آخر 10 مشاركات
رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          على ضِفَّة لوحة انتظار ! وَ في لحظاتٌ تُحَيّكَ بهما الأَشْواقُ.(مكتملة) (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          61 - الشبيــه - نان اسكويث- (مكتوبة/كاملة) (الكاتـب : SHELL - )           »          68 - ذهبي الشعر - فلورا كيد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          128- فرس الريح - مارغريت بارغيتر - ع.ق(كتابة /كاملة)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          0- عاشت له - فيوليت وينسبر -ع.ق- تم إضافة صورة واضحة (الكاتـب : Just Faith - )           »          030 - خيمة بين النجوم - دار الكتاب العربي (الكاتـب : Topaz. - )           »          [تحميل] الحظوظ العاثرة،للكاتبة/ الرااااائعه ضمني بين الاهداب " مميزة "(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-05-20, 03:18 PM   #41

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي



.. الفصل الثالث والثلاثون ..

.
.

[ التوجه نحو المجهول ]

.
.

تنهد بعمق وصداع قوي داهم رأسه ، نزل من على ظهر برق بقفزة واحدة عندما سمع جدول ماء بالقرب منهم يجري ، توجه نحوه ليرتمي بجسده على أعتاب النهر الجاري والذي زينته الأسماك الملونة والطحالب الخضراء ، نزع معطفه الأسود ورماه على الأرض بكل إهمال ، أخذ يغترف من مياهها الكثير يسكبه على رأسه ويرميه على وجهه يرتجي الصمود ، فدخوله إلى الحدود الجنوبية من جديد أمر يكاد يفتك بروحه قبل جسده ، أرض لم تطأ قدماه إياها منذ ما يقارب العشر سنوات وبعد أحداث تلك الليلة المنكوبة والتي كانت أخر ليلة يقضيها مع فارس وسيف ، أحداث لم يستطع نسيانها مهما حاول فهي حفرت في ذاكرته ونقشت في صدره وهزت جميع أركان كيانه بكل عنف ، تخللت أنامله الطويلة خصلات شعره المشبع بالمياه كل ما يريده الآن أن لا يفكر في شيء فقط ينجز مهمته ويخرج بسلام ، وكم يتمنى أن ينتهي قبل حلول الظلام من المفاوضة مع سيدهم ، رفع رأسه لتلتقي عينيه بحصانه برق عندما انحنى برأسه ليعبث بخصلات شعر وسام وكأنه يواسيه ويخبره بأنه معه وبجانبه ، ابتسم بخفة وأخذت أنامله تداعب وجه برق وخصلاته السوداء في حركات كم يعشقها برق من فارسه ، سحب معطفه وامتطى برق فعليه أن يحقق رغبة والده وألا يستسلم لذكريات ماضيه بل يجب عليه أن يدوس على قلبه وألمه قليلا لينتهي من هذه المهمة المنهكة للروح ، ضرب بقدمه ليسرع برق الذي سرعان ما استجاب لرغبته وسابق الريح قاطعا تلك المسافات الطويلة والمنقطعة والخالية من أي مخلوق في مدة تجاوزت قرابة الأربع ساعات ليصل إلى الحدود أخيرا ، استوقفه حرس الحدود وقال أحدهم بخشونة :
- توقف من أنت ولماذا أنت هنا ..؟!
رمقه وسام ببرود وقال :
- أريد مقابلة السيد رأفت ..
ضحك ساخرا وقال :
- وبصفتك من يا هذا ..!!
حينها اخرج وسام اللفافة المطوية من جيب معطفه والتي أعطاه إياها والده سابقا لهذا الموقف ، مدها له وقال ببرود :
- بصفتي مرسول من الإمبراطور عامر ..
التقطها سريعا وفتحها لتتنقل عينيه بين سطورها المكتوبة لتستقر أخيرا عند الختم الإمبراطوري الخاص بعائلة الإمبراطور عامر الحاكمة والتي استطاع رائد الحصول عليه وبصعوبة ، اتسعت عيناه بصدمة وانحنى له باحترام وقال بارتباك :
- أ..أعتذر منك سيدي يمكنك الدخول ..
وفسحوا له الطريق كل من كان يقف أمامه ، ابتسم وسام متهكما وقال ببرود وهو يجتازهم :
- لست سيدك أنا وسام فقط ..
دخل ونوبة الصداع تكاد تفتك برأسه فحتى الهواء داخل أراضي الحدود الجنوبية تكاد تخنقه ، نبضاته تزداد شيئا فشيئا معلنة عن مدى الألم الذي يجتاح صدره من ذكرى الماضي ، أسرع الخطى كي لا يفقد وعيه في أي لحظة فهو لم يعد متأكدا من صموده أكثر ، وبعد دقائق توقف أمام القصر الضخم والمحاط بأعداد هائلة من الحرس ، أفسحوا له الطريق ليعبر ووجّهه أحدهم إلى أن دخل إلى قاعة كبيرة زُينت بالنقوش الذهبية والصور الضخمة وكل ما يدل على الفخامة والرقي ، ظهر له من الباب المقابل له رجل عجوز بشوش الوجه بحلته البهية والذي قال مبتسما :
- أهلا أهلا بالضيف ..
انحنى وسام بخفة احتراما ولم ينطق بكلمة ، فابتسم السيد رأفت وجلس على عرشه يرمقه بعينيه المتفحصة ، قال بعد صمت :
- إذا لنرى من لدينا اليوم فاليوم يبدو لي يوم الزيارات العالمي ..
وختم جملته بضحكة كست معالم وجهه في حين كان يرمقه وسام ببرود وجمود فهاهو الذئب سيكشر عن أنيابه فقال يضع أصابعه على ذقنه مفكرا :
- مرسول الإمبراطور عامر إذا !! وأحد جنود معسكر البلدة ، وسام كريم أبن إمبراطورية البراكين كم هذا غريب ..!!
الصمت المطبق كان الرد الوحيد من وسام الذي سيطر على ملامحه البرود والجمود فقال متسائلا :
- إذا ما الذي جئت لأجله ..؟!
قال باختصار وببرود وكأن الذي أمامه ليس بزعيم الحدود الجنوبية بأكملها :
- التفاوض معك ..
قال يرفع حاجبه باستغراب :
- عجبا !! التفاوض معي أنا وفي ماذا ..؟!!
قال وسام وعلامات اللامبالاة ارتسمت على ملامحه الوسيمة :
- في أن تنظم إلى الإمبراطور عامر طبعا ..
صمت السيد رأفت لبرهة فهذا الشخص أمامه يمتلك من الثقة والقوة ما يفوق تصوراته فحتى أسلوبه في الكلام لم يحاول أن يظهر فيه أي احترام ولباقة إذ أنه يبدو واثق من نفسه وبقدراته ، قال متسائلا :
- ولماذا اختار جندي من جنوده ليقوم بالتفاوض معي ..؟!!
رد وسام مباشرة ودون اكتراث :
- هذا السؤال توجهه له وليس لي ..
صمت لبرهة فوسام فاجأه برده السريع والصريح فقال يحاول استدراجه بالأسئلة:
- أليس غريبا أن يرسل الإمبراطور عامر ابن إمبراطورية البراكين ،، أليس كذلك .. !!
قال وسام بعد أن هز رأسه بخفة وابتسامة تهكمية ارتسمت على شفتيه :
- الثقة لا تعترف بهذه السخافات على ما أعتقد ..
ضيق السيد رأفت عينيه فهذا الشخص المدعو وسام لم يقابل مثله من قبل قوي وواثق وغير مكترث لم يقف أحد قبله أمامه بهذا الصمود وهذه الصراحة والثقة إذا لا بد من استفزازه قليلا ، قال يرمقه بنظراته :
- أين تصنف فعلتك هذه !! فأبناء شعبك سيعدونها خيانة أما الإمبراطورية الخضراء سيعدونها مجازفة وخدمة كبيرة لأجلهم ..
رفع كتفيه بدون اكتراث وقال ببرود :
- لا أعير التقسيم أي اهتمام ولا كلام الآخرين ..
قال السيد رأفت نافيا ويبدو بأن وسام نجح في إشعال نار الغضب داخله :
- هذا ليس بالمنطق فكلام الآخرين جارح في كثير من الأحيان والشخص العاقل يحسب ألف حساب لتصرفاته كي لا يقع بين ألسن الناس..
قال وسام وكأنه يستمتع بسكب الزيت على النار :
- مادام مقتنعا بما يقوم به فلا بأس ببعض الثرثرة من أفواه بعض المعتوهين ..
هز رأسه إيجابا وقال بعد أن ارتفعت زاوية فمه بابتسامة إعجاب :
- تعجبني ثقتك ..
ارتسم الجمود على وجهه وسام وقال ببرود :
- إذا هل أعتبر هذا الإطراء كموافقة على ما جئت لأجله ..
قهقه عاليا لأسلوبه الغريب وتصرفاته الأغرب وقال بضحكة تكسو معالم وجهه التي خط الزمن عليها تجاعيده :
- ليس بعد ، لا تكن متسرعا فلن تحصل على ما تريد بسهولة فهناك جلسة طويلة بيني وبينك بما أنك اخترت مصطلح تفاوض ، سأسألك عن الكثير فلا معلومات كافية لدي عنك يا ابن إمبراطورية البراكين وشروط يجب عليك أن تطلع عليها بعد أن أصل إلى مرادي لكن بعد أن أعطيك حقك في الضيافة..
زفر وسام بكره إذ أن هذا العجوز سيصيبه بالجنون فالصداع لا يكاد يبرح رأسه منذ دخل هذه المنطقة ، فهز رأسه نافيا وقال قاطعا أي محاولة للسيد رأفت بأن ينسحب من هذا الاستجواب وليس المفاوضة :
- إذا فلتسألني الآن عن كل ما تريده وإذا اتفقنا لك ما تريد من حسن ضيافة واستقبال ..
قالها ليتخلص منه في أسرع وقت ويخرج من هذا المكان الخانق ليس ليحتفل معهم ويشاركهم الطعام لكن السيد رأفت يبدو مصرا على استفزازه والبقاء معه مدة أطول يأخذ أكثر مما يعطي وكان ذلك واضحا عندما قال :
- هل أنت واثق كل هذه الثقة بأنني سأقبل عرضك ..؟!!
قال وسام يكتم غيضه منه ويرسم البرود واللامبالاة على ملامحه :
- لم أعرف عنك إلا رجل حكيم يهمه مصلحة قومه ..
أطلق حينها صوتا يدل على تفهمه للأمر وقال بعد أن اعتدل في جلسته فيبدو بأنه بات مستمتعا باللعب بأعصاب وسام :
- إذا لماذا تريد مني أن انضم إلى الإمبراطور عامر أو لماذا هو يريدني أن انظم إليه إن صح القول ..؟!!
قال وسام بكل صراحة فهذا العجوز يبدو بأنه لن يعجبه غيرها عله يقتنع سريعا ويعفيه من هذه المهمة المتعبة له :
- لن أكذب عليك فأنتم تمثلون قوة كبيرة ودعم لن يحصلوا عليه ولو ضموا عشرات المناطق غيركم ..
قال مباشرة :
- وما المقابل ..؟!!
رفع كتفيه بخفة وقال بلا مبالاة :
- تكونون في حماه فالإمبراطور عامر سيضمن لكم الاستقرار ..
رفع كفه لمستوى وجهه ومد ثلاث أصابع وضم الآخرين وقال :
- إذا شروطي ثلاث الصدق والتضحية والوفاء ..
صمت وسام يفكر بعمق في شروطه هذه فهي رغم بساطتها إلا أنها تحمل الكثير في طياتها فأكمل قائلا :
- لقد صدقت في الأولى وأخبرتنا عن سبب رغبتك في أن ننظم إلى الإمبراطور عامر لكن يبقى سؤال واحد يطرح نفسه لماذا تضحي لأجلهم ولأجل الإمبراطور عامر كل هذه التضحية التي لن يتضرر أحد سواك فيها فأنا لم يغب علي الأمر بأنها رغبتك أنت من أن ننظم إليه أكثر من كونه رغبة الإمبراطور عامر فلو كان الإمبراطور عامر من أرسلك لكان أرسل ابنه الأمير طارق فهو أولى بهذه المهمة وأحق ولكان أرسل ما لا يقل عن الثلاث عربات الممتلئة بالمال والطعام والخدم والحرس ، أليس كذلك يا ابن كريم ..؟!!
وشدد على أخر ما قال وكأنه يتعمد تذكيره بكونه ابن إمبراطورية البراكين المشتهرين بالخداع والكذب وحبهم للسيطرة والتملك ، فتنهد حينها وسام بقلة حيلة لم يخلو من الحنق أيضا فهذا العجوز يبدو بأنه أذكى وأخطر مما توقع ويعرف جيدا نقاط ضعفه لكنه لن يسمح له باستغلالها ولن يجدي الكذب الآن معه بل سيعقد الأمور أكثر كما أنه هو شخصيا يفضل قول الحقيقة عن قول الأكاذيب لكنه يكره بل يمقت أن يبرر أسبابه وأفكاره للغير فما هو مقتنع به سيقوم بفعله وانتهى ببساطة لكن لا بأس فالأمر هذه المرة يستحق الصبر ، قال ببرود :
- تعرف أنني أكره أن أوضح أسبابي لأيا كان لكن لأكون صادقا معك فهذه رغبة شخص لن أرفض له أي طلب وإن لم تقتنع بإجابتي هذه فأنا أعتذر منك يا سيد فلا أملك سواها ولن أقول غيرها ..
ابتسم حينها السيد رأفت بصدق فهذا الرجل أمامه يقول الحقيقة بالرغم من كون هذه الحقيقة صدمته وبوده أن يعرف هوية هذا الشخص لكن لا بأس فهو حصل على ما يريد وهو الصدق وهو قد صدق معه إذا لا عذر له بالتعمق في التفاصيل ، ورغم ذلك لم يستطع منع نفسه التي سيطر عليها الفضول حين قال :
- إذا هل أعتبر الشخص الذي أرسلك والذي كانت هذه رغبته بأن اختياره خاطئ لأنه أرسل شخصا يكره أهم مقومات التفاوض وهي الكلام والتبرير والشرح وطول الحديث بالأخذ والعطاء ..!!
فأراد أن ينهي وسام هذا الحديث الذي لا فائدة منه سوى استخراج المعلومات منه باستجوابه ويسد هذا المنحنى الذي مال له حديثهم فقال بجمود :
- كل واحد له رأيه الخاص والمهم هو النتيجة الأخيرة وليس كيفية الوصول لها فكلٌ له أسلوبه الخاص ..
فعلم السيد رأفت بأن وسام أذكى مما يتصور وقد فهم مغزاه بأن يتوقف عن الحديث فيما لا يعنيه ، فتح إصبعه الثاني وقال :
- إذا الشرط الثاني التضحية وهو أن تضحي بشيء لأجلنا بما أنها رغبتك في الحقيقة وليست رغبة الإمبراطور عامر فأنا مستعد بأن أعلن وفائي لك أنت وأنت تأمر قومي بما تشاء ..
قال وسام وقد ظهرت بعض الحدة في نبرته الموسيقية الباردة :
- ليس هذا اتفاقنا فأنا أريد أن تنظموا إليه ليس إليّ فأنا مجرد جندي عادي ..
فسيطر البرود على السيد رأفت حين قال :
- سنفعل ما تطلب منا أنت فقط وإن كان الانضمام لأي كان ومتى ما أردت ذلك فنحن تحت أمرك ..
قال وسام وقد اكتست ملامحه الضيق كما نبرته :
- لن يتحكم أحد بكم يا سيد رأفت فمكانتكم لن تقل بل ستظلون كما أنتم ولن يستنقص أياً كان من منزلتكم بين الإمبراطوريات كلها وستظل من يحكم قومك تأمرهم وتنهاهم كما كنتم لكن في ظل حمى الإمبراطور عامر ..
ابتسم بفخر وقال وقد ظهر على ملامحه إعجاب شديد لم تخفيه تجاعيد السنين :
- كم تعجبني شهامتك أيها الشاب ..
ولم يتلقى أي رد منه وكما توقع فوسام يبدو له ليس من النوع الذي يحب الإطراء والمديح وهذا ما فهمه من الدقائق التي جمعتهم معا ، أخذ يفكر في المرحلة الثانية فيجب عليه أن يعرف نقطة ضعف وسام لكي يحاول استغلالها كما استغل نقطة ضعف الإمبراطور جاسم والذي لم يضحي لأجلهم بها بل اختفى من أمامه كالسراب ، لكن لا معلومات لديه عن وسام قد تفيده ، قال بعد تفكير :
- إذا التضحية التي ستضحي بها لأجلنا قد تكون في أن .. أممم بصراحة بما أني لا أعرف عنك الكثير ولن استطيع أن أطلب الشيء الكبير الذي يضمن لي بأنك ستكون خير عون وخير من سنسلمه أمر المنطقة بالكامل فأنت شخص يلفه الغموض ولا معلومات لدي إلا عن والدك الذي كان يعد من أحد الخونة ..
صر وسام على أسنانه بغيض فعند ذكر والده يقف كل شيء فقال بجمود مخيف سيطر عليه :
- لن نقلّب الماضي ، كما أني لن أسمح لأي شخص بالإساءة إلى والدي وأيا كان ، حتى ولو كان والدي أكبر مجرم عرفه التاريخ ..
وكان ذلك تهديد صريح له بأن يتوقف ولا يتجاوز حدوده فقال محاولا أن يبرر موقفه :
- أنا أعلم ذلك جيدا فلا أحد له الحق في محاسبة شخص بريء على أفعال شخص آخر كما أنه ماض وانتهى ..
وكما يبدو بأن ما قال لم يرق لوسام الذي لازالت ملامحه جامدة جمود الأموات ونبرته التي احتدت أكثر حين قال بنفاذ صبر :
- إذا أخبرني أي تضحية تريدها مني ..!!
فقال السيد رأفت محاولا أن يغير مجرى الحديث قليلا ويهدأ الجو المشحون بعد أن أسند رأسه على راحة يده :
- إذا أخبرني عن نفسك أكثر وبعضا من ماضيك لأعرف أي تضحية قد تضحيها لأجلنا ..
- أتيت للتفاوض معك على ما أعتقد لا إخبارك بقصة حياتي ..
قالها مباشرة وبحدة أخافته وقد لمعت عيناه بشرر الغضب المتقد بداخله لتعكس حقدا دفين لم تمحه السنين ، ولم يفهم السيد رأفت لماذا كل هذا الغضب حين ذكر قصته وماضيه فتجاهله حينها وقال مستفزا له وكأنه يتسلى به :
- هل أنت مستعد لأي شيء !! قد أطلب منك المستحيل ..
رمقه بحدة من أسلوبه الفض وقال ببرود صقيعي :
- قل يا سيد فأنا لا أملك الكثير لأضحي به لأجلك ..
فعادت ضحكات السيد رأفت للارتفاع مجددا في آخر رد فعل قد يتوقعه هو من نفسه ، وكم يستغرب نفسه فصراحة وسام معه والذي يبدو يجبر نفسه على الكلام لطبيعته الهادئة والكتومة وليس تكبرا على ما يعتقد تجعله ما يضحك كثيرا فقال بضحكة :
- صريح وتعجبني صراحتك وبما أنك أعجبتني بكل ما فيك فأنا أريد أن أزوجك من فتيات منطقتنا لنوطد العلاقة بيننا فأنا لا أريدها علاقة رسمية فقط بل عائلية أيضا وحسب معلوماتي أنك لازلت أعزب ..
لتشل وسام الصدمة العنيفة حينها وتمنعه من كل شيء حتى الحركة ويتوقف كل شيء حوله وكل عرق ينبض فيه مما سمع لتسلبه الصدمة فرحته بحصوله على موافقة السيد رأفت أخيرا على الانضمام للإمبراطور عامر والفرحة التي كما يبدو ماتت في مهدها والتي كانت تتشكل في كونه أحد الذين نالوا من السيد رأفت الذي عُرف بغرابة أفكاره وأنه صعب المراس وحاد الذكاء بل ووقف أمامه وحصل على ما يريد لكنه عُرف أيضا بأنه يصيبك في مقتل بشروطه الغريبة والقاسية وبشكل من الأشكال نجح في إصابة وسام في مقتل ولكن ليس في شروطه وأوامره وطلباته كما يفعلها مع الجميع بل في مكافآته وهداياه وعطاياه ليخصه هو فقط بذلك ، فقال وسام بعد أن رسم ملامح الجمود بكل حرفيه وإتقان يخفي انفعالاته الداخلية التي تكاد تنفجر داخل صدره لتخرج من سجنها :
- أشكرك لكني لا أحب أن أربط نفسي بعلاقات لست أضمن نفسي بأني سأستمر فيها ..
فاستشعر حينها السيد رأفت واستطاع أن يقرأ بحدة ذكائه ودهائه مدى عدم رغبة وسام في الأمر لكنه ورغم ذكائه واكتشاف نصف الحقيقة إلا أنه أخطأ في استنتاجه الثاني إذ أنه ربط الموضوع في دماغه بأنه جندي حر يعيش في الإمبراطورية الخضراء والزواج قد يربطه ويعرقل حريته لاسيما كونه من جنود معسكر البلدة والتي يعتبر كل من فيها أحرار ويبدو بأنه السبب الأساسي لرفضه ولو عرف الحقيقة التي يخفيها لبكى من فظاعة ما قاله ، فتح وسام فمه وأراد أن يخبره بكل بساطة وبلا مبالاة بأنه سيرتبط بأخرى وينتهي الأمر لكنه للمرة الثانية يصاب في مقتل ويلجمه السيد رأفت عن الكلام حين قال مستغلا الفرصة بعناد شديد :
- إذا سأعتبرها التضحية التي ستضحيها لأجلنا وانتهى ..
وانتهى !! وانتهى حقا !! إذا لا مجال للتفاهم معه فقد انتهى كما قال سحقا له ولأفكاره كيف فسر هذا الداهية الأمر هكذا والمصيبة أنه أصاب الحقيقة عينها فقال وسام بنفاذ صبر :
- ما الذي غير رأيك أيها السيد الحكيم هكذا بسرعة ..!!
قال بنشوة انتصار وكأنه وجد ضالته أخيرا بل وأخيرا اقتنص فرصة ليجبر وسام على فعل شيء لأجلهم ويرى مدى التضحية التي سيضحيها :
- أنا مصر على ذلك لنعقد صفقتنا ونتم تفاوضنا ولن تعود من حيث أتيت إلى وعروسك معك وبما أني ليس لدي أبناء فمساعدي وذراعي اليمنى السيد مازن لديه البنات فسيزوجك إحداهن فهو لن يمانع أبدا ..
ونظر للذي يقف بجانبه وقال له :
- أليس كذلك يا مازن ..
لينتبه حينها وسام وجود شخص أخر معهم والذي يبدو بأنه شهد كل الحديث بينهما ولم يلحظ وجوده إلا الآن ، قال مازن بتوتر شديد وجبينه بدأ بالتعرق :
- ب..بالطبع سيدي لك م..ما تريد ..
فعاد ينظر إلى وسام بتحد وقال :
- إلا إن كان سينفض هذا التفاوض بدون أي نتيجة وتعود من حيث أتيت صفر اليدين وكأن شيء لم يحدث ..
النظرات الحادة والقاتلة كانت الرد الأمثل له ولأفعاله البغيضة ، كيف يقلب الطاولة ناحيته بهذه السرعة وبكل خفة !! كيف تحول وضعه من المنتصر إلى المهزوم في معركة التفاوض اللعينة هذه وفي لحظة واحدة !! ما أسلوب الأطفال والضعفاء الذي يستخدمه هذا !! حقا إنه يجبر نفسه على ألا يقتله بيديه وينهي حياته للأبد ليعلم مع من يتحدث حينها ، لكنه لا يمكنه الرفض الآن بعد أن قطع شوطا كبيرا إلى أن وصل إلى هذه المرحلة فلقد نال إعجاب السيد رأفت الذي لا يعجبه العجب إذا ما الذي عليه فعله هل يستجيب له أم ينسحب ؟! يجب عليه أن يقرر بسرعة ، قاطع أفكاره المتصارعة قول السيد رأفت والذي ظهر الهدوء في نبرته حين قال :
- سأعطيك مهله لتفكر بروية فأنا حقا لا أريد أن أخسرك بسبب شيء يفترض به أنه يسعدك لا أن يزعجك وترفضه ..
فرفع يده في إشارة للخدم حوله وقال أمرا :
- جهزوا لضيفنا ما يليق به من طعام وغيرها فعلينا أن نكرمه الآن ..







نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..




روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 25-05-20, 03:21 PM   #42

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الرابع والثلاثون ..

.
.

[ حنين الذكرى ]

.
.

دخل ضاربا الباب خلفه بقوة لتفزع من كانت تجلس على الأريكة بكل استرخاء تمسك في يدها مبردا حديديا لتزين أظافرها ، نظرت بتوجس للذي أخذ يخلع سترته ثم رماها على الأرض بكل عصبية ، تنهد بحنق ممررا أنامله في خصلات شعره والغضب قد نال منه ، قالت بتوتر تنظر إليه :
- عزيزي ماذا بك ..؟!!
زفر الهواء يخرجه كالإعصار من جوفه ولم يرد عليها بل توجه نحو الحمام ساحبا المنشفة البيضاء معه وأغلق الباب خلفه بقوة كادت تقلع الباب من مكانه ، نظرت إليه باستغراب ترفع حاجبا، يا ترى ما الذي جرى له !! ولماذا كل هذا الغضب !! وسرعان ما عادت لتبرد أظافرها تدندن لحنا لكنها لم تستطع منع الشهقة المفزوعة حين فتح الباب بقوة وخرج متوجها نحو الخزانة ، والتي لم يرحم بابها أيضا ، سحب زيا آخر وعاد للحمام ، تنقلت بنظراتها المستفهمة مع خطواته إلى أن استقرت على بابا الحمام والذي سمعت من خلفه صوت سكب المياه المتدفقة بقوة وصوت حركته الغاضبة على أرضيه الحمام ، كم تستغرب تصرفات هذا الرجل فصباح اليوم كان في مزاج حسن فما الذي قلبه له هكذا ، تنهدت بضيق ونهضت حين خرج الذي يبدو بأنه لم يستحم فقط بل أحدث فوضى في كل مكان مدمرا كل شيء بسبب غضبه الأسود الذي أتى يحمله معه ، تقدمت نحوه بخطواتها المتمايلة وفستانها الأبيض المصنوع من الحرير والشيفون والذي كشف عن ساقيها لقصره ترمي بشعرها الأسود خلف ظهرها ، اقتربت منه وجلست بجانبه حيث اختار طرف السرير الكبير ليجلس عليه يدس رأسه بين كفيه وقد اسند مرفقيه على ركبتيه ينظر إلى الأرض وكأنه مفصول عن العالم ، مسحت على ذراعه بيدها وقالت له بهمس :
- عزيزي مازن ماذا بك لا تبدو لي بخير هل حدث لك أي مكروه أخبرني ..
فتنهد بعمق وقال بضياع :
- مصيبة يا دلال مصيبة ..
وضعت يدها على صدرها بخوف وقالت بقلق :
- أي مصيبة يا مازن اخبرني ما لديك ..
قال وقد رفع عينيه بها :
- السيد رأفت أمرني بأن أزوج إحدى ابنتي لرجل من جنود الإمبراطور عامر أتصدقين ذلك ..!!
شهقت بفزع ولم تسعفها الكلمات على قول أي شيء فأكمل قائلا بغضب :
- جندي معدوم حتى العربة لم تكن معه بل جاء على فرسه ولا يملك إلا ذلك الفرس ومعطفه البالي على ما يبدو ، لا مال ولا خدم ولا حرس ولا أي شيء ويريد مني أن أزوجه إحدى ابنتي لنوطد العلاقة بيننا وبذلك سنصبح في حمى الإمبراطور عامر أتصدقين كل ذلك نحن في ورطة كبيرة معه ومع السيد رأفت ..
قالت مباشرة ودون أدنى تفكير :
- ارفضه إذا وانتهى ..
هز رأسه نافيا وقال :
- لا يمكنني رفضه يا دلال لا يمكن ..
قالت بملامح مرتبكة :
- ما العمل الآن ..
قال بتنهيده يمسح وجهه بيديه :
- كم أتمنى أن يرفض ذاك المعدوم فالسيد رأفت أعطاه مهله لكي يفكر أتصدقين ذلك لا اعلم كيف نال إعجابه إلى هذه الدرجة فلو رأيته فهو يكاد لا يملك شي إلا وسامته تلك التي لا تنفع ولا في أي شيء ..
قالت دلال محتجة وبغضب :
- كيف أزوج ابنتي لرجل مثله لا يملك المال ما الذي نستفيده منه إذا نحن نريد أن نزوجهن لتجار كبار أو قادة أو أمراء أو شيء من هذا القبيل لننال المزيد من المال وليس لجندي ..
وأخذت تضرب بقدمها الأرض دلالة على توترها الشديد وغضبها المكبوت تنفث الهواء بقوة ، فقال مازن بتفكير :
- يجب أن ندبر له مكيدة نوقعه فيها ..
أماءت برأسها إيجابا والسعادة شعت في وجهها من الفكرة وقالت :
- نعم يجب أن نتخلص منه بأي طريقة ..
تنهد من حماسها الشديد وقال :
- ليس بهذه السهولة يجب أن ندبر له مكيدة معقدة فالسيد رأفت كما تعرفينه حاد الذكاء ولن يخفى عليه الأمر وسيبيدنا جميعا إن علم السبب ..
قالت يتوجس تنظر إليه بقلق :
- والحل الآن يا إلهي ما هذه المصيبة التي وقعنا فيها ما الذي سنفعله ..
قال لها مخللا أنامله في شعره ينظر إلى الأرض :
- لا أعلم ، لا أعلم كم أشعر بأن رأسي سينفجر من التفكير فستصبح سمعتنا في الحضيض إن زوجنا إحدى ابنتينا لجندي يحمل دماء رجل خائن في عروقه وسيسخر الكل منا فمن المؤكد بأنه لن يقيم حفلا وسيشاع الخبر بين الناس ونخسر منزلتنا المرموقة بينهم ..
لحظات صمت طويلة قبل أن تقف دلال وتقول بحماس :
- وجدتها .. وجدتها يا مازن وجدتها ..
قال ينظر إليها فوقه :
- ما هي بسرعة اخبريني ..
جلست بقربه وقالت بهمس وكأنها تخشى أن يسمعهم أحد :
- سنزوجه بغير ابنتينا ولن يعلم أحد بالحقيقة ..
ابتسم ساخرا وقال :
- ومن بربك سنزوجه ..
قالت بمكر :
- دع الأمر لي فلن نخسر ثقة السيد رأفت بهذه السهولة بل سيزيد من تقديرنا ومحبتنا..
نهضت وبدلت ثيابها سريعا وتركت الذي بقي ينظر إليها بحيرة وتوجهت نحو خارج الغرفة ومن ثم خارج القصر متوجهة نحو الحظيرة المهجورة التي تقع خلف القصر ، فتحت الباب الخشبي المتهالك بقدمها بقوة وشعورها بالقرف يزداد شيئا فشيئا لكن يجب عليها أن تتم الأمر بنفسها لتضمن عدم تسرب أي فكرة وخطة خبيثة تفكر هي وزوجها بها ، انتفضت التي كانت تتخذ الأعلاف مفرشا لها تستلقي عليه بتعب فالتقدم بالسن قد أهلكها ، قالت دلال بلسانها الساخط صارخة بها :
- هييه أنتِ أين ابنتك السافلة تلك ..
قالت العجوز بارتباك شديد تفرك يديها بتوتر :
- ماذا هناك سيدتي ..
صرخت بحدة قائلة :
- لا تردين على سؤالي بسؤال ومن أنتِ تسأليني من الأساس ..
همست العجوز معتذرة :
- آسفة سيدتي ..
قالت وقد نفذ صبرها فهي لا تتحمل وجودها في هذا المكان القذر والمقرف الذي لا يناسب منزلتها أبدا :
- أين هي بسرعة ..
قالت بحروف متقطعة من الخوف الشديد منها :
- ا..إنها تسقي الزهور وتطعم الطيور ..
ضحكت متهكمة وخرجت مسرعة لتقف فجأة فالتي كانت تبحث عنها أصبحت تقف أمامها مباشرة ، اقتربت منها بسرعة وجذبت ذراعها النحيل بقوة وقالت صارخة بها :
- أين كنتِ لقد اتعبتني في البحث عنك يا وقحة ..
فرمت بذراعها لتفقد الأخرى توازنها لكنها تماسكت في آخر لحظة ، رمقتها دلال بتعالي من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ، فتاة صغيرة تعمل خادمة عندهم منذ ما يقارب الخمس سنوات أو يزيد ، وجدتها في أحد رحلاتها التجواليه داخل المنطقة فانبهرت من جمالها وقررت أن تهينها بأن تكون خادمة عندهم ولحسن الحظ لم يكن لها عائلة كما يبدو وهي لم تمانع فكل ما كانت تريده المأوى وأن تهرب من الذئاب البشرية فلن يرحمها أحد إن رآها لشدة جمالها متناسين عمرها الصغير ، مسّدت الأخرى ذراعها والألم ظهر جليا في ملامحها التي أقل ما يقال عنها فاتنة وساحرة وكم يغيضها هذا الجمال الخلاب ، عينين رمادية واسعة محجوزة بين صفي رموش كثيفة تحفها غرتها المقصوصة لتحجب حاجبيها الرقيقين خلفها ، بشرة بيضاء صافية وشفاه وردية مغرية ، ملامح طفولية جذابة تأسر الناظر لها وتطرحه صريعا من النظرة الأولى ، ليزيدها جمالا ذلك الشعر الحريري الأسود بلمعته الأرجوانية المميزة والذي انسدل على ظهرها مغطيا له بكل عنفوان ، صرت على أسنانها بغيض فهي لا تريد أن يكون أحد أجمل منها كائنا من كان لكن التي تقف أمامها فاقت درجات الجمال والجاذبية كلها ، قالت باشمئزاز ترمقها بنظراتها المستنقصة لها ترفع رأسها بتعالي :
- جهزي نفسك فزواجك اقترب يا بشعة ..
وغادرت بسرعة وصوت ضحكاتها الساخرة عمت الأرجاء فهي ستتخلص منها برميها على الجندي المعدوم كما تزعم ولن يكون أحد في المنطقة بأكملها أجمل منها وستقدمها كقربان للسيد رأفت لكي تزيد علاقتهم به ترابط وقوة وتحمي ابنتيها من تزويجهم للحثالة الفقراء ، لتصفع تلك الكلمات التي تركتها خلفها وتسقط الزهرة اليتيمة كحالها التي كانت تحملها والتي بدأت أوراقها بالتساقط لذبولها ، هل ما سمعته صحيح ؟! هل بعد أن استعملوها كخادمة تعمل حتى عند خدمهم وتخدمهم يزوجونها ؟! هل يريدون التخلص منها لكن لماذا هي لم تكن إلا الفتاة بل الخادمة المطيعة التي تعمل بجد ليل نهار ولم تتذمر بل تتحامل على أحزانها وتعمل وهذه هي منذ قدومها هنا بغض النظر عن الشتائم والتحرش بها طيلة الوقت من الجميع فهي كانت تحتمي بالخادمة العجوز والتي كانت الوحيدة التي عطفت عليها واعتبرتها كابنتها وأخذت هي أغلب الأعمال التي كانت مرمية على عاتقها ، امتلأت تلك الأحداق الرمادية بالدموع وركضت سريعا لداخل الحظيرة حيث تعيش هي ومن اعتبرتها والدتها فيها لتصطدم بها بقوة أفقدت الاثنتين التوازن ، نظرت إليها باستنجاد فمدت الأخرى لها ذراعيها لترتمي في حضنها تبكي بقوة ، ومن المصادفة أنها قد سمعت ما دار بينهما وما قالته السيدة دلال لها ، كيف سيزوجون طفلة لم تبلغ الخامسة عشر وتحت أي مسمى وأي قانون يسمح بذلك ولمن وهذا السؤال الذي جعل عينيها تدمع رغما عنها ، قالت مطمئنة لها رغم صدمتها مما سمعت ورفضها الشديد للأمر :
- لا تقلقي يا صغيرتي لا تقلقي فأنا بجانبك ..
هزت رأسها نفيا ولا زالت تخبئ وجهها في صدرها وارتفعت شهقات بكائها فهي تخيلت أي نوع تعذيب قد يعذبونها بها إلا أن يزوجوها ويرمونها على شخص مجهول وكم تخشى أن يكون أحد أصدقاء السيد مازن الخبثاء الذين يسعون خلف المال فقط ، ولا تعلم ما الذي يخبئه لها الزمن من صدمات وكأنه ينقصها المزيد منها .

