آخر 10 مشاركات
قدرها ان يحبها شيطان (1) .. سلسلة زهرة الدم. (الكاتـب : Eveline - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          تراتيل الماضي ـ ج1 سلسلة والعمر يحكي - قلوب زائرة - بقلمي: راندا عادل*كاملة&الرابط* (الكاتـب : راندا عادل - )           »          309 - نهر الذكريات - مارى ويبرلى - روايات احلامى (الكاتـب : samahss - )           »          317 – صدى الذكريات - فانيسا جرانت - روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          417 - لمن يسهر القمر - ماغي كوكس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          148 - وحدهما فقط - مارغريت روم - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          فوضى فى حواسي (الكاتـب : Kingi - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree429Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-06-20, 06:59 PM   #81

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي


البدايات الجديدة

الفصل الثامن والعشرون

في اليوم الثانى لاكتشاف علا خيانة زوجها .. اتصل جمال بوالدته فردت عليه سلمى وهى تحاول جاهدة ان تكون طبيعية : أهلا يا حبيبى ..
جمال بسعادة : أهلا يا ماما .. انتى عاملة ايه ؟
سلمى : بخير يا حبيبى .. طمنى عليك انت وعلى احوالك ..
جمال : تمام .. كلنا تمام .. طلبتينى امبارح ومعرفتش ارد عليكى .. معلش .. كنت مشغول بموضوع كده ..
سلمى : خير يا جمال .. فعلا ردك على فى المكالمة امبارح قلقنى أوى ..
جمال : خير .. خير يا امى .. موضوع بسيط في الشغل والحمد لله انتهى على خير .. طمنينى انتى ..كان فيه حاجة .. حسيت انك كنتى عايزة تقولى أو تطلبى حاجة ..
سلمى : لا أبدا يا جمال .. انا كنت بس بطمن عليك ..
جمال : تمام يا أمى .. عموما أنا في الشغل دلوقتى .. ححاول أمر عليكى بعد الشغل أطمن عليكى ..
خافت سلمى من زيارة ابنها اليها ويعلم ما حدث بين علا وياسر وتتفاقم المشكلة فردت بسرعة واضطراب لاحظها جمال : لا يا حبيبى مفيش داعى .. أنا كويسة .. مفيش داعى تتعب نفسك وتيجى المشوار ده كله ..
ولكن جمال أصر على زيارتة لأمه لسبب آخر لم يخبرها به خلال كلامه معها .. هو فقط أشار الى انه يريدها في موضوع هام ..
خافت سلمى ان يكون جمال قد علم بأمر الخيانة بطريقة أو بأخرى .. ولكنها استبعدت هذا الاحتمال لأنه كان يكلمها بهدوء ولم يكن منفعلا على الاطلاق .. بل على العكس .. كان يبدوا سعيدا ..

كان جمال قد علم صباح اليوم من نادر بخصوص موضوع التعويض لبوليصة التأمين الخاصة بوالده .. فقد ذكرت سلمى امامه منذ فترة .. قبل وفاة مصطفى عن هذا الموضوع .. فأراد أن يعلم مصير هذا التعويض وتكلم مع نادر الذى أخبره بحقيقة ما حدث لهذا التعويض .. في البداية استشاط جمال غضبا من والديه .. ولكنه بعد ذلك وبناءا على نصيحة نادر .. آثر أن يهدأ ويحاول أن يحل الموضوع بالتراضى .. خصوصا أن نادر قد وضح له عن استعداد خميس وبسمة للتنازل عن جزء من التعويض لسلمى ..

اضطرت سلمى في النهاية أن ترضخ لزيارة جمال واظهرت له ترحابها به .. على امل أن تتمكن من الحديث مع علا وان تقنعها بعدم اخبار اخيها بأمر ياسر .. وبالفعل دخلت سلمى الى حجرة علا التي كانت تجلس على السرير متقوقعة على نفسها .. فاقتربت منها سلمى بهدوء وجلست على طرف السرير ثم قالت لها بهدوء وهى تربت على قدمها : علا حبيبتى .. عاملة ايه .. ؟
رفعت علا رأسها من بين ذراعيها القابعتين حول ركبتيها المضمومة الى صدرها وهى تقول مهمومة : يعنى حكون عاملة ايه .. مش قادرة يا مامى استوعب خيانته .. ازاى قدر يعملها .. ازاى ..
سلمى بتعقل : علا حبيبتى مش اتفقنا اننا نهدا شوية ومنفكرش في اللى عمله .. فكرى يا حبيبتى في اللى حتعمليه .. ببساطة لأن اللى حصل حصل .. حزنك أو غضبك أو حتى اندهاشك وعدم تصديقك للى حصل مش حيغير شيء .. خليكى عملية شوية يا حبيبتى .. الأمور اللى زى دى مش المفروض نقعد فيها نبكى على اللبن المسكوب .. العقل بيقول اننا نفكر فى الصح اللى المفروض نعمله ..

علا وهى تفرد رجليها وتقول بتنهيدة حارقة : عندك حق يا مامى .. المفروض انى افكر في الى حعمله وبس .. هو بالنسبة لى انتهى هو وخيانته .. لازم أفكر دلوقتى في نفسى وفى ولادى وبس .. ياسر أصبح ماضى في حياتى وحياة ولاده ..
سلمى : اسمعى يا علا .. انا لما قلت لك تاخدى وقتك في التفكير .. كان قصدى انك متتسرعيش في قراراتك بالشكل ده .. ولما بقولك دلوقتى فكرى في اللى حتعمليه .. فقصدى انك ترتبى اوراقك بعد ما تاخدى قرارك .. لكن اللى أنا لسة شايفاة قدامى انك متسرعة جدا .. وده مش كويس على قراراتك وخطواتك اللى جاية .. سكتت قليلا ثم اردفت .. عموما أنا كنت جاية اطمن عليكى واقولك ان جمال أخوكى جاى النهاردة بعد الشغل ..
علا : انتى حكيتيله حاجة ..
سلمى : لا طبعا يا حبيبتى .. ومش عايزاكى انتى كمان تعرفيه بأى شيء .. على الأقل لغاية ما تقررى انتى عايزة ايه وحتتصرفى ازاى ..

علا مقاطعة باستنكار : ازاى يا مامى جمال ميعرفش .. هو مش المفروض انه راجلنا دلوقتى ..
سلمى : طبعا يا روحى .. راجلنا وسندنا بعد بابى الله يرحمه .. بس لو فاتحناه دلوقتى ممكن رد فعله يكون غلط ومش في صالحك .. علشان كده انا بنصحك انه يعرف في الوقت المناسب .. بعد ما تكونى هديتى واخدتى قرارك ..
أقتنعت علا بوجهة نظر سلمى ولكنها عادت وسألتها : طيب لو سأل عن سبب وجودى أنا والأولاد هنا .. وزى ما هو واضح احنا مقيمين كلنا معاكى .. حتى كريمة ..
سلمى : ممكن نقوله انكم اختلفتم في موضوع شخصى انتى واللى ما يتسمى وانك قاعدة معايا انتى والأولاد تريحى اعصابك شوية ..
علا : تفتكرى حيقتنع ..
سلمى : جمال اخوكى طول عمره بتاع مصلحته وبس .. صدقينى .. مش حيركز أوى في اللى انتى بتحكيه من الأساس .. اطمنى .. المهم متبكيش وتحسسيه ان الموضوع كبير .. لان نقطة ضعفة هي دموع الستات .. ولو بكيتى ادامه .. حيقوم الدنيا ومش حيقدها .. واحنا محتاجين نفكر بهدوء ومنخليش تصرفاته تشوش علينا ..
علا بيأس : حاضر يا مامى .. هما الولاد فين ؟
سلمى : مع كريمة بتغديهم ..

خرجت سلمى من الحجرة وبمجرد ان جلست تفكر في المشكلة انتبهت الى جرس تليفونها الذى التقطته من على طاولة الانتريه تنظر اليه فوجدت نادر يتصل بها ..
ردت بهدوء : ألو ..
نادر : مساء الخير يا سلمى ..
سلمى : مساء الخير يا أستاذ نادر ..
انقبض قلب نادر قليلا وهى تعاود استخدام الألقاب بينهما .. ولكنه لم يقف عند هذه النقطة .. فسألها : انتى كويسة ؟
سلمى : آه تمام .. بخير .. كنت عايزنى في حاجة .. ؟
نادر : ايوة يا سلمى .. لو ممكن نتقابل النهاردة .. فيه موضوع مهم حابب اكلمك فيه ..
سلمى : للأسف يا أستاذ نادر مش حينفع النهاردة ..
نادر : صدقينى الموضوع مهم .. ولازم نتكلم فيه ..
سلمى وقد صمتت قليلا تفكر .. أي موضوع هذا الذى بسببه يصر نادر بهذه الطريقة على مقابلتها اليوم .. ولكنها عادت وقالت : صدقنى يا أستاذ نادر .. النهاردة مش حينفع .. جمال ابنى جاى لى النهاردة ..
نادر : ما هو ده اللموضوع اللى أنا كنت عايز اكلمك فيه قبل ما تقابليه .. أنا توقعت انه حيزورك النهاردة .. علشن كده اسمعينى كويس .. جمال عرف بأمر التعويض اللى مصطفى الله يرحمه كتبه لخميس وبسمة .. وكان ثاير جدا .. بس أنا قدرت اهديه .. وفهمته انه ممكن يتراضى معاهم وبلاش اثارة المشاكل .. لان اثارتها مش في مصلحته لانهم قانونا أصحاب التعويض ..
سلمى وقد تفاجئت بما يقول : طيب مين اللى بلغه بان فيه من الأصل بوليصة تأمين .. ثم سكتت وهى تنهى جملتها متذكرة انها هي نفسها التي قد فعلت .. فأردفت بعد لحظات من الصمت كان فيها نادر يتعجب من سؤالها : يا خبر .. ده أنا اللى كنت قايلاله عنها .. سكتت مرة أخرى ثم قالت بهدوء : عموما أنا حتصرف يا أستاذ نادر .. ومتشكرة انك بلغتنى ..
نادر : سلمى .. طمنينى عليكى .. انتى بخير .. حاسس ان صوتك ولهجتك متغيريين ..
سلمى : أنا بخير .. اطمن .. عموما حكلمك في أقرب فرصة .. معلش اعذرنى لازم اقفل دلوقتى .. علا بنتى عندى .. ومش حقدر أطول معاك على التليفون اكتر من كده ..
نادر : آه .. طبعا طبعا .. بس ياريت متنسيش بكرة ..
سلمى بتعجب : هو فيه ايه بكرة .. ؟
نادر : ياه للدرجة دى أنا مش في بالك ؟
سلمى وقد تذكرت ان غدا هو موعد ردها على طلبه ليدها للزواج : أيوة .. أيوة .. افتكرت .. معلش يا أستاذ نادر .. أعذرنى .. علا بنتى جاية في مشكلة مع جوزها .. علشان كده أنا مش مركزة معاك .. ومعلش تانى .. مش حقدر ارد عليك بكرة .. ممكن نأجلها لآخر الأسبوع ؟
نادر بيأس : طبعا ممكن ولو انه صعب على اوى .. بس أنا حاسس بيكى .. وحاسس أنك مشغولة فعلا .. عموما بصرف النظر عن ردك بالإيجاب أو السلب .. أنا تحت أمرك لو احتاجتينى في اى شيء .. أنا برضه مستشارك .. ولا ده يضايقك ..؟
سلمى بسعادة واطمئنان : يا خبر .. طبعا .. مين اللى ممكن الجأ له من بعد مصطفى غيرك .. أكيد لو احتجت حاجة مش حتردد انى اطلبها منك ..
نادر : متشكر .. متشكر جدا يا سلمى .. اسيبك دلوقتى تشوفى اللى وراكى .. مع السلامة ..
سلمى : أنا اللى متشكرة .. مع السلامة ..

