آخر 10 مشاركات
لو..فقط! *مميزة**مكتملة** (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          صقور تخشى الحب (1) *مميزة ومكتملة* سلسلة الوطن و الحب (الكاتـب : bella snow - )           »          71 ـ هل تجرؤين؟ ~ جيسكا ستيل (مكتوبة/ كاملة ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          شهم الطبايع يا بشر هذا هو الفهد *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          غسق الماضي * مكتملة * (الكاتـب : ريما نون - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree429Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-03-20, 10:59 AM   #31

yamr

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية yamr

? العضوٌ??? » 152736
?  التسِجيلٌ » Jan 2011
? مشَارَ?اتْي » 682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » yamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
نكتشف گمْ كُنّا حمقَى حينَ تَسقُط الأقنعة عن أشخاصٍ ،،كُنّا نَظنّهُمْ أصدقاء واحبه، فتحنا قلوبنا لهم يومًا !..وبگينا لأجلهم , وتقرّبنا منهم , وأعطيناهم أوقاتنا !!طيبَتنَا تَقْتُلْ ...! وأنتهت الحكاية .
افتراضي


فين فصول الرواية والتعليقات 🥺🥺🥺


yamr غير متواجد حالياً  
التوقيع
<a href=https://im66.gulfup.com/lwHLZZ.jpeg target=_blank>https://im66.gulfup.com/lwHLZZ.jpeg</a>
رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 11:06 AM   #32

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yamr مشاهدة المشاركة
فين فصول الرواية والتعليقات 🥺🥺🥺
للأسف حدث شيء بالمنتدى ومعظم الروايات قد فقدت فصول كاملة والكثير من المشاركات .. اعمل الآن على انزال الفصول التى حذفت .. لكن مشاركاتكم وليكاتكم .. للأسف لا استطيع اعادتها بالرغم من انها غالية جدا لى .. فهى تعتبر جزء من ذكرياتى ..
ارجو منك ومن كل من شارك بتعليق من قبل على اى من فصول الرواية ان يحاول اعادة المشاركة من جديد ..
تحياتى ......


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 11:45 AM   #33

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر

لم تكن غادة في حال جيدة منذ أن شعرت بالذنب تجاه أمها .. وأيضا بسبب ما ذكره أمير عن حقيقة حسام .. فقررت أن لا ترد على اتصالات حسام .. ولكن بعد مرور عدة أيام كانت أمينة تتحسن فيها نسبيا بفعل الدواء والعلاج الطبيعى.. فبدأت حدة احساسها بالذنب تقل شيئا فشيئا .. فضعفت أمام محاولات حسام المتكررة للوصول اليها .. وأخيرا ردت عليه ..
غادة بفتور : ألو ..
حسام بلهفة : غادة .. حبيبتى .. انتى فين .. كام يوم بتصل بيكى .. ليه مش بتردى عليا .. طمنينى انتى كويسة ..
غادة بنفس الفتور ولكن صوته وكلماته حركت مشاعرها قليلا : أنا بخير يا حسام ..
حسام : طيب ليه مبترديش علي ..
غادة : الظروف هنا مش كويسة خالص .. اعذرنى ..
حسام : المهم ان انتى بخير .. مش مهم اى حاجة تانية .. انا كنت حموت من القلق عليكى يا حبيبتي .. طمنينى ايه اللى حصل .. أنا كنت مستنى تكلمينى من يوم ما أتقابلنا ..
غادة : ماما تعبت يومها شوية ودخلت المستشفى ..
حسام وقد بدأ يشعر بالقلق من أن يكون تعب أمينة بسبب ما اكتشفته عنه : لا .. ألف سلامة عليها .. أنا كنت سايبها بخير .. يا ترى ايه اللى حصل وخلاها تتعب للدرجة دى ..
غادة : مش عارفة يا حسام .. أنا رجعت بعد ما اتقابلنا .. بس مقدرتش أتكلم معاها .. كانت فيه حالة وفاة انكل مصطفى صاحب بابا .. وتانى يوم لما رجعت من المدرسة كانت الإسعاف نقلتها للمستشفى .. سكتت للحظة ثم اردفت بحزن .. حصل لها جلطة سببت شلل في الجنب اليمين .. قالتها ثم أجهشت في البكاء ..
حسام بلهفة : ياه .. لا حول ولا قوة الا بالله .. أرجوكى اهدى يا غادة .. أاهدى يا عمرى .. سكت قليلا ثم أردف .. طيب وهى دلوقتى عاملة ايه ؟..
غادة وقد هدأت حدة بكاءها قليلا : الحمد لله بتتحسن ..
حسام : ربنا يطمنكوا عليها .. ساد الصمت بينهما للحظات .. فأردف حسام .. غادة أنا عارف ان الظروف متسمحش انى اسأل .. بس أنا عايز أطمن .. انتى اتكلمتى مع حد في موضوعنا .. أو حد كلمك ..
غادة بضيق : حسام أنا مش في مود يسمح لى بالكلام في الموضوع ده دلوقتى ..
حسام بإلحاح : يا حبيبتى .. أنا آسف انى بسأل .. بس القلق حيموتنى .. أنا بس عايز أطمن مش أكتر ..
غادة بتردد : أنا بصراحة حاسة بالذنب .. حاسة اللى حصل لماما بسبب علاقتنا ..
حسام : مش فاهم .. ليه بتقولى كده .. مال علاقتنا ومال اللى حصل لمامتك .. انتى بتقولى انك رجعتى تانى يوم من المدرسة كانت الإسعاف نقلتها للمستشفى .. يعنى هي تعبت تانى يوم يا غادة .. لو السبب أنا ولا انتى كانت تعبت في يومها .. أرجوكى متحمليناش ذنب مش ذنبنا ..
غادة بتردد : أيوة يا حسام .. بس الكلام اللى قاله لى أمير وعرفته هي منك .. أقصد .. مش مهم .. يا ريت منتكلمش في الموضوع ده دلوقتى .. اللى حصل .. حصل .. قدر الله وما شاء فعل ..
حسام باصرار على أن يعرف ما دار بينها وبين أمير .. والأهم ما هو رأيها فيما سمعته من أمير عنه : ايه الكلام اللى قالوا أمير يا غادة ..؟

غادة وهى تنظر الى السقف .. تود الهرب من الإجابة وتريد غلق الموضوع بأى طريقة .. فقالت بغضب وبصوت حاد نوعا ما : قلت لك يا حسام أنا مش في مود يسمح لى بفتح الموضوع ده .. ياريت نأجل الكلام فيه لحد ما أطمن على ماما وأتكلم معاها ..
حسام باصرار : لا بقى يا غادة .. أنا عايز أعرف ايه اللى وصلهولك أخوكى عنى .. بصراحة بقى أنا كنت حاسس انه متحفز لى من اول ماشافنى .. وحتى من غير ما نبدأ الكلام .. الظاهر انى معجبتوش وحابب يبوظ الموضوع ..
غادة بغضب : أرجوك يا حسام متتكلمش عن أمير بالشكل ده .. انت متعرفهوش علشان تحكم عليه ..

أحس حسام بنبرة الغضب في صوتها فقال بهدوء يريد ان يلطف الجو بينهما : أنا مقصدش يا حبيبتى .. بس لو تقولى لى بس ايه اللى قالهولك حتريحينى وتريحى نفسك ..
غادة وقد نفذ صبرها : طيب يا حسام .. طالما انت مصر .. أمير بلغنى انك كدبت على في حاجات كتير ..
قاطعها حسام بمسكنة : أنا .. أنا يا غادة كدبت عليكى ..
غادة بحزم : ممكن تسيبنى أكمل كلامى ..
حسام بهدوء : كملى يا حبيبتي .. كملى أنا سامعك ..
غادة : أولا بالنسبة لعمرك .. انت صحيح عندك تمانية وتلاتين سنة .. مش اتنين وتلاتين زى ما قولتلى قبل كده ..
لم يرد حسام .. فتابعت غادة .. ليه مش بتجاوبنى ..
حسام بنفس الهدوء : كملى يا غادة كل اللى قاله وانا حجاوبك في الآخر ..
غادة : ماشى يا حسام .. وبالنسبة لشغلك .. هل انت فعلا مندوب مبيعات في الشركة ولا شريك فيها .. وبالنسبة للسكن .. انت فعلا ساكن في حى شعبى مش في فيلا زى ما قلتلى قبل كده ..
سكتت غادة وصدرها يعلو ويهبط من الانفعال ومن سرعة دقات قلبها .. بعد أن قالت جميع ما علمت عنه .. فساد الصمت بينهما طويلا .. فاردفت غادة .. أنا خلصت كلامى يا حسام .. لو حابب تتكلم .. أنا سمعاك ..
حسام وهو يحاول أن يجد وقتا ليبحث عن مبررات : ياترى يا غادة لو اتكلمت حتصدقينى ..
غادة بثبات : حصدقك يا حسام لو قلتلى الحقيقة ..

حسام وقد جذب طرف خيط الاقناع بعد ردها هذا : كل اللى ذكره أمير صحيح .. بس فيه خلفيات محدش يعرفها .. وعلشان طريقتهم معايا كانت هجومية وكانوا جايين متحفزين لى معرفش ليه .. مكنش فيه فرصة أشرح لهم الخلفيات دى .. وبالتالي الصورة ظهرت لك انى كدبت عليكى .. بس صدقينى همه لو كانوا عطونى فرصة اشرح لهم الأمور اللى مش واضحة لهم مكنش حيبقى فيه سوء الفهم اللى حصل ده يا حبيبتي ..

سكت حسام لعلها تقول شيئا آخر أو يسمع منها نبرة تشجعه على أن يبرر كذبه عليها بطريقة سهلة .. فتكلمت هي بالفعل لتقول بنبرة حانية .. طيب ايه الخلفيات دى يا حسام .. أنا حابة اسمعها منك ..

في هذه اللحظة علم حسام أنها مستعدة لتصديقه .. مستعدة لتكذب على نفسها حتى لو كذب عليها هو مرة أخرى .. فهناك من النساء والفتيات يفضلن ان يصدقن الكذب على فقد الحبيب ..
حسام بنبرة حانية : لو تفتكرى يا غادة بداية كلامنا مع بعض على الجروب مكناش نعرف بعض ولما قلتى لى أن عمرك سبعتاشر سنة محبتش انفرك منى .. علشان كده قلت لك عمر أقل من عمرى .. وبعد كده لما علاقتنا اتطورت .. صدقينى .. أنا نسيت موضوع السن ده تماما.. ولو كنت افتكرته .. كنت صارحتك بيه .. لانى متأكد انه مش حيكون عائق أبدا .. لان مشاعرنا أصبحت هي المحرك لقرارتنا بعد الحب الكبير اللى سكن قلوبنا .. وبعدين في العموم موضوع فرق العمر ده شيء غير جوهرى بالمرة في الارتباط والدليل على كده زواج الرسول من السيدة عائشة .. واكيد انتى عارفة فرق السن بينهم كان كبير ازاى ..

هنا كانت غادة تسمعه بقلبها لا بعقلها .. فقالت .. طيب وبالنسبة للشغل ؟
حسام : الموضوع بسيط يا ستى ..أنا فعلا في البداية كنت مندوب مبيعات في الشركة .. بس بعد كده أصبحت شريك فيها بعد ما نجحت انى اعمل صفقات كبيرة للشركة .. كانت عمولتى فيها كبيرة جدا .. بس أنا محبتش أغير الوظيفة اللى في البطاقة الا لما ييجى ميعاد تجديد البطاقة ..
ازدادت ثقة غادة به .. فقالت بحب وهيام : وموضوع السكن يا حسام .. انت عارف انهم صعب يقبلوا إنى اسكن في حى شعبى ..
حسام بثقة : يا غادة متقلقيش أبدا من الموضوع ده .. أوعدك انك مش حتعيشى معايا غير في فيلا .. أنا فعلا كان عندى فيلا .. بس بسبب ظروف في الشغل اضطريت انى ابيعها علشان صفقة كبيرة في الشغل .. وأول ما نجمع فلوس الصفقة دى حرجع الفيلا تانى باذن الله ..

صدقت غادة كل أكاذيب حسام أو بمعنى أدق .. كذبت على نفسها كى لا تخسره .. ورجع قلبها يدق بحبه من جديد .. وانهيا المكالمة بوعد منها ان تتمسك به مهما عارض أي من أهلها هذا الارتباط ..........

-------------------------------------------------------

كانت اجلال في تلك الأيام تعانى أشد المعاناة بين العمل المرهق في المشفى وبين محاولاتها لتوفير اى مبلغ من المال كى تؤسس أثاثا للشقة التي استأجرتها هي وخالتها .. فكانت تقبل أن تأخذ ساعات عمل أكثر من زميلاتها على أن تعوض منهم بالمال .. فاستطاعت خلال ثلاثة شهور أن تشترى بعض الضروريات فقط لكى تستطيع العيش بالشقة ..
فى أحدى الأيام استوقفها رجل بالمشفى يبدوا عليه الوقار وعلى مايبدو كان في منتصف عقده الخامس .. كان يسألها عن مكتب مدير المشفى .. فأجابته اجلال دون أن تنظر اليه .. وعندما همت واستدارت لتسير في طريقها ناداها بأسمها .. فتعجبت واستدارت لتنظر اليه .. فاذا هو استاذها في معهد التمريض .. الدكتور عبد القادر .. فقالت له باندهاش : دكتور عبد القادر .. مش معقول .. ايه المفاجأة الحلوة دى .. ياه .. أنا مش مصدقة نفسى انى واقفة ادام حضرتك ..
كانت اجلال سعيدة للغاية بأن ترى دكتور عبد القادر مرة أخرى منذ أن تخرجت من المعهد .. وكان هو أيضا سعيد بأن يقابل احدى طلابه .. فرد عليها مبتسما : ازيك يا اجلال .. انتى بتشتغلى هنا ..
اجلال بحماس : أيوة يا دكتور ..
عبد القادر مبتسما : يعنى حنبقى زملا ..
اجلال بسعادة : معقول يا دكتور .. حضرتك حتشتغل معانا هنا في المستشفى ..
عبد القادر بجد : أيوة يا ستى .. أنا رجعت من السعودية بعد اعارة سبع سنين كنت بدرس فيهم هناك .. ورجعت من فترة بسيطة بعد ما اتوفت مراتى من حوالى سنة .. .. تنهد ثم اردف .. كان لازم ارجع علشان اراعى بنتى آيه ..
اجلال بحزن : البقاء لله يا دكتور .. والبركة فيك ..
عبد القادر : الحمد لله على كل شيء .. يارب تكون ارتاحت بعد اللى عانيته من مرض .. ياللا .. أنا دوشتك .. أشوفك بعدين ..

غادر عبد القادر الى مكتب مدير المشفى وظلت اجلال تنظر اليه شاردة في حال الدنيا .. وكم هي صغيرة .. فها هي تلتقى من جديد مع أستاذ لها كانت تحبه وتجله كثيرا .. اليوم ربما تكون مساعدة له في مشفى واحد ..
طرق عبد القادر على باب مدير المشفى .. الدكتور سامى .. ثم دخل عليه بعد ان سمع كلمة "ادخل" .. وما أن رآه سامى الا ورحب به ترحابا شديدا .. هم كانوا زملاء ولكن كان سامى يسبقه في الجامعة بثلاث دفعات ..

بعد أن انهيا الترحاب واسترجاع بعض ذكريات الدراسة .. عرض سامى على عبد القادر أوقات العمل كى يختار منها ما يناسب جدوله .. فاتفقا على المواعيد .. ثم سأله عبد القادر عن ممرضة ذات كفاءة لتساعده في عيادته الخاصة .. فعرض عليه بعض الأسماء لم يكن من بينها اسم اجلال .. فقال له عبد القادر : ماذا عن اجلال ؟
سامى بتعجب : أنت تعرف اجلال منين يا دكتور ..
عبد القادر : كانت تلميذتى في المعهد .. ولسة مقابلها قبل ما ادخل لك ..
سامى : هي ست كويسة .. بصراحة شغلها ممتاز .. ثم سكت للحظة مترددا .. بس بصراحة مش عايز يجيلك مشاكل بسببها ..
عبد القادر بتعجب : مش فاهم .. تقصد ايه ..
سامى : شوف يا عبد القادر .. اجلال صحيح شغلها مفيش عليه غبار .. وكمان سمعتها كويسة وعمرنا ما سمعنا عنها حاجة وحشة .. بس بصراحة طليقها ممكن يسبب لك مشاكل .. هو صحيح مسجون حاليا .. بس محدش يعرف هو ممكن يعمل ايه حتى لو كان في السجن .. علشان كده منصحكش بيها ..

لم يرغب عبد القادر أن يسمع من سامى عن اجلال أكثر مما قال وفضل أن يستمع منها هي شخصيا .. لذا لم يعقب وأكمل المقابلة في الحديث عن العمل وظروف المشفى ثم خرج من مكتب سامى ليتوجه الى مكتبه الجديد ليعاينه قبل أن يبدأ عمله في المشفى بعد يومين .....
وصل المكتب وعاينه وقبل أن يغادر طلب من أحدى التمرجيات أن تستدعى اجلال الى مكتبه ....

مرت دقائق قبل أن تطرق اجلال باب مكتب عبد القادر لتدخل بهدوء بعد ان سمح لها بالدخول ..
عبد القادر : أهلا يا اجلال .. اتفضلى .. عايز أتكلم معاكى شوية..
اجلال بترحاب : تحت أمرك يا دكتور .. اتفضل ..
عبد القادر بوجه باش : احكى لى عن نفسك شوية .. عاملة ايه في حياتك .. اتجوزتى ولا لسة .. ويا ترى عندك ولاد ..
أطرقت اجلال بوجهها الى الأرض وسكتت قليلا ثم قاللت بحزن : اتجوزت يا دكتور واطلقت .. والحمد لله ان ربنا مكتبليش منه ولاد .. أنا عايشة دلوقتى مع خالتى ..
عبد القادر : هو نفس الشخص اللى كان بييجى لك عند المعهد ؟
تعجبت اجلال من كون عبد القادر مازال يتذكر عاطف .. ولكنها ردت بأسف : ايوة .. هو يا دكتور .. حضرتك لسة فاكره ..
عبد القادر مبتسما بسخرية : طبعا فاكره يا اجلال .. هو ده يتنسى .. انتى نسيتى انه كان حيتخانق معايا يوم ما حاولت امنعه من مضايقتك .. يوميها أنتى قلتى لى انه قريبك .. هو صحيح قريبك ؟
اجلال بخجل: خاله كان متجوز خالتى وقتها .. بس هي كمان اتطلقت منه ..
عبد القادر : طيب وانتى اطلقتى منه ليه .. فلما سكتت .. اردف عبد القادر .. متشتغربيش من فضولى واسألتى يا اجلال .. انا حقول لك بعدين ليه أنا مهتم وبسأل كل الأسئلة دى ..
ردت اجلال : لا أبدا يا دكتور حضرتك استاذى .. وتسألنى زى ما انت عايز .. ثم قصت عليه اجلال قصتها مع عاطف منذ طفولتها عندما اضطرت للعيش مع خالتها وزوجها بعد الزلزال الذى راح فيه عائلتها من بدايتها الى نهايتها وبالطبع تضمنت القصة سبب سجنه بعد أن طلقها ...
كان عبد القادر يسمعها باهتمام غير مصدق ما مرت به في حياتها منذ طفولتها وحتىى تم طلاقها من عاطف .. وعندما انهت كلامها قال لها بهدوء : تحبى تشتغلى معايا في عيادتى يا اجلال .. ؟

نظرت اليه اجلال باندهاش غير مصدقة عرضه خصوصا بعد ما قصته عليه وعلم من قصتها .. كيف ولماذا يقبل بها لتساعده في عيادته .. فهناك العديد من الممرضات اللآتى يصلحن أكثر منها لهذه المهمة .. فلما هي بالتحديد .. لم تقف كثيرا عند هذه النقطة .. فالمهم هو أنها وجدت طوق النجاة وهو العمل الاضافى .. للحصول على المال اللازم لها ولخالتها ... فقالت له : يا خبر يا دكتور .. طبعا أحب .. ده شرف كبير اوى انى اشتغل مع حضرتك .. أنا تحت أمرك في الوقت اللى تحبه ...
ابلغها عبد القادر بعنوان العيادة التي كانت لم تبعد كثيرا عن المشفى ولكنها كانت بعيدة عن سكنها .. ولكنها لم تهتم لمسألة البعد تلك وما سوف تعانيه في المواصلات من والى العيادة وسكنها .. المهم انها وجدت هذا العمل مع هذا الدكتور المحترم ..
انهت اجلال حديثها مع عبد القادر بأن أخبرها بمواعيد العيادة وعلى وعد أنه سوف يوفق مواعيدها بالمشفى لتتناسب مع مواعيد العيادة .. ولكن بعد فترة من بداية عملها بالعيادة ..
شكرته اجلال كثيرا ثم خرجت من مكتبه وهى في منتهى السعادة .. على موعد للالتقاء بالعيادة في اليوم التالى .............

------------------------------------------------------------------

ظل خالد طيلة الأيام السابقة منذ أن عاد من دفن مصطفى بقلب مقسم الى قسمين قسم مع سلمى يتحدث اليها من وقت لآخر كلما خلا بنفسه .. وقسم مع أمينة التي يشفق على حالهاوفى نفس الوقت يشتاق الى حضنها الذى تعود عليه طوال سنين زواجه بها .. فهو المكان الوحيد الذى ترتاح عليه رأسه ويلقى بكل همومه به .. .. لذا كان يظل بالقرب من أمينة يرعاها .. يحاول أن يتكلم معها أو يعلم منها لماذا تصده هكذا .. لا تريد أن تنظر اليه في كثير من الأحيان .. ولا تتناول دوائها من يده مطلقا .. كانت تنتظر وجود غادة أورنيم أو أشرف لتتناول دواءها أو تقوم بعمل تمارين العلاج الطبيعى بمساعدتهم .. كان في حيرة من أمرها .. لم يكن يعلم انه هو السبب فيما هي فيه .. لذا كان معظم كلامه عندما يتكلم مع سلمى هو عن أمينة .. كان بدون أن يشعر يتحدث عن أمينة وعن صدها له وعدم معرفته لماذا تفعل ذلك معه وهى التي قبل ما حدث لها كانت تشعره بتصرفاتها وكلامها معه أنه هو كل حياتها .. نور عينيها ..وربما روحها التي تسكن جسدها .. وفى طيات ما كان يحكيه خالد عن أمينة وعن حياته معها وكيف سارت .. شعرت سلمى بان خالد يحب أمينة حبا عميقا ولا يدرى .. علمت حينها ان الكلمة التي قالها لها يوم طلبته لتخبره عن مقتل مصطفى .. الكلمة التي انتظرتها سنوات عمرها لم تكن في محلها .. لا توقيتها .. ولا هي من قلبه .. هي فقط كلمة استقرت في ذاكرته .. خرجت من فمه وليس من قلبه .. فقلبه الآن مع أمينة .. نعم .. انتهى حب خالد لها .. استطاع حب أمينة له أن ينهى حبه لها .. الأن هو يحب أمينة .. لان امينة احبته حبا لم تستطع هي أن تحبه لمصطفى .. ببساطة لأن أمينة لم يكن لديها سوى خالد .. فعندما أحبته استطاعت ان تعطيه ما يجبر قلبه على حبها .. حتى وان لم يعلم او يعترف بهذا.. هو يحبها وبشدة .. أما هي .. فهى أيضا كان قلبها مع خالد .. لذا لم تستطيع ان تعطى مصطفى ما أعطت أمينة لخالد .. وكانت النتيجة أن حب مصطفى لها ضعف وتلاشى مع الأيام .. لدرجة انه استطاع أن يطلقها .. بل ويحرمها من تعويض التأمين وأعطاه لمن ساعدوه ووقفوا بجواره بحب وصدق .. ولذا لم تغضب ولم تحقد عليه أو عليهم .. فهى لا تستحق هذا التعويض ولا تستحق أن يموت مصطفى وهى زوجته .. ببساطة لأنها لم تحبه ..

لم تستطع سلمى ان تنكر بينها وبين نفسها ان كلمة حبيبتى التي ناداها بها خالد قد مست قلبها .. حتى وهى في ظرف عصيب كالذى كانت تمر به .. لم تنكر بأن كلمته قد فتحت ولو قليلا باب الأمل لهذا الحب الذى توقف في مهده .. فعاشت بعد انتهاء ازمة موت مصطفى .. وبعد أن نجح النسيان في أن ينهى حزنها على مصطفى شيئا فشيئا .. عاشت على أمل أن تسترجع خالد من جديد .. لكن الآن وبعد مكالمات خالد لها والتي احتلت فيها أمينة المكانة الأعظم تلاشى هذا الأمل من جديد .. علمت سلمى انها لن تستعيد خالد مطلقا .. حتى وان حاول هو أن يعيد ما فاتهم .. فهى ليست على هذا المستوى من الدناءة بأن تكون سببا في تعاسة زوجة مثل أمينة .. زوجة قمة في العطاء لزوجها وعائلتها .. لقد جعلها خالد بكثرة كلامه عن أمينة أن تحترم تلك الزوجة المخلصة اللمحبة لزوجها وبيتها الى هذه الدرجة .. فلن تسمح لنفسها أن تحطم هذا الزواج وتهدم هذا البيت الرائع ..

في الأيام الأخيرة وبعد أن علمت بموضوع تغيير مصطفى لاسم المستفيد من بوليصة التأمين انتابها الحزن والاكتئاب على حالها .. خصوصا في ظل الوحدة القاسية بعد ان يهجرها أولادها الى المهجر .. لمن تعيش .. وكيف تحيا ..

جلست ذات يوم بعد ان استيقظت من نومها .. جلست تنظر لنفسها في المرآة .. ثم بدأت تتزين .. وكان قد مضى على آخر مرة تتزين فيها سنوات كثيرة قد جهلت عددها .. وبعد أن انهت زينتها أخذت تمشط شعرها .. نظرت الى نفسها فوجدت نفسها لا تزال جميلة .. لا تزال تتمتع بأنوثة طاغية .. شعرت انها قد ضيعت نعم كثيرة قد وهبها الله لها بحبها لخالد .. احست أن خالد ليس الا الشجرة الوحيدة التي احجبت عنا بقية الغابة .. اعترفت في نفسها انه حتى وان ظلت تحبه طوال عمرها .. وربما الى الآن .. فما كان يجب عليها أن تضيع حياتها وحياة زوجها وأولادها كما فعلت .. لقد أهملتهم وأهملت نفسها بسبب هذا الحب .. لقد أخطأت فى معاملتها مع مصطفى ولم تعطيه وتضحى من اجله كما تفعل الزوجة المحبة الوفية .. لقد ظلمته بان وافقت على الزواج منه وقلبها مشغول بغيره .. بل بصديقه .. وظلمت أبنائها .. فم تعلمهم معنى وأهمية الوفاء والولاء للأقربين وخصوصا والديهم .. فكبروا على حب النفس والجحود ..

نظرت الى نفسها ثم سمعت في داخلها كلاما يتردد منها اليها .. كفى فشلا .. كفى يا سلمى .. كفى حزنا وبكاءا على اللبن المسكوب .. لا تنظرى خلفك .. لابد من بداية جديدة .. فلتبحثى عنها .. فلتبحثى ..

------------------------------------------------------------

ذات يوم رن تليفون خالد .. نظر الى رقم الطالب وابتسم ثم فتح الخط : ألو .. أمير حبيبى .. انت عامل ايه؟
أمير : بابا .. انتم واحشنى أوى .. طمنى عليكم وعلى ماما وغادة ..
خالد : احنا بخير يا حبيبي .. المهم أنت كويس ..
أمير بحزن : أنا كويس يا بابا .. كويس .. متقلقش على .. هانت .. ادعى لى الشهور الباقية تمر بسرعة على خير .. ..
خالد : على خير يا بنى .. على خير .. بس مش عارف .. حاسس ان صوتك حزين .. فيه حاجة يا أمير .. محتاج حاجة ..
أمير محاولا أن يدارى حزنه : مفيش يا بابا .. صدقنى مفيش .. انتم بس وحشتونى قلت أطمن عليكم .. ماما عاملة ايه دلوقتى .. اتحسنت يا بابا ؟
خالد : بتتحسن يا أمير .. الحمد لله العلاج جايب نتيجة كويسة لغاية دلوقتى .. كلامها اتحسن كتير عن الأول وقدرت تتحرك وتروح الحمام لوحدها .. ان شاء الله مع العلاج ح ترجع زى الأول واحسن ..
أمير : الحمد لله .. بابا .. الله يخليك خللى بالك من ماما .. دى بتحبك اوى .. انت مش ممكن تلاقى حد يحبك ادها ..
خالد بقلق: انت ليه بتوصينى على أمك بالشكل ده يا أمير .. هو أنا يا بنى حصل منى حاجة نحيتها ..
أمير : أبد .. ابدا يا بابا .. بس هي محتاجاك اكتر من اى حد في الدنيا ..
بدأ خالد يشعر أن أمير يعلم شيئ هو لا يعلمه عن أمينة فقال له بود : اسمع يا أمير .. انا عايز أقول لك عن حاجة يابنى يمكن انت تقدر تجاوبنى عليها ..
أمير بقلق: حاجة ايه يا بابا .؟
خالد : أمك يا أمير .. أمك متغيرة معايا .. مش هي دى أمينة اللى أنا عارفها .. دى مش راضية تتكلم معايا ..ولا حتى بتبص لى .. كانى واحد غريب عنها .. دى كأنها بتكرهنى .. مش ممكن تكون هي دى أمينة ..

لم يرد أمير على ماسمع وتردد أن يقول لابيه السبب حتى قطع خالد أفكاره متسائلا : انت تعرف ليه هي بتعمل معايا كده يا أمير .. ارجوك يا بنى لو تعرف حاجة تقولها لى .. ارجوك .. أنا عارف انك أقرب اخواتك لها ..

لم يستطع أمير أن يسكت أكثر من ذلك لانه أحس أن حياة والديه أصبحت على المحك .. فقرر أن يقول له الحقيقة لعله يستطيع ان يصلح ما افسده فقال بتلعثم : بصراحة يا بابا .. ماما سمعت مكالمتك مع طنط سلمى مرات انكل مصطفى وهى بتبلغك خبر وفاة انكل مصطفى .. سمعتك بتقولها يا حبيبتي .. أنا كمان يا بابا كنت واقف جنبها وسمعت مكالمتك مع طنط سلمى ..

تسمر خالد مكانه وظل صامتا ساكنا من هول ما علم .. هو نفسه لم يكن يعلم أنه قد تلفظ بما قال .. لقد علم من أمير للتو .. ولكنه لم ينكر بينه وبين نفسه أنه من الممكن أن يكون قد قالها .. فهو يتذكر الآن كم كانت لهفته على سلمى حين حدثته تبكى .. ربما شوقه وحنينه اليها وولعه بها في تلك اللحظة قد فاق ألمه وحزنه وفجيعته على مصطفى ..
أمير بعد ان احس انه القى لوالده بقنبلة زلزلته : بابا .. انت سامعنى ..
رد خالد بصوت خافت : ايوة .. ايوة يا أمير سمعتك .. اقفل دلوقتى يا أمير .. ح اكلمك يا بنى كمان شوية .. اقفل دلوقتى يا حبيبى ..

أحس أمير أنها فرصة ليتخلص مما بقى فوق كاهله من أمر غادة فرد سريعا قبل أن يغلق والده الخط ولكن بتردد: اسمعنى يا بابا .. فيه موضوع تانى كنت عايز اكلمك فيه .. موضوع مهم .. موضوع ميحتملش التأخير ...

تنبه خالد من شروده عندما ابلغه أمير بأهمية الموضوع الذى يريد أن يحدثه فيه فقال له : خير يا أمير موضوع ايه ؟
أمير : غادة .. غادة يا بابا ..
خالد : مالها غادة يا بنى .. ؟
أمير : غادة اتعرفت على شخص عن طريق النت وبتتكلم معاه .. والشخص ده مش كويس يا بابا .. انا قابلته .. أنا وماما .. الشخص ده أكبر منها بكتير .. شخص مش ساهل بالمرة .. وغير مناسب لها من كل النواحى .. قدر يقنعها بيه .. وهي متعلقة بيه ..يا ريت حضرتك تقرب منها اليومين دول وتحميها منه .. انت الوحيد فينا اللى ممكن يقنعها انه مش مناسب لها .. أنا حاولت معاها بس حسيت انها مش مقتنعة بكلامى .. ماما كانت حتحكى لك عن الموضوع ده .. بس للأسف يوم مارجعنا من مقابلته سمعنا مكالمتك مع طنط سلمى وبعدين حصل اللى حصل ..
كان خالد يستمع اللى امير وهو في ذهول مما يقول .. الهذه الدرجة ابتعد عن اسرته ..حتى عن غادة ..
رد خالد بهدوء : طيب يا أمير يا حبيبى .. شكرا انك بلغتنى بكل الأمور دى .. متشغلش بالك انت أنا ح اتصرف واصلح كل شيء .. مع السلامة انت دلوقتى .. انا محتاج اجلس مع نفس شوية علشان اعرف اتصرف واصلح كل شيء ..
أمير : مع السلامة يا بابا .. ح اكلمك وقت تانى اطمن عليكم ..
خالد : طيب يا حبيبى .. مع السلامة ...

جلس خالد بعد مكالمة امير يفكر فيما حدث .. وكيف كان هو السبب فيما حدث لأمينة وكيف يصلح ما افسده .. كيف يستعيد حب وثقة أمينة .. كيف يداوى الجرح العميق الذى سببه لها .. هي لا تستحق منه ما جعلها تمر به من صدمة أوت بها لهذا التعب وتلك الإصابة .. ثم فكر في غادة .. كيف يفاتحها في الموضوع .. وكيف يقنعها بان هذا الشخص غير مناسب لها .. لم يكن يعلم عنه شيئا .. ولكن يكفيه على الأقل حاليا رأى امير فيه .. لا بد أن يتعرف على هذا الرجل .. بل ويعلم عنه كل شيء قبل أن يتقابل معه حتى يخرج ابنته من هذه العلاقة بدون أن تنجرح هي الأخرى في مشاعرها الرقيقة التي بدأت تتفتح بها على الحياة كمراهقة في بداية مشروع حب ..

--------------------------------------------------------------------

كان توفيق في تلك الأيام يبذل قصارى جهده للتقرب من سلمى .. فتارة يكلمها تليفونيا .. وأخرى يفاجأها بأنه قريب من بيتها أو محل عملها .. يريد أن يقابلها .. يحاول أن يجلس معها ولو جلسة واحدة ربما يقنعها بالارتباط به .. ولكنها في كل مرة كانت تعتذر له بذوق وهدوء بأنها لن تستطيع أن تجلس معه .. فتارة تقول له انها مشغولة وأخرى تقول له انه لا يصح أن تجلس معه وحدهما في أي مكان .. وثالثة تقول له انها مريضة ولا تستطيع الخروج .. كانت لا تعطيه الفرصة كل مرة لعله يفهم ويكف عن محاولاته تلك .. ولكنه فاجئها يوما وطرق باب شقتها وكانت الساعة قد تجاوزت الثامنة مساءا .. ظنت حينها سلمى انه ربما يكون البواب يطرق بابها في أمر ما ففتحت الباب بسلامة نية فوجدته يقف أمامها ممسكا بباقة من الورد ةيبتسم ابتسامة سمجة بلهاء .. فوجئت سلمى بالموقف وتسمرت مكانها لا تعرف ماذا تفعل أو ماذا تقول .. فبادر توفيق بالتحية والكلام : مساء الخير يا سلمى ..

نظرت اليه سلمى وهى فاغرة فاها .. فتلك المرة الأولى التي يتكلم معها بدون ألقاب .. فهو كان معتادا أن يناديها باشمهندسة سلمى .. ولما وجدها لا تزال تنظر اليه مندهشة بادر هو وقال .. ياترى حتفضلى سيبانى واقف كده على الباب .. مفيش اتفضل .. انا جاى لحد بيتك ..
ايقنت سلمى انه قد حان الوقت لانهاء مطارداته لها وان تعلمه انه لا أمل فيما يحاول وانها لن تكون له بأى شكل من الاشكال .. فقالت في هدوء : اتفضل يا باشمهندس ..

دخل توفيق خطوتين داخل الشقة بعد ان كان يغلق الباب خلفه ولكنها بادرت وقالت له : من فضلك .. خلى الباب مفتوح .. أنا لوحدى .. ولا حضرتك نسيت ..
توفيق بحرج وتلعثم: ايوه .. ايوه .. مفهوم ..

رفعت سلمى سماعة الدكتافون ونادت على البواب على مسمع من توفيق: عم حسن .. يا عم حسن .. لم يجاوبها أحد .. فبادر توفيق مبتسما : على فكرة عم حسن البواب مش موجود تحت في العمارة .. لو بتناديه علشان يجيب حاجة .. مفيش داعى .. انا مش غريب يا سلمى ..

نظرت له بضيق .. فها هو يرفع الكلفة مرة أخرى ويناديها بدون القاب .. لم ترد عليه .. وتوجهت الى طاولة صغيرة بجوار كرسى الانتريه والتقطت تليفونها .. ثم نظرت اليه وقالت له .. اتفضل يا باشمهندس .. حضرتك واقف ليه .. اتفضل اجلس .. فأقترب منها توفيق وناولها باقة الورد فأخذتها دون اهتمام ووضعتها على الطاولة وهى تقول : ميرسى .. الباقة دى جت في وقتها .. أنا كنت ناوية أزور قبر مصطفى بكرة .. ميرسى يا باشمهندس وفرت على مشوار لمحل الزهور ..

نظر لها توفيق نظرة غضب .. ولكنه تدارك نفسه بسرعة وابتسم مرة أخرى دون ان يعلق .. فأكملت سلمى وهى تنظر الى الموبايل تطلب رقما : دقيقة واحدة وحكون مع حضرتك يا باشمهندس .. اتفضل استريح ..

جلس توفيق وقد لاحظ معاملة سلمى الرسمية له .. ولكنه تحلى بالصبر ورسم الابتسامىة على وجهه .. لعله ينجح في مهمته ..

أنتظرت سلمى لحظات حتى رد الرقم الذى طلبت .. فقالت في هدوء : مساء الخير يا بسمة .. يا ترى بابا موجود ..
بسمة : أهلا مدام سلمى .. ازى حضرتك .. للأسف .. بابا خرج مشوار وحيرجع بعد نص ساعة .. فيه اى حاجة اقدر اساعد حضرتك فيها ..
سلمى : معلش يا بسمة .. حتعبك معايا .. ممكن لو وقتك يسمح تشرفينى دقايق .. بس يا ريت بسرعة ..

بسمة وقد قضبت حاجبيها تتعجب من طلب سلمى .. فهى لم تحدثها أو والدها منذ يوم دفن مصطفى : أوى .. أوى .. خمس دقايق أغير هدومى وحكون عند حضرتك حالا ..
نظر اليها توفيق وهو يستشيط غضبا ثم قال وهو مطرق الرأس : ياه يا باشمهندسة .. للدرجة دى أنا غريب .. وحضرتك مش مطمنه لى ..

ردت سلمى بذوق شديد : لا .. لا .. يا باشمندس متفهمنيش غلط .. حضرتك مش غريب ولا حاجة .. ده حتى انت كنت من أقرب الناس لمصطفى الله يرحمه .. بس أنت عارف ان ألسنة الناس مبترحمش .. وأنا ست أرملة دلوقتى .. ومحبش حد يجيب سيرتى بحاجة وحشة .. وحضرتك سيد من يفهم في الأصول ..

كانت سلمى تقصد كل كلمة رمته بها للتو .. فهو ليس لديه أي قدر من الأصول أن يزور سيدة أرملة تعيش بمفردها في مثل هذه الساعة .. وبدون ميعاد مسبق .. وهو أيضا كان مقربا لزوجها .. فكيف يقتحم حياة ارملته بعد وفاته بقليل ..
توفيق وهو مازال مطرق الرأس: بس أنا كنت عايز أتكلم معاكى في موضوع خاص .. ومكنتش حابب حد تانى غريب يسمعه ..
سلمى وهى بثبات : بسمة وباباها مش غربا ولا حاجة .. دول أقرب جيران لى أنا ومصطفى الله يرحمه .. وبعتبرهم من العيلة .. يعنى مفيش حد غريب ولا حاجة .. أتفضل يا باشمهندس .. خد راحتك .. يا ترى ايه الموضوع اللى حضرتك حابب تكلمنى فيه وجاى مخصوص له .. ومستعجل لدرجة انك تييجى بدون ميعاد ..

أحس توفيق أن جردل من الماء المثلج قد انسكب فوقه .. فها هي للمرة الثانية توبخه بذوق .. وعندما بادر ليرد .. رنت بسمة جرس الباب المفتوح ثم نادت : باشمهندسة سلمى .. أنا بسمة ..
وقفت سلمى ثم اتجهت الى باب الشقة وهى تقول .. اتفضلى يا بسمة .. تعالى .. مفيش حد غريب ..

كانت بسمة قد وصلت الى مكان تواجد توفيق فنظرت الى سلمى تتسائل بعينيها .. فأردفت سلمى .. أعرفك بالباشمهندش توفيق .. من أعز أصدقاء مصطفى الله يرحمه ..
ردت بسمة وهى ما زالت تنظر الى توفيق وتبتسم نصف ابتسامة : أهلا يا باشمهندس .. تشرفنا ..
أومأ توفيق برأسه محييا بسمة وملامح وجهه تنم عن غيظ شديد بداخله .. فقالت سلمى وهى تبتسم : اتفضلى يا بسمة .. انكل توفيق يا ستى عايزنى في موضوع مهم زى مابيقول ..
نظرت بسمة اليها وهى متسعة العينين .. فاردفت سلمى : بس مكنش ينفع اقابله لوحدى علشان كلام الناس .. علشان كده طلبتك تكونى معايا .. ثم نظرت مرة أخرى الى توفيق الذى بدأ جبينه يتعرق من الموقف الذى وضع نفسه فيه وقالت : اتفضل يا باشمهندس .. يا ترى ايه الموضوع ..
توفيق متلعثما وهو يمسح عرق جبينه بمنديل من القماش أخرجه من جيب الجاكيت .: ياريت لو الآنسة بسمة بس تجيب لى كوب ماء .. أكون شاكر لها ..

نظرت سلمى اليه .. ثم نظرت الى بسمة وقالت بنصف ابتسامة : أه وماله .. أنا آسفة نسيت أسألك تحب تشرب ايه وهمت بالوقوف .. ولكن بسمة أحست بسخافة الموقف فصعب عليها الرجل فبادرت قائلة : حضرتك استريحى يا باشمهندسة .. ثم نظرت الى توفيق وقالت : تحب تشرب ايه حضرتك ..

نظر لها توفيق وكأنها قد القت له بطوق النجاه من الغرقة التي هو فيها .. فقال .. ياريت لو فنجان قهوة مظبوط مع المياه .. أكون شاكر جدا ..
غادرت بسمة الى المطبخ دون أن تنظر الى سلمى وكأنها تتفادى نظرة التوبيخ ..

ساد الصمت بين سلمى وتوفيق حتى استجمع قواه واعصابه .. ثم قال بتردد : سلمى .. اعتقد انتى عارفه أنا جاى ليه النهاردة .. ومكنش فيه داعى للاحراج ده ..
ردت سلمى ببرود : للأسف يا باشمهندس .. أنا مش عارفة بصراحة سبب الزيارة .. يا ريت حضرتك توضح أكتر ..
توفيق محاولا الهدوء :.. انتى عارفة مشاعرى بالنسبة لك من زمان .. ومن قبل جوازك من مصطفى الله يرحمه وأنا كنت عايز ارتبط بيكى ..

ردت سلمى بنفس الهدوء : ومن بعد جوازك كمان يا باشمهندس .. وأنا أيامها رفضت طلبك .. ما علينا .. وايه المطلوب دلوقتى ..
توفيق مبديا بعض الحنان : سلمى .. انتى دلوقتى ست وحيدة .. ومحتاجة راجل جنبك .. وأنا لسه بحبك وأتمنى ..

قاطعته سلمى بحزم : تتمنى .. تتمنى ايه يا باشمهندس .. أنا فعلا ست وحيدة .. بس أنت مش وحيد .. أنت عندك زوجتك .. وأولادك .. وحتى لو معندكش حد .. أنا جوابى زى ماهو .. متغيرش ومش حيتغير يا باشمهندس ..

توفيق بنفس نظرة الاستجداء : بس أنا بحبك .. بحبك يا سلمى وعمرى ما نسيتك .. وبالنسبة لمراتى .. بصرف النظر عن انى عمرى ما حسيت نحيتها بالمشاعر اللى بحسها نحيتك .. بس الشرع محلل لى أكتر من زوجة .. ولا انتى حتحرمى الشرع ..
سلمى : لو الشرع محلل لك الف زوجة .. تأكد يا باشمهندس انى عمرى ما ح أكون واحدة منهم ..
توفيق بحزن : ياه يا سلمى .. لللدرجة دى
سلمى بحزم : اسمى باشمهندسة سلمى .. من فضلك مترفعش التكليف بينا ابدا .. ده لو اتقابلنا تانى بعد كده ..
توفيق : أنا مش عارف انت بتكرهينى للدرجة دى ليه .. أنا عملت لك ايه ..

سلمى وهى في أوج ضيقها وعصبيتها منه .. تتذكر كيف تغير فيها خالد من ناحيتها .. بعد اللحظة التي دخل عليها هي وتوفيق المكتب وكانت هي خارجة بغضب من المكتب .. كانت على يقين أنه قد بث في عقله سما جعله يتغير من ناحيتها .. فردت عليه : الراجل اللى يسمح لنفسه بتشويه سمعة بنت بريئة في أول عمرها لمجرد انها رفضت انها تتجاوب معاه في قذارته أو حتى لمجرد انها رفضت الارتباط بيه .. يستحق انه يتكره يا باشمهندس .. والراجل اللى يسمح لنفسه انه يدخل بيت صاحبه وصديق عمره علشان يغازل مراته في الرايحة والجاية .. وخصوصا لما يكون صاحبه ده قعيد .. يستحق أنه يتكره يا باشمهندس ... والراجل اللى يخون مراته ويروح يتقدم لواحدة تانية من وراها .. يستحق انه يتكره يا باشمهندس .....