*****

رفع القوس لمستوى نظره ثم التقط السهم ليمرره خلال وتره ، شده ببطء إلى الوراء ، يفتح عينا ويغلق الأخرى ليصوب هدفه المعلق على الشجرة أمامه على بعد ما يقارب العشر أمتار أو يزيد ، حدده بدقه ولم يبقى له إلا أن يرميه لكنه توقف على وضعه لتأخذه الذكرى إلى أصوات حفرت في مخيلته إلى اللحظة الحالية ولم تمحها السنين الطوال ، ونبرة مسيقية متهكمة كم رن صدى ذكراها في أرجاء كيانه وعقله ، تذكر أول يوم له في تعلم الرماية بالقوس والسهم وكيف أصر فارس على أن يتعلم ويعلمه لكن وسام جذبه حينها من يده فهو من كان يريد تعليمه وتركوا فارس يتبعهم يصرخ برفض متذمر على ما فعلوه به ، تذكر كيف كانا يتشاجران لأجله لكن دائما ما يفوز وسام على فارس بالرغم من كونه أصغر سنا منه إلا أنه صعب المراس وحاد الطباع وفارس طيب القلب دائما ما يخسر أمامه ، ابتسم بألم فكم يشتاق إلى ذكراه الجميلة معهم فهم عائلته التي لم يحصل عليها من قبلهم ولن يحصل عليها بعدهم لكنه سرعان ما بدد ذلك الحنين إلى ذكرياته وإلى ماضيه إلى سواد قاتم أعمى بصيرته حين احتدت عينيه وبرقت ببريق الحقد فأطلق السهم بقوة ليصيب الهدف لكنه انحرف عن مساره قليلا فشتم هامسا وأغمض عينيه بألم عندما تذكر قول وسام له في السابق وحين كان يعلمه التصويب وكان يخطئ مرارا وتكرارا :
- صفاء الذهن .. يجب أن يكون ذهنك صافي بالكامل لا تشغله بأي تفاهات لتصيب هدفك بدقة ..
تسارعت أنفاسه بشدة من تلك الذكرى وسحب قوس آخر وحاول أن يصوبه لكن لا جدوى فاتبعه بالثالث والرابع ولم ينجح ، صرخ بأعلى صوته وقال بقهر :
- أنت السبب يا وسام أنت السبب في كل ذلك سحقا لك ..
رمى القوس من يده وجذب سيفيه المربوطان بسلسلة حديدية ، سلاح كانوا يستخدمونه ثلاثتهم في السابق في مهماتهم السرية ضمن جماعة قراصنة الموت ، أمسك كل سيف بيد وأشار به أمامه على شكل تقاطع واضعا السيفان على بعضهما في وضع دفاعي ، لكن الذكريات تتقاذف في ذهنه عندما صدح في الأرجاء حيث لا يوجد أحد سواه هو وماضيه صوت تهكمي وبارد قائلا :
- لا تعتمد على قوة جسدك فحسب فهناك ما هو أهم منها كالتركيز والانتباه والدقة والسرعة ..
وبدون شعور منه تبع صوت عقله وأخذ وضعية الهجوم يشد بقبضتيه على سيفيه ليقول له صوت من الماضي وكأنه عاد إليه :
- كن متوازنا في حركاتك تتحرك بتناغم وخفة مع سلاحك وكأنكما جسد واحد لتصيب الهدف بقوة ودون أي خطأ ..
تذكر صوته الطفولي حين دفعه الفضول لطرح سؤال آخر قائلا بحماس :
- حقا يا وسام إن أتبعت تعليماتك سأكون قويا مثلك ولن يقف شيء في طريقي ..
صرخ بقوة وهو يركض نحو الشجرة ليقفز عاليا ويقطع أحد أغصانها المتفرعة بنصل سيفيه الحادين ليسقط على الأرض بكل قوة وتهرب الطيور الصغيرة التي اتخذت ذلك الغصن سندا لعشها تأوي إليه كل حين بعيدا لعلها تنجوا من الغضب المستعر الذي اتقد في جوف سيف ، قال بصوت عالي يتلقط أنفاسه :
- لن أكون مثلك يا وسام .. أنا لن أكون مثلك أيها الخائن ..
ورمى سيفيه جانبا بقوة ونظر إلى يديه التي بسطهما أمام وجهه ، قال بهمس حاقد :
- سأقتلك يا وسام بيدي فكن مستعدا لذلك ..
التفت بسرعة حين سمع صوت تصفيق من خلفه ليقترب منه الذي كان يبتسم له ولم يكن إلا بهاء ذو الملابس الغريبة والملونة بشكل مبالغ فيه يتمايل في خطواته لتتطاير تلك الخصلات السوداء الطويلة مع مشيته ، قال بابتسامة لعوب :
- يااي ما هذا أنت بارع يا سيفي كم تعجبني قوتك ..
قال له سيف ببرود :
- أين كنت يا بهاء ألم نتفق على أن نتدرب معا ..
جلس يتململ في جلسته وقال بنزق :
- كنت استمتع بوقتي بما أنك رفضت أن تأتي معي المرة السابقة ، لقد فاتك الكثير يا رجل وأنت مع خردتك هذه ..
رمقه سيف بحدة وقال بضيق :
- أي خردة تقصد يا بهاء تكلم ..
ضحك بهاء بسخرية وقال يهز رأسه نفيا :
- أنا آسف يا عزيزي أنا آسف حقا لم أقصد جرح مشاعرك أنا فقط ....
وضحك عاليا ويبدو أنه يهذي ليزفر سيف الهواء بقوة وقال بغضب :
- بهاء هل أعدتها وذهبت إلى ذلك المكان السافل ..
فمد حينها بهاء رجليه أمامه واستند براحه كفيه خلف ظهره وقال ينظر إليه بمكر :
- فاتك الكثير والمرة المقبلة ستأتي معي لنمرح قليلا ..
هز سيف رأسه نافيا وقال بجمود :
- أنا أتدرب يا بهاء ولا وقت لدي لك ولرفاقك ..
قال بضيق مصطنع وبنبرة صوته الخبيثة :
- يا رجل أنت أقوى مني فلماذا تتدرب كل الوقت استمتع قليلا بوقتك ..
قال سيف بحدة ينظر إلى سيفيه الملقيان أمامه وجذع الشجرة الكبير الملقى على الأرض :
- هذا لا يكفي يا بهاء لا يكفي أنا أريد أن أقتل وسام وأنت لا تعرفه ..
نهض بهاء بقفزة واحدة فجسمه النحيل يساعده على ذلك ، جلس بجانبه وضم كتفيه بذراعه وقال بنزق :
- تستطيع فعلها وأنت أقوى من ذلك الجرذ وأنا هنا بجانبك ولا تستخف بقدراتي فالسنين التي جمعتنا معا تشهد لي ولك بمدى براعتي في السموم التي تسقط أقوى الأعداء في ثوان ..
ابتسم له سيف وقال :
- نعم أعرفك جيدا فلا داعي لتريني ذلك ..
وختم جملته بضحكة شاركه بهاء بها سريعا ، فقال بهاء :
- عندي لك خبر سيسرك جدا ..
تنقلت نظرات سيف في ملامحه وقال بتساؤل :
- ماذا هناك ..!!
هز بهاء رأسه وقال بنزقه الخبيث المعتاد :
- لا لا فهناك شرط يجب عليك أن تنفذه أولا ..
قال يرمقه بمكر :
- إن أعجبني خبرك لك ما تريد ..
صرخ بهاء بذهول وقال بحماس :
- حقا تفعلها يا رجل ..!!
رمقه سيف بتحد وقال :
- نعم فأنا إن قلت شيء فعلته كما تعلم ..
ضحك وقال :
- نعم نعم تفعل دائما فكن كما أعرفك أرجوك ..
قال سيف:
- إذا قل ما لديك ..
فاقترب أكثر منه ليهمس في أذنه :
- سمعت من الإمبراطور جاسم بأننا سنذهب اليوم إلى الإمبراطورية الخضراء وفي غضون ساعات قليلة ..
اتسعت عيني سيف بصدمة فهاهو حلمه قارب على تحقيقه ، الحلم الذي يتمثل في الانتقام من وسام لفارس أخيرا سيناله وبيديه .. يااه عشر سنوات مضت وهو يتحرق شوقا لهذه اللحظة وهذه المواجهة التي ستجمعهم ويتخلص منه ليتخلص من كل شيء سيء في حياته ويخلص الآخرين من وسام الخائن ليعيش بعدها في سلام تام ويا له من واهم ، قال بهاء بابتسامة بعد صمت طال بينهما :
- ألم أخبرك بأنه سيعجبك ..!!
فنهض بهاء وسحب سيف من ذراعه ليقف الآخر ولا يزال تحت تأثير وقع الخبر عليه فهو كان يعلم بأنهم سينتقلون إلى الإمبراطورية الخضراء لكن لم يتوقع أن يكون هكذا سريعا واليوم .. اليوم حقا لهو أمر لا يصدق ، قال بهاء بعد أن تنهد بيأس من سيف :
- هيا هيا أنت وعدتني بأنك ستنفذ شرطي ..
وأخذ يجره معه وقال بسعادة غامرة وهو يحكم قبضته على ذراع سيف وكأنه يخشى أن يغير رأيه بسعادته بالخبر ولا ينفذ شرطه :
- إذا لنتوجه حيث رفاقي ونكمل ما كنا به إلى أن نغادر ونستمتع بوقتنا برفقة الجميلات ..
فابتسم سيف له وقال بعد أن شعر بنشوة الانتصار بالرغم من أنه لم يحقق ولا أي شيء إلى الآن لكن شعور السعادة فاق كل شيء :
- إذا فلنسرع لكي لا يفوتنا شيء ..
صرخ بهاء الذي انطلق يركض بسرعة وقال بحماس صارخ :
- نعم هكذا يا سيف استمتع بوقتك ..
وسرعان ما تبعه سيف يركض خلفه والحقد وسوء الظن قد أعمى بصيرته فرمى نفسه في هاوية الانحراف حيث لا وجود إلا للخبثاء الباحثين عن المال فقط يرمون بأنفسهم وبمن يعرفونه لينالوا مبتغاهم بحجة سخيفة ألا وهي الاستمتاع بالوقت ، وهكذا يكون الصديق حين يسحب صديقه معه حيث كان وإن لمنحدر خطير وعندما يعمي الحقد البصيرة فلا يعد بإمكانه تميز الصحيح من الخطأ .





نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 28-05-20, 11:05 PM   #43

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الخامس والثلاثون ..

.
.

[ قرار مصيري ]

.
.

يدور عقله في متاهات كثيرة لا مخرج لها ، وفي دوائر واسعة لا نهاية لها ، أي قرار قد يقرره الآن وفي غضون ساعات !! قرار مصيري قد يفقده الكثير بالرغم من أنه لا يملك الكثير لكنها ستفقده كل ما تبقى له ، يجلس في زاوية لوحده خارج القصر الكبير بعد وليمة الطعام الضخمة التي أعدها له السيد رأفت ولم يتذوق منها إلا أقل من القليل ولم يشعر حينها بأن له مذاق ، لم يلتفت لكل الفخامة والجمال الطبيعي والصناعي حوله من أشجار خضراء مقصوصة بعناية وبشكل واحد ، وقد زينت الورود الملونة مساحات متساوية في شكل مربعات ممتدة على جانبي الحديقة محجوزة في إطار من الأحجار البيضاء لتعطيها رونقا وجمالا بجانب النافورة الحجرية الضخمة التي تتدفق منها المياه تزقزق فوقها العصافير الصغيرة وتحوم حولها ، فخامة في الصنع والرقي لا مثيل له لكنه لم يلتفت لها ولم تنجح في كسب اهتمامه فهو في وضع لم يسمح له برؤية أي شيء جميل حوله ، يفكر بعمق فالتضحية التي طلبها منه السيد رأفت في حين غفلة منه تحتاج إلى جُرأة وشجاعة كبيرة ، هل يختار أن يرتبط بالفتاة وبالتالي تتم الصفقة والتفاوض بينهم ويحقق بذلك رغبة والده ويحمي السر الذي هو يجهله من الإمبراطور جاسم !! أم يرفضها لأجل نفسه ولا يهتم لأحد !! ، هل يعقل بعد أن قرر الارتباط بمايا تصفعه ظروفه القاسية وبهذه القوة !! هل عندما قرر أن يتحرر من الماضي الأليم أخيرا والذي لا يزال حبيسا داخله تسحبه المصائب له لتتقاذف عليه تباعا ؟! متى سيتغير إن كان كل شيء في هذا العالم يسير عكس اتجاهه ؟! متى سيتحرر إن كان لا يزال مقيدا ؟! متى سيتقدم إن كان كل شيء حوله يدفعه للوراء ؟! متى سيشعر به من حوله ويتوقفون عن إيذائه ؟! ألا تكفيه جروح الماضي التي لم تشفى بعد ؟! سحقا للجميع .. لا ويلومه الكل على بروده ولا مبالاته وتهكمه معهم ، لماذا لا يرون تصرفاتهم ويحكمون على أنفسهم بأنهم هم أساس دماره وأساس تعجرفه كما يدعون !! لماذا يرون فقط نتائج أفعالهم فيه ويلومونه !!، همس يشد على أسنانه :
- سحقا سحقا سحقا ..
زفر الهواء يخرجه من عمق صدره وأنامل يده قد تخللت خصلات شعره يشده بقوة للوراء وقال بذات الهمس متجهم الملامح وشاحب الوجه :
- متى سيزول هذا الصداع اللعين متى .. ؟!
وبقي معلق في أفكاره لوقت طويل يضرب بقبضته بخفة على رأسه فصراع وحشي بين أفكاره ورغباته كاد يفتك به ، أخرج خاتم الزواج من جيب معطفه والذي أعطاه والده وكان ملكا له ، أطال النظر فيه هل يتراجع الآن عن فكرة ارتباطه بمايا ويخيب ظن والده ويسلب سعادته التي أعطاه إياها ليوم واحد فقط ؟! وهل يخبره بأنه ارتبط بأخرى لأن السيد رأفت أمره بذلك لينظم إلى الإمبراطورية الخضراء !!، لكن لا هو لا يحب أن يُبين ضعفه لأياً كان ولن يخبر أحدا إن هو وافق بالطبع وخصوصا والده لأنه يعرفه جيدا سوف ينهي كل شيء وكأن شيئا لم يحدث وسيتخلى عن فكرته ورغبته في ضم الحدود الجنوبية لكي لا يسبب لابنه مزيدا من الألم وهذا ما لن يسمح به أبدا فرغبة والده فوق كل شيء فهو جزء منه ابنه ومن صلبه الذي سيضحي بكل شيء لأجله فهو ارتباطه الأخير بالحياة ، دس الخاتم في جيبه وابتسم لنفسه ابتسامة باهتة ولم يعد يعلم ما الذي يفعله وكم يستغرب نفسه بأنه وقع ضحية التفكير ، ما الذي يحدث له منذ متى وهو يتردد هكذا ولا يعرف كيف يتصرف ولا ما يقرر؟! ، منذ متى وهو يفكر أكثر مما يفعل وينفذ ؟! ، هذه ليست طبيعته أبدا ، همس محدثا نفسه بسخرية :
- ما الذي جرى لك يا وسام هل توقف عقلك فجأة ..!!
هز رأسه بقلة حيلة وخيبة من نفسه التي يشعر بأنه خيب ظنه بها فهذا الأمر التافه يجب ألا يأخذ كل هذا الحيز من تفكيره فهو موضوع زواج سخيف وصفقة رابحة لضمان التفاوض وكسب أقوى وأغنى منطقة بخيراتها وهو كان ينوي الزواج فعليا رغم أنه كان مستغربا من نفسه على هذا القرار الذي قرره في نفسه لكنه كان يريد التغيير والتحرر من الماضي ولم يجد أفضل من مايا لأنها الوحيدة التي كانت معه في ماضيه التعيس وحاضره الغريب وتمنى بأن تكمل معه مستقبله المجهول لكن ظروف الوقت لم تساعده على تحقيق أمنيته تلك والتي ستبقى معلقة كما باقي أحلامه على أمل أن تتحقق يوما ما هذا إذ لم تمت كما مات هو قبل أحلامه ، نهض شامخا فلن يرتدي لباس اليأس والضياع ويبقى حبيس أفكاره السوداء ويستسلم للتشتت أكثر لكنه سرعان ما فقد توازنه ليستند بالشجرة القريبة منه يرتجي الصمود من جذعها الضخم ، نبضات قلبه ازدادت وأنفاسه يشعر بها تخونه كما خانته قدماه ، همس شامتا وضرب بقبضته جذع الشجرة بقوة واهنة وقال يصر على أسنانه بغيض :
- يجب أن أخرج سريعا من هذا المكان اللع...
وأكمل جملته بتنهيده فلو بقي يوما آخر في الحدود الجنوبية سيفقد حياته لا محالة فماضيه يهاجمه بكل قوة ليسلب كل ذرة قوة وصمود فيه ، قال بأسى شديد وكلماته ذات النبرة الموسيقية تخرج من عمق صدره :
- آآآه يا فارس آآآه كم تؤلمني ذكراك وتخنقني لتعذبني كل حين فلا الأشخاص ولا المكان ولا الزمان ساعدني في تخطي ذكراك ، ولا أي شيء يساعدني ولا أي شيء يا فارس هل تسمعني !! فلا تلمني أرجوك على هذا الضعف الذي لم تعرفه حتى أنت عني ..
وأطلق آآهه مليئة بشتى أنواع الألم والحزن الدفين والخذلان ، تساند على أوجاعه كعادته وانتصب واقفا فهذا واقعه رضيه أم رفضه يجب أن يتعايش معه بأي شكل كان ، وكأنه كتب عليه الشقاء ليسعد الآخرين ويفني عمره كله ليلبي متطلباتهم على حسابه ، همس لنفسه ليزيد من طاقته للمضي نحو المجهول ويقوي نفسه المتعبة :
- لا بأس .. لا بأس ..
دخل القصر ومباشرة حيث السيد رأفت وأول ما التقت أعينهم ببعض قال بكل برود ولا مبالاة يبدع في رسمها على ملامحه الوسيمة بكل حرفية :
- لنتم التفاوض يا سيد رأفت في أسرع وقت ..
فارتسمت معالم السعادة على محياه وفهم بأنه وافق على عرضه ذاك فقال بلهفة :
- هذا الذي توقعته منك ..
التفت للذي كان يقف بجانبه وقال :
- مازن أتم إذا الأمر معه فأنا أريده أن يتزوج أولا ومن ثم نكمل جميع الأوراق للانضمام إلى الإمبراطورية الخضراء ..
ابتسم مازن بمكر وقال :
- كل ما تطلبه سيدي وغدا سنتم الزواج أما اليوم فسأستقبله في قصري وحيث عائلتي ..
ربت السيد رأفت على كتفه وقال بنبرة تشبعت بالفخر والسعادة :
- لم تُخيب ظنني فيك يوما يا مازن كم أنا فخور بك ..
وانصرف ليقول مازن يرمق وسام بتعالي حاول إخفائه جاهدا :
- مرحبا بك يا وسام في قصري فأنا أدعوك لتناول وجبة العشاء مع عائلتي وسنوفر لك كل ما يلزمك ..
وغادر وابتسامته الخبيثة لم تفارق شفتيه فخطته هو وزوجته لن يكشفها أي أحد ، فتبعه وسام يشتم كل شيء يمر من جانبه ليفرغ قليلا مما يكبت فلو كان الأمر بيده لقتلهم شر تقتيل كما كان يفعل سابقا لا يهمه أحد لكن لا بأس لا بأس فهذا ما كان يصبر نفسه به ولكل شيء وقته المناسب ولن يرحمهم حينها أبدا أبدا أبدا ، فذاك هو وسام الذي يجهلونه ويحاولون أن ينبشون عنه وعن ماضيه ليخرج لهم على حقيقته التي جاهد على أن يواريها خلف أسوار الماضي الذي لا يزال حبيسه لعشر سنوات بأكملها .

