آخر 10 مشاركات
بقايـ همس ـا -ج1 من سلسلة أسياد الغرام- للكاتبة المبدعة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )           »          الغريبه ... "مكتملة" (الكاتـب : tweety-14 - )           »          جئت إلى قلبك لاجئة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : آمال يسري - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          روايتي الأولى : لعبة في يدين القدر " مكتملة " (الكاتـب : Reno .. - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          مستأجرة لمتعته (159) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-20, 10:28 AM   #21

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي



.. الفصل الثالث عشر ..
.
.

[ رجاء القائد رائد ]

.
.

أُطلقت صفارة معلنة عن انتهاء فترة الغداء وابتداء فترة تدريبات ما بعد الظهيرة والتي تكون غالبا على هيئة مجموعات على خلاف التدريبات الصباحية الفردية ، مئات الرجال في مختلف الأعمار والقوات الجسدية المختلفة والمهارات يجتمعون في ذلك المعسكر ، اتجه بخطوات كسولة وقد ظهر على ملامح وجهه الشاحبة مدى الهم والضيق والضياع الذي يقبع داخل قلبه ويملأه ، خصلات شعره البنية تدلت على وجنتيه لتخفي اغلب ملامح وجهه يسير بهدوء خطواته لا تكاد تسمع ، تنهد بضيق حين رنت كلمات القائد رائد في أذنيه كالصدى وهو يترجاه والخوف والقلق يلف كل كلمة تفوه بها عندما قال له :
- وسام أرجوك أريدك أن تساعدني في مهمة سرية ..
قطب وسام باستغراب وقال بهدوء :
- لا تترجاني أيها القائد فأنا تحت أمرك ..
تنهد بضيق ثم اقترب منه ملامح وجهه لا تبشر بالخير فهذا الطلب يبدو اكبر مما يتصور وسام ما الذي قد يكون يا ترى ؟! ما هو السبب الذي جعل قائد مثله يدعوه سرا لمكتبه ليطلب منه طلب كهذا وهو يملك جيشا كاملا يسيرهم وفق إرادته وتحت رغباته أما هو فليس إلا جندي من جنود معسكر البلدة البسطاء ذوي المهارات التي لا بأس بها ليس إلا وليس من جنود الجيش ذوي الصيت العالي الذين يتقاضون رواتب أعلى منهم ويعترف بهم من قبل الجميع ، وضع يديه على كتفي وسام وقال بهمس جاد لكي لا يستمع إليه احد غيره :
- الحدود الجنوبية للإمبراطورية يجب أن نضمها لنا وتصير ضمن ممتلكات الإمبراطور عامر وفي أسرع وقت ..
بقيت أعينهما متشابكة ببعض لمده من الزمن لكي يترجم وسام ما سمعه توا ، أيريد منه أن يضم الحدود الجنوبية للإمبراطورية ؟! وتحت اسم الإمبراطور عامر ؟! لكن لماذا يا ترى ؟! هل يضنه يستطيع فعلها هو لوحده وهو جندي بسيط للمهمات داخل البلدة فقط كيف يمكنه مغادرة الإمبراطورية الخضراء حاليا وهو في مهمات مستمرة وتدريب مكثف لا يمكنه أن يتغيب عنه والانتقال إلى الحدود الجنوبية بعد غياب دام لسنوات لا وزد على ذلك يضمها هو بنفسه إليهم هل يمتلك كل هذه القوة وهو لا يعلم ؟! أم لديه نفوذ لكي يساعدونه وهو حتى الأصدقاء لا يمتلك سوى رامي الفتى الذي جمعتهم مهمات المعسكر ليس إلا كما أن حروب ضم القرى للإمبراطوريات من المخالفات العامة التي وضعها الإمبراطور عامر باتفاق من الجميع والتي سينزل العقاب على كل من يتخطى حدوده ويتجاوزها ، همس بهدوء خالطته الدهشة :
- أنا يا سيدي ؟! هل يمكنني فعلها ؟! لكن كيف ؟! الديك خطة أنفذها ؟! ولماذا نضمها للإمبراطور عامر ..؟!!
تنهد الآخر بضيق لا يعلم من أين يبدأ بسرد الأحداث والقصص المنسية في السابق هل يستطيع قولها ؟! أم يتركها للنسيان ؟! لكن لابد من ذاك اليوم سيأتي الذي يقلب فيه صفحات الماضي المرير ، تعرق جبينه وهاجمه صداع مفاجئ في حين ارتمى على الأريكة بتعب شديد ، نظر إلى وسام بعينين باهتتين ثم قال بنبرة حزينة وخائفة تحمل الكثير من الألم داخل طياتها :
- انه الانقلاب ،، إن لم نتحرك الآن فسوف تعم الفوضى من جديد ..
وضع وسام كف يده اليمنى على جبهته حين بدأ بالتعرق اضطربت أنفاسه وهو يتذكر ما حدث له لا ليس مجددا لن تعم الفوضى لن تعود تلك الحروب اللعينة لأجل المال والسلطة لن يتقتل الرجال ولن يترمل النساء ولن يتيتم الأطفال ألا يكفي ما فقدوه قبل ما يقارب الخمسة عشر عام ألا يكفي ما فقده هو؟! ألا يكفي الم وحزن وفراق ألا يكفي ؟! تنهد بكره ثم تمتم لنفسه بألم شديد :
- يكفي ، يكفي لن أفقدك أيضا يا أبي ..
وضعت يد على كتفه لم يلتفت ولم يغير من وضعيته لأنه متيقن لمن تكون هذه الكف في حين سمع همسا قلقا قائلا :
- وسام لا تبدو اليوم على ما يرام ما الذي أصابك يا رجل ..؟!!
زفر بغيض شديد وملامحه قد احتدت أكثر، ابعد يده عن كتفه وقال بهدوء يعاكس مظهره الذي يوحي بأنه سيقتل شخصا ما الآن :
- أنا لست طفلا لتقلق علي يا رامي ..
تنهد رامي بقله حيلة وهز رأسه بيأس فهذا الشاب ميئوس منه وبحق قال ماذا قال لا تقلق علي أنا لست طفلا لماذا هل الأطفال هم فقط من نقلق عليهم ؟! والكبار لا احد يقلق عليهم ويهتم بأمرهم أي تفكير هذا كيف يفكر بهذه الطريقة العوجاء يا ترى ؟! قال رامي بغضب :
- سحقا لك يا وسام سحقا ما الذي يجري معك اخبرني تتصرف هكذا وعلى غير عادتك ..
ابتسم وسام بسخرية رامقا إياه بحدة وقال ببرود شديد :
- اغرب عني واهتم بشؤونك الخاصة ..
استدار وسام معطيا رامي ظهره وتابع خطواته الكسولة ويديه داخل معطفه متوجها لداخل المعسكر كل ما يريده في هذه اللحظة أن يبتعد عنه رامي لا يريد أن تزيد نسبة فقدانه للأشخاص الذين يعنون له الكثير يفضل أن يبقى وحيدا عله لا يخسر احد ولا يضطر أن يحمي أحدا مجددا فكل من حاول حمايتهم في السابق ماتوا وقتلوا شر تقتيل وأمام ناظريه وهو لم يكن سوى متفرج لا يستطيع فعل أي شيء وزاد على ذلك ذكر القائد رائد الانقلاب والفوضى وانه هو الوحيد من يستطيع حمايتهم وإيقاف الحرب والفوضى قبل حدوثها زاد من نسبة فقده للأمل وتيقنه بأن تلك المآسي السابقة ستعود فلعله وبفعله هذا لن تكون خسائره كثيرة حينها إذا وقعت الحرب ، توقف مصدوما حين وصلته كلمات رامي واخترقت قلبه كسهم مغطى بالسم أو كخنجر ركز في وسط قلبه حين قال بصراخ غاضب دوى صوته في الأرجاء :
- لن تبعدني عنك بهذه الطريقة يا وسام بل سأظل بجانبك ،، لماذا يا وسام لماذا لا تنسى الماضي أنت لست السبب في مقتل فارس كف عن لوم نفسك أيها الغبي الأبله المعتووووه..

*******

في رواق طويل ومظلم كان يسير بخطوات هادئة ظهرت على شفتيه ابتسامة ساخرة ، عيناه تجوبان المكان بتفحص ظهر فيها رغبة بالقتل والانتقام ، يضع يده اليمنى داخل جيب معطفه بينما الأخرى يرفع بها خصلات شعره الأسود في كل حين بلا مبالاة ليعطيه مظهر الشاب النرجسي اللا مبالي ، يضع في فمه عود خشبي طويل ، وصل عند باب مصنوع من الحديد المهترئ يقف عنده حارسان ببنية جسدية ضخمة مسلحان يرتدون بدلات سوداء تحمل شعارا صغيرا على الجهة اليسرى من الصدر وقد رسم فيها باللون الأحمر صورة لبركان ، انحنوا له باحترام وفتحوا له الباب الحديدي الذي اصدر صريرا عاليا مزعجا وقالوا له :
- تفضل ، سيدي ينتظرك بالداخل ..
ابتسم ساخرا واخذ يبعد خصلات شعره بيده اليسرى بحركة استفزازية رامقا إياهم بكل استصغار تخطاهم ودخل ليجد رواقا طويلا سار بخطواته الثابتة إلى أن وصل إلى عدة درجات تنزل إلى الأسفل فعلى ما يبدو أن هناك قبو ، اخذ ينزل الدرجات الواحدة تلو الأخرى ليصل أخيرا إلى صالة كبيرة لا تدل على أنهم تحت الأرض وفي قبو بل هي أشبه بقصر فخم بجدران سوداء منقوشة بنقوش ذهبية تتدلى من منتصف السقف ثريا كبيرة وضخمه مليئة بالزجاجات الصغيرة وبعض الشموع وكثير من الكريستال الأسود اللامع ينتشر في كل زاوية من تلك الصالة الكبيرة حرس ببدلات سوداء يضعون وشاح اسود ليغطي اغلب ملامحهم مسلحون بأجود أنواع السلاح ، فُتِح له باب ضخم أشبه بكونه بوابة في وسط ذلك الجدار الكبير ، ابتسم بسخرية وقال بما يقارب الهمس :
- سحقا لك أكل هذا لخوفك تختبئ كجرذ بين كل هذه الجدران وخلف كل هذه الابوا....
لم يكمل جملته إلا وقد شحب وجهه واتسعت عيناه من الصدمة حين أحس بذراع مفتولة العضلات التفت حول عنقه بسرعة خاطفة في حين سال القليل من دمه بسبب تمرير نصله الحاد على عنقه ، همس في أذنه ذلك الصوت الرجولي الثقيل قائلا بنبرة تهديد :
- لا يوجد جرذ هنا سواك أيها المعتوه احترم أسيادك وإلا قتلت....
في حين أوقفه عن الكلام صوت تصفيق وضحكة ثقيلة خشنة وصوتا مشبع بنبرة الكبرياء والسخرية والقوة قائلا بأمر :
- ابتعد عنه يا مهند ..
وسرعان ما ابعد مهند سيفه وانحنى باحترام لذلك الرجل الذي لم يكن ظاهرا للعيان لشدة الظلام في حين اشتعلت الشموع بعد إشارة من يده لتضيء المكان ليظهر صاحب الصوت الرجولي الثقيل ذو النبرة الساخرة الذي كان يجلس خلف مكتب ضخم باللون الأسود وخلفه امتدت رفوف مليئة بالكتب والمجلدات والملفات المختلفة من أسفله إلى ما يقارب السقف ، قال الرجل والذي لم يكن إلا الإمبراطور جاسم بضحكة ماكرة وعيناه مرتكزتان في عيني سيف يدرس حركاتها ويقرأ الرعب الذي سيطر عليه فيها :
- إذا يا سيف ما رأيك في هذا الاستقبال ..؟!!
تقدم سيف نحوه بخطوات مرتبكة جاهد أن تكون ثابتة يمسد عنقه بخوف ، لقد ظن لوهلة بأنه هلك وان عنقه سيقطع دون أدنى شك ، اقترب من مكتبه الضخم مقطب الحاجبين يوزع نظراته في جميع الأرجاء خشية هجوم آخر إذ يبدو بأنه قلل من شأنهم وسخر من قوتهم لكنهم حقا فاجئوه ، ابتسم سيف بسخرية بعد أن استعاد القليل من قوته وشجاعته وقال بعد أن وقف أمام المكتب مباشرة :
- تمتلك القوة وهذا ما أريد ..
علت ضحكة جاسم وزلزلت المكان بأكمله حيث كان لضحكته رنين خاص يميزها عن غيرها ذو رنة خبيثة وساخرة ومتهكمة نعم فهو يمتلك القوة التي ستمكنه من الوصول لغاياته لكن كل ما عليه الآن هو أن يجمع اكبر عدد من النفوذ ليزداد قوة حينها لن يتغلب عليه أي احد وسيحقق حلمه ويصل إلى مراده دون أدنى شك ، اخرج سيف من معطفه ظرف مغلف ووضعه أمام جاسم على مكتبه وقال له بجدية ونظره على الظرف :
- أنا معك سيدي وتحت أمرك وسأفعل ما تريد لكن اخبرني بصحة ما في هذا الظرف..
ابتسم جاسم متهكما علم تماما ما هي نقطة ضعف سيف ولقد أصابها وبجدارة حين اسند ذراعه اليمنى التي يحمل فيها غليون فضي كبير يتصاعد منه دخان كثيف ، ارتشف كمية كبيرة منه وأخرجه دفعة واحدة بزفير عميق ، كح كحتين متتاليتين ثم قال بنبرة خشنة متهكمة :
- صحيح مئة بالمائة وسأمدك برجالي وقوتي لكي تصل إلى غايتك لكن كما تعلم شرط بشرط ..
ابتسم سيف بنصر بعد أن لمعت عينيه بسعادة وقال مباشرة :
- لك ما تريد المهم أن اقتل وسام بيدي هاتين ..
نهض جاسم من على الكرسي الحديدي الضخم ليظهر طوله المخيف حيث فاق سيف بالطول والضخامة مادا يده مصافحا لسيف قائلا :
- اتفقنا تصبح تابعا لي وأنا أساعدك على التخلص من ذاك الأبله ..

******

يقف عند شرفة غرفته يتكئ بكتفه على حافتها الخشبية مكتفا ذراعيه لصدره ينظر بشرود إلى الخارج بعينين منكسرتين باهتتين ، يشهد قلبه ألما عظيما فشعور الخيانة يفتك به ويحس بالاختناق من كل شي حوله ففضل الانعزال والابتعاد عن الكل وتجنب أي شخص رغم شخصيته التي كانت تعاكس ذلك بالتمام شخصية حنونة محبة للكل ، تنهد بتعب شديد حين سمع طرقات متتالية على باب غرفته الذي طال إغلاقه ولم يفتح إلا نادرا حينها سمع صوت بنبرة مشاغبة طفولية قائلا :
- راااافع أأنت بخير ؟! لماذا لا تفتح لي الباب ؟! هيا يا أخي أرجوك أريدك أن تلعب معي وأيضا أريد أن ......
قاطعها قائلا بهدوء وهو يتوجه نحو مكتبه بخطوات متعبه مثقله يجر خطواته بصعوبة يريد إسكاتها بأي طريقه وإنهاء أي مجال للنقاش :
- أنا بخير يا رنا شكرا لك ..
تأففت هي الأخرى بضجر من خلف الباب فكم بدا عليها الاستياء واضحا من تصرفات أخيها في الآونة الأخيرة ، أخذت تطرق الباب دون توقف لن تستسلم أبدا يجب عليها أن تبذل جهدها ليخرج أخاها من عزلته وحزنه المسيطر عليه طوال الوقت فأخذت تقول أول شيء يخطر ببالها بعشوائية بحته ببراءتها :
- رافع هيا أريد أن نتسوق ،، اخرج حالا أمي يا رافع تريدك ،، انظر، انظر هنالك فراشة جميله تقف على رأسي اخرج لتراها ،، ااااي لقد جُرح إصبعي تعال وضمده لي ،، سوف تعد أمي كعكتك المفضلة دعنا نساعدها ،، أبي اشترى ......
فلتت منه ضحكة صغيرة غلبته على شقيقته المشاغبة التي رغم أنها تبلغ الثامنة عشر من العمر إلا أنها مازالت طفلة بريئة مزعجة جدا لكنها طيبة القلب واكبر دليل هي هذه المحاولات الفاشلة المتتالية في إخراجه من غرفته خصوصا في هذا الوقت ، قال لها بابتسامة حزينة مغيرا لمجرى الحديث :
- رنا عزيزتي هل قمتي بترتيب غرفتك ؟! لان أمي ستمنعك من الحلوى مجددا وككل مرة ..
صرخت حينها رنا برعب وهي تتذكر أنها تركت سريرها في حالة فوضوية ولم ترتبه عند استيقاظها وهذا الشيء الذي لن تسمح به والدتها أبدا بل ستعاقبها على فعلها وتوبخها بشدة بأنها فتاة مهملة وطائشة ولا تزال طفلة صغيرة لا يعتمد عليها في شيء فقالت بنبرة خائفة مترجية وهي تمسك بمقبض الباب بيديها تهزه مجدا بقوة :
- رافع ، رافع أرجوك ساعدني لقد نسيت أمي سوف ، سوف .. لا .. لا إلا الحلوى أرجوك رافع أنا خائفة لقد اقصد سوف ا......
فتح الباب لها بعد أن تنهد بقلة حيلة هذه الفتاة لا يمكن لأي احد أن يسكتها ولن تسكت إلا أن تقول كل شي تعرفه في الحياة سواء كان يعنيها أو لا يعنيها ، مد يده ببطء لتتخلل أنامله خصلات شعرها الأشقر الناعم يبعثره لها بخفة قائلا بحنان مطمئنا إياها :
- رنا عزيزتي أمي ليست في المنزل وسوف تعود بعد قرابة النصف ساعة هيا أنت فتاة كبيرة نشيطة وقوية مجتهدة سوف تفعلينها لوحدك ..
فتحت عينيها على وسعها بدهشة وسعادة أهي حقا يعتمد عليها ؟! هل يثق بها بأنها ستفعلها ولوحدها ؟! إذا رافع لا يراها كما يراها الآخرون بل يثق بها فابتسمت له ابتسامة واسعة مشاكسة كشخصيتها تماما وفي عينيها بريق سعادة من كلماته الحنونة التي سمعتها توا ، صرخت بمرح وهي تقفز كالأطفال قائلة :
- نعم صحيح أنا استطيع فعلها لوحدي أنا فتاة بالغة ويعتمد علي ..
حينها ركضت مسرعه متوجهة نحو غرفتها تكاد تطير من سعادتها وهي تقول بصراخ فرح :
- سأفعلها يا أخي سأفعلها لوحدي نعم أنا استطيع فقط اعتمد علي ..
ارتسمت على شفتي رافع ابتسامة ميتة متسائلا هل كل هذه السعادة والثقة فقط بأنها سترتب سريرها وغرفتها التي حتى الأطفال يستطيعون فعلها ولوحدهم كم تمنى حينها بأنه يملك روحا مرحه كأخته تعود الثقة إليها وتنسى خيبة الأمل وكل شيء بمجرد كلمات بسيطة من أي شخص قد تحتمل الكذب وقد تحتمل الصدق ، كم يتمنى أن تكون لديه القدرة على إعادة ترتيب حياته وترتيب مشاعره وأفكاره ونسيان ما كان والمضي قدما والعيش بروح أخرى ، تنهد بتعب وهو يهز رأسه نافيا وموقنا انه لا يمكنه فعل ذلك فهو لا يرى نفسه الآن إلا جسدا يعيش على وجه الأرض بدون روح ، استدار عائدا إلى غرفته ومنفاه حيث عزلته وسجنه لنفسه المكان الذي لا يحتوي إلا الألم والحزن والخذلان .









نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..





روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 07:46 PM   #22

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل الرابع عشر ..

.
.

[ صراعات مختلفة ]

.
.

هبت رياح قوية في تلك اللحظة وعم سكون مرعب وكأن لا يوجد احد سوى ذلكم الشخصان متقابلان احدهما كان تنفسه ملحوظا وذلك بسبب الجهد الذي بذله في قول ما قاله في حين عيناه تطلقان شررا غاضبا موجها صوب صديقه أما الآخر فلم يزدد سوى شحوبا وكأن الدم قد سحب من جسمه كله ، نظر إليه بعينين متسعتين من الصدمة كيف له أن يذكره بما فعل سابقا ؟! انه هو سبب مقتل فارس كان ذكر اسم فارس فقط يثير دمائه ويثير رغبته في القتل نعم انه الانتقام يريد أن ينتقم ممن قتل صديقه الأول وأخيه الذي لم تلده أمه لكنه وفي تلك اللحظة لم يتهم احد سوى نفسه لا ينكر بأنه يرغب بالموت فقط لكي يكفر عن ذنوبه لأنه يعتقد بأنه السبب في موته هو وخطيبته التي ماتت ظلما معه وبدون أي سبب ، بعد أن داهمته تلك الذكرى تراءت في ذكراه صورة لصديقه فارس المغطى بالدماء وهو يتمتم له بأخر كلمات يلفظها بأن يعتني بنفسه ويبقى قويا ولا ينسى سيف وان يعيشا حياة طاهرة لا تلطخها دماء الغير نقية من الخبث والمكر غير الحياة التي عاشوها معا كمجموعة مجرمة تخرب وتقتل الأبرياء ، جثا على ركبتيه وهو يتنفس بصعوبة تلك الذكرى تقتله تؤلمه وترعبه ليس قادر على مسامحه نفسه وليس قادر على فعل أي شي انه يصارع بقوة صراعات داخل رأسه تؤلمه وكم تجرحه ، امسك رأسه بيديه وبدأ جبينه بالتعرق من جديد ، ركض رامي نحوه بخطوات سريعة واسعة ليجلس بجانبه وهو يتمتم بكلمات كثيرة وبدا على ملامحه مدى قلقه وتوتره من حال صديقه لكن وسام وكما يبدو انه لم يستمع لأي كلمة من كلماته تلك فوضع يديه على كتفي وسام وبدأ بهزة طالبا منه أن يكون أكثر قوة وشجاعة وان يتخطى الماضي لكنه لم يبدي أي ردة فعل تذكر بل بدأ يئن بخفوت حينها دوى صوت صفعة قوية في الأرجاء جعلت من وسام يسقط أرضا ، صرخ رامي بغضب قائلا :
- وسااااااام أفق ،، أفق يا وسااااام ..
حينها فقط استعاد وسام وعيه واخذ يتنفس بتقطع وما لبث إلا قليلا حتى انتصب واقفا ، نفض الغبار من على معطفه وقال ببرود وباختصار وكأن شيء لم يحدث بملامح مرهقة متعبة :
- أشكرك يا رامي ..
ابتسم رامي بألم من رؤيته لوسام بهذا الضعف والضياع وسام الذي يهابه الكل حتى الضباط أنفسهم لقوته ومهاراته العالية لا يريد أن يسيطر عليه الماضي ويُنسيه مستقبله ويُفسد عليه حاضره هو الوحيد الذي يعلم ما الذي جرى لوسام ربما ليس تماما فهو يجهل الكثير من الأمور التي تتعلق به وبماضيه الخفي الذي لا يعلمه إلا هو وسام نفسه وذلك لتكتمه الشديد حول خصوصياته وخصوصا ماضيه المجهول وهويته الحقيقية لكنه يعلم انه يتهم نفسه في قتل صديقه المدعو بفارس لأنه دائما ما يتمتم بقوله ( أنا من قتلك يا فارس أنا لن أسامح نفسي مهما حدث ) وبالرغم من يقين رامي بأن وسام ورغم بروده وهدوئه وقوته ومهاراته أللا محدودة فلن يقدم على قتل أحدا بريئا أبدا أو هكذا يظن لذلك فهو لا يزال يحاول أن يتخطى وسام ذلك الماضي الغامض وينسى كل شيء ، قال حينها رامي لوسام وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة :
- كيف تشعر الآن يا وسام أأنت بخير .. ؟!!
ابتسم الآخر بخفوت حين مد يده نحو رامي واخذ يبعثر له خصلات شعره الأشقر بعشوائية وهو يقول بهدوئه وبروده المعتاد مع ابتسامة ساخرة :
- كل من يعرفك يا رامي لا يعرف الخير مطلقا ..
ابعد يد وسام بقوة مغتاظا مكتفا لذراعيه لصدره مالذي يقصده بقوله هل هو جالب للمشاكل والمصائب لمن حوله ؟! انه يرى نفسه ليس إلا شاب صالح يحاول إسعاد كل من حوله ، صحيح انه خفيف ظل غالبا وكثير مزاح لكن هذا لا يعني انه يحمل هالة من الشؤم حوله ، زم شفتيه بعبوس شديد وقال يرمقه بنصف عين :
- نعم نعم حاول استفزازي يا بائس ..
حينها ابتسم وسام فرامي لن يتغير مهما حدث شاب بروح رياضية ومرح يرى كل شي بإيجابية وسعادة يسعد من حوله ويضحكهم هذا هو رامي والذي يذكره كثيرا بفارس وبروحه المرحة المحبة للغير كلما جالسه ، قال له بنبرته الباردة :
- إذا دعنا ندخل للمعسكر فالتدريبات قد بدأت ..
تنهد رامي وقال بهمس وهو يوزع نظراته حولهم خشية أن يسمعهم احد :
- اسمع يا وسام أردت أن أخبرك بأن الضابط جميل ليس موجودا في المعسكر بأكمله ..
قطب وسام مستغربا فليس من عادة الضابط جميل أن يتغيب عن التمرينات والتدريبات العسكرية هل يعقل بأنه علم بأمر الفوضى التي قد تحدث ؟! أم انه تم مهاجمته فأصيب ؟! أم ربما احد أفراد عائلته يعاني من مشكلة ؟! هز رأسه طاردا لكل تلك الأفكار التي لم تزده إلا ألما وضياع ثم قال بهدوء يعاكس ما بداخله من ضجيج التساؤلات :
- إذا مجموعتنا معفية عن التدريبات العسكرية لليوم ..
أومأ إيجابا وقد ظهر على ملامحه الاستغراب الشديد من وضع الضباط في الآونة الأخيرة فقال متسائلا :
- أرى أن حركة الضباط هذه الأيام غريبة ..
تابع وسام خطواته الكسولة وقال وهو يلوح لرامي ببرود :
- إذا دعنا نستغل الفرصة ونزور العيادة لأجل تعقيم جرحك ..
تبعه رامي مبتسما وقال بمكر :
- لكن أولا يجب أن نزور ذلك المطعم ونأكل من اللحم اللذيذ حتى التخمة ..
رمقه وسام بنظرة حادة كادت تفتك بحياته في حين ابتلع رامي ريقه مرارا وتكرارا ضنا منه أنها ستكون نهايته في حين تنهد وسام بقلة حيلة مكملا طريقه بخطواته الكسولة غير آبه برامي وبترهاته التي لم يتوقف عن سردها على مسامعه طيلة الطريق للتغير من الجو العابس قليلا وكأن من اخبره انه ينقصه ثرثرة غير ثرثرة أفكاره المتزاحمة التي تكاد تفجر له رأسه .