نظر اليها توفيق وهو متسع العينين مما قالت .. ثم أطرق برأسه ينظر الى الأرض بعد أن علم سبب كرهها له .. معتقدا أن خالد قد واجهها بما قاله عنها وقتها .. ايقن انه لا أمل في محاولته معها .. وانه سوف يفتح مواضيع وجروحا ظن ان الجميع قد نسيها .. هم واقفا وتحرك خطوتين الى الباب بدون كلام في لحظة دخول بسمة بالقهوة والماء وهى تنظر اليه ثم تنظر الى سلمى التي كانت ناظرة امامها وصدرها يرتفع وينخفض من الانفعال .. فنظر لها وتوجه الى الباب .. فسمع صوت سلمى ينادى: باشمهندس .. من فضلك لحظة .. فوقف توفيق متسمرا في مكانه نصف تفكيره يأس والنصف الآخر أمل .. فتوجهت اليه سلمى ببوكيه الورد حتى وصلت اليه فدفعته الى يده بقوة .. اتفضل خد الورد بتاعك معاك .. مصطفى الله يرحمه ميشرفهوش بوكيه ورد انت شاريه يتحط على قبره .. مصطفى كان أنقى وأطهر من كده ...

خرج توفيق من باب الشقة بعد أن أغلقه بعنف لا يقصده .. فأنهارت سلمى على اقرب كرسي في نوبة من البكاء والنحيب .. كأنها قد أخذت بثأرها وثار خالد ومصطفى من هذا الصديق الخائن للجميع ..

أقتربت منها بسمة تربت على كتفها بحنان وقد سمعت الحوار الذى دار بينهما واستنتجت شيئا مما حدث في الماضى .. ولكنها احترمت خصوصيتها فأقتربت منها وركعت أمامها على ركبتيها وأخذتها بين ذراعيها .. فارتمت سلمى في حضنها لا تمتلك نفسها من الاجهاش في البكاء ..وهى تقول : متسيبونيش يا بسمة .. من فضلك اسألوا على وزورونى من وقت للتانى ..
ضمتها بسمة بقوة أكثر وهى تقول بلهفة : أبدا .. أبدا .. يا مدام سلمى .. مش حنسيبك وحنفضل جنبك دايما


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 11:51 AM   #34

yamr

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية yamr

? العضوٌ??? » 152736
?  التسِجيلٌ » Jan 2011
? مشَارَ?اتْي » 682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » yamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond reputeyamr has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
نكتشف گمْ كُنّا حمقَى حينَ تَسقُط الأقنعة عن أشخاصٍ ،،كُنّا نَظنّهُمْ أصدقاء واحبه، فتحنا قلوبنا لهم يومًا !..وبگينا لأجلهم , وتقرّبنا منهم , وأعطيناهم أوقاتنا !!طيبَتنَا تَقْتُلْ ...! وأنتهت الحكاية .
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mamdouh el sayed مشاهدة المشاركة
للأسف حدث شيء بالمنتدى ومعظم الروايات قد فقدت فصول كاملة والكثير من المشاركات .. اعمل الآن على انزال الفصول التى حذفت .. لكن مشاركاتكم وليكاتكم .. للأسف لا استطيع اعادتها بالرغم من انها غالية جدا لى .. فهى تعتبر جزء من ذكرياتى ..
ارجو منك ومن كل من شارك بتعليق من قبل على اى من فصول الرواية ان يحاول اعادة المشاركة من جديد ..
تحياتى ......
قدر الله وماشاء فعل
بقالي يومين بحاول أدخل المنتدي وبعد كده عرفت انه عطلان
بالفعل انا رجعت أعمل لايك لكل الفصول اللي فاتت وان شاء الله
احاول أعمل مشاركات عن الرواية والأبطال


yamr غير متواجد حالياً  
التوقيع
<a href=https://im66.gulfup.com/lwHLZZ.jpeg target=_blank>https://im66.gulfup.com/lwHLZZ.jpeg</a>
رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 10:18 PM   #35

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل السادس عشر

البدايات الجديدة
الفصل السادس عشر

مر أسبوعا قبل أن يقرر أيمن عمل العملية الجراحية لإزالة الجزء المصاب من القولون .. كان يعلم أنها عملية ليست بالسهلة .. ولكن الأطباء قد طمأنوه أنها قد أجريت للعديد من الناس وأن نسبة نجاحها عالية ..

فى تلك الأيام تقرب أيمن من الله كثيرا .. فكان يتردد على نفس المسجد يصلى فيه معظم الصلوات ويلتقى بالشيخ يعلمه الكثير من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة التي تشرح العقيدة وتعاليم الإسلام .. كان يشعر بأنه قد فاته الكثير في سنوات عمره الماضية التي قضاها في لهو وعبث ليس من ورائه طائل .. بل كان في كل مرة يقوم بلهو أو عبث ما .. انما كان يزيد من الظلمة التي كانت تعيشها روحه .. (كان شيخه يخبره أن الجسد ما هو الا وعاء للروح .. الجسد من عالمنا .. خلق من طين الأرض يحمل صفاتها وسلوكيتها .. فتجد انسان طيب جسده يحمل من طين الأرض الصالحة لانبات الخير أكثر من الحجر النارى الذى يحمل في صفاته النار والشر .. أما الروح فهى من عالم آخر غير عالمنا .. هي لا تشبه عالمنا بشيء .. لا يعلمها الا الله .. لذا كان شيخه يوصيه بان لا يحبس روحه في اطار الجسد .. بل يجب عليه ان يحلق بها في عالم التفاؤل والأمل .. عليه ان يثق بالله في كل خطوة يخطوها .. ان يساعد الجميع ويمنح الحب .. يزرع الخير في كل مكان .. علمه شيخه ان لا راحة لمؤمن الا بلقاء ربه .. ولا يشترط ان يكون اللقاء بعد الموت .. فالصلاة لقاء ، والمناجاة لقاء ، والذكر لقاء ، والتفكير فيما خلق الله لقاء ، والصدقة لقاء ، وقراءة القرآن لقاء ، وبر الوالدين لقاء ، وصلة الارحام لقاء ، والتودد الى الناس لقاء ، والعلم والأدب وقيام الليل وزيارة المريض وتفريج كربات الناس .. كلها لقاءات بالله .. والخلاصة "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" ) (مقتبس) ....

تعلم أيمن انه اذا سلك العبد طريق المعاصى شقيت الروح واذا سلك طريق الطاعات سعدت الروح .. وأن الروح هي سر الحياة التي نعيشها .. سر وضعه الله في جسدنا لا نعلم ماهيته لتصبح هي مصدر السعادة أو الشقاء في هذا العالم الذى نحياه .. فان اشبعت حاجاتها من نور الطاعة لله صرت سعيدا .. وان طمست عليها بظلمة المعصية صرت تعيسا .. لذا أخذ أيمن ينهل من انوار الطاعة وكأنه روحه كانت عطشى الى هذا النور الذى ما لبث أن دخل الى قلبه فأزال الكثير من ظلمة المعصية شيئا فشيئا ..

قرر أيمن أن يذهب لقضاء العمرة قبل أن يعمل تلك الجراحة .. فقد كان يعلم انه ربما يموت .. وهذا احتمال كان يراه وارد وبشدة .. كان لا يزال يخاف من الموت .. يعلم أنه لم يعمل من الطاعات بعد ما يجعل الله يقبله في الصالحين .. نعم .. فبالرغم من أن شيخه قد طمأنه أنه اذا كانت توبته صادقة فحتما قد غفر الله له ذنوبه السابقة .. بشرط ان لا يعود لارتكاب الكبائر مرة أخرى .. كان مرعوبا من الموت وعذاب القبر .. ثم لقاء ربه والحساب ..

لاحظ أشرف التغير الرهيب الذى طرأ على صاحبه منذ ذلك اليوم .. فقد أصبح انسان آخر على عكس ما كان تماما .. فأثر ذلك في أشرف نفسه .. وبدأ يصاحب أيمن في الذهاب الى المسجد .. وزاد قربهم من بعض أكثر من ذي قبل .. ولكن هذه المرة في حب الله وطاعته .. واتفقا على أن يذهبا للعمرة سويا .. كان كلاهما سعيد بتلك الخطوة .. سعيد بخطوة لم يرتب لها أي منهم .. خطوة يتمناها الكثير من الشباب الغافل عن خير الدنيا .. شباب غاص في بحر الغفلة وحب الدنيا والبحث عن السعادة فيما يغضب الرب .. بالرغم من انها تكمن في اتباع أوامره ..
كان أيمن كلما تذكر وصايا ونصائح شيخه .. ويعدد أبواب الخير والطاعات التي تعلمها منه يشعر أن هناك شيء ما ينقصه .. وأن هناك أبواب من الخير والطاعات لم يطرق بابها بعد .. تمنى لو يستطيع فيما تبقى من عمره ان يطرق جميع أبواب الطاعات بقدر مايستطيع .. فقد أحس كم هو جميل طعم طاعة العبودية في إقامة الصلاة فقط أو صيام بعض الأيام كنواف في غير رمضان أو الصدقات التي كان يصرفها ببذخ في ذلك الوقت لعله يزيد من حسنات ميزانه .. لكن لابد ان هناك طعم جميل لكل طاعة يقوم بها .. خصوصا الطاعات التي تخص المعاملات الإنسانية .. فأخذ يعددها بينه وبين نفسه من جديد .. فعلم انه بداية هو قاطع للرحم خصوصا ابيه وامه واخوته من امه .. فقرر أن يبدأ بهم ..

طلب أيمن رقم والدته التي لم يراها منذ ما يقرب من ثلاثة سنوات .. فأيمن منذ طلاق والدته وانفصالها عن ابيه وهو في الثانية عشر من عمره .. كان يرى أن امه هي من كانت مخطئة .. وهى التي فرطت فيه بسهولة في وقت كان هو فيه في أشد الحاجة لها .. فهى التي أصرت على الطلاق .. وكانت تطلبه بشدة في مرات عديدة لم يكن فيه الخلاف بينها وبين والده يصل للحد الذى يتطلب الانفصال .. بل كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها وتطلب الطلاق في اتفه المشاكل .. ولا ينسى يوما تشاجرت فيه مع ابيه وطلبت الطلاق بسبب أنه لم يغير لها السيارة التي لم يمر على شراءها سوى ستة أشهر بسبب أن صديقتها قد اشترى لها زوجها سيارة جديدة أحدث من سيارتها..

كان أيمن حتى انفصال والديه مرتبط كثيرا بأمه التي حتى لم تتمسك به وتركته وغادرت البيت بمجرد أن طلقها والده .. صحيح أنها ظلت لفترة توده وتهتم باحتياجاته المادية وتوفرها له .. ولكن كل ذلك لم يشفع لها عنده لتركها له ولأبيه بتلك السهولة لتتزوج من صديق والده بعد سنة واحدة من طلاقها من ابيه وتنجب منه ولد وبنت لم يراهم سوى مرات معدودة.. ولكنه الآن قد كبر ويتفهم أكثر .. يتفهم أنه عليه برها ما لم تطلب منه معصية لله .. وعليه أيضا أن يتقرب من اخوته .. ويقوى العلاقة بينه وبينهما .. فهو الأخ الأكبر وهذا واجبه.. لذا طلب رقمها .. ولكنه لم يكن ليغير أسلوب كلامه معها حتى لا يتعرض للتهكم والاستفزاز التي طالما عانى منه كلما حاول تغيير الأسلوب الذى عودته عليه .. فقال بمجرد فتحها للخط : مساء الخير يا مامى ..
لترد عليه زهرة ببرودها المعتاد والذى زاد معه في الآونة الأخيرة .. : معقول .. ايمن بيه اتعطف وبيسأل عن أمه بعد تلات سنين .. أنا مش مصدقة نفسى .. ولا يمكن محتاج حاجة .. اكيد محتاج حاجة .. ولا ايه اللى يخليه يتنازل يكلمنى ..

حاول أيمن أن يتماسك ولا يعلق على تهكمها عليه .. فظل يقول في نفسه انه هو المخطأ وعليه أن يتحملها ويمتص غضبها .. فرد بهدوء وشوق حقيقى اليها في تلك اللحظة : وحشتينى يا أمى .. أقصد مامى ..
هدأت زهرة قليلا لترد عليه بلهفة : وانت كمان يا حبيبى وحشتنى أوى .. عامل ايه يا أيمن ..
أيمن : أنا بخير .. طمنينى عليكى وعلى يارا وسليم .. سكت لحظة ثم قال .. وانكل سالم ..
زهرة .. احنا بخير .. كلنا بخير يا حبيبى ..
أيمن بتردد : كنت عايز أشوفك يا مامى .. يا ترى فيه فرصة قريبة .. أصلى أنا طالع عمرة كمان كام يوم وقلت اننا بقى لنا .. ..... لم يكمل أيمن جملته الا وسمع ضحكة من زهرة وهى تقول : ايه .. عمرة .. أيمن ابنى طالع عمرة .. وده من ايه ان شاء الله .. انت عيان يا حبيبى ولا حاجة ....!!!!!
أيمن بضيق : تحبى نتقابل ولا مشغولة ووقتك مش حيسمح ..

أحست زهرة ببعض الخجل من طريقتها .. فردت ببطء وتلعثم : سورى يا أيمن .. بس بصراحة مش متصوراك في ملابس العمرة اللى بيلبسوها دى .. بصراحة مش لايقة عليك .. عموما اعمل اللى يريحك طالما انت حابب تجرب .. ما انت طول عمرك بتاع تقاليع وتجارب .. بس للأسف انا مش حقدر اشوفك قريب يا حبيبى .. اصل احنا في باريس وادامنا شهر علشان نرجع .. عموما أنا حكلمك أول ما نرجع من باريس .. مش عايز برفانات أو أي شيء من هنا .. سكتت لحظة ثم قالت .. بقولك ايه يا أيمون .. ما تسيبك يا حبيبى من العمرة بتاعتك دى وتعالى قضى لك كام يوم معانا هنا في باريس .. الجو هنا تحفة اليومين دول .. وبالمرة تعمل الشوبنج اللى انت عايزه بنفسك ..
أيمن : تمام يا مامى .. ان شاء الله أشوفك لما ترجعى انتى واخواتى .. وأتمنى لك شوبنج .. قصدى وقت سعيد في باريس .. ياللا بقى سلام دلوقتى علشان معطلكيش على الشوبنج بتاعك ..
أغلق أيمن الخط وهو غاضب من طريقة زهرة .. ولكنه حتى يهدأ أقنع نفسه بأنه فعل ما عليه ووصل الرحم في امه ...

في صباح اليوم التالى طلب أيمن والده .. فرد عليه مندهشا .. فها هو ابنه الوحيد يطلبه منذ عدة أشهر لم يسمع فيها صوته ..
أيمن بهدوء ورزانة : ألو .. بابا .. السلام عليكم ..

قطب ابوه جبينه للحظة متعجبا من الهدوء و الرزانة التي لم يتعودها من ابنه ولم يجده عليها يوما ما .. وأيضا القاؤه السلام عليه بهذه الطريقة .. هو لم يعتاد سماع مثل هذا السلام منه .. كان في العادة يحيه ب "هاى بابى" أو "هاى داد" أو "هالو سحس" .. ولكنه لم يقف عندها كثيرا فرد عليه : أيمن .. فينك يا ولد .. مختفى و مبتسألش على داد بقى لك كام شهر .. ولا حتى بترد على تليفوناتى .. طبعا ما هو بابى بالنسبة لك الفيزا كارد .. وطالما حسابك مليان حترد على ليه .. المهم .. طمنى عليك .. أنت كويس ..

غلب الشوق أيمن فقال بصوت مبحوح تخنقه العبرة : واحشنى يا بابا .. ونفسى أشوفك ..
الأب بقلق من صوت أبنه : مالك يا أيمن يا حبيبى .. صوتك مش عاجبنى .. انت فيك حاجة ..
أيمن محاولا التحكم في مشاعره في تلك اللحظة : أنا بخير .. أطمن .. بس عايز أشوفك مش أكتر .. يا ترى ممكن نتقابل ..
الأب : طبعا يا حبيبى .. أنا موجود في الشركة .. لو تحب تييجى دلوقتى .. أنا مستنيك ..
أيمن : تمام .. ادينى ساعة وحكون عندك بأذن الله .. السلام عليكم ..
أغلق أيمن الخط .. ولكن والده ظل معلقا التليفون بين اذنه وبين سطح المكتب .. يفكر في هذه المكالمة التي لم تكن على الخاطر .. ويتعجب من طريقة كلام أيمن .. تلك الطريقة التي لم يتوقع يوما أن تكون في حوار بينه وبين أبنه أبدا ..

مرت ساعة وعشر دقائق ليدخل أيمن شركة والده التي لم يدخلها منذ أكثر من عام مضى ليتذكر آخر مرة زار فيها هذا المكان .. في ذلك اليوم كانت آخر خناقة بينه وبين والده وجها لوجه بسبب رفض أيمن أن يعمل في الشركة لدى والده .. كان يرفض بشدة هذه الوظيفة التي كان يفرضها عليه ابوه في ذلك الوقت .. كانت وجهة نظرة انه لا يريد أن يكون نسخة من ابيه أو امتداد له ككثير من الشباب اليوم والى يعترض على شيء من بديهات الحياة لمجرد الاعتراض واثبات النفس .. أو لشعورهم بنفور من وظائف ذويهم بسبب مشاكل قد عايشوها مع اسرهم .. أو لشعورهم بتفوق والديهم عنهم مما يجعلهم فاقدى الثقة في انفسهم .. وفى نهاية الأمر جميعها أسباب ترجع الى قصور في تربية هؤلاء الشباب ..

أمابالنسبة لأيمن فقد كان في قرارة نفسه يشعر انه غير قادر على أن يحقق ما حققه والده من نجاح .. فكان يهرب من فكرة أن يعمل مع والده فيظهر فشله .. فآثر أن يكون غير مقتنع بالعمل مع والده .. كان يريد أن يبدأ عمله الخاص بنفسه .. يبدأ من الصفر كما بدأ غيره ونجح .. وهذا في حد ذاته ليس بعيب .. لكن المهم هو البداية والتي لم يحاول أيمن أن يبدأها أبدا ورمى بنفسه لغفلة لم يخرج منها الا عندما علم انه مريض ..

أما والده .. فهو قد ورث هذه الشركة من ابيه الذى ورثها هو الآخر من ابيه .. وهى على حالها ..
يسأل نفسه في تلك اللحظة .. لماذا أراد أن يكون صورة غير مكررة من هذا السلسال .. فيجيب نفسه أنه ربما هو في قرارة نفسه كان رافض لسلوكيات هذا السلسال .. لذا رفض أن يخطو خطاهم ..

مرت لحظات قبل أن يفيق من شروده .. فانتبه الى الموظفين الذين كانوا ينظروا اليه بتعجب .. أيمن ابن صاحب الشركة يعود مجددا الى الشركة .. الكثير منهم يعلم بأمر خلافه مع ابيه .. فيا ترى لماذا عاد في هذا التوقيت للشركة .. هل هو قادم للوظيفة التي رفضها من قبل .. هل هو سيحل محل ابيه بعد سنوات قليلة .. فيتحكم فيهم هذا الشاب المستهتر قليل الخبرة .. كانت تدور الوشوشات والهمهمات وهو في طريقه الى مكتب ابيه يحييهم ويحيونه .. منهم من يحيه بصفاء نية وود خالص .. ومنهم من يحييه بايماءة وابتسامة صفراء كلها حقد وغيرة ..

وصل ايمن الى مكتب والده فقابل السكرتيرة التي كانت تعرفه جيدا .. وكانت لها معه علاقة عدة أيام سويا أنتهت بعدة لقاءات حميمىة في سريره ثم ملها فتركها بعد أن قتل أمل كان لديها في أن ترتبط به وتكون زوجة له .. زوجة ابن صاحب الشركة .. لتصبح يوما من الأيام زوجة صاحب الشركة بعد أن يرثها أيمن ..

نظر أيمن لها النظرة الأولى .. ليسترجع ماضى أصبح الآن بالنسبة له أليم يتمنى لو أن يمحى من ذاكرته ومن ميزان سيآته .. فقال لها بأدب وهو مطرق الرأس : السلام عليكم آنسة ايمان .. من فضلك تبلغى بابا انى وصلت ..

نظرت اليه ايمان غير مصدقة .. تتذكر هي الأخرى علاقتهم الماضية فتنتاب حلقها غصة برؤيته .. ولكن لحرفيتها في العمل لم تظهر أي من هذا التعجب أو الضيق من رؤيته بعد أن أخذ منها ما أخذ وتركها غير مبالى بأمرها.. ولكنها تقر في قرارة نفسها أنه لم يغصبها على ذلم الأمر .. بل هي التي كانت تتقرب اليه بكل الوسائل حتى تنال رضاه .. ولو على حساب أشياء كثيرة تبدو لغيرها ثمينة .. لم تظهر ايمان تعجبها لا من رؤيته بعد هذا الوقت الطويل .. ولا من طريقته الجديدة .. فهى كانت معتادة منه التهريج والمرح .. ولا بأس بمد الأيدى وهو يلقى عليها بعض النكات الإباحية.. بل لم تكن معتادة منه الاستأذان للدخول الى مكتب والده سواء كان والده موجود أو غير موجود بالمكتب.. سكتت برهة تنظر اليه وهو مطرق الرأس لا ينظر اليها وذقنه ليست حليقة كعادتها ..لتقول وهى فاغرة فاها : اهلا يا أيمن .. اتفضل .. الأستاذ حسين في انتظارك .. هو مبلغنى انك تدخل له أول ما توصل ..

أيمن : وهو يتوجه الى باب المكتب بهدوء ورزانة لم يعتادها منه أحد في هذا المكان : أشكرك ..
ايمان وهو يضع يده على اكرة الباب وقت اشتاقت لوسامته التي مازال يتمتع بها وتتمنى لو عادت علاقتهم ولو حتى بدون زواج : تحب تشرب ايه ؟
أيمن وهو يلتفت اليها خاطفا نظرة عفوية : شكرا .. مفيش داعى .. أنا مش ح أطول ..
ثم التفت الى الباب وفتحه .. ليجد والده جالسا على مكتبه ينظر في شاشة اللاب توب ..وما أن رآه ابوه حتى قام من على المكتب فرحا برؤيته .. فأسرع اليه أيمن وارتمى في حضن أبيه .. فتعجب ابيه من هذا التصرف الذى لم يفعله معه أيمن منذ بلوغه ربما الثانية عشر من عمره .. ولكنه أحس في نفس الوقت أنه كان في حنين الى ان يضم ابنه الوحيد الى صدره وبشدة ..
بعد لحظات ابعده والده عن صدره برفق ينظر الى عينيه ممسكا بكتفيه .. مالك يا أيمن .. فيك حاجة متغيرة .. انت بخير يا بنى ..

لم يستطيع أيمن أن يغالب دموعه أكثر من ذلك .. ربما انها المرة الأولى التي يناديه والده بكلمة " يا بنى" شعر في هذه اللحظة انه تمنى كثيرا لو كان قالها والده له من قبل كثيرا .. كم هي كلمة جميلة حنونة .. أطيب من كل الكلمات والأسماء التي يمكن أن ينادى بها أب أبنه .. فأجهش أيمن في البكاء بنشيج مسموع .. وارتمى مرة أخرى بين ذراعى ابيه الذى ضمه الى صدره بشدة .. متسع العينين : مالك يا أيمن.. فيك ايه يا بنى .. ارجوك أتكلم .. انت قلقتنى ..
تماسك أيمن بعد لحظات من البكاء ليقول بصوت مبحوح من البكاء : مفيش .. مفيش يابابا .. انت بس كنت واحشنى أوى .. أطمن .. أنا بخير ..

جذبه حسين ليجلس امامه على كرسى من الكرسيين أمام المكتب وجلس هو على الآخر المواجه له .. ثم قال بلهفة : شكلك وتصرفاتك مش هي اللى متعودها منك .. انت خاسس أوى .. انت تعبان ولا فيك شيء .. محتاج شيء ..

نظر أيمن الى والده بعينين مملوئتين بالدموع .. ثم أطرق الى الأرض بنظره قائلا في تثاقل : أنا كل اللى عايزه منك .. انك تسامحنى وترضى عنى ..

حسين بثبات وحزم وهو يرفع وجه أيمن بطرف كفه لينظر اليه : اسمع يا أيمن .. انا حاسس انك شايل هم كبير .. جسمك نازل أوى عن آخر مرة شوفتك فيها .. ودقنك .. انت عمرك ما سبتها بالشكل ده .. صارحنى .. ايه الحكاية ..

كان أيمن مترددا في أن يصارح ابيه بما أصابه .. كان لا يريد أن يحمله شيئا من الخوف الذى يعيشه .. ولكنه في نفس الوقت كان مشفقا على ابيه .. هو يعلم أن ابيه بعيد كل البعد عن طريق الله .. بل كان يشعر في الآونة الأخيرة أنه أقرب للالحاد منه الى الايمان بوجود رب لهذا الكون .. نعم تلك كانت حقيقة ابيه .. لم يكن يجهر بها .. ولكنه لم يترك فرصة نقاش مع أحد الا وبعث في نفس من يناقشه انه رجل ملحد .. لا يصلى .. ودائما يلعن المصليين والملتزمين وينعتهم بالجهل والغباء .. كان لا يصوم .. لا يزكى .. لا يتصدق .. ويسفه من يفعل هذا بحجة انهم ينفقون أموالهم في غير موضعها .. كان ينكر عذاب القبر.. أو وجود حساب أو جنة أو نار في الآخرة ..

لم يكن أيمن يهتم من قبل بما عليه والده من الحاد .. ولم يشغله هذا الأمر من قبل .. لكن الآن .. وبعد أن عرف الطريق الى الله .. لم يكن ليدع ابيه يمضى في طريق الضلال أكثر من ذلك .. ولكن .. كيف يقنعه بوجود الله وكيف يقنعه بالمضى في طريق الحق .. ؟

نظر أيمن الى ابيه وقال في ثبات : أنا طالع عمرة أنا وأشرف صاحبى قريب ان شاء الله .. وقبل أن يكمل ويعرض على ابيه ان يأتي معهم .. سمع ضحكات ابيه تزلزل المكتب وكأنه قد القى عليه نكتة اعجبته كثيرا .. فظل أيمن ينظر اليه في ثبات ووجوم .. حتى سكت ابيه ليعلق بسخرية : انت .. انت يا أيمن طالع عمرة .. عمرة ايه يا حبيبى اللى ح تروحها تلف حوالين شوية حجارة .. انت مصدق نفسك يا أيمن .. طيب قوللى انك طالع تتفسح في اروبا .. تبقى لايقة عليك اكتر .. عمرة .. ها ها ها ..

سكت حسين بعد لحظات من الضحك والسخرية عندما أحس ان أيمن ينظر اليه بنفس الثبات .. الى أن انتهى والده من ضحكه وهو ينظر الى الأرض ملتفتا برأسه يمينا ويسارا متعجبا مما قاله ابنه .. فقال له أيمن : ح ارجع من العمرة بعد أسبوعين علشان ادخل المستشفى استأصل جزء من القولون .. سكت للحظات ثم قال : أنا مصاب بالسرطان ....

دام صمت مدقع للحظات طويلة كلاهما ينظر فيها الى الآخر .. حتى تكلم حسين بتلعثم غير مصدق ما سمع من ابنه للتو : انت قلت ايه ..؟ انت .. عملية .. سرطان .....
أيمن : ايوة يا بابا .. أنا مصاب بورم في القولون ولازم اعمل عملية وبعد كده جلسات علاج كيماوى .. أو اشعاعى .. ومش عارف ان كان مكتوب لى النجاة من العملية دى .. أو حتى من المرض اللى ممكن يعاود تانى أو ينتشر في مكان تانى في جسمى ..

حسين وقد ارتعب من مجرد فكرة فقدان ولده الوحيد : انت بتقول ايه .. ثم وقف مكانه وجذب ايمن اليه ليقف هو الآخر ويضمه اليه بشدة .. وهو يصيح : لا .. لا يا أيمن .. انت مفكش حاجة .. اكيد اللى كشف عليك وقالك كده دكتور مش فاهم .. أنا ح اجهز لك كنسولتو من الدكاترة الكبار يكشفوا عليك من جديد .. وحتى لو عندك حاجة حتسافر للعلاج بره .. ح تتعالج يا بنى .. حتتعالج يا حبيبى وحترجع أحسن مما كنت .. ح تتعالج وحتبقى زى الفل ..

أبعد ايمن والده برفق وهو يقول .. مفيش داعى للدكاترة يا بابا.. انا اتاكدت من اكتر من دكتور كبير .. التحاليل والمنظار أكدوا الحالة .. ومفيش داعى للسفر بره .. أنا مسافر للى في ايده الشفا .. ربنا سبحانه وتعالى .. ح ادعيه عند بته الحرام انه يشفينى .. ويطهرنى من ذنوبىى ويسامحنى ويرضى عنى .. وبعدين أرجع آخد بالأسباب وأعمل العملية ..

انهار حسين على الكرسى بعد أن سمع كلمات ابنه .. وهو يقول : يارب سلم .. يارب اشفى لى ابنى .. وأخذ يجهش في البكاء .................

---------------------------------------------------------------------

ذهبت اجلال الى المشفى كالعادة في الصباح وكانت في ذلك اليوم في قمة نشاطها .. كانت السعادة والأمل تحيطان بها طوال عملها في ذلك اليوم .. كانت تعد الساعات حتى لقاء الدكتور عبد القادر في عيادته مساءا .. تشعر انه قد فتح لها بابا للرزق هي في أشد الحاجة اليه في ذلك الوقت ..

انتهى نصف النهار وقد انهت المرور على المرضى لتنفيذ برنامج العلاج اليومى لكل مريض حسب تعليمات الأطباء المدونة في جدول المرضى .. وجلست لتستريح قليلا قبل سماع أول طلب من احدى أقارب احد المرضى .. رفعت عينيها لتنظر الى المتكلم .. فاتسعت عينيها لرؤية السيدة التي تقف أمامها فاغرة فمها بعد أن رجعت خطوة للخلف عند رؤيتها ..
اجلال وقد شلتها المفاجأة بل الصدمة للحظات : انتى .. انتى جاية تعملى ايه هنا ؟!!

نظرت اليها حنان أخت طليقها عاطف في وجوم .. ولكنها تذكرت آلام أمها المحتجزة بأحدى أسرة عنبر النساء .. فقالت لها بتلعثم : أمى .. أمى يا اجلال محجوزة هنا .. هي دخلت امبارح بالليل .. وهى تعبانة أوى .. أصل الستات اللى معاها في العنبر قالوا لى ان الدوا ما اتصرفش لها علشان هي كانت في الحمام وقت المرور ..

نظرت اليها اجلال بقرف .. لكن واجب وظيفتها وعشرة السنين تحتم عليها أن تتناسى سلوكياتهم معها في الماضى .. فقالت لها : طيب .. روحى انتى وأنا جاية وراكى بالدوا ..
مرت دقائق قليلة قبل أن تصل اجلال الى سرير أم عاطف وكانت حنان قد أقتربت من أمها تكلمها بصوت خفيض .. فلم تهتم اجلال بما كانوا يتحدثون فيه .. فهم في الغالب يتكلمون عنها .. بل ومرعوبون من أن تنتهز اجلال الفرصة لتأخذ بتارها منهم ..

نظرت اجلال الى أم عاطف بعد ان افسحت لها حنان المجال لتقترب منها قائلة بوجه لا يدل على شيء وهى تمسك بيدها لتضع لها جهاز قياس الضغط : سلامتك يا أم حنان .. خير .. مالك .. فيكى ايه ..؟

نظرت اليها أم حنان نظرة واحدة ثم أطرقت الى حجرها وهى تمسك بطنها من الألم .. ثم قالت لها بتأوه : تعبانة .. تعبانة يا بنتى .. حاسة بسكاكين بتقطع في بطنى ..
اجلال وهى تقيس الضغط : متقلقيش .. الدوا ده حيريحك باذن الله .. عموما ضغطك كويس .. ثم ناولتها ثلاث حبات من اشكال والوان مختلفة .. وقالت وهى لا تنظر الى حنان : هاتيلها كباية ميه تشرب الدوا .. ثم نظرت الى أمها وهى تقول : ميلى على جنبك شويه .. الحقنة دى ح تسكن الألم على طول ..
ردت أم عاطف برعشة بعد ان استدارت على جنبها : والنبى بالراحة يا اجلال يا بنتى .. انتى عارفه .. أنا بموت من الخوف من الأبر ..
ردت اجلال : انتى خلاص اخدتى الحقنة ..
ردت أم عاطف مندهشة : والنبى خلاص !! .. تسلم ايدك .. والله ماحسيت بيها .. تسلم ايدك ..
اجلال وهى تهم للمغادرة ..بدون ان تنظر اليها وبدون اهتمام : هي دى أول مرة اديكى فيها حقن يا أم حنان ..
أم عاطف : متآخذنيش يا بنتى .. أصلى كنت فاكراكى ح تتنتقمى منى وانتى بتدينى الأبرة .. أنا عارفة انك مش ممكن تسامحينا على اللى عملناه فيكى انتى وخالتك .. سامحينا .. وسامحيه يا اجلال يا بنتى ..
اجلال وهى تنظر اليها بتهجب : هو مين ده اللى اسامحه يا أم حنان ..
أم عاطف بتردد: اللى انتى مش راضية تنادينى بأسمه .. عاطف .. عاطف جوزك يا اجلال ..
ردت اجلال بغصب : عاطف مبقاش جوزى خلاص يا أم عاطف .. خلصنا والحمد لله .. وبعدين .. أنا مبنتقمش من حد حتى لو كان ازانى .. وربنا هو اللى بيسامح .. انتى واحدة مريضة هنا .. زيك زى اى واحدة من الستات دول .. ملكيش عندى الا العلاج بما يرضى الله ..
أم عاطف وقد غلبتها دموعها : فاهمة .. فاهمة يا اجلال يا بنتى .. وكتر خيرك .. أنا بس كنت طمعانة في طيبة قلبك انتى وفاطمة خالتك انكم تسامحونا .. انتى متعرفيش انتقام ربنا ليكم منا عامل ازاى .. خصوصا عاطف يا حبة قلبى .. حاله في السجن لا يسر عدو ولا حبيب .. انتى عارفة السجن يا بنتى لما يكون اللى داخله قاتل وفقير .. الخدام بيكون احسن منه الف مرة .. ده متبهدل ومتمرمط يا عين أمه .. وخايفه عليه من اللى بيشوفوا جوه السجن انه يعمل حاجة في نفسه ..
لان قلب اجلال قليلا من كلام أم عاطف وكادت أن تربت على كتفها ولكنها تذكرت قتله لمصطفى المسكين بدون رحمة فتجمدت مشاعر العطف داخلها وقالت ببرود : ربنا معاه .. ومعاكم .. وهمت ان تستدير لتغادر .. فأمسكت أم عاطف بكفها لتقربه من فمها لتقبله وهى تقول : سامحية .. فسحب اجلال يدها بشدة وهى تقول : استغفر الله .. فاردفت أم عاطف سامحية ربنا يسترك ولو بتشوفى الست مرات الراجل اللى قتله ولا ولاده .. أطلبى منهم السماح يا بنتى .. الله يخليكى ..
ردت أجلال بهدوء بعد أن رق قلبها لحال أم عاطف قليلا : ربنا يسامحه و يسامحنا جميعا .. ثم استدارت وهى تغالب دمعة كادت ان تذرف من عينيها على ماذا ؟؟ .. لا تدرى .. فربما كان على حالها وما مرت به مع تلك العائلة ......

مضى الوقت .. وانتهت نبطشية اجلال الصباحية فقررت ان لا تعود الى منزلها حتى وقت ذهابها لعيادة الدكتور عبد القادر وذلك بسبب بعد المسافة بين بيتها وبين العيادة التي تبعد عن المشفى بشارعين .. فقررت اجلال أن تظل بالمشفى حتى وقت العيادة .. فقامت بالاتصال بزميلتها التي سوف تتسلم منها النبطشية وأخبرتها انه يمكنها أن تتأخر لمدة اربع ساعات وهى سوف تقوم بعملها .. وبالطبع فرحت زميلتها بهذه الهدية من اجلال ..
كان علي اجلال أن تمر مرة أخرى على المرضى لتوزيع عليهم ادوية المساء وقياس الضغط أو الحرارة أو إعطاء الحقن اللازمة لأى منهم .. فقابلت حنان وأم عاطف للمرة الثانية ..
كانت أم عاطف قد ارتاحت بتأثير الدواء والحقنة التي اخذتها في الصباح .. وما أن أهلت عليها اجلال مرة أخرى حتى انفرجت اساريرها واستقبلتها هي وحنان بابتسامة عريضة ..
اجلال بثبات : السلام عليكم ..
أم عاطف : أهلا .. أهلا بيكى يا غالية .. ربنا يسعدك وميرقدلكيش جته ابدا .. قادر يا كريم .. في حين ابتعدت حنان من جوار أمها وهى تبتسم ابتسامة بلهاء وتقول : اتفضلى .. اتفضلى يا اجلال ياختى .. والنبى وحشانى ..

لم ترد اجلال ولكنها مدت الى حنان بعض الحبوب وهى تقول لها ابقى شربيها دول بعد ما اقيس لها الحرارة .. ثم وضعت لها الترمومتر في فمها وهى تقول : انتى عملية المرارة بتاعتك بعد يومين .. يا ريت متلغبطيش في الأكل وتمشى على اكل المستشفى بس .. والا حيأجلوا لك العملية .. وده مش في مصلحتك طبعا .. المرارة ملتهبة ولازم تتشال علشان اللتعب اللى انتى فيه ده ..
ردت حنان بأسى ظاهر على وجهها : أكل .. هو احنا معانا اللى نجيب بيه اكل للولاد علشان نجيب لها اكل من بره .. ده أكل المستشفى نعمة ربنا بعتها لنا ..
كانت اجلال تعلم ظروفهم .. تعلم أنها تقريبا كانت عائلهم الوحيد .. لذا رق قلبها أكثر لحالهم .. فسألت بتردد : انتم عاملين ايه يا حنان ؟ عيالك اخبارهم ايه ؟

حنان وكأنها لا تصدق ان اجلال توجه لها كلاما .. هل من المعقول أن تكون قد نسيت ما فعلته فيها هي واخوها عندما قاموا بضربها وتمزيق ملابسها حتى تعرى جسدها وفقدت جنينها من كثرة الضرب التي نالته على يدها ويد أخيها ..

حنان وهى لا تعلم اتبتسم أم تبكى .. ولكنها ردت بكسرة نفس : الحمد لله .. الحمد لله كويسين .. الولد وديته لميكانيكى في الشارع اللى ورانا .. والبنت قعدتها من المدرسة .. هو أنا حجيب لها مصاريف المدرسة منين .. ده يدوب العشرين جنيه اللى بياخدهم الولد من الميكانيكى الله يستره.. على كام جنيه بيجيبهم خالى كل يوم والتانى معرفش منين .. بيكفونا عيش حاف .. وأهى مستورة والحمد لله .. سكتت قليلا ثم اردفت بتردد : بس اللى صعبان علينا .. عاطف .. ربنا يفك سجنه .. مش قادرين نوفر له اى مبلغ يترحم بيه شوية من خدمة المساجين المفتريين اللى معاه ..

كانت اجلال تسمع في شرود .. دون تعقيب .. لا تدرى .. هل تفرح فيهم حيث انتقام الله لها منهم جليا لها في حالهم هذا .. أم تأسى على حالهم الذى لا يجب أن يفرح أو يشمت فيه انسان أبدا ؟؟!!
ولكنها تنبهت حين تكلمت أم عاطف وهى تمسك بكفها وتقول باستجداء : يا ريت يا اجلال يا بنتى تزوريه في السجن ولو مرة واحدة ينوبك ثواب .. والله ده حيطير من الفرح لما يشوفك .. دى شوفتك عنده بالدنيا وحتهون عليه سجنه يا حبة عينى .. و ......

وقبل أن تكمل ما تقول .. نظرت اليها اجلال نظرة ألجمتها .. فلم تكمل جملتها ونظرت الى حجرها بعد أن تركت يدها .. فساد الصمت بين الثلاثة .. وحنان تنظر الى أمها نظرة عتاب على ما تفوهت به .. بالرغم من انها كادت أن تطلب من اجلال نفس الطلب .. لكن بعد لحظات الصمت قالت أم عاطف بفتور : متآخذنيش يا اجلال يا بنتى .. أنا الظاهر طمعت في كرمك اكتر من اللآزم .. عموما .. ليه رب اسمه الكريم ..

تناولت اجلال الترمومتر الذى اخرجته ام عاطف من فمها لتقول ما قالته ثم نظرت في الترمومتر وقالت الحرارة كويسة .. ثم استدارت وتركتهم بدون أن تعقب ولو بكلمة واحدة وبدون أن تلقى عليهم السلام .....

جلست اجلال في حجرة الممرضات تفكر في الحوار الذى دار بينها وبين حنان وأمها .. فوجدت نفسها تتساءل .. هل من الممكن أن يتصوروا انها من الممكن أن توافق على زيارة عاطف في السجن .. أي بجاحة يتمتع بها هؤلاء الناس .. ألم يكفيهم ما فعلوه معها ومع خالتها طوال السنين .. ألم يكفيهم ما فعلوه فيها هي شخصيا من إهانة وضرب كاد يودى بحياتها فضلا عن جنينها الذى فقدته بسبب ضربهم لها .. تتذكر كيف تعرى جسدها وهم يضربونها فتشتعل نار الحقد عليهم في قلبها وتود لو تذهب اليهم في الحال وتأخذ بثأرها منهم .. تتذكر كيف خطط عاطف لينتقم منها بقتله لمصطفى وكان من الممكن ان تتهم مكانه لو لم يثبت التحقيق ان سلسلة المفاتيح كانت معه ولم تستردها منه .. ولكنها تعود وتهدأ عندما يقول لها صوت بداخلها .. كفاهم عقاب الله الذى تشاهديه الآن بعينيك .. لقد جرهم الله اليك جرا لتشفى غليك منهم ويشفى قلبك من جرحه الذى تسسببوا فيه .. ولكنها في لحظة كانت تحدثها نفسها .. ولم لا .. لم لا تذهبين اليه في السجن .. حتى تشفى غليلك منه .. ولكن كانت تشعر أنها هناك في ركن بعيد من قلبها حنين الى رؤيته والشفقة عليه .. فتنهدت بغضب من هذا الشعور أيا كان .. هي تريد أن تعود لنسيان هذه العائلة برمتها .. لا تريد تشفى أو حنين أو حتى شفقة على أحد .. تريد أن تنسى هذه المرحلة من حياتها الى الأبد .. فقامت وذهبت لزيارة بعض المرضى في عنبر الرجال لتطمئن على حالاتهم حتى يضيع الوقت المتبقى على وصول زميلتها ..

مرت الأربع ساعات وجاءت زميلتها وهى مبتسمة تشكرها على كرمها معها .. ثم تسلمت منها النبطشية وغادرت اجلال تفكر في أمر عاطف وعائلته تارة وتتناسى أخرى حتى وصلت الى عيادة الدكتور عبد القادر .. رنت الجرس ففتح لها رجل تعدى الستينات .. بل يكاد أن يقترب من السبعينات .. يرتدى حلة بيضاء وبنطلون ابيض .. طيب الهيئة .. فقالت له اجلال وهى تبتسم في ود : السلام عليكم .. أنا الممرضة الجديدة .. يا ترى الدكتور عبد القادر وصل ..

تبسم الرجل .. فأظهرت الابتسامة طيبة غير طبييعية في وجهه المشرق ولحيته الخفيفة وشاربه الأبيضين .. فهو بالرغم من هذا العمر الذى احنى ظهره قليلا.. الا أن بياض وجهه الذى تشوبه الحمرة القليلة حين يضحك يجعل أي انسان يحبه من أول لقاء .. قال لها : أهلا يا ست اجلال .. الدكتور عبد القادر قاللى عن حضرتك .. اتفضلى يا بنتى .. الدكتور على وصول .. أتفضلى .. مكتبك أهو .. تحبى تشربى ايه ..
اجلال وهى تبتسم له : لا يا .. ... فقاطعها بأدب وهدوء .. أحمد .. اسمى .. عم أحمد .. يا بنتى ..
اجلال : شكرا يا عم أحمد .. أنا مش عايزه أشرب حاجة دلوقتى .. لما أقابل الدكتور ويعرفنى المطلوب منى الأول ..
عم أحمد : اللى تشوفيه يا ست اجلال .. ولو ان شكلك لسه صغير على كلمة ست دى .. بس أنا أتعودت أنى أقول كده للست ماجدة اللى كانت قبلك .. ياللا بقى الله يسامحها مطرح ما راحت هي وفايزة اللى كانت بتحجز للزباين ..

نظرت اليه اجلال بدهشة .. ولكنها آثرت أن لا تسأله عن سبب هذه الدعوة على الممرضة التي كانت تعمل مكانها .. فقد نظرت الى حجرة الاستقبال ووجدتها مملوءة بالزائرين .. فدخلت اليهم قائلة بصوت مسموع .: السلام عليكم ... فرد عليها الجميع في صوت واحد .. كل بنبرة مختلفة عن الآخر .. وعليكم السلام .....

