آخر 10 مشاركات
لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          594- فراشة الليل -روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Just Faith - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          ☆باحثاً عن ظلي الذي اختفى في الظلام☆ *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Ceil - )           »          أجمل الأسرار (8) للكاتبة: Melanie Milburne..*كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          شعر ثائر جزائري (6) *** لص ذكي سارق عجيب *** (الكاتـب : حكواتي - )           »          تناقضاتُ عشقكَ * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : ملاك علي - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          رواية صدفة للكاتبة : bella snow *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : bella snow - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree429Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-20, 05:36 PM   #21

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي


البدايات الجديدة

الفصل السابع

دخل أشرف منزله وقد جاوزت الساعة الواحدة صباحا .. فوجئ برنيم تجلس في الاستقبال تشاهد التليفزيون .. فألقى عليها السلام بهدوء وتلعثم ..
أشرف: مساء الخير يا رنيم .. انتى رجعتي أمتى وإزاي ؟
رنيم بهدوء وثبات: صباح الخير .. الساعة داخلة على اتنين صباحا ..ثم اردفت مبتسمة .. أنا رجعت من حوالى اربع ساعات .. بصراحة لما حسيت انك أتأخرت قلت ألحق أروح .. بس يا ريت م تكونش أنت رحت لى بيت بابا ..

أشرف بتلعثم وتوتر كما هو : لا أبدا أنا كنت ناوى أجيلك .. بس تليفونى كان فاصل شحن ولما لقيت نفسى أتأخرت بالشكل ده خجلت انى اقلقكم في ساعة متأخرة كده .. وقلت انك ح تباتى هناك وح تعرفى تتحججى لهم عن عدم ذهابى لأخذك .. قال جملته الأخيرة وهو يتظاهر بالابتسام والضحك ثم اردف .. بس بصراحة متوقعتش إنك ترجعى البيت لوحدك .. ده انتى بطلة ..

لم تعلق رنيم ولم يظهر عليها اى نوع من الغضب ولم تسأله عن تأخيره الى هذا الوقت ولكنها اكتفت بأن قالت له .. تحب أحضر لك العشا ولا اتعشيت بره ..

كان القلق يتلاعب بـ أشرف من رد فعل رنيم ولكنه تظاهر بأن الأمور عادية .. فقال لها : بصراحة أنا جعان جدا .. أنا كان المفروض ارجع بدرى .. بس ايمن تعب واضطربت اروح معاه المستشفى وبعد كده وصلته لبيته ومقدرتش اسيبه لحد ما اطمنت انه اتحسن .. أصله عايش لوحده ..

لم تعلق رنيم وقد غادرت الى المطبخ بمجرد أن قال لها انه جوعان ..

بعد دقائق كانت رنيم قد أحضرت الطعام لأشرف ثم قالت له .. الأكل على السفرة يا أشرف .. تصبح على خير أنا داخلة أنام ..

نظر لها أشرف مندهشا من تصرفاتها وردود أفعالها .. ولكنه من شدة الجوع تحرك الى الحمام ليغسل يديه .. وهو يقول: طيب حاولى م تناميش أنا ح أخلص العشا بسرعة واحصلك .. ثم أخذ يأكل كأنه كان صائما وقد ضرب مدفع الإفطار ..

بعد دقائق دخل أشرف الى غرفة النوم ليجد رنيم قد نامت بالفعل أو بدا الأمر له هكذا .. قام بتغيير ملابسه ثم أقترب منها في السرير محاولا أن يوقظها ولكنها تظاهرت بان النوم قد غلبها وانها لا تستطيع الاستيقاظ .. فتمكن منه اليأس وأستلقى بظهره على السرير بجوارها يصارع رغبته فيها ثم أعطاها ظهره لينام هو أيضا..

بعد دقائق معدودة سمعت رنيم لأشرف شخيرا خفيفا فأدركت أنه قد غط في النوم فتحركت بهدوء شديد مغادرة السرير والحجرة لتنفرد بنفسها في صالة الاستقبال .. كانت مازالت تفكر .. ليس فقط من أجل زوجها .. بل من أجل نفسها أولا وقبل كل شيئ .. فقد أيقنت .. بفطرتها النقية وهى نتاج التربية السليمة من والديها و بعد الحوار العائلى لها عصر اليوم .. أدركت انها لكى تسعد زوجها وتنجح في حياتها الزوجية لابد أن تكون هي راضية وناجحة و سعيدة أولا .. وأنه مع طبع زوجها هذا لابد لها من تغيير سياستها وتصرفاتها نحو نفسها ونحوه .. فقررت أن تعود لكتابة القصص وتشاركها في منتديات الفيس بوك وخلافه ..
قررت أن توسع دائرة حياتها قليلا وبحذر .. وأن تمضى في غابة الحياة لتكتشف أشجارا أخرى غير شجرة أشرف التي كادت أن تنسيها من هي رنيم وتقتل طاقات بداخلها لطالما أحست أنها طاقات مفيدة لمن حولها ..

ولكنها في نفس الوقت كانت تفكر في أشياء أخرى تقوم بها لتشغل وقت فراغها الطويل .. فهى لن تسعى أو تجبر أشرف على الانجاب في الوقت الحالي بالرغم من حاجتها الملحة للأمومة .. لكنها فضلت أن تحترم رغبته في هذا ألمر وأيضا كان يساورها القليل من القلق في أن لا تستمر الحياة بينهما وينفصلا بناءا على رغيته هو .. وليس رغبتها .. فهى مدركة أنها تحبه بشدة ولا تستطيع أن تهجره الا في حالة واحدة وهى أن تكون هذه رغبته ..

وأخيرا هداها تفكيرها في انها سوف تبحث عن عمل خيرى يشغل وقتها بجانب الكتابة بدلا من الذهاب الى النادى وقضاء الوقت مع النساء الأخريات في القيل والقال ..

أحست رنيم براحة وحماس كبيرين ان هداها تفكيرها الى ما قررت أن تفعل .. ومن شدة حماسها كادت أن تتصل بحماتها كى تخبرها بما فكرت به وتأخذ رأيها فيما قررت أن تفعل ولكنها نظرت الى الساعة في الموبايل وادركت انه من الجنون ان تفعل هذا الآن .. فتراجعت .. وبعد لحظات غلبها النوم من الحماس والسرور الذى كانت تعيشه في تلك اللحظات فنامت على الأريكة حيث كانت جالسة نصف ممددة عليها ...

-----------------------------------------------------------------------------------------

مرت الأيام الثلاثة على الأصدقاء الأربعة بنفس احداثها .. فكل يوم يلتقوا ليصطحبوا مصطفى الى مكان جديد .. حيث يقضون وقتهم في الحديث عن الذكريات والضحك ..
رجع خالد الى بيته بعد أن أحبط جميع محاولات توفيق في أن يتعرض لسلمى .. رجع مجهدا من قلة النوم .. فهو كان يقضى اليوم بأكمله خارج الفندق وفى المساء كان لا ينام جيدا بسبب مشاركة أمجد له الغرفة وأيضا بسبب أحاديثه أثناء النوم مع نفين .. وقد عرف تقريبا بعض الأمور عنها من تجميع كلمات أمجد اليومية ولكنه آثر ألا يسأله عنها وعن كلامه أثناء النوم فهو يعلم مدى أهمية الخصوصية عند أمجد ..

كما عاد أمجد الى بيته وحيدا كما كان ، وأيضا عاد توفيق الى اسرته وزوجته التي لا يجد فرصة الا وجاملها فيها والقى عليها كلمات الحب والمدح الكاذبة من وراء قلبه حتى تساعده في الوصول الى مراده من ورث ابيه الذى بين يدى عمه وأولاده ..ولكنها كانت تعلم جيدا مراده ومبتغاه منها فكانت لا تلقى بالا لما يطلب منها وكان هو لا يمل من المحاولة ..

ولكن الحق يقال أن مصطفى كان خلال هذه الأيام البسيطة هو أسعدهم بالخروج كل يوم وتغيير الجو الكئيب الذى كان يحياه شبه وحيد في بيته ..

وبرجوع الثلاثة الى بيوتهم بدأت مشكلة الحاجة الى مرافق لمصطفى تطفوا على السطح من جديد .. كانت سلمى قد تكلمت مع طبيبه ليجد له مرافق غير اجلال .. وكان الطبيب قد وعدها أن يرسل لهم مرافق جديد في أقرب فرصة .. ولكن مرت الثلاثة أيام ولم يخبرهم شيئا فاضطرت سلمى الى أخذ إجازة في اليوم الرابع لتبقى مع مصطفى لرعايته .. و لكنها كانت قلقة بشدة أن يستمر الحال على هذا الوضع .. فهي من ناحية لديها أعمال من الصعب عليها أن تتركها وتتفرغ لرعايته .. ومن ناحية أخرى هي لا تستطيع أن تتحمله وتتحمل نرفزته عليها طوال اليوم .. فهى عندما تتركه نصف اليوم يصبح لديها القدرة على تحمل أي شيء منه باقى اليوم.. لذا فكرت في عم خميس كحل مؤقت حتى يجد لهم طبيبه ممرضة أخرى ..

تذكرت سلمى أنها وضعت ورقة أرقام تليفونات عم خميس فوق طاولة صغيرة بجوار باب الشقة فأسرعت اليها وأمسكتها بيدها .. ثم دخلت على مصطفى الحجرة وكان جالسا على كرسيه بجوار النافذة يتطلع الى الشارع ..

قالت بهدوء: مصطفى.. تحب أعمل لك حاجة تشربها ..
رد مصطفى بدون أن ينظر اليها .. لا ..
سلمى بتوتر : طيب أنا كنت عايزه آخد رأيك في موضوع ..

التفت اليها مصطفى دون اهتمام ودون تعبير على وجهه قائلا: خير يا سلمى .. موضوع ايه ..
سلمى بتلعثم : انت عارف انى لازم اروح الشغل بكرة .. والدكتور لغاية دلوفتى مردش بخصوص الممرضة .. ايه رأيك لو نطلب من عم خميس جارنا انه يفضل معاك لغاية ما ارجع من الشغل ..

نظر اليها مصطفى بوجه خالى من أي تعبير كأنه يأس من كل شيئ ، فأكملت سلمى .. بصراحة هو لما كان هنا عرض على انه معندوش مانع انه يفضل معاك .. بس أنا شكرته وقلت له ان الدكتور ح يبعت ممرضة تانية بدل اجلال.. انت ايه رأيك؟

لم يسمع مصطفى سؤالها الأخير ولم يرد عليها .. فقد كان شاردا في حاله ينظر الى النافذة .. فقالت سلمى بصوت أعلى كأنها تنبهه حتى يجيبها .. مصطفى .. انت سمعتنى ؟؟!!
رد مصطفى منتبها الى نبرة صوتها : هه .. كنتى بتقولى ايه ..
سلمى وهى تعيد السؤال من جديد بنبرة رقيقة : ايه رأيك لو عم مصطفى يرافقك بدل اجلال لحد ما نشوف ممرضة جديدة..
مصطفى بنبرة اليأس: اللى تشوفيه يا سلمى ..
سلمى:طيب.. هو ساب لى نمرة تليفونه .. أنا ح أقوم اطلبه وأطلب منه ييجى لنا علشان نتفاهم في اللى مطلوب منه والأجر اللى ح ندفعه له ..
مصطفى: أيوه .. بس تفتكرى لو عرضنا عليه أجر ده مش ح يجرحه..
سلمى بحيره: مش عارفة يا مصطفى .. بس في النهاية الراجل ح يأدي عمل ولازم يكون له أجر واعتقد ان طبيعى اننا نعرض عليه مقابل لعمله ..
مصطفى : طيب يا سلمى .. بس ياريت تحاولى وانتى بتعرضى عليه موضوع الأجر ده تحاولى يكون بطريقة مفيش فيها إهانة او جرح له ..
سلمى بغضب وهى تحيد نظرها عنه : جرى ايه يا مصطفى .. هو أنا من أمتى كنت بجرح أو بهين أي حد ..
مصطفى بتلعثم: آسف يا حبيبتى أنا مقصدش .. بس الراجل واضح انه طيب وخدوم وعلشان كده خايف اننا نضايقه ..
لم تعلق سلمى واتجهت للتليفون وطلبت رقم تليفون منزل عم خميس .. وبعد لحظات ردت حسنة زوجة خميس عليها : ألو ..
سلمى: مساء الخير .. أنا مهندسة سلمى جارتكم في الدور التانى ..
حسنة: يا أهلا وسهلا يا باشمهندسة .. ازى حضرتك .. يارب تكونى والباشمهندس بخير .. اؤمرينى يا حبيبتى ..
سلمى: أهلا بيكى يا ست .. ثم سكتت لحظات فهى لا تعلم اسمها..
حسنة بحماس : حسنة يا حبيبتى .. اسمى حسنة .. أنا مرات سى الأستاذ خميس ..
سلمى : اهلا يا ست حسنة .. يا ترى ممكن أتكلم مع عم خميس ..
حسنة: أيوه .. حاضر .. وماله يا حبيبتي .. ثم نادت وهى مازالت ممسكة بسماعة التليفون بعد أن أبعدتها عن فمها قليلا : ياسى خميس .. يا أبو بسمة .. تعالى .. الباشمهندسة سلمى مرات الباشمهندس مصطفى عايزه تكلمك ..

خرج خميس من حجرته الصغيرة يهندم بيجامته ويمشط شعره بيده كأنه سيلتقى مع سلمى وجها لوجه وليس من خلال التليفون .. ثم التقط سماعة التليفون من يد حسنة قائلا بحماس : أهلا وسهلا باشمهندسة .. يارب تكونى والباشمهندس بخير

سلمى باقتضاب: أهلا بيك يا عم خميس .. احنا بخير الحمد لله .. سكتت للحظة ثم اردفت بتردد .. يا ترى وقت حضرتك يسمح تتفضل عندنا .. كنت عايزة أتكلم معاك أنا ومصطفى في موضوع ..
خميس بحماس أكثر : اوى .. اوى .. حضرتك تؤمري .. في أي ساعة تحبى حضرتك ؟
سلمى : الساعة ستة مساءا لو يناسبك
خميس : يا خبر .. طبعا يناسبني يا فندم .. ستة بالثانية ح أكون على باب سيادتك..
سلمى : شكرا يا عم خميس ..
خميس: العفو يا ست هانم .. أنا تحت أمرك ..

--------------------------------------------------------------------------------------

مضت الأيام الأربعة على اجلال بعد أن تركت رعاية مصطفى وهى تعانى أشد المعاناة من عائلة زوجها بالإضافة الى زوجها السلبى الذى ليس له هما في الحياة سوى ابتزازها والاستيلاء على ما تتقاضيه من مرتب أو اكراميات المرضى .. كانت في حالة نفسية سيئة للغاية فقبل أن يجبرها على ترك رعاية مصطفى لم يكن لهم الوقت الكافى لمضايقاتها فوقتها كان موزع بين العمل بالمشفى ورعاية مصطفى فكانت قلما تتقابل معهم .. ففي المساء المشفى وفى الصباح تتواجد لدى مصطفى .. ولكن بعد أن أجبرها على ترك العمل لدى مصطفى أصبحت تعانى منهم ومن خدمتهم جميعا طول الصباح حتى تذهب للمشفى مساءا لتعود صباح اليوم التالى لنفس العذاب ..

في اليوم الخامس كانت عائدة من المشفى وهى تكاد أن تسقط أرضا من الاعياء .. فهى قد قضت مساء الليلة الماضية دون نوم وفى عمل شاق لوصول عدد من الجرحى جراء حادث كبير على الطريق الدائرى راح ضحيته عدة أناس والمصابون كانوا أكثر.. وبمجر أن دخلت من باب الشقة وكانت قد تأخت عن ميعادها حوالى ساعتين .. وجدت حماتها جالسة في مدخل الشقة وبجوارها إبنتها السمينة .. كان واضحا انهم في انتظارها .. ليبدأ وابل من الاهانات والسخرية .. فآثرت الصمت والا ترد عسى ان يرحموها ويتركوها لتنام ولو لساعات قليلة ..

توجهت الى غرفتها لتجد زوجها مازال نائما .. فهو لا يستيقظ الا بعد صلاة الظهر واحيانا الى ما قبل صلاة العصر بقليل .. فهو عاطل لا يعمل واذا عمل عملا مؤقتا يكون في بيع بعض المخدرات ويكون ذلك غالبا ليلا .. ليكمل سهرة تعاطى الحشيش مع أصدقائه حتى الساعات الأولى من الصباح ..

لم تلتفت إليه أو حتى تنظر ناحيته كأنه جزء من السرير اعتادت على تواجده عليه حتى وان كان مستيقظا .. وما هي سوى لحظات الا وبدأ يتحرك في سريره ويفرك فيه محاولا استكمال نومه الذى ارقته والدته وأخته وهما يتحرشان بإجلال لفظيا بصوت عال ..

لم تلقى لهم بالا ولم ترد شتيمتها .. بل بدأت في تغيير ملابسها في هدوء الى أن قامت العاصفة حين دخلت أمه عليها متهجمة وهى لم ترتدى ما يسترها بعد فدفعتها بقبضتها في كتفها قائلة بصوت عال ووابل من الشتائم : أنتى م بترديش على يا **** ثم شدت قميصها الداخلى فمزقت كتفه الرفيع فكادت أن تتعرى تماما لولا انها أمسكت بطرف حمالته وسترت نفسها بيدها ودفعتها باليد الأخرى لتقع على الأرض.. تأوهت أمه وأخذت تولول وعلا صوتها أكثر ليصحو هو في هذه اللحظة ويجد أمه ملقية على الأرض ..

فى هذه الأثناء انقضت اخته عليها كالكلب المسعور لتجرها من شعرها وتسحبها خارج الغرفة لتنهال عليها ضربا .. كان هو ينظر الى المشهد مذهولا .. كل ما يذكره هو دفع اجلال لأمه .. وبعد لحظات قام مندفعا ليساعد امه على النهوض والتي كانت في هذه اللحظات تتأوه وتتصنع البكاء مما زاد نار غضبه من اجلال فترك أمه واندفع الى اجلال ليركلها عدة ركلات بقدمه في بطنها وهى تقبع تحت جسد اخته الضخم لا حول لها ولا قوة .. في هذه الاثناء سمعت خالتها فاطمة من احدى الجيران ما يحدث لاجلال فأسرعت لنجدتها وما ان دخلت وشاهدت ابنتها في هذا الوضع حتى القت بنفسها عليها لتحميها وتتلقى عنها بعض الركلات ولم يشفع لاجلال سوى انها من شدة ضربهما لها بهذه الوحشية ومع شدة صراخها من الألم ذهبت عن الوعى فتركاها بعد ان لان قلب الجيران الذين تجمعوا على صوت صراخها فخلصوها وخالتها من بين ايديهم .. ليفاجأ الجميع ب نزيفا بندفع من تحتها بغزارة .. فاسرع الجيران الى احضار بطانية لسترها فقد كادت ان تكون عارية تماما وحملوها ليسرعوا بها الى المشفى .. أما خالتها فجرت وبعض من الجيران الى قسم الشرطة لتحرر لهم محضر اعتداء على ابنتها ..

-----------------------------------------------------------------------------------------

وصل عم خميس الى باب سلمى ومصطفى تماما في الميعاد .. كان مهندم المظهر كأنه ذاهب لمقابلة عمل .. يرتدى بنطال أسود وقميص بلون السماء الصافية ويضع عطرا رخيصا لكنه نفاذا بدرجة كبيرة ..

طرق الجرس وبعد لحظات فتحت له سلمى الباب وحيته ودعته الى الدخول ولاحظت اهتمامه بملبسه ونظافته هذه المرة عكس المرة السابقة .. والتي كان يرتدى فيها ملابس تكاد تكون أقرب لملابس البيت..

دخل خميس مطرقا رأسه الى الأرض صائحا وهو يتنحنح : يا ساتر وكأنه داخل على مجموعة من النساء .. ضحكت سلمى بدون صوت من خلفه واضعة ظهر يدها على فمها ..

كان مصطفى يجلس على كرسيه المتحرك بجوار كنبة الانتريه .. فأسرع خميس اليه منحنيا وممسكا يده لياخذها في كفه ويسلم عليه بحرارة .. فرحب به مصطفى بابتسامة بسيطة: أهلا يا عم خميس .. شرفتنا .. اتفضل استريح ..

سألته سلمى عن ما يحب أن يشرب .. فاعتذر في البداية بأنه لا داعى لان تتعب نفسها وانه قد شرب في بيته قبل أن ينزل لهم ..ولكنها أصرت .. فقال لها لا بأس بكوب من الشاي..

تركتهم سلمى وذهبت الى المطبخ ليسود الصمت بينهم للحظات .. فبادر خميس بالسؤال عن صحة مصطفى .. فرد عليه مصطفى انه بخير والحمد لله .. ثم عادا للصمت مرة أخرى .. ليسأله خميس مرة أخرى عن حاله .. فأجابه مصطفى بنفس الإجابة .. وبعد لحظات أخرى وقبل أن يعاود خميس السؤال للمرة الثالثة دخلت سلمى ووضعت أمام خميس صنية عليها فنجان من الشاي وكوب من الماء وطبق صغير به قطع من الكيك..

نظر اليها خميس مبتسما فائلا: تسلم ايدك يا ست الكل .. والله ما كان فيه لزوم لتعب حضرتك ..
ابتسمت سلمى وناولته كوب الشاي قائلة .. دى حاجة بسيطة يا راجل يا طيب .. وبعدين خيرك سابق .. أنا ومصطفى بنكرر شكرنا لك على اللى عملته معانا ..

رد خميس بخجل وحماس في نفس الوقت : يا خبر يا باشمهندسة .. لا لا ماتقوليش كده .. ده أنا لو طلت أخدمكوا برقبتى .. وياريت الباشمهندس يكون مستريح مع الممرضة الجديدة..

ردت سلم بحزن ويبدو عليها الهم: للأسف لسه الدكتور بتاع مصطفى ملقاش ممرضة تانية لغاية دلوقت..
رد خميس بتعجب وحماس: يا خبر طيب ومين بيفضل مع الباشمهندس .. لا حول ولا قوة الا بالله ..
ردت سلمى: أصحاب مصطفى كانوا معاه التلات أيام اللى فاتوا وانا أخذت إجازة النهارده .. وعلشان كده أنا طلبتك ..
رد خميس بحماس أكبر : يا خبر يا هانم .. ده أنتم تأمروا .. م تشليش هم .. ربنا ما بيقفلش باب الا ويفتح شباك .. والباشمهندس في عينى .. أنا ح أكون معاه يوميا من صباحية ربنا لغاية ما تشرفى من شغلك ..

تفاجأ كل من سلمى ومصطفى من سهولة التعامل مع خميس .. فهو حتى لم يحوجهم لطلب شيئ .. كم هو رجل رائع .. فبالرغم من بساطته وبساطة حاله الا انه يتعامل مع الآخر من منطلق أنساني رائع ..

ابتسم مصطفى وهو ينظر الى خميس ثم سلمى وكأن لسان حاله يقول أن العبرة ليست بالقرابة .. فهاهم أولاده الذين هم من صلبه وأقرب الناس اليه لم يبادروا حتى بالسؤال والاطمئنان عليه وهو الذى قد أفنى عمره قبل أمواله عليهم .. وها هو الغريب الذى لم يتقابل معه سوى مرة واحدة قبل هذه المرة يعرض وده وخدماته عليهم قبل أن يطلبوا ..
من هذه اللحظة دخل خميس قلبى مصطفى وسلمى من أوسع أبواب قلوبهم وكانوا على استعداد لاعطائه اعلى الأجور مقابل ما منحهم .. ولكنهم كانوا في حيرة .. كيف يخبروه بموضوع الاجر هذا .. وكيف سيكون رد فعله ..

سادت لحظات صمت قليلة .. فبادر مصطفى لقطع رتابة الصمت فقال بتردد وتلعثم وهو ينظر الى خميس تارة والى الأرض تارة أخرى : أسمع يا عم خميس .. مفيش كلام يتقال ادام كلامك وكرمك ..

حاول خميس أن يتكلم ليرفع الحرج عن مصطفى الذى رفع كف يده أمام خميس فسكت خميس واردف مصطفى ليقول : أنت جارنا وربنا يعلم اد ايه أنت دخلت قلبى .. بس الشغل شغل .. علشان كده وقتك اللى ح تقضيه معايا لازم يكون له مقابل ..
عند هذه الجملة لم يسكت خميس وصاح : مقابل .. !! لا لا يا باشمهندس مقابل ايه اللى بتتكلم عليه .. ده احنا اخوات .. لا لا .. أنا مش ممكن آخد منك أجر المحبة والود بين الجيران .. ياخبر يا أولاد .. هي الدنيا جرى فيها ايه .. مقابل .. لا حول ولا قوة الا بالله .. .... ... أضطر مصطفى ليقاطعه حتى يوقف ما بدأه .. فقال بهدوء وحزم شديدين : وأنا مش ح أقبل الا لما توافق على اللى أنا قلته ..

هنا تدخلت سلمى حتى لا تصعب الأمور و تحل هذه المعضلة .. اسمع يا عم خميس .. الدنيا أخد وعطا .. وزى احنا م حناخد من وقتك لازم أنت توافق على انك تاخد المقابل له والا كده المثل مش ح يتركب على بعض ..

نظر خميس الى الأرض في حزن وقال : لا يا باشمهندسة المثل ح يتركب على بعضه يوم ما احتاج لكم وتقفوا جنبى .. هو ده اللى يقصده المثل .. والأيام دول .. ثم نظر الى مصطفى وقال .. ولا ايه يا باشمهندس ..

رد مصطفى بود وهو يبتسم : غلبتنا للمرة التانية يا راجل يا طيب .. بس لو بتحبنى صحيح وافق على شرطي علشان ارتاح ..

قال خميس وهو مطأطأ الرأس من الحزن .. اللى تشوفه يا باشمهندس .. خلينا بس نبتدى وبعد كده يحلها الحلال .. ثم أردف وهو يهم بالقيام للإنصراف : تحبى أكون عندكم من الساعة كام يا باشمهندسة ..

ردت سلمى بتردد وهى في خجل من الموقف فقد احست بمدى حزن وضيق خميس من إصرارها هي ومصطفى على دفع اجر له مقابل خدماته .. كان من الممكن أن يرفض ولكنها تعلم ان شهامته لا تسمح له ان يتركهم في حاجة وهم في ظروفهم تلك .. فقالت : بالله عليك يا عم خميس م تكون زعلان منا .. بس صدقنى الموضوع ح يكون صعب علينا لو حضرتك م قبلت انك تاخد مقابل تعبك .. عموما أنا ح أدى حضرتك نسخة من مفتاح الشقة .. أنا بنزل للشغل الساعة تمانية ونص الصبح .. لكن مصطفى بيقوم من النوم على حدود الظهر .. وانت شوف الوقت اللى يناسبك وتعالى ..
رد خميس وقد بدأت تنبسط عضلات وجهه قليلا ليزول بعض الضيق : لا يا باشمهندسة .. مفيش داعى للمفتاح .. أنا ممكن آجى وقت ما حضرتك بتخرجى ..

سلمى: ينفعش يا عم خميس حتى لو انت حابب تييجى بدرى لازم يبقى معاك نسخة من المفتاح .. محدش عارف الظروف .. وبعدين ده طبيعى .. واجلال كان معاها نسخة ..والى الان مرجعتهاش ..
رد مصطفى بتعجب : ايوة بس ده غلط انك تسيبى معاها نسخة لغاية دلوقتى ..
سلمى: ولا غلط ولا حاجة .. اللى عايز يأذى مش مستنى نسخة مفتاح .. وبعدين هي انسانة كويسة جدا وأكيد محتفظة بالمفتاح للآن على أمل انها ترجع .. ثم اردفت اتفضل النسخة يا عم خميس ..

مد خميس يده وإلتقط المفتاح ثم قال .. اسيبكم أنا دلوقتى .. واشوفك بكرة يا باشمهندس .. تصبحوا على خير ..

غادر خميس وترك سلمى ومصطفى كل منهم ينظر للآخر ويتحسر في نفسه على أولاده وسلوكهم تجاه والديهم .. فلولا جحودهم ما كانت حوجتهم للغرباء..........


بقلم : ممدوح السيد
الى اللقاء فى الفصل الثامن


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 08:37 PM   #22

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

المشرفات الأفاضل
اليكم رابط رواية البدايات الجديدة للكاتب : ممدوح السيد .. والحاصلة على التميز مع حصولى على العضوية الفضية ..
https://www.rewity.com/forum/t467235.html

مع العلم انه قد تم فقد أربعة عشر فصلا من الرواية .. ولدى اقتراح ارجو الرد عليه .. هل يمكننى رفع الرواية من الفصل الأول حتى الفصل الواحد والعشرون على ملف وورد على احدى مواقع الرفع وارسال رابط الرفع اليكم حتى يتم نزال الرواية من البداية ؟؟


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 12:35 AM   #23

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الروايه وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء






قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 08:27 AM   #24

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثامن

الفصل الثامن

كان أيمن خلال الايام السابقة يتقرب أكثر من أشرف .. يريد أن يدخل الى حياته الزوجية ليفسد ما بينه وبين زوجته لعله ينجح في انفصالهما .. وأخذ من قصة مرضه سبيلا لذلك ، فأوهم أشرف أنه قد قام بعمل تحاليل في اليوم التالى لتعبه وأنه في انتظار النتائج .. ثم بعد يومين أخبره أن نتائج التحاليل جاءت سلبية وانه يعانى من مرض خبيث في معدته ليتعاطف معه ويقضى معه معظم الوقت يستطيع فيه أن يفسد عقله وقلبه تجاه زوجته .. فيثير المشاكل بينه وبين رنيم أكثر مما هي عليه ..

بالفعل تأثر أشرف كثيرا بما أخبره به أيمن والذى طلب منه وعدا بان لا يخبر أحدا بموضوع مرضه .. فوعده أشرف بذلك .. ولم تمر الا أياما قليلة كان أشرف يقضى معظم وقته مع أيمن .. حتى بدأ يهمل بيته أكثر فأكثر .. ليبيت معظم الوقت مع أيمن الذى كان يشعره بحاجته اليه فى تمثيله للألم .. فيضطر أحيانا للمبيت معه .. ليثير بذلك الشك في صدر رنيم وتشتعل الفتنة والمشاكل بينها وبين زوجها الذى لن يستطيع ان يبرر لها اين يتأخر وأين يبيت .. فهو قد وعد أيمن بأنه لن يفشى سر مرضه لأحد ..

لم يعلم ولم يعرف كلاهما من هي رنيم وما هي ماهيتها .. بل وما أصبحت عليه .. كانت رنيم في هذه الأيام قد اتخذت قرارات مهمة في حياتها وبدأت بداية جديدة من أجل نفسها وقبل أي أحد ..
فأيمن بالنسبة لها هو مجرد صديق لزوجها عرفها عليه أشرف يوما بالصدفة في النادي قبل زواجهما .. وقد حضر زفافها مثل بقية أصدقائه .. اذن هو لا يمر حتى بمخيلتها مطلقا الا عندما كانت تتذكر كم كانت تغضب من قضاء زوجها أوقاتا طويلة مع أصحابه ويتركها وحيدة .. وكان هو أحد هؤلاء الأصحاب .. أما أشرف .. فهو زوجها الذى تحبه ولكنه قد أجبرها .. بل أرشدها دون قصد على تغيير حياتها معه .. وهو بالرغم من حبهما الذى استمر سنتين بالإضافة الى ما يقرب سنة زواج لم يعرفها جيدا ..

ولكن الأمور لم تكن بهذه السهولة .. أن تتحول بهذا الشكل لم يكن أمرا سهلا .. فهي طوال الوقت كانت في صراع داخلي كبير بين ما هي عليه وما تريد أن تفعل ..

تكلمت رنيم مع أمينة في اليوم التالي لليوم الذى تكلمتا فيه في النادي .. قالت لها ما فكرت فيه وما سوف تفعله .. ليس فقط تجاه زوجها بل تجاه حياتها كلها .. وقد أبدت لها أمينة سعادتها بها وبطريقة تفكيرها وشجعتها على البدايات .. وطلبت منها أن تكون من قراء خواطرها ورواياتها فأضافتها لحساب الفيس بوك لديها واشتركت معها في مجموعات أصدقاء الروايات ..

بالفعل .. في هذا الصباح إستيقظت رنيم مبكرا لصلاة الفجر ثم اعداد الإفطار لها ولزوجها في الثامنة صباحا .. ثم بدأت بعد أن خرج زوجها للعمل في انهاء أمور البيت فأنهت الغذاء مبكرا ولم يكن لديها شيئا لتفعله ..