******

بين الخدم والحشم والحراس وبين الغرف الضخمة الأشبه بالقاعات الواسعة وبالتحديد في قصر الإمبراطور عامر حيث يقف الحراس في كل زاوية من زواياه والخدم يتنقلون هنا وهناك في جميع الأرجاء ، الشموع مضاءة وصوت الكؤوس المليئة بالعصير تصطدم بعضها ببعض تجهيزا للاجتماع العائلي الذي سيعقد بعد عدة دقائق ، الورود الطبيعية غالية الثمن ذات الرائحة الزكية تزين كل زهرية مركونة في زاوية من تلك الزوايا المتعددة ، كان يقف عند بوابة ضخمة تكاد تلامس السقف من طولها في ذلك الرواق الواسع طارق أو المعروف بالأمير الصغير طارق صاحب النظرة الثاقبة والعقل الحكيم مرتديا بزة بيضاء لا تليق إلا به بشاراتها الذهبية يمسك بيد شقيقته وتوأمته الأميرة زهرة التي تشبه الزهرة بكل شيء فهي رقيقة مثلها وتحتاج من يسقيها بالحب والحنان والاهتمام كل حين ، هادئة وخجولة وتملك ميزة خارقة لا يعلمها احد سوى شقيقها وتوأمها طارق ، يستندون على الجدار بجانب غرفة الاجتماعات وقد بدا على زهرة ملامح القلق والارتباك بينما اعتلت ملامح طارق الضجر والضيق من الانتظار والذي يبدو زاد عن حده ، ينتظرون الشخص الثالث والمعني بالأمر مثلهم والذي يعد فردا من أفراد العائلة المالكة أيضا والشخص الغائب الذي لا يعيش معهم في نفس القصر ليُسمح لهم بالدخول وما هي إلا دقائق حتى فُتحت بوابة تقبع آخر الرواق الطويل ليسمح بدخول شخص ما ، توجهت حينها نظرات كلا من طارق وزهرة هناك ليخرج لهم ابن عمهم وابن شقيق والدهم الأكبر منه سنا الذي فارق الحياة منذ زمن اثر الفوضى التي حدثت وقتلت الكثير من الأبرياء الابن الحاضر بالاسم والغائب بالجسد ، اقترب منهم بخطوات كسولة يرتدي بزة سوداء بكل لا مبالاة لم يكلف نفسه عناء ترتيبها في حين كانت أزرار قميصه العلوية مفتوحة وكأنه ينتظر انتهاء الاجتماع ليقتلع البزة من على جسده سريعا ، ملامحه لا تدل على أن قدومه هنا يسعده أو بملء إرادته في حين ظهر عليه انه لم يكن إلا مجبرا على حضور الاجتماع العائلي بما أن اسمه ينتهي بلقب يشابه اللقب الذي ينتهي به اسم الإمبراطور عامر ، مر من أمامهم وكأن شيئا لم يعنيه في حين رمقه طارق بحدة وقال من بين أسنانه بضيق واضح بعد أن فار دمه من برودة ابن عمهم وتجاهله لهم :
- أهلا بعودتك يا حسام ..
ابتسم حسام نصف ابتسامه حين سمع نبرة الغضب التي كانت تلف كل كلمة من كلمات طارق ، توقف أمامه حين رمقه بنظرة سريعة فهمهم بامتعاض شديد لا يريد أن يرد عليه ولا يريد منهم أن يرحبوا به لأنه هو نفسه غير مقتنع بوجوده بينهم يكره كل من في القصر ويكره البقية المتبقية من عائلته بشدة فلم يلبث قليلا إلا وقد أكملت خطواته سيرها متجاهلا طارق وشقيقته ، توقفت خطواته فجأة بسبب تلك اليد التي أمسكت معصمه بقوة كادت تمزق له لحمه وتكسر له عظمه التي لم تكن إلا يد طارق ، يعلم طارق جيدا مدى كره حسام لعائلته وللقصر ولكل شيء يربطه هنا لكن ليس هذا التصرف صحيحا أبدا فهم لم يتقابلا منذ ما يقارب السنتان أي برود هذا ؟! والى إي درجة قد يصل كرهه لهم ؟! وما ذنبه هو وشقيقته ليشملهم كرهه وغضبه الذي لا يراه إلا غير منطقي وحماقة وطيش شباب ، فقال حسام ببرود شديد يرمقه باستحقار وكره :
- اترك يدي يا طارق خيرا لك ..
لم يستطع طارق تمالك أعصابه أكثر وهو الذي عرف بحكمته في التصرف وبعقله الذي يوزن بالذهب لكنه وخصوصا في هذه اللحظة بالتحديد فقد عقله بسبب هذا المعتوه حسام فهو دائما يخرجه عن صوبه ويثير كل ذرة فيه فسحبه بقوه لكي يستدير حسام وتلتقي أعينهم ببعض وقال طارق بغضب حاول جاهدا من أن يضبطه :
- أهكذا يا حسام ؟! أهكذا تستقبل اهلك بعد غياب طويل ؟! !هكذا يتصرف الأمير العاقل ؟! تصرفاتك همجية ولا تليق بعائلتنا أبدا فأنت لس.....
قاطعة حسام وهو يستل يده من بين أنامل طارق بقوة وكأنه كان ينتظر أي هفوة وزلة منهم لكي ينفجر فيهم وحدث ذلك سريعا كما أراد في حين قال بنفس النبرة الغاضبة وتنفسه يعلو تدريجيا ووجه لم يزدد إلا شحوبا :
- أنا لا اعترف بكم كعائلة ولا أريد أن أتصرف كرجل مثلكم تحت مسمى أمير إن لم تعجبك تصرفاتي فأنا لم اطلب منك ذلك كل ما اطلبه منكم أن تتركوني وشأني ..
تبادلا نظرات حادة وشرسة وكأنهم سيفترسون بعضا بنظراتهم ولو كانت النظرات تقتل حقا لسقطا على الأرض جثتين هامدتين في حين كل منهما استعد لقتال حامي بينهما إن لم يكن بالأيدي فبالتأكيد بالكلام الجارح ، امتدت أنامل زهرة المرتجفة لتضعها على كتف شقيقها هامسة له بصوتها الرقيق من خلفه :
- أرجوك يا طارق توقف ،، يكفي أرجوك ..
رمقها بنظرة سريعة حادة ولأول مرة وكأنه يخبرها بأن تصمت وتبتعد ولا تتدخل فهذا هو الوقت المناسب لتصفية الحساب مع حسام فلن يجد فرصة أخرى ليستفرد به ويذكره بكل ما نسيه ويتناساه ، أعاد بنظراته إلى حسام الذي تلون وجهه من الغضب والذي بدوره كان مستعدا للقتال مع ابن عمه الذي لا يكف عن الثرثرة بكلام لا داعي له كما يضن وتذكيره الدائم له بكونه احد أفراد هذه العائلة هذه الحقيقة التي تقتله وتعكر مزاجه ليتخلل كل تلك المشاحنة والجو المشحون بشحنات سالبة مفعمة بالكره والحقد ذلك الصوت الجهوري الذي هز أركان القصر قائلا :
- يكفي توقفا وأنتما كالأطفال ..
شهقت زهرة خوفا ضامه يديها إلى صدرها تنظر إلى مصدر الصوت في حين اعتدل طارق في وقفته سريعا وبارتباك واضح لينحني بكل احترام لوالده أما حسام فلم تغادر ملامح الاستياء وجهه أبدا وهو يرمق عمه الإمبراطور عامر بغل وكأنه يخبره بتلك النظرات انه هو السبب في كل ذلك فهو لم يأتي إلا بعد إصرار شديد منه وهو يعرف موقفه منهم جيدا ، نفض حسام سترته حين توجهت نظراته لطارق المنحني بكل احترام لوالده رامقا إياه باستحقار واستنقاص ليهمس بسخرية لاذعة شديدة الاستفزاز قائلا له بعد أن انحنى لمستوى أذنه مما جعل ملامح طارق تتصلب بجمود كاد يفتك بقلبه ووجهه لم يزدد إلا شحوبا وكأن الدماء سحبت منه :
- جبان ..
حينها زفر طارق بضيق شديد ينفث إعصار حارق من جوفه ، شد قبضته بقوة طالبا مزيدا من الصبر والهدوء كم يكره هذه النبرة الساخرة وكم يكره هذه الكلمة التي تصيب قلبه في مقتل كسهم حاد قبل أن تطرق مسامعه في حين لم يتوقف حسام عن نعته بها دائما ويذكره بأنه جبان ويتبع الغير لا يتخذ قراراته بنفسه بل يتركها للآخرين يتصرفون بها كيف شاءوا يعيش حياة رسمها له الغير ليست من تخطيطه ، هو يسير خلفهم دون وجهه محددة ودن هدف ، أغمض عينيه بقوة حين قال الإمبراطور عامر بنبرة جادة آمره قاطعا كل تلك الهواجس المزعجة :
- اعتذر يا طارق من ابن عمك حسام وحالا ..
حينها فقط شحب وجه طارق ورفع عينيه ينظر إلى والده بقوة في حين اتسعت عيناه بصدمة وكأنه رأى شبحا أمامه ، علت ضربات قلبه معلنة للجميع مدى غضبها وألمها ، توقفت أنفاسه وكأنه سيموت قريبا هل ما سمعه صحيح ؟! أحقا يطلب والده الآن منه الاعتذار ؟! لماذا لم يكن هو المخطئ أبدا ؟! لماذا عليه الاعتذار ؟! متى سيعترف به والده ويقدر مشاعره كابن له ؟! لماذا والده يحب حسام كل هذا الحب وهو لا يجني منه سوى التوبيخ والأوامر وهو الذي يصارع كل من حوله بقوة ويبذل كل جهده لإسعاد والده وجعله فخورا به دائما ؟! ، هز رأسه بخفة ليبعد كل تلك الأفكار السوداء والتساؤلات التي لا يلقى لها إجابات مهما فعل ليتنهد بكل ضيق وغضب مطلقا أنفاسا حارة وساخنة تكاد تحرق القصر بأكمله ، حينها رفع رأسه بعد أن عاد إليه جزءا من هدوئه والتي كانت بسبب تلك اليد الناعمة والحانية التي كانت تمسح على ذراعه لتمده بالقوة وتثبت له أنها هي سنده مهما انقلب الكل عليه ، وجه نظره إلى حسام الذي كان بدوره يرمقه بسخرية شديدة وكأنه يذكره بكلامه سابقا بأنه جبان يجري خلف الآخرين ولا يستطيع أن يثبت نفسه ، لا يجدي نفعا إلا في إتباع أوامرهم كعبد مملوك ، ابتسم طارق بخفة وقال بنبرة جافة وباردة يلفها الأدب الراقي :
- بصفتي الأمير طارق أقدم لك اعتذاري أيها الأمير حسام ..
وشدد على آخر كلمتين نطقها وعيناه مرتكزتان بثبات في عيني حسام وكأنه يخبره ويذكره بأنه أمير ومن العائلة رغما عن انفه شاء ذلك أم كرهه ليزفر الآخر بغضب اشد منه بعد أن وصله المعنى المقصود وملامح الاستياء بادية على وجهه ، هز الإمبراطور عامر رأسه بيأس فكل هذا وهو لم يبدأ بالاجتماع والذي يخاف أن ينتهي بشجار عنيف ستترتب عليه جروح وضحايا اثر الموضوع الذي يريد أن يثيره بينهم فقال منهيا للجو المشحون الذي لن ينتهي أبدا بين أبناء العم كما أبناء العائلة :
- والآن لنعقد اجتماعنا العائلي ..







نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 07:49 PM   #23

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الخامس عشر ..
.
.

[ خروج الشر من مخبأة ]
.
.

في ذلك الزحام وبين حشود الناس اخذ يسير بمرح يدندن لحنا يضم قبضتيه خلف رأسه وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه وهو يرمق الذي يسير بجانبه شاحب الوجه صديقه الوسيم العابس دائما كما يقول في نفسه دائما ، يديه في جيوب معطفه ذو الياقة الكبيرة التي يرفعها لتغطي اغلب وجهه مما يزيد من وسامته وخصلات شعره البني تتلاعب بها الرياح بخفة ، لاحظ الآخر نظرات الاستفزاز التي يرمقها به رامي وسرعان ما أشاح وجهه جانبا ينظر إلى الأسواق الصغيرة المتراصة التي يجتمع عدد كبير من الباعة منهم من يبيع قطع القماش للحلي ومنها الفواكه والخضر ، تنهد بضجر واضح فهاهو انتهى به المطاف يسير مع رامي في وسط المدينة المكان الذي يعاكس صفاته بالكامل فهو لا يحب الأماكن الصاخبة المزدحمة وإنما الهادئة والخالية ، ربما يعود طبعه هذا لمعتقداته التي ارتسمت في دماغه منذ زمن طويل بأنه سبب كل شي سيء يحدث لمن حوله فيرى بأن الابتعاد عن الجميع خير سبيل ، صرخ رامي بحماس قائلا :
- هاهو ذا أفضل مطعم على مستوى الإمبراطورية بالكاااامل ..
وأنهى جملته بضحكة عالية متوترة وهو يرى تلك النظرات الحادة التي يرمقه بها وسام والذي ضحك ضحكة صغيرة تهكمية وماكرة وهو يشير برأسه خلف رامي بحركة استفزازية قائلا بمكر :
- اااه صحيح صحيح لا بد أن يكون الأفضل لان تلك الجميلة من تبي....
صرخ رامي بقوة شاحب الوجه ليقطع وسام من الاسترسال في حديثه فهو يعلم بأنه تمالك نفسه كل تلك الطرقات التي قطعوها ولن يرحمه الآن بل وكما يبدو بأنه سينفجر فوقه ويسلخه بكلامه المعسول ذاك والذي يبدو للمرة الأولى يستخدم جُمَله وعباراته التي كان يتشدق بها ويسخر ويعيدها له وينتقم شر انتقام ، جذبه يمسك بمرفقه بكلتا يديه متوجهان نحو البوابة الخشبية والمعلق على بابها لوحة من الخشب الأسود المحفور عليها ( أهلا بكم ) باللون الأبيض ، دفعه بقوة بيده والأخرى لا تزال تمسك بمرفق وسام ليصدر ذلك الجرس المعدني الصغير المعلق بالباب صوت رنينه المميز معلنا عن دخول احدهم ، دلفا داخله والذي كان عبارة عن مساحة كبيرة مغلقة بجدران طويلة تنتشر فيها الأعمدة الخشبية والمعلق فيها شمعدانات للإضاءة التي تتميز بلونها الأصفر لتعطي انطباع هادئ للمكان ، سقف منخفض من السعف يتخلله ضوء الشمس من بينها زينت جدرانها بالشموع أيضا لمزيد من الإضاءة ولوح بأحجام مختلفة لرسومات طعام وفواكه وبعض الطبيعة لرسامين ماهرين من شتى البقاع ، على الجهة اليسرى يوجد لوح طويل يستعمل كطاولة مستطيلة الشكل من الخشب خلفها تقف امرأتان ويبدو بأنهن فتاة وأمها لو نظرنا في فارق العمر والشبه الكبير بينهن ، توجد صناديق ورفوف كثيرة خلفهن مليئة بالعصائر المتنوعة والفاكهة ويوجد باب بجانبه يوصل للمطبخ لطبخ الوجبات من أرز ولحم ودجاج وخضر وغيرها من الأطباق الشهية التي اشتهر بها المطعم ، في الجهة المقابلة للطاولة الخشبية الطويلة تتوزع بعض المقاعد الدائرية الملاصقة لها والتي غالبا يجلس عليها من ينتظر طبقه ليأتيه فيأخذه ويجلس على الطاولات الخشبية الصغيرة والتي تلتف حول كل طاولة أربع مقاعد من الخشب أيضا ، تقدم رامي مبتسما بمشاكسة يرمق التي كانت تمسح الطاولة الخشبية بقطعة قماشية صغيرة وأول ما نظرت إليه أشاحت بوجهها جانبا مكتفه ذراعيها لصدرها تزفر بغيض وكم يبدو بأن هذا الضيف لم يرق لها أبدا ، ترتدي فستان اخضر عشبي كعينيها تماما بأكمام قصيرة يصل طوله إلى نصف ساقها ترتدي فوقه قطعه قماش بيضاء مربوطة في حزام حول خصرها تحوي جيبان كبيران ، ترفع شعرها الأشقر القصير للأعلى تربطه برباط صغير في حين تسللت بعض الخصل القصيرة على جبينها وحول وجنتيها كما رقبتها ليعطيها منظر الفتاة الجميلة المشاكسة الغير مبالية بمظهرها كثيرا ، جلس رامي على احد المقاعد الدائرية يستند بمرفقيه على الطاولة الخشبية والتي تفصل بينهم وقال مبتسما يقصد بكلامه العجوز وعيناه لا تزالان معلقتان على جانب وجهها وهي لا تزال تشيح بنظرها عنه تزم شفتيها بضيق يكاد يقسم بأنها تمسك نفسها بصعوبة عن الكلام والصراخ كعادتها :
- كيف حالك يا خالة .. ؟!!
ابتسمت العجوز له والتي مدت بالعصير للذي كان يقف أمامها ليشكرها وينصرف :
- بخير يا بني كيف حالك أنت ؟! ولماذا لم تعد تزرنا لمدة ..؟!
ضحك حينها بصوت عالٍ وهو يراقب تلك الغاضبة التي استدارت متوجهة نحو غرفة المطبخ ليوقفها صوته قائلا بمشاكسة وعيناه لا تزال تحاصرانها بمكر :
- بخير بخير يا خالة ، وكيف حال جوجو يا تُرى .. ؟!!
استدارت نحوه ترمقه بغضب وقالت بحده تنظر إلى عينيه مباشرة وتشير بسبابتها نحوه :
- لا تنادني بجوجو أتفهم يا هذا ..
في حين تنهد الشخص الآخر بكل كره والذي يبدو بأن لا احد لاحظ وجوده كم يكره مشاكسات رامي ومضايقته للجميع وكم يكره هذا المكان وتجمعات الناس وأكثر شي يكره هو تلك الشقراء وحركاتها الصبيانية التي لطالما أثارت أعصابه وأخرجته عن طوره ، تقدم بهدوء بخطوات غير مسموعة يدس يديه في جيبي معطفه هامسا بشتائم عدّه والتي يبدو أنها كانت من نصيب كل من حوله ولم يسلم منها أي احد حتى الجدران والطاولات والمقاعد والتحف والأزهار لم تسلم من شتائمه ليجلس بجوار رامي يفصله بينهم مقعد واحد معاكس له في طريقة الجلوس يتكأ بظهره على الطاولة الخشبية يعطيهم ظهره يهيم بنظره في اللوح المعلقة ويتجنب النظر لكل من حوله مما أعطاه مظهر الشاب المتعجرف المغرور الذي حتى التحية لا يتنازل ويلقيها عليهم ، تغيرت ملامحها في لمح البصر لترتسم ابتسامة واسعة على ثغرها ترمق وسام بسعادة لا تصدق انه أتى للمطعم ثانيتا بعد أخر لقاء لهم والتي لم تسلم من لسانه الساخط والذي انفجر فجأة عندما طلبت منه الزواج منها بعد أن باحت له بمشاعرها نحوه فرمقها بحدة حينها ونعتها بالطفلة البلهاء والكثير من الشتائم التي تسببت في سجنها في غرفتها يوما كاملا لا تتوقف عن البكاء ليس بسبب تلك الشتائم التي قالها لها بل بسبب أخر جملة قالها لها وهي ( كم اكره تصرفاتك ، فاغربي عن وجهي فأنا لن أكون لكِ ما حييت ) ، نظرت إليه بدهشة وسرعان ما تغيرت خطواتها لتتجه نحوه والذي كان يعطيها ظهره ولم تبالي بمن كانت تصرخ به بحدة قبل قليل والذي قطب حاجبيه منزعجا منها ومن تجاهلها له وكأنه جدار من جدران المطعم ولم تبالي بمشاعره التي ضربتها عرض الحائط ولم تلتفت له ، قالت باندفاع وابتسامة واسعة تنظر إلى قفاه :
- كنت اعلم بأنك ستعود وتعتذر عما قلته لي سابقا وها أنا أسامحك يا وسام ..
لم يتحرك ولم يتحدث ولم يرمش وكانت متأكدة بأنه لا يتنفس أيضا لم تظهر عليه أي ظاهره تدل على انه كائن حي حينها فكان أشبه بتمثال حجري منحوت بحرفية شديدة يجلس على المقعد فبدأت ابتسامتها بالتلاشي تدريجيا والتي ما لبثت قليلا إلا وعادت لترتسم على محياها عندما لمحت شفتيه تتحرك لكنها من فرط سعادتها لم تنتبه ولم تسمع ما قاله وكأن تصلبه وجموده انتقل لسمعها ، أقال شيئا أم كان يهمس لنفسه كعادته ؟! طال الصمت بينهم فتنهد وسام بخفة وقال هامسا ببرود بعد أن رمقها سريعا ببرود اشد بعينيه العسلية الباهتة :
- العصير يا بلهاء ..
رمشت عدة مرات بصدمة ودهشة علت ملامحها الجميلة هل نعتها بالبلهاء مجددا وبعد كل الذي حدث بينهما ؟! الم يتأثر بعد اعترافها له بحبها ؟! ألا يقدر كونها هي من بدأت بفتح قلبها له وأخبرته بكل ما في قلبها بصدق كما تضن ؟! لماذا لم يراعي خجلها منه ؟! وأين يصنف الحب والاعتراف في قائمته هل تندرج تحت القائمة الخاصة بالأعداء يا ترى أم ماذا ؟! ، ضربت على الطاولة بيدها بعد كم الأسئلة التي تقاذفت في رأسها دفعة واحدة وقالت بحدة تنظر إليه بغضب :
- كف عن مناداتي بالبلهاء لماذا لا تراعي مشاعري قليلا يا وسام أهذا جزائي بأنني بح....
قاطع رامي الجو المشحون بابتسامته المعتادة بلمحة الضيق في عينيه منها ومن تصرفاتها وظهر ذلك من تغضين جبينه قليلا قائلا يقصد العجوز بكلامه :
- خالتي من فضلك طبقي المعتاد من يديك الرائعتين ..
أماءت برأسها إيجابا مبتسمة له وسحبت ابنتها متداركة للوضع قبل أن يسوء أكثر قائله بهمس موبخه لها تجرها خلفها إلى المطبخ :
- هيا يا جنى تعالي وساعديني وكفي عن الصراخ كالأطفال فسنفقد زبائننا بالتأكيد بسببك ..
وما أن اختفيا حتى تنهد رامي بضيق فقال لوسام هامسا ينظر حيث اختفيتا :
- هيه وسام ألا تعتقد بأنك قسوت عليها بكلامك ..؟!!
ضحكة ساخرة لا تحمل أي معنى هي كانت ردة فعله قبل أن يستقيم بكل هدوء ليغادر ، همس له ببرود يشبه الصقيع بعد أن كان خلفه مباشرة وهو يسير بخطواته الهادئة :
- أحمق ..
التفت رامي سريعا له لكنه لم يرى إلا الباب يغلق خلفه ورنه الجرس الصغير تصدح في الأرجاء ولا وجود له ، تنهد بقلة حيلة فوسام طيلة السنوات التي عرفها فيه لم يكن ذو لسان حاد لدرجة التجريح إلا إذا كان يحدث احد المجرمين أو اللصوص في بعض مهماتهم فقط أما الغير فغالبا ما يتجنبهم هم والحديث معهم ، كانت لديه بعض الشكوك حولهما وكان يظن بأن هناك شيء حدث بين وسام وبين جنى ويجهل كل تفاصيله لكن الآن تأكدت شكوكه من هذه المحادثة المشحونة السريعة وعلم لماذا وسام لا يحب هذا المكان ولا يكاد يطيقه ويجب عليه أن يعرف كل شيء بالتفصيل ربما من باب الفضول أو ربما الغيرة وهذا الأرجح لأنه تنهد بضيق شديد عندما وصله صوتها الغاضب يخرج من المطبخ وتلك العجوز المسكينة تحاول أن تسكتها بشتى الطرق حتى أنها شتمتها في النهاية لتصمت لكن يبدو بأن ذلك لم يجدي معها نفعا وكيف تصمت وهي ومشاعرها تهانان بهذه الطريقة القاسية ألا مبالية من وسام ، ابتسم رامي بخفه وقال بهمس ماكر واثق :
- مصيرك لي يا ابنه ارضي ويا من تشاركيني الدماء نفسها ..