جلست اجلال على كرسى بعيد قليلا عن المكتب المعد لها حتى تتجنب طلبات الزبائن .. فهى لا تعرف شيئا بعد عن طبيعة العمل وثمن الكشف والمطلوب منها ..
مرت دقائق قليلة وصل بعدها الدكتور عبد القادر فلاحظ وجود اجلال ولكنه لم يتوقف عندها .. فسارع عم أحمد اليه وحمل الشنطة من يده وسارع أمامه وفتح الباب ليدخل الدكتور ثم تبعه عم أحمد ليضع الشنطة على المكتب .. فبادر عبد القادر يقول : دخل مدام اجلال يا عم أحمد واعمل لى القهوة بتاعتى ..

دخلت اجلال بعد أن طرقت الباب وسمعت عبد القادر يدعوها للدخول ..
اجلال وهى تبتسم : مساء الخير يا دكتور ..
عبد القادر وهو يرفع رأسه من أوراق على المكتب كان ينظر اليها : أهلا يا اجلال .. يا ترى المواصلات تعبتك ..؟
اجلال بنصف ابتسامة : في الحقيقة أنا جيت من المستشفى على هنا على طول .. خفت لو روحت ورجعت اتأخر على حضرتك ..
ياه : قضيتى كل الوقت ده في المستشفى .. يعنى ملحقتيش تريحى شوية قبل العيادة ..
اجلال : مش مشكلة حضرتك .. أنا واخده على كده من زمان .. أنا تحت أمرك .. ممكن حضرتك تعرفنى ايه المطلوب منى ..
عبد القادر : ومالك يا ستى مستعجلة كده .. صبرك عليا أشرب قهوتى واعرفك كل شيء .. ثم رن على جرس بجوار المكتب وهو يقول .. تحبى تشربى ايه .. ليرد عليه عم أحمد .. أؤمر يا دكتور ..
اجلال : لا .. مفيش داعى حضرتك .. العيادة مليانة .. وأنا مش عايزة أعطل حضرتك ..
عبد القادر ممازحا: يا ستى أطلبى .. أول طلب ببلاش .. ها ها .. وبعدين طالما انتى معايا .. فالزباين حنخلص عليهم أنا وانتى بسرعة .... ها ها ها ....
ابتسمت اجلال وقالت : يبقى اى عصير حضرتك .. فقال لعم احمد الذى كان لا يزال منتظرا على الدكتافون .. اعمل عصير ليمون معاك لمدام اجلال يا عم أحمد .. سكت عبد القادر للحظات ثم قال بجد : شوفى بقى ياستى .. أنتى طبعا عارفة انى متخصص في الجراحة العامة .. وانت كمان خبرتك حسب ما عرفت من الدكتور سامى معظمها في نفس المجال .. علشان كده أنا اخترتك للوظيفة دى .. انتى المطلوب منك مساعدتى في العيادة في متابعة الحالات اللى بتييجى بعد العمليات اللى بنجريها في المستشفيات أيا كانت .. بس بصراحة في الأول ح تقومى بوظفتين .. لحد ما أجيب واحدة للحجز بتاع الزباين .. وده ح يستغرق مش أكتر من يومين تلاتة .. وبعد كده ح تتفرغى للتمريض معايا فقط ..
اجلال بابتسامة وهى تنظر اليه بحماس : اللى تشوفه حضرتك .. أنا تحت أمرك ..

طرق عم أحمد على الباب ثم دخل الى الغرفة يحمل القهوة وكوب من الماء وعصير الليمون .. وضع القهوة وكوب الماء على المكتب أمام عبد القادر ثم وضع كوب عصير الليمون على الطاولة أمام اجلال .. فبادر عبد القادر يقول له ممازحا : ليدز فرست يا راجل يا عجوز .. فنظر اليه عم أحمد يستفسر بنظره عما يقصد .. فقال له : يعنى السيدات الأول .. وخصوصا لما تكون سيدة حلوة وجميلة زى مدام اجلال .. كانت اجلال تبتسم وهو يمازح عم أحمد و لكن تباهتت ابتسامتها قليلا خجلا وتعجبا من مديحه لها بهذا الشكل .. فهى لم تتعود منه مثل هذا المديح الصريح من قبل ..

خرج عم أحمد وهو يبتسم من مزاح عبد القادر معه يهز رأسه يمنة ويسرى .. فأردف عبد القادر يوضح لاجلال المطلوب منها في كلا الوظيفتين .. وبعد أن أنهى شرحه .. استأذنته اجلال وخرجت بعد أن تسلمت منه بالطو ابيض جديد وحذاء طبى على مقاسها .. جلست على المكتب وبدأت عملها بابتسامة للزبائن .. وسؤال سألته للزبائن بابتسامة رقيقة : يا ترى مين من حضراتكم وصل العيادة الأول ومين التانى .. معلش استحملونى النهاردة بس .. أنا لسة يدوب مستلمة الوظيفة النهاردة ..

أخذت كشف بالأسماء وحصلت من أصحاب الكشف الجديد ثمن الكشف وأخذت كشف بأسماء الاستشارات وكانت تقضى الوقت بين دخول وخروج الزيائن وبين مساعدة عبد القادر في تجهيز المرضى والكشف عليهم والتغيير على الجروح ..

قضت اجلال أكثر من أربع ساعات حتى آخر كشف .. وانتهى وقت العيادة .. فلاحظ عليها عبد القادر الاجهاد الشديد والذى كانت تحاول أن لا تظهره له .. فقال لها وهو يخلع البالطو الذى كان يرتديه .. ياللا يا اجلال علشان أوصلك في طريقى ..
اجلال بحرج : لا يا دكتور .. حضرتك ممكن تتفضل .. وأنا ح آخد اى مواصلة .. أنا متعودة على كده .. متشغلش بالك حضرتك .. المشوار طويل على حضرتك من هنا للبيت عندى ..
عبد القادر وهو ينظر اليها بجانب عينيه : وده سبب ادعى انى أوصلك .. وبعدين يا ستى أنا حابب أشغل بالى .. ياللا الوقت أتأخر ومينفعش تركبى مواصلات لوحدك لغاية البيت ..

كادت اجلال في هذه اللحظة أن تصل الى مرحلة الاعياء .. فلم تناقشه وخلعت البالطو الذى كانت ترتديه .. ثم لبست حذاءها وخرجت خلفه في سكوت ..

ركبت السيارة الى جواره وكان الطريق شبه خالى .. فقد قاربت الساعة على منتصف الليل .. بعد حوالى ربع ساعة توقف عبد القادر بالسيارة أمام محل من محلات التيك أوى .. وكانت اجلال قد غلبها النعاس فنامت مسندة رأسها على مسند الرأس .. نظر اليها عبد القادر وخصلات شعرها تتطاير من نسمات الهواء الخفيفة .. كانت تبدو جميلة وهى نائمة .. فقسمات وجهها الجميل بطبعه كانت هادئة .. فتبسم من جمال أهدابها التي تلامس اعلى خديها الناعمين .. ثم نظر الى أنفها الصغير وفمها ذو الشفتين المرسومتين بريشة فنان أحب ما يرسم .. فحدثته نفسه .. كم هي جميلة تلك الفتاة .. في تلك اللحظة نسى أنها أمرأة وليست الفتاة التي كان يعلمها في معهد التمريض وشيء ما فيها قد مس قلبه .. تذكر اجهادها .. فنزل من السيارة وأغلق الباب بهدوء حتى لا تستيقظ وتوجه الى المطعم وطلب ثلاث وجبات ثم عاد ليجدها لا تزال نائمة كما هي .. استرق بعض النظرات اليها ثم انطلق في هدوء .. وبعد دقائق استيقظت اجلال بسبب فرملة مفاجأة لوجود مطب صناعى لم يتنبه له عبد القادر في حينه ..

وضعت اجلال يدها على صدرها من الفزع.. وبعد أن اطمأنت لعدم حدوث مكروه .. قالت وهى تفرك عينيها : أنا آسفة .. الظاهر انى غفلت شوية ..
رد عبد القادر وهو ينظر اليها ثم الى الطريق : انتى بخير .. أنا اللى آسف ملحظتش المطب كويس .. بس كويس انك صحيتى علشان تاكلى ..
اجلال باندهاش : آكل .. ؟؟
عبد القادر : ايوه .. أنا جبتلك وجبت لخالتك وجبت لى كمان أكل .. انتى كنتى نايمة وأنا بشتري الوجبات ومحبتش ازعجك .. ياللا هاتيه من الكرسى اللى ورا ..
اجلال : معقول يا دكتور .. تتعب نفسك وتوصلنى .. وكمان تجيب لى أكل .. ده كتير والله .. أنا محرجة من حضرتك ..
عبد القادر : مهو انتى لو فضلتى محرجة كده .. أنا حموت من الجوع .. بقولك ايه .. احنا أحسن حاجة نقف بالعربية شوية على كورنيش النيل ناكل السندوتشات والبطاطس المقلية وهى سخنة وبعدين نكمل طريقنا ..

أوقف عبد القادر السيارة مرة أخرى وجلس هو واجلال يتناولا العشاء ولأول مرة سويا وهو ينظر اليها وهى تتكلم ولكنه كان يتأمل كل تفصيلة في وجهها ويتعجب من جماله ..

مرت اكثر من ساعة ونصف قبل أن يصلا الى بيت اجلال .. فوقف بالسيارة أمام البيت .. فهمت اجلال لتنزل من السيارة .. فقال لها متنسيش الوجبة بتاعة الحاجة فاطمة .. وعندما استدارت لتأخذ الوجبة من الكرسى الخلفى .. قال لها .. اسمعى يا اجلال .. هو مش وقته .. بس أنا شايف أن المشوار من العيادة لبيتك طويل جدا خصوصا بالموصلات حياخد منك ضعف الوقت اللى جيناه بالعربية .. ومش معقول حتقعدى في المستشفى كل يوم بعد نبطشيتك وبعدين تييجى على العيادة .. وبرضه مش كويس انك تدخلى الحارة هنا كل يوم في وقت متأخر كده .. الناس في المناطق دى مبترحمش .. وكمان خطر عليكى ..

علمت اجلال بعد كلماته تلك أنه اما سيعفيها من هذه الوظيفة أو يطلب منها أن تترك عملها بالمشفى .. وكلا الخيارين بالنسبة لها مرفوض .. فنظرت اليه متسعة العينين مضطربة المشاعر ..يحاوطها اليأس من كل جانب .. لتستقبل اعفائها من الوظيفة التي لم تقضى بها سوى يوما واحدا أو يقدم لها الحل من وجهة نظره .........


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 10:27 PM   #36

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل السابع عشر

البدايات الجديدة
الفصل السابع عشر

ظل خالد بعد مكالمة أمير له في صالة المنزل وحيدا .. يفكر في تلك المصيبتين اللتين ألقى بهما أمير في عقله ووجدانه .. فبأيهما يبدأ ؟ .. هل بأمينة التي آذاها أيما أذية بكلمة قالها لسانه فارتاح قلبه لخروجها منه .. ولكنها خرجت كسهم أصاب قلب أمينة فأدماه وأرداها مريضة لا تستطيع الحراك ولا الكلام .. أم يبدأ بغادة التي أيضا بسبب طريقة تربيته لها باتت فريسة سهلة لكلام معسول من رجل أخرق .. أنانى .. لا يليق بها ولا تليق به ..

في النهاية قرر أن يبدأ بغادة .. فهى الأسهل في الوقت الحالي .. فعلى الأقل هي لا ترفض الحديث معه كما تفعل أمينة .. ولكن .. ما هو المدخل الصحيح الذى يجب أن يستخدمه مع غادة ..؟ لقد لاحظ من كلام أمير أن هذا الشخص قد استولى على عقل ابنته ووجدانها .. وهو الآن الحصن الأخير لها منه .. فكيف يحافظ على هذا الحصن من السقوط .. فتصبح ابنته فريسة سهلة لهذا الرجل .. أو على أقل تقدير تصاب بفقدان الثقة بالنفس والدخول في دوامات الأمراض والعقد النفسية بسبب هذه العلاقة التي لن يسمح لها خالد أن تكتمل ولو على جثته ..
أتخذ خالد قرارا أن يتكلم مع غادة .. ولكن قبل أن يفعل دخل الى أمينة حجرتها وكانت جالسة في سريرها تنظر الى نفسها فى مرآة التسريحة .. لاحظت أمينة دخوله الهادئ فأشاحت بوجهها تنظر الى النافذة تجاه البحر ... شعر خالد بقليل من الضيق ولكنه تحمل واقترب منها وجلس على حافة السرير ثم وضع يده على كفها الملقى على السرير .. فسحبت يدها بهدوء ..
تنهد خالد وقال : أنا عارف انتى ليه زعلانة منى بالشكل ده .. بس أنا مش جاى أتكلم معاكى في الموضوع ده دلوقتى .. أنا حابب أتكلم معاكى في موضوع متأكد انه بالنسبالك مهم .. يمكن أكتر من اللى مزعلك منى .. سكت قليلا ثم اردف بتوتر : أنا جاى أتكلم في موضوع غادة .. فياريت يا أمينة تنسى اللى مزعلك منى شوية وخلينا الأول نحل مشكلة البنت قبل ما الموضوع يفلت من أيدينا وحله يكون أصعب في الأيام اللى جاية ..

ظلت أمينة على حالها للحظات فعاود خالد بتوسل : أرجوكى يا أمينة .. الموضوع حسب ما حكالى أمير خطير .. البنت المرة دى مش بتتكلم مع واحد من سنها .. ومحكتليش عنه زى ما كانت بتحكى لى عن كل الشباب اللى بتتكلم معاهم على النت .. البنت المرة دى واقعة في راجل كبير .. ناضج بما فيه الكفاية .. وحسب ما عرفت من أمير انها بتحبه .. ودى في حد ذاتها مصيبة .. علشان كده لازم نتكلم علشان نحلها بأسلوب ميسببش لها مشاكل نفسية ..
كانت أمينة تصارع نفسها في تلك اللحظات .. فهى بالتأكيد تريد أن تنهى موضوع غادة على خير .. وبالتأكيد تريد تدخله ومساعدته .. فمن سواه يستطيع أن يقنع ابنته انها مخطأة في أمر تعلقها بهذا الرجل .. ولكنها في نفس الوقت كانت مازالت تتقطع من داخلها بسبب فعلة خالد بها .. تحبه .. نعم مازالت تحبه .. وما زال قلبها يخفق لرؤيته ولسماع صوته .. وما زالت تريده في حياتها .. هي لا تستطيع أن تنكر كل هذه المشاعر التي تكبل وجدانها تجاهه .. هو قيد ادمى قلبها ..
لكن في النهاية غلبتها أمومتها وخوفها على ابنتها .. فأطرقت برأسها ناظرة الى حجرها ثم ردت عليه لأول مرة منذ أيام عديدة وهى تصارع الكلمات التي تتكلمها .. فهى مازالت لم تشفى وجرحها منه عميق : أتكلم يا خالد .. أنا سمعاك ..

شعر خالد بسعادة كبيرة تغمر قلبه لمجرد ان ردت عليه أمينة ووافقت أن تسمعه وتتحدث معه .. لقد كاد ان يفقد الأمل في أن ترد عليه .. فتبسم قائلا وقد امتلئت مقلتيه بالدموع : ربنا ما يحرمنى منك أبدا يا أمينة .. فذرفت دمعات على خد أمينة لم تستطع ان تكبح جماحها .. فمد خالد يده كى يمسح دموع عينيها ولكنها اشاحت قليلا بوجهها تنظر الى النافذة مرة أخرى وتمسح دموعها بيديها .. وغصة عصرت حلقها وقلبها وهى تقول : أرجوك يا خالد .. أتكلم وقول انت ناوى تعمل ايه .. أنا قلقانه على البنت ..
خالد وقد أحس ببعض الضيق مرة أخرى : متقلقيش يا حبيبتى .. أنا ح اتصرف وان شاء الله الأمور تعدى على خير ..
أحست أمينة بغصة من نوع آخر وهو يناديها ب " حبيبتى" ولكنها لم ترغب أن تظهر له حتى لا تنساق في ان يتحدث فيما تخشاه وتتجنب الحديث عنه وهو سيرة سلمى .. فقالت : أيوة .. بس فهمنى انت ناوى تعمل ايه ..
خالد بحزم وثبات : حخليها تكتشف الحقيقة بنفسها .. حخليها هي اللى ترفضه .. بس احكى لى انتى الأول عنه وعن اللى عرفتيه منه أو منها .. أنا عايز أعرف كل تفصيلة عن الشخص ده وازاى قدر يوصل لقلب ومشاعر البنت بالشكل ده ..

بدأت أمينة الحديث عن كيف اكتشفت علاقة غادة بحسام وكيف تصرفت وقتها ثم انهت حديثها بما حدث واكتشفته في لقائها هي وأمير به .. وكانت بين الحين والآخر أثناء حديثها تتعب قليلا .. فهى لم تشفى تماما حتى تلك اللحظة .. فيربت خالد عليها ويطلب منها ان ترتاح قليلا ثم تكمل ..
سمع خالد الموضوع للنهاية فكان في ذهول وغضب من نفسه قبل أي أحد آخر .. فهو يعلم بأنه هو السبب فيما وصلت له ابنته ذات المشاعر الرقيقة .. هو يعلم انها زهرة بريئة كان يجب عليه أن يحميها من الرياح التي تأتى الفتيات في مثل هذا العمر من بعض الشباب الغير مسئول والذى ليس لديه صنعة سوى اصطياد الفتيات عن طريق النت والشات ومثل تلك البرامج التي تسهل لهم التواصل بدون سابق معرفة .. كان عليه أن يعرف ان ابنته مثل بقية الفتيات وان هناك ما تتعرض له الفتيات .. بل والنساء ذات الخبرة في الحياة من صيادين لا عقل لهم ولا قلب ولا ضمير .. جالسين ليل نهار لغواء هؤلاء المساكين .. كان يعتقد انه اذا ربى ابنته تربية مفتوحة متمشيا مع متطلبات العصر فهكذا هو يحميها .. لم يكن يدرك أن هناك مجال خاص بها .. اذا تم اختراقه في غفلة منها أو منه .. فبالتأكيد ستسلم حصونها وتقع فريسة لأمهر الصيادين .. وقد حدث ..

وضع خالد وجهه بين يديه كأنه خجل من نفسه .. وساد الصمت بينهما للحظات .. ثم قال متنهدا : .. اسمعى يا أمينة .. أنا لازم اجمع معلومات كافيه عن الشخص ده .. وممكن كمان أقابله .. لازم أتعرف عليه في الأول واديله الأمان وأحسسه أن فيه أمل أنه يرتبط بغادة .. لحد ما أعرف أوصلها لمعرفة حقيقته .. حبدأ بشغله وعن طريقه حقدر أعرف كل شيء عنه .. أمير قالى اسم الشركة اللى بيشتغل فيها مندوب مبيعات .. صدقينى .. أنا متأكد انه بيكدب عليها في كل المعلومات اللى قالها واللى انتى وامير اكتشفتوا حقيقتها لما قابلتوه .. وساعتها الموضوع مش حيكون صعب ..باذن الله بدون ما تشعر حعرف اخليها انها تواجه اللى هي داخلة عليه .. وساعتها أنا متأكد انها بشوية عقل .. حتقرر انه غير مناسب بالمرة وان شاء الله تنهى الموضوع ده بنفسها ..
ردت أمينة : وان ما حصلش ..
خالد مستفهما : هو ايه اللى محصلش ..
أمينة : يعنى لو فضلت متمسكة بيه بعد ما عرفت كل حاجة عنه ..
خالد : الشوف يا أمينة .. مش زى السمع .. غادة لازم تشوف مستواه وحقيقته على الطبيعة .. وأنا متأكد انها ساعتها حتقرر الصح .. كمان بالنسبة له لما ييجى هنا ويدرك الفرق بينها وبينه أو بمعنى أصح بين حياته وحياتنا .. اعتقد انه حينسحب بهدوء ..
أمينة : وعلى فرض انها شافت وبرضه فضلت متمسكة بيه .. ايه الحل ساعتها ..
خالد : مع انه فرض شبه مستحيل يا أمينة .. بس وقتها مش حيبقى قدامى الا الحل الأصعب .. وهو انها تتمنع عنه بالعافية .. بس أتمنى اننا منضطرش للحل ده .. لانه ساعتها مش هي وحدها اللى حتعانى منه .. كلنا يا أمينة حنعانى .. قال خالد جملته الأخيرة لأمينة ثم ربت على كفها مرة أخرى .. فلم تمانع أمينة تلك المرة .. واكتفت بنظرة كلها عتاب ولوم ممزوجين بحزن شديد .. يعلم خالد تلك النظرة جيدا .. فكم مر بها مع أمينة حين يؤلمها أو ينهرها .. ولكن تلك المرة غير كل المرات فجرحها منه جرح عميق .. وعليه أن يبذل الكثير والكثير حتى يداويه .......

خرج خالد من غرفة أمينة بعد لحظات ظل فيها صامتا ينظر اليها لعلها تفتح معه أي حديث آخر .. فتكون فرصة ليفسر لها سوء التفاهم هذا .. أو يحكى لها ما أخفاه عنها في الماضى .. فربما تتفهم وتعذره ثم تسامحه .. فتعود المياه الى مجاريه .. ولكنها قطعت لحظات نظراته لها فتكلمت بتردد : من فضلك يا خالد .. ممكن تسيبنى شوية .. أنا حاسة انى تعبت من الكلام وعايزة ارتاح شوية ..
نظر اليها خالد محبطا .. ولكنه امتثل لطلبها وقال بنظرة شوق اليها :طيب يا حبيبتى .. نامى انتى وارتاحى ..أنا ح استنى غادة وحتكلم معاها بعد ما ترجع من الدرس ...

مرت ساعة قبل أن يسمع خالد صوت مفتاح غادة وهى تفتح باب الشقة لتدخل وتراه جالس على احدى مقاعد الأنتريه يشاهد برنامج في التليفزيون ..
غادة : مساء الخير يا بابى ..
خالد مبتسما : أهلا غادة حبيبتى .. اخبارك ايه .. وعاملة ايه في دروسك ..
غادة بدون اهتمام : تمام .. كله تمام .. ماما كويسة ؟ ..
خالد : ايوة يا حبيبتى .. هي بخير بس نايمة شوية .. سكت للحظات وهو ينظر اليها لا يدرى كيف يفتح معها الموضوع .. فقال بتردد وهو يبتسم : وحشانى يا غادة .. وواحشنى الكلام معاكى .. معلش الأمور كانت صعبة علينا كلنا الفترة اللى فاتت .. بس ان شاء الله ماما تتحسن أكتر وكل الأمور ترجع زى الأول وأحسن .. أنا عايز اعرف آخر أخبارك .. الدراسة وعن كل حاجة في حياتك أنتى حابه تتكلمى معايا فيها ..

نظرت اليه غادة ببعض الريبة .. تخشى ان تكون أمينة قد حكت له شيئا قبل أن تفاتحه هي .. ولكنها سرعان ما ازاحت تلك الريبة من مخيلتها .. فكلامه الذى قاله منذ برهة هو في سياق طبيعة علاقتها بوالدها .. ومن الطبيعى أنه يريد أن يتحدث معها مثل سابق عهدهما سويا .. فقد
مرت أياما عصيبة منعتهم من الجلوس سويا في حجرتها يتحدثان وتخبره بكل شيئ في حياتها .. كم اشتاقت له .. وكم اشتاقت أن تحكى له عن أكبر حدث لها في حياتها .. حسام .. نعم هو .. فارس احلامها الذى استطاع أن يخطف قلبها ويسرق مشاعرها برقته وحنانه وحبه لها .. والأهم من كل هذا تفهمه لها وقتديه لشخصيتها وعقلها ..
عندما اطالت غادة النظر اليه والشرود .. بادر خالد يسأله : روحتى فين يا غدغودة ؟ ايه السرحان ده كله .. يا ترى في ايه ؟
غادة في تردد وتلعثم : بصراحة فيه موضوع حابه انى أتكلم فيه معاك من فترة بس الظروف مكنتش تسمح .. سكتت للحظات لا تدرى كيف تبدأ .. ثم اردفت : بابا .. لو فيه حد أكبر منى شوية .. وظروفه مش زى ظروفى وحابب يرتبط بيه .. بس هو أخلاقه كويسة جدا والله .. يا ترى انت حتوافق عليه ..

أحس خالد من لهجة ابنته والسؤال التي طرحته عليه بأنها قد وصلت في علاقتها مع حسام الى الدرجة التي يجب أن يتصرف فيها بحكمة بالغة .. وانه لابد من أن بجاريها ولا يصدمها مطلقا حتى يكسبها في صفه كما كان دائما ثم يبدأ في إزالة خيوط هذا العنكبوت المسمى حسام والذى نسج خيوطه حول عقلها وقلبها الواحد تلو الآخر حتى يخرها من براثنه سليمة وغير مجروحة أو مصدومة من أفعال الحياة بنا .. أو بالأحرى من أفعال الناس ببعضها ...
ابتسم خالد وهو ينظر الى عينيها ثم قال : ياه .. الظاهر أن الموضوع المرة دى كبير .. وغير كل المواضيع اللى اتكلمنا فيها قبل كده .. بس قبل ما أجاوبك على سؤالك .. يا ترى انتى عندك استعداد للاقتناع بردى حتى لو كان عكس رغبتك .. ؟

كانت غادة تحب .. بل تعشق مثل تلك الحوارات مع والدها .. كانت تشعر أنها كبيرة بما فيه الكفاية عندما يحاورها .. تتفق ثم تختلف .. ثم تتفق معه مرة أخرى .. وكان خالد يعلم هذا جيدا .. فكان يعطيها المساحة الكافيه لهذا المجال ويعلم جيدا كيف يجعلها تخرج كل ما في عقلها وقلبها من أفكار ومشاعر وتساؤلات كثيرا ما تراود الشباب والفتيات ممن هم في مثل عمرها .... لذا ردت غادة وقد زالت رهبتها جزئيا من أن تعترف لابيها أنها تعرفت على حسام وانها تشعر ناحيته بمشاعر خاصة .. بل وأنه يريد الارتباط بها .. كما تريده هي .. فقلت مجاوبة على سؤاله : أكيد .. بس بعد ما تقنعنى .. انت عودتني على كده .. وطول عمرك بتقول لنا رأيك وتسيبنا ناخد احنا القرارات في حياتنا .. ولا انت حتغير أسلوبك ولا ايه يا خلود ... قالتها ثم ضحكت ضحكة خفيفة ..
شعر خالد بعد جملتها الأخيرة أنه في ورطة .. فربما كما قالت أمينة.. فربما تتمسك غادة بحسام في نهاية الأمر بدافع العاطفة والقلب الذى غالبا ما يتحكمان في العقل .. فقال وهو يبتسم نصف ابتسامة : خليني الأول اسمع الموضوع وبعدين نشوف يا ست غادة ..
غادة بتلعثم : أنا بصراحة اتعرفت على شاب من جروب هواة السفر على النت.. هو مش شاب أوى .. بصراحة سنه كبير حبتين .. بس فيه مميزات تانية كتير .. أنا متأكدة انها حتعجبك أوى .. وهو عايز يرتبط بيه .. علشان كده أنا حابة انك تتعرف عليه .. وانا متأكدة أنه حيعجبك ..
خالد وهو ينظر اليها مندهشا من جرأتها تلك المرة .. نعم هي كانت تحكى له عن شباب تتحدث معهم من قبل على النت ولكنها لم تكن بهذه الجرأة حين كانت تتحدث معه عنهم .. ولم تكن يوما متسرعة في الحكم على اى منهم بهذه الطريقة .. لا بد من أنها قد اقتنعت به بصورة كبيرة حتى يصدر منها هذا الكلام .. بهذه البساكطة وتلك السرعة .. لذا رد خالد : والله يا ستى لو مناسب واخلاقه كويسة وموافق انك تكملى تعليمك .. مفيش مشكلة انك ترتبطى بيه رسمي .. بس على الأقل بعد ما تاخدى الثانوية بالمجموع الكبير اللى اتفقنا عليه ..

انفرجت اسارير غادة وهى تستمع لابيها وهو يوافق مبدئيا .. ولكنها عادت وقد اقتضبت و شردت في كلمة مناسب التي ذكرها والدها للتو .. فهى تعلم في قرارة نفسها أنه غير مناسب بالمرة شكلا وموضوعا .. ولكن الأمل الوحيد هو أن يترك لها ابوها القرار في النهاية كما عودها دائما .. فقالت بتردد : طيب تحب تتعرف عليه ..
رد خالد وكأنه قد وجد ضالته : أوى أوى .. حددى معاه ميعاد ييجى هنا نتعرف عليه ..
فرحت غادة للوهلة الأولى وقالت وهى متسعة العينين : بجد؟! .. لكنها عادت وقد بدا عليها الحزن سريع .. بس ماما ..
خالد وقد قضب حاجبيه : مالها ماما ..
لم ترغب غادة أن تحكى لوالدها عن ما حدث لامها بسبب مقابلتها لحسام كما تعتقد .. ولذا أخفت عليه أمر المقابلة فقالت : أقصد .. مش المفروض نستنى شوية علشان ظروف ماما ..
خالد مبتسما : متشغليش بالك بالموضوع ده .. أنا حتكلم مع ماما وأوضح لها كل شيء .. وبعدين يا حبيبتى معتقدش ان ماما حتعترض على خطوة التعارف دى ..
بدت غادة خائفة من كلام ابيها مع أمها وفتح هذا الموضوع بينهما فقالت .. : ممكن تسيبنى أنا أفتح معاها الموضوع الأول .. علشان متحسش اننا بنعمل حاجة من وراها أو بدون رغبتها ؟
علم خالد انها تريد أن تطلب من أمها ان لا تخبره بموضوع مقابلتها هي وأمير لحسام وانهم غير موافقين عليه بالمرة .. ولكنه قد قرر أن يسير في الموضوع بحكمة فقال لها : زى ما تحبى .. انتى كلمى ماما وبعدين كلميه وخليه يطلبنى وانا ح اتفق معاه على ميعاد يزورنا فيه ..
اسرعت غادة الى والدها تجلس على فخذه وتحاوط عنقه بذراعيها وطبعت قبلة كبيرة وقوية على خده ثم قالت له وهى تبتسم : ميرسى يا بابى .. انت احلى اب في الدنيا .. أنا بحبك أوى أوى...

-----------------------------------------------------------

كانت بسمة تتردد على سلمى بصفة مستمرة منذ واقعة توفيق .. تجلس معها .. كلاهما يحكى ما عنده من احداث الحاضر أو حتى ذكريات الماضى وأحيانا تطلعات بسمة المستقبلية .. وأحيانا كانت تظل معها طوال اليوم تذاكر دروسها واذا تأخر بها الوقت تبيت معها .. كانت بسمة لها طريقة عجيبة في جذب الآخرين اليها .. فبمجرد أن تبدأ في الحديث يشعر قلب من تحادثه بقربها منه كأنه يعرفها منذ سنين .. هى خفيفة الظل بدرجة كبيرة تمزج الجد بالهزل والهزل بالجد بطريقة غير منفرة .. علاوة على انها كانت جميلة الشكل ..رققة لحد كبير .. يرتاح القلب لهيئتها النحيفة والبسيطة وشعرها المنسدل بنعومة شديدة بالكاد يتجاوز كتفيها .. كانت أقرب في الشبه لابيها ..
علمت سلمى بعد أيام قليلة من معاشرتها لبسمة كم كان مصطفى على حق عندما أحبها بهذه السرعة وارتبط قلبه بها .. ولكنها كانت تتساءل هل كان حبه لها حب أبوى بعيدا عن عاطفة الرجل تجاه الأنثى .. بالطبع لم تجد إجابة لسؤالها هذا أبدا .. ولن تجد .. فقد راح الوحيد الذى كان يمكن أن يجيبها على هذا السؤال .. راح مصطفى .. ولكنها ظلت تقنع نفسها أنه كان حب الأب لابنته حتى يظل هذا الشعور الجميل الذى أصبحت تحسه تجاه بسمة .. فقد اعادت لها بسمة إحساس الامومة ومسئوليتها التي قد فقدتها بسبب جفاء أبنائها ..

بعد عدة أيام من زيارة توفيق .. تذكرت سلمى تعويض بوليصة التأمين .. فقد أخبرها نادر منذ فترة أن شيك شركة التأمين الذى سيصدر لصالح بسمة وابيها سوف يستلمه بعد يومين من زيارتها له .. والى الآن لم تعلم أي شيء عنه .. ترى هل اتصل نادر بخميس وبسمة وسلمهما الشيك دون علمها ؟.. هي لا يخصها أمر الشيك .. ولكنها تتمنى لو اخبرتها بسمة باتصال نادر وحصولهم على مبلغ التعويض .. كانت تشعر ان هذا من حق الصداقة التي نشأت بينهما في الآونة الأخيرة .. لذا أمسكت تليفونها وهى بالعمل وطلبت رقم نادر المحامى .. بعد لحظات رد نادر مرحبا بعد التدقيق في الطالب : أهلا .. أهلا .. مدام سلمى .. أنا بقول ليه التليفون نور فجأة بالشكل ده ..

لم تتعود سلمى من نادر مثل هذا النوع من الترحاب .. فأبعدت التليفون عن اذنيها تنظر اليه غير مصدقة ما تسمع .. فنادر فى العادة يعاملها بطريقة رسمية .. ولكنها لم تقف عند هذا الأمر كثيرا .. فقالت باتزان : مساء الخير يا أستاذ نادر .. أرجو انك تكون بخير ..
نادر بنفس النبرة السعيدة : بخير والله يا مدام سلمى .. طول ما انتى بخير .. أؤمرينى ..
سلمى بتعجب وعقد للحاجبين : كنت حابة أعرف أخبار شيك التعويض بتاع بوليصة التأمين .. الشيك اللى باسم خميس وبنته .. يا ترى استلموه ولا لسة ..
نادر وقد اعتدل كلامه : لا والله انا لسة مستلمتهوش من شركة التأمين .. الولاد في المكتب عندى أخبرونى انه ح يتأخر شوية بسبب بعض الإجراءات الداخلية الخاصة بشركة التأمين .. علشان كده أنا محبتش أتصل بيهم الا لما يكون الشيك في ايدى .. زى ما اتفقنا انى ح اعملها لهم مفاجأة ..
سلمى وقد ارتاح قلبها قليلا لبراءة بسمة من ظنها : تمام .. تمام .. أنا متشكرة جدا .. بس يا ريت أول ما تستلم الشيك تبلغنى .. علشان حابة أحضر وقت استلامهم للشيك ..
نادر : أكيد .. بس يا ترى مش حنشوفك لغاية اليوم ده ..
سلمى وقد صدمها سؤاله : أفندم !!!!!!!
نادر محاولا تدارك ماقال : قصدى انى احب أطمن عليكى دايما .. تؤمرينى بأى حاجة تانية ؟
سلمى بهدوء وذوق : ميرسى .. أنا متشكرة لك جدا .. بتعبك معايا ..
نادر بسعادة : ياه يامدام سلمى .. ده انتى بس اتعبينى كل يوم .. ح أكون اسعد الناس ..
سلمى : ميرسى لذوقك .. باى باى أستاذ نادر ..

أغلقت سلمى التليفون وهى تفكر في التغيير الملحوظ الذى قد طرأ على أسلوب نادر معها .. تذكرت نظراته لها في الفترة الأخيرة .. وتحديدا منذ بدأت التعامل معه بعد وفاة مصطفى .. كانت نظراته تحمل شيئا مختلفا عن تلك التي كانت في وجود مصطفى .. وحتى عندما كانت تقابله منفردا قبل وفاة مصطفى كان متحفظا معها كما لو كان يقابلها في وجود مصطفى ..

لم تطيل سلمى التفكير في هذا الأمر فقد تذكرت موعدها مع بسمة .. حيث انهما اتفقا ان يلتقيا هذا المساء لتناول العشاء في احدى مطاعم أحد مولات القاهرة .. ثم يقمن ببعض التسوق .. كانت لدى سلمى الرغبة الشديدة في أن تهدى بسمة ببعض الملابس والمشغولات ..
بعد حوالى النصف ساعة من انتهاء العمل استطاعت سلمى أن تصل الى بسمة بسيارتها عند باب الجامعة كما اتفقا .. وجدت بسمة في انتظارها هي وبعض الشباب من البنات والأولاد .. وبمجرد أن لاحظتها استأذنت من زملائها لتركب السيارة مع سلمى ..

مرت ساعة وسط زحام السيارات حتى وصلا الى المول المتفق عليه .. وبالرغم من زحام السيارات الا انهما لم يشعرا بالوقت .. فقد كان الحديث بينهما أكثر من ممتع .. فقد لاحظت سلمى أحد زملاء بسمة عندما وصلت بسارتها الى أن أقلت بسمة معها .. لاحظت ذلك الشاب ان عينيه كانت معلقة ببسمة حتى بعد أن ركبت السيارة ومرت به وهو لا يزال عينيه معلقتين بها .. فسألتها سلمى عن المجموعة .. ثم ركزت سؤالها عن ذلك الشاب الوسيم الذى كان لا يبعد نظره عنها .. فأحمر وجه بسمة في خجل .. وظهر عليها التوتر بشدة .. فعلمت سلمى أن هناك شيء خاص بينهما .. وقضيا تلك الساعة في السيارة يتحدثان عن المشاعر الجميلة المتبادلة بينهما منذ السنة الأولى لالتحاقها بالجامعة .. فعلمت سلمى أن هذا الشاب الوسيم .. والذى يبدو عليه الثراء هو من اسرة ميسورة الحال .. والده هو أحد الدكاترة في الجامعة .. وبالطبع فهو من يدرس لبسمة ولدفعتها احدى مواد الطب .. هذا الشاب أسمه شريف .. يكبر سلمى بدفعتين .. طويل القامة بشكل ملحوظ .. وصاحب جسد ممشوق .. فهو لاعب كرة سلة بأحد النوادى المشهورة .. شعره بنى اللون و ناعم بدرجة مستفزة لبعض السيدات ذوات الشعر المجعد .. ابيض البشرة ولكنه ليس بشديد البياض .. ذو عينين على ما تظن لونها أفتح من لون شعره ..تحتهما أنف فارسية الشكل تعلو شارب ولحية غير كثيفة بنفس لون شعر رأسه كأنه خرج من التو من فيلم لمنطقة بلاد فارس .. باختصار .. كان من النوع الذى يجذب اليه اى من الفتيات او النساء مهما كان جمالها أو مستواها ..

جلسا بإحدى المطاعم لتناول العشاء .. لاحظت سلمى شرود بسمة الشديد منذ أن انهت الكلام عن شريف .. فعلقت سلمى على شرودها ممازحة : اللى واخد عقلك .. سبتينى ورحتى فين ..
ردت بسمة بعد ان انتبهت متفاجأة بتعليق سلمى : هه .. بتقولى حاجة ..
سلمى بابتسامة : واضح انك مش معايا خالص ..
بسمة وقد ظهر عليها الحزن الذى قلما يظهر عليها : تفتكرى يا طنط ان شريف ممكن يرتبط بواحدة زيي؟
سلمى : تقصدى ايه بواحدة زيك؟ ..
بسمة وقد طغى الخجل في نظرتها على الحزن فأطرقت بنظرها الى الطاولة وقالت : أقصد ان الفرق بينا كبير .. مش كبير وبس .. ده كبير جدا ..

فهمت سلمى ما تقصده بسمة ولم تريد أن تجيبها إجابات نمطية أو عنترية تزيد من آمالها في الارتبط بشريف فقالت بهدوء : انا فاهمة قصدك يا بسمة .. ومش ح أقول لك ان الأمر ده سهل .. بصراحة تسعين في المية من الناس في بلدنا يهمها جدا موضوع التكافؤ الاجتماعى والمادى .. علشان كده كل شيء متوقف عليكم .. انتى وهو .. يعنى .. بالنسبة لشريف .. لو بيحبك حب حقيقى .. حيحارب الدنيا كلها علشان يوصلك وتكونى من نصيبه .. وبالنسبة لك .. كل اللى عليكى انك متحسسهوش هو ولا أي حد من أهله اللى أنا شيفاه دلوقتى من خجل بسبب الفرق اللى بينكم .. كل اللى عليكى انك متشعريش ادامهم انك حاسة بالفرق اللى بتتكلمى عنه ده مطلقا .. ومحدش عارف بكرة مخبى لنا ايه .. مش يمكن تنزل عليكى بكرة ثروة من السماء تقلل الفرق اللى بتتكلمى عنه ده شوية .. قالتها ثم ضحكت بخبث .. فضحكت بسمة على تعليقها الأخير وهى لا تدرى ما ترمى اليه ..

مر يومان قبل أن يطلب نادر سلمى تليفونيا ليخبرها بخصوص الشيك الخاص بالتعويض من شركة التأمين ..
نادر : صباح الخير مدام سلمى ..
سلمى : أهلا أستاذ نادر ..
نادر بسعادة : خلاص يا ستى .. استلمنا الشيك النهاردة الصبح من شركة التأمين .. ياترى ايه طلباتك .. تحبى تبلغى خميس وبسمة بنفسك ولا أبلغهم أنا ..
سلمى : ايه رأيك تحدد انت معاهم ميعاد في مكتبك ونقابلهم احنا الاثنين .. ونفاجئهم بالموضوع ..
نادر : والله فكرة جميلة .. حكون سعيد انى أشوفك لأنى حابب أتكلم معاكى في موضوع كده .. تحبى أتصل بيهم امتى ؟
لم تتوقف سلمى عند سعادته لرؤيتها .. فقالت : ياترى ايه الموضوع اللى حابب تكلمنى فيه ؟
نادر : لما تيجى ان شاء الله ..
سلمى : طيب .. لو ظروفك تسمح .. نخليها النهاردة مساءا ..
نادر : أوى أوى .. أنا ح أطلب خميس وأطلب منه ييجى المكتب هو وبسمة بحجة تقفيل بعض أوراق القضية .. هي حجة مش مقنعة أوى .. بس عم خميس راجل طيب ومش ح يدقق في الكلام اللى بقوله ..
سلمى : اتفقنا يا أستاذ نادر .. تحب أكون عندك في المكتب الساعة كام ؟
نادر : انتى تشرفى في الميعاد اللى يناسبك يا سلمى ..

سلمى وقد هالها أن يناديها نادر باسمها مجردا لأول مرة ففغرت فمها واتسعت عينيها .. فها هو يرفع الرسميات بينهما ولكنها لم تستطع أن تعترض على ذلك حتى لا تحرجه بدون داع .. كما انها أحست بشيء من السعادة لا تستطيع أن تخفيه عن نفسها ولا تعلم له سببا.. فقالت : تمام يا أستاذ نادر .. حكون عندك الساعة سبعة ان شاء الله ..
نادر بسرور واضح في نبرته : في انتظارك من دلوقتى .. مع السلامة ..
سلمى باقتضاب .. وقد تمنت أن يقول اسمها مجردا مرة أخرى : مع السلامة ..

رن جرس تليفون بسمة وكانت في وقت راحة بين المحاضرات .. كانت قد سجلت رقم هاتف نادر أثناء حضوره مع والدها التحقيقات في قضية مصطفى ..

تعرفت بسمة على الطالب ولكنها عقدت حاجبيها مندهشة بأن يطلبها نادر المحامى .. ترى لأى سبب ؟ .. ردت بسمة بتردد : ألو ..
نادر : ألو .. آنسة بسمة معايا .. ؟ .. أنا نادر المحامى .. يا ترى فاكرانى ..؟
بسمة : أهلا .. أستاذ نادر .. طبعا فاكرة حضرتك .. خير حضرتك ؟
نادر : خير خير يا بسمة ان شاء الله .. يا ترى ممكن اكلم بابا ..
بسمة : للأسف بابا في البيت وأنا في الكلية ومعايا التليفون .. خيريا أستاذ نادر .. هو فيه حاجة ..
نادر : لا أبدا .. بس يا ريت حضرتك وبابا تشرفونى في المكتب النهاردة مساءا .. فيه شوية أوراق في القضية مطلوب تقفيلها ومحبتش انكم تروحوا قسم الشرطة تقفلوها ..فإن شاء الله حنقفها في المكتب عندى وبعدين واحد من المحاميين عندى حيوديها قسم الشرطة ..
بسمة بتعجب : هو مش المفروض ان القضية انتهت والمجرم اتحكم عليه ..
نادر : أيوة .. بس ساعات في القضايا اللى زى دى بيبقى مطلوب شوية توقيعات من أطراف القضية .. وعلشان كده عم خميس ح ييجى يمضى على بعض أوراق التحقيق مش أكتر ..
بسمة : تمام يا أستاذ نادر .. أنا قدامى ساعتين وأخلص محضراتى .. ان شاء الله حبلغ بابا .. وحنكون عند حضرتك في المكتب مساءا ..
نادر : تمام كده .. ممكن تشرفونى من بعد الساعة تمانية .. أنا موجود في المكتب لعشرة ان شاء الله ..
بسمة : ممكن نييجى قبل كده لو حبيت ..
نادر بتسرع : لا .. لا بعد تمانية كويس .. أصلى حكون مشغول مع العملاء قبل كده ..
بسمة : تمام حضرتك .. مع السلامة ..

أغلقت بسمة التليفون وهى غير مقتنعة بما يقوله لها نادر .. فالقضية قد انتهت منذ ما يقرب من شهرين .. فأى أوراق تلك المعلقة بعد غلق القضية والحكم على الجانى .. لذا طلبت بسمة سلمى للتحدث معها بخصوص هذا الأمر .. لعلها تجد لديها تفسير لما يحدث .. ردت عليها سلمى بهدوء متوقعة سبب المكالمة : أهلا بسمة ..
بسمة : طنط سلمى .. صباح الخير .. أنا آسفة انى بطلبك في الشغل .. بس فيه حاجة حصلت كده وبصراحة قلقانى حبتين فقلت أتكلم معاكى فيها .. يمكن ألاقى عندك تفسير ..
سلمى بنفس الهدوء : خير يا بسمة .. ايه الموضوع ..