تذكرت ايامها السابقة .. فهي في مثل هذا الوقت تكون مازالت نائمة لتستيقظ ربما لما بعد صلاة الظهر لتنهى عمل الغذاء وتظل لا تعمل شيئا سوى تصفح الفيس بوك والتفكير في تصرفات أشرف وكيف ستعاتبه أو حتى تخانقه .. أما اليوم فهي قد بدأ يومها أيضا على الفيس بوك ولكن ليس للتصفح فقط ، بل لتبحث عن مجموعات ومنتديات متخصصة بالأدب وكتابة الروايات والأشعار لتشترك بها وتطلع على الأعمال الأدبية التي يعرضونها عليها .. وبعد أن قضت ما يقرب من أربع ساعات على إحدى هذه المجموعات .. أعجبت بإحداها وقررت الاشتراك بها .. ثم بدأت بقراءة الخواطر المدونة لبعض المشتركين فاكتشفت ان ما كانت تكتبه واحتفظت به في صندوق ذكرياتها لا يقل مستوى أو روعة عما قرأت .. فتشجعت لنشر بعضا من خواطرها كبداية ..
كانت رنيم متحمسة وهى تشارك بالرأي والتعليق على المدونات للآخرين .. وفى بعض الأحيان كانت تدخل في نقاش مع الآخرين والنقد أحيانا فأصبح لديها أصدقاء جدد من أول يوم ..

تنبهت رنيم على صوت آذان المغرب .. فنظرت الى الساعة وقد مر الوقت ولم تشعر به .. .. كانت طوال هذا الوقت في اطلاع ونقاش ممتع مع الآخرين ومع نفسها ..

مر على ميعاد وصول أشرف حوالى ساعتين ولكنه لم يعد بعد .. فطلبت رقمه لتطمئن عليه ..
رنيم : أشرف حبيبي .. اتأخرت فحبيت أطمن عليك .. انت لسه في الشغل ..؟!
أشرف ببرود : لا أبدا أنا خلصت الشغل في ميعادي بس أتقابلت مع أيمن صاحبي .. أصله محتاجنى في مشوار كده ..
رنيم : مشوار ايه اللي بعد الشغل على طول .. طيب كنت ارجع اتغدى الأول وبعدين روح مشوارك ..
أشرف ببرود أكثر : مش ح تفرق أنا أكلت حاجة على السريع في الشغل .. كلى انتى .. أنا يمكن أتأخر شوية ..
رنيم بغضب : يعنى لو ما كنتش أنا اتصلت بيك أطمن عليك كنت سبتني جعانة استناك ..
أشرف بضيق: م تكبريش الموضوع يا رنيم .. أنا بس أنشغلت مع أيمن و سهى على انى أكلمك .. عموما حقك على .. م تزعليش ..

رنيم بهدوء وحزن حاولت اخفائه : طيب يا أشرف براحتك .. بس ياريت لو ح تتأخر زى كل يوم تقول لى علشان ابقى عاملة حسابى وم أقلقش عليك ..
أشرف : ماشي يا رنيم .. بس يا ريت م تنا ميش قبل ما أوصل ..
رنيم : ربنا يسهل .. سلام يا حبيبي ..
أشرف : سلام ..

تعجب أشرف من التحول الذى بدا واضحا على زوجته .. ليس من عاداتها أن تكون هكذا بهذا اللين والصبر على تصرفاته .. كانت سريعة الغضب والانفعال والشجار على ما يفعل.. ترى ماذا طرأ عليها ليجعلها تتقبل سلوكه بدون غضب أو شجار ..
بدأ القلق يتسرب الى أشرف ولكن للحظات وحسب .. حيث ناداه أيمن من شروده ..
أيمن بفضول مرتب: ايه يا بنى مالك رحت فين بعد المكالمة .. وكنت بتكلم مين ؟
أشرف: دي رنيم مراتي .. كانت بتطمن على ..
أيمن بخبث: الله يكون في عونك من الحكومة اللي بتلاحقك في كل مكان ..
أشرف وهو مازال شاردا : لا أبدا دي أول مكالمة من ساعة ما خرجت من الصبح .. ده حتى أنا مستغرب من تصرفاتها اليومين دول ..

أيمن وقد التقط طرف خيط مهم بالنسبة له .. فها هو أشرف سوف يبدأ يذكر له بعضا عن زوجته .. لعله يجد فيما يحكى ما يفسد العلاقة بينهم : مش فاهم .. مستغرب من ايه .. وايه الغريب في تصرفاتها ..

أشرف: لا أبدا .. بس هي متقبلة تأخيري بره البيت على غير العادة .. أصلها في الأمور اللى زى دى كانت بتعمل خناقة على اتفه الأسباب .. حتى اتصالها بي قل جدا عن اليومين اللى فاتوا .. ده لدرجة انها امبارح كان المفروض اصحبها من منزل والدها بس لما أتأخرت معاك م قدرتش اروح لها ورجعت البيت لقيتها رجعت لوحدها وكانت هادية جدا و م عملتش أي مشكلة .. مع انى كنت مستعد للخناق ..

ايمن: أنا آسف يا أشرف انى كنت ممكن اتسبب لكم في مشكلة وانتم حياتكم مش ناقصة .. بس الكلام اللى انت بتقوله عن تغيرها بصراحة يقلق فعلا .. قالها أيمن وهو يعلم انها سوف تثير الشك داخل أشرف الذى بالفعل بدأ يشرد ويركز أكثر مع تصرفات رنيم الأخيرة ..

نظر أيمن الى أشرف بعين فاحصة فعلم أن أهم خطوة في مخططه قد تحققت .. فقد دخل أشرف دائرة الشك ..

---------------------------------------------------------------

أنهت أمينة حديثها مع غادة وقد اتفقتا على أن تتعرف أمينة على حسام بطريقة أو بأخرى .. ثم أعادت أمينة الموبايل واللاب توب الى غادة على وعد من غادة أن تحكى كل ما يدور بينها وبين حسام .. ولم تنسى أن تذكرها أن هناك خطوط حمراء لا تتجاوزها ولا تسمح لآخر أن يتجاوزها معها أبدا ..

دخلت غادة الى حجرتها بعد أن انهت حديثها مع أمها وهى في حالة من الذهول والخوف والحزن والرضا والسعادة في آن واحد .. فهي تارة تتذكر لحظة اكتشاف أمها للحديث مع حسام فتذهل .. ثم تتذكر انه ربما تخبر أمها ابيها عما حدث فتخاف لأنها في هذه الحالة سوف تخسر ثقة ابيها فيها .. وفى نفس الوقت تخاف أن تفقد هي الثقة التي اكتسبتها مؤخرا في أمها .. واذا تذكرت الصفعة على وجهها تحزن فهذه أول مرة في حياتها تتلقى صفعة على وجهها .. وللأسف كانت من أمها .. وأحيانا تشعر بالرضى لأنها أحست بأن أمها أصبحت تعلم سرها وتثق بها وكانت من قبل تتحدث مع حسام فتشعر أنها لصة تسرق ما ليس من حقها .. وأخيرا .. هي تشعر بالسعادة لأن المسافات بينها وبين حسام سوف تقترب أكثر وعلاقتها معه سوف تصبح في النور بمجرد أن تتعرف أمها على حسام وتقتنع بشخصيته وأنه مناسب لها كزوج .. الا انه يكبرها قليلا في العمر وهذا ما لا ترفضه هي .. وهنا أحست غادة أنها أحبت حسام .. فأطلقت العنان لقلبها وبدأت تفكر فيه من هذا المنظور .. الحب .......

بمجرد أن فتحت غادة تليفونها .. وجدت أن حسام قد أنصل بها عشرات المرات .. تبسمت وأحست بالسعادة لاهتمامه هذا بهذا الشكل .. ثم قامت بتشغيل اللاب توب وبعد لحظات كان حسام يتصل بها من خلال الشات ..

ردت غادة بثبات : أيوه يا حسام ..
حسام بلهفة : غادة .. طمنينى عليكى .. ايه اللى حصل .. انتي قفلتي التليفون واللاب توب فجأة .. ايه اللى حصل أنتى خضتينى عليكى جدا .. وكنت ح اتجنن علشان اطمن عليكى ..

كانت غادة في سعادة بالغة مع كل كلمة من حسام تشعر فيها بلهفته عليها .. فيتفتح قلبها له كالزهرة التي تتفتح لندى الفجر وشمس الصباح ..

ردت غادة بهدوء : أبدا .. كنت في تحقيق من ماما .. أصلها اكتشفت انى بتكلم معاك .. وسيادتك مقضيها كلام عاطفى لغاية م حطيتني في مشكلة معاها ..
حسام مندهشا: ياخبر .. وانتي قولتي لها ايه ؟ ..
غادة : طبعا قلت لها الحقيقة ..
حسام: اللى هي ..؟!!
غادة : اننا أصدقاء ..
حسام: وهى اقتنعت .. وح تسيبك تتكلمى معايا تانى ..
غادة : غالبا .. بدليل انى بكلمك دلوقت .. بس هي عندها شرط علشان تسمح لنا بالكلام ..
حسام .. اللى هو ؟
غادة : انها تتعرف عليك ..
حسام مندهشا : معقول .. طب وده ح يتم ازاى .. ثم اردف ممازحا .. ايه رأيك اعمل معاها شات ...
غادة بحزم وغضب: حسام احنا مش بنهزر .. دى ماما .. يعنى اى كلام زى ده عليها أو على أي حد من اسرتى خط أحمر .. لو تجاوزته مرة تانية ولو حتى بالهزار حتبقى نهاية علاقتنا ..
حسام متراجعا: خلاص ياستى .. آسف متزعليش... سكت للحظة ثم اردف .. طيب تحب تتعرف على أزاي ..؟
غادة: هي بتفضل انك تتيجى اسكندرية تتقابل معاها .. بس أنا عارفة أن ده ممكن يكون صعب عليك لانك الى الآن متعرفنيش كما يجب .. أو بمعنى أصح مشفتش شكلي .. ومش من العدل انى أورطك وتيجى من بلد لبلد علشان واحدة أنت متعرفش شكلها .. وعلشان كده أنا قررت انك تشوف شكلي مرة واحدة فقط .. وبعدين تقرر .. وخد بالك أنا ح افتح الكاميرا خمس ثواني بالعدد ..وح ابدأ في الحال..

أحس حسام بسعادة بالغة .. فأخيرا سوف يرى شكل غادة .. وكان يدعو الله في نفسه أن تكون جميلة بالقدر الذى رسمه لها في خياله ..

بالفعل فتحت غادة كاميرا اللاب توب لمدة الخمس ثواني .. كانت خلالهم تبتسم له .. ثم أغلقت الكاميرا ..
أندهش حسام من جمال غادة وشكلها الذى فاق التصور الذى رسمه لها في خياله .. فكتب لها .. أنت أجمل بكتير من الصورة اللي رسمتها لك في خيالي .. حرام عليكى انك تخبى الجمال ده كله عنى طول الوقت ده .. وحرام اكتر ان بعد الحرمان الطويل ده أشوفك خمس ثوانى بس .. انتى مش عارفة انتى عملتي في ايه .. أنتى مش بس بهرتينى بشخصيتك بالرغم من صغر سنك .. انتى بهرتينى أكتر بجمالك .. أنا مش عارف أزاي ح يعدى على الوقت لغاية م نتقابل .. سكت للحظات قليلة ثم اردف وكأن نيران الحب تنبعث من كلماته التي يخطها لها عبر الشات .. غادة .. أنا حقيقي بحبك وحاسس انى مقدرش ابعد عنك .. يا ترى ايه هو شعورك ناحيتي ....

كانت غادة تستمع الى كلماته وهى منتشيه من السعادة .. فهي علاوة على انها مثل أي أنثى تحب كلمات الغزل .. الا انها أيضا تحب من يمدح فيها وفى شخصيتها وجمالها كثيرا .. فما أن سمعت اعترافه بحبه لها وشعرت بصدق مشاعره الا ونسيت نفسها ووعدها لأمها بعدم تخطى الخطوط الحمراء .. اجابته .. أنا كمان .. بحبك يا حسام ...

------------------------------------------------------------

في الوقت الذى كان يتم فيه اسعاف اجلال من النزيف ثم الكدمات التي أصابتها من جراء إعتداء زوجها واخته عليها .. كانت خالتها فاطمة قد حررت محضر بقسم الشرطة لعاطف واخته لإثبات هذا الاعتداء لعلها واجلال تستطيعا التخلص من عاطف بل ومن عائلته جميعهم .. فهي قد فاض بها الكيل من زوجها المدمن الفظ ..

وطبقا لما كانت ترى من حياة اجلال .. وما كانت تشتكيه لها من سوء معاملة عاطف وأهله لها وانها تتمنى لو تستطيع الخلاص منه .. اتخذت قرارا فطريا من توجيه احد الجيران بان تحرر محضر الشرطة لحفظ حق ابنتها ..

وصلت فاطمة الى المشفى بصحبة أمين شرطة الذى أخذ أقوال اجلال بعد إتمام اسعافها ووقف النزيف .. ثم أخذ أقوال الأطباء المعالجين الذين أكدوا أن الإجهاض كان سبب النزيف وأن الضرب الذى تعرضت له كان هو السبب المباشر في اجهاضها .. علاوة على الكدمات التي اصابتها والتي تستدعى علاجا أكثر من واحد وعشرون يوما ..

قضت اجلال ثلاثة أيام بالمشفى بصحبة خالتها حتى تتعافى .. كان جميع زملائها العاملين بالمشفى في خدمتها .. لم تكن تعلم انها كانت حامل .. بل كانت مفاجأة لها .. ولكن الصدمة كانت في الإجهاض .. فبالرغم من معيشتها القاسية وما كانت تعانيه من زوجها وأهله الا انها حزنت كثيرا على فقدان الجنين الذى طالما تمنته وحلمت به .. لذا قررت أن تنفصل عن عاطف ..
كان عاطف في هذا الوقت يتلقى اخبار اجلال وما حدث لها من احد الجيران الموالين له ..وكان في حالة من الرعب والندم جراء ما حدث منه وأهله وما حدث لها .. واشد ما زاد غمه هو فقدان الجنين الذى طالما تمناه هو أيضا ..

كان ينتظر ويتوقع بين اللحظة والثانية أن يتم القبض عليه من قبل الشرطة .. ولذا هرب هو واخته عند أحد أقاربهم .. في حين قام زوج خالتها وحماتها بزيارتها في المشفى قبل أن تخرج بساعات .. وما أن رأتهم هي وخالتها حتى بدات في الصياح لاستدعاء أي من الزملاء لنجدتهم .. لكن اسرع زوج خالتها متوسلا هو واخته لتهدئتها .. وبالفعل هدأت قليلا بعد وصول أثنين من زملائها ..

دار الحوار بينهم .. فجانب أهل عاطف يتوسلون لها هي وخالتها للتنازل عن محضر الشرطة .. وهى وخالتها في إصرار شديد على المضي في سير المحضر .. الى ان توسلت لها أمه وبكت وجثت على ركبتها تريد أن تقبل قدمها حتى تسوى الموضوع بعيدا عن الشرطة .. إلا ان اجلال قد وضعت شرطا للتنازل وهو أن يتم طلاقها منه دون رجعة .. فأضافت خالتها وأن يتم تطليقها هي أيضا من زوجها ..

حاولت أمه وأخيها أن يثنيا كل من اجلال وخالتها عن شروطهما .. الا أن كلاهما أصرتا على هذين الشرطين .. فرجعت أمه وأخيها الى عاطف يخبرانه بشروط التنازل عن محضر الشرطة .. فهاج وغضب لكنه في النهاية لم يكن لديه مفر من القبول .. فقام هو وخاله بتطليق كل من اجلال وخالتها .. لكنه قد أقسم على أن ينتقم منها أشد الانتقام ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 08:35 AM   #25

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل التاسع

الفصل التاسع

عادت سلمى تنتظم في عملها .. فقد وفى عم خميس بإلتزامه في رعاية مصطفى .. كان يأتي يوميا اليه فيما بين العاشرة والحادية عشر .. فيجلس في صالة البيت حتى يستيقظ مصطفى بين الحادية عشر والنصف والثانية عشر .. فقد تعود مصطفى أن يستيقظ هو وسلمى قبل الشروق بدقائق ليصلى الفجر وتجهز هي الإفطار والغذاء ثم تفطر معه وتنزل الى عملها ليعاود هو النوم الى هذا الميعاد .. فينادى مصطفى على خميس الذى يدخل اليه حجرة النوم ويبدأ في رعايته فيجلسه على كرسيه ثم يصحبه الى الحمام ليقضى حاجته ويتوضأ لصلاة الظهر .. ثم يجلسا سويا لمشاهدة برامج التليفزيون .. أو يقوم مصطفى بتصفح الفيس بوك خاصته .. وفى بعض الأحيان كانا يتبادلان الحديث والنقاش في أي من موضوعات الحياة .. الى أن يمر الوقت فترجع سلمى من عملها لتشكر خميس على مجهوده ويتركهما ليصعد لزوجته وابنته ..
فى بعض الأحيان كان خميس يستأذن من مصطفى لبعض الوقت الذى كان لا يزيد عن الساعة لقضاء حاجة اسرته ..

في أحد الأيام تعب خميس وأصابته حمى شديدة فلم يستطع النزول الى مصطفى .. فطلب من إبنته ان تقوم بالمهمة بدلا منه .. فرفضت في البداية حيث أنها لم تعتاد على مثل هذه الأمور ، كما أن والدها كان أولى برعايتها في هذا الوقت .. ولكنها في النهاية رضخت لطلب ابيها الذى أصر على أن لا يدع مصطفى ينتظر وهددها ان لم تقوم هي برعاية مصطفى حتى يشفى هو من الحمى وينزل لرعايته فسوف يتحامل هو على نفسه وينزل اليه وهو في هذه الحالة ..

نزلت بسمة الى شقة مصطفى قبل أن يستيقظ بدقائق قليلة .. كانت في حالة من الخجل والخوف .. فهي لأول مرة تتعرض لمثل هذا الموقف وتمكث ساعات مع رجل غريب بمفردها وفى بيته .. ولكنها قالت لنفسها .. لا بأس فهو قعيد فلا داعى للخوف .. ولكن خجلها لم يمنعها من أن تكون في حالة شديدة من الاضطراب .. حاولت بسمة تهدئة نفسها بأنها طبيبة وهى أمام حالة مرضية فلا يجب أن تكون في تلك الحالة العصبية والمضطربة .. هدأت قليلا وجلست على أحد الفوتيهات ولكن عاد قلبها يدق بشدة حين سمعت صوتا يأتي من الداخل متثائب.. صباح الخير يا عم خميس ..

لم ترد في البداية .. فعاود الصوت يرتفع أعلا قليلا.. صباح الخير ..

اضطرت بسمة في النهاية أن ترد بصوتها الأنثوي المتلعثم الذى بالكاد سمعه مصطفى قائلة : صباح الخير .. ثم أدركت أن صوتها منخفض وربما لم يسمعها .. فعاودت بصوت أعلى .. صباح الخير يا باشمهندس ..

كان مصطفى قد سمعها في المرة الأولى ولكنه لم يصدق أنه قد سمع صوت أنثوى وليس صوت خميس ..

تحركت بسمة في هذه الأثناء لتقف على باب حجرة نوم مصطفى .. وما أن وقعت عينيه عليها حتى فغر فاه .. لا يعلم ماذا يقول .. وقبل أن ينطق ابتسمت بسمة في خجل وقالت بصوت متردد ومتلعثم في نفس الوقت : صباح الخير يا باشمهندس .. أنا بسمة بنت عم خميس .. وظلت ابتسامتها على شفتيها في انتظار رد فعله او أي رد منه ..
بادر مصطفى سريعا : خير يا بسمة .. بابا كويس ..

بسمة وهى تنظر الى الأرض : هو بخير حضرتك بس الظاهر أنه أخد دور برد امبارح وعنده حمى بسيطة ومقدرش ينزل لحضرتك النهاردة .. وأنا ح أكون بداله مع حضرتك .. سكتت لبرهة ثم اردفت بابتسامة وهى تنظر اليه : ده لو مش ح يضايق حضرتك ..

رد مصطفى الذى كان يتأمل بسمة منذ أن دخلت عليه الحجرة : يا خبر .. لا طبعا م يضايقنيش ابدا .. بس كان المفروض تكونى معاه تراعيه هو في الوقت ده .. أنا آسف تعبتكم أوى أنتى وبابا ..

ردت بسمة وهى تقترب من مصطفى وقد هدأت قليلا من التوتر: لا أبدا يا باشمهندش حضرتك م تعبتناش أبدا .. أنا عطيت بابا المضاد اللازم وبعد شوية ح أطلع اتابعه لو محتاج حاجة وأنزل لحضرتك تأتي ..

مصطفى : لا يا بسمة انتى ممكن تطلعي وانا ح اتصل بسلمى تستأذن من الشغل وتييجى ..
بسمة : مش ممكن أنت عايز بابا يزعل منى .. أحنا مش ح نزعج الباشمهندسة سلمى .. والأمور ح تمشى زى كل يوم بس مع تغيير صغير .. بسمة خميس بدل عم خميس .. قالتها وهى تضحك قليلا ..

ابتسم لها مصطفى فقد كان سعيدا من داخله أن تراعيه هي وتجلس معه بدلا من ابيها كنوع من التغيير .. ربما أحب ذلك لأنه أحس من نظرتها عطفا يفتقده من أبنائه .. بل ومن زوجته أيضا ..

كان خميس قد حكى لبسمة عن النظام وما كان يفعله هو في رعاية مصطفى .. لذا لم يحتاج مصطفى أن يطلب
منها شيئا فقد بادرت هي وقالت له بابتسامة صافيه : أعتقد اننا نسيب السرير بقى يا باشمهندس ونبتدى يومنا .. قالتها وهى تجلس على حافة السرير وتمد له يدها لتساعده في القيام من السريير والجلوس على الكرسى المتحرك للذهاب الى الحمام .. سكتت للحظات حتى استقر بمساعدتها فوق الكرسى .. ثم اردفت لتقول : ببعض الجد.. طبعا حضرتك عارف انى في كلية الطب وقربت اتخرج كمان .. يعنى تقدر تقول كده أنا دلوقت تلتين دكتورة .. يعنى واخدة على شغل التمريض وبالتالي مفيش كسوف بينا ..
لم يرد مصطفى لكنه أومأ برأسه بالموافقة ..

أنهى مصطفى حمامه .. ثم جلس بجوار الشباك ينظر تارة الى الشارع وأخرى الى التليفزيون وثالثة الى الموبايل .. فبادرت بسمة لكسر الجمود والملل المحيط بالمكان ..فمدت اليه رموت التليفزيون وهى تقول.. تحب حضرتك تتفرج على حاجة معينة في التليفزيون ..
رد عليه بقليل من الحماس : لا .. لا .. أنا مش من هواته .. اتفرجى انتى على اللى تحبيه ..

أغلقت بسمة التيفزيون بسرعة وهى تلتفت اليه تقول بحماس أشد من حماسه : أنا كمان مش من هواته.. أيه رأيك نلعب لعبة ..
نظر اليها مصطفى مندهشا مما عرضته للتو ليقول : لعبة .. لعبة ايه .. أنا .. أنا ..
قاطعته بسمة وهى ما زالت في حالة الحماس .: لا .. لا.. اللعبة دى مش محتاجة أي حركة .. هي أسمها لعبة الأغانى ..
قاطعها مصطفى : أغانى .. بس أنا مبعرفش أغنى .. وكمان صوتى وحش ..
بسمة وهى تبتسم قليلا .. لا يا أخى .. احنا مش ح نغنى .. احنا يادوب ح نقول جزء من الأغنية ..
مصطفى: طيب فهمينى اللعبة بالراحة ..

بسمة وقد اقتربت بكرسيها الذى كانت تجلس عليه من كرسيه ليفصلهم عن بعض أقل من متر .. شوف ياسيدى .. أنا ح ابتدى وأقول مقطع من أغنية .. من أي أغنية واسكت وانت تجيب مقطع من أغنية تانية بتبتدى بآخر حرف من المقطع اللى أنا قولته .. وهكذا واللى ما يعرفش يجييب مقطع يبقى هو المغلوب .. وايه رأيك الفورة من خمسة ..

مصطفى بحماس وقد أعجبته اللعبة : موافق .. بس خليينى أنا اللى أبتدى الأول ..
بسمة بمرح : ماشى يا عم .. ياللا أبتدى....
مصطفى بعد لحظات من التفكير : أهوالك وأتمنى لو أنساك ..
بسمة بسرعة البرق : كنت فين وأنا فين جيت لى منين ..

ابتسم مصطفى من سرعة بديهتها فقال بعد تفكير قليل : نورا نورا يا نورا .. يا وردة نادية في بنورا ..

ضحكت بسمة بصوت عالى كالأطفال : ياه يا باشمهندس .. فريد الأطرش .. ده انت قديم أوى .. ولا اللى طالع من فيلم عربى أبيض وأسود ..

ضحك مصطفى بمرح من تعليقها .. ومر الوقت بينهما وهما يضحكان من لعبة لأخرى .. كان مصطفى خلال هذا الوقت يمرح ويضحك من قلبه في سعادة لم يعيش مثلها منذ وقت طويل ..

مر اليوم الذى في خلاله استأذنت بسمة فيه مرة واحدة لتطمئن على والدها وتعطيه جرعة من الدواء حين وجدت أن حرارته قد ارتفعت مرة أخرى .. ثم عادت الى مصطفى .. الذى أتفق معها على أن يضيفها الى أصدقائه على الفيس بوك .. فرحبت هي بذلك ..كما أنهما تبادلا أرقام التليفون المحمول .. ثم اضطرت الى ان تتركه قبل أن تأتى سلمى بدقائق لتطمئن على والدها مرة أخرى .. فرحب مصطفى وطلب منها أن تبلغه سلامه .. وأخبرها أنه سوف يتصل به بعد ساعة على تليفونها ليطمئن عليه ..

كان مصطفى بالنسبة لسلمى مجرد زوج طيب المعشر .. تشعر أحيانا بأنها تحبه ولكنها تعلم في قرارة نفسها أن حبها له من منطلق العشرة الطويلة بينهما .. فهو حب التعود .. أما حبها لخالد فظل في أعماق قلبها يعذبها تارة وتنعم به أخرى عندما تخلو الى نفسها وتتذكر الشهور الجميلة التي قضياها سويا والتي كانت موقنة فيها أنه يبادلها نفس شعور الحب وربما أكثر .. وكم تمنت أن يبوح لها به ولو لمرة واحدة .. ولكنه لم يحدث ..

عاشت حياتها مع مصطفى وهى تشعر بأنها تخونه لمجرد أن قلبها مغلق على حب غيره .. كان شعور الخيانة يعذبها .. فعاشت بين الحب والخيانة مع مصطفى بنصف قلب ونصف عقل .. وما جعل العشرة تطول بينهما الا حفاظا على بيتهما وأولادهما.. ثم أن سعيهما في الحياة ورغبتهما في النجاح وجنى الثروة قد شغلهما عن أي خلافات كانت تظهر بينهما من حين لآخر .. فقد كانت سلمى في حالة عصبية دائمة وهى تعيش معه وقلبها مع غيره .. و يا ليت غيره هذا قد خرج من حياتها .. بل هي تراه من حين لآخر بسبب الصداقة التي جمعته مع زوجها .. وكانت فترة مصطفى للعمل في بلاد الخليج والسعودية هى أكبر فترة استقرار في حياتها مع مصطفى .. فهي لم تكن ترى خالد .. وكادت أن تنساه مع مشاغل الحياة .. ولكن عاد مصطفى مجبر بسبب الحادث اللعين ليعود حبها لخالد كالنهر الجارف بعد أول لقاء لهما بعد عودة مصطفى وزيارة خالد المتكررة له .. تتذكر هي هذا اليوم جيدا .. يوم جاء خالد لزيارة مصطفى بعد علمه برجوعة الى مصر بعد الحادث .. تتذكر ما أحسته في قلبها بمجرد أن وقعت عينها عليه .. تتذكر نظرته اليها واللهفة في نبراته عندما تكلم اليها مواسيا .. كأنه تمنى أن يأخذها في حضنه معتذرا عما أصابها وما تعانيه في حياتها بسببه .. وكم تمنت هي هذا ...

عاشت سلمى بعد الحادث مع مصطفى حرمانا كبيرا .. فهي كانت في أوج أنوثتها .. كانت تمر عليها بعض الليالى قاسية .. بل شديدة القسوة وهى تتمنى أن يضمها مصطفى الى صدره بقوة كما كان يفعل في الماضى .. تتمنى لو يشملها كما كان يفعل دائما .. فهي وبالرغم من كل شيء كانت أنثى تحتاج الى عاطفة رجل مثل مصطفى يشبعها عاطفيا .. ربما كانت في كثير من الأحيان تبغض كثرة ضمه لها .. ولكنها لم تكن تظهر له ذلك .. وباتت تتمنى ما كانت تكره منه بالأمس .. بدأت معاناة سلمى من الحرمان العاطفي بعد عدة شهور من الحادث .. لذا قررت أن تنام في غرفة أخرى لتترك مصطفى وحيدا في سريره وكلاهما يتعذب ..

في بداية الأمر كانت سلمى تحلم بمصطفى في يقظتها ..ثم لم يلبث أن بدأ خالد يطارد مخيلتها من جديد .. فأطلقت العنان لمخيلتها وباتت تحلم به بدلا من زوجها .. وكم كانت تشعر بعد كل حلم بالخيانة وحقارة نفسها ..

كانت تعترف بأنها خائنة .. ولكن لم يكن الأمر بيدها .. فهي من البداية قد أحبت خالد .. لذا كانت تتمنى لو لم تتزوج من الأساس .. كانت دائما تفكر في أنه كان أفضل لها أن تعيش بدون زواج .. فربما كان أفضل لها من الشعور بالخيانة وحقارة نفسها ..

عادت سلمى في هذا اليوم الذى التقت فيه بسمة بمصطفى للمرة الأولى فوجدته على غير عادته .. لم يكن عبوسا يائسا من الحياة كعادته .. بل كان مبتهجا مبتسما كأن جسده قد دبت فيه روحا جديدة وهبته حياة سعيدة .. لم يكن من قبل يستقبلها بمثل هذه الابتسامة .. ولم يكن يبدأ بالكلام معها والسؤال عن احوالها واحوال عملها .. بل كانت هي التي تبادر بالسؤال والاطمئنان عليه وعن أحوال عم خميس معه .. لذا .. بعد أن خبت فيه شحنة الطاقة الإيجابية التي بثتها فيه بسمة .. وفرغ من التفكير فيما مر به اليوم مع بسمة .. عاد ينظر من النافذة الى الشارع مبتسما ..قالت بهدوء .. شكلك مبسوط النهارده : يا ترى حد من الولاد زارك أو اتصل بيك ..

عبس مصطفى بمجرد أن ذكرت سلمى أولاده .. ولكنه أجابها بحزن : لا أبدا محدش منهم كلمني ..سكت للحظات ثم اردف بسعادة .. بس النهارده حصلت حاجة غريبة جدا.. وأخذ يقص عليها ما حدث من مجيئ بسمة بدلا من خميس وما حدث منها وكيف كانت تلهو معه وكم هي مرحة خفيفة الظل وكيف مر اليوم بسرعة معها .. وأخذ يعدد في مزاياها ويثنى على أخلاقها ولم ينسى أن يصف كم هي جميلة ..
كان يحكى لها على انها فتاة صغيرة مرحة ولم يخطر بباله ابدا أن يثير هذا غضبها.. ولم يشعر أنها تكاد أن تنفجر من الغيظ ..

كان مصطفى يتحدث عن بسمة بشغف وحماس ولم يكن يعلم أن حديثه عنها سوف يثير غيرة زوجته .. ربما لأنه قد نسى أنها زوجته تلك التي تقف أمامه.. نعم هي كانت كذلك في هذا الوقت .. فقد أهملته هي وابناؤه .. أهملته لدرجة ان تنام في غرفة أخرى وسرير آخر غير الذى ينام به .. بل وأهانته كأنها تقول له أنك لم تصبح رجلا يشبع عواطفي ويلبى رغباتي .. فلن أنام بجوارك .. بالرغم من أنه كان مازال يتمتع برجولته وقدرته على أن يهبها لقاءات حميمية بطريقة خاصة تناسب ظروفه ووضعه بعد الحادث .. ولكنها كانت لا تكلف نفسها وتتقبل طريقته تلك .. كم قضى ليالي يتعذب فيها هو الآخر مثلها تماما وربما أكثر منها فهو أيضا كان في حاجة الى العاطفة والاشباع .. بل كان في حاجة لتضمه فقط من الحين الى الآخر .. كان كلاهما يتعذب .. وكانا في كل لحظة من حياتهما سويا على حافة الانفجار ..

استمعت له سلمى دون أن تنظر اليه .. و في شدة الغضب والحقد عليه وعلى بسمة التي لم تتقابل معها بعد ولكنها كانت بارعة في إخفاء ما تشعر به في تلك اللحظة .... ابتسمت ابتسامة صفراء لم يدركها مصطفى .. فقد كان مازال ينظر من النافذة شاردا .. تارة في جحود واهمال أبنائه له وأخرى في بسمة التي بثت السعادة في قلبه من جديد ولو لساعات قليلة .. كم تمنى في هذه اللحظة أن يطول مرض خميس لعلها تأتيه كل يوم .. ثم استغفر ربه في نفسه على تفكيره الشرير .. فما هو ذنب ابيها الرجل الطيب الذى أنجب هذا الملاك الرائع ...

