرة أخرى يقول :
ـ بالسرعة الحالية سوف تصل خلال يومين .. بالسرعة الحالية سوف تصل خلال يوم .. بالسرعة الحا .. بالسرعة .. بالسـ .. بالسرعة الحالية سوف تصل خلال ثلاث ساعات .. بالسرعـ .. بالسر .. بالـ .. بالسرعة الحالية سوف تصل خلال عشر دقائق .
صحت :
ـ عشر دقائق ! .. هذا هو الكلام !
وراح الصوت الإلكترونى يكمل قائلا :
ـ .. خلال سبع دقائق إذا اتبعت هذا الطريق المختصر بحيث يكون خاليا .
***

[MooNy87]

عند وصولى للمكان المحدد .. انطلق الصوت الإلكترونى يقول :
ـ لقد وصلت .. حمد لله على السلامة .
ضحكت وقلت مازحا :
ـ الله يسلمك يا أوختشى .
ثم انطلقت بكل نشاط وحيوية إلى برج السعادة وصعدت إلى الدور الثامن شقة 8 ب .. وأمام باب الشقة اتصلت على العميل وقلت :
ـ أنا أمام الشقة الآن .
استقبلنى رجل فى الخمسين من عمره .. أدخلنى على الفور ثم أغلق الباب بسرعة .. كان فى حالة سيئة .. جلس على أقرب مقعد وراح يبكى .. سألته بطريقة مباشرة :
ـ أين الجثة ؟
لم يجبنى العميل .. واستمر فى بكائه .. لم أدرى ماذا أفعل .. هل أجلس لأواسيه ؟ .. بالتأكيد لا .. فأنا لا أجيد هذه الأمور .. حتى وإن كنت أجيدها فهذا ليس وقتها بالتأكيد .. ما يهمنى الآن هو أن أنهى عملى بسرعة وأعود إلى منزلى الحبيب .. هل أفتش المنزل بحثا على الجثة طالما أنه لا يستطيع الإجابة الآن ؟ .. انتظرت لدقيقة ثم قلت :
ـ لا داعى للبكاء .. كلنا نخطىء .. البكاء لن يفيدنا شيئا .. هذا وقت لا ينفع فيه الندم .
كنت أود أن أضيف (التنظيف هو الحل .. هذا هو وقت التنظيف .. وليس الندم) .. لكن رأيت العميل يمسح دموعه بيده ويقول :
ـ أنا لست نادما .. أنا أبكى لأنى لا أستطيع التخلص من الجثة .
ربت على كتفه قائلا :
ـ ولهذا أنا هنا .. اطمئن .. سأقوم بكل شىء .. هل تريدنى أن أمسح البصمات ؟
نهض العميل من مقعده وقال :
ـ لا .. لا .. فأنا أملك هذا المكان .
كان العميل يرتدى حلة رسمية كأنه عائد من حفلة .. لكن على ملابسه بعض الغبار والأتربة كأن الحفلة التى كان بها أقيمت فى قصر مهجور أو فى المقابر !
قلت وأنا أضع حقيبتى على الأرض :
ـ ما هو المطلوب منى إذن ؟ التخلص من الجثة فقط ؟
قال العميل وهو يرمق بعينيه احدى الغرف :
ـ نعم .
خمنت أن الجثة فى الغرفة التى ينظر لها العميل .. ومع ذلك سألته للتأكد :
ـ أين هى ؟
قال العميل بغموض وهو يشير إلى الغرفة :
ـ فى مكانها .. المعتاد .
وضغط على حروف الكلمة الأخيرة .. (المعتاد) .
المعتاد ! كيف ؟ ما الذى يعنيه ؟
لاحظ العميل ترددى فى دخول الغرفة .. فسألنى :
ـ لماذا تقف هكذا ؟ قم بعملك .
ـ أنا أحصل على أجرى مقدما .
ـ حسنًا .. سأعطيك ما تريد .. المهم أن تخلصنى من هذه الجثة .
أخبرته بتكلفة العملية فأعطانى المبلغ كاملا وقال :
ـ ابدأ فورا .
دخلت الغرفة التى بها الجثة .. رأيت العميل ينفض ملابسه بيديه .. سألته :
ـ ما كل هذا ؟ هل كنت عند المقابر ؟
حدجنى العميل بنظرة غامضة مريبة .. ثم أجاب :
ـ نعم .
شعرت فى اللحظة التالية بالندم لأنى سألت هذا السؤال .. لأن إجابته تعنى أن هذا الرجل قد قتل ودفن من قبل فلماذا يحتاج إلىّ إذن ؟ .. هل سيقتلنى ؟ هل هو قاتل متسلسل تخصص فى قتل منظفى الجرائم ؟ أم يقتل أى شخص يقابله ؟
بحثت عن أداة أدافع بها عن نفسى إذا هاجمنى العميل الآن .. تفحصت محتويات حقيبتى التى أحفظ ما بداخلها عن ظهر قلب ..
ظهر الضيق على وجه العميل وقال لى :
ـ كف عن طرح الأسئلة وخلصنى من هذه الجثة .. إن كنت تستطيع .
قلت بلهجة واثقة :
ـ نعم أستطيع .
قال بغموض :
ـ أتمنى ذلك .
ـ لا تقلق .. لقد تخلصت من جثث كثيرة من قبل .. هل كنت تعتقد أن مهنتى تقتصر على التنظيف فقط ؟
قال العميل بلهجة أكثر غموضا :
ـ هذه الجثة تختلف تماما عن أى جثة تعاملت معها من قبل .
نظرت إلى الجثة .. لا أجد بها أى شىء مريب .. جثة عادية لرجل فى الأربعين .. تظهر بقعة دماء كبيرة عند بطنه .. أول استنتاج هو أنه مات نتيجة طعنات متعددة فى البطن .. قلت :
ـ جثة عادية ! لا أجد أى شىء مريب بها .
ابتسم العميل ابتسامة ساخرة حزينة مريرة وقال :
ـ هذا ما تظنه !
سألته فى حيرة :
ـ ما الأمر بالضبط ؟
أخرج العميل علبة سجائره من جيبه وراح يدخن واحدة .. ثم قال :
ـ هذه الجثة ملعونة .. لا يمكن التخلص منها أبدا .. لقد دفنتها مرات كثيرة من قبل .. وفى كل مرة تعود إلى نفس المكان .. مكانها المعتاد .
***

