آخر 10 مشاركات
الفرصة الاخيرة للكاتبة blue me *كاملة* المتسابقة الثانية** (الكاتـب : ميرا جابر - )           »          [ تحميل ] عابرات فـوق السنة النيران ( جميع الصيغ ) (الكاتـب : اسطورة ! - )           »          577 - انتظار ديبورا - بيتي نيلز - ق.ع.د.ن (الكاتـب : Gege86 - )           »          251 - زائر الليل - كيم لورنس (الكاتـب : PEPOO - )           »          231 - بقايا ليل - كيت والكـر (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          غريب الروح * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          لحظات صعبة (17) للكاتبة: Lucy Monroe *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-20, 02:46 AM   #51

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي



.. الفصل التاسع والثلاثون ..


.
.

[ نبض الحياة وزهرة القلب ]

.
.

سار مسرعا بملامح متجهمة والإرهاق بادٍ عليه ، توقف عند مجموعة من الحرس وقال وهو يشير لهم بأمر :
- خمس فرق تتوجه نحو البوابات الداخلية للقصر بسرعة ..
واستدار سريعا فعمل شاق ينتظره وهو منذ البارحة لم يهنأ بالنوم كالبقية يقوم بجميع الاستعدادات اللازمة قبل وصول الأباطرة ، استوقفه أحد الحرس وقال بلهجة شديدة الاحترام :
- سيدي لقد تم تجهيز فرقة كاملة من الجنود للاستقبال ..
هز رأسه إيجابا وقال بنبرته العميقة التي تخللها التعب :
- الجناح الشمالي والشرقي من الدور الأرضي من القصر سيتم تجهيزه للإمبراطور جاسم والإمبراطور صخر فكونوا على استعداد لذلك ..
انحنى له باحترام وقال بحزم :
- أمرك سيدي ..
وانصرف طارق سريعا ليقاطعه آخر جاءه مسرعا يلهث ، قال بارتباك يحاول تنظيم أنفاسه :
- س..سيدي تواجهنا بعض المشاكل في تنظيم جنود الحراسة الخارجية عند بوابات القصر ..
همس طارق شامتا وقال بضيق :
- سحقا فهذه ضريبة استعمال الجيش في الحراسة سحقا لهم ..
قال بعدها بضيق يكتم غيضه ويشد قبضتيه بقوة :
- وما الذي تشاجروا عليه الأطفال أولئك ..
قال يفرك يديه بتوتر :
- لم يرضوا بالتقسيم والعمل الجماعي بحجة خبراتهم المختلفة ومستوياتهم المتفاوتة ..
سار بسرعة متوجها نحو الخارج لكي يحل المشاكل العالقة هناك بين الفرق العسكرية والتي كانت ضمن الجيش وأصر والده على أن يوكلهم بحماية القصر بدل الحرس السابقين لكنه توقف فجأة عندما تذكر والده والأمر الذي كان سيفاتحه به وقال للحارس بأمر وكم بدا مستاء من ملامحه :
- قم بتقسيمهم على حسب رتبهم وكل مجموعة يترأسهم قائد لهم سيحاسب على كل خلل تقوم به مجموعته، هذا أمر ..
استدار طارق سريعا وقال بصوت مرتفع ليسمعه من أصبح خلفه :
- اسبقني وسألحق بك ..
ولم يسمع أي رد لأنه دخل مسرعا بخطوات ثابتة وواسعة لتستوقفه أحد الخادمات وتبدو كانت في انتظاره من مدة ، قالت مباشرة وبعجلة لتستوقفه :
- معذرة سيدي ..
توقف ونظر إليها بصمت فقالت بقليل من الارتباك :
- أعتذر سيدي لكن الإمبراطور عامر قام بتغيير كل الوجبات التي كنا سنعدها لوليمة الاستقبال ..
وصمتت بخوف عندما لاحظت تغير ملامحه إلى الضيق فأكملت قائلة :
- لذلك ينقص مطبخ القصر وينقصنا الكثير من الأطعمة وبعض المعدات اللازمة ..
تنهد بعمق ولا يعلم ما الذي يفكر به والده ، هل بعد أن قاموا بترتيب كل شيء وتجهيزه مسبقا يغير كل شيء وبهذه السرعة ودون أي سبب ؟! والمشكلة الحقيقية تكمن في أنه هو من سيتحمل العواقب وحده لا سواه ، وتغار يا طرق من حسام وتفكر كالمجانين سحقا لذلك سحقا ، هز رأسه بيأس وقال وقد عاد الهدوء إلى ملامحه :
- حسنا حسنا هلا كتبتي كل ما تريدونه في قائمة وترسلينها لي في مكتبي الخاص من فضلك آنستي ..
رفرف قلبها بسعادة عندما حدثها بذاك الأسلوب الملكي الذي يمتاز به هو وحده والذي يثبت بأن الدماء التي تسري في عروقه دماء ملوك أصليين ، أومأت بسعادة وغادرت سريعا فلقد كانت تتوقع بأن يوبخها أو يصرخ بها بحدة أو قد يصفعها لكنه نبيل في كل شيء حتى في تصرفاته وألفاظه مع الخدم ، بينما تنهد طارق بقلة حيلة وسار مسرعا ليرى أولا التجهيزات في الدور الأرضي من القصر والذي يجب أن يكون مستعدا لاستقبال ضيوفهم ، سار في الرواق الطويل متجهم الملامح فلقد كان الخدم منتشرون بطريقة عشوائية ويبدو بأنهم مشتتين جدا ولا يعرفون كيف يتصرفون ، استوقف أحداهن وقال بتساؤل :
- ماذا هناك ..؟!
قالت بارتباك شديد :
- لا أعلم سيدي لكن يبدو بأن الإمبراطور عامر لم يعجبه التقسيم هنا ..
أغمض عينيه ورفع رأسه عاليا وتنهيدة طويلة وعميقة خرجت من عمق صدره يرتجي القليل من الهدوء والكثير من الصبر ، ما الذي يجري لوالده لابد من أنه مرتبك من لقاء الأباطرة لذلك لا يعجبه شيء ، قال بأمر يشير لها :
- كما أخبرتكم سابقا تتقسمون كما أمرتكم ولا يوجد أي تغيير ، عُلِم .. ؟!
أومأت بخوف وذهبت سريعا من أمامه ، سار قاصدا مكتب والده وأنامل يده تتخل خصلات شعره الذهبي يشده بقوة راجيا الصبر ، فالأباطرة سيصلون في بضع ساعات ليس إلا ويجب أن يكون كل شيء جاهز لاستقبالهم وليس فوضا عارمة في انتظارهم ، توقف واستدار سريعا ليرى التي كانت تسير خلفه بكل هدوء كظله وقال بتعجب :
- زهرة هل ما زلتي تتبعينني منذ ذلك الوقت لقد ظننتك غادرتي ..
قالت مبتسمة ابتسامة رقيقة وكأن ما كانت تفعله يسعدها بل هو يسعدها حقا بأن تتبع شقيقها أينما ذهب وتكون مطمئنة عليه :
- نعم ولم ابتعد عنك ولا ثانية يا شقيقي العزيز ..
فتسللت الابتسامة إلى شفتيه ثم ارتخت ملامحه المتجهمة وهز رأسه بخفة وبقلة حيلة من شقيقته الشقية التي تفعل ما تريد ولا تستمع لقول أحد ، قال مبتسما :
- إذا الآن اذهبي لمساعدة والدتي قد تحتاجك بجانبها بينما أكمل أنا عملي ..
ابتسمت له وقالت برقة وهي تهز رأسها نفيا :
- لا فأنا سبق وأنهيت عملي معها لذلك هي تأخذ قسطا من الراحة الآن ..
قال لها مبتسما ولا يستطيع أن يحدثها إلا وهو مبتسم فرؤية وجهها البشوش كفيله بجعله يبتسم ابتسامة صادقة من كل قلبه :
- حسنا فلتذهبي وتأخذي قسطا من الراحة مثلها إذا ..
أومأت إيجابا وظن بأنها ستفعل فتوجه بسرعة نحو مكتب والده ليطرقه ثلاثا ثم دخل قبل أن يسمع الإذن له بالدخول ، ولم يسمع همسها المبتسم حين قالت ترمقه بحب واقفة تنتظره عند الباب إلى حين يخرج :
- وها أنا أحظى بأجمل راحة على الإطلاق بقربك يا شقيقي ..
دخل طارق وألقى التحية والتي كالعادة لم يلقى أي رد عليها من والده الذي كان يقف أمام مرآة طويلة يعدل من معطفه المخملي الفخم بهدوء شديد ، تنحنح طارق وقال بنبرته المخملية :
- اعتذر إن أزعجتك يا أبي لكن يجب علينا التحدث في بعض الأمور ..
قال عامر ببرود ولم يلتفت له وهو يغلق أزرار معطفه الكبيرة والمصنوعة من الذهب :
- هل سيأتي حسام أم ماذا ..؟!
آآه يا حسام هذا الذي يقف كالحاجز بينه وبين والده في كل مرة ، قال طارق بهدوء بالرغم من أنه لم يكن يفضل بأن يعلم والده بما جرى بينهما :
- أرسلت له رسالة مع أحد فرساننا لكنه لم يرد فأمرت بإرسال أخرى ورد علي بأنه لن يأتي ولو ....
وصمت فقال عامر ببرود :
- ولو ماذا ؟! أكمل ..
قال مكرها فهو يكره أن ينقل لوالده أمورا يعلم بأنها غير لائقة أو ستغضبه :
- ولو توسلنا إليه توسل الفقراء المشردين للأغنياء عند أقدامهم ليعطوهم لقمة ليعيشوا فقط ولا يموتوا ..
تنهد عامر حينها وقال بجمود :
- لا .. يجب عليه أن يأتي تصرف في الأمر سريعا ..
قال طارق بنبرة لم تخلو من الضيق :
- ماذا يا أبي هل تريدني أن اذهب له في العيادة وأترجاه بأن يأتي معي إلى القصر وأذل نفسي له وهو لا يريدنا ..؟!
- نعم اذهب فما نفع وجودك هنا ..
قالها بكل برود لتصدمه الكلمات وتصفعه على وجهه بقوة آلمت قلبه قبل وجهه ، هل والده لا يرى كل جهوده التي يبذلها ولا يرى الأعمال التي يقوم بها منذ البارحة والتي يعتمد عليه في القيام بها ؟! ، زم شفتيه يحاول ألا يتلفظ ألفاظا سيئة دون وعي منه وقال بهدوء واحترام شديد وبعقل يوزن بالذهب :
- حسام لا يريدنا يا أبي فيكفي خوضا في هذا الحديث أكثر ..
قال ببرود يرتب شعره :
- ما الذي تقصده ..؟!
قال يرفع كتفيه وبمنطق :
- اقصد الذي فهمته يا أبي وأنت سبق وتحدثت إليه ورأيت بعينك كيف رفضنا كلنا ..
قال عامر وقد التفت إليه أخيرا يهز رأسه وكأن كلام طارق لم يعجبه رغم أنه الحقيقة التي يرفضها :
- لكنه حتى لو لم يرغب بأن يحضر بصفته وريثي سيأتي بصفته خطيب ابنتي ..
فاشتعلت نيران الغضب في قلب طارق ولمعت عينيه ببريق الكره فهذا الموضوع الذي إلى الآن لم يفاتح والده فيه وتركه قليلا ظنا منه بأن والده سيتراجع عندما يعلم بأن حسام لا يريد أن يخلفه لكنه يبدو مصرا على التمسك به وتقريبه إليه بأي طريقة ، زفر الهواء بقوة فكل شيء سيتحمله إلا شقيقته فقال بحدة :
- إلا شقيقتي يا أبي أرجوك إلا زهرة لن يحلم بها ولو طال السماء ..
رفع حاجبيه وقال بسخرية بعد إن استقر على الأريكة جالسا :
- ولماذا ؟! هي ابنتي وخطيبته الرسمية حسب قوانين العائلة ولم ترفض هي الأمر ..
قال طارق بحنق يلوح بيديه في الهواء :
- لن نفرضها عليه بالإكراه يا أبي ، وأنت تعلم ذلك جيدا بأنه لا يردنا ولا يريدها كزوجة له وقالها لي بصريح العبارة بأنه يريد أخرى لذلك لا شأن لنا ..
حينها هز عامر رأسه إيجابا وقال بلا مبالاة :
- لا شأن لنا هااه !! صحيح فالشأن شأن حسام وخطيبته زهرة يتفاهمان فيما بينهما ..
هز طارق رأسه نافيا والغضب قد احتل كل خلية في جسده وقال بنبرة عميقة وغاضبة :
- أبي توقف عن قول ذلك فزهرة ليست خطيبته ولن اسمح لها بأن تتزوج إلا من أكون راضيا عنه بنفسي ومن ثم الحديث عن الأمر لا زال مبكرا حتى على التفكير فيه مجرد تفكير فهذا الموضوع ليس وكأنه أمر مسلم به وعلى زهرة مغادرتنا سريعا وفي هذا العمر ..
قال عامر ساخرا يرمقه بتعجب :
- من تكون راضيا عنه !! عجبا أنا والدها أم نسيت ..
قال طارق مباشرة يشير لنفسه :
- نعم أنت والدي ووالدها أيضا ولكني أنا فقط شقيقها ولن أكون سببا في تعاستها أبدا ..
تحولت نظرات عامر للغضب وقال :
- هل تقصد أن قراراتي خاطئة ..؟!
هز طارق رأسه بخفة نفيا وقال ينظر إلى عينيه مباشرة وبكل ثقة :
- أبي أرجوك لا تفهم الأمر كما يحلو لك فأنا لم أقصد ذلك لكن زهرة خط أحمر لن يتجاوزه أحد والأمر كما قلت سابقا وأن الخوض والحديث فيه لا زال مبكرا ..
فاستدار طارق وخرج مسرعا قبل أن يسمع تعليق والده على ما قال ، وقد تحكم بثورانه وغضبه الذي احتل كيانه بصعوبة أنهكت روحه فالغضب قد أعمى بصيرته ولا يريد البقاء أكثر في مواجهة والده فهو متأكد بأنه سيخطئ ويقول ما قد يجرح والده ويندم عليه فيما بعد لذلك يجب عليه الابتعاد ليفرغ غضبه في شيء آخر غير والده فوالده يظل والده ويجب عليه احترامه وتقديره والإحسان إليه مهما كان ومهما أساء إليه ، ولم يستطع قول ما جاء لأجله وهو تقسيم الحرس والطوابق والقوائم التي كتبها وعلى والده مراجعتها ، ولا الملفات التي كان ينوي تسليمه تخص الاجتماع الذي سيعقد عند وصول ضيوفهم والتي أخذ الليل بطوله يكتبها ويجهزها ، خطوات سريعة أخذته حيث طريق مكتبه في الطابق الثاني ولكنه تذكر المشاكل العالقة التي لا تزال تنتظره عند الحراس فعاود النزول من عتبات القصر الواسعة ليلتقي بالخادمة التي مدت له بورقة وقالت باستعجال :
- سيدي هذا ما ينقصنا لليوم فقط ..
أومأ سريعا وقال :
- حسنا والغد اتركوه للغد فلا وقت لدينا ..
وخرج بسرعة متوجها نحو التجمع الكبير بين الخدم لينقض الموقف سريعا فقد كاد الحرس خارجا بأن يفتعلوا شجارا فيما بينهم وأصواتهم قد علت كما شتائمهم التي يتقاذفونها فيما بينهم بغضب ، صرخ بهم بحدة وملامح الغضب وعدم الرضا قد رُسمت على ملامحه الوسيمة وقال بأمر صارخ :
- توقفوا وأنتم كالأطفال ..
توقفوا جميعهم عن الكلام والحركة معا فهذه أول مرة يسمعون الأمير طارق يصرخ بهم وعلموا بأنه شر الحليم إذا غضب ، وقد غضب الحليم الآن ففضلوا الصمت ولكن الذي لم يستطيعوا أن يمنعوه هي تلك النظرات والملامح التي نطقت بكل ما كانوا يتحدثون عنه وكل ما أرادوا إخباره به ، أخذ طارق نفسا عميقا وقال باتزان يشير إليهم :
- الفرقة الأولى والتي تتضمن أعلى الجنود مرتبة ستتوزعون كقواد على الفرق الأخرى ، أما الفرقة الثانية والثالثة وحتى السادسة ستكونون كما كنتم في الجيش سابقا وبنفس أعضاء المجموعة حيث يمكنكم التعامل والتفاهم فيما بينكم أكثر وبكل ارياحية ، وإن كان عند أي منكم اعتراض فليخبرني ما لديه والآن لأن أي خلل لا حقا سيؤدي إلى تعريض المذنب للعقوبة الصارمة والتي تنص عليها قوانين العائلة المالكة ..
ولم يتلقى أي رد بل بدت علامات الرضا تعتلي وجوههم فسبب المشاكل كان من جنود الفرقة الأولى والذين يرون أنفسهم على البقية بأنهم هم الأفضل والأمهر ولم يستطيعوا الاندماج معا لذلك كان الحل الأمثل بأن يفرقهم ويوزعهم كقواد على الفرق الأخرى بينما الفرق الأخرى ستعمل معا وبنفس تقسيمهم السابق ليتجنب المشاكل لاحقا ، وأي خلل سيعاقب قوادهم أولا ليندموا على السخافات الطفولية التي افتعلوها ، صرخ طارق بصوت عالي مجددا :
- أي اعتراض ..؟!
الكل في جمله واحدة :
- لا سيدي ..
وأكمل إلقاء بعض الأوامر عليهم تباعا وشدد على قوادهم أكثر في ذلك ، وأخذ بتوزيعهم على البوابات الخارجية وقسم لهم ساعات العمل وكل فرقة تعمل لست ساعات ثم راحة لمدة ساعتين ويكملون عدد ساعاتهم إلى الاثنتي عشرة ساعة وبعدها يتم استبدالهم بفرق أخرى وبنفس النظام وهكذا ، وبعد أن انتهى عاد لداخل القصر منهك والتعب والإرهاق قد نال منه بجدارة فكل عظامه تؤلمه ويحس بأنها ستتحطم من كثرة الوقوف والحركة المستمرة والتنقل من مكان لآخر ، وكل ما يريده الآن أن يستريح لبعض الوقت قبل أن يصلوا الأباطرة وحينها سيكون يتوجب عليه استقبالهم كما يليق مع والده الذي يرفض وجوده بجانبه ، توجه نحو غرفته وهو لا يكاد يرى الطريق من التعب والإعياء ، استدار سريعا حين سمع حركة خفيفة خلفه لتتسع عينيه بصدمة ودهشة وقال ينظر للتي تعثرت بفستانها على ما يبدو فأحدثت صوتا دون قصد :
- زهرة ..!!!!
رفعت كتفيها بخفة كمن تم القبض عليه متلبسا بجرمه وقالت بهمس مبتسم :
- نعم أنا هي يا طارق وأنت لا تتخيل ذلك ..
تنهد مبتسما منها ولا زالت الدهشة لم تفارق ملامحه وقال :
- ألا زلتي تتبعيني كل ذلك الوقت يا مراقبتي المشاغبة ؟! ألم تذهبي لترتاحي ..؟!
دارت بأعينها وقالت بمشاكسة لطيفة ورائعة كروعتها بعد إن استقرت حدقتيها البنية في عينيه المرهقة :
- نعم فأنا ارتاح الآن ..
رمقها بنظرات محبه وحانية وعرف قصدها بكلماتها تلك وفهم مغزاها بأنها ترتاح عندما تكون بقربه حتى لو لم يكن مهتما بها ومشغول بالكامل عنها ولم يلحظ وجودها ، فما كان منه إلا أن يقترب نحوها ويقلص المسافة بينهما بخطوة واحدة واسعة وضمها بقوة إلى صدره فهي نبض حياته وزهرة قلبه ، كم يحب شقيقته وتوأمة روحه فهي لم تتذمر منه يوما وتغدقه بحبها وحنانها ولا تطلب أي مقابل لذلك ، قبّل رأسها بعمق وقال بنبرة هادئة وعميقة :
- لا أعلم ما الذي سأفعله بدونك يا أروع شقيقة في الوجود ..
قالت بنبرة باكية وقد غلبتها دموعها وهي تدس رأسها في حضنه الدافئ :
- لن تكون بدوني أبدا يا شقيقي كما لن أكون بدونك أبدا ..
ابتسم لها وأحس أن التعب والإرهاق طارا منه وتبخرا في الهواء ، أبعدها بخفة وقال ناظرا لعيناها الدامعة :
- ما رأيك أن تسلى أنا وأنتِ في الحديقة قليلا ونتنزه معا ونتسابق على خيولنا ونتناول كعكتك المفضلة ..
أومأت إيجابا كالأطفال وقالت بسعادة ودموعها لا تزال تجريان على خديها :
- نعم إنها فكرة رائعة ..
مد أنامله الطويلة ومسح دموعها وقال لها بنبرة دافئة :
- لا أريد أن أرى دموعك هذه يا زهرة مهما حدث حسنا فهي غالية علي جدا ..
فلم تستطع كبحها وشهقت شهقة صغيرة وقالت ببكاء :
- حسنا يا شقيقي لأجلك فقط سأمنع نفسي عن سكبها دائما لأجلك ..
فضحك عاليا وقال ممازحا لها لتتوقف عن البكاء :
- ما الذي تظنين نفسك كوب ينسكب منه الماء ..
ضربت صدره بقبضتها وقالت بغضب طفولي :
- نعم كوب وسأسقط عليك لأحطم رأسك العنيد هذا ومن ثم سأتحطم معه ..
ابتسم لتشبيهها فحتى في خيالها لا تريد العيش بدونه بل تفضل الموت على البقاء وحيدة وبدونه ، جذبها من معصمها وسار بها قائلا بابتسامة :
- هيا هيا يا كوب الماء نخرج ونستنشق الهواء قليلا قبل أن تجفي وتحطمي رأسي فأنا لازلت أريد رأسي وأريد الكوب سالما أيضا..
ورمقها مبتسما لتتشبث الأخرى بذراعه تضحك وخرجا معا إلى الحديقة يتبادلون الحديث الممتع معا ، فهذه أجمل اللحظات التي يقضونها بعيدا عن الجميع فلا رسميات ولا مسؤوليات ولا مكان للأحزان ، يتجردون عن العالم بمشاكله وهمومه ليسرقون بضع ساعات لأنفسهم ولضحكاتهم وللتسلية والمرح فقط ، فلا يشعر كل منهما بأنه لا زال يملك روح مرحة كالأطفال إلا إن بقيا معا وكم يتمنيا بأن لا يفرقهم أي شيء ومهما حدث ولا يعلمون ما الذي قد تخبئة لهم الأيام والحياة .






نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..




روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 11-06-20, 06:14 PM   #52

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الأربعون ..

.
.

[ رد الجميل ]

.
.