*****

سكينة وهدوء أعقبت ذلك الإعصار الهائج الذي حل بهم ، وبالأخص بعد أن أتى وسام عندهم ، كم يستغرب الهدوء الذي سيطر عليهم ولا يعلم ما الذي دار بين وسام وبين شقيقه وكأنه ألقى عليهم من سحر هدوئه وسكينته ، سار في أرجاء المنزل الساكن فوالده ذهب للنوم وتبعته والدته سريعا بعد أن دخل عليهم رافع ولا يعلم ما الذي جرى بينهم ، فرافع أول ما دخل المنزل ذهب مباشرة نحو مكتب والده ، دقيقة واثنتان وخرج وفقط انتهى كل ذلك الصراخ والغضب وكل شيء وكأنه لم يحدث من الأساس ، توجه نحو غرفة رافع فلقد كاد الفضول أن يقتله لمعرفة ما الذي جرى بينهم ثلاثتهم ، سار في الرواق الطويل حيث غرفة رافع ليقف مصدوما عندما رأى باب غرفته مفتوحا ، رافع لم يفعلها سابقا إذا لا بد من أنه فاته الكثير ، مد يده ليفتح الباب أكثر بخفة لتتسع عينيه بدهشة أوقفته حتى عن التنفس ، رافع ينام ويترك الباب مفتوح !! منذ متى وهو يترك باب غرفته مفتوحا ، حتى في السابق وقبل تلك المصيبة التي حلت به لم يكن يتركه مفتوحا ، أدخل رأسه أكثر من فتحة الباب وكأنه يريد أن يتأكد من أنه نائم ، لكن للأسف الشديد بأنه كان يتوهم فقط فهو ليس نائما بل يغط في نوم عميق ، تنهد ولا يعلم لماذا هل من سعادته من هذا التغير المفاجئ أم من حسرة قلبه على الأحداث التي حدثت وفاتته ، فهو لا يفوت حدث كبير ولا صغير في المنزل إلا ويحشر أنفه فيه ليترك له أثر في كل شيء ، أرخى كتفيه باستسلام وتوجه نحو الصالة الكبيرة يجر خطاه ، توقف ينظر لشقيقته المتربعة على الطاولة تنظر إلى النافذة المطلة على الشرفة ، وكل ثانية تتنهد بسعادة وحالمية كبيرة تهيم بنظرها في الخارج وكأنها في عالم آخر ، أقترب منها وجلس على أقرب أريكة منها وقال يرمقها بنظراته الباردة :
- هييه ماذا بك هل جننتي ..!!
نظرت إليه وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيها ومن ثم عادت بنظرها للخارج ولم تتحدث ، رفع حاجبيه بدهشة من تصرفات شقيقته وقال مستفزا لها :
- رنا يا غبية ما الذي حل بدماغك الخرف ..
فعادت بنظرها إليه وكأنها لم تسمع كم الشتائم التي يلقيها على مسامعها وهي التي لا تترك أحد يهينها وشأنه بل تعطيه من رحيق كلماتها المعسول الكثير والكثير حتى تغدقه بها ، قالت بابتسامة خجلة كم استغربها رامي منها :
- ما الذي كان يريده صديقك .. ؟!!
تنقلت عيني رامي العشبية في تقاسيم وجهها فهذه التي تجلس أمامه بالطبع ليست شقيقته ، قال ببرود بعد صمت :
- وما دخلك ..
عبست قليلا لكن سرعان ما عادت للابتسام وقالت :
- هل ذهب إذا ..!!
فقال رامي مغضنا جبينه :
- رنا ماذا بك نعم ذهب هل كنتِ تريدين التحدث إليه وأنا لا أعلم ..؟!!
ارتبكت قليلا لكن سرعان ما جذبت الوسادة الصغيرة بجانبها ورمتها عليه وقالت بحنق :
- لا تقلق على صديقك الوسيم ذاك فلن أسرقه ..
التقط الوسادة بيديه وتنهد بقلة حيلة وهمس قائلا :
- غبية حقا ..
زمت شفتيها بغضب لكنها عادت تهيم بنظرها إلى خارج الشرفة وقالت بابتسامة :
- ليتك مثل صديقك الوسيم ذاك ..
رفع حاجبا وقال وكأنه يريد أن يتأكد مما قالت :
- ماذا !! ماذا قلتي ..!!
قالت بحالمية كبيرة تضم يديها إلى صدرها :
- ياااه إنه وسيم ورائع في كل شيء ..
نظرت إليه بنظرات طفولية وقالت برجاء :
- أخبره يأتي لخطبتي أرجوك يا رامي فهو أروع رجل شاهدته في حياتي ولن أجد أفضل منه ..
قال بصدمة من جرأتها فيما قالت ورأيها في وسام :
- تقولينها أمامي يا وقحة وأنا شقيقك وذاك صديقي ..
قالت ببرود ترمقه بطرف عينها :
- إذا لمن تريدني أن أقولها !! له مثلا أو ابن الجيران !! نعم أقولها لك فأنت شقيقي يا معتوه ..
هز رأسه بيأس شديد وقال :
- قليلة أدب حقا ..
قالت مندفعة تدافع عن نفسها وكأنها ليست المخطئة :
- ما الخطأ الذي قلته فأنا لم أقل إلا أنه رجل مثالي وأعتقد بأنه يصلح بأن يكون شقيقا وأبا وزوجا وكل شيء فهو باختصار شاب مثالي ..
قهقه عاليا يمسك بطنه بيده فلم يستطع كبت نوبة الضحك التي غلبته وهو يتخيل أن وسام يسمعها الآن فقال بضحكة تكسو معالم وجهه :
- أنتِ لا تعرفينه حقا وويلك لو سمعك تقولين هذا ..
نعم فأقل ما قد يفعله هو أن يقطع علاقته بالعائلة بأكملها وليس به هو فقط وقد يقتلها ويقتله هو معها لأنه فقط شقيقها ولن يستغرب ذلك منه أبدا ، قالت بثقة وهي تدس خصلات شعرها خلف أذنها :
- ماذا قلت هل سيخنقني بيديه !! إذا سأفعلها فقط دعه يأتي ..
تنهد بقلة حيلة منها ومن أفكارها الساذجة والسخيفة وقال يرمقها ببرود :
- يا لك من طفلة وقحة حقا ..
قالت بإصرار قوي تلوح بيديها في الهواء :
- لست وقحة بل صريحة وهو رائع في كل شيء ..
قال ببرود يكتف ذراعيه لصدره يرمقها بتحد :
- اخبري والدي إذا برأيك بصديقي ليقطع لك عنقك ..
تنهدت بحنق وقالت تنظر إليه بقوة :
- لن يقطع لي عنقي فأنا لم ارتكب جرما يا مجرم قلت رأيي به وفقط ..
هز رأسه إيجابا مستفزا لها وقال :
- أها صحيح أنا آسف أنا المخطئ ..
قالت بحدة فهي تكره أن يعاملها أحد وكأنها طفلة صغيرة :
- لا تستفزني يا رامي ..
قال رامي بابتسامة ساخرة وكأنه قرأ أفكارها :
- حاضر حاضر يا من تريدين الزواج وأنتِ لا زلتي طفلة..
قالت ببرود ترمقه بسخرية بعد أن كتفت ذراعيها مثله :
- حتى أنت تريد ذلك فلا تتبجح يا محتال ..
قال بمكر ينظر إليها باستصغار :
- نعم فأنا سأتزوج من فتاة عاقلة وليس مثلك ..
مع أنه يعلم أن جنى والتي يريد الارتباط بها لا تملك من العقل ولو الجزء الصغير لكن ما الذي يفعله بقلبه الذي تعلق بها منذ رآها ، ضحكت بسخرية وقالت :
- أتحداك فأنت لا يعجبك إلا أمثالك من السخيفات ..
قال بصدمة ارتسمت على ملامحه :
- هل أنا سخيف ..!!
قالت ببرود لتقهره ترفع كتفيها في حركة مستفزة :
- بالطبع نعم ..
فنهض متوجها نحوها يرفع أكمام قميصه عاليا وقال بمكر :
- وقت العقاب الآن فلن أسمح لك أن تتغزلي بصديقي وتهيني من سأتزوج أيضا ..
قالت بضحكة بعد أن قفزت من على الطاولة بسرعة :
- نعم نعم غرت على حبيبة القلب ..
عض شفتيه منها وقال مبتسما :
- هذا اللسان يجب أن ينقطع اليوم لا محالة وأتشرف آنسة رنا بأن أخلصك منه نهائيا ..
وركض خلفها ليمسكها ولكنها كالعادة تهرب منه بسرعة وخفة متناهية فهي كالفراشة الصغيرة التي تتنقل فوق الزهرات بكل خفة وعنفوان ، وهي تلتفت له خلفها وتمد لسانها بمشاكسة لتقهره كل حين وتتحداه بأن يستطيع إمساكها أو حتى اللحاق بها ، وانتهى بهم المطاف بأن عادوا للعب مجددا فعلاقتهم الأخوية قوية جدا ومتماسكة رغم اختلاف أجناسهم من ذكر وأنثى إلا أن كل واحد منهم يعرف كيف يفكر الآخر ويتصرف وكم يعشقون اختلافاتهم الصغيرة ، وتعود قوة العلاقة بينهم أولا لتضحية وجهود رافع في تربيتهما وتوفير كل ما فقدوه بفقدانهم أبويهم رغم صغر سنه حينها إلا أنه كان نعم الأخ والأم والأب في نفس الوقت ، ومن ثم السيد مازن والسيدة بثينة اللذان لم يفرقا بينهما يوما وفي كل شيء وكم ساعد ذلك على ترابطهم الأخوي وحبهم الشديد لبعضهم البعض .






نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..



روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 30-05-20, 01:42 AM   #44

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل السادس والثلاثون ..

.
.

[ فُرص الحياة ]

.
.