وصل جمال الى منزل والدته في الخامسة مساءا .. فتحت كريمة له الباب فتعجب من وجودها ببيت والدته .. ولكنه فوجئ أيضا بوجود علا وطفليها .. فابتسم قائلا : علا .. انتى هنا .. اخبارك ايه .. واخبار ياسر ايه ؟
ردت علا باقتضاب : الحمد لله بخير .. ازيك انت ياجيمى .. وازى سمر والولاد ؟
جمال بسعادة : تمام يا لولو .. كله تمام يا حبيبتى .. بس هو انتى ليه هنا ومعاكى الولاد وكريمة ..
ردت سلمى قبل ان تتكلم علا : أنا طلبتها تقعد معايا يومين .. الولاد كانوا واحشينى أوى .. وعلا حبيبتى مكسفتنيش ووافقت تقعد معايا يومين ..
عقد جمال حاجبيه غير مقتنع .. فهو يعرف اخته تمام المعرفة .. فهى ليست من ذاك النوع الذى تتكلم عنه سلمى .. فالعواطف العائلية ليست موجودة بقاموس علا بالمرة .. ولكنه لم يعلق كثيرا على هذا الأمر .. فقط مازحها وهو يضحك .. تلاقى ياسر هايص لوحده .. ومش بعيد يشوف له مزة حلوة يقضى معاها اليومين دول ..

نظرت له علا بعيون شرسة متسعة وكأنه ضغط على جرحها للتو .. ولكن سلمى تداركت الموقف وقالت بسرعة : بطل سخافة يا جمال وقول لى كنت عايزنى في ايه ..
جمال : طيب ممكن نتكلم لوحدنا .. علشان أنا شايف علا مش في المود ومش عايز أضايقها اكتر من كده ..
سلمى وهى تقوم من مكانها : حصلنى على اوضة المكتب ..
جمال مازحا مرة أخرى وهو يعبر علا ويسير وراء والدته : حرجعلك يا لولو .. شكلك مش عاجبنى .. الظاهر الواد ياسر مزعلك يا جميل .. قوليلى وانا اقطع لك رقبته ..

لم ترد عليه علا ولم تعير كلامه اهتمام .. فهى كانت تتمزق من الداخل لكرامتها المهدورة بخيانة زوجها .. لذا قامت من مقعدها بنرفزة ودخلت الى حجرتها واغلقتها عليها .. لم تتخيل يوما ان تكون في هذا الوضع .. لم تتخيل ان يخونها ياسر بعد قصة الحب القوية بينهما .. لم تتصور .. بعد أن أصرت عليه ووقفت أمام الجميع مدافعة عنه بسبب الفارق بين مستوى عائلتها وعائلته .. وبعد أن قدمت له كل التيسيرات هي وأهلها في تلك الزيجة .. لم تتصور أن تكون هذه مكافئتها منه .. ربما كانت تعترف بينها وبين نفسها انها أهملته بعد الانجاب .. ولكنه ليس مبرر أن يرمى نفسه في أحضان امرأة أخرى .. وبالتأكيد هي امرأة ساقطة التي قبلت أن تقوم بهذا الدور الرخيص ..
كانت تدور في حجرتها كأنثى الأسد الجريحة .. تريد أن تأخذ بثأرها منه .. تريد أن تنتقم منه ومن تلك الساقطة التي تسرعت وذهبت من قبل أن تراها .. الآن تمنت لو أنها قاومت رغبتها قليلا حتى تعلم من تلك الساقطة ..

في الوقت الذى كانت فيه علا بحجرتها تحرقها نار الغيرة والثأر .. بدأ جمال كلامه مع سلمى بهدوء : أنا اتكلمت مع الأستاذ نادر النهاردة الصبح .. كنت بسأله عن تعويض بوليصة التامين اللى بابا كان عاملها باسمك .. وسمعت كلام غريب منه ..
قاطعته سلمى بحزم : اسمع يا جمال .. علشان منطولش الكلام في الموضوع ده .. اعتقد انك في بداية كلامك قلت ان التعويض كان مكتوب بأسمى .. يعنى الفلوس في الأصل كانت بتاعتى .. وبعدين بابا الله يرحمه غير رأيه بعد الخلاف اللى حصل بينا وبسببه رمى على يمين الطلاق .. واعتقد انى حكيت لك انت واختك على الموضوع ده .. يعنى من الآخر كده دى وصية ابوكم .. وأنا وبالرغم من انه مات وانا مش على ذمته الا انى مصرة على تنفيذ وصيته دى .. وعايزاك انت واختك متتكلموش في الموضوع ده تانى ولا تفتحوه حتى مع نفسكم ..
رد جمال : بس ده مش عدل .. احنا أولى بفلوس ابونا من الغرب دول اللى ضحكوا عليه وخلوه يكتب لهم تعويض كبير بالشكل ده ..

ردت سلمى بعنف وصوت عالى : اخرس .. انت ازاى تقول على ابوك الله يرحمه انه اضحك عليه .. وازاى تتهم ناس اشراف عمرى ماشفت حد في اخلاقهم ولا طيبة قلبهم انهم ضحكوا على ابوك .. كنت فين انت واختك ولا حتى أنا لما كانوا هما بيراعوه وواقفين معاه لآخر لحظة في حياته .. أقول لك انا كنا كلنا فين .. أنا كنت في منتجع في اسكندرية باخد فترة نقاهة بعد ما خذلته وقلت له كلام جارح وهو مسكين قاعد على كرسى متحرك لا حول له ولا قوة .. وسيادتك انت واختك اللى عمرى ما شفت ولا حشوف ولاد جاحدين لأبوهم القعيد بالشكل ده كنتم بتتنعموا في بيوتكم اللى دفع فيها دم قلبه وبتتمتعوا في مناصب شغلكم اللى اتوفر لكم بسهولة وفى احس الأماكن لانكم خريجى جامعة أمريكية كانت مصاريفها لوحدها آلآفات الدولارات في السنة الواحدة .. وعلشان كان يقدر يوفر لكم كل الفلوس والنعيم اللى بتتمرمغوا فيه لحد دلوقتى .. كان بيجرى في الدنيا من شرقها لغربها .. لحد ما حصلت له الحادثة اللى اقعدته واللى المفروض بعدها كنا نتلف حواليه منحسسهوش بعجزة وقلة حيلته زى ما عملتوا وزى ما أنا عملت .. وفى الآخر جاى على الناس اللى وقفت جنبه وراعته عايز تاخد منهم حقهم اللى وصى بيه ابوك لهم عن رضا ويستاهلوه .. سكتت قليلا تلتقط أنفاسها وتوقف انفعالها قليلا ثم اردفت .. تعرف ايه انت عن الناس دى .. تعرف ايه عن عم خميس اللى كان حيروح في جناية قتل ابوك وهو مرتكبهاش لولا ستر ربنا .. ولولا انه راجل طيب خدمه شهور من قلبه وبدون مقابل .. تعرف ايه عن بسمة بنته اللى قدرت ترجع له البسمة والأمل في أيام قليلة وانا وانتم عيلته اللى أولى بيه مقدرناش نعمله اى حاجة .. هي بقى رجعت له الأمل في الحياة .. خليته كان على وشك انه يرجع لشغله .. لولا تدخل القدر ..
أياك اسمعك مرة تانية تفتح الموضوع ده أو تحاول تضايق الناس دى .. صدقنى يا جمال .. أنا ساعتها اللى حقف لك .. وحقف معاهم ضدك .. مفهوم ...

كان جمال يستمع الى كلمات وثورة والدته وهو غير مصدق .. فهو لأول مرة يراها منفعلة وثائرة عليه بهذا القدر .. لذا لم يستطيع أن يناقشها وآثر أن يتركها لبضعة أيام ثم يفتح معها الموضوع من جديد .. هو كذلك جمال .. كان عندما يقتنع بشيء .. فمن الصعب ان يثنيه أحد عن تحقيقه .. كان يظل وراؤه بكل السبل وكل الحيل حتى يأخذ ما يريد .. وكانت امه تعلم عنه هذا الطبع .. لذا كان كلامها معه بتلك الحدة .. علاوة على ذلك كانت سلمى في حالة قرف من ابنها بسبب ما عرفته عن زوجته .. كانت مؤمنة بأن ابنها يتحمل جزء من المسئولية تجاه ما حدث من زوجته في حقه وحق ابنتها .. لذا كانت تتمنى أن يرحل بسرعة حتى لا تنفعل عليه أكثر من ذلك فتنفجر فيه وتخبره في ساعة غضب عما اكتشفته وتحمله بين ضلوعها لوحدها حتى الآن .. ولا تستطيع ان تبوح به لأحد ..

اقترب جمال من والدته التي كانت تجلس على احدى الفوتيهات وما زالت منفعلة وتحاول ان تلتقط أنفاسها ثم جلس على يد الفوتيه وضمها بذراعيه وهو يقول : آسف يا أمى .. أرجوكى أهدى .. أنا مقصدش .. مكنتش عارف ان كلامى حيضايقك بالشكل ده .. ثم قبل رأسها ..
سلمى وقد بدأت تبكى بسبب الانفعال وما تمر به من مشاكل .. فهى كانت على وشك ان تبدأ بداية جديدة في حياتها .. كانت على وشك أن تقبل بعرض نادر .. ولكن قد أتت رياحا قوية قلبت لها سفينتها التي كانت على وشك ان تبحر بها الى بر جديد في الحياة : خلاص يا جمال .. أنا هديت .. بس أوعدنى انك متفتحش الموضوع ده تانى .. ومتحكيش لأختك عليه .. هي مش ناقصة .. كفاية اللى هي فيه .. انتبهت سلمى الى جملتها الأخيرة التي خرجت من فمها وهى لا تدرى .. ولكنها لم تستطيع ان تسترجعها .. فقد سمعها ياسر بوضوح فسألها : هي فيها ايه علا يا أمى .. أنا حسيت انها مش مبسوطة .. وانتى اكدتي لى بكلامك ده .. مالها علا ..
سلمى بتلعثم : ابدا .. مشكلة بسيطة بينها وبين ياسر ..
جمال : مشكلة ايه .. هو ايه اللى عمله الزفت ده .. مش يحمد ربنا على اللى هو فيه .. كمان بيزعلها .. هو كان يحلم بانه يتجوز من واحدة زيها .. وبعدين هي ليه تسيب له البيت وتمشى .. هو كان بيت ابوه .. دى فيلتها وباسمها .. يعنى المفروض هو اللى يخرج منها مش هي ..
قاطعته سلمى : اهدى .. اهدى يا بنى .. أنا غلطت انى قلت لك .. انت ليه اندفعت كده زى الرشاش .. وايه لزوم الكلام الجارح اللى انت بتقوله .. احنا لما عطيناهم الفيلا كان علشان اختك تستريح وتعيش فى مستوى أحسن من اللى عاشته فى بيت أبوها .. يعنى مش علشان سواد عيونه .. ومش المفروض اننا لما ندى هدية لحد منمنش علىه بالشكل ده .. وبعدين يا سيدى هو كمان ساب البيت وقاعد في شقته القديمة .. سكتت لبرهة ثم قالت بلين : يا بنى كل اتنين متجوزين بيحصل بينهم مشاكل .. ومش المفروض اننا نتدخل أو نقول كلام يفسد العلاقة بينهم بالشكل اللى انت بتقوله ده .. وانت باللذات مش عايزاك تتدخل في الموضوع ده .. لا من قريب ولا من بعيد .. انت بطريقتك دى تخرب ومتصلحش ..
جمال : ازاى يعنى ... هي مش اختى .. انتى مش شايفاها وشها وعنيها عاملين ازاى من البكا اللى واضح عليها .. ده انا هاين عليا اروح أكسر دماغه حتى لو هي اللى غلطانة ..
سلمى : اهدى يا جمال ومتخليش انفعالك يتسبب في كوارث .. ياللا قوم روح لبيتك .. وارجوك اهدى ومتتدخلش في موضوع علا ده خالص ..