[MooNy87]

قلت وأنا لا أصدق ما سمعته :
ـ ملعونة ! تعود إلى مكانها ! .. كيف هذا ؟! .. هل تعنى أنها تعود للحياة وتخرج من قبرها وتسير حتى هنا أم تستقل سيارة أجرة ثم تعود لتنام فى مكانها وتموت مجددا ؟
قال العميل وهو ينفث دخان سجائره :
ـ لا أعلم كيف تعود إلى هنا ! .. ولكن فى كل مرة كنت أعود فيها بعد دفنها أجدها هنا فى انتظارى .. فى نفس المكان .. إن هذه الجثة ملعونة كما أخبرتك .. لا تريد أن تُدفن .. أو ربما هناك لعنة تجعل الجثة تعود إلى مكانها .
وأشار العميل إلى المكان الذى أجلس فيه وأنا أحدق فى الجثة التى أمامى بنظرات شك .. ثم قلت :
ـ هل تمزح معى ؟!
قال العميل وهو يضحك ضحكة مبتورة :
ـ ليت الأمر كذلك ! .. ليتها كانت مجرد مزحة نضحك عليها سويًا وتنتهى .
صمت لبرهة ثم تابع قائلًا بجدية :
ـ ولكنها الحقيقة المخيفة .
قلت وعقلى لا يستطيع قبول ما أسمعه حتى وإن بدت لهجة الرجل صادقة :
ـ ربما أنت لم تدفنها من الأساس .
قال العميل متعجبا :
ـ كيف ؟!
كنت أملك الإجابة على هذا السؤال ولكنى خشيت أن أنطقها .. كنت أريد أن أقول له (ربما كنت تحلم بأنك دفنتها ولكنك لم تدفنها) .. شعرت أن هذه الإجابة ستكون سخيفة فلم أقلها له .. وكانت لدى إجابة أخرى (ربما كنت تهلوس تحت تأثير مخدر ما .. فتخيلت أنك دفنتها) .. لم أقل هذه الإجابة أيضًا خشية إثارة غضبه.