دخلت سلمى حجرتها لتستبدل ملابسها وهى تستشيط غضبا .. خلعت عنها ملابسها واطاحت بها في غضب على السرير ثم جلست لحظات على حافة السرير وهى تفكر في حالها .. وفى مصطفى .. ثم اتجهت لتقترب بوجهها من المرآة تنظر لنفسها بتمعن .. تضع يدها على رأسها بلطف لتنساب على شعرها ببطيء فتلمح كم الشعر الأبيض بالنسبة للأسود .. انه ليس بالقليل .. بالرغم من حرصها على عمل الصبغة من حين لآخر.. ثم نظرت الى عينيها ووجهها .. فاذا ببعض التجاعيد بدأت تظهر على بشرتها من بعيد .. تنبهت في تلك اللحظة أن قطار العمر قد مضى بها وقطع مسافة كبيرة من الحياة وها هي قد بدأت علامات الكبر تظهر عليها ولم تكن يوما سعيدة في حياتها .. ترى لأنها قد تزوجت بغير من أحبت .. أم لأنها تركت نفسها للحياة تسوقها بغير تفكير أو هدى أو أهداف فيما يجب أن تقرر وتفعل .. وكأنها ماكينة لا عقل لها .. وقد تركت نفسها فريسة لحب خالد الذى لا أمل فيه منذ أن تزوجت هي بآخر وتزوج هو بأخرى .. تساءلت .. ولأول مرة .. كيف جعلت من خالد الشجرة التي قد حجبت عنها بقية الغابة .. بل وحجبت عنها سعادتها مع مصطفى ......... ثم تساءلت مرة أخرى .. ترى هل أحبت مصطفى دون أن تدرى .. لا لا .. هي لم تحبه .. اذن لماذا غضبت من حديثه عن بسمة .. لماذا أحست بالغيرة خاصة وهو في مثل حالته ..

عادت سلمى تنظر الى نفسها في المرآة .. لتقول في نفسها .. أحببت خالد .. او أحببت مصطفى .. لا فارق الآن فقد بت محرومة من كلاهما .. فخالد حاله كما هو لم يتغير ولن يتغير .. ومصطفى .. فبصرف النظر عن حالته .. الا ان خلال مسيرتهما في الحياة سويا قد بنيت بينهما اسوار عالية حجبت الشمس عن العاطفة فلم تنبت ولم تترعرع بذور الود والحب وماتت وهى في مهدها .. ثم اردفت في نفسها .. كفى .. كفى حمقا يا سلمى .. لابد من تغيير واقعك الأليم ..........

--------------------------------------------------------------

رجع أشرف من لقائه مع أيمن الى بيته مبكرا .. أو بمعنى أصح .. سمح له أيمن تلك المرة أن يعود مبكرا لعل الشك الذى زرعه بداخل أشرف تجاه رنيم يؤتى ثماره فيتشاجران ..

دخل من باب الشقة فوجدها جالسة في صالة الاستقبال وبيدها الموبايل .. ألقى عليها تحية باهتة .. فعقدت حاجبيها قليلا وأغلقت عينيها جزئيا وهى ترد عليه التحية تستغرب طريقته .. ثم قالت بعد أن عاودت النظر في الموبايل .. تحب أحضر لك العشا ولا اتعشيت بره كالعادة .. لم يرد عليها ولكنه ظل ينظر اليها بفضول ..
فأعادت عليه السؤال ولكن هذه المرة بدأت باسمه وكأنها تحاول ان تنبهه من شروده ..

رد أخيرا : لا .. متعشتش لسه .. ياريت تحضرى العشا .. بقى لنا كتير م تعشناش مع بعض ..
قامت رنيم بهدوء لتدخل المطبخ فاسرع اشرف الى تناول الموبايل الذى تركته مكان جلوسها وأخذ يبحث فيه على حذر من أن تراه .. ولكنها بالفعل قد لمحت تصرفه هذا من خلال مرآه في طريقها الى المطبخ فاندهشت مما يفعل ولكنها لم تشعره بأنها أحست بما فعل ..
بحث في الموبايل عن محادثات أو رسائل ولكنه لم يجد شيئا مهما .. فاسرع بوضع الموبايل مكانه قبل أن ترجع من المطبخ ..

أحضرت العشاء ووضعته أمامه على ترابيزة الانتريه .. وجلست بجواره كى يتناولان العشاء .. فبادر أشرف يسألها وهو يمضغ بعض اللقيمات : عملتي ايه النهاردة ؟
رنيم وهى تنظر اليه متعجبة : أبدا .. زى كل يوم .. خلصت شغل البيت وتسليت شوية على الفيس بوك ..
أشرف : يعنى م كلمتيش حد النهاردة ..
رنيم بزهق: لا يا أشرف م كلمتش حد .. ولا حد كلمنى ..
أشرف وهو ينظر اليها نظرة قلق : رنيم .. مش عارف ليه حاسس انك متغيرة اليومين دول ..
رنيم عاقدة حاجبيها: مش فاهمة .. متغيرة ازاى يعتى .. ؟!!!
أشرف بتردد : يعنى شايفك هادية كده وم بتسألنيش رايح فين ولا جاى منين .. ولا بتعترضى على خروجى ولا تأخيرى بره البيت زى الأول ..
رنيم وقد انبسطت اساريرها : طيب وهو ده مضايقك ولا باسطك ولا ايه بالظبط .. ؟!!!
أشرف مبتسما نصف ابتسامة : لا ابدا .. لا مضايقى ولا باسطنى .. كل الموضوع انى حاسس انك متغيرة مش أكتر..
رنيم بحزن: لا .. متشتغربش .. اصلى اكتشفت ان مفيش فايدة من اعتراضى على تصرفاتك .. فقلت أريح نفسى وأريحك ..
أشرف باستفزاز : والله برافو عليكى .. بس مش عارف ليه مش مقتنع باللى بتقوليه .. حاسس أن فيه حاجة أنتى مخبياها على .. ومسيرى حعرفها ..
رنيم بخيبة أمل : ماشى يا أشرف .. لما تعرفها أبقى قوللي عليها علشان أعرفها أنا كمان .. ثم بدأت في حمل الأطباق بعد أن توقف عن تناول الطعام وهمت لتذهب بها الى المطبخ .. وهى تسأله.. تحب تشرب حاجة ..
أشرف وهو ينظر اليها نظرات ذات مغزى :لا .. يمكن أشرب عصير بعد شوية .. بس ياريت تييجى بسرعة من المطبخ وتقعدى جنبي شوية .. انتى وحشاني أوى ..

رنيم بقليل من الدلال: آه وماله .. اقعد جنبك .. بس متحلمش بأكتر من كده .. أولا .. احنا لسة واكلين .. وثانيا .. أنا تعبانة ومحتاجة أنام بدرى النهاردة ..

نظر لها أشرف بغضب .. وصاح بنبرة عالية لحد ما : انتى ايه حكايتك اليومين دول .. أنا شايفك مستغنيه .. انتى شايفه لك شوفه تانيه ولا ايه ..

تفوه بجملته الأخيرة من غضبه ولكنه ادرك وهو ينهيها انه قد أخطأ خطئا كبيرا .. ولم يسمع حينها الا صوت الاطباق التي تحملها وهى تتكسر بارتطامها على الأرض ..

رنيم وهى فاغرة فاها واتسعت عينيها غير مصدقة ما سمعنه للتو : أخرس .. انت اتجننت .. ازاى تفكيرك في وصل للدرجة الدنيئة دى ..

حاول أشرف أن يتدارك ما حدث ولكن كان غضبه مازال مسيطر عليه : أمال تفسرى بأية تصرفاتك دى ..
رنيم وقد بدأ صوتها يعلو في غضب: كفاية تفسيرك القذر .. أنا م عنديش لك تفسير .. قالت جملتها الأخيرة وهى تتوجه الى غرفة النوم ..

جلس أشرف وهو يضع رأسه بين كفيه ومازال الشك يضرب أفكاره والغضب منها ومن نفسه يسيطر عليه .. بينما كانت رنيم في غرفتها تبكى بسبب ما وصلت اليه الأمور بينهما .. لم تتصور يوما مهما كان أن يصل الخلاف بينهما أن يشك فيها أشرف ويتهمها هذا الاتهام الفظيع ..
مرت حوالى ساعة وهما على نفس الوضع الى ان هدأت رنيم قليلا وخرجت لتطمئن عليه ..لا تعرف لماذا كانت تفعل هذا .. فهى مازالت غاضبة من أفعاله في الماضى القريب ومما قاله لها للتو .. لكنها في نفس الوقت شعرت ان هناك تطور في علاقتهما للأفضل .. فعلى الأقل توقف الشجار بينها والذى كان يستغرق ساعات لينتهى بحسرة في قلبها .. هي تشعر الآن بأنه لا مكان لهذه الحسرة في القلب ..وبالرغم من كل ما تعانيه منه خرجت من حجرتها لتطمئن عليه فوجدته نائما في مكانه .. لم توقظه ووقفت تنظر اليه بتمعن وتحدث نفسها وتتذكر كلمات جميلة سمعتها منه في حبه لها .. كلمات كانت تذيبها ذوبا .. تتذكر يوما قال لها فيه أن حبهما هو نتاج ذوبان السكر في الماء .. فهى كقطعة السكر وهو كالماء بالكأس وقد القى الله بهذه القطعة في ذاك الكأس فذاب فيها وذابت به وأصبحا كيانا واحدا لن ينفصلا عن بعضهما ما بقى الكأس وهما بداخله .. تذكرت الكلمات فذرفت عيونها دمعتين على خديها .. نعم انها تحب هذا الرجل .. وعليها أن تصبر عليه فما يمر به وما تمر به هي الآن ليس سوى سحابة صيف وسرعان ما ستمر ويعود الحب بينهما كما كان .. فتابعت في نفسها .. لا بد أن امضى في طريقي ولا يجب أن أعود لما كنت عليه ..

تذكرت حينذاك نصائح أمينة بأنها لا يجب عليها أن تمنعه من حقوقه كما أوصانا رسول الله .. فهمت الى الحمام فإغتسلت ثم دخلت حجرتها فتزينت وتعطرت ولبست قميصا يحب أن يراها فيه وتعلم مدى تأثيره على فحولته .. ثم اقتربت منه وهو نائم تداعب خصلات شعره ليشتم رائحتها ويشعر بيدها تداعب وجهه وشعره .. فما لبث أن فتح عينيه ليرى وجهها مبتسما له .. فتحركت يده لتلمس وجنتها بحنان فاقتربت شفاهها من شفتاه ليذوا من جديد كالسكر في الماء .......

---------------------------------------------------------------------------------

ظلت أمينة الأيام السابقة وهى في حيرة من كتمان أمر ابنتها عن زوجها وفى خوف على ابنتها من تلك العلاقة مع رجل لا تعرفه .. فهي لم تتعود قط أن تخبئ عن خالد شيء ولو بسيط وخصوصا ان كان هذا الأمر يخص أحد اولادهما .. وفى نفس الوقت كانت مشغولة بوجود أمير والذى تمضى الأيام وسرعان ما ستمر ويرجع الى كتيبته بالجيش لمدة شهر أو شهرين أو ربما أكثر ولا تعلم عنه شيئا .. فكان لا بد أن تعوضه الحنان الذى يحتاجه وهو بينهم .. فاتخذت قرارا بأن لا تثير زوابع بالبيت أثناء وجود أمير .. فهي لا تعلم رد فعل خالد حين يعلم بعلاقة غادة برجل يكبرها بهذا القدر ..

أمير هو كاتم أسرار البيت .. لكل من فيه .. هو شخصية محبوبة للجميع .. بل لكل من يعاشره .. هو طيب لأبعد الحدود .. خفيف الظل .. ومستمع جيد للآخر .. يحفظ اسرار الغير .. ويقدم نصائح وحلول جيدة اذا طلبت منه .. كأن الله قد وهبه روحا وعقلا خاصة به ولا يهبها الا للقليل من عباده .. يحبه الآخر بمجرد أن يراه ..
كانت غادة من فرط شعورها بالسعادة بعلاقتها ومشاعرها نحو حسام قد حكت لأمير عن كل تفاصيل هذه العلاقة .. ولرجاحة عقله لم يصدها .. بل كان يستمع اليها أحيانا مبتسما وهو يراها سعيدة كالفراشة واحيانا في وجوم عندما يستمع لبعض التفاصيل عن حسام هذا .. كل ما قاله لها بعد أن انهت حكايتها انه يجب عليها أن تحكى لوالدها ولا تخبى عنه شيئا ..

ومن جانب آخر وبعد ساعات من جلوسه مع غادة جاءته امينة لتحكي له نفس القصة وهى في توتر وقلق شديدين وتطلب منه النصيحة .. فأجابها أن غادة قد قصت له الموضوع وهو أيضا في حيرة ولا يعلم كيف ينصحها وهى في تلك الحالة من السعادة بأنها تحب وتشعر هذه المشاعر لأول مرة خصوصا وأن الطرف الذى أحبته رجل كامل النضوج ومن الواضح أنه ليس كفئا لها .. على الأقل في وجود تلك الفجوة من العمر بينهما .. ونصح والدته أيضا بأن لابد أن يعلم والدها بالموضوع فهو أكثر من يستطيع أن يستوعبها ويصل بها لبر الأمان في هذه العلاقة .....
ذات صباح وقبل مغادرة أمير للعودة الى الجيش بيومين تلقت أمينة مكالمة هاتفية من رقم لا تعرفه .. ردت بهدوء : ألو ..
حسام : صباح الخير يا فندم .. أنا حسام ..
فغرت أمينة فاهها من المفاجأة فسكتت للحظات ثم ردت : أيوه مع حضرتك ..
حسام بتلعثم: أمينة هانم .. أنا موجود في اسكندرية .. وكنت حابب أقابل حضرتك ..
فكرت أمينة وقالت في نفسها .. أول القصيدة كفر .. كيف له أن يتصل بى فجأة ويطلب منى المقابلة في نفس اليوم .. قلة ذوق واضحة من البداية .. فردت أمينة بحزم : أستاذ حسام .. مش شايف حضرتك أنه كان من الأفضل تتصل قبل كده لتحديد ميعاد ..
حسام وقد صدمه رد فعلها وردها : أكيد .. طبعا حضرتك معاكي حق .. بس أنا عندى شغل في اسكندرية النهاردة وقلت فرصة اننا نتقابل واتعرف على حضرتك ..
لم يكن رده مبررا لتصرفه .. فقالت أمينة بضيق : مش مشكلة يا أستاذ حسام .. تحب حضرتك نتقابل أمتى وفين ..
حسام بحماس وقد شعر بسخافة تصرفه: لا يا فندم حضرتك حددى المكان والوقت اللى يناسبوا ظروفك .. ولو حبيتى حضرتك نأجلها لوقت تانى مفيش مشكلة .. أنا فعلا اتصلت فجأة وكان المفروض أطلب من حضرتك قبل كده ..

شعرت أمينة ببعض الارتياح لإحساسه بغباء تصرفه ومحاولة تداركه للموقف وفى نفس الوقت أحست أنها فرصة لا يجب أن تفوتها كى تتعرف عليه لتعلم جيدا من هو هذا الرجل الذى يحوم حول ابنتها .. فهى في خطر ولا يجب أن تؤخر اللقاء به اكثر من ذلك .. فقالت بهدوء .. ممكن بعد أربع ساعات أمام نادى اليخت ..

كان حسام يستمع لإسم هذا النادى بالإسكندرية لأول مرة .. فهو قاهرى فقال لها بتلعثم : تمام حضرتك .. بس ياريت حضرتك تقولى لى في اى منطقة نادى اليخت .. بصراحة أنا أول مرة أسمع عن نادى بالاسم ده .. ومليش في موضوع النوادى من الأساس ..

كان هذا مؤشر آخر لأمينة للمستوى الإجتماعى الذى قد يتمتع به حسام .. ولكنها لم تهتم كثيرا .. فكثيرا من الناس في تلك الأيام لا يعلموا الكثير عن النوادى العريقة في الإسكندرية ولا يهتموا بها .. كنادى اليخت والنادى اليوناني .. تلك النوادى التي كانت يوما ما تحتوى أرقى العائلات وأكثرها أصالة بصرف النظر عن حالتها المادية ..
وصفت أمينة لحسام مكان نادى اليخت وأنهت المكالمة مع معه على لقاء ...


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 08:46 AM   #26

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل العاشر

الفصل العاشر

خرجت اجلال من المشفى بعد ثلاث أيام مما أصابها فأنهت موضوع طلاقها هي وخالتها من عاطف وخاله لتصبح حرة هي وخالتها وتترك المنطقة هي وخالتها ليستأجرا شقة في حي آخر بعيدا عن منطقة سكن عاطف وأهله ..

لم يسمح لها عاطف أخذ شيئ من أغراضها سوى القليل من الملابس .. فكان عليها هي وخالتها أن يبدا بداية جديدة ليس لهما فيها سوى الشقة المؤجرة حديثا والقليل من الملابس التي بالكاد تسترهم .. لم يكن لديهم أي من المال لشراء اى من الأغراض لفرش الشقة الجديدة فباتا ليلتهما الأولى على بلاط الشقة وفى اليوم الثانى تداركتهما رحمة ربهما فذهبت اجلال الى المشفى لتجد زملاءها في المشفى قد جمعوا لها مبلغا لا بأس به لتستطيع شراء بعض من الأثاث المستعمل والقليل من لوازم المطبخ من أطباق و أواني الطبخ الرخيصة وكانوا قد دفعوا لها ايجار الشهر ألأول للشقة الى أن يصرف لها مرتب الشهر التالى وقد قدمت طلبا لسلفة من المشفى لتكملة باقى أثات الشقة ..

خطر على بال اجلال أن تطلب من سلمى ومصطفى أن تعود لرعاية مصطفى من جديد .. فهى في أشد الحاجة الى العمل وكسب المزيد من المال .. فهى بصدد مرحلة وبداية جديدة في حياتها قد فرضتها عليها ظروفها ويجب عليها أن تتجاوز ما هي فيه لتحيا حياة طالما حلمت بها .. حياة الحرية ..

طلبت رقم سلمى وهى في تردد وقلق من أن يكونوا قد جلبوا غيرها لرعاية مصطفى ..
ردت سلمى عليها : ألو ..
اجلال: مساء الخير يا باشمهندسة سلمى .. أنا اجلال ..
سلمى بهدوء: أهلا يا اجلال .. عاملة ايه ..
اجلال: الحمد له .. أنا بخير حضرتك .. أزى حضرتك والباشمهندس .. يارب تكونوا بخير
سلمى: الحمد لله إحنا بخير ..
ساد الصمت بينهما للحظات .. فقالت اجلال وبدون مقدمات : مدام سلمى.. أنا اطلقت من عاطف .. يعنى مفيش مشاكل من ناحيته .. وأنا جاهزة لرعاية الباشمهندس من جديد ..
ردت سلمى بحزن: لا حول ولا قوة الا بالله .. ليه كده ..
اجلال بحزن: قدر الله وما شاء فعل .. النصيب انتهى لحد كده .. وأنا كده أفضل .. والحمد لله على كل شيئ ..
سلمى: طيب يا اجلال .. ادينى فرصة أتكلم مع مصطفى وأرد عليكى في أقرب فرصة ..
اجلال بانكسار: مدام سلمى .. أنا محتاجة الشغل بشدة .. أنا طلعت من طلاقى بدون أي شيئ .. يدوب بالهدوم اللى بالعافية ساب لى جزء صغير منها...
سلمى بتعاطف: طيب وانتى عايشة فين دلوقت ..
اجلال: زمايلى دفعوا لى ايجار شقة قاعدة فيها انا وخالتى .. هي كمان اطلقت من جوزها ..
سلمى: لا حول ولا قوة الا بالله.. طيب يا اجلال .. انتظرى منى تليفون بالليل .. وان شاء الله خير.....

أغلقت سلمى التليفون في صمت ووجوم .. كان مصطفى يستمع الى مكالمتها مع اجلال في غير اهتمام ولكنه سألها من باب الفضول .. كانت عايزه ايه إجلال ..

كانت سلمى لا تزال في حالة الوجوم شاردة تفكر في أمر آخر يخصها هي .. هل يجب عليها هي أيضا أن تطلب الطلاق من مصطفى فها هي اجلال تحررت من زوجها وقد كانت في تعب معه بشكل ما .. وهى أيضا في تعب مع زوجها وان كان من نوع آخر فلم لا تتخذ نفس القرار من اجل حريتها ومن اجل بداية جديدة..
ردت سلمى بشرود: اجلال عايزه ترجع للشغل معانا ..
مصطفى بعصبية واضحة: لا لا .. انا مش ناقص مشاكل بسببها وبسبب جوزها البلطجى ده ....
سلمى بهدوء: عموما هي اطلقت من جوزها .. يعنى مفيش مشاكل من ناحيته .. وبعدين حالتها صعبة ومحتاجة الشغل ..
مصطفى بنفس العصبية والصوت المرتفع : أطلقت ولا لسه متجوزة .. دى مشكلتها .. ولو حالتها صعبة احنا ممكن نساعدها بأى مبلغ .. كأنه مكافأة لخدماتها الفترة اللى قضتها معايا ..سكت لحظات ثم اردف بتلعثم وتوتر .. وبعدين أنا مرتاح مع عم خميس ..

كانت سلمى تتكلم بهدوء الى ان استعادت ذاكرتها وتذكرت كم هي غاضبة من تصرفات مصطفى طوال الأسبوع الماضي وبالتحديد منذ أول زيارة من بسمة ورعايتها له بدلا من ابيها الذى ظل يعانى من المرض طوال الستة أيام الماضية .. فقد توطدت العلاقة بينهما لدرجة أنه كان يظل يحادثها بكافة وسائل برامج الانترنت طوال الليل .. كانت تشعر بأن مصطفى يعيش أيام حب جديد لم يعيشها معها منذ أن طلبها للزواج والى الآن .. كان كالمراهق الذى أحب للمرة الأولى بمشاعر مرهفة .. وقد نسى كل شيء لدرجة انه كان يحكى لها عما يدور بينه وبين بسمة في سعادة بالغة .. ونسى أيضا أنها من عمر أولاده بل وأصغر .. بل ونسى في النهاية أنه متزوج منها وانه فوق كل ذلك قعيد لا يستطيع أن يسعد امرأة بطريقة طبيعية .. فكانت تغضب من تصرفاته تارة وتشفق عليه أخرى .. ولكن في النهاية تعترف بأنه بشر يحق له أن يعيش السعادة التي حرم منها معها .. وهى أيضا بشر يحق لها أن تطلب منه حريتها لتعيش ما تبقى لها من عمرها مثل باقي البشر .. وربما في سعادة .. من يعلم ..

استرجعت سلمى الأسبوع الفائت والضغط الرهيب الذى عانت فيه بسبب تصرفات زوجها وعدم رعايته لمشاعرها وعدم حفظه كرامتها .. فقالت بغضب : بس أنا شايفه انه كفاية كده على عم خميس .. احنا كنا عارفين أنه ح يتركنا أول م نلاقى ممرضة تانيه .. ولا أنت صعبان عليك انك م تشوفش بسمة بعد كده ولا تتكلم معاها ..

لم تكد سلمى تتفوه بجملتها الأخيرة حتى استشاط مصطفى غضبا .. فرد عليها ثائرا : انتى الظاهر انك اتجننتى .. ايه الكلام الفارغ اللى بتقوليه ده .. بسمة دى زى بنتى .. ازاى تفكرى في أو فيها بالطريقة دى ..
ردت سلمى بهدوء : أنا مفكرتش في شيئ .. أنت اللى بتفكر وأنت اللى بتقول .. أنت مش حاسس بنفسك يا مصطفى وانت بتتكلم عليها ولا وانت بتكلمها ..
مصطفى وقد زاد غضبه وثورته : انتى أكيد اتجننتى ..
سلمى وهى ايضا ثائرة بعد أن فقدت السيطرة على أعصابها : أنا م اتجننتش يا مصطفى .. أنت اللى نسيت نفسك ونسيت ان اللى بتحكيلها عن اعجابك ببسمة وعن الوقت اللى بيمر بسرعة وهى معاك دى تبقى مراتك .. ونسيت كمان انها أصغر من ولادك .. ونسيت انك قعيد متقدرش تسعد أي واحدة في الدنيا بصورة طبيعية .. ولا يمكن لأى واحدة تقبل بيك وبحالتك دى ....

كانت سلمى تتكلم وتخرج ما بداخلها والذى ظلت تردده بينها وبين نفسها طوال الأيام الماضية .. الى ان وصلت لجملتها الأخير فانتبهت لقسوة ما تفوهت به فسكتت للحظات ثم انهارت على الانتريه وهى تردد .. طلقنى يامصطفى .. طلقنى .. أنا مش قادرة أعيش معاك .. قالتها وكأنها تريد الهروب منه ومن قسوة كلماتها عليه ..
كان مصطفى يستمع اليها وهى في ثورتها لا يصدق ما يسمع منها .. فساد الصمت بينهما للحظات ثم قال في هدوء : سلمى ... انتى طالق ....

-----------------------------------------------------------------------------------------

أنهت أمينة مكالمتها مع حسام وجلست تفكر في الأمر .. هل تذهب بمفردها لمقابلة حسام .. هل تخبر خالد .. لا ليس الآن .. وليس هناك وقت ليستوعب خالد الأمر .. لا بد أن تتفق أولا مع غادة ثم تمهد لخالد الأمر ..
أخيرا هداها تفكيرها لتصطحب معها أمير .. فرأى أمير فيه يشكل لها أهمية خاصة..

دخلت أمينة الى غرفة أمير وكان على وشك أن يستيقظ .. جلست بجواره على السرير تربت على كتفه بحنان وتدعوه ان يستيقظ ...

استيقظ أمير على صوت أمه وهو يدعك عينيه قائلا وهو يتمطط: صباح الخير يا أمى ..

أمينة وهى تملس على شعره : صباح الخير يا حبيبى .. أنا جهزت لك الفطار .. ياريت تقوم للحمام وتيجى تفطر معايا على السفرة .. عايزاك في موضوع ..

أمير وهو يزيل الغطاء من فوقه ويغادر السرير : خير اللهم أجعله خير يا أمى .. موضوع ايه ده اللى على الصبح ..
أمينة وهى تخرج من باب الغرفة: خير يا حبيبى .. يللا على الحمام وم تضيعش وقت وبلاش لماضة ..
أمير : أمرك يا ست الكل ..

بعد دقائق .. خرج أمير من الحمام وتوجه الى السفرة وجلس مواجها لأمينة يتناول قطعة من التوست ليضع عليها قطعة من الجبن .. وهو يقول : هه يا ستى .. كلى اذان صاغية .. ايه الموضوع بقى ..
ردت أمينة وهى شاردة: حسام اتصل بيه من ساعة تقريبا ..
أمير : حسام مين ؟
أمينة بجد: حسام اللى بيكلم أختك .. صحصح معايا يا أمير .. أنت لسه نايم ولا ايه ..
أمير: أيوة .. أيوة .. أفتكرته ..وده بيتصل عايز ايه ..
أمينة : عايز يقابلنى ..
أمير عاقدا بتعجب .. مضيق عينيه : يقابلك أنتى !! ليه ..!!؟
أمينة وهى تنظر الى اطباق الطعام : أنا طلبت من غادة تبلغه انى عايزة اتقابل معاه ..
أمير بحزم : ماما .. أنا قلت لك ولغادة ان بابا لازم يعرف الموضوع ده قبل أي تصرف منك أو من غادة .. كده مش صح ..
أمينة بشيئ من الغضب: أسمع يا أمير متخلنيش اندم انى بحكى لك .. مفيش وقت اننا نفاتح بابا في الموضوع دلوقتى .. دى فرصة نقابله أنا وانت ونعرف ميته ايه وبعدها نقرر اذا كنا ح نقول لبابا ولا الموضوع ميستاهلش .. عموما أنا اتفقت معاه انى ح اقابله كمان تلات ساعات من دلوقتى وسيادتك ح تيجى معايا .. ومش عايزه نقاش ..
أمير وهو يتنهد معترضا : ماشى يا أمى .. بس خليكى فاكرة انى نصحت بأن بابا لازم يعرف الأول ..
أمينة وهى تنهى أفطارها الذى بالكاد تناولت لقيمات قليلة منه : فاكرة يا حبيبى متشغلش بالك أنت ..

مرت الثلاث ساعات إلا دقائئق قليلة حين كانت أمينة وأمير يخرجان من باب الشقة لمقابلة حسام .. كان الطريق من بيت أمينة الى نادى اليخت يستغرق بالسيارة تلك الدقائق القليلة .. وقبل أن تصل السيارة التي كان يقودها أمير الى باب النادى .. لاحظت وهما يقتربا من النادى رجلا أربعيني يرتدى نظارة نظر يقف بالقرب من باب النادى وممسك بيده باقة من الورد.. فانقبض قلبها بشدة .. ثم طلبت من أمير أن يصف السيارة ومالت عليه تسأله باندهاش : أمير .. معقول يكون هو اللى واقف على الباب ده .. نظر أمير تجاهه وقال مستنكرا .. لا يا أمى مش معقول ده شكله كبير أوى .. ده داخل على الخمسينات .. غادة قالت لى ان عمره في أوائل التلاتينات ..
ردت أمينة بقلق: بس اللى واقف ده ماسك باقة ورد .. يارب استر .. أخرجت تليفونها لتطلب رقم حسام وهما مازالا بالسيارة .. وعندما رن جرس التليفون سمعت بوضوح جرسا يأتي صوته من قبل باب النادى ووجدته يرفع تليفونه باليد الخالية من الورد ليرد .. أهلا أمينة هانم .. حضرتك أنا واقف على باب النادى ولابس بلوفر سماوى وبنطلون أبيض ..

تسمرت أمينة في مكانها وأنزلت التليفون من على أذنها وهى تقول لأمير : يا نهار أسود .. ده طلع هو يا أمير ..
ألجمت المفاجأة أمير .. ولكنه تدارك الموقف وقال لأمه بسرعة : ماما خلى بالك هو لسه على الخط ..
رفعت أمينة التليفون الى أذنها في ذهول مرة أخرى .. ثم قالت بوجوم : أيوه .. شفتك أنا وأمير أبنى أدامك في العربية ..

نظر حسام امامه فوجد سيدة تقاربه في العمر وأبنها الشاب يترجلا أمامه من سيارة فارهة تقول له السلام عليكم وهى تكاد أن تبكى من الصدمة .. فرد السلام وهو منفرج الاسارير : وعليكم السلام أمينة هانم .. أهلا يا أمير .. ما شاء الله ما شاء الله ..
أمينة وهى لا تنظر اليه متوجهة الى باب النادى : اتفضل .. حنقعد جوة في تراس النادى ..
حسام وهو يتبعها تاركا أمير خلفه كأنه قد نسى تواجده وما زال منفرج الأسارير يبتسم ملئ فيه على لا شيئ:
أيوة طبعا .. اتفضلى حضرتك ..

وقف أمير ينظر الى ما يحدث وهو يردد .. يا نهارك أسود يا غادة .. ايه المتصابى الجلياط ده .. وقعتى عليه منين وازاى .. ثم تحرك يتبعه الى الداخل وهو يخبط كفا على كف غير مصدق ما يحدث وما وضعتهم فيه غادة ....

جلسا ثلاثتهم .. فوضع حسام باقة الورد على الطاولة قائلا بسعادة .. باقة الورد دى لحضرتك .. كان نفسى أقدمها لحضرتك في منزلكم الكريم ..

ردت أمينة باقتضاب: مكنش له لزوم تتعب نفسك .. وبعدين أظن ان موضوع زيارة حضرتك لبيتنا من عدمه نتكلم عنها بعد شوية ..