*****

ضحك بقوة ضحكة عميقة ورجولية بنبرتها الخشنة والمسيطرة يرفع رأسه للأعلى بكل شموخ حين زلزلت أركان مكتبه الواسع والفخم تلك الضحكات التهكمية ، يجلس خلف مكتبه الخشبي الكبير وهو يقرأ ما خُط على الورقة التي يمسكها بيده بعد أن طواها أربعا وادخلها في إحدى الكتب أمامه والتي انتهى توا من قراءتها ، رفع نظره للذي يقف أمامه منحنيا باحترام شديد عيناه أرضا والذي سلمه تلك الورقة فقال جاسم حينها :
- أخيرا ما انتظرته من عشر سنين ها هو يبدأ الآن ..
ضحك مجددا ضحكة صغيرة وعميقة واثقة لا تدل إلا على قوة صاحبها وتهكمه الشديد وكأنه يعلم مسبقا بمجريات ما حدث :
- اضطراب القصر وعائلة الإمبراطور عامر والمشاكل التي حلت بالحدود الجنوبية المتمردة ..
مد يده واضعا إياها أمام ناظريه ينظر إليها مبتسما وسرعان ما قبضها بقوة وقال :
- عصفوران بحجر واحد ..
اخذ يحك ذقنه ولحيته المشذبة بعناية بعد أن فك قبضته وتلك الابتسامة الخبيثة لم تفارق ثغره ينظر لمن يقف أمامه ولكنه كما لو كان يحدث نفسه وقال بعد أن أطلق صوتا يدل على الإعجاب :
- كم أنا عظيم ، عظيم جدا ..
فرقع بأصابعه وقال بأمر ينظر إلى الذي يقف أمامه بكل احترام :
- سيف وبهاء الآن يكونان هنا ..
عاد مهند للخلف خطوتين بعد أن استأذن باحترام للمغادرة قائلا :
- أمرك سيدي ..
هز رأسه يمينا وشمالا مبتسما بتهكم لا يصدق بأنه أخيرا سيبدأ بخطوات خطته التي استغرق عشر سنوات لكتابتها ولتخطيطها ودراسة كل جزء فيها لقد وضع النقاط على الحروف أخيرا واتضحت أمامه كل الطرق التي تؤدي إلى حلمه الذي لطالما سعى جاهدا على تحقيقه ، طرقتين على الباب تبعها دفع له بهدوء شديد قبل أن يقف أمامه ثلاثتهم مهند والذي تجاوز الثلاثين من العمر خادمه المخلص وذراعه اليمنى واحد ضباطه الأوفياء يليه بهاء الشاب النزق اللعوب غريب الأطوار كما يسميه الأغلب بتسريحة شعره الغريبة يرفع جزئا للأعلى يمسكه برباط صغير والآخر يتدلى على كتفيه يربط على جبينه قطعة قماشية سوداء كلون شعره طويلة يكاد يصل طولها إلى ركبتيه ملتفة حول رأسه ، ذراعيه العاريتان تكاد تكونا مصبوغتان بالسواد من كثر النقوش الغريبة التي يرسمها عليها ، يحب الحلقات المعدنية بشتى أنواعها وأحجامها يرتديها حول معصمه ويزين بها أنامله ويغرسها في أذنيه لا احد يعلم كيف له ذلك ومن أين جاء بتلك العادات الغريبة ، في حين يقف سيف مبتعدا قليلا للخلف ابتسامة ساخرة تزين شفتيه يضع عودا خشبيا في فمه كعادة اعتاد عليها سابقا يرفع خصلات شعره للأعلى دون مبالاة ، صمت طويل يحمل الكثير من الهواجس المرعبة سيطر عليهم قاطعه أخيرا جاسم بقوله :
- الإمبراطورية الخضراء وجهتنا يا شباب سوف نقوم بتحركنا قريبا وقريبا جدا كونوا على أتم الاستعداد ..
ثم اتبع قائلا بنبرة آمره ومحذرة :
- خطة وستسيرون عليها بالحرف الواحد وأي خلل قد يحدث بسببكم سيكون العقاب صارم جدا ولن أتساهل معكم فيه ..
صوت صرير الكرسي على الأرضية اتبعه وقوفه ليظهر لهم طول قامته وضخامة جسده ، قال وهو ينقل نظراته بينهم واحدا واحدا بثقة متفجرة كما لو انه يبث فيهم من قوته ويزيل فكرة كونه سيترتب على أدائهم أي خطأ :
- كما أنني أثق بكم يا شباب بعد كل السنوات التي قضيناها في التدريب والقتال لن يذهب تعبي سدا بالتأكيد ..
أومأ له ثلاثتهم بصياغات مختلفة وأصوات متفاوتة ليقولوا معا :
- أمرك سيدي ..
ضربوا التحية له وانحنوا بخفه احتراما وغادروا واحدا تلو الآخر بهدوء بعد أن وصلهم المهم وعلموا مالذي يتوجب عليهم فعله الآن والبدء بالشروع فيه والاستعداد له ، كان سيف آخرهم يسير بخطواته الهادئة واللا مبالية وما أن عتبت قدميه خارجا حتى أتاه صوت جاسم هامسا له ينظر إليه بتركيز :
- اقتربت مواجهتك يا سيف ، كم أنا سعيد لأجلك لذلك كن مستعدا ..
انقبضت أنامله بقوة كما قلبه وكم أزعجه انقباض قلبه ذاك أهو خائف من المواجهة كل هذا الخوف ؟! أم انه اشتاق لرؤيته فهو لم يراه منذ عشر سنوات ؟! أم لسبب أخر يجهله ؟! ، هز رأسه بقوة نافيا لتك الأفكار الحمقاء فهو مستعد جدا للمواجه ولم يشتق له أبدا ولا لرؤيته الخائن الذي خانه هو وفارس وولى هاربا منقذا لنفسه فقط ولم يفكر في غير نفسه ذلك المغرور الأناني ، قاطع جاسم حبل أفكاره التي داهمته وهو ينظر إلى قفاه الذي لم يستدير ليواجهه وشعر حينها بأن هناك خطبا ما :
- كن قويا يا سيف كما عهدتك دائما ..
استدار سيف بوجهه فقط فالتقت أعينهم حين غضن جاسم جبينه مستنكرا تلك النظرة التائه والتي تحولت سريعا لنظرة قوية لم يخفى عليه بريق الحقد فيها بوجهه الشاحب وتلك القطرات الصغيرة التي تجمعت أعلى جبينه دليل على انه يمر بحالة نفسيه من الصراع الداخلي الشديد وضغط عالي وقال وكم بدا مشتتا وضائع بعد هزه خفيفة من رأسه :
- لم اصبر كل هذه المدة وأسعى جاهدا لأجلها لأضعف عند آخر لحظة سيدي ..
واختفى من أمامه بسرعة وكأنه ذاب في الهواء حين ارتفعت زاوية شفتي جاسم بابتسامة تهكمية وتمتم لنفسه قائلا :
- أنت ورقتي الرابحة يا سيف خصوصا بعد أن علمت مالذي كان يخفيه عنا ذلك الفارس النابغة ..
ثم أكمل بعد ضحكة صغيرة لم تعبر إلا عن شعوره بنشوة الانتصار :
- أنت جسر عبور يا سيف لأصل لرغباتي الشخصية ليس إلا ..
فانطلقت ضحكاته العميقة والتهكمية ذات النغمة الخبيثة وهو يستدير ويسير ببطء نحو الرفوف الخشبية الكثيرة ليخرج كتابا يقرأه ويسلي نفسه به إلى أن يحين الوقت الموعود للخروج ومواجهة التحدي الكبير الذي سيشهده العالم بأكمله .










نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 07:51 PM   #24

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل السادس عشر ..

.
.

[ زيارة العيادة ]

.
.

يجلس على العشب الأخضر على تل صغير بعيدا عن الكل وضجيجهم الذي لطالما كرهه ، ناصبا ركبته أمامه يرح مرفقه عليها بينما يده الأخرى تلعب بسكين يمررها من بين أنامله الطويلة بتناغم شديد وبكل خفه وحرفيه ينظر إلى أسفل التل حيث تجمعات الناس يراهم يتحركون دون توقف ويتساءل كيف لهم أن يعيشوا بهذه العشوائية وفي وسط الإزعاج الدائم ؟! ، شاحب الوجه خصلات شعره البنية تتراقص مع نسمات الهواء العليلة ، قطب حاجبيه منزعجا وتنهد بضيق عندما أحس أحدا يقف خلفه كم يكره أن يجتاح أي شخص عزلته وهدوئه الذي يحب أن يحيط به نفسه دائما ، التفت ذراع رامي حول عنق وسام وهمس في أذنه بعد أن جلس بجانبه :
- آسف يا وسام إن كنت ضايقتك في طلبي لك بالقدوم إلى هنا ..
أشاح بوجهه ولم ينطق بأي كلمة ، قال رامي بعد أن طال صمته يمد إليه بيده الأخرى التي تمسك بكأس العصير :
- تفضل عصيرك الذي طلبته ..
ثم تابع يرمقه بخبث بابتسامة ساخرة :
- الآن أنت مدين لي بالمال فلا تنسى أني أنا من دفع ثمنه ..
نظر إليه ببرود ثم إلى العصير في يده ثم أعاد بنظره إليه وقال ببرود وكأن شيئا لا يعنيه :
- اشربه أنت إذا ..
هز رأسه مبتسما وقال :
- كانت جنى تصر على أن تحضره لك لكني أصررت بأني أنا من سيأخذه لك ويبدو لي بأني تسرعت ليتها هي من أحضرته كي تشربه ولا ترفضه ..
وما أن أنهى جملته حتى اتسعت عينيه متصنما في مكانه مجفلا بصدمه حين استل وسام الكأس من يده بسرعة فاقت سرعة الصوت ورماها من أعلى التل بطول يده ولم يسمع إلا صوت تكسر الزجاج وتفتته وانسكاب العصير على الأحجار بعد أن تطايرت قطراته في الهواء ، ابتلع رامي ريقه وقال بابتسامه صفراء ومعالم الخوف والدهشة لا تزال عالقة في قسمات وجهه:
- اسحب كلامي الحمد لله أنني لم اتركها تأتي لكانت جثه الآن أسفل هذا التل ..
ففاجأه وسام هذه المرة بأن ابتسم نصف ابتسامه وهو ينظر للبعيد قائلا بهمس متهكم ساخر :
- نعم وكان الآن أنت تبكيها كالأطفال وتطلب منها ألا تترك وحيدا ، فأنت لن تستطيع العيش بدونها طبعا ..
ضيق رامي عينيه بضيق شديد مكتفا ذراعيه لصدره هاهو وسام لازال يسخر منه ويغدقه بالكلام المعسول مرة أخرى وكأنه يتسلى به وبمشاعره ، يعلم تماما بأن وسام من الذكاء أن يربط كل الحقائق حوله لينسج الحقيقة حتى لو لم يخبره احد بها فبالتأكيد انه يعلم بأنه يكن لجنى المشاعر والتي يبدو بأنها لا تهتم به ولا بمشاعره وتفضل صديقه عليه ، قال رامي بغضب :
- اخرس يا غبي يا منبوذ يا من لا تعرف شيء عن الحب وعن النساء بصفة عامة ، اشك بعض الأحيان انك إنسان بشري ..
قال آخر جملته لكي ينقض نفسه من الاهانات المتتالية ويسخر منه لكنه خاب أمله حين قال وسام ببروده المعتاد والذي يكرهه رامي بشدة وخصوصا الآن وهو لا يتوقف عن السخرية منه وكم تمنى بأن يلكمه على وجهه بقوة محطما وجهه الوسيم ذاك الذي خطف قلوب اغلب النساء لكنه تمالك نفسه بصعوبة بعد أن قال وسام :
- نعم فأنا تركتهم لك ..
أشاح رامي بوجهه بعيدا عنه مطلقا تنهيدة حانقة وغاضبة كادت أن تفجر له صدره إن لم تخرج ، طال الصمت بينهما ومات أمل رامي الكسير بأن يعتذر وسام له عما قال لكن لا اعتذار يلوح في الأفق كما يبدو ، تنهد مجددا ورمق الذي يجلس بجانبه على نفس الوضعية ولم يتحرك قيد أنمله ينظر في اللاشيء وكم يستغرب منه فمرات كثيرة دب الخوف في صدره لا يعلم هل الذي بجانبه حي يتنفس أم انه ميت لا روح فيه ؟! وكم يحسده على هدوئه المميت ذاك ، قال رامي بهدوء حذر يتأمل جانب وجه وسام :
- وسام مالذي جرى بينك وبين جنى ، اخبرني بالحقيقة ..
أفلتت من وسام ضحكة صغيرة وقال ساخرا يرمقه بعينيه العسلية التي اختفى اللمعان منها :
- لا تخف فلن اسرقها منك ..
زم شفتيه بغضب وكاد أن يتكلم لولا قاطعه وسام والذي بدا التردد واضح في تعابير وجهه بقوله بعد تفكير طويل جاهد نفسه على إخراج الكلمات التي يجهل معناها الحقيقي لكنه قد سمعها سابقا من احد الجنود في المعسكر وهم يتحدثون عن النساء ولكي يزيل أي شك عالق في ذهن رامي بأن بينه وبين جنى أي شيء اضطر لاستخدامها حتى لو لم يفهمها جيدا ويقتنع بها حينها قال:
- لا تقلق فهي ليست من نوعي المفضل إطلاقا ..
حينها لم يستطع رامي أن يمسك نفسه عن الضحك فانخرط في نوبة ضحك مجنونة كادت أن توقف له قلبه وتقضي عليه وقال أخيرا بعد أن استطاع إخراج الحروف من بين ضحكاته بصعوبة :
- وهل لديك نوع مفضل من النساء ؟! اقسم انك لا تطيق جنسهن بالكامل ولا تعلم عنهن أي شيء ولا حتى كيف تُنطق اساميهن ..
رمقه وسام ببرود معاكسا ما كان يتوقعه منه رامي وهو الغضب والزمجرة بالصوت العالي والدفاع عن نفسه ولم يتحدث بأي كلمة لأنه يرى بأنه ليس مجبر على توضيح وجهه نظره والبوح بكل ما يلوح في خاطره وهو أن يعيد لرامي بسمته كما يترك له تلك الشقراء ، فرامي محق هو لا يعلم عنهن شيء ولم يصبه الفضول الغريزي يوما لمعرفه أي شيء عنهن ولو الأمر بيده ما كان قابل أي منهن ولا حتى بالمصادفة ولا يعلم مالذي يخبأه له الزمن من أسرار ومفاجآت ، نهض ينفض الغبار عن معطفه وقال :
- هيا يجب علينا زيارة العيادة لتعقيم جرحك فأنا ألاحظك لا تستطيع تحريك ذراعك كما في السابق ..
ابتسم رامي لصديقه الذي مهما تشاجرا وغضبا من بعض إلا أنه يبقى يهتم به ويلاحظ كل تغيير يطرأ عليه والأهم بأنه يعلم كل شيء عنه ولا ينتقده وأكبر دليل هو رفضه التام لجنى وحتى النظر إليها أو التحدث معها لأنه يعلم بمشاعره نحوها فاحترمها بنبل أخلاقه وهو ليس بالغبي لكي لا يلاحظ كل ذلك حوله صحيح بأنه آذى جنى في كل هذا ولكنها يبدو بأنها تستحق فهي وشخصيتها المشاكسة لا يمكن التصرف معها إلا بتلك الطريقة لكي تتوقف عن تصرفاتها التي لطالما وسام نعتها بالصبيانية .

*****

تنهدت بارتياح وابتسامة جميلة تزين شفتيها الورديتان حين جمعت كل تلك الأوراق أمامها والتي وقعت عليها كلها بعد أن ملأت اسطرها بملخصات وتعابير لا يفهمها إلا من يمتهن مهنتها ، تنظر للأوراق بين أناملها البيضاء تدقق عليها كمراجعة أخيرة وكي لا تنسى أي شيء من أسماء المرضى الذين زاروها وأدويتهم الخاصة إلى بعض المستلزمات التي نقصت في العيادة ويحتاجون إلى المزيد منها فيطلبون من هم مختصون بها ليرسلوها لهم في الوقت المناسب ، لم تنسى أيضا التاريخ والوقت والجرعات التي صرفتها لمرضاها ولمرضى حسام أيضا فهي اليوم تقوم بالعمل في العيادة لوحدها وتستقبل جميع المرضى من رجال ونساء أطفال وبالغين وكم أنهكها ذلك رغم أنها لم تجتز إلا الفترة الصباحية وتنتظرها فترة الظهيرة إلى المساء ولا تعلم متى سيعود حسام ويرحمها من العمل قليلا كل ما تعلمه أنها يجب عليها أن لا تتكاسل في أداء عملها وتقوم به على أكمل وجه ، تمتمت لنفسها بابتسامة رقيقة تشبهها في صفاتها :
- لقد انتهيت ، كم هذا رائع ..
وختمت جملتها بضحكة صغيرة تشجع نفسها بها على العمل بجد ومواصلة يومها ولكي تبقى متنبهة ومستيقظة حتى وقت الظهيرة والتي كانت غالبا ما تذهب فيه إلى منزلها لأخذ قيلولة قصيرة يتوجب عليها اليوم البقاء طيلة الوقت فنهضت لتعد لها كوب قهوة عله يساعدها في استعادة نشاطها وحيويتها ، همسات منخفضة تبعتها ضحكات مكتومة لشخص يبدو بأنه مجبور على كتمان ضحكته تبع رنة الجرس الصغيرة المعلق على الباب الخارجي والذي يُعلق على جميع الأبواب للاماكن العامة كالمطاعم والعيادات وبعض الأسواق المغلقة ليعلن عن وجود زوار في الداخل جعلها تغضن جبينها باستغراب فلم يزرها احد لأكثر من نصف ساعة ولم تتوقع قدوم أي أحد الآن لأن غالبا ما تكون المراجعات للمرضى في الفترة الصباحية والمسائية فقط إلا إذا كانت حالة طارئة وهذا ما خطر ببالها متناسيه سماعها لتلك الضحكات والتي من المستحيل أن تكون لشخص حالته طارئة ، قفزت مسرعة في خطواتها لتتوقف فجأة مما جعل خصلات شعرها الأشقر الطويل تتطاير في الهواء في مشهد أذهل الشخصان الواقفان أمام الباب وإن لم يظهر ذو الخصلات البنية دهشته على ملامحه إلا انه يستحيل أن ينكر ذلك لكنه أخفاه بمهارة تحت قناع البرود الذي يلبسه دائما أما الآخر ففغر فاه بدهشة أكثر من كونه إعجابا بها لأنه كان يسخر قبل قليل من وسام وهو يكرر على مسامعه نفس العبارة بأنه أحمق وغبي ولا يعلم متى تغلق العيادة ومتى يسمح للمرضى بالقدوم لهم وكان يسخر منه بأنه هو من سيرتدي معطف التمريض ويقوم بتعقيم جراحه لأنه لا وجود للطبيب ويضحك عليه ساخرا لكنه صدم حقا بأن خرجت لهم هذه الفتاة والتي علم أنها ممرضة لأنها ترتدي معطف التمريض الأبيض ، في حين كانت الدهشة والصدمة من نصيب الواقفة أمامهم وعيناها لم تفارقا تلك الأحداق العسلية فهمست بعدم تصديق :
- و..وسام ..!!!
فنقل نظره من عينيها الزرقاء إلى ما خلفها إلى اللاشيء بسرعة ينظر ببرود بعينيه الباهتتين ، لم يرد أن يشيح بوجهه عنها فيؤذيها بحركته تلك لكنه حقا لا يعلم لما أراد الهروب من النظر إليها والى عينيها تحديدا ، تنقلت عينا رامي المفتوحة على اتساعها بدهشة ينقل نظره بينهما يعجز عن تركيب صورة واضحة في رأسه أو تكوين أي فكرة عما يجري حوله في فترة الصمت الطويلة التي وقعوا كالأسرى فيها ، قاطع ذلك الصمت همس وسام الذي جاهد نفسه فيه لأنه وُضع محط أنظار الجميع في موقف صعب يجب عليه الخروج منه بأي طريقة نظراتها المتسائلة والمنتظرة لردة إلى نظرات رامي المندهشة والمستغربة يكاد ينقض عليه ليعلم بما يخفي من الأسرار فخرج صوته عميقا رغم البرود الذي يلفه قائلا :
- كيف حالك مايا ..؟!!
اتسعت ابتسامتها وتقدمت نحوه دون شعور منها حتى وقفت أمامه مباشرة تنظر إليه بسعادة نظرة من كان ينتظر شخصا مسافرا وعاد بعد غياب دام لسنوات ، جمعت يديها أمام صدرها وقالت برقة :
- بخير يا وسام حقا أنا لا اصدق عيناي انك تقف أمامي بعد غيابك الطويل ..
نظر إليها بصمت لا يعرف بماذا يجيب أو ما هو التعبير المناسب الذي يقوله لها بعد هذه المدة من الغياب فهو كما قال عنه رامي سابقا لا يعلم عنهن أي شيء ولا يفقه في أمورهن الكثير ولا أحد يلومه على ذلك مع ذاك الماضي الصعب ولم يضع في حساباته بأنه سيجدها الآن لما اختار هذا الوقت فهو يعلم تماما بأنها تعود لمنزلها لأخذ قسط من الراحة فترة الظهيرة لكان أجل وقت تعقيم جرح رامي إلى المساء ربما ولم يصر عليه لكن الندم لا ينفع الآن بعد أن وقع ضحية ما يخشاه وهو مقابلتها شخصيا ، ابتسامة صغيرة كل ما استطاع فعله حينها فضحكت مايا ضحكة صغيرة على تعابير وسام التي عرفتها وعرفته منذ زمن طويل وهاهو ذا لم يتغير وتشك أيضا بأنه سيتغير .
- تبا لك أي حظ تملك يا رجل ..
كان هذا همس رامي لوسام الذي للتو خرج من صدمته بعد سماعه لمحادثتهم الأشبه بجمل ناقصة وغامضة لم يتبين منها أي شيء ، رمقه ببرود يعلم مغزى كلامه وفيما يفكر جيدا فقاطعته مايا قائلة بقلق بعد أن انتبهت لمكانها ولنفسها التي فقدتها للحظة:
- وسام أأنت مصاب ؟؟ هل تشكو من شيء ..؟!!
هز رأسه بخفة نافيا وقال بهدوء ينظر خلفها ولا زال يتجنب النظر لها :
- هل الطبيب حسام هنا ..؟!!
هزت رأسها بلا وقالت :
- لا لقد غادر منذ الصباح ، أتشكو من شيء يا وسام ؟! يمكنني مساعدتك ..
تنهيدة ضجر خرجت من الذي يقف بجانبهم وعلى ما يبدو بأنه أصبح هو والجدار الذي خلفه سواء لم ينتبه أحد له وكأنهم في لقاء تعارف بينهم فقط والمصيبة أنه هو المصاب وكل الاهتمام والسؤال عن الحال كان من نصيب وسام ، لا يعلم لماذا كل النساء يتجمعن حوله وكأنه زهرة والكل ينجذب لرائحتها العطرة يريدون امتصاص رحيقها العذب أما هو فلا يتلقى إلا الإهمال والاهانات منهن ، نظر وسام له بطرف عينه وهو يكتف ذراعيه لصدره يشيح بوجهه في الجانب الآخر وقال ببرود شديد يقصد مايا به :
- تعقيم جرح ليس إلا ..
نظر إليها وسبقها في الحديث قاطعا أي قلق ينتابها وردا على السؤال الذي علم بأنها ستطرحه بمجرد النظر في قسمات وجهها:
- لرامي وليس لي ..
أدركت حينها وجود شخص بجانبه هي رأته في الحقيقة ونظرت إليه لكن من دهشتها وصدمتها بأن وسام أتى وعاد للظهور بعد اختفائه أنساها وجوده فقالت بخجل وارتباك من موقفها الغبي :
- ا..أنا حقا آسفة سيد رامي يمكنني تعقيم جرحك إن لم يكن لديك مانع فالطبيب حسام ليس موجودا ..
تأفف بصوت مسموع وتجاوزها ماشيا يقصد الغرفة المخصصة للرجال والذي يكون بابها في الجهة اليسرى للباب المخصص للنساء قائلا بحنق :
- بالطبع ليس لدي مانع فأنا لست معقدا لا يقدر الآخرين وبما أنه لي وجود ولا أح...
فأوقفته تلك الأنامل الطويلة التي التفت حول معصمه موقفه له ليستدير رامي برأسه فقط وتلتقي عيناه بالذي رماه بنظرة تحذره من الاسترسال في الكلام لأنه يعلم تماما مالذي يريد قوله في حين تنهد بقلة حيلة وابتسم له بسخرية يربت على كتفه بخفة ساخرا يخبره بتلك الابتسامة أن لا يقلق على مشاعرها فلن يجرحها كما جرح هو جنى فتنهد حينها وسام مبتسما يهز رأسه بقلة حيلة من رامي الذي أصبح متأكدا بأن نهايته لن تكون إلا على يديه هو .






نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 07:53 PM   #25

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


الفصل السابع عشر ..
.
.

[ بلوغ الحلم المنتظر ]
.
.

استوقفهما صوتها الرقيق منادية من خلفهما :
- وسام ..
فالتفت المعني بالنداء الخاص وصاحب العينين العشبية التي امتلأتا فضولا يرمق وسام بطرف عينه ساخرا يكتم ابتسامته ، نظر إليها ويداه سجينتي جيبي معطفه الأسود تنظر إليه فوقها لطول قامته مقارنة بها فقالت بعد أن أطرقت رأسها بخجل :
- لا تنسى زيارتنا فوالدتي لا تكف عن السؤال عنك ..
أخذت عيناه العسلية تتنقل في تفاصيلها وهي تطرق رأسها للأسفل قبل أن يرفع نظره عنها وينظر في الفراغ ، يشعر بدقات قلبه في جوفه نعم يشعر بها إحساس مات مع موت فارس ربما تدل على سعادته هذا الإحساس والشعور الذي لم يعرفه سابقا حتى عندما علم أن والده لا يزال على قيد الحياة أن يسأل عنك شخص ويهتم بك وكأنك إنسان لهو شعور فقده منذ زمن بعيد فعاش على أساس تلك الألقاب التي ينادونه بها ( الوحش ، الذئب المتوحش والمفترش ، عديم الإحساس والغير بشري ) ولا يستطيع حصرها لكثرتها لكنه يعلم تماما بأن هناك شيء يربط بين كل تلك المصطلحات وهو إخراجه من إنسانيته وإنكار كونه بشريا مثلهم ، رفعت رأسها تنظر إليه بترقب بعد أن طال صمته فابتسم لها كل ما استطاع فعله حينها هو الابتسام لها لكنه شعر بتلك الأعين التي تكاد تمزقه من سخريتها وعلم حينها بأن رامي لن يفوت هذه الفرصة للسخرية منه والتعليق الساخر عليه فقال بهدوء شديد واختصار أشد بنبرة صوته التي تسمع لها إيقاع خاص يميزها عن غيرها :
- سيكون ذلك قريبا ..
ابتسمت بسعادة وبكل براءة وأماءت برأسها إيجابا وقالت بعد أن استدارت قليلا توجه كلامها للآخر :
- وأنت يا سيد رامي يجب عليك تعقيم جرحك كل يومان لأنه لا يزال طريا نسبيا ولا يجب أن نكثر له المعقمات فمرة كل يومان كافيه تحت المراقبة وان تطور الأمر أكثر ستنتقل لخطوة أخرى ويجب عليك زيارتنا وسيقوم الطبيب حسام بواجبه نحوك ..
استدار وسام بسرعة ولا يعلم لماذا لكنها بمجرد أن ذكرت حسام شعر بشيء لا يعلمه فتوجه للباب خارجا وقال الذي كان يتبعه بنظراته المستغربة :
- حاضر حاضر أيتها الطبيبة ..
وأكمل بعد أن توجه خارجا لكي يدرك وسام بسرعة :
- شكرا لك ووداعا يا طبيبة ..
فابتسمت لقوله لها بأنها طبيبة وهي لا تزال تتعلم ولم تتعدى كونها ممرضة تساعد الطبيب حسام ، تنهدت بسعادة غمرت قلبها وتوجهت لكوب قهوتها التي أصرت عليهما الشرب منها فرفضاه وذلك لضيق الوقت لديهما ، سحبته وجلست على الكرسي الخشبي تنظر إلى النافذة الزجاجية الطويلة جانبها تتلذذ بكوب قهوتها فهاهو المكان الذي كان أشبه بالحلم المستحيل لتواجدها بداخله هي تجلس الآن فيه بكل يسر وسهولة واطمئنان وراحة لم تتخيل يوما بأنها ستمتهن مهنه التمريض أبدا بعدما علمت برفض والدتها الشديد للفكرة وتستغرب من ذلك وتتساءل في نفسها عن السبب ووالدتها كانت قبل زمن ليس ببعيد تُعد امهر طبيبة على مستوى البلدة كاملة وهي أحبت ذلك من والدتها وتعلقت بذلك الحلم بشدة فأصبحت تراه في يقظتها ونومها تهذي به ، ولم يكن موقف والدها حينها معارضا كوالدتها لكنه كان تائها لا يعلم مالذي يجب عليه فعله وهذا ما لاحظته من محاولاته العديدة في تجنب فتح الموضوع دائما ، ولا تعلم كيف جرت الأيام والشهور بعدها حتى أتاها والدها يوما من الأيام عند بلوغها سن العاشرة يخبرها عن عيادة فتحت في البلدة ويحتاجون إلى ممرضة للمساعدة لم تستطيع حينها أن تصف سعادتها فلقد أحست بأن الأرض لا تسعها لحملها من سعادة قلبها الصغير ولا صدمتها من الأمر الذي يئست منه من أيام ليست بالقليلة فقد فقدت الأمل من تحقيقه ولا شيء حولها يساعدها شعرت بأن كل أحلامها سقطت وتحطمت ولم تعد تدري مالذي يجب فعله حينها ، فما كان عليها إلا أن تقفز لحضن والدها باكية ولم تحرم والدتها أيضا من ذلك الحضن ولم تتوقف عن البكاء وشكرهم وسؤالهم لماذا حتى علمت أن والدتها ووالدها أيضا راضيان عنه وأنهما ليسا بغاضبين واختارا ذلك بمحض أرادتهما وأدركت حينها أنها بلغت الحلم المنتظر ، ابتسمت بسعادة ترتشف القليل من كوب قهوتها الساخن تبعد خصلات شعرها عن مرمى نظرها بيدها الأخرى تتأمل الخارج من خلال النافذة وعادت بها الذكرى إلى أول لقاء لها بوسام وهو ابن الخامسة عشر بعد أن علمت بأنها ستذهب للعيادة صباح اليوم التالي تتعلم التمريض من الطبيبة الوحيدة والموجودة فيه لتكون أول ممرضة ومساعدة لها وهي ابنه العشر سنوات وما فاجأها حقا ليس رؤيته بعد غياب طويل كما حدث اليوم بل أول ما قاله لها ببروده وهدوئه المعتاد عيناه العسلية تحاصر حدقتيها الزرقاوتان قائلا :
- لماذا لا تزال الطبيبة مستيقظة حتى الآن ..؟!!
قابلها عندما كانت في حديقة منزلهم بعدما غابت الشمس تسقي بعض الأعشاب التي زرعتها بنفسها ولا تعلم أكان سؤالا حينها أم تهديدا منه لها لكن ذلك لم يكن مهما بالنسبة لها فأفلتت منها ضحكة مستغربة وقالت وعلامات التعجب تظهر أعلى رأسها ولم تتساءل عن وجوده في حديقة منزلهم :
- وما أدراك بأنني سأصبح طبيبة .. ؟!!
تنقلت نظراته الباردة حولها في كل شيء وكأنه ارتبك أو تردد في الكلام وقال بهمس :
- لأنها لا تناسب غيرك ..
فابتسمت له بسعادة فوسام كان الشخص الوحيد الذي لم تخبره بما تتمناه أن تصبح عليه عندما تكبر خشية أن يسخر منها كما الجميع ورغم ذلك كان الوحيد الذي إذا جُرح ناداها لتداويه وكأنه يعلم بحبها الشديد للتمريض رغم خجله الشديد الذي كان يظهر عليه فيبقى طيلة الوقت يشيح بوجهه بعيدا عنها مغمض العينين إلى أن تنتهي من تضميد جرحه سواء كان في يده أو رجله ولا تعلم لماذا وكأنه يجبر نفسه على فعلها ، وكادت تقفز لحضنه من فرط سعادتها حينها فهي كل من مر عليها ذلك اليوم بعد سماع ذلك الخبر السعيد من والديها أصبحت تحتضن كل من تراه وتمر به في طريقها حتى الجدران وأبواب المنزل لم ترحمهم ولم تحرمهم من دفئ حضنها لكن سيطرتها تلك ذهبت أدراج الرياح من تلك المشاعر التي تدفقت في صدرها تغمر قلبها بسعادة وهي تقفز لحضنه تضمه بسعادة وتقول بين ضحكاتها على شهقته التي سمعتها رغم خفوتها من صدمته لفعلها :
- تفسد المفاجآت دائما أنت يا وسام ..

******

في تلك الغرفة واسعة الأركان ساطعة الإضاءة التي خصصت للاجتماعات العائلية فقط تتوسطها طاولة دائرية من الخشب العتيق في منتصفها تتوزع عليها الكراسي الخشبية المنحوتة بكل حرفيه موضوع على كل كرسي وسادة محشوة من القطن الطبيعي مغلفة بالحرير الخالص لتعطي كل من يجلس عليها شعورا بالراحة وإحساسهم بحياة الرفاهية ،غرفة كبيرة وواسعة مجهزة بكل إتقان ، هذا ما كانت عليه قبل أن ينعقد ذلك الاجتماع والذي انتهى بإعصار هائج وثائر قلب كل تلك المعالم الجميلة والفنية إلى دمار كان أشبه بعراك قوي وحرب دارت في الغرفة وليس اجتماع عائلي ، الأوراق مبعثرة في جميع الأرجاء والكراسي مرمية على الأرض بعشوائية بحته ، إحدى الزهريات مكسورة إلى قطع صغيرة اختلطت بزجاج الأكواب المكسورة حتى الورد الذي كان يزين تلك الأركان وينشر رائحته العبقة في الأرجاء لم يسلم منهم بل تنتفت وريقاته ذات اللون الأحمر القاني لتغطي الأرضية المبلولة بالماء والعصير اللذان امتزجا معا في بقعة كبيرة ، هدوء مميت سيطر على الأجواء حينها لا يُسمع إلا صوت شهقات خافتة متتالية للتي تخبئ وجهها كما دموعها بين كفيها ترتجف بقوة لا تعلم من بقي لها حيا من عائلتها ومن مات بعد تجمعهم فجأة هكذا ودون أي سابق إنذار تفارقوا بعد تلك الخصومة والتي تلوم نفسها فيها كثيرا لأنها كانت محور حديثهم بجانب الأحاديث الأخرى الكثيرة المتنوعة والمتفرعة ، تشعر بقلبها يتمزق لأشلاء صغيرة فلم يتبقى أحدا غيرها في تلك الغرفة ولم تستطع ولا حتى العودة إلى غرفتها ولا إلى والدتها قدماها تصلبتا ولم يعد بإمكانها الحركة تمر كل تلك الأحداث أمام عينيها دون توقف ولا تعلم ماذا تبكي بالضبط هل تبكي الأخبار السيئة التي نقلها لهم والدها عن اضطراب الإمبراطورية ؟! أم تبكي العراك الذي دار بين طارق وحسام وكل واحد منهم يذكر الآخر بواجباته وبمسؤولياته التي يجب أن يلتزم بها ؟! أم تبكي القرار الذي قرره والدها وهو تزويجها بحسام حسب قوانين العائلة الحاكمة بحكم أنها الفتاة الوحيدة وهو ابن عمها ؟! أم تبكي رفض حسام الصريح لها ولم يهتم بمشاعرها رغم أنها لم تفكر ولا حتى التفكير به وبأن يكون زوجا لها في يوم من الأيام لكنه جرحها بعنف وأمام والدها وشقيقها وهو يصرح برفضه لها كما انه طعن أنوثتها بدون أي اكتراث ولم يحترم حتى عمه ولم يقدر كبر سنه ولا حتى منصبه وكونه الإمبراطور بغض النظر عن شقيقها الذي لا يكاد يراه ولا تعلم سر كل هذه العداوة بينهما ، نهضت بعد أن خف بكائها قليلا تكفكف دموعها العالقة في رموشها الطويلة تسير بخطا واهنة تستند بالجدار بجانبها خشية أن تفقد القدرة على السير وتقع أرضا وسرعان ما عادت تلك الدموع بالتجمع في مقلتيها عند رؤيتها لوالدتها التي خرجت من أول الممر ففقدت أي قدرة على الصمود ووقعت أرضا تمد يديها لوالدتها وكأنها طفلة تطلب حضن والدتها حين شهقت الأخرى بصدمة من رؤيتها بتلك الحال وعلمت أن الذي كانت تخشاه طيلة الوقت قد حصل وأسرع مما تتوقع ، ركضت نحوها حتى جلست أمامها ساحبة لها لتستقر في حضنها تشاركها بكائها الصامت دون أن تنطق أي كلمه تمسح على رأسها وظهرها بحنان فقالت بعد صمت :
- توقفي عن البكاء يا قلب والدتك ، توقفي أرجوك ..
ولم يزدها ذلك إلا بكاء على بكائها وهي تعلم أنهم يريدون إبعادها عنهم وكم تخشى من حدوث ذلك قريبا بتزويجها لذلك الرافض لها رغما عنها وعنه ولن تستطيع ولا تصور حجم البؤس الذي ستمر به حينها وأي حياة تنتظرها ، تعلقت بثياب والدتها وقالت بارتجاف بين دموعها :
- أبي وشقيقي وحسام غادروا ولا اعلم مالذي حدث لهم لقد كانوا غاضبين جدا ..
أبعدتها عن حضنها وأخذت تمسح لها دموعها وقالت :
- لا تقلقي يا صغيرتي والدك رجل حكيم لن يتصرف بتهور أبدا ..
قاطعتها برفض تام وهي تهز رأسها نفيا وقالت بحرقة :
- لم تريهم يا أمي لم تريهم لقد تغيروا فجأة وشككت لحظتها بأني اجلس مع عائلتي ..
شهقت شهقتين متتاليتين اثر بكائها وأكملت قائلة :
- اقسم يا أمي أنهم كادوا يتقاتلون ولم يفكروا ولو للحظة بأنهم عائلة واحدة ..
تنهدت السيدة ميادة بقلة حيلة وهي تعلم تماما بأن زوجها عامر هذه الأيام أعصابه مشدودة على غير العادة ولا تعلم ما به بالضبط ، وقفت وأوقفت زهرة معها تحوط كتفيها بذراعها تحثها على السير قائلة لها ومطمئنة لقلقها :
- لا تقلقي يا صغيرتي لا تقلقي لن تكون الأمور إلا على خير ما يرام ..



نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 07:56 PM   #26

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل الثامن عشر ..
.
.

[ نقطة تحول ]

.
.

ركض مسرعا وقال بنفس متقطع :
- هيييه وسام توقف ..
توقف وسام فجأة وكأنه تذكر انه ليس وحيدا وانه ترك رامي خلفه فقال رامي بعد أن وصل إليه يقف بجانبه :
- مهلك يا رجل ما هذا كدت أن أقع وأتعثر بسبب سرعتي لماذا طرت فجأة هكذا .. ؟!!
تجاهله واستدار ولم ينطق بكلمة فمزاجه لا يمكن وصفه ، تنهد رامي بقلة حيلة من وسام ومزاجه المتقلب منذ الصباح الباكر والذي يجهل سببه وكم يتمنى بأن يعلم وبأي ثمن ، قال متسائلا عله يفهم فيما يفكر وسام بفعله :
- إذا يا وسام إلى أين ستذهب .. ؟!!
قال بنبرة باردة لم تحمل أي معنى ونظره على الطريق أمامه :
- لا تدريبات اليوم كما لا توجد مهام خاصة لنا لذلك انتهى يومنا ولا تنسى غدا يوم عطلة ..
أطلق رامي صوتا دليل تذكره وقال بعد أن هز رأسه إيجابا وكأن وسام يراه :
- أها صحيح ، هل ستذهب إلى منزلك ..؟!!
رد عليه سريعا ببرود في محاولة إنهاء أي حديث يفتحه رامي لأنه يعلم تماما بأنه لن يتوقف عن ثرثرته المعتادة في المهم والغير مهم ولا مزاج لديه لصخبه ذاك :
- أجل ..
أسند رامي ذراعه على كتف وسام متجاهلا بروده واختصاراته في الكلام وقال ناظرا لجانب وجهه القريب ينظر إليه بمكر :
- وسام من تلك الممرضة الجميلة وكيف عرفتك .. ؟!!
ضحك بعدها ضحكة صغيرة وقال ولا زال ينظر إلى وسام بمكر قائلا بنبرة خبيثة عيناه تتنقلان في تفاصيل وجهه تدرسان أي رد فعل له :
- اقسم أنها كادت أن تقفز لحضنك من شدة سعادتها برؤيتك ، هيا اعترف من تكون ومنذ متى وأنت تعرفها ..؟!!
رمقه وسام بنظرة حادة قوية فها قد ابتدأ رامي بسرد خرافاته وتفاهاته وسخرياته اللاذعة والتي تحتاج لمعجزة لإيقافه ، تمتم بغيض قائلا :
- اخرس ولا شأن لك ..
انطلقت ضحكة رامي عاليا وقال بدون استسلام :
- اقسم أنني لن أرحمك فمن تكون هيا اخبرني لتتخلص مني ..
قال بلا مبالاة ودون أي اكتراث وببرودة الصقيعي المعتاد بعد أن تيقن أن رامي لن يدعه وشأنه ولن يستغرب بأن يرسم رسومات لها وله ويلصقها في شوارع البلدة ويكتب عليها إعلان هام أو خبر عاجل لكي يجبره على الاعتراف :
- ابنه الضابط جميل تكون تلك ..
شهق بقوة وعيناه شاخصتان من الصدمة ، توقف في مكانه ولم يستطع أن يتجاوز الصدمة التي كانت وكأنها صفعة صفعت وجهه بينما وسام أكمل سير خطواته الهادئة ولم يعطي رامي أي وقت لتلقي الصدمة بل رماها في وجهه وغادر عله يرتاح منه قليلا ، صرخ رامي بقوة عندما ابتعد وسام عنه وقال راكضا نحوه بعد أن استفاق لنفسه :
- مهلك يا رجل مهلك أتقول الحقيقة ..؟!!
تنهد وسام وقال بنبرة بدا فيها الضيق :
- رامي كف عن الصراخ لقد ألمت لي أذناي ..
قطب حاجبيه منزعجا وضرب كتفه بخفة وقال :
- يا رجل أعطني فرصة لأنصدم ..
ثم أكمل قائلا وهو يهز رأسه بخفه لا يزال تحت تأثير الصدمة :
- لا اصدق بأن تلك الفتاة تكون ابنته يا الهي جيد بأنني لم أتغزل بها لكان رأسي الآن عند والدي وجسدي منصوب في ساحة التدريب ويصبح عبرة لمن يعتبر ..
لم يستطع وسام إخفاء شبح الابتسامة التي ظهرت على ثغره رغما عنه وقال ببرود :
- ليته فعل ذلك لكي أتخلص منك يا مزعج ..
قهقه رامي بسعادة ويده تلتف حول عنق وسام وقال بمشاكسته المعتادة يهمس في أذنه :
- لن تتخلص مني بسهولة يا حبيب القلب ..
شتم وسام هامسا وقال بخفوت حانق :
- تلك الجنى ذهبت بعقلك ، سحقا لك ولها ..
أطلق صوت صفير دليل إعجابه وقال بنبرة مبتسمة يرفع حاجبيه للأعلى :
- اقسم أنها تعدل لي مزاجي دائما وكأنها كوب قهوة لذيذ ..
تمتم وسام بعبوس :
- تناسبان بعضكما جدا تزوجها وانقشع عني وأرحني من هذيانك بها طيلة الوقت ..
صرخ به قائلا برجاء طفولي وملامح يائسة وضيق مصطنع كم يحترف في رسمها على وجهه :
- هييه وسام بالرفق على قلبي الصغير ..
هز رأسه بيأس وقلة حيلة فهاهو رامي يسجل انتصاره كالعادة في جعله يتحدث ويخرج عن صمته وعزلته التي لم ينزعج هو نفسه منها أبدا ولا يعلم لماذا ينزعج رامي من صمته ومن المفترض انه هو من ينزعج من ثرثرته الدائمة بما يفيد وكثير مما لا يفيد في شيء ، قال رامي في محاولة أخرى لاستجواب وسام :
- اخبرني متى ستذهب لزيارتهم ..؟!!
رفع وسام كتفيه بمعنى انه لا يعلم أو لا يهتم بالأمر فعلم رامي أن وسام قد انتهى مخزون الكلمات لديه لليوم ، لا ينكر بأنه حقق انجاز عظيم يجب عليه أن يتوج نفسه به بأنه اخرج وسام من صمته وعلم عنه اليوم الشيء الكثير فهو أشبه بصندوق حديدي مغلق لا تعلم مالذي بداخله .
- هل انتهى تحقيقك معي أخيرا ..!!
فاجأه بتلك الكلمات التي كانت أشبه بسؤال هامس تهكمي واستفزازي في نفس الوقت فابتسم له وقال :
- نعم نعم لكن لا تحلم بأني سأنسى كل ما جرى اليوم ..
فابتعد عنه عند وصولهما إلى خط سير الأحصنة والعربات ولوح له بيده وقال :
- سأذهب الآن إلى المنزل فهناك أمور عالقة لا بد من حلها سريعا ..
رفع وسام يده ببطء يبادله التحية وسرعان ما أعادها سجينه جيبه لينحرف مساره إلى طريق خالي ليضمن عدم وجود أي إزعاج فيه من أي نوع فهو اليوم بالذات مر بضغط عالي يكاد رأسه ينفجر فلا بد من وقت مستقطع ليرتاح فيه فبداية تلك الضغوط كانت من المعسكر لكلام القائد رائد عن الحدود الجنوبية وحل مشاكلهم بنفسه لاختفاء وتغيب الضابط جميل وهو لم يفعلها سابقا لذكرى فارس التي تقتله بالبطيء وتلك الجنى المجنونة بتصرفاتها الاندفاعية والتي لطالما كرهها فيها وأخيرا مايا التي لم يراها منذ قرابة العامين لا يعلم لماذا لكنه يهرب من نفسه أكثر من كونه يهرب منها ومن مواجهتها ، أشياء كثيرة ذكراها كفيل بجعل الصداع المفاجئ يداهم رأسه مجددا وبقوة اكبر جعلت منه يطلق آآهه متألمة ومتعبة ومتوجعة في حين بدأ جبينه بالتعرق وهذا إنذار خطير ينذره بأنه سَيُسحب لتلك الظلمة التي تبتلعه ، لا زالت تلك النوبات السوداوية تؤرقه ولا تكاد تبتعد عنه وتخلصه ، تعالت أنفاسه وبدأت طبقة شفافة بيضاء تحجب عنه الرؤية يحس بجسده ينهار شيئا فشيئا وتذكر حينها انه لم يتناول أي شيء منذ يومين وهذا ربما له التأثير الأكبر في ذلك الخدر الذي أحس به في أطرافه ، هوى على الأرض يسند ركبتيه ولا زال يقاوم الألم الشديد يمسك رأسه بقوة ويغلغل أنامله الطويلة في خصلات شعره يشدها بقوة للخلف يستجدي بذلك المقاومة يحني برأسه للأسفل وفجأة ذهب ذلك الصداع المفاجئ بمفاجأة أخرى وفي لمحة البصر عندما أحس بتلك الذراعان النحيلتان تلتف حول رأسه تضمه إلى صدرها فرفع رأسه بسرعة مجفلا بصدمة ليرى تلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر البني الباهت والتي أبعدت يديها بسرعة تضمها إلى صدرها عيناها تترقرق الدموع فيها ، طفلة لا تكاد تتجاوز الأربع أعوام من العمر قصيرة ووجهها ممتلئ خداها متوردان من شدة البكاء ، ينظر إليها بدهشة رُسمت على تقاسيم وجهه ولا يعلم من أين خرجت له هذه الطفلة ومالذي تفعله هنا فهو لم يرى يوما طفلا بهذا القرب من جميع النواحي لمساتهم الناعمة ونظراتهم البريئة كما بكاؤهم المزعج لكن ذلك لم يكن صادما له بقدر صدمته عندما همست ببحة بكاء بصوتها الطفولي تنظر إلى عينيه :
- بابا ..