خرج يسير بخطوات متثاقلة في تلك الظلمة الحالكة بدون وجهة محددة فقط يريد أن يبتعد ، يبتعد قدر المستطاع من هذا الواقع الذي بدأ يؤلمه بشدة ويشد الخناق عليه ، يريد الخروج من كل هذه الأفكار والوساوس السوداء التي لم تبرح له رأسه بل هاجمته بكل قسوة وبدون أي رحمة ، ضائق صدره يشعر بجبال ثقال أخذت تستوطن قلبه المثقل بالأحزان ، وبالرغم من وسامة ملامحه إلا أنه بدا شاحب الوجه من قلة النوم والأكل ، تجمع بعض السواد أسفل عينيه التي اختفى بريقها لتصبح فارغة باهتة مليئة بالضياع فثلاث أيام متواصلة لم يعرف للنوم والراحة سبيل فيها ، يجر خطاه في تلك المساحات الشاسعة الموجودة أمام وخلف قصر السيد مازن الذي انتقل إليه والممتلئة بالأشجار الخضراء التي أخذت أوراقها تتراقص مع الهواء بانسجام ، والزهور بشتى أنواعها منتشرة حوله لتغطي المكان برائحتها الزكية يستنشق عبيرها كل من مر جوارها ، لم يهنأ بالنوم كالبقية بعد وجبة العشاء التي قدمها السيد مازن له ولم تحظر إلا زوجته معه بحجة أنه سيرى عروسه في اليوم التالي ، والتي لم يهتم ولا حتى بشكلها ولا اسمها ولا أي شيء حولها فلم يدفعه ولا حتى الفضول الغريزي لمعرفة مواصفات من سيرتبط بها ، فتلك تعد بالنسبة له مجرد سخافات لأنه لا يريدها من الأساس ولن يكذب على نفسه في ذلك ، فقد هجره بعدها النوم كما تهجر الطيور أعشاشها في بعض المواسم لتعلن مغادرتها لمنطقة أخرى ، أخذ يجوب المكان تحت ضوء القمر مع تلك النسمات الباردة الهادئة التي أخذت تحرك خصلات شعره بخفة بشكل جذاب ، وقف منتصبا على إحدى الصخور الضخام ممددا ذراعيه ليأخذ أكبر كمية هواء ويدخلها إلى صدره المثقل بالهموم علها تخفف عنه هذا الثقل الذي يشعر به ، وما لبث إلا القليل من لحظات الهدوء حتى ضيق عينيه بضجر بان على ملامحه عندما سمع صوت بكاء صامت تأن له القلوب ، شهقات صغيرة متتالية ، أنفاس متقطعة تكاد تموت قهرا وألما ، لم يشعر بنفسه بل أخذت قدميه تسير ببطء متوجهة نحو ذلك الأنين الموجوع ليقف أخيرا خلف شجرة ضخمة يحتمي خلفها من أنظار الغير ، أخرج رأسه ليرى صاحب ذلك النحيب الموجع ليرى ذلك الجسم الصغير الذي يجلس جلسة القرفصاء تخفي رأسها بين ركبتيها التي أخذت تضمها بقوة إلى صدرها تقبض على فستانها الرمادي الذي يصل أسفل ركبتيها بكل قوة بقبضتها الصغيرة ، شعرها ذو اللون الأسود الأرجواني القاني الجذاب الذي يميزها عن غيرها قد انسدل على ظهرها بكل عنفوان ليغطيه بالكامل ، أطرافها كلها ترتجف من كثرة البكاء ، منظرها لوحده يقطع القلب ويمزقه إلى أشلاء صغيرة ، في ذلك الجو الهادئ والجميل نسمات عليلة وتحت ضوء القمر كان كل ما حولهم يبتسم إلا هذان الشخصين أحدهما لم تتوقف دموعه عن الانهمار كالشلال والآخر جفت دموعه التي لم يعرفها إلا منذ زمن بعيد واحتبست داخل عينيه الباهتة لتسرق البريق والحياة منها ، وكل ما كان يدور في بال تلك الباكية حينها حسرات وآهات لا يسمعها أحد سواها مكبوتة في صدرها تكاد تقتلها ، فهذه هي نهايتها لقد تدمرت حياتها وتحطمت آمالها وتلاشت كل أحلامها ، فبعد أن ألقت عليها السيدة دلال أوامرها الصارمة وعلمت بخطتهم الخبيثة وهي إدعاء كونها ابنتهم ليزوجوها من الجندي المعدوم كما يزعمون انهارت وقد اغشي عليها من وقع الخبر لكنهم كالعادة لم يهتموا بها حتى لو ماتت بالعكس سيفرحون كثيرا بهكذا خبر ولا تعلم لماذا هذا الحقد الأسود اتجاهها فهي لم تفعل لهم أي شيء يستحق ذلك فهي خادمة لخدمهم لا حول لها ولا قوة ، شعرت بظل يقف أمامها لترفع رأسها ببطء شديد وإذا بعينيها الرماديتان الحمراوتان من كثر البكاء تتسع بصدمة مذعورة من الذي انتصب واقفا أمامها بطوله وضخامته ، كيف ؟! كيف لم تشعر به ؟! أكان يطير مع نسمات الليل ليسقط أمامها كورقة خريف غادرت غصنها وسقطت على الأرض بخفة أم ماذا يا ترى ؟! ، نظر وسام إلى وجهها الطفولي البريء متأملا تفاصيله ببرود وقليل من الشفقة على حالها ، فتاة لا تزال في الخامسة عشر من عمرها أو يقل هذا ما بدا له حينها ، في سن الزهور تبكي كل هذا البكاء وتحمل كل هذا الهم والألم الذي لا يزال باكرا على عمرها وكم تذكر نفسه حين كان بمثل عمرها وبعكسها تماما فلقد كان قاتل ومن أكبر المجرمين ، عينان واسعتان رمادية صافية كالزجاج انعكس ضوء القمر فيها لتضيء وتأسر كل من رآها تعكس كل ما في دواخلها بكل وضوح فلقد رأى كمية الألم والحزن والقهر الذي تشعر به بمجرد النظر إلى تلك العينين المرهقتين من البكاء ، دموعها لا تكاد تتوقف بشرتها بيضاء كبياض الثلج لكنها شاحبة الوجه فهي كما يبدو أيضا لم تنم ولم تكن تأكل كفاية ، وجنتيها متوردة من البكاء ، تتدلى غرتها على جبينها لتزيد من جمالها ، لم تكن سوى كأميرة حقيقية شديدة الجمال أو بالأحرى تكاد تكون هي الجمال بعينه ، جسمها الذي لا يكاد يتوقف من الارتعاش هزيل للغاية ، فتاة صغيرة لا تملك من أمرها شيء ومغلوب على أمرها بالكامل وحالتها صعبة للغاية ، ازدادت نبضات قلبها وتعالى صوت أنفاسها المخنوقة تنظر إليه برعب احتل كل جزء فيها ، تنهد بتعب من الاستنتاج الذي توصل إليه دماغه عن سبب وجودها هنا وسبب النحيب الموجع هذا ، فأخذ يرفع خصلات شعره البني من على جبينه بطريقة جذابة ودنى منها مستندا على ركبته جالسا أمامها ، ابتلعت ريقها بصعوبة وأخذت تسحب نفسها إلى الخلف إلى أن ألتصق جسمها الصغير بالشجرة التي خلفها حتى أنها كادت أن تتزحزح الشجرة عن مكانها من شدة الضغط عليها بجسمها ، قال وسام ببرود شديد وبنبرته الموسيقية التي يجيد عزفها بكل حرفيه والتي جعلت الخوف يدب في قلبها الصغير :
- إذا هاهي عروسي تجلس هنا ..
ماذا قال ؟! أقال عروسه للتو ؟! أيعني هذا بأن هذا الرجل الذي يقف أمامها هو الذي أرغموها على الزواج منه والذي ستنتقل للعيش معه بعد يوم أو يومين بالكثير والذي ستنتهي حياتها الوردية أو التي تمنت بأن تكون كذلك بمجرد توقيعها على العقد بالارتباط منه ؟! هذا لا يعقل ولا يصدق ، حدقت به برعب لم تستطع إخفائه من الظهور على ملامحها البريئة ليستشعر وسام ذلك بمجرد النظر إلى عينيها ويشعر بمدى الخوف والألم الذي في صدرها ، لقد أنصدم بحق عندما رآها هل سيزوجونه من طفلة !! طفلة .. وسام بشحمه ولحمه يتزوج من طفلة لم تبلغ سن الزواج حتى أي جرم يرتكبه في حقها أي قرار بشع اتخذه بالارتباط بفتاة حتى عمرها لم يسأل عنه كل همه كان أن يخلص والده من الحقير جاسم وينفذ مطلب والده الذي طلبه منه وتوسل إليه بأن يفعلها لأجله ، ألم يعاهد نفسه سابقا بأن لا يؤذي أحد بدون سبب وألا يرتكب المزيد من الجرائم ؟! لكن الأعمال التخريبية وتدمير حياة الآخرين لا بد من أنها لا تزال تسري في عروقه مجرى الدم ولا تكاد تغادره فهو في النهاية ابن إمبراطورية البراكين والذين اشتهروا بكونهم خونه ومجرمين ، اخفض رأسه قليلا ليستجمع قواه المبعثرة نعم لقد صدق توقعه إنها هي التي سيتزوجها من ملامحها المصدومة ومن دموعها المنهمرة ، كم تمنى بأن لا تكون هي على الأقل فتاة كبيرة بالغة سن الرشد تساعده قليلا على هذه المسرحية التي سيقدمها أمام الجميع وإذا حصل على ما يريده تركها في حال سبيلها فلن يؤذيها أبدا ولن يفكر بها كزوجة حقيقية على الإطلاق وليس بطفلة وكما يبدو بأنها لا تريد أيضا ومرغمة على فعل ذلك بالتأكيد ، فكيف لطفلة بالتفكير بهذا الأمر الذي حتى هو لم يكن يريد تقبل الفكرة كلها منذ البداية وهو الذي في سن الزواج فما باله بهذه الطفلة بذلك الموضوع ؟! لا بد من أنه ابعد من أن تتصوره في مخيلتها حتى ، نظر إليها مجددا وقال ببرود شديد محاولا أن يدخل القليل من الاطمئنان إلى قلبها المتألم بشرحه للذي يريد فعله معها :
- لا تقلقي يا فتاة هي ليست بالفترة الطويلة التي ستبقي فيها معي بل سأعيدك إلى حضن أهلك الدافئ بمجرد أن أنهي هذه الصفقة السخيفة وهذه المشكلة الغبية التي وقعت فيها من حيث لا أدري وصدقيني بأنني سأحرص كل الحرص على أن أنهي الأمر سريعا ..
بعد أن انتهى من كلامه الذي ظن أنه سيخفف عليها إلا أنه زاد الطين بله هب واقفا ليختفي من أمامها كلمح البصر ،
ذهول ، صمت ، حزن ، ألم ، تعب ، صدمة ، ارتباك ، رعشة وبرودة تسري في جميع جسمها هذه الأحاسيس التي كان ذلك القلب الصغير يحتملها كلها دفعة واحدة أليس هذا بالكثير عليها ؟! ألا يكفي ما مرت به في السابق ؟! ألا تتوقف هذه الدموع ؟! ألا تبتسم هذه الشفاه ولو قليلا ؟! إلى متى سيستمر هذا إلى متى ؟! ، أرجعت رأسها إلى الخلف مستنده على الشجرة تضم يديها بقوة إلى صدرها وأخذت تلك الدموع الحارقة مجراها في شق طريقها على وجنتيها المتوردتين ، ابتسمت ساخرة على حالها بعد كلمات وسام لها فهي الآن تعلم أنه تم خداعه ويظن بأن الأشخاص الذين عذبوها لسنين طوال وكانت تعمل عندهم كخادمة بائسة حقيرة لم يرحموها حتى في مرضها هم أهلها، يا لا السخرية لقد خدعوه حقا ، هل تجبر نفسها على التعايش مع وضعها وتعتبر هذا الزواج مجرد طريق لها للخروج من هنا وتعتبرها فرصة من فرص الحياة التي لا تعوض وتستغلها !! لكن لا فمجرد التفكير بأمر الزواج يكاد يصيبها بالجنون لكنه قد يكون مخرجها الوحيد حينها ، أخفضت رأسها لتدسه بين ركبتيها مجددا وأخذت تشهق بقوة عندما لم تستطع إقناع نفسها بذلك فهي تخرج من سجن لسجن آخر ومن نوع مختلف فها قد عرفت قدرها الآن عندهم فهي ليست إلا صفقة تبادل بينهم حتى أنهم لا يعتبرونها شخصا له أحاسيس ومشاعر نعم فهي ليست إلا صفقة رابحه للطرفين ، فالطرف الأول سيحظى بشرف إتباعه للإمبراطور عامر وأما الطرف الثاني لا تعرف الكثير عنه إلا أنه لن يخسر شيئا من هذا الزواج كما ظنت فهو رجل ما الذي سيضره ؟! بالتأكيد لا شيء فهو يستطيع استعمالها كيفما شاء وقتما شاء أينما شاء ، وسيتخلصون منها حال ما يقضون حوائجهم ويشبعون رغباتهم غير آبهين بها ، بمجرد وجود بديل لها سيرمونها ويتخلصون منها وفقط فهي كقطعة قماش بالية الكل يمسح بها ما شاء أن يواريه عن الجميع ومن ثم رميها في أقرب سلة نفايات ، لماذا لا يقدرون وجودها لماذا كل هذا التهكم والتجبر الكل يتحكم بها كما يريد أي حياة هذه متى سينتهي هذا الألم إلى متى سيستمر يا ترى !! .

*****

مدت ذراعيها صارخة بسعادة تطرد الكسل وتمد عضلاتها التي تقلصت بسبب انكماشها على نفسها لساعات طويلة متواصلة وسرعان ما انكبت على عملها من جديد ، وابتسامة واسعة تعلو شفتيها ولم تعد تعلم متى أخر مرة ابتسمت بكل سعادة كالآن ، قالت ناهره للتي تمد يدها لتجذب القطعة التي في يدها :
- ميمي ابتعدي كم مرة أقولها لك ..
قالت تمط شفتيها بحزن :
- لكن يا ماما أنا فقط أريد أن أتأكد من أنك انتهيتِ من فستاني ..
فمدت يدها تمسح على شعرها وقالت بابتسامة:
- ألم يعجبك الذي ترتادينه الآن ..
هزت رأسها نفيا وقالت :
- بلى ماما أعجبني وأحببته كثيرا لكني أحب أيضا الوردي الذي تخيطينه ..
قالت بنفس ابتسامتها العذبة :
- إذا لا تقاطعيني لكي أستطيع أن أنجزه بأسرع وقت لأجلك يا صغيرتي ..
هزت رأسها إيجابا وسعادة غامرة تتدفق في أوردة قلبها الصغير بينما عادت هالة تمرر القطع القماشية المقصوصة سلفا تحت الإبرة المثبتة في قطع حديدية متكونة في جهاز للخياطة ، كم تقدر اللحظات الجميلة التي هي فيها الآن ولا تريدها أن تنتهي أبدا ولو كان الأمر بيدها لأوقفت الزمن كله عند هذه اللحظات لتعيشها كل يوم ، فهي لا تستطيع وصف سعادتها الحقيقية بأي كلمات فأي الكلمات قد تساعدها الآن وهي تمارس حلم طفولتها وشبابها ، كم تعشق ما تصنع لذلك فهي تصنعه ليس بجمع القطع القماشية معا بالخيوط بل تخيط معهم حبها الشديد لما تصنع لكي يخرج في قطعة فنية واحدة مترابطة وجميلة ، وهذا هو حالها منذ أن أحضر لها وسام عربة كاملة مليئة باللفافات القماشية الرائعة بشتى الأحجام والأنواع والألوان واستطاعت أن تتعرف على نوعية الأقمشة وجودتها سريعا فهي من بضائع ذاك التاجر الصغير الذي لطالما كانت تبحث عنه ، ولا تعلم كيف أستطاع وسام أن يحظرها لها وكم باتت تشك بأنه هو والتاجر الصغير وجهان لعملة واحدة ، أرادت أن تشكره على صنيعه معها منذ قابلته ، وأرادت أن تتفاهم معه كيف ستشتري كل الأقمشة منه فهي لا تملك إلا القيل من المال لكنه وكالعادة لم يعطيها أي فرصة للكلام وتبادل أطراف الحديث معا فكما يبدو بأن كان مستعجلا ، مد بورقة صغيرة لها وقال بكل برود :
- إن جمعتي المال اذهبي للعنوان المكتوب وسلميها لصاحبها ..
وفقط غادر بل اختفى كما يختفي السراب عند الاقتراب منه ، وتركها مع كم كبير من الأسئلة تدور في رأسها ولم تجد أي جواب لها ، لماذا لم يطلب المال بل قال إن جمعته هل يعلم بأنها لا تملكه ؟! بالطبع يعلم ذلك لكن إلى أي وقت يمكنها أن تجمع المال فهو لم يحدد المدة المسموح لها بجمعه فيها أيضا بل ترك الوقت مفتوحا لها وكأن صاحبها الأساسي في غنا تام عن بضائعه ولا يحتاج المال ، والعنوان ماذا عنه ؟! نعم العنوان إذا لا بد من أنه شخص آخر بما أنه قال سلميها لصاحبها إذا التاجر الصغير هناك في ذاك الموقع الذي كتبه لها في الورقة ، هل يعقل أنه كتب لها موقع منزل التاجر الصغير نفسه أم أحد معارفه والذين قد يكونون يعملون عنده ؟! لكن ما شأنها بكل ذلك ، هزت رأسها لتطرد الأفكار والتساؤلات التي ستؤثر على عملها فكل ما عليها فعله الآن هو أن تجتهد وتجني المال لكي تعطيه لصاحبها ، وكم تستغرب من الثقة التي منحها وسام بأنها قادرة على جني المال لذلك يمكنها دفعه وإعادته لصاحبها ، كم تشكر ذلك الرجل الرائع فهو خرج لها من العدم ليحل كل مصائبها ومشاكلها الشائكة في يوم وليلة ، وكل ما عليها الآن بذل الجهد لتخيط كل تلك التصاميم التي رسمتها سابقا لتبدأ بالخطوة التي بعدها ، طرقات على باب منزلها ما جعلها تقطع عملها وتنهض لترى من بالباب ولكن كما يبدو أن ميمي المشاغبة التي قفزت قبلها بكل خفة فتحت الباب ، لتنبهر السيدة التي كانت تطرق الباب والتي تكاد تبلغ الأربعين من العمر من الفستان الذي كانت ترتديه ميمي فهو كان باللون الأزرق البحري وبتصميم راقي جدا ، وصلت هالة وقالت معتذرة :
- آسفة سيدتي هل يمكنني مساعدتك ..
قالت الأخرى بانبهار شديد :
- ما أروع فستان هذه الصغيرة ..!!
فابتسمت بخجل بينما ميمي أخذت تصرخ بسعادة وتشير لها قائلة ببراءة :
- ماما من خاطته لي والآن هي تخيط لي آخر وأكثر روعة ..
نظرت لهالة وقالت بدهشة :
- حقا يا آنسة أنتِ من خاطه ..
قالت هالة بتواضع تدس خصلات شعرها البني خلف أذنها بخجل :
- نعم سيدتي وهو .. أقصد أنني ...
وبترت جملتها عندما قالت لها بحماس شديد :
- بصراحة طرقت بابك لأسألك عن إن كنتِ تعرفين متجرا يبيع فساتين مميزة ويبدو بأني وجدتك أنتِ ، هل تخيطين لي ولبناتي فساتين !! أرجوك ..
نظرت هالة لها بعينين متسعتين بدهشة فهي لا تزال غير مستوعبة كيف جرت الأمور بهذه السرعة وأخذت هذا المنحنى وبهذه الطريقة ، فهي لم تستعد نفسيا ولا معنويا لهذه الخطوة التي انقطعت عنها لسنين وهي المواجهة وعرض التصاميم واستقبال الطلبات من الزبائن ، وكم شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبها ، ماذا لو فشلت ؟! ماذا لو لم تنل رضاها ؟! ماذا إن طلبت منها شيئا لا يمكنها صنعه لصعوبته ؟! فمهاراتها أصبحت تراها بسيطة وتحتاج إلى تقويتها وتطويرها قبل أن تبدأ بالبيع للسيدات ويعود ذلك لانقطاعها عن الممارسة لسنوات ، قالت الأخرى عندما لم تتلقى أي رد من هالة :
- أرجوك آنستي فنحن مدعون إلى حفلة وأنا أريد منك أن تخيطي لي ولأختي ولبناتي ، أرجوك فلقد أعجبت بشدة بتصميمك لفستان هذه الصغيرة ..
قالت هالة والرهبة من المجازفة قد تملكتها :
- يمكنك الدخول سيدتي وسأسعى جهدي لكي ألبي رغباتك ولدي أيضا بعض الرسوم لتصاميم قد صممتها سابقا فلتختاري منها ما شئتِ ..
قالتها ولم تكن متأكدة هل ما فعلته صحيح أم خاطئ ، مجازفة قد تخسرها الكثير لكن هذه فرص الحياة عندما تأتينا في حين غفلة منا يجب علينا انتهازها والخوض فيها والمجازفة للمضي قدما وترك الخوف والتوتر والقلق جانبا فإن حسبنا حسابا لخوفنا وقارنّا مهاراتنا بمهارات الخبراء دائما فلن ننجز مثقال ذرة بل سنقف متفرجين على الآخرين من حولنا والذين يتقدمون وينجزون ، ونحن نحبس أنفسنا خلف قضبان الخوف من المجهول والمقارنات البشعة التي لا تعطي الإنسان أي شيء يذكر ولا أي شيء غير التحطيم وتوليد الحسرة بداخلنا والشعور بالعجز ، ولن نتطور ونتعلم إذا ما تركنا المعتقدات الباطلة والظنون الواهية فالإنسان يجب عليه المحاولة والاستمرار دائما بغض النظر عما سيجنيه ، ومن هنا كانت بدايتها الجديدة لحياة مختلفة فما أجمل البدايات المليئة بالمغامرات والتجديد فلن نتوقع نتائج مختلفة ومبهرة إذا كنا نسير على نفس الوتيرة وبنفس النسق في كل شيء ، يجب أن نغير الطريقة لتتغير النتائج وهذا ما كانت هالة مصرة علية وواثقة بأنها تستطيع إن هي فقط حاولت ولم تستسلم .











نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 01-06-20, 09:18 AM   #45

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل السابع والثلاثون ..

.
.

[ القلب الطيب ]

.
.