حكت بسمة لها تفاصيل المكالمة التي تلقتها من نادر .. فانتهزت سلمى الفرصة لتطمئنها وتجعلها تذهب الى نادر بدون خوف .. فهى تعلم مدى خوف هذه العائلة من الاحتكاك بالشرطة أو القضايا بشكل عام .. فقالت لها : لا .. أطمنى وطمنى بابا .. أنا كمان رايحة علشان امضى على بعض الأوراق .. لو تحبوا نروح سوا ..
بسمة .. بعد أن هدأ توترها قليلا : ياريت .. هو طلب منى أكون في المكتب على الساعة تمانية .. تحبى حضرتك نمر عليكى الساعة كام ..؟

تعجبت سلمى من فارق المواعيد بين الميعاد الذى حددته هي لنادر والميعاد الذى حدده هو لبسمة .. فالفرق حوالى ساعة .. فماذا يريد منها في تلك الساعة .. ردت على بسمة لتقول:. تمام .. أنا عموما كنت حابة أكون عنده على الساعة سبعة علشان فيه شغل تانى بينى وبينه بخصوص ميراث مصطفى الله يرحمه .. بس مفيش مشكلة ممكن نروح سوا وبعد ما أخلص معاه موضوع الميراث .. نخلص توقيع الأوراق سوا .. خلاص نتقابل على ستة ونصف أمام باب الجراج .. ياللا باى يا حبيبتى ..

أغلقت سلمى الخط وهى ما تزال تفكر في أمر نادر .. لذا رغبت أن يمر الوقت حتى تعلم مراده ......

-------------------------------------------------------------

أرادت غادة من أمها أن تبارك الخطوة القادمة في زيارة حسام لاسرتها .. وان لا تقف في وجه ابيها أو تعترض على هذه الزيارة .. هي تعلم أنها تكره هذا الشخص وبشدة .. تعلم أنها تعترض على أن ترتبط ابنتها الوحيدة بشخصية مثل حسام .. بعد الطريقة التي تعرفت بها عليه .. وبعد الفرق الواضح بينهما ليس في العمر فقط ولكن في كل شيء .. تعلم أنه ربما كان السبب المباشر في مرض أمها .. ولكنها كانت في مرحلة من الضعف تجاه مشاعرها له لم تسمح لها أن تتخذ قرارا في انهاء هذه العلاقة .. بل نجح هو في أن يستغل هذا الضعف ولامس أوتار مشاعرها وعزف عليها الحانا تجعلها أشد ارتباطا به .. ألا وهى المدح والثاء والغزل بكلمات تذيب مشاعر الفتيات في مثل هذه المرحلة العمرية الخطرة .. لم يدع كلمة حب الا وقالها لها .. لم يترك مدحا في جمالها أو شخصيتها ورجاحة عقلها الا وصدح بها .. كادت أن تكون عجينة لينة في يده .. ولولا أنه يتمتع بقليل من الحكمة والأخلاق لجعلها تفعل ما يشاء من خلال الشات والتي تفعله فتيات ونساء كثيرة .. ثم تجد نفسها في النهاية فريسة لذئب بشرى حقير يبتزها كيفما يشاء .. لكن غادة حظها كان أفضلل قليلا منهن .. فلحسن حظها لم يكن حسام من هذه النوعية .. كان فعلا يتطلع الى الارتباط بها ..

دخلت غادة غرفة أمينة التي كانت تجلس في هذا الوقت على فوتيه بجوار نافذة غرفة نومها ممسكة بكتاب يقبع في حجرها .. أمامها البحر الواسع المنبسط لتلتقى نهايته بالأفق .. تنظر الى غروب الشمس التي أضحت أيام حبها لخالد مثله .. لم يعد لها معه الا الذكريات .. تتذكر في اليوم عشرات المواقف بينهما .. فتحاول أن تمحوها ولكنها لا تستطيع .. فأحيانا في خضم شرودها في تلك الذكريات تنسى كم هي غاضبة منه فتبتسم .. ثم تعود لتتذكر مافعله بها مؤخرا فتنساب دموعها على خدها من جديد ..

كانت مشاعرها في تلك الفترة في اضطراب شديد .. لا تعلم ما هو مصير العلاقة بينهم .. هل تطلب منه الطلاق .. لتثأر لكرمتها التي أهدرها في لحظة غفلة منه بعد هذا العمر الطويل بينهما .. ربما كان هذا هو الحل والعقاب بالنسبة لها .. فربما علم قيمتها ان كان قد أحبها يوما ما .. وربما هو الحل بالنسبة له .. فسوف تمضى لحالها وتتركه لمن أحب .. تتركه لسلمى بعد أن أصبحت حرة ووحيدة .. وعندما تصل لهذه الفكرة .. تتساءل ..لماذا لم يتزوج خالد من سلمى من البداية ؟ .. ان لم تكن العلاقة بينهما من قبل زواجه منها وزواج سلمى من مصطفى .. فمنذ متى بدأت العلاقة بين خالد وسلمى .. هل منذ بدأ مصطفى في السفر للخليج وترك سلمى بمصر .. أم هل منذ صار قعيدا وأصبحت سلمى في حاجة لرجل يشعرها بأنوثتها .. هل كان خالد وسلمى على علاقة طوال هذه السنين .. هل كانت هناك خيانة من سلمى لمصطفى كما كانت من خالد لها .. كيف تعرف .. وكيف تتأكد من هذا .. يكاد هذا الشعور يقتلها في اليوم مائة مرة .. هل خانها خالد خيانة جسدية طوال هذه السنين ؟؟؟؟ .. عشرات الأسئلة لم و لن تستطيع أن تجد لها إجابة .. إذن فالإنفصال والطلاق هو الحل .. لكنها تعود وتسأل نفسها .. وماذا بعد الطلاق .. هل من العدل أن تعطيهم جائزة خيانتهم بأن تتركهم بهذه السهولة ليرتبطوا وتحمل هي لقب مطلقة .. هل عندها القدرة على فعل ذلك .. وان كان عندها القدرة من منطلق أن الله سيتنقم منهم على خيانتهم لها ولمصطفى .. وأيضا من منطلق ان أفضل عقاب وليس بجائزة هو أن يرتبط الخونة بعضهم ببعض .. ثم ماذا بعد .. فأين تذهب هي في هذا العمر .. نعم فبالاضافة الى الذهب والمجوهرات التي تملكها كهدايا منه اليها فقد كتب لها مبلغ كبير في البنك باسمها يمكن أن تعيش من عائده .. ولكن كرمتها لن تسمح لها تحتفظبهداياه وأمواله وان لا ترد له كل قرش كتبه باسمها أو ذهبا أهداه اليها في يوم من الأيام .. إذن كيف ستعيش ومن أين ؟ ثم ان هناك غادة التي لم تكمل دراستها بعد .. كيف ستتركها وتمضى .. كما ان هناك أمير مازال يحتاجها حتى يتخرج من الجيش ويتزوج ويرحل الى بيته كما فعل أشرف .. لازال هناك سنوات فيها مهام كثيرة لها لا بد ان تستكملها مع أولادها .. هي لن تهدم بيتا بنته بجهدها وحبها لاسرتها .. لن تفعل .. لكنها سوف تنفصل عنه وهى لا تزال زوجة له .. وليفعل هو ما يشاء .. هذا كان هو القرار الذى تصل اليه في كل مرة ....

وقفت غادة على باب الحجرة بعد أن سمحت لها أمينة بالدخول .. تفكر كيف تفاتحها في موضوع حسام .. لم تجد مدخلا أفضل مما دار بينها وبين ابيها بخصوص هذا الموضوع .. فقالت : مامى .. ثم سكتت ..
أمينة مستنجدة بغادة على تفكيرها الذى لا يتوقف فيما فعله خالد بها : تعالى يا غادة .. تعالى يا حبيبتى .. رجعتى من الدرس أمتى ؟
غادة وهى تقترب من أمينة : من حوالى ربع ساعة .. كنت فاكرة انى حلقيكى قاعدة مع بابا في التراس .. بس لقيته قاعد لوحده .. هو ليه يا مامى مش بتقعدوا مع بعض زى الأول ..؟ انتى في الوقت ده كنتى بتحبى تشربى قهوتك انتى وبابا في التراس أدام الغروب ..
أمينة وهى تتجاهل سؤالا ليس لديه إجابة مقنعة على الأقل في الوقت الحالي .. تحبس دموعا لا تريد أن تراها غادة : قربى .. قربى يا غادة .. تعالى في حضنى .. أنا حاسة انك وحشانى أوى .. بقى لى كتير متكلمتش معاكى ..

غادة وهى تجلس على فخذ أمها وتضع رأسها على صدرها .. فأحاطت أمينة بيدها اليسرى رأس غادة تضمها اليها : واحشنى حضنك أوى يا أمونة .. متعمدة أن تناديها بالسم المحبب لها والذى تعود أمير أن يناديها به .. ربما لتستميل قلبها الى ما تريد أن توافقها عليه ..

ابتسمت أمينة في حزن وهى تعلم ما ترمى اليه غادة .. ثم ساد الصمت للحظات وغادة مستمتعة بحضن أمها التي تنهدت ثم قالت بهدوء : أخبار الدروس والمذاكرة ايه يا حبيبتى ..
غادة بلامبالاة : تمام .. كله تمام يا مامى .. سكتت غادة للحظات ثم قالت : انتى لسة زعلانة منى ؟
أمينة : وهى ما تزال تحتضن رأس غادة وتملس على شعرها بيدها اليمنى التي بالكاد بدأت في استخدامها : لا يا حبيبتى .. أنا عمرى ما أزعل منك أبدا .. أنا بس أزعل علشانك ..
غادة : أنا عارفة انى السبب في اللى حصلك .. وعارفة انك تعبتى بعد مقابلتك انتى وأمير لحسام .. بس اللى عايزة أقولهولك يا مامى انى مش ممكن ارتبط بحد غير لم يكون الجميع موافق عليه .. حتى لو كنت بحبه وبموت فيه .. وحتى لو على حساب سعادتى ..
أمينة وهى تتذكر سبب تعبها : لا يا غادة .. صدقينى لا انتى ولا حسام السبب في اللى حصل .. ده قدر ومكتوب يا حبيبتى .. انتى ملكيش يد فيه ..
غادة : طيب ايه اللى حصل .. ليه تعبتى فجأة بالشكل ده ..
أمينة : ما أنا قلت لك يا غادة .. قدر ومكتوب .. والحمد لله أنا بقيت أحسن .. بس ايه حكاية حتى لو كنت بحبه وبموت فيه .. مش شايفة انك لسة صغيرة على الكلام الكبير ده .. يا غادة ده انتى مكملتيش سبعتاشر سنة ..
غادة وقد أخجلها تعليق أمها : مقصدش .. صدقينى مقصدتش .. كل ما في الأمر انى حبيت أطمنك مش أكتر ..
سكتت لحظة ثم أردفت : على فكرة .. أنا حكيت لبابى عن حسام ..
أمينة بهدوء : خير ما فعلتى .. برافو يا حبيبتى .. وياترى قالك ايه ؟
غادة بشرود : هو كمان حابب يقابل حسام ..
أمينة بحماس ضعيف مصطنع : طيب خير ..
غادة بتردد : مامى .. انتى ليه مش عاجبك حسام ؟
أمينة : يابنتى .. أنا ميهمنيش غير سعادتك .. وبدون زعل .. واعتبريها وجهة نظرى مش أكتر .. هو مش مناسب ليكى بالمرة .. فرق السن والمستوى الاجتماعى بينكم كبير .. وحتى على فرض ان فيه حب بينكم زى ما انتى حاسة دلوقتى .. صدقينى يا غادة .. الفروق دى كفيلة انها تقضى على أي حب .. انتى يا بنتى الفرق بينكم تخمسة وعشرين سنة .. يعنى في الوقت اللى هو حيوصل فيه للستين من عمره حتكونى انتى في عز شبابك .. انتى يا غادة لسة صغيرة وفيه أمور يا بنتى في الجواز مقدرش أوضحها لك في السن ده .. وبعدين انتى اتربيتى في مستوى اجتماعى أعلى بكتير من اللى هو عايش فيه .. وأنا متأكده انك لا يمكن حتقدرى تعيشى في مستواه اللى هو حكى لنا عنه .. انتى متخيلة يعنى ايه شقة صغيرة في حارة وبيشاركم فيها اختينه اللى أكبر منك ولسة متجوزوش .. متخيلة كم المشاكل اللى ممكن تتوجد بينكم .. ايه يا بنتى اللى يجبرك على كل ده .. أنا مش عايزة أقولك ان اللى انتى بتعشيه مع حسام ده مش حب .. لأنى عارفة انك عندية وحتحاولى تثبتى لى وللدنيا وجهة نظرك وان مشاعرك نحيته حقيقية .. حفترض يا غادة انه حب .وحب كبير كمان .. ياترى حتقدرى تضحى بالمستوى اللى انتى عايشة فيه دلوقتى علشانه .. الجواز يا غادة شيء والحب اللى انتى مبسوطة بيه في سنك ده شيء تانى خالص .. الجواز مسئولية قبل كل شيء .. والحب علشان يعيش بين اتنين لازم يكون له مقومات تساعده وتدعمه .. مش كلام وبس ..عمر الكلام الحلو يا غادة ما بيفتح بيت ولا بيخلى الحياة تستمر بين اتنين بينهم الفروق الكبيرة دى .. انتى اول واحد قالك كلمتين حلوين ومدح في جمالك واخلاقك وشخصك إتعلقتى بيه .. انتى لسة العمر قدامك يا حبيبتى وياما حتقابلى شباب ورجالة في حياتك .. سكتت قليلا تلتقط أنفاسها وتهدأ انفاعالتها قليلا ثم قالت : اللى أقصده يا حبيبتى انك ممكن تقابلى الحب الحقيقى بعد كده و تكتشفى ان اللى انتى فيه ده مكنش حب بس بعد فوات الآوان .. وساعتها حتندمى اشد الندم وحتتلخبط حياتك زحتعيشى في تعاسة بقية عمرك .. بلاش يا غادة .. بلاش تخلى في بداية حياتك شجرة واحدة تدارى عنك باقى الغابة .. انتى لسة صغيرة .. حتى لسة مدخلتيش الكلية واتعرفتى على شباب من سنك .. الدنيا مليانة بالناس اللى من سنك ومستواكى وبصرف النظر عن الحب والجواز فيه حاجات كتير الإنسان يتطلع ليها .. دورى في حاجة انتى بتحبيها واعمليها بغرض انك تنجحى فيها ويبقى لك فيها وبيها كيان وميزة عن اللى حواليكى .. انتى طول عمرك بتحبى الرسم وموهوبة فيه .. نمى الموهبة دى لغاية ما توصلى للإحتراف فيها .. وكمان بتحبى الموسيقى وبتلعبى بيانو .. خدى رنيم مثل .. شايفة وصلت لايه من هوايتها .. على الأقل حلت مشاكلها مع جوزها واستقرت حياتها وعايشين في سعادة .. عارفة ليه .. علشان هي مكتفتش بان اشرف بس يكون محور حياتها .. يا غادة لو ارتبطتى بحسام قبل ما تدخل الجامعة اللى انتى حباها وقبل ما تختارى لنفسك كيان .. ساعتها حتندمى أشد الندم يوم ما تحسى انك ضيعتى حاجات تانية مهمة في حياتك .. حتندمى يوم ما حتبقى زوجة وبس .. حتندمى يوم ما قلبك يدق لحد تانى من سنك وحتى لو مش من مستواكى .. الموضوع مش سهل يا بنتى .. أدى نفسك فرصة للتفكير .. على الأقل وقفى أي علاقة في حياتك لمرحلة تكونى فيها نضجتى أكتر من كده .. فكرى .. فكرى كويس يا غادة ..
كانت غادة تستمع لكلام أمينة وهى مازالت تضع رأسها على صدرها .. وأمينة تمسح على شعرها بحنان .. كانت تفكر في كل كلمة وجملة تقولها .. لأول مرة غادة تفكر .. وتستحضر مشاهد من حياتها مع حسام ذو الأمكانيات المحدودة .. تفكر وترتعب أنه ليس صادق عندما يتحدث عن فيلا وشركة .. فكيف ستكون حياتها معه ومع أختيه ..بالتأكيد سوف لا ترتاح في عيشتها معهم .. أول مرة يبدو لها كلام أمها منطقيا خصوصا وهى تقوله لها بهدوء وليس مثل المرات السابقة عندما كانا يختلفان على أمر أو وجهة نظر ما .. حيث كانت أمينة تنهرها وحسب ..
كانت غادة في حاجة لهذا الاحتواء والحنان من أمينة حتى تستطيع أن تفكر بهدوء ومنطق ..
ردت غادة بهدوء : أنا بصراحة مش عارفة أفكر .. حاسة انى محتاجة وقت ..
أمينة بتشجيع هادئ .. وقد أحست أن كلامها قد جاء بنتيجة إيجابية : خدى وقتك يا غادة يا حبيبتى ومتتسرعيش .. ومتخليش أي كلام حلو بتسمعيه منه يأثر على تفكيرك وقراراتك ..
غادة : يعنى انتى مش زعلانة منى أو من انه حييجى يقابل بابى ؟
أمينة : لا يا غادة مش زعلانة .. وربنا يقدملك اللى فيه الخير والسعادة يا حبيبتى ..
غادة : طيب انتى حتقابليه مع بابى ..؟
أمينة : لا يا غادة .. انتى عارفة يا حبيبتى انى لسة تعبانة .. ومحبش حد يشوفنى بالشكل ده .. اعذرينى يا حبيبتى ..
غادة : أنا فاهمة يا مامى .. اللى يريحك .. سكتت قليللا ثم قالت : مامى عايزة اسألك سؤال ..
أمينة : خير يا غادة !!
غادة : انتى زعلانة من بابى في حاجة ؟
أمينة : ليه بتقولى كده .. لا يا حبيبتى .. أنا أمورى مع بابى بخير الحمد لله ..
غادة : امال ليه أنا حاسة ان فيه حاجة متغيرة في العلاقة بينكم .. مش بشوفك ملهوفة عليه زى الأول .. ودايما لوحدك .. حتى لما بيدخل الأوضة بيخرج منها بسرعة .. فيه حاجة مش مريحانى .. انتم متغيريين مع بعض ..
أمينة وهى ترسم ابتسامة على وجهها :صدقينى يا حبيبتى .. مفيش حاجة من اللى في دماغك .. كل الحكاية انى بقيت عصبية شوية بسبب التعب اللى مريت بيه .. وحاسة انى عايزة أكون لوحدى .. فترة وحتعدى وكل شيء حيرجع زى الأول وأحسن .. بس ادعيلى انتى في صلاتك بالشفا وراحة البال ..
غادة : حدعيلك .. أثم احتضنت أمها بشدة وهى تقول : انا بحبك أوى يا مامى ..
أمينة وهى تضم رأسها الل صدرها .. : وأنا كمان ياروحى بموت فيكى ..

خرجت غادة الى حجرتها وجلست على مكتنبه تفكر في كلام أمها الذى بدا لها منطقيا مقنعا ولكن لسوء حظها انتبهت على طلب حسام للشات على شاشة اللابتوب .. ترددت قليلا في الرد عليه ولكن الشيطان ونفسها لم يعطياها فرصة لأن تمتنع عن الرد عليه ولمزيد من الفكير في كلام أمينة .. فوجدت نفسها تسمح بالكلام معه وقد أصبح الكلام بينهما بظهور صورهما من خلال كاميرا اللابتوب لدى كل منهم ..
حسام بحنان : حبيبتى ..ليه اتاخرتى في الرد على .. ؟
غادة : ابدا كنت خارج اوضتى ولسة داخلة .. سكتت للحظة ثم اردفت بغضب ونرفزة .. وبعدين هو انا يعنى المفروض ابقى مرابطة ادام اللاب الأربعة وعشرين ساعة ..
حسام باندهاش : فيه ايه يا غادة .. أنا بس قلقت عليكى ..

أحست غادة بسخافة ردها عليه فقالت بهدوء .. سورى يا حسام .. مقصدش .. أنا بس كنت قاعدة مع مامى ومشغولة عليها شوية ..
حسام : ازيها دلوقتى ..
غادة : الحمد لله بتتحسن .. بس مش هو ده اللى شاغلنى ..
حسام : طيب طالما صحتها بتتحسن .. ايه بقى اللى شاغلك عليها كده ؟
غادة بتردد : مش عارفة يا حسام .. حاسة ان علاقتها ببابى مش زى الأول .. حاسة ان فيه حاجة بينهم بعداهم عن بعض .. مش بيقعدوا مع بعض ولا بيتكلموا زى الأول .. وهى حابسة نفسها في اوضتها معظم الوقت .. وده موترنى وعامل حالة مش ظريفة في البيت .. خصوصا ان أمير في الجيش ومش بلاقى حد أتكلم معاه أو أفهم منه اللى بيحصل ..
حسام باستظراف : ده من حسن حظى .. علشان متلاقيش الا انا تتكلمى معاه .. بس بصراحة مامتك دى تخوف .. تحسى انها شخصية قوية وجامدة أوى و .....

وقبل ان يستطرد حسام اكثر في كلامه عن أمها قاطعته غادة بغضب : حسام .. من فضلك .. انا قلت لك قبل كده بلاش تتكلم عن اى حد من عيلتى بالطريقة دى .. وفهمتك انهم خط احمر و ......
قاطعها حسام : خلاص .. خلاص يا حبيبتى والله مقصد شيء وحش أبدا .. ده أنا حتى معجب بشخصيتها جدا وخوفها هليكى .. والله مامتك دى شخصية محترمة جدا .. ارجوكى متزعليش ..

غادة وهى نحاول أن تهدأ قليلا : أوكى يا حسام .. خلينا في المهم .. سكتت وهى مترددة هل تفاتحه في رغبة والدها في لقاؤه أو تتريث قليلا وتعطى نفسها فرصة في إعادة النظر في هذه العلاقة .. ولكن للمرة الثانية غلبها شيطانها ونفسها فتسرعت وقالت : على فكرة أنا اتكلمت مع بابى بخصوصك .. وهو عايز يقابلك ..

شعر حسام بأن قلبه قد وقع برجليه بعد جملتها الأخير .. فقال بتلعثم وقلبه يسرع في النبض : بجد .. وقلتيله عنى ايه .. ويحب امتى وفين نتقابل ..
غادة وهى مهمومة من تسرعها وعدم السيطرة على نفسها : في البيت عندنا وحسب وقتك .. وعلى فكرة أنا حكيت له كل حاجة عنك ..
حسام بريبة : طيب وهو ايه رأيه أو رد فعله في اللى حكيتيه له عنى ..
غادة : هو معندوش مانع نرتبط لو حيشوف انك مناسب .. بس طبعا بعد ما اخلص الثانوى وادخل الجامعة ..
حسام بفرح : بجد .. طيب كويس جدا .. ان شاء الله الأسبوع اللى جاى انا عندى مأمورية في اسكندرية .. ححدد لك ميعادها بالظيط بحيث تبلغى والدك ..

انهت غادة المكالمة مع حسام بعد سماع وابل من كلمات الحب والهيام فيها وقصائد المدح التي
ولأول مرة لم تستلذ بطعمهم كما كان يحدث من قبل ... فهى كانت شاردة حائرة لا تستمع لكلماته .. وبالكاد لم تكن معه أو تسمعه.. فقد كانت تستمع في داخلها لصوت القلب وصوت العقل يتحاجان ويتصارعان بداخلها ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 10:32 PM   #37

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثامن عشر

البديات الجديدة
الفصل الثامن عشر

كانت رنيم في تلك الأيام مشغولة بدرجة كبيرة فهى بين مشغولياتهابأمور بيتها وكتابتها وبين زياراتها اليومية لأمينة صباحا .. تصاحبها أثناء جلسات العلاج الطبيعى .. فقد كان جميع من في البيت مشغول أثناء الصباح .. فخالد وأشرف كل في عمله وغادة بطبيعة الحال في المدرسة .. وبالرغم من أن خالد لم يمل ان يعرض على أمينة أن يصاحبها هو في جلسات العلاج الطبيعى .. الا انها في كل مرة كانت ترفض وبشدة .. لذا كان على رنيم أن تقوم بهذا الدور نيابة عن الجميع .. ولكنها كانت في قمة سعادتها وهى تفعل ذلك .. فهى تحب أمينة ايما حب وتعتبرها أما ثانية لها .. وكذلك تبادلها أمينة نفس شعورها .. وفى المساء كان يمر عليها أشرف ليصحبها الى منزلهما .. وقد تحسنت العلاقة بينهما الى حد كبير .. فكانوا أحيانا يقضون بقية اليوم بمنزل والديه .. وأحيانا يصحبها الى النادى أو يقضون الوقت المتبقى من اليوم بإحدى المولات ثم يتناولون العشاء ويعودون لمنزلهم .. وبالطبع كان أشرف ينام مبكرا ليستطيع أن يقوم مبكرا الى عمله .. فكانت رنيم تخلو بنفسها وكتاباتها التي أصبحت جزءا هاما في حياتها ..

قررت رنيم أخيرا على أن تنشر احدى قصصها التي ألفتها في سن المراهقة وكانت مكونة من مجموعة قصص صغيرة للأطفال .. ترددت في البداية في أخذ هذه الخطوة .. فبالرغم من اعجاب الكثيرين بخواطرها التي كانت تنشرها بين الحين والآخر .. وبالرغم من تعليقات المدح الكثيرة التي لاقتها خواطرها والقبول لدى الجميع .. الا انها كانت تهاب اتخاذ خطوة نشر أي من قصصها .. لذا تكلمت مع أمينة في هذا الأمر .. فطلبت منها أمينة ان تطلعها على القصة التي ترغب في نشرها لتقرأها وتدلى لها برأيها فيها .. وبالفعل قرأت أمينة مجموعة قصص الأطفال وأعجبت بها وبخيال رنيم الرائع في سرد قصص للأطفال .. فشجعتها على نشرها .. وأكدت لها أنها سوف تلاقى استحسان القراء .. فهذا النوع من القصص قد اندثر منذ زمن ولم يعد هناك كتاب بارعون في كتابة قصص الأطفال كالعهود السابقة ..

نشرت رنيم مجموعة قصص الأطفال .. وفوجئت أنه بعد ساعات قليلة من نشرها انهالت عليها التعليقات التي تحتوى على كلمات المدح والثاء على الأسلوب والفكرة والخيال الرائع لديها .. كانت تقرأ التعليقات الواحد تلو الآخر وهى في سعادة بالغة لدرجة ان عينيها كانت تزرف دموع السعادة ..
أحست رنيم بأنها لم تسعد أو تساعد نفسها فقط .. بل قد أسعدت وساعدت الكثير من القراء .. فقد أرسلت لها أحدى الأمهات تعليقا جميلا يحمل شكرا على الروايات التي ستبدأ تحكيها لأطفالها قبل النوم وانها متأكدة من أن هذه القصص ستنمى خيال أولادها وتبعدهم عن ألعاب الموبايل والكمبيوتر والبلاى ستيشن وتجعل لهم أهداف أكبر في الحياة .. فهى ليست مجرد قصص وحكاوى للأطفال .. بل هي بجانب متعة الحدوتة الا انها تحمل في طياتها أشياء تعليمة أخرى وقدوات رائعة تؤثر في وجدان الطفل وتأخذ بيده الى حب الأخلاق الحميدة والطموح دون أن يدرى .. واختتمت تعليقها بأن قالت لها .. انتظرى مفاجأتى لك ..

وبالفعل .. لم يمر أسبوع حتى تلقت رسالة من الأم صاحبة التعليق والتي أرسلت لها رقم تليفونها وطلبت منها ان تتواصل معها في أمر هام .. ترددت رنيم في البداية ولكنها في النهاية قررت أن تفعل .. فطلبت رقمها وعرفتها بنفسها .. فأخبرتها انها أم لتوأم من الصبيان عمرهم سبع سنوات وطفلة عمرها اربع سنوات وانها كانت تعانى معهم أشد المعاناة في أن تجعلهم يتوقفون عن اللعب طوال اليوم وتجد صعوبة بالغة في ان يتركوا الأجهزة الألكترونية من أيديهم .. أو أن يخلدوا للنوم في ميعاد مبكر حتى قرأت مجموعة قصص الأطفال لرنيم على احدى المنتديات وبدأت تحكيها لهم على أجزاء كل يوم .. فغيرت مجموعة القصص من سلوكهم كثيرا .. حتى أنه أصبح عقابهم على عدم الامتثال لأوامرها هو الحرمان من سماع القصص .. ثم شكرتها كثيرا عليها .. وبعد ذلك أخبرتها أن والدها صاحب دور نشر كبيرة وقد عرضت عليه مجموعة القصص وأعجب بها وطلب منها التواصل مع رنيم لتعرض عليها أن تنشر لها القصة مقابل مبلغ كبير من المال .. وتلك كانت مفاجئتها لها والتي أخبرتها بها عند التعليق على الرواية في جروب الرويات التي نشرت عليه رنيم قصصها .. فرحت رنيم كثيرا واستفاضت في شكرها واعتبرت هذا الحدث أهم حدث لها في حياتها بعد زواجها من أشرف .. كادت رنيم وقتها أن تطير من السعادة .. وطلبت رنيم أمينة فور انتهاء المكالمة لتخبرها هذا الخبر الرائع .. ثم أخبرت أسرتها بعد ذلك .. ولم تخبر اشرف لتجعلها مفاجأة له كما اتفقت مع أمينة ..

في المساء عاد أشرف الى والديه .. ففوجئ بتغيير ملحوظ في البيت .. فالجميع كان يرتدى ملابس الخروج .. فتعجب عاقدا حاجبيه ينظر اليهم لعل أحدا يجيبه .. كانت رنيم تجلس بجوا ر امينة على اريكة الانتريه وغادة تجلس بجوار رنيم وخالد بالكرسى المجاور .. فبادر خالد قائلا وهو يبتسم : تحب تخرج معانا ولا تخرج انت ومراتك تحتفلوا لوحدكم .. على العموم لو حابب توفر انا عازم الجميع على العشا في ارقى مكان بالإسكندرية ..

نظر أشرف الى ابيه الذى ظل مبتسما له .. فمر بعينيه الى غادة ثم رنيم ثم أمينة التي أجابته .. مبروك لرنيم يا حبيبى .. عقبال ما نبارك لك على حملها قريب انشاء الله ..

كانت امينة قد انهت جزءا كبيرا من العلاج وجلسات العلاج الطبيعى .. لذا قد تحسنت لحد كبير .. فهى تستطيع الآن أن تسير دون مساعدة مع وجود عرجة خفيفة جدا بساقها اليمنى .. كما أن كلامها قد أصبح طبيعيا لدرجة كبيرة .. فمن لا يعرفها لا يلاحظ أي عيب في طريقة نطقها للكلمات ..
رد أشرف وهو ما زال عاقدا حاجبيه : ثانية واحدة .. أنا مش فاهم حاجة .. انتم كلكم لابسين وجاهزين للخروج .. وحسب ما فهمت من كلام ماما اننا خارجين نحتفل برنيم .. بس يا ترى ايه هو سبب الاحتفال ..؟ قال جملته الأخيرة وهو يبتسم ابتسامة بنصف شفتيه ...
رد خالد بفخر : الظاهر ان الزوج هو آخر من يعلم .. مراتك ياسيدى أصبحت كاتبة كبيرة مشهورة .. ودور النشر بتتمنى تتعاقد معاها لنشر قصصها .. بذمتك الموضوع ما يستحقش احتفال .. على فكرة .. أنا كلمت والد رنيم الأستاذ أحمد وعزمت العيلة كلها علشان تحتفل معانا بنجاح رنيم .. ياللا بقى ياولد متعطلناش وروح أجهز بسرعة ..
دخل اشرف ببطء حتى وصل الى رنيم وقال لها في وجوم : ممكن تحصلينى ؟ ثم توجه الى غرفته بمنزل والده ..

نظرت رنيم الى الجميع بحرج .. هي لا تعلم ماذا يدور في عقل زوجها .. ولكن تصرفه الغامض جعلها ترتبك .. فتبسمت لهم بارتباك ثم ذهبت الى أشرف في الغرفة وأغلقت الباب وراءها .. فهى قد أحست انه ربما تكون هناك عاصفة غضب من قبل أشرف ولا تريد لأحد منهم أن يشعر بها فيفسد فرحة وسعادة الجميع ..

وقفت رنيم بالقرب من الباب ونظرت الى ظهر أشرف عاقدا يديه خلف ظهره تسأله : فيه ايه يا أشرف ؟
التفت اليها أشرف بغضب : فيه ايه !! بتسألى فيه ايه .. بالذمة مش مكسوفة من الموقف اللى حطتينى فيه ادام أهلى ..
رنيم .. وقد فاجأها كلامه وطريقته : مش فاهمة .. تقصد ايه ..
أشرف وقد بدأ يعلو صوته : أقصد اللى بابا قاله من شوية .. الظاهر ان الزوج آخر من يعلم ..
اقتربت منه رنيم محاولة امتصاص غضبه : أهدى يا أشرف من فضلك وبلاش صوتك يعلى بالشكل ده .. الموضوع أبسط من كده .. أنا نفسى أتفاجأت بموضوع دار النشر .. عمرى ما توقعت ان القصة اللى نشرتها على الفيس بوك حتعمل الضجة دى .. وبالنسبة لموضوع النشر والاحتفال دى كانت فكرة ماما أمينة حبت اننا نعملها لك مفاجأة ..
أشرف وقد هدأت نبرة صوته قليلا : ومن امتى سيادتك بقى بتنشرى قصص على الفيس بوك .. وطبعا بقى لك معجبين رجالة كتير .. وطبعا انتى مبسوطة من كده جدا ..

نظرت له رنيم متسعة العينين لا تصدق ما تسمعه ولكنها تحكمت في غضبها حتى لا تشتعل بينهما مشاجرة في بيت ابويه .. فقالت بحزم : اسمع يا أشرف أنا مش ح اسمح لك انك تفسد على وعلى الناس اللى بره وعلى أهلى اللى حنقابلهم كمان شوية فرحتنا .. وعلشان كده ح اعتبر نفسى انى مسمعتش شيء من التخريف اللى بتقوله .. وبعدين دى مش مشكلتى انك مش متابع اللى بنشره على الفيس .. وكفاية انك اثبت لى انك حتى مش بتكلف نفسك وتبص على البوستات اللى بنزلها على الفيس .. يعنى ولا كأنى موجودة بحياتك .. مع اننا المفروض اننا فرندز على الفيس من قبل الجواز .. وبشوف كل ردود فعلك على غيرى اللى طول اليوم بينزلوا تفاهات وسيادتك متفاعل معاهم بدرجة مستفزة .. عموما .. متشكرة على اهتمامك الواضح بيه ..
قالت رنيم ما قالت ثم جلست على حافة السرير تبكى ووجهها بين كفيها .. فأحس أشرف بخطأه وتسرعه .. بل وسخافة رد فعله .. فأقترب منها ووضع يده اسفل ذقنها و رفع وجهها اليه .. فحاولت هي ان تشيح بوجهها عنه .. ولكنه مد كلا ذراعيه وأمسك كتفيها ليجذبها اليه يضمها الى صدره قائلا بحنان : أنا آسف .. حقك عليا .. الظاهر ان اعصابى تعبانة شوية من الشغل .. وكمان موضوع أيمن شاغلنى وموترنى حبتين ..

رفعت رنيم وجهها من على صدره .. ونظرت اليه وما زالت دموعها على خديها .. فمد أشرف يده ليمسح دموعها قائلا بحنان : حقك عليا .. ثم ضمها لصدره مرة أخرى بعد أن طبع قبلة على جبينها .. ثم قال لها بعد لحظات .. ياللا بينا .. ميصحش نسيبهم مستنيين أكتر من كده ..
ردت رنيم : اوكى .. بس قول لى الأول .. ايه أخبار أيمن .. الحالة وصلت لفين ..
أشرف بتنهد : والله يا رنيم الحالة المرضية تعتبر مستقرة والمفروض انه حيعمل العملية بعد ما نرجع من العمرة .. بس اللى قالقنى هو التحول الغريب والسريع في حياته .. ده بقى انسان تانى .. اتغير ميه وتمانين درجة ..
رنيم عاقدة حاجبيها : ازاى يعنى ؟
أشرف : انتى عارفة حياته كانت عادية زى أي شاب معاه فلوس .. بيعمل كل اللى بيعمله الشباب .. ومكنش في دماغه أبدا حتة الالتزام والصلاة والقرب من ربنا .. فجأة بعد ما عرف موضوع الورم ده أتغير تماما .. مع انه المفروض انه كان على علم بيه من قبل كده .. بس المرة اللى راح فيها للدكتور على وعمل له المنظار والتحاليل وأكد له وجود الورم .. أيمن من بعدها بقى انسان تانى .. تصورى .. ده أصبح بيصلى كل الصلوات بالمسجد .. ومعظم وقته مقضيه في المسجد يستمع لدروس الشيوخ ..
رنيم وقد اندهشت مما سمعته : سبحان الهادى .. سكتت لحظة ثم أردفت .. تعرف يا أشرف .. ساعات ربنا بيبعت لنا البلاء علشان يبعدنا عن بلاء أكبر .. ودى بتبقى الرحمة اللى الناس ممكن تعتبرها شر في حياتهم .. بس هي في النهاية حكمة من الله سبحانه وتعالى علشان يهدى بيها عباده اللى بيحبهم ..
أشرف : والله عندك حق .. مين كان يصدق ان أيمن يتهدى بالشكل ده .. وقبل أن يخرجا من الحجرة .. قال لها أشرف بتردد : رنيم .. يضايقك لو عزمت أيمن يخرج يتعشى معانا كلنا .. أنا بصراحة صعبان على و مش عايز اسيبه في وحدته دى ..
رنيم بابتسامة : طبعا يا حبيبى .. يا خبر .. مفيش أي مشكلة ........

بعد ساعتين كان الجميع على طاولة كبيرة بأحد مطاعم الإسكندرية المقامة على شاطئ البحر في ضحك وسمر وتبادل الأحاديث الفردية والجماعية .. وبالطبع كانت رنيم هي نجمة هذا التجمع .. والجميع تنظر لها أو يتحدث معها من منظور مختلف عن الآخر .. فوالديها وأمينة وخالد كانوا ينظرون اليها نظرة اعجاب وتقدير وفخر .. أما أختها رغد وغادة فكانوا ينظرون اليها نظرة اعجاب وتمنى أن تصبح كل منهما نجمة يوما ما في مجال ما .. أما زوجها أشرف .. فكان يشعر بالأعجاب والفخر انه ينتمى الى هذه النجمة وهى تنتمى اليه .. ولكن كان يشعر في نفس الوقت بشيء من الغيرة والخوف .. فهى قد تفوقت عليه بما يسمى السهل الممتنع وأصبحت تفوقه شهرة وتقدير في لمح البصر .. بوربما أيضا مال في القريب العاجل .. فبالتأكيد سوف تفوق قدرته المالية .. لذا فهو ينتابه شعور بالغيرة من هذا النجاح .. وفى نفس الوقت خوف من أن تفسد هذه الشهرة والقدرة المالية المتوقعة لها عليهم حياتهم ..

أما أيمن فكان ينظر الى نفسه قبل أن ينظر الى أي أحد آخر بيأس وقنوط من الحياة .. كان شاردا في واد آخر .. يشعر أن كل ما يتحدثون عنه هراء .. لا قيمة له .. لولا نظرات تلك الفتاة التي تجلس أمامه على يمين والدها وبجوارها رنيم .. فكان كلما تطلع الى أي أحد من الجالسين أمامه يتكلم .. يلاحظ أنها تنظر اليه نظرات ذات طابع خاص .. يعلمها جيدا من واقع خبراته السابقة بالفتيات .. كان يراها جميلة وقريبة الشبه من أختها .. بل ربما تفوقها جمالا ومرح وحيوية .. لا ينكر بينه وبين نفسه ان نظراتها ذات المغزى قد لفتت انتباهه اليه .. ولكنه كان كلما سرح فيها قليلا تذكر مرضه .. ومصيره الذى قد يسير به المرض اليه .. فكان لا يلبث أن يعود الى رشده ويتوقف عن فكرة كانت تدور برأسه تجاهها ..

انتهت السهرة الجميلة وعاد كل واحد منهم الى منزله يحمل ذكريات هذه الليلة التي قد تركت انطباعا لدى كل واحد منهم .. فرنيم كانت هي الأسعد بينهم بانجازها الذى تحقق بفضل أمينة ونصائحها التي فتحت لها الباب لآفاق لم تكن تدركها لولا احساسها بها وكلامها معها ومعاملتها الطيبة وكأنها ابنتها .. فلو لم تتكلم معها أمينة في هذا اليوم بنادى اليخت وونصيحتها لها بأنها يجب أن تتغير لم تكن لتصل الى ما وصلت اليه وربما كانت الى الآن تدور داخل دائرة أشرف فقط .. وستظل تنظر اليه كشجرة واحدة تحجب عنها بقية الغابة .....
وأشرف عاد بمشاعر متناقضة سعادة وخوف وغيرة ..

ورجعت غادة بفكر جديد وأيضا .. بفكرة جديدة .. حركت طموحها بعيدا قليلا عن فكرة الارتباط بحسام وفقط .. أدركت ولو نسبيا أنه من المهم أن يكون لها كيانها الخاص .. وهواياتها الخاصة التي ربما تتحول يوما ما الى احتراف يضيف اليها .. ليشار اليها بالبنان كما حدث مع رنيم .. فالزواج وفقط .. ليس الهدف الأوحد أو الأسمى لحياة الانسان .. ولكن هناك أهدافا أخرى أعلى قيمة من الزواج .. أحداها أن يشعر المرء بأنه إضافة الى المجتمع والى من حوله .. أدركت أن العطاء بلا انتظار المقابل .. حتما سيؤتى ثمارا أكثر قيمة مما نعطى .. فقررت أن تكون لها وقفة مع نفسها لتبحث عن دور جديد أو اضافى لها في الحياة بجانب حبها لحسام .......

وأما خالد .. فبجانب سعادته وفخره بنجاح رنيم .. الا انه أحس بأن الباب المغلق بينه وبين أمينة على وشك أن يفتح ولو قليلا .. فقد كانت تجلس الى جواره ولم تمانع أن يشاركها تعليقاتها أو يمسك بيدها متعمدا .. صحيح أنه يعلم أنها ربما كانت تجاريه أمام الجميع حتى لا يشعر الآخرين انهما على خلاف .. ولكنه كان سعيدا بالقرب منها .. كما أنه لاحظ اهتمام غادة وحماسها الشديد لما حققته رنيم .. فعلم بحكم انه يعلم ابنته جيدا وكيف تفكر .. علم أن غادة على أبواب تغيير كبير في حياتها .. وذلك سوف يساعده في مهمته تجاه موضوع ابنته والسيد حسام .. فكان ممتنا جدا في داخله لرنيم ....

وعن أمينة .. رجعت أمينة تغمرها سعادة وفخر برنيم .. كانت تشعر ان ابنتها هي من حققت هذا الإنجاز وليست زوجة ابنها .. كانت تشعر بالرضا عن نفسها ان اقتربت من رنيم ونصحتها بتغيير نفسها لنفسها أولا .. ثم لحياتها مع زوجها .. ولكنها كانت في نفس الوقت تشعر بعدم رضا عن الظروف التي وضعتها في هذا القرب من خالد من جديد .. كانت مازالت مجروحة القلب منه .. لا تزال غاضبة من فعلته وخداعه لها طوال هذه السنين .. ولكن كان عليها أن لا تظهر غضبها هذا منه للآخرين ....

رجع أحمد وعلياء وهم أكثر المحتفلين سعادة بابنتهما الكبرى .. فليس هناك أحد يمكن أن تكون سعادته أكثر منهما ..

رجعت رغد وقلبها قد أصابه سهم الحب الأول .. أحبت رغد أيمن .. الذى عاد هو الآخر مصابا بنفس السهم ولكن الفرق بينه وبين رغد انها اطلقت لنفسها وقلبها ومشاعرها العنان لهذا الحب .. أما هو فكان يجاهد نفسه ايما جهاد .. حتى لا ينساق الى حب لا أمل في نهاية سعيدة له .. فيترك قلبها جريحا على قلبه الصريع ..

----------------------------------------------------------------

مر أسبوع قبل أن تأتى غادة لأبيها بخبر من حسام الذى قد حدد ميعاد ليقوم فيه بزيارتهم للتعرف على والدها .. مر الأسبوع كان فيه خالد قد جمع الكثير من المعلومات عن حسام بعد أن علم اسم الشركة التي يعمل بها من غادة .. وكان قبل ذلك قد عرف الاسم من أمير .. وخلال تلك الفترة كان خالد وأمينة لا يتكلمان سوى بموضوع غادة .. فأمينة لم تكن تسمح له أو تعطيه الفرصة ليتكلم معها في موضوع سواه .. فكان كلما حن للحديث معها أو سماع صوتها .. أخذ من موضوع غادة وحسام مدخلا للكلام معها .. وحينما يحاول أن يتطرق لموضوع آخر ترفع يدها بهدوء آمرة إياه أن لا يستفيض معها في حديث آخر ..

كان خالد يتعذب في تلك الفترة من أسلوب أمينة .. فهو لم يعتاد منها الجفاء بهذا الشكل طوال حياتهما معا .. كان يتسائل بينه وبين نفسه .. كيف لكلمة خرجت منه دون قصد .. أن تغيرها بهذا الشكل .. هل هذه هي أمينة حقا .. أم أن هذه الكلمة كأنها كلمة سحرية أو تعويذة قد قرأت عليها فبدلتها بهذا الشكل .. ولكنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه قد أخطأ في حقها خطئا لا يغتفر .. لذا كان يؤثر الصمت أو اظهار غضبة من صدها له .. وبدأ لا يفكر سوى في كيف يسترضيها .. كيف يجعلها تغفر له هذا الذنب الكبير ..