*****

جمع الأوراق المبعثرة من على سطح مكتبه الخشبي ووضعها في حقيبته الملقاة أرضا بلا مبالاة ، توجه بعدها إلى الخزانة فتحها ببطء شديد يجاهد نفسه كل ثانية على أن لا ينهار لكنه مصمم وعازم على أمر واحد وسيفعله مهما كلفه الأمر ، نظر بعينيه العشبية داخل خزانته يتنقل بنظراته الحزينة والباهتة والمكسورة بين حاجياته ، ملابسه ومعاطفه بعض القبعات التي كان يحب ارتدائها أحذية بجميع الأشكال والألوان حقائب والكثير الكثير من الحاجيات التي كانت تنتظر بشغف أن تقع نظراته عليها لكنه خذلها كما خذله اقرب شخص له ولقلبه ، أغلق باب الخزانة بقوة يمنع نفسه من النظر إلى ما خلفه وكل ماضيه يرفضه بشدة ولا يعلم بأنه لن يستطيع فعلها بسهولة فهو لا زال مسيطرا عليه إلى اللحظة فتنهد بألم يرفع رأسه عاليا يرتجي الصمود والكثير من الصبر لتعانق نظراته سقف غرفته التي شهدت كل أفراحه كما انكساراته ، الثريا المعلقة في وسط السقف الذي لطالما نظر إليها وهو يرسم مستقبله في ذهنه عاليا شامخا لا يخشى شيئا وكم تخيله جميلا مدهشا ، تنهد هامسا لنفسه بعد أن أغمض عينيه ببطء لتبتعد كل تلك الأفكار والذكريات عن رأسه :
- توقف يا رافع هيا توقف ..
زفر بقوة شادا قبضتيه وسار نحو الباب الذي فضل إغلاقه والبقاء بين جدران غرفته وعزلته ونفي نفسه عن الجميع ، مد يديه ولم يستطيع إخفاء الرجفة التي سرت في جميع جسده المنهار انه يقدم على خطوة كبيرة جدا وقد تكون نقطة تحول كبيرة في حياته ولا يضمن نتائجها أبدا فقد تكون النتائج المترتبة عليها سيئة للغاية وسلبية ولكنه سيفعلها نعم لقد عاهد نفسه بتنفيذها وهذا ما سيفعله بالتأكيد ، فتح الباب وأحس بأنه يسحب جبلا كبيرا وثقيلا عن مكانه وليس مجرد باب فابتسم بسخرية على حالته المتردية وطاقته المسلوبة كم يبدو مثيرا للشفقة هذا هو ما كان يردده في نفسه (مثير للشفقة ويستحق السخرية من الجميع أيضا) ، خطا خطواته الأولى خارج غرفته وأحس بأن حتى الهواء تغير ليس كما في غرفته التي كان فيها الهواء أشبه بسُم ينتشر في جوها الكئيب ، نظر حيث مصدر الصوت العالي الذي كان أشبه بشجار وصوت ارتطام الأواني ببعضها ولم يستطع إخفاء شبح الابتسامة الباهتة التي ارتسمت على شفتيه فكم اشتاق لسماع تلك الأصوات عندما سمع شقيقته الشقية تقول باحتجاج رافض :
- لا يا أمي لن اغسل الأواني اليوم أيضا يكفيني أسبوعا كاملا وأنا اعمل كالخادمة في هذا المنزل البائس ..
قالت والدتها بغضب :
- لقد أفسدناك أنا ووالدك بتدليلنا الزائد لك وهذه نتائج أفعالنا ..
تقدم نحو المطبخ بخطوات هادئة مجتازا الردهة الكبيرة والواسعة المجهزة بأفخم الأثاث وأجمله لتظهر له تلك الشقراء التي ترتدي فستانا ورديا طويل ترفعه في عقدة تربطها في وسطها لتتمكن من السير بحرية أكثر كاشفا عن ساقيها ترفع أكمامها إلى مرفقيها وتضع رباط قماشي ترفع به غرتها عن وجهها وتمسك بالملعقة في يدها وهي تلوح بها في الهواء أمامها وتقول بغضب :
- أي تدليل هذا يا أمي وأنا اعمل طيلة الوقت حتى المتاجر لا تدعيني اذهب إليها ..
ثم نظرت إلى فستانها وقالت والدموع تتكدس في عينيها العشبية الواسعة :
- حتى هذه الملابس البالية لا أجد بديلا لها وكأننا فقراء وليس والدي اكبر تاجر على مستوى الإمبراطورية ..
تأففت الأخرى وهي تستدير نحو الخزانة تخرج أطباقا زجاجية منها وهي تقول بضيق لم تستطع إخفائه :
- لا اعلم ما هذا العقل الذي لديك يا رنا أقول لك ساعديني في غسل الأواني وتقولين أريد ثياب هل هذا ردا على ما قلته لك ..!!
قالت ببحة وهي تمسح دموعها بذراعها بحركة طفولية أضحكت الواقف بقرب الباب يراقبهما خفية :
- رامي مدلل والده ذاك هو من سيغسلها وليس أنا فاليوم إجازته ، هل أعجبك ردي هذا أم أغيره أمي ..؟؟
نظرت إليها نظرة حادة ولم تتكلم فكتفت ذراعيها لصدرها تمط شفتيها بعبوس فتنهدت الأخرى بقلة حيلة وقالت وهي تطفئ موقد النار :
- هيا هيا كفي عن هذا وكأنك طفلة ..
رفعت القدر من على النار وأخذت تسكب الحساء في الأواني الزجاجية الصغيرة وقالت بعد أن طال صمت رنا ونظرها على ما تفعل :
- هيا تحركي يا رنا ولا تقفين كالتمثال فهاهو طبقك المفضل أعددته لك خصيصا ..
قفزت تضمها من الخلف على ضحكة والدتها المصدومة وقالت بسعادة وكأنها ليست الغاضبة قبل قليل :
- أحبك يا أروع أم في الوجود ..
ضحكت الأخرى تهز رأسها بيأس وبقلة حيلة فهذه ابنتها رنا التي عرفتها متهورة ومندفعة وحساسة ولا تنكر بأنها غبية وتصرفاتها كلها تتمثل بالحماقة والعشوائية ، التفتتا كلتاهما سريعا نحو الباب ينظران بأعين متسعة من الدهشة بعد أن تنحنح رافع والذي كان يقف عند الباب بصوته الرجولي العميق لتعم لحظة صمت أحستا بأنها طويلة جدا قاطعها الذي اغتصب ابتسامه صغيرة عندما طال تحديقهم المصدوم به قائلا بنبرة خافته لم يتخلص من آثار الحزن والانكسار فيها :
- ما هذه الرائحة الشهية يبدو بأننا سنتناول اليوم أجمل وجبة غداء على الإطلاق ..
لكن تلك الكلمات لم تؤثران بهما فهما مازالتا تحت تأثير الصدمة وكل ما كان يدور في عقليهما هو هل هذا رافع يقف أمامهم أم خُيل إليهم ؟؟ هل خرج من سجنه ومنفاه أخيرا وبعد شهور عدة يرفض فيها حتى تناول وجبات الطعام معهم والخروج للتنزه معهم والأكثر صدمة كانت تلك الابتسامة البخيلة التي تصدق بها عليهم أخيرا وصوته الذي حُرموا منه أيضا هاهم يسمعونه مجددا ، موقف رغم بساطته إلا انه كان كفيلا بتيبس عظامهم وسلبهم القدرة على الكلام ، أرخى رافع نظره بعد أن قرأ في صمتهما مدى دهشتهما وعدم تصديقهما للأمر فأحس بانقباض في صدره لا يعلم هل أصبح الكل يرفضه ويرفض الحديث معه ؟! أم انه أصبح رمزا للفشل والخسارة لذلك يتجنبونه ويتجنبون الحديث معه ؟! قطع كل تلك الوساوس الشيطانية التي كادت أن تفتك بحياته تلك الذراعان التي التفتا حول عنقه تضمه إلى صدرها بقوة رغم قصر قامتها مقارنة به لكن ذلك لم يمنعها من ضمه بقوة ترفع نفسها على أطراف أصابعها ولم يكن لها القدرة على التحكم في دموعها أبدا والتي إنسابت على خديها تعلن للجميع مدى سعادتها وفرحتها التي لا يمكن أن تصفها مهما حاولت ، قالت بهمس محب وهي تضمه لصدرها أكثر :
- يا قرة عين والدتك ما هذا اليوم الجميل الذي أراك فيه واسمع صوتك لماذا يا بني تحرمني حتى من رؤية وجهك المنير ..
كان مصدوما بالكامل فأخر رد فعل توقعها من والدته هي هذه ، رفع يديه وضمها بعد أن انحنى قليلا نحوها وقال لها بهمس مكسور لكي لا يسمعه احد غيرها :
- سامحيني يا والدتي فهذا الذي تعتبرينه أبنك فاشل في كل شيء في حياته ..
زادت من ضمه بقوة تهز رأسها نفيا ولم تنطق بأي حرف ليس لأنها لم تجد ما تقول بل لديها الكثير والكثير لتقوله له فهي لازالت لا تصدق عيناها بأنها تراه أمامها مجددا لكن بسبب تلك الشهقات المتتالية هي ما أخرستها تماما عن الحديث ، أبعدها عنه ومسح دموعها بأنامله فقالت ببحة بكاء :
- لست فاشلا يا بني إلا في نظرك فقط فأنا كنت ولازلت افخر بك وسأفخر بك طيلة عمري ومهما حدث ..
امسك برأسها وقبله قبلة طويلة وقال بنبرة مليئة بالأسى تنطق مرارة :
- ليت الناس كلهم مثلك يا والدتي ..
ولم تزدها تلك الكلمات إلا بكاء على بكائها تعلم مالذي فعله الناس به كسره هكذا وهز ثقته بنفسه لا تنكر بأنه مر بموقف صعب ولكنها لم تتغير نظرتها له أبدا مهما قيل ويقال فهي تعرفه وهو ابن الثلاثة عشر عاما إلى أن بلغ التاسعة والعشرون من العمر تعرفه جيدا وتعرف تفكيره ومن المستحيل أن يفعل كل ذلك ، لم توقف تلك الدموع النازفة من مقلتيها الداكنة والمعاكسة لهم تماما إلا تلك اليدين التي أمسكت بثيابها من الخلف تسحبها بقوة لتبتعد فارتمت هي الأخرى بدورها في حضنه تطوق خصره بذراعيها النحيلتان وقالت والدموع تسير على خديها دون توقف :
- هيييه وأنا ألن أحظى بقليل من هذه المشاعر العائلية أم لا استحق ..؟!!
ابتسم ورفع نظره إلى والدته التي كانت تبتسم بحب لهما وهي تمسح دموعها بأناملها فهي تعيش أجمل أحلامها الآن وهي رؤية من اعتبرتهم أبنائها بسعادة وأمام ناظريها فعاد بنظره لها ولكن نظرته غلبت عليها المشاكسة قليلا وهو ينحني قليلا بعد أن أبعدها بصعوبة عنه ورفعها عاليا بسرعة خاطفة يمسك خصرها بكل خفة فهي لم يتعدا طولها كتفه ولا صدره حتى رغم بلوغها السابعة عشر من العمر ، دار بها حول نفسه وهي في صرخة واحدة مصدومة تتشبث بثيابه بقوة كي لا تقع فلقد فاجأها حقا بحركته تلك ولم يسلم من لسانها الساخط وهي تشتمه بكل ما تعرف من شتائم لكي يتوقف وتهدده بأنها سوف تتقيأ عليه ولم يزده ذلك إلا متعة وهو يدور بها أسرع وأسرع حتى غلبه التعب ووضعها على الأرض يتلقف أنفاسه ضاحكا عليها وهي تبكي وتمسك بمعدتها وقالت :
- سحقا لك يا رافع ما هذا لماذا تفعل هذا بي لماذا لم تفعله بوالدتي قبلي أم تسخر مني لأني قصيرة ..
نظرت والدتها إليها بصدمة وهي تتخيل أن يفعل ذلك بها فهو ذو جسد ضخم فلن يصعب عليه فعلها بالتأكيد فوكزتها بمرفقها لتصمت لكنها فاجأتهم بضحكاتها العالية التي اخترقت حتى الجدران لعلوها ورفعت يديها كطفلة تنظر إلى رافع بعينين لا تزالان دامعتين وقالت بابتسامة واسعة مشاغبة :
- هيا رافع افعلها مجددا ..
رمقها بنظرة مهدده فلا زال يحس برأسه يدور فضحكت بثينة وقالت :
- ما أسعدني برؤيتكم سعداء حولي لا ينقصني الآن إلا رؤية شقيقكم معكم أيضا ووالدكم لكي تكتمل سعادتي ..
ولم تكمل جملتها إلا على صوت فتح بابا المنزل والصوت الرجولي المشاكس قائلا :
- لقد عدت يا أمي ..



نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 07:59 PM   #27

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل التاسع عشر ..
.
.

[ الطفلة الضائعة ]

.
.

نظر إليها بصدمة لم يستطع إخفائها ولا تجاوزها بسهولة فأي مصيبة هذه التي ظهرت أمامه ؟! ومن أين جاءته يا ترى ؟! وكيف سيتخلص منها ؟! ، همست ببحة بتلك الكلمة التي أصابته في قلبه مرة أخرى :
- بابا ..
وقف على طوله ونفض معطفه ينظر حوله عله يجد والدها هذا الذي لم تكف عن مناداته ويبدو بأنه يشبهه لذلك اختلطت عليها الأمور لكنه لم يرى أي اثر لأي شخص حوله فعاد بنظره إليها ولا يعلم مالذي يجب عليه قوله أو فعله فلا يوجد عنده في مجلداته ولا قواميسه بند اسمه كيفية التعامل مع الأطفال ، فلا يوجد أسوأ منه في التعامل مع النساء إلا التعامل الأسوأ مع الأطفال ، قاطع كل تلك الأفكار التي تزاحمت في رأسه ذراعاها الصغيرتان وهي تحضن ساقيه تتشبث بهما بقوة تخفي عبراتها بينهما وتبكي .. تبكي بنحيب دموعها لا تتوقف كما شهقاتها الصغيرة المتتابعة ، كم أحس حينها انه في مأزق حقيقي ولم يعد يعرف كيف يتصرف ولأول مرة في حياته لا يستطيع اتخاذ قرار سريع لفعله ، تنهد بكره وبدا عليه الاستياء واضحا مما زاد من شحوب وجهه أكثر فكم يكره هذه المواقف التي وقع فيها اليوم وكلها لا يطيقها ولا يعرف عنها شيء ، تمنى حينها انه قابل لصوص أو مجموعة مجرمين وقتله محترفين لكان عرف كيف يتعامل معهم ويتصرف بشأنهم وفي ثوان معدودة لكن نساء وأطفال ؟! هذا مالا يعلم تماما كيفية التعامل معهم ، انحنى قليلا يحاول إبعادها عن ساقيه بدفعها للوراء ولكنها كما لو كان هناك غراء الصقها به ولا يعلم ما هذه المصيبة التي التصقت بساقيه بالضبط ، غضن جبينه وهمس شامتا بكره وقال بعد محاولات فاشلة كثيرة بإبعادها عنه:
- سحقا ألا يمكنك الابتعاد قليلا ..
حينها رفعت رأسها تنظر إليه فوقها ومجرى دموعها لا زال يتدفق من مقلتيها اللتان برقتا ببريق الدموع المتكدسة داخلها وهمست ببحة :
- أريد ماما ..
ارتفعت يده وأنامله لتتخلل خصلات شعره يبعدها عن جبينه بنفاذ صبر فهاهي أولا تحسبه والدها والآن تقول تريد والدتها وما شأنه هو بكل ذلك ألا تكفيه المصائب التي مرت عليه اليوم الواحدة تلو الأخرى لتزيدها هذه الطفلة الضائعة التي تبحث عن والديها ، قال ببرود وكأنه يخاطب شخص كبير عاقل :
- وما أدراني أنا أين تكون والدتك ؟! ابتعدي عني يا فتاة لأكمل طريقي ..
لكنها كانت كما لو أنها لم تفهم شيئا مما يقول أو بالأصح هي لم تفهم ما قال فكل ما التقطه سمعها كلمه والدتها فابتسمت بسعادة من بين دموعها وقالت :
- ماما .. ماما أريد ماما ..
زفر بغيض فهو اليوم تحديدا مزاجه في أسوأ حالاته بالفعل ولا يحتاج لمزيد من المنغصات لتنغص حياته البائسة كما يرى ، عاد يبحث بعينيه العسلية في الأرجاء ربما يجد احد ويسلمه هذه الطفلة وينجو بنفسه ويتخلص منها لكن دون جدوى فقال بنفاذ صبر بعد أن تنهد تنهيدة استسلام حانق علم أن لا مفر له من هذه المصيبة :
- أين هي والدتك لأخذك لها ..؟!!
نظرت إليه نظرات استنكرها في بداية الأمر لأنها لم تدل إلا على عدم فهمها لما قال ولا يعلم لماذا هل قال شيئا صعبا ؟! أم تحدث بلغة لا تفهمها ؟! فرفع عينيه إلى السماء يستجدي مزيدا من الصبر فهاهي لا تفهم ما يقول ولا هو يفهم أي طريقة أخرى لإيضاح السؤال لها وكم تمنى بأن رامي معه الآن ليعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف ، انحنى لها قليلا ينظر لعينيها بصمت يحاول إيجاد طريقة وبسرعة ليتفاهم معها فلديه ما يكفيه من الأمور المعقدة التي تحتاج لكامل قواه العقلية لحلها وبات يشك بأنه سيبقى بتلك القوى العقلية كما الجسدية إلى المساء ، داهمه الصداع فجأة والذي ذهب عنه قليلا فجلس على الأرض يسند ركبته اليسرى بينما يسند مرفقه على فخذ رجله اليمنى المنصوبة يحني برأسه للأسفل يفرك جبينه بأنامله بقوة في محاولة لتخفيف الألم وإبعاد الصداع القوي عنه ، رفع رأسه قليلا لتلتقي عيناه بعينيها الدامعة وقال ببرود يخفي ألمه ببراعة :
- أين هي والدتك يا فتاة .. ؟!!
حينها ابتسمت له وأشارت بسبابة يدها اليمنى الصغيرة خلفه وقالت بنبرة طفولية :
- كانت هناك ثم اختفت فجأة ..
بقيت نظراته معلقه بملامحها ولم يلتفت حيث أشارت لا يعلم مالذي انطقها فجأة وهو من حاول معها مرارا وتكرارا ولم تجب ، نظر لوضعيته بسرعة وكأنه استفاق للتو ينظر إلى هيئته وكيف انه يسند ركبته على الأرض ليترجم له عقله الفطن بأن هذه الوضعية هي فقط التي تستوعب من خلالها الكلام من الكبار وتفهمه ، رفع كتفيه بلا مبالاة ونظر حيث أشارت فغضن جبينه باستنكار هذه الطريق التي أتى منها قبل قليل أي أنها دخلت إلى وسط المدينة ومن المستحيل أن يجدها الآن وبين كل ذلك الزحام ، زفر بغيض إذ انه لا خيارات أخرى لديه إلا والرجوع لتلك البقعة المزدحمة والفوضى العارمة كما يراها فلم يصدق نفسه بأنه ابتعد قليلا عن إزعاجهم وعشوائيتهم وصراخهم الذي لا يتوقف لكنه لن يستطيع أبدا تركها هنا لوحدها ولا ينكر بأن هذه الفكرة لمعت في رأسه وكاد أن يفعلها دون تفكير لكنه تراجع في آخر لحظة وهو يتذكر وصايا ذلك الراحل منذ زمن له والذي عاهد نفسه على فعلها دون تردد ألا وهي مساعدة المحتاجين من الناس ، اعتدل في وقفته لترتفع تلك العينين الباكيتين معه ليظهر لها طوله المخيف وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامه باهتة حزينة وطيف فارس يمر من أمامه وكلماته تصدح في ذاكرته بنبرته المرحة والعميقة ، هز رأسه رافضا مسايرة ذكراه والتي يعلم تماما بماذا تنتهي وهو حفرة مظلمة سوداء تبتلعه فيها لن يخرجه شيء منها إلا بمعجزة ، تحرك بخطوات كسولة هادئة يرفع يده اليمنى لتتخلل أنامله الطويلة خصلات شعره البني بينما يدس يده الأخرى في جيب سترته السوداء والتي يكاد يصل طولها إلى ركبتيه ، قال بنبرة باردة آمره :
- اتبعيني لنجد والدتك ..
شقت الابتسامة ملامحها الحزينة وقفزت من شدة سعادتها لمساعدته لها فهي توقعت ذلك منه من أول ما رأته ولا تعلم لماذا لكن هالته الباردة والهادئة تلك هي ما جذبها نحوه وهذا بالتأكيد ما يسمى بسحر الوسيمين الواثقين واللا مبالين بالآخرين ، ركضت بسرعة لتجاري خطواته الواسعة لتصل إليه تسير بجانبه ترمقه بسعادة ولم تستطع منع نفسها من احتضان طرف معطفه الأسود ترتجي الأمان بذلك .

