31-12-19, 03:59 PM | #1 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| نداء بقلم نبيل فاروق بدأت تلك الليلة هادئة ، كمعظم ليالى الصيف ، فى الريف المصرى ، وعلى الرغم من الصخب المحدود ، فى ذلك الركن الصغير ، الشبيه بالمقهى ، عند أطراف القرية ، بسبب متابعة البعض لمباراة كرة قدم هامة ، بين فريقين أجنبيين ، ومن كركرة الشيشة المعتادة ، وأصوات أكواب الشاى الساخن ، وهى توضع وترتفع عن الموائد الخشبية شبه المتهالكة ، ساد باقى القرية هدوء جميل ، بعد أن شارفت الساعة منتصف الليل ، وأوى معظم أهل القرية إلى فراشهم ، استعدادًا ليوم العمل التالى ... وفى ضجر واضح ، غمغم (فتحى) ، موظف مكتب الإصلاح الزراعى الجديد فى القرية ، مشيرًا إلى زميله (ممدوح) : ـ أهذه هى وسيلة الترفيه الوحيدة هنا ؟! .. ابتسم (ممدوح) ، قائلًا : ـ إنها كذلك ، ولكن سرعان ما تعتاد الأمر ، فالقوم هنا أبسط بكثير من سكان المدن ، على الرغم من أن الجيل الجديد منهم لم يعد يعمل فى الزراعة كالسابق . قلب (فتحى) شفتيه ، قائلًا : ـ هذه كارثة ، أن ينفصل سكان الريف عن ريفهم ، فمازلت أذكر كيف كانت جدتى تحقق اكتفاءً ذاتيًا فى قريتنا ، ولا تحتاج تقريبًا لشراء مستلزماتها من المدينة .. انظر إلى ما يحدث الآن .. إنهم يبتاعون الجبن والبيض والخبز من المدينة ، بعد أن كانوا هم من ينتجون هذه الأشياء . هز (ممدوح) كتفيه ، قائلًا فى بساطة : ـ الزمن يتطور يا رجل . غمغم (فتحى) فى سخط : ـ إلى الأسوأ . استدار إليه (ممدوح) ، قائلًا : ـ كل شىء فى الوجود له سلبياته وإيجابياته ... على الأقل ارتفعت نسبة التعليم بينهم . قال (فتحى) فى سخط مستنكر : ـ وهل تسمى هذا تعليمًا ؟! .. إنهم مازالوا يعيشون فى خرافات الماضى ، ويرددون نفس الروايات السخيفة ، التى كانت ترويها لنا جدتى فى طفولتنا .. أتصدق أنهم مازالوا يروون قصة (النداهة) ، فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين ؟! .. | |||||||||||
31-12-19, 04:00 PM | #2 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| بدا التردد والتوتر واضحين ، على ملامح (ممدوح) ، وهو يغمغم فى صوت ، حمل الانفعالين نفسيهما : ـ ليست كلها خرافات . التفت إليه (ممدوح) ، بنظرة تجمع بين الاستنكار والازدراء ، وهو يقول : ـ لا تقل لى : إنك تؤمن بخرافة (النداهة) هذه ؟! تردد (ممدوح) لحظات أخرى ، ثم قال فى خفوت : ـ كثيرًا ما تحمل لمحة من الحقيقة .. أنت تعلم الحكم القديمة تقول : إنه لا دخان بلا نار . أجابه فى شىء من الحدة : ـ ما تعلمناه فى صفوف الكيمياء ، يؤكد وجود الكثير من الدخان بلا نار . رمقه (ممدوح) بنظرة متوترة ، ثم أشاح عنه بوجهه ، وكأنه لا يريد الاستطراد ، ولكن (فتحى) تابع فى إصرار : ـ من يصدق ، فى القرن الحادى والعشرين ، وجود جنية الحقول هذه ، التى تناديك باسمك ، أثناء سيرك بين الحقول ، فإذا ما التفت إليها ، طار عقلك ، وصرت مجنونًا . غمغم (فتحى) ، فى لهجة استفزازية : ـ وهل تصدقها أنت ؟! ظل (ممدوح) صامتًا بعض الوقت ، متظاهرًا بمتابعة شاشة التلفاز الصغير ، ثم لم يلبث أن غمغم ، فى شىء من الحدة : ـ لكل شأنه يا رجل . كان من الواضح أنه يرفض خوض هذا الحديث ، مما ضاعف فى أعماق (فتحى) ذلك الشعور بالضجر والسخط ، فنهض بحركة حادة ، قائلًا : ـ الأفضل أن أذهب للنوم .. هذا لو استطعت احتمال ذلك المنزل الحقير، الذى يمنحونه لموظفى المصلحة . غمغم (ممدوح) مرة أخرى ، دون أن يلتفت إليه : ـ فليكن . ثم استدار نصف استدارة نحوه ، مكملًا : ـ ولكن خذ حذرك . | |||||||||||