استدار وسار متخطيا العربة قاصدا ذلك المنزل الصغير المتطرف ذو الباب الخشبي بني اللون ، تقدم نحوه ورفع يده ليطرقه لكنه تراجع ، امسك مقبض الباب وفتحه بهدوء ليصدر ذلك الجرس الصغير المعلق على حافة الباب نغمات ترددت في الأرجاء ، دخل بهدوء واستند على حافة الباب بكل ثقة ولا مبالاة وكأنه يدخل منزله ، قالت هالة عند سماعها لجرس الباب الصغير والذي قررت بأن تتركه مفتوحا طيلة النهار :
- تفضل تفضل بالدخول ..
نظر ببرود للتي كانت تعطيه ظهرها منهمكة في عملها تنتشر حولها جميع أنواع الأقمشة ذات الألوان الزاهية والشرائط الملونة القصير والطويل منها وبعض الكريستالات هنا وهناك تمسك مقصا وتقص القماش الأحمر الذي كان بيدها بسرعة ، استدارت بسرعة نحو الباب لترى زائرها الذي لم يتكلم إلى الآن لتتسع عيناها من الصدمة وتهمس بدهشة :
- أنت .. !!!!
ابتسم متهكما فشهقت بصدمة ورمت كل ما كان بيدها وأسرعت نحوه وهي تقول باستغراب شديد فهو آخر شخص قد تتوقع ظهوره خصوصا في منزلها وبعد آخر لقاء لهم :
- تفضل سيدي تفضل ما هذه المفاجأة لم اعتقد بأننا سنتقابل ثانيتا ..
دخل وأغلق الباب خلفه بهدوء ، قالت هالة بسعادة وكأنها وجدت الفرصة أخيرا لتشكره على ما فعل لأجلها ففي المرة السابقة لم يعطيها الوقت الكافي لذلك :
- أشكرك حقا على ما قدمته لي من مساعدات يا سيدي وكم أنا ممتنة لك بأنك استطعت التوصل للتاجر الصغير وجلبت لي بعضا من بضائعه أيضا فالأقمشة كانت من أجود الأنواع وأحسنها ..
لكن وسام بدا أنه سافر بأفكاره إلى عالم آخر حتى أنه لم ينتبه لأي كلمة قالتها له ولا كم كلمات الشكر التي ألقتها على مسامعه ، وكل ما فعله حينها بأن توجه نحو الأريكة وجلس عليها بكل راحة بينما غادرت هالة لتعد الشاي له ولم تنتظر أن يرد عليها فهي باتت تعلم شخصيته من المواقف السابقة والقليلة التي جمعتهم فيها ، لم تلبث إلا قليلا حتى أحضرت كوبا من القهوة مع قطع من البسكويت ، جلست أمامه وهي تنظر إليه بقليل من الخوف وكثير من التوجس ، ما الذي يجري هنا منذ متى وهو يزورها وكأنه يعرفها ؟! ماذا به إنه يبدو غير طبيعي أبدا ؟! ، تنهد وسام بتعب وكم بدا مهموما ولا يعرف كيف يبدأ ، ضيقت هالة عينيها بعدم استيعاب وقالت بتوتر جاهدت نفسها على ألا يظهر في نبرتها :
- س..سيدي هل استطيع مساعدتك في شيء .. ؟!
رفع نظره ناحيتها ومد يده نحو كوب القهوة وارتشف رشفة منه ثم أعاده وقال بهمس وكأنه متردد فيما يقول :
- أريد منك خدمة تفعليها لأجلي ..
نهضت هالة ولم تستطع كبح مشاعرها أبدا ، أقال يريد منها خدمة تفعلها لأجله ؟! بالطبع ستفعل فكم تتمنى بأن تستطيع مساعدته كما ساعدها سابقا ، قالت بصدق وحماس :
- كم تمنيت أن أرد لك جميلك معي يا سيدي لكني لم أعرف كيف ، اطلب أرجوك وقل كل ما تريد وسوف ابذل كل جهدي لأجلك ..
ابتسم ابتسامة هادئة خفيفة والتي تأسر قلب كل من رآها فلقد أبعدت عنه حملا كبيرا كان على عاتقه لكنها كانت ككل ابتساماته بخيلة سرعان ما تتلاشى ، قال بنفس البرود فهذا طبعه مع الجميع :
- أشكرك ..
بادلته بابتسامة عريضة وهي تنظر إليه بعينيها التي لمع بريقها إصرارا وحماسا على فعل المستحيل لأجله ، قال بنبرة بدت متوترة قليلا وقد خالطها الارتباك :
- أريدك أن تخيطي فستان زفاف ، وأريده أن ينتهي غدا صباحا كحد أقصى ..
رمشت عدة مرات غير مستوعبه ما قاله البتة ، يريد أن تخيط فستان زفاف وفي أقل من يوم ؟! هي لا تعلم حقا كيف تشكر هذا الرجل العظيم الذي يثق بها لهذا الحد هل تقبل رأسه شكرا يا ترى أم ماذا عساها أن تفعل ؟! ، اخفض وسام رأسه بحيرة من أمره وقد علم بأنه أمر صعب بأن تنهيه في يوم واحد فقط وكم هو طلب سخيف لم يتخيل نفسه يوما بأن يطلب من أحد شيء كهذا فهو بالنسبة له محرجا للغاية الآن ، فتح فمه ليقول شيئا لكنها سبقته بقولها :
- أترك الأمر لي سأخيطه لك وغدا صباحا سوف تستلمه ..
رفع رأسه بصدمة لحظية ينظر إليها فإذا بها مبتسمة ابتسامة واثقة بأنها قادرة على فعلها وستفعل المستحيل لرد جميله معها ومع صغيرتها ابنة أختها ميمي ، نهض وقال لها :
- حقا يمكنك ..؟!
اكتفت بإماء رأسها إيجابا وهي مبتسمة ، فالتفت وسام يمينا ويسارا لا يعرف ماذا يقول فالموقف يشعره بالحرج قليلا وبالضعف والعجز كثيرا لكنه أخيرا نطق وقال بنبرته الموسيقية :
- أشكرك حقا ..
قالت له هالة بابتسامة عريضة :
- لا شكر على واجب سيدي وأيضا من هي سعيدة الحظ هذه التي أتيت بطلبك لي لكي أخيط لها الفستان ..؟!
فتاهت نظراته في الفراغ وبدا عليه الانزعاج من سؤالها ، ماذا يقول أيقول أنها أخته الصغيرة ؟! لا لا مستحيل فلا شيء قد يساعده في هذه الكذبة فلا الشكل ولا التصرفات ولا أي شيء بينهما مشترك لكي تصدق ذلك ، أم يقول بكل بساطة وصراحة أنها زوجته وانتهى ؟! ، لكن لا يمكن أن يقول أنها زوجته فهي سوف تراها وتخيط لها الفستان وما الذي قد تعتقده إن رأتها صغيرة السن تلك الطفلة التي تكاد تبلغ الخامسة عشر من العمر فقط ، قد تأخذ فكره سيئة عنه وأنه قد يكون غصبها واجبرها على الزواج رغما عنها فهي ستكتشف ذلك بسرعة فتلك الفتاة بالتأكيد بأنها لن تتوقف عن البكاء أمامها فستستغرب الوضع وربما تسألها لتستفسر عن الأمر وربما تجيب عليها قائلة بأنها أُجبرت على الزواج منه وهي لا تريد ، لكن هذه بالفعل الحقيقة لكن لا يجب أن يعلم بها أحد ولا يجب أن تظهر الحقيقة للناس بهذا المظهر والمنظر المخزي ، فبالتأكيد سوف تندم على مساعدتها له أو ربما بأنها ستخبر كل من حولها لتخرج له مشكلة جديدة من حيث لا يعلم وقد تستغل تلك الطفلة الوضع وتستميل قلوبهم ليدافعوا عنها ويأخذوها لمكان ما آمن ويعدوها بأخذ حقها ، ما الذي سيفعله إن حصل ذلك لا بد من أن الخطة كلها ستفشل ولن يستطيع مساعدة والده حينها ولا حتى ضم الحدود الجنوبية .. قطع أفكاره السلبية تلك التي تقفز الواحدة تلو الأخرى في رأسه وكأن هذا ما كان ينقصه مزيد من الهموم قول هالة له :
- س..سيدي إن كان هناك شيء يزعجك يمكنني المساعدة فيه فق.....
نظر إليها نظرات لم تستطع تفسيرها فتوقفت عن الكلام ، وسام الذي لا يهاب شيئا هل من الممكن أن تكون هذه نقطة ضعف جديدة بالنسبة له ؟! هل أمر تلك الفتاة سيغير منه سيغير من ذلك الرجل الذي لم يطلب شيئا من أحد سابقا ويفعل كل ما يريد في أي وقت وكيفما يريد ؟! القوي في قراراته الذي لم يعتمد على أحد في أي شيء سابقا هل سيترجاها الآن لكي لا تخبر أحد ؟! لكن لا هو ليس بالضعيف الخائف بل يفعل ولا يهمه ما الذي قد يفكر الناس فيه أو حتى يقولونه لكنه يريد أن يتكتم على هذا الأمر ولا يريد أن يعرفه أي شخص ، ولا يعلم لماذا ربما لأنه يفكر بأمل كسير بأن يعيدها من حيث أخذها وبسرية تامة وكأن شيئا لم يحدث ليكمل خطبته مع مايا ، أو ربما لا يريد أن يعلم أحد بأنه تم إجباره على شيء لا يريده ويبين ضعفه لهم ، إنه حقا لم يعد يفهم نفسه ولا طريقة تفكيره ولا حتى قراراته فيبدو بأنه منذ وطأت قدماه أرض الحدود الجنوبية اختلت كل موازينه وتشتت كل أفكاره ، قال لها ببرود صقيعي ينظر إليها بلا مبالاة بعد أن قرر وأخيرا التحدث :
- هل من الممكن أن يكون هذا الأمر سرا بيننا وأكون شاكرا لك ..؟!
لا يعلم لماذا قال ذلك واكتفى بجعل الأمر سرا بينهما لكنه على أية حال قالها وانتهى ، رمشت مرارا وتكرارا لتفهم فقط قوله ذاك ولماذا جعل الأمر سرا بينهما ، هل يثق أيضا بها بأنه ستحفظ له السر ، يااه هذا أروع شخص قابلته حقا في كل حياتها ، قالت مبتسمة له :
- أنا آسفة سيدي لم أكن اعلم بأن سؤالي ليس في موضعه وأنا أعدك بأنني سوف أحفظ لك سرك ..
تنهد بخفة وكأنه ارتياح فها قد تخلص من أفكاره السوداوية ، استأذنها بالخروج هامسا ليحضر الشخص المعني بهذا الأمر أما هالة فكانت مقطبة حاجبيها بعدم استيعاب فلم تستطيع تفسير أي شيء إلا أنها هزت رأسها ببطء وهي تقول بشبه همس :
- سأبذل جهدي ..
تنهد وسام بضيق وفتح الباب ليخرج ويتوجه للعربة ، فتح الباب ببطء ليتفاجأ بتلك العينين الرماديتين التي كانت تنظر إليه برعب مستيقظة ، قال ببرود يتجنب النظر إليها فنظراتها تلك استفزته قليلا تنظر إليه وكأنه وحش سيأكلها :
- انزلا ..
دُهشت لرؤيته يتجنب النظر إليها وكم أحست بكرهه لها والذي آلم لها قلبها الصغير ، فهزت العجوز بخفة لتستيقظ الأخرى مفزوعة وهي تحضن صغيرتها بين يديها بخوف ، أمسكت يدها المتجعدة وأخذت تربت عليها وتحثها على الخروج بإيماءة خفيفة من رأسها ، امسك وسام بيد العجوز وانزلها من العربة برفق من على الدرجات أما صغيرتها المرعوبة فنزلت بسرعة خلفها لكنها تعثرت في إحدى تلك الدرجات الصغيرة لتفقد توازنها وتتهاوى على الأرض ، كادت أن تسقط وترتطم بالأرض لولا تلك الذراعين التي أحاطت جسمها الصغير وأمسكت بها بخفة في آخر لحظة ، اتسعت عينيها من الصدمة كيف حدث هذا ؟! كيف تعثرت ؟! وكيف لم ترتطم بالأرض ؟! كلها أحداث حدثت في أجزاء من الثانية ، رمشت عدة مرات غير مستوعبه للأمر وانتبهت أخيرا لوضعها فهي لا تزال بين ذراعي وسام الذي يجلس على الأرض مستندا بركبته ينظر إليها بهدوء ، أشاحت بوجهها لكي لا تنظر إليه وابتعدت عنه بسرعة واقفة لكنه امسك بيدها وسحبها نحوه لتعود لوضعيتها السابقة جالسة على الأرض ، شد قبضته على أناملها مما جعلها تتأوه ألما ، فاستدارت موجهه نظراتها الغاضبة البريئة نحوه كم كانت عيناها الواسعتان تعكس كل ما بجوفها وكأنها تخبره بأن يبتعد عنها لكنه لا يزال ينظر بنفس تلك النظرات الباردة الهادئة التي لم تعرف ما تفسيرها ، شهقت السيدة العجوز برعب وتقدمت نحوهم بسرعة وساعدت صغيرتها على النهوض بعدما أرخى وسام قبضته تاركا أناملها ، استقام واخذ ينفض معطفه بخفه ثم استدار معطيا إياهم ظهره وقال بينما عاد ينظر لهم ببرود :
- اتبعوني ..
كانت تحاول جاهدة بأن تتفادى نظرات وسام لها باختبائها خلف العجوز لا تعلم لماذا لكن مشاعرها في هذه اللحظة اختلطت لاسيما بعدما رأته كيف يتجنب النظر إليها وكيف شد على أناملها بقوة كاد يسحقها وتيقنت بكرهه الشديد لها ولا تعلم كيف ستعيش فيما بعد معه ولوحدها ، سار أمامهم وهم يتبعونه بانصياع ، دخل إلى المنزل الصغير والذي تحول إلى مخيطة ودخلن خلفه ، نظر إلى هالة التي كانت تتطلع لرؤية الفتاة التي ستخيط لها الفستان ، رمقها بنظرة ثم رمق تلك المتشبثة بالعجوز الخائفة لتفهم هالة بأنها هي المقصودة ، لم تستطع هالة إخفاء ملامح الدهشة والاستغراب بل كانت تظهر عليها ملامح الصدمة من رؤيتها لها ، أيعقل بأن هذه الطفلة هي من ستتزوج ؟! بل هل هي حقا العروس ؟! يبدو بأنها صغيرة جدا على ذلك ، هزت رأسها بخفة وأطلقت آآهه منخفضة دلالة على استيعابها الأمر، لذلك طلب منها أن يكون الأمر سرا إذا ، ربما لأنها صغيرة في السن لكن لماذا سيزوجونها في هذا السن ؟! وما قصتها يا ترى ؟! وهل تعي حقا معنى الزواج والمسؤوليات التي تتعلق به ؟! ، تنحنحت مبعده كل هذه الهواجس التي سيطرت عليها وتذكرت بأنها قطعت وعدا للسيد وسام بأنها ستساعده ولن تسأل عن أي شيء ولن تتدخل مع أن الفضول يكاد يقتلها لمعرفة قصتهم الغريبة هذه ، تقدمت نحوهن وأخذت تُحيهن بلطف وتحثهن على الدخول والجلوس على الأريكة ، سارا خلفها ثم جلستا بينما اكتفى وسام بإسناد ظهره على الباب واقفا مكتفا ذراعيه ، ذهبت هالة واعدت المزيد من القهوة وقدمته لهن ثم توجهت نحو تلك الملاك الصغير وأمسكت بيدها التي لم تتوقف عن الارتجاف ، لاحظت توترها الشديد وخوفها فحاولت أن تهدئها بقولها لها بكل حب :
- ما أجملك أيتها الفتاة أنتِ حقا تبدين كأميرة حقيقية لم أرى بجمالك هذا أي أحد قبلك ، كم يسعدني ويشرفني بأن أخيط لك فستان زفاف خصيصا لك ، سأجعله لك كما تتمنين وتريدين وسوف يكون أجمل من أي فستان آخر ، ما رأيك ..؟!
ابتسمت بارتباك واحمرت وجنتيها خجلا وهي تبعد خصلات شعرها الأسود الأرجواني القاني الحريري خلف أذنها بأناملها الصغيرة المرتجفة وهي تومئ بالإيجاب ، سحبتها نحوها لتقف وتسير معها متوجهتان إلى غرفة منعزلة لكي تأخذ المقاسات اللازمة عليها ، تابعهم وسام بنظراته إلى أن اختفوا عن مرمى نظره ، فتنهد بتعب فيبدو بأن أفكاره القلقة قد هدأت أخيرا وهالة تساعده حقا ، نظر إلى العجوز التي كانت تمسك كوب القهوة مبتسمة ثم قال بكل لا مبالاة :
- سأذهب إلى المعسكر ففترة ما بعد الغداء قد بدأت ثم أعود لكم بعد إنهاء كل التدريبات والمهام اليومية..
قالها وهو يكره ويمقت أن يبرر لأحد تصرفاته أو يخبره بما ينوي فعله لكن فقط كي لا يظنوا بأنه رماهم وهرب فهو إن وعد لن يخلف ووعدهم بإكمال الزواج وإتمامه على أكمل وجه وهو ينفذ الآن حتى وإن كانت مجرد مسرحية إلا أنه سيحاول أن يتقن دوره فيها ، استدار وفتح الباب بهدوء وقبل أن يغلقه خلفه قالت له :
- رافقتك السلامة يا بني ..
فظهر شبح ابتسامة باهتة على شفتيه ولم يستطع منعها من الظهور فكبار السن دائما ما يقدرهم ويكن لهم الاحترام فلا يوجد كنقاء قلوبهم أبدا فخرج وتركهم إلى أن حل الليل .

*****

خرج من البيت بهدوء شديد كي لا يشعر أحد بغيابه والابتسامة العريضة تكاد لا تغادر محياة فهاهو وقت تعديل المزاج الآن والاستمتاع بالعطلة على طريقته الخاصة بعيدا عن هموم الحياة ومشاكل العائلة التي لا تنتهي أبدا ، فلا بد للإنسان من الترويح عن نفسه قليلا بعد توالي المصائب على رأسه ، ضحك عاليا وقال محدثا نفسه :
- نعم هكذا استمتع يا رامي بوقتك وبعطلتك ..
وتوجهه سريعا نحو متجر صغير يبيعون فيه أجمل الزهور ، اشترى باقة ملونة وحملها بين يديه يسير بسعادة يدندن لحنا كم يحبه متوجها إلى وجهة معينة ويبدو بأن رنا نجحت في إشعال شعلة الاشتياق في قلبه لرؤية أحدهم ، وصل للمكان المقصود ووقف يرتب خصلات شعره الأشقر ومعطفه البني الأنيق في تصميمه قليلا فلا بد لهذه الزيارة أن تكون كما يريد وكم يشك في ذلك بما أن تلك العنيدة في الموضوع ، فتح الباب وأصدر الجرس الصغير المعلق رنينا مميزا لتلتفت جميع الأنظار نحوه وتعلق هناك ، ابتسم رامي بجاذبية يرفع خصلات شعره بطريقة جذابة للغاية بينما يده الأخرى تمسك بالأزهار ، تقدم نحو التي رمقته بغضب مقطبة حاجبيها ومكتفه ذراعيها لصدرها وكأن زيارته لم ترق لها ، جلس أمامها وعينيه لم تفارق عيناها التي تكاد تقتلانه من الغيض فقال بابتسامة :
- أهلا بالجميلة ..
وغمز لها بعينه ولم يتلقى أي رد منها غير التأفف بصوت مسموع ، فاقتربت والدتها منها لتطلب أمرا لكنها تراجعت في آخر لحظة عندما رأت رامي ، حيته بكل حب وكم كانت ممتنة لقدومه اليوم ، قالت له بعتب محب :
- ما كل هذا الانقطاع عنا يا رامي هل أغضبك أحدهم ..؟!
ورمقت التي نفضت فستانها الأحمر بغضب متأففة بينما اكتفى رامي بالضحك ، طلب كوب قهوته المفضل والذي سيساعد في تعديل مزاجه أكثر بالرغم من أن مزاجه وصل أفضل مراحله برؤيته لتلك الفاتنة المشاكسة بفستانها الأحمر الذي شابه خداها المحمران من الغضب فزادها جمالا تلك الخصل القصيرة الشقراء المتمردة على جبينها ووجنتيها ، ادعت والدتها الانشغال مع أحد زبائنهم بينما اكتفت جنى بالنظر إلى السقف وكأن الأمر لا يعنيها ، قال رامي يرمقها بنظراته :
- هيه يا جميلتي أريد كوب قهوة من فضلك ..
ولم تلتفت إليه تنتظر والدتها تنتهي مع الزبون الآخر لتحضر له ما يريد فمد رامي قطع معدنية ثمنا للقهوة وقال بابتسامة ساخرة يرمقها بمكر :
- يبدو أنك من النوع المادي الذي لا يتحرك إلا بالمال ..
فنجح أخيرا بسرقة نظراتها الغاضبة واقتربت منه وسحبت القطع المعدنية وقالت بحنق :
- أكون كالذي أكون ما شأنك أنت ..
واستدارت بسرعة وغضب بعد أن سمعت صفير رامي الذي تبعته كلماته قائلا :
- أخيرا سمعنا صوتك ..
تأففت بحنق وأخذت تحضر له كوب قهوته ، وتعمدت ألا تضع السكر فيها كما يحب ، قدمتها له وملامح الانتصار والسعادة على وجهها مما جعل رامي ينظر إليها ببلاهة لفترة من الزمن على تغير حالها بسرعة هكذا ، ارتشف القليل من القهوة وقطب حاجبيه منزعجا فلقد علم سبب تلك النظرات التي كانت ترمقه بها لكنه وكالعادة يجيد تمثيل الأدوار وبكل حرفيه فأخذ يتلذذ وهو يرتشف منها المزيد وقال بمكر :
- يا إلهي كم هي رائعة هذه القهوة ..
ورمقها بخبث قائلا :
- خصوصا اليوم ، ففيها نكهة مميزة ..
فصرخت جنى بضيق واستدارت لتدخل إلى الحجرة الصغيرة والمعدة لهم لكنها توقفت فجأة بسبب الأنامل التي التفت حول معصمها لتمنعها عن الحركة ، سحبت يدها بقوة لتتملص من قبضته لكنه كان أقوى منها فجذبها تسير خلفه مرغمه ، قالت بغضب ولازالت تحاول تخليص معصمها :
- اتركني يا وقح لا تلمسني ما الذي تظن نفسك فاعله ابتعد عني أنا أكرهك ..
ابتسم بعد أن توقف ونظر إلى والدتها التي كانت تنظر إليهم بسعادة وقال بصوت مرتفع لتسمعه :
- خالتي أستأذنك في أخذ ابنتك المدللة قليلا فلدي ما أريد قوله لها ..
أماءت رأسها إيجابا والبسمة لم تفارق شفتيها بينما كانت جنى تنظر إلى والدتها بغضب ترسل إليها رسائل تهديد كثيرة بعينيها لكنها لم تستجب لكل تلك التهديدات واكتفت بأن لوحت لهم بيدها بسعادة لتشتعل الأخرى غضبا وتتحرك بقوة أكبر ليبتعد عنها رامي ، وعندما علمت أن لا مفر لها وأن قوتها تكاد لا تساوي شيء بالنسبة له أخذت بضرب كتفه بقبضتها وسيل الشتائم لا يكاد يتوقف من فمها حتى خرجا خارج المطعم والتفا حوله ليصبحا خلفه مباشرة ، نظر إليها مغضنا جبينه وقال بلوم :
- مهلك يا فتاة كدت تكسرين لي عظامي ..
نظرت إليه بغضب وقالت بصراخ :
- أتركني ما الذي تريده مني ..
ابتسم بمكر وقال هامسا :
- لن أكلك لا تقلقين فقهوتك المرة كانت كفيلة بتقليص معدتي ..
قالت مباشرة تنظر إليه بقوة :
- هذا ما تستحقه ..
هز رأسه مبتسما وقال :
- ما كل هذا العداء يا جنى اخبريني ما سببه ..؟!
فضحكت ضحكة ساخرة وقالت :
- ليس عداء بل كره فأنا أكرهك ..
عض شفتيه يكتم ضحكته فكم تبدو رائعة حين تكون غاضبة ، قالت بحدة ترمقه بطرف عينها :
- ما الذي يضحك يا أبله ..؟!
قال بلا مبالاة :
- لا شأن لك ..
فحاولت مجددا تخليص معصمها الذي لا يزال سجين قبضته وقالت بحدة :
- وأنت لا شأن لك بي فابتعد عني الآن وبسرعة وإلا صرخت بأعلى صوتي ..
نظر إليها ببلاهة وقال :
- ولماذا تصرخين هل أنا مخيف لهذه الدرجة ..!!
قالت بحنق منه :
- لكي يخلصوني منك بالطبع يا معتوه ..
فسحبها في حين غفلة منها ليهمس في أذنها قائلا بخبث :
- أقسم لك يا جنى إن فعلتها ولم تهدئي أنني سأفعل مالا يعجبك وأمام الجميع وها أنا أقسمت ..
فتيبست عظامها وجمدت ملامحها بخوف تملكها بقوة ولم تتحرك ولا أي حركة ، تنهد بقلة حيلة منها فهو لا يحب التهديد لكنها ستفقده صوابه إن استمرت في أفعالها المشاكسة ، حرر معصمها أخيرا ومد لها باقة الأزهار الملونة والتي تجذب كل من رآها وقال بابتسامة :
- كل عام وأنتِ بخير وأتمنى لك عاما جديدا سعيدا ..
فتاهت نظراتها في ملامحه وفي عينيه التي لم تتركها وشأنها وألجمتها الدهشة عن الكلام ، فرامي لازال يتذكر يوم ميلادها ولم ينساه ولا أي عام كالبقية بل يكون أول من يهدي لها الهدايا ويتمنى لها عاما سعيدا أيضا ، قال رامي بنفس ابتسامته يحرك الباقة أمام ناظريها :
- هيا خذي هديتك ..
ابتلعت ريقها بتوتر ومدت أناملها المرتجفة والغضب كله الذي كان مسيطرا عليها ذهب أدراج الرياح ، أمسكتها بقوة ونظرت إلى الأرض وقالت بهدوء :
- هل يمكنني الذهاب الآن فوالدتي تحتاج مساعدتي ..
رمقها مبتسما وقال بعد أن تأوه بحب من هذا الهدوء والتوتر الذي سيطر عليها والذي يكاد يوصله للجنون وقال :
- للأسف يمكنك الذهاب بالرغم من أن عيناي لم تشبع من النظر إليك بعد ..
رمقته بقوة وهمست بغضب :
- وقح ..
وغادرت مسرعة لكنها توقفت بصدمة عندما قال الذي أصبح خلفها وبصوت عال لتسمعه :
- الهدية الأخرى ستكون خاتم الزواج أنا أعدك يا جوجو فاستعدي لذلك وجهزي بعض كلمات الشكر لتقوليها لي عندئذ يا ناكرة الجميل ..
فاستدارت برأسها فقط لترسل إليه نظرات غاضبة قاتلة لو كان بإمكانها القتل لخر ميتا لا محالة بينما أرسل لها رامي قبلة في الهواء مبتسما مما زادها اشتعالا وصرخت بأعلى صوتها وهي تركض متوجهة نحو باب الطعم :
- تحلم بذلك يا وقح ..
واختفت من أمامه ولم يبقى إلا طيفها مرسوم في خياله ، ابتسم بسعادة وغادر يسير بخطوات مرحة وقال هامسا لنفسه :
- ستري يا عزيزتي ذلك قريبا أنا أعدك فوالدتك على علم بذلك بل وموافقة أيضا ..
وعاد للمنزل في مزاج أفضل مما قد يتصوره فهكذا هي الحياة الرائعة التي يحتاجها ويحبها بشدة .











نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..





روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 15-06-20, 06:04 PM   #53

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الواحد والأربعون ..

.
.

[ قصة فستان ]

.
.

بعد أن غادر وسام تأكدت هالة من غلقها للباب فلن تستقبل اليوم أي طلبات أخرى وكل ما عليها أن تبذل جهدها لتخيط فستان الزفاف ، دخلت ممسكة بيد تلك الجميلة الصغيرة ، سألتها وهي ترمقها بسعادة :
- ما هو اسمك يا جميلة ؟! يسعدني التعرف عليك أنا اسمي هالة وعمري ثلاث وعشرون عاما ..
وختمتها بضحكة وهي تهمس لها :
- لا زلت صغيرة صحيح ..؟!
نظرت للأسفل بحزن ولم تنطق بأي شيء ، استغربت هالة من عدم ردها لكنها اكتفت بالابتسام والتربيت على كفها بخفة، أجلستها على كرسي خشبي وتوجهت ناحية أحد الأدراج الخشبية فتحته وأخرجت شريط طويل رُسمت عليه بعض الخطوط الصغيرة والأرقام ودفتر صغير مربوط به قلم له شكل غريب ، عادت نحوها وطلبت منها الوقوف ، لفت الشريط حول خصرها وأخذت تسجل الأرقام ثم مدته على ذراعها ولفته حول معصمها ، انتهت من تسجيل كل القياسات المطلوبة وهي لم ترفع نظرها عن الأرض وكم بدت حزينة ، بعد أن انتهت طلبت هالة منها الجلوس وانتظارها إلى أن تجلب لفائف الأقمشة من الغرفة المجاورة خرجت من عندها لتقابل العجوز التي قالت لها بابتسامة :
- هل يمكنني الدخول معكن يا ابنتي إن لم تمانعي ..
أومأت هالة بالإيجاب من فورها ، أخذت قطع القماش ودخلتا إلى الداخل في حين لم تغير تلك الصغيرة من وضعيتها بل بقيت تنظر إلى الأرض بشرود حزين ، جلست السيدة العجوز على الأريكة الصغيرة أمام صغيرتها بينما جلست هالة عند قدمي الفتاة ممسكه بقطع من الأقمشة بين يديها ثم قالت لها بابتسامة لطيفة :
- إذا يا آنستي أي خامة من القماش الأبيض تفضلين ؟! هذه أم هذه ؟! أم ربما تلك هناك ؟! هيا اختاري ما شئت ..
ترددت كثيرا تقبض على فستانها البنفسجي بأناملها الصغيرة ، ما الذي تفعله الآن هل تختار أحد الأقمشة وكأن شيء لم يكن بل وكأنها سعيدة بهذا ، لا هي لا تريد الزواج ولا تريد الاختيار لكن كيف وهذا هو حلم كل فتاة بأن تعيش هذه الأجواء وتحس بكل هذه الأحاسيس السعيدة لكن بالنسبة لها كل شيء تغير فهو لا يسير كما تريد كيف تفرح بتجهز نفسها وهي مجبرة على الزواج ؟! ما الذي تفعله هل ستساير الأمر وتعيش اللحظة وتفرح ؟! وهي تعلم تماما بأنها ليست إلا أيام قليلة وسوف تعود خادمة !! كيف لهذه الفرحة أن تتم ما الذي يتوجب عليها فعله الآن ؟! ، ازداد شحوب وجهها وتداخلت مشاعرها واختلطت عليها بينما ازدادت نبضات قلبها وبدون سابق إنذار تناثرت دمعاتها وتساقطت على كفيها التي تقبض فستانها فتبعتها بشهقاتها الصغيرة ، كل تلك المدة وهي تحاول السيطرة على نفسها لكنها لم تستطع أن تتمالك نفسها أكثر ، شهقت هالة برعب تملكها وعلت ملامحها الصدمة عندما رأتها تبكي ما الذي قالته لها ؟! هل جرحتها دون قصد ؟! ما الذي يجري هنا بالضبط ؟! هناك شيء يسير بشكل خاطئ بالتأكيد ، التفتت ناحية السيدة العجوز وكأنها تستغيث بها لكي تقوم هي بدورها وتحوط صغيرتها بذراعيها ، تشبثت بملابسها تبكي بحرقة وهي تدس رأسها بين أحضانها ثم همست لها بقولها :
- حبيبتي أرجوان لماذا كل هذا البكاء يكفي دموعا يكفي حزنا فهنا لا أحد يجبرك على فعل مالا تحبين انظري لقد أحضرنا السيد وسام برغبة منه عند هذه السيدة الطيبة لكي تخيط لك أجمل فستان فهو يريدك أن تفرحي كالبقية وأنا أيضا أريدك أن تسعدي هيا يكفي دموعا ودعينا نتعاون لأجلنا لأجل سعادتنا ..
ابتعدت عن حضنها تكفكف دموعها بصورة بريئة طفولية للغاية ، ابتسمت لها العجوز وهي تمسح على شعرها بحنو وقالت :
- هيا هيا يا صغيرتي ابتسمي ابتسمي أنا أريدك هكذا قوية ومبتسمة دائما ونحن بجانبك دائما ..
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر إلى هالة وكأنها تخبر صغيرتها أرجوان بأنها هي وهالة سيبقون معها يساندونها ، أماءت هالة رأسها إيجابا ونظرات الصدمة لا زالت عالقة بملامحها ثم هزت رأسها بخفة يمنة ويسرة في محاولة أن تكمل عملها إلا أنها تمنت في هذه اللحظة أن تسألها عن قصتها وكل ما يجري خلفهمها لكنها لن تخلف وعدها مع السيد وسام أبدا ، ابتسمت هي بدورها وقالت وهي تحدق في عينيها الرمادية الواسعة :
- إذا اسمك هو أرجوان كم هو اسم لطيف مثلك ..
ختمت جملتها بابتسامة صادقة مليئة بالحب لتتوتر أرجوان بدورها وتبتسم بخجل شديد ، عادت السيدة العجوز تجلس على الأريكة بينما أخرجت هالة المزيد من قطع القماش البيضاء لتريها لأرجوان وهي تحكي لها عن ماضيها مع الخياطة وتخبرها عن كل قطعة من أين كانت تشتريها وأي التجار تعاملت معهم سابقا وأخبرتها أيضا بأسماء بعض السيدات اللواتي خاطت لهن فساتين زفافهن وأي الأقمشة طلبن وكل ما يتعلق بماضيها السعيد ، أخرجت لها مجلدا كبيرا غلافه من الجلد كان يبدو قديما فتحته لها لتريها بعض التصاميم التي رسمتها لجميع أنواع الفساتين أما أرجوان فبقيت تستمع لكل ما تقوله هالة بابتسامة خافتة ظهرت على شفتيها ، انتهى بهن المطاف ثلاثتهن جالسات على الأرض يقلبن صفحات ذلك المجلد ثم قالت السيدة العجوز بدهشة :
- يا إلهي كم هذا الفستان رائع أريدك أن تخيطي لي مثله ..
رمقتها هالة باستنكار ثم قالت لها بخبث :
- هذا للآنسات الصغيرات الجميلات يا خالتي ليس لك ..
قطبت حاجبيها بانزعاج ثم قالت بضيق تدعيه :
- ماذا ماذا كل هذا الجمال أمامك ولا ترين !! أنتِ تفتقدين لحس الجمال بالتأكيد أم أنك تعانين من ضعف في النظر ..
قالت هالة بضحكة :
- لا لا يا خالتي أي جمال تقصدين فأنا لا أرى إلا عجوز هرمة أمامي حرام عليك لقد ظلمتي الجمال انظري مثلا نحوي أنا أو انظري ناحية أرجوان هنا تجدين الجمال الحقيقي ..
أمسكت العجوز بقطع القماش وبعض لفائف الخيوط وأخذت ترميها على هالة بخفة وهي تقول :
- نعم نعم سأريك من هي العجوز أيتها الجميلة سوف تكون نهايتك على يدي ..
علت أصوات ضحكاتهن الأرجاء واختبأت هالة خلف أرجوان وهي تصرخ وتقول بمرح :
- أرجوان خلصيني من هذا الوحش فأنا الجميلة وتلك العجوز الوحش ..
قالت العجوز وهي ترمقها بغضب مصطنع :
- أها هكذا إذا أنا الوحش وأنتِ الجميلة إذا من هو أميرك وأين هو لكي يخلصك مني ابتعدي عن صغيرتي هيا وإلا قتلتك ..
وضعت أرجوان يدها على فمها في ضحك مستمر ولم تستطع تمالك نفسها ، كم مر وقت طويل على ضحكها حتى هي بنفسها ظنت بأنها نسيت كيف تضحك ، كم ارتاحت بقرب هالة منها فلقد وجدتها طيبة القلب تحب الخير للغير وتسعى جاهدة لكي ترسم السعادة على شفاه الكل ، رمقت هالة أرجوان دون علمها وكم سعدت برؤيتها تضحك ثم غمزت للعجوز بعينها وكأنها تخبرها بأنهن نجحن في إسعاد أرجوان ورسم الابتسامة على شفتيها لتبتسم الأخرى لها بحنان شاكره لها من أعماق قلبها على ما فعلته لهن ، أخذن يكملن تصفح الأوراق والتصاميم ثم أخذت هالة القلم وفتحت صفحة بيضاء لكي ترسم فستان أرجوان ، اختارت أرجوان من كل تصميم رأته شيئا أعجبها ففستان أخذت منه تصميم الأكمام وتصميم آخر أخذت منه نوعية القماش وكل صفحة تفتحها كانت تشير بأصبعها على الجزء الذي تريده دون أن تنطق أي كلمة أما هالة فأخذت ترسم كل ما تريده من كل تصميم وتريها إياه أن احتاج تعديل أم لا ، فتحت أرجوان صفحة لآخر فستان مرسوم في الكتاب نظرت إليه بدهشة كم كان تصميمه غريب وجميل في نفس الوقت فتأملته بإعجاب شديد تقدمت منها العجوز ونظرت إليه بدهشة علت ملامح وجهها ثم قالت :
- ابنتي هالة كم يبدو هذا التصميم في غاية الروعة لمن يكون يا ترى ..؟!
ثم نظرت لأرجوان لتومئ رأسها إيجابا على كلامها فكم بدا متألقا وجذابا ورائعا ، أخفضت هالة بصرها بقليل من الحزن والتزمت الصمت ، انتظروها لتقول شيئا لكنهم تفاجئوا بصمتها نظروا إليها باستغراب ثم تنهدت هالة وقالت بقليل من الأسى :
- كان هذا فستان زفافي ..
اتسعت عينا العجوز وأرجوان في نفس الوقت ونظرن إليها بدهشة ، أقالت فستان زفافها ؟! نعم فهي فتاة في الثالثة والعشرون من العمر إذا لا بد وأنها متزوجة لكن لماذا هذا الحزن ظهر على ملامحها فجأة ؟! وأين هو زوجها الآن ؟! ابتسمت ببهوت وهي تقول بلمحة حزن عميق :
- لقد سهرت ليالي طوال وأنا أصممه بكل حب لكي يظهر بهذا الشكل ..
تنهدت تنهيدة طويلة وعميقة ملؤها خيبة وأسى ثم أكملت قائلة :
- لكن كان هذا في السابق عندما كنت ابلغ التاسعة عشر من العمر أما الآن فأنا منفصلة عن زوجي ومطلقة منه ..
شهقت أرجوان برعب تملكها لا تعلم لماذا لكن في هذه اللحظة تخيلت نفسها عندما سيتركها وسام وحيدة أما العجوز فأخذت تقول كلمات لهالة وكأنها تطمئنها وهالة تبتسم وهي تهز رأسها دلالة على استجابتها لما كانت تقول أما أرجوان فلم تكن تسمع شيئا من كمية الرعب الذي تملكها ،وسؤال واحد يجوب في خاطرها يكاد يقتلها لماذا هي تشعر بالخوف وكأنها تريد البقاء طول عمرها مع وسام كزوجة له ؟! هي لا تريده حقا لكن لا تريد أن تصبح مثل هالة وحيدة ولا يعترف بها أحد ، بقيت صامتة تحدق في الفراغ إلى أن أخرجها من عالمها المظلم ذاك ووساوسها السوداء صوت اندفاع الباب بقوة لتتوجه نظراتهم المصدومة ناحية الشخص الذي دفع الباب بهذه الطريقة لتزاد صدمتهم عندما دخلت تلك الطفلة ذات الشعر البني الفاتح والذي يكاد يكون برتقالي تركض ناحية هالة وعيناها امتلأتا بالدموع وهي تصرخ بحرقه لتقفز في حضن هالة متشبثة بملابسها تبكي ، ابتسمت هالة وهي تربت على شعرها بخفة وقالت :
- ميمي عزيزتي ماذا بك لماذا كل هذا البكاء وما هذه الطريقة التي فتحتي بها الباب أهكذا علمتك ؟! هيا هيا قومي وامسحي دموعك وحيي ضيوفنا بلباقة ..
رفت رأسها وهي تمسح دموعها ، رمشت عدة مرات ترمقهم باستنكار ثم قالت بنبرة باكية :
- من هؤلاء ؟! ولماذا لم تخبريني بأنك لن تأتي لتأخذيني من....
قطعت هالة كلامها وقالت لها بنبرة مؤنبه :
- ميمي أتريدينني أن اغضب منك قلت لك أنني مشغولة وعندي عمل يجب أن انهيه هيا قفي وحييهم بأدب ..
نهضت بسرعة وهي تقول :
- لا لا أرجوك ماما لا تغضبي مني أنا آسفة ..
ثم تقدمت نحو العجوز وقبلت رأسها ومدت أناملها الصغيرة لتحييها ثم اتجهت نحو أرجوان وحيتها ومدت أناملها لتصافحها ثم قالت بابتسامة بريئة :
- يا إلهي كم أنتِ جميلة ..!!
اقتربت منها أكثر وسحبت خصلة من خصلات شعرها وقالت :
- لونه غريب كأنه ارجواني أريد مثله ماما هيا غيري لون شعري أنا لا أريده فهذا يبدو أجمل بكثير ..
رمشت أرجوان عدة مرات فلقد استغربت حقا من قول ميمي وكم بدت لها في غاية الظرافة لتبتسم بخفوت وهي تنظر إليها ، قالت لها هالة موبخة لها :
- ميمي أهكذا نعامل ضيوفنا عيب عليك يا فتاة هيا اتركي شعرها واعتذري منها ثم تعالي واجلسي بجانبي ..
امتثلت لأوامرها سريعا فهي لا تحب أبدا أن تعصيها ثم اعتذرت من أرجوان وركضت ناحية هالة وجلست بجانبها بكل أدب ، فبعثرت هالة خصلات شعرها البني الفاتح والذي يميل للون البرتقالي وهي تقول بابتسامة :
- كم مرة أخبرتك بأنك جميلة يا برتقالتي ..
ضحكت ميمي وقبلت خدها وقالت :
- شكرا ماما ..
ابتسمت العجوز وهي ترى هالة وتلك الصغيرة منسجمات معا ثم قالت :
- كم تبدو ابنتك جميلة ومهذبة جدا ..
فقالت هالة مباشرة :
- إنها ليست ابنتي يا خالة إنها ابنة أختي المتوفاة وأنا من تكفل برعايتها بعد موتها ..
ختمت جملتها وهي تلاعب ميمي وتدغدغها وتضحك معها ، بقيت أرجوان على حالتها تنظر إليهما باستغراب ودهشة أي حكاية خلف هالة ؟! يبدو بأنها ليست الوحيدة التي تعاني فهاهي هالة فتاة في سن الزهور وجميلة وطيبة أيضا ومطلقه لا وزد على ذلك إنها تعتني بابنة أختها المتوفاة وتتحمل معاناة تربيتها وتدير مخيطتها الخاصة ولا زالت تبتسم أي صعاب تحملتها ؟! أي حياة عاشتها وتعيشها ؟! لقد ظنت بأنها الوحيدة التي تعاني من واقعها وماضيها ومستقبلها لكن يبدو بأن هناك من هم أسوأ حالا منها ، ابتسمت دون إدراك وعلمت حينها أنها يجب أن لا تستسلم وتضعف بل ستواجه مشاكلها بكل قوة وإصرار كما تفعل هالة بالضبط ، استأذنتهم هالة لكي تحضر لهم بعض الطعام خرجت وبقيت ميمي معهم ، تقدمت نحو أرجوان وقالت ببراءة :
- تبدين كالأميرات من أي كوكب أتيتِ آنستي الجميلة ..؟!
ابتسمت بخفوت ومدت أناملها نحو خدها لتمسحه برفق فابتسمت ميمي وقالت :
- هل نصبح صديقتان ؟! فأنا أحب الأميرات وأتمنى أن أكون واحدة منهن ..
أومأت أرجوان برأسها لتقفز ميمي بفرح وهي تقول :
- مرحا مرحا والآن سأعرفك بنفسي أنا الأميرة ميمي وأنتِ ..؟!
اكتفت أرجوان بالابتسام وهي تتأمل ملامحها البريئة ثم قالت بعدها ميمي بقليل من الانزعاج والحزن :
- ماذا إلا تريدين أن نصبح صديقتين ..!!
هزت رأسها بسرعة يمينا وشمالا دلالة على إنكار ما قالته فهي سعيدة بأنه سيصبح لها صديقة ولأول مرة في حياتها ثم قالت ميمي بصوت منخفض :
- إذا لماذا لا تعرفين عن نفسك ..؟!
نظرت للأرض بحزن ثم قاطعتهم العجوز قائلة :
- أيتها الأميرة ميمي إن صديقتك الجديدة خجولة قليلا كما أن اسمها هو أرجوان ..
هزت رأسها وأطلقت آآهه تدل على استيعابها للأمر ثم قالت :
- تشرفت بمعرفتك سمو الأميرة أرجوان ..
ابتسمت أرجوان لها وأمالت رأسها قليلا لكي تبتسم ميمي ، حينها دخلت هالة تحمل طبقا متوسط الحجم به بعض الأرز والدجاج والخضر قدمته لهن ثم قالت :
- لنأكل ثم لنكمل عملنا على تصميم فستانك يا أرجوان ولنبذل جهدنا هذه المرة لكي يصبح أجمل فستان قبل أن يأتي السيد وسام ويوبخني على تكاسلي في عملي فلقد وعدته بأن أنجزه له سريعا ..
ما إن نطقت هالة باسمه حتى قطبت أرجوان حاجبيها بضيق شديد وقد اختفت كل معالم الحياة من وجهها لقد نسيت لفترة قليلة وجوده لكن هذا واقعها وسيرتبط اسمها باسمه دائما وإلى وقت غير معلوم ، لاحظت هالة تغير ملامح أرجوان عندما ذكرت وسام لا تعرف لماذا فهي لم ترى منه إلا كل خير فهو كما يبدو رجل طيب رغم غرابة تصرفاته ، قوي وشجاع ولا يحب الظلم وأكبر دليل ذلك اليوم عندما ساعدها وهو لا يعرفها وكيف خلصها من اللصوص الذين حاولوا سرقتها وإلحاق الأذى بها كما أنه ساعد ميمي وأعادها لها سالمة وأنه لم يتركها لوحدها وزد على ذلك جلبه لكل هذه الأقمشة من ذاك التاجر الصغير حتى أنه لم يأخذ المال منها بل اخبرها بأنها إذا جمعته تعطيه لصاحبه إنه طيب ورائع حقا ، ولا تعلم حقا ما الذي يجري بينهما وما هي قصتهما بالضبط لكن أرجوان كانت مستاءة بحق عند ذكر اسمه فحاولت بأن تلطف من الجو قليلا فقالت :
- لقد أوصاني السيد وسام عليك يا أرجوان بشدة ..
وعضت لسانها على كذبتها التي كذبتها وكل ما أرادته أن تحسن العلاقة ولو قليلا بينهما لكن آمالها خابت فلم تزدد أرجوان إلا بؤسا عندما سمعت قولها لأنها كانت متأكدة بأنه يتصرف هكذا أمام الناس فقط ويدعي اللطافة أيضا كما فعل أمام عائلة السيد مازن تعلم حقا أنه كاذب هو لا يريدها وكم بدا مستاء عندما وافق على الزواج بها لقد قرأت أحاسيسه ومشاعره بمجرد النظر إليه فلم يكن إلا مجبرا لكي ينهي صفقته اللعينة تلك ، وقفت أرجوان بهدوء وبخطوات بطيئة توجهت نحو دفتر التصاميم جذبته بأناملها وجلست على الأريكة ، بدا عليها التصميم الشديد والإرادة القوية لا تدري من أين اكتسبتها خصوصا في هذا الوقت الحرج إلا أنها بدأت بالرسم والتعديل على تصميم فستانها بينما كان البقية يلتفون حول الصحن الكبير يتناولون غدائهم ، حاولت العجوز وهالة أيضا من أرجوان بأن تشاركهم الأكل مرارا وتكرارا إلا أنها أبت ورفضت بل فضلت أن تنهي التصميم قبل أن يأتي المدعو وسام ويوبخ هالة كما قالت لأنها أحبتها كثيرا ولم ترد أن تتسبب في المزيد من المشاكل لها بل يكفيها ما هي فيه ، بعد مرور عدة ساعات كانت العجوز تغط في نوم عميق مرتمية بجسدها المرهق على إحدى الأرائك بينما هالة بدأت بخياطة فستان أرجوان الذي انبهرت بتصميمها له فلقد أضافت عليه لمسات جذابة لم يسبق لها أن رأتها من قبل بطابع غريب عن طابع فساتينهم المعتاد وكأنها أخذتها من منطقة أخرى بينما أرجوان وميمي لم يتوقفا عن اللعب معا بل كانت ميمي سعيدة جدا بقرب أرجوان منها وكم أخبرتها بأنها تريد أخت لها مثلها فهزت أرجوان رأسها بخفة بابتسامة عذبة دلالة على أنها سعيدة بأن تكون أختها ، وبعد مدة من الوقت الذي قضياه معا أصبحت ميمي تعرف معاني حركات أرجوان لأنها وإلى الآن لم تنطق بأي كلمة، كم حدثتها عن مغامراتها مع صديقاتها اللواتي يقاربنها في العمر وكم حدثتها عن مشاغباتها وكيف عاقبتها هالة على ذلك ، لم تكن أرجوان إلا أذان صاغية مستمعة بكل استمتاع لما تقوله ميمي وبطريقتها الطفولية في التعبير كم بدتا منسجمتان معا وكم أحب كل منهما الآخر ، عندما انتصف الليل نامت ميمي في حضن أرجوان التي كانت تمسح على رأسها بخفة تنظر إليها بعينين مرهقتين باهتتين ، اقتربت منهما هالة ثم حملت ميمي وقالت هامسة :
- أشكرك يا أرجوان كم ساعدتني في إغراء هذه المزعجة فهي لا تكف عن التحدث أنا أشكرك حقا ..
ابتسمت لها بخفة وتوجهت هالة إلى الباب وخرجت حاملة ميمي لتدخلها في الغرفة الأخرى ثم عادت لتكمل عملها ، لقد أنجزت كثيرا فالفستان لم يتبقى سوى لمسات بسيطة وينتهي لم تصدق نفسها فلقد بذلت كل ما بوسعها لتنجزه في وقت قياسي كم شعرت بالإرهاق لكنها عندما تلمح أرجوان تقوم بفعل كل ما بوسعها لرؤيتها تبتسم لا تعلم لماذا لكنها أحبتها كثيرا ورأتها كأختها الصغيرة ، عادت هالة إلى الغرفة تحمل طبقا به ثلاث أكواب من الشاي قدمت للعجوز كوبا ثم شكرتها الأخرى على حسن ضيافتها وطيبة تعاملها معهم لتبتسم لها هي الأخرى ثم توجهت نحو أرجوان التي جلست على حافة النافذة تنظر للسماء بشرود بعينيها الناعستين الذابلتين وقد ازداد شحوب وجهها ، تقدمت نحوها ومدت لها كوبا قائله لها :
- أرجوان عزيزتي أنتِ لم تنامي ولم تتناولي شيئا منذ الظهيرة هيا اشربي على الأقل كوب الشاي هذا ليدفئك قليلا ..
رفعت نظرها ناحيتها بابتسامة منكسرة ثم تناولت الكوب من يدي هالة تهز رأسها لها بخفة ، ابتسمت هالة ثم عادت تكمل عملها بعد أن ارتشفت القليل من الشاي لا تعلم لماذا تبدو أرجوان حزينة إلى هذا الحد كم كانت تتمنى بأن تسألها عن ما يحزنها لتحاول مساعدتها لكنها كلما همت بسؤالها تذكرت وعدها لوسام فتلتزم بالصمت ناهيك عن أنه لم يُسمع لها صوت ولا همس منذ قدومهم لا تعرف السبب أيضا أهو خجلا أم حزنا ؟! ، رفعت كتفيها وتنهدت بقلة حيلة غير قادرة على مد يد العون لها إلا بأن تبهجها بفستانها الذي صممته بنفسها وجعله يبدو متألقا ومميزا لها ولأجلها فقط .








نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 23-06-20, 11:05 PM   #54

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الثاني والأربعون ..

.
.

[ العيش بحرية ]

.
.

نزل من عربته الكبيرة التي توسطت عشرات العربات والتي زينت القطع القماشية السوداء والفصوص الذهبية هيكلها الخارجي لتعطي معنا للغطرسة والبذخ فحتى ابسط الأشياء التي تخصه يغطيها بحلة الغطرسة والكبرياء لتناسب فخامته ، انتصب واقفا بكل ثقة وابتسامة تهكمية تنبئ بخطر شديد محدق قد ارتسمت على شفتيه ، يمسك عصاه ذو الرأس المصنوع من الذهب ببدلته السوداء والمصنوعة من الجلد الطبيعي ورداء قد انزلق على كتفيه ليلامس الأرض محاك من الفرو الأسود النادر وبشكل غريب ومخصص له فقط ، لتبث هيئته الرعب لكل من رآه ، نزل حينها معه أكابر القواد والملازمين من إمبراطورية البراكين والكثير من الحرس والفرسان بلباس موحد باللون الأسود والذي يشابه لون شعورهم شديدة السواد ، نُقش على بدلهم السوداء شعارهم الموحد وهو بركان صغير محاك بالخيوط الحمراء ، ليعطوا طابع القوة والسيطرة لكل الناظرين لهم من جنود وحرس الإمبراطور عامر والذي كان في استقبالهم بنفسه ، يقف بجانبه الأمير طارق بكل ثبات بنظرته الثاقبة يقف بثقة وهدوء ، وكأنه يخبره بنظراته الواثقة التي كان يرمقها به أنه يقف أمام شخص يعرفه حق المعرفة ولن يغفل عن أيا من تصرفاته ، حذر ومدقق لكل حركاته وتصرفاته مما جعل الإمبراطور جاسم يشعر بالضيق من وجود شخص مثله بقرب الإمبراطور عامر لكنه سيصل إلى مبتغاه عاجلا وليس أجل ، اتسعت ابتسامته التهكمية وقال بنبرته الخشنة والجهورية :
- الإمبراطور عامر كم طال الزمن منذ تقابلنا آخر مرة ..
ابتسم عامر بدوره وتقدم نحوه يسير بخطى ثابتة وعن يمينه طارق الحذر والذي لم تفته تصرفات جاسم وابتساماته وكلماته التي استشف الخداع والنفاق بين طياتها ، ولم يفته أي شيء فهو يتذكر تحذيرات وسام منه جيدا وبأنه مخادع ومجرم في لباس برئ يحب الخير للجميع ، قال عامر :
- أهلا بك في الإمبراطورية الخضراء أيها الإمبراطور جاسم ..
فتصافحا بقبضتين قويتين يشد كلا منهما على يد الآخر بقوة ليثبت للآخر مدى قوته ، رمق جاسم طارق بكل استصغار وقال بضحكة ساخرة متهكمة :
- يا لا العجب أهذا أبنك الصغير أيها الإمبراطور عامر لا يبدو لي كبر كثيرا رغم كل تلك السنين ..
تحلى طارق بالصبر مرتديا لباس الجمود واللا مبالاة وكأنه لم يسمع الإهانة القوية التي أهانه بها قبل قليل بأنه لازال طفلا وبالتأكيد لن يتوقع ولا حتى يتأمل بأن والده سيدافع عنه ولو ببعض الكلمات وهذا ما حدث حينها لم يتدخل ولا بقول أي كلمة ، مد يده نحوه متجاهلا لما قال وقال بنبرته العميقة والمخملية بكل ثقة ينظر إلى عينيه مباشرة :
- بصفتي الأمير طارق أرحب بك أيضا في الإمبراطورية الخضراء أيها الإمبراطور جاسم ..
وأنهى جملته بابتسامة ثقة مما جعل الإمبراطور جاسم يرمقه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه فالذي أمامه يبدو بأنه سيكون خصما ليس سهلا أبدا كوالده الذي يبدو على خلافه تماما لكن لا بأس فأصعب خطوة حققها بكل سهولة وهي تواجده المنطقي بينهم ، وقف الإمبراطور جاسم بجانب الإمبراطور عامر يتبادلون بعض الأحاديث إلى أن يأتي الإمبراطور صخر بينما نزل طارق العتبات المتراصة بكل ثبات ليحيي قواد وضباط وملازمين الإمبراطور جاسم والذين بإشارة من الإمبراطور جاسم لم يتقدم أي منهم ليحيي الإمبراطور عامر بل اصطفوا كالبنيان جنبا إلى جنب ولم يفت طارق أي من ذلك فهذه تعتبر إهانة وإجرام في حقهم كعائلة مالكة ستستضيفهم في قصرهم لأيام لا أحد يعلم كم ستطول مدتها ، فنزل طارق بنفسه يصافح الواحد تلو الآخر بابتسامة واثقة يرحب بهم ويتمنى لهم إقامة هانئة بينهم فهو من عُرف بتواضعه الشديد بجانب حكمته ورزانة عقله ، وكان يردد في كل مرة يحيي أحدهم ويصافحه بقوله بنبرته الواثقة والعميقة وابتسامة زينت شفتيه :
- أهلا بكم في موطنكم الثاني تشرفنا بقدومكم سادتي الكرام نتمنى لكم إقامة طيبة بيننا ..
مما جعل الابتسامة تعلو وجوههم المتجهمة رغما عنهم ، فكلمات طارق المليئة بالمودة وترحيبه بهم بقوله أنهم في موطنهم الثاني عنا لهم الكثير بجانب نزوله لهم بنفسه ومصافحتهم واحدا واحدا كان بمثابة الشيء الكبير الذي لم يعهدوه سابقا فهم يعاملون كالعبيد المجندين لا كالبشر الذين تسعدهم الكلمة وتبهجهم الابتسامة ، فبذكاء من طارق استطاع أن يستميل قلوبهم وفي ثوان ، فهذا شأن المتواضع يُرفع قدره أينما كان ، لكن الذي لم تفته أيضا تصرفات طارق يرمقه بغيض على تصرفاته الجريئة اخذ بشد قبضتيه بقوة مانعا نفسه من سحق طارق خصوصا بعد أن رأى الابتسامة تعلو وجوه تابعيه من قادة وملازمين وضباط ، صرَّ على أسنانه بحنق وهمس شامتا وقد برزت عروق صدغيه من الغيض ، حينها وصل موكب آخر من العربات الصفراء والنقوش البنية والتي تخص الإمبراطور صخر والذي أتى أخيرا منقضا للوضع المتأزم والذي كاد أن ينتهي بقتال ساحق بين جاسم وطارق لا محالة ، نزل الإمبراطور صخر بنفس الطريقة التي نزلها الإمبراطور جاسم بكل ثقة وعنفوان ليتبع نزوله نزول قواده والملازمين والضباط معه ، بلباسهم الموحد أيضا لكن على خلاف الإمبراطور جاسم وموكبه ، فكانوا يرتدون بدل مزجت الثلاث ألوان ، الأصفر والأبيض والبني ليعطي طابع القوة والجمود كالصخور تماما فهم أبناء إمبراطورية الصخور ، صعد طارق ليقف بجانب والده بينما الجانب الآخر استحله الإمبراطور جاسم ، صعد الإمبراطور صخر العتبات ليحيي الإمبراطور عامر وقد حضي بترحيب كالترحيب الذي حضي به الآخر حين قال له عامر :
- أهلا بك في الإمبراطورية الخضراء أيها الإمبراطور صخر ..
بادله التحية بنبرة هادئة ترجع لتقدمه في السن فقد صبغ شعره باللون الأبيض كما لحيته الطويلة البيضاء قائلا :
- لي الشرف سيدي بدعوتكم لي ..
ومن ثم صافح الإمبراطور جاسم وعندها شعر طارق بتوتر الإمبراطور صخر حين صافح الإمبراطور جاسم الذي كان يرمقه بلامبالاة وضحكته التهكمية والساخرة لم تفارق شفتيه ، وفعل حينها طارق كالذي فعله مع الإمبراطور جاسم وكل من جاء معه لكن ردة فعل الإمبراطور صخر كانت مختلفة فلقد ربت على كتف طارق بحنو وابتسامة صادقة نبعت من أعماقه فابتسم طارق له وشعر بالارتياح اتجاهه على عكس الإمبراطور جاسم الذي انقبض قلبه منذ رأته عيناه ، وبعد أن وقف الثلاث أباطرة جنبا إلى جنب تقدم طارق وبإشارة من يده تقدمت فرقة الاستقبال والتي جهزهم مسبقا ، مرتدين بدل عسكرية موحدة تخص جيش الإمبراطورية الخضراء، قاموا بعروضهم التقديمية والترحيبية باستخدام السيوف في حركات متناسقة وبتناغم تام بينهم قد أذهلهم بحق ، فكما يبدو أنهم تلقوا تدريبات مكثفة ليقوموا بكل هذا الحركات والرقصات والعروض بالسيف والرماح والأسهم والأقواس ، ختموا عرضهم بإطلاق السهام عاليا لتسقط تباعا حولهم محوطه إياهم في حلقة دائرية كبيرة ، انحنوا باحترام شديد وقالوا في صوت واحد وعال :
- مرحبا بكم في الإمبراطورية الخضراء حيث السلام عنواننا والقوة شعارنا ..
فصفق كل من كان يشاهدهم بحرارة فلقد قاموا بعرض رائع ، بينما اكتفى الإمبراطور جاسم بتصفيق بطيء يرمقهم بنظراته المتكبرة أما عامر فكان مندهشا لما قاموا بفعله فهو لم يكن يعلم بأمرهم وحتى لو علم سابقا لرفض الفكرة فهو يراها مجرد سخافة لكن طارق يبدو درس كل شيء وخطط له مسبقا لكنه راض عن الفكرة فلقد نالت إعجاب الجميع وظهر في صورة حسنة شرفته بينهم ، رمق عامر طارق الذي ذهب عند أعضاء فرقة الاستقبال ويبدو بأنه يشكرهم على أدائهم الرائع بابتسامته الهادئة فاستدار متوجها نحو البوابة الكبيرة للقصر ولم يفكر حتى بشكره على ما صنع ، دخل الأباطرة خلف الإمبراطور عامر الذي بإشارة منه تبعوه من فورهم ، في حين أمر طارق أحد حرسهم قائلا بأمر :
- ادخل القواد والضباط والملازمين جميعهم من البوابات الفرعية إلى قاعات الجهة الشرقية وافصلهم عن بعض لكي نتجنب المشاكل فيما بينهم ولا تخبر أبي بذلك ولا تنسى بأن تقدموا لهم الماء والعصير والطعام وتحسنوا ضيافتهم ..
أومأ بإيجاب وتقدم طارق ليقف أمام جموع التابعين للأباطرة من جميع الرتب العسكرية مباشرة ، قال بنبرة عميقة جهورية يقف أمامهم وكأنه واحد من الجيش من ثباته وهيئته:
- مرحبا بكم جميعا مرة أخرى بيننا نتمنى لكم قضاء أوقات رائعة معنا تفضلوا الآن بالدخول ، طبتم وطاب بقاؤكم ..
ووثب مسرعا لكي يلحق بوالده والذي قد ادخل ضيوفهم معه في إحدى قاعات الاستقبال الكبيرة في الطابق الأرضي من القصر ، أمر طارق بإحضار الشراب والعصير وبعض المقبلات لهم ودخل بكل ثبات ، جلس بجانب والده عن يمينه بينما الإمبراطور جاسم والإمبراطور صخر يجلسان مقابلا لبعضهما البعض يلتفون كلهم حول طاولة من الخشب العتيق ، وزعت حولهم أطباق الطعام من كل الأشكال والألوان وبمختلف الأصناف لتناسب كل الأذواق كضيافة بسيطة قبل الحفل الكبير المعد لهم في مساء الغد ، بدأ الجميع بتناول الطعام وقد قُدمت لهم أصناف متعددة من الحلوى والقهوة والمشروبات المختلفة كتحليه بعدها ، قال الإمبراطور جاسم في سؤال مباغت يختبر ردة فعل طارق وذكائه ويهين الإمبراطور عامر في نفس الوقت فالسؤال يجب أن يوجه له ليس لابنه :
- ما رأيك أيه الأمير فيما يجري هنا وما يجري بين الإمبراطوريات الثلاث حاليا ..
قال طارق برزانة وكل ثقة يمسك كوب العصير في يده وقد علم أن سؤال جاسم كان استجوابا أكثر من كونه استطلاع رأي ليس إلا ويدس إهاناته وسمه بين طيات كلامه :
- الكلمة هنا والرأي لدى سيدي الإمبراطور عامر ورأيي من رأيه في كل الأحوال ..
حتى وإن كان يخالف والده كثيرا لكنه والآن بالذات يجب ألا يظهر ذلك أمامهم ليستغلوا الفجوة في العلاقة فيما بينهم باعتبارهم بأنها نقطة ضعف يستغلونها كما يحلو لهم وحينها سيندمون أشد الندم على ما قد يحدث ، التفت حينها طارق إلى والده الذي كان ينظر إليه بهدوء وكأنه تفاجأ مما قال ، ابتسم طارق بثقة وقال بلباقة بنبرته المخملية :
- تفضل سيدي قل ما لديك والكلمة هنا كلمتك وحدك ..
وشدد على آخر كلمتين لِيُذكّر جاسم بأنه ضيف ليس إلا ، لا كلمة له هنا فهو في ضيافة والده وفي أرضه وقصره أيضا ، فأفلتت ضحكة ساخرة من بين شفتي جاسم وأدعى اللامبالاة بكلام طارق يكتم غيضه في صدره حين وجه نظراته إلى عامر الذي قال بثبات :
- أرى بأن نتحد سويا لرد أي خطر قد يلحق بالإمبراطوريات ونتكاتف لحماية شعبنا سويا ..
وتوقف عن الكلام ليعم الصمت الأرجاء فقال طارق مقاطعا لذلك الصمت ويعلم تماما أن ما سيقوله سيزعج والده لكن لا بأس هذه المرة ببعض المخاطرة :
- ويبقى القرار قراركم سادتي الأباطرة فمن لا يريد التعاون معنا له حرية الاختيار فنحن لا نجبر أحدا على ملا يريد ..
ورمق والده الذي هز رأسه إيجابا وكم كان شاكرا في قرارة نفسه بأن والده لم يحرجه أمامهم ، انتظروا الجواب منهم وطال الصمت بينهم مرة أخرى ، الإمبراطور جاسم ابتسامة ساخرة كانت ردة فعله الوحيدة والإمبراطور صخر كالصخرة تماما لا حركة ولا أي رد فعل صدر منه ، هز جاسم رأسه أخيرا ومقاطعا للجو المشحون وقال بتهكم شديد :
- بالطبع موافقون فنحن على ما اعتقد نتشارك في أمور كثيرة لذلك اعتقد بأننا سنستفيد كثيرا من خبرات بعضا وبالطبع مصلحة شعوبنا فوق كل شيء ..
قال صخر مباشرة بعد أن انتهى من كلامه وباختصار شديد :
- وأنا أيضا موافق ..
غضن طارق جبينه مفكرا بعمق يحلل الأحداث في رأسه فهنا شيء يحدث ليس في مكانة الصحيح وهو متأكد من ذلك ، أولا كان قدوم الإمبراطور جاسم قبل الإمبراطور صخر بالرغم من أن المسافة بين الإمبراطورية الخضراء وإمبراطورية الصخور أقل بكثير من المسافة بين الإمبراطورية الخضراء وإمبراطورية البراكين والعجيب أيضا أنهم تلقوا دعوة الإمبراطور عامر في نفس الوقت وقد قرر الاثنين التوجه إليهم في نفس الوقت أيضا فما السر يا ترى؟! وما سر قدوم الإمبراطور صخر مباشرة بعد الإمبراطور جاسم وبعد أن حضي بالترحيب؟! وكأن الإمبراطور صخر كان ينتظر إشارة من الإمبراطور جاسم ، وأيضا ما سبب توتره من الإمبراطور جاسم؟! ولماذا لا يتحدث إلا بعد أن يتحدث هو حتى في الأمور الخاصة التي تخص رأيه وأفكاره ، هل يعقل بأنه مهدد من قبل الإمبراطور جاسم أو أنه مراقب ؟! ، إذا أول خطوة له ستكون مراقبتهم في كل خطوة لهم في القصر وأن لا يغفل عن أي صغيرة وكبيرة تخصهم وبالطبع سيعمل لوحده ولن يخبر والده عن شكوكه نحوهم فهو لا يزال المجنون كثير الشك فيمن حوله في نظره ، تذكر حينها طارق أمرا قد غفل عنه وهو أمر وسام والحدود الجنوبية هل يعلم الإمبراطور جاسم ذلك أم لا ؟! وإذا علم ما الذي قد يعفله يا ترى ؟! لكن بما أنه بينهم الآن ستكون فرصة وسام الذهبية لينالها في حين غفلة من الجميع ، أفكار كثيرة ووساوس تخيفه لا يريد التغلغل فيها أكثر فسيتركها إلى حين وقتها ويثق بوسام وهذا ما سيفعله بالتأكيد .
قال الإمبراطور عامر بعد أن نهض منتصبا أمامهم :
- إذا وبعد رحلة طويلة سنأخذكم حيث سترتاحون وتنعمون ببعض الراحة وبعدها سنقيم أكبر احتفال لتعاوننا واتحادنا الذي قررناه وسنسعى جاهدين أن يليق بكم ..