*****

تنهدت بعجز وملامحها الجميلة المستاءة لا تدل إلا على مدى إحباطها وهي تلف شوارع وسط المدينة سيرا على الأقدام تسأل كل من مرت به ولم تجد الجواب لدى أي منهم ولا تعلم هل كان سؤالها صعبا لدرجة أن ولا أي شخص منهم يملك جوابا له ؟! أم أنهم يتكتمون على الأمر ولا يريدون أن يخبروها بالحقيقة ؟! لكنها قرأت في ملامحهم الاستياء والتجهم والغضب ولا تعلم لماذا وهم يتصرفون بغرابة وكأنهم يتجنبونها ، لطالما تساءلت في نفسها عن سبب اختفاء التاجر الصغير كما يلقبونه الناس وانتشر صيته في جميع أرجاء البلاد في وقت قياسي واثبت نفسه للجميع كم كانت سعيدة بذلك لأنها بنت أحلامها الصغيرة عليه لأنه اشتهر ببيع أجود أنواع الأقمشة وكم سيساعدها هذا في مشروعها الصغير الذي بدأت لتوها به ولكن لا تعلم لماذا كلما حاولت التمسك بحبل أمل جديد سرعان ما ينقطع لتهوي على الأرض من جديد وكأنها لم تتقدم ولا أي خطوة للأمام وكلما أرادت أن تقوم لوحدها دون مساعدة احد تسقط على وجهها وبقوة كم تؤلمها وتتألم منها ، هل يعقل بأنها تملك حظا سيئا لهذه الدرجة التي يفسد عليها كل شيء في حياتها !! ، هزت رأسها نفيا لتتطاير خصلات شعرها البني الحريري الطويل حولها بخفة وهي تتمتم لنفسها قائلة :
- كُفي عن الهراء يا هالة فلا يوجد شيء اسمه حظ سيئ ..
ابتسمت لنفسها بعد أن أحست ببعض الحماس فهي دائما تساند نفسها بنفسها ولا تكف عن تشجيع نفسها وتذكيرها بأنها قوية وتستطيع فعل أي شيء مهما حدث فقبضت أناملها أمام وجهها وقالت بإصرار :
- سأبحث عنه وسأجده بالتأكيد عندها سيصبح متجري المتصدر في القمة وبدون أدنى شك ..
صحيح بأنها لا تعرف الشخص الذي تبحث عنه بدقة فهي لم تقابله يوما وجها لوجه أو حتى تلمحه من بعيد والذي يُصعب عليها الأمر أكثر هو جهلها حتى باسمه الحقيقي ولا تعلم إلا اللقب الذي يلقبونه به ، وقفت أمام متجر صغير لسيدة عجوز تحيك بالصوف بعض القطع الصغيرة من حقائب إلى قطع تستخدم للزينة ومفارش للطاولات لتعطي طابعا فريدا من نوعه وجماله ، قالت بنبرة طفولية تضم يديها أمام فمها تتنقل بنظرها بين الأعمال المعروضة على الطاولة الخشبية الكبيرة :
- ما أروعها يا الهي ..
ضحكت العجوز على مظهرها وقالت :
- أيهم أعجبك لكي اخفض لك سعرها ..؟!
ضحكت هالة بخفوت زادها رقة وجمال وقالت :
- كل ما صنعته بيديك أعجبني ..
أخذت تقلب القطع الصغيرة والكثيرة أمامها تعرضهم عليها واحدة واحدة وتعطي وصفا لنوعيتها وكيفية صنعها وكم استغرقت في حياكتها والفئة التي ينجذبون أكثر لكل قطعة تمسكها بيدها وكأنها تحكي قصصا قديمة لكل قطعة ، تتحدث بسعادة وحماس ولم تكن التي تقف أمامها اقل حماسا منها بل كانت تنصت إليها وتشاركها في بعض القصص تعلق تارة وتضحك تارة أخرى ولم تكف عن طرح الأسئلة فحلمها هو أن تفتح لها متجرا صغيرا وتمارس هوايتها المفضلة والتي تتقنها بكل حرفية ألا وهي الخياطة والتطريز فهي دائما ما يجذبها كل ما يتم صنعه باليد مهما كان حتى أنها توقفت كثيرا عند بعض الحدادين الذين يقومون بصنع السيوف تنظر إليهم بفضول يكاد يقتلها الحماس وهي تمسك نفسها بكل ما أوتيت من قوة عن عدم طرح الأسئلة لتجنب إزعاجهم في أداء عملهم أما هذه العجوز فنسيت نفسها معها وهي تدخلها إلى عالمها الصغير تتحدث بكل ارياحيه ، فقالت هالة باندفاع بعد أن تذكرت أهم سؤال لديها والذي لم تجد له جواب منذ خرجت صباح اليوم :
- خالتي هل تعلمين لماذا اختفى المدعو بالتاجر الصغير ؟! وأين استطيع أن أجده ؟! لأنني سمعت بأنه يعيش في الإمبراطورية الخضراء بعد أن سمح الإمبراطور عامر بالتجار بالتجول داخل الإمبراطوريات بحرية لأجل التجارة ..
رأت نظرة الاستنكار والتجهم في ملامحها بوضوح وتغضن جبينها دلالة على استيائها الحاد ولا تعلم مالذي أصاب الناس اليوم ، قالت في محاولة يائسة أخرى وبتردد واضح :
- أنا اقصد .. يا خالتي أني .. أني أتمنى لو اعرف على الأقل طريقا ليوصلني إليه .. أو أي أحد من معارفه لأني احتاج ل....
وبترت جملتها وعيناها قد اتسعتا بدهشة عندما رأت العجوز تستدير تعطيها ظهرها وتشغل نفسها بترتيب بعض ما تعرضه بتعليقها له على الجدار خلفها ، لا ليس أيضا هذه العجوز الطيبة والتي كادت أن تقسم بأنها مختلفة عنهم وأنها ستساعدها ليس مثل الجميع ، تنهدت بعجز غير قادرة على استيعاب ما يجري حولها وحول ذلك التاجر فقالت بنبرة خافته وكأنها تحدث نفسها بها :
- لماذا لا احد يجيبني والكل يتجاهل سؤالي ؟! لا اعلم حقا ما الخطب فيما قلت ..؟!
لكن تلك النبرة الخافتة لم تخفى على العجوز والتي استدارت نحوها بسرعة تنظر إليها بغضب وقالت لها بحدة تشير بيدها وكأنها تفرغ غضبا مكبوتا بداخل صدرها :
- تريدين أن تعلمين ما الخطب ؟! الخطب في ذلك المدعو بالتاجر الصغير والذي تسألين عنه بكل براءة في جميع الأرجاء وكأنك لا تعلمين مالذي فعله بنا أو كأنه لم يفعل شيء من أساسه ..
توقفت عن الاسترسال في حديثها تتلقف أنفاسها بشدة من غضبها الذي انفلت منها بينما تلك العينان البنيتان الواسعتان تنظران نحوها بصدمة اختلطت بكثير من الدهشة من انفعالها الغير مبرر كما ترى فهي حقا لا تعلم مالذي حدث هنا في الفترة الأخيرة لأنها لزمت منزلها تخطط للخطوة القادمة التي ستقدم عليها في حياتها لكي لا تقع فريسة للفقر والتسول وشفقة الآخرين عليها ، قالت ببلاهة بعد أن وجدت صوتها متسائلة بكل براءة :
- مالذي فعله بكم ذلك التاجر إذا ..؟!!
قست تلك الملامح وظهرت رغم التجاعيد الكثيرة في وجهها إلا أنها لم تخفي غضبها أبدا وقالت بحدة :
- ذلك المخادع تقصدين المتغطرس الذي لا يفكر إلا بنفسه وبماله خدعنا وسرق أموالنا ونحن كالحمقى نصفق له انجازه العظيم ..
دارت هالة بأعينها تحاول ربط الأمور فقالت بتفكير عابس بعد أن عجزت عن الفهم تماما :
- ولماذا خدعكم وبماذا ؟! هو تاجر معروف ولا يوجد مثيلا لبضائعه فهي من أجود أنواع الأقمشة التي رأتها عيناي ..
قالت العجوز بعد أن ابتسمت ابتسامة ساخرة تنطق مرارة :
- إذا يبدو بأنك مخدوعة مثلنا فكلنا كنا نظن ذلك واكتشفنا بأنه مجرد مخادع وغشاش ..
هزت هالة رأسها بعجز وحيرة فهي لا تصدق ذلك أبدا كيف لذلك التاجر أن يخدعهم ويغشهم لو أنها لم ترى بضائعه بعينها ولم تشتري قطع قماش من عنده قبل حوالي الأربع سنوات وحكمت عليها بحكم خبرتها في الأقمشة وجودتها والتي اكتسبتها من والدتها المتوفاة لصدقتهم لكنها الآن لا يمكنها تكذيب عيناها والاستماع لهم وتصديقهم .
- لذلك عليك نسيانه وعدم البحث عنه عله يختفي من على وجه الأرض المخادع الصغير ذاك ويريحنا منه..
انتشلها من أفكارها تلك الكلمات الممزوجة بالحقد الكبير ولم تتوقف تلك العجوز عن الشتم والسب كما الطعن به وهي ترتب الأغراض المبعثرة حولها تتنقل هنا وهناك والغضب لم يفارق ملامحها أبدا حين أكملت قائلة :
- يبيعنا أردى أنواع الأقمشة والخامات بعد أن كان يبيع أجودها لكي نثق به وندعمه إلى أن وقعنا ضحية جشعه واختلس أموالنا ظلما وذهب بها ، هه ذاك الأخرق الأحمق عله يستيقظ ضميره الميت الآن بعد أن أصبح الناس يكرهونه ويكرهون ذكره ..
أرخت هالة كتفيها بقلة حيلة بعد أن تنهدت فالأمور لم تتضح لها بعد ولا يمكنها طرح المزيد من الأسئلة حوله لهذه السيدة لأنها وبتأكيد ستنقض عليها وتقتلها لا محالة ، كانت تتمنى أن علمت على الأقل مكان سكنه أو اسمه الحقيقي ولم تكن لتمانع لو علمت باسم عائلته أيضا لكي تبحث عنه وتكتشف الآمر بنفسها فهي ليست بالغبية التي تصدق كلام الناس بسرعة دون دليل أو دون أن تتأكد بنفسها ، غادرت من عندها ولم تستطع حتى شكرها إذ أن دماغها امتلأ بكم التساؤلات التي لن تستطيع جمع الأجوبة كلها الآن وهي لا تعلم من قد يساعدها في ذلك فبالرغم من فضاضة هذه العجوز وهي تجيبها عن سؤالها البريء ذاك إلا أنها شاكره لها بأنها لم تتجاهلها كما الجميع ويكتفون برميها بنظرات نارية غاضبة ، زفرت بضيق وهي ترفع خصلات شعرها البنية خلف أذنها وهي تشعر بكم هائل من الإحباط والعجز فها هو أملها الجديد الذي بنت عليه أحلامها الصغيرة يموت في مهده وأمام عينيها وهي عاجزة بالكامل ، اتجهت نحو منزلها وهي تشعر بأن رأسها قليلا وسينفجر من كثر التفكير فهي مشتته بالكامل ولا تعلم مالذي قد يساعدها في اتخاذ القرار فهي باتت تخشى أن لا تجد طعاما لها بعد أسبوعين ويجب عليها التصرف سريعا ، اتسعت عيناها برعب وكأن الموت سيأخذها انقطعت أنفاسها شاحبة الوجه وكأن الدماء سحبت منه حين تجبست عظامها وأطرافها وهي تقف أمام منزلها والذي كان بابه مفتوحا على اتساعه فهمست بضياع وعيناها تذرفان دموع الخوف والفزع :
- لا .. ميمي ..





نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 08:02 PM   #28

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل العشرون ..

.
.

[ الحُلم الضائع ]

.
.

نظر حوله يتنقل بعينيه العسلية في وجوه المارة يتفحصهم وكأنه سيعلم من منهم سيكون له صلة قرابة بالطفلة التي تجلس بجانبه تكاد تلتصق به لقربها الشديد منه وكأنها خائفة من أن يذهب ويتركها وحيدة ، تلعق قطعة حلوى كبيرة بكل سعادة تنظر له تارة وتارة تنظر إلى جموع الناس أمامها ويبدو بأنها نسيت أمر والدتها بسبب تلك الحلوى التي كانت إحدى أحلامها الصغيرة ولم تستطع والدتها أن توفرها لها لضيق دخلهم المالي وقلته ، تنهد بخفة مغمضا عينيه فهاهو عاجز تماما عن التفكير في حل لتلك المصيبة التي لا تزال ملتصقة به لم يعرف مالذي يجب عليه فعله للبحث عن والدة الطفلة فكل ما استطاع فعله هو أن يمشي بين الناس وسط المدينة علها تتعرف على والدتها من بينهم أو ربما يحدث العكس وتجدها والدتها قبل أن يجدوها ولكن لا شيء من ذلك حدث فلقد سار لمدة طويلة وهي تتبعه متمسكة بمعطفه وبدون أي فائدة من سيرهم الطويل ذاك حتى مروا بجانب متجر للحلوى وخرجت عن صمتها ذاك ولأول مرة أثناء سيرهم الطويل قائلة بنبرة مترجية كادت أن تدمع عيناها مع خروج الكلمات من بين شفتيها الصغيرة تشير بأصبعها الصغير نحو المتجر :
- أريد حلوى أريد حلوى ..
وأكملت وهي ترفع نظراتها البريئة إليه عندما رمقها بطرف عينيه بكل برود وقالت وهي تمط حروف الكلمة كما شفتيها الصغيرتان برجاء طفولي :
- أرجووووك ..
فما كان له إلا أن يشتريها لها لتصمت فكم كره تلك النظرات البريئة من عينيها وهي ترمقه بها والرجاء الطفولي البحت في طلبها ، يكره كل التعابير تلك التي رسمتها على وجهها لأنها لا تعني له إلا الضعف الشديد والعجز وكم يكرهه من شعور ولم يرد إلا أن يسكتها وكم تمنى بأنها تعفيه من مهمة البحث عن والدتها عندما يشتريها لها ولكن أمله ذهب أدراج الرياح وهي تحضن ساقه بسعادة تلعق وتلعق وتلعق تلك الحلوى دون توقف ودون أن تترك ساقه متشبثة بها ولم تتركه إلا عندما جلس على جانب الطريق على احدي المقاعد الحجرية ولم يهنأ لها بال إلا عندما التصقت به ولا تعلم لماذا ارتاحت بقربه ومالذي جذبها له هكذا وكم استغرب هو أيضا عدم نفورها منه كالبقية وبتأكيد لأنها لا تعلم من يكون وإلا كانت أول من هرب منه وابتعد ، نظرت إليه بسعادة وقالت والحلوى ترفض أن تخرجها من داخل فمها فخرجت كلماتها بصعوبة :
- ما هو اسمك .. ؟!!
في حين لم يصدر عنه أي رد فعل على نفس هيئته السابقة مستندا بمرفقيه على ركبتيه يجمع كلتا يديه في قبضة واحدة ليست مشدودة يريح أنامله المتداخلة في بعضها البعض ، رفعت نظراتها المتوجسة لوجهه لتنظر لتلك العينين بلون العسل الصافي تنظر أمامها لكنها تجزم بأنه ينظر ولا يكاد يبصر ما حوله مفصول بشكل كامل عمن حوله حين كانت خصلات شعره البنية هي وحدها من كانت نسمات الهواء تداعبها فرفعت يدها الصغيرة إلى كتفه الذي لم تصل إليه لكنها أمسكت بمعطفه تهزه هزة خفيفة لكي ينتبه لها ونجحت بالفعل بسرقة نظراته الهادئة نحوها فابتسمت وأعادت سؤالها لكنها هذه المرة أخرجت الحلوى من فمها وقالت مبتسمة :
- ما هو اسمك .. ؟!!
تنقلت نظراته الصامتة والهادئة والتي وحدها كانت كفيلة ببث الأمان في قلبها الصغير في تقاسيم وجهها المبتسم وحار في أمرها الم تكن تبحث عن والدتها قبل قليل وخائفة وتبكي بنحيب ؟! لماذا تغيرت هكذا فجأة وكأن والدتها التي تجلس بجانبها وليس هو الشخص الغريب الذي لا تعرفه سابقا بل قابلته مصادفة ؟! هل يعقل بأن هذا تأثير الحلوى عليها !! لا ليس معقولا إذ لا بد من أنها ليست والدتها الحقيقية بل تناديها بذلك الاسم فقط ويجهل قصتها الحقيقية ، هذا ما استنتجه من خلال النظر إلى ملامحها الطفولية ودراسة حركاتها فكم ابهر الجميع بل بالأصح أرعب الجميع بتلك النظرات التي تميزه عن غيره فمجرد أن ينظر إلى عيني خصمه يدخل إلى أعماقه وبكل يسر ليخرج كل ما يجول بخاطره لذلك يفضل الآخرون الابتعاد عنه خشية على أنفسهم منه لأنه في نظرهم يبقى الملقب بالوحش القاتل والكثير غيرها من الألقاب الغير إنسانية ، طال صمته بطول تلك الأفكار التي تزاحمت في رأسه ليهمس لها بهدوء وباختصار شديد :
- وسام ..
لا يعلم ما الذي انطقه حينها فهو لا يجيب أسئلة البالغين والذين يعتلون مناصب كبيرة من ضباط وقادة ليجيب هذه الطفلة الصغيرة لكن بعد استنتاجه ذاك وان والدتها قد تكون ميتة كان له التأثير الأقوى في تحريك شفتيه وخروج صوته الذي يجزم بأنها لم تسمعه أو أنها كانت غير منتبهة له لان عيناها ارتفعت ببطء لما خلفه تنظر بعينين متسعة من الصدمة التي خالطت الكثير من الفرحة وهي تهمس ببحة بكاء :
- ماما ..

*****

امسك ذراعه بقوة بعد أن لحق خطواته السريعة بأعجوبة موقف له ليصرخ به قائلا :
- توقف يا حسام فأنا لم انهي حديثي معك ..
نفض يده بقوه وملامح الاستياء كلها تجمعت في وجهه وقال له بنفس الحدة والصراخ :
- لا حديث بيننا يا طارق فاتركني وشأني ..
واستدار مغادرا لتوقفه من جديد تلك الأنامل التي اشتدت على ذراعه بقوة ومديرا إياه لكي يصبح مقابلا له وجها لوجه وقال يتلقف أنفاسه :
- اهدأ يا حسام ودعنا نتحدث برويه لا تدمر كل شيء وتوليه ظهرك هاربا ..
قطب حاجبيه منزعجا وكم كره نفسه حينها فأي هدوء هذا الذي يطلبه منه فلا ذرة صبر توجد في خلاياه الآن بعد أن القوا عليه تلك القذائف المدمرة للأعصاب تحت مسمى قوانين العائلة المالكة أي قوانين وأي عائلة مالكة هو لا يريدهم ولا يريد قوانينهم وأوامرهم هو فقط يريد أن يبتعدوا عنه ويتركوه وشأنه هل هذا صعب ؟! أم أمر مستحيل ؟! ، زفر بكره ناظرا إلى تلك العينين العسلية المحدقة به وكما عرفه يحكم عقله ويضبط أعصابه دائما وقال من بين أسنانه :
- قلت لك لا حديث بيننا فاتركني وشأني ..
هز رأسه بقوة نافيا وقال بهدوء جاهد نفسه عليه :
- حسام تعقل وعد معي إلى القصر ولا تترك والدي هكذا فأنت كما تعلم بأنه يفضلك حتى علي أنا ابنه ..
صرخ وقال بغضب يلوح بيده الحرة في الهواء :
- وما شأني أنا فأنا لم اطلب منه بأن يفضلني عليك أنا فقط طلبت منكم بأن لا تتدخلوا في حياتي وتتركوني وشأني فأفهم ذلك لوالدك ..
فجذبه حينها طارق من ياقة بدلته السوداء بقوه وقال بحدة ينظر إلى عينيه المشتعلتان غضبا :
- والدي يكون عمك يا حسام فأنتبه لألفاظك فأنا لن اسمح لك بأهانته أمامي وفي حضوري ..
قال ببرود يرمقه بطرف عينيه وكأنه يستفزه ببروده ذاك :
- إذا اذهب له واتركني كي لا يغضب عليك ..
تنهد طارق بقلة حيلة فلا يعلم كيف يستوعب ويفهم هذا الرجل أمامه لكنه يعلم تماما بأن الصراخ والغضب لن يجدي نفعا معه والآن خصوصا وهو في حالة هيجانه لذلك حاول تنظيم أنفاسه الغاضبة ليعود إلى هدوئه عل حسام يستوعب الحديث فقال ناظرا إلى عينيه بهدوء وبنبرته العميقة المتزنة :
- حسام إذا كنت أنت ترفض تلك القوانين فارفضها بطرق أخرى غير الغضب والصراخ والتجريح والتقليل من شأن الآخرين وكأنهم لا يعنون لك شيء ..
ابتسم بسخرية وقال :
- نعم فانتم لم تعودوا تعنون لي شيئا..
ابعد يديه عن ياقته ونفض بدلته البيضاء المذهبة وقال بنفاذ صبر:
- وما الذي فعلناه لك !! نحن اهلك وعائلتك يا حسام إن كنت لا تعلم ..
نظر حينها حسام في الفراغ حوله وقال بكلمات متأنية لا يعلم كيف خرجت من حنجرته :
- منذ متى يا طارق واهلك وعائلتك كما تدعي يتحكمون في مصيرك وحياتك وأدق تفاصيلها !! الذي اعلمه أن العائلة يتساندون في كل شيء لا أن يقفون لبعض كحاجز عند كل شيء ..
هز طارق رأسه بخفة لا زال ينظر إلى عينيه التي أظهرتا وللمرة الأولى نظرة غير الاستصغار والسخرية بل شيء من الحزن وخيبة الأمل وقال بنفس هدوئه وبنبرته العميقة المتزنة التي لا تدل إلا على حكمة صاحبها وترويه في اتخاذ الأمور والذي يبدو بأن حسام رضخ له أخيرا ولم يذهب وينصرف ويتركه خلفه :
- لم تعطنا الفرصة يا حسام أنت لا تعترف بنا ولم تجلس معنا لنتحدث ونتفاهم معا بل غادرت لمدة طويلة وهجرت القصر كما هجرتنا ولك حق فيه كما لنا ، أنت يا حسام من لم تدعنا ننظر لبعضنا كعائلة بل انسحبت وفضلت فعل كل ما تريد خارج حدود عائلتك ..
صرخ الآخر وكأن مفعول ذلك الهدوء الذي ألقاه عليه طارق ذهب أدراج الرياح :
- أي فرصة هذه التي تريد أن أعطيها لكم أتريد أن تُفنى حياتي في إرضائكم وتنفيذ طلباتكم وأوامركم على أنها أمور مسلم بها وطريق يجب علينا أن تسير فيه ودون أي اعتراض أي اضطهاد للأحلام هذا ..!!
قال طارق موضحا له ورافضا لتلك الأفكار أن تسيطر على عقل حسام :
- لا يا حسام انظر حولك جيدا وستفهم الأمور بشكل جيد انظر إلى نفسك أنت تمارس مهنه الطب ولم يعارضك والدي عليها ولا احد نحن لا نقيدك وندمر حياتك كما تدعي ..
أشار إلى نفسه وقال بأسى :
- بلى يا طارق تريدون تدميرها ونهائيا تريدون مني أن أصبح الوريث للإمبراطور عامر وأنا امقت هذا الشيء جدا وتعلم جيدا بأنني لو أصبحت الوريث لتوقف عملي كطبيب فأنا لا املك عقلين ولا جسدين استطيع أن أسيطر على إمبراطورية كاملة وعلى مرضاهم أيضا في نفس الوقت أتضحك علي يا طارق أنا لست غبيا لكي لا افهم كل ذلك ..
تنهد طارق يحاول ألا يفلت صبره منه وقال بنبرته العميقة :
- والدي يريد لك الأفضل ولا يريد لحقك أن يضيع فأنت مهما رفضت ذلك فأنت ابن الإمبراطور عادل الوحيد والأحق مني بالورث والخلافة في نظر والدي وأنا يأتي دوري بعدك ..
ابتسم ساخرا وقال بمرارة :
- تعترف إذا يا طارق بأنني حتى مهنتي المفضلة لدي والتي عشقتها منذ كنت طفلا سأتركها لكي أصبح الوريث المبجل والمنتظر ، هذا وانتم تعلمون بأن كل حياتي قضيتها في العيادة بين المرضى كيف بحق الله تريد مني أن أصبح وريثا أتسخر مني ..!!
ابتسم بخفة يخفي الألم ويكبته في صدره فها هو حلمه الضائع الذي يطارده ويسعى جاهدا ليل نهار لتحقيقه يُقدم لغيره على طبق من ذهب وبدون أي جهد ولا مجهود والذي قتله أكثر وأكثر هو انه يرفضه ولا يريده ويبغضه اشد البغض ولا يقدر قيمته لكن يجب عليه هو نفسه أن يتقبل الأمر ويدوس على حلمه الذي استحل قلبه وكل ذرة في جسمه ومنذ صغره ويقف عند رغبة والده الذي لا يريد إلا حسام بجانبه وكأنه لا يراه ولا يرى سعيه المبذول لذلك ، والمؤلم أن والده يعلم تماما بأن حسام لا يريدهم جميعا ولا أي شيء منهم لا وفوق هذا يجب عليه أن يشرح ويوضح لحسام ما عجز هو عن فهمه لنفسه وهو انه هو الأحق بالورث في الخلافة بينما هو لا ، قال بهدوء ونبرة متفهمة بابتسامة صغيرة :
- هل هذا كل ما يؤرقك يا حسام في الأمر ؟! نحن حولك والوقت لا زال لدينا ويمكنك أن تتعلم كل شيء ..
انطلقت حينها ضحكة حسام وكانت آخر رد فعل توقعه من نفسه وقال :
- لا أبدا ، ما يؤرقني هو وجودكم حولي اقسم لك فابتعدوا عني كما سأبتعد عنكم ..
قطب طارق حاجبيه بغضب أيسخر منه حسام كل هذا الوقت وهو الذي ظن بأنه أخيرا سيصل إلى ما يريد حتى لو كرهته نفسه فما أعظمه من شعور بأن يفضل والدك ابن عمك عليك رغم انك تبذل قصارى جهدك لتثبت له نفسك لكن دون أي فائدة ترجى من ذلك السعي المبذول ، طال الصمت بينهما كما نظراتهما الصامتة كل منهما يحاول أن يوصل للآخر رأيه في الأمر ومدى رفضه بذلك فكان طارق أول من كسر ذلك الصمت المميت وقال :
- فلنعد يا حسام للقصر ونتفاهم بروية أرجوك ..
فاستدار حينها حسام يخلل أنامله في خصلات شعره الأسود ومبعدا إياه للوراء قائلا بسخرية :
- عد أنت لوحدك فأنا لن تعتب قدماي قصركم ذاك مجددا واخبره بأنني لا أريد أي شيء منكم أي شيء لا ورث ولا خلافة ولا حتى ابنته التي فرضتموها علي أيضا لأتزوجها فأنا أريد الزواج من أخرى أي لا شيء بيننا بعد الآن ..
وختم جملته تلك بضحكة صغيرة مستفزة أشعلت الذي يقف خلفه يقبض يديه بقوة مفرغا ذلك الغضب المكتوم فيهما يكاد جلد يديه أن يتمزق من شدة ضغطه عليهما وكم تمنى بأن يلكمه ويلقنه درسا لن ينساه فكل شيء كان عنده سيستحمله ويتغاضى عنه وإن كاذبا إلا موضوع شقيقته الذي أحس به مزق قلبه واستنزف كل طاقته العقلية والجسدية فيه ، لا ينكر بأنه صُدم أيضا عندما قالها والده بأن من عادات العائلة المالكة هي التزاوج فيما بينهم وانه الوريث الذي سيرث والده لذلك يجب عليه الزواج من شقيقته بحكم أنها ابنه عمه والفتاة الوحيدة في العائلة وبلغت سن الزواج وكم أحس بالألم الذي لا يمكن وصفه لا بحروف ولا كلمات ولا حتى جمل وحسام يرفض شقيقته بذلك الشكل البشع والذي هو متأكد منه بأنها تبكي الآن جرحها منه ورفضه القاسي على قلبها الصغير مع انه موقن بأن شقيقته لم تفكر يوما بحسام كزوج لها ولا تكن له أي مشاعر سوى تلك المشاعر التي تربطهم بالدم لكنه جرحها وأهانها ولم يكترث لمشاعرها التي دمرها كما دمر تلك القاعة خلفه ولم يكترث لأحد ، فصرخ قائلا لكي يسمعه الذي ابتعد عنه والألم يجتاح صدره :
- كل شيء يا حسام كل شيء سأسامحك عليه وأتغاضى عنه إلا جرحك لشقيقتي ، أنا أعدك بأنني لن أنساها لك ما حييت ..
وغادر بعدها مسرعا يشتعل غضبا بعد أن رفع حسام يده يلوح له ساخرا يريد أن يعود إلى القصر بأقصى سرعة لكي ينظر في الأمر ويحاول أن يجد طريقة سريعة وخطة محكمة بديلة لسد الخلل الذي أحدثه حسام قبل أن ينتشر خبر مشاكل عائلة الإمبراطور عامر في جميع الإمبراطوريات لأنه متأكد من أن الأمور ستسوء فوق ما قد يتصوره أي احد وتعم الفوضى من جديد والتي لن تتوقف مهما فعلوا لإيقافها والذي لا يعلمه بأن الجواسيس في القصر لم يتوانوا عن نقل الأخبار لسيدهم وكل ما دار ويدور حولهم فردا فردا والذي لو علموا هويته لشلتهم الصدمة لأنه آخر من كانوا يريدون أن يعلم بما يجري داخل القصر .








نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-20, 08:04 PM   #29

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل الواحد والعشرون ..

.
.

[ خطوة التحرر ]

.
.

استدار ببطء رافعا عيناه إلى الشخص الذي كان يقف خلفه ويحجب ضوء الشمس نسبيا عنه لعدم كبر ذلك الجسد فنظر إليها ببرود إذ أنها يبدو بأنها صغيرة على أن تكون والدة هذه الطفلة شعرها البني الحريري الذي لامس كتفيها يشبه تماما تلك الأحداق البنية الغامقة الممتلئة بالدموع في حين وقفت التي كانت ملاصقة له بسرعة لترتمي في حضن التي خانتها قواها وجلست على الأرض تضمها لصدرها بقوة وقد أعلنت دموعها تمردها فانطلقت تجري على خديها تسابق كل دمعة الأخرى تتنفس بصعوبة من بين شهقاتها المتتابعة وهي تقول بنبرة باكية :
- حمدا لله انك بخير يا صغيرتي حمدا لله لقد أقلقتني عليك كثيرا وكدت اجن لا محالة إن لم أجدك ..
فنهض حينها الذي لم يعد لوجوده أي قيمة حين تبينت له الأمور ووجدت تلك المرأة صغيرتها وانتهى دوره الذي لم يكن يعلم تماما ما هو وكيف يقوم به ، خطواته الساكنة الهادئة تتابعت بخفة يسجن يديه في جيبي معطفه لا زال ذلك الصداع يفتك برأسه لكنه يقاوم بشدة رافضا الاعتراف بالضعف وطلب العون .
- ع..عذرا سيدي ..
تلك الكلمات الهادئة التي اخترقت سمعه هي ما جعله يتوقف عن السير فالتفت لها برأسه فقط ليكون التقييم والتحديق من نصيب التي كانت تحمل الصغيرة بين ذراعيها وتنظران الاثنتان له في نفس الوقت ولم تتبين ملامحه قبل ذلك الوقت لسعادتها بأنها وجدت صغيرتها التي ظنت بأنه تم اختطافها ولن تراها مجددا ، تنظر إليه بنظرات ممتنة في حين لم تستطع أن تخفي التوتر من الظهور في تقاسيم وجهها الجميل تنظر إلى الوجه الشاحب والعينان العسلية الباهتة والتي فقدت بريقها خصلات شعره البني التي تمردت على جبينه زادته وسامه فلم تستطع أن تخفي نظرات الإعجاب والدهشة التي اعتلت ملامحها فإن قالت سابقا بأنها رأت شابا وسيما فهي حقا لم تعرف الوسامة يوما ولا تعلم إلى ماذا قد تصل إليه بعد هذا الرجل الذي يقف أمامها فهي لم ترى بوسامته سابقا وحارت في أمره وتساءلت في نفسها العينان العسلية والشعر البني دليل على انه احد أبناء الإمبراطورية الخضراء مثلها تماما لكن وسامته هذه والتي فاقت كل شيء لا تشبه إلا تلك الوسامة التي سمعت عنها بأنها ما يميز أبناء إمبراطورية البراكين فتجده مزيجا غريبا جمع وسامة الإمبراطوريتين ، أخفضت نظرها بخجل شديد عندما أدركت أنها أطالت النظر إلى وجهه وهو ليس من عادتها أبدا لكنه كان رغما عنها حقا ونسيت نفسها فقالت بتوتر وهي ترفع أناملها المرتجفة تدس خصلات شعرها خلف أذنها :
- ا..أنا .. ح..حقا أشكرك ع..على ...
وضاعت منها الكلمات وتصلبت نظراتها على عينيه بعدما رفعتها إليه عندما رفع يده بخفة في إشارة فهمت منها انه فهم ولا داعي لان تكمل كما انه لا داعي لشكره إذ انه لم يفعل شيئا يستحق كما يرى ، حينها استدار مكملا خطواته ذات النغمة الموسيقية الخافتة التي لا يجيدها سواه إذ أن الشك ينتابك اهو يطير أم يسير يا تُرى ؟؟ ، رفعت كتفيها بلا مبالاة لا تعلم ما هذا الأسلوب الجديد في رد الشكر لكن لا بأس المهم أنها وجدت تلك الطفلة المشاغبة والتي كادت أن تجن إن لم تجدها ، ابتسمت بخفة تنظر للتي تعلقت بعنقها واضعه خدها الصغير على كتفها ويبدو أن النوم قد سرقها إلى عالمه بعد أن شعرت بالأمان الحقيقي ، ابتسمت ببلاهة عندما وجدت نفسها أنها تسير خلف ذاك الوسيم وتخيلت للحظة بأنهم عائلة حقيقية ذاك الوسيم هو الزوج وهي الزوجة وهذه الصغيرة ابنتهم لم تستطع أن تتمالك نفسها فأفلتت منها ضحكة غلبتها على أفكارها الغبية تلك فمن المستحيل أن تعيد تجربة الزواج الفاشلة تلك كما أنها تيقنت بأنها لن يمكنها ذلك وأبدا بعد كل ما جرى لها سابقا ، غزا الضيق ملامحها عندما أخذت أفكارها مسار آخر وهو ماضيها الذي ألمها اشد الألم وتوقعت بأنها نسيته بالكامل لكنها الآن أدركت بأن الإنسان بالرغم من أن اسمه إنسان من النسيان إلا انه من المستحيل أن ينسى كل شيء في حياته خصوصا تلك الذكريات التي ألمتنا بشدة وعلمتنا الكثير بعدها ، شهقت بصدمة مفزوعة عندما كادت أن تصطدم بالجسد الطويل والذي رغم لبسه لمعطفه إلا أن عضلاته قد برزت من خلال ذلك القميص الرمادي الذي يرتديه والذي ظهر بوضوح لأنه يترك معطفه الأسود مفتوحا من الأمام لا تعلم كيف تقلصت المسافة بينهم بهذه السرعة وهي لم تدرك ذلك فهذا هو تأثير وبعض مساوئ التفكير بشرود أثناء السير انك عرضه للاصطدام في أي وقت وبأي شيء ، شدت ذراعيها بقوة كي لا تقع التي تحركت وخرجت منها انّه صغيرة دلالة على عدم ارتياحها أو أنها خشيت السقوط فقالت تهدئها وهي تتمايل بجسمها لكي تعود للنوم :
- أنا آسفة يا ميمي هيا عودي للنوم يا صغيرتي ..
وابتسمت بخفة عندما عادت لنومها الهادئ في حين انتبهت بأن ذلك الرجل لازال على نفس هيئته ولم يعاود السير فرفعت نظراتها التي ظهر الارتباك فيها بوضوح لتستقر على عينيه والذي كان بدوره ينظر ببرود للطفلة بين يديها قبل أن تنتقل إلى عينيها فخرجت منها شهقة مكتومة إذ أنها أحست فعلا بالرعب تملكها ولا تعلم لماذا فقالت بتوتر شديد :
- ا..أنا ا..آسفة منزلي م..من هذا الطريق ا..أيضا ..
وتنهدت بارتياح عندما استدار مكملا طريقه كم تشك بأن هذا الرجل غير قادر على الكلام فهو لم ينطق ولا بأي كلمة منذ رأته هزت رأسها بخفة تريد أن تتوقف عن التفكير في هذا الرجل فهي وأفكارها لم ترحمانه وماذا إن كان لا يتكلم وما شأنها وكأنها والدته أو أخته أو لا يكون أنها صدقت أفكارها السخيفة تلك ابتسمت ما أن تعلقت ميمي بعنقها أكثر وأخذت تمسح على شعرها بحنان تشكر الله في قرارة نفسها بأنها وجدتها سالمة ولم يصبها أي أذى .

*****

أغلق باب المنزل خلفه حينها غضن جبينه مستغربا من هذا الهدوء الذي سيطر على المنزل حتى انه ظن في البداية بأنهم خرجوا معا للتنزه وتركوه لوحده فابتسم ساخرا يبعثر خصلات شعره الأشقر بخفة في كل اتجاه يعلم بأنهم قد يفعلونها به ويذهبون دونه فهو يتغيب عن المنزل كثيرا وغالبا ما ينام في المعسكر إلا يومين في الأسبوع فهي أجمل الأيام بالنسبة له حيث يجد الراحة والسلام النفسي والروحي من جميع إزعاجات الضباط وتدريباتهم التي لا تنتهي كما مهامهم تلك لكنه يعلم جيدا بما أن تلك المدعوة رنا في المنزل فلا سلام ولا راحة ولا هدوء سيعم حياته ، هز رأسه بخفة مبتسما على شقيقته تلك فهو لا يتخيل كيف سيكون المنزل بدونها ، توجه مباشرة نحو المطبخ إذ انه يشم رائحة الطعام اللذيذ الذي لا يتقنه سوى تلك السيدة الرائعة والتي يعتبرونها والدتهم وهي وزوجها لا يمدون بأي صلة لهم سوى أنهم انتشلوهم من الشارع والفقر ثلاث أشقاء يتامى فقدوا والدتهم ووالدهم الحقيقيان واعتنوا بهم أفضل حتى من اعتناء الآباء بأبنائهم الحقيقيين ولم يحرموهم من أي شيء بل قدموا لهم الكثير ولا زالوا يفعلون ، مد رأسه ينظر إلى الداخل فرأى والدته المقابلة له تمسح دموعها مبتسمة فقطب مستغربا إذ انه يرى شخصا ما يعطيه ظهره جهل هويته في بادئ الأمر لكنه سرعان ما فتح فمه بدهشة وعيناه انفتحتا على وسعها من صدمته التي لم يتوقعها أبدا في حين التفت له الذي كان يعطيه ظهره وابتسم ابتسامة حزينة منكسرة كادت أن تقتله وتقضي عليه فما أسوأه من منظر ومن شعور وإحساس وأنت ترى شقيقك الذي ضحى بحياته كلها في سبيل سعادتك وراحتك تراه حزينا منكسرا وأنت تأخذ دور المتفرج والمشاهد ولا تقدم له أي مساعدة وتعجز عن مد يد العون له ، تحركت قدماه بخطوات واسعة نحوه ولم يلتفت أو يرد على التي قالت له بنبرة لم تتخلص من اثر البكاء عليها :
- أهلا بعودتك يا بُني ..
وضع يده على كتف رافع ممسكا بها ولفه بقوة لكي يصبح مواجها له وضمه .. ضمه بقوة إلى صدره هذا كان كل ما استطاع فعله حينها ليعبر عن كل تلك السعادة التي اجتاحت صدره برؤيته مجددا وبينهم ولم يستطع التحكم في تلك الدمعة التي سقطت من إحدى عينيه حين بادله رافع الحضن بضمه ، كان عناقا طويلا صامتا رجوليا واخويا يحكي الكثير والكثير في طياته عن مشاعر الامتنان والمحبة والأخوة دمعت لذلك المشهد عينا رنا ووالدتها وهم يرون اجتماع الشقيقان من جديد وتحركت حينها تلك القطعة منهم تضمهم كلاهما وقد بكت بنحيب هذه المرة من فرط المشاعر التي عصفت بقلبها ، ابتعد رامي يخفض رأسه يمسح تلك الدمعة التي تمردت على خده في موقف هو نفسه استغرب منه في حين جلس رافع مستندا على ركبته لازالت تلك الطفلة متعلقة بحضنه والتي خانتها قواها فجلست على الأرض ترفض أن تبتعد عنه خشية أن يعود لمنفاه وعزلته من جديد ، قبل رأسها يمسح على شعرها بخفة وقال يهمس في أذنها :
- هيا يا رنا توقفي عن البكاء ولو من اجلي فأنا لا زلت حيا ماذا تفعلي لو مت أريدك أن تكوني قوية يا شقيقتنا الجميلة والوحيدة ..
فابتعدت عن تمسح دموعها التي ترفض أن تنصاع لها وتتوقف فرافع بالنسبة لها هي خصوصا كان الأب والأم اللذان فقدتهما ووجدتهما فيه فنهضت وارتمت في حضن رامي وقالت له ببحة :
- أهلا بعودتك يا رامي ..
فابتسم لها وهو ينحني لها مقبلا رأسها وقال :
- الحمد لله انك لا زلتي تعرفينني ولم تنكريني بعد أن خرج لك رافع يا مشاغبة ..
فضحكت من بين شهقاتها ولكمت صدره بقبضتها وقالت :
- لا أبدا كيف لي أن أنكر شقيقي الرائع لوجود شقيقي الرائع الأكبر ..
فابتعدت عنه تنظر إلى والدتها التي لم ينتبه احد لها في حين فضلت أن تبتعد عنهم قليلا لتعطيهم حريتهم المطلقة وتجلس على طاولة الطعام تنظر إليهم بسعادة لا يمكن وصفها فهي من اعتنت بهم وهم لا يزالون أطفال ولم تراهم يوما إلا كأبناء لها ، قالت بمكر وهي تنظر لما حولها قبل أن تستقر نظراتها على والدتها :
- أنا لن أنكرك إلا إذا لم تغسل الأواني عني لهذين اليومين وتعفيني منها وتريحني من الأعمال التي تلقيها علي والدتك ..
فانطلقت ضحكاتهم المتفاوتة على هذه الطفلة المدللة في حين كانت نظرات الضيق من نصيب والدتها التي نظر إليها بتوعد فرفعت كتفيها مبتسمة بمعنى أن هذه الحقيقة ولا ذنب لي فنهضت والدتها وقالت وهي ترتب الأطباق على الطاولة :
- بسرعة يا رنا تعالي وساعديني قبل أن يأتي والدك وكفاك تذمرا ..
مطت شفتيها بعبوس طفولي وتوجهت نحوها تتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومه في حين اقترب رامي من رافع الذي فضل الفراغ حوله لينظر إليه بشرود حزين يستند بظهره على الجدار خلفه وضع يده على كتفه وهمس له في أذنه مبتسما :
- كم أنا سعيد لأجلك يا شقيقي ..
رفع رافع نظراته الحزينة والتي يشوبها الألم الدفين إلى رامي شقيقة الذي يصغره بعام واحد واللذان أخذا من ملامح بعضهما الكثير فالثلاث أشقاء لهم نفس لون الشعر الأشقر والعيون العشبية وذلك يرجع لانتمائهم إلى إمبراطورية الصخور والتي امتاز أبنائها بالشعر الأشقر بدرجاته والعيون من بين اللون الأخضر والأزرق في حين يوجد حالات شاذة لاختلاط الأنساب والتزاوج فيما بينهم في السنوات العشر الأخيرة فظهر ذلك بسبب التداخل فيما بينهم ، تنقلت نظراته بين عيني رامي مع كل هذا التشابه بينهم إلا أن الاختلاف بينهم شاسع وكبير جدا فكم يغبط شقيقه وشقيقته على روحهم المرحة والتي يتخطون بها الكثير من الصعاب وهم يعبرون عن كل ما يزعجهم وما يعجبهم بكل ارياحيه عكسه هو شخصية هادئة وحانية وصبور جدا يسعى جاهدا لإسعاد من حوله ولو كان على حسابه يكبت مشاعره في صدره ولا يبديها لهم وعندما أراد أن يتحرر وعبر عن مشاعره أخيرا دون قيود لينطلق دون توقف صفعته الحياة بكل قوة لكي يرجع للمؤخرة ولسخرية الآخرين وبغضهم له لا ليست الحياة من صفعته في الحقيقية بل تلك الزوجة الحبيبة التي ارتبط بها لثلاث سنوات عاشها معها يغدقها بحبه وحنانه عاملها كما تعامل الأميرات لا ترغب نفسها في شيء إلا وحفر الأرض بأصابعه ليجلب لها ما تشتهيه وتريده قبل أن تطلبه حتى لتكافئه على كل ذلك الحب بالخيانة التي طعنت رجولته وكبريائه بها ودون أي رحمة ، ارتفعت زاوية فمه في ابتسامة صغيرة طغى عليها الألم والخيبة أكثر من أي شيء حين استدار ينوي الخروج فلا شيء يساعده على المضي قدما فيما نوى فعله وهو مصر عليه فكم آلمته نظراتهم السعيدة بخروجه رغم أنهم لم يقصدوا بذلك إيذائه أبدا إلا انه فسرها على أنهم لا يعلمون بمدى وقع ما حدث على قلبه فهم بذلك يريدون منه فقط أن ينسى ويتجاوز تلك الأزمة والانتكاسة التي أصابته وكأن شيئا لم يكن ولا يعلمون بأن هذا صعب جدا وهو يعيش هنا بينهم لا زال يلمح نظرات الشفقة في أعينهم السعيدة يعلم تماما بأنها تصورات وتخيلات يصورها عقله المتعب ليس إلا لكنه لا يستطيع مهما حاول وكم يخاف من الفشل أيضا فيما يريد فعله كخطوة أولى ليتحرر من ماضيه لكن على طريقته هو ليس هم وكم يخشى هذه الخطوة التي يعتبرها خطوة التحرر ، أوقفته تلك الأنامل التي التفت حول معصمه تضغط عليه بقوة وكأنه يخبره بأن لا يتراجع ولا يستمر في سجن نفسه في غرفته فهذا ما كان ساعيا لفعله ولم تتوقف تلك الأنامل بإيقاف حركته فقط بل سحبه خلفه متوجهان نحو طاولة الطعام ليسحب له احد الكراسي ويجلسه مرغما في حين جلس هو بجواره فابتسم رافع لحركة رامي إذ انه فهم منها بأن لا يتراجع وبأنه بجانبه دائما ومهما حدث .








نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 30-03-20, 04:11 PM   #30

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل الثاني والعشرون ..

.
.

[ ضجيج الهدوء ]

.
.