زقزقت العصافير معلنة عن بداية يوم جديد حيث استيقظ كل من في القصر بهمة ونشاط ، فهم الذين ذاقوا طعم النوم في تلك الليلة الباردة العاصفة التي لم يشعر ببرودتها لا وسام ولا تلك الطفلة الصغيرة الجميلة بسبب تلك النيران التي كانت تتفجر داخلهما ، نيران الألم والحزن، فلم يعرفا للنوم سبيل بعد إعلان الخبر لهما الاثنين بالارتباط فهاهو يوم حفل الخطبة يأتي اليوم والذي وعد فيه السيد مازن وسام بأن يرى عروسه ويجتمع بالعائلة كلها للتعارف ، ولا يعلم بأنه سبق ورآها وهم يغطون في نوم عميق هانئ ، تسارعت الأختين بعد أن علمتا بخطة والدتهما بعدم تزويج إحداهن للجندي بل إدعاء كون خادمتهم ابنة العائلة ليتخلصوا من الاثنين معا ، فتحن باب غرفة تلك الصغيرة والتي كانت عبارة عن حظيرة للحيوانات لتدخلا إلى الداخل بلهفة وشوق لرؤية تلك الجميلة بدموعها ، كم كان منظرها المحزن والمؤلم يسعدهما فهما يكرهانها لنفس سبب كره والدتهم لها .. جمالها.. الذي يقهرهم ويزيدهم حقدا لها ، كشرتا عن أنيابهما تضحكان بخبث على هيئتها تلك في حين كانت تخبئ رأسها في حضن السيدة العجوز التي تعمل كخادمة هي أيضا عند السيد مازن وتشاركها في نفس الغرفة ، تبكي بوجع فهاهو لم يعد لها مكان في هذا العالم وكم ستفتقد هذا الحضن الدافئ ستفتقد مصدر الأمان الوحيد لها والمتمثل في تلك العجوز الطيبة الرحيمة الوحيدة التي كانت تحن عليها تساندها رغم ضعفها لم تعاملها سوى ابنه لها فلطالما حلمت بأن تنجب طفلة تدللها وترعاها وتغرقها في حبها إلا أن زوجها مات قبل أن يتحقق حلمها لكنها لم تبخل على صغيرتها التي لم تتوقف عن البكاء منذ البارحة بحنانها وعطفها فكانت تربت على ظهرها بخفة وتحاول جاهدة من أن تبث الاطمئنان إلى قلبها ، فبمجرد رؤيتها حزينة يتقطع قلبها إلى أشلاء ، أخذت كل ليلة البارحة تحاول تهدئتها ولم تتوقف عن مدح وسام لها فلقد رأته بالأمس حقا عندما كانت تنظف طاولة الطعام بعد وجبة العشاء الكبيرة التي أعدها له السيد مازن وكم استغربت بأن دعوها لتعمل معهم ، قالت العجوز بحنان :
- عزيزتي ربما أن فكرة الزواج عليك ليست بالأمر السهل ولاسيما أنها جاءت في وقت باكر لكن يا حبيبتي انظري إلى الجانب المشرق ربما تكون هذه نهاية معاناتك ومأساتك فأنتِ لن تضطرين للعمل مجددا كخادمة بل ستكونين سيدة لمنزل أنتِ ملكته ، لا تقلقي وكفي عن البكاء فحياتك الوردية سوف تبدأ الآن ..
فضحكت الأختان بوقاحة على حالتهما المزرية التي تثير شفقة كل من رآهم ، اقتربت إحداهن لتسحب الفتاة الصغيرة من ذلك الحضن الدافئ وتصيح بوقاحة ورثتها عن أمها في وجهها قائلة :
- يا لا المسكينة ستتزوجين برجل جندي من رجال الإمبراطور عامر التي اشتهر كل رجالهم بقبح ملامحهم وسوء أخلاقهم يا ترى ماذا سيفعل بك ؟! أيتخذك خادمة له أم يبيعك لأحد الأغنياء ليكسب لقمة عيشه ..؟!
أردفت الأخرى قائلة باستهزاء واضعة يديها على خصرها :
- هذا ما تستحقين ، فالقبيحين أمثاله للقبيحات أمثالك هذا ما قاله والدي لنا ، فأبي يحبنا ولن يزوجنا بفقراء بل بأثرياء ننعم معهم ونسعد ..
رمت الأخرى فستانا كان لها في السابق ذو لون بنفسجي طويل بأكمام ضيقة وطويلة لم يكن به شيء مميز سوى بعض الشرائط السوداء الرخيصة التي التفت حول خصرها وقالت بغيض ترمقها باستصغار :
- خذي أيتها الحقيرة ارتدي هذا فاليوم هو يوم خطبتك بذلك الجندي المعدم ..
قالت الأخرى بغيض رافعة إحدى حاجبيها بسخرية :
- لم نعطيك لأننا نحبك أو نكن لك بعض المشاعر بل لأن أبي أمرنا بأن نتظاهر بأننا أخواتك ، سحقا لك كيف لي أن أدعي بأنني أختك أنا بالكاد تحملتك خادمة عند قدمي ..
اقتربتا منها وأخذتا يضربانها على وجهها ويشدين شعرها غيضا فهما أكثر شيئان يكرهانه فيها جمال ملامحها وشعرها ، أما هي فلم تملك من الأمر شيء سوى تلك الدموع التي أعلنت للجميع بأنها لن تبرح عيناها الرماديتان بل ستستمر في الانهمار إلى وقت غير معلوم ، هبت العجوز مدافعة عن صغيرتها صارخة بهن متوعده بأنهن لن ينجون بفعلتهم لكنها لم تسلم هي الأخرى من أياديهن العابثة التي أخذت تضربها بقسوة متناسين عمرها الكبير وذلك الشيب الذي ملأ شعرها ليزيدها وقارا وحكمة ، تعالت ضحكاتهم الخبيثة وما لبثوا قليلا حتى خرجوا عند سماع صوت والدتهن تنادي عليهن ، ضمت العجوز صغيرتها بقوة إلى صدرها بحرقه لسعت قلبها على حالتها المميتة التي كانت تنظر في الفراغ بهدوء مخيف بعينين زائغتين ومجرى مياه عيناها لم يتوقفا عن النزف ، أخذت تبكي هي أيضا وتردد بعض الكلمات لصغيرتها التي بدا وأنها لم تسمع حرفا واحدا مما قالته ، وبعد عدة دقائق أخذت العجوز تحث صغيرتها على ارتداء فستانها فنهضت واستجابت لأوامرها دون اعتراض وما لبثت إلا أن لبسته ، كم بدت في غاية الجمال والرقة والنعومة ، طفلة بملامحها البريئة وعيناها الواسعتين ووجنتيها المتوردتين التي لا يزال أثر الدموع مرسوم عليها كمعبر سير لشلالاتها الحارقة ، جذبت العجوز صغيرتها من معصمها وأخذت ترتب لها شعرها الحريري الذي لم تكف يوما عن مدحه لها وتسريحه فكم بدا متألقا حريريا طويلا والأهم من ذلك لونه النادر الذي يأسر العيون أسود ارجواني قاني كم كان يتناسب مع لون بشرتها البيضاء وعينيها الرمادية ، لتخرج تلك الصغيرة برفقة العجوز بجمالها الخلاب خطفت قلوب كل من لمحها فكأنها لم تكن من ذلك الكوكب بجمالها الساحر الفريد من نوعه ، أخذت تسير برفقة تلك الحنون بخطوات منكسرة متألمة لتدخل إلى القصر الذي أخذ الخدم يروحون ويجيئون يجهزون لوجبة الفطور التي سيجتمع كل العائلة عليها مع ذلك الجندي الذي سيرتبط بهذه العائلة ، استدارت العجوز نحو صغيرتها وحوطت وجنتيها بأناملها التي ظهرت عليها علامات كبر السن من تجاعيد لترفع وجهها نحوها وتقول لها بكل حب وعطف :
- حبيبتي لا تقلقين فأنا سأبقى بجانبك كوني قوية سينتهي كل هذا الألم سريعا صدقيني هيا ابتسمي حبيبتي لجدتك التي تحب ابتسامتك..
نظرت إليها بعينيها الرمادية الواسعة التي جفت دموعها وبهت لونها ، أماءت برأسها إيجابا وهي تجاهد نفسها على أن ترسم ابتسامة صغيرة لجدتها وأمها وكل من يعني لها في هذه الحياة ، القلب الطيب الذي احتواها بحب لتظهر أجمل ابتسامة على شفتيها الوردية الممتلئة لتبتسم العجوز وهي تسحبها إلى حضنها بحنو تدعو لها بأن تكون أسعد فتاة ، طرقت السيدة العجوز باب غرفة الطعام بأدب شديد ليأذن لها بالدخول ، فما أن دخلت حتى سمعت صراخ زوجة السيد مازن قائلة بغضب شديد وهي ترمق السيدة العجوز بحدة :
- أين كنتن كل هذا الوقت أتريدون مني أن أجهز الطاولة بنفسي أم أميرتَّي الجميلتين ؟! هيا ادخلي بسرعة أنتِ و....
توقفت عن الكلام وهي تحترق غيضا وغيره من تلك الملاك الصغير التي كانت تقف خلف السيدة العجوز كم بدت جميلة رغم أن الفستان لم يكن مثل ما يرتدينه ابنتيها مليء بالنقوش ومرصع بالكريستالات إلا أنها ظهرت أجملهن وأكثرهن رقة بشعرها الذي انسدل على ظهرها بكل عنفوان تاركة غرتها على جبينها وبعض الخصل ملمومة للخلف بشكل بسيط جذاب وبشرتها البيضاء الصافية وعيناها الرمادية الواسعة التي تخطف قلوب البشر ، تقدمت ناحيتها لتحكم القبض على معصمها مما جعلها تتأوه ألما لتجذبها بقوة داخل الغرفة وتقول لها باستحقار :
- بسرعة جهزي الطاولة ورتبي الورود التي احظرها البستاني قبل قليل قبل أن يأتي زوجك الحقير ..
ثم أخذت تشد أكثر على معصمها تفرغ غضبها وغيرتها منها فيه ، ضحكت بتهكم وقالت صارخة بها :
- لا تضنين بأننا سنعفيك من الأعمال بمجرد كوننا نمثل بأنك من العائلة ..
رمت بيدها بعيدا وأخذت تنفض يديها بقرف بان على ملامحها ، اجتمعت قطرات الماء المالح في عينيها لتسير بخطوات حزينة متوجه نحو الطاولة لتوضبها توزع الصحون والملاعق والشوك بشكل منظم وتضع الكؤوس وتملأها بالعصير وكأن القصر لا يعج بالخدم لتقوم هي بذلك بدلا عنهم ، وكل ذلك تحت أنظارهم الساخرة وضحكاتهم العالية وألسنتهم السليطة التي لم تكف عن إطلاق الشتائم البذيئة نحوها ، تريد أن تتماسك أكثر تحاول ألا تبكي مجددا تريد أن تكون أكثر قوة وأكثر صلابة لكنها تعلم جيدا بأن ما تمر به الآن ليس سهلا التعامل معه أبدا ، كم أرادت السيدة العجوز بأن تساعدها لكن السيدة دلال منعتها وهددتها بالفصل إن ساعدتها فتفكير دلال طفولي ومتخلف رغم بلوغها الثلاثين وأكثر إلا أن عقلها لا زال صغير تفكر بغير عقلانية ، كم كانت العجوز حزينة لرؤية صغيرتها تعاني حتى في يوم خطبتها متى سترتاح متى سيتسنى لها العيش كباقي الفتيات متى ؟! لماذا هي من تعاني كل هذا العناء ؟! أنهت أفكارها بتنهيدة متعبة وهي تتأمل صغيرتها التي تقاوم وتكافح كي لا تبكي تريد أن تتماسك أكثر لكن إلى متى ستبقى بكل هذا الثبات ؟! وما إن انتهت من ترتيب الطاولة وتنسيق الزهور وترتيبها في تلك المزهريات الملونة المنتشرة على الطاولة وفي أركان الغرفة حتى سارت بخطى ضعيفة رأسها للأسفل لتجلس على الأريكة بجانب من يدّعين بأنهن أختيها لليوم فقط ، فصرخت إحداهن والقرف باد على وجها :
- هييه أنتِ من تظنين نفسك لتجلسي على نفس الأريكة التي تجلس نحن بها ؟! هيا قومي وابتعدي لا تنسي بأنك خادمة ..
أحكمت قبضتها محاولة عدم البكاء والتحكم في أعصابها التي بدأت تنفذ ، متى سيحين دورها وتلقنهن درسا آه كم تتمنى أن تنقلب الأمور بينهم وتأخذ حقها ، وقفت وسارت بهدوء متوجهة نحو السيدة العجوز لتبقى واقفة بجانبها دون أي تعبير يظهر على ملامحها ، سحبت السيدة العجوز يدها وأخذت تربت عليها بعطف تتمتم لها ببعض الكلمات المطمئنة ، وما إن فتح الباب حتى دخل السيد مازن شاحب الوجه وعلامات عدم الرضا بادية على ملامحه ، أخذ يجوب الغرفة بعينيه الغاضبتين ثم صفع الباب خلفه بكل قوته ، انتفض كل من في الغرفة خوفا ونهضت دلال نحوه التي قد شحب وجهها من القلق قائلة له وهي تمسك يده بأناملها بكل رقة :
- عزيزي مازن ماذا بك ..؟!
رمقها بنظرات حادة وأخذ يصرخ ويقول :
- ذلك الحقير أين هو .. ؟!
رمشت عدة مرات مستغربة من يقصد بكلامه لتقول بتوتر :
- من تقصد يا عزيزي .. ؟!
سحب يده من بين أناملها متوجها نحو الأريكة التي ارتمى عليها بكل ثقل جسمه ممسكا رأسه بيديه التي بدأت بالارتجاف من الغضب وقال بحدة :
- ذلك الجندي اللعين لقد بحث كل الحرس عليه في القصر ولم يجدوه سحقا له إلى أين يظن نفسه ذاهب وهو لم يوقع حتى على عقد الزواج أيريد الهرب ؟! سنقع في المشاكل إذا قرر الهروب سنعدم بالتأكيد لأننا اخلفنا وعدنا مع السيد رأفت على تزويجه بإحدى ابنتي سحقا سحقا ..
بلعت الأختين ريقهما بصعوبة وأمسكتا بأيدي بعض خوفا مما قد سمعوه توا أما دلال فقد عقدت حاجبيها بغيض ، أقال أنهم سيلقون حتفهم إذا ذهب ذلك الوغد سيفقدون كل ثروتهم وأموالهم لا بل حتى أنهم سيفقدون سمعتهم الطيبة بين الناس ما الذي يجري هنا كيف انقلبت الأمور هكذا ؟! سارت بخطوات سريعة متوجهة نحو السيدة العجوز وصغيرتها لتصفعها بقوة على خدها فدوا صوت الصفعة عاليا في الأرجاء ليحطم السكون المخيف الذي سيطر عليها بعد سماعهم لكلمات السيد مازن ، شهقت السيدة العجوز برعب كيف ترفع سيدة مثلها يدها على صغيرتها ؟! ما ذنبها ؟! ما الذي فعلته هي لتعاقب ؟! اتسعت عيناها الرمادية بدهشة رافعة أناملها المرتجفة على خدها تتلمسه والذي سرعان ما بان فيه أثار احمرار من تلك الصفعة القوية لشدة بياض بشرتها ، صرخت بها دلال بغيض قائلة :
- هذا كله بسببك أنتِ لا تجلبين سوى المتاعب لمن يعرفك هذا جزاء طيبتنا معك ليتنا تركناك لتأكلك الكلاب هيا اذهبي وابحثي عنه بسرعة وإن لم تجديه صدقيني بأن عقابك لن يكون بالشيء اليسير أبدا..
أخذت ترتجف أطرافها لكنها أصرت في نفسها بأن لا تبكي لا مزيد من الدموع ستقاوم وتتخطى كل الصعاب ، زمت شفتيها بغضب وأحكمت قبضتها وسارت بخطوات سريعة متوجهة للخارج لا تعلم ما الذي قد تفعله أو كيف ستجده لكن كل ما تريده هو المغادرة دون وجهة محددة بينما ابتسمتا الأختين بتهكم وهن يرمقنها بنظرات ساخرة حادة وتقولان بهمس ضاحكتان :
- مسكينة يا أنتِ يبدو بأن فارس أحلامك قد هرب منك ، نحن نعرف أن الأمير يبحث عن أميرته لكن يبدو بأن الموازين انقلبت بينكم ..
أخفضت رأسها وخرجت بهدوء لقد اعتادت على هذه الكلمات القاسية اعتادت على تصرفاتهم الوقحة معها وعلى تلك الكلمات المسمومة التي لن يتوقفن عن إلقائها على مسامعها ، تبعتها السيدة العجوز بخطوات سريعة متعثرة خائفة على صغيرتها تريد حمايتها بكل ما تملك بينما تعالت ضحكاتهن الساخرة على حالتهم ، خرجتا الاثنتين من الغرفة دون وجهة محددة ودون هدف واضح كيف يبحثون عن شخص عجز حراس القصر أنفسهم من إيجاده ناهيك عن كبر حجم القصر وغرفه التي لا تعد ولا تحصى ، وما إن انعطفتا يمينا من ذلك الرواق الطويل حتى توقفت فجأة مما جعل السيدة العجوز ترتبك وتتساءل لماذا توقفت فجأة ، استدارت ببطء لتشير إلى ذلك الرواق الذي انعطفتا توا منه لقد باتت تعرف نغمة حركاته الهادئة تسمع أنفاسه الغير مستقرة إنها متأكدة أن تلك الأنفاس ووقع الأقدام الذي لا يكاد يسمع هي له هو فقط ، ضيقت العجوز عيناها ولم تفهم ما الذي تقصده صغيرتها إلا أنها استجابت لها وأخرجت رأسها من خلف الجدار لترمق الرواق بتفحص ، اتسعت عينيها من الفرحة ونظرت إلى صغيرتها التي اعتلى ملامحها الجمود وهمست لها بفرح :
- لقد أتى سيد وسام لقد أتى ..
جلست جلسة القرفصاء مستندة على الجدار الذي خلفها وخبأت رأسها بين ركبتيها مانعة نفسها من البكاء ، اقتربت منها العجوز وجلست بجانبها ثم جذبتها إلى صدرها لتضمها بحنان قائلة لها :
- حبيبتي ما الأمر لقد أتى السيد وسام ويجب علينا أن ندخل إلى الغرفة ..
لم تبدي أي تعبير بل اكتفت بدس رأسها في حضن السيدة العجوز والتشبث بملابسها ، بينما فتح وسام الباب بقوة دون أن يطرقه وراميا كل تصرفات اللباقة والاحترام جانبا وكأنه يفتح باب غرفته الخاصة ، التفتت أنظار كل من كان يجلس نحوه ، توقفت همهماتهم يرمقونه بغضب على تصرفه اللا أخلاقي ، سار بخطواته الكسولة الواثقة بهالته الباردة الخطرة تلك التي لا تفارقه واضعا كلتا يديه في جيوب معطفه الأسود الجلدي ، خصلات شعره المبعثرة تغطي ملامحه الوسيمة لا يظهر منها سوى ابتسامته الساخرة التي عرف بها ، نهض السيد مازن الذي اعتلت الدهشة والصدمة قسمات وجهه الشاحب محاولا ادعاء الابتسام وتصنع الفرحة قائلا بنبرة تخلخلها بعض التوتر :
- مرحبا مرحبا سيد وسام أهلا وسهلا بك لقد كنا في انتظارك تفضل تفضل ..



نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 01-06-20, 04:31 PM   #46

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,976
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا على جهودك جداااا

Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
قديم 01-06-20, 04:35 PM   #47

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,976
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

🤩🤩🤩🤩 🤩🤩🤩 🤩🤩 🤩
🤩🤩🤩🤩 🤩🤩🤩 🤩🤩 🤩


Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
قديم 01-06-20, 04:40 PM   #48

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,976
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بالتوفيق والتألق الدائم 🌸🌸

Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
قديم 04-06-20, 11:20 PM   #49

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mini-2012 مشاهدة المشاركة
بالتوفيق والتألق الدائم 🌸🌸

لكم أسعدني مرورك اللطيف شكرا من الأعماق ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 05-06-20, 12:20 AM   #50

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الثامن والثلاثون ..

.
.

[ بعثرة الشعور ]

.
.

اجتمع كل العائلة على الطاولة ، السيد مازن بابتسامته الخبيثة يتوسطهم وزوجته دلال تجلس عن يمينه وابنتيه عن شماله وبجانبهم كرسي فارغ لعروستهم الصغيرة التي يدّعون بأنها أختهم أما مقابل السيد مازن كان يجلس وسام الذي بدا مخيفا جدا ، نظراته الباردة ووجهه الشاحب خصلات شعره البني التي تغطي ملامح وجهه بعشوائية لتكون غير ظاهرة للعيان ، يجلس بثقة واضعا قدما على الأخرى مكتفا ذراعيه بشكل استفزازي حوله هالة سوداء مخيفة ينفر منها كل من رآها ، تأففت دلال من مظهره الرث وأخذت تتمتم لزوجها ببعض الشتائم تشعر بالحنق تجاه وسام الذي يستفزهم بحركاته من أول ما دخل عليهم وكم تكره الجلوس معه على نفس الطاولة أما الفتاتين فلم يتوقفا من التهامس فيما بينهم والضحك على شكله الذي يبدو رثا وغير مرتب لتتأكدا من أنه فقير معدم وقبيح أما بالنسبة لوسام فكانت كل تلك الهمهمات والهمسات واضحة له كوضوح الشمس ، ابتسم ساخرا واخذ يتأمل الباب الذي سمع من يطرقه بخفة لتدخل تلك العجوز منحنية الرأس تستأذن بالدخول وخلفها تلك الصغيرة مطأطئة الرأس التي لم ترد الدخول وكم تمنت أن تهرب حينها ولكن بإصرار وإلحاح شديد وترجي من تلك العجوز التي لن ترفض لها طلبا استجابت لها بدون اعتراض ودخلت معها ، نهض السيد مازن واخذ يرحب بالعجوز ناعتا إياها بأنها مربية ابنته الصغيرة المدللة التي اخذ يصرخ بها قائلا بخبث بابتسامة كاذبة :
- ادخلي يا عزيزتي ادخلي فالسيد وسام يتطلع لرؤيتك وإلى تناول وجبة الإفطار مع عائلتنا ..
أمسكت العجوز بيد صغيرتها وحثتها على السير متوجهة نحو الطاولة التي تقع وسط تلك الغرفة الكبيرة المزينة بشتى أنواع التحف ذات اللون البني بسجاد كبير من الفرو الأسود ولوحات منتشرة على كل الجدران بإطارات من الذهب المنقوش بإتقان برسومات لراسمين قدماء لبعض البلاد وبعض الحكام والرؤساء السابقين وصور للعائلة أيضا ناهيك عن تلك الشموع والورود التي زينت كل ركن من الغرفة ، سحبت لها الكرسي الخشبي بجانب الفتاتين لتجلس هي بدورها بكل هدوء ، رمق وسام وجهها الذي لا يكاد يرى ملامحها من غرتها التي انسدلت على جبينها بكل عنفوان ورمق تلك العائلة التي تدعي أنها أسرتها فلاحظ فرقا كبيرا فهي كملاك لا تشبههم أبدا لا شكلا ولا تصرفات فكانت هادئة رقيقة وشديدة الجمال ليس كمثلهم فالفتاتان اللتان تدعيان بأنهما أخواتها يتشابهن كثيرا عيون والدهم ولون بشرة أمهم والكثير من الصفات الخلقية مثلهم ، لم يعر وسام ذلك أي اهتمام بل اخفض بصره لأنه كره أن يتأمل ملامح غير تلك الملامح التي لطالما تمنى بأنه يُسمح له بتأملها لتكون له هو فقط ، مر طيف مايا في مخيلته بابتسامتها العفوية ليبتسم ساخرا على حالته متألما من واقعه غاضبا من نفسه التي لم يستطيع أن يرضي رغباتها ، رفع شوكته دون اكتراث وقرب صحنه وبدأ بالأكل قبل أن يأذن السيد مازن لهم بالأكل لتتحد نظراتهم موجهة صوبه مستنكرين فعلته الغير لائقة ومتأففين منه إلا أن خادمتهم التي يدعون بأنها ابنتهم الصغيرة فاجأتهم بأنها أمسكت شوكتها أيضا وقربت صحنها بمجرد أن لمحت وسام يفعل ذلك ليستنكر الكل فعلتها الطفولية بينما ابتسم وسام نصف ابتسامة حين لاحظ تصرفها ، وأكمل تناول طعامه دون أي اكتراث لذلك المازن الذي اخذ يتنحنح وهو يقول وقد بدت حمرة طفيفة على وجنتيه غضبا وإحراج من فعل وسام الوقح ومن فعل تلك الخادمة الغبية التي أخذت تقلده في أفعاله وكأنها تستفزهم بها :
- تفضلوا تفضلوا بتناول طعامكم ..
وبعد الانتهاء من تناول الطعام نهض وسام بهدوء وخرج من تلك الغرفة التي بدت تخنقه ، كم تمنى بأن يقتل كل فرد كان فيها عله يخفف من ألمه قليلا لكنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة وخرج منسحبا إلى الحديقة يستنشق بعض الهواء العليل ، أما من تركهم خلفه في تلك الغرفة فكان لهم رأي آخر فأخذت دلال تصرخ بغيض قائله :
- كيف لذلك الوضيع بأن يتصرف بوقاحة معنا هكذا !! ألا يعرف من نحن سحقا لذلك الجندي الفاشل..
ثم أخذت الفتاتان تصرخان أيضا مع والدتهم وهم يرمقون الخادمة الصغيرة أختهم المزيفة التي تجلس بجانبهم قائلتان بغضب :
- ابتعدي عنا يا قذرة كيف لك أن تجلسين بجانبنا هيا ابتعدي اذهبي إلى حظيرتك تلك بسرعة فنحن لا نطيق رؤية وجهك القبيح هذا ..
نهض السيد مازن وضرب بقبضته على الطاولة ليشهق كل من كان متواجدا برعب ثم قال هو الأخر بغضب :
- يجب أن ننهي مراسم الخطوبة بسرعة وغدا سنقيم حفل الزفاف وننهي هذه السخافة ونحظى بشرف سيدنا وتكريمه لنا أما ذلك الوغد وسام سأسحقه بيداي هاتين ليتعلم مع من يتعامل ..
ثم رمق خادمتهم الحسناء الصغيرة التي تجبست أطرافها من الصدمة أقال غدا حفل زفافها ؟! بهذه السرعة أين قرارها أين رأيها لماذا لا يعتبرها أحد بأنها إنسان لماذا هذا الظلم كله وكل هذا الكره !! كم كرهت هذه التمثيلية السخيفة فكلها كذب في كذب ولن ينجح الأمر أبدا ، صاح بها قائلا :
- أنتِ أيتها الحقيرة لن تسلمين من عقابي صدقيني سأريك هيا اخرجي واغربي عن وجهي بسرعة ..
لا تعلم لماذا الجميع ينفث نيران غضبه بها ولا تعلم ما الذي قد يريها .. ألم ترى كل أنواع العذاب سابقا ؟! ما الذي قد يريها الآن فلقد أذلها بما فيه الكفاية ، ضربها حتى فقدت وعيها ، قذف بكلماته المسمومة على مسمعيها ، لقد رأت كل أنواع العذاب منهم أهانها وذلها واستحقرها فهي قد اكتفت حقا منهم ، كم تريد الهروب بعيدا لا تدري إلى أين لكنها كرهت كل شيء ، كل شيء حولها أصبح يخنقها ويوجعها ، لم ترى ممن حولها سوى الأذى والألم ، يكفي يكفي فهي لم تعد تحتمل أكثر ،
نهضت مخفضة رأسها تضم يديها الناعمتين الصغيرتين إلى صدرها ألم عميق تشعر به يفتك لها قلبها شيئا فشيئا ، استدارت وأخذت تسير بخطوات سريعة متعثرة إلى الخارج حيث كانت تلك العجوز الطيبة تنتظرها فاتحة لها ذراعيها لتضمها إلى صدرها بكل عطف ، خرجتا من ذلك القصر الذي بدأت أجوائه تزداد بؤسا وخنقا لهما ، توجهتا إلى الحديقة علهم يطردون قليلا من حزنهم ويخففون حملهم قليلا ، جلست الفتاة على العشب تضم ركبتيها إلى صدرها وتدس وجهها بين ركبتيها أما العجوز فأخذت تربت على ظهرها بخفة ، أقبلت إحدى الأختين المتعجرفتين صارخة بهما وقائلة بضحكة واستهزاء :
- هييييه أيتها الخادمة القبيحة بسرعة ادخلي إلى الداخل سوف تبدأ مراسم خطوبتك القذرة ..
تنهدت العجوز وأخذت تطلق الشتائم واحدة تلو الأخرى وهي تتوعد بأنها ستعاقبها سليطة اللسان تلك المتجردة من الأخلاق سحقا لها من فتاة ، ابتسمت صغيرتها عندما سمعتها تدندن بتلك الشتائم والغضب باد في وجهها لتضحك الأخرى وهي ترى تلك الابتسامة العذبة ، صوت خطوات اقترب منهما لتستديرا في وقت واحد وينظران بذهول لذلك الذي انتصب أمامهم واقفا الذي لا يعلم لماذا أخذته أقدامه وجرته نحوهم ، فابتسمت العجوز قائلة بكل حنان أحسه وسام يتغلغل في نبرتها الصادقة :
- أهلا بك سيد وسام لهو شرف عظيم بأن نتعرف عليك ..
أخذت صغيرتها بالتأمل في ملامحه لم يكن قبيحا كما قالتا الأختان عنه أبدا بل هو وسيم للغاية لكن آثار التعب بادية في تقاسيم وجهه ، قال وسام ببرود شديد واختصار :
- أشكرك ..
كم بدا مهذبا في كلامه رغم تلك النبرة الباردة والهادئة التي نطق بها إلا أنه بدا أكثر لطفا فأردفت العجوز قائلة بفرح :
- إذا يا بني دعني أخبرك باسم خطيبتك الجميلة وزوجتك المستقبلية إن اسمها هو ......
قاطعها وسام بنصف ابتسامة ولم يترك لها المجال لتكمل كلامها وهو يستدير متوجها نحو بوابة القصر بخطوات كسولة قائلا :
- لا يهمني بأن أعرف اسمها فهي لن تكون إلا ضيفة مؤقتة عندي ..
شحب وجه العجوز مستنكرة لما قاله توا إذا هو لم يأخذها على محمل الجد كزوجة له بل سيستقبلها عنده مؤقتا إلى أن يحصل على ما يريد ويتخلى عنها ، ضيقت عينيها بغضب سحقا له بدا طيبا للغاية قبل قليل سحقا لهم كلهم ألا يوجد أحد في هذا العالم يمتلك قلبا طيبا لكي يضم هذه الصغيرة إلى عطف جناحه !! ، سحقا لهم ما كل هذا التهكم متى يأتي الشخص المناسب الذي تضمن بأن طفلتها ستكون في أمان معه متى يا ترى متى ؟! ، نظرت إلى صغيرتها التي أخذت تنظر إليها بعينين منكسرتين مليئة بالألم والخذلان تعلم تماما أن لا مكان لها في هذا العالم صغيرة ولا حول لها ولا قوة لا تملك من أمرها شيئا لم تكن تمتلك خيارا آخر سوى أن تكون ضيفة مؤقتة عند وسام تحت مسمى زوجة له ، تنهدت العجوز بقلة حيلة فهي لا تعلم ما الذي يتوجب عليها فعله فأمسكت تلك الطفلة المنكسرة بأناملها لتحثها على السير والدخول إلى القصر تشير برأسها دلالة على أنها لا تملك أي خيار آخر غير الانصياع لأوامرهم ، دخلتا إلى قاعة كبيرة حيث تجمع الكل فيها ، ذات طراز فخم جدرانها مغطاة باللون الأحمر وزخرفات ونقوش ذهبية رسمت على الجدران بكل دقة أرائك منتشرة في جميع الزوايا مغطاة بجلد طبيعي أسود ومطرز بخيوط ذهبية تتوسط تلك الغرفة الكبيرة طاولة خشبية وسجاد عتيق ، كان وسام يجلس جلسته اللا مبالية بمن حوله بكل ارتياح واضعا قدما على الأخرى يمد ذراعيه على حافة الأريكة بشكل استفزازي مرتديا معطفا اسودا مفتوح من الأمام ليظهر قميصه الأبيض الذي كانت أزراره العلوية مفتوحة بإهمال ، كم بدا وسيما حينها لاسيما عندما رفع خصلات شعره بأنامله الطويلة ، فتعلقت نظرات الأختين الذاهلة به ، أهذا حقا ذلك الجندي القبيح كم يبدو وسيما للغاية لدرجة أن أنظارهما لم تبتعد عنه ولو لثانية إلى أن رمقهن بنظرة حادة اجفلتهما خوفا ، كانت تجلس بجانبهما بكل هدوء تكمل المسرحية السخيفة بحرفية إلى أن ناداها السيد مازن الذي اخذ هو ووسام بتوقيع بعض الأوراق وأتما بعض الإجراءات اللازمة ، اقتربت من وسام بخوف وتردد ، نظرت إلى السيد مازن وهو يقول لها بابتسامة كاذبة مزيفة كم تمقتها :
- هيا يا حبيبتي وقعي هنا لكي نتم زواجك ..
مدت أناملها الصغيرة المرتجفة نحو القلم ، جذبته بخفة وهي تحاول أن تكتم ألمها في صدرها وحزنها في أعماق قلبها ، أي موقف هذا وأي لحظة هي بالضبط ؟! فلقد اجتمعت كل مشاعر الإحباط في قلبها الصغير ، كم تمنت بأن يجف حبر القلم أو تتمزق الورقة أو يحصل أي شيء يوقف هذا الزواج الذي بالتأكيد سيكون فاشلا لأن أساسه فاشل ، ضغطت على القلم بقوة وتمنت أن تستطيع أن تقول أنا لا أريد لن يجبرني أحد على فعل شيء لا أريده لكن الليت لن تجلب سوى مزيدا من الحسرات ، رفعت نظرها بالذي يقف بجانبها والذي فاقها طولا فهي لا تكاد تصل إلى منتصفه ، نظرت إليه مطولا وكأنها تخبره بنظراتها المترجية أن يوقف هذه المهزلة أن يقول هو أنا أيضا لا أريدك وينتهي كل شيء لكنه خيب ظنونها كلها حين همس بصوت شبه مسموع بنبرته الموسيقية الباردة :
- بسرعة ..
لا ليس هذا ما تريد هي سماعه ، لا يا وسام أرجوك قل شيئا غيرها فأنت تستطيع أما هي فلا ، أشاحت وجهها بعيدا عنه بعد أن همست لنفسها بحسرة بتلك الكلمات التي لم يسمعها أحد سواها ، أغمضت عيناها بألم ثم مدت يدها وكتبت كلاما غير مفهوم ثم وقعت بجانبه، تأمل وسام بصمت وبرود مميت تلك الورقة التي جمعت اسمه واسمها دليل ارتباطهم معا لم ينتبه لاسمها أو اسم عائلتها كل ما كان يفكر به هو أنه لو كان الأمر بيده لمزقها إلى أجزاء صغيرة ورماها في البحر أو يحرقها لتتحول لرماد ، أسوأ شعور قد يشعر به الشخص هو الشعور بالعجز وعدم القدرة على فعل شيء حيال الأمر بل الوقوف كالمتفرج العاجز ، تنهد بقلة حيلة ثم اخذ يتأمل ما كتبته جانب توقيعها فرأى حروفا غير حروفهم ومؤكد أنه قد رآها سابقا ، ضيق عينيه يفكر بعمق ما الذي قد تعنيه هذه الحروف وأين رآها سابقا لكنه تجاهل الأمر كالعادة بينما عادت التي كانت تقف بجانبه بسرعة متوجهة نحو الشقيقتان وجلست بجانبهما بهدوء والألم يعتصر قلبها فمنذ هذه اللحظة أصبحت زوجة ذلك الشاب ، أتما الأمر بينما أخذت الأختان تتهامسان وتتصنعان اللطف معها وهن يقولون لها عبارات التباريك والتهنئة لها ثم اتبعن همساتهن الساخرة لها بغية قهرها بصوت منخفض كي لا يسمعهن والدهن أو وسام :