توقف حسام فجأة عن الابتسام المتواصل الذى انتابه من أول اللقاء بعد سماع رد أمينة .. لكن عاد بعد لحظات ليبتسم من جديد وهو يقول: أن شاء الله خير يا فندم .. وتكون الزيارة عن قريب ..
تجاهلت أمينة رده لتسأله وهى عاقدة حاجبيها: أستاذ حسام .. ممكن تكلمنى عن نفسك شوية ..
رد حسام باستبهال كأنه لم يفهم سؤالها : من أي ناحية سيادتك ..
تدخل أمير بغضب وقد فاض به الكيل من هذه الشخصية السمجة التي أمامه وكأنه يبادر لدخول خناقة معه : من كل النواحى حضرتك .. مين أنت وبتشتغل ايه وعمرك اد ايه و ...
تدخلت أمينة لتوقف أمير وقد نظرت الى الرجل أمامها ووجدته ينكمش من أمير وهجومه عليه وأسئلته التي تنطلق كالرصاصات من فمه .. فقالت : أمير .. أهدى شوية على الأستاذ حسام .. ثم توجهت الى حسام بالكلام .. بالظبط يا أستاذ حسام كلمنى عن نفسك من كل النواحى .. حضرتك مين بالتفصيل ..؟

نظر حسام الى الطاولة بعد أن استجمع نفسه من جديد ليرد .. محاولا التظاهر بالهدوء والثقة: أنا حضرتك إسمى حسام عبد الخالق عطيه .. من مواليد المنوفيه واتربيتنا وأخواتى في القاهرة بعد ما والدى اتنقل من وزارة التموين فى المنوفية للقاهرة .. أنا كنت ابنه الوحيد في الوقت ده ولما جينا القاهرة خلف أخواتى التلاتة سعد وصفية وابتسام .. سعد اتخرج من كلية التجارة وهو أصغر منى بأربع سنين واتجوز وعايش في بيت قريب مننا .. أما أنا وصفية وابتسام فعايشين في بيت والدى .. والدى ووالدتى أتوفو من سنوات وأنا المسئول عن أخواتى على اعتبار انى كبيرهم ..
ردت أمينة بتحفز: أفهم من كده ان اخواتك البنات اللى عايشين معاك لسة متجوزوش ..
حسام بحزن : للأسف لسة .. لكن مصير نصيبهم يجيلهم بإذن الله ..
أمينة : ويا ترى وعمر حضرتك أد ايه وعمر اخواتك البنات كمان ..
أصفر وجه حسام وتلعثم في الرد: حضرتك تدينى كام سنة..؟
تدخل أمير فجأة بنرفزة : ممكن بطاقة حضرتك ؟
رد حسام وقد صدمه الطلب: أفندم ..؟!!!
أمير : بقول لحضرتك بطاقتك .. ايه .. معكش بطاقة ولا بسبور ..
رد حسام يتلعثم وهو يمد يده لجيب بنطلونه الحلفى ليخرج محفظته : لا أبدا .. طبعا معايا بطاقة .. بس سؤالك يا أخ أمير غريب حبتين .. عموما آدى البطاقة .. أخرج البطاقة من محفظة جلدية متهالكة ومد يده بها لأمير ..

نظر أمير الى البطاقة يتفحصها بتمعن .. ثم ابتسم بسخرية قائلا .. حسام باشا .. حسب تاريخ الميلاد المذكور في البطاقة سيادتك داخل على الأربعين سنة .. وسيادتك شغال مندوب مبيعات في شركة بيع أدوات طبية .. وسيادتك ساكن في شبرا .. ثم علت نبرة أمير وهو يقول : مش شايف حضرتك انك غير مناسب بالمرة لبنت يدوب عندها سبعتاشر سنة .. وده بصرف النظر عن الفروق الواضحة بينك وبين عيلتها ..

أحست أمينة بأن أمير قد تجاوز الحد وقد بدأ في إهانة الرجل .. فتدخلت لتهدئة الوضع بعد أن أطمئنت بأته من المحال أن ترتبط أبنتها بهذا الرجل الكاذب .. علاوة على حقيقة ما قاله أمير عنه منذ لحظات .. فقالت لأمير بهدوء : أمير من فضلك أهدى شوية .. الموضوع مش مستاهل .. ثم توجهت لحسام الذى كان قد سكت تماما مطأطأ رأسه ينظر الى الأرض بعد هجوم أمير عليه ..
فقالت بهدوء: أتفضل يا أستاذ حسام كمل ..

سكت حسام قليلا ثم رفع رأسه ينظر الى أمير قائلا : شكرا يا أستاذ أمير .. بس المفروض الناس مبتتقيمش بالسكن بتاعها ولا بنوع شغلها .. أنت على فكرة صدمتنى .. وطلعت عكس ما غادة حكت لى عنك ..

لم يرد أمير وظل ينظر الى الفضاء بقرف واضح من حسام وكذبه على أخته بل ودفاعه عن نفسه بهذه الطريقة الساذجة ..

تدخلت أمينة مرة أخرى وقالت بحكمة: سيبك من أمير يا أستاذ حسام وكلمنى أنا .. أنا اللى طلبت اننا نتقابل علشان أتعرف عليك .. أنت على علاقة ببنتى .. ولازم أطمئن للشخص اللى بيتكلم معاها وأعرف العلاقة دى حتوصلنا لفين .. ولا حضرتك لك رأى تانى ..
رد حسام بسرعة : لا يا فندم .. حضرتك والأستاذ أمير وأى حد من طرف غادة من حقه يطمن للعلاقة دى .. أنا غادة بالنسبة لى كل حياتى .. ومش متخيل حياتى من غيرها ..
تأفف أمير عند سماعه ولم يتحمل فوقف فجأة بغضب وقال لأمه .. أمى أنا ح اتمشى في النادى شوية ..
ردت أمينة في هدوء وهى تتأمل ابنها المعروف عنه دماثة الخلق والصبر لتجده في هذه الحالة من الضيق: طيب يا أمير روح يا حبيبى وأنا ح اطلبك بالموبايل بعد ما أخلص كلامى مع الأستاذ حسام ..
ذهب أمير ولم ينظر حتى لحسام .. فقال حسام والحزن ظاهر على وحهه .. الظاهر أنى ضايقت الأستاذ أمير جدا ..
ردت أمينة بنفس الهدوء والثبات : سيبك من أمير يا أستاذ حسام وسيبك من استعراض مشاعرك ناحية بنتى .. وخلينا في موضوعنا .. سكتت لحظة ثم أردفت .. حضرتك مش واخد بالك انك كذبت على غادة في حاجات كتير وخليتها تتعلق بيك على أساس الكلام اللى حكيته لها ..
رد حسام بتعجب : أنا كذبت علي غادة ؟!! طيب قولى لى حضرتك كذبت في ايه ؟
ردت أمينة بسخرية: تقصد حضرتك م كذبتش في ايه..
نظر اليها حسام ولم يستطيع أن يرد فاردفت .. طيب حضرتك شايف ايه أخرة العلاقة دى من وجهة نظرك .. على فرض اننا ح نتغاضى على الأقل عن فرق السن ..
رد حسام بحماس : الجواز طبعا..
أمسكت أمينة عن ابتسامة سخرية كادت أن ترتسم على وجهها قائلة : طيب حضرتك ح تسكن بنتى فين ؟
رد حسام بنفس الحماس: في شقتى طبعا ..
أمينة: اللى هي فين بالظبط .. ؟
حسام: ما أنا قلت لحضرتك أنى ساكن في شقة والدى ..
لم تتمالك أمينة نفسها هذه المرة وعلقت بسخرية : ايوه أيوه أعذرنى .. نسيت.. شقتك اللى في شبرا .. اللى ساكن فيها معاك أخواتك البنات الأتنين واللى هم بالتأكيد أكبر من بنتى بكتير ..سكتت لحظة ثم اردفت .. طيب هو حضرتك م سبقش لك واتجوزت قبل كده .. اصل اسمح لى عمر حضرتك يعنى كبير شوية وانا بصراحة مستغربة ليه حضرتك مش متجوز لغاية دلوقتى .. بالرغم حسب ما ذكرت أنت أن أخوك الأصغر منك أتجوز من سنين ؟
رد حسام بيأس وقد بدا عليه الأرهاق من محاصرة أمينة له : أنا بصراحة خطبت أكتر من مرة .. لكن في كل مرة مكنش بيحصل نصيب اننا نكمل مع بعض .. بصراحة مكنش فيه التفاهم الكافى علشان الموضوع يكمل .. وكانت لهم أو بمعنى أصح لأهلهم طلبات مادية غريبة..
قاطعته أمينة : أيوه يعنى حضرتك خطبت كام مرة قبل كده .. وايه طلبات الأهل اللى كانت مغالى فيها من وجهة نظرك؟
رد حسام وهو مطأطأ الرأس : تلات مرات .. سكت للحظات ثم قال بيأس .. بصراحة الأهل كانوا مغاليين في طلب شقة خاصة نعيش فيها أنا وبنتهم لوحدنا .. وأنا بصراحة مقدرش اسيب أخواتي البنات لوحدهم .. وبعدين دى شقة ابويا .. يعنى أنا أحق بيها من أخواتى البنات ..
ردت أمينة: للدرجة دى .. الظاهر الشقة تستاهل أنك تتمسك بيها .. أقصد من حيث المساحة والموقع .. ياترى فين بالظبط في شبرا ومساحتها اد ايه ..

أحس حسام بالأرض تنهار من تحته وهو يسمع هذا السؤال ولكنه لم يستطع أن يكذب أو لا يجاوب على السؤال .. فقد كفاه كذبا .. ثم ان أمور مثل هذه سوف ينكشف فيها كذبه عاجلا أم آجلا .. لذا رد بتلعثم : المسألة يا فندم مش موقع ولا مساحة .. بصراحة هي مساحة متواضعة حجرتين وصالة في حي متواضع في شبرا ولو سيادتك عارفة شبرا كويس أكيد تعرفى أنها كلها تقريبا في مستوى واحد ..
أبتسمت أمينة بعد أن احست انها قد عرفت كل ما تريد أن تعرفه عن هذا الرجل الذى خدع ابنتها .. بل هو نفسه مسكين حالم .. مخدوع في نفسه ولا يعرف حقيقة نفسه .. هو رجل يعيش في كون آخر خاص به .. بل يعيش في قوقعة أو صومعة خاصة به .. فلا يرى حقيقة الأمور في الدنيا خارج قوقعته كما يراها من هم حوله .. هو رجل فاته قطار العمر ويعيش عمرا غير عمره مع فتيات أقل من نصف عمره ..

شعرت أمينة أنها تمتلك الحجة القوية التي ترجع بها الى غادة لتجعلها تستيقظ من وهم تعيشه في مقتبل عمرها .. وهم التعلق برجل لا يناسبها من أي من الوجوه ..

تكلمت أمينة بعد طول صمت وهو يجلس أمامها ينتظر سؤالها التالى داعبا الله في نفسه أن لا تسأله سؤال آخر : أستاذ حسام .. بعد كل اللى عرفته منك دلوقتى .. وبصرف النظر عن أي شيئ .. حضرتك مفكرتش في فرق العمر اللى بينك وبين بنتى ..سكتت لحظة ثم أردفت وهى تتنهد .. الفرق حوالى تلاتة وعشرين سنة حضرتك .. يعنى بصراحة في الوقت اللى هي حتكون في عز شبابها وليها متطلبات أنثوية طبيعية مناسبة لعمرها .. حتكون سيادتك في بداية الشيخوخة ..هل حضرتك ساعتها حتقدر توفيها حقوقها الشرعية كما يجب .. أنا آسفة انى بقولك الكلام ده ومكنتش أحب أقوله أبدا .. بس بعد كل اللى دار بينا .. والحقايق اللى قلناها .. تفتكر حضرتك أنك لسه فيه فرصة لإستكمال العلاقة اللى بينك وبين بنتى .. ؟؟!!
رد حسام ببرود يحسد عليه : أكيد .. لو حضرتك سمحتي لى بفرصة أثبت لك أنها ح تكون معايا في منتهى السعادة.. وبعدين موضوع السن ده مش جوهرى بالمرة .. الرسول عليه الصلاة والسلام أتجوز من السيدة عائشة وفرق السن بينهم كان أكبر من اللى بينى وبين غادة ..
تفاجئت أمينة برده عليها بعد كل ما دار بينهما .. وبعد ان عرته امام نفسه .. وعلمت انه لا فائدة من استكمال الحديث معه اكثر من ذلك ..

وقفت أمينة فجأة لتنظر اليه .. قائلة بهدوء شديد : أستاذ حسام .. لا أنت رسول .. ولا غادة أمنا عائشة رضى الله عنها .. ولا احنا في عهد رسولنا الكريم .. ولا أمامنا مهمته ومهمة عائشة في نشر الدعوة .. الموضوع مش موضوع سن وبس .. الموضوع أكبر من كده ب كتير .. ولو فيه فرصة من أي نوع .. فالرد النهائي ح تسمعه من غادة نفسها ان شاء الله .. ثم تركته حتى بدون أن تلقى عليه السلام تاركة له باقة الورد كما هي فوق الطاولة .. وهو ينظر اليها مندهشا من تصرفها هذا .. لا يجد ما يقوله .. لتتصل بأمير وهى تسير خارجة من النادى ..

--------------------------------------------------------------
قضى مصطفى أياما سعيدة في صحبة بسمة .. فقد إستعاد نشاطه وحيويته النفسية .. عاد يشعر بالحياة من جديد .. ولم يشعر أن كونه قعيد هي نهاية الحياة .. لا يجول بخاطره سوى كلمات بسمة وهى تؤكد له هذا .. هو يمكنه أن يستعيد نشاطه ويعمل الكثير والكثير حتى وهو قعيد.. كانت تتواصل معه عبر الفيس بوك والماسنجر والواتس .. ترسل له نماذج من أناس تحدوا إعاقاتهم والتي كانت أشد من حالته .. كانت تبث فيه الأمل طوال الوقت .. فعندما كانت تأتيه لتجلس معه عوضا عن ابيها .. كانت تحثه على أن يعود لعمله من جديد .. فهو يمكنه أن يمارس العمل كما كان من قبل .. فاعاقته ليست في يده التي يستعمل بها اللاب توب .. هي فقط رجليه التي لا تتحرك ..

وفى إحدى الأيام استأذنته في أن تستخدم اللابتوب الخاص به في كتابة بحث مطلوب منها في دراستها .. وان يساعدها في كتابة هذا البحث .. فدخلا الى حجرة المكتب الخاصة به .. وذهلت من جمال وهدوء وتناسق الغرفة .. جلست على المكتب أمامه وظل هو على كرسيه ينظر اليها .. سألته متى كانت آخر مرة دخل فيها الى هذه الغرفة .. فأجابها أنها أول مرة يدخلها معها اليوم منذ ان رجع من المشفى بعد الحادثة .. فردت عليها بابتسامة فيها صرامة المزح : لا يا باشمهندس .. احنا من هنا ورايح حيكون جلوسنا كل يوم هنا .. في الغرفة الجميلة دى ..
فتحت اللابتوب الخاص بها .. ثم فتحت الابتوب الخاص به وفتحت ملف جديد عليه وناولته إياه بابتسامة قائلة : يا ترى توافق انك تساعدنى في كتابة البحث ..؟
مصطفى وهو يعقد حاجبيه بتعجب : أنا !!.. طيب ازاى .. أنا خريج هندسة وانتى بحثك عن الطب !! ..
بسمة : شوف يا سيدى .. أنا على اللابتوب بتاعى محددة مواقع البحث وسيادتك كل اللى عليك انك حتكتب اللى حقوله على اللاب بتاعك ..

كانت بسمة ليس لديها بحث أو شيء من هذا القبيل .. انما هي فقط ارادت كسر الحاجز بين مصطفى ووبين العودة الى فتح اللابتوب واستخدامه .. فهذا سوف يسهل عليها مهمتها في إقناعه بالعودة الى العمل .. فهو كما فهمت منه كمهندس تخطيط ومتابعة كل ما يحتاجه هو اللابتوب على الأقل في التخطيط ووضع البرامج الزمنية والاحتياجات للمشاريع اهندسية .. أما موضوع المتابعة .. فيمكن لمهندس آخر القايم به وتقديم تقارير المتابعة لمصطفى لتحديث برامج التنفيذ ..
مصطفى : انتى عارفة يا بسمة أنا بقى لى اد ايه مفتحتش اللابتوب ده .. كتير .. كتير جدا .. أنا حاسس ان ايدى عجزت عن استخدامه .. وحكون بطيء أوى في الكتابة وحعطل لك البحث ..

قاطعته بسمة بنظرة ثقة : متشغلش بالك بموضوع الوقت .. انت في الأول حتكون بطيء .. بس بعد شوية المخ حيدى إشاراتته لإيدك والسرعة حتزيد شوية شوية .. ياللا بقى خلينا نبتدى .. والكلمة اللى انت مش عارفها ازاى تتكتب قوللى وأنا حقولك حروفها .. بس استحملنى .. علشان المصطلحات الطبية بالانجليزى غلسة شوية ..

نجحت بسمة في جذب مصطفى الى ماخططت له .. بدا سعيدا وهو يستعمل اللابتوب .. وأسعد انه يعمل شيء مفيد غير جلوسه ساكنا فوق الكرسى لا يعمل شيئ سوى النظر الى التلفاز الذى لا يتابع ما يبث .. هو فقط اعتاد على النظر اليه وحسب ..
انتهى هذا اليوم والأيام القليلة التي تلته على هذا الحال .. فاليوم مع بسمة كان يمر بسرعة وفى سعادة لم يحياها مصطفى منذ زمن بعيد .. فقد استطاعت ان تجعله أن يفتح ملفات عمله للمشاريع التي خططها من قبل بنفسه .. وطلبت منه ان يشرح لها بعضها .. كان في قمة نشاطه وحيويته وهو يشرح أعماله من جديد .. وبدأت تخطر بباله أفكار جديدة .. بدأ مصطفى يفكر في العودة الى العمل من جديد .. ولكن كيف .. ومن سيساعده .. ؟ فهناك برامج جديدة في مجاله لم يدرسها أو يتدرب عليها بعد .. فبدأ بتصفح الإنترنت يبحث عن هذه البرامج .. ويبحث عن مراكز التدريب التي تدرس بها .. وبالفعل بدأ في الإتصال بأحد هذه المراكز واتفق على برنامج تدريب خاص به في منزله .. وبدأ التدريب ..

لم يكن مصطفى في هذه الأيام يفكر سوى ببسمة التي اعادت له الحياة التي يحبها و افتقدها كثيرا .. لذا كان ينتظر ميعاد وصولها بفارغ الصبر ليحكى لها ما فعله في غيابها وكيف تقدم في تدريبه على البرامج الجديدة وتواصله مع الشركات عبر الإنترنت .. واعجابهم بخبراته السابقة .. كان متحمسا كشاب في مقتبل حياته العملية .. ينتظرها لتعود لتحكى له يومها وكيف مر .. ومن قابلت وماذا تعلمت وانجزت .. كان ينظر لها مبهورا من طريقة كلامها وسلاسة سرد الأخبار والحكايات وهى تنتقل من المرح الى المزاح ثم الجد بسلاسة ويسر .. فيسرح في طريقتها وحيويتها ومجال الطاقة الإيجابى الذى ينبعث منها .. فيتمنى أن لو عادت به الحياة ثلاثون عاما .. لم يكن ليتركها أبدا .. احبها .. ولكن ليس في الوقت أو الظروف المناسبة .. هو يكبرها بكثير وأيضا قعيدا .. لن يستطيع اسعادها .. هي صغيرة وجميلة ومن حقها أن تسعد بشاب مثلها .. أما هو فيكفيه أنها قد بعثت فيه الأمل وروح التحدى من جديد .. يكفيه أنها عوضت غياب أبنائه عنه .. فقرر أن يكون لها أبا ثانيا .. يعطيها ما تحتاجه على قدر ما يستطيع .....


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 08:58 AM   #27

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الحادى عشر

الفصل الحادى عشر

ظل عاطف طوال الأيام الماضية منذ أن أفترق عن اجلال لا يفكر سوى في كيفية الانتقام منها .. لم يكتفى بما سبب لها هو وأهله من ألم طوال زواجها منه .. ولم يفكر بما عانته من أمه وأخته ولا الإهانات التي تعرضت لها على أيديهم جميعا .. ولم يفكر ايضا بفقدانها لجنينها التي ظلت تحلم به طوال سنوات زواجها منه ..

كان كل يوم يعود من غرزته مع شروق الشمس فيفتح ما تبقى من أشيائها التي استولى عليها هو وعائلته فتقاسمت أخته وأمه ما ينفعهم منها وبقى له ما بقى ليفرده كل يوم فوق السرير يتفحصه ويظل يشتم ملابسها ثم يمزق أجزاء منها في غضب .. وذات يوم وقع نظره على سلسة مفاتيحها ضمن حاجاتها وكان يعلم أنها تحتفظ بمفتاح شقة مصطفى بين تلك المفاتيح فهو مفتاح مميز يعرفه جيدا حين لفت انتباهه يوما فسألها عنه وأجابته ببساطة أنه مفتاح شقة المهندس مصطفى .. هنا برقت فكرة انتقامه من اجلال .. سوف يذهب لسرقة شقة مصطفى .. ليتم أتهام طليقته بالسرقة ...

بالفعل .. حزم عاطف أمره على ذلك .. في اليوم التالي .. لم يذهب عاطف الى الغرزة كعادته فهو على موعد مع مهمة زينها له شيطانه لحظة أن رأى مفتاح شقة مصطفى .. فكان لابد أن يكون منتبها وغير مسطول كالعادة .. ظل ساهرا طوال الليل وحتى الصباح .. لم ينم دقيقة واحدة .. وعند تمام الثامنة صباحا ذهب الى العمارة التى يسكن بها مصطفى .. وظلل يراقب العمارة حتى تخرج سلمى كي يصعد هو الى الشقة ويفتحها وتتم السرقة ويترك الشقة قبل استيقاظ مصطفى .. كان يعلم متى كان يستيقظ مصطفى .. فهو كان دائم الفضول ويسألها عن كل صغيرة وكبيرة في عملها .. وخصوصا عملها مع مصطفى ..

مر الوقت ولم تخرج سلمى من العمارة .. فقرر بعد ساعة من ميعاد نزولها الذى يحفظه جيدا أن يصعد الى الشقة ويفتحها بهدوء ليستكشف الأمر فربما تكون سلمى لا زالت نائمة أو ربما لا تكون بالبيت من الأساس أو ذهبت الى العمل قبل أن يصل هو للعمارة ..

صعد عاطف بالمصعد ولم يقابل أحد أثناء صعوده .. ثم توجه الى الشقة بهدوء يتلفت حوله .. وهو يخرج سلسلة المفاتيح من جيبه .. ليفتح الباب بهدوء .. مد رأسه أولا داخل الشقة ينظر يمينا وشمالا .. ثم دلف الى الداخل حتى وصل الى منتصف صالة الاستقبال .. ولما لم يسمع صوتا قط .. أطمئن لحد ما أن البيت خاليا فأخذ يتجول بهدوء .. الى أن وصل لحجرة نوم مصطفى .. فوجده مستلقيا في سريره نائما ..

في هذا اليوم كان قد مر على طلاق مصطفى وسلمى مايقرب من الشهرين .. تركت سلمى في بدايتهم البيت لتقيم في فندق لعدة أيام الى أن تجد شقة مناسبة لتستأجرها .. قضت يومان في الفندق ثم قررت أن تذهب الى الإسكندرية مدينتها القديمة والتي يهفو قلبها اليها منذ أن تركتها لتقيم هي وزوجها بالقاهرة حيث فرص العمل أوسع وأكثر من أي مدينة أخرى بمصر .. هي تعشق الإسكندرية كما يعشقها كل سكندرى وغير السكندرى .. فهى مدينة البحر والجمال .. فصدق من سماها عروس البحر المتوسط .. ومن منا لا يحب ويعشق العروس ... قبل أن تغادر طلبت من عم خميس الاهتمام بمصطفى أثناء غيابها حيث أنها أبلغته أنها سوف تكون في مأمورية عمل .. وذلك الى أن تخبر ابناءها بموضوع الطلاق وتطلب منهم رعاية والدهم وهى تعلم أن هذا من الصعب أن يحدث ..
فقط إنفعلا كلاهما عندما أخبرتهم بموضوع الإنفصال بينها وبين مصطفى .. ولم ينظرا فقط سوى لنظرة المجتمع لهم وخاصة نظرة ازواجهم ذوىيهم .. أيضا كانا يخشيان العبأ الذى قد يلقى عليهم ولوم الناس لهم من عدم رعايتهم لوالدهم .. ولم يهدأ لهم بالا الا بعد أن طمأنتهم بأن هناك من يرعاه أفضل رعاية .. في النهاية وعداها بالتواصل معه .. ولكن أكثر ما فعلاه هو أن قاما بالإتصال به تليفونيا ووعده بأن يأتيا اليه في أقرب فرصة .. والتي بالطبع لم تأتى تلك الفرصة أبدا...

كانت سلمى بعد أن هدأت انفعالاتها بعد الطلاق تتصل بمصطفى من وقت لآخر لتطمئن عليه .. ربما كانت تفعل هذا لتريح ضميرها الذى كان يعذبها على تصرفاتها وسلوكها نحوه ليس فقط منذ أن صار قعيدا ولكن من قبل منذ أن وافقت أن تتزوجه وهى تحب رجلا آخر .. فكان تارة يطلب منها أن تعود الى البيت حتى وان ظلا منفصلين .. فهى في النهاية لا تعطيه أي من حقوقه الشرعية ولا تقترب منه كما تفعل كل زوجة محبة لزوجها خصوصا في ظروف مثل ظروفه تلك .. ولكنها كانت ترفض بحجة انها تحتاج الى بعض الوقت لتفكر في قرارها .. وتارة أخرى كان يرد عليها مصطفى ويتحدث اليها ويحكى لها عن ما يفعل وما قرر من العودة للعمل ولكنه لا يفاتحها في موضوع عودتها احتراما منه لرغبتها في البقاء بعيدا لفترة أخرى .. أما سلمى فكانت تستمع اليه وهى تشعر بعذاب ضميرها وبمدى انشغالها عنه .. وكيف لم تشجعه وتساعده على العودة الى العمل .. كيف لها لم يخطر على بالها أن تقف بجانبه الوقفة البسيطة التي وقفتها طبيبة لم تتخرج بعد .. وهى زميلته في المهنة لم تبادر بما فعلت بسمة الصغيرة قليلة الخبرة بالحياة .. ألهذه الدرجة أفسد حبها لخالد حياتها وعقلها وتفكيرها التي طالما تميزت به منذ صغرها ؟؟!!!! .. كانت تتساءل .. كيف لم تقاوم نفسها من أجل نسيان هذا الحب .. كيف وقعت هكذا ببياطة في فخ الحب الأول فأضاعت حياتها وحياة أسرتها وعاشت حياة تعيسة كالتى عاشتها مع مصطفى وجعلته هو يعيش أتعس منها.. لماذا لم تعطى هذا الرجل الطيب الكريم حقوقه حتى لو لم تحبه فجعلته يشعر بقصور في رجولته .. وهذا أصعب شيء يمر بالرجل .. كيف لم تعطى الحب له ولأسرتهم أو حتى تتظاهر به .. فتؤسس بذلك بيتا سعيدا لمن حولها وان عاشت هي في تعاسة .. فليس بالحب وحده تقوم البيوت السعيدة .. كان يمكنها أن تتظاهر بحبه .. وتلجأ الى الله تدعوه أن يخرج حب خالد من قلبها ويستبدله بحب مصطفى .. فهو يستحق منها ذلك .. وأى زوجة أصيلة كانت لتفعل هذا وأكثر مع زوجها خصوصا في ظروفه تلك .. هو لم يبخل عليها ولا على اسرته .. بل أفنى نفسه وحياته حتى تنعم هي وأولادها بحياة رغدة .. أليس الذى يمر به هو الآن من جراء محاولته تحسين وضع أسرته ليجعلهم في مصاف الأغنياء ..
كانت تتساءل .. كيف لحب أول غبى دام لبضعة شهور أن يتفوق على عشرة وحب السنين الذى منحه مصطفى لها .. بل كانت تعترف في نفسها أنها هي الغبية التي تركت نفسها فريسة سهلة لهذا الوهم ..

قررت سلمى أن تبدأ بداية جديدة .. قررت أن تعود الى مصطفى .. لتمنحه هذا الحب والرعاية وأن تمنحه نفسها عن رضا .. قررت أن تدعو ربها أن يوفقها في قرارها
كان كلاهما قد هدأ من غضبه وانفعالاته على الآخر .. وكانا قريبين الى العودة .. بعد أن أحس كلاهما أنه قد أخطأ في حق الآخر .. لكن بالطبع إحساس سلمى كان أكبر بكثير من إحساس مصطفى .. فهى أخطأت في حقه بأن تزوجته وقلبها مشغول بغيره .. بل وتمادت في هذا الحب الواهم وكان هذا الإحساس يعذبها كثيرا ..

كان خميس يقسم وقته بين مصطفى وبين بيته طوال اليوم .. ثم يبيت معه ليلا .. وكانت بسمة تقضى مع مصطفى بعض الوقت عندما كانت ظروفها تسمح بذلك ..
في ذلك الصباح .. كان خميس قد صعد لشقته قبل وصول عاطف للشقة بدقائق .. فقد كان في حاجة ان يلتقى ببسمة قبل أن تذهب لجامعتها ليعطيها مبلغ من المال طلبته منه لشراء بعض المراجع ..

أقترب عاطف من الدولاب بغرفة النوم ليفتحه لعله يجد به ذهبا أو مالا ليأخذه ويذهب بسرعة .. وبمجر أن بدأ بفتح احدى ضلف الدولاب .. أحدثت الضلفة صوت صريرا عاليا ليستيقظ مصطفى على هذا الصوت فقد كان نومه خفيفا ومن النوع الذى يستيقظ من أدنى الأصوات .. فتح مصطفى عينيه ليفاجأ بعاطف يفتح باب الدولاب .. فصاح فيه : انت مين ؟

استدار عاطف اليه ينظر كلاهما في عين الآخر وساد الصمت بينهما للحظات .. ثم بادر مصطفى قائلا بصوت عالى : أنت جوز اجلال .. أنا عارفك .. انت بتعمل ايه في بيتى .. وازاى دخلت هنا .. ثم بدأ ينادى بصوت عالى يستنجد بعم خميس .. فأسرع عاطف اليه يضع يديه على فم مصطفى .. فلما بدأ مصطفى بمقاومته لم يشعر الا وهو يحيط عنق مصطفى بكفيه بقوة ليوقفه عن الصياح .. ظل بضغط بقوة على عنقه والآخر يحاول أن يزيل يده من على رقبته ولكن قوته لم تسعفه .. فقد كانت قوة وشباب عاطف أكبر بكثير من قوة وعجز مصطفى الذى ما لبث أن خارقت قواه وتوقفت مقاومته رويدا رويدا .. فقد فارق الحياة ......

تنبه عاطف الى ما قام به للتو فرفع يده عن رقبه مصطفى في ذهول .. مرت لحظات قبل أن يبدأ عاطف في رج جسد مصطفى لعله يستيقظ .. كان في حالة رعب شديد من فكرة قتله لمصطفى .. حاول كثيرا أن يهزه .. ولما فقد الأمل في أن يستعيد مصطفى وعيه .. أدرك حينها أنه قد قتله .. فاسرع للخروج من باب الشقة وهو في حالة من الهلع .. تاركا سلسلة المفاتيح في باب الشقة المفتوح ..

-----------------------------------------------------------------

في صباح اليوم التالى للقاء الحميمى الرائع بين أشرف ورنيم .. كان يوم الجمعة.. استيقظ أشرف متأخرا على جرس تليفونه المحمول .. يفرك عينيه.. لينظر على الرقم المتصل .. ليعلم أن أيمن هو المتصل .. فنهض من سريره ليجلس على حافته وهو يرد عليه بصوت متقطع .. لمستيقظ من النوم : صباح الخير يا أيمن .. أنت كويس ..
رد أيمن من الجانب الآخر وهو يتصنع الألم : أنا بخير متقلقش .. هو أنا صحيتك من النوم ولا ايه .. ثم علق بخبث ليطمئن على احواله مع رنيم .. الظاهر الليلة كانت وردى يا عم .. ولما سمع ضحكة أشرف التي جاوبته عما كان يخاف هو منه أن يحدث أغتم قلبه وسريعا تحول الى آلام المرض الوهمى الذى يخدع به أشرف .. فتأوه من الألم ثم قال بصعوبة .. أنا تعبان أوى يا أشرف .. تقدر تييجى لى دلوقتى .. ولو متقدرش مش مشكلة أنا ح اتصرف ..
رد أشرف سريعا .. لا أبدا .. أنا جاى لك حالا .. يدوب ح آخد شور بسرعة على جسمى وحكون عندك في أقل من ساعة..

لم يلبث أن سمع أيمن جملة أشرف بأنه سوف يغتسل الا وكان الغيظ يكاد يفتك به .. فهذا دليل آخر على أنه هو ورنيم في أفضل حال ولم يختلفا ليلة أمس .. بل أنهم قضوا ليلة حميمية يتمنى هو لو أن يقضى واحدة منها معها بعد أن ينجح في تطليقها من أشرف ليتزوجها هو ...