كان خالد كلما خلا الى نفسه ليفكر في سلمى كالسابق .. يجد أن صورة أمينة قد أزاحت صوة سلمى واحتلت مكانها .. فيعاود من جديد المحاولة التي كان ينعم بها عندما يتذكر سلمى ويختلى بها في خياله .. فيجد أن خياله قد أبى الا ان يختلى بأمينة .. كان يعتقد أنه يحاول استرضاء أمينة بدافع طول العشرة بينهما وانها أم أولاده التي خدمته وخدمتهم سنينا طويلة حتى بنت له أسرة وبيت من أروع ما يكون .. كان يعتقد انه يفعل ذلك حتى لا يشعر باحساس قلة الأصل تجاهها .. ولكن لم يكن هذا صحيحا .. فهاهى تفرض نفسها عليه وتشغل تفكيره حتى في اللحظات الخاصة به والتي كانت لسلمى فقط طوال السنوات السابقة ..

علم خالد آنذاك أن حب سلمى قد خبا بداخله وحل مكانه حب أعمق .. وربما حدث هذا منذ زمن وهو لا يدرى .. علم أن هناك نوعان من الحب يمكن للمرء أن يعيشهما في حياته .. فهناك حبه لسلمى .. الحب المملوء بالشوق واللهفة والنيران المستعرة والمتأججة لها ولرؤيتها والتواجد معها .. حب يغذيه الحرمان .. حب لابد للمرء من ان يبذل فيه مجهودا كبيرا .. ولذلك يشعر به وبوجوه .. وهذا الحب في الغالب يزهده المرء بعد فترة من الوصول للمراد .. أو من اختلاف الطباع والتي لا نكتشفها الا بعد الزواج .. أما حبه لأمينة .. فهو حب عميق راسخ رزين بمرور الأيام والسنين والعشرة الطويلة الطيبة .. من الصعب أن تقتلعه اعتى الرياح .. حب سلس .. لم يبذل فيه مجهود قط ليثبت وجوده .. حب بنته العشرة الطيبة ورضا كل طرف بطباع الآخر .. وقبول كل طرف لظروف الآخر .. وللتغيير من أجل رفيقه .. حب يغذيه العطاء .. وقد أعطت أمينة الكثير والكثير ربما من قبل أن تتزوجه .. ويكفيها أن تحملت جفاء مشاعره ناحيتها وانه لم يعبر لها عن حبه كما يجب .. ولم يسمعها كلمات الحب التي تغذى مشاعر كل أنثى .. وبالرغم من هذا لم يضعف حبها وعطاءها له ولأبناءه لحظة واحدة .. بل كانت فوق ذلك هي العقل المدبر للبيت والرأى الراجح في النهاية .. فكيف لا يحبها .. حتى وان كان لا يدرى ......

انتابت خالد في هذه الفترة حالة من عدم الاتزان والمقاومة .. فهو لم يكن يعلم يقينا هل أحب سلمى حقا أم كانت فترة في حياته أنتهت في الواقع ولم تنتهى في خياله .. وأيضا كان يقاوم نفسه حتى يحتفظ بحب سلمى في قلبه كما كان يشعر في السابق .. لذا كان يقاوم حتى لا تخبو صورتها من قلبه وخياله .. ولكن كان حب أمينة قد صرع هذا الخيال وما يحاول أن يحتويه ..
جاء اليوم الذى من المفترض أن يزور فيه حسام بيت غادة .. كان يشعر بسعادة بالغة .. يعتقد أن غادة قد أقنعت والدها به .. وأن مهمته باتت سهلة في الارتباط بها ..

وصل الى البيت في تمام السابعة كما حدد له خالد الميعاد .. يحمل كالعادة باقة من الورد الأحمر الداكن الملفوف بورق ذو اللون البنفسجى والذى كان من اختياره .. وليس من اختيار بائع الورد .. وكان يحمل أيضا علبة صغيرة من الشيكولا ..

كان في استقباله خالد وأشرف الذى كان على علم مسبق بالموضوع من والده منذ عدة أيام .. وكانت غادة في حجرتها وقد طلب منها ابيها عدم الحضور حتى يخبرها هو ان تحضر .. أما أمينة فقد رفضت أن تحضر هذه الجلسة .. ربما لم تكن تريد رؤية هذا الشخص مرة أخرى وخصوصا في بيتها .. حيث ستكون مجبرة على الترحيب به .. وهى لا تريد هذا .. أو ربما كانت تعلم أنه لا يحبها كما تفعل هي .. ولا تريد له أن يراها في مرضها فيتشفى فيها ..

طرق الباب .. فسارع أشرف بفتح الباب .. فامتعض مما رأى للوهلة الأولى .. ولكنه رحب بالضيف وعرفه بنفسه .. والذى كان متوسط الطول .. أصلع الرأس الا من بعض الشعر على الجانبين .. مملوء الوجه لحد ما يتوسطه نظارة نظر تدل على ضعف نظره الشديد .. أسمر البشرة ولكنه ليس بالأسود .. يرتدى بدلة سوداء وربطة عنق مشجرة .. تحتوى على جميع الألوان .. فوق قميص بيج .. لا يمتوا بصلة لموضة تلك الأيام .. قد مر على موضتهما ربما أكثر من عشرون عاما .. يرتدى حذاء بنى اللون تنقصه اللمعة .. مبتسم بدون سبب ..

أشار أشرف الى حسام الى مكان الصالون الذى يقع في أحد أركان صالة الشقة والتي تزيد مساحتها عن المائة متر .. وبها أربع جلسات .. فهى تحتوى على سفرة وصالون واثنين من أرقى الأنتريهات في كل أنتريه شاشة تليفزيون كبيرة .. ويحتوى كل ركن من المكان على تحف وطاولات صغيرة مذهبة وعلى الحائط العديد من اللوح الزيتية الأصلية للطبيعة والبحر وأشكال أخرى .. قمة في الجمال وغالية الثمن .. أما الستائر الحرير التي يظهر البحر من خلفها .. فهى بالتأكيد من الحرير الطبيعى ..حيث أضفت على البيت هي وسجاد الأرضية الباركيه عظمة وفخامة كبيرة لأصحاب هذا البيت .. وجعلته يتذكر شقة والده الايجار بحى شبرا والتي تتكون من حجرتين وصالة بالكاد تحتوى على كنبتين كان ينام على احداها واخوه ينام على الأخرى في حياة والديهما وتنام أختيه في حجرة .. ووالديه في الأخرى .. وبالصالة طاولة طعام صغيرة بجوارها ثلاجة قديمة .. وكل أثاث البيت قديم وقد ورثه هو واخوته عن ابيه .. وبالصالة شباك صغير يطل على الحارة المزعجة .. فالشقة كانت بالدور الأرضى .. تعلو عن الشارع بخمس درجات سلم لا غير ..أما المطبخ فالبكاد يحتوى على بوتاجاز وحوض غسيل برخامة صغيرة متالكة وأمام الحوض والبوتاجاز مايسمى قديما بالنملية .. بمعنى دولاب بالمطبخ يحفظ به لوازم المصبخ من حلل وخلافه ....

كان حسام ينظر الى الشقة غير مصدق ما تراه عينه .. فللوهلة الأولى أحس بالفارق الكبير بينه وبين هذه العائلة .. للوهلة الأولى علم أن قضيته خاسرة .. وان من رابع المستحيلات أن يوافق والدها عليه لابنته .. وان الأمل الوحيد وطوق النجاة بالنسبة له حتى يتم هذا الارتباط هي غادة .. فكان يدعو الله بينه وبين نفسه أن يمر هذا اللقاء على خير .. حتى وان خسر غادة .. هو لا يريد لنفسه المزيد من الجرح والحرج من أي نوع بعد الذى مر به عند مقابلة أمينة وأمير ..
دخل حسام تتخبط قدما في بعضهما البعض .. وبدأ جبينه يتعرق قليلا .. فوضع ما يحمل على طاولة تتوسط كراسى وكنبة الصالون ..

كان خالد جالسا بأحد كراسى الصالون واضعا رجل فوق الأخرى ثم وقف عندما هل عليه حسام ليرحب به .. وكان أشرف غير مصدق ما يرى .. فيسب ويلعن غادة في نفسه ..
خالد : أهلا وسهلا .. أستاذ حسام .. تشرفنا .. ومد يده اليه ليلتقطها حسام وهو يرتعش وبدأ العرق ينساب من جانبي جبينه .. فقال بتلعثم : أهلا بيك يا باشمهندس .. والله الشرف لينا حضرتك ..

أشار خالد الى أبعد مقاعد الصالون عنه ليجلس عليه حسام قائلا بابتسامة : اتفضل استريح ..
جلس حسام وهو يتلفت بعينيه يمنة ويسرة الى جمال الصالون والقطع الفنية التي يحتويها والى كبر حجم السجاد وكم يغوص به قدمه ..
لاحظ خالد ارتباكه .. فأراد أن يهون عليه الأمر .. فقال له : تحب تشرب ايه ..
رد حسام وهو مازال في حالة لا يحسد عليها : لا .. لا .. مفيش داعى ..
خالد : لا .. ازاى .. انت جاى من سفر .. واحنا مش بخلا ..
حسام : أي عصير لو فيه حضرتك..
خالد : أوى .. أوى .. من فضلك يا أشرف بلغ غادة تعمل عصير للأستاذ حسام وتعملى الشاي بتاعى .. وشوف انت تحب تشرب ايه .. وخليها تجيبهم وتيجى ..

اضطرب حسام أكثر وازداد توتره عند سماعه لجملة خالد الأخيرة .. فها هي غادة سوف تحضر وتسمعه وتراه وهو يجيب على أسئلة والدها والتي بالطبع لن تقل سخونة عن أسئلة أمها وأخيها.. وربما كانت أشد .. ولكن ما باليد حيلة .. فقد دخل برجليه الى عرين الأسد وعليه أن يتحمل عضاته .. لذا حاول ان يتماسك وان لا يظهر عليه التوتر والقلق .. قائلا في نفسه : هي موتة ولا أكتر ..... ثم بادر يسأل خالد عن سلامة وصحة أمينة قائلا : ازى صحة الهانم .. يارب تكون أحسن دلوقتى ..
خالد بثبات : الحمد لله .. هي بخير .. بس تعبانة شوية وفضلت انها ترتاح شوية ..
حسام : سلامتها .. ألف سلامة .. ثم ساد الصمت للحظات فقام أشرف وذهب الى غادة بغرفتها ..
طرق الباب .. وعندما سمحت له بالدخول فتح باب الغرفة ثم دخل وأغلقه قليلا .. ثم قال لها بقرف وابتسامة سخرية : انتى وقعتى على التحفة اللى بره ده منين .. ؟

نظرت اليه غادة متسعة العينين قائلة بلهجة غضب : من فضلك يا أشرف أنا مسمحلكش ..
أشرف بنفس النبرة : انتى يا مفعوصة متسمحليش .. والله لولا بابا بس اللى حاميكى في البيت ده كنت عرفت اربيكى كويس .. عشنا وشفنا المفاعيص كمان بتعرف تسمح ومتسمحش .. الواضح انك اتخبلتى في عقلك علشان توافقى ترتبطى بواحد داخل على الأربعين .. ده ايه القرف ده .. ثم دعك جبينه وتذكر طلب والده بأن لا يجرحها بكلامه أبدا .. ويترك له الأمر برمته .. فأردف قائلا وقد هدأت نبرته : ممكن سيادتك تتكرمى وتعملى عصير للأستاذ وشاى لبابا وتتفضلى تحضرى القاعدة الرائعة دى .. على فكرة ده طلب بابا .. ثم تركها وغادر الغرفة وهى ما زالت تنظر اليه بغضب متسعة العينين ..

كان خالد في هذه الأثناء يتكلم مع حسام .. فعلم حسام منه أنه صاحب شركة مقاولات كبيرة معروفة في البلد .. وكانت غادة قد أخبرته بذلك من قبل ..

تكلم خالد بهدوء : شوف يا أستاذ حسام .. أنا غادة كلمتنى عنك وكمان المدام وأمير حكوا لى عن المقابلة اللى كانت معاك بنادى اليخت .. بس أنا بصراحة طلبت من غادة تبلغك انى عايز أقابلك واسمع منك .. فياريت ننسى أي كلام اتحكى لى وحضرتك تكلمنى عن نفسك .. بس خلى بالك أنا أهم حاجة عندى الصدق .. لأن أي حاجة بتتبنى على غير الصدق مصيرها الفشل .. ولا انت ايه رأيك .. وبعدين أنا طبعا ح اسأل عنك وحعرف بطريقتى كل شيء .. معلش اسمح لى أنت جاى بتطلب بنتى الوحيدة .. يعنى لازم أكون مطمن عليها مع الانسان اللى حديها له .. وانه حيصونها .. وأول وأهم حاجة أنه يكون صادق معانا من البداية .. ولا ايه يا أستاذ حسام ..
رد حسام بتلعثم والعرق يتصبب من جبينه : طبعا .. طبعا .. كلام حضرتك مظبوط .. الصدق هو أهم ما في العلاقات ..
شرع حسام في أن يبدأ في الحديث عن نفسه .. ولكن بادر خالد وقال له : لا .. ياريت نستنى لما العصير ييجى .. انت مستعجل على ايه ..

أحس حسام أنه في ورطة كبيرة .. فالرجل الذى يجلس أمامه ليس بالسهل أبدا .. وذو منصب ونفوذ .. وحتما سيأتى بكل صغيرة وكبيرة عنه .. وقد حذره من الكذب .. فان قال غير حقيقته .. فسيعلم أنه قد كذب عليه .. وفى نفس الوقت سيكون الكلام أمام غادة التي ستأتى بعد قليل بالعصير وربما تركها والدها لتحضر وتسمع ما يقال .. ولكنه لم يهتم بأمر غادة كثيرا .. ففي النهاية يمكنه أن يضحك عليها بكلمتين .. المهم الآن هذا الرجل .. ماذا سيخبره .. في النهاية لا بد أن يخبره بالحقيقة ..ثم يحدث ما يحدث .. المهم عنده الآن أن يخرج من هذا البيت .. حتى وان خسر غادة ....

دخل أشرف وجلس بالمقعد الذى بجوار والده .. وبعد قليل دخلت غادة وهى تحمل صينية عليها عصير برتقال وفنجان شاى وكوبين من الماء المثلج .....

---------------------------------------------------------------

دخلت اجلال الى شقتها متعبة للغاية .. لا تريد سوى السرير لتلقى عليه جسدها المنهك من مجهود هذا اليوم الطويل .. فوجدت خالتها قد غطت في نوم عميق .. حتى أن شخيرها سمعته من قبل أن تفتح باب الشقة .. فهى شقة صغيرة للغاية تحتوى على غرفة واحدة وصالة بالكاد مترين في مترين ونصف وحمام ومطبخ غاية في الصغر ..

كانت تتمنى أن تجدها مستيقظة حتى تعطيها العشاء الذى أحضره لها عبد القادر .. لذا وضعته في الثلاجة الصغيرة التي تستقر في صالة البيت حتى تفطر به في اليوم التالى ..

دخلت الغرفة وبدلت ملابسها .. واستلقت على السرير بجوار خالتها .. ولكنها بعد دقائق لم تستطع أن تنام .. فقد ظلت تفكر في أحداث يومها وخصوصا نهايته .. ظلت تفكر في عرض عبد القادر .. وتتذكر الحوار الذى دار بينهما والكلام الذى قاله لها عندما همت بمغادرة سيارته .. فقد قال لها عبد القادر : انتى لازم تغيرى مكان السكن بحيث تكونى قريبة من المستشفى وبالتالي من العيادة في نفس الوقت ..
اجلال وقد بدا عليها الاضطراب والحزن في آن واحد : بس ده صعب يا دكتور .. الشقق في المناطق القريبة من المستشفى والعيادة غالية علي أوى .. ده انا يدوب بدفع ايجار الشقة اللى في الحى ده بالعافيه .. وحضرتك أكيد ملاحظ الفرق بين الحى اللى أحنا واقفين فيه دلوقتى وبين الأحياء القريبة من المستشفى والعيادة .. أصل الإيجارات اليومين دول بقت غالية أوى ..

عبد القادر مبتسما ابتسامة بسيطة : ما أنا عارف يا اجلال .. وعلشان كده أنا لقيت لك الحل اللى يمكن يريحك من التعب والمشاوير الصعبة دى .. بصى يا ستى .. أنا عايزك تيجى تعيشى في الفيلا عندى .. ثم توقف عن الكلام عندما لاحظ نظرة اجلال التي نظرت له كنظرة النمرة التي على وشك الانقضاض على فريستها .. متسعة العينين لا تصدق ماسمعت منه للتو .. وقبل أن تنطق بكلمة سارع وقال لها : الظاهر ان تعب اليوم مش مخلينى مركز .. وقبل ما تفهمينى غلط .. أنا اقصد انك انتى وخالتك تنقلوا عندى في الفيلا .. أنا عندى مبنى صغير ملحق بالفيلا .. تقدرى تقولى عليه استراحة للضيوف .. أو بيسموه في بلاد بره استوديو .. هو عبارة عن أوضة كبيرة فيها مطبخ مفتوح وحمام .. وانا متأكد انك لو وافقتى حتعجبك أوى .. وأهو كده تبقى قريبة من العيادة والمستشفى ..

هدأت نظرات اجلال قليلا وذهب عن وجهها الغضب .. فقالت بتردد : طيب هو ده معقول حضرتك .. ولو جه لحضرتك ضيوف حتعمل فيهم ايه ..

ضحك عبد القادر قائلا : ضيوف !! تصدقى يا اجلال ان الاستراحة دى عمرها ما حن عليها ضيف واحد من ساعة ما بنيت الفيلا .. عموما انا عارف انك محتاجة تفكرى وكمان تاخدى رأى خالتك .. ولو وافقتم .. ممكن تنقلوا فيها من بكرة لو حبيتم ..
ردت اجلال في شرود : ربنا يقدم اللى فيه الخير .. تصبح على خير يا دكتور .. ثم استدارت لتغادر السيارة بعد ان أغلقت بابها .. فناداها .. صدقينى يا اجلال مش حتندمى لو وافقتى .. تصبحى على خير .. اشوفك بكرة في المستشفى ..
أومأت اليه اجلال بابتسامة رضا ثم دخلت الى مبنى شقتها ....

ظلت اجلال في سريرها تفكر .. هل توافق على عرض عبد القادر .. وهل ستوافق خالتها .. فتارة تقول في نفسها .. لم لا .. الراجل محترم وفى سن أبويا .. وعمرها ما سمعت عنه حاجة كده ولا كده .. وتارة تقول لا .. لا .. الناس حيقولوا ايه لو الموضوع اتعرف .. واكيد حيتعرف .. مفيش حاجة بتستخبى في البلد دى .. ثم تعاود .. طيب ما اللى يقول يقول .. المهم مصلحتى ومصلحة خالتى .. وبعدين الموضوع كله فوايد .. وكفاية انها حتترحم من المواصلات والمشاوير اللى بتتبهدل فيها كل يوم .. وكمان حتوفر أجرة الشقة اللى قسم وسطها وبياخد نص المرتب كل شهر هو والمواصلات .. ده المترو لوحده بقى بالشيء الفلانى .. ثم تقول .. لا .. بس لازم ادفع ايجار للى بيقول عليها استراحة دى .. وياترى اد ايه حيكون ايجاره .. اكيد اكتر بكتير من اللى بدفعه للحق اللى ساكنين فيه هنا .. آه .. بس أنا مش حدفع الا اللى يقدرنى عليه ربنا .. واللى أوله شرط آخره نور ...

ظلت طوال الليل تحدث نفسها فتارة تقبل وتارة ترفض حتى غلبها النوم بدون أن تدرى .. فراحت في سبات عميق ..

في الصباح استيقظت على صوت خالتها التي كانت تملس على جبهتها وشعره بحنان وتطبع على جبينها قبلة الصباح قائلة : جلجولتى .. أصحى بقى يا حبيبتي .. ياللا بلاش كسل الساعة داخلة على سبعة .. حتتأخرى على الشغل ..
اجلال وكأنها في غيبوبة أو تتكلم من عالم آخر : حاضر .. حاضر يا أمى .. خمس دقايق الله يخليكى .. مش قادرة أفتح عنيه ..
فاطمة بلهفة : يا حبيبتي يا بنتى .. طيب ما تاخدى النهاردة إجازة وتريحى .. انتى مأخدتيش أجازات من مدة طويلة ..
لم ترد اجلال .. فقد دخلت في نوم عميق مرة أخرى ..

مرت ساعة قبل أن تستيقظ اجلال من نومها .. نظرت الى الساعة في الموبايل .. ففزعت وقامت مسرعة تتخبط أمامها .. ترتدى ملابسها لتخرج مسرعة من الحجرة الى صالة المنزل وهى تقول لخالتها : صباح الخير يا أمى .. ليه سبتينى نايمة كل ده .. ادينى أتأخرت على المستشفى والنهاردة فيه مرور من المدير بنفسه وأكيد ح آخد جزا على التأخير ..

ردت فاطمة وهى تضع طبق الفول على الطاولة .. يا بنتى حاولت أصحيكى .. بس انتى مقدرتيش تقومى من التعب يا ضنايا .. بقولك ايه .. سيبك من الشغل النهاردة واقعدى ريحى .. وتأخير بتأخير .. خديلك أجازة أحسن بدل ما تخشى في سين وجيم من مديرك .. بلغيهم انك تعبانة ومقدرتيش تروحى الشغل النهاردة .. ده انتى يا حبيبتى هلكانة بقالك كام شهر من ساعة ما خرجتى من المستشفى بعد السقاطة مريحتيش ولا يوم .. وكمان رايحة تشتغلى بعد الضهر في عيادة الدكتور اللى بتقولى عليه كان بيدرس لك في المعهد .. طيب وامتى حترتاحى يا حبيبة أمك .. ..
اجلال وهى تلبس الحذاء بسرعة : لأ مينفعش يا ست الكل .. النهاردة بالذات لازم أكون في الشغل لأن الدكتور عبد القادر عنده عمليات كتير وهو اكد على لازم أكون متواجدة معاه .. أما على بهدلة المدير .. فربنا يستر وتعدى على خير ..

وعندما فتحت باب الشقة استدارت الى خالتها وقالت : آه صحيح .. في التلاجة وجبة كان الدكتور عبد القادر جايبهالك من امبارح تتعشى بيها .. بس انتى كنتى نايمة .. ابقى اتغدى بيها .. وأنا ح اتغدى في المستشفى قبل العيادة .. ادينا وفرنا فلوس الغدا النهاردة ..
ردت فاطمة باستغراب : وجبة .. عبد القادر .. أنا مش فاهمة حاجة .. هي ايه الحكاية يا اجلال .. متفهمينى ..
اجلال وهى تغادر : مش حينفع دلوقت يا أمى لما أرجع ان شاء الله ابقى احكى لك .. يالا مع السلامة يا حبيبتى .. ثم أغلقت باب الشقة وخرجت مسرعة الى الشارع ..

وصلت اجلال الى المشفى بعد حوالى الساعة والنصف .. متأخرة عن ميعاد نبطشيتها حوالى الساعتين والنصف .. فدخلت مسرعة الى غرفة الممرضات وارتدت على الفور ملابس التمريض ثم اسرعت الى عنبر النساء حيث كان يمر مدير المشفى وبعض الأطباء على العنابر .. فدخلت دون ان يشعر بها اى من الحاضرين ووقفت خلف المجموعة ..

بعد دقائق من المرور لاحظت رئيسة التمريض ماجده وجود اجلال .. فنظرت اليها نظرة ذات مغزى .. ثم اقتربت منها وقالت لها بوشوشة : دكتور سامى سأل عليكى .. اتأخرتى ليه .. ده انتى عمرك ما عملتيها ..
اجلال بتوتر : ح احكى لك يا ريسة بعد المرور ...
ماجدة : عموما هو طلب انك تروحيى له بعد المرور .. استلقى وعدك بقى .. علشات متبقيش تتأخرى بعد كده .. قالت جملتها الأخيرة وهى تضحك فلاحظها الدكتور سامى مدير المستشفى .. فنظر لها ينهرها بنظرته ..

مرت نصف ساعة قبل أن تنتهى فترة مرور المجموعة على عنابر المرضى .. وتوجه كل الى عمله ..
دخل سامى الى مكتبه .. بعد ان طلب من التمرجى الذى يقف بباب غرفته فنجان قهوة .. ثم قال له : ابعت لى مدام ماجدة والست اجلال قبل ما تعمل القهوة ..

جلس سامى على مكتبه وهو في حالة غضب وتحفز .. وبعد دقائق قليلة طرقت ماجدة على باب غرفته فسمح لهما بالدخول ..

وقفت ماجدة واجلال امام مكتب سامى وكلاهما في حالة ذعر منه .. فهو معروف عنه انه من الشدة بحيث يهابه جميع العاملين بالمشفى بما فيهم الأطباء الكبار ..
نظر الى ماجدة وقال لها بهدوء : انتى بقى لك معانا اد ايه يا ست ماجدة ..؟
ردت ماجدة بتلعثم : عشر سنين يا دكتور ..
سامى وقد بدأت حدة صوته ترتفع قليلا ويتخلى عن هدوئه : وعمرك سمعتى ان اى حد تجرأ وضحك الضحكة اللى ضحكتيها أثناء المرور في وجودى ؟
ماجدة وهى مطرقة الرأس خجلا وخوفا منه : أنا آسفة يا دكتور .. وأوعد حضرتك انها مش ح تتكرر ابدا ..
سامى : أنا متأكد من كده يا ماجدة .. لانك كل ما تفكرى انك تتضحكى بعد كده حتى لو في بيتكم .. ح تفتكرى في لفت النظر اللى ح يتحط في ملفك وخصم الخمس أيام اللى ح اديهولك وحتبكى بدل ما تضحكى .. ممكن سيادتك تتفضلى على شغلك ..

نظرت اليه ماجدة مشدوهة من نبرته وقراراته .. ولكنها لم تملك سوى ان تستدير وتخرج من الحجرة في هدوء .. لتترك اجلال وحدها فريسة لهذا الوحش الذى لا يرحم ..

وقف سامى وأبتعد عن المكتب قليلا ثم قال بهدوءه المعتاد في البداية : وسيادتك يا ست اجلال .. يا ترى تحبى حضرتك نأخر ميعاد مرور الأطباء على المرضى لحد ما سيادتك تشرفى ..

لم تنطق اجلال بكلمة واحدة ولكنها اكتفت بأن نظرت أمامها في انتظار لفت النظر والخصم الذى بالطبع سيكون أكبر مما تلقته ماجدة ..
سامى : شوفى يا اجلال .. أنا اللى ميحترمش مواعيد شغله ما يلزمنيش هنا في المستشفى .. وبما انى عارف الظروف الصعبة اللى بتمرى بيها في حياتك اليومين دول .. فأنا ح اكتفى بلفت النظر ونقلك من نبطشية الصبح لنبطشية الليل .. ممكن تتفضلى على شغلك ..

نزل النصف الثانى من العقاب على سمع اجلال كالصاعقة .. انه بذلك يدمر لها حياتها ويضيع عليها فرصة العمل لدى عبد القادر .. فقالت بتردد وصوتها لا يكاد يخرج من فمها خوفا من ردة فعله : دكتور سامى .. أرجوك .. أنا مستعدة لأى خصم حضرتك تحدده .. بس بلاش موضوع نبطشية الليل دى .. أنا مقدرش اسيب أمى لوحدها في الليل .. دى ست كبيرة ومريضة وممكن تتعب في أي وقت ..
رد سام بعنف : سيبك من حكاية أمك التعبانة دى .. انتى خايفة على شغلك في عيادة الدكتور عبد القادر ..
نظرت اليه اجلال متسعة العينين : حضرتك عارف انى بدأت شغل في عيادة الدكتور عبد القادر ؟ !!
سامى بفخر رافعا انفه لأعلى : طبعا عارف .. أنا بعرف كل كبيرة وصغيرة عن أي حد بيشتغل معايا هنا .. وبعدين هو قاللى بنفسه .. وعلى فكرة أنا حذرته منك ومن مشاكلك .. وانك كنتى سبب في مقتل مهندس مسكين .. صحيح انتى مقتلتوش بنفسك .. بس جوزك .. أقصد طليقك المجرم هو اللى عملها .. يا عالم اكتشف ايه بينك وبينه خلاه يتجنن ويقتله ..
عند هذا الحد جن جنون اجلال : فانفجرت فيه بصوت عالى .. أنا مسمحلكش أنك تتهمنى في شرفى بالشكل ده ..

نظر اليها سامى غير مصدق انها تدافع عن نفسها أمامه بهذا الشكل .. ولكنه في نفس الوقت كان بداخله بعض الخوف منها .. فهو قد تعدى الخطوط الحمراء في حياتها الشخصية .. فبادر بالرد : عموما أنا مليش دعوة بحياتك وتصرفاتك برة المستشفى .. بس أنا من حقى أحمى زميلى منك ومن الاشكال اللى تعرفيها .. علشان كده انتى منقولة لنبطشية الليل ..

أحست اجلال بقهر وظلم كبيرين .. الى متى سيظل سلوك عاطف يطاردها ويغلق أمامها الأبواب .. فوقفت تنظر الى سامى ودموعها تنهال من عيونها .. فقال لها بقرف : ممكن تتفضلى على شغلك ومن بكرة تشرفى بالمستشفى على الساعة تمانية مساءا ..

لم تجد اجلال فرصة أخرى للنقاش واقناعه بالعدول عن قراراته .. فقد سمعت كثيرا عن شدته .. ولكنها للمرة الأولى تتعرف على جانب آخر في شخصيته البغيضة للجميع وهو جانب الظلم .. نعم هو رجل ظالم متعجرف ينظر الى من هم أقل منه بدونية تجعله يظلمهم ولا يقدر أنهم بشر مثله وان الفرق بينه وبينهم ليس سوى أنه كان افضل حظا منهم ونال فرصة أن يكون بمرتبة علمية أعلى منهم ..

خرجت اجلال من غرفته وقد اسودت الدنيا في وجهها .. فها هي تخسر كل شيء لمجرد انها قد تأخرت ساعتين ونصف عن العمل للمرة الأولى في حياتها .. كانت تلعن حظها العسر بينها وبين نفسها .. فما كادت الدنيا أن تبتسم لها ولو قليلا بالعمل مع الدكتور عبد القادر لتحسن من وضعها المادى .. وربما للانتقال للعيش عنده في استراحة الفيلا لترحم من عناء المواصلات من البيت والمشفى والعيادة حتى تنقلب الأمور كلها ضدها في أقل من أربعة وعشرون ساعة .. كانت تمشى في رواق المشفى متجهة الى حجرة الممرضات غير مبالية بمن امامها ومن خلفها .. حين سمعت صوتا من خلفها ينادى عليها .. ست اجلال .. ست اجلال .. فالتفتت خلفها لتجد احد التمرجيين يقول لها : الدكتور عبد القادر عايزك في أوضته قبل ما تطلعى معاه العمليات ..

نظرت اليه اجلال بوجه باكى قد كساه الحزن واليأس واكتفت بايماءة فقط .. ثم توجهت الى غرفة الممرضات حزينة .. جلست دقائق تفكر فلم تهتدى الى حل .. فقامت وتوجهت الى غرفة الدكتور عبد القادر لتعرف ماذا يريد منها ولتعتذر عن العمل معه بالعيادة بسبب نقلها الى وردية الليل ....
طرقت اجلال على باب الغرفة .. فسمعت عبد القادر يقول لها : ادخل ..

دخلت الى الحجرة بعد أن حاولت أن تمسح عينيها التي أبت أن توقف الدموع .. فلم يلاحظ عبد القادر احمرار عينيها اللتان توقفتا عن البكاء منذ لحظات .. فهو كان مطرق الراس الى المكتب يقرا بعض التقارير عن العمليات التي سوف يجريها بعد قليل ..ولكنه أكتفى بأن قال لها دون ان ينظر اليها : اتفضلى يا اجلال ..

جلست اجلال في هدوء صامتهة .. فرفع عبد القادر عينيه للحظة ثم أعادها ثانية الى التقارير وهو يحدثها : أنا عايز أتكلم معاكى في موضوع العمليات اللى حتحضريها معايا .. ثم رفع عينيه ينظر اليها وهو يقول : وبعدين نتكلم في الموضوع ....... ولكنه سكت وعقد حاجبيه فجأة حين لاحظ احمرار عينيها من البكاء .. فقال لها بلهفة : مالك يا اجلال .. انتى عينيكى كأنك كنتى بتبكى من شوية .. انتى كويسة ؟
ردت اجلال بهدوء وهى تمسح دمعة من جانب عينها قد أبت الا أن تخرج : أنا بخير يا دكتور .. متشغلش بالك .. سكتت لحظة ثم أردفت .. بس أنا عايزة أقول لحضرتك أنى .. سكتت مرة أخرى ثم لم تتمالك نفسها واجهشت في البكاء وهى تقول .. أنا بعتذر لحضرتك .. بس الظاهر ان مليش نصيب اشتغل مع حضرتك في العيادة .. وانفجرت في البكاء ....

قام عبد القادر من على مكتبه واتجه اليها ..وجلس في الكرسى أمامها وناولها بعضا من المناديل الورقية من على مكتبه وهو يقول : الله .. الله .. مالك يا اجلال .. هي والدتك مرضيتش انكم تسكنوا في استراحة الفيلا .. ولا فهمت الموضوع غلط ولا ايه .. فهمينى يا اجلال .. انتى سمعتك تهمنى أوى .. يعنى هي لو خايفة عليكى منى ومنعتك من الشغل معايا .. أنا مستعد أروح لها واتكلم معاها واقنعها انى بخاف عليكى وعلى سمعتك أكتر من أي حد في الدنيا ..

لم تنتبه اجلال الى معانى كلماته وهى في هذه الحالة من الانهيار .. ولكنها ردت عليه قائلة .. لا .. الموضوع مش كده خالص .. أنا حتى لسة ما فاتحتهاش في أي حاجة .. سكتت للحظات كان هو فيها ينظر اليها ينتظر تفسيرا لما هي فيه فأردفت : الموضوع ان الدكتور سامى نقلنى لنبطشية الليل علشان جيت متأخرة النهاردة .. ثم أكملت في تردد .. وعلشان كمان .. ثم سكتت .. فقال لها وعلشان ايه يا اجلال ..
اجلال : لا .. ابدا .. مفيش حاجة .. هو السبب ده .. تأخيرى النهاردة ..
رد عبد القادر في حزم : ولا علشان يمنعك من الشغل معايا في العيادة ..

نظرت اليه اجلال متسعة العينين .. وكل ملامحها تؤكد ما قاله للتو .. فاردف يقول : أنا كنت عارف أنه حيتصرف كده .. وده طبعه اللى كان بيخليه من أيام الجامعة مختلف مع كل اللى حواليه .. هو فاكر نفسه واصى على البنى آدمين كلهم .. فاكر نفسه هو الوحيد اللى بيفهم .. وحامى حما الدكاترة .. لا حول ولا قوة الا بالله .. عمرك ما حتتغير يا سامى .. ربنا يهديك .. بس هي مش غلطته .. دى غلطتى أنا انى أخدت رأيه في شغلك معايا في العيادة .. كنت فاكر انه اتغير .. بس الظاهر انى كنت غلطان .. عموما ولا يهمك .. الموضوع بسيط وحله عندى ..
نظرت اليه اجلال كأنها تستنجد بالحل الذى يتحدث عنه .. فقال لها : بصى يا ستى .. احنا نقوم دلوقتى نروح على العمليات نخلص شغلنا وبعدين أقولك حنعمل ايه .. بس كل اللى عايزه منك انك تنسى الموضوع ده تماما أثناء العمليات وتركزى معايا جدا في أوضت العمليات .. عنيكى لازم تكون معايا خطوة بخطوة .. مش عايز أي غلطة .. انتى حتبقى وسط دكاترة كتير .. مش عايز حد فيهم ياخد عليكى أي غلطة .. وبعدين دى أرواح ناس ..

ابتسمت اجلال قليلا بعد ان دب فيها الأمل من جديد وقالت : اطمن حضرتك .. أن شاء الله حبيض وش حضرتك ..
عبد القادر .. روحى انتى على اوضتك وجهزى نفسك .. بس في الأول ابعتى لى ماجدة واكتبى طلب إجازة لمدة أسبوعين .. ولا انتى مخلصة كل أجازاتك ..
نظرت اليه اجلال تسغرب طلبه .. ولكنها قالت : أنا .. أبدا .. أنا بقى لى سنسن ما أخدش اجازات ..
عبد القادر وهو يرتب التقارير على مكتبه : عظيم .. يبقى اعملى اللى قلتلك عليه وحصلينى على العمليات .. وبعد العمليات قدمى طلب الأجازة لماجدة ..
خرجت اجلال من مكتبه بوجه ونفسية غير التي دخلت بهما .. كان الأمل يملؤها والسعادة تغمرها ......
--------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 10:39 PM   #38

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل التاسع عشر

البدايات الجديدة
الفصل التاسع عشر

في السادسة والنصف تماما كانت بسمة ووالدها منتظريين عند باب الجراج كما اتفقت بسمة مع سلمى .....

وصلت سلمى الى الجراج بعد دقيقتين .. رحبت ببسمة وخميس بابتسامة رقيقة ثم ركبت السيارة .. فركبت بسمة بجوارها ودخل والدها الى الكرسى خلفها .. وفى الطريق الى المحامى
لاحظت سلمى مدى التوتر الظاهر على خميس وابنته .. فحاولت أن تهدئ من توترهما فقالت : امبارح بالليل كان فيه صوت على سلم العمارة .. بصراحة أنا كسلت افتح الباب وأعرف ايه اللى بيحصل ..
رد خميس : آه ده الأستاذ صبحى اللى في الدور التالت كالعادة كان بيزعق مع عم حسن البواب على انه بيسمح للقطط بدخول العمارة وبهدلة السلم بفضلاتها .. وامام شقته بالذات ..
بسمة : بس بصراحة الأستاذ صبحى عنده حق .. أنا بصراحة لو الاسانسير عطل وطلعت على السلم ببقى مش طايقة ريحة السلم من اللى عاملينه القطط على السلم وادام بعض الشقق ..
سلمى : طيب وهو عم حسن ح يعمل ايه للقطط .. أكيد مش بيشوفها لما بتدخل العمارة .. وبعدين مش معقول حيفضل نازل طالع يبص هي عملت فين وينضف وراها .. اكيد فيه علاج للموضوع ده .. احنا المفروض ندور على حاجة عند أي بيطرى تتحط على السلم أو في الأماكن اللى القطط بتعمل فيها بحيث نطفشهم من العمارة ..
خميس : أيوة يا باشمهندسة .. بس المفروض كمان يكون في حل مع السكان اللى بيسيبوا زبالتهم جنب باب الشقة لحد ما حسن يلمها في الصندوق تحت العمارة .. المفروض نتفق على ميعاد واحد في اليوم نطلع كلنا فيه كيس الزبالة بحيث يلمها عم حسن بسرعة ويحطها في الصندوق قبل القطط ما تتلم عليها .. وبكده القطط مش حتلاقى حاجة على السلم تنبش فيها وتبهدل السلم وكمان تعمل عليه فضلاتها .. ده عددهم على السلم كل يوم بيزيد عن الأول ..
بسمة بابتسامة ومرح : يا سلام على الأفكار النيرة يا أبو الخمس ..
خميس بخجل : ولا أفكار نيرة ولا حاجة يا بسمة .. ده أنا سألت عم رمضان البواب في العمارة اللى جنبنا عن الموضوع ده وعرفت منه ازاى حلوا مشكلة القطط دى .. وقلت لحسن عندنا ورئيس اتحاد ملاك العمارة .. الأستاذ صبحى عن الحل ده .. بس للأسف مخدوش بكلامى .. الظاهر ان الأستاذ صبحى غاوى يبهدل عم حسن وخلاص ..

ضحكت سلمى وبسمة على تعليق خميس .. وهكذا استطاعت سلمى أن تجذب بسمة وخميس الى حوار آخر أخرجهم من التوتر والتفكير في دعوة نادر لهم الى مكتبه ..
مرت خمسة وعشرون دقيقة قبل ان تصل سلمى الى مكتب نادر .. استقبلتهم السكرتيرة بالترحاب .. وجلسا في غرفة الزبائن ..

بعد خمس دقائق أتت السكرتيرة مرة أخرى ومعها ساعى المكتب وسألهم عن طلباتهم من المشروبات .. فطلبت سلمى قهوة مظبوط وطلب خميس شاى .. أما بسمة فطلبت عصير ليمون ..
قالت السكرتيرة بابتسامة : عم رجب .. من فضلك مشروبات الأستاذ خميس والآنسة بسمة تجيلهم هنا .. ثم توجهت بالكلام الى سلمى .. وقالت : حضرتك حتتناولى قهوتك بمكتب المتر نادر .. هو في انتظار حضرتك دلوقتى ..
ابتسمت لها سلمى ثم نظرت الى خميس وبسمة وقالت : طيب استاذنكم أنا دلوقتى أخلص شوية أوراق مع الأستاذ نادر الأول ..

دخلت بسمة الى مكتب نادر وكان جالسا على مكتبه وما أن رأها حتى اتسعت ابتسامته وهم واقفا متوجها اليها يرحب بها : أهلا .. أهلا .. مدام سلمى .. المكتب نور والله .. أهلا .. أهلا .. اتفضلى .. اتفضلى استريحى .. وأشار الي مكان الأنتريه الفخم المصنوع من الجلد الفاخر بحجرة مكتبه ..

نظرت اليه سلمى عاقدة حاجبيها قليلا فهذه أول مرة يطلب منها ان يجلسا بمكان آخر غير المكتب ولكنه لم يكن ينظر اليها .. ربما كان يتحاشى أن يرى نظرة التعجب هذه بعينيها ..
لم تقف سلمى طويلا عند هذه النقطة .. وتحركت بهدوء لتجلس على طرف كنبة الانتريه .. فجلس هو على الطرف الآخر .. ولم يجلس على احدى المقاعد الأخرى .. كأنه أراد ان يكون أقرب ما يكون منها ..

مرت لحظات أخرى من الترحاب الممل من نادر قبل أن يطرق عم رجب بفنجانين من القهوة وضع أحدهما أمام سلمى وهو يقول : قهوة حضرتك المظبوطة .. ثم وضع بجوار الفنجان كوب من الماء المثلج .. ووضع الفنجان الآخر أمام نادر وهو يقول : قهوة سيادتك السادة يا نادر بيه .. ووضع أيضا كوب آخر من الماء المثلج بجوار الفنجان ..

خرج الساعى .. وظل نادر ينظر الى سلمى .. كأنه يخترق كل تفصيلة في وجهها الذى مازال يتمتع بالنضارة والشروق بالرغم من اقترابها من عامها الثلاثة والخمسون .. ولكنها مازالت جميلة كما رأها أول مرة منذ أكثر من عشرين عاما .. رقيقة ورشيقة كأنها لم تتزوج بعد وكأنها لم تنجب طفلين .. فلم يترهل جسدها .. ولا يرى لها تفاصيل جسدية لإمرأة في عمرها من بطن وارداف .. مازالت سلمى كما هي رفيعة .. ذو ذوق رفيع في ملبسها وتسريحة شعرها التي تغيرها من وقت لآخر حتى تناسب عمرها .. لا تضع الكثير من المكياج .. ترتدى فقط ما يليق بجسدها وعمره .. سلمى مازالت تأخذ ألباب وقلوب الرجال بمجرد أن يروها ..

عندما لاحظت سلمى نظرات نادر وشروده وطول لحظات صمته قالت بهدوء : خير يا أستاذ نادر .. ياترى ايه الموضوع اللى حضرتك عايزنى فيه ..؟
نادر : بصراحة هما موضوعين .. الأول بخصوص مبلغ شيك التعويض .. والتانى .. سكت للحظة ثم أردف بتردد وتلعثم .. التانى شخصى شوية .. ياترى تحبى نبدأ بأى واحد فيهم ؟
سلمى بنفاذ صبر : اللى يريح حضرتك .. بس خلينا الأول في موضوع شيك التعويض .. أنا مش عايزة نتأخر عن عم خميس وبسمة .. أكيد القلق حيكلهم عايزين يعرفوا ايه الحكاية ..
نادر : تمام يا ست الكل .. كده أفضل .. علشان نبقى براحتنا في الموضوع التانى ..
نظرت اليه سلمى نظرة مبهمة .. ولكنها في قرارة نفسها تعلم انه سوف يتكلم معها في موضوع يخصهم سويا ..

نادر : شوفى يا ستى .. أنا عارف ان مصطفى الله يرحمه غير الوصية باستعجال وفى لحظة غضب .. علشان كده لو حابه أتكلم مع خميس وبسمة انهم يتنازلولك عن التعويض ده أو جزء منه .. أنا معنديش مانع .. خصوصا ان مصطفى ضاعف مبلغ التعويض لما غير اسم المستفيد في الوثيقة المعدلة .. يعنى دلوقت المبلغ أصبح كبير جدا .. وبصراحة كتير عليهم ..

ردت سلمى بغضب نوعا ما وبنبرة صارمة : ايه الكلام اللى بتقوله ده يا متر .. ازاى تفكر انى ممكن أغير في وصية مصطفى .. ثم سكتت للحظة وأردفت .. صحيح ـأنا منكرش انى كبشر كنت أتمنى انه ميغيرش الوصية بالشكل ده .. وكان ممكن يوصى لهم بجزء منها .. وبعترف انى زعلانة من تصرف مصطفى الله يرحمه .. على الأقل لو أنا مش محتاجة الفلوس دى .. ففيه ولاده .. كان المفروض يفكر فيهم شوية حتى لو كان غضبان منهم .. بس كل الكلام ده لا يقدم ولا يأخر .. هي في النهاية وصية متوفى .. ولازم ننفذها زى ماهى ..
نادر .. وقد أخجله ردها : احنا مش حنغير الوصية ولا حاجة .. هما حيستلموا الشيك بالكامل لأنه بإسمهم ومحدش غيرهم يقدر يصرفه من البنك .. احنا بس حنعرض عليهم الفكرة مش أكتر .. وهما يا يوافقوا أو يرفضوا ده قرارهم ..
سلمى بلهجة غاضبة : وحضرتك شايف انى في وضع يسمح لى بالتسول .. مش للدرجة دى يا متر .. مكنتش فاكرة ان دى فكرتك عنى .. انا الحمد لله مستورة .. وعندى اللى يكفينى وزيادة ..