*****

تقدمت بهدوء نحو الذي كان يقف أمام الشرفة الكبيرة يعطيها ظهره يتأمل الخارج في هدوء تام ، قالت باحترام شديد :
- سيدي رسالة أخرى لك ..
ارتفعت زاوية فمه في ابتسامة ساخرة وقال وهو يرفع خصلات شعره الأسود عن مرمى نظره :
- ضعيها في سلة القمامة ..
ابتلعت ريقها بخوف وقالت بتوتر شديد :
- ل..لكن س..سيدي إنها تحوي .. تحوي شعار الإمبراطور عامر الخاص ..
قال بحدة ولا يزال على نفس وضعيته لم يلتفت لها حتى الآن :
- قلت ضعيها في سلة القمامة يعني ضعيها وبدون أي نقاش ..
وأتبع جملته الآمرة بتنهيدة انزعاج شديد فما فعله لا يصح أبدا لاسيما مع هذه السيدة التي رعته منذ كان طفلا ، مربيته التي لم تتخلى عنه بل وذهبت معه وتركت القصر نزولا عند رغبته ، استدار متوجها نحوها ، وقف أمامها وقال باعتذار :
- أنا آسف لم يكن قصدي ..
أومأت مبتسمة له فهي تعرفه منذ زمن ليس بالقليل وتعرف جيدا ما الذي يزعجه وما الذي يكرهه والذي يريده ويفضله وكيفية التعامل معه ، همست مبتسمة :
- لا بأس يا سيدي الصغير ..
وضعت المغلف الذي كانت تحمله في يدها على مكتبه الواسع ، انحنت باحترام له وغادرت بعد أن همست بالاعتذار له ، تنهد مرة أخرى فهذه السيدة تعرف جيدا كيف تتعامل معه في وقت غضبه ووقت انشراحه ، سحب الكرسي بقوة ليرمي جسده عليه ، سحب الظرف والذي يعرف تماما من المرسل ، شق الظرف بقوة وبدون مبالاة ليخرج الورقة الصغيرة بداخله وتيقن أنها من طارق ذو الخط الانسيابي المميز وحبره الخاص الممزوج بلمعة الفضة والذي دائما ما يستخدمه في رسائله ، تنقلت عيناه بين سطورها سريعا ليرى أن المضمون كسابقه مع تغيير بسيط في الأسلوب فهو يعترف بأن طارق يمتلك أسلوب أقل ما يقال عنه راقي سواء كان في طلبه أو دعوته أو أي شيء ، يدعوه إلى الحضور إلى القصر واستقبال الأباطرة معهم ، ابتسم ساخرا وقال بسخرية :
- لم يبقى لي إلا أن استقبل العجائز معهم ..
وانطلقت ضحكته لتعم الأرجاء ، فطارق لم يكف عن إرسال الرسائل الواحدة تلو الأخرى له حتى بعد أن رد عليه ردا ساخرا قاسي إلا أنه لم ييأس بعد ، كم يتعجب من طارق وهدوئه وحكمته في التصرف ورزانته وضبطه لأعصابه بكل حرفية وإتقان ، يكتم غيضه ويُطيّب جرحه النازف بنفسه ويقف أمام الجميع بكل قوة وكبرياء لم يخلو يوما من التواضع ، فهو يبدو له يكبره بعشر سنوات مع أن الحقيقة تكمن في أنه هو من يكبره بما يقارب الثمان سنوات ، قال وهو يرمي الرسالة المزينة بأجمل النقوش والتي تستحق أن تعلق لجمالها في سلة القمامة بكل إهمال لتتبع الرسائل والظروف السابقة :
- هنا مكانكم جميعا إن وقفتم أمام رغباتي ..
فكم يكره تمسكهم الشديد به وتعلقهم المجنون به أيضا وكأنه يريدهم ويطلب اهتمامهم ورعايتهم ، هو لا يريد إلا أن يبتعد عنهم ويعيش حياته كما يريد وهم يكملون حياتهم بدونه وكأنه لا شيء وكم سيسعده إن نسوه نهائيا ولم يعتبروه منهم بل وسيسعده أكثر إن اعتبروه مات مع والديه ، فما أجمل العيش بحرية ودون قيود وشروط وأوامر وحدود لا يتعداها ، وأقل ما قد يوصف شعوره تجاههم أنه يكرههم أشد الكره ويمقتهم فهم أساس تدمير أحلامه كما يرى بحجة حبهم له وخوفهم الشديد على مصلحته وكأنه طفل بل وكأنه رضيع لا يعرف كيف يتصرف وما الذي يفعله ، كم يشفق على طارق فهو يستطيع أن يرى وبكل وضوح معاناته مع والده وأنه يحاول ويسعى جاهدا لينال رضاه ويثبت نفسه له ، قال بكل سخرية يهز رأسه يمينا ويسارا :
- كم هو أحمق وجبان يفني عمره كله ليثبت نفسه لشخص لا يراه من أساسه .. غبي ومعتوه ..
هذا هو رأيه في طارق ابن عمه الذي لن يتغير والذي لا يرى إلا أنه يضيع وقته ويفني عمره يطارد السراب وكم يتمنى بأن يلتفت لنفسه ويحقق رغباته الشخصية لوحده ولا يهتم لرأي أي شخص ومهما كان فباعتقاده أن لكل واحد منا حياته الخاصة له هو وحده يشكلها كيفما شاء وبما يراه صحيحا ومريحا ويتناسب مع رغباته وطموحاته وإمكانياته وأن يعزل الآخرين عن كل شيء يخصه فهكذا هو يصنع حياته وسيصنعها بعيدا عن الجميع وتدخلاتهم .








نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..





روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 23-06-20, 11:07 PM   #55

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الثالث والأربعون ..

.
.

[ الوردة الذابلة ]

.
.

مع هبوب نسمات الليل الباردة تراقصت أوراق الشجر بتناغم وخفة ، سكنت الأصوات وانعدمت الحركة في الطرقات وآوى كل فرد إلى منزله الدافئ ليغطوا في نوم عميق ، سطعت النجوم البعيدة في السماء الصافية لتزيدها جمالا عندما قاربت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل كان يقف أمام باب المخيطة يحمل كيسا ممتلئا بالطعام يتأمل بصمت كل ما حوله ، عينيه باهتتين وجهه ازداد شحوبا ، زفر بغيض ثم رفع أنامل يده ليدخلها بين خصلات شعره البنية مبعثرا إياها في كل اتجاه دلالة على ضجره الشديد ، أخذ نفسا عميقا قبل أن يطرق الباب بخفة بالغة فالمنزل ليس بمنزله والوقت الآن الليل لكان فعل كما فعل منذ قدومه نهارا دخل دون طرق ، أمسك بالمقبض ليفتحه بخفة ، ادخل قدمه اليمنى ثم اتبعها باليسرى إلى أن دخل في تلك الغرفة متوسطة الحجم التي تحتوي على أريكتين مقابلتين لبعضهما البعض يتوسطها طاولة من الخشب ورفوف تمتد إلى السقف مليئة بلفائف الأقمشة والخيوط والشرائط ، أغلق الباب خلفه بهدوء شديد ، جال بعينيه العسليتين التي أرهقها السهر في جميع الأرجاء ليتفاجأ بعدم وجود أي شخص فيها ، تقدم بخطوات كسولة ناحية إحدى الأرائك ليقف فجأة ويستدير ببطء ينظر ناحية اليسار حيث سمع أصوات ضحكات تعالت من خلف ذلك الباب المغلق ، علم حينها أنهن لازلن بالداخل ، أقترب أكثر ناحية الباب لا يدري لماذا لكن دفعه الفضول ليستمع إلى صوت أحدهم ربما ، توقف لكنه لم يسمع إلا صوت هالة وتلك العجوز وكأنهن لوحدهن بالداخل ، كم تمنى بأن يسمع صوتها تضحك معهن لكن آماله قد خابت كيف وهي مرغمة على الزواج بشخص لا تريده بسنها الصغير هذا لا وزد على ذلك يخيطون لها فستان زفافها الذي بالتأكيد تعتبره ككفنها وليس كفستان فرح ، هز رأسه بأسى ما الذي كان يتوقعه ؟! اخفض رأسه ثم توجه نحو الطاولة ووضع كيس الطعام ثم ارتمى بثقله كله على الأريكة المقابلة مسندا رأسه على حافتها مغمضا العينين وقد اضطرب تنفسه أكثر وبشكل ملحوظ ، فتحت هالة الباب قائلة بين ضحكاتها التي لم تتوقف :
- انتظري انتظري يا خالتي سأحضر المزيد من الخيوط وأكمل لكم ماذا فعل بي بعدها لا تصدقين لق....
توقفت عن الضحك والكلام بعد أن لمحت تلك الجثة الهامدة المرتمية على الأريكة بإرهاق شديد والتي لم يكن إلا وسام ببشرته الشاحبة وخصلات شعره البني المتناثرة، تقدمت نحوه وقالت بابتسامة :
- أهلا بعودتك سيدي ..
فتح عينه اليمنى فقط ونظر إليها ثم أماء برأسه بخفة وقال ببرود شديد واختصار أشد :
- أحضرت بعض الطعام ..
شهقت هالة بفرح اجتاح قلبها وقالت بسعادة :
- أشكرك حقا يا سيدي لقد أتى في وقته فنحن جائعات حد الموت وكما يبدو بأن أرجوان أكثرنا جوعا فهي لم تتناول شيئا منذ وصولكم ..
عندما أنهت جملتها اعتدل في جلسته مستندا بذراعيه على ركبتيه واخذ ينظر إليها ببرود صقيعي ، أقالت أرجوان ؟! إذا هذا هو اسمها لكن لماذا بدا عليه الاهتمام فهي لن تستمر بالعيش معه طويلا ولن يهتم باسمها ولا أي شيء يخصها ، ابتسم بخفوت ساخرا وقال بنبرة هادئة باردة لا يتقنها أحد سواه وقد تخللها بعض الحزن بعد أن ابعد نظره عنها :
- أهي بخير .. ؟!
لا يعرف لماذا سألها هذا السؤال لكن كل ما كان يشعر به هو تأنيب الضمير والشفقة عليها ليس إلا، ابتسمت هالة وهي تنظر إليه وكيف يبعد نظره عنها ، لقد علمت بأن أمرها يهمه رغم الظروف الغامضة وتصرفاته الغريبة نحوها وتصرفاتها الأغرب نحو الموضوع بأكمله ، قالت بسعادة :
- نعم يا سيدي لا تقلق فهي تبدو سعيدة معنا كما أن ميمي أحبتها كثيرا ..
عاد ينظر إليها وقد اعتلت ملامحه اللا مبالية بعض الدهشة ، أقالت ميمي أحبتها ؟! يا إلهي كم هذا مطمئن للغاية فيبدو بأنهن انسجمن حقا معا ، كم سيسهل عليه الأمر كثيرا في المستقبل إذ أنه فكر بأن يبقيها معهم أغلب الوقت بينما هو يعيش حياته المعتادة بين المعسكرات التدريبية وزيارتهم من حين لآخر ليتفقد الأوضاع فقط لكن الآن عليهم العودة إلى قصر السيد مازن قبل طلوع الفجر لأن الزواج بات قريبا بل أقرب من القريب ففي مساء الغد سوف يتم زفافه المزعوم ، زفر بغيض ثم عاد إلى وضعيته السابقة بهدوء مميت ، ارجع رأسه للخلف يسنده على حافة الأريكة يغمض عينيه المتعبتين ، تقدمت هالة وجذبت كيس الطعام ولا نقول أنها كانت قلقة أو متوترة في سير خطواتها ونظراتها التي كانت ترمق وسام بها بل كانت مذعورة بشدة من تلك الهالة المخيفة الباردة التي تحيط به وهدوئه المخيف بملامحه الغاضبة والباردة بوجهه شديد الشحوب ، هي لا تعرف من يكون وسام حقا لكنها متأكدة أن هناك خطبا ما لا تدركه هي ، أمر خطير حدث له جعله يبدو بهذا المظهر المخيف ، تتذكر تماما ذلك اليوم الذي أتى لمساعدتها وعندما وجدت ميمي معه لم يكن يبدو بمثل هذا المنظر البتة ، تنهدت ورفعت كتفيها بقلة حيلة لا تعلم ما الذي يتوجب عليها فعله في حين خرجت العجوز من الغرفة تحدثت بنبرتها الحنونة :
- هالة بُنيتي سأتوجه إلى دورة المياه ..
التفتت نحوها وقالت بابتسامة :
- اعتبري المنزل منزلك يا خالتي وكم يسعدني بأن تباتوا الليلة عندي جميعكم ..
سارت بخطوات ضعيفة لكبر سنها ثم توقفت عندما لمحت وسام يجلس على الأريكة ينظر إلى كفه الأيسر وإلى ذلك الجرح الذي لا يزال ينزف مقطبا حاجبيه بقليل من الضجر والألم ، حيته بلطف قائلة :
- أهلا بعودتك يا بني ..
رفع نظره ناحيتها أقالت يا بُني ؟! هل اعتبرته حقا ابنها ؟! رغم الظروف القاسية التي جمعتهم ؟! ورغم أفعاله التي لا تدل إلا على أنه هو الشرير الذي أفسد حياتها وحياة صغيرتها كما تقول ؟! يااه ما أجمل كبار السن وما أحن قلوبهم لا يعرفون للحقد طريق ، صادقين في بث مشاعرهم وكلماتهم ، لم يعلم ما الذي يتوجب عليه قوله لكنه اخفض نظره وعاد ينظر إلى جرحه بهدوء شديد ، توجت العجوز نحو دورة المياه في حين دخلت هالة إلى المطبخ تحمل كيس الطعام ، نهض وسام بخطوات كسولة وبكل خفة توجه نحو إحدى الغرف فهناك شيء يجب أن يقوله لشخص ما علَّ ضميره يرتاح قليلا ، فتح الباب بهدوء وقبل أن يغلقه خلفه ألقى نظرة سريعة بعينيه الحادتين الحذرتين خارجا لكي يتأكد أن لا أحد يراقبه ، جال بنظره في الغرفة باحثا عن هدفه إلى أن توقفت أنظاره نحو النافذة الزجاجية ذات الستائر الحمراء المطرزة بالخيوط الذهبية ليجد ضالته تجلس على حافتها مسنده رأسها على زجاجها تنظر للخارج بشرود ، تحتضن قدميها إلى صدرها وكم بدت حزينة ومتعبة ، وجهها شاحب آثار السواد ظهرت أسفل عينيها الحمراوتين أثر البكاء ، دموعها لا تزال عالقة في رموشها الكثيفة والطويلة ، وأبسط ما قد يصف حالتها هو أنها كوردة جميلة لكنها ذابلة وباهتة ، وضع يده على كتفها لتجفل من الصدمة والخوف ، التفتت بسرعة ونظرت إليه بصدمة ودهشة لم تستطع أن تخفيها قد اعتلت ملامحها الجميلة والحزينة لتجد أنه لم يكن إلا وسام منتصبا يقف أمامها بطول قامته وجسده العضلي ببنيته الضخمة واضعا يده على كتفها ينظر إليها ببرود شديد ، كيف دخل ولم تسمع له أي صوت ؟! لماذا ليس لوقع أقدامه أي ضجيج ؟! ولماذا لم يصدر الباب أي صرير ؟! من يكون يا ترى هذا الشخص الذي ابتلت به ؟! ، تأملته لثوان فوجدت أن حالته لم تكن أفضل من حالتها بل كان شاحب الوجه بنظراته الحادة التي ارتكزت في عينيها الواسعتان ، انحنى واقترب منها أكثر فأشاحت وجهها وأغمضت عيناها بحركة لا أراديه خوفا منه ليهمس لها بنبرته الباردة قائلا :
- هناك قرابة العشر رجال ملتفين حول هذه المكان ويبدو بأنهم نخبة من الجنود المسلحين ..
فتحت عيناها ببطء شديد تنظر إليه مستغربة فلماذا يقول لها هذا ؟! وما شأنها ؟! وما الذي يرمي إليه بإخبارها ؟! أكمل قائلا بنفس النبرة لكنها قد احتدت أكثر :
- هل تعرفين لماذا هم يراقبوننا ؟! وهل تعرفين هوياتهم ومن أرسلهم لتتبعنا ..؟!
اتسعت عيناها غير قادرة على استيعاب أسئلته هل هو يتهمها الآن بأن لها صلة بهم ؟! أو هي التي أمرتهم بتتبعهم ؟! وإذا كانت تعرفهم فمن أين تعرف من هم أو من أرسلهم فهذه أول مرة تخرج من ذلك القصر الذي بقيت أغلب عمرها فيه كخادمة وضيعة ، ضغط بأنامله كتفها وهزها وعينيه الحادتين مرتكزتان في عينيها وكأنه يقول لها تكلمي بسرعة ، هزت رأسها بقوة نافية ذلك تماما مما جعله يتنهد ، أغمض عينيه وكأنه يستجمع قواه ثم عاد بنظره نحوها وهو يعتدل في وقفته قائلا بنبرة باردة ومحذرة :
- سأعرف كل ما يدور حولك فأنا لست بغبي لكي أصدق تلك المسرحية والتمثيلية التي يمثلها السيد مازن وأسرته بأنك إحدى أفراد العائلة وأعلم تماما بأنك تخفين شيئا ..
استدار متوجها بخطوات كسولة نحو رفوف وأدراج خشبية مصطفة في ركن الغرفة فتح إحداهم وكأنه يحفظ المكان منذ زمن طويل ، اخرج ضمادة وقطعة قماش ثم فتح الآخر ليخرج مقص وبعض المعقمات ، قال بنبرة هامسة ساخرة كأنه يحدث نفسه بها :
- ألا تزال تحتفظ بنفس الترتيب ..؟!
راقبته أرجوان بعينيها الواسعتين الرماديتين التي عكست مدى خوفها ودهشتها من تصرفاته وسمعت همسه بوضوح ليزداد خوفها وارتباكها ودهشتها ، هل يعرف هالة سابقا ؟! لا ويحفظ الأدراج ومحتوياتها ؟! من يكون يا ترى وما علاقته بهالة ؟! هل يعقل أن يكون هو زوجها السابق يا ترى ؟! ذلك الزوج الذي طلقها وسبب لها الحزن العميق في قلبها ؟! ، هذا ما كانت تفكر به حينها فهزت رأسها طاردة لتلك الأفكار ولماذا هي تهتم إن كان هو زوجها السابق أم لا ؟! هذا ما كانت تتمتم لنفسها به لكنها لم تكن إلا تكذب على نفسها فقد زاد فضولها نحو معرفة قصته وعلاقته بهالة ، ربما لأنها عرفت بأن مصيرها سوف يكون كمصير هالة أو هما بالفعل ستكونان طليقتان من نفس الرجل .... قطع أفكارها صوته وهو يتنهد بتعب شديد وهو يلف الضماد على كفه المجروح إنها بالفعل لم تنتبه لذلك الجرح الذي لا زال ينزف ربما أنه تقاتل مع احدهم أو ربما أولائك الجنود المسلحين الذين تكلم عنهم قبل قليل ، قال لها بهدوء شديد ونظره على ما يفعل :
- لقد اخل السيد مازن بشرط السيد رأفت وهو تزويجي بإحدى ابنتيه على شرط بأن تكون تلك المنطقة تابعة لي ومن ثم تابعة للإمبراطور عامر ، استطيع مقاضاته بكذبته الكبيرة وتزويره لأوراقك والادعاء بأنك إحدى ابنتيه ومن ثم إعادتك بسلام إلى حيث تنتمين لكنني لا أملك الوقت لذلك فقد تطول مدة العهد ويتأخر الشرط بيننا أكثر وأكثر ولن يساعدني ذلك فيما أريد فكل ما أريده الآن هو انضمام السيد رأفت لي وإتباع أوامري بأقصى سرعة لذلك سنكمل هذه السخافة معا إلى أن يحين وقت تحركي ..
رمشت عدة مرات في محاولة أن تدرك وتستوعب ما قاله ، الآن وفقط هي تعلم لماذا أجبرت على الزواج وأدركت تماما قصة عريس الغفلة هذا الذي أتى بدون سابق إنذار لقد علمت كل ما يجري وعلمت بالشرط والعهد الذي بينهم والأهم من ذلك كله علمت بأنها هي الضحية الوحيدة بينهم في كل هذه القصة الطويلة فهي الطرف الخاسر دائما ، لكن يا ترى لماذا يخبرها بهذا الآن ؟! هل أشفق على حالها وأراد أن يرحمها من البكاء بأن يخبرها بكل ما جرى ؟! ، تنهدت بقلة حيلة فهي في الآونة الأخيرة لم تعد تفهم أي شيء من حولها ولا تكف من طرح الأسئلة التي لم تتلقى أي رد أو جوابا عليها قد يريحها ،
سار متوجها نحو الباب بخطواته الكسولة الهادئة ذات النغمة المميزة ثم استدار رامقا إياها بنظرة حادة وقال ببرودة المميت :
- وإلى ذلك الحين سأحرص على كشف كل أوراقك ..
بعد تلك المحادثة بينه وبينها والتي لم يكن أحد غيره يتحدث فيها تأكدت شكوكه وتيقن حدسه فقد علم منذ البداية بأنها هي الشخص المراقب وليس هو فلقد ذهب إلى المعسكر ولم يلحظ أي ظل شخص يراقبه إذا لابد من أنها تخفي شيئا ويجب عليه معرفته ، ما هذا الشيء الذي يجعل شخصا مجهولا يرسل نخبة من المقاتلين ومجهزين بأحدث الأسلحة وأقواها يراقبون تلك الطفلة ؟! ليس اهتماما منه بها وإنما كونه حرصا وحذرا أكثر فهذا هو طبعه لا يثق بأي أحد بسهولة ، قد يكون ذلك بسبب ماضيه الذي مر به في صغره فقرر بأن لا يتكرر نفس الأمر مرتان ، خرج وأغلق الباب بهدوء يجب عليه معرفة كل ما يجري حوله فهو بالتأكيد لن يسلم من مكر الإمبراطور جاسم له خصوصا بعد أن علم بأن هذه المنطقة وبالتحديد التي كان يريدها بشدة ويرغب في امتلاكها بكل ما أوتي من قوة أصبحت تابعه له ، يجب أن يكون أكثر حذرا في هذه الفترة متنبها لكل المتغيرات التي تطرأ حوله ، بينما من تركها خلفه تتضارب مشاعرها في قلبها الصغير سرعان ما انهمرت تلك الدمعات الحارة على وجنتيها ، كيف يكون هذا الشخص هو نفسه الذي قالت لها هالة بأنه أوصاها بها ؟! أي حدة هذه وأي أسلوب فض هو ذاك الذي يستخدمه معها !! هل هددها الآن بأنه سيعلم كل شيء حولها ؟! حتى تلك الأمور التي حاولت جاهدة بأن تخفيها عن الجميع ؟! هل سيكشف كل أوراقها كما قال ثم يرميها بعيدا ويتلذذ بطعم النصر لوحده بينما يترك لها الحسرات والآهات والآلام الحزينة !! سحقا سحقا ، أخفضت رأسها بأسى شديد على حالها ورفعت أناملها لتتفاجأ بوجود علبة صغيرة في حضنها ، اتسعت عيناها الرمادية بدهشة وتوقفت دموعها عن السريان على خديها الحمراوان لوهلة ، رمشت عدة مرات ورمقتها باستغراب ودهشة ، علبة فخمة ذات شكل هندسي ثماني ذات لون أسود مغطاة بقماش من المخمل منقوش بنقوش فضية ومزين بفصوص من الكريستال اللامع ، من أين جاءت هذه العلبة ؟! هذا ما كانت تنطق به ملامحها التي لا تخفي شيء بل تبوح بكل ما في جوفها ، مدت أناملها المرتجفة وأمسكتها ، أخذت تقلبها يمينا وشمالا لم تعرف كيف تفتحها ، قطبت حاجبيها بضيق ثم سرعان ما اتسعت عيناها عند رؤيتها لقفل حديدي صغير يبدو شكله كتاج صغير يقع أعلى العلبة وفي منتصفها بالتحديد ، ابتسمت لا إراديا ثم تبعتها بضحكة مبحوحة وكأنها لم تكن تبكي قبل قليل كم كان شكله ظريف للغاية ، أمسكت بذلك التاج الصغير وأخذت تحركه لكنه لم يتحرك ، تنهدت بقلة حيلة يبدو أنها لن تستطيع فتحه ومعرفة ما بداخله ، ضغطت بأناملها بضيق على العلبة بعد محاولات كثيرة لفتحه وكانت فاشلة لتضغط على التاج بحركة غير مقصودة لتنفتح العلبة وتتقسم لأربع أقسام ليظهر وسطها خاتم بكريستالة لامعه تنعكس فيها ألوان الطيف السبعة شديدة الجمال لكنه لم يكن أي خاتم بل هو خاتم زواج ، اتسعت عيناها بدهشة وصدمة في آن واحد لما تراه أمام عينيها ، كم كان شكله جميل وجذاب ويبدو باهض الثمن لم تتوقع أبدا ذلك منه هل هو حقا يعتبرها زوجه له ؟! ألم يقل سابقا بأنها مجرد ضيفة مؤقتة عنده ؟! أبعدت كل تلك الأفكار عن رأسها بهزه يمينا وشمالا فكم أرهقها التفكير في الآونة الأخيرة ، ابتسمت ببلاهة وأمسكته بأناملها لتخرجه بحركة سريعة ، أخذت تقلبه بسعادة بيديها والبسمة ارتسمت على شفتيها أخيرا ودموعها لا تزال عالقة بطرف رموشها ، أدخلته في بنصرها لتشهق بدهشة لقد كان على مقاس أصبعها بالتمام !! يا إلهي وكأنه فُصل خصيصا لها ، ولم يكن ذلك صعبا على وسام أبدا فقط كل ما كان يحتاجه هو مسك يدها لكي يعرف مقاس كل إصبع من أصابعها وقد فعل ذلك حقا عندما تعثرت من على درجات العربة وكان ذلك سبب شده على أناملها الصغيرة بقبضته ، أما هي فبقيت على نفس حالتها تتساءل كيف علم بمقاس إصبعها يا ترى ؟! هل هو لها حقا ؟! وكيف... قطع تساؤلاتها تلك ودهشتها سماعها لمقبض الباب يتحرك ، نظرت نحو الباب ثم أعادت نظرها إلى أناملها رامقه خاتمها وبحركة سريعة نزعته وأدخلته في علبته وسرعان ما أغلقت العلبة بمجرد وضعها الخاتم في مكانه المخصص له ، ابتسمت بسعادة فلقد كان تصميم العلبة فخم جدا وراقيا لم تتوقع أن تقتني علبه مثلها ولم تتخيل بأن أحدا سيعطيها مثل ذلك الخاتم الجميل يوما ما ، اخفت العلبة ووضعتها خلف الستارة لتطل هالة من خلف الباب تحمل سلال تحتوي على الكثير من الأقمشة والشرائط والخيوط مما أعاق حركتها ومنعها من الدخول ، نهضت أرجوان بسرعة متوجهة نحوها والابتسامة لا تزال مرتسمة على شفتيها الممتلئتين الورديتين ، حملت بعض السلال لتبتسم هالة قائلة لها :
- حبيبتي أرجوان أشكرك على مساعدتي لقد أتعبتك معي ..
هزت أرجوان رأسها نافية لقولها وسارت أمامها ووضعت السلال فوق الطاولة الخشبية ثم قالت لها هالة وهي تشير بنظرها خارجا :
- أرجوك أرجوان هلا أحضرتي لي صندوق الكريستالات واللؤلؤ من هناك ، تجدينه في الرف الرابع من الأسفل الدرج الأيمن ..
هزت رأسها إيجابا ببسمة لطيفة وخرجت لإحضارها وكان أو خروج لها من الغرفة منذ وصولهم ، تنقلت ببصرها في أرجاء غرفة المعيشة لتقع أخيرا على تلك الرفوف المصطفة ، اقتربت بخفة لتتفاجأ بوجود وسام مستلقيا بتعب شديد على الأريكة التي تقع جانب الرفوف مباشرة واضعا ذراعه على عينيه مغطيا إياها وكم بدا وجهه شاحبا جدا ، خصلات شعره البنية متدلية على جبينه بعشوائية أما تنفسه فكأنه كان ميتا لشدة هدوئه وسكونه وتلك الضمادة البيضاء التي كان يلف بها كفه قد امتلأت بالدماء وكم بدا عليه التعب واضحا من هيئته تلك ، ارتبكت قليلا وأخذت تسير بخطوات سريعة متعثرة وعيناها لا تزال معلقة عليه تنظر إليه بخوف ، لقد أرادت ألا تصدر أي إزعاج كي لا تلفت انتباهه ، وضنت بخطواتها تلك أنها تسير بخفة لكنها أخطأت التقدير كثيرا فكم كانت خطواتها مسموعة وواضحة ومزعجة بالنسبة لوسام المستلقي دون أي حركة ، نظرت بارتباك نحو الأدراج والرفوف لقد نسيت ما قالته لها هالة من خوفها الذي دب في قلبها لرؤية وسام ، شحب وجهها وزادت نبضات قلبها في الخفقان ضمت يديها إلى صدرها ، ماذا تفعل الآن ؟! تنهدت محاوله السيطرة على توترها وأغمضت عيناها ، حينها تذكرت قول هالة لها ، توجهت للرف الرابع وفتحت الدرج الأيمن لتخرج الصندوق المطلوب منها ، ابتسمت وتنهدت بارتياح أغلقت الدرج بسرعة واستدارت ، في هذه اللحظة استطاعت السيطرة على خطواتها وسارت بخفة في حين استدارت ببطء ترمق وسام المستلقي بنظرة سريعة ، فجأة وفي غمضه عين وجدت نفسها تتهاوى وتقترب من الأرض بسرعة لا تعلم متى لكن قدمها علقت بطرف السجاد لم تنتبه لوجوده ولم تراه لأنها كانت تستدير برأسها ترمق وسام بنظراتها ، أفلتت العلبة من يدها لتتناثر حبات الخرز على الأرض بكل عشوائية ، أغمضت عيناها بخوف لم تعد تمتلك القدرة على السيطرة على جسمها لكنها شعرت بكل شيء حولها توقف لم تعد تتحرك كانت ثابتة تماما ما الذي يجري ؟! كان من المفترض أن تسقط على الأرض، ولم يُسمع إلا صوت ارتطام الصندوق الذي كانت تحمله بالأرض وصوت تناثر حبات اللؤلؤ والخرز أرضا مصدرة رنينا متناغما ، فتحت عيناها لترى نفس ذلك الموقف الذي حدث ظهر اليوم وجدت نفسها بين ذراعي وسام في حضنه تقريبا محكما الإمساك بها ، يا إلهي نفس الموقف يحدث مرتين في نفس اليوم أي حماقة هذه كم كان موقفها سخيفا للغاية، شهقت بصدمة تنظر إليه برعب والذي كان بدوره ينظر إليها بهدوء شديد بعينيه المنهكتين من أثر السهر ، دفعت صدره بقوة بأناملها لكنه لم يتحرك قيد أنمله بل أحكم القبض على كتفيها وشدها مجبرا إياها على الجلوس على الأرض بخفة لتجفل من الصدمة وتنصاع له بدون أي مقاومة ، أغمض وسام عينيه وقد لاحظ مدى الرعب الذي اجتاح قلبها بمجرد النظر إلى عينيها الواسعتان ، أرخى من قبضته وتركها ونهض مستديرا متوجها نحو الأريكة التي كان مستلقيا عليها ثم قال بصوته ذو النبرة الهادئة والباردة التي تميزه عن غيره وبرنة موسيقية تأسر السامع لها :
- كوني أكثر حذرا في المرة القادمة ..
علت أنفاسها وزادت نبضات قلبها في الخفقان ، بقيت على حالتها جالسة لتعلن دموعها تمردها على خديها ، كانت تشعر بخوف شديد ظنت عندما رأته سابقا مستلقيا على ظهره بأنه ميت من شدة هدوئه كيف نهض وانتقل فجأة وبسرعة سار نحوها وامسك بها ؟! أخذت تحاول منع شهقاتها الصغيرة في حين خرجت هالة مسرعه ومتوجهة نحوها بملامح مصدومة بعد سماعها لكل تلك الجلبة ، جلست أمامها مستندة على ركبتيها ، مدت ذراعيها وضمتها بقوة نحو صدرها وهي تقول بنبرة متأثرة :
- أرجوان عزيزتي هل أنتِ بخير ؟! أنا آسفة الخطأ خطئي والذنب ذنبي لم يكن يتوجب علي أن أطلبك وأتعبك في إحضار الصندوق أنا آسفة حقا لقد تسببت في أذيتك اخبريني ما الذي يؤلمك .. ؟!
هزت أرجوان رأسها وهي تمسح دموعها بأناملها المرتجفة ، أنه حقا يجيد إدخال الرعب في قلبها وإنزال دموعها بسرعة ، أمسكت هالة بيديها ورمقت وسام بنظرة سريعة متسائلة مستنكرة قبل أن تسحبها لكي تنهض، توجهتا إلى تلك الغرفة ودخلا إلى الداخل سويه ، عم الصمت والسكون أرجاء الغرفة وهالة البرود تلك حول وسام تزداد شيئا فشيئا وتزداد رعبا ، نهض بسرعة متوجها للخارج فبقائه هنا أصبح يخنقه ويزيد من حنقه إذ أنه دائما يشعر بأنه المذنب الوحيد والمخطئ دائما ، لماذا لا يفهمه أحد أو يشعر به على الأقل ويرحمه قليلا من معاناته هذه ؟! أمسك مقبض الباب بأنامله فالتفت سريعا حين سمع ضجيجا في الجانب الآخر، وقعت أنظاره على مرآة بإطار خشبي معلقة على الجدار رأى انعكاس وجهه فيها ، ابتسم نصف ابتسامة ليهمس بسخرية لاذعة لنفسه :
- ها قد عاود الظهور ذلك الشبح وبعد غياب طويل ..
أطلق آآهه متعبة حزينة مليئة بشتى أنواع الأسى ثم فتح الباب وخرج وقد نسي أمر الصوت الذي سمعه وولى هاربا من المنزل يجلس على عتبات الباب ببرود مميت اعتلى ملامحه الشاحبة .






نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 04-07-20, 07:24 PM   #56

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الرابع والأربعون ..

.
.

[ بدايات الصباح ]

.
.

دنى الليل بسواده القاتم ونسماته الباردة فسطعت النجوم في السماء الواسعة حينها حلت لحظات قليلة تكاد تنعدم ، هي تلك اللحظات التي سكن كل اضطراب وكل فزع وكل خوف من المستقبل المجهول ، لحظات أعادت ذكريات جميلة مع نسمات لطيفة داعبت أوراق الشجر لتشدو بلحن يعزف أوتار الهدوء والسكينة على قلوب مثقلة بهمومها وعيون ذاقت طعم السهر المر وأرواح ذبلت لحلمها الضائع بين واقع وخيال فما لبثت تلك اللحظات الهادئة إلا قليلا حتى تسللت تلك الأشعة الصفراء لتطرق باب كل منزل وتزعج كل من كان يحلم ليلا لتخبره بأن وقت الأحلام قد انتهى وحل الصباح ليعلن للجميع بدء وقت تحقيق الأحلام والمضي قدما في الواقع والتعايش مع أوضاع الحياة بحلوها ومرها ، قطب حاجبيه منزعجا ووضع ذراعه على عينيه ليبعد ذلك الضوء المزعج لكنها أبت أن تتركه وشأنه ، فتح عينيه بصعوبة واعتدل في جلسته ، وجهه لم يقل شحوبا عن سابقه بخصلات شعرة البنية المنسابة على جبينه بكل عنفوان ، التفت يمينا وشمالا غير مدركا أين هو ، لم يرى حوله سوى الأشجار والعشب وبعض الأزهار الوردية والحمراء ، تنهد بألم واسند رأسه على جدار المنزل الذي خلفه ، تذكر حينها أنه خلف منزل هالة لكنه لم يدرك كيف نام فهو كان أشبه بالإغماء فثلاث ليال متواصلة لم يذق طعما للنوم والراحة فيها ، تمنى بأنه لم يستيقظ فقد ظن أن كل تلك الأحداث كانت مجرد حلم أو بالأحرى كابوس مرعب لكنها الحقيقة التي لا مفر منها ، اخذ يتجول بعينيه العسلية في السماء الصافية والى تلك الطيور المحلقة في السماء لتشدو بلحن عذب يجبر كل من سمعه على الابتسام ، إنه الصباح وبدايات الصباح الجميلة ، ابتسم رغما عنه عندما سمع أصوات لأطفال يلعبون ويصرخون بعيدا لكن أصواتهم تصله بكل وضوح ، أكثر شيء حرم منه هو طفولته .. طفولته الضائعة التي مرت عليه من أسوء الأحداث حرم فيها من كل شيء لا ضحك فيها ولا لعب لا صراخ ولا مرح ، تنهد للمرة العاشرة واتبعها بالعشرين حتى المئة عندما تذكر أن اليوم هو يوم الزفاف ، يوم زفافه !! أي يوم هذا الذي ينتظره ؟! لم يعتقد بأن يكون العريس بمثل هذا الحزن والكآبة في اليوم الذي يجب أن يكون فيه أسعد إنسان على الكرة الأرضية، كان يضن أنه من أجمل الأيام سوف يكون وخابت كل ظنونه ، ضرب جبينه وأخذ يضحك بنبرة هادئة وهو يتمتم لنفسه بأسى شديد قائلا :
- سحقا لك يا وسام ولأفكارك أتظن بأنك ستعيش كإنسان في يوم من الأيام ..؟!
تنهد وهز رأسه بقلة حيلة ثم انتصب واقفا متجاهلا لكل شيء وادخل يديه في جيوب معطفه ، توجه جهة الباب بخطواته الكسولة فتحه بهدوء ونظر في كل ناحية ، لم يسمع أي صوت ولم يكد يرى أي شيء لانعدام الإضاءة في الداخل فلابد من أنهن مازلن نائمات ، أغلق الباب خلفه وتوجه إلى تلك الغرفة التي كان بابها مفتوحا قليلا ، دفع الباب بخفة لترتسم على شفتيه ابتسامة غلبته ولا يعلم أهي ابتسامة سخرية أم حسرة على حاله الذي وصل إليه أم يأس أصاب قلبه لرؤية ذلك المنظر حيث كانت هالة تنام على الأرض حولها مجموعة من الأقمشة تحمل في يدها المقص وعدة شرائط وأمامها دمية من الخشب تستخدم لخياطة الثياب عليها وعليها فستان الزفاف الذي لم يتبقى سوى بعض الزينات البسيطة وينتهي أما في الجهة الأخرى وبالتحديد على الأريكة كانت السيدة العجوز مستلقية براحة وتغط في نوم عميق تضم بين يديها ميمي الصغيرة ، وقبل أن يهم بالمغادرة وقعت أنظاره على النافذة وتلك التي تجلس على حافتها مسنده برأسها على زجاجها تضم ساقيها إلى صدرها ويبدو بأنها الوحيدة التي لم تهنأ بنومها أيضا لكنها على ما يبدو نامت بشكل من الأشكال، أغلق الباب خلفه ورمى معطفه على أقرب أريكة ، دخل إلى الحمام لكي يطفأ غضبه وحزنه وألمه وتلك النيران التي تشتعل في صدره بالمياه الباردة علها تخفف منها قليلا ، خرج مرتديا ثيابه التي احضرها معه البارحة قميصه الأسود بدون أكمام لتظهر عضلات يده بكل وضوح وبنطال أسود مع ثلاث أحزمة التفت حول خصره مجهزة بجيوب وغمدان لسيفاه بحذاء من الجلد الأسود اللامع طويلة تصل إلى أسفل ركبتيه ، ادخل أنامله الطويلة في شعره المبلل مبعدا تلك الخصلات عن جبينه يحركها بشكل عشوائي لتتساقط تلك القطرات العالقة في خصلاته في كل اتجاه في حين لمح تلك التي تقف عند باب الغرفة بخجل بفستانها البنفسجي وعيناها الواسعتان الرمادية التي عكست مدى خوفها وخجلها وإرهاقها فكما يبدو بأنها بكت كثيرا ، كادت أن تدخل بسرعة إلى الداخل لولا مقاطعة وسام لها بكلماته قائلا بصوته ذو النبرة الموسيقية الهادئة الباردة :
- سوف ننطلق ونتوجه إلى قصر السيد مازن ظهر اليوم ..
أماءت رأسها بخجل وارتباك واضح لم ترد أن ترفض أو تعترض فيبدو أنها اقتنعت بواقعها ثم استدارت سريعا وسارت بخطوات متعثرة ناحية الغرفة لتنجو بنفسها .
- أتريدين شيئا .. ؟!
اتسعت عيناها وأجفلت من الصدمة ، توقفت أطرافها عن الحركة وسرت رعشة خفية في جسدها ، لم تستوعب كلماته الهادئة ولم تعلم ما الذي يقصده بها فلم تستطع سوى أن تومئ برأسها نفيا بارتباك ملحوظ وهي تعطيه ظهرها وتضم يديها إلى صدرها بخوف شديد على خلاف وسام الذي تنهد بانزعاج من نفسه ومن كل شيء حوله وخرج من المنزل برمته ، أغلقت الباب خلفها بقوة متجاهله لكل من يتواجد بداخلها ، دقات قلبها أبت أن تهدأ فوضعت يدها على صدرها تتنفس بصعوبة أحست حينها أن قلبها سيخرج من مكانه كم كانت نبرته هادئة وباردة وكأنها تسمعها للمرة الأولى كم يبدو هذا الرجل مخيفا فتارة تراه هادئا وتارة تراه شاحب الوجه ومخيفا ، أخرجها من كل تلك الأفكار صراخ ميمي رمشت عدة مرات لتخفض نظرها سريعا بخجل حين لاحظت أن كل من هالة والسيدة العجوز استيقظن وينظرن إليها بتوجس وقلق ، سارت بخطواتها المتعثرة متوجهة نحو الشرفة التي اتخذتها ركنا تأوي إليه دائما فكادت أن تسقط لولا تماسكها في آخر لحظة ، قالت هالة باستياء وهي ترفع الشرائط بيديها :
- آآآه يبدو بأنني نمت على الأرض يا إلهي ويبدو بأنني أفسدت هذه الشرائط بنومي عليها ..
ابتسمت العجوز وهي تضم ميمي إلى صدرها بحنان لتعيدها إلى نومها فيبدو أنها استيقظت حين أغلقت أرجوان الباب بقوة فقالت :
- لا تقلقي يا هالة المهم بأنك ارتحتِ قليلا ونمتِ ..
أسندت هالة رأسها على ذراعها متربعة على الأرض وقالت بامتعاض :
- أشكرك يا خالة على هذه المواساة ..
ثم ابتسمت وهي ترمق ميمي التي تغط في نومها بين أحضان السيدة العجوز بنظراتها العطوفة قائلة :
- أنا لا أعلم كيف انسجمت معكم ميمي بهذه الطريقة السحرية فكأنها تعرفكم من سنين اخبروني ماذا فعلتم لها ..؟!
ضحكت العجوز ونظرت إلى أرجوان التي كانت تجلس جلستها المعتادة على حافة النافذة تنظر للخارج بشرود وكأنها في عالم آخر فقالت بنبرة ضاحكة :
- لن نخبرك يا هالة بسرنا أليس كذلك يا أرجوان ..؟!
لكنها لم تتلقى أي ردة فعل لا بحركة ولا بكلمة من أرجوان ، كم كانت غارقة في أفكارها وتائهة كيف لا واليوم ستزف لذلك الرجل المدعو بوسام الذي يثير أحاسيسها دائما سواء كان خوفا أو قلقا وأشياء لم تفهمها فكيف ستكون حياتها ؟! وأين ستذهب؟! هل ستعيش في قصر يا ترى أم في كوخ ؟! هل ستسافر للعيش معه في إحدى الإمبراطوريات الثلاث أم سيتركها لوحدها هنا ؟! هل تستطيع أن .....
أوقف كل تلك الأفكار المزعجة التي لم تتوقف عن التقاذف في دماغها تباعا صوت العجوز قائلة بنبرتها الحنونة المرتبكة :
- أرجوان .. أرجوان حبيبتي هل أنتِ بخير هل تسمعينني ..؟!
نظرت إليها بضياع شديد وكأنها للتو استيقظت من سباتها ، رأت ملامحهم الشاحبة ونظراتهم المتوجسة القلقة الموجهة ناحيتها لتومئ برأسها نفيا بحركة سريعة تبتلع غصة أحرقت لها كل ما بداخلها وكم تمنت أن تقول وبأعلى صوت أنها ليست بخير والخير لم تره يوما في حياتها فلقد تعبت .. تعبت بحق من دور الضحية الضعيفة دائما لكنها لا تملك الخيار أبدا في تغيير ذلك وخصوصا الآن وقد ارتبط اسمها بالمجهول ولا تعلم إلى أين ستسوقها الأيام وتجرها مع وسام .