كانت رنيم قد استيقظت كعادتها في الصباح الباكر وانتهت من الشاور وأحضرت إفطار يوم الجمعة والتي اعتادت منذ بداية زواجها أن يكون افطارا مميزا عن باقى الأيام .. فهى سنة اعتادتها من أمها في بيت عائلتها قبل الزواج .. ثم دخلت الى غرفة النوم كى توقظ أشرف ليفطر ويغتسل قبل صلاة الجمعة ولكنها فوجئت به مستيقظا يجلس على حافة السرير ورأسه بين كفيه ويرتكز بكوعيه على ركبتيه .. فتعجبت من وضعه .. ثم بادرت قائلة : صباح الخير يا أشرف .. الفطار جاهز .. ..
لم يرد أشرف .. تحرك ببطيء ليقف أمامها ثم فتح ذراعيه ليأخذ برأسها على صدره واصابعه تداعب شعرها بقوة ..
غاصت برأسها ووجهها في صدره كأنها تغسل آلام الأيام السابقة من رأسها .. ثم قالت بشوق وحنين اليه : بحبك أوى يا أشرف .. لم يرد عليها أشرف ولكنه ضمها اليه بقوة أكبر في سكون للحظات .. ثم قال بشجن : رنيم .. أنا مش عايزك تحبيني أوى بالشكل ده .. رفعت رأسها لتنظر الى عينيه متعجبة للحظات مما سمعته منه للتو .. ثم سألته .. مش فاهمة .. تقصد أيه ..؟!!
أشرف: الموت .. الموت يا رنيم .. ممكن يفرق ما بين الناس في أي لحظة ..
رنيم في قلق : أشرف حبيبي .. ليه بتقول الكلام ده دلوقتى .. أنت قلقتني عليك .. حبيبي .. أنت فيك حاجة .. بتشتكى من حاجة ..
أشرف : لا يا حبيبتى .. أنا بخير ..
رنيم بلهفة : طيب ليه بتتكلم كده ..
أشرف : كلمني أيمن من شويه .. لازم أروح له دلوقتى .. ثم سكت لحظات كانت هي فيها تنظر اليه بتعجب مما ذكره .. فاردف أشرف بنبرة حزينة.. شوفي يارنيم .. الكلام اللى ح أقوله دلوقتى مش عايز حد يعرفه أبدا .. اوعديني ..
رنيم بقلق: أوعدك يا أشرف .. بس هو فيه ايه بالظبط ..؟
أشرف بتردد : أيمن مريض بمرض خطير في معدته .. السرطان يارنيم .. السرطان .. ومحدش يعرف الا أنا .. علشان كده أنا كنت بقضى معظم الوقت معاه وبتأخر عليكى أغلب الأيام ..
وضعت رنيم كفها الى فمها تشهق شهقة بسيطة ثم قالت : لا حول ولا قوة الا بالله ..
ساد الصمت بينهم للحظات فبادرت رنيم لتسأله : طيب والدكاترة قالوا ايه الحالة بالظبط وفى اى مرحلة وهل التدخل الجراحى ممكن يعمل حاجة ولا لأ ..
رد أشرف وهو يفرك وجهه بيده : مش عارف .. هو مبيتكلمش عن كلام الدكاترة معايا .. بصراحة هو بيدخل للدكتور لوحده .. هو بيطلب منى كده .. وأنا بحاول أحترم رغبته.. بس أنا ممكن أعرف الحالة وصلت لفين .. أصل الدكتور اللى عمل له التحاليل أول مرة صاحبى .. كنا سوا في الثانوى ..
رنيم: طيب يا حبييى سهلة .. ممكن تتصل بيه أو تقابله ويطمنك .. بس في النهاية لازم تعرف اهله بحالته دى .. على الأقل ابوه وأمه .. محدش ح يسامحك لو عرفوا انك كنت عارف ومبلغتهمش .. دول مهما كانوا اقرب له منك ..
أشرف : أيوة يا رنيم بس أنا وعدته أني م قلش لحد .. دى رغبته .. وبعدين أبوه منفصل عن أمه وأنا معرفش له أخوات .. أنا يا دوب أعرف مكان شغل أبوه .. عموما .. عندك حق .. أنا الأول أعرف حالته وصلت لفين من الدكتور علي وبعدين أبقى أبلغ والده .. عموما تليفون علي معايا .. ح اتصل بيه وأنا في الطريق لأيمن ..
رنيم: ده عين العقل .. ممكن بقى تخلص الشور بتاعك ونفطر سوا قبل ما تنزل ..
أشرف وهو ينظر لها مبتسما وممتنا مما فعلته من اجله بالأمس : حاضر يا حبيبتي ثم قبلها في جبينها وتوجه بعدها للحمام ..

أحست رنيم أن المياه قد عادت لمجاريها وأنها أحسنت التصرف بداية من شغل نفسها بأشياء تحبها الى تصرفها ليلة الأمس بإرضاء زوجها بالرغم من غضبها منه وحتى لا تبات والملائكة تلعنها .. فابتسمت برضا واتجهت الى صالة البيت لتدير أغاني صباحية لفيروز ذات نغمات ساحرة ومبهجة ليستمعا لها سويا على الافطار .. فكلاهما يعشق صوتها وأغانيها .. وذلك احدى الحاجات المشتركة بينهما منذ أن تعرفا على بعضهما ..

---------------------------------------------------------

مرت ثلاثون دقيقة قبل أن يعود خميس من شقته الى شقة مصطفى .. كان خميس مغتما للوضع الذى صار بين مصطفى وسلمى والذى على إثره اضطربت حياته وحياة اسرته .. فهو يضطر أن يشارك بسمة بصفة دائمة في رعاية مصطفى والذى لم يصبح لديه أحدا يرعاه سوى هو وابنته .. فهو قد صارح خميس بخبر انفصال سلمى عنه وأيضا بجحود أبنائه الذين علم خميس لأول مرة أنهم مقيمين بمصر ولم يسافرا لبلد آخر .. وأن ليس سوى الجحود سببا في بعدهم عن والديهم ..

كان خميس يشفق كثيرا على مصطفى وحاله ولكنه في نفس الوقت كان في حاجة لبعض من الوقت الذى يقضيه هو وابنته مع مصطفى .. نعم لقد إستطاع مصطفى أن يقنع خميس بأحقيته في أجر على رعايته له بأن هدده أنه سوف يبحث عن شخص آخر يرعاه طالما هو لا يأخذ أجر رعايته .. وأنه لا يستطيع أن يقبل بهذا الوضع أكثر من ذلك .. قبل خميس على مضض .. وأصبح مصطفى يغدق عليه المال أكثر بكثير من السابق وأصبح خميس لا يشكو هو واسرته من نقص الضروريات بل من نقص الرفاهيات أيضا .. ولكنه في النهاية تمنى لو أن تعود سلمى لمصطفى من جديد حتى تستريح بسمة من عناء رعاية مصطفى وتتفرغ أكثر لدراستها والتي كان يعتقد أن هذا الوضع حتما سيؤثر على مستقبلها ..

حاول خميس عدة مرات أن يتدخل لإصلاح الأمور بين مصطفى وسلمى لكن كلاهما قد رفض مبادراته الواحدة تلو الأخرى .. فكان مصطفى يصر على موقفه متعللا بإهانتها وجرحها له .. ولكنه في قرارة نفسه كان يفضل أن لا يعود الى سلمى ويحرص على الساعات القليلة التي يقضيها مع بسمة لتمنحه سعادة لم يشعر بها منذ وقت طويل .. ومن ناحية أخرى كانت سلمى تطلب بعض الوقت لتخاذ قرار العودة من عدمه .. فهى كانت قد وصلت الى الحد الذى تريد أن تختلى بنفسها بعيدا عن أي ضغوط لاتخاذ قرارات هامة في حياتها والتي تشعر انها كانت حياة غير سعيدة بالمرة .. لذلك أخذت إجازة مفتوحة من عملها وأقامت في شقة قامت باستأجارها في كمباوند بالقرب من الإسكندرية .. مدينتها القديمة التي عاشت فيها أجمل أيام حياتها حتى تفكر وتقرر في هدوء ..
في النهاية لم يكن يملك خميس سوى الصبر .. لعل الوضع يتغير الى الأفضل ..

عند وصول خميس الى باب شقة مصطفى كان قد جهز المفتاح في يده ليفتح الباب ولكنه فوجئ بأن باب الشقة مفتوح وأن هناك سلسلة مفاتيح معلقة بكالون الباب .. ابتسم خميس لأنه أعتقد أن سلمى قد عادت الى مصطفى وان المياه سوف تعود الى مجاريها وتستقر حياته الاسرية نسبيا كما كانت .. ففضل أن يطرق جرس الباب حتى ينبههم بقدومه .. ثم انتظر للحظات ولم يأتي إليه أحد ولم يرد عليه أحد فعاود طرق الجرس مرة أخرى ثم ثالثة .. ثم في النهاية قرر أن يدخل الشقة على حذر وهو ينادى على مصطفى وسلمى .. بالطبع لم يجبه أحد حتى وصل الى غرفة نوم مصطفى فاذا به يراه نائما ناظرا للسقف .. ولكنه لاحظ أن فرش السرير ليس على وضعه وأن هناك شيء غير طبيعي فيه .. أقترب خميس حتى وصل الى طرف السرير وهو ينادى على مصطفى بصوت خفيض لعله نائما فلا يوقظه ولكنه بمجرد أن وصل الى السرير تسمر في مكانه فقد شاهد عيني مصطفى جاحظتان الى السقف .. ارتعب خميس من هول المنظر للحظات ولكنه تشجع أخيرا واقترب من مصطفى يهزه وهو مرعوبا ينادى عليه ثم اقترب من انفه ليستشعر أنفاسه فم يشعر بها قط .. ثم امسك كفه يستشعر نبضه ووضع اذنه على صدره ليسمع دقات قلبه فعلم انه مات .. وقف خميس مذعورا واضاعا يديه على رأسه وهو يتصبب عرقا .. ثم انطلق الى باب الشقة يستنجد بالجيران والبواب ..

أسرع البواب وبعض الجيران على صوت خميس وصرخاته .. ليقتحموا الشقة جميعا فشاهدوا المنظر وخميس يحكى لهم بتلعثم واضطراب شديد ما حدث منذ أن ترك مصطفى الى ان عاد اليه فوجد باب الشقة مفتوحا .. ثم اكتشافه لوفاة مصطفى ..
كان من ضمن الجيران طبيبا شابا في منتصف الثلاثينيات أقترب من مصطفى وكشف عليه ثم وقف مبهوتا قائلا .. المهندس مصطفى اتقتل .. دي حالة اختناق واضحة .. والعلامات والكدمات اللي على الرقبة واضحة وبتدل على كده .. احنا لازم نبلغ البوليس ..
ما ان سمع خميس كلمة القتل والبوليس حتى انهار جالسا يبكى بشدة على احدى الكراسى .. فأردف الطبيب قائلا .. يا جماعة محدش يلمس أي حاجة في الشقة ....
مرت حوالى أربعون دقيقة الى أن وصلت سيارة الشرطة بعد البلاغ التليفونى من الطبيب .. وبدأ التحقيق بعد معاينة جثة مصطفى مع الحاضرين وفى النهاية أخذت الشرطة خميس معها وأمرت بالتحفظ على الجثة ..

كان خميس بطبيعة الحال في حالة يرثى لها فهو من ناحية مرعوبا من أن يتهم بقتل مصطفى حيث انه هو مكتشف الأمر والكثير من الجيران كان يراه يدخل ويخرج الى ومن شقة مصطفى هو وبسمة ابنته دون أن يعرفوا لذلك سببا وبالطبع شهد الحاضرون بذلك وقد تم اخلاء سبيلهم بعد أن حكى خميس للمحقق ما حدث .. ومن ناحية أخرى كان خائفا على ابنته من أن تجر قدمها في قضية مثل ذلك .. ومن ناحية ثالثة كان في حزن كبير بسبب ما آل اليه مصير مصطفى ....
بدأت التحقيقات مع خميس في القسم الجنائي بمركز الشرطة .. فحكى خميس للمحقق مرة أخرى ما حدث بالضبط ثم أمر الضابط أن يتحفظ عليه لحين عرضه على النيابة ..

كانت بسمة وأمها في ذلك الوقت قد علما بما حدث فانهارا في البكاء بدأت حسنة زوجته العويل الى أن أرشدهم أحد من الجيران بأن عليهم أن يستعينوا بمحام من أجل خميس .. ولكن بسمة قد هاتفت سلمى من تليفونها حيث كان خميس يحتفظ برقم سلمى على تليفون بسمة .. فلم ترد على الفور .. فقد تخيل لها أن خميس كعادته يريدها في محاولة جديدة للصلح بينها وبين مصطفى ..
كانت سلمى جالسة عند حمام السباحة بمنتجع قريب من الكمباوند وكان المكان خاليا من النزلاء الا من بعض العمال يرونها وتراهم عن بعد .. لم ترد سلمى في البداية ولكن مع معاودة بسمة الاتصال بها أكثر من مرة أحست سلمى أن هناك خطب ما فردت بعد المحاولة الرابعة .. لتسمع صوت بسمة المنهار من شدة البكاء ..
بسمة بصوت متلعثم من شدة البكاء لا يكاد يفهم من شهقاتها شىئ : مدام سلمى .. مدام سلمى .. اررر .. أرجوكى تلح .. تلحقى .. بابا مقبوض عليه في قسم الشرطة .. أرجوكى بسرعة ..
سلمى : أهدى .. أهدى يا بسمة .. أنا مش فاهمة منك حاجة .. ماله عم خميس ..
بسمة: بابا .. أرجوكى الحقيه في قسم الشرطة قابضين عليه بتهمة قتل الباشمهندس مصطفى ..
انتصبت سلمى واقفة من هول ما سمعت للتو .. ثم صاحت بصوت عال جعل العمال ينتبهون لها : انتى بتقولى ايه .. مصطفى .. أزاى .. مصطفى .. مصطفى .. ثم لم تلبث الا وقد ذهبت عن الوعى .. فأسرع عامل اليها وآخر ذهب ليستدعي مدير المكان ...
كانت بسمة على الجانب الآخر تنادى على سلمى التي بالطبع لم تستمع اليها .. حاولت الاتصال بها عدة مرات الى أن رد عليها مدير الفندق وأخبرها بأنها قد فقدت الوعى بعد مكالمة هاتفية .. فأجابته بأنها هي من كانت تحدثها وأنها تريدها ضرورى .. فوعدها بأن يخبرها بمجرد أن تسترد وعيها ..

مرت دقائق قبل أن تفيق سلمى بعد أن تم نقلها لغرفتها وحضر طبيب لإسعافها .. حين أفاقت سلمى ظلت للحظات غير مستوعبة الأمر الى أن تذكرت مكالمة بسمة .. فانهارت من جديد في البكاء ثم نهضت من سريرها فحاول الطبيب أن يهدأ من تصرفاتها ولكنها ازاحت يده بقوة قائلة : سيبنى .. لازم اروح له .. فحاول الطبيب مرة أخرى ولكنها نهرته بقوة قائلة : بقولك سيبنى .. أنا جوزى مات ..

نظر اليها الطبيب مبهوتا ثم أفسح لها الطريق لتأخذ شنطة يدها وتنطلق الى سيارتها وهى لا تزال في حالة بكاء شديد .. كانت سلمى تقود سيارتها من المنتجع السكندرى الى أن عبرت بوابة الطريق الصحراوى بالإسكندرية وهى في بكاء مستمر ولا يغيب عن مخيلتها صورة مصطفى في مناسبات كثيرة منذ أن تعرفت عليه الى أن ألقى عليها يمين الطلاق و تركته وتركت له البيت .. وفى كل مرة كانت تتذكر معه ذكرى ما كانت تستمر في النحيب .. و تبكى بكاءا مريرا .. ليس فقط على مصطفى ولكن أيضا على حالها .. فالقدر لم يمهلها ولو قليلا لتبدأ بدايتها الجديدة وتصلح خطأها في حق مصطفى وأسرتها .. بل في حق نفسها .. شعرت أن الله يعاقبها عقابا شديدا وأن ما إقترفته في حق مصطفى هو ذنب كبير .. وان الله غاضب عليها .. فلم يمهلها وأخذ منها مصطفى الذى سوف تمضى بقية حياتها تبكيه ......

هدأت قليلا .. فتذكرت سلمى خالد وابنائها .. فكانت في حيرة شديد بأيهم تبدأ .. هي لا بد أن تتحدث مع أحد .. لن تظل هكذا حتى تصل الى القاهرة .. تشعر أنها تحتاج من أحد قريب لها ليقف بجانبها في تلك المصيبة ..

وجدت نفسها تطلب خالد دون ان تدرى .. ربما لأنه الأقرب اليها فهو يسكن بالإسكندرية عن أولادها فى القاهرة .. ولكن شعورها في تلك اللحظة لم يكن سوى انها تتصل بواحد من أقرب أصدقاء مصطفى .. لم تشعر أنها تتصل به كحبيب سابق لها أبدا .. كان مصطفى قد أعطاها من قبل أرقام تليفونات خالد وأمجد وتوفيق للاتصال بهم في الظروف الطارئة .. وقد طلب منها بعد ما عاناه من جحود ابناءه أن لا تلجأ الى أولاده في أي شيء يخصه .....

رد عليها خالد بعد لحظات وهو عاقد الحاجبين وقد تعجب .. لماذا تطلبه سلمى الآن وهى التي مرت سنوات ولم تطلبه من قبل أبدا ولا مرة واحدة ..
خالد بتعجب :سلمى ..؟!!
سلمى وهى ما تزال تبكى : الحقنى يا خالد .. أتصلوا بى من القاهرة بلغونى أن مصطفى اتقتل ..
خالد صائحا وقد نزلت عليه الكلمات كالصاعقة : إنتى بتقولى ايه .. إزاى ده حصل .. وإمتى .. وإنتى فين دلوقتى ..؟
سلمى : أنا في طريقى للقاهرة أنا كنت في منتجع ***** واتصلوا بى على الموبايل وبلغونى .. كانت تخبره وشهقاتها تمزق قلبه حزنا على مصطفى من الخبر المشئوم وخوفا عليها .. فقد تحركت مشاعر السنين التي يكنها لها لتعصف به في لحظات ..
خالد: سلمى .. سلمى .. أهدى .. أرجوكى أهدى يا حبيبتي .. وقولى لى انتى فين دلوقتى بالظيط..
نطقها ولم يشعر .. نطق بها لأنها هي الحقيقة التي لم يداريها عن نفسه لحظة منذ أن وقعت عينيه عليها أول مرة ..
سلمى وهى تحاول أن تهدأ بالفعل : أنا راكنة بعد بوابة اسكندرية الصحراوى مباشرة ..
خالد بلهفة واضحة : طيب خليكى .. أرجوكى خليكى مكانك أوعى تمشى خطوة واحدة .. أنا جاى لك حالا ..........


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 09:13 AM   #28

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثانى عشر

الفصل الثانى عشر

كانت أمينة عائدة لتوها من مقابلة حسام وما أن دخلت شقتها هي وأمير الا وسمعت المكالمة بين خالد وسلمى .. سمعت بأذنيها جيدا ..خالد ينادى على سلمى ملهوفا "أرجوكي أهدى يا حبيبتي" .. تسمرت في مكانها وقد كادت أن تنهار وتشعر بان الأرض تهيل من تحتها .. تتردد الجملة في أذنيها وتدور الدنيا بها .. ترنحت قليلا فأمسك بها أمير الذى كان يقف بجانبها وسمع أيضا ما سمعته أمه .. وكان ينظر الى والده غير مصدق ما سمع للتو ..

أخذ أمير بيد والدته التي أقتربت من خالد تنظر الى عينيه .. وهو أيضا ينظر اليها ولكنه لم يفهم لماذا تنظر اليه هكذا .. فهو لم يدرك ما لفظ به لسانه منذ لحظات ..
لم يعير نظراتها اهتماما ومر من جانبها وهو يقول .. مصطفى أتقتل يا أمينة .. مصطفى أتقتل .. أنا لازم أسافر القاهرة دلوقتى حالا ..

لم تلتفت اليه أمينة وهو يمر بجوارها .. بل ظلت واقفة مكانها مصوبة عينيها على المكان الذى كان يقف فيه يحدث سلمى وهى في صدمة شديدة .. تنظر في لا شيء .. فقط .. قد هاجمتها ذكرياتها الواحدة تلو الأخرى في تتابع عجيب ..

خرج خالد مسرعا .. وظلت هي في مكانها الى أن كلمها أمير : ماما .. مالك .. فيه ايه ..
لم ترد عليه أمينة وأبعدت يده بهدوء لتسير بخطوات بطيئة لتدخل الى حجرتها وتغلقها عليها .. كانت تسير وكل ذكريات حياتها تتلاعب أمام عينيها كأنها عرائس ملائكية جميلة تسقط الواحدة تلو الأخرى بجملة خالد لسلمى التي ظلت تتردد داخلها .. وكأنها رصاصات تقتل ذكرياتها وعرائسها تلك .. بل وتعصف ثم تفتك بماضيها وحاضرها ومستقبلها ....
مرت دقائق عدة وأمينة في حجرتها جالسة على طرف سريرها تحاول أن تستوعب ما حدث وما سمعت .. وكان أمير خلال تلك الدقائق يطرق باب غرفتها بخفوت وينادى عليها لتسمح له بالدخول ولكنها كانت في مكان آخر ولم تكن حتى تسمعه ..

حين يأس أمير من أن تسمح له أمه بالدخول ذهب الى المطبخ وأحضر لها كوب من عصير الليمون ثم عاد ليعاود محاولته في أن يدخل اليها .. وعندما لم تجيبه .. اضطر الى فتح باب الغرفة بهدوء وبحذر فوجدها تجلس على حافة السرير ورأسها مدلى تنظر الى يدها التي كانت قابعة في حجرها والدموع تتساقط من عينيها ..

وضع أمير كوب الليمون جانبا بجوار السرير ثم سارع اليها يحتضنها بشدة ويبكى هو الآخر ورأسه على صدرها .. فانتبهت حينئذ وربتت على ظهره ثم على راسه بحنانها المعهود خصوصا مع أمير .. أحن أولادها عليها ..

قال "أمي" بلهفة وهو مازال يخبئ رأسه في صدرها كأنه يخاف أن ترى عينيه وتعلم منها أنه هو أيضا سمع واستوعب ما حدث من ابيه لها .. : مالك يا أمى .. ليه بتبكى بالشكل ده ؟
أمينة في حزن : لا يا حبيبي مفيش .. بس خبر موت أنكل مصطفى أثر في شوية .. أهدا أنت .. أنا شوية وح أبقى كويسة .. ياللا يا أمير .. ممكن تسيبني لوحدي شوية .. ياللا يا حبيبي ..

رفع أمير رأسه ينظر اليها وهو يعلم أنها لا تقول الحقيقة .. ولن تنطق بها أبدا .. وأن هناك شيئ كبير قد كسر بداخلها .. بل تحطم ولن يستطيع أحدا أن يعيده لما كان عليه ..
قال أمير بعد أن صمت للحظات : حاضر يا أمى أنا ح أخرج وأسيبك لوحدك بس أرجوكي تشربي عصير الليمون الأول .. ده أنا اللي محضره لك بأيدي يا أمونه ..
أمينة وهى على حالتها من الحزن : حاضر يا أمير أوعدك أنى أشربه بعد ما أغير هدومي ...

نظر اليها أمير بشوق وحب شديدين .. ثم اتجه الى الباب ليخرج منه بهدوء ..
نادته أمينة : أمير أقفل الباب وراك من فضلك
خرج أمير وأغلق الباب ليتركها وحيدة ..

-----------------------------------------------------------

غادر أشرف رنيم ليذهب الى أيمن كما وعده .. لا يدرى لماذا أحس أنه كان يريد قضاء اليوم مع رنيم في بيتهما .. كان يشعر بمشاعر غريبة نحوها .. كان يشعر وكأن مشاعر حبه لرنيم تعود من جديد لتشعل قلبه شوقا اليها .. وهو الذى ما كاد يتركها سوى دقائق معدودة .. هذه المشاعر كانت قد انطفات بعد فترة قصيرة من زواجهما .. لم يفكر كثيرا في سبب ما يشعر به الآن ولكنه كان مستمتعا وهو يقود سيارته يفكر فيها من جديد كما كان قبل الزواج وهو يستمع الى كوكتيل من أجمل أغانى الحب القديمة لمطربى الزمن الماضى ..

تذكر أشرف بعد دقائق أيمن والكلام الذى دار بينه وبين رنيم بخصوصه .. كان عليه مهمة يجب أن يقوم بها .. كان عليه أن يطمئن من الدكتور على الى أي مدى وصل المرض بأيمن .. وكان عليه أن يذهب لوالد أيمن ليخبره بمرض أبنه .. كان يفكر .. يا ترى بأى المهام يبدأ ..
كان أشرف لا يعرف رقم تليفون والد أيمن .. لذا قرر أن يهاتف الدكتور على أولا ليسأله عن حالة أيمن أو يأخذ منه ميعاد ليلتقى به.. أخرج أشرف تليفونه وبحث عن رقم على ثم طلب الرقم .. رد على بعد عدة لحظات ..
على بسرور : يا صباح الخيرات يا أشرف .. ايه المفاجأة الحلوة دي .. ده أنت طلعت جدع أهو وطلبتني زي ما وعدتني .. ولا يكون حد تاني من صحابك تعبان .. والله تبقى واطي ..
أشرف بخجل : لا طبعا أنا قلت النهاردة الجمعة وأصبح عليك .. أكيد أنت مش في المستشفى النهاردة ..
على مبتسما: والله فيك الخير .. أنا فعلا أجازه .. بس لنص اليوم .. عندى المسا نبطشية .. طيب ما تييجى النادى .. أنا موجود دلوقت أنا والمدام وابنى عمر .. تعالى فرصة أعرفك عليهم لو المدام تبعك معاك ..
أشرف : للأسف مش ح ينفع دلوقت .. أنا رايح لأيمن أصله تعبان ومحتاجنى ..
على : أيمن مين ..؟
أشرف : أيمن اللى جالك المستشفى معايا وكشفت عليه .. الا قوللى .. هو صحيح حالته وصلت لفين ؟
على وقد عقد حاجبيه متعجبا : من أى ناحية .. ؟!!
أشرف: مش فاهم .. هو انت مش متابع حالته من بعد ما عمل التحاليل ..
على مقاطعا : يا بنى أنا مشفتهوش من ساعة ما كان معاك ..
أشرف عاقدا حاجبيه متعجبا : ازاى ده .. أنت متأكد ..
على بثقة : طبعا متأكد .. هو ايه الحكاية بالظبط يا أشرف .. ماله صاحبك ده ..
أشرف : لا أبدا .. يمكن أنا فهمت غلط أو اختلط على الأمر .. يمكن هو راح لدكتور تانى ..
على : ايوة .. بس هو ايه حالته اللى انت فاهمها .. ده مكنش عنده غير شوية تقلصات مش أكتر .. ممكن تكون من الأكل أو يكون القولون عنده تعبان شوية .. عموما لو حابب أنى أتابع معاه مفيش مشكلة خليه يفوت على في المستشفى في أي وقت ..
أشرف بفضول : يعنى يا على مش ممكن اللى عنده ده يكون سرطان ..؟
على ضاحكا بسخرية : سرطان ايه يا عم أشرف انت ح تفول على الراجل ليه .. فال الله ولا فالك .. الموضوع أبسط من كده بكتير ..
أشرف بتردد : بس هو قال لى ان التحاليل اللى انت عملتها له .. اقصد اللى عملها اثبتت وجود سرطان في المعدة ..
على باهتمام : يا ساتر .. اسمع يا أشرف .. هاته بكرة وتعالى لى المستشفى خليه يجيب التحاليل معاه .. أنا ح أكون هناك من الصبح نعمل له التحاليل وان شاء الله ميكونش فيه حاجة وحشة ..
أشرف: تمام يا على .. شكرا .. وان شاء الله ارتب معاك ميعاد تكون فيه رنيم زوجتي معايا ونخرج سوا مع المدام عندك .. ياللا يا حبيبى .. مش حعطلك أكتر من كده .. اسيبك دلوقتى مع عيلتك .. السلام عليكم ..
أغلق أشرف الخط مع على وظل شاردا في أمر أيمن الى أن وصل الى منزله .. وكان الوقت يقترب من صلاة الجمعة..

صعد اليه سريعا ليطمئن عليه و ليصحبه للصلاة اذا كان قادرا على التحرك ..
رن أشرف جرس الباب وانتظر دقائق الى أن فتح أيمن له متظاهرا بالتعب والألم الشديد..
اشرف: عامل ايه يا أيمن يا حبيبى ..
أيمن : تعبان أوى يا أشرف .. معلش اتأخرت على ما فتحت لك .. مكنتش قادر أقوم من السرير بسهولة
أشرف: لا ولا يهمك .. طيب تحب نروح المستشفى بعد ما نصلى الجمعة .. أنت شكلك تعبان اوى ..
أيمن : .. لا .. ل .. شوية كده وح أبقى كويس .. أنا لسه واخد الدوا من شوية ..
أشرف: طيب ح تقدر تنزل تصلى الجمعة .. ؟ ..
أيمن : معتقدش أنى أقدر أنزل لغاية المسجد .. أنا ح أسمع الخطبة و أحاول أصلى هنا على صوت الشيخ اللى في المسجد القريب منى ..
أشرف: طيب .. أنا يا دوب الحق أنزل الحق الخطبة ..
أيمن: طيب يا أشرف .. بس يا ريت متتأخرش على بعد الصلاة ..
أشرف بحنان : لا يا حبيبى ح أكون عندك بعد الصلاة على طول .. مش عايز حاجة اجيبها لك وانا جاى ؟
أيمن وهو مازال مدعيا الألم : لا .. كله تمام .. روح أنت وإرجع بسرعة ..
خرج أشرف الى المسجد لينتصب أيمن معتلا من انحناؤه متأوها ونافخا نفخة في الهواء .. ثم جلس يفكر في احتمالات ما دار بين أشرف ورنيم .. ويجهز خططا لكل احتمال ..

بعد حوالى أربعين دقيقة أنهى أشرف صلاة الجمعة وصعد مرة أخرى الى أيمن .. بدا لأشرف أن أيمن قد تحسن قليلا .. فبادر قائلا : ايه اخبارك .. حاسس ايه دلوقت ..؟
رد أيمن وما زال متصنعا الألم الخفيف : الحمد لله .. أحس شوية ..

انتهز أشرف الفرصة وقال بشئ من الحزم : أسمع يا أيمن .. باباك لازم يعرف الحالة اللى انت فيها دى .. مش معقول اللى أنت بتعمله ده .. هو في النهاية أبوك ويهمه أمرك ..
رد أيمن بدون اهتمام : متشغلش بالك بالموضوع ده .. أنا ح أقول لأبويا وامى في الوقت المناسب ..
أشرف مستفهما : وأمتى الوقت المناسب من وجهة نظرك ..

تظاهر أن الألم قد عاوده بشدة من جديد حتى يجعل أشرف يغلق الحديث في هذا الموضوع : قلت لك خلاص يا أشرف بالله عليك ما تضغط على وأنا في الحالة دى ..

نظر له أشرف بشفقة ثم قال ليهدؤه : ماشى .. ماشى .. اللى يريحك .. ثم سكت للحظات واردف مرة أخرى : على فكرة أنا كلمت الدكتور على النهاردة .. صاحبى اللى أنت كشفت عنده أول مرة .. سكت للحظات ثم اردف : هو أنت مش قلت لى قبل كده انه هو اللى عمل لك التحاليل وهو اللى قالك على نتيجتها ..؟؟!!

ما أن سمع أيمن أسم الدكتور على الا وقد بدأ قلبه ينبض بسرعة .. فقد أحس أنه قد بدأ الشك يساور أشرف وربما يكتشف خداعه له بموضوع مرضه هذا .. ولكنه لم يظهر توتره وقلقه مما قال أشرف للتو .. فرد بثقة : أنا .. لا أبدا .. الظاهر انك نسيت أنى قلت لك أني فضلت أروح لدكتور كبير .. أصلى بصراحة على بتاعك ده معجبنيش كشفه .. شكله دكتور آه .. بس هو لسة صغير حبتين .. يا عم ده من عمرنا ..

تعجب أشرف من رده .. لكنه في نفس الوقت أقتنع بما يقوله أيمن .. فعلى فعلا لم يمر على تخرجه من الطب سوى سنوات قليلة .. ولكنه في نفس الوقت كان متأكدا من أن أيمن أخبره بأنى على هو من أجرى له التحاليل وانه هو من أخبره بوجود سرطان في معدته بناءا على نتائج التحاليل الإيجابية ..

ساد الصمت بينهما قليلا ثم بادر أشرف قائلا : على فكرة الدكتور على عرض انه يبص على التحاليل ويكشف عليك .. وبالمرة يعيد التحاليل يمكن ما يطلعش عندك حاجة وتكون التحاليل اللى فاتت غلط ..

بدأ أيمن يتظاهر بالضيق .. بل هو الخوف فرد وهو يحاول الثبات : لا .. لا .. أنا شايف مفيش داعى .. أنا الدكتور اللى بروح له دكتور كبير أوى في المجال ده وعلى زى ما قلت لك لسة دكتور صغير والظاهر انه عايز يتعلم في.. بقول لك ايه يا أشرف فكك منه .. قال جملته الأخيرة وهو يضحك قليلا ..
أشرف في محاولة أخيرة لاقناعه : يا سيدي مش ح نخسر حاجة .. وبعدين يوضع سره في أضعف خلقه ..
أيمن ليغلق الموضوع : ربنا يسهل ح أشوف كده ظروفى وأرد عليك علشان نحدد ميعاد معاه ..ثم أردف سريعا ليغير الموضوع الى ما يهمه هو حقا .. المهم قول لى أنت عملت ايه مع رنيم ؟
عقد أشرف حاجبيه متعجبا من سؤال أيمن المفاجئ فرد عليه : مالها رنيم .. ؟
أيمن متلعثما : لا أبدا .. بس أنت قلت لى آخر مرة أنها متغيرة شوية .. فحبيت أطمن مش أكتر ..
رد أشرف دون اهتمام : لا أبدا .. مفيش حاجة مهمة .. هي بس ملت من محاولتها معايا في مسألة خروجى وتركها في البيت لوحدها كتير وفى الأخير فقدت الأمل في وسابتنى براحتى .. ده كل الموضوع .. بس عارف يا أيمن هي عندها حق .. أنا زودتها معاها حبتين ..