أحس نادر بدلو من الماء المثلج قد نزل فوق رأسه .. وأنه قد صعب المهمة على نفسه في ان يتكلم معها في الموضوع الثانى .. فقال بكسوف : أنا آسف يا سلمى .. صدقينى أنا مقصدش .. بس انا كنت شايف انه من واجبى ومن وجهة نظرى كصديق لمصطفى ولحضرتك طبعا انى أعرض عليكى العرض ده .. عموما .. زى ما تحبى ..
سلمى وقد هدأت قليلا : تمام تمام .. مفيش مشكلة .. بس أنا عايزة منك انك تمهد لخميس بالذات موضوع التعويض اللى بقى من حقهم .. انت عارفه راجل حساس وطيب .. وانا خايفة عليه من المفاجأة .. سكتت قليلا ثم اردفت .. يا ترى ايه الموضوع التانى ..
نادر : لو سمحتى لى ممكن نأجل الموضوع التانى بعد ما نجتمع بخميس وبسمة ..
سلمى بلؤم : ياه .. هو الموضوع خطير للدرجة دى .. عموما .. زى ماتحب ..
نادر .. وهو يتحرك نحو مكتبه ليرن جرس للسكرتيرة .. شكرا مدام سلمى .. ثم اردف بعد سماع السكرتيرة تقول : أؤمرنى يا أستاذ نادر ..
نادر : من فضلك يا منى .. ممكن تدخلى عم خميس وبسمة اللى جم مع مدام سلمى ..
منى : تحت أمرك يا فندم ..

دخلت بسمة و خميس وهو تتخبط ركبتاه في بعضهما الى مكتب نادر ..
فقام نادر من على مكتبه التي تجلس أمامه سلمى مبتسمة وتوجه الى خميس وبسمة يرحب بهما : أهلا وسهلا يا راجل يا طيب .. ازى احوالك .. أهلا يا آنسة بسمة ..
رد خميس بتلعثم : الحمد لله يا متر .. في حين أومأت بسمة اليه مبتسمة .. ثم أردف خميس بصوت مرتجف : خير يا متر يا ترى ايه الحكاية .. وايه الأوراق اللى حضرتك عايزنا نمضى عليها ..
نادر بلطف وهو مبتسم : صبرك على يا عم خميس .. مالك مستعجل كده ليه .. اتفضلوا استريحوا الأول .. واشرب حاجة .. أطمن الموضوع خير ان شاء الله ..
خميس : أعذرنى يا أستاذ .. أنا جتتى مش خالصة من امبارح من ساعة ما طلبتنا ..
نادر وهو يربت على كتف خميس : ولا يهمك .. تحب تشرب ايه .. وانتى يا بسمة ..
رد خميس : شكرا يا بيه .. احنا شربنا بره .. يا ريت نخش في الموضوع ..
نادر : قبل ما ندخل في الموضوع اللى جايبكم علشانه .. كنت أنا ومدام سلمى بنتكلم من شوية عن الواحد لما تنزل عليه ثروة كبيرة مكنش متوقعها .. يا ترى حيتصرف فيها ازاى .. بس كنا مختلفين في الرأي .. علشان كده قولنا نحتكم لك أنت وبسمة في الموضوع ده .. ونشوف رأيكم حيكون مع رأى مين .. يعنى لو هبط على اى حد فيكم ثروة كبيرة .. أولا .. ايه حيكون شعوره وحيتصرف في الثروة دى ازاى ؟ وقبل أن يرد خميس .. قال نادر : خلينا الأول ناخد رأى الشباب .. هه يا بسمة .. انتى ايه رأيك ..

سرحت بسمة للحظات في مغزى سؤال نادر .. هل هذا وقت المزح والفوازير .. هي وابوها على احر من الجمر لمعرفة سبب استدعاؤه لمكتبه .. لكنها لم يكن أمامها الا ان تجاريه فيما يقول فردت : حضرتك أنا عن نفسى دايما بحط افتراضات في حياتى وعلى أساسها بحط تصور لكل افتراض .. علشان كده إجابة السؤال سهلة بالنسبة لى .. لانى في كل مرة كنت بحتاج لحاجة ومش بقدر اجيبها بسبب انى معييش تمنها .. كنت بفترض الحوار ده مع نفسى .. بمعنى ان فيه ثروة كبيرة هبطت على فجأة من السما .. وكنت بقعد اعدد مع نفسى في ازاى اصرفها ..
سلمى وهى تبتسم : والله يا بسمة انتى لفتى نظرى لحاجة مهمة جدا عمرى ما فكرت فيها .. وهى موضوع الافتراض ده ..

بسمة وقد بدا على وجهها لمسة من الحزن : يمكن علشان انتى ياطنط مش ناقصك حاجة .. انتى جميلة وذكيه وعندك كل شيء .. سكتت للحظة ثم اردفت وهى تبتسم : أنا مش بحسدك والله .. انتى عارفة انا بحبك اد ايه .. بس هي دى الحقيقة .. وفى الغالب محدش بيلعب لعبة الافتراض دى غير اللى بيكون ناقصه حاجة ..

ردت سلمى وقد استعارت منها لمسة الحزن التي بدت على وجهها : انتى غلطانة يا بسمة .. مفيش حد في الدنيا مش ناقصه حاجة .. كلنا من وجهة نظرنا ناقصنا حاجات كتيرة .. بس هي بتختلف من واحد للتانى ..كل واحد ربنا خلقه وعنده نقواص كتير في حياته .. ساعات بنتجمل علشان نخبى نواقصنا ومنعترفش بيها حتى لنفسنا .. وساعات بنتغاضى عنها لغاية ما ننساها أو ربنا يحلها من عنده .. بس في النهاية مفيش حد كامل مكمل .. كلنا ناقصنا حاجات كتير ..

كان نادر ينظر الى سلمى وهى تتكلم .. فأحس أن مهمته ربما تكون بغير ذات الصعوبة التي احسها منذ قليل .. فها هي سلمى توشك أن تعترف بنواقصها والتي بدت له في أنها ينقصها الحب والحنان من رجل يقدرها ويعرف قيمتها .. ومن سواه يمكنه أن يكمل لها ما ينقصها ؟!!! .. ثم تكلم بعدما انهت سلمى كلامها وقبل ان تستفيض بسمة في وصف تصرفها بالثروة .. فقد تأخذ وقتا كثيرا .. علاوة على دور عم خميس في وصف أحلامه هو الآخر فبادر : تمام با بسمة .. يعنى انتى عارفة كويس انتى حتتصرفى فيها ازاى .. طيب وانت يا عم خميس .. يا ترى لو أصبح عندك فجأة ملايين .. يا ترى حيكون ايه شعورك وحتتصرف فيهم ازاى ؟

نظرت له بسمة نظرة ضيق .. فقد كانت تريد أن تستفيض في احلامها التي طالما حلمت بها مع نفسها في يقظتها .. كما نظرت اليه سلمى بنظرة تعجب .. لماذا منع بسمة من أن تقول كيف ستتصرف في الثروة .. لا تدرى لماذا شعرت انها تريد أن تعرف كيف هو حلمها .. وكيف سيكون الواقع بعد استلامهم لهذا المبلغ الكبير .. ولكن ها هو نادر للمرة الثانية يغضبها منه .. أما نادر .. فان لهفته الى انهاء هذا الموقف والاختلاء بسلمى قد جعله لا يتصرف بحكمة ولذلك لم ينظر لسلمى أو بسمة حتى لا يرى بهما ما جال بخاطر كل واحدة ...
رد عم خميس : والله ما انا عارف يا متر أقولك ايه .. انا اكيد حكون مبسوط في الأول .. بس مش عارف يا ترى ده حيكون خيرلى ولعيلتى ولا شر .. لا .. لا يا متر .. ده ممكن يكون امتحان صعب أوى على .. علشان كده .. أنا حاخد اللى يكفينى أنا وبسمة وأمها واشيل جزء صغير لحجى انا وهمة ولخرجتى كمان .. ايوة .. وفلوس جواز وجهاز بسمة .. والباقى ح اتبرع بيه في الخير ..
ردت بسمة باعتراض وتلقائية وكأن الثروة فعلا فد هبطت عليهم من السماء : انت نسيت العيادة يا بابا ..
خميس وهو يهز رأسه مطرقا الى الأرض : يعنى يا بنتى هي الثروة حتكون كتير أوى لدرجة انها تجيب لك عيادة .. اللى زينا لما يحلم يا بسمة يحلم على اده .. أنا يا بنتى عملت اللى ربنا قدرنى عليه معاكى .. وربنا يرزقك بابن الحلال اللى يسعدك ويحقق لك كل احلامك ..
بسمة وقد ظهرت بوادر دموع بعينيها فأمسكت بيد ابيها الذى كان يجلس بجانبها ومالت عيه لتضع رأسها على صدره : ربنا ما يحرمنى منك ابدا يا أحسن وأطيب أب في الدنيا .. انت وأمى عندى بمال الدنيا دى كلها ..

كانت سلمى تنظر الى بسمة وابيها وهى تتمنى ان لو كانت ابنتها الجاحدة في نصف حنان وولاء بسمة لوالديها .. كما نظر اليهما نادر وتمنى أن تكون ابنته الوحيدة في مثل رجاحة عقل بسمة وعطفها على والدها ..
قاطع نادر هذا المشهد الجميل بين بسمة وابيها قائلا : ربنا ما يحرمكم من بعض .. دلوقتى بقى يا راجل يا طيب ويا بسمة .. الثروة اللى كنا بنتكلم عنها من شوية ربنا كتبها لكم ..

نظرت بسمة الى نادر ثم سلمى وهى متسعة العينين فاغرة شفتيها .. ثم نظرت الى والدها .. الذى كان يبادلهم نفس النظرة .. فقال خميس : بتقول ايه يا أستاذ ؟!! .. احنا .. احنا مين اللى اتكتبت لنا ثروة .. ومن مين .. باللذمة هو ده وقت الهزار برضه ..
سلمى وهى تبتسم : الموضوع صحيح يا عم خميس .. أستاذ نادر مش بيهزر ولا حاجة .. مصطفى الله يرحمه وصى لك ولبسمة بتعويض عن وقفتكم معاه ..
نادر : انت راجل طيب يا عم خميس أنت واهل بيتك .. ووقفتم جنب مصطفى ورعيتوه بدون أي مقابل .. وكان عندكم استعداد تقفوا جنبه لو ربنا كان كاتب له يعيش أكتر من كده .. علشان كده ربنا بيجازيكم على اد نيتكم و ضميركم .. ومبلغ أربعة مليون جنيه مش خسارة فيكم ..

بسمة وقد هالها الرقم : بس حضرتك احنا معملناش حاجة تستاهل المبلغ الكبير ده ..
أما خميس فكأنه لم يستمع الى الرقم لأنه كان بكى بشدة ويترحم على مصطفى كأنه من أقرب المقربين من عائلته : الله يرحمك .. الله يرحمك يا باشمهندس مصطفى .. الله يرحمك .. والله قطعت بيه ..
ردت سلمى : وحد الله ياعم خميس .. مصطفى الله يرحمه كان بيعزك أوى ..
خميس وهو يمسح دموعه : وربى يعلم أد ايه هو كان غالى على قلبى يا ست سلمى .. الله يرحمه ..

نادر وهو يمد يده بالشيك الى عم خميس : اتفضل يا عم خميس .. خد الشيك ده .. وممكن تصرفه انت وبسمة من بكره من أي فرع للبنك اللى مكتوب اسمه في الشيك .. ومن رأيى ان الأول تفتح حساب بإسمك أو إسم بسمة وتحول مبلغ الشيك على الحساب ده على طول ..

نظر خميس الى الشيك واتسعت عينيه من الرقم الذى قرأ منه فقط الأرقام ولم يقرأ الحروف .. فإعتقد أن المبلغ اربعمائة ألف فقط .. فقال وهو لا يصدق : لا .. لا .. يا جماعة .. بس ده مبلغ كبير أوى يا ست سلمى .. احنا معملناش حاجة نستاهل عليها المبلغ ده كله .. احنا حنتنازلك عن تلتميت ألف .. وكفاية علينا ميت ألف .. وكمان الميت ألف كتير ..

نظر الجميع الى خميس ثم الى انفسهم البعض .. متعجبين مما يقوله.. فبادرت بسمة تقول لأبيها : بابا .. ممكن اشوف الشيك ؟

ناول خميس الشيك لبسمة وهو مازال يدير رأسه يمنة ويسرى ويردد : شوفى يا بنتى .. شوفى يا بسمة .. المبلغ كبير أوى .. ربعميت الف .. لا لا .. كتير علينا .. كتير والله ...
نظرت بسمة الى الشيك وتحققت من الرقم الذى سمعته بأذنيها من نادر منذ قليل فقالت : بابا .. بابا .. أهدى .. أهدى شوية وامسك اعصابك .. انت مقرتش المبلغ صح .. سكتت للحظة تردد خوفا على ابيها من هول مفاجأة الرقم الصحيح .. ولكنها في النهاية قالت : المبلغ أربعة مليون مش ربعميت الف ..
صاح خميس غير مصدق ما سمع من ابنته : ايه .. ايه .. بتقولى كام يا بسمة .. أربعة .. اربعمة مليون ايه يابنتى .. انتى أكيد قرتيه غلط ..
تدخل نادر قائلا : لا يا عم خميس الرقم صح زى ما سمعنه من بسمة ..

خميس هائجا : صح .. صح ازاى .. مش ممكن الكلام اللى بتقولوه ده .. ليه وعلشان ايه .. الفلوس دى مش من حقنا .. الفلوس دى من حقك يا ست سلمى وحق ولاده الله يرحمه .. لا حول ولا قوة الا بالله .. وأخذ يرددها حتى قاطعته سلمى بهدوء : اهدى يا عم خميس .. من فضلك أهدى شوية واسمعنى .. أولا : دى وصية مصطفى .. ولازم ننفذها .. وانت سيد العارفين ان وصية الميت لازم تتنفذ .. ولا انت عايزنا نتسأل ادام ربنا .. ثانيا : أنا وولاد مصطفى الله يرحمه مش محتاجين .. هو سايب لنا كتير والحمد لله .. يعنى مفيش مشكلة بالنسبة لنا .. بل بالعكس أنا حكون سعيدة واحنا بنفذ وصية مصطفى .. أرجوك .. تاخد الشيك وتعمل زى ما الأستاذ نادر قالك ..

أجهش خميس مرة أخرى بالبكاء وهو يقول : أصيلة .. والله أصيلة يا ست سلمى .. ربنا يجازيكى كل خير انتي وولادك ويعوضكم خير عن بعده عنكم .. الله يرحمك يا باشمهندس .. الله يرحمك ويجعل مثواك الجنة ..

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

زاد إنشغال رنيم في تلك الأيام بعد أن لاقت قصصها رواجا كبيرا .. وباتت تنشغل عن أشرف بعد ان كانت وصلت الى مرحلة من التوازن في كل جوانب حياتها وبعد أن تغير أشرف نسبيا .. فأصبح لا يتركها وحدها بالبيت كثيرا كما كان يفعل بالسابق .. وبعد أن كادت أن تكون العلاقة بينهما على أفضل حال .. باتت غيوم المشاكل تلوح في افق عشهما من جديد ولكن بصورة معاكسة ... ففي تلك المرة كان انشغال رنيم عن اشرف هو من بات يشعل فتيل الخلافات بينهما ..

رجع أشرف من عند والده مهموما بمرض أيمن وبموضوع غادة وحال أمينة والجفاء الواضح من قبلها لأبيه .. لم يكن أشرف يهتم من قبل بمثل هذه الموضوعات في بيت أهله .. ولكنه في الفترة الأخيرة قد طرأ عليه تغيير مفاجئ في حياته كلها .. مشاعره تجاه رنيم والتي عادت من جديد .. التقرب من الله والإلتزام في الصلاة والعبادات بعد أن وجد أقرب أصدقائه على وشك الرحيل من
الحياة بسبب مرض يعلم الجميع نهاية معظم أصحابه .. اهتمامته بمشاكل عائلته .. كل ذلك تغير في أشرف ..
دخل الى شقته .. فوجد رنيم كالعادة في الأيام الأخيرة منكبة على اللابتوب .. مستغرقة في الكتابة .. أو ترد على المعجبين أو المنتقدين ..
أشرف : مساء الخير ..
رنيم وقد نظرت اليه نظرة خاطفة وهى مازالت تعمل على اللابتوب .. أهلا حبيبى ..

لم يتعود أشرف مثل هذه الردود الجافة من رنيم .. فهى طالما كانت تغمره بلقاء دافء بمجرد أن يدخل من باب الشقة .. كانت تسرع اليه كالطفلة التي غاب عنها أباها لترتمى في حضنه كأنه غاب عنها شهورا طويلة .. كان يشعر حينها بالفخر أن لديه زوجة تحبه كل هذا الحب .. وكان عند عودته مرهق أو تعبان من العمل أو مهموما من شيء ما أو حتى من اللهو مع أصدقائه في الجيم .. كان يعود وهو مشتاق لهذا الحضن الدافئ الذى يذيب .. بل ويزيل كل تعبه وآلامه وهمومه .. وفى أحيان كثيرة لم يكن يشعر بأنه متعب أو مهموم الا حين تحضنه .. حينها فقط كان يشعر أنه كان متعب وزال تعبه بحضنها ..

عاد في ذلك اليوم من عند والديه وبعد يوم عمل شاق وكان يحلم بأن تستقبله كما كانت تفعل بالماضى .. ليرتمى في حضنها وتقتل كل ذرة تعب وهم يشعر به .. ولكنها لم تفعل .. أكتفت رنيم بهذا الرد النمطى في رد السلام ..
أشرف وقد جلس الى جوارها وهو يدعك وجهه بكلا كفيه .. ثم تنهد قائلا بصوت مرهق : رنيم .. ممكن تسيبى اللاب شوية .. أنا محتاجلك ..
رنيم وهى لا تزال تنظر الى اللابتوب منهمكة في الرد على أحد المعلقين : ثوانى .. ثوانى يا أشرف أرد على التعليق ده وحكون معاك ..

لم يرد أشرف واكتفى بنظرة كلها ضيق وتعجب من أمرها وما باتت فيه ليل نهار ..
مرت دقيقتين قبل أن يفقد الأمل حتى في أن تنظر اليه .. فقام وهو ناظرا اليها وينفخ بضيق ثم توجه الى غرفة نومه .. جلس على السرير وانتظر .. مرت أكثر من عشر دقائق وكان ضيقه منها وحنينه اليها يزداد شيئا فشيئا .. فلم يشعر بنفسه الا وقد خرج فوجدها على حالها كما تركها .. وكأنها لم تشعر به حتى حين قام وترك لها المكان الى حجرته ..

عاد اشرف اليها بعد عدة دقائق ووقف أمامها وقال بضيق وبصوت عال : ممكن تسيبى الزفت اللى في اديكى ده شوية وتفضيلى ..

رنيم .. وقد أفزعها تصرفه بشدة .. فهى لم تحس بوجوده من الأساس .. فنظرت اليه في وجوم ولم تستطع أن تنطق بكلمة .. فبادر هو وقال بنفس نبرة الصوت العالى : بقى لى اكتر من تلت ساعة مستنى سيادتك حتى تبصى لى .. وانتى ولا انتى هنا .. انتى تقريبا محستيش أو نسيتى انى رجعت .. هو احنا حنفضل لإمتى بالشكل ده .. أنا مبقتش عارف أتكلم معاكى كلمتين .. على طول ادام الهباب ده أو ماسكة الموبايل في اديكى ومش حاسة بالدنيا واللى فيها ..

كان صوت أشرف يعلو شيئا فشيئا .. لم تراه رنيم من قبل في مثل هذه الثورة .. حتى حين خلافاتهما من قبل بسبب اهماله لها لم يكن يثور مثل هذه الثورة وهى تتشاجر معه .. بل كان باردا .. مستفزا ببروده حين كان يرد على انفعالاتها وثورتها عليه بهدوء وهو مبتسم .. أما اليوم فهو في حال آخر .. تخيلت رنيم للحظة أنه يكاد أن يمسك باللابتوب ويهشمه على رأسها .. فجرت دموعها على خديها وهى تنظر اليه بنظرة زادت الضغط عليه .. فهو لا يحب .. خصوصا بعد أن عاد شعوره الجارف نحوها مرة أخرى .. لا يحب أن يكون سببا في بكائها .. ولا يحب أن يرى دموعها .. فتلك الدموع تجعله في حالة غريبة .. حالة من الضعف أمامها والاشتياق اليها .. لا يعلم لماذا حين يراها تبكى أمامه بهذا الضعف تثور رغبته فيها .. ففي لحظة تخيل أنه بسبب تلك الدموع قد ضمها الى صدره ثم راحا في لقاء حميمى ممتع .. وقد حدث ذلك معه عدة مرات .. وكانت بالنسبة له من أمتع اللقاءات الحميمية بينهما .. بالرغم من انها كانت تعبر له بعد ذلك عن مدى ضيقها من هذه اللقاءات .. لكنه لم يكن يستطيع أن يسيطر على نفسه في بعض الأحيان ..
هذه المرة أمسك أشرف نفسه بشدة كى لايفعلها .. فاستدار عنها حتى لا يضعف ويفعلها .. أراد في هذه المرة أن يضع حدا لإهمال رنيم له في الآونة الأخيرة ..

وضع وجهه بين كفيه يدعكه من جديد .. ثم أخذ نفسا عميقا حتى يهدأ قليلا .. ثم استدار من جديد وهو يتحاشى النظر الى عينيها .. وقال بهدوء : اسمعى يا رنيم .. أنا ساعات برجع من بره تعبان ومرهق .. وبكون عايز .. سكت قليلا لا يريد أن يطلب منها أن تكون متفرغة له حين عودته .. ربما لكبريائه .. وربما أنه في اعماقه يغار من نجاحها هذا الذى جعلها تهمله .. فخاف أشرف أن تتطور المشكلة بينهما ويتكلم أكثر فتعلم من فحوى كلماته بمدى غيرته من نجاحها .. لذا اردف بحنان بعد أن أمسك كتفيها ورفعها بهدوء اليه : آسف انى انفعلت عليكى بالشكل ده .. بصراحة كنت راجع تعبان ومرهق ومهموم من أحوال البيت عندنا .. وضع أمى وبابا وغادة مش مريحنى .. وكمان عملية أيمن قربت .. علشان كده أنا متوتر اليومين دول ..

لم يشعر أشرف الا وقد وقفت رنيم على طرف أصابعها ومدت ذراعيها لتتعلق برقبته وتضمه بقوة .. فأحاطها هو الآخر وشملها كلها في احضانه .. لتغمض عينيها الباكيتين .. وتغوص رأسها في زنده كأنها تغوص في وسادة من ريش النعام .. وهى تقول بصوت مثير : أنا اللى آسفة يا حبيبى .. وصدقنى مش ح تتكرر تانى أبدا ..

لايعلم أشرف لم حزن لسماعها تقول ذلك .. ولكنه في أعماق نفسه .. يعلم أنه يتحين الفرصة حتى يكون هناك سببا لشجارات تجعله يطلب منها أن تترك الكتابة وتتفرغ له مثل الأول .. حتى وان كانت بينهما الشجارات التي كانت تحدث من قبل .. ولكن صوتا بداخله كان يردد .. ليس الآن .. ربما كان صوت رغبته اليها وخصوصا وهى ذائبة في حضنه تنبعث منها رائحة الشوق الى لقائه .. لتنتهى القصة بلقاء حميمى آخر أذاب تعبه وهمومه التي رجع بها من عمله ومشاكل عائلته ..

مرت دقائق قبل أن يذهب كلاهما في سبات عميق لتمر حوالى الساعتين .. ليستيقظ أشرف على صوت تليفونه .. فرك عينيه ثم نظر الى شاشة التليفون وقال بصوت خفيض : ياه يا أيمن .. مش وقتك خالص .. ولكنه بعد عدة رنات فتح الخط ليقول وهو يتثائب : أيوة يا أيمن ..

رد أيمن بتلعثم : أنا آسف يا أشرف الظاهر انى صحيتك من النوم ..
أشرف ببرود : مش مشكلة .. أنا كده كده كنت ح اصحى علشان اتعشى .. أنت كويس ؟
أيمن : تمام تمام .. أنا كويس .. روح انت كمل نومك ..
أشرف بملل : خلاص يا أيمن أنا صحيت .. طمنى عليك .. فيك حاجة .. محتاج انى اجيلك ..؟
أيمن بتردد : لا .. أنا كويس أطمن .. بس كنت زهقان وكنت حابب أتكلم معاك شوية .. بس مش مشكلة خليها وقت تانى .. واضح انك انت كمان تعبان .. أنا كمان ححاول أنام بدرى .. ياللا .. أشوفك بكرة لو تقدر ..
أشرف : أهدى يا أيمن على شوية .. أنا ساعة وحكون عندك ياللا سلام .. ثم أغلف الخط قبل أن يرد عليه ..
مرت ساعة وربع ليقف أشرف على باب منزل أيمن ويطرق الجرس .. فتح أيمن .. كان يبدو عليه الاجهاد والتعب .. فقال : أدخل يا أشرف ..
أشرف وهو يجلس على أريكة الانتريه بالاستقبال : فيه ايه يا أيمن ؟ انت شكلك تعبان أوى .. انت بتاخد الأدوية في ميعادها .. ؟
أيمن : وهو يجلس على الطرف الثانى من نفس الأريكة : أنا بخير يا أشرف .. كل الحكاية انى بقالى كام يوم مبنمش كويس ..
أشرف : ليه .. ايه السبب .. ؟
أيمن يتنهيدة : قول ايه الأسباب ..
أشرف : للدرجة دى .. عموما .. ايه الأسباب دى يا سيدى ؟
أيمن : تفتكر ان ممكن واحد في ظروفى دى .. سكت بتردد .. فقال أشرف : ماله واحد في ظروفك .. ؟
أيمن : بصراحة مش عارف هل صح انى احس الأيام دى بالحب .. أنا بحب يا أشرف ..
أشرف ممازحا : أهلا .. والله ووقعت يا أيمن ..
أيمن بضيق : بطل هزار يا أشرف .. أنت عارف أنى مش المفروض انى اسيب نفسى لأى مشاعر ..
أشرف : ليه يا أيمن .. انت مش أول واحد يمرض .. ان شاء الله تعمل العملية بعد ما نرجع من العمرة وتبقى زى الفل ..

أيمن ببصيص من الأمل بدا على وجهه : تفتكر .. تفتكر يا أشرف ربنا حينجينى .. أنا خايف أوى يا أشرف .. خايف ان ربنا ميكونش قبل توبتى .. خايف من الموت .. خايف من انى القى ربنا وأنا عامل كل الذنوب دى .. ثم أطرق برأسه يدارى دموعا إمتلئت بها عينيه ..

إقترب منه أشرف وضمه اليه قائلا : رحمة ربنا أوسع وأكبر من كل ذنوب البشر يا أيمن .. وبعدين كل الدكاترة طمنونا ان الموضوع لسه في أوله .. يعنى ان شاء الله بسيط .. حتعمل العملية وربنا حيشفيك يا أيمن وحترجع احسن من الأول .. وتحب وتتجوز .. وبكرة تقول أشرف قال .. سكت للحظة ثم اردف .. بس أنا رأيى يا أيمن انك تعمل العملية قبل العمرة .. ويا سيدى يمكن ربنا يكرمنا ونعملها حج مع بعض ان شاء الله .. رمضان فاضل عليه شهر .. يعنى الحج فاضل عليه تلات شهور وكام يوم ..

أيمن : لا يا أشرف .. أنا مشتاق للعمرة دى أوى .. معندكش فكرة أد ايه روحى رايحة للأماكن الروحانية دى اد ايه .. وبعدين .. احنا خلاص ادامنا أسبوع على ميعاد السفر ..
أشرف : اللى يريحك يا أيمن .. أنا أهو بسمع كلامك وبنفذ لك كل طلباتك .. بس خلى بالك .. بعد العملية وباذن الله يكون ربنا شفاك .. أنا حطلع كل اللى عملته فيه في الفترة دى منك ..
ضحك أيمن ثم ضم اليه أشرف يحضنه بشدة وهو يقول : والله يا أشرف أنا لو ليه أخ مش حيعمل معايا اللى انت بتعمله ومش حيقف جنبى زى وقفتك دى .. ونفسى تسامحنى على أي ذنب ارتكبته في حقك ..

ربت أشرف على كتفه وهو يقول : مسامحك يا سيدى .. مع انى مش عارف ايه الذنب اللى ارتكبته في حقى .. ياللا بقى قوللى .. مين تعيسة الحظ اللى قلبك دقلها يا روميو ..
أيمن مبتسما : أنسى يا حبيبى .. خليها في وقتها ..
أشرف : وامتى بقى وقتها ان شاء الله ؟
أيمن شاردا : بعد العملية .. بعد العملية يا أشرف .. لو ربنا كتب لى النجاة منها ..
أشرف وهو يضع كلا كفيه على كتفه .. حينجيك .. حينجيك منها يا أيمن وحتخف بإذن الله .. ثم ضحك وقال .. على الأقل علشان أعرف هي مين اللى قدرت توقعك يا بطل ....

----------------------------------------------------------------------------------------------------

نظرت غادة الى والدها تسأله بعيونها ان كان مسموح لها الجلوس أم تعود مرة أخرى الى حجرتها بعد أن وضعت القهوة والعصير على طاولة الصالون .. فقال لها خالد : تعالى جنبى هنا يا غادة ..

جلست غادة الى جوار والده بهدوء تسترق النظر الى حسام من وقت للآخر .. فاشار خالد الى حسام قائلا : اتفضل يا أستاذ حسام .. أتفضل العصير ..
أمسك حسام بكوب العصير ويده ترتعشان ولكنه حاول ضبط رعشته وتوتره بصعوبة ..
بعدأن ارتشف من العصير رشفتين ووضع الكوب أمامه مرة أخرى .. قال خالد : أتفضل يا سيد حسام .. أتفضل عرفنى عن نفسك .. غادة قالت لى انك رحالة وسافرت بلاد كتير .. أكيد حتحكى لنا عنها .. أنا كمان سافرت بلاد كتير جدا .. بس خلينا دلوقتى في المهم اللى حضرتك جاى علشانه ..

نظرت غادة لوالدها تتساءل في نفسها .. لماذا والدها يريده أن يتكلم عن نفسه .. ألم تحكى له كل شيء عن حسام .. ولكن ما كان بيدها حيلة .. فنظرت الى حسام الذى كان يبدو عليه التوتر بشدة ويتردد بذهنها كلمة أشرف التي ألقاها على مسامعها منذ قليل .. أنتى وقعتى على التحفة ده منين ؟ .. لا زالت الجملة تضايقها .. كما كانت تتذكر كلام أمها عنه وعن فرق العمر بينهما .. ولكنها عندما كانت تنظر الى حسام وتوتره الواضح كان عقلها يصدق على كلام اخيها .. فتشفق على حسام من الموقف الذى هو فيه أمام والدها وأخيها .. بل وأمامها .. فتتمنى أن تنتهى هذه الأمسية الصعبة ..

حسام وقد سرح في كذبته الأولى على غادة في موضوع سفرياته الى بلاد كثيرة .. كان يحكى لها عنها من واقع إطلاعه على هذه البلاد عبر فيديوهات شاهدها عن هذه البلاد على اليوتيوب .. رد بتلعثم محاولا استجماع شتات نفسه وشجاعته ليتكلم عن نفسه : أنا بشتغل مدير مبيعات في شركة ***** لصناعة الأدوات الطبية ..

قاطعه خالد قائلا : أيوة عارفها .. أظن دى بتاعة الدكتور عزت الصاوى .. أنا اتقابلت معاه قبل كده .. وأعرفه كويس .. ده راجل عصامى رائع .. لو حابب أي شيء منه يا ريت تبلغنى .. احنا تقريبا أصدقاء .. شركتنا عملت لأبنه سيف فيلا في الفيوم .. أصلهم من الفيوم .. بس على ما أعتقد أن الشركة بتاعت الصاوى هو وولاده .. وملهمش شريك .. فياترى حضرتك مدير مبيعات في الشركة ولا لك أسهم فيها ..

شحب وجه حسام مما سمعه من خالد .. فهاهو وقع في شر كذبه على غادة .. الآن سوف تتأكد أنه ليس شريك في الشركة .. فقال : بصراحة أنا ناوى انى يكون ليه أسهم في الشركة ..
خالد وهو يبتسم مازحا ولكنه يقصد ما يقول : عموما طالما بتشتغل مع الدكتور الصاوى فده حيسهل علينا السؤال عنك .. ثم ضحك مقهقها بصوت مرتفع .. ثم قال : آسف على المقاطعة .. اتقضل كمل يا سيد حسام ..

حسام وهو يمسح قطرات عرق بدت على جبينه بالرغم أن تكييف الشقة لا يسمح بوجود عرق .. يفكر لماذا كذب وأخبره أنه مدير مبيعات بالشركة وليس مندوب مبيعات .. ولكنه أردف : أنا حاليا ساكن في شبرا .. في شقة والدى .. وان شاء الله ناوى آخد شقة في سته أكتوبر ..
خالد : قصدك فيلا .. حسب ما بلغتنى غادة ..
حسام وقد أقر بينه وبين نفسه أن الموضوع قد انتهى وانه من المستحيل أن يكون له نصيب في غادة الا اذا حدثت المعجزة .. كيف هذا !!.. لا يعلم .. فبدأ بالكذب مرة أخرى .. المهم أن تنتهى هذه الجلسة .. فقال : أيوه أيوه .. فيلا ..
خالد : ويا ترى في انهى كمباوند .. أحنا الشركة عندنا بتنفذ أكتر من كمباوند في أكتوبر ..؟
حسام وهو يفكر : للمرة الثالثة .. يبدو له أن أبوها هذا ليس الا أخطبوط له في كل بقعة وكل مكان يد .. فرد : بصراحة هو أنا لسة محددتش الكمباوند .. أنا أقصد أنى ناوى ان شاء الله آخد فيلا في أكتوبر .. لو ممكن حضرتك ترشح لى كمباوند يبقى كتر خيرك ..
خالد : طبعا .. طبعا .. بكل تأكيد .. أنت ممكن تشرف في شركة التسويق اللى المالك بيستعين بيها وهمه عندهم أكتر من كمباوند بيسوقوه.. ممكن تختار اللى يعجبك .. بس أنت حدد لى ميعاد وأنا حبعت معاك مهندس من عندنا يعرفك عليهم ..
حسام بثقة : تمام .. تمام يا باشمهندس ..
خالد : طيب بالنسبة للعيلة .. يعنى مين الوالد وبيشتغل ايه .. ومن أي عيلة ؟
حسام : والدى الله يرحمه .. كان شغال موظف حكومي .. وهو كان من عيلة عادية .. والوالدة كمان الله يرحمها .. وأنا عندى أخ متجوز .. وأختين لسة متجوزوش ..
خالد : ويا ترى حيعيشوا معاك في الفيلا .. ولا حتسيبهم في شبرا ..
حسام : والله لو فيه نصيب في غادة .. وهى قبلت انهم يكونوا معنا .. فده طبعا أحسن بالنسبة لى .. ولكن لو مش حتوافق .. فمفيش مشكلة .. هما ممكن يفضلوا في شقة شبرا ..
خالد وهو ينظر الى عينيه : حسب ما عرفت من غادة انك عندك تمانية وتلاتين سنة ..
حسام : أيوه حضرتك .. وان شاء الله ميكونش ده عائق في الموضوع ..
خالد : لا أبدا .. ان شاء الله لو حتوفر لغادة المستوى اللى هي عايشاه دلوقتى فأنا معنديش مانع .. طالما حتكون سعيدة معاك .. بس يا ترى حتتصرفوا أزاى في موضوع دراستها .. هي لسة في تانية ثانوى .. يعنى ادامها على الأقل ست سبع سنين علشان تاخد شهادة جامعية .. عموما ده قراركم .. وانتم اللى ممكن تحددوا اللى يناسبكم ..

لم يصدق كلا حسام وغادة ولا حتى أشرف اليسر والسهولة التي يتكلم بها خالد .. فكانوا ينظرون لبعضهم البعض وعيونهم تتسائل هل هو جاد فيما يقول .. أم انه يسخر .. أم ماذا ؟
خالد : تمام يا أستاذ حسام .. نتكلم بقى دلوقتى عن الشبكة والمهر والحاجات دى .. هو المفروض طبعا نتكلم فيها بعد ما أسأل عليك .. بس مش مشكلة .. أنا حطلب الدكتور الصاوى بكره واتكلم معاه .. وكمان المفروض نشوف الفيلا اللى انت ناوى تشتريها .. بس برضه مش مشكلة .. أنا متأكد انك مش حتبخل على غادة وعلى نفسك بأحسن سكن ليكم .. علشان كده بقول خير البر عاجله .. ونتكلم في تفاصيل الجواز ..

حسام وقد زادت سرعة دقات قلبه .. هو لم يكن متوقع أن تسير الأمور في هذا الاتجاه مطلقا على الأقل في هذه الجلسة .. مؤكد أن هذا الرجل إما مخبول .. أو هو يسخر من الموضوع برمته .. ولكنه الآن أمام أمر واقع لذا رد بتردد : أنا تحت أمرك يا باشمهندس ..
خالد : بالنسبة للشبكة .. فدى هديتك لغادة طبعا .. وأعتقد ان غادة غالية عليك .. وأكيد حتكون شبكتها اد غلوتها عندك .. يعنى مثلا سلوتير متقلش عن ميه وخمسين الف جنيه .. ولا ايه رأيك يا غادة ..؟

كانت غادة مازالت لا تصدق ما تسمع .. فانتبهت على سؤال ابيها للمرة الثانية : غادة .. الشبكة سلوتير ومتقلش عن ميه وخمسين ألف .. كويس ولا أنتى ليكى طلبات تانيه ؟
ردت غاده وهى في وادى آخر : اللى تشوفه حضرتك يا بابى ..

كان خالد في هذه الأثناء يسأل حسام عن رأيه في الشبكة المطلوبة .. ولكنه كان شاردا يفكر بعد ان درات رأسه وهو يستمع الى رقم ثمن الشبكة .. هو حتى لم يفكر في الشبكة من الأساس .. فكل ما يملك هو مائة وعشرون الف جنيه .. سوف يزوج منهم اختاه اذا اتاهم النصيب .. فهل يقلب الطاولة الآن وينهى الموضوع بنفسه باعتراضه على مبلغ الشبكة .. أم يستمر في الموافقة على كل شيء ثم يذهب لحاله ويغلق تليفونه ولا يستعمل الكمبيوتر لفترة حتى تنساه غادة ..
أخيرا تنبه حسام لسؤال خالد : فاعتذر عن شروده ثم قال : اللى تشوفه حضرتك ..
كان خالد يعلم تمام العلم أن هذا الرجل ذو إمكانيات محدودة وأنه ليس بالقدرة المالية التي تحدث بها لإبنته .. لذا آثر أن يطلب الطلبات العادية بالنسبة لمستواه ومستوى ابنته الاجتماعية .. وهو على يقين أنه لن يفى بأدنى اللطلبات ..

تكلم بعد ذلك عن الأثاث المطلوب لفرش الفيلا .. ومن أين يشترون هم أثاث منزلهم ومن أين أشترى أشرف أثاث منزله .. بالطبع من أغلى محلات للأثاث بالإسكندرية .. والفندق الذى سوف يقيمون به حفل الزفاف .. والذى سوف يتكلف ما لا يقل عن ضعف ثمن الشبكة .. فكان حسام يسمعه تأدية للوقت لا أكثر ..

أما بالنسبة لغادة .. فكانت هي الأخرى قد وصلت الى نفس النتيجة .. عندما كانت تنظر الى حسام وتجده يتهرب من النظر اليها بل يكاد أن يفقد توازنه ويفقد وعيه أمامها من الأرقام التي يسمعها .. لم تكن تتوقع أن يتكلم والدها في أي من هذه المواضيع .. كانت تحسب أن المقابلة هي للتعارف وحسب .. لقد فاجأها كما فاجأ حسام .. ولكن من يستطيع أن يلومه .. فهو لم يخطأ في شيء .. ولكنها كانت تريد لهذه الجلسة أن تنتهى حتى تطلب حسام وتعرف رد فعله بعد هذه الجلسة الغريبة والتي لم تتوقعها أبدا ..

انهى خالد اللقاء بأن قال في جد : احنا كده تمام يا سيد حسام .. انت حقيقى شرفتنا بزيارتك .. ممكن تكلمنى بعد يومين أكون كلمت الدكتور صاوى .. وكمان تكون حددت لى ميعاد علشان ابعت لك مهندس من ستة أكتوبر بخصوص الفيلا .. وان شاء الله ربنا يقدم اللى فيه الخير ..
حسام وهو يقف يتنفس الصعداء ليودعهم ويغادر وكأنه يخرج من عنق زجاجة : تمام يا باشمهندس .. حكلم حضرتك إن شاء الله .. ثم مد يده ليسلم عليه ثم على أشرف الذى كان يضحك داخليا فيما حدث وكان سعيدا بأبيه واسلوبه في انهاء هذه السخافة التي تسببت فيها أخته الصغرى .. ثم أومأ لغادة بدون أن ينظر اليها وأنصرف ......

خرج حسام متوجها نحو البحر .. إتجه بعيدا قليلا عن منزل غادة .. ووقف طويلا أمام البحر يفكر فيما حدث .. فمثل هذه المقابلة وأحداثها لم تخطر له على بال .. كان يبدو له أن والد غادة كما حدثته عنه عصريا ومتحضرا .. بل متحررا .. ولكنه حين قابله أدرك حقيقة أخرى .. فوالدها ليس بالرجل السهل .. عرف كيف يثمنه ويحجمه ويضعه في مكانه .. لكنه في نفس الوقت لم يخسر إبنته .. ولا يستطيع أحد أيا كان أن يلومه أو يأخذ عليه مأخذا تجاه هذا الموضوع أو تجاه تصرفه معه.. لقد جعله هو الذى يبتعد عن ابنته .. جعله يدرك حقيقته التي يتهرب منها في حسن اخلاقه التي يتمتع بها ولا يستطيع أحد أن ينكر ان اخلاقه حسنة ..

عاد حسام وقال في نفسه .. ماذا كنت تنتظر يا أبله ..؟ هل كنت تنتظر أن يهبها لك هكذا ببساطة .. الفروق بينكما واضحة جلية وأبسطها فرق العمر .. ربما لو كان عمرك مقارب لعمرها لكان الوضع مختلف ولو قليلا .. ربما كان الرجل يقبلك تحت تأثير حب إبنته وولعها بك .. على أمل أن المستقبل مازال أمامك وأمر المادة في هذه الحالة ربما يكون به أمل في المستقبل ..لكن تلك الهوة الكبيرة بين عمرك وعمرها حقيقة .. فأين المستقبل الذى ربما تحقق فيه ذاتك وتصبح جديرا بها .. وما الذى يجعل الرجل يتنازل في حق ابنته الى هذه الدرجة .. ؟؟!! .. ما الذى يجبر الرجل على أن يزوج إبنته من رجل لن تمضى سوى سنوات قليلة ليصبح في على مداخل العقد الخامس حيث تبدأ قدرة الرجل الجنسية في الضعف وتبدأ الأمراض في التسابق على مهاجمة أعضائه .. في حين أن إبنته سوف تصبح في سن اكتمال الأنوثة والحاجة الى رجل يفى برغباتها الجسدية في مثل عمرها ..

ثم أن هناك الفارق الإجتماعى الواضح بين عائلتك وعائلتها .. إذن .. أنت حالم .. نعم حالم .. هي الكلمة التي تنطبق عليك يا حسام .. أنت رجل أضاع عمره في الأحلام .. لم تكن ظروفه بالصعوبة التي أصبحت عليها الآن .. مر به العمر وهو يبحث عن فتاة في خياله فقط .. ارتبط بالكثير من الفتيات عبر الإنترنت .. كانت آخرهم غادة .. يحلم مع كل واحدة منهم شهورا بعش الزوجية الذى لم يأخذ نحو بناؤه الخطوات العملية المطلوبة .. يتطلع الى حياة الفلل والقصور والسفر ولف العالم يتأبط حبيبته .. ولكن في فكره فقط .. يقرأ عن ثقافات عديدة لبلدان متحضرة كثيرة .. ثم يحلم أنه واحد من مواطنى هذه البلدان .. فلا يستطيع أن يتفاعل مع ممن حوله في الحى الذى يعيش فيه أو في العمل الذى يعمل به .. يرى نفسه ذو فكر متطور لمجرد أنه قد قرأ كثيرا في مجالات عديدة .. لكنه لم يستفيد من قراءاته تلك كى ينزل من برج أحلامه الى أرض الواقع .. هو على نقيض أخيه الصغير تماما .. فأخيه يعيش الواقع بحذافيره .. لذا استطاع أن يعمل منذ أن تخرج من كلية التجارة فانهى المرحلة الدراسية مبكرا .. لم ينتظر الوظيفة أن تأنى اليه .. بل طرق هو أبواب كثيرة للوظائف وفى أثناء بحثه استطاع أن يحسن من قدراته في اللغات ومهارات الكمبيوتر كثيرا .. لتكون فرصته للوظائف الجيدة كبيرة ..فوفقه الله الى العمل بشركة استثمارية كبيرة .. فاستطاع خلال خمس سنوان أن يتزوج من المرتب الكبير الذى كان يتقاضاه من الشركة .. ثم أنجب ولدين .. فكانت اسرته وعمله هم كل حياته .. والآن يتطلع لما هو أفضل ..