خرج جمال من غرفة المكتب وهو غاضب كى يتحدث مع علا ويعرف سبب المشكلة ولكنه لم يجدها في مكانها .. وقبل ن يتجه االى حجرتها كانت سلمى وراؤه فقالت له : سيبها دلوقتى يا جمال من فضلك .. احسن لنا نسمع منها لما تهدى شوية .. أنا حبقى اكلمك واقولك ايه اصل الحكاية .. وللمرة التانية بقولك يا جمال .. لو سمحت متدخلش في الموضوع ده ....
نظر اليها جمال ولم يملك سوى ان يستجيب الى طلبها .. فغادر فى هدوء ....
-----------------------------------------------------------------
غادر شريف وبسمة النادى وقام بتوصيلها الى مكان قريب من منزلها لتترجل من السيارة بسرعة تخشى أن يراها أحد .. ثم انطلق هو بالسيارة الى منزله .. وفى الطريق طلب والده كى يخبره بأنه يريد التحدث معه في أمر هام ..
شريف متوترا : مساء الخير يا بابا ..
مجدى بصوته الجاد الأجش : أهلا يا شريف يا حبيبى .. ايه أخبارك ..
شريف : الحمد لله .. أنا تمام .. بابا .. أنا عارف انك مشغول .. بس اعذرنى .. كنت عايزك في موضوع كده قبل ما تروح العيادة .. أنا ادامى نص ساعة واكون عندك في البيت ..
مجدى : موضوع ايه يا شريف اللى انت عاوزنى فيه .. ؟ لو الموضوع مستعجل ممكن تكلمنى فيه على التليفون دلوقتى ..
شريف : مش حينفع يا بابا .. أنا سايق العربية دلوقتى .. والموضوع محتاج اننا نتكلم وجها لوجه .. صدقنى مش حعطلك .. هما عشر دقايق مش أكتر ..
مجدى : طيب يا سيدى .. أنا مستنيك .. بس متتأخرش على .. علشان انت عارف جدولى اليومى عامل ازاى .. ومقدرش اتأخر على اى موعد من مواعيدى ..
شريف : حالا حكون عندك .. مع السلامة يا والدى ..
وصل شريف الى البيت فسأل الخادمة عن والده فخبرته انه بحجرة لمكتب ..
طرق شريف باب المكتب ثم دخل بعد أن سمع والده يسمح له بالدخول .. كان شريف في توتر شديد وهو يقترب من والده الذى كان جالسا على كرسى مكتبه يقرأ بعض الأوراق وأمامه اللابتوب على المكتب يقرأ منه بعض الأبحاث أيضا ..
لم يرفع والده رأسه من قراءة الأوراق .. ولكنه قال وهو مشغول : تعالى يا شريف اقعد .. خير .. ايه الموضوع الى انت عايزنى فيه .. ومن فضلك بسرعة واختصر علشان أنا معنديش وقت ومشغول زى ما انت شايف ..
جلس شريف على احدى الكرسيين أمام مكتبه وزاد توتره بعد ان تكلم معه والده بهذه الطريقة .. فلم يرد على الفور فبادر والده وهو ينظر اليه : مالك يا شريف .. مبتتكلمش ليه .. يالا يا حبيبى أتكلم انا معنديش وقت ..
شريف بتلعثم وعصبية : حاضر يا بابا .. بس يا ريت حضرتك تصبر على ولو سمحت يا ريت ...
قاطعه والده بثبات وهدوء : خش في الموضوع من فضلك .. انت عايز فلوس .. أو ناقصك حاجة ..
لم يجد شريف بد من أن يلقى بقنبلته مرة واحدة فانطلق من فمه الكلام دفعة واحدة : أنا عايز أتجوز ....
ساد الصمت .. ونظر له مجدى بعد أن عقد حاجبيه ورجع الى الخلف ساندا ظهره متكاءا على الكرسى : مش فاهم .. عايز يعنى نشوف لك عروسة تتجوزها ؟ طيب وماله .. عندك امك واختك .. ممكن يشوفولك واحدة تناسبك ..
شريف بغضب : مش ده اللى اقصده يا دكتور .. أنا مش صغير علشان امى او اختى هما اللى يجوزونى .. أنا اعرف واحدة وعايز اتجوزها ..
مجدى : طيب وماله يا حبيبى .. والله لو مناسبة لك ولعيلتك .. ايه المانع ..
شريف وقد تذكر كلام بسمة ورأيها واشتم رائحة الرفض في جملة ابيه فقال بحماس : فعلا .. هي مناسبة لى جدا .. وانا بحبها .. وعلشان كده بستأذن حضرتك نروح نتقدم لوالدها ..
مجدى : ويا ترى احنا نعرفها ..
شريف : مفتكرش .. بس عموما هي طالبة في الكلية عند حضرتك في سنة تالتة ..
مجدى مبتسما وهو يتحرك الى ابنه ويربت على كتفه : عال عال .. يعنى دكتورة زيك .. واكيد أنا شوفتها لو بتحضر محاضراتى .. سكت للحظة ثم اردف .. ويا ترى اسمها ايه و من عيلة مين ..؟
شريف بصوت خفيض كأنه يخشى رد الفعل بعد اجابته القادمة : اسمها بسمة .. بسمة خميس .. والدها كان موظف بسيط في مستشفى حكومي وهو دلوقتى على المعاش .. عموما همه عيلة مش مشهورة .. بس .....
قاطعه والده بحدة وعنف غاضبا وبصوت عالى : انت اتجننت .. عايزنى أنا اروح اطلب بنت واحد مش معروف في البلد .. موظف حكومة وكمان بسيط .. تيجى ازاى دى .. انسى الموضوع ده وشيله من دماغك .. انت عارف انت ابن مين في البلد دى .. عارف مين امك وعيلتها مين .. عارف اختك الدكتورة متجوزة مين .. ابن وزير .. انت فاهم يعنى ايه ابن وزير يادكتور ياللى حتبقى في يوم صاحب اكبر مستشفى خاص في البلد وصاحب اكبر عيادة قلب كمان .. عايز تناسب حثالة المجتمع .. ادامك افضل بنات في اكبر العائلات وملقتش غير بنت موظف حكومى على المعاش .. ويا ترى الأستاذ ابوها كان شغال في انهى داهية .. والله لو حتى كان وكيل وزارة ما احط ايدى في ايده ولو انطبقت السما على الأرض ..
كان شريف يستمع الى والده ودقات قلبه تتسارع بشدة .. كلماته وعصبيته تنزل عليه كالصواعق .. يتمنى لو يصمت .. يتمنى لو كان اصما فلا يسمع ما سمع من ابيه .. يتمنى لو انه لم يفاتحه في الموضوع .. لم يكن يتخيل للحظة واحدة ردة الفعل العنيفة تلك .. علم ان هناك حربا وطوفانا قادمين عليه وربما على بسمة التي عرف والده اسمها واسم والدها والسنة الدراسية لها ومن السهل أن يؤذيها هي وعائلتها بسبب طلبه الزواج منها ..
نظر شريف الى والده وقد اظلمت الدنيا في وجهه .. لم يجد كلمات ليرد بها على ابيه قاسى الطباع .. والذى لايعلم عنه الا القليل .. لا يعلم أصل والده .. كما لا يعلمها الكثير ممن حوله والذين يطلقون عليهم صفوة المجتمع .. لا أحد يعلم سوى والدته أن والده هذا نشأ في أسرة فقيرة .. بل اسرة معدومة في احدى قرى صعيد مصر .. كان ابوه يعمل فلاحا بالأجرة عند احد اغنياء القرية .. لديه ثلاثة من الأولاد وبنتين .. مجدى هو الإبن الأصغر .. والذى يصغر أخيه الأكبر بخمسة عشر أعوام .. كان جميع أبناء ابيه عبد الباسط ووالدته يعملون عند ثرى القرية .. فأمه وبناتها يعملون بداره واخويه وابيهم يعملون بالفلاحة .. وكان ثرى القرية هذا رجلا بخيلا .. فبالكاد كانت اجرتهم جميعا تكفيهم طعامهم اليومى وقد يدخرون منها قروشا قليلة للزمن ..
عندما كبر مجدى واصبح في عمر السابعة أراد ابيه ان يصحبه معهم الى العمل في الزراعة .. وكانت بنيته ضعيفة من قلة الغذاء والطعام .. فكان يتعب كثيرا ولا يقوى على العمل بالأرض .. لذا اتفق اخوته على ان يفاتحوا ابيهم في ان يسلك مجدى مسلكا آخر .. ارادوا له ان يذهب الى المدرسة وان يتعلم .. وربما افلح في يوم من الأيام فينقذ عائلته من الفقر المدقع الذى يعانون منه خصوصا وان اخوته قد وصلوا لعمر الزواج .. والعائلة تكبر وتحتاج أن تغير من نمط حياتها وواقعها الأليم ..
في البداية عارضهم ابيهم بشدة ولكنه رضخ في النهاية لطلبهم عندما شعر أن قد يفقد ابنه ضعيف البنية من جراء عمله بالغيط .. لذا وافق على ذهابه الى المدرسة ..
برع مجدى في الدراسة .. كان ذكيا بفطرته .. يستوعب ويحفظ الدروس بسهولة ويسر .. وكان كلما تذكر العمل بالزراعة اجتهد اكثر واكثر في دراسته .. خوفا من العودة لهذ العذاب ..
مرت السنون وأصبح بعد عناءها في الثانوية العامة .. واستطاع التفوق ..وحصل على مجموع يؤهله الى الإتحاق بكلية الطب .. كان ابيه يرغب له في كلية الشرطة حتى يصبح ظهرا لهم في البلد ويهابهم من هم وضعوا رؤسهم تحت اقدامهم لسنوات .. ولكن مجدى كان يعلم مبتغاه .. كان قد وصل الى العمر الذى يستطيع أن يميز فيه اى من الدراسات التي سوف يبرع فيها ويجنى منها أموالا طائلة .. فحث اخوته على الضغط على ابيهم ليسمح له بالالتحاف بالطب حتى يصبح طبيبا كى ينهل من خيرات تلك المهنة .. وكان يعلم ان خيراتها كثير ..
التحق بالطب كطالب جاء من أعماق مصر الى القاهرة .. مدينة غير قريته وليست كأى من مدن العالم .. تاه في البداية في خضم أمواج متلاطمة من جراء معيشة جديدة عليه .. كان عليه أن يكافح مغريات الفساد والانحراف الكثيرة التي كانت تحاوطه ليل نهار .. احب وكره ..وقع ثم وقف من جديد عدة مرات .. ليصبح بعد عامين وقد عرف جيدا كيف يتعامل مع بشر تلك المدينة الكبيرة في كل شيء .. لقد اكتشف خلال هذين العامين كيف كان عالمه في القرية صغيرا ومحدودا للغاية اذا ما قورن بحياة المدن .. وخاصة مدينة مثل القاهرة .. يرد عليها من كل صنف ولون من البشر ..
كانت عائلته في القرية يضنون على انفسهم بأقل القليل حتى يوفروا له ما يحتاجه من مال ليستكمل هذه المرحلة الصعبة التي كانت بالنسبة لهم وله بمثابة عنق الزجاجة ..
تخرج مجدى في النهاية من كلية الطب .. خرج أخيرا من عنق الزجاجة .. وظن أخوته ووالديه انهم قد خرجوا معه وان الأيام القادمة هى أيام خير لهم جميعا .. ولكنه للأسف تنكر بعد كل هذ لعائلته وتركهم مازالوا يصارعون للخروج من عنق زجاجتهم ..
بمجرد انه تم تعيينه كمعيد في الجامعة لتفوقه الدراسى .. فقد كان أول الدفعة بلا منازع .. واصبح لديه مرتبا شهريا يستغنى به عن المال البسيط الذى كان يجمعه جميع افراد الأسرة له .. قطع كل صلة بأهله تدريجيا .. ومع مرور الأيام عمل لدى طبيب كبير بعيادته كمساعد له ..
كان هذا الطبيب من عائلة مرموقة جدا بالعاصمة .. وكان لديه بنتا في عمر الزهور .. هي ابنته الوحيدة .. كان يرى في مجدى نابغة في الطب .. فساعده كى يحصل على الدكتوراة من اكبر جامعات بريطانيا .. وقبل سفره الى بريطانيا بعدة أيام استطاع اخاه الأكبر أن يصل اليه بعد عناء شديد عن طريق الجامعة .. فذهب اليه في المشفى التي كان يعمل بها كى يعلم سبب انقطاعه عنهم .. كان خائفا ان يكون قد أصابه مكروه .. وفى نفس لوقت أراد ان يخبره بوفاة ابيهم والذى عانى المرض كثيرا ولم يكن يجدوا ما يستطيعون به علاجه .. كما انه مات حزنا وقلقا على صغيره الذى مرت سنتان ولم يعلم عنه شيئا ..
قابله أخوه .. ولاحظ عليه النعمة التي اصبح فيها .. ولكن مجدى بدهائه استطاع ان يقنعه أن ما هو فيه هو مجرد مظهر لزوم عمله كطبيب وان هناك مجموعة من أصحابه يعيش معهم في شقة صغيرة لا تكاد تكفيهم .. يساعدونه بملبسهم حتى يستطيع ان يجاري مظاهر المجتمع من حوله .. أقنعه ان موضوع تعليمه من البداية كان فكرة خاطئة .. فهو يعانى اليوم ولا يجد ما يكفيه أو يغطى مصروفاته ويصبح لديه فائض يرسله لهم ..
رجع اخوه الى البلد لا يصدق ما ذكره له أخيه الصغير الذى كبر وتعلم كيف يراوغ وكيف يكون جاحدا .. ولكنه لم يكن بيده حيلة .. عاد الى بلدته منكسرا حزينا .. وكان اكثر ما احزنه أن أخاه الصغير لم يسأله عن اى احد من اسرته .. لا عن اخوته وابناءهم .. ولا حتى عن امه وابيه الذى مات وهو لا يعلم ولن يعلم.. لأنه ببساطة لم يعد يشغله سوى نفسه وحسب.. لذا .. آثر أخيه ان لا يخبره بموت ابيه .. فهو لا يستحق أن يأخذ حتى ثواب الترحم عليه ..
ذهب مجدى الى بعثته الدراسية بمنحة دراسية ساعده فيها طبيبه الذى كان يعمل لديه .. عاد بعد أربعة سنوات ..كان في هذا الوقت في عمر الأثنين والثلاثون .. كان يتطلع الى الزواج وعمل اسرة .. فرمى بشباكه على ابنة لطبيب صغيرة السن والتي قد أكملت عامها التاسع عشر منذ شهور قليلة .. استطاع أن يوقعها في شباك حبه .. وأصبحت مغرمة به .. تقدم لخطبتها .. فرفض والدها وبشدة .. فمجدى من أصول أقل بكثير من أصول عائلته .. كما ان ابنته تصغره بحوالي ثلاثة عشرة سنة .. ولكن الأبنة قد أصرت وهددت بالانتحار اذا لم يوافق ابيها على تزويجيها منه .. حاول معها الأب أن يثنيها عن رغبتها فى الزواج من مجدى وأخبرها عن حقيقته وعن اصوله المعدمة بعد أن جمع عنه المعلومات اللازمة .. لكن فى النهاية أصرت الابنة على ما تريد فرضخ الأب لرغبتها .. فقد خشى أن يفقد ابنته الوحيدة .. تم زواجه منها بعد عامين من الخطبة التي لم يحضر له فيها امه أو اى من اخوته .. وهذا كان شرط الطبيب الكبير والذى لا يعلم انه حتى لو لم يطلب .. ما كان مجدى ليخبرهم أو يدعوهم لحدث مثل هذا ..
كل ما استطاع ان يفعله بعد الزواج كى يريح ضميره مع اهله انه كان يقوم بارسال مبلغ صغير من المال الى امه كل ستة أشهر ليعينها على مطالب الحياة .. فكانت تساعد اخوته من هذا المبلغ .. ولكنه ابى ان يذهب يوما الى زيارة امه او اخوته منذ أن تخرج واصبح طبيبا .. كانت كل علاقته بهم تلك الجنيهات المعدودة التي يرسلها لأمه كل ستة أشهر ..
كبر مجدى واصبح كطبيب مشهور ذائع الصيت يشار له بالبنان ويعالج اكابر المجتمع القاهرى ويأتي لعيادته التي ورثها عن والد زوجته مرضى من كل مكان في مصر .. ثم استطاع مع مرور الأيام أن يبنى مشفى خاصا كبيرا في القاهرة .. انجب ابنته الكبرى يسرا بعد خمسة أعوام من زواجه ثم انجب شريف بعد أربعة أعوام من ولادة يسرا ..
مرت الذكرى على مخيلة مجدى بعد أن تركه شريف ليذهب الى غرفته غير معارض لثورة ابيه .. مرت وكأنه قد فزع من أن يتزوج ابنه من ابنة رجل فقير .. فهو كان يمقت الفقر والفقراء ويهاب كليهما .. تذكر فقره وما مرت به اسرته في بلدته .. فلم يشعر بنفسه وهو يثور على ابنه لمجرد انه يريد ان يرتبط بعائلة فقيرة .. او دون مستواه الحالى ..