- عزيزتي سوف نجهز لك فستان زواجك بأنفسنا ما رأيك ..؟!!
قالت الأخرى بسخرية لاذعة :
- نعم نعم فأنا عندي فستان يناسبها تماما لكن لونه أسود..
هزت رأسها باستهزاء وقالت تكتم ضحكتها :
- اعتقد بأنه سيناسبها أكثر فاللون الأسود جميل عليك كما أنك ستبدئين حياة جديدة فجميل أن تبدئيها بالسواد ..
تعالت ضحكاتهن وسخرياتهن المريرة لتنتقل إلى مسامع وسام الذي تأكد في هذه اللحظة بأنها ليست أختهم
ثم أردفت دلال قائلة بسخرية لتجاري بناتها بها :
- لا لا يا بنات أنا عندي ثوب أهدته لي إحدى العجائز سابقا بمناسبة خطوبتي اعتقد بأنه سيناسبها أكثر فهو لم يصلح لي ولا لجمالي حينها ، لكن يا عزيزتي إن لم تريدي فثوبك هذا جميل يمكنك ارتداؤه بما أننا لن نجهز لك حفلا كبيرا فعلى ما يبدو أن زوجك مستعجل ولن يتغيب أكثر عن المعسكرات والتدريبات الخاصة بالجنود الوضيعين ..
أخذن يضحكن بسخرية فهن يعلمن حقا بأن لا أحد سيقف بجانبها غير تلك العجوز الواقفة في إحدى زوايا الغرفة تتقلب ألما وقهرا على سخرياتهم منها بهذا الشكل الفظيع أنهن يعلمن بأنها لا تستطيع التدخل فهي مهددة بفصلها وقطع السبيل الوحيد لكسب لقمة عيشها كما أنهن يعلمن أن وسام لا يريدها ولا يرغب بها كزوجة له أبدا فهذا ظاهر من ملامحه وهيئته وتصرفاته كما أنه يجلس بعيدا عنهم فنسبة أن يسمعهن تضاهي الصفر ، تجمع الدمع في عينيها الواسعتين أنهن يستمتعن باستفزازها والسخرية دائما منها كم هن قاسيات للغاية ، ما الذي يمكنها فعله كم تتمنى بأن تنقض عليهن وتبرحهن ضربا لكنها لا تقوى أبدا على فعل ذلك ، فأخذت تقبض على فستانها البنفسجي محاولة عدم البكاء مترجيه الصبر والمعونة لكن فجأة ودون سابق إنذار شعرت بيد أمسكت ذراعها بقوة جاذبة إياها بخفة لتصطدم بذلك الصدر العريض من قوة جذبه لها ، رفعت رأسها ونظرت إليه برعب وصدمة وإذا به وسام كان ممسكا بها من ذراعها ويشد قبضته بقوة ، تراجعت قليلا للوراء فتملكها خوف شديد كاد يفتك بقلبها الصغير ويوقفه عن العمل خوفا من نظراته تلك الباردة والحادة إلا أن وسام قربها منه مرة أخرى دون اكتراث بها فلم تستطع المقاومة بل ظلت تتأوه بصمت من ألم قبضته التي تحكم على ذراعها ليدنو منها منحنيا قائلا ببرود :
- إذا.. كنتن تتحدثن عن فستان الزفاف هااه .. ؟!!
ذهلت دلال وابنتيها من وسام الذي انتصب واقفا أمامهم دون أن يسمعوا لوقع أقدامه أي صوت بخفة حركته تلك التي اجفلتهم خوفا ورعبا لتبلع دلال ريقها بصعوبة وهي تقول بتلعثم :
- ن..نعم ل..لقد ك..كنا نتحدث عن.....
لكنه قاطعها بإشارة من يده لتصمت فهو يكره رؤية وجهها البغيض فما باله بسماع صوتها وكذباتها تلك ، رمقها بنظرة استحقار شديد مما جعلها تفور غضبا لا يعلم لماذا فعل ذلك فهو بنفسه لم يعرف كيف يفسر هذا التصرف الطائش الذي قام به ، انحنى من تلك المتصلبة بجانبه لتلتقي أعينهم ببعض قائلا لها بنبرة هادئة يتعمد فيها إثارة غيظهن :
- إذا يا عزيزتي سنذهب إلى أمهر خياطة لتخيط لك فستان زفافك خصيصا لك وعلى حسابي أنا ما رأيك .. ؟!!
تصلبت أطرافها ، ابتلعت ريقها بصعوبة خائفة منه من نظراته المميتة لم تعرف ماذا تفعل دقات قلبها تسارعت لكنها وبحركة بطيئة أماءت رأسها إيجابا ليبتسم نصف ابتسامة ويقول :
- إذا ماذا ننتظر سنذهب الآن ..
لف يده حولها محوطا كتفيها بأنامله الباردة لتجفل من الصدمة بملامحها المذعورة وسارا معا إلى أن وقف أمام العجوز الواقفة في إحدى الزوايا ، انحنى لها باحترام شديد وقال :
- سيدتي هلا رافقتنا للذهاب إلى خياطة الثياب لتخيط فستان زفاف عروسي فأنا أريد من يرافقها ويساعدها على الاختيار ولا أجد أفضل منك لفعلها بما أنك مربيتها ..
قال جملته الأخيرة وهو يرمق البنتين وأمهم الواقفين ينظرون إليه بصدمة ليزداد غضبهن عندما رمقهن بسخرية فكانت نظراته تدل على أنه قد اكتشف كذبتهم السوداء ، علمت حينها دلال بأن وسام ليس فقير معدم كما ظنوا سابقا من كلامه عن الذهاب لأمهر خياطه فحاولت استغلاله ومجاراته بكذبها وإثارة غضبه قليلا فتنحنحت وقالت لوسام بوقاحة مستفزة :
- سيدي يجب أن نذهب جميعا مع ابنتي العروس كما أن ابنتّي تريدان أن تخيطا لهما ثيابا أيضا لذلك فإن وجهتنا واحدة ..
أنهت كلامها بابتسامة خبيثة وهي ترمق بنتيها لتقول إحداهن :
- نعم نعم أيها السيد نحن سنساعد اختنا على اختيار الأقمشة والشرائط والكريستالات اللازمة وليس مربيتها العجوز فنحن نعرف أكثر منها بهذه المواضيع ..
احتقنت الدماء في وجه العجوز الطيبة غيضا فهي كانت تشعر بالسعادة عندما وقف وسام بجانب صغيرتها وعندما طلب منها الذهاب معهما بكل أدب كم بدا رجلا بكل ما تعنيه الكلمة لا يرضى الذل لزوجته بل يساندها ويساعدها ويحميها من كل من أراد أذيتها ، ابتسم وسام بسخرية يرمقهم ببرود وهو يعيد وضع يده على كتفها قائلا ببرود جعلهن يغتاظون أكثر وأكثر من هدوئه ولا مبالاته :
- اعتذر لك سيدتي لكني أريد بعض الخصوصية مع مخطوبتي وزوجتي المستقبلية..
ارتعش جسمها كله وكأن صاعقة كهربائية سرت فيه وجرت مجرى دمائها من قوله ذاك ، لم تستطع أن تفسر كلامه حينها من خوفها الشديد منه ، أقال يريد بعض الخصوصية معها ؟! يا إلهي ما الذي يقصده بكلامه هل سيقتلها ؟! أم يعذبها ويؤذيها ؟! ألم يقل قبلا بأنها ليست إلا ضيفة مؤقتة كيف تغيرت أقواله هكذا بهذه السرعة ؟! لكن في الحقيقة لم تكن تريد أن تعرف لأنها لو استمرت قليلا في التفكير قد يغشا عليها من الرعب ، أما دلال البغيضة فزمت شفتيها بغيض واتسعت عيناها ، أي وقاحة هذه !! كرهته بشدة وأرادت قتله من هو ليجرؤ على استفزازها بهذه الطريقة السخيفة ، رمقت زوجها السيد مازن تخبره بنظرات عينيها الغاضبة بأن يمنع وسام من الذهاب لوقاحته في التصرف أمامها فتنحنح السيد مازن وهب لمساعدة زوجته الحبيبة قائلا بصرامة :
- صحيح سيد وسام فأمها تريد الذهاب معها كما أن أخواتها يردن ذلك أيضا فرجاءً ......
استدار وسام ناحيته مقاطعا إياه بنظراته الساخرة الحادة المليئة بالحقد والكره ليقول مدعيا الحزن وهو يحرك رأسه بأسى :
- يا إلهي أهكذا يعامل الأب ابنته كنت اعتقد بأنك ستسعد جدا لأنني سأجلب لها أجمل فستان .. أليست هي العروس ؟! أليست هي أبتنك الصغيرة ؟! يجب على الأب أن يفرح لفرح ابنته أم أنني مخطئ .. !!
تصلبت أطرافه وشحب وجهه وعلم حينها أن وسام كان يهدده بكلامه ، لقد دس سمه بين حروف كلماته التي تظهر لكل من سمعها أنها حزينة لكنه في الحقيقة يخبره بأنه علم بأنها ليست بابنته ، تخبطت كلماته وتلعثمت ثم ابتلع ريقه متداركا خطورة الوضع الذي هو فيه فلو وسام اخبر السيد رأفت بكذبه عليه بأنه زوجه بفتاة لا تمد لهم بصلة لقطع له رأسه ولاشتعلت نيران الحروب بينهم مجددا ، فابتسم بغيض قائلا بارتباك :
- اا..أنا لم .. اا..اقصد .. ذ..ذلك ...
استدار وسام معطيا إياهم ظهره ثم قال لهن ببرود :
- هيا بنا ..
غمرت العجوز السعادة أخيرا أتى من ينقض صغيرتها ويعيد إليها كرامتها بعد سنين الذل والإهانة تلك التي تلقتها ، كانت الابتسامة لا تغادر محياها بوجهها الذي تشبع بالحب بين كل تلك التجاعيد لتلقي على مسامع وسام كل كلمات الشكر والعرفان على صنيعه وكم أنها ممتنة له أما صغيرتها فأخذت تمشي وراءهم بهدوء تنظر إلى خطواتها الصغيرة وكم شعرت بالسعادة حينها ، شعرت ببعض الأمان وهي واقفة بجانبه وعلمت حينها بأنهم لن يجرؤوا على أذيتها وأهانتها مجددا طالما هو موجود بجانبها ، تعالت أنفاسها فجأة وازدادت نبضات قلبها وكادت أن تبتسم إلا أنها توقفت في آخر لحظة فقد كانت تعلم تماما بل قطعا بأن ما فعله وسام قبل قليل لم يكن إلا كذبا وتمثيلا فهو من نعتها سابقا بالضيفة المؤقتة ووعدها أيضا بأن يعيدها إليهم بعد أن ينتهي من مشاكله وظروفه التي جعلته يضطر للموافقة بالزواج منها حتى هو وبتصرفه الشجاع هذا فهو لا يريدها ولن يعتبرها زوجته هي ليست إلا صفقة رابحة بين طرفين سيتخلص منها بعد أن يحصل على ما يريد إلا أن قلبها الصغير ابتسم بالرغم من أنها تعلم بكذبه فقد شعرت بالسعادة حقا ، فتاة بائسة مثلها كانت تريد أن يهتم بها ويقف معها ويساندها أي شخص ولو كان كذبا فلقد تحقق أسخف حلم رسمته في مخيلتها لتهتف بسخرية على حالها تحرك رأسها بأسى وقلة حيلة ، أما وسام فقد ازداد شحوب وجهه عندما خرج من القصر واحتدت عيناه أكثر لم يعلم لماذا فعل ذلك الأمر السخيف فهو لا يعتبرها شيء ولن يفعل لكن قلبه أبا أن يخضع له في تلك الحالة بل خانه وانقلب ضد هواه ملبيا نداءه بمساعدتها ، لم يحتمل رؤيتهم وهم يسخرون منها لم يحتمل ضعفها وعجزها فقط أراد أن..... قطع أفكاره بتنهيدة متعبة صامتة طويلة قاطعا كل أفكاره تلك التي لم تزده إلى ألما وتوترا ليتدارك وضعه الآن بأنه قال ويجب أن ينفذ ويكون عند كلمته ويذهب بها عند ابرع خياطة في البلاد ، رفع بصره للسماء واضعا أنامله الطويلة على ذقنه بدا على ملامحه قليلا من الحيرة والتردد يفكر بقلة حيلة فمن أين له أن يعرف من هي ابرع خياطة لتخيط فستان الزفاف فهو لا يعرف سوى المعسكرات ومخيمات الجيوش والجنود وأفضل الحدادين وصناع السيوف والسلاح وليس عنده أدنا فكره عما يخص الفتيات فلم يتعامل مع إحداهن عن قرب من قبل فأمه ماتت وعمره لا يزيد عن الثلاث أعوام ولا يعرف من النساء سوى السيدة هند وابنتها مايا ولم تجمعهم سوى أيام ومواقف قليلة لا تكفي بأن يفهم ويعرف كل ما يخص الفتيات ، سمع صوت أنفاس متقطعة متعبة ليستدير ببطء موجها نظره للخلف ويرى تلك العجوز تجاهد نفسها على مجاراة خطواته السريعة تجر خلفها تلك الحزينة المنكسرة التي توقع بأنها ستسقط في أي لحظة لضعف خطواتها ، توقف فجأة وقال ببرود بعد أن تدارك وضعه وأنه يسير بعجوز وفتاة صغيرة لا تقويان على السير كثيرا مشيرا بأصبعه جهة كراسي من الخشب :
- ابقيا هنا سأجلب عربة لكي نكمل طريقنا ..
توقفت العجوز ممسكة صغيرتها بأناملها تلتقط أنفاسها بصعوبة قائلة له :
- أشكرك يا سيدي ..
سار من أمامهم واختفى وما لبث إلا قليلا حتى جلب عربة مجهزة بحصانين أسودان رشيقان بعربة مغطاة من الأعلى تتدلى على جوانبها بعض الزينات الملونة يجلس رجل يكاد يبلغ الخمسين من العمر يقودها ، أشار وسام إليهما بنظره ليفهما ويتوجها نحوه ويدخلان بكل هدوء داخلها ، جلستا جنبا لجنب تشد السيدة العجوز بيد صغيرتها التي لم تتوقف أناملها عن الارتجاف أما وسام فكان يتحدث مع سائق العربة وبدا أنه يصف له مكان محددا وعندما انتهى من حديثه ضرب السائق له التحية وقال :
- حاضر سيدي ..
أومأ وسام إيجابا ودخل داخل العربة وجلس على الكنبة التي تقع أمامهم بكل برود مسندا رأسه على حافة الكنبة ينظر إلى الأعلى بشرود وكم بدا مرهقا ومتعبا يحاول جاهدا ألا تقع أنظاره على التي تجلس أمامه فكلما رآها شعر بوخز كوخز الإبر في صدره جهل معناه وما تفسيره وهذا ما يزيد الأمر عنده سوءا ، انطلقت العربة على صوت ضرب السائق للأحصنة بسوطه المدوي لتطلق الأحصنة صهيلها وتنطلق بأقصى سرعة ، بعد ما يقارب الأربع ساعات من السير المتواصل داخل العربة توقفوا بين أسواق ومتاجر صغيرة لطالما تجول وسام داخلها حيث يكاد يحفظ كل شبر فيها له ذكريات لا تعد ولا تحصى بين شوارعها ومتاجرها ، صرخ سائق العربة قائلا :
- سيدي لقد وصلنا إلى وسط المدينة ..
رفع رأسه لتتوجه عينيه نحو تلك الملاك الصغير مسنده رأسها على كتف تلك العجوز التي هي بدورها تسند رأسها على رأس صغيرتها تغطان في نوم عميق متشبثتان ببعض وكأن كل واحدة منهما تستمد القوة من الأخرى ، اخفض رأسه وتنهد بتعب لم يرد أن يقطع نومهما الهانئ ويوقظهما بل اكتفى بالخروج بهدوء بخطواته التي تتناغم مع نسمات الهواء ، تقدم للأمام بخطواته الكسولة الهادئة وشكر السائق واخرج من جيب معطفه بعض العملات الذهبية مكافأة له على إيصالهم ، مدها له لكن السائق رفضها من فوره فهي أكثر بكثير من حقه الذي يستحقه لم يكن طماعا أبدا ولم يكن يحب أكل أموال الناس ظلما فأخذ يقول لوسام بارتباك بان في نبرته بأنها كثيرة للغاية لكن وسام هز رأسه يمينا ويسارا دلالة على أنه لن يتراجع في أمر قد قاله بل سيأخذها دون أي رفض لكن السائق اشترط على وسام أنه إذا قبلها بأن يعمل عنده يوصله متى شاء وأينما شاء وأنه سيكون تحت أمره لثلاثة أيام كاملة فما أعطاه من عملات ذهبية تبدو كراتب شهر وليس ثمنا لإيصالهم ، راقت الفكرة لوسام كثيرا فبعد ارتباطه بهذه الفتاة لم يعد باستطاعته التجول سيرا على الأقدام فيبدو بأنها ستعيق حركته كثيرا وتعرقلها فلا بد من وجود العربة ، أومأ وسام بالإيجاب وقال ببسمة بسيطة ظهرت أخيرا على ثغرة :
- أشكرك ..









نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:41 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.