كان أيمن يستمع اليه والغيظ يفتك به .. فهو الى الآن لم يتقدم خطوة واحدة في خطته .. ولكنه بادر قائلا.. طيب كويس .. الحمد لله أن أموركم بخير .. قالها وهو يفكر في طريق آخر يسلكه .. هو خسر جولة .. نعم .. ولكن الحرب في نظره والتي هي من طرفه هو فقط لازالت مستمرة ولن يسلم بسهولة .. ولكن أشرف قد فاجئه قائلا بتردد .. على فكرة يا أيمن أنا اضطريت أحكى لرنيم عن حالتك .. وما كاد أشرف يكمل جملته الأخيرة على مسامع أيمن الا وقد انتفض الأخير من مكانه واقفا .. يقول بصوت عالى : أنت بتقول ايه.. إزاى تعمل كده .. فين وعدك لى .. أنا طلبت منك ان مفيش مخلوق يعرف الموضوع ده ..

لم يصدق أشرف الثورة التي انتابت أيمن لمجرد انه اخبره بمعرفة رنيم بأمر مرضه .. ولكنه لم يكن يعلم السبب الحقيقى وراء ثورته تلك .. لم يعلم بأنه دون أن يدرى قد أفسد خطة أيمن وجميع خططه المحتملة في التفريق بينه وبين رنيم .. بل لم يدرك أنه قد قتل أمل أيمن في أن يصل لزوجته .. فهى على أقضى تقدير يمكنها أن تشفق على حاله .. ولكن أن تحبه .. فهيهات ..

نظر أشرف الى أيمن ثم قال له : أهدا .. أهدا يا أيمن .. الموضوع أبسط من كده .. أنا كان لازم أقول لها الحقيقة لأنى معنديش مبرر لطول الوقت اللى بقضيه معاك .. صدقني كان لازم تعرف علشان هي كمان تطمن لتصرفاتى وتهدا على شوية .. فهمت يا صاحبى أنا ليه قلتلها ..

كان أيمن لا ينظر اليه بالمرة وهو يتكلم .. كان يشيح بوجهه الى الجانب الآخر في غضب شديد .. بل كان لا يستمع الى مبرراته .. ثم فجأة .. قال بنبرة هادئة : لو سمحت يا أشرف تسيبنى لوحدى شويه ..
رد أشرف وهو غير مصدق ما سمع منه : أنا مش شايف سبب لكل الزعل ده .. وأنا عاذرك يا أيمن ومش زعلان منك .. أنا مقدر اللى انت فيه علشان كده أنا ح اسيبك واخرج بره تكون هديت شوية ..
لم يرد عليه أيمن وتركه يخرج .. وظل هو في الغرفة بمفرده يكاد الغيظ يفتك به .. ثم هدأ قليلا بعد عدة دقائق .. وقرر أن لا يستسلم .. وانه لابد من تغيير سياسته ويبحث عن أسلوب آخر غير أسلوب المرض هذا .. فخرج الى أشرف الذى كان يجلس خارجا واضعا رأسه بين كفيه يفكر في أمر أيمن .. ولكنه لم يشك في تصرفاته .. كان كل تفكيره ينصب على انه محق وانه معذور .. كان يجب عليه أن يستأذنه أولا قبل أن يقول لرنيم ..

إنتبه أشرف لوجود أيمن حين نادى عليه بصوت خفيض : أشرف .. أنا آسف إنى انفعلت عليك بالشكل ده .. معلش الألم مش مخلينى عارف اتحكم في اعصابى وبدأت أثور من اتفه الأمور .. انت معاك حق .. كان لازم رنيم تعرف .. سكت للحظة ثم أردف متصنعا ابتسامة .. وبعدين فيها ايه يعنى لما تعرف .. أنت عندك حق .. أنا آسف أعذرنى ..

كان أشرف ينظر اليه وهو يعتذر له .. فأحس برضا لما آلت اليه الأمور .. فنهض من جلوسه وسار اليه يحتضنه بحنان قائلا : حبيبي متعتذرش .. أنا اللى آسف انى مستأذنتكش قبل ما اقول لها ..
رد أيمن وهو مازال في حضن أشرف .. ولا يهمك يا أشرف حصل خير .. وعلشان أثبت لك انى مش زعلان .. أنا قررت أنى اروح للدكتور على بتاعك يتعلم في .. قال جملته الأخيرة وهو يضحك ضحكة بسيطة ..
رد أشرف بسعادة: بجد .. برافو عليك .. أنا ح آجى لك الصبح بدرى نروح سوا ..
أيمن: تمام يا ريس .. بس فيه مشكلة .. أنا مش لاقى التحاليل اللى عملتها عند الدكتور التانى .. مش عارف حطيتها فين..
أشرف بحماس: مش مهم .. احنا كده .. كده ..ح نعمل تحاليل جديدة ..

تركه أشرف بعد ساعات قليلة لأنه أحس بإشتياق الى زوجته .. وبقى أيمن لحاله .. يفكر في الورطة التي وضع نفسه فيها .. كان يتساءل وفى نفس الوقت يفكر في استراتيجيته الجديدة في افساد علاقة أشرف برنيم والوصول اليها .. فهو لا بد أن يجرى تحاليل .. لا مفر من ذلك .. وسوف ينكشف أمره .. سوف يعلم أشرف ورنيم أنه ليس مريض وليس لديه أورام يعانى من ألمها .. ولكن علم رنيم بذلك قد أصبح شيئا إيجابيا في الموضوع .. فقد أضحى أن يكون حبها المستقبلي له حب حقيقى وليس حب شفقة .. ولكنه عاد يفكر .. ترى .. هي سيصل أشرف الى حقيقة خداعه له يوما ما .. وإن علم .. فما هو رد فعله المتوقع .. وهل سيستطيع أن يفسد له أي خطة قادمة بعفويته تلك .. شعر للحظة أن القدر يقف مع أشرف وليس معه .. فهو مخادع يتحكم فيه هواه وشره .. ربما كان يشعر في أحيان قليلة بمدى حقارته .. ولكن نفسه وشيطانه كانوا في هذا الوقت شديدى الإحكام على عقله ومهواه .. فلم يكن يصغى أبدا لصوت الحق .. وحق أشرف في زوجته وحقها فيه .. حتى وان كانت بينهما مشاكل كثيرة ..

----------------------------------------------------------

كان لدى سلمى الوقت الكافى لحين يصل خالد اليها لتتصل ببسمة من جديد لتعرف أكثر عن مقتل زوجها .. أو بالأحرى طليقها .. ردت عليها بسمة وقد هدأت قليلا ..
بسمة : مدام سلمى .. انتى كويسة ..
سلمى : أيوه يا بسمة .. إيه اللى سمعته منك ده .. مصطفى مات بجد ..
بسمة باكية : أيوة يا باشمهندسة إتقتل في اوضته .. بابا دخل عليه لاقاه مخنوق على سريره .. والشرطة أخدت بابا معاهم .. بابا برئ يا باشمهندسة .. انتى عارفة أنه مش ممكن يأذى الباشمهندس الله يرحمه ..
ما كادت سلم تسمع " الله يرحمه" حتى اجهشت في البكاء من جديد .. مصطفى أصبح الله يرحمه .. مصطفى أصبح مجرد إسم يترحم عليه ..!!
ردت سلمى وهى تشهق من البكاء : أيوه يا بسمة .. أهدى .. عارفة يا حبيبتى عارفة عم خميس كان بيحبه أد ايه .. أطمني .. انا جايه في السكة وح أكلم المحامي بتاعنا يحصلني على قسم الشرطة .. قابليني هناك بعد أربع ساعات يا بسمة .. أنا راجعة من اسكندرية ..
بسمة: شكرا يا باشمهندسة .. أرجوكى متسبيش بابا .. أرجوكى ..
سلمى: أطمنى يا بسمة .. أنا مش ممكن أسيبه .. أنا مش ناسيه معروفه معانا .. ومش ممكن يكون ده جزاء معروفه الطيب.. أطمنى .. أنا ح أقفل دلوقتى علشان أكلم المحامى .. هو في أي قسم شرطة ..
ذكرت لها بسمة اسم قسم الشرطة ووقفت تنتظرها هي وأمها وإحدى الجيران أمام باب القسم ....

تكلمت سلمى مع المحامي وطلبت منه أن يسبقها الى قسم الشرطة .. بعد لحظات هاتفت سلمى إبنها جمال وطلبت منه أن يهاتف أخته علا ليتقابلوا معها عند بوابة القاهرة في الطريق الصحراوي .. حاول جمال أن يعرف السبب ولكنها لم تخبره سوى أن الأمر ضروري ولا يجب أن يتأخر هو أو أخته عن هذا اللقاء وفى النهاية تقبل جمال الأمر على مضض..

بعد مرور حوالى الساعة الا ربع وصل خالد الى سلمى.. نزل من السيارة الأجرة ليركب معها في سيارتها بعد أن تعدت سيارة سلمى الواقفة على يمين الطريق بعدة أمتار كان ينظر اليها وهى في السيارة .. لأول مرة منذ سنوات عديدة يتقابل خالد مع سلمى بل وسيمضيان طوال الطريق من الإسكندرية الى القاهرة سويا .. ليس معهما أحد ..

كانت مشاعره مضطربة .. حين وصل الى سيارتها .. كانت سلمى بداخلها لا تزال تبكى فأصبحت عيناها شديدة الاحمرار من البكاء فأضفت على وجهها ناصع البياض لمحة من جمال غريب .. جمال المرأة حين تبكى .. فيصبح وجهها كله شجن وضعف يجعل أي رجل يحن الى احتوائها ليهون عليها ما تعانيه ..

نظر خالد إليها للحظات دون أن تشعر به .. ثم طرق بهدوء على زجاج باب السيارة .. نظرت سلمى اليه في سكون ثم فتحت الباب لتنزل من السيارة وتقف أمامه .. كانت تشعر أنها تريد أن تلقى بنفسها في احضانه .. وشعر هو بنفش الشعور .. كان يريد أن يتلقاها بين ذراعيها لولا وجودهما بالطريق .. ولولا أن مصطفى كان لا يزال بينهما ..

دخلت سلمى من جديد في نوبة بكاء شديد وهى تقول .. مصطفى .. مصطفى راح يا خالد ..
بكى خالد من تأثير كلماتها كأنه قد سمع بخبر وفاة مصطفى منها للتو .. ثم قال وهو يجهش بالبكاء .. لا حول ولا قوة الا بالله .. إنا لله وإنا اليه راجعون .. أهدى يا سلمى .. أهدى ارجوكى وإسترجعى .. ربنا إسترد أمانتة .. أرجوكى ياللا يا سلمى انا مش مستحمل .... لازم نتحرك دلوقتى .. ورانا حاجات كتير لازم نعملها ..

ركب خالد مكانها ليقود السيارة وجلست هي بجانبه .. تبكى في هدوء .. سكتت للحظة ثم قالت وهى تبكى بشدة .. أنا السبب .. أنا السبب .. مكنش لازم اسيبه وأمشى وهو بالحالة دى .. أنا السبب..
خالد وهو ينظر اليها ..: أهدى يا سلمى واسترجعي ربنا .. ده عمره ..
سلمى : آه يا مصطفى .. عانيت كتير يا حبيبي .. أنا آسفة .. أنا آسفة مقدرتش استحمل .. سامحنى .. سامحنى يا حبيبي...

مرت دقائق وهما في السيارة على نفس الوضع .. سلمى تبكى وتقول كلام لا يفهم خالد الكثير منه .. ولكنه في نفس الوقت يحاول تهدأتها .. ثم يعاود هو البكاء لفقدانه صديق عمره ومن حنينه اليها ..... ثم تكلم خالد حين رأها قد هدأت قليلا .. ازاى ده حصل يا سلمى .. ومين اللى عمل كده ؟
سلمى من بين شهقاتها وهى تمسح دموعها بظهر يدها : مش عارفة .. مش عارفة يا خالد .. كل اللى عرفته ان عم خميس لقاه مخنوق في سريره .. والشرطة بتحقق معاه .. احنا لازم نروح له بعد ما نروح المستشفى .. الراجل مالوش ذنب ..
خالد: أيوه بس الشرطة مش حتفرج عنه إلا بعد ما يتأكدوا انه ملوش يد في اللي حصل ..
سلمى : لا حول ولا قوة الا بالله .. ربنا يستر عليه.. عم خميس يا خالد مش ممكن يكون له يد في اللي حصل أبدا .. مستحيل ..

خالد : اكيد يا سلمى .. أكيد .. حسب اللى كان بيحكى لي عنه مصطفى بالتليفون انه راجل طيب وكان بيعامله بعطف شديد ..

ساد الصمت بينهم من جديد .. ولكن كان خالد يسترق النظر اليها من وقت لآخر حتى وصلا الى بوابة القاهرة .. ليتقابلا مع جمال ..

نزل خالد وسلمى من السيارة ينظرا الى جمال .. لا يعرف كلاهما كيف يخبرانه بهذا الخبر المفزع ... بادر خالد بالسلام على جمال وأخذه في احضانه يضمه بشدة .. فتعجب جمال من وجود امه وخالد في سيارة واحدة عائدة من الإسكندرية .. ثم سأل امه وهو عاقد حاجبيه : فيه ايه يا أمى .. ؟
لم ترد عليه حيث غالبها البكاء .. فبادر خالد يرد وهو يربت على كتف جمال .. البقاء لله يا جمال ..
جمال وفد اتسعت عيناه فاغرا فاه : في مين يا انكل..
خالد وهو مطرق الرأس : بابا .. بابا يا حبيبى .. الله يرحمه ..
جمال وقد صدمه الخبر : انت بتقول ايه .. بابا .. طيب إزاى وإمتى .. وهو فين دلوقتى .. وانتم جايين ليه من اسكندرية .. فين بابا يا أنكل .. ثم نظر الى امه وهو يصيح .. فين بابا يا أمي ؟؟......
بكت سلمى بشدة وهى تلقى بنفسها على صدر ابنها قائلة : أهدى يا حبيبى .. أهدى يا جمال .. فين أختك .. فين علا ..
رد جمال وهو يبكى في صمت : لسه ما وصلتش ..
سلمى : طيب اطلبها يا حبيبى .. أطلبها واعرف لى هي فين بالظبط .. احنا مش حنقدر نستى كتير ...
جمال وهو يطلب رقم علا : طيب فهمينى يا أمى ازاى ده حصل ..
سلمى : حاضر يا حبيبى .. بس الأول نعرف أختك فين ..
ردت علا بعد لحظات كثيرة .. كاد فيها جمال أن يغلق الخط ..
علا : ألو .. أيوة يا جمال .. انت فين أنا مزنزقة في الطريق .. الزحمة جامدة اوى ..
جمال وهو يحاول أن يكتم بكاؤه وحزنه : طيب خليكى معايا ثوانى يا علا .. ثم أخبر أمه بأن علا سوف تتأخر كى تصل .. فطلبت منه أن يخبرها بان والدها محجوز في المشفى وأنها يجب أن تتجه لتلتقى بهم في المشفى ..
جمال: إسمعى يا علا .. انا وماما مش ح نقدر نستناكى أكتر من كده .. بابا تعبان شوية في المستشفى ولازم نروح له دلوقتى حالا ..
علا: إيه التهريج ده يا جمال .. هو فيه إيه بالظبط .. أنا مخنوقة من الطريق وتقوللى اروح المستشفى .. طيب كان لزمته ايه اننا نتقابل عند بوابة الصحراوى .. اسمع أنا مش ح اقدر اروح المستشفى .. عندى مواعيد كتير .. أطمن أنت عليه وابقى بلغنى بالوضع .. وأنا ححاول ازوره بكرة .. ياللا باى .. سلم لى على ماما .. ثم أغلقت الخط بدون ان تنتظر منه ردا ..
وقف جمال شاردا ثم قال لامه : ياللا يا أمى .. سيبك من علا .. انا حكلمها تانى .. بابا فين دلوقتى ..
سلمى : في مستشفى ****
خالد : اركبى انتى مع جمال يا سلمى وأنا وراكم بعربيتك ..

وصل الثلاثة الى المشفى وكانت سلمى قد قصت علي جمال ما حدث وما سمعته من بسمة ..
كان جمال ثائا عليها بسبب تركها لأبيه .. حتى وان طلقها .. فثارت عليه هي أيضا بسبب جحوده هو وأخته وإهمالهم لأبيهم وعدم رعايته كما يجب ... ولكن هدأ الإثنان بعد دقائق عندما أحس كل منهم أن البكاء على اللبن المسكوب غباء .. ولا طائل من شجارهما الآن.. على الأقل في مثل هذه الظروف ....

كانت جثة مصطفى متحفظ عليها في مشرحة المشفى .. وبعد القليل من الإجراءات تمكن الثلاثة من القاء النظرة الأخيرة على مصطفى .. إنهار جمال ودخل في نوبة بكاء شديد .. فهو بجانب انه قد فقد والده يشعر ان ضميره كان يعذبه لجحوده تجاه ابيه .. أحس أنه قد قصر في حق ابيه كثيرا وأن الوقت لم يمهله حتى يدرك ذلك ..

أما سلمى فلم تكن أفضل حال من ابنها .. كانت هي الأخرى لا تزال تلوم نفسها على أنها قست عليه في أيامه الأخيرة بهذا الشكل وانها دفعته الى طلاقها بكلماتها القاسية ..
أما خالد كان يبكى صديقه أيضا .. ولكنه كان يحاول تهدئة سلمى وابنها ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 09:30 AM   #29

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر

غادر حسام نادى اليخت بعد لحظات من مقابلة أمينة .. كان في صدمة مما حدث.. لم يصدق ما دار بينه وبين أمير وأمينة .. استرجع جميع الأسئلة التي كشفت حقيقته لأهل غادة .. ولكنه لم يعترف بينه وبين نفسه أن أي من اجاباته تؤخذ عليه وأن أمها وأخيها لم يستوعباه ولم يعطوه حقه أو حتى فرصة لاثبات احقيته بغادة .. هكذا هو حسام .. يرى نفسه على حق دائما .. رجل على مشارف الأربعين من عمره مازال يعيش العشرينات منه .. لم يكن يدرك فعليا أنه تجاوز هذا العمر الذى من الممكن أن تقبل به بعض العائلات حتى لو غاب بعض التكافؤ بينهم .. فهناك بعض العائلات التي تنظر الى مستقبل الشاب .. فإن كان مبشرا .. قد تقبل أن تتنازل قليلا عن عدم التكافؤ .. ولكن أين هو ذلك الشاب .. ان من يتقرب من غادة ليس بشاب على الإطلاق .. هو رجل كامل النضج فاته قطار الزواج من فتاة صغيرة وليس بكفأ لها أو لعائلتها ..
لم يجد حسام سوى غادة ليحتمي بها من قسوة أمها وأخيها وعدم فهمهم له .. فهاتفها فور خروجه من النادى ..
ردت عليه غادة بصوت خفيض : حسام .. أنا في درس دلوقتى .. حكلمك بعد نص ساعة .. باى ..
أغلقت غادة الخط وظل هو ينتظر مكالمتها له ..

مرت خمسة وثلاثون دقيقة قبل أن تحدثه غادة .. ظل هو خلالها ينظر الى البحر في شرود .. يفكر فيما سيقوله لها ليقنعها أن تظل في صفه حتى لو على حساب علاقتها باهلها ..
طلبته غادة .. وهى متعجبة لأنه لم يعتاد أن يكلمها في مثل هذا الوقت .. كما أن معظم حديثهم يكون عبر الشات .. رد عليها حسام بصوت حزين : أنتى فين دلوقتى يا غادة ..
غادة : في محطة الرمل .. لسة خارجة من الدرس .. مالك يا حسام .. صوتك مش مبسوط ..
حسام بنفس النبرة : أنا في اسكندرية .. لازم أشوفك دلوقتى ..
غادة بتعجب : اسكندرية .. ؟؟!! .. صعب اننا نتقابل .. مينفعش يا حسسام ..
حسام بتوسل : أرجوكى يا غادة .. لازم أشوفك قبل ما ارجع القاهرة .. الموضوع مهم جدا.. ولازم نتكلم ..
غادة : خير يا حسام .. انتى قلقتنى ..
حسام : خلينا نتقابل يا حبيبتى وصدقينى مش حأخرك ..
غادة بتردد : طيب .. أنت فين ؟
حسام : أنا قريب منك .. استنينى عند سنترال محطة الرمل عشر دقايق وحكون عندك ..

وصل حسام الى غادة فوجدها تنتظر .. رأها من بعيد .. فوقف مكانه يراقب جمالها ..كم هي جميلة .. كالفراشة تقف مميزة بين جموع الفتيات التي تجوب المكان حولها .. شعرها البنى المنساب حتى كتفيها وكلما حركت رأسها يمنة أو يسرى يتحرك معها بسلاسة فيأخذ القلوب معه .. ووجهها المستدير المتميز ببشرة بيضاء تشوبها حمرة قليلة تزيدها جمالا .. أما شفاهها فهى لحالها تابلوه رائع الجمال بلونها الأحمر الطبيعى وكأن خديها استعارت حمرتها من تلك الشفاه التي تقبع تحت أنف غاية في الرقة وعينين هي بحق عيون غزال .. رأها فأخذت عقله .. ثم أقترب منها قائلا بهدوء : غادة ..

التفتت غادة اليه تنظر الى هيئته التي تراها للمرة الأولى .. ثم قالت بتلعثم : أهلا حسام ..
سكتا للحظات كل منهم ينظر الى الآخر مبتسما .. فبادر حسام قائلا : انتى جميلة أوى .. أجمل من كل البنات اللى في الدنيا ..
ازداد احمرار وجهها وهى تبتسم في خجل وتبعد عينيها من مرمى عينه من الخجل وهى تقول : ميرسى ..
حسام : تحبى نقعد فين؟
غادة : لا مش حينفع يا حسام .. حد يشوفنا .. أنا لازم ارجع للبيت بسرعة ..
حسام بثقة : متقلقيش محدش حيشوفنا .. فيه مطعم قريب من هنا ممكن نقعد فيه علشان نقدر نتكلم ..
غادة: يعنى مينفعش تقول اللى عايز تقوله هنا ..
حسام: لا يا غادة .. الموضوع محتاج مكان هادى نقدر نتكلم فيه ..
غادة : ماشى .. بس مش أكتر من تلت ساعة ..
حسام وهو يقترب منها ليمسك يدها ليذهبا .. فأبعدت هي يدها بشدة بمجرد أن لمسها : آسف ... مقصدتش ..

وصلا الى المكان .. جلسا وطلب الجرسون .. فسألها عما تشرب .. فاعتذرت بلطف متحججة بان ليس هناك وقت للشرب ومن الأفضل أن يبدأ بالكلام فطلب هو من الجرسون أي عصير وطلب لنفسه قهوة سادة..
حسام بتنهد : غادة .. أنتى عارفة انى بحبك اد ايه .. وعارفة انتى بقيتى ايه بالنسبة لى ..
غادة : حسام ارجوك ادخل في الموضوع..
حسام : جاوبينى الأول ..
غادة: ايوة ياحسام عارفة ..
حسام : لا يا غادة .. انتى متعرفيش .. أنا بحبك أكتر من نفسى .. انتى بقيتى كل حياتى .. ساعات بحس انك أهم من النفس اللى بتنفسه .. فاهمة ده معناه ايه ..
غادة وقد بدأ كلامه يؤئر في مشاعرها : معناه ايه يا حسام.؟
حسام : معناه انى أموت من غيرك .. هو اللى بيمنعوا عنه الهوا ايه اللى بيحصل له ..
غادة: ليه بتتكلم كده يا حبيبى..
حسام وهو يمد يده ليضعها فوق يدها التي تضعها فوق الطاولة .. فلم تمانع هذه المرة في ان يمسك يدها ولكنها سحبتها بعد لحظات لتضعها في حجرها.. : أنا قابلت مدام أمينة وأخوكى أمير النهاردة ..

تفاجئت غادة بما سمعت منه وعادت بظهرها للخلف هاتفة : ايه .. قابلت مين .. ماما .. أمير .. امتى وازاى .. ثم رفعت رأسها الى السماء في حركة عصبية وأردفت .. معقول اللى بسمعه ده .. أنا مش مصدقة ودانى ..

حسام وقد احس أنه صدمها بالخبر : اهدى .. اهدى يا غادة .. الناس حوالينا بدأت تبص لنا .. الموضوع أبسط من كده .. سكت قليلا وهو ينظر الى الأرض ثم قال : انتى مش قلتيلى قبل كده ان مامتك عايزة تقابلنى .. أنا طلبنها النهاردة يا ستى واتقابلنا ..
غادة وقد زادت عصبيتها ..: كده بالبساطة دى ومن غير ما تعرفنى ..
حسام وهو مطرق الرأس الى الأرض : كنت فاكر انها ح تبقى مفاجأة سعيدة لك ..
غادة وهى تبتسم بسخرية : آه صح .. سعيدة .. سعيدة جدا .. ياربى أعمل ايه أنا دلوقتى ..
حسام وهو ينظر اليها في تردد وارتباك : غادة .. أنا مش قادر أفهمك .. أو أفهم سر غضبك دلوقتى .. يا ترى انتى بتحبيني أد ما بحبك ..
غادة وقد فاض ما بها : انت بتقول ايه دلوقتى .. احنا في ايه ولا في ايه ..
حسام وهو ينظر الى عينيها متأملا : أرجوكى جاوبينى على سؤالى .. اجابتك ح تفرق معايا في الكلام اللى ح أقولهولك وح تحدد حاجات كتيرة بالنسبة لى .. انتى يا غادة متعرفيش اللى عانيته النهاردة في مقابلتى لمامتك وأمير .. فأرجوكى جاوبينى ..
نظرت اليه غادة وقد أشفقت على حاله فقالت وهى تنظر الى الطاولة أمامها : بحبك ..
رد حسام بحزم : لأى درجة..؟
غادة بتعجب : مش فاهمة ..
حسام وهو مازال يحاول اختراق مشاعرها بنظراته ونبرته الحنونة : يعنى زى ما أنا بحبك ولا اقل ولا ازيد .. مع انى متأكد انه مش ممكن يكون أزيد من حبى لك .. أنا يا غادة عمرى ما حبيت حد في حياتى زى ما حبيتك .. أنا حاسس انى مقدرش أعيش لحظة واحدة من غير وجودك في حياتى .. وخصوصا بعد ما شفتك النهاردة وشفت اد ايه انتى مش صاحبة شخصية رائعة وبس .. انت جمالك ورقتك كمان اسرونى ولخبطوا كيانى .. أنا لو أقدر أخطفك وأهرب بيكى من عيون الناس كلها مش ح اتردد لحظة انى اعملها .. عرفتى يا غادة أنا بحبك أد ايه ..
غادة وقد تخدرت مشاعرها تماما بكلامه المعسول ونظراته الحنونة المملوءة بالشوق والهيام : أنا .. أنا كمان يا حسام بحبك أوى و مقدرش أبعد عنك أبدا ..
حسام وقد أحس أنه وصل الى مراده وهو يضع يده من جديد فوق يدها لتتركه هذه المرة يمسك بيدها بل وتتمنى أن يظل ممسكا بها الى لا نهاية : يا حبيبتي يا غادة .. نفسى اضمك لصدرى أوى في اللحظة دى .. نفسى أضمك ومسبكيش تبعدى عن حضنى لحظة واحدة ..

بعد لحظات من النظرات بينهما وهى في عالم آخر من السعادة التي تشعر بها لأول مرة في حياتها .. انتبهت غادة بأن يده مازالت ممسكة بيدها فخجلت قليلا من نفسها وممن حولها من الحاضرين ينظر اليهم .. فسحبت يدها بهدوء وهى تقول : احكى لى ايه اللى حصل مع ماما وأمير ..
أطرق براسه الى الطاولة وهو يقول : أبدا .. أعتقد انهم معترضين على فرق السن اللى بينا .. بصراحة حاولت اقنعهم أن ده مش مسبب مشكلة بينا .. بس من الواضح أنهم بيفكروا بطريقة مختلفة شوية .. أنا بعذرهم لانهم ميعرفوش اللى بينا كويس .. بس مع الوقت أكيد ح تتغير نظرتهم للموضوع وح يشفوه زى ما احنا شايفينه .. ولا انتى ايه رأيك ؟
غادة ببعض من الحماس : أنا مش شايفة اى مشكلة في موضوع السن ده ..
حسام بحماس : بجد يا غادة .. يعنى انتى مقتنعة بارتباطنا .. زى ما أنا مقتنع بيه؟
غادة وهى تبتسم بخجل : طبعا يا حبيبى .. انت سيب الموضوع ده على .. أنا بابا فاهمنى أكتر من أي حد في بيتنا .. ولما أحكى له حاجات كتير ح تتغير ..
حسام بفرحة كبيرة : بجد يا غادة .. ح تكلمى باباكى .. أنا كل اللى عايزه منك انك تتمسكى بعلاقتنا وتصممى على ارتباطنا .. وهم أكيد في النهاية ح يوافقوا على اننا نرتبط لما يتأكدوا ان سعادتك معايا ..
غادة بثبات وثقة : متقلقش يا حسام .. أنا بحبك .. ومصممة على علاقتنا .. ومش ممكن ح اسمح لحد يفرق بينا ..

عاد حسام ليمد يده فوق يدها التي وضعتها ثانية فوق الطاولة بدون أن تدرى ليقول لها متنهدا : يا حبيبتى ياغادة .. تركت يدها للحظات لتسعد بلمسة يده ثم سحبتها في هدوء وخجل والنظرات بينهما تبوح بالكثير..

غادرت غادة لتعود الى بيتها مشيا وهى في حالة من الهيام والحب الذى تتذوق نشوته للمرة الأولى في حياتها .. تتذكر كلماته الجميلة ولمساته الحانية التي بعثت فيها نشوة لذيذة لم تعهدها من قبل ..

كما غادر حسام الى القاهرة وهو يعلم أنه قد خسر معركة وكسب الأهم منها .. خسر قبول أمها وأخيها ولكنه كسب قلبها الذى حتما سيجعله في النهاية يفوز بها .. على أمل أن لا يقبل أهلها كسر قلبها وتعاستها ..

-----------------------------------------------------------

كان خالد قد تكلم مع أمجد وهو في طريقه الى المشفى وأخبره بما حدث لمصطفى وطلب منه أن يحضر في أسرع وقت لمساندته في استكمال إجراءات استخراج تصاريح الدفن والوقوف معه حتى ينتهى هذا الأمر .. وبعد أن أخذ أمجد الوقت الكافى في صدمته من هذا الخبر طلب هو الآخر توفيق وأخبره بما جرى لصديقهم .. كان الجميع في صدمة كبيرة بفقدان مصطفى ..
توجه خالد بعد زيارة المشفى هو وسلمى وجمال الى قسم الشرطة الذى تم حجز خميس فيه .. وهناك التقت ببسمة ومحامى مصطفى .. تلقت بسمة سلمى بلهفة كبيرة .. فهى تعلم أنها الوحيدة التي يمكنها أن تنقذ والدها من التهمة التي قد توجه له .. أخذتها سلمى في حضنها وطمئنتها هي وأمها أنها سوف تبذل قصارى جهدها حتى لا يمكث خميس كثيرا في الحجز ..

طلب المحامى الاذن بمقابلة ضابط المباحث المسئول عن القضية مرة أخرى لأخذ شهادة سلمى .. وكان قد حضر التحقيق مع خميس منذ أكثر من ساعة مضت وطمئن خميس بان موقفه جيد في القضية في حالة شهادة سلمى شهادة إيجابية في صالحه وفى حالة العثور على صاحب سلسلة المفاتيح التي وجدها في باب الشقة وتحفظت الشرطة عليها .. وكان خميس قد أخبر المحامى وضابط المباحث أن هذه المفاتيح ربما تخص اجلال الممرضة السابقة التي كانت ترعى مصطفى من قبل ..

تم استجواب جيران مصطفى وخميس بالعمارة وبالطبع شهد الجميع على تردد خميس وابنته على شقة مصطفى دون علم بالعلاقة أو السبب الذى من أجله كانا يترددان على هذه الشقة .. ولكن خميس بالطبع قد ذكر للضابط سبب تردده على شقة مصطفى...

دخل المحامى وسلمى لمقابلة ضابط المباحث الذى قدم تعازيه لسلمى ثم بدأ باستجوابها وأخذ شهادتها .. أخبرته سلمى بكل تفاصيل علاقة عم خميس واسرته بمصطفى وبها ولما عرض عليها سلسلة المفاتيح أكدت له أنها تخص اجلال .. فطلب منها عنوان اجلال أو اى معلومات عنها تساعدهم في القبض عليها ..