******

خرج من الحمام يجفف شعره الأشقر بالمنشفة الصغيرة الملتفة حول عنقه ، يشعر بسعادة ونشاط لم يشعر بهم من فترة طويلة لم يعد يذكر بالضبط متى ، يحس بكل خلية في جسده قد انتعشت بعد الحمام الدافئ الذي حضي به وكأنه أول مرة يستحم بالماء الدافئ ، وقف أمام المرأة وجذب قميصا أبيضا وارتداه بكل هدوء ينظر إلى انعكاس صورته فيها وابتسامة دافئة زحفت إلى شفتيه ، لا يعلم ما سبب ابتسامته هذه في الصباح الباكر لكنه متأكد من أن السبب يرجع لأنه قد تخلص من جزء من ماضيه القاتل وشعر بالحرية والمرونة والانفكاك من ذلك الخناق الذي كان يشد على عنقه وقلبه وكل ما فيه وبدون رحمة ، شعور رائع تسلل إلى قلبه وشعر بمعنى الحياة مجددا ، والآن يستطيع أن يبدأ حياته من جديد وبدون أي ماضي ، حقيقةً أنه لم يكن يعلم أنه وبتخلصه من بقايا بضائعه السابقة سيشعر بكل تلك القيود تنحل عقدها التي كانت تقيده بقوة ، ولو كان يعلم ذلك سابقا لأحرقها بيديه الاثنتين وأمام ناظريه ليرفع راية النصر ويعلن انتصاره لنفسه قبل الجميع ، أخذ يسرح شعره يرفع خُصَلَه الشقراء للأعلى وضحك بخفة على نفسه فطريقة التسريح هذه لم يعتدها سابقا وكم بدا مختلفا لكن لا بد له من التغيير من كل شيء لكي يبدأ حياة جديدة من جديد ، سحب معطفه الثقيل فنسمات الصباح باردة ، ارتداه في عجل وهمس بامتنان :
- كم أنا شاكر لك يا وسام على ما فعلته لأجلي وأعدك أنني سأرد جميلك معي في يوم من الأيام ..
وسام الذي لم تجمعهم الحياة كثيرا لكن المواقف القليلة التي جمعتهم أثبتت لكليهما أن الآخر شخص رائع بمعنى الكلمة ، ساعده كثيرا في تجارته سابقا وكان يمتلك معلومات لا بأس بها عن التجارة وطرقها ولم يبخل عليه يوما بما يعلم فلذلك هو لم ولن يرفض له أي طلب قد يطلبه .
خرج من غرفته التي ترك بابها مفتوحا طيلة الليلة السابقة حتى في نومه ، عادة لم يعهدها سابقا لكنه مصر على التغيير ، سار في الصالة الكبيرة والبيت كله في هدوء تام وكأن لا أحد فيه ، توجه نحو المكتبة الكبيرة والمخصصة للكتب والقراءة فقط ولجميع أفراد العائلة لكنه توقف في منتصف الطريق حين سمع صوت شقيقته آتٍ من خلفه قائلة بابتسامتها المشرقة :
- صباح الخير لأروع شقيق في العالم ..
نظر نحوها ليجدها بفستانها الأصفر والذي شابه لون شعرها بنقوشه الملونة ترفع شعرها وتربطه جميعا في شكل كعك محلى ليزيدها جمالا ابتسامتها المشاكسة والمرحة حين قالت تمد ذراعيها نحوه :
- أين أحضان الصباح لشقيقتكم الوحيدة والجميلة والصغيرة ..
ابتسم ابتسامة سرعان ما تحولت إلى ضحكة غلبته بنبرته الهادئة والعميقة ، تقدم نحوها وضمها بخفة وقبل رأسها بعمق وقال :
- صباح الإشراق يا رنا ..
نظرت إلى عينيه بعد أن ابتعد عنها وقالت بابتسامة :
- صباحي اليوم أجمل صباح برؤيتك أنت أولا قبل شقيقك الغبي الآخر ..
ضحك مجددا فرنا بسمتهم جميعا وضحكتهم الصادقة وقال لها :
- ما الذي جرى بينك وبينه لتنعتيه بالغبي هاه اخبريني ..
قالت بضيق مصطنع مقطبة حاجبيها :
- طلبت منه طلب فرفض ذلك ونعتني بالوقحة تصدق ذلك ..
قال يرفع حاجبيه مستغربا :
- وماذا طلبتي ؟! قوليه لي ولن أرفضه لك ..
نظرت إليه بحياء وتوتر شديد تعظ شفتيها فلو علم ما الذي طلبته منه وهو أن يجعل وسام يأتي لخطبتها لرفسها بقدمه لا محالة إلى أن تموت أو شد شعرها بقوة لتتفكك خصلها من جذورها ، فقالت تجمع يديها خلفها وتتمايل بجسدها بتوتر تحاول أن تنقذ نفسها بأي وسيلة :
- أشكرك يا رافع ولأنك لن ترفضه لي مهما كان هذا يكفيني وفقط ..
فاقترب منها وقرص خدها بخفة وقال مبتسما :
- يا لا روعتك كيف لذلك المشاغب أن يرفض طلبا لفتاة لطيفة مثلك سأحدثه عندما أقابله وأوبخه أيضا هل يرضيك ذلك ..
فانتفضت برعب وتخيلت أن رامي يخبره بطلبها وما هي ردة فعله وكيف ستكون ، فاقتربت منه ورفعت نفسها تقف على أصابعها لتطبع قبله على كتفه احتراما وقالت تبلع ريقها بصعوبة :
- لا لا لا أرجوك يا رافع أنا فقط أمزح وأنا بالأساس طلبت منه مالا يُطلب ، أنا آسفة أرجوك سامحني ..
ربت على كتفها بخفة وابتسامة دافئة ارتسمت على شفتيه ، قالت رنا بعد أن ضمنت أنه لن يفاتح رامي في الموضوع وبابتسامة واسعة :
- إذا سأحضّر لك أروع كوب قهوة دافئ لتشربه في هذا الصباح ..
ابتسم لها شاكرا وقبل جبينها وذهب حيث كان يريد ، دخل المكتبة وسار بين صفوف الكتب المتراصة في رفوف كثيرة ، سار بينهم يمرر أنامله الطويلة على الكتب يقرأ عناوينهم واحدا واحدا ليرى أيهم يبدأ به في هذا الصباح الباكر ليعدل مزاجه الهادئ أكثر ، توقفت أنامله وخطواته ونظراته وحتى دقات قلبه حين وقعت عيناه الخضراء على قسم كتب تخص التجارة وكل ما يتعلق بها ، يجذبه العنوان وكم يقع أسيرا له ، حاول أن يبعد نظره وينتشل أقدامه بالقوة ليكمل خطواته التي تباطأت فجأة مانعا لنفسه من الخوض أكثر في التجارة وما يتعلق بها فهي قد ارتبطت بماضيه المرير ، دار حول الرفوف كلها بعد أن استجابت له أقدامه وتحركت ببطء ولم يجذبه أي شيء منها ولا أي عنوان حتى وجد نفسه يقف حيث توقف سابقا وبدون شعور منه ، تنهد بقلة حيلة من نفسه وهمس بأسى على حالة :
- ظننتك قد تحررت من ماضيك يا رافع ما الذي حل بك ..
وبعد صراع طويل بين عقله وقلبه أرخى كتفيه باستسلام وسحب مجموعة من الكتب التي كانت تتحدث عن أساسيات التجارة وصفات التاجر الناجح وأسس التجارة بين الشعوب والكثير غيرها ، وأعلن عقله انهزامه أمام قلبه فالتجارة شغفه الحقيقي والشيء الوحيد الذي يثير رغبته في التعرف على كل ما يجهل نحوها ، خرج من المكتبة يحمل كتبه التي أختارها قلبه وليس هو ، ثم خرج خارج المنزل لتلفح وجهه نسمات الصباح الباردة فما أجمل بدايات الصباح حين تعيشها بروح محبة للحياة راغبة بها وقلب ينبض بالأمل والبهجة ، توجه حيث الحديقة الكبيرة والواسعة والتي هجرها من شهور طويلة فهو حبس نفسه في غرفته لا يخرج ولا لأي مكان غيرها ، جلس على طاولة خشبية دائرية ووضع كتبه فوق بعض ، سحب الأول وفتحه لينغمس بين السطور سريعا ويحس بأن الزمن توقف من حوله ولم يعد يشعر بأي شيء ، رفع نظره عندما أحس بظل سقط عليه وبالتي تقف فوقه تضع يديها وسطها تنظر إليه بغضب ، تنقلت عيناه بين عينيها الغاضبة ولم يعرف ما الذي يقوله ليستفسر عن غضبها وسببه فسبقته بقولها :
- أبحث عنك من ساعة وأنت تجلس هنا ..
قال بنبرة معتذرة فهو نسيها بالكامل :
- أنا حقا آسف .. آسف لم أقصد ..
وضعت كوب القهوة وقالت تكتف يديها إلى صدرها :
- حسنا حسنا لكنك تدين لي بمعروف ..
رفع حاجبيه بذهول وقال بنبرة خافتة :
- لك ما تريدين إن كان هذا سيسعدك ويرضيك ..
رمقته مبتسمة واقتربت منه لتقبل خده بسرعة وقالت بمرح وكأنها ليست الغاضبة قبل قليل :
- هكذا نحن متعادلين ولا تنسى ذلك أبدا ..
وغادرت تركض بمرح تنشد لحنا مرحا ليرمقها رافع باستغراب من تصرفها الغريب ، جذب كوب القهوة وارتشف القليل منه لتنعشه تلك الرشفة وتعطيه الكثير من النشاط والحيوية والأمل ، ابتسم وجلس يفكر بعمق عما سيفعله كخطوة جديدة في حياته وهو يرى الكتب أمامه وكيف لم يستطع كبح مشاعره القديمة وحبه الشديد للتجارة ، أخرج دفترا صغيرا دائما ما يحتفظ به ليسجل ملاحظاته وأهم النقاط التي يستفيدها من قراءة الكتب التي يقرأها ، فتح صفحة بيضاء وقسمها إلى قسمين ، تنفس بعمق مغمضا عينيه يستجمع قوته وشجاعته ليبدأ بعدها بكتابة أسباب فشلة في التجارة سابقا وفي الجهة الأخرى أسباب نجاحه فيها فلم يجد نفسه إلا كمصحح لأخطائه السابقة في التجارة والتي ظن بأن أول خطوة جديدة له ستكون بعيدة كل البعد عنها لكنه قرر بأن يرى نقاط قوته وضعفه فيها كي يطور من نفسه فيقوي من نقاط قوته ويعالج نقاط ضعفه ، فهكذا الإنسان يخوض في حياته الكثير قد تسعده زينتها بنجاحات متوالية وحياة هانئة لكن وفي وقت محدد من حياة كل شخص ستكسرك كسرا يليق بها وتذيقك مرها لتتجرعه لوحدك ، ولن يساعدك حينها على النهوض من جديد إلا نفسك إن كنت مصرا على التغيير فلا العائلة ولا الأصدقاء لهم القدرة الكاملة على أن يساعدوك بالكامل كما ستفعلها أنت مع نفسك وذاتك تنتشلها من مستنقع الخيبات والألم لتخرجها مما هي فيه لتعيش من جديد ، بدأ بكتابة أسباب فشله في نقاط متعددة وكان مما كتب بأنه وثق في الناس ثقة عمياء ، أشار بدائرة حولها فهذه أكبر مصيبة أوقع نفسه فيها ويجب أن يعالجها سريعا ، وكتب أيضا بأنه تغافل قليلا عن سير تجارته ولم يتخيل ولو حتى في خياله بأن أحدهم سيغدر به وظن أن الناس كلهم طيبون ولن يفعلوها فكل شخص يرى الناس بعين طبعه وهذا هو طبعه يقطر طيبة ومحبة ، كتب ملاحظة مهمة في أعلى الورقة لأهميتها وقد ضغط على القلم بقوة أن يتوقع خيانة من حوله له ويأخذ الحيطة والحذر لكن لا يصل إلى درجة الشك وسوء الظن ، كتب كثيرا وعند كل نقطة كان يحاول أن يجد حلا لها ، انبهر من نقاط القوة لديه فهو ملم بالتجارة وكل ما يتعلق بها وأن له أسلوب رائع في جلب الزبائن ويعرف كيف يختار أجود الأنواع وممن يشتريها وكيف يوازن بين سعر ما يشتريه بسعرها عندما يبعها على العامة وكيف أنه لمس حاجات الناس وعلم ما الذي يفضلونه وما هي السلع المطلوبة في السوق ، كتب نقطة غفل عنها تعد من أسباب فشله في التجارة بأنه خلط مشاعره بعمله لدرجة أنه فقد الرغبة بعدها في كل شيء فَكَرِهَ مشاعره وكره تجارته ، ابتسم بألم فنقاط ضعفه كلها التي كتبها تتمحور حول محور واحد مهما اختلفت صيغ كتابته إلا أنها كلها تكمن في أنه وثق بزوجته ليلى وأحبها بل عشقها حد أن غفل عن تصرفاتها ولم يعتقد يوما بأنها ستخونه وتغدر به ليتحطم قلبه بعدها إلى قطع صغيرة وتكسره كما تكسر الأواني الزجاجية بأن رمته بكل عنف ولا مبالاة على الأرض الصلبة ليغدو بعدها حطاما ، رفع عينيه للسماء وتذكر صورتها في مخيلته فهو إلى الآن لم يستطع نسيان ملامحها البسيطة والتي نقشت في قلبه وعقله فلم يعد يرى أحدا من النساء غيرها ، همس بكل ألم يغلق عينيه بقوة :
- لماذا يا ليلى لماذا طعنتي قلبي الذي عشقك بجنون بكل تلك القسوة والبشاعة وبدون أي رحمة وكل ذنبي وذنبه أننا أحببناك كلا على حدة ..
اخفض رأسه بألأم مخللا أنامله في خصلات شعره لا يريد التفكير أكثر فيها وفي ماضيه معها فهي ماضي وانتهى ويجب أن يخرجها من رأسه ليستطيع التقدم وإلا أنه سيبقى مكانه ولن ينجز إي شيء ، هز رأسه طاردا لكل شيء فهو يريد الآن ذهنا صافيا ليقرر الخطوة التي سيقدم عليها ، أعاد قراءة ما كتبه مرارا وتكرارا يقرأها كل مرة بعمق أكثر ويسجل حلول واقتراحات وأفكار علها تساعده في اتخاذ قراره ، بعد مدة من الوقت والتفكير العميق نهض بقوة وهمس بسعادة اجتاحت صدره وقال بكل حماس :
- وجدتها نعم أخيرا وجدتها ..







نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 07-07-20, 04:30 AM   #57

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الخامس والأربعون ..

.
.

[ الزفاف ]

.
.