[MooNy87]

قال العميل :
ـ هل تعتقد أننى كنت أحلم أو أهلوس ؟
لم أنطق بأى حرف .. كنت مندهشًا مما سمعته .. هذا العميل إما ذكيًا أو قارىء للأفكار .
نفض العميل ملابسه بعصبية وتابع قائلًا :
ـ هل تعتقد أن هذا التراب أتى من فراغ ؟! .. لقد عُدت لتوى من المقابر .. لقد دفنتها هناك للمرة الثالثة .. ولكن لا فائدة .
ثم ألقى سيجارته على الأرض وسحقها بحذائه سحقًا وكأنه يفرغ غضبه فى هذا الفعل .
فكرت فى هذا الأمر الخارق للطبيعة .. أنا لا أؤمن بمثل هذه الأمور .. أرى أن كل شىء خارق للطبيعة له سبب منطقى يجعله طبيعيًا ولكننا لا نعرف هذا السبب .
ربما كان العميل صادقًا فيما يقول .. ربما دفن هذه الجثة ثلاث مرات من قبل ولكن .. من الذى أخرجها وأحضرها إلى هنا ؟!
ثم .. تذكرت فيلمًا أجنبيًا يحكى عن مجموعة من الشباب المراهقين ارتكبوا جريمة قتل عن طريق الخطأ ثم قرروا ألا يعترفوا بما ارتكبوه ودفنوا الجثة بأنفسهم حتى لا يتورطوا ويدخلوا السجن .. ولكن كان هناك شاهد رأى كل شىء .. أخرج الجثة بعد انصرافهم من المكان ثم راح يهددهم .. ويضع الجثة أحيانًا فى منازلهم حتى يثير ذعرهم .
ربما هناك شاهد خفى فى الموضوع وهو الذى يعيد الجثة إلى مكانها .
سألته :
ـ هل تربطك أى صلة بالقتيل ؟
توقعت ألا يجيبنى لكنه قال بحزن :
ـ كان أعز أصدقائى .

[MooNy87]

سألته عن سبب القتل .. ذلك الدافع وراء هذه الجريمة .. أجاب ببساطة :
ـ اختلاف فى وجهات النظر .
الشيطان اللعين حرض العميل على قتل صديقه والسبب : اختلاف فى وجهات النظر .
ربما كان السبب أكبر من مجرد تلك الكلمات البسيطة لكن العميل لا يريد التحدث فى الأمر واكتفى بما قاله .
فكرت مرة أخرى فى هذه المسألة المحيرة .. ربما لا يوجد شاهد .. ربما كان العميل هو المسئول عن كل هذا .
وتذكرت قصة أجنبية قد قرأتها منذ زمن بعيد .. لذا لا أتذكر تفاصيلها جيدا .. أتذكر فقط أنها كانت تحكى عن صديقان يعملان فى منطقة جليدية .. وكان أحدهما يحتضر فطلب من صديقه ألا يدفنه فى الجليد إذا مات .. ثم مات الرجل ولم يجد الصديق حلًا سوى دفنه فى الجليد .. ولم يفِ بوعده لصديقه الميت وهذا أثر عليه نفسيا .. فعاد من الدفن ونام قليلا وعندما استيقظ وجد جثة صديقه أمامه .. انتابه الرعب وعاد مرة أخرى ليدفنه من جديد فى الجليد .. ثم نام مرة أخرى فى مسكنه ليجد الجثة فى انتظاره عند استيقاظه .. وهكذا تكرر الأمر أكثر من مرة حتى دفعه للجنون .. فى نهاية القصة نكتشف أن البطل نفسه هو الذى كان يسير أثناء نومه ليُخرج جثة صديقه حتى يفى بوعده ولا يتركها فى الجليد .
لو طبّقنا نفس القصة هنا .. سنخمن أن العميل هو الذى كان يُخرج الجثة بنفسه من قبرها ليضعها فى سيارته ويعود بها مجددًا إلى هنا .. وربما لا يدفنها من الأساس .. ويذهب إلى المقابر بصحبتها فقط .. وهذا هو الاحتمال الأقرب لأن ملابس الجثة نظيفة تماما .. إذا استثنينا بقعة الدم الكبيرة .