31-12-19, 04:01 PM | #3 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| ابتسم (فتحى) ابتسامة ساخرة ، وألقى نظرة مستنكرة عليه ، ثم غادر المقهى ، عائدا إلى ذلك المنزل الصغير ، فى الطرف الآخر من القرية ... كان السكون يخيم على كل شىء تقريبًا ، ولكن الطقس بدا منعشًا ، مما جعله يسير بين الحقول ، مدندنًا بأغنية عاطفية قديمة ، عشقها منذ حداثته ... " أستاذ (فتحى) ..." فجأة ، ارتفع ذلك النداء ، بصوت خافت مبحبوح ، حمل رنة أنثوية واضحة ، فانتفض جسده كله دفعة واحدة ، وتجمدت حركته ، فتوقف بغتة ، وشعر بتلك القشعريرة تسرى فى جسده ... لا .. مستحيل ! .. هذا لا يمكن أن يحدث ... لا يمكن أن يكون هذا حقيقة ... (النداهة) خرافة ... مجرد خرافة ... ردد هذا فى أعماقة ، فى محاولة لانتزاع ذلك الخوف من نفسه ، ودفع قدميه دفعًا ليواصل طريقه ، وإن تسارعت خطواته بعض الشىء ... ومرة أخرى ، تردد ذلك النداء الأنثوى من خلفه ... نداء يحمل اسمه ... وبصوت أكثر ارتفاعًا ... وفى هذه المرة ، طرح عقله كل محاولاته جانبًا ، أمام ذلك الرعب ، الذى سيطر على كيانه كله ... إذن فهى حقيقة ... (النداهة) ليست خرافة ... ما روته له جدته فى طفولته لم يكن وهمًا ... (النداهة) حقيقة ... | |||||||||||
31-12-19, 04:02 PM | #4 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| وها هى ذى تناديه ، كما روت له الجدة بالضبط ... تناديه باسمه ، وسط الحقول ، بعد منتصف الليل ... تسارعت خطواته ، على نحو كبير ، وارتجف جسده كله فى شدة ... ومن خلفه ، سمع خطوات أخرى .. خطوات مسرعة ، تحاول اللحاق به ... واتسعت عيناه ، فى رعب بلا حدود ... ومرة ثالثة ، تصاعد ذلك النداء الأنثوى من خلفه ... نداء باسمه ... وبصوت واضح .... واضح للغاية ... إنها خلفه ... تسرع نحوه ... تريد أن تقتنصه ... واستعاد عقله كل حكايات جدته ... لا ينبغى أبدًا أن يلتفت إليها ، وإلا سلبته عقله ... لا ينبغى أن يلتفت أبدًا ... ومع النداء الرابع ، الذى بدا مرتفعًا أكثر من ذى قبل ، تحولت خطواته المسرعة إلى جرى مذعور ... كان يحاول مغادرة منطقة الحقول ، قبل أن تلحق به .. ولكن الخطوات من خلفه تسارعت أكثر وأكثر ... | |||||||||||
31-12-19, 04:02 PM | #5 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| ومع النداء الخامس ، الذى يحمل اسمه ، بدأ يصرخ دون وعى : ـ ابتعدى عنى ... ابتعدى عنى ... ولكن الخطوات تسارعت خلفه أكثر و ... وفجأة ، أدرك أنه ضل طريقه ، وأنه محاط بالحقول من كل صوب ، وتعثرت قدماه على الطريق غير الممهد ، فحاول أن يتشبث بشىء ... أى شىء ... وفى محاولة يائسة ، أمسك عودًا من أعواد الذرة ، ولكن العود انكسر مع ثقله ، فاختل توازنه ، وسقط أرضًا ... ومع رعبه الشديد ، شعر بتلك الأقدام تتوقف ، على قيد خطوة واحدة منه ... ثم انتفض جسده بكل رعب الدنيا ، عندما شعر بيد رقيقة توضع على كتفه ، مع صوت أنثوى متوتر ، يكرر النداء باسمه ... وبينما يستدير ليدفع تلك اليد عن كتفه ، ارتطم بصره بوجهها ... وجه أنثوى ، وسط ملاءة سوداء ، تحيط به .. وصرخ (فتحى) ... وصرخ .. وصرخ ... *** | |||||||||||
31-12-19, 04:03 PM | #6 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| " ما الذى أصابه ؟! ..." نطقها ضابط النقطة فى دهشة ، وهو يتطلع إلى (فتحى) ، الذى اتسعت عيناه ، وراح يضرب الهواء بذراعيه ، وكأنما يدفع عنه عدوًا مجهولًا ، وقد حملت ملامحه كلها علامات الرعب والجنون ، فأجابته (سيدة) زوجة شيخ خفر القرية فى ارتباك وانفعال : ـ لست أدرى يا باشا ... لقد شاهدته يسير وسط الحقول ، متجهًا إلى حيث ترعة القرية ، وأدركت أنه قد ضل طريقه ، فأسرعت خلفه ، لأحذره من هذا ، ولكنه راح يعدو نحو الترعة ، وعدوت خلفه أناديه ، حتى لا يسقط فيها ، وعندما تعثر ، أردت أن أساعده على النهوض ، ففوجئت به يصرخ فى شدة ، وقد أصابه ما أصابه . تطلع ضابط النقطة فى إشفاق إلى (فتحى) ، وهو يغمغم : ـ المسكين أصيب بالجنون ، وملامحه توحى بأنه قد شاهد ما أثار رعبه ، وأفقده صوابه ... أى شىء يمكن أن يفعل برجل ناضج هذا ؟! كان (ممدوح) يعلم الجواب ... ولكنه لم ينبس بحرف واحد ... فخشيته من المسئولية ، أطلقت فى أعماقه نداء الصمت ... ويا له من نداء ! . *** تمت بحمد الله | |||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|