خرج شريف من حجرته فقابل والدته التى كانت على وشك ان تفتح باب حجرة المكتب حيث كان شريف يواجه هياج والده .. لم يلتفت اليها وهى تناديه .. وانطلق صاعدا سلم الفيلا بسرعة الى حجرته ..

دخلت خلود والدته الى حجرة المكتب حيث كان زوجها واقفا أمام النافذة شاردا فيما حدث بينه وبين ابنه .. لم يكن يلقى بالا الى ما فعله .. بقدر ما كان شريط الذكريات قد عاوده مرة أخرى .. يتذكر ماضيه المؤلم وما مر به فى حياته وما قابل من صعوبات هو واسرته .. وكم كان يشعر بالخزى والهوان فى كل مرة يرى فيها والديه واخوته خدم فى ارض وبلاط ثرى القرية يكيل لهم هو وفراد اسرته من الاهانات ما لايطيقه أحد .. كان يشعر أنه يتمزق وهو طفل صغير يشاهد بأم عينه ما يحدث ويخشى أن يتعرض فى يوما من الأيام لم يتعرضون له .. ثم يتذكر ما أصبح فيه من ثراء ونفوذ جعله يشعر انه قوى .. فوق الجميع .. فيشعر أن بغضه للفقر والفقراء هو المبرر القوى لرفضه لطلب ابنه فى الارتباط باسرة فقيرة .. كان يشعر انه قد فعل الصواب فى امر زواج ابنه ..

اقتربت خلود منه وهو معطيها ظهره لا يشعر بوجودها .. سألته بحذر من يهاب ردة فعل من يواجهه : مجدى .. ماله شريف ؟ خارج من عندك بسرعة ومبيردش على .. فيه حاجة حصلت ..
مجدى بدون ان يلتفت اليها : مفيش يا خلود ..
خلود : مفيش ازاى .. بقولك شيفاه خارج من عندك متنرفز ومبيردش على وانا بناديه ..
سكت مجدى للحظات طويلة حتى ظنت خلود انه لن يجيبها .. ولكنه تكلم فى النهاية بسخرية : ابنك يا هانم عايز يتجوز ..
للحظة نسيت خلود غضب ابنها وابتهجت لخبر زواج ابنها فقالت بسعادة : بجد .. ثم قالت بتعجب .. طيب ايه المشكلة .. ؟
مجدى بنفس السخرية : طيب مش تعرفى الأول هو عايز يتجوز مين ؟
خلود : مين دى اللى قدرت تخطف قلب ابنى .. أكيد واحدة مميزة اللى قدرت تخلى شريف يحبها ويطلب انه يتجوزها حتى قبل ما يخلص دراسته ويتخرج ..
مجدى : أيوة .. مميزة .. مميزة جدا .. مميزة بفقرها وفقر عيلتها .. سكت قليلا ثم اردف .. ابنك يا هانم عايز يتجوز طالبة عندى فى الكلية أبوها موظف حكومى بسيط وعلى المعاش كمان ..
خلود يتعجب : الفقر مش عيب يا دكتور .. لو ناس شرفا يبقى مفيش مشكلة ..
مجدى بحزم : أنا قلت كلمتى وانتهى الأمر .. ابنى مش ممكن يرتبط الا بعيلة مش اقل من عيلة جوز اخته ..
خلود بتودد : بس دى حياته يا مجدى .. وهو حر فى اللى يختارها تعيش معاه خصوصا لو كان بيحبها ..

مجدى بنفس الوجه العابس والضيق من المناقشة معها : حب ايه يا هانم اللى يخليه يضيع مستقبله اللى انا راسمهوله ويضيعنا معاه ويخلينا مسخرة وسط الناس .. بلا حب بلا كلام فارغ .. مفيش حاجة اسمها حب .. فيه مصلحة وبس .. والمصلحة بتقول انه ميتجوزش واحدة فقيرة ..

خلود بحزن والم يتعصر ذكرياتها : دلوقتى بقى مفيش حاجة اسمها حب .. عندك حق .. ما انا كنت عبيطة لما وافقت انى اتجوزك باسم الحب اللى وهمتنى بيه انك متقدرش تعيش من غيرى وخليتنى اتعلق بيك واقف فى وش أبويا .. بس أنا اللى كنت استاهل انى معرفتش وقتها ان الموضوع بالنسبة لك موضوع مصلحة .. لا اكتر ولا اقل ..
مجدى باستهتار : آه .. حنبتدى الاسطوانة اياها .. بقولك ايه انا مش فاضيلك .. أنا عندى عيادة ومرضى .. عن اذنك ..

هم مجدى ان يغادر الغرفة ولكنها استوقفته وهى تقول فى تحدى : اسمع .. المرة دى لازم تسمع الاسطوانة للآخر .. شريف ابنى زى ما هو ابنك .. ومش حسمح لك تحطم مستقبله ولا تفسد عليه حياته زى ما افسدتها علينا وعلى اخته اللى اجبرتها انها تتجوز واحد مبتحبهوش لمجرد المصلحة بتقول كدة .. وحاجة أخيرة .. عمرى ما قلتهالك .. بس للأسف أنا مضطرة انى اقولهالك المرة دى .. انت يا مجدى مريض ومحتاج تتعالج .. انت نشأتك البسيطة والفقر اللى عانيت منه فى صغرك وشبابك مخليك كاره الفقر والفقرا مع ان المفروض انك واحد منهم .. وانت اولى الناس بيهم و المفروض انك تقف جنب الفقرا وتحاول تساعدهم مش تحتقرهم وتبعد عنهم بالشكل ده .. وبعدين .. يا ترى ايه شعورك لو كنت زمان عاملتك على انك فقير ومش من مستوايا ؟ .. اكيد العقدة عندك كانت حتزيد .. هدأت قليلا ثم قالت بلين : يا مجدى الدنيا مش كده ابدا الدنيا مش فوس ومصالح نفضل نجرى وراها طول عمرنا وادام تحقيقها بنخسر حاجات حلوة كتير فى حياتنا .. أهمها انسانيتنا .. والفقر عمره ما كان وصمة عار لصاحبه .. انت كنت فقير فى يوم من الأيام وربنا اكرمك وبقيت من اثرياء البلد .. سيب ابنك يرتبط باللى قلبه اتعلق بيها وصدقنى مش حتندم ..