أكملا طريقهما تسير خلفه بصمت مطبق تحمل ميمي بين ذراعيها نائمة بسلام على كتفها يجتازان تجمعات الناس تباعا إلى أن قل عددهم يسيران في طريق واحد والذي يفترض بأن يسلك كل واحد منهما طريقه لكنه انتهى بهما المطاف هكذا خارجان من وسط المدينة وإزعاجها وكم أسعده الابتعاد عنهم وذلك ظهر بتلك التنهيدة الخفيفة التي أطلقها وكأنه تخلص من احد همومه التي لا حصر لها ، سارا مجتازان بيوتا كثيرة وكم استغرب سيرها خلفه وعدم توقفها عند أحد المنازل إذ أنه لم يعد حولهم سوى الأشجار تتوزع عن يمينهم وشمالهم فانتابه الشك للحظة بأنها تكذب عليه حين ظهر الطريق المعبد أمامهم والمخصص لسير العربات والذي ينوي أن يجتازه يقصد مكانا معينا هناك فظهر لهم المنزل الصغير الذي يقع بجانب الطريق في مكان متطرف لوحدة وبعيدا عن جميع المنازل فقالت هالة التي تسير خلفه بهمس سمعه بوضوح:
- ميمي هيا يا صغيرتي استيقظي ها قد وصلنا لمنزلنا ..
أكمل سيره غير آبه بما حوله يحاول إلا يفقد السيطرة على جسده فينهار في أي لحظة عندما استوقفه صوتها من خلفه قائلة له بعد أن أخذت نفسا عميقا مشجعة نفسها على الحديث :
- كم كنت أود أن أقدم لك شيئا يا سيدي لأعبر عن شكري الجزيل لك لان....
وبترت جملتها عندما نظر لها ثم نظر حوله وكأنه يبحث عن شيء أو سمع شيء يريد التأكد من مصدره وكم بدا شاحبا ومرهقا جدا لكنه يبدو بأنه يكابر على ألمه ليس إلا فقالت مندفعة تخرج الحروف من حنجرتها بسرعة كي لا تقطع جملتها أيضا عندما ينظر إليها وهي مغمضة العينين :
- فاسمح لي يا سيدي بأن أقدم لك العصير على الأقل لتشربه في منزلي ..
واجتازته مسرعة ولم تنتظر رده الذي تتوقعه منه وبأنه سيرفض ذلك لتتجبس عظامها وتخرج تلك الشهقة المصدومة والمفزوعة بقوة حتى كادت تتحول لصرخة لعلوها في حين صرخت ميمي تبكي عندما أنزلتها هالة على الأرض لخور قواها فتقدم وسام مقطبا باستغراب يتنقل بنظراته بينهم ووثب راكضا نحو المنزل حين جمع البيانات وفسرها وحللها في عقله في أجزاء من الثانية فها هي تلك الأصوات والتمتمات التي سمعها واستنكرها في البداية علم أين مصدرها الحقيقي ، دخل من الباب والذي وجد بابه مفتوحا بل مكسورا وعلم فورا بأنه تم مهاجمته وسرقته ولا يستغرب ذلك فهو المنزل الوحيد القريب من الطريق المعبد والبعيد عن أنظار الناس ، دخله وهو يخرج سيفاه متوسطا الحجم كان يثبت غمديهما على استقامة فخذيه في أربطة جلدية التفت حول فخذيه لا تعيق حركته أبدا تتحرك معه بتناغم شديد ولا ينتبه أي شخص بأنه مسلح إذ أن المعطف الطويل كان يغطيها ويخبأها عن الأنظار وكم يتمنى بأنهم لازالوا بالداخل ليلقنهم درسا لن ينسوه وتحققت تلك الرغبة سريعا عندما توجه نحو اليسار ودخل الغرفة التي خرجت منها أصوات علم سريعا بأنهم ثلاثة ، استند على الجدار بجانب حافة الباب ينظم أنفاسه المتعبة وأرعى سمعه لهم منصتا قبل أن يقوم بأي حركة متهورة يدرس كل خطوة سيقدم عليها وهكذا عُرف يتأنى ويسترخي ويهجم هجوما شرسا لا ينجو احد منه ، لم يكن طبعه سابقا لكنه تعلمها منذ تلك الحادثة قبل عشر سنين ، وما هي إلا ثوان حتى ضرب باب الغرفة الشبه مفتوح سلفا بقدمه بقوة أجفلت الثلاث لصوص الذين في الداخل والتفت أنظارهم المرعوبة نحوه ، تنقلت نظراته الصقرية بينهم ولم يفته الرعب الذي تملكهم ، ثلاث رجال يحمل شخصان منهم فقط خنجرين امتلأت أجسادهم الضخمة بالعضلات حينها ابتسم بسخرية الذي قرأ في نظراتهم المرعوبة مدى ضعفهم وخوفهم فهم ليسوا إلا مجموعة حمقى يتفاخرون بتلك الكتل العضلية المتكدسة في أذرعهم وأرجلهم ودون جدوى وبلا فائدة منها سوى ترويع الآمنين وترهيبهم ليعثوا في الأرض فسادا ليس إلا وهذا كان واضحا من عبثهم في الغرفة التي غطت القطع القماشية الملونة والممزقة الأرضية الخشبية وانتثرت حبات اللؤلؤ في أرجائها خيوط وأزرة وكريستالات وشرائط هنا وهناك مبعثرة وكأنهم تعمدوا الفوضى لإثارة الرعب في قلوب ساكني المنزل ليس فقط للبحث عن المال وبعض المجوهرات الثمينة التي لم يكن لها وجود سابقا ليكون الآن وهالة تكاد لا تجد ما تنفقه لشراء لقمه عيشها وتنفقه عليها وعلى ميمي ، مرت اللحظات بطيئة وهم يحدقون به برعب إلى أن استفاقوا من صدمتهم من تواجده أمامهم وتحركوا مجتمعين ثلاثتهم في مساحة واحدة مشكلين شكل مثلث ، يقف اثنان منهم خلف الذي كان يربط رباط اسود حول رأسه الذي لم تنبت فيه ولا شعره واحدة وبدا انه هو زعيمهم ليقف أمامهم ويشهر سيفه الذي كان يخبئه في غمد خلف ظهره بينما الآخران كانوا يحملون خناجر في أيديهم وقد اخذوا وضعية الهجوم سريعا في حين ابتسم وسام ابتسامة باردة واخفض يديه ممسكا سيفيه بقوة عندما قال زعيمهم بتهديد :
- من تكون يا هذا أنا أحذرك من الاقتراب والعبث معنا ..
جال وسام بنظراته الباهتة في الأرجاء يتأكد فقط بأنهم لم يسرقوا شيئا مما أشعل الذي يقف أمامه لتجاهله لهم فصرخ بحدة :
- افلت سيفاك واستسلم كي لا نلحق الأذى بك أنا أحذرك يا هذا ..
تنهد وسام بضيق إذ انه يكره الصراخ وادعاء القوة اشد البغض وهو يراهما اجتمعا في هذا الشخص أمامه فتحركت شفتيه قائلا ببرود صقيعي واختصار شديد :
- مزعج ..
فصرخ ذاك قائلا :
- ماذا قلت يا أبله اعد فأنا لم أسمعك جيدا ..
وفاجأهم بأن رفع يديه الممسكة بالسيفين خلف ظهره وأطلقهما بسرعة خاطفه اجفلتهم راميا سيفاه نحوهم لتستقر مثبته لمن يقفون جانبه حيث انغرس كل سيف في قميصهما جهة الكتف لتعيق حركتهما بالكامل ، تقدم بخطوات ذات نبرة موسيقية خافتة بعد أن ادخل يديه في جيبي معطفه وعيناه لم ترمشان مستقرتان على أعين زعيمهم والذي يبدو لا زال تحت تأثير الصدمة ينظر إليه برعب من حركته تلك التي كانت آخر رد فعل قد يتوقعها منه في حين اقترب منه الذي كان يسير ببطء ووقف أمامه لا يفصله عنه إلا خطوة واحدة فأخرج يده اليمنى ليجذب زعيمهم من ياقة قميصه بقوة مقربا وجهه منه وقال وسام بجمود ادخل الرعب في قلب الذي يقف أمامه :
- اغرب أنت والأحمقان سريعا قبل أن أقطعكم لأشلاء ..
فاتسعت عينيه رعبا فقد قرأ في عينيه الجدية كما البرود المميت والحقد الدفين ولا يشك أبدا بأن يفعلها ويقطعهم لأشلاء كما زعم لكنه أراد أن ينقذ نفسه من الموقف المخزي الذي وُضِع فيه فحرك يده الممسكه بالسيف بقوة في محاولة فاشلة لمهاجمته بها لكن وسام قفز بخفة متراجعا للخلف ليتجنب هجمته المباغتة فضحك الرجل الأصلع بخوف تملكه وقال ساخرا :
- ماذا بك أيها الشجاع هيا نازلني ولنرى من سيفوز منا وأنت لا تحمل سيفك حتى ..
ابتسم وسام وهو يرمق صديقيه اللذان لا يزالان يحاولان أن ينزعا السيف الذي ثبتهما في الجدار خلفهما بدون أي جدوى وكأن السيفان اللذان أطلقهما وسام أصبحا جزئا من الجدار فعاد بنظراته الباردة يرمق الذي صرخ بقوة محاولا الهجوم على وسام لكن وسام تفادا هجمته من جديد فأخذ يشتم صارخا وهو يعيد هجماته الفاشلة الواحدة تلو الأخرى ودون أن تصيب وسام الذي كان يتحرك بخفة ليتجنبه وعندما أصاب وسام الملل وشعر بضعف الذي أمامه قرر أن يهاجم ليوقف هذه المهزلة لكن الألم والصداع القوي داهمه فجأة من جديد فاستند على الجدار خلفه بجانب حافة الباب بتعب شديد يغمض عينيه بقوة واخذ يضرب برأسه بخفة على الجدار فقد يخف هذا الألم القوي ولم يستطع أن يفتح عينيه حينها فكشر عن أنيابه ضاحكا الذي اعتقد في نفسه بأن وسام استسلم له وأنقذ عليه مهاجما ليصل إلى مسامع وسام الصراخ الأنثوي من خارج الغرفة والذي لم يكن إلا لهالة :
- إحذرررررر ..
فتح وسام عينه اليسرى بوهن ينظر بطرف عينه إلى الذي تقدم نحوه ورأسه لازال يرفعه قليلا مستندا به على الجدار خلفه ليرفع قدمه اليمنى وفي حركة مباغته وبسرعة خاطفة ركل يد الذي كان ينوي مهاجمته والتي كان يمسك بها سيفه يرفعها عاليا ليسقط السيف من يده مصدرا رنينا متناغما حين جثا على ركبتيه يمسك يده بقوة وفي صرخة واحدة قد ملأت الأرجاء من شدة الألم الذي شعر به فقد كان متأكدا بأن يده قد كسرت من قوة الركلة التي تلقاها على حين غفلة منه في حين ابتعد وسام عن الجدار خلفه وتحرك بخفة ليصل إلى اللذان التصقا بالجدار خلفهما ينظران إليه برعب فمد يديه نحوهما واستل السيفان بسهوله ليعيدهما إلى داخل الغمدين بحركة واحدة سريعة فقال هامسا بأمر وعيناه تتنقل بينهما :
- هيا اغربا بعيدا ولا تنسيا اخذ ذاك الصعلوك معكما ، وإياكم من العودة هنا إياكم ..
فركضا بسرعة وجذبا ذراعي الذي وقف بصعوبة وغادرا في لمح البصر بخطى متعثرة ترتعد رعبا ، أطلق وسام آآهه متعبة لا تعبر إلا عن إرهاقه الشديد وتوجه نحو النافذة التي كانت في نفس الغرف ابعد ستائرها الحمراء والمطرزة بخيوط ذهبية واستند بذراعيه يتأمل الزهور الملونة خارجا بشرود وتعب والتي يبدو بأن هالة من زرعهم في هذا المكان خارجا لتتاح الفرصة لمن يقف أمام النافذة بتأملها ، سمع الخطوات المتعثرة والتي لم تكن إلا لهالة المذعورة والمتوترة وقالت والأسف يلف كل كلمة تتفوه بها شفتها الكرزية تضم يديها لصدرها :
- ا..أنا آسفة حقا يا سيدي لقد تسببت لك بالأذى ..
فأكملت قائلة بنبرة ممتنة شاكرة تنظر لقفاه :
- اقسم أني لا اعلم كيف أشكرك يا سيدي على مساعدتك لي فاللصوص لن يعودوا بعد اليوم لمضايقتي فلقد لقنتهم خير درس ..
التفت لها وسام وسار بخطوات هادئة مجتازا لها ليهمس ببرود :
- لم افعل شيئا ..
استدارت بجسدها معه فهي حقا لم تتوقع انه بتلك القوة والمهارة ولم تصدق أذنيها بأنها سمعت صوته ذو النبرة الهادئة والباردة فلقد تأكدت الآن بأن ظنونها حول خرسه كانت خاطئة ، ظنت انه سيخرج عندما اجتازها لكنه توقف وقال لها بنبرته الباردة التي تميزه عن غيره :
- انظري ما الذي فقدته بسببهم ..
لتنبهها تلك الكلمات على النظر حولها واستدراك ما قد جرى في منزلها وبالأخص هذه الغرفة وقد تكدست في عينيها البنية الواسعة الدموع وهي ترى كل تلك الفوضى والتي لم تنتبه لها إلا الآن ، الأقمشة ممزقة والخيوط وجميع ملحقات الزينة مبعثرة في كل مكان فسقطت دموعها على الأرض تحكي لما حولها عن موت أحلامها وهي لا تزال في مهدها وتمزق كل حبال آمالها التي تنسجها بصبرها وتفاؤلها بالأيام القادمة فها هو الشيء الوحيد الذي بقيت متمسكة به لكي ينقضها من الفقر والجوع تدمر نهائيا ولن تجد ما قد تدخره ولا ما تعمله لينقذها مما هي فيه ، تخسر وتخسر ولا تعلم متى تتوقف خساراتها المتتالية التي لم تعد تظن وتعتقد بأنها ستصمد أكثر من هذا الذي صبرته هه وما الذي قد يحدث أسوأ مما قد حدث لها !! ، جثت على ركبتيها تبكي بصمت لا زالت متمسكة بقوتها رغم انكسارها والألم الذي تشعر به يمزق أوردة قلبها عندها تقدمت نحوها تلك الخطوات الصغيرة والتي ارتمت في حضنها فورا لم تكن إلا ميمي التي تركتها خارجا خوفا عليها من اللصوص تبكي معها تشاركها دموعها بدموع أخرى عاجزة عن دفع الأذى عن والدتها فهن شهدن معا أكثر المواقف ألما وأكثرها حزنا ، بقيت على حالتها تلك تحضن ميمي بقوة وتبكي بصمت ولم تنتبه للذي خرج من الغرفة ومن المنزل بأكمله تاركا إياها تفرغ كل ما في قلبها لوحدها ، لا يعلم حتى متى سيشهد انهيارات من حوله ولا يعلم متى سيتوقف الماضي عن مهاجمته في كل وقت وحين فلم يذكره الموقف الذي حدث قبل قليل إلا بماضيه الأليم وبكونه لص محترف سابقا علم تماما ما الذي كان يحدث ويسببونه لمن سرقوهم ونهبوا أموالهم وممتلكاتهم وهاجموهم سابقا بلا ذنب غير أنهم أبرياء ، صحيح انه كان في جماعته ومع قراصنة الموت بالتحديد لم يكونوا يقتلون أحدا وكان هذا شرط فارس الذي أصر عليه وهدد الضابط طلال حينها بصريح العبارة بأنه إذا لم يوافق على هذا الشرط فلا مهام تنفذ ولا شروط بينهم تعقد إلا انه شعر بفضاعة ما كانوا يفعلون بغيرهم ، طال الوقت الذي غابه عن منزل هالة ثم عاد وأصلح قفل الباب الخارجي بقفل حديدي جديد يشعر بالألم يتملكه لذلك أراد إصلاح ما يستطيع حتى لو لم يكن مخطئا في شيء إلا أن ضميره لا زال يؤنبه ، بينما من تركها لوحدها لم تعد تعي ما حولها لأي شيء إذ أنها فقدت ارتباطها بمن حولها مدة من الزمن لم تكن قليلة أبدا فالشمس شارفت على المغيب ، أخرجها من عالمها الموحش الذي تعيشه لوحدها فقط فيه ومن أفكارها المتعبة حد الإنهاك تلك النبرة ذات النغمة المميزة التي جعلتها تلتفت نحو الذي كان يقف عند الباب يسند كتفه على حافته بصدمة فكانت نظراتها له كمن كان في غيبوبة واستفاق فجأة منها ليعود إلى واقعه بحلوه ومره فقال وسام :
- هل فقدتي شيئا مهما ..؟!!
لم تصدق عيناها ولا أذنيها بأنه لا زال هنا ظنته ذهب وغادر لا بل هي نسيت أمره تماما وبأنه كان هنا ، نظرت حولها بضياع وتشتت ولم تعرف ما الذي تجيبه فالفوضى تعم المكان ويصعب عليها تحديد ومعرفة ما الذي فقدته أبعدت ميمي التي تغط في نوم عميق لا تزال رموشها مبللة بالدموع عن حضنها وكم تغبطها على هذا النوم الذي يسرقها في المواقف الصعبة لتتجنب المشاكل كلها ، نهضت متوجهة نحو الرفوف وأدراج خشبية مصفوفة فوق بعض المركونة في احد أركان الغرفة وأخذت تفتحها بالتتابع فاغلب أشيائها الثمينة تضعهم فيها أما الدولاب الخشبي الذي يبدو بأنه تم مهاجمته سابقا لم تكن تضع فيه إلا الأقمشة والزينات التي تستخدمها للخياطة والتنسيق فأخذت تتمتم بخوف بمحتويات الأدراج التي تفتحها وتقول :
- الدرج الأول جميع أوراق ملكية المنزل موجودة ..
فتحت الدرج الذي يليه وقالت وهي تقلب فيه :
- وصايا ميمي وجميع أوراق هويتها ..
وفتحت الثالث وهي ترفع خصلات شعرها البني بأناملها مخللة إياه بتوتر شديد وقالت :
- الضمادات والقطع القماشية ..
واتبعته بالدرج الذي يليه قائلة :
- المقص والمعقمات كلها موجودة ..
تنهدت بارتياح وأكملت فتح الأدراج التي تليها واكتشفت بأن كل محتوياتها كاملة وحتى المبلغ المالي القليل الذي كانت تخبئه بين الأغراض وجدته كاملا وما إن انتهت من تفتيشهم كلهم حتى استندت بجبينها عليها شاكرة في قرارة نفسها بأنه لم يتم مهاجمة هذه الأدراج وإلا كانت في ورطة حقيقية ومشكلة كبيرة لا تعلم كيف ستخرج منها صحيح بأنها فقدت اغلب ما كانت تجمعه من أقمشة وغيرها لأجل تجارتها البائسة التي لم تستمر فيها ولم تدخل ذلك التحدي الكبير إلى الآن وفشلت عند أول خطوة لها إلا أنها شاكره بأن وسام أوقفهم عند حدهم قبل أن يدمروا كل شيء فلو أنهم سرقوا أوراق ملكية المنزل لفقدت حتى المأوى الذي يؤويها هي وميمي ، لم تستطع أن تمنع دموعها التي عبرت على خديها لتسقط على الأرض مباشرة تعبر عن حالها وعن وحدتها وضعفها فهاهي لم تستطع ردع المتربصين بها لوحدها لأنها تظل فتاة مهما بلغ بها العمر الذي تظن بأنه بلغ بها من الكبر عتيا وهي في الحقيقة لم يتجاوز عمرها الثالثة والعشرون حتى ظنا منها بأن هموم الحياة وصعابها أدارت عجلة الزمن سريعا لتهرم هي فقط من بين الجميع ، رفعت رأسها ومسحت دموعها وتنهدت بعمق وهي ترفع شعرها للأعلى في حين استدارت لتقع عينيها على الشخص الذي وللمرة الثانية نسيت أمره تماما والذي كان يحدق بها بصمت مبهم مما جعلها ترتبك فوق توترها السابق منه وهي لا تعلم ما سر تلك النظرة الباهتة في عينيه العسلية فعلمت حينها عندما طال الصمت بينهما بأنه ينتظر جوابا على سؤاله السابق لها والذي نسيته تماما وتوقعت بأن يتقدم نحوها ويضربها بقوة لأنها تجاهلته أو يطلق شتائم يجرحها بها لكنه لم يفعل أي شيء من ذلك ضاربا بظنونها السوداوية عرض الحائط وهو يقول بهدوء :
- هل فقدتي شيئا لكي اجلب لك بديلا عنه أم ماذا .. ؟!!
امتلأت عيناها بالدموع مجددا وهزت رأسها بقوة نفيا وخانتها الكلمات فلو بقيت تشكره إلى أن تشرق شمس صباح اليوم التالي ما وفته حقه فهو الوحيد الذي وقف بجانبها في أزمتها هذه وهو لا يعرفها وكم تمنت أن ظهر لها هذا الشخص منذ زمن بعيد ليردع كل من ظلمها وأساء إليها فهمست ببحة :
- أشكرك سيدي أنا حقا أشكرك ..
قالتها بكل صدق من أعماق قلبها فهو على الأقل لم يضربها ويسبها ويتجاهلها ويخرج نفسه من الموقف بحجه انه لا يعرفها ولا شأن له بها وهذا ما عرفته عن الرجال الذين قابلتهم في حياتها فظنتهم كلهم بنفس الطباع السيئة ، شهقت برعب عندما رأت وسام يمسك رأسه بيديه بقوة وهو ينزل على الأرض ببطء ليستند على ركبته تتخلل أنامله الطويلة خصلات شعره وكم بدا لها متعبا فتقدمت نحوه بخطوات سريعة إلى أن جلست أمامه تنظر إليه بخوف وقلق فقالت متسائلة بتوتر شديد :
- سيدي ما الذي تشعر به ؟! أأنت بخير ؟! أرجوك اجبني ..
فنهض وسام يتحامل على وجعه بكبرياء شامخ لا يعرف الذل والهزيمة وبخطوات كسولة توجه نحو الخارج لكن التي وقفت معه أمسكت بمعطفه جهة ذراعه موقفه له وقالت بتصميم :
- سيدي أنت لست على ما يرام أرجوك أبقى قليلا هنا لترتاح ..
لم يكن يريد أن يرتاح ولا أن يجلس هو فقط يريد أن يبتعد عن الكل يبتعد ويغلق على نفسه فهكذا سيكون بالتأكيد أفضل لكن قوته خانته هذه المرة فانصاع مجبرا وهو يغير اتجاه سير خطواته الكسولة إلى إحدى الأرائك الموجودة خارج تلك الغرفة في صالة المنزل فرمى بثقله كله عليها ورجع للخلف يسند رأسه على حافتها مغمض العينين ، وجهه ازداد شحوبا وحبات من العرق تجمعت على جبينه مما جعل خصلات شعره تلتصق بجبينه دليل واضح على سوء حالته الصحية التي لم ولن يهتم بها مطلقا ، اقتربت هالة منه وقالت بتوجس :
- ما الذي تشعر به يا سيدي ؟! ما الذي تريدني أن افعله لأجلك ؟!
لم يتحرك ولم يحرك أي ساكن غير تلك الشفتين التي خرجت الكلمات من بينها بنبرة هامسة حاول أن تكون لبقه قدر الإمكان :
- عصير من فضلك ..
فما هي إلا لحظات قليلة حتى كان العصير وصحن جمعت فيه ما وجدته في مطبخها الصغير أمامه على الطاولة التي تتوسط تلك الصالة وعلمت بأنه يحتاج لمصدر للطاقة فيبدو بأنه فقدها بالكامل ، امتدت أنامله ليلتقط كأس العصير رافعا إياه إلى شفتيه بصمت وافرغ كل ما في الكأس دفعة واحدة في معدته الخالية لأكثر من يومين على نظرات هالة التي جمعت مشاعر عدة في تقاسيم وجهها الجميل من قلق وارتباك ودهشة فلا تعلم ما الذي قد تفعله لأجله لو انه فقد وعيه وخر على الأرض مغشيا عليه فمن مجرد النظر إلى وجهه الشاحب تكاد تجزم بأنه سيموت الآن ليس سيفقد وعيه فقط لكنه وككل مرة منذ قابلته اليوم يفاجئها بردة فعله الغير متوقعه وهو ينهض أمامها منتصبا شامخا وكأنه ليس المتعب الشاحب قبل قليل يديه في جيوب معطفه كعادته يمشي بخفة ينظر أمامه ولم يلتفت لأي شيء حوله إلى أن وصل لباب المنزل الذي للتو انتبهت بأنه قد أُصلِح ولابد من انه هو من أصلحه ولا تعلم متى وكيف ، تبعته نظراتها وهو يدير مقبض الباب فاتحا إياه ليقول ببرود :
- شكرا على العصير ..
وفقط هكذا ظهر فجأة واختفى فجأة بكل خفة وهدوء وكأنه نسمة هواء عليلة في ليلة شتاء باردة ومع ذلك فقد احدث ضجيجا وصخبا في هدوئه وبرودته التي تشبه صقيع الثلج مزيج غريب من الصفات المتناقضة لم يستطع احد مزجها معا سواه فكيف يكون للهدوء ضجيج وللبرودة صخب ساخن إن لم يكن صاحبها وسام والذي يكاد يتقن كل شيء بغض النظر عن الشيء الوحيد والكبير الذي يفتقده ويجهله والذي سيسبب له إرباكا كبيرا في حياته مستقبلا دون علمه .








نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..



روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:23 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.