حين أظلمت سماء المنطقة الجنوبية وأسدل الليل ستارة ، سطعت الشموع لتقشع الظلمة الحالكة وتعلن عن بدء مراسيم الزفاف بكل وضوح ولجميع سكان المنطقة ، يوم الزفاف الموعود والذي وعد السيد مازن السيد رأفت بإقامته على شرفه فقط لكي ينال رضاه ويستميل قلبه بحب زائف ويتقرب إليه أكثر ، والذي يجهله السيد رأفت ولا يعلمه أن السيد مازن لم يدفع أي مبلغ من المال لتغطيه التكاليف بحجج واهية فطلب من وسام أن يساعده في التكلفة بينما حشت له زوجته رأسه بأفكارها السوداء وأن لا يصدق نفسه ويدفع كل تكاليف الزواج وكأن العروس ابنته ، فاستشف وسام طمعه وجشعه وكذبه وعلم أنه أكبر منافق قد قابله بعد الضابط طلال طبعا فهما ينتميان لنفس المنطقة ودمائهما التي تسري في عروقهما واحدة ، لكنه ولأنه وسام ورغبته في أن يلبي رغبة والده بأي طريقة كانت رمى كيس صغير نحوه بكل لا مبالاة وابتسامة ساخرة تزين شفتيه ليلتقط الآخر الكيس بكل لهفه وجشع وطمع أعمى بصيرته ليصعق عندما أطلت عيناه داخل الكيس ليرى قطع ذهبية تغطي تكاليف الحفل وتزيد وكم أسعده ذلك فهو لن يدفع أي قطعة من ماله في هذا الزواج بينما غادر وسام بكل خفة وهدوء ليختفي بعدها لساعات طويلة تاركا إياهم يجهزون كل شيء لوحدهم .
وفي مكان آخر وبُعد آخر تطلعت إلى نفسها في المرآة الكبيرة أمامها بفستانها الأبيض الذي سحر كل من رآه بل جمالها الخلاب من سحرهم وأوقعهم ضحية فتنتها وسحر جمالها ، تألقت اليوم كأجمل عروس لم يروا بجمالها أحد قبلها وكل الخدم الذين ساعدوا في تجهيزها شهدوا لها بذلك فلم تكن تصدر منهم إلا تمتمات تسمعها بوضوح عن جمالها الخلاب وتسمع أهات وكأنهن يحسدنها على جمالها الذي لم يقدم ولم يؤخر شيئا في حياتها البائسة ، ونظرات متفحصة تدقق في كل تفاصيلها وبكل جرأة وكم أزعجها ذلك ولم تصدق نفسها عندما غادرن وتركنها لوحدها ، اقتربت من المرآة ومدت أناملها المرتجفة لتلامس برودة انعكاس صورتها وكم تتمنى بأن تحطم المرآة علَّ واقعها يتحطم ويتغير ، تنقلت بنظراتها الذابلة والحزينة إلى شعرها وكيف قمن الخادمات بلفه لها ورفعه بطريقة جذابة جدا تاركين لها خصل تتدلى على كتفيها وظهرها بكل عنفوان بينما غرتها المقصوصة لففنها لها لتبرز عيناها الواسعة أكثر ولذلك الكحل الأسود الذي خط في عيناها ليزينها لها ويبرز لونها الرمادي أكثر ، رمشت بعينيها لتلتقي رموشها الكثيفة في خط مستقيم سرعان ما عاد وانقسم لجزء علوي وسفلي عندما فتحت عيناها ، صبغة حمراء وضعت على شفتيها لتغير من لونها الوردي والذي لم يحتاج لتلك الصبغة ليبرز شفتيها فهي خلقت بشفتين ممتلئتين كرزية اللون لكنهم يصرون على تغيير شكلها وقد فعلوا ، فستانها الأبيض أقل ما يقال عنه أنه بديع الصنع كم أبدعت فيه هالة فتصميمه كان من أروع التصاميم والكل شهد بذلك وظهر فيه الجهد والتعب المبذولان من كل قلبها ، فستان بياقة واسعة على شكل نصف دائرة مطرز بحبات اللؤلؤ والكريستال ، وصدر ضيق يتسع تدريجيا كلما انسدل على جسمها ليكون واسعا في النهاية وبكسرات زادته اتساعا ، يقسمه من منتصفها حزام من الكريستال واللؤلؤ الأبيض وتنزل لأسفله مكونه بما يشبه الستارة اللامعة على الجزء السفلي من الفستان بأكمام مخاطة من خيوط فقط وقد انتظمت حبات اللؤلؤ فيها تباعا لتكون مجموعة خيوط تبتدئ من كتفها وتنتهي عند معصمها مجموعة معا في سوار من الكريستال لتظهر يديها وبياض بشرتها من بين تلك الخيوط المنظومة بحبات اللؤلؤ ، ضمت يديها إلى صدرها وكم هي شاكرة لهالة فهي كانت تعاملها كأخت لها ولا تنسى أخر كلمات قالتها لها على انفراد في حين غفلة من الجميع وهي تسحبها إلى غرفتها الخاصة كما يبدو ، تذكرت حين أمسكت كفيها بيديها بكل قوة وكأنها تبث فيها من قوتها ، قالت لها بهمس تنظر إلى عينيها مباشرة :
- أرجوان أنا لا أعلم ما هي قصتك وما الحكاية التي تخفينها وفي المقابل أنا لا يحق لي السؤال فأنا قد قطعت عهدا للسيد وسام ألا أسأل لكن كوني أكيدة بأن الفتاة العاقلة والتي تملك عقلا تعرف كيف تتصرف وتعرف كيف تستخدم عقلها لا يقف أي شيء في طريقها ولو أرادت أن تطير إلى السماء لطارت ..
زفرت بهدوء وشريط ماضيها يمر من أمامها حين قالت لها هالة بثبات :
- الزواج قد يكون بالنسبة للفتاة أكبر تحدي قد تواجهه في حياتها فكل شيء سيتغير بعدها لكن ثقي بأنه لا يعتمد استمراره واستقراره على عمر محدد فكم من الصغار في العمر تزوجن ونجحت بيوتهن وكم من الكبيرات في السن فشلن وانهدت بيوتهن بسبب عقولهن الفارغة فالحياة تحتاج إلى التضحيات وتحتاج إلى المقاومة وعدم الاستسلام بسهولة والكثير الكثير الكثير من الصبر ..
حينها سقطت دمعة على خد أرجوان دون شعور منها فهالة أشعرتها بأنها والدتها أو أختها الكبيرة التي تخاف على مصلحتها فتنصحها ، مدت هالة أناملها لتمسح تلك الدمعة من على وجنتها وقالت بابتسامة مشرقة كروحها :
- أرجوان كوني قوية واثقة من نفسك ولا تهابي شيئا فالرجال لا تعجبهم المرأة الضعيفة ومهزوزة الشخصية أنتِ رائعة في كل شيء وتستطيعين التغلب على كل الصعاب فقط إن أردتي فلا تستسلمي بسهولة وأي مشكلة تواجهك أطلبي من السيد وسام أن يجلبكِ إلي وسأساعدك واقف بجانبك ولن أتركك أبدا فأنا حسب معلوماتي البسيطة التي اعرفها عنه أنه لن يرفض لك طلب فهو بطبعه شهم ولن يتوانى عن فعل ذلك ..
هزت رأسها وامتلأت عيناها بالدموع لتلك الذكرى فيا ليتها تستطيع استيعاب كلمات هالة المطمئنة فهي اختصرت الحياة كلها التي ستقبل عليها في بضع ثوان لكن لا أحد يعلم تماما ما الذي في قلبها ما الذي يؤلمها أكثر فما أسهل الكلام مقارنة بالفعل ، لن يشعر بها أحد أبدا لأنهم وببساطة ليسوا في موقفها ومكانها ، ومهما حاولت أن توصل لهم مشاعرها وأحاسيسها وكل ما يزعجها فهي لا تستطيع وهذا بحد ذاته ينهك لها روحها المتعبة والمثقلة بهمومها ، فهي الآن لا تحتاج أحدا يخبرها ما الذي يجب عليها فعله في أيامها القادمة بل تحتاج إلى من يقف في صفها مانعا إياها من هذا الزواج الظالم فلن تستطيع المضي قدما فيه حتى لو اتبعت تعليمات هالة بكل حذافيرها وأقنعت نفسها بأن هذا مصيرها وأن الزواج لا مفر منه وهو مصير كل فتاة فهذه الأقوال المشهورة والمنتشرة بينهم لطالما سمعتها من غيرها ، ولن يستطيع أحد إدراك حجم بؤسها لأنهم لا يعلمون الحقيقة المتوارية عن أنظارهم فهي مجرد مسرحية مؤقتة ولكل مسرحية فصل أخير لا بد من تمثيلية أيضا فالأساس فاشل فكيف بباقي البنيان أن يثبت ويستمر لكي يثمر وينجح !! هي مجرد صفقة رابحة هذا ليس زواج لتخطط كيف تنجح فيه فهي كالمال دفعوها ليشتروا بها ما يريدون وفقط هذا دورها ولن تستطيع فعل أكثر من ذلك ، مجرد وسيلة للوصول إلى رغباتهم المشابهة بالتجارة والبيع والشراء أي لا مشاعر قد تساعدها ولا عقل يفكر ويدبر ويخطط فهذا الزواج بمجرد أن يتم يعتبر تعدى خط الفشل لينتقل إلى جهة النجاح ، فالنجاح في التجارة هو عندما تشتري سلعة وتبيعها وهذا ما حصل معها بالضبط ، خاسرة وخساراتها تتوالى عليها ولا تعلم متى ستربح وإن كان شيء بسيط في حياتها الباهتة المسلوبة منها بكل جبروت ، مسحت دمعة كادت تنزلق على وجنتها في آخر لحظة فنص المسرحية التي ستبدأ تمثيلها ما إن تخرج لهم ينص على أن تتظاهر بالسعادة الآن وأمام الجميع فهي لم تنسى دخول السيدة دلال لها قبل مدة تلقي عليها الأوامر واحدة تلو الأخرى وتهدد وتتوعد وكأنها هي مؤلف المسرحية بل هي في الحقيقة التي من فعل ذلك وكانت السبب في تعاسة الأخرى ، حقيقة يجهلها الكثير لذلك تريد كل شيء يظهر كما خططت له ويكون في موضعه الصحيح وإن كان خاطئا وكذبا مزيف ، متجبرة وظالمة ولا يهمها إلا سمعتها ونفسها فهي الآن تعد ابنتها وابنه العائلة بأكملها ، سحقا لقلوبهم القاسية أنّا لهم فعل ذلك بها دون رضاها ، دخلت دلال مرة أخرى وبزينتها الكاملة تعيش الدور وكم تتقنه ، قالت بخشونة بعد أن شملتها نظراتها المدققة والتي لم تخلو من الاشمئزاز والاستحقار :
- إذا أنتِ جاهزة كما يبدو لي ..
لم تتحرك بل ظلت جامدة تنظر إليها وإلى عينيها بعمق متسائلة ما التالي يا ترى وما الذي تريد الوصول إليه؟! ، قالت دلال بعد أن رمت شعرها الأسود خلف ظهرها بكل كبرياء وتعالي :
- سنزفك الآن لجموع الناس كوني مطيعة لما أمرتك به وإياك إياك ثم إياك أن تُخِلّي بأي كلمة قلتها لك ولو بنظرة أو تصرف غير لائق سأرسلك أنتِ وزوجك إلى الجحيم إن فقط حاولتِ أن تشوهي صورة عائلتنا ..
وغادرت تضحك بسخرية تتمايل في خطواتها بكل ثقة ، تنهدت أرجوان بثقل وتمنت أن عائلتها الحقيقية هم من يقفون بجانبها الآن وفي محنتها هذه لكنها سرعان ما ضحكت بيأس شديد فلو كانت عائلتها الحقيقية بجانبها وهي معهم لما اجبروها أبدا على الزواج وهي في هذا السن وجعلها صفقة بين حروب رجال لا شأن لها أبدا بما يجري بينهم ، دخلت إحدى الأختين فاتحة للباب بقوة وقفت متسمرة لثوان وهي ترمقها بغيض تشعر بالغيرة تسحقها فأرجوان خادمتهم الوضيعة والحقيرة تحظى بما لم تحضين هن به جمال خلاب وفستان زواج ولا بالأحلام وحفل كبير أقيم لأجلها وفوق كل ذلك زوج شديد الوسامة بهالة باردة ترهف قلوب النساء كلهن حوله بالرغم من أنهن لم يقابلنه اليوم ولا يعلمون أين اختفى لكنهن يعرفنه جيدا :
- هيا يا سافلة ليزفك والدي لزوجك الذي لم يظهر حتى الآن سحقا لك وله وإلى الجحيم كليكما ..
انقبض قلبها وارتجفت أطرافها كما شفتيها ليس من السب والكلام البذيء الذي سمعته فهي قد اعتادته منهم لكن من كون وسام لم يأتي بعد ، تسلل الخوف إلى أوردة قلبها الصغير ليس خوفا عليه أو حبا به وقلقا عليه بل خوفا من أن يتراجع عن قراره ويهرب بعيدا تاركا إياها لوحدها لألسنه الناس التي تلتهم الأحياء والأموات دون رحمة ، ما الذي تفعله بعدها ؟! إلى من تلجأ ليحميها من بطش عائلة السيد مازن ؟! فحتى السيدة العجوز الطيبة منعوها اليوم من مقابلتها بل وأعادوها إلى الأعمال المتعبة وكم شعرت بالإحباط لذلك فكم كانت تتمنى بأن وسام يجلبها لتعيش معهما أو إلى المكان الذي ستعيش فيه والذي لا تعلم بالضبط أين سيكون إلى اللحظة الحالية ، قبضت يدها بقوة تستجمع قواها المبعثرة في حين تذكرت ما حدث ظهر اليوم وهم في طريقهم إلى هنا وللحديث القصير والمختصر الذي دار بينهما في العربة بعد أن غفت السيدة العجوز وهي لم تستطع فعل ذلك لوجوده وحضوره الطاغي ، تذكرت حين رمقها ببرود ومد يده نحوها وقال بكل لا مبالاة وجمود :
- تقليد سخيف ينص على أن يكون خاتمك معي إلى أن يشهد الجميع الحفل ..
رمشت مرارا لتستوعب الموقف وسرعان ما مدت يدها التي تمسك بالعلبة المخملية إليه بكل خوف فقد فهمت ذلك التقليد فقد سبق لها وأن شاهدته بينهم مرارا ، رفعت أناملها التي لم تكف عن الارتجاف إلى شفتيها تحاول أن تكتم شهقة مكتومة خرجت من صدرها المكلوم وتتخيل أنه تحايل عليها وأخذ الخاتم باهظ الثمن وهرب بعيدا لكي لا يترك أي أثر خلفه لكن لا.. لا تعتقد ذلك فعقلها يخبرها بخلاف ذلك بينما قلبها الذي خذله الكثير أصبح لا يثق في أي أحد وبسهولة وقد يفعلها حقا ويتركها لوحدها في الصورة تواجه أنواع العذاب الذي سيكون بانتظارها ، دخلت الأختين مرة أخرى وصرخت إحداهن قائلة :
- إلى متى ستقفين كالبلهاء بسرعة والدي ينتظرك ..
تحاملت على أوجاعها تجر قدميها متصلبة المفاصل وكم تحتاج السيدة العجوز بجانبها الآن ، خرجت أخيرا لترى السيد مازن ينتظرها على أعصابه ولم يلتفت لها حتى حين قال بصرامة :
- بسرعة اتبعيني فالعشاء سيقام قريبا ولن نسهر الليل كله لأجلك ولأجل زوجك السافل ذاك الذي لم يظهر بعد ..
يا إلهي متى يتوقفون عن نسبته لها ونعته بزوجها مرارا وتكرارا وكأنها لا تعلم ذلك يكفي فهي لا تحتاج التذكير بأنه أصبح زوجها بل تحاول أن تداري وجعها والحقيقة خلف ثباتها المزيف والمؤقت ، سارت بجانبه وتكاد تكون خلفه ترفع فستانها بأناملها المرتجفة حينها ظهر أمامهم مجموعة كبيرة من الناس والكل يحدق بها ويلتهمونها بنظراتهم المقيمة وبالرغم من أنها صغيرة في العمر والكل قد لا حظ ذلك إلا أنها خطفت قلوب الجميع من النظرة الأولى ، هالة من البراءة والجمال تحملها ، تسير بتخاذل إلى أن استقرا على مساحة دائرية خصصت لوقوف العروسين منتصفها لكي يمكِّن الجميع من النظر إليهم كونها مرتفعة بعض الشيء عن مستوى الأرض ، وقفت تشد قبضتيها الصغيرتان على الفستان فالموقف صعب والعيون كلها مسلطة عليها ولم تعد تميز من أصواتهم وتمتماتهم وهمهماتهم شيئا فكل شيء اختل توازنه في أعماقها ، شعرت بابتعاد السيد مازن فرفعت نظراتها المتوجسة إليه لتجده يصافح أحد الحضور ليسحبه الآخر والذي بعده يهنئه إلى أن ابتعد عن مساحتها الفارغة كقلبها الفارغ لتقف كالبلهاء لوحدها عروس بلا عريس ، فرفعت نظراتها تنظر لمن حولها بضياع لترى بعض ابتسامات السخرية ونظرات الاستهزاء التي تقصد وضعها الآن فتعالت ضربات قلبها المجنونة إلى أن صمت أذنيها وتشوشت الرؤية لديها فلقد غطاها شحوب الدموع المتكدسة والتي ستعلن مغادرتها عينيها سريعا وفي أقرب وقت وهذا مالا تريده فدورها البائس المكتوب عليها لزاما أنها لا تبكي وإلا بكت بشكل آخر وعلى يد شخص آخر ، عمَّ سكون مريب والكل أخذ يتساءل أين هو عريسها المجهول إلى أن أصبحت أصواتهم الساخرة والساخطة تهيئ لها وكأنها أصوات لوحوش وسط الغابة ، رفعت أناملها ببطء فهي ستنهار لا محالة إن استمر الوضع أكثر من هذا غطت أذنيها بيديها مانعة لأصواتهم من اختراقها لكنها لم تنجح فجميع العيون تسألها باستنكار عن مكانه وكأنها تعلم أين هو الآن ، فلم تستطع منع الشهقة التي شهقتها رغما عنها وكادت أن تنهار أمامهم لا محالة في نحيب مستمر قد لا تنجو منه أبدا ، وإذا بالعيون والرؤوس تلتفت خلفهم ليعطيها التفاتهم وابتعاد أنظارهم عنها المساحة الكافية لتلملم بعثرتها وشتات أمرها ووجعها وتبتلع الغصة المريرة مع ريقها ..
تقدم يسير بكل ثقة وابتسامة تهكمية ساخرة ارتسمت على شفتيه ، يحب الدخول البطولي المتأخر عن موعده الذي قد دخله والأكثر متعه بالنسبة له هو نظراتهم البلهاء صوبه ، مرتديا بدله سوداء لم تخلو من طابع بدل الجيش في تصميم غريب لا تناسب أحدا سواه وكأنه يخيفهم بذلك ، تاركا أزرار معطفه مفتوحة بكل إهمال ولا مبالاة مما زاد من جاذبيته ليسحر جميع الفتيات ويغيض كل الرجال منه ومن وسامته ، توقف في منتصف الطريق وبضع خطوات تفصله عن أرجوان ومساحتهم الخاصة لتتطلع عينيه على جميع الوجوه المحدقة به بنظرة تقييميه شاملة ، ابتسم ساخرا فكلهم من الطبقات الغنية وفوق ذلك متكبرة فهؤلاء الذين يخافهم مازن بأن تتشوه صورته أمامهم وهم بالأساس مجموعة حثالة ، أكمل خطواته يسير ببطء عندما لمح أرجوان المتصلبة والتي تنظر للأسفل ولا يظهر من ملامحها الكثير وعلم أي ضغط تمر به ، بقفزة واحدة سريعة كان يقف بجانبها ، رفعت نظراتها المشتتة إليه تطالعه بكل ضياع ونبضات قلبها تتخبط بعنف فظنونها بأنه سيتركها تعيش أصعب لحظات حياتها لوحدها قد خابت وكم هي سعيدة بأنه لم يتخلى عنها أيضا ، انتفضت كل خلية بها عندما أصبح ملاصقا لها وقد ضم كتفيها بذراعه القوية فتعالت همسات الإعجاب من الجمهور فلقد اكتملت الصورة الآن وعلموا كم أنهما يناسبان بعضهما ففاتنة مثلها لا يناسبها إلا وسيم مثله بغض النظر عن فارق العمر الذي ظهر جليا من أطوالهم المتفاوتة ، دنى بجذعه ورأسه ليهمس في أذنها قائلا بكل تهكم :
- لا داعي لكل هذا الانفعال ..
وشد قبضته على كتفها فرفعت نظراتها المستنكرة به لتجده يرمقها بكل برود مما زاد من غضبها واشتعالها الداخلي فكيف له بقول ذلك وبكل بساطة وهي كادت أن تموت قبل قليل لوحدها من الموقف الصعب الذي وضعها فيه ، أشاحت وجهها بعد أن قرأ في عينيها الساحرة الغضب والخذلان فأفلتها وجذب يدها اليسرى وبحركة مدروسة منه البسها الخاتم أمام الجميع وتحت نظراتهم التي تكاد تقتلهم من الحسد فعلت أصوات تصفيقهم الحار له وتعالت التهاني والتباريك لهم ، صُعقت أرجوان عندما رفع يدها ببطء وعيناها معلقة بيدها وإلى أين ستستقر فاستقرت أخيرا عند شفتيّ وسام والذي طبع قبلة على كفها يرمقها ببرود شديد نظرات تعني أنتِ لا تعني لي أي شيء مطلقا لكن نمثل أدوارنا بالشكل الصحيح ليس إلا ، فانتفضت لملمس شفتيه على كفها الصغير وسحبت يدها بقوة برفض تام لتفلتها منه فهي لن تسمح له باللعب بمشاعرها أيضا بحجة إتقان الدور لكنه كان يحكم إمساكها بقبضته ، نظرت إليه بعينين مستنكرة فعلته وكأنها تخبره بأنه لا داعي لكل ذلك التمثيل المبالغ فيه إن كان يجبر نفسه فقط ، وبدأت حوارات العيون التي يفهمها كل طرف منهم ويقرأها بكل وضوح ، فاتسعت ابتسامته التهكمية للطفلة الجميلة الجامحة التي تقف أمامه ولنظراتها القوية التي ترمقه بها ولا يعلم من أين جاءت بكل هذه القوة فجأة ، فدنى منها مجددا ليهمس في أذنها بكل سخرية :
- كوني مطيعة فلم يبقى الكثير وإلا اضطررت لفعل ملا يعجبك ..
وهنا تصلبت كل عظامها ولا تعلم ما الذي دهى الجميع اليوم كلهم يهددونها ويتوعدونها بالويلات إن لم تكن مطيعة وكأنها كانت متمردة لا تستمع لهم ، تقدم كبار الحضور ليقدموا إليه التبريكات وأحر التهاني بينما رمقهم وسام بكل برود وجذب المغلوب على أمرها من معصمها بقوة لتتبعه بكل انصياع ، تخطى الواحد تلو الآخر تاركا إياهم كالبلهاء يمدون أذرعهم ليصافحوه في حين لم يصافح أي أحد منهم ليسمع بعض الشتائم المكتومة تخرج من بين أشفاههم ، توقف فجأة وكادت أرجوان أن تصطدم به لولا تماسكها في آخر لحظة ، فقال مازن الذي اعترض طريقهما وبكل حدة يحاول إخفاء انزعاجه تسانده زوجته تقف بجانبه بنظراتها المستفزة :
- سيد وسام إلى أين أنت ذاهب فالعشاء على الأبواب ولا يجوز لك المغادرة الآن ..
أماءت دلال برأسها إيجابا وقالت بنبرة مستفزة :
- لا تشوه صورتنا أمام الجميع من فضلك وابنتي ستتناول معنا الطعام ..
رمقت أرجوان بكل تكبر وأكملت بنبرة خبيثة :
- ثم خذ زوجتك حيث شئت لما كل هذا الاستعجال ..!!
ولم تكن تقصد من كلماتها إلا السخرية والتجريح فقط في حين انتفضت أرجوان لسماعها ما قالته ويبدو أنها نجحت في إدخال الرعب لقلبها في محاولة ملتوية وغير مباشرة منها في ثنيه عن قراره المجنون بتركهم وعدم المغادرة الآن قبل حتى وجبة العشاء المخصصة لهم فكم سيشوه سمعتهم المرموقة بين الناس ، التفت وسام إلى أرجوان التي بدأت ترتجف بخوف اعتلى قلبها وقال بهمس متأني وشديد ولم تبتعد عينيه عنها :
- أخذها هاه .. وسمعة .. واستعجال ..
وبدا لهم وكأنه يفكر بصوت عال كالأبله بينما كان مقصده من أن ترفع أرجوان نظراتها به والتي هو متأكد من أنها ليست على ما يرام خصوصا بعد قول دلال والذي فهمه بأنها تريد إخافتها من شيء لن يحدث بينهما أبدا ففعلت حقا عندما طالعته بعينين تكادان تدمعان مما قد اجتاح قلبها من توتر وإحراج ، فابتسم ساخرا ودنى منها لتشهق أرجوان باستنكار وخوف في الوقت ذاته حتى كاد أن يوقف لها قلبها الذي تسارعت نبضاته بجنون عندما ارتفعت قدميها لتصبح معلقة في الهواء ووجدت نفسها بين ذراعي وسام يحملها بكل خفة وكأن لا وزن لها ، فقال ببروده الصقيعي ونبرته المميزة ناظرا لها دون اكتراث لخوفها الذي نطقت به عيناها وتشنج مفاصلها :
- كم يؤسفني قول ذلك لكن زوجتي كما تقولين يبدو أنها متعبة قليلا ولن نستمر هنا أكثر كي لا تسوء حالتها ..
فرمق دلال وقال ناظرا إليها بكل سخرية وبتأني شديد ليدب الخوف في قلبها :
- فأبنتك أصبحت .. ز..و..ج..ت..ي .. الآن ..
وبدون تخطيط مسبق وكردة فعل لا شعورية من أرجوان بعد ما قال تمسكت بمعطفه بقوة تخبأ رأسها في صدره العريض من خوف هز أركان ثباتها فلم تكن تريد إلا أن تتمسك بأي شيء صلب كي تتماسك أكثر ولا تفقد وعيها ولم تتمسك إلا بالشخص المناسب كما يبدو ، سار بها متخطيا إياهم ولنظراتهم المستنكرة والكارهة إلى أن وصل إلى العربة المفتوحة التي كانت في انتظارهم ، انزلها وتوجه بسرعة وكأنه هارب منها ليجلس على مقعد السائق فكما يبدو بأنه هو من سيقودها وبعدها أمرها بنبرة بارد فارغة من كل شيء قائلا :
- اصعدي ..
توجهت بسرعة وبخطى متعثرة لتصعد بصعوبة وتستقر أخيرا على كنبها المريح ، فانطلق وسام مسرعا قاطعا الطرقات والظلام الحالك بكل سهولة وكأنه يحفظ المكان عن ظهر قلب ، كم تمنت بأن تخبره بأنها ستودع على الأقل السيدة العجوز وتمنت أكثر بأنها تستطيع أن تطلبه بأن ترافقهم ولكن مقدرتها لم تسمح لها ، تساقطت دموعها معلنة انهزامها وعدم قدرتها على الاحتمال أكثر فكل شيء أصبح خانقا جدا لها وشعور الخوف والترقب لا يكاد يغادرها ، لا تعلم متى سيغادرها خوفها وتتغلب عليه ولا كيف ستكون حياتها مع هذا الشخص الذي لا ترى إلا ظهره يعطيها منطلقا بالعربة وكأنه يريد الإقلاع وليس السير على الأرض ، هل هو كاره لها لكل هذه الدرجة التي يفرغ غضبه في قيادته المجنونة للعربة؟! أم أنه يحمل عليها في قلبه الكثير من الحقد ويريد تفريغه بها بعد وصولهم؟! لكن يا ترى إلى أين ستذهب ؟! وأين ستعيش؟! وما الذي يشغل تفكير الذي يجلس الآن أمامها ومن جلسته يبدو بأنه مغتاظا يجبر نفسه على الهدوء ،هل سيرميها في منتصف الطريق أم يرجعها عند هالة يا ترى ؟! هل هي حقا مستعدة لمواجهته لوحدها ومواجهة الحياة مجهولة التفاصيل الآن ؟! كم كبير من التساؤلات لا تشبه في عددها وغزارتها إلا غزارة دموعها المنسكبة على وجنتيها دون توقف ، بينما كان وسام مفصولا عن العالم تماما ولم يكترث بها ولا بقدر أنمله ، فهو يفكر في بعد آخر لن تتوقعه ولا حتى تستطيع تخمينه فكل ما كان يريد بسرعته الجنونية أن يخرج من منطقة الحدود الجنوبية والتي يكاد هواءها يخنقه وينهي حياته وكل ما يريده الآن الخروج منها بسلام ليس إلا ، كما كان يدور تفكيره في الرسالة التي تركها له طارق مخبأة بين الأشجار عند بركة الحكمة والتي قضا وقتا فيها متأملا لكل شيء حوله ولكي يستعيد القليل من هدوئه قبل الزفاف المنهك لروحه ، وكان ذلك سببا في تأخره عنهم ، ما الذي قصده طارق يا ترى بأن يأتي إلى القصر سريعا ؟! هل هناك أمر لا يستطيع كتابته في الورق ؟! أم أنه لا يستطيع مقابلته هناك ككل مرة يفعلونها ؟! هل يعقل أنه محاصر أو مراقب لذلك لن يستطيع الخروج ؟! وما سر الحفل الذي سيقام في قصرهم ؟! واخبره أن يأتي بين حشود الناس كي لا يعلم أحد بهويته الحقيقية بينما يتقابلان سرا ؟! إذا لا بد من أن الأمر خطير جدا وتعدى مراحل الأمن والسلام الذي يسعون جاهدين له بكثير .



نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..



روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 05-08-20, 12:16 PM   #58

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي


تغلق الرواية لحين عودة الكاتبة لانزال الفصول حسب قوانين قسم وحي الاعضاء للغلق

عند رغبة الكاتبة باعادة فتح الرواية يرجى مراسلة احدى مشرفات قسم وحي الاعضاء (rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065, ebti ، رغيدا)
تحياتنا

اشراف وحي الاعضاء


قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:40 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.