كان مجدى يستمع اليها وهو يغلى بداخله لانها واجهته بحقيقته وذكرته بماضيه المؤلم الذى ظل طوال عمره يهرب منه .. ظلت عيناه مصوبة عليها ثم تحرك من امامها بخطوة واحدة يغادر الغرفة وهو يقول : الموضوع انتهى .. ابنى مش حيتجوز غير اللى انا اختارها له ..
خلود بانفعال وانهيار : انت انسان مريض .. مريض ولازم تتعالج ..

عند هذه الجملة التفت اليها مجدى وصفعها صفعة قوية ارتمت على اثرها على مقعد خلفها ثم تركها وغادر الغرفة بعد أن نظر اليها نظرة طويلة وهى منهارة تمسك خدها من الألم وتبكى بشدة ..

دخل الى الحجرة واغلق الباب وراءه بشدة .. وأخذ يلف في الحجرة كالأسد الجريح .. ثم ارتمى بجسده فوق سريره ورجليه ممددة فوق ارض الحجرة ينظر الى السقف في وجوم ..
انتبه بعد قليل الى تليفونه يرن بجواره فوق السرير .. نظر بطرف عينيه الى رقم الطالب .. فاذا هى بسمة تطلبه .. لم يرد عليها .. واخذ جرس التليفون يرن كأنه قرع الكنائس بجوار اذنيه .. يكاد يصمه .. وضع يديه على اذنيه ضاغطا بشدة عليها وهو مغمض العينين .. يحاول ان يسكت صوت الرنين بداخله وخارجه ..

عندما توقف جرس التليفون بعد ان يأست بسمة من ان يرد عليها .. ازاح شريف يده من فوق اذنيه برفق ثم بدأ يفتح عينيه ببطئ فاذا بالظلام يحيط به .. ظن في البداية أن كهرباء الفيلا قد انقطعت .. ولكنه عاد ليتذكر انها لا تنقطع عندهم ابدا .. واذا حدث فهناك المولدات التي تعمل تلقائيا عند انقطاع الكهرباء .. تذكر أيضا ان الغروب لم يحل بعد وان شمس الغروب بالخارج كانت كافيه لأن تضيء الحجرة .. فرك عيينيه بعد ان انتصب وقفا ولكن ظل الظلام محيطا به .. علم حينها انه قد فقد نور عينيه فصرخ صرخة زلزلت كيان البيت .......

-----------------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 05:08 PM   #82

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل التاسع والعشرون

البدايات الجديدة
الفصل التاسع والعشرون

كان جمال خلال اليومين السابقين يحاول ان يجد حلا لموضوع مبلغ التعويض الذى من وجهة نظره استحوذ عليه خميس وبسمة دون وجه حق .. لم يجد حلا الا وقوف علا بجانبه في هذا الموضوع .. لكنه فى نفس الوقت كان لا يستطيع ان يتحدث مع علا لتسانده في هذا الأمر ويصبحا هو وهى قوة أمام رغبة امهما في تنفيذ وصية والدهما .. لذا فكر في أن يستعين بياسر زوج علا .. فمن ناحية يصلح بينهم ظنا منه أن مابينهما مشكلة بسيطة .. فتكون جائزته هي وقوف علا وزوجها معه في أمر ماله الذى يريد أن يسترده بأى شكل من الغرباء ..
تكلم مع ياسر عبر التليفون الذى رد عليه وهو مرتعب من ان يكون قد علم بأمر خيانته له مع زوجته ..
ياسر : صباح الخير يا جمال ..
جمال في نبرة هادئة ولكن يشوبها بعض اللوم والغضب : أهلا يا سيدى .. فينك .. وليه مغضب مراتك بالشكل ده .. ؟

تنفس ياسر الصعداء .. فقد اطمئن انه لا يعلم الى الآن بالمصيبة .. والا ما كان يتكلم معه بهذا الهدوء .. أو بالأحرى ما كان تكلم معه من الأساس .. كان سيأتى اليه ويقتله .. وهذا اقل واجب يمكن لرجل علم بخيانة زوجته مع رجل آخر أن يقتل كلاهما ..
رد ياسر بتلعثم : لا ابدا يا ياسر .. موضوع بسيط وان شاء الله يتحل قريب .. ما انت عارف اختك ودماغها .. هي دايما تعمل من الحبة قبة .. عموما أنا سايبها يومين عند طنط تريح دماغها وبعدين حآجى اصالحها .. متشغلش بالك انت ..

جمال بلامبالاة وقد اختفت حدة غضبة: يا عم أنا مش شاغل بالى ولا حاجة .. ربنا يهديك ويهديها .. بص يا ياسر .. انا كنت عايز أتكلم معاك في موضوع .. بس مش حينفع في التليفون .. لازم نتقابل .. أنا مش عارف انت ليه سيبت الفيلا وقاعد في شقتك .. هو أنا ناقص مشاوير لغاية الزمالك .. بقولك ايه تعالى نتقابل في أي مكان بعيد عن البيوت ..
ياسر بيأس وضيق : لا يا جمال معلش مش قادر اروح اى مكان .. يا ريت انت تيجى هنا ..
جمال وهو ينفث هواءا من فيه : ماشى يا سيدى .. تحب آجيلك امتى .. ؟
ياسر : اى وقت .. أنا قاعد ومش ناوى أخرج من البيت ..

خرج جمال من عمله وتوجه بسيارته الى ياسر مباشرة .. وصل الى المنزل الذى يسكنه بالزمالك .. صعد في الاسانسير .. وعندما خرج منه في الدور الذى يقطنه ياسر .. تسمر في مكانه والجمته المفاجأة .. فقد شاهد ياسر وهو يدفع زوجته خارج شقته فتقع على الأرض وهو يصيح فيها بأعلى صوته : اخرجى من حياتى مش عايز اشوفك تانى او اسمع صوتك .. واعملى ما بدالك .. أنا ما بتهددش .. وأعلى ما في خيلك اركبيه ..

مرت لحظات من الذهول على وجه الثلاثة وعلى وجوه بعض الجيران الذين خرجوا من شققهم على صوت صياح ياسر .. ثم اندفع جمال يمسك زوجته من شعرها وهو يصيح .. انتى بتعملى ايه هنا .. ايه اللى جابك شقة ياسر .. وليه بيعمل معاكى كده .. انطقى .. انطقى قبل ما اقتلك ..
كانت سمر تتأوه من الألم ومن الفضيحة التي أصبحت فيها .. وهى تتوسل الى زوجها : ارجوك يا جمال .. ارجوك سيب شعرى .. أنا حفهمك .. أنا حشرح لك كل حاجة .. الموضوع مش زى ما انت فاهم .. فيه سوء فهم .. أرجوك سيبنى وانا حشرح لك ..

جذب جمال سمر من شعرها بيد وباليد الأخرى وضعها على رقبتها ثم جذبها لأعلى بكلتا يديه لتقف في مواجهته وهو يصيح بها : تشرحيلى .. تشرحيلى ايه يا فاجرة .. ماهى كل حاجة واضحة ادامى زى الشمس .. مراتى مع جوز اختى وبيطردها من شقته بالشكل ده وهو عايش فيها لوحده .. انتى جايه له لحد هنا برجليكى يا فاجرة .. بتعملى ايه عند الكلب ده .. أنا حموتك واخلص من عارك ..

كان يتكلم ويتصرف في هستيرية وجنون وهو يضغط بيده على رقبتها حتى لاحظ ياسر والجيران من حوله انه على وشك ان يقتلها فاندفع ياسر وأحد الجيران الى يديه اللتان قد احكمت قبضتيهما على رقبتيها .. ولكنه تركها عندما جاءت عينيه بعين ياسر .. فتركها ليمسك بتلابيب قميصه .. فسحب الجيران سمر من تحت قدميهما وقد أخذا يتعاركان ويتلاكمان بكل جزء في جسديهما ..
تجمع معظم السكان .. فنساء تصرخ ورجال يحاولون فض المعركة الدائرة بين جمال وياسر .. وفى غفلة من الجميع تسللت سمر بعد ان افاقت لتجرى في محاولة للهرب من غضب زوجها .. لمحها جمال وهى تنزل مسرعة من على السلم فترك ياسر وجرى وراءها .. زادت من سرعتها اكثر حتى وصلت الى الشارع وانطلقت لتعبر الطريق فصدمتها سيارة اتت مسرعة .. فطارت الى اعلى ثم سقطت مرتطمة برأسها وباقى جسدها بشدة فوق الاسفلت .. ليتسمر جمال مكانه في ذهول ويضع كفيه على فمه .. لا يصدق ما حدث .. وهو يشاهد جسدا عشقه سنوات وامرأة لم يعشق سواها في حياته تسقط جثة هامدة امام عينيه .. ....

جثا جمال اما جثتها يحاول ان يوقظها .. فتجمع المارة من حولهما وهو يناديها .. سمر .. سمر .. قومى .. قومى يا سمر .. فوقى يا حبيبتى .. قومى يا سمر أنا جمال حبيبك .. قومى يا سمر ولادنا في البيت مستنينا .. وعندما فقد الأمل في ان ترد عليه ولو بنظرة او ايماءة .. صرخ بعلو صوته فجأة وهو يقول : سمممااااااار .. وظل جالسا امامها ينتحب بشدة الى ان مرت عشرون دقيقة قبل وصول الإسعاف .. فكشف الدكتور المصاحب للاسعاف عليها بعد ان ازاح من فوقها بعض الجرائد التي كانت مغطاه بها .. ثم أشار الى طاقم الإسعافات معه هاتفا : بسرعة .. بسرعة .. الحالة لسة فيها نبض .. ياللا بسرعة .. تحرك الطاقم وتم نقل سمر الى سيارة الإسعاف فسارع جمال ليركب معها في سيارة الإسعاف وهو يهتف ببكاء : أنا جوزها .. أنا جوزها ...

ظل ياسر في الشارع بقميصه الممزق وعلى وجهه وجسده عدة كدمات واضحة من جراء اشتباكه مع جمال .. لم يستطع ان يلحق بجمال وهو يجرى وراء سمر .. فقد احتجزه بعضا من جيرانه حتى لا يشتبك معه مرة أخرى .. ولكن الجميع قد شاهدوا ما بعد الحاث الى ان جاءت الإسعاف وأخذت سمر ومعها جمال ..

ظل يفكر ماذا عليه ان يفعل .. فهداه فكره ان يبلغ سلمى بما حدث .. فبالتأكيد هو يحتاج لمن يقف بجانبه الآن هو وسمر .. فبالنسبة لياسر فقد اصبح آخر من يمكنه ان يكون بجوارهما .. والسبب معروف .. هو لا يستطيع ان يظهر امام سلمى او علا أيضا .. كان يشعر في تلك اللحظات انه يعيش كابوسا فظيعا لا يستطيع ان يتحمله .. وليس بجواره من يعينه على ماهو فيه أو يقف حتى الى جواره ..

بعد ساعة من التفكير تكلم مع نادر المحامى .. فهو يعلم انه محامى عائلة زوجته ويعرفه جيدا منذ تعامل معه واستطاع ان يكسب له قضية قد رفعها عليه صاحب الشقة التي يعيش بها حاليا ليطرده منها بعد وفاة والده ..
طلب ياسر نادر : أستاذ نادر .. أنا ياسر جوز علا ..
قاطعه نادر مبتسما قبل ان يستفيض في تعريف نفسه له : طبعا عارفك يا أستاذ نادر .. ازيك وازى بنتنا علا .. يا رب تكونوا بخير ..
ياسر باقتضاب : الحمد لله .. أستاذ نادر .. فيه مشكلة حصلت ومحتاجين مساعدتك ..