أما حسام .. فقد كان مصرا على أن يكون طبيبا .. فقضى ثلاث سنوات في الثانوية العامة .. في كل سنه لا يستطيع تحصيل الدرجات المطلوبة لكلية الطب .. وفى السنة الرابعة لم يجد بد .. فالتحق بكلية العلوم .. وعندما تخرج منها انتظر أربع سنوات حتى يحصل على وظيفة في تخصصه .. ولم يحدث .. فأضطر للعمل كمندوب مبيعات في شركة الأدوات الطبية التي يعمل بها حتى الآن .. ربما تحسن راتبه في آخر خمس سنوات .. ولكنه ليس بالقدر الذى يستطيع أن يؤسس به لنفسه منزل خاص .. فمنه يصرف على أختيه ..

هو ليس بالرجل السيء .. ولكنه ليس لديه الفطنة المطلوبة حتى تسير حياته بطريقة واقعية أفضل من التي هو عليها منذ سنين .. حتى أصبح عمره ثمانية وثلاثون عاما .. ولا يستطيع أن يتزوج الى الآن .. فمثله لا ترضى به الكثير من العائلات لبناتهم .. فهو من ناحية كبير في العمر .. ومن جهة أخرى ليس لديه مقومات الزواج ..

ظل حسام جالسا على شاطئ البحر لا يشعر بالوقت حتى بزوغ الفجر .. يفكر في حياته ويتساءل ويرد على نفسه .. لأول مرة يواجه نفسه بحقيقتها .. لأول مرة لا يعجبه حاله .. لأول مرة يبحث لنفسه عن حياة جديدة .. حياة واقعية .. يجد من خلالها السعادة الحقيقة .. وليس الوهم الذى يعيشه من سنين طويلة .....


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 10:51 PM   #39

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل العشرون

البدايات الجديدة
الفصل العشرون
كانت غادة في هذا الوقت تحاول عدة مرات أن تطلب حسام أكثر من مرة على تليفونه الذى أغلقه بمجرد أن خرج من بيتهم كأنه لا يريد أن يتكلم مع أحد أو حتى يسمع صوت أحد .. وأولهم غادة .. كان يريد أن يستمع الى صوت نفسه وهى تحدثه وتقرعه .. تلومه وتجلده .. لعله يفيق من غفلته ..

فقدت غادة الأمل في أن يفتح حسام التليفون .. على أمل أن يكون الشحن قد نفذ منه وهو في الطريق من الإسكندرية الى القاهرة .. فبالطبع هو لا يجد شاحن .. ولكنها ظلت في قلق .. فهى تريد أن تطمئن عليه .. فقد بدا عليه أشياء لا تستطيع تفسيرها .. هل كان خائفا .. هل فقد الثقة التي دائما تحسها في كلامه معها .. هي كانت تعتقد أن والدها وأخيه سوف ينبهران بشخصيته كما فعلت هي منذ شهور .. ولكنه خيب أملها .. فقد كان أشبه بالجرذ الذى وقع في مصيدة .. لا حيلة له .. كان يجاوب على أسئلة أبيها وهو مهزوز بشكل لم تتوقعه فيه أبدا .. لا تعلم .. فالآن تشعر شعورا مختلفا نحوه .. ربما تستطيع أن تسميه شفقة .. نعم هي أصبحت تشفق على حاله .. بالرغم من أن الأمل لا يزال موجودا لديها في أن يستطيع أن يفى بطلبات والدها الذى تغاضى تماما عن فرق العمر ولم يتوقف عند هذه النقطة طويلا .. هو فقط أشار اليها إشارة بسيطة لتأكيد المعلومة وحسب .. ولم يحرجه بها مطلقا .. كم أنت رحيم يا أبى ..

كان أمر حسام شبه محسوم بالنسبة لغادة .. كانت تتحدث لنفسها أنها يجب أن تعيد حساباتها من جديد وأن تفكر في الأمر بعمق أكثر من ذلك .. فمن الواضح أن الجميع حولها يرفض الموضوع جملة وتفصيلا ..

أما أشرف فقد بدا أنه هو أيضا تعاطف مع حسام وحاله الذى كان واضحا بأنه رجل مر به قطار العمر ولم يحقق شيء .. ولكن تعاطفه لم يصل لدرجة أن يوافق عليه كزوج لإخته الوردة الضغيرة التي لم تتفتح بعد على الحياة وحقيقتها ولم تدرك بعد قيمة نفسها .. انها غالية عليه وعلى العائلة بأكملها .. فكيف يرضى لها مثل ذلك مصير ..
و بسبب تفكيره فى ظروف حسام .. فكر أشرف في حاله فحمد الله كثيرا على نعمه عليه .. وشكر لوالديه أن ربياه وأخوته منعمين مرفهين لم ينقصهم شيء .. وفى نفس الوقت علموهم الإعتماد على النفس ومواجهة الحياة .. ودربوهم على كيفية أخذ القرار وتحمل المسئولية .. نعم لقد ساعده أبيه كثيرا بأن وفر له شقة الزواج ولكنه في نفس الوقت جعله يعتمد على نفسه في توفير مقومات الزواج من شبكة ومهر وأثاث .. جعله يتعب .. حتى لا يكون كل شيء سهلا .. فيفرط فيه ويضيع من بين يديه بسهولة .. فكر في أحوال أصحابه وكم منهم لم يقدم على خطوة الزواج بعد .. ربما لضيق الحال أو الخوف من المسئولية .. فكر في أيمن الذى عاش حياته بإستهتار ومعاصى الى أن علم بمرضه الذى هداه الله به .. فلولا ما أصابه لظل بإمكانيات والده في طريق الغواية .. وما بدأ بداية جديدة في حياته وهبها الله إياها ..

كانت أمينة تنتظر في حجرتها تتمنى أن ينتهى أمر حسام على خير .. دخل خالد بعد ذهاب حسام الى أمينة التي نظرت الى نظرة خاطفة ثم نظرت الى كتاب بيديها .. فقال خالد وهو يقترب من سريرها : ايه يا أمينة .. عاملة ايه ؟ ..
أمينة بفتورها المعتاد في الفترة الأخيرة : بخير الحمد لله .. طمنى ايه الأخبار .. قابلت الأخ ده ؟
خالد وهو يتنهد : أيوه يا أمينة .. قابلته ونزل من شوية ..
أمينة : وغادة عاملة ايه ؟
خالد : كويسة يا أمينة .. كويسة .. أتمنى تكون فهمت وعرفت حقيقة الراجل اللى فاكرة نفسها بتحبه وانه مناسب لها .. تصدقى يا أمينة الراجل ده غلبان أوى .. بجد صعبان عليه ..
أمينة : طيب ايه اللى حصل ..؟.. عايزة أعرف تفاصيل المقابلة .. ايه اللى قولته وايه اللى قاله ..

حكى لها خالد تفاصيل مقابلته مع حسام ..وفى نهاية ماقص عليها سكت قليلا ثم أعادها ثانية : عارفة يا أمينة .. الراجل ده صعبان عليه ..
أمينة : مش فاهماك .. ازاى واحد زى ده يصعب عليك .. واحد كان ممكن يأذى بنتك !!
خالد : ولا يأذيها ولا حاجة يا أمينة .. لو كان حابب يأذيها كان سلك طرق تانية غير دى .. أقصد مكنش جه برجليه لحد هنا يتعرف علينا .. ولا كان قابلك انتى وأمير قبل كده .. يا أمينة ده انتى لو شوفتى اد ايه كان بيترعش وبيصب عرق وأنا بتكلم معاه الكلام العادى والطبيعى كان حيصعب عليكى انتى كمان .. صدقينى ده مسكين وغلبان أوى ..

نظرت له أمينة بطرف عينيها وكأنها لا توافق على رأيه فيه .. ثم قالت بنبرة فيها بعض العصبية : طيب افرض أنه وفر ونفذ كل اللى أنت طلبته .. فهل ده معناه انك حتمشى الموضوع ؟
خالد ببرود : الموضوع انتهى يا أمينة .. صدقينى الموضوع انتهى .. أنا متأكد انه مش حيتصل بيها بعد كده .. المهم دلوقتى نكون قريبين من غادة ونحتويها.. هي محتاجانا أوى .. أكتر من الأول .. خصوصا لو بطل يتصل بيها .. أو فهمها بطريقة ما ان الموضوع انتهى .. لأن كرامتها ومشاعرها في الوقت ده حتكون مجروحة بشدة .. فاهمانى يا أمينة ..
أومأت أمينة برأسها .. ثم قالت : طيب يا خالد .. ممكن تروح لها تتكلم معاها .. هي أكيد محتاجة تتكلم معاك وتعرف رأيك فيه ..
خالد : ماشى يا أمينة ولو انى كنت حابب أتكلم معاكى .. بس الظاهر انك لسة مش مستعدة لأى مواضيع تخصنا .. عموما أنا سايبك براحتك ومش عايز أضغط عليكى .. بس خلى بالك .. صبرى قرب ينفذ ..

نظرت له أمينة بنظرة تحذير ولوم .. ولم ترد عليه فخرج من الحجرة وتركها ليذهب الى غادة ........

-------------------------------------------------------------------------

وقف خميس وبسمة يستأذنوا نادر في الرحيل .. بينما كانت سلمى تنظر اليهما لتقول : يا ترى ممكن تستنونى دقايق .. أنا حرجع معاكم .. بس حخلص موضوع بسيط مع الأستاذ نادر ..
قاطعها نادر : بس الموضوع ممكن يأخرهم شوية .. أنا أفضل لو منعطلهمش أكتر من كده ويروحوا همه لأن ممكن حضرتك تتأخرى معايا شوية ..

نظرت له سلمى في تعجب من جرأته .. ولكنها بادرت بحزم : طيب .. لو الموضوع حيحتاج مننا وقت .. يبقى الأفضل نأجله لوقت تانى لو ينفع ..
إضطرب نادر ورد على سلمى بسرعة : لا أبدا الموضوع ان شاء الله مش حيحتاج وقت .. بس لو انتى قلقانة على عم خميس وبسمة انهم يروحوا بالشيك لوحدهم .. أنا ممكن أبعت معاهم السواق يوصلهم بعربيتى ..
ردت بسمة : لا حضرتك .. مفيش داعى للسواق أو العربية .. ياجماعة احنا مش مش عايزين نزعجكم أكتر من كده .. هو تاكسى من ادام باب العمارة حيوصلنا بسهولة .. ثم ضحكت وهى تقول : وبعدين متنسوش احنا دلوقتى من أصحاب الملايين .. يعنى مش حنعجز على أجرة التاكسى ..

لم تجد سلمى بدا من أن تسلم أمرها لله .. بالإضافة لفضولها الذى كاد أن يقتلها حتى تعلم ما هو الموضوع الذى يريدها نادر من أجله .. وان كانت تخمن ماهيته من الأمس ..

كان نادر في هذه الأثناء قد ضغط على جرس المكتب من جديد آمرا السكرتيرة أن ترسل له سائقه الخاص .. ليدخل السائق بعد دقاق قليلة قائلا : تحت أمرك يا نادر بيه ..
نادر : من فضلك يا أسامة توصل عم خميس والآنسة بسمة بنته للمكان اللى همة عايزينه ..
السائق بهمة : تمام حضرتك ..
هتف نادر وهم يغادرون المكتب : أسامة .. ابقى كلمنى أول ما توصلهم علشان أقولك تيجى لى على فين ..

نظرت سلمى وبسمة اليه نظرة فيها الكثير من التساؤل .. يا ترى الى أي مكان ينوى أن يذهب نادر وهو لم ينتهى بعد من موضوعه الهام الذى يريد سلمى من أجله ..
إبتسمت بسمة وهى تنظر الى سلمى باعثة لها برسالة تفهمها النساء جيدا .. بينما كانت سلمى في شرود .. تنتظر الخطوة التالية ...

بدا التوتر واضحا على نادر عندما أصبح بمفرده مع سلمى .. فأخذ يتظاهر بترتيب بعض الأوراق فوق سطح المكتب وهى تنظر اليه بدهشة تشعر بتوتره .. فبادرت بهدوء : خير يا أستاذ نادر .. يا ترى ممكن تدخل في الموضوع وتسيبك شوية من الأوراق اللى بترتب فيها ..
نادر وهو يتحرك من خلف المكتب ليقف أمامها كالتلميذ الذى يعتذر على خطأ ما أقترفه للتو : آه طبعا .. طبعا .. أنا بس مش عارف أبتدى الموضوع من انهى ناحية ..
سلمى بسخرية : ياه .. هو الموضوع له أكتر من زاوية .. للدرجة دى الموضوع صعب ..!!
نادر : لا .. مقصدش .. سكت للحظة ثم قال بانطلاق كأن الكلمات قد ملئت فمه ويريد التخلص منها مرة واحدة : إسمى بقى يا سلمى .. أنا بصراحة .. ثم سكت مرة أخرى وهو يضع يده على جبيه يفركه بشدة .. ثم أردف : ممكن نخرج من المكتب .. ونروح أي مكان نتكلم فيه .. انتى معاكى عربيتك .. مش كده ؟

نظرت اليه سلمى عاقدة حاجبيها قليلا متعجبة من طلبه هذا.. ولكنها أشفقت عليه من التوتر الواضح على تصرفاته .. فقالت له : بصراحة انت فاجئتنى بطلبك ده .. أنا متعودتش أخرج أو أكون مع أي حد في مكان عام .. وانت عارف كلام الناس ..
نادر وقد هدأ توتره قليلا .. فها هي ليس لديها مانع نفسى من أن تتواجد معه في مكان عام ولكنه مانع اجتماعى وحسب : سلمى .. احنا كبار بما فيه الكفاية اننا نكون مسئولين عن تصرفاتنا ونتحمل سخافات اللى حوالينا وكلامهم اللى بيتقال في أي حال من الأحوال .. فخلينا نتخطى النقطة دى من فضلك .. أنا محتاج أكون في مكان هادى بعيد عن جو المكتب والشغل علشان أعرف أتكلم معاكى براحتى .. وبعدين أنا عازمك على العشا .. انتى مش جعانة ؟ بصراحة أنا جعان جدا لأنى متغدتش لغاية دلوقتى ..

لا تعلم سلمى لماذا أشفقت عليه من كونه ظل بدون غداء الى هذا الوقت .. لذا قالت بتردد : بالرغم انى مش حاسة انى جعانة للدرجة دى .. بس ممكن نروح تتغدا .. وأسمع الكلام اللى عايز تقوله ..

انفرجت اسارير نادر بشدة عند سماعة موافقها على الخروج معه والذهاب للعشاء سويا ..
ركبت سلمى سيارتها .. وركب نادر بجوارها وانطلقت به الى كورنيش النيل كما طلب هو لتناول العشاء على أحدى المطاعم العائمة بإحدى البواخر النيلية ..
كان الجو رائعا بنسمات النيل الجنوبية والموسيقى المنبعثة من عازفى الكمان الذين يتجولون بالعزف بين الموائد ..

شردت سلمى في جمال وروعة النسيم من حولها والذى كان يتلاعب بخصلات من شعرها الملموم بعناية على جانب رأسها الأيمن .. فتمنت لو أطلقت لشعرها العنان ليتلاعب به هذا النسيم المحمل بروائح زهور لا تعلم من أين اتتها .. ولكنها كانت في قمة متعتها في تلك اللحظات .. حيث كانت لا تفكر في شيء بالتحديد سوى جمال الطبيعة والطقس من حولها .. كم شعرت في تلك اللحظات أنها كانت في حاجة الى مثل هذا الجمال التي لم تشعر به منذ سنوات طوال .. كانت تتلاعب بها النسمات والموسيقى والأضواء المنبعثة من انعكاس ضياء القمر على صفحة مياه النيل التي تشقها الباخرة في سلاسة وسكون يذيب المشاعر ..

نسيت سلمى في هذه اللحظات حتى وجود نادر معها .. ونسيت خالد الذى كثيرا ماكان يعيش في مخيلتها كل أو على الأقل أغلب لحظات حياتها .. خصوصا بعد رحيل مصطفى .. نسيت أولادها واحفادها .. عادت وعاشت لحظات ماقبل أن تتعرف على خالد أو مصطفى .. لحظات الحرية من قيود الحب والعشق والزواج ..

سلمى .. إبنة الإسكندرية .. مدينة الفن والجمال .. نشأت في أسرة من أسر رمانة الميزان والأصول الممتدة في جذور مصر العتيقة .. كانت إحدى جميلات حى محرم بك في الإسكندرية .. المعروف بقدمه وأصالته وتوسطه للمدينة القديمة .. وتوسطه لمستويات الأسر المصرية.. وبجانب جمالها الهادئ .. كانت من المتفوقات في دراستها .. محبوبة من جميع أفراد أسرتها و مدرسيها وزميلاتها في الحى والدراسة .. كانت تتمتع بشخصية مرحة مستقلة .. لم تنجرف الى ما كانت تنجرف الفتيات اليه في مثل عمرها .. بداية من فترة الإعدادى وحتى بعد التحاقها بالجامعة .. كان لديها هدف واحد وهو أن تصبح مهندسة معمارية مثل والديها .. كانت تعشق المواد الرياضية من جبر وهندسة وخلافه .. و متفوقة فيهم لأبعد الدرجات .. ظلت على تفوقها الى أن تقيدت بأول قيد في حياتها .. يوم ان أحبت خالد .. فبدأت أهتمامتها تتغير قليلا .. فهو في تلك الفترة كان منافسا قويا لرغاباتها وتطلعاتها قبل أن تقع في حبه .. ثم مرت بعد ذلك بقيد العشق .. عشق خالد حيث توطدت علاقاتهما سويا .. الى أن جاء القيد الثالث بزواجها بمصطفى ..

لا تعلم سلمى لماذا شعرت للحظات وهى على متن هذه الباخرة النيلية والنسيم المعطر يحاوط وجدانها من جميع الجهات أنها قد كسرت قيدين قد أدموا معصميها وقلبها سنينا .. شعرت بجمال حريتها القديمة .. ولم تنتبه من هذا الجمال وتلك المتعة التي تمنت لو أن تظل تحاوطها بقية عمرها الا على صوت نادر والجرسون أمامهما وهو يقول : سلمى .. أخترتى حتتعشى ايه ..؟
طانت في هذه الأثناء تمسك بيدها قائمة الطعام المفتوحة .. ولكنها لم تكن تنظر اليها ولم تختار بعد .. فقالت له بهدوء وهى تستنشق الهواء البارد لتملئ به رئتيها : أطلب لى زى ما حتطلب أنت ..
نظر اليها نادر بدهشة مسرورا بردها .. فقال بابتسامة ملئت وجهه : أنتى متأكدة ؟!
لم ترد سلمى ولكنها أكتفت بإيماءة بسيطة برأسها تدل على موافقتها دون أن تعلم ماذا طلب أو سيطلب هو .. هي فقط أحبت أن تعود وبسرعة لتنعم بالحرية التي عاشتها منذ لحظات قليلة ..
أبلغ نادر الجرسون بطلب العشاء .. ثم ظل ينظر الى سلمى وكأنه أحس وعرف جيدا ما تمر به .. فآثر ألا يحرمها من هذه اللحظات واكتفى بأن يراقب شرودها والبسمة المرسومة على شفتيها والذى جعلت غمازتيها تضحكان فتملئان الجو بهجة من حولهما ..

مرت دقائق وهى تنعم بما تشعر به وهو ينعم بالنظر اليها .. حتى قاطعهما الجرسون مرة أخرى وهو يضع مشروبين لعصير البرتقال قد طلبهما نادر حتى يأتي العشاء على الطاولة .. فقال نادر مبتسما : تسمحى لى أقولك انك جميلة أوى النهاردة ..

انتبهت سلمى على جملته التي لم تتوقعها منه أبدا .. ففي الوهلة الأولى شعرت أن من واجبها أن تنهره على هذا الغزل الذى لا تسمح به من أحد تجاهها .. ولكنها تراجعت و آثرت ألا تفسد عليه وعلى نفسها جمال اللحظات التي تعيشها فقالت بابتسامة بسيطة : النهاردة بس .. وقبل كده .. عمرك ماشفت اللى بتقول عليه ده ..
نادر بهيام وحماس واضحين : طول عمرى شايفك جميلة .. جميلة أوى .. جمالك بالنسبة لى هو السهل الممتنع .. اللى مش بتتمتع بيه الكتير من النساء .. انتى حالة خاصة يا سلمى .. خاصة جدا في الجمال ..

أحست سلمى بالضعف للحظة .. أحست أنها في حاجة لسماع المزيد من هذا النوع من الكلام والغزل .. ولكنها أحست في نفس الوقت بخوف شديد من أن تترك له ولنفسها العنان فيسيء فهمها .. لذا قالت بجد وبدون تراخى .. بعد أن محت الابتسامة التي كانت تنير وجهها منذ لحظات : مش ندخل في الموضوع .. أنت لغاية دلوقتى منوهتش حتى عنه .. يا ريت تبتدى وتعرفنى ايه الموضوع ..

ظل نادر ينظر الى عينى سلمى وكأنه يراها لأول مرة .. وحين طالت نظرانه اليها همت للتكلم من جديد ولكنه قاطعها موجها اليها سؤلا لم تتوقعه أن يأتي بهذه السرعة : تتجوزينى يا سلمى ؟؟؟؟
أتسعت عينى سلمى على اشدهما غير مصدقة ماسمعت .. هي فقط توقعت أن يمهد للأمر .. بأن يتكلم عن نفسه .. ثم عن هيامه بها والذى بدا في غزله منذ دقائق .. ثم يعرض عليها أن يقتربا أو يتعارفا .. لكنها أبدا لم تتوقع أن يرفع الراية البيضاء بتلك السرعة طالبا منها الزواج ..!!!
ساد الصمت بينهما .. لا تدرى هي بماذا يجب أن ترد على طلبه .. ولا يدرى هو كيف ألقى بقنبلته هكذا في وجهها وعلى مسامعها بدون أي مقدمات سوى كلمات الغزل البسيطة .. ألهذه الدرجة سحرته بجمالها وبساطتها .. حتى عمرها الذى قد تجاوز الخمسين بقليل لا يبدو عليها بالمرة .. لذا قد قال ما قال وانتهى الأمر .. وياليتها تبدأ بالرد .. حتى لو تمنعت أو حتى رفضت .. فهو أهون عليه من الإنتظار الذى بدا له في هذه اللحظات وكأنه دهرا من التوتر والقلق ..
لم يقطع الصمت سوى صوت الجرسون يقترب هو وزميل له ليضعا أطباق العشاء أمامهما ..

حاول نادر من أن يخفف من وطئة طلبه يدها للزواج بأن بادر بعد انصراف الجرسون قائلا بمزح : أنا حاسس إنى كأنى مأكلتش من يومين .. ممكن أميرتى تسمح لى باننا ناكل وبعدين نكمل كلامنا..
ردت سلمى وقد بدا الخجل على وجهها : طبعا .. ياريت .. أنا كمان ابتديت أحس بالجوع ..
بدأ كلاهما بتناول الطعام .. وبعد عدة لقيمات .. قالت سلمى بتردد : يا ترى يا أستاذ نادر أنت فكرت كويس في الخطوة دى ..؟

نادر وقد شعر بارتياح شديد من سؤالها : حتصدقينى لو قلت لك إنى فكرت فيه من سنين ..
فاتسعت عينى سلمى من كلماته .. فمن الواضح أنه قد قرر أن يفاجئها اليوم بالكثير من المفاجآت التي لم تتوقعها منه أبدا .. وقبل أن تبادر بالكلام .. رفع امامها كف يده اليمنى قائلا : أرجوكى متفهمنيش غلط .. أنا عمرى ما كنت خاين لمصطفى .. وعمرى ما فكرت فيكى بأى شكل دنيء .. أنا بس سا عات كتير غصب عنى كنت بفكر فيكى وكنت بتمنى لو كنتى زوجتى .. أو حتى يوصلك مشاعرى نحيتك .. لكن صدقينى .. في نفس الوقت أنا كنت وما زلت بحب مصطفى وصعبان على اللى حصل له في حياته وخصوصا النهاية المؤلمة اللى لغاية دلوقتى مش قادر استوعبها .. بس احنا في النهاية بشر .. بشر يا سلمى .. وفيه حاجات كتير بتبقى خارجة عن ارادتنا .. خصوصا مشاعرنا .. اللى في الأساس هي اللى بتتحكم فينا غصب عنا .. وحتى لو رفضتى طلبى .. وده من حقك .. كل اللى بتمناه انى أكون قريب منك زى الأول .. مش أكتر .. انى أكون في ضهرك بصفتى المحامى بتاعك .. أما اذا وافقتى .. فصدقينى .. حكون أسعد انسان في الدنيا ..

كانت سلمى تستمع الى كلماته وهى في سعادة من نوع خاص .. فما زالت تستمتع بكلمات الغزل المباشر وغير المباشر الذى غابت عن أذنيها سنينا .. ولا تستطيع أن تمنع نفسها من هذا الاستمتاع كأنها كانت في شوق وعطش لكلمات الحب الذى حرمت نفسها منها منذ أن دخلت في خضم الحياة .. وبالتحديد منذ أن أنجبت طفليها .. وبات همها هي ومصطفى في الدنيا في كيفية جمع المال لتأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم .. فأنشغل هو عنها وعن احتياجتها كأنثى لكلمات الغزل التي تغذى روح ومشاعر المرأة .. و نسيت هي احتياجها هذا والذى لم تتمناه الا من رجل واحد مر بحياتها كأنه عابر سبيل .. لتصبح روحها كالصحراء الجرداء التي لا تجد ماء يرويها ويبلل عطشها .. حتى اللقاءات الحميمية بينها وبين مصطفى .. كانت تفتقد أبسط أنواع الغزل منه لها .. فكانت عبارة عن لقاءات لترضية الآخر أو لتفريغ الرغبة وشهوة الجسد لا أكثر .. على الأقل من ناحيتها هي .. فكانت كلماته لها أثناء هذه اللقاءات رتيبة مكررة كأغنية في أسطوانة ملت سماعها مرارا .. تفتقد الى المشاعر الحقيقة .. ربما كان يقولها لاستثارة جسدها لتتفاعل معه وحسب ..

هي لا تنكر انها قد ذاقت حب مصطفى الجارف وكلمات الغزل الجميلة لها في بداية الزواج .. وقد أسعد بها روحها وروى انوثتها .. ولكن هذا الحب وتلك الكلمات قد خبوا شيئا فشيئا بمرور الوقت لانشغالهما بتطوير مستقبل اسرتهم الصغيرة ...

لاحظ نادر شرودها فقال : سلمى .. إنتى معايا ..؟ يا ترى سرحتى في ايه ..؟
سلمى وكأنها عادت من عالم آخر : هه !! أيوة معاك ..
نادر : طيب مردتيش على اللى قلته .. ياترى ايه ردك ..
سلمى وقد كسا الحزن ملامحها : محتاجة أفكر ..
نادر مبتسما ابتسامة يشوبها بعض القلق : طبعا .. طبعا .. من حقك ..
سلمى وهى مازالت تكسوها ملامح الحزن .. : عموما مش حتأخر في ردى عليك .. همة يومين مش أكتر ..
نادر : وأنا بتمنى من ربنا انه يمر اليومين دول علي كأنهم دقيقتين .. ده حتى الدقيقتين كتير ..
ابتسمت سلمى ابتسامة رقيقة وهى تقول : هو ده اللى جعان .. انت حسستنى انك حتاكل عشايا وعشاك من الجوع ..
ابتسم نادر بشدة : وهو يقول : طيب ياللا حاولى تخلصى عشاكى لأنى فعلا ممكن آكله بعد ما فتحتى نفسى أكتر بردك ..
سلمى وهى تبتسم ابتسامة مزح وخجل : بس أنا لسة مردتش ..
نادر : كفاية انك تردى بانك حتفكرى .. ده بالنسبة لى أمل كبير أعيش عليه اليومين دول ..ثم وضع يده على كفها الممدودة على الطاولة أمامه .. فأحمر وجهها بشدة في لحظة واحدة وسحبت يدها بهدوء وهى تبتسم بخجل شديد وكأنها توشوشه : نادر .. انت اتجننت .. الناس حوالينا ...

-----------------------------------------------------------------------------------------------

عادت سلمى الى بيتها بصحبة نادر الذى كان في انتظاره سائقه بالسيارة ليصطحبه من امام بيتها الى فيلته بالشيخ زايد ..

دخلت سلمى الى شقتها .. لتجد نور الشقة مضاء .. فارتعبت وتراجعت بظهرها خطوات الى اتجاه الباب .. فقد أحست بوجود حركة داخل الشقة .. وما أن همت لتفتح الباب حتى وجدت ابنتها تخرج من الداخل وهى تقول بصوت مبحوح : مامى .. انتى كنتى فين .. أنا كلمتك كتير .. تليفونك ليه بره الخدمة ..

نظرت اليها سلمى وأقتربت منها لتكتشف احمرار عيونها وخديها .. كان من الواضح أنها كانت تبكى أو بكت كثيرا .. فضمتها الى صدرها واحتوتها بذراعيها وهى تقول بلهفة : علا حبيبتى .. مالك .. فيكى ايه .. وبتعملى ايه هنا في الوقت المتأخر ده .. وفين ياسر جوزك .. ؟! وفين الولاد .. ؟!
انهارت علا على صدر أمها واجهشت في البكاء بشدة .. ياسر .. ياسر يامامى ..
أبعدتها سلمى عن صدرها وهى ممسكة بكتفيها وقد احست بقبضة شديدة تعتصر قلبها : ماله ياسر .. حصل ايه فهمينى ..
انهارت علا من جديد على صدر أمها وهى تقول : ياسر بيخونى ..

سلمى وقد صدمتها المفاجأة : بتقولى إيه .. ازاى وفين .. تعالى أقعدى وإهدى .. خلينى أستوعب اللى بتقوليه .. هي حصلت الخيانة .. لا حول ولا قوة الا بالله ..
جلست سلمى وهى تجذب علا لتجلس بجوارها على أريكة الأنتريه وهى مازالت تبكى ...
سلمى وهى تمسح دموع إبنتها بكفيها وتقبل جبهتها : أهدى .. أهدى يا حبيبتى أو قومى إغسلى وشك علشان تهدى شوية ...

هدأت علا قليلا وتحول نشيجها الى نهنهة وهى تقول : ياسر بقى له مدة متغير معايا .. على طول سهر بره البيت لوحده .. بعد ما كنا بنسهر سوا كل يوم مع اصحابنا .. بقى له حوالى شهرين .. ابتدى يخرج لوحده ولما كنت اسأله احنا ليه مش بنخرج سوا مع بعض زى الأول .. يتحجج ويقول اننا أهملنا الولاد .. وانى لازم اتفرغ لهم اكتر من كده ولازم افضل معاهم في البيت شوية .. مع انى حاسة انى بسببهم اهملته هوا .. وكان بيشتكى من بعدى عنه .. وسا عات كان يقولى ان الخروجة كلها رجالة .. ومينفعش انى اتوجد معاهم لوحدى .. سكتت علا للحظات تلتقط أنفاسه .. فقاطعتها سلمى بإستنكار : طيب وهى ايه الخيانة في انه بيخرج لوحده ؟

علا وهى تمسح دمعتين سالتا على خديها بعد أن فشلت فى أن تمسكهما كثيرا : أصبرى على شوية يا مامى .. الموضوع لغاية هنا فعلا مفهوش خيانة .. بس أنا من كام يوم ابتدى يجيلى تليفونات من ناس معرفهاش يقولوا لى ان جوزك بيخونك .. في الأول مكنتش بهتم وكنت بقول ان دى ناس فاضية وعايزة تفسد اللى بينى وبينه .. لكن النهاردة جالى تليفون أنه موجود مع واحدة في شقته القديمة .. أنا بصراحة مقدرتش أتغاضى عن كلامهم المرة دى خصوصا انى ممكن أروح الشقة وأتأكد بنفسى ..
سلمى وهى تضع يدها على فمها : وروحتى ؟؟!!
علا ببات : طبعا روحت .. ثم أنفجرت في البكاء من جديد .. روحت وشوفت خيانته بنفسى يا مامى .. وظلت تبكى بعد أن إرتمت على صدر أمها ...
سلمى وقد هالتها المفاجأة : معقول .. معقول يا حبيبتى .. طيب إهدى شوية وفهمينى .. ايه اللى شوفتيه .. ؟
علا وهى تحاول أن تمسك نفسها عن البكاء قليلا : أنا معايا نسخة من مفتاح شقته .. كان سايبها معايا من أيام ما كنا حنسكن فيها .. قبل بابى اللى يرحمة مايجيب لى الفيلا اللى اتجوزنا فيها في أكتوبر .. أنا لما روحت فتحت الباب ودخلت .. سمعت صوته هو وواحدة لما قربت من أوضة نومه .. ولما فتحت الأوضة .. شفتهم .. شفتهم بـ .... ثم سكتت وهى تبكى بشدة وتخبئ وجهها بصدر أمها ..
سلمى وقد صدمها ما سمعت من ابنتها : اهدى .. أهدى يا بنتى .. اللى حصل ..حصل .. ولادك فين وسيباهم مع مين ؟
علا وهى تمسح دموعها بظهر يدها : أنا جيت على هنا على طول .. هما مع دادتهم كريمة فى الفيلا ..
سلمى بقرف : طيب وهو لما شافك عمل ايه ؟
علا : أنا مدتهوش فرصة انه يعمل أي حاجة .. قبل ما يتحرك من السرير .. جريت وخرجت من الشقة ونزلت ركبت عربيتى وفضلت أطلبك لغاية ما وصلت هنا ..
سلمى : طيب انتى تعرفى الست اللى كانت معاه ؟
علا : ملحقتش أشوفها .. وكنت قرفانة من المنظر .. فجريت على طول أول ما شوفته وهو ..... ثم سكتت علا ولم تستطيع أن توصف ما رأت ..
سلمى وهى تضم ابنتها الى حضنها : اهدى يا حبيبتى .. سكتت قليلا ثم اردفت بتردد : طيب وانتى ناوية على ايه يا علا؟
علا بصرامة : الطلاق يا مامى .. مفيش غير الطلاق .. أنا مش ممكن أعيش معاه لحظة واحدة بعد القرف والقذارة اللى شوفتها منه النهاردة .. ويا عالم كان في القذارة دى من إمتى .. أنا لازم اطلق منه يا مامى ..
سلمى وقد اعتلاها الهم والحزن : لا حول ولا قوة إلا بالله .. مش عارفة أقولك ايه يا حبيبتى .. بس خراب البيوت مش بالساهل كده يا علا ..
علا بصراخ : مش ممكن أعيش معاه .. خلاص انتهينا .. الخاين اللى زى ده ملهوش مكان في حياتى ولا حياة ولادى ..
سلمى : طيب اهدى .. اهدى دلوقتى وادخلى اغسلى وشك .. أو يا ريت تاخدى شور دافى يهديكى.. وريحى شوية في اوضتك .. أنا حعمل لك عصير يروق دمك شوية .. وبعدين نشوف حنعمل ايه .. ياللا يا حبيبتى .. متحرقيش في دمك أكتر من كده .. المهم دلوقتى أكلم أخوكى يروح يجيب الولاد من الفيلا يباتوا معانا هنا لغاية ما نشوف حنعمل ايه ..

قامت علا بتثاقل الى ان وصلت الى الحمام .. ونظرت الى مرآة الحمام ثم بدأت في النحيب من جديد .. مرت دقائق قبل ان تتجرد من ملابسها وتقف تحت دش الماء الساخن ولا يذهب عن مخيلتها منظر ياسر زوجها عارى الجسد وهو يرفع رأسه ويستدير بها ينظر اليها وهى تفتح باب حجرة نومه وأسفله امرأة لم تستطيع أن ترى من هي .. فتركت المكان بسرعة وهى تبكى من هول ما رأت ....

في هذه الأثناء طلبت سلمى ابنها جمال على الهاتف .. ليرد عليها بفتور : أهلا يا ماما .. انتى بخير ؟
سلمى : أيوة يا حبيبى أنا بخير .. انت ازيك وازى مراتك وولادك .. واحشنى .. واحشنى كلكم يا حبيبى ..
جمال بتوتر وقلق شعرت به سلمى وهو يقول : آه .. تمام احنا تمام .. ان شاء الله نمر عليكى في اقرب فرصة ..
سلمى : مالك يا جمال .. انت فيك حاجة .. سمر بخير .. وسليم وزينة كويسين ..
جمال : أيوة .. أيوة بخير .. بس ممكن أطلبك أنا بعد شوية يا أمى .. أصلى مشغول شوية .. حطلبك تانى .. ماشى .. حطلبك تانى .. ثم أغلق الخط بسرعة قبل أن ترد عليه أمه أو تسأله سؤال آخر ....
تعجبت سلمى من طريقة ابنها في الرد عليها .. فهى لم تتعود منه مثل هذا التصرف المثير للقلق ..
لم تهتم كثيرا .. كان كل شغلها الشاغل في هذا الوقت هو ابنتها وما حدث لها .. فأسرعت الى المطبخ وأعدت لها كوبا من عصير البرتقال الطازج وبعض قطع الكيك .. وذهبت بهم الى حجرتها تنتظرها حتى تنتهى من الشاور ..

مرت دقائق وسلمى تفكر في هذه المصيبة التي وقعت فوق رأسها ورأس ابنتها .. وكيف ستتصرف فيها .. على الأقل لابد أن يذهب أحد كى يحضر أحفادها من الفيلا بأكتوبر .. فمن الواضح أن جمال لن يفعل وهو مشغول عنهم بأمر لم تستطع أن تستشفه منه ..

مرت دقائق حتى دخلت علا على سلمى الحجرة .. فجلست بجوارها فوق السرير ووضعت رأسها على صدرها من جديد وهى تقول بوهن : أنا حاسة انى تعبانة .. تعبانة أوى يا مامى .. أنا .. أنا ياسر يخونى ..؟؟!!!
سلمى : إجمدى .. إجمدى يا حبيبتى .. المهم دلوقتى ولادك .. أنا كلمت جمال .. بس للأسف واضح انه مشغول .. لدرجة انه معطنيش فرصة احكيله اللى حصل أو حتى أطلب منه انه يروح الفيلا عندك ويجيب الولاد .. عموما مفيش دلوقتى غير إنى أروح اجيبهم بنفسى ..
علا : معقول .. معقول يا مامى حتروحى اكتوبر لوحدك في الوقت المتأخر ده .. استنينى أنا حغير وآجى معاكى ..
سلمى : لا لا .. انتى حتفضلى هنا .. أنا مش عايزة فضايح ومش عايزة الموضوع يكبر بينكم أكتر من كده .. مش عايزة مواجهات بينكم .. على الأقل لغاية ماتهدى شوية ..
علا : بس أنا حبقى قلقانة عليكى .. السكة صعبة من هنا لغاية أكتوبر .. خصوصا في الليل ..
سلمى وهى تملس على شعرها المبلول :متشغليش بالك .. أنا حتصرف .. وبالمرة أمر على جمال أشوف ايه حكايته .. صوته كان مش عاجبنى في التليفون ..

مرت ساعة ونصف قبل أن تصل سلمى بسيارة أجرة تابعة لشركة من الشركات المعروفة حتى تكون بأمان.. وصلت الى أكتوبر وما أن أقتربت من الشارع المؤدى الى مدخل الكومباوند الذى تقع فيه فيلا جمال وفيلا غادة إلا ووضعت يدها على فمها و شهقت شهقة عالية وعينيها على أشد اتساع لهما .. حتى أن سائق السيارة قد أضطرب وضغط على مكابح السيارة بشدة لتقف السيارة فجأة وهو يقول لها بفزع : فيه ايه يا هانم .. انا عملت حاجة غلط ؟؟؟!!!!

--------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 11:05 PM   #40

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الزاحد والعشرون

البدايات الجديدة
الفصل الواحد والعشرون


دخلت اجلال الى غرفة العمليات .. وفى طريقها لاحظت والدة عاطف التي كانت ضمن العمليات التي سوف يجريها الدكتور عبد القادر اليوم والتي سوف تكون هى احدى مساعديه في اجراء هذه الجراحات .. فاستوقفتها أم عاطف وهى مرتعبة من اجراء العملية في مثل هذا العمر : اجلال .. انتى هنا يا بنتى ..
ردت اجلال باقتضاب : أيوة .. وانتى من ضمن حالات العمليات النهاردة ..
أم عاطف بخوف ورجاء : طيب .. انتى حتكونى معايا .. مش كده يا اجلال ..؟
اجلال : متقلقيش .. أنا معاكى .. والعملية بسيطة .. وبتتعمل كل يوم لأكتر من عشر عيانين .. وبعدين دى بالمنظار يعنى فتحة البطن يدوب سنتيمتر واحد .. والدكتور عبد القادر شاطر في النوع ده من العمليات .. ان شاء الله تقومى بالسلامة ..

أم عاطف وقد أمسكت بكلتا يديها يد اجلال و ملئت الدموع عينيها : سامحينى .. سامحينى يا اجلال .. وسامحينا كلنا .. احنا أذيناكى انتى والست فاطمة كتير .. ياريت تترجيها تسامحنا هي كمان .. محدش عارف المكتوب ايه يا بنتى .. والمسامح كريم ..
اجلال وقد تأثرت قليلا بكلمات ورجاء أم عاطف : ان شاء الله حتقومى منها وتبقى أحسن من الأول .. وربنا يسامحنا جميعا .. بعد اذنك .. لازم أروح أجهز نفسى .. الدكاترة على وصول .. انتى تالت عملية ان شاء الله ..
أم عاطف وقد غادرتها اجلال : ربنا يسعدك ويجبرك ويعوض عليكى ..ثم قالت بصوت خفيض .. ويفك سجنك يا عاطف يا ابن بطنى .. قادر يا كريم ....

انتهت جميع العمليات بعد ست ساعات وخرجت اجلال منهكة القوى .. فاستوقفها الدكتور عبد القادر ليقول لها في عجالة : قابلينى في المكتب بعد ساعة يا اجلال .. نظرت اليه اجلال وهى تومئ برأسها وتقول : حاضر يا دكتور .. لتذهب بعد ذلك الى حجرة التمريض ..

عندما رأتها ماجدة ابتسمت وهى تقول : الجميل أخباره ايه .. والكل مهتم بيه وبأموره ..
نظرت اليها اجلال بحاجبين مقتضبين : مش فاهمة .. تقصدى ايه يا ريسة ..
ماجدة مازحة : أقصد الدكتور عبد القادر اللى ملوش شغلانة غيرك .. انتى عملتى ايه للراجل يابنت .. ده جالى لحد عندى هنا وقاللى .. أنا عايز منك خدمة يا ست ماجدة .. قلت له خير يا دكتور .. أنت تأمر .. قاللى.. انتى عارفة اللى ناوى يعمله الدكتور سامى في اجلال .. قلت له أيوة .. ويا اريت تساعدها وتخلصها من موضوع نبطشية الليل دى يا دكتور .. قام قاللى .. أنا لو كلمت سامى حيعند أكتر .. هو مش عايزها تشتغل معايا في العيادة .. ما انتى عارفاه يا ماجدة .. هو عامل حامى الحما على كل الدكاترة زمايله .. علشان كده انا اتفقت مع اجلال انها تقدملك إجازة من بكرة وانتى تقبليها ونحطه أدام الأمر الواقع لغاية ما نشوف حنتصرف معاه ازاى .. ثم نظرت الى اجلال بعيون متسعة وهى تتقول لها مازحة : فين طلب الأجازة يا بنت .. ياللا اكتبيه بسرعة .. خلينا نفرس الدكتور سامى .. قال نبطشية ليل قال .. هو الجميل ده يقدر على نبطشيات الليل وغلاسة العيانين والدكاترة .. انتى مقامك الدكاترة المحترمة زى عبد القادر ..

نظرت اليها اجلال بعيون منهكة وهى تتناول ورقة وقلم لتكتب طلب الأجازة وهى تقول : والنبى انتى فايقة ياريسة .. ده أنا هلكت النهاردة في أوضة العمليات .. ست ساعات واقفة على رجلى لما حاسة انها ورمت ومش قادرة أقف عليها .. قال الدكتور بد القادر يهتم بيه قال .. احنا يا دوب نشتغل عندهم في العيادة مش أكتر ..
ماجدة وهى تسخر منها : والنبى ايه .. لو على الشغل .. ألف واحدة تشتغل مكانك ولا يوجع دماغه بحل مشاكل ولا غيره .. انتىى أصلك مشفتهوش وهو بيتكلم عنك عنيه بتلمع ازاى ..
لم ترد اجلال وظلت تفكر في كلام ماجدة باهتمام حتى أنهت طلب الأجازة وأعطته لماجدة وهى تقول : آدى طلب الأجازة يا ستى .. أنا يادوب أغير هدومى وأريح شوية قبل ما أروح .. ثم انتبهت لما طلبه منا الدكتور عبد القادر .. ولكنها آثرت أن لا تخبر ماجدة .. فكفاها ما يدور برأسها تجاه الدكتور عبد القادر وتجاهها ..

مرت الساعة حين همت اجلال أن تطرق باب حجرة عبد القادر ثم دخلت بعد أن سمح لها بالدخول ..
اجلال : أؤمر يا دكتور ..
عبد القادر وهو يرتب أوراق على مكتبه : إسمعى يا اجلال .. أنا خارج دلوقتى .. الشارع اللى بعد المستشفى على اليمين فيه مطعم .. أنا حستناكى هناك .. وانتى حصلينى بعد نص ساعة ..
حاولت اجلال أن تتكلم ولكنه أشار لها بيده .. عارف .. عارف يا اجلال .. بس احنا مش رايحين للمطعم نقعد أو نتعشى هناك .. أنا حعمل أوردر العشا وبعدين حنطلع على الفيلا عندى تبصى على الاستراحة قبل ما نروح سوا نتعشى مع خالتك .. وبالمرة أتكلم معاها في الموضوع .. أنا متأكد انى حقنعها انكم تتنقلوا وتعيشوا في استراحة الفيلا عندى .. ياللا .. ياللا .. مش عايزين نتأخر أكتر من كده ..