بالطبع كانت سلمى لا تعرف عنوان سكنها الجديد بالضبط ولكنها كان لديها رقم تليفون اجلال وتعلم المشفى التي تعمل به .. فأمر الضابط بتحرك قوة الى المشفى للقبض على اجلال ..

أكدت سلمى للضابط انه من الصعب أن تكون اجلال قد أقدمت على ارتكاب مثل هذه الجريمة وذلك لسابق معرفتها بها ..كما أن اجلال قد هاتفتها منذ أيام قليلة وطلبت منها أن تعود الى العمل بعد أن انفصلت عن زوجها أو بالأحرى طليقها الذى كان مصدر مشاكل لها في عملها ..

مرت ساعتين قبل أن يتم القبض على اجلال في محل عملها .. فتم اصطحابها الى قسم الشرطة وتقابلت مع سلمى وهى تبكى وتقسم انها لم تفعل شيئا وانها كانت في انتظار رد سلمى لتعود الى عملها من جديد لرعاية مصطفى .. ربتت سلمى على كف اجلال وقالت لها انها متأكدة من برائتها ..

بدأ التحقيق مع اجلال في وجود محامى مصطفى .. وتم عرض سلسلة المفاتيح عليها .. فتعرفت بالفعل عليها ولكنها اكدت لضابط المباحث انها كانت بحوزة طليقها الذى لم يردها اليها ضمن أشياء كثيرة تخصها قد استحوذ عليها ورفض أن يعطيها لها عند الطلاق .. وذكرت لهم ملابسات الطلاق ومحضر الشرطة التي حررته له عندما قام بضربها هو واخته وفقدت على اثرها جنينها .. وأن هناك شهود كثيرون لهذه الواقعة ..
أمر ضابط المباحث بالتحفظ على اجلال في الحجز وأمر بالقبض على طليقها عاطف ...

في اليوم التالى تم مداهمة بيت عاطف فجرا وتم القبض عليه وهو في حالة ذهول من سرعة القبض عليه .. فلم يكد يمر يوم واحد حتى تم القبض عليه ..
وبالتحقيق معه أنكر عاطف علاقته بالموضوع وبسلسلة المفاتيح وأكد أنه قد اعادها لاجلال وأنها قد أخذت جميع اشيائها منه عند الطلاق .. فأمر ضابط المباحث بالتحفظ عليه هو أيضا ..

مر يومين إضافيين تم خلالهما التحقيق وأخذ الشهادة من أسماء الجيران وزملاء اجلال بالمشفى لما حدث بين اجلال وعاطف وأكد اثنان من الجيران واللذين كانا وسيطان في اتمام طلاق اجلال وخالتها من عاطف وخاله وقد أكدا أن سلسلة المفاتيح لم تكن ضمن الأشياء التي ردها عاطف معهما لاجلال..

في اليوم الثالث من التحقيقات تم ارسال تقرير الطب الشرعى بعد تشريح جثة مصطفى .. وقد أكد التقرير وجود آثار جلد ودماء تحت اظافر مصطفى .. فأمر ضابط المباحث بعرض المتهمين الثلاثة .. خميس وعاطف واجلال على الطب الشرعى لاجراء التحاليل اللازمة لهم لمعرفة اى منهم قد قام بالجريمة ..

مرت ثلاثة أيام أخرى قبل أن يثبت الطب الشرعى مطابقة العينة المأخوذة من عاطف للعينة التي وجدت تحت أظافر مصطفى فتم الافراج عن خميس واجلال .. وتم تحويل عاطف الى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد ....

أخذت النيابة في استكمال التحقيقات مع عاطف الذى اعترف بالجريمة .. وتم الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة .....

--------------------------------------------------------

عادت غادة بعد مقابلة حسام وهى تتوقع نقاش كبير بينها وبين والدتها .. فكانت تشحذ همتها لهذا النقاش لعلها تستطيع اقناعها بقبول حسام وان تتغاضى عن مسألة فارق العمر بينهما ..
فتحت باب الشقة ودخلت فلم تجد أحد في الاستقبال .. دخلت غرفتها وبدلت ملابسها ثم خرجت مرة ثانية تبحث عن أي أحد في المنزل فنادت .. ماما .. بابا .. ولكن لم يرد عليها أحد .. كانت أمينة لا تزال في حجرتها جالسة على طرف السرير كما تركها أمير لا تسمع سوى أصوات بداخلها ..

بعد لحظات خرج أمير من حجرته ينظر اليها في وجوم .. فقال لها : فيه ايه يا غادة وطى صوتك شوية .. بابا خرج .. وماما في اوضتها .. واكيد نايمة ..
قاطعته بابتسامة : طيب كويس تعالى بقى احكى لى اللى حصل بينكم وبين حسام ..
نظر اليها أمير مندهشا للحظات ثم رد عليها : هو لحق يبلغك بالمقابلة ..
غادة بمرح وشقاوة : مش هو ده المهم يا أخى .. تعالى واحكى لى ..
رد عليها بحزم : هو بلغك أمتى وازاى ..
غادة بزهق: اوف .. يا أخى مش مهم التفاصيل دى .. هو كلمنى بالتليفون .. ارتحت خلاص .. ياللا بقى احكى لى .. ايه رأيك فيه ..
أمير بقرف : غادة أنا مش فايق لك انتى وسى حسام بتاعك ده .. واظن مفيش حد ح يبقى فايق لموضوعك ده اليومين دول ..
بهتت غادة من رد أمير ومن الحزن الظاهر على وجهه فقالت بريبة: هو ايه الحكاية يا أمير .. ليه بتتكلم كده .. هو ايه اللى حصل .. هو حسام معجبكمش ولا ايه ..

نظر لها امير وهو لا يدرى ماذا يخبرها .. هل يخبرها برفضه هو وامه التام لحسام هذا ويخبرها بكذبه عليها في مسألة عمره وانه يقارب أمها في العمر ولا يمتلك شركة كما اوهمها وانه مجرد مندوب مبيعات و.......... ام يخبرها بوفاة انكل مصطفى وحقيقة مشاعر أبيها تجاه طنط سلمى زوجة انكل مصطفى .. واكتشاف والدتهم لتلك المصيبة .. قى النهاية قرر أن لا يكسر بخاطرها فقال لها بهدوء وهو يضع يديه على كتفيها ويضمها الى صدره بحنان.. اسمعى يا غادة فيه حاجة حصلت .. وهى بصراحة مش كويسة .. فيا ريت تأجلى الكلام في موضوع حسام اليومين دول لغاية ما الجو يتحسن شويه ..
غادة بقلق : ايه الى حصل يا أمير .. انت قلقتني .. ماما وبابا حصل ليهم حاجة .. أتكلم ..
أمير في تردد وتلعثم : انكل مصطفى صاحب بابا اتوفى .. وبابا سافر للقاهرة .. وطبعا ماما حزينة عليه وفى اوضتها تعبانة شوية ..


صدمت غادة من الخبر فهي كانت تحب مصطفى بصورة كبيرة .. فهو كثيرا ما لعب معها منذ صغرها وجلب لها الكثير من الهدايا التي طالما اسعدتها طوال سنوات عمرها المختلفة .. فدخلت في نوبة من البكاء فضمها أمير الى صدره مرة أخرى وهو يواسيها ويحاول تهدئها ...

مر اليوم بأحداثه الصعبة ولم ينسى أمير أن يهاتف أشرف ويخبره بأمر مصطفى ليسافر الى القاهرة ويكون بجوار والده وعائلة مصطفى .. فأمير لم يبقى له سوى يوما واحدا في اجازته ولابد أن يعود الى كتيبته في الميعاد ..

عند منتصف الليل أراد أمير أن يطمئن على امه فطرق على باب غرفتها بهدوء فأجابته بصوت حزين بعد عدة طرقات عندما سمعت صوته يناديها بصوت خفيض ويستسمحها أن يدخل اليها : أيوه يا أمير .. أدخل يا حبيبي ..

دخل أمير إليها فوجدها جالسة في سريرها وغطاء السرير يغطى نصفها السفلى .. فأقترب أمير وجلس على حافة السرير ثم أمال برأسه ليضعها على فخذها .. فوضعت هي يدها على شعره تداعبه كما يحب هو .. فقال لها أمير :عاملة ايه دلوقتى يا أمي؟
أمينة بهدوء: الحمد لله يا حبيبي .. أنا بخير .. أختك فين ..؟
أمير : غادة في أوضتها .. رجعت من بدرى وكانت عايزة تتكلم في موضوع الأخ حسام فاضطريت أقول لها على موضوع انكل مصطفى علشان تنسى شوية لحد ما نشوف ح نعمل ايه في موضوعها ده وازاى ح نقنعها انه غير مناسب لها بالمرة .. بس واضح انه أتكلم معاها بعد ما قبلناه لانها عارفة اننا قابلناه .. الله أعلم حكى لها ايه .. بس خلى بالك يا أمى الواضح انها مقتنعة بيه جدا علشان كده التصرف معاها لازم يكون بصبر وذكاء ..
أمينة في هدوء وتعب والهم قابع فوق قلبها .. بل يعتصره عصرا : عارفة يا أمير .. متقلقش .. أنا ح اعرف اتصرف معاها واقنعها انه غير مناسب بالمرة وان اللى بتعيشه ده مش حب أبدا .. ربنا يقوينى عليها .. مشاعر البنات في الفترة دى بتبقى مندفعة بدون حساب وفى نفس الوقت هشة وأى ريح بسيطة ممكن تكسرها ..
أمير: على فكرة يا أمى .. أنا اتكلمت مع أشرف وبلغته هو كمان بوفاة انكل مصطفى وطلبت منه ان يسافر لبابا علشان يكون جنبه في الظروف دى .. متنسيش كمان انه وجمال ابن انكل مصطفى الله يرحمه أصحاب من زمان ..
أمينة بدون أهتمام : خير ما فعلت يا أمير .. خير ما فعلت .. اتعشيت يا أمير ؟
أمير وهو يرفع رأسه من فوق فخذها وبنظر اليها : أيوه يا أمى اتعشيت .. اجيب لك حاجة تكليها .. انتى طول اليوم مكلتيش حاجة .. حتى العصير اللى جبته لحضرتك زى ما هو ..
أمينة بحزن : معلش يا أمير مش قادرة احط اى حاجة فيي بقىي .. لما أحس انى قادره حقوم آكل بنفسي .. ياللا يا حبيبى .. روح على أوضتك ريح شوية .. انت ادامك يوم واحد على السفر .. ياللا يا أمير ..
أمير بلهفة وهو ينظر الى أمه باهتمام : حبيبتى طيب أنتي كويسة ..
أمينة وهى تربت على خده وابتسامة باهتة على شفتيها : أنا بخير يا حبيبي .. أنا بخير متقلقش ..
أمسك أمير بكف أمه ووضع عليها قبلة بحنان ثم ترك يدها بهدوء على فخذها وخرج من باب الحجرة الى حجرته ..

دخل أمير حجرته وأمسك تليفونه المحمول ينظر اليه .. فوجد أن ابيه قد اتصل به مرتين .. فبادر أمير وطلب رقم والده الذى رد عليه بلهفة : ألو .. أمير .. انتم فين يا أبنى .. أنا اتصلت بأمك أكتر من مرة تليفونها بره الخدمة وأنت مبتردش على تليفونك .. خير يابنى فيه حاجة .. ماما وأختك بخير ؟
أمير بهدوء وحزن في نبرة صوته : أحنا بخير يا بابا متقلقش .. ماما بس تليفونها تلاقيه فصل شحن وأنا كنت بره اوضتى ومسمعتش الرنة .. تحب أوصل التليفون لماما تكلمها ..
خالد: لا يا حبيبي مش مهم سيبها ترتاح أنا ح اكلمها الصبح .. على فكرة أشرف معايا وحيرجع بكرة علشان شغله .. وأنا ح استنى مع ولاد مصطفى الله يرحمه لغاية ما نخلص إجراءات الدفن يا ريت تبلغ ماما وغادة .. ياللا يا حبيبى اسيبك دلوقتى ..
أمير قبل أن يغلق والده الخط : بابا .. أنا مسافر بعد بكره ومش ح اشوفك للاجازة الجاية .. وصيتك ماما .. ثم سكت للحظة واردف .. وغادة .. هم محتاجين لك أوى اليومين دول ..
خالد بقلق : فيه ايه يا أمير .. انت قلقتنى يابنى ..
أمير بهدوء: لا يا حبيبي .. مفيش حاجة بس أنا ببقى قلقان عليهم وأنا مسافر .. ياريت تاخد بالك منهم يا حبيبي ..
خالد : طيب يا أمير متقلقش أنت وخلى بالك من نفسك وأشوفك بخير .. لا اله الا الله ..
أمير ودمعة قد ذرفت من عينيه لا يعلم لها سبب : محمد رسول الله .. ثم أغلق الخط بعد لحظات من غلق ابيه لتليفونه ...

علمت رنيم ما حدث من أشرف الذى كلمها وهو في طريقه الى القاهرة .. فذهبت في اليوم التالى لزيارة أمينة ..

وصلت رنيم لمنزل حماتها في حدود العاشرة صباحا .. استقبلها أمير بترحاب شديد .. فهما تقريبا مقربان كأخوين أو صديقين لحد كبير .. وهذه أول مرة يلتقيان منذ الاجازة السابقة .. سألته عن والدته فاجابها بأنها في سريرها تستريح قليلا.. تعجبت من مكوث حماتها في غرفتها الى هذا الوقت .. سالته عن سبب مكوثها في السرير لهذا الوقت فأجابها بانها حزينة قليلا بسبب وفاة انكل مصطفى .. لم تقتنع رنيم باجابته .. فهى تعلم ان من عاداتها الاستيقاظ مبكرا وانها في مثل هذا الوقت تكون بالمطبخ بعد ان تجهز الفطور لعائلة و تجهز غادة للذهاب الى المدرسة .. ثم تبدأ في اعداد لوجبة الغذاء مبكرا ..فهى أمرأة كلها نشاط وحيوية ولا تستسلم للظروف الصعبة من المرض أو الحزن .. أمينة بالنسبة للجميع هي مبعث الطاقة الإيجابية لكل من يعرفها ..
سألته رنيم : هي غادة راحت المدرسة النهاردة ؟
أمير : أيوة .. هي كانت عايزة تاخد إجازة النهاردة بعد ما دخلت لماما الصبح وحست انها حزينة علشان أنكل مصطفى .. بس ماما اقنعتها انها بخير ومفيش داعى للأجازة ..
سألها ان كانت افطرت لانه لم يفطر بعد .. فزاد تعجبها أكثر .. فأمينة لا يمكن أن تفوت اعداد إفطار أولادها بنفسها .. فسألته : هو ايه الحكاية يا أمير .. ماما تعبانة ولا ايه ؟
أمير بتلعثم : لا أبدا .. زى ما قلت لك هي بس حزينة شوية من خبر وفاة أنكل مصطفى ..
رنيم بتفحص لعينى أمير : مش مقتنعة .. بس عموما .. أنا ح أحضر الفطار لنا احنا التلاتة وبعدين أشوف الموضوع ده .. ثم تركته ودخلت الى المطبخ ..

ذهب أمير الى غرفة أمينة ليطرق عليها الباب بهدوء يستأذنها في الدخول .. فسمحت له .. فوجدها كما هي على نفس الحالة منذ أن تركها ليلة أمس .. فقال لها .. ماما .. انتى مش ح تقومى تفطرى .. رنيم هنا وبتحضر لنا الفطار ..
ردت أمينة بتثاقل وكأنها لم تستطيع التحدث جيدا : أيوة يا أمير .. ح أقوم يا حبيبى أهو .. كانت أمينة تحاول أن تقوم بالفعل ولكنها لم تستطيع .. لاحظ أمير طريقة كلام أمه التي كانت فيها تتصارع الحروف لتخرج من فمهما بصعوبة .. فسارع اليها في قلق شديد .. أمى .. مالك .. فيكى ايه يا حبيبتي ..
أخذت أمينة تجهش في البكاء وهى تحاول أن تصف له أنها لا تستطيع أن تتحرك من سريرها فرجلها ثقيلة ولا تشعر بها ..

في هذه اللحظات سمعت رنيم صياح أمير على أمه فسارعت الى الغرفة في فزع شديد لتشاهد أمير ملقى على صدر أمه في صياح .. أمى .. مالك يا أمى فيكى ايه .. وكلاهما يبكى بشدة ..
وقفت رنيم في مكانها لا تعرف كيف تتصرف الى ان صرخ فيها أمير .. أطلبى الإسعاف بسرعة .. بسرعة يا رنيم ..

جاءت سيارة الإسعاف بعد نصف ساعة وتم نقل أمينة الى المشفى .. ليسارع أطباء الطوارئ بالكشف علي أمينة وعمل آشعة فورية على المخ .. وبعد ساعة تم التشخيص بجلطة في المخ .. فاسرع الأطباء باعطاءها حقنة لتذيب الجلطة ..

كان من حسن حظ أمينة انه لم يمر على حدوث الجلطة أكثر من ست ساعات .. لذا أكد الأطباء لأمير ورنيم انها ستكون بخير باذن الله ..

كان الجزء الأيمن من جسد أمينة قد حدث له شلل جزئى .. فاصبحت لا تستطيع أن تحرك ذراعها ورجلها اليمنى بسهولة كما أنه يوجد بنصف وجهها الأيمن تشنج يجعل الكلام يخرج منها غير مفهوم وبصعوبة بالغة .. ولكن الطبيب قد طمئنهم ان هذه الاعراض سوف تزول مع الوقت بالدواء والعلاج الطبيعى الذى سوف يبدأ بمجرد استقرار الحالة ..

بعد ساعة أخرى سمح لهم الأطباء بالدخول اليها .. فسارع أمير الى أمه يحتضنها ويقبل يدها .. كما سارعت رنيم بعده الى احتضان أمينة وهى تبكى .. ولكن كلاهما كان يحاول أن يطمئنها على حالتها وانه ليس هناك شيء خطبر في الأمر ..

تكلم أمير بانه سوف يطلب والده ليخبره بما حدث ولكن أمينة أشارت له بعينيها ويدها اليمنى بان لا يفعل .. فتعجب أمير ولكنه كان يعلم السبب جيدا فرضخ لطلب أمه ولم يغضبها أو يضغط عليها أكثر ..

كانت رنيم قد علمت من أشرف بانه سوف يتحرك من القاهرة عند الشروق ليصل الى عمله في الموعد فطلبته هاتفيا لتطمأن على وصوله وتخبره بأنها مع والدته بالمشفى لاحساسها بتعب بسيط في المعدة وأن يأتي للمشفى ان كانت ظروف عمله تسمح بذلك .. أو يأتي بعد العمل مباشرة ..

مضى الوقت وأمينة نائمة بالمشفى وبجوارها أمير ورنيم الى قرب وقت عودة غادة من المدرسة فأشارت أمينة الى أمير تطلب منه ورقة وقلم .. احضرهم أمير من احدى الممرضات وناولهما لأمه التي من حسن حظها انها كانت تستخدم يدها اليسرى في الكتابة .. فكتبت له أن يذهب للبيت ليستقبل أخته في البيت ويصحبها الى المشفى بعد ان يمهد لها ما حدث ..

غادر أمير بالفعل ووصل الى البيت .. ولكنه وجد غادة قد حضرت بالفعل وكان عندها بعض الجيران الذين أخبروها بوصول سيارة اسعاف اقلت أمها الى المشفى .. وفى لحظة وصول اخيها .. كانت غادة على وشك الذهاب للمشفى عند وصول أمير ..

استأذن الجيران بعد لحظات من وصول أمير .. فوجد اخته في حالة انهيار مما سمعته من الجيران فما كان منه الا أن كلمها بهدوء .. فأخذ يوضح لها أن الأمر بسيط وان أمهما سوف تستعيد صحتها بعد العلاج .. وقبل أن يذهبا سويا الى المشفى سألته غادة وهى تبكى : قول لى يا أمير .. هو اللى حصل لماما كان بسبب مقابلة حسام .. أرجوك قول لى ومتخبيش على ..

أخذها أمير فرصة ليتكلم معها في موضوع حسام فربما يمضى وقت طويل قبل أن يستطيع أن يحدثها في أمره .. خصوصا وأن والدته أيضا لن تستطيع أن تتحدث معها في الأمر قبل عدة أشهر تكون فيها قد استردت كلامها بطريقة سليمة .. فقال لها بثبات وجد وهو ينظر في عينيها : أسمعى يا غادة .. أنتى عارفة انى لازم أسافر بكرة الصبح
قاطعته غادة : معقول .. معقول ح تسيبنا في الظروف دى وتسافر يا أمير ..
أمير بحيرة: غصب عنى يا غادة .. ده جيش .. مينفعش أنى أتأخر ساعة واحدة بعد انتهاء الأجازة .. المهم اسمعينى كويس .. بس قبل ما أتكلم عن موضوعك مع حسام .. ياريت تحكى لى انتى اللى تعرفيه عنه ..
تفاجأت غادة بسؤال أمير ولكنها ردت وهى تحاول أن تستجمع مميزاته قبل أي شيء : مش فاهمة .. ايه اللى عايز تعرفه عنه .. وبعدين ده وقته يا أمير ..
أمير: أيوة وقته يا غادة .. قوليلى اللى انتى تعرفيه عنه .. بيشتغل ايه ..عمره .. ساكن فين .. مؤهله .. مستواه الاجتماعى .. ومين أهله ..
غادة : هو خريج كلية العلوم .. وشريك في شركة توزيع أدوات طبية وعنده فيلا بس مش عارفة فين بالظبط .. وله أخ متجوز .. وأختين عايشين معاه ..
قاطعها أمير : وعمره ..؟؟!!
تلعثمت غادة وهى تقول بتردد : تقريبا اتنين وتلاتين سنة ..

سكت أمير للحظات وهو متردد أن يقول لها الحقيقة .. ولكنه كان يقول لنفسه أنه لا مفر .. يجب أن تعرف حتى تفيق من الوهم الذى تعيشه .. فقال بهدوء .. طيب اسمعى منى بقى اللى عرفته أنا وماما منه هو شخصيا ..
أولا عمره تمانية وتلاتين سنة .. مش اتنين وتلانين زى ما هو مفهمك .. وساكن في شقة في شبرا .. وشبرا دى لو انتى مش عارفاها منطقة شعبية جدا .. وأقل من المستوى اللى انتى عايشة فيه في اسكندرية بكتير .. وبيشتغل مندوب مبيعات في الشركة اللى بيقول أنه شريك فيها .. ومعندهوش فيلا في أي مكان في مصر زى ما فهمك..

كانت غادة تستمع الى أمير وهى فاغرة فاها متسعة العينين لا تصدق ماتسمع لولا أن أمير هو من يخبرها به .. فهى تعلم تمام العلم بان أمير لا يكذب مطلقا مهما كانت الأسباب أو الأهداف نبيلة كانت أم دنيئة ..

لم ترد غادة .. ولم تتكلم كلمة واحدة على ما قاله أخيها للتو .. ولكنها وقفت وطلبت منه في هدوء أن يصحبها للمشفى .. كانت على يقين أن ما حدث لأمها هو بسبب مقابلتها لحسام وما عرفته عنه.. فأصبحت في صراع شديد بين حبها لعائلتها وبين حبها لحسام .. ولكنها لم تفكر كثيرا في الحقائق التي ذكرها أمير عنه .. فهى الآن تفكر فقط في كيف أن ترضى أمها التي أصابها الشلل بسبب علاقتها وحسام .. وكيف تنقذ حبها المحكوم عليه بالفشل ..

وصلت غادة وأمير الى المشفى ودخلت الى أمها فأرتمت بحضنها تبكى .. فجذبتها رنيم تحتضنها برقة تطلب منها أن تتماسك حتى لا تزعج أمها فتسوء حالتها أكثر من ذلك ..

رضخت غادة لنصيحة رنيم وحاولت ان تتماسك .. ولكنها لم تتوقف عن لوم نفسها طوال الوقت ..
مر النهار والجميع .. بما فيهم أشرف الذى حضر قبل حلول المغرب بقليل .. كانوا حول أمينة التي كانت في معظم الوقت نائمة بفعل الأدوية والعقاقير التي كانت تتعاطاها من وقت لآخر ..

أما بالنسبة لخالد فهو كان مشغول بشدة مع عائلة مصطفى وخصوصا سلمى .. ولكنه كان يطلب أمينة من وقت لآخر فيجد تليفونها مغلق .. فيقلق قليلا ثم يتحدث مع أمير الذى يطمأنه على الجميع .. وفى كل مرة كان يتحجج له لعدم رد أمينة عليه بأنها مشغولة في عمل شيء ما .. وفى كل مرة يقول له شيء مختلف عن سابقه .. فكان خالد فيما يمر به لا يقف كثيرا عند ما يذكره له أمير .....


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 09:38 AM   #30

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر

مرت الثلاثة أيام على وجود أمينة في المشفى وبجوارها رنيم وغادة .. وفى أغلب الأوقات أشرف الذى كان يقسم وقته بعد العمل بين والدته وأيمن ..

أما بالنسبة لخالد فقد عاد في اليوم الرابع بعد عودة أمينة لبيتها بيوم واحد ... كانت رنيم وأشرف يقيما مع أمينة وغادة في تلك الأيام ..

دخل خالد مساءا الى البيت فقابله أشرف وكان على علم منذ الصباح بعودة ابيه في المساء .. وأول ما فعله خالد أن سأل على أمينة .. فهو كان قلقا عليها بشدة .. فتلك أول مرة منذ خطوبتهما يمر أربع أيام ولا يتحثان فيها .. كان يشعر أن هناك أمر جلل قد حدث لها ولكنه لم يظن للحظة واحدة أنه بسبب ما سمعت ما تفوه به لسلمى .. فهو لم يدرك الى الآن أنه نادها بـ "حبيبتي" ..
كان خالد يكن لأمينة حبا كبيرا ولكنه لم يكن عنده القدرة الكافية على أن يبين لها ولنفسه كم هو يحبها ويقدرها .. هو حب من نوع خاص .. حب هادئ عميق لم يولد فجأة كبيرا كحبه لسلمى .. ولم يفرض نفسه عليه عنوة فأصبح له أسير .. بل ولد صغيرا وكبر مع الأيام كأحد الأبناء .. كبر وترعرع في قلبه بأحداث يومية دقيقة كانت تحدث بينه وبين أمينة ومواقف لها تثبت روعتها وروعة روحها ورجاحة عقلها وأنها جديرة به وبمن هو أفضل منه .. نعم كان خالد أمام روعتها وحسن تصرفها في كثير من المواقف يشعر بذلك .. يشعر أن أمينة تستحق من هو أفضل منه وأنها أرجح منه عقلا وتدبرا للأمور.. كان يحمد الله كثيرا على أعظم نعمة قد وهبه الله إياها بالرغم من أنه ليس أهل لها .. هي حسنة الدنيا كما يقولون .. هي أمينة حياته ..

أما حبه لسلمى .. فهو حب آخر .. ولد فجأة كبيرا بدون مقدمات وظل يكبر ويكبر في قلبه يتغذى على حرمانه منها وعدم الفوز بها .. فالممنوع مرغوب وسيظل كذلك .. ربما يصبح يوما ما غير مرغوب فيه اذا ما نلناه .. كان أحيانا في حبه لسلمى يشعر أنه أسير مكبل بهذا الحب لدرجة أنه قد أفسد عليه حياته مع أمينة .. ولكنه في نفس الوقت كان يشعر أنه يحب كلاهما .. فكان يقول في نفسه أنه طالما قد أحل الله للرجل أربع زوجات .. فهذا لأن الله قد خلق الرجل قلبا له القدرة على أن يحب أكثر من امرأة في وقت واحد .. بعكس المرأة فهى ذات قلب لا يستطيع أن يحب الا رجلا واحدا .. ثم يعود ليتمنى .. أن يكون هذا صحيحا ...

احتضن أشرف والده .. وقبل أن يدخل الى حجرته حيث تقبع أمينة على سريرها لا تستطيع الحراك واستقبال خالد كما كانت تفعل دائما .. طلب منه أن يتكلم معه قليلا.. فدخلا الى حجرة أمير ..
بادر أشرف مرتبكا متلعثما لا يدرى كيف يخبره بما حدث لأمينة : بابا .. وأنت مسافر .. امى تعبت شوية .. وهى لسة تعبانة ..
قاطعه خالد بلهفة : انت بتقول ايه .. امينة مالها .. حصل لها ايه .. هي فين .. انطق بسرعة هي فين ..

أشرف وقد أسرع ووقف أمامه ليمنعه من الخروج من الغرفة والذهاب الي حجرتها ..: اسمعتى بس دقيقة واحدة .. أرجوك أهدى .. هي الحمد لله أحسن دلوقتى والدكاترة طمنونا انها ح تتحسن مع العلاج ..

كان خالد في حالة لا تسمح له بالانتظار أكثر من ذلك فصاح في اشرف : بقولك هي فيها ايه .. ؟
أشرف بتردد : حصلها جلطة في رجليها أثرت على الجنب اليمين ..
خالد غير مصدق مايسمع وهو ينهار على حافة سرير أمير: انت بتقول ايه .. أمينة .. ازاى .. وايه اللى حصل ووصلها لكده .. هي فين دلوقت يا أشرف ..
أشرف: في أوضتها ..بس ...
خالد وهو يقف ليسارع للخروج من الحجرة .. ثم توقف فجأة ليستدير الى أشرف وهو يسأله بتعجب : بس ايه يا أشرف ..
أشرف : أنا آسف يابابا .. بس .. هي رغبتها انك متدخلش عليها اوضتها .. اقصد يعنى متشوفهاش في حالتها دى ..
نظر اليه خالد للحظات غير مصدق ما يسمع .. ثم سأله بأسى : طيب ليه .. ؟
أشرف: بصراحة مش عارف .. هي بلغت الجميع برغبتها دى .. يمكن مش عايزاك تشوفها وهى مش قادرة تتكلم بصورة طبيعية ومش قادرة تتحرك ..

جلس خالد مرة أخرى يفكر قليلا .. هل ينصاع الى طلبها ويتركها بعض الوقت لتهدأ وترضى ان تقابله .. أم يدخل عليها ويضمها الى صدره ويهون عليها ما تعانيه ويخبرها بمدى حبه لها وأنه الوحيد الذى من حقه أن يكون بجانبها في مثل هذه الظروف .. وأنها مخطئة تماما اذاخجلت من نفسها مهما كان شكلها ومهما كان وضعها ..

قرر خالد في النهاية أن يذهب اليها .. لا أحد يستطيع أن يمنعه أن يكون بجوارها في أي وقت وأى وضع .. حتى هي نفسها لا تستطيع .. هي حتما لا تعرف ما تحتاجه الآن ..

خرج خالد من غرفة أمير وتوجه بهدوء الى أمينة .. طرق الباب ولم ينتظر الرد .. تذكر أنها لن تستطيع الرد .. ففتح الباب فوجدها تجلس نصف نائمة على السرير .. وما أن رأته فنظرت اليه نظرة خاطفة ثم أشاحت بوجهها عنه ..

اقترب خالد منها في هدوء وهو ينادى باسمها .. ظن أنها خجلة من أعوجاب فمها الواضح .. فجلس بجوارها وأمسك بيده اليمنى التى كانت ناحيته .. فأسرعت أمينة وسحبت يدها بحركة لا ارادية ..
فطن خالد الى انها لا تريد رؤيته ولا تريد حتى أن يلمسها .. فقال بحزن : أمينة .. انتى زعلانه منى يا حبيبتى .. سكت قليلا ثم أردف وهو يحاول مرة ثانية أن يمسك يدها التي وضعتها على صدرها .. أنا آسف .. محدش من الولاد بلغنى اللى حصل .. أنا آسف يا أمينة .. كان لازم أفهم ان فيه حاجة كبيرة حصلت لما ما كنتيش بتردى على تليفوناتى .. آسف يا حبيبتى .. حقك عليا ..
"حبيبي" الكلمة التي أنتظرتها أمينة من خالد سنوات مراهقتها وعمرها كله معه .. لطالما تمنت أن تسمعها منه ولو مرة واحدة من قبل .. الآن لا تريد أن تسمعها .. بل تكره سماعها منه ..
لم تكن أمينة تبكى .. خانتها عيونها فبخلت عليها ببعض الدموع التي قد تريحها .. كانت في حاجة الى البكاء .. بل الصراخ .. صراخ فيه .. لماذا فعلت بى هذا .. وكيف جرأت على أن تخدعنى كل هذه السنين .. كانت تريد أن تنهال ضربا على صدره الذى يحوى هذا القلب المخادع .. لم تكن أمينة تشعر بيدها وهى في أحضان يداه في تلك اللحظة .. هي شردت بعيدا .. شردت في ايامها الماضية .. تتذكر كم أحبت هذا الرجل الى درجة الجنون به .. وكيف وصل بها الحال بسبب هذا الحب ..

ظل خالد بجوارها يتكلم ويتكلم عن أسفه وعن شفاها القريب .. وعن أنه لن يتركها لحظة حتى تشفى تماما وتعود أفضل مما كانت عليه من قبل .. ولم تكن أمينة تستمع اليه .. لقد ظلت تنظر أمامها متحجرة العيون والمشاعر ..