ظن نادر ان سلمى قد فاتحت ابناءها في زواجها منه وان هناك مشكلة قد حدثت بسبب طلبه لها أو أن هناك مشكلة حدثت بسبب رغبة جمال في الاستحواذ على التعويض الذى اصبح من نصيب خميس وبسمة .. لذا علق بقلق : خير يا ياسر .. قلقتنى .. مشكلة ايه ..
ياسر بتلعثم واضطراب : سمر مرات جمال اخو علا عملت حادثة ونقلوها من نص ساعة بالاسعاف الى المستشفى .. اعتقد حالتها خطيرة .. واكيد جمال حيحتاج حضرتك في تحقيقات الشرطة والنيابة معاه ..
نادر : لا .. لا .. بالراحة على يا ياسر .. سمر عملت حادثة .. خبطت حد بعربيتها يعنى .. وبعدين الشرطة تحقق مع جمال ليه ؟.. هو مين اللى كان سايق العربية؟
ياسر : لا .. هي اللى خبطتها عربية ..
نادر : ياسر .. ياسر .. انا مش فاهم حاجة .. ممكن تهدا شوية وتقوللى بالراحة ايه اللى حصل بالظبط ..

كان ياسر قد وصل الى قمة توتره .. كان خائفا .. بل مرعوبا من ان تجر قدمه في قضية صدم سمر بالسيارة والى الأسباب التي أدت لذلك .. لذا ندم انه قد تكلم مع نادر .. لقد ورط نفسه اكثر في الموضوع ..لذا أراد ياسر ان ينهى حديثه مع نادر بأى طريقة فقال بتوتر وتلعثم شديدين : كل اللى حقدر أقوله لك ان جمال كان بيجرى ورا سمر وجت سيارة خبطتها ونقلوها للمستشفى .. ومش حقدر أتكلم اكتر من كده .. تقدر حضرتك تطلب جمال وتفهم منه .. أنا لازم اقفل دلوقتى ..
أغلق ياسر الخط وظل في مكانه ينتظر في رعب شديد ....
مرت ساعة قبل ان تدخل سمر غرفة العمليات .. كانت الشرطة قد حضرت الى المشفى بعد دخول سمر الى العمليات بقليل بعد ان تم ابلاغها عن طريق إدارة المشفى ..
كان نادر قد طلب جمال فور ان انتهت مكالمته مع ياسر .. رد جمال بعد عدة محاولات من نادر .. فقد كان في حالة لا تسمح له ان ينظر حتى الى شاشة الموبايل ليعرف من الطالب .. : الو ..
نادر : جمال .. أنا انكل نادر .. انتم في اى مستشفى .. وسمر حلتها ايه ؟
جمال بحزن : احنا في مستشفى *********
نادر : طيب يا جمال .. ربع ساعة وحكون عندك .. جمال .. لو الشرطة جت تحقق معاك في اى شيء متتكلمش الا لما آجى وتحكى لى اللى حصل الأول .. فاهم يا جمال .. اوعى تنسى .. متتكلمش مع اى حد الا وانا معاك ..

وصل نادر قبل وصول الشرطة بدقائق معدودة .. كان جمال واقفا خارج غرفة العمليات في حالة يرثى لها من القلق والحزن والغضب .. قميصه الممزق وكدمات وجهه تنم على انه كان في خناق مع أحد .. كان واضح عليه انه قد قضى وقتا طويلا في البكاء ..
نادر : جمال .. طمنى سمر عاملة ايه .. وازاى عربية تخبطها .. وليه كانت بتجرى وانت بتجرى وراها ..

نظر اليه جمال نظرة يأس وحيرة .. فماذا يخبره ..؟ هل يخبره بالحقيقة المرة التي علمها عن زوجته وزوج اخته .. لقد كان كل شيء واضحا له .. فماذا كانت تعمل زوجته بشقة ياسر ولم كان يدفعها خارج شقته ويطلب منها بهذا الشكل ان تبتعد عنه .. بالتأكيد هناك علاقة بينهما .. أو على الأقل هي زوجته من تحاول ان تقيم علاقة مع زوج اخته ولكنه رفض .. كانت الشكوك والوساوس تكاد ان تفتك به .. وهو يعلم أن هناك قضية ليست بهينة في انتظاره .. ربما على اثرها يحبس سنينا أو على اقل تقدير شهورا اذا نجت سمر من هذا الحادث ..

لم يكن يدرى ماذا يقول لمحاميه .. والذى كى يخرجه من ورطته تلك لا بد ان يقول له الحقيقة .. ولكن رجولته تأبى ان يعلم احد انه زوج مخدوع .. وان زوجته تفضل عليه رجل آخر .. ومن .....؟؟.. زوج اخته .. كم هي مصيبة له ولأخته .. والمصائب لا تأتى فرادى ..
تكلم نادر مرة أخرى وهو ينهره : اسمع يا جمال .. الوقت ضيق .. الشرطة على وصول .. والتحقيقات حتبتدى .. فهمنى كل حاجة بالراحة علشان نعرف حنتصرف ازاى ..
تكلم جمال أخير وهو مطأطأ الراس وحكى له ما حدث بالتفصيل .. وفى نهاية حديثه لم تتحمله
قدمه فجلس القرفصاء على قدميه واضعا وجهه بين كفيه واجهش في البكاء .. فانه ليس بالأمر الهين ان يقص رجلا لى رجل آخر تفاصيل اكتشافه لخيانة زوجته .. حتى وان كانت لم تخنه جسديا .. فيكفى انها فكرت في ذلك .. وإلا ما سبب ما رأى بأم عينيه .. ؟؟؟؟!!!!

كان على نادر أن يتدبر أمر الشرطة بأى طريقة .. فسأله نادر .. هل احد من الجيران شاهد ياسر وهو يطرد سمر من بيته .. فأجابه أنه هو الوحيد الذى شاهد هذا .. فأشار على جمال أن يقول للشرطة عند استجوابه انه حدثت مشاجرة بينك وبين زوج اختك لسبب أو لآخر .. وانك جئت أنت وزوجتك الى بيت زوج اختك لاستبيان ما حدث بينك وبين اختك .. وعندما احتد الأمر بينكما تدخلت زوجتك فنهرتها امامه فتركتكما وجرت الى الشارع .. وجريت انت وراءها لتصالحها فصدمتها السيارة .. ولكن يجب على سمر وياسر عند أخذ اقوالهما وعندما تستطيع ان تتكلم ان يصدق كل منهما على كلام جمال .. لأنه في هذه الحالة لن تلجأ الشرطة لأخذ اقوال أحد من الجيران ..
بعد قليل وصلت الشرطة واستفسرت من المشفى عن سبب البلاغ .. ثم بدأت التحقيق مع جمال في وجود جمال .. ولحسن حظه لم يتواجد أحد من الجيران بالمشفى .. فاكتفت الشرطة بأقوال جمال وتم التحفظ على صاحب السيارة الذى شهد جمال ان زوجته هي المخطأة .. فقد ظهرت امامه فجأة ولم يستطع ان يتفاداها ..

خرج الطبيب من غرفة العمليات .. جرى عليهجمال ونادر للاطمئنان على حالة سمر .. فابلغهم الطبيب بان حالتها خطرة وانهم اجروا لها عدة عمليات ولكن المشكلة قد تكمن في انها ربما تصاب بشلل ولن تستطيع السير حيث ان هناك إصابة قوية بالعمود الفقرى واصابة في الرأس .. علاوة على عدة كدمات وكسور بيدها ..
كان نادر قد تكلم مع سلمى وطلب منها الحضور الى المشفى .. هو فقط اخبرها بأن سمر قد أصيبت اثر حادث سيارة ..

لم تخبر سلمى ابنتها بما حدث لسمر .. فتحججت لها بان لديها اجتماع عاجل في العمل .. وصلت الى المشفى .. قابلت نادر وجمال .. ثم استفسرت على حالة سمر .. وكيف وأين أصابتها السيارة ..
لم يستطع جمال ان يتكلم .. فقد كانت سمر تخرج في هذه اللحظة من غرفة العمليات الى غرفة العناية المركزة فجرى ثلاثتهم اليها يطمئنوا عليها .. ثم ظل جمال أمام غرفتها ينظر اليها من نافذة حيث ان الأطباء منعوا دخول اى احد اليها فقد كانت حالته لاتزال خطيرة .. ..

في حين حكى نادر لسلمى القصة كما سمعها من جمال .. ولكنه قد لاحظ ان رد فعل سلمى تجاه مايحكى وتجاه شك جمال بوجود علاقة بين ياسر وسمر لم يكن طبيعيا .. فقد اعتقد ان ردة فعلها سوف تكون غير ما رأى منها .. كانت سلمى تسمعه وكأنه يتكلم عن شيء هي تعلم به مسبقا .. لذا سكت قليلا ينظر اليها ثم بادر يسألها متعجبا : سلمى .. مش عارف ليه مش حاسس انك متفاجئة بالكلام اللى بقولهولك .. انتى كنتى على علم باللى بين سمر وياسر ؟؟!!!! ..
انتبهت سلمى الى سؤاله .. فارتبكت قليلا ثم قالت له في هدوء : اسمع يا أستاذ نادر .. انا كل اللى يهمنى دلوقتى هو ابنى اللى ممكن يتحبس بسبب ست خاينة وكمان بنتى اللى قاعدة مقهورة على حالها بسبب زوج خاين .. ايوة .. انا من يومين بس عرفت العلاقة القذرة اللى بينهم .. كنت ناوية احكى لك .. بس بصراحة كنت مترددة .. عموما .. مش وقته دلوقتى .. احنا لازم نقعد ونتكلم بتفصيل اكتر .. أنا اهم حاجة عندى ان جمال يخرج من الموضوع ده من غير ما يتاذى بسببه ؟؟ .. فمن فضلك يا نادر .. أرجوك ساعد جمال .. وده حيبقى جميل ودين في رقبتى عمرى ما حنساهولك ابدا ..
نادر وهو مشفق على حالها .. ولكن أيضا يحركه حبه لها : متخافيش يا سلمى .. أنا مش ممكن ابدا اتخلى عن ولادك .. واوعدك انى اخلصه من الموضوع ده واخرجه منه من غير اى خسائر ..
سلمى وقد ذرفت دموعا قد امتلئت بها مقلتيها من القهر والضغط العصبى الواقع عليها منذ أن عادت من عشاءها مع نادر الى لحظة وقوفها بالمشفى تطمئن على ابنها قبل اى احد : أشكرك .. اشكرك يا نادر .. ربنا يقدرنى على رد جميك ده ..
نادر بلوم وعتاب : أهو ده بقى الكلام اللى ممكن يزعلنى منك يا سلمى .. من فضلك .. لازم تفهمى ان مفيش بينا جمايل ابدا .. دول ولادى زى ما همه ولادك .. متشليش هم .. متشليش هم يا سلمى .. وطول ما انا جنبك مش عايز اشوف اى دموع نازلة من العيون الحلوة دى ..
ابتسمت سلمى ابتسامة بسيطة بخجل وهى تمسح دموعها من فوق خديها .. ثم استأذنت نادر لتذهب الى ابنها لعلها تستطيع إقناعه ان يعود معه الى بيتها بعد ان يصحبا أولاده من فيلته باكتوبر ..