كانت اجلال تسمع لقراراته وهى متعجبة من تصرفاته وتتساءل لماذا يهتم بها كل هذا الاهتمام .. هل كلام ماجده عنه صحيح .. هل يريد منها شيئا واضح للجميع بهذا الشكل .. كانت تريد أن تعترض على ما يفعله أو على الأقل تتناقش معه وتسأله لم يفعل كل هذا من أجلها .. ؟ فهناك العديد من الممرضات يمكنه أن يعتمد عليهن في وظيفة العيادة تلك وبدون أن يتعب نفسه كل هذا التعب ويدخل نفسه في مشاكل مع مدير المستشفى .. ولكنها في النهاية لم تجد بدا من الموافقة على ما يقوم به .. فهى كانت تخجل منه وتخشى أن ترفض له طلبا .. أو تلك كانت طريقتها وطبعها في معاملة الآخرين .. لذا قالت له في هدوء : اللى تشوفه حضرتك .. ثم توجهت الى الباب وخرجت ..

مضت نصف الساعة والتقت اجلال بعبد القادر عند مدخل المطعم .. كان جالسا في سيارته .. فتحت باب السيارة وجلست بالكرسى الأمامى .. مرت دقائق قليلة ليصل أحد العاملين بالمطعم ومعه أكياس العشاء ليضعها في الكرسى الخلفى للسيارة .. لينطلق عبد القادر بالسيارة وتصل الى باب الفيلا في أقل من سبع دقائق ......

كانت الفيلا قريبة من المشفى .. تقع في شارع عتيق هادئ مليئ بالأشجار العتيقة المرتفعة على يمين ويسار الشارع الطويل .. التي بدت لها كفراخ عملاقة تحتضن بوابات الفيلات على اليمين واليسار كأنها ترقد على بيوضها في حنان ودفء عجيب .. كانت الفيلا في منتصف الشارع تقريبا ..

عندما واجهت العربة باب الفيلا .. أطرق عبد القادر بوق السيارة ليفتح رجل أمن الفيلا الباب الكهربائى بضغطة زر على جهاز أمن باب الفيلا .. لتدخل السيارة في انسيابية أخذت لب اجلال هي وحديقة الفيلا الواسعة ..

كانت اجلال تنظر الى حديقة الفيلا غير مصدقة ما تشاهده من جمال وتنسيق لم تراه سوى في الأفلام والمسلسلات التي كثيرا ما استفزتها وهى تشاهدها عبر التلفاز .. والتي كانت تعتبرها ضربا من الخيال الذى لا يوجد على أرض الواقع ..

كان يتوسط الحديقة مبنى أبيض كبير .. هو أقرب للقصر منه الى الفيلا .. بأعمدة رخامية وقباب من القرميد العسلى .. وحوله شجر من نخيل الزينة الذى يفصل بينه أحواض زهور زاهية الألوان .. أما أرضية الحديقة فكانت معظمها من البلاط الرصاصى يتخلله شرائط بلاط من اللون الأحمر القانى .. بالإضافة الى مساحات من النجيل الأخضر تحتوى على برجولات رائعة الجمال يتوسط أحدى هذه المساحات حمام سباحة كبير تتلألأ مياهه الزرقاء تحت آشعة شمس الغروب ..
وقفت السيارة خلف مبنى الفيلا أمام مبنى صغير يبعد عن الفيلا بمسافة لا تقل عن أربعون مترا .. يفصل المبنيين مساحة كبيرة بها مجموعة من أشجار الفاكهة ..

نزل عبد القادر من السيارة وهو يقول : اتفضلى يا اجلال .. هي دى الاستراحة يا ستى ..
نزلت اجلال من السيارة ببطء غير مصدقة لما تراه .. تتساءل .. هل هذا حقيقة أم حلم .. وان كان حقيقة فيا ترى هل من المعقول أن تسكن في هذا المكان الرائع .. ؟؟!!

اقترب عبد القادر من باب الاستراحة .. فصعد ثلاث درجات سلم أمام الباب .. ثم مد يده وفتح الباب .. وهو يقول : تعالى يا اجلال بصى على الاستراحة من جوه .. وشوفى لو فيه حاجة ممكن تكون ناقصة علشان نكملها ..

اقتربت اجلال وألقت نظرة على استحياء ورهبة من خارج الباب الى داخل الاستراحة .. فوجدت أمامها حائط يبعد مترين عن باب الاستراحة .. يتوسط الحائط مرآة فوق طاولة عليها فازة كريستال خالية من الزهور بجوار طبق خالى وأيضا من الكريستال .. لم تشاهد شيء داخل الاستراحة .. فقال لها عبد القادر : ادخلى يا اجلال .. من على الباب مش حتشوفى حاجة .. الحيطة دى معمولة علشان اللى على الباب ميجرحش اللى جوة الاستراحة ..

نظرت اليه اجلال بتخوف .. ففهم عبد القادر ما يدور بخلدها .. فقال مبتسما ممازحا : متخفيش يا اجلال .. انا مش جايبك هنا علشان اعمل فيكى حاجة وحشة لا سمح الله .. وأدينى يا ستى حروح أقعد في العربية لغاية ما تعاينى الاستراحة علشان تكونى براحتك ومطمنة ..
ردت اجلال بتلعثم : لا أبدا يا دكتور .. أنا مطمنة ومش خايفة من حضرتك ولا حاجة .. ودخلت الى الداخل لتجد صالة واسعة يتوسطها انتريه مكون من أريكة كبيرة وفوتيهين احدهما ثنائى وطاولة في المنتصف .. والحائط المواجه للأنتريه عليه شاشة عرض لتليفزيون كبير الحجم .. بين الاريكة وكل فوتيه توجد طاولة صغيرة عليها ابجورة .. على يمين الصالة مطبخ مفتوح يحتوى تقريبا على كل ما تحتاجه ربة البيت ..وهناك باب على اليسار وبجواره باب آخر .. الباب الأول هو لحمام صغير .. ثم فتحت الباب الآخر لتجد حجرة نوم واسعة يتوسطها سرير كبير على يساره بابين احداهما لحمام كبير والآخر عبارة عن حجرة ملابس وامام السرير انتريه صغير تتوسطه طاولة .. وعلى الحائط أمام السرير والأنتريه شاشة عرض لتليفزيون متوسطة الحجم..

لم تصدق اجلال جمال الاستراحة .. فمن شدة جمالها تاقت اليها نفسها وتمنت لو تستطيع العيش فيها من الآن ..

خرجت اجلال بعد أن عاينت الاستراحة بوجه حزين .. فقد كانت تفكر فى انه مهما عاشت في هذه الاستراحة فلابد انه سيأتى يوما ما وتترك هذا المكان الرائع لأى سبب من الأسباب .. فهل من الحكمة أن تقبل العيش فيها وتتعود على هذا النعيم ليأتى يوما .. قريبا كان أم بعيدا .. وتترك تلك المعيشة الرغدة بالنسبة اليها هي وخالتها ؟؟!!
نظر اليها عبد القادر والى عبوسها فقال بحزن هو الآخر : واضح انها معجبتكيش ....

نظرت اليه اجلال مندهشة من تعليقه فقالت بسرعة : يا خبر يا دكتور .. بالعكس دى حلوة اوى .. احلى بكتير من اللى تخيلته من ساعة ما كلمتنى عنها ..
عبد القادر وقد عادت اليه ابتسامته : أمال ليه خارجة مكشرة بالشكل ده ؟
اجلال بتوتر : أبدا .. بس كنت بفكر .. هو الصح إنى أعيش هنا .. وبعد ما أضرب بعرض الحائط كلام الناس .. أكيد حييجى يوم واترك المكان الحلو المريح ده بعد م أكون أخدت عليه أنا وخالتى ..
عبد القادر : أنا متفهم للى انتى بتفكرى فيه يا اجلال .. بس أنا من رأيي أنك تعيشى اليوم بيومه.. وإحسنى دايما الظن بالله .. أنا شخصيا عايش حياتى بالشكل ده .. والحمد لله عمر ربنا ما خذلنى .. يعنى مش يمكن ييجى اليوم اللى تعيشى فيه في مكان احسن من ده ألف مرة .. وعلى فكرة .. انتم حتعيشوا هنا وكأنكم مش عايشين معايا .. ورا الاستراحة فيه سور على بعد خمسة متر .. فيه باب بيطلع على الشارع الخلفى للفيلا .. يعنى لو عايزة خصوصية أكتر .. ممكن تستخدموا الباب ده ..
اجلال بأمل يشوبه الإحباط : أعيش في مكان أحسن من ده ألف مرة ..؟! .. هو فيه مكان أحسن من ده ولو مرة واحدة يا دكتور ..
عبد القادر بتنهد : الدنيا ياما فيها يا اجلال .. وكل ما بنعيش فيها بنشوف أكتر ونتعلم أكتر وأكتر ونبقى على يقين ان ربنا عنده اللى أحسن وأجمل من اللى بنشوفه ونعيشه ملايين المرات .. ياللا .. ياللا يا اجلال .. لسة ورانا مشوار طويل لحد خالتك .. ومتنسيش الوقت اللى حنقضيه في اقناعها .. والحمد لله أن النهاردة الخميس والعيادة أجازة ..

كان الطريق من الفيلا الى منزل اجلال طويلا .. بالإضافة الى زحام المرور .. فكان لدى عبد القادر واجلال الكثير من الوقت ليتكلما قى أمور كثيرة .. كان عبد القادر ينظر من وقت لآخر بطرف عينيه الى اجلال التي كانت جالسة الى جواره شاردة .. ملامحها لا تدل على شيء بالتحديد .. فقال : انتى أحسن دلوقتى ؟

انتبهت اجلال الى سؤال عبد القادر .. وقد كانت شاردة في كلام ماجدة وهل فعلا عبد القادر مهتم بها بصفة خاصة .. فقالت بهدوء : الحمد لله يا دكتور.. أنا بخير .. بس يارب الدكتور سامى ميعملش مشكلة لماجدة بسبب موضوع الأجازة ..
عبد القادر : متشغليش بالك .. ومتفكريش في الموضوع ده .. سامى دايما بيطلع يطلع وينزل على مفيش .. يعنى حيزعق معاها شوية وبعد شوية حينسى الموضوع .. المهم انتى اتكلمتى مع خالتك في موضوع انكم تنقلوا وتعيشوا في الاستراحة زى ما قلت لك ولا لسة ..؟
اجلال : بصراحة لسة .. اصلى لما رجعت امبارح كانت نايمة .. والصبح صحيت متأخر .. مكنش فيه فرصة أتكلم معاها ..
عبد القادر : كويس .. علشان نعرف نتكلم معاها ونقنعها .. المهم انتى مقتنعة .. ولا لسة بتفكرى ؟
اجلال .. بعد لحظات صمت كانت تفكر فيها في إجابة مناسبة : بصراحة مش عارفة .. بس منكرش انى خايفة من الخطوة دى .. مش عارفة ان كان صح انى اسكن في مكان واحد مع حضرتك ولا غلط .. أقصد الناس وكلامها .. وحضرتك عارف .. مفيش حاجة بتستخبى .. يعنى الناس مسيرها تعرف .. وساعتها مش عارفة ممكن يقولوا ايه ..
عبد القادر : عودى نفسك انك متهتميش بكلام الناس يا اجلال .. الناس لو ملقتش حاجة تتكلم فيها حتخترع اى موضوع وبرضه تتكلم فيه .. واللى بيخاف من كلام الناس عمره ما حيتقدم في حياته .. المهم ان الانسان ميعملش الحرام ولا يأذى حد .. صدقينى ساعتها ربنا سبحانه وتعالى بينجيه من كلام الناس وأفعالها .. وعلشان تطمنى يا ستى أنا مش عايش لوحدى في الفيلا .. أمى وبنتى كان عايشين معايا .. أمى طبعا ست كبيرة بس طيبة فوق ما تتصورى .. حاجة كده أصبحت نادرة انك تلاقيها في الزمن ده .. تقدرى تقولى ان النوع ده من الستات انقرض من زمان .. وآية .. بنتى الوحيدة .. عندها تلتاشر سنة.. هي مدلعة شوية .. بس أنا متأكد إنكم حتبقوا صحاب .. أنا كلمتهم عنك وعرفتهم ان فيه احتمال تعيشى معانا في الاستراحة انتى وخالتك .. وعلشان تعرفى ان أمى طيبة .. هي عرضت على انكم تعيشوا معانا في الفيلا .. بس أنا قلتلها نسيب الموضوع ده شوية لغاية ما تاخدوا على بعض أكتر ..

كانت اجلال تستمع الى كلام عبد القادر وتشعر بتوتر ورهبة من انتقالها لتعيش معه هو وعائلته في مكان واحد .. غير مقتنعة نسبيا بوجهة نظره تجاه كلام الناس .. لذا آثرت الصمت وعدم التعليق .. قررت بينها وبين نفسها أن تصلى صلاة استخارة قبل أن تأخذ هذه الخطوة لعل الله يحدث أمرا لتعلم أخير لها الانتقال هي وخالتها الى هذا المكان أم لا .. أو لعل خالتها ترفض تلك الخطوة .. ولكنها تعلم أن هذا من الصعب أن يحدث .. فخالتها سوف تلقى الكرة في ملعبها هي .. ولن تبدى أي اعتراض .. هي توافق على أي شيء ترضى به اجلال ..

استطاع عبد القادر أن يشغل تفكير اجلال بعيدا عن خوفها من كلام الناس ومن رد فعل سامى .. فأخذها بعيدا بأسئلته عن حياتها تارة .. وأخرى كان يتكلم عن نفسه وحياته مع أمه وابنته الصغيرة .. حتى وصلا الى منزلها .. فقال لها : انا حسيبك تطلعى انتى ومعاكى لفة العشا .. وحدور على ركنة للسيارة .. تكونى انتى مهدتى الطريق لخالتك اننا حنتعشى سوا .. مهو مش معقول ندخل عليها كده بدون سابق انذار ..

مرت حوالى ربع ساعة قبل أن يطرق عبد القادر على باب الشقة .. لتفتح له اجلال وتقول له : اتفضل يا دكتور .. كانت خالتها تقف خلفها على بعد خطوتين هي الأخرى ترحب به قائلة : يا أهلا .. يا أهلا .. اتفضل يا سعادة البيه .. ده البيت نور والله .. مع انه مش اد المقام .. يا أهلا وسهلا ..
عبد القادر مبتسما : أهلا بيكى يا ست فاطمة .. البيت منور باصحابه .. جلس عبد القادر على الكنبة الوحيدة في مدخل الصالة الصغيرة .. وقد راعى أن لا ينظر حوله أو يتطلع لأى شيء حتى لا يجرح أي منهم بنظراته .. ولكنه تكلم بعد لحظات قائلا : ايه يا اجلال .. احنا مش حنتعشى ولا ايه .. معقول انتى لسه مجوعتيش بعد اليوم المهلك ده .. أنا بصراحة ميت من الجوع ..

همت اجلال لتقوم الى المطبخ لتجهيز العشاء .. فبادرت فاطمة تقول : يا خبر يا دكتور ثوانى والعشا حيكون جاهز .. بس مكنش فيه داعى تتعب نفسك بالشكل ده وتجيب العشا .. ده انا والله مجهزة عشا كويس من غير ما أعرف انك مشرفنا .. ما انا عارفاها يا حبيبتى بتهلك في المستشفى .. وسا عات كتير بتنسى نفسها ومتتغداش .. علشان كده بكون مجهزالها أكل كويس تتغذى بيه ..

عبد القادر : معلش يا ست فاطمة .. خليكى انتى .. اجلال حتحضر العشا .. أنا عايز أتكلم معاكى في موضوع ..
فاطمة : وهى تجلس مرة أخرى وقد تحركت اجلال لتدخل الى المطبخ : خير يا دكتور .. موضوع ايه .. يارب اجعله خير ..
عبد القادر : خير خير باذن الله .. شوفى يا ستى .. انتى عارفة ان اجلال بتشتغل معايا بعد المشتشفى في العيادة .. والمشوار من هنا للعيادة أو المستشفى زى مانتى عارفة طويل ..

قاطعته فاطمة : طويل أوى يا حبة عينى .. دى بتتبهدل لغاية ما تروح أو ترجع من المستشفى لغاية هنا .. بس حنعمل ايه .. أمر الله ..
عبد القادر : علشان كده أنا لقيت الحل اللى يريحها ويريح حضرتك .. ايه رأيك تنقلوا لمكان قريب من المستشفى والعيادة في نفس الوقت ..
فاطمة : طيب هو المكان ده حنلاقيه فين .. و يا ترى حيكون بكام ؟؟ ده احنا في المكان الشعبى ده بندفع اد كده في الايجار وزى ما حضرتك شايف المنطقة على اد الحال .. ما بالك لونقلنا في الأماكن العليوى زى اللى فيها المستشفى .. أكيد الإيجارات هناك حتكون بالشيء الفلانى .. يعنى من الآخر منقدرش على سعرها ..
عبد القادر : طيب ايه رأيك ان المكان موجود .. ومن غير فلوس كمان ..
فاطمة : من غير فلوس .. !! هو فيه حاجة في الزمن ده من غير فلوس يا سعادة البيه..!!
عبد القادر : أيوة يا ستى فيه .. أنا عندى المكان ده .. ولا حيكلفكم قرش ولا عشرة .. حتى العفش مش حتحتاجوا تنقلوه معاكم .. لأن المكان مفروش ومش ناقصه أي حاجة .. المكان عندى في الفيلا .. بس في مبنى لوحده .. اجلال حتحكى لك عن كل حاجة ..

نظرت اليه فاطمة فاغرة فاها لا تصدق ما تسمع .. فأردف عبد القادر : عموما أنا حسيبكم النهاردة تفكروا .. وتردوا على بعد بكرة لما اجلال تيجى العيادة ان شاء الله .. ثم قال فجأة : يا ترى اجلال كانت جعانة أوى وأكلت العشا لوحدها في المطبخ وحتسيبنا من غير عشا ولا ايه ..

دخلت اجلال تحمل صنية العشاء لتضعها على الطاولة الصغيرة وهى تقول .. يا خبر يا دكتور .. ده أنا لو حموت من الجوع مش ممكن آكل الا لم حضرتك تشبع ..
نظر اليها بإعجاب من تعليقها والابتسامة تملأ فيه وهو يقول : لا يا ستى .. احنا كلنا حناكل سوا .. مع بعض علشان يبقى عيش وملح ....

جلست اجلال على كرسى وهو كان جالسا على الآخر بينما ظلت فاطمة المندهشة من عرض عبد القادر جالسة على طرف الكنبة لتعتدل وتعطى وجهها للطاولة هي الأخرى .. ليبدأ الثلاثة تناول العشاء ........
-------------------------------------------------------------------------------------------

في صباح يوم .. لم يكن في البيت سوى أمينة التي قامت مبكرا كعادتها لإعداد الفطور لخالد وغادة قبل أن يذهب كل منهم لوجهته .. كانت تعمل وكأنها ماكينة مبرمجة اعتادت على عملها اليومى برتابة وبطئ كأنها لا تريد أن تتوقف عن العمل .. وتتمنى لو صعدت روحها من جسدها الواهن الضعيف الى بارئها الرحيم .. فتنتهى حياتها وترتاح مما تعانيه .. كانت أمينة على أبواب الإكتئاب المرير .. جسد يحمل روحا معذبة ولكنها سببا لحياتها التي انهارت لحظة أن سمعت خالد يبوح بكلمة الحب لغيرها .. وقد كانت تلك من الروح من قبل روحا سعيدة و سببا لحياتها الرائعة من قبل أن تسمعه يقول لسلمى "حبيبتى" ..

كانت تساعدها أم سعيد .. امرأة في أوائل الأربيعينيات من عمرها .. إعتادت أن تأتى اليهم كل صباح لتنظيف البيت واحضار احتياجات البيت اليومية من خضار وخلافه الى امينة وتغادر عند الساعة الرابعة ..

كانت أمينة تعرف أم سعيد منذ سنوات .. لذا كانت قريبة من قلبها لحد كبير .. فهى سيدة مكافحة تعول أربعة من الأبناء بعد وفاة زوجها الذى ترك لها الأولاد صغارا بمعاش لا يكاد يكفى لدفع ايجار البيت الصغير الذى يؤويهم .. لذا خرجت الى العمل في البيوت لتستطيع أن تعول تلك الأسرة .. بل وتدخلهم المدارس الحكومية لينالوا القسط المناسب من التعليم .. على أمل أن تستطيع أن تكمل معهم المشوار للتعليم الجامعى وزواج البنتين الكبيرتين وتأهيل الولدين الأصغر الى وظائف مناسبة .. كانت امرأة طموحة ولكنها كانت واقعية .. وكان من حظها أن أول بيت عملت فيه هو بيت أمينة واسرتها الذين كانوا يتعاملون معها بخلق طيب وكريم .. ومن أفضل صفاتها لأمينة أنها لم تكن فضولية أو طماعة أو ثرثارة .. لا تتكلم إلا إذا سئلت .. فكانت تحبها أمينة بسبب صفاتها تلك .. بل أحيانا تشعر أنها قريبة جدا لقلبها .. فربما لو كانت لها أختا لم تكن لتحبها أكثر مما أحبت أم سعيد ..
كانت أم سعيد في الفترة الأخيرة تلاحظ الهم القابع على قلب أمينة .. وكانت تتمنى لو تتكلم معها وتبوح لها أمينة بما تعانى .. لعلها تستطيع أن تساعدها .. أو تهون عليها ما تعانيه ولو قليلا .. ولكنها بطبعها لم تكن تفعل .. فكانت تقرر كل يوم أن تسألها عما تمر به ويسبب لها هذا الضيق الملاحظ في وجهها الحزين الذى لم تعتاده أم سعيد .. ولكنها كانت تعود وتتراجع في آخر لحظة خشية أن تغضب منها أمينة أو لا تتجاوب معها ..

في هذا الصباح وصلت أم سعيد كعادتها في الثامنة صباحا .. طرقت الباب .. ففتحت لها أمينة التي كانت بمفردها بالمنزل بعد أن غادر خالد الى الشركة وغادة الى المدرسة .. ألقت أم سعيد على أمينة الصباح .. فردت عليها أمينة بتثاقل : صباح الخير يا أم سعيد ..
أم سعيد : أنا جبت لحضرتك الطلبات اللى كتبتيها لى امبارح .. حدخلها المطبخ وأعمل لك فنجان القهوة .. تحبى تشربيه فين ؟
أمينة بنبرة هادئة حزينة : هنا يا أم سعيد .. هنا في الصالة ..

ذهبت أم سعيد الى المطبخ وأنهت القهوة .. لتعود بها الى أمينة التي كانت تجلس في ركن من الصالة يحتوى على كرسيين وطاولة بجوار نافذة تطل على البحر الهادئ في سكون بدون حركة .. كسكون جوارحها التي تحتوى على روح مكبلة تصرخ بداخلها .. أخرجونى من هذا الجسد .. حررونى من هذه الحياة الصعبة ..

إقتربت أم سعيد لتضع القهوة وكوب الماء على الطاولة أمام أمينة .. ثم رفعت وجهها لتسألها عما تريد أمينة أن تبدأ به أم سعيد يومها .. فلاحظت دموع أمينة تنساب على خدها وهى مازالت تنظر الى الأفق البعيد في شرود تام كأنها في دنيا غير الدنيا ..
لم تجد أم سعيد بدا هذه المرة .. فنادتها بتردد : ست أمينة .. ست أمينة ..

انتبهت أمينة لأم سعيد التي نادتها أكثر من مرة ..فقالت وهى تخرج من شرودها وتمسح دموعها بطرف يدها : فيه حاجة يا أم سعيد .؟
أم سعيد : مالك يا ست أمينة .. أنا بتأسف .. والله مش بتدخل في حياتك .. بس اعذرينى .. انتى غالية عندى أوى .. وحاسة من فترة انك حزينة ومهمومة .. وأكتر من مرة بلاحظ انك بتبكى .. فيكى ايه .. احكى لى يمكن أقدر اساعدك .. وسامحينى لو سؤالى ده ضايقك .. أوعدك انى مش حتدخل مرة تانية أبدا ..
أمينة وهى تمسح دموعها من فوق خديها : لا يا أم سعيد سؤالك مضايقنيش ولا حاجة .. انتى كمان عزيزة على قلبى .. وعلينا كلنا ..

أم سعيد وقد تشجعت قليلا بعد رد أمينة الإيجابى عليها : يكرمك ربنا ويزيح عنك هموم الدنيا .. قادر يا كريم .. والنبى لو تعرفى غلاوتك عندى لتفتحى لى قلبك وتقوليلى على اللى تاعبك بالشكل ده .. يمكن أقدر أساعدك .. يا ستى .. ده يوضع سره في أضعف خلقه ..

نظرت اليها أمينة وهى تتأمل كلامها وتتساءل في نفسها .. هل يمكن أن تجد حلا لما تعانيه عند أي أحد من البشر ؟؟!! هي لا تظن ولا تعتقد هذا .. فمن هو ذا الذى لديه الحل للخيانة التي اكتشفتها بعد كل هذه السنوات مع حبيب عمرها .. من الرجل الوحيد الذى تفتح قلبها حين تفتح للحياة على حبه هو فقط دون رجال العالم أجمع .. بالطبع لا أحد .. لا أحد يستطيع أن يجد حلا لمصيبتها تلك .. ولكنها في حاجة أن تتكلم .. في حاجة أن تخرج هذا المارد الضخم من الحزن الذى يقبع على قلبها .. فيعذبها ولا يرحمها حتى ولو بزهق روحها .. لذا قررت أمينة أن تتكلم .. فلربما إرتاحت ولو قليلا .. فقالت بتردد : أنا عايشة اليومين دول في حالة من الشك تعبانى وملخبطة حياتى ..
أم سعيد : خير يا حبيبتى .. ايه اللى حصل كفى الله الشر وخلاكى تشكى بالشكل ده .. وتشكى في مين ..

لم تكن أمينة من النوع الذى يبوح بأسرار بيته للغير .. وخصوصا ان كانت تبوح بها لإمرأة تعمل عندهم بالبيت .. فهى في جميع الأحوال تريد أن تحافظ على صورة زوجها ولا تهزها أبدا أمام أي أحد .. لذا حاولت أمينة أن تخفف من وطأة الأمر حتى لا تشوه صورة زوجها أمام أم سعيد .. لذا قالت أمينة : تفتكرى ان خالد ممكن يخونى في يوم من الأيام ..؟! ..

أم سعيد وهى تخبط على صدرها بحركة لا ارادية كأنها فزعت وغير مصدقة : يا خبر !! ايه الكلام ده يا ست أمينة .. معقول .. بعيد الشر عنك وعن كل اللى في البيت من حاجة زى دى .. قال خيانة قال ..
أمينة وهى تطرق رأسها للأسفل ثم ترفعه تنظر الى البحر في شرود مرة أخرى : ليه لأ يا أم سعيد .. هو مش راجل زى باقى الرجالة اللى بنسمع عنهم ..؟
سكتت أم سعيد .. لم تجد ما تقوله .. ثم تكلمت : لا ياست أمينة مش ممكن سى خالد يعمل كده .. علشان راجل .. وسيد الرجالة كمان مش ممكن يعملها .. سى خالد مش من النوع ده يا ست أمينة .. وانتى أدرى الناس بيه .. بس ايه اللى خلاكى تفكرى في موضوع زى ده ؟
أمينة : حكاية سمعتها من واحدة صاحبتى في النادى .. سمعت جوزها بيتكلم مع واحدة في التليفون وبيقولها يا حبيبتى ..والمشكلة أن اللى بيحبها دى مرات واحد صاحبه.. يعنى المصيبة مش في حبه ليها وبس .. ده ممكن يكون بيخون صاحبة زى ما خان مراته يا أم سعيد .. ومن ساعة ماسمعت الموضوع ده وأنا خايفة يكون كل الرجالة كده .. خايفة يكون خالد هو كمان بيخونى .. قالتها أمينة ثم بكت بشدة ..

أم سعيد وقت هالها ما تسمع وترى وأحست بانها قد أدخلت نفسها في موضوع صعب عليها أن تعرفه وفوق قدرتها لتأتى بحل لها .. فقالت : أهدى بالله .. أهدى بالله يا ست أمينة ومتخليش الشيطان يتلاعب بيكى .. خيانة ايه لا سمح الله .. المهنس خالد راجل محترم وبيفهم في الأصول وعنده دين .. لا يمكن يكون كده أبدا .. هو مش نوع الرجالة دى يا ست أمينة ..
أمينة : مش عارفة يا أم سعيد .. بس الشك حيموتنى .. ولو اكتشفت في يوم من الأيام انه بيخونى مش حقدر اسامحه على اللى عمله فيا .. تفتكرى ايه الحل في موضوع زى ده .. أنا حاسة ان الموضوع أثر على علاقتى بيه .. وبقالى شهور مش عايز يخرج من دماغى .. وهو حاسس بتغييرى نحيته .. وحاسة انها حتكون نهاية اللى بينا لو طلع بيخونى .. وصاحبتى دى أنا مش عارفة انصحها ولا عارفة اساعدها ..

أم سعيد : والنبى ما تقولى كده ولا حتى تفكرى فيه يا ست أمينة .. والله دى عين وصابتكم .. لا حول ولا قوة الا بالله ... ده الشيطان أعوذ بالله منه عاوز يفرق بينكم ..استهدى بالله يا ستى .. وكل شيء وله حل عند الكريم .. إشربى قهوتك .. اشربى قهوتك وان شاء الله ربنا حيحلها من عنده .. سكتت أم سعيد قليلا ثم اردفت .. بس ليه يا ست أمينة صاحبتك متديش جوزها فرصة يتكلم ويقول اللى عنده .. انصحيها تدى لجوزها فرصة وتتكلم معاه وتواجهه .. بس قوليلها تسمعه وهى حابة انها تسمعه وحابة انها تصدقه .. وهو ان شاء الله حيفسر لها الموضوع وان شاء الله ميكونش زى ما هى فاهمة ..

سكتت أم سعيد قليلا ليكتسى وجهها بالحزن بعد أن أطرقت رأسها الى اسفل .. قوليلها تصدقه يا ست أمينة .. حتى لو كان بيكدب عليها .. الواحدة مننا لازم في حالات كتير تضحك على نفسها علشان متتحرمش من النعمة اللى ربنا أنعم عليها بيها .. وربنا يكفيكى ويكفيها شر الحرمان من نعمة الراجل .. الكدبة على النفس في الحالات اللى زى دى بتكون ثمن رخيص أوى ندفعه علشان تحافظ الست على نعمة الراجل في حياتها .. خصوصا لو كان راجل كويس وبيعامل الست بما يرضى الله .. أما موضوع الحب ده .. هو يمكن يكون مهم برضه بالنسبة للست .. بس زى ما بسمع ولادى وهما بيتكلموا مع بعض .. الحب رفاهية تيجى بعد حاجات كتير في الدنيا ... انصحيها يا ست أمينة ان بيتها اللى عملته مع جوازها وكمان ولادها اللى ربتهم أهم حاجة عندها في الدنيا .. ولازم تكمل رسالتها في بيتها .. والست العاقلة متسيبش جوزها لأى واحدة تانية تاخده منها بالسهولة دى .. ده على فرض ان الكلام اللى بتقوله ده حقيقى .. يبقى الوقت مش وقت اننا نقعد حزانا نبكى و خلاص أو نهد اللى بنيناه السنين دى كلها .. لا يا ست أمينة .. ده يبقى وقت اننا ندافع عن حياتنا وبيتنا وراحة ولادنا .. ولا ايه يا ست الكل ..
قالت أم سعيد جملتها الأخيرة وهى تربت على كف أمينة الذى كان قابعا في حجرها .. ثم قامت لتذهب الى المطبخ لتبدأ عملها اليومى وهى تقول : استأذنك أنا يا ستى علشان أشوف اللى ورايا .. ولو احتاجتينى في اى حاجة اندهى على ..

كانت أمينة تستمع الى كلمات ام سعيد التي لم تسمع مثلها من قبل .. ربما حاكى في صدرها أو مر على مسامعها كلام مماثل لما سمعت منها للتو .. ولكنه لم يكن بهذا العمق وهذا التأثير عليها كما يؤثرعليها الآن .. بل ويأسر تفكيرها لتعيد حساباتها من جديد .. لقد قالت أم سعيد كلماتها الصادقة الحقيقية بعفوية وبفطرة صافية وهى امرأة لم تكمل تعليمها ولم تكن يوما ما مثقفة لتقول مثل هذه الكلمات بهذا العمق وتلك الحقيقة .. قالتها بفطرتها الصافية التي لم يشوبها شيء .. لقد حافظت هذه المرأة على صفاء فطرتها بأن جعلت لنفسها هدف خير في الحياة .. وهو تربية أولادها ورعايتهم .. فلم يكن عندها الوقت أو الرفاهية التي تتوفر لغيرها حتى تتشوه فطرتها بأفعال من حولها .. أو بالرفاهيات التي كثيرا ما تفسد على البشر حياتهم ... لكن لم تقتنع أمينة ولم تكن من نوع النساء التي قد تضحك على نفسها لتحتفظ بالرجل في حياتها كما ذكرت لها أم سعيد أن تنصح صديقتها المزعومة به.. ربما هناك زوجات يفعلنها .. لكن هي لا .. ربما ماقالته أم سعيد يناسب أنواع أو بيئات أخرى من النساء ممن يؤمنون بالمثل القائل .. ضل راجل ولا ضل حيطة .. لكنها ليست من هؤلاء النسوة ..

ظلت أمينة تفكر في حل للوضع الذى فرض نفسه عليها وعلى بيتها ويؤرقها كثيرا .. بل ويجعلها على أبواب اكتئاب .. لذا قررت في النهاية أن تلجأ الى الحل الأخير بعد أن أحست انها تقترب فعلا من الإكتئاب .. فهى أصبحت تحب أن تبقى وحيدة حزينة .. لا تريد أن تتكلم مع أحد ولا تريد أن تسمع أحد .. أحست أن ما تمر به بدأ يؤثر على أولادها وبيتها سلبيا .. لذا قررت أن تذهب لطبيب نفسى .. لعلها تجد عنده الحل لما تمر به ..

لم يقطع شرود أمينة وتفكيرها في كلام أم سعيد وقرار زيارة طبيب نفسى سوى صوت الباب يفتح ويغلق لتجد أمير يدخل عليها مبتسما كعادته .. يسرع الخطى اليها فاتحا ذراعية .. وهو يقول : أمونة .. وحشتينى .. يا أمى .. ثم ارتمى برأسه في حضنها ليملأ قلبها فرحا لم تشعر بمثله منذ فترة طويلة ..
أمينة بلهفة : أمير حبيبى يابنى .. ايه المفاجأة الحلوة دى .. ياه يا أمير .. انت طولت كده ليه يابنى .. ازاى متنزلش أجازة طول المدة دى يا حبيبى ..
أمير : غصب عنى يا أمونة .. ما انتى عارفة الجيش .. بس لو كان بابا سمع كلامى وشاف لى واسطة أكون قريب منكم .. مش كان حيبقى أحسن .. بس ياللا هو برضه عنده حق .. الجيش بيغير وبينشف الواحد .. وبيخليه يتعلم انه يكون مسئول .. المهم طمنينى عليكى يا أمى .. صحتك عاملة ايه .. ؟
أمينة وهى مازالت لا تصدق أن أبنها المقرب الى قلبها قابعا في حضنها : أنا بخير .. بخير يا حبيبى .. الحمد لله العلاج جاب نتيجة واتحسنت عن الأول بكتير ..
أمير : وبابا .. وأشرف وغادة ..؟
أمينة : كلنا بخير الحمد لله .. أشرف طلع عمرة هو وأيمن صاحبه .. حيرجعوا بعد بكرة ان شاء الله .. عقبالك يا أمير .. وغادة .. ربنا يهديها .. على حطة ايدك ..
أمير : وأخبار الموضوع بتاعها ايه ؟
أمينة : أبدا .. من كام يوم .. حكت لبابا عن الأخ ده .. اللى اسمه ...... .. ربنا يسامحنى .. محبش أنطق اسمه .. وجه هنا في البيت قابل بابا .. وبابا اتعامل معاه على انه موافق عليه لو جاب لها شبكة غالية والفيلا اللى كان بيقول عليها .. بس من الواضح انه من ساعتها فص ملح وداب .. لا حس ولا خبر .. الظاهر أن طلبات أبوك طفشته والحمد لله ..
أمير : طيب وهى عاملة ايه ..
أمينة : والله يابنى مش عارفة .. هي ساكتة .. ولما حد بيفتح معاها الموضوع .. تقول انها مش حابة تتكلم في الموضوع ده .. وادينا مستنيين رد فعله بعد ما بابا رمى الكرة في ملعبه ..
أمير : بس أنا مش فاهم ليه بابا وافق عليه بالرغم من فرق السن الكبير اللى بينهم ..؟
أمينة : بابا مش موافق يا أمير .. بابا متأكد انه مش حيقدر يوفى باللى طلبه منه .. وقاللى انه متأكد ان الموضوع انتهى .. على الأقل من ناحيته .. وسايب غادة تكتشف حقيقته .. أبوك جمع عنه معلومات من اسم الشركة بتاعته اللى انت قلتله عليها .. وعرف ان امكانياته ضعيفة يابنى وميقدرش على الجواز من اصله فطفشه بالطريقة اللى تناسبه ..
أمير : عموما أنا حتكلم معاها وأعرف هي وصلت لفين
أمينة : ماشى يا حبيبى .. ياللا أدخل غير هدومك وخد دشك على ما أحضر لك حاجة تاكلها ..
أمير : لأ يا أمونة .. أنا أكلت في الطريق .. أنا بس جعان نوم .. حاخد الدش وادخل أنام شوية ..
وقبل أن يدخل حجرته التفت اليها مرة أخرى وهو يسألها : ماما .. انتى وبابا كويسين ؟ طمنينى يا حبيبتى ..
أمينة وهى تنظر اليه بحنان : كويسين .. كويسين يا أمير.. اطمن يا حبيبى ..

لم تؤجل أمينة اتصالها بالطبيب النفسى فهى لاتريد أن يقضى أمير اجازته في مواساتها والحزن على حالتها .. يكفيه ما عانى في الأجازة السابقة وما يجد من اقامته في وحدته بالجيش ..
ذهبت أمينة في اليوم التالى الى إحدى طبيبات الطب النفسى المشهود لهم بالكفاءة ... قصت عليها ما حدث وما تعانى وطلبت منها النصيحة وكيف تتصرف في هذا الأمر.. وبعد ان استمعت الطبيبة الى التفاصيل وألقت عليها عدة أسئلة تدور حول علاقتها بزوجها وعلاقة زوجها بصديقه .. وهل كان زوجها دائم الحديث عن غريمتها .. وقد جاوبت أمينة على جميع أسئلتها على قدر مالديها من معلومات بعلاقة خالد بمصطفى وزوجته سلمى ..

في نهاية الأمر نصحتها الطبيبة بالمواجهة .. فهى السبيل الى حل مشكلتها .. أضافت الطبيبة لأمينة أن عليها إعطائه الفرصة ليتكلم ويقول ما عنده .. فأحيانا كثيرة يعمينا غضبنا من أمر ما عن أن نرى حقيقة الأمور التي قد يكون ظاهرها يوحى بأمور غير باطنها وماهيتها ..
وعندما علمت الطبيبة من أمينة أن صديقه الذى تتهمه بخيانته قد توفى .. سألتها عن تصرفات زوجها وسلوكه بعد عودته من جنازة صديقه .. فكم مرة سافر الى القاهرة حتى لو بحجة العمل .. وهل طرأ على تصرفاته ما يؤكد لها أنه على علاقة بأرملة صديقه .. وعندما نفت أمينة أي تغيير في تصرفات وسلوك خالد .. بل على العكس هو يبذل الكثير من المحاولات لكى يتحدث معها وهى التي ترفض وتصده .. كان للطبيبة رأى مبدئى بأن خالد لا يحب سلمى على الأقل في الوقت الحالي .. ربما قد يكون أحبها في وقت سابق .. ربما كانت هي بالنسبة له الحب الأول الذى يولد بين أي أثنين في سن صغير .. ليبقى معظمه وهما يكبر في مخيلة المحبين ليفسد عليهم واقعهم .. وربما كان خالد واحدا من هؤلاء .. ولكنه عندما وضع في محل اختيار بين حبه القديم وحب زوجته وبيته .. اكتشف أنه يحب زوجته .. والا ما الذى يمنعه من الإرتباط بحبه القديم وقد خلا له الطريق اليها بوفاة زوجها ..؟؟!!!!!

كان قرار الطبيبة في النهاية هو أن تسمح أمينة لخالد بفرصة أن يدافع عن نفسه ويفسر ما حدث .. وطمأنتها أنها سوف تشعر بصدقه من عدمه .. والقرار سوف يرجع اليها في النهاية .. تسامح وتغفر .. أم تتخذ سبيلا آخر في حياتها وحياة بيتها وأسرتها ..

---------------------------------------------------------------------------------------------

استقر أيمن وأشرف ضمن مجموعة من المعتمرين في المسجد الحرام بمكة التي يزورها أيمن للمرة الأولى في حياته .. أما بالنسبة لأشرف فقد زارها مرات عديدة من قبل منذ صغره .. فوالده كان يصحب الأسرة معه الى العمرة كلما حن لعمل عمرة ..

عندما دخل أيمن الحرم المكى ووقعت عينيه على الكعبة المشرف لأول مرة في حياته .. أحس أن الهداية التي أهداه الله إياها منذ أسابيع قليلة لم تكن سوى القرب من بوابة الهداية .. وان دخوله الى حرم الكعبة إنما الدخول الى باب الهداية الواسع الرحيب .. شعر أن الحرم المكى هو بيت الله الكبير الذى ليس على الأرض له مثيل .. فكل المساجد على وجه الأرض بيوتا لله .. ولكن هذا المسجد هو بيت الله الأكبر على الأرض .. شعر بإطمئنان وسكينة وشوق لم يشعر بهم من قبل .. كان يطوف حول الكعبة وكأنه يطير فوق بساط من رضا الرحمن .. وبالرغم من الزحام الشديد من حوله ..كان يشعر أنه الوحيد الذى يطوف بالكعبة ..

أنهى أيمن وأشرف مناسك العمرة ليجلس أيمن بعدها على إحدى درجات السلم المطل على حرم الكعبة ينظر اليها .. ثم فجأة أجهش في البكاء .. لا يدرى لماذا .. ولكنه كان يشعر بندم الذنوب التي إقترفها في حياته .. فكان قلبه يدعو الله السماح والغفران .. وألا يعود الى طريق المعاصى من جديد ..
وفى خضم نوبة البكاء التي انتابته .. إقترب منه شيخا كبيرا وجلس اللى جواره وقال له باللغة العربية الفصحى وبصوت رخيم كأنما يأتي من السماء : هون عليك يا بنى ..
نظر أيمن الى الشيخ ولم يعقب ولكنه إزداد نحيبا واضعا وجهه بين كفيه .. لا يستطيع أن يكبح جماح البكاء .. فقال له الشيخ : يبدو أن تلك المرة الأولى لك التي تزور فيها بيت الله الحرام ..
رد أيمن على الشيخ بإيماءة وهو مازال واضعا وجهه بين كفيه باكيا ..
الشيخ : إذن أبشر يا بنى .. لقد قبل الله توبيتك .. وقبلك في عباده الصالحين بإذن الله .. وإلا ما كان أحضرك الى بيته الحرام وجعلك تطوف حول بيته .. أبشر يا بنى وأدعو الله أن يعيدك الى بيته هذا مرات عديدة .. فإن العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما كما قال رسولنا الكريم .. أبشر يا بنى والله لقد قبلك الله ما دمت على العهد حافظا .. ثم ربت على كتفه .. فنظر أيمن الى الرجل ليشكره فلم يجد له أثرا .. فتعجب من الأمر ولكنه أحس أنها رسالة من الله اليه .. بعثها مع رجل لم يكد حتى أن يرى وجهه ..فبادر بالدعاء كما وصاه الشيخ .. وزاد دعاءا لوالديه وأن ينعم الله عليه بالشفاء حتى يستطيع أن يعود لهذا المكان الطيب مرات عديدة ..

قضى أيمن وأشرف معظم أيام العمرة داخل الحرم المكى في صلاة وطواف وصيام وقراءة للقرآن .. حتى جاء وقت المغادرة والتوجه الى المدينة لزيارة الرسول وقضاء بعض الأيام في رحاب الحرم النبوى والصلاة في الروضة .. وقد صاما يوم الأثنين والخميس بالحرم النبوى وأفطرا بالمسجد مع جموع الحاضرين ممن صاموا هذا اليومين معهم .. وكانت لحظة الإفطار الجماعى تلك من اسعد اللحظات التي عاشاها الاثنين حتى العودة الى مصر ..

عاد أيمن وأشرف من العمرة كأنهما غسلا من ذنوبهما فكانا يشعران أنهما يبدآن من جديد بصفحة خالية من المعاصى والذنوب .. فبدأ أيمن بزيارة والده الذى طلب منه أن يقيم معه حتى ينتهى من أمر الجراحة ويسترد عافيته .. فقبل أيمن بشرط أن يتخلص والده من زجاجات الخمر الذى يملأ بيته .. ولكنه قد دعى لوالده أن يهديه الله ويذهب الى العمرة أو الحج لعل الله يتوب عليه من حياة المجون التي يحياها وهو في هذا العمر الكبير ..

وافق والده على ما طلب أيمن .. وبالفعل تخلص من الخمر ببيته .. ووعد أيمن بأن يذهبا الى العمرة سويا بعد أن يعافيه الله مما يعانى ................
--------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:00 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.