[MooNy87]

وهذا يعنى أن العميل كان يدخل المقابر بدونها .. فملابسه توحى أنه كان مدفونًا منذ فترة وجيزة .
ولكن لا توجد أى آثار للدماء سوى فى هذه الغرفة فقط .. وهذا يعطى استنتاج أن الجثة لم تتحرك من هذا المكان .. لم يتم نقلها ! .. الاحتمال الآخر هو أن العميل قام بتنظيف الدماء .
وضعت الجثة فى جوال قديم كالعادة .. وقلت للعميل :
ـ لا تقلق يا عزيزى .. سأخلصك من هذه الجثة نهائيا .
قال العميل محبطًا :
ـ أنت متفائل !
ـ اطمئن .. كل الجثث التى دفنتها من قبل ظلت مكانها .. وهذه الجثة أيضًا ستفعل مثلهم .
قال العميل فى لهجة تحد واضحة :
ـ وماذا لو عادت ؟
ـ لن تعود .
كرر العميل سؤاله قائلا :
ـ وماذا لو عادت ؟
كرجل لا يؤمن أبدًا بمثل هذه الأمور الخارقة قلت بثقة مفرطة :
ـ حسنًا .. اتصل بى إذا عادت .. وسأعيد لك المبلغ الذى دفعته و ..
قاطعنى العميل قائلًا :
ـ لا يهمنى المال .. ما يهمنى هو التخلص منها .. وأعتقد أنك ستفشل فى ذلك .
قلت وأنا أحمل الجوال الذى به الجثة :
ـ هناك نسبة احتمال ولو ضئيلة بأننى لن أفشل ولهذا اتصلت بى .. لأنك لو كنت متأكد تمامًا من عودتها لما اتصلت بى .. أليس كذلك ؟
ـ ربما أريد شاهدًا معى على هذه الظاهرة الخارقة .. حتى أتأكد من عدم جنونى .

[MooNy87]

قلت وأنا أتجه نحو باب الشقة حاملًا الجوال :
ـ لا توجد أى ظاهرة خارقة ! .. ولو كان كلامك صحيحا وعادت الجثة من جديد اتصل بى .. سأرد لك ما دفعته وآخذها مرة أخرى .
سألنى العميل متعجبًا :
ـ لماذا ؟
أجبته وأنا أفتح الباب :
ـ سوف أستخدم وقتها طريقة أخرى معها .. طريقة لا تخيب أبدًا .
سألنى العميل بدهشة :
ـ لماذا لا تستخدم هذه الطريقة الأخرى معها الآن .. طالما أنك تقول أنها لا تخيب أبدا ؟
ـ لأننى لا أحب استخدامها .. ألجأ إليها فى حالات نادرة جدا .. سلام .
قال العميل ساخرًا :
ـ إلى لقاء قريب .. أعتقد أنى سأراك مرة أخرى هذه الليلة .
ـ وأنا أعتقد أنها لن تعود مرة أخرى .
لم أتوقع أبدًا ما حدث بعد ذلك !
***