وقفت سلمى خلف جمال تنظر من النافذة على سمر بغرفة العناية .. تنهدت من قلبها اشفاقا عليها كإنسان أصابه مكروه بهذا الحجم .. ولكنها لم تشفق عليها كزوجة لابنها .. فهى كانت على يقين أن ما حدث لها انما هو عقاب الله لها على جريمة الزنا التي ارتكبتها .. ومع من .. مع زوج اخت زوجها .. صديقتها التي كانت من اقرب المقربين اليها .. حتى من قبل زواجها باخيها .. كانت تتسائل في نفسها .. كيف استطاعت ان تفعل هذا ..؟ .. اى جرأة ومن اين أتت بها .. تذكرت حينها ملبسها وسلوكها وطريقة كلامها .. علاوة على الاختلاط الفج بين نساء ورجال المجتمع الذى أحاطت نفسها به .. كل ذلك كان نتيجته الطبيعية أن تخطأ سمر بكل هذه السهولة .. سواء مع ياسر زوج ابنتها أو مع غيره .. تذكرت .. أن البيئة التي أتت منها لم تكن ملائمة للزواج من ابنها .. لذلك رفض والده ابن القرية المصرية وبشدة أن يتزوج ابنه من هذا الوسط .. ولولا إصرار ابنهما على هذه الزيجة ما كانت تمت بالمرة .. تتذكر سلمى في تلك اللحظة حديث الرسول الكريم " فاظفر بذات الدين .. تربت يداك " .. وسمر تلك خرجت من بيئة لا تعرف من الدين شيئا .. لا تصلى .. لا تصوم .. تلبس ملابس شبه خليعة تثير بها الرجال في اى مكان تتواجد فيه .. جل همها في السهر والرقص وحضور الحفلات ومجالس الغيبة والنميمة .. وجل اهتمامتها .. شكلها .. جسدها وشعرها والميك اب الذى تلطخ به وجهها ليل نهار .. علاوة على ملبسها المثير دائما ..
وضعت سلمى كفها على كتف ابنها وهى تقول : ان شاء الله ربنا يعافيها .. ياللا يا جمال ..
رد جمال عليها وهو واضعا كفه على فمه ينظر بأسى الى زوجته : ياللا على فين يا امى .. ازاى اسيبها وهى في الحالة دى ..
سلمى : يا بنى وقفتك دى مش حتعمل لها حاجة .. هي في العناية المركزة .. وان شاء الله نطمن عليها بالتليفون .. وأول ما تفوق نجيلها على طول .. بس احنا دلوقتى لازم نروح عندك البيت نجيب الولاد يقعدوا معايا ومع علا في البيت .. مينفعش نسيبهم مع الدادة لوحدهم .. لازم عنينا تبقى عليهم يا جمال علشان نبقى مطمئنين ..
جمال وما زال ناظرا الى سمر : أنا مش ممكن اسيبها الا لما اطمن انها فاقت وانها بخير .. من فضلك يا أمى سبينى هنا .. أنا مش ممكن اسيبها .. من فضلك تروحى انتى تاخدى الولاد والدادة عندك .. أنا حفضل معاها ..

لم تجد سلمى بدا من ان تترك جمال وتذهب الى الأولاد لتصحبهم الى بيتها .. فاخبرت نادر الذى عرض عليها ان يذهب معها ولكنها اخبرته ان اصطحاب الأولاد سوف يستغرق الكثير من الوقت .. وهى تعلم ان لديه شغله وعملائه الذىن من الصعب ان يتأخر عليهم ..
في النهاية .. أوصل نادر سلمى حتى ركبت سيارتها متجهة الى فيلا جمال .. وركب هو سيارته وانطلق به سائقه الى مكتبه ..

كانت سلمى تقود سيارتها وكل تفكيرها في علا وجمال .. فهى لا تعلم كيف ستخبر علا بخبر حادث سمر .. هل تخبرها الحقيقة وتضعها أمام الأمر الواقع حتى تفكر وهى على بصيرة بكل الغائب عنها فتصبح الصورة واضحة لها فتتخذ قراراتها وهى تعلم ابعاد الموضوع جيدا .. وان لم تخبرها اليوم .. فمتى تخبرها وهى تعلم انها سوف تعرف بامر سمر عاجلا أم آجلا .. وماذا تقول لها عندما يأتي أولاد جمال معها الى البيت ليبيتوا معهم ..

كان الأمر صعب جدا على سلمى .. والوقت ضيق .. والنفوس مضطربة .. لذا آثرت ان لا تفكر في الأمر .. وتترك كل شيء في حينه .. وهى ترجو من الله بقلبها أن يزيح عنها وعن أبنائها كل هذا الغم الذى هبط عليهم بين ليلة وضحاها .. تذكرت مصطفى .. فرجعت تذرف من مقلتيها دموعا لم تجف بعد سابقتها .. تذكرت مصطفى فقالت .. الله يرحمك يا مصطفى .. سبتنى اشيل كل الهم ده لوحدى ..

لا تدرى سلمى لمذا احست برغبة شديدة في تلك الحظات التي كانت تقود فيها سيارتها متجهة الى فيلا ابنها .. لا تدرى لماذا تذكرت خالد .. وشملها حنين عجيب لسماع صوته .. لذا .. لم تشعر بنفسها الا وهى تمسك بتليفونها وهمت لتطلب رقمه ......................

---------------------------------------------------------

بعد أن حسم قراره .. ظل أمجد يفكر في الأيام السابقة في ان يتزوج ويبدأ بداية جديدة في حياته .. كان يفكر كيف يخبر نيفين بقراره هذا .. الى أن جاء يوما وطلبته هي تليفونيا .. وعند روية اسمها يظهر امامه على شاشة تليفونه اضطرب كثيرا وأخذ قلبه يدق بشدة .. ربما كان يشعر بهذا في كل مرة يتسلم منها رسالة على الأيميل أو عندما تطلبه تليفونيا .. ولكن تلك المرة كان اضطرابة ودقات قلبه اشد واسرع .. ربما لشعوره بالذنب بأنه مقدم على شيء سوف يؤلمها ويؤلمه كثيرا ..
فتح الخط بينهما وقال بهدوء : ألو .. نيفين .. ازيك يا حبيبتى .. وحشانى .. واحشنى صوتك والكلام معاكى .. طمنينى عليكى وعلى ولادك .. كان أمجد في تلك اللحظات قد نسى تماما قراره في ان يخبرها بقراره .. لذا تكلم معها بهذه الطريقة .. الطريقة التى تعود ان يكلمها بها دائما .. الطريقة التى تلائم حبهما الكبير .. الذى ضحى من اجل ان يتمتع به ويتعذب فى نفس الوقت لسنوات طوال ..

ردت نيفين بصوت حنون يملئه الشوق اليه ولكن يشوبه بعض الحزن : وانت كمان يا أمجد واحشنى صوتك .. أنا كويسة والولاد كمان بخير .. طمنى أنت عليك يا حبيبى .. يا ترى أمورك كلها كويسة ..
أمجد وقد تذكر قراره فرد متلعثما : أنا بخير .. بخير يا نيفين .. وكنت لسة بفكر فيكى من شوية .. و ........
وقبل أن يكمل أمجد كلماته قاطعته نيفين بدون قصد وقالت : أمجد .. أنا كنت عايزة منك خدمة ..
أمجد بلهفة : خدمة ..!! انتى تؤمرى يا نيفين من غير ما تقولى خدمة .. كون إنى ألبى ليكى طلب ده يبقى من اسعد أيام حياتى .. انتى مش عارفة انتى ايه بالنسبة لى ؟!!
نيفين ومازالت نبرة الحزن تغلف كلماتها :عارفة يا امجد .. عارفة ..
أمجد بنفس الحماس : خير يا نيفين ايه اللى عايزاه منى ؟
نيفين بتردد : انت عارف كمال ابنى لسة مخلص جيش من كام شهر .. وهو بصراحة دور على شغل كتير هنا في البلد .. بس انت عارف ان فرص الشغل هنا قليلة أوى .. فيا ترى ممكن أطلب منك تشوف له شغل عندك في اسكندرية .. أنا قلت لك قبل كده انه خريج هندسة مدنية .. يعنى نفس تخصصنا .. يا ترى ده ممكن يا أمجد .. ؟؟
أمجد بسعادة : بس كده .. اعتبريه يا ستى انه اتعين خلاص في الشركة عندى .. انتى بس ابعتيه ليه هنا في الشركة وأنا حعينه فورا ..
نيفين : الموضوع مش بالسهولة دى يا أمجد ..
أمجد : وايه الصعب اللى فيها بس يا حبيبتى ..
نيفين : أن حببر له ازاى علاقتى بيك .. انت عارف اننا هنا في الصعيد صعب يكون لنا علاقات بزملاء الدراسة في الجامعة ..
أمجد متنبها : آه فعلا .. عند حق .. طيب ازاى حنعرفه بالشركة عندى .. سكت للحظات ثم قال : بصى يا نيفين .. أنا حنزل اعلان على النت انى محتاج تخصصات حديثى التخرج في الهندسة المدنية .. وابعت لك اللينك بتاع الإعلان .. وانت كأنك لقتيه وانتى بتتصفحى النت .. وبلغيه عنه وخليه يتصل برقم التليفون اللى حنزله في الإعلان .. ايه رأيك .. يا ترى الحل ده يناسبك ..
نيفين بفرحة : يناسبنى أوى .. متشكرة جدا .. متشكرة يا أمجد على مساعدتك ليه .. ومش حنسى لك معروفك ده ابدا ..
أمجد بلوم : وبعدين معاكى .. هو أنا مش لسة قايلك ان مجرد انى البى طلبك هو السعادة بعينها بالنسبة لى..
نيفين بنبرة سعادة : تمام يا سيدى عرفنا .. ثم تحولت نبرتها الى نبرة حيرة .. بس فيه لسة مشكلة بسيطة .. يا ترى كمال حيقعد فين في اسكندرية ؟ .. معلش يا أمجد .. بس انت عارف قلب الأم .. وأنا عايزة اطمن انه حيكون مستريح هناك ..
أمجد : يا ستى متشليش هم .. انتى بس سبيها على وأنا حدبر له كل شيء .. ومن غير مايشعر انه مميز عندى عن باقى الموظفين .. اطمنتى بقى يا حبيبتى ولا لسة ..
أكمل أمجد ونيفين بقية المكالمة ولم يستطع أن يخبرها بقرار زواجه والذى لا يعرف الى الآن كيف سيخبرها به .. أو حتى كيف وممن سيتزوج ..

لم يمر سوى ثلاث أيام على مكالمة امجد ونفين وكان امجد قد نشر اعلان الوظيفة في نفس اليوم الذى تكلم فيه مع نفين ..

كان امجد قد نص في الإعلان على ارسال السيرة الذاتية الى ايميل الشركة وكانت سكرتيرته تقوم بتجميع السير الذاتية التي تتسلمها وتقدمها كل يوم الى أمجد الذى كان يتفحص السير الذاتية ولا يجد فيها اسم كمال في اليومين الأولين .. وفى اليوم الثالث قدمت له السكرتيرة مجموعة جديدة طبعتها من على الايميل .. فوجد أمجد في هذه المجموعة اسم كمال .. فطلب من السكرتيرة أن تطلبه وتخبره بحضوره الى مقر الشركة بالإسكندرية لمقابلته بعد ان حدد لها ميعاد المقابلة بعد يومين ..

مر اليومين ووصل كمال أسعد الى مكتب أمجد الذى رحب به بطريقة بسيطة ثم اجرى له اختبار ابسط ليعلمه بعد ذلك انه تم قبوله في الشركة وان عليه أن يكمل باقى الأوراق المطلوبة للتعيين ويعود الى الإسكندرية .. كان أمجد قد جهز له برنامج تدريبى في البداية حيث انه حديث التخرج .. وأخبره انه سيقيم في استراحة الشركة التي تقع بمسافة قليلة من الموقع الذى سيعمل به وانه سوف يمضى ثلاث أسابيع عمل واسبوع راحة يمكن فيه ان يقضيه بالإسكندرية او يعود الى بلدته ليقضيه مع اسرته ..

طلب كمال والدته بمجرد خروجه من الشركة ليبشرها بتعيينه في شركة أمجد ثم عاد الى البلد مباشرة ليرتب نفسه ويعود الى الإسكندرية لبدأ مرحلة جديدة في حياته ..
بعد ان انهت نيفين كلامها مع ابنها .. طلبت أمجد على الفور لتشكره على معروفه مع ابنها ..
نيفين : مساء الخير يا أمجد ..
رد امجد باقتضاب نوعا ما : أهلا يا نيفين .. ايه اخبارك ..
نيفين بسعادة وخجل : انا طلبتك علشان اشكرك على تعيين كمال عندك في الشركة ..
أمجد : دى أقل حاجة اقدر اقدمها لك يا حبيبتى .. وتأكدى انى ححطه في عنيه ..
نيفين : عارفة يا أمجد .. عارفة انك حتعمل كده واكتر ..
أمجد بتردد : نيفين .. فيه موضوع كده كنت متردد اكلمك فيه من فترة .. بس ....
قاطعته نيفين بقلق : موضوع ايه يا حبيبى .. ؟
سمع أمجد منها كلمة " حبيبى " فخارقت قواه مرة أخرى وكان على وشك ان لا يفاتحها في موضوع زواجه من غيرها .. ولكنه تشجع والقى الجملة مرة واحدة دون ان يفكر : نيفين .. أنا قررت انى اتجوز..

دارت الدنيا حول نيفين التي كانت على يقين انها لن تسمع من امجد هذه الجملة ابدا ما عاشت .. ولكن لم تدور الدنيا بها هي فقط .. لقد دارت به هو أيضا .. كيف قالها .. كيف خرجت منه .. كيف هانت عليه نيفين وحب عمره الوحيد هكذا .. لم يصدق ما لفظ به لسانه .. أما هي .. فقد انهمرت الدموع من مقلتيها كما لم تنهمر طوال حياتها من قبل ..

طال الصمت بينهما الى أكثر من دقيقتين .. لا يعلم اى منهم ماذا يقول بعد ما قاله .. كان أمجد على وشك ان يقول شيئا عندما ردت نيفين أخيرا وهى تقول بأسى واضح على صوتها : مبروك .. مبروك يا أمجد .. ربنا يسعدك .. مع السلامة .. ثم أغلقت الخط ..

لم تستطيع نيفين ان تقول اكثر مما ردت به .. كانت تشعر انها تتألم بشدة من خبر زواجه .. هي تعلم ان زواجه منها في الماضى والحاضر والمستقبل هو المستحيل بعينه .. لكن كان يكفيها انها مازالت تشعر ان حبه يسرى في دماءها كما يسرى حبها في دمائه طوال هذه السنين .. أما اليوم فقد أحست بل ايقنت انه لم يعد حبه لها بهذا القدر .. فها هو سيتزوج غيرها باختياره ورغبته .. هي عندما تزوجت من غيره كانت قد وصلت الى سن العنوسة .. ولولا ضغوط ممن حولها ما فعلت ابدا .. أما هو .. فمن هو الذى يضغط عليه سوى نفسه التي خبا فيها حبه لها .. هو كذك الأمر كما رأته وشعرت به نيفين في تلك اللحظة ..

أما أمجد.. فقد ظل واقفا والتليفون على اذنه وقد شرد فيما فعله بنفسه وبها .. كان يتمزق من داخله عليها وعلى نفسه وعلى الحب الذى ضيعه في لحظة ضعف واقتناع بأن هذا هو الصواب وما يجب ان يفعله في الباقى من عمره .. هل هذا الثمن يساوى ضياع حب العمر كله ..؟ لا يدرى أمجد .. فقط شعر بأنه قد طعنها وطعن نفسه بسلاح واحد في لحظة واحدة لتسيل دماؤهما المحملة بحب كل واحد للآخر ولكن للأسف لن تلتقى هذه الدماء سويا مرة أخرى .. ولن يعود الأمر كما كان بينهما حتى وان عاد عن قراره هذا ..
-------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-06-20, 02:58 PM   #83

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

تعجبت من جمال

شافها بعيونه وكاد ان يقتلها ولما صدمتها السياره ذهب كل شيء مع الريح

ياسر اصبح موقفه صعب بعد انكشاف موضوع سمر

امجد نطقها وانتهى الموضوع

احسنت يابطل ... لان نيفين انانيه تعرف جيدا ان لامستقبل لكما معا ومع ذلك تستغله ابشع استغلال نربطه جنبها دون ان تدعه يرى حياته ويبني له حياة بعيدا عنها وتشغله بالكلام المعسول

واي شيء تحتاجه تطلبه منه واخرها عمل لابنها انا وجدت ان حركتها هذه استغلال لامجد

نادر سترتفع حضوضه بعد وقوفه بجانبهم بازمة جمال

بانتظار القادم


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 20-06-20, 11:04 PM   #84

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة um soso مشاهدة المشاركة
تعجبت من جمال

شافها بعيونه وكاد ان يقتلها ولما صدمتها السياره ذهب كل شيء مع الريح

ياسر اصبح موقفه صعب بعد انكشاف موضوع سمر

امجد نطقها وانتهى الموضوع

احسنت يابطل ... لان نيفين انانيه تعرف جيدا ان لامستقبل لكما معا ومع ذلك تستغله ابشع استغلال نربطه جنبها دون ان تدعه يرى حياته ويبني له حياة بعيدا عنها وتشغله بالكلام المعسول

واي شيء تحتاجه تطلبه منه واخرها عمل لابنها انا وجدت ان حركتها هذه استغلال لامجد

نادر سترتفع حضوضه بعد وقوفه بجانبهم بازمة جمال

بانتظار القادم
هى كذلك النفس البشرية .. ليس لها حدود فى المتوقع منها .. خصوصا اذا وقعت تحت ضغط أو اذا جذبت فى اتجاهين مختلفين .. وهذا ما حدث مع جمال وقتما اكتشف خيانة من أحب و هى زوجته وأم أولاده ولا تنسى انه فى البداية كاد ان يقتلها بيده بالفعل .. ولكن ربما تتفقى معى انه عندما شاهدها تصارع الموت حين صدمتها السيارة فالأمر اختلف حتى وان كان من الناحية الانسانية البحتة .. علمتنى الحياة ان لا احكم على الغير فلا يعلم مكنون النفس البشرية الا خالقها ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-06-20, 06:21 PM   #85

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل الثلاثون

رجعت اجلال وعبد القادر الى الفيلا .. وعندما كانت تنزل من السيارة أمام باب الاستراحة دون كلمة واحدة طوال الطريق أو حتى في السيارة قال لها عبد القادر : طيب حتى مفيش تصبح على خير ؟؟!!

التفتت له اجلال بوجه لا ينم عن شيء ولكن نظرتها كانت حزينة : تصبح على خير يا دكتور .. وعندما اقتربت من الاستراحة خرجت آية من الباب وهى تفتح ذراعيها الى اجلال التي ابتسمت لها ونسيت ما كان يحزنها ثم فتحت ذراعيها واخذت آية في حضنها تضمها اليها بشدة وكأنها تختبىء فيها أو تهرب من المجهول الذى ينتظرها اذا ما قررت ان تتزوج من عبد القادر وقبلت شروطه ..

نظر عبد القادر على المشهد الذى أمامه في سعادة بالغة .. كان يشعر ان اجلال هي الأم البديلة المناسبة لآية .. فكلاهما تعلقت بالأخرى كما توقع منذ البداية .. علاوة على تعلقه هو باجلال .. بل وبشدة .. لكنه بالرغم من كل هذا لم يكن على استعداد أن يتنازل عن أي شرط من شروطه .. عدم الانجاب .. وترك العمل ..

كان يعلم ان ترك العمل بالنسبة لاجلال لا يمثل لها مشكلة كبيرة فهى حتى وان لم تتزوج منه تستطيع بخبرتها ان تلتحق بالعديد من المشتشفيات وعيادات الاطباء الكبار .. لكن ان تمتنع عن الانجاب بكامل ارادتها أو رغما عنها .. فهذا هو الصعب بعينه .. فكل امرأة تريد أن تكون أما مهما كلفها هذا الأمر .. لكنه يعترف انه كان انانيا .. بل قاسى القلب في أن يحرمها من نعمة ومتعة الأمومة لمجرد ان ابنته الوحيدة مصابة بمتلازمة داون .. وبالرغم من انه قد فكر كثير وسأل نفسه .. وما ذنبها اجلال في أن تحرم من الأمومة لسبب مثل هذا .. فما دخلها هي بأمر آية وما هي عليه .. وأين القناعة بأمر الله والرضا بقدره وقضائه .. ان كثيرا من الأزواج يتمنون الانجاب حتى وان كان الوليد مثل آية .. وما هو عيب آية .. أليس في كثير من الأحيان هناك أناس يحسدونها على ما هي عليه .. بلى .. فهناك من البشر ممن يعانون في الحياة ومشاكلها وقسوتها عليهم يتمنون ان يكونوا في وضعها حتى لا يكونوا مكلفين بأعباء جمة مثل التي يعانون منها .. انها في النهاية نعمة من الله .. فلم يحرمها من نعمة الانجاب .. حتى وان كانت في ظروف آية .. كان يتردد في نفسه الا يكفى اجلال أن تتزوج من رجل بينها وبينه هذا الفارق الكبير من العمر ..
لطالما فكر عبد القادر كثيرا في هذا الكلام .. ولكنه في النهاية ظل على موقفه وهو يعلم أن الاحتمال الأكبر أن توافق اجلال على الزواج به وعلى شروطه .. فهو قد غمرها برعايته ومساعدتها مقدما .. ويعلم انها لن تجحد فضله عليها ..

ترجل عبد القادر من السيارة ومشى خطوات ليقترب منهما قائلا : الظاهر انها راحت عليك يا عبد القادر ..

التفتت اليه اجلال وهى ممسكة بآية تنظر اليها بحنان : لا طبعا يا بابى ..مفيش حد في الدنيا ممكن ياخد مكانك في قلبى .. مش كده يا آية يا حبيبتى .. ثم نظرت الى عبد القادر الذى نظر في عينيها بعمق قائلا بحنان : انتى .. انتى يا اجلال الانسانة الوحيدة اللى ممكن اسمح لك انك تاخدى مكانى في قلب آية ..

أحست اجلال بخجل شديد من نظرة الحنان ومن الغزل والشوق الذى يملأ عينيه .. فتقدمت منه خطوة واحدة وهى تجذب آية اليه برفق وتقول : آية حبيبتى .. يالا .. الوقت اتأخر .. انتى حتروحى مع بابى على ما أغير هدومى وآجى احكى لك جكاية جميلة ..

رفضت آية ن تذهب وردت عليها بطريقتها العفوية : لا .. أنا حفضل معاكى لغاية ما نروح سوا ..
نظرت الى اجلال الى عبد القادر ترفع كتفيها كأنها تقول له .. لا مفر من ارضاءها .. فقال لها عبد القادر وهو يضحك : جالك كلامى .. أنا حطلع اوضتى .. وانتى تعالى مع آية ومع الست فاطمة نتعشى سوا .. بدل العشا اللى حرمتينا منه ..
اجلال : حاضر .. اللى تشوفه يا دكتور ..
دخل عبد القادر الى امه في حجرتها .. كانت جالسة في سريرها .. ابتسمت عند رؤيته .. فقال لها عبد القادر : مساء الخير يا أمى ..
فايزة : مساء الخير يا حبيبى .. هه طمنى .. عملت ايه .. وافقت ؟
عبد القادر : هي بصراحة مردتش على .. افتكر محتاجة وقت تفكر .. الموضوع مش هين برضه ..
فايزة وكانها لم يعجبها ما يقول : ليه يا حبيبى مش هين .. هو انت شوية .. انت الف مين تتمناك يا حبيبى .. حتوافق .. باذن الله حتوافق .. وبكرة تقول امى قالت ..
عبد القادر مهموما : ان شاء الله يا أمى .. ان شاء الله ..

شرد عبد القادر قليلا في عدد السيدات التي حاول أن يرتبط بهم بعد وفاة زوجته بعامين .. تذكر ان جميعهم قد رفض .. فمنهم من رفض بسبب حالة ابنته .. ومنهم من رفض للشروط التي وضعها لاجلال .. وآخرهم اخت الدكتور سامى ذات التسع والثلاثون عاما والتي لم يسبق لها الزواج من قبل .. والذى ظل سامى يقنعه بها حتى وافق ان يتعرف عليها .. كانت متوسطة الجمال .. تعمل طبيبة تحاليل ولديها معمل خاص .. قابلهاعدة مرات واتفقا على كل شيء .. ولكنها عندما علمت