-----------------------------------------------------------------

مرت الأيام وسلمى غير مصدقة ما حدث .. أهكذا أصبحت وحيدة .. ابهذه البساطة تركها مصطفى ورحل عن الدنيا .. كانت كلما تذكرت كيف عانى في سنواته الأخيرة وما عاناه أثناء موته تنخرط في بكاء مرير .. كانت في أواخر ايامه معها تتمنى الحرية لنفسها .. تحدثها نفسها بالخلاص من زواجه والارتباط به .. الآن تتمنى لو بقى معها تخدمه وتقوم على رعايته .. الآن تجد انه كان عليها أن تترك عملها وتتفرغ لرعايته فقط ولا تتركه للغرباء ليهملوه وتنتهى حياته بمأساة كالتى حدثت له ..

مرت الأيام لتجد نفسها وحيدة بعد أن تركها أبناؤها من جديد .. فهم مشغولون بحياتهم الرغدة التي بناها لهم مصطفى ورفضوا هم أن يملئوا ولو ساعات قليلة في حياته الموحشة ..

كانت تلك الأيام بعد مقتل مصطفى تمر عليها بطيئة مملة لا تشعر لها طعما .. تقوم في الصباح في بيت زاد برده كثيرا عما كان مصطفى يحيا فيه معها .. تذهب لعملها التي لا تجد له أيضا طعما ولا هدفا .. فقد ترك لها مصطفى ما يكفيها من المال وهى أيضا قد كسبت الكثير منه ووضعته في البنوك ليدر عليها مبالغ كبيرة شهريا .. وهناك أيضا تعويض بوليصة التأمين التي وضع مصطفى فيها اسمها في حالة حدوث مكروها له .. فلم ولمن تعمل .. حتى العمل أصبح لا يخرجها من حزنها واكتآبها ..

صحت يوما على صوت التليفون .. نظرت الى شاشة التليفون وهى تفرك عينيها .. انها علا ابنتها .. التي لم تعتاد الاتصال بها كثيرا خصوصا في الصباح الباكر.. ردت عليه سلمى وهى قلقة من حدوث مكروه لها أو اى من ابناءها : علا .. أنتم بخير ..
علا ببرودها المعتاد : ايوة يا مامي .. مالك اتخضيتى ليه كده .. اطمنى احنا بخير .. بس أنا عندى ميعاد في السفارة الامريكية .. ولقيت عندى وقت لغاية ما ييجى دورى في الأنترفيو .. قلت اتصل بيكى أطمن عليكى..
سلمى وقد عقدت حاجبيها تتعجب مما سمعته للتو : سفارة ايه وأنترفيو ايه اللى بتتكلمى عنهم .. أنا مش فاهمة حاجة ..
علا بنفس النبرة الباردة : أصلى انا وياسر جوزى كنا مقدمين من فترة على هجرة.. .. والنهاردة ميعاد الأنترفيو في السفارة الأمريكية ..
سلمى وقد صدمتها المفاجأة : هجرة .. أمريكا .. انتى جاية تقولى لى الكلام ده النهاردة وانتم بتعملوا الانترفيو .. للدرجة دى .. للدرجة دى أنا مش مهمة بالنسبة لك يا علا ..
علا وهى ممسكة بمرأة صغيرة تنظر فيها : سورى يا مامى .. بس أنا افتكرت ان جمال قالك .. أصله هو كمان مهاجر وعمل الانترفيو بتاعه هو وسمر مراته من يومين ..
لم تصدق سلمى ما تسمع من ابنتها .. فقالت لابنتها بهدوء :طيب يا علا .. أنا بخير أطمنى .. ياريت بس تفتكرى تقولى لى ميعاد سفركم علشان اقدر اودعكم أنتم والولاد ..
علا : اوكى يا مامى .. طبعا أكيد ح بلغك بميعاد سفرنا .. عموما احنا قدامنا شهور على ما تيجى الموافقة على الهجرة .. ياللا بقى دلوقتى علشان دورى قرب في المقابلة .. باى ..

أغلقت علا الخط من جانبها في لا مبالاة .. في حين ظل هاتف سلمى على أذنيها لا تصدق ما حدث وما سمعته من أبنتها .. فهاهو مصطفى قد رحل في هدوء منذ أيام وها هم أبناؤهم ينون الهجرة وتركها بمفردها .. كيف هانت عليهم بهذا الشكل بعد أن أصبحت وحيدة في الحياة .. كم هم قساة القلب .. الا يشعرون بحاجة أمهم لهم خاصة بعد رحيل أبيهم .. انهم لم يفكروا حتى في أن يعرضوا عليها أن تصحبهم ولو من باب تخليص الضمير أو حتى المجاملة ..
سرحت سلمى في حالها وفى مصطفى .. لقد قست عليها الدنيا بما فيه الكفاية .. ادركت أن ايامها القادمة صعبة .. كانت تفكر في الوحدة القاتلة التي تعيشها وهى بين أبنائها واليوم هم أيضا سوف يتركونها .. فكيف ستضبح حيانها بدون زوج وأولاد وهى في هذا العمر .. !!

ظلت سلمى في سريرها قرابة الساعة بعد مكالمة علا .. تستشعر الحياة بدون عائلتها بأكملها .. ولم تنتبه الا على صوت رنة جديدة من تليفونها .. نظرت الى الرقم .. انه رقم غريب لا تعرفه .. كانت في هذه الأيام تنتظر فقط تليفون من المحامى حتى يبلغها ميعاد صرف تعويض بوليصة التأمين .. لذا أعتقدت أن هذه المكالمة من مكتب المحامى .. فردت بهدوء : ألو ..
جاءها صوت هي تعرفه جيدا وتمقته بامتياز : صباح الخير يا سلمى ..
سلمى : أيوة .. مين معايا .. كانت تعرف الصوت ولكنها أملت أن يكون أحدا غيره ..
توفيق بسماجته المعتادة : توفيق يا سلمى .. ايه .. مش عارفة صوتى .. ولا نسيتيه ..
سلمى وعلامات الغضب تبدو على وجهها : أيوة يا باشمهندس .. خير حضرتك ..
توفيق وقد صدمه الرد قليلا ولكنه تجاهله ورد ببرود : أبدا أنا في القاهرة وقلت أطمن عليكى .. وقبل أن ترد أسرع .. على فكرة أنا قريب منك جدا .. ولو سمحتى لى آجاى أشرب معاكى فنجان قهوة وبالمرة أطمن لو محتاجة حاجة ..
ردت سلمى بثبات تريد أن توصل له رسالة انها لا ترغب في لقائه أبدا فتكلمت بجمود : شكرا يا باشمهندس .. أنا بخير ومش محتاجة حاجة .. وللأسف أنا خارجة على طول ورايا ميعاد مع المحامى ..
توفيق منتهزا الفرصة : طيب كويس .. ممكن اوصلك لمكتب المحامى .. أنا أصلى جاى بعربيتى ..
سلمى: لا .. مش حينفع .. أنا جمال ابنى حيمر على نروح سوا .. شكرا يا باشمهندس .. مع السلامة .. ثم أغلقت الخط بسرعة كى لا تسمع منه المزيد وحتى يعرف أيضا أن اتصالاته بها غير مرغوب فيها ..

قامت سلمى بعد ذلك من سريرها وقد قاربت الساعة على العاشرة .. ففكرت في شيء تفعله حتى تكسر ملل اليوم .. فتذكرت المحامى .. نعم من الممكن أن تطلب ميعاد من المحامى لتستعلم عن موقف بوليصة التأمين .. وبعدها يمكن أن تذهب الى أي مطعم يمكنها أن تتناول فيه غداءها ثم تعود الى البيت .. فبذلك ربما تكون قد قضت على عدد من الساعات بين الناس قبل أن تظل حبيسة في البيت وحيدة ..

طلبت سلمى مكتب المحامى .. فردت عليها السكرتارية ثم أتى صوت المحامى بعد لحظات ..
المحامى: ألو ..
سلمى: صباح الخير يا أستاذ نادر
نادر: صباح الخير يا باشمهندسة .. ازى حضرتك .. يارب تكونى انتى واولاد بخير .. اؤمرينى يا فندم ..
سلمى بتردد .. : أحنا الحمد لله بخير .. متشكرة .. أنا بس كنت حابة أعرف أخبار تعويض بوليصة تأمين مصطفى الله يرحمه ..
لم يأتي رد نادرسريع .. ولكنه قال بعد لحظات :.. بصراحة شركة التأمين لسة ما اصدرتش الشيك الخاص بالتعويض .. هو لسة في الحسابات عندهم .. متوقع أنه يتم إصداره خلال يومين تلاتة .. بس هو فيه موضوع كنت حابب أتكلم مع حضرتك فيه .. سكت للحظات فقالت له سلمى : .. خير يا أستاذ نادر .. موضوع ايه اللى حضرتك عايز تكلمنى فيه ..
نادر بتلعثم : في الحقيقة أنا مش عارف ابتدى ازاى .. يا ترى ممكن حضرتك تشرفينى في المكتب و لو حضرتك مش ح تقدرى تيجى .. أنا ممكن أزورك في الوقت اللى يناسبك ..
سلمى بقلق : خير يا أستاذ نادر .. حضرتك قلقتنى .. هي ايه الحكاية بالظبط ..
نادر : لا أبدا مفيش حاجة تقلق .. بس أنا أفضل أننا نتكلم وجها لوجه .. لو سمحتى ..
سلمى: طيب يا أستاذ نادر مفيش مشكلة .. ساعة وح أكون عند حضرتك ..

بعد خمسون دقيقة كانت سلمى تجلس في مكتب نادر تنتظر خروج أحد العملاء من مكتبه لتدخل هي .. مرت ربع ساعة فطلبت منها السكرتيرة أن تتفضل الى مكتب الأستاذ نادر ..

دخلت سلمى الى نادر .. فقام بهمة من على مكتبه ليصل الى منتصف الحجرة مرحبا بها .. : أهلا .. أهلا مدام سلمى .. نورتى المكتب ..
سلمى بابتسامة هادئة : ميرسى .. يا أستاذ نادر ..
نادر وهو يشير الى مقعد أمام مكتبه لتجلس : اتفضلى حضرتك ارتاحى .. ثم جلس هو في الكرسى المقابل لها ولم يجلس على كرسى المكتب ..

كان نادر هو محامى مصطفى بعد أن تخرج من الجامعة .. تعرف عليه وهو لا يزال محامى صغير في قضية اخلاء منزل كان لوالده من ساكن لم يكن له الحق في هذا السكن .. كانت علاقته بمصطفى علاقة صداقة أكثر منها كعلاقة عمل .. توطدت العلاقة بينهما فكان نادر هو محامى مصطفى في جميع القضايا التي تخص حياته وأيضا أقنع مصطفى صاحب الشركة التي كان يعمل بها في بداية حياته العملية أن يستعينوا بنادر في قضايا الشركة .. كما أن مصطفى قد صمم لنادر واشرف على بناء الفيلا التي يقطنها هو واسرته قبل أن تتوفى زوجته بمرض عضال ..

كان نادر يكبر مصطفى بحوالي خمس سنوات .. رجل في نهاية العقد الخامس من حياته .. ولكنه كان لا يزال وسيما طويل القامة ذو شعر ناعم مائل الى اللون الفضى وعيون بنية غائرة تحت جبينه لها نظرة تجذب النساء وحاجبين عريضين غنيان بالشعر وانف رفيع يدل على نبل الأصل فوق شارب ولحية يتعانقان فيهم اللونين البنى والأبيض .. كان حقا رجل جميل كفارس .. خرج من فيلم عربى قديم .. وكان بارعا في المحاماة وقلما أن يخسر قضية .. فكان محاميا مشهورا ذو ثروة طائلة أكتسبها من عمله في المحاماة .. كان له بنتان أحدهما متزوجة من محام ولديها ولدين والأخرى لا تزال في المرحلة الثانوية .. فقد أنجبها نادر بعد أختها بسنوات عديدة ..

نادر وهو مازال مبتسما لسلمى يتحرك الى مكتبه ليضرب الجرس : تحبى حضرتك تشربى ايه ..
سلمى : ياريت فنجان قهوة سادة ..

أتى جرسون بملابس مرتبة غاية في النظافة فطلب منه نادر احضار فنجانين من القهوة السادة .. ثم أضاف بتنبيه شديد .. من قهوتى المخصوص يا عم رجب ..

خرج عم رجب .. لتبادر سلمى بالكلام : خير يا أستاذ نادر .. ادينى جيت لحضرتك .. يا ترى ايه الموضوع ..

نادر وقد بدأ الارتباك عليه ..: بصراحة يا مدام سلمى .. أنا عارف أن كان فيه خلاف بينك وبين مصطفى الله يرحمه قبل ما يتوفى بفترة ..

انتبهت سلمى وأتسعت عيناها مما سمعت ولكنها لم تعقب فأردف نادر : هو بصراحة مصطفى كلمنى يوم ما حصل الخلاف ده بينكم وطلب منى انى اروح له .. كانت حالته سيئة جدا .. وقال لى انه للأسف الأمور اتطورت و حصل طلاق بينكم .. وكان في حالة صعبة جدا .. وطلب منى أنى أغير اسم المستفيد من بوليصة التأمين ..

فغرت سلمى فمها تنظر الى نادر بعينين متسعتين .. ثم أجفلت جفنيها وهى تقول بحزن : مش مشكلة يا أستاذ نادر .. كده .. كده الفلوس مصيرها للولاد .. تروح لهم دلوقتى .. تروح لهم بعدين .. كله محصل بعده .. الله يرحمك يا مصطفى ..
رد نادر بثبات : أيوة حضرتك .. بس المستفيد متغيرش من اسم حضرتك لاسم الولاد ..
اتسعت عينى سلمى وهى تنظر الى نادر بغضب : مش فاهمة .. تقصد ايه حضرتك....
نادر : مصطفى طلب أن المستفيدين يكونوا بسمة وخميس ..

-------------------------------------------------------------

لم يستطع أشرف أن يذهب مع أيمن الى دكتور على .. فقد انشغل بموت مصطفى وسافر الى والده ثم عاد ليجد ما حدث لأمه .. وبعد أن أستقرت الأمور نسبيا وعاد خالد الى بيته أصبح لدى أشرف الوقت ليعاود رعايته لأيمن .. فأخذ ميعاد جديد مع الدكتور على وذهب هو وأيمن للكشف وعمل التحاليل اللازمة للوقوف على حالة أيمن المرضية ..

قام على بالكشف السريرى على أيمن في وجود أشرف وبالرغم من أن الكشف لم يسفر عن وجود أورام لديه بالمعدة الا انه تظاهر ببعض الآلام أثناء الكشف .. ثم قام على بكتابة التحاليل اللازمة و طلب من أيمن الحضور اليوم التالى لعمل منظار للبطن للتأكد من وجود ورم من عدمه ..
لم يتوقع أيمن أن تصل الأمور لعمل منظار فحاول مناقشة على للعدول عن اجراء المنظار ولكن على أصر على اجراء المنظار ..

بعد دقائق توجه أيمن مع أحدى الممرضات لعمل التحاليل .. وبعد انتهاء أخذ العينات المطلوبة غادر أيمن مع أشرف المشفى متوجهين الى بيت أيمن الذى كان يتظاهر بالتعب .. ..

في أثناء لقائهما حاول أيمن أن يستشف الأحوال بين أشرف ورنيم .. فكان أشرف يجاوبه بتلقائية بأن الوضع بينهما يصير بشكل جيد وليس هناك مشاكل بينهما في الوقت الحالي .. وأبلغه أن كلاهما مشغول بما حدث لأمه ..وبالتالى ليس هناك مجال للاختلاف .. فلم يجد أيمن فرصة لعمل فتنة بين أشرف ورنيم في تلك الأيام .. ولكنه كان يتحين الفرصة لذلك ..

عاد أيمن واشرف للمشفى في اليوم التالى لعمل المنظار .. وكانت المفاجأة لأيمن التي لم يتوقعها أبدا ولم تكن في الحسبان .. فعن طريق المنظار قد تم اكتشاف ورم صغير في بدايته بالقولون .. وبعد أيام قليلة أكدت نتائج التحاليل وجود هذا الورم ..

لم يصدق أيمن الخبر .. وانتابته صدمة كبيرة .. نسى فيها رنيم تماما ونسى حبه لها والذى في الغالب لم يكن حبا حقيقيا .. بل هو حب امتلاك ما لغيره .. هو كذلك أيمن نشأ مدللا وحيد أبوين كانا يغدقان عليه بالكثير .. يلبون له كل مطالبه حتى نشأ أنانيا يعشق امتلاك كل شيء ما له وما ليس له .. كان دائما ينظر الى ما لغيره وخصوصا المميز منه فيسعى جاهدا بكل الوسائل وكل الطرق لامتلاكه .. وما أن يمتلكه الا ويزهده بعد قليل ..

خرج أيمن من المشفى يصحبه أشرف بعد أن أكد له الأطباء أن الأمر في بدايته ومن الممكن تداركه والشفاء منه اذا تم اجراء جراحة عاجلة لاستئصال الجزء المصاب من القولون .. لكنه كان مرعوبا من مجرد سماع أنه مصاب بالسرطان .. كان يعلم أنه مرض فتاك لا ينجو منه سوى القليل .. وحتى هؤلاء القليل كان يعاودهم الورم مرة أخرى وربما في أماكن متفرقة من الجسد .. لذا كان في حالة احباط وخوف من آلام المرض ومن الموت ..

ركب مع أشرف السيارة يقودها أشرف الذى كان يحاول أن يهون عليه الأمر .. ولكن أيمن لم يكن يرد عليه أو حتى ينظر اليه .. كان في حالة وجوم .. شاردا ينظر أمامه .. لا يتكلم مطلقا .. كان يفكر فقط في الموت .. وكم هو قريب منه الآن .. لذا ..كان أشرف في حيرة من أمره .. انها ليست المرة الأولى التي يعلم فيها أيمن أنه مريض سرطان .. فلم كل هذا الوجوم والحزن .. انه حتى في المرة الأولى لم يكن رد فعله هكذا..

بعد دقائق من السير بالسيارة في طريقهما للعودة .. طلب أيمن من أشرف أن يوقف السيارة .. ففعل أشرف ووقف على جانب الطريق .. وساد الصمت بينهما للحظات .. ثم تكلم أشرف مرة أخرى : مالك يا أيمن .. ما احنا كنا عارفين اللى فيها .. ثم سكت للحظة واردف : الحمدلله ان الموضوع لسة في أوله وان شاء الله تعمل العملية وتيقى زى الفل ..
أيمن بصوت متحشرج يدل على حزن عميق : أنا حابب أكون لوحدى يا أشرف .. بعد اذنك أنا حابب أمشى شوية لوحدى .. ثم فتح باب السيارة وبادر بالخروج منها .. فأمسك أشرف بيده وقال له : استنى يا أيمن .. لوحابب انى متكلمش معاك لغاية ما أوصلك للبيت أنا معنديش مانع بس المهم أوصلك للبيت علشان أكون مطمن عليك ..
رد أيمن بنفس الصوت الحزين : أنا مش عايز أروح البيت .. أنا حابب أمشى شوية ..
أشرف : طيب .. خلينا نركن العربية ونمشى مع بعض و اوعدك مش ح تحس بوجودى ..
أيمن وقد بدا عليه الضيق الشديد وهو يسحب يده من يد أشرف : أرجوك يا أشرف سيبنى لوحدى .. أنا محتاج أمشى شوية مع نفسى ..

لم يحب أشرف أن يضغط عليه أكثر من ذلك فتركه ينزل من السيارة وهو يقول له : خلاص يا أيمن اللى يريحك .. بس أرجوك تكلمنى أول ما توصل البيت علشان أطمن عليك ونتفق ح نعمل ايه بخصوص العملية ..

لم يرد عليه أيمن وخرج من السيارة يمشى ببطئ كرجل كهل في نهاية العمر ..
كان أشرف ينظر اليه في حيرة من أمره ومن ردة فعله تجاه خبر مرضه الذى كان يعلم به من قبل ولم يجده في مثل هذه الصدمة وهذا الحزن .. ولكنه في النهاية تحرك بالسيارة الى بيت اسرته حيث توجد زوجته وأمه المريضة ..

سار أيمن في طريق طويل على جانبيه شجر .. ينظر الى نهاية الطريق حيث يتلاقى الجانبين بالأشجار فيصبح الطريق وكأنه طريق مسدود بالأشجار .. فجال بخاطره أن طريقه في الحياة مثل هذا الطريق .. مسدود بالموت ..

الموت .. هي كلمة وواقع لم يفكر فيه من قبل .. كان يعيش حياته في لعب ولهو .. تجاوز الثلاثتين من عمره ولم يفكر مرة واحدة في ماهية الحياة .. والآن هو قريب من نهاية هذه الحياة .. ترى ماذا بعد هذه الحياة .. ماذا بعد الموت .. والى أين مصيره .. للجنة أم للنار .. سؤال يسأله لنفسه للمرة الأولى في حياته ..

تذكر الحياة التي عاشها .. ولد من أب وأم ميسورى الحال .. تنعم بنعم كثيرة منذ طفولته .. كل طلباته كانت مجابة وحتى قبل أن يطلبها .. حتى أنه كان أحيانا يتمنى أحيانا أن يقال له مرة واحدة "لا" .. ولو مرة واحدة .. لم يهتم والديه بتعليمه دينه أو حتى كيفية الصلاة .. ففاقد الشيء لا يعطيه .. فهو لم يراهم مرة واحدة يصلوا لله .. يتذكر يوما وهو في الخامسة عشر من عمره عندما دعاه أحد أصحابه لدخول المسجد معه ليصلى .. فدخل معه ولكنه أكتشف أنه لا يعرف كيف هي الصلاة ولا كيف يكون الوضوء .. كان خجلا أن يعرف صاحبه انه لا يعلم كيف يصلى المرء .. فأخذ بتقليد صاحبه في الوضوء وفى حركات الصلاة ولكنه لم يكن يدرى ما يجب أن يقول في الصلاة .. انه حتى لم يكن يحفظ الفاتحة .. يتذكر يومها كم كان خجلا من نفسه .. ويتذكر أنه عندما ذهب لوالديه غضبان أنهم لم يعلمانه الصلاة .. نصحه أبوه بأن لا يذهب للمسجد قط .. لأن رواد المساجد ما هم سوى فقراء يذهبون لطلب العون من الله .. أما هم .. فهم أغنياء وليسوا في حاجة الى الصلاة وطلب العون من الله .. أو هم ارهابيون ومن الممكن أن يجروه لطريق الإرهاب .. تذكر أنه يومها لم يكن مقتنعا بكلام أبيه ولكن لم يبذل أي جهد ليتعلم كيف يصلى .. ثم نسى أمر الصلاة حتى يومه هذا .. فكل ما كان يشغله هو اللعب واللهو والنهل من ملذات الحياة .. كان جل أهتمامه أن يبنى جسدا جميلا ممشوقا وسيما يجذب به الفتيات .. وعندما تقع احداهن يأخذها على الفور الى منزله الذى اهداه اليه ابيه يوم تخرج من الثانوية العامة بمجموع متوسط أهله فقط لكلية التجارة .. هذا علاوة على السيارة التي أهداها ايه يوم حصل على الإعدادية وقد عين له سائقا حتى يصل الى عمر استخراج رخصة سيارة .. فكان يأمر السائق بان يتركه يسوق السيارة معظم الوقت .. كانت حياة أيمن لا تتعدى سوى الرياضة والنساء وقد سهل له الأمر وجود سيارة فارهة تجذب اليه الكثير من النساء والفتيات .. لتنتهى المغامرة في شقته وفوق سريره .. حتى أنه أحيانا كان يمل ما يفعل .. ولكنه شيء قد تعود عليه وادمنه وكان من الصعب عليه الإقلاع عنه .. لذا في الأيام الأخيرة كان ينظر الى حياة أشرف .. وتمنى أن يحيا هذه الحياة .. ولكن أقتصر تفكيره على أن يفوز بزوجته ولم يفكر في سواها .. والآن داهمه المرض الذى لم يكن في الحسبان ليجعله ينساها في لحظة .. ولم يعد يفكر سوى في حاله .. وينسى كل اهتمامه بجسده وملذاته .. فقال في نفسه .. ها هو الجسد الذى أهتممت به وبمتطلباته سوف يدفن في التراب ويأكله الدود .......

سار أيمن كثيرا .. لم يكن يدرى أين هو بالضبط ولكنه كان هائما على وجهه حتى وجد نفسه أما مسجد كبير .. أخذ ينظر اليه فهاله منظر المسجد وروعة بنائه .. ثم وجد نفسه يدخل الى المسجد .. تلك هي المرة الثانية التي يدخل فيها مسجدا في حياته .. كان الوقت بين العصر والمغرب وكان المسجد خاليا الا من بعض الشيوخ وكبار السن الذين ينتظرون الصلوات .. فمنهم من يصلى ومنهم من يقرأ القرآن ومنهم من يذكر الله ..

أتخذ أيمن ركنا من المسجد وجلس لا يعلم ماذا يفعل .. كان يريد أن يصلى ولكن لا يعلم كيف تكون الصلاة .. فغلبته فطرته فبكى بكاءا شديدا حتى أنه لم يشعر أن نحيبه قد علا وسمع صوت بكاؤه شيخا كان قريبا منه ..

أقترب منه الشيخ وقد تعجب لبكائه بهذه الطريقة .. جلس جواره يقول بهدوء وهو يربت على كتفه : وحد الله يا بنى .. ليه بتبكى بالشكل ده ؟
لم يستطيع أيمن أن يرد عليه .. فقد غلبه بكاؤه .. فقال له الشيخ : يا بنى رحمة ربنا واسعة ومفيش مشكلة ملهاش حل .. أهدى كده ووحد الله وأطلب منه يرفع عنك اى بلاء .. وصدقنى هو حيستجيب لك باذن الله ..
رد أيمن بصوت متحشرج من البكاء : وازاى يستجيب لواحد عاصى زيي ..
الشيخ : أستغفر الله يا بنى .. رحمة ربنا أكبر من أي ذنوب يعملها العبد .. دى لو جبال من المعاصى .. قادر ربنا أنه يغفر لنا ويسامحنا على اللى عملناه في حقه .. وبعدين .. ابشر .. لو ربنا مش راضى عنك مكنش جابك لحد بيته .. ربك كريم يا بنى .. واللى يدخل بيت الكريم .. ربنا أكيد ح يكرمه بعفوه ورحمته ورضاه .. ولا ايه ..

بدأ أيمن يهدى قليلا من كلمات الشيخ فقال وهو مازال يبكى بصوت خفيض : نفسى أتوب يا عم الشيخ .. نفسى أصلى له ..
الشيخ وهو يبتسم في وجهه : طيب وايه اللى مانعك .. ياللا قوم اتوضأ لو مش متوضى وصلى له زى ما انت عايز .. وادعيه وانت ساجد .. ادعي بكل اللى نفسك فيه .. وان شاء الله ربنا حيستجب لك ..
أيمن في خجل .. وقد توقف بكاؤه : بس أنا لا اعرف أتوضا .. ولا أعرف أصلي ..
نظر له الشيخ بنظرة فيها بعض الغضب والتعجب .. ولكنه تدارك نفسه فقال : طيب وماله .. قوم تعالى معايا .. نتوضا سوا وبعد كده أعرفك ازاى تصلى .. ده مفيش أسهل من الصلاة ..بس المهم وانت فيها متفكرش غير في اللى بتصلى له .. ربى وربك ورب يابنى .. ربى وربك ....

قام أيمن مستجيبا لدعوة الشيخ .. كان لديه شعور غريب يشعر به للمرة الأولى في حياته .. شعور برهبة ممتزجة بالشوق .. شعور بالخوف والرجاء ..شعور باليأس والأمل ...
عند الوضوء طلب الشيخ من أيمن أن يقول ما يقوله ويفعل كما يفعل .. فكان الشيخ كلما هم بغسل جزء من أجزاء الوضوء يقول دعاء خاص بكل جزء .. وكان أيمن يردد الدعاء كما سمعه من الشيخ ويغسل الجزء كما يفعل الشيخ الى أن انتهيا من الوضوء .. فقال الشيخ دعاء الانتهاء من الوضوء فردده أيمن وبدأ ينسى نسبيا حزنه الذى كان يمر به منذ دقائق قليلة ..

جلس الشيخ فجلس أيمن أمامه ركبتيه تكاد أن تماسا ركبتى الشيخ .. فسأله الشيح .. ما أسمك يا بنى .. فرد أيمن بهدوء : اسمى أيمن .. فقال الشيخ ان شاء الله يكون لك حظ من اسمك يا أيمن .. فقال أيمن: يعنى ايه يا شيخ .. فرد الشيخ وهو يبتسم : أنا ادعو لك أن تكون من أهل اليمين .. يا أيمن .. هل فهمت ؟..
رد أيمن : ايوه يا شيخ .. فهمت ..
الشيخ : ودلوقتى قوللى .. تعرف ايه من الصلاة ..؟
أيمن بخجل : أنا للأسف معرفش أي حاجة عن الصلاة ..
الشيخ : طيب يا بنى .. أكيد انت حافظ الفاتحة والصمدية والتشهد..
أيمن : أنا أعرف الفاتحة .. بس مش حافظها أوى .. وبصراحة معرفش تقصد ايه بالصمدية .. ومعرفش ايه هو التشهد...
الشيخ وهو يهز رأسه : عظيم .. عظيم .. سكت للحظة ثم أردف .. شوف يا أيمن .. عشان تقدر تأدى الصلاة .. لازم تكون حافظ الفاتحة وأى شيء من آيات القرآن الكريم .. وعلى فكرة "الصمدية" هي السورة اللى بنقرأ فيها " قل هو الله أحد ..............." .. والتشهد هو آخر كلمات بنقولها قبل ما نسلم وننهى الصلاة ....
أطرق أيمن برأسه حزينا : فبادر الشيخ : خلينا الأول نحفظ الفاتحة .. و الصمدية والتشهد علشان تقدر تصلى دلوقتى .. وبعدين ربنا يفتح عليك وتبتدى تحفظ أكتر من القرآن الكريم ..

أحضر الشيخ مصحفا وفتحه على سورة الفاتحة ومد به يده لأيمن الذى كان ينظر اليه برهبة .. لا يصدق .. إنها المرة الأولى التي تمس يده فيها مصحفا .. هو حتى كان يشاهده بالصدفة عند زيارة أحد أصدقائه .. ففي بيته لم يوجد قط مصحف في يوم من الأيام ...

طلب منه الشيخ أن يقرأ الفاتحة .. فكان يقرأها أيمن بطريقة خاطئة .. فقال له الشيخ .. ردد ورائى يا أيمن وضع أصبعك تحت الكلمات التي ترددها .. ثم بدأ الشيخ يقرأ .. وكان أيمن يردد .. فأحس بحلاوة قراءة القرآن وهو يسمعه من صوت الشيخ الندى ويردده هو بنفس النبرة .. مرت حوالى ربع ساعة قبل ان يحفظ أيمن الفاتحة ويسمعها للشيخ أكثر من مرة بطريقة صحيحة ..

مرت حوالى نصف ساعة قبل أن يحفظ ويردد الصمدية ثم التشهد على الشيخ .. عندئذ قال له الشيخ .. انت الآن جاهز لتتعلم كيفية الصلاة .. وشرح له الشيخ كيف يصلى ركعتين .. ثم قال له .. خلينا نصلى أول ركعتين مع بعض .. أنا ح أكون فيهم أمام وانت تعمل وتقول زيي بالظبط .. ثم وقفا الاثنان متجاورين واتم أيمن صلاته الأولى في حياته على يد هذا الشيخ .. ثم جلس أمام الشيخ مرة أخرى فأخبره بالصلوات الخمس .. أوقاتها وعدد ركعاتها .. وطلب منه الشيخ أن يظل بالمسجد ليصلى المغرب جماعة .. وكان آذان المغرب على وشك أن يؤذن .....

صلى أيمن صلاة المغرب جماعة وهو وسط جموع المصلين يبكى بشدة عند سماع القرآن وعندما الركوع والسجود .. كان يشعر أنه ببكائه إنما هو يغسل روحه من الدنس الذى دنسها به طوال سنوات عمره .. فأحس براحة شديدة بعد الصلاة .. ثم قام وظل يصلى بمفرده صلوات كثيرة لم يعلم عددها حتى سمع آذان العشاء .. فصلى العشاء جماعة أيضا .. ثم ذهب الى الشيخ ولم يشعر الا وهو يقبل يده .. فربت الشيخ على كتفه ودعا له بالهداية وصلاح الحال .. ونصحه أن يذهب لأداء العمرة والحج ان استطاع ..

خرج أيمن من المسجد وظل يمشى وهو يشعر براحة نفسية لم يشعر بها من قبل .. لم يكن يفكر قط في أمر مرضه .. كل ما كان يفكر فيه هو هذا الطريق الجديد الذى طرق فيه باب الله تعالى يرجو رحمته ويخشى عذابه ...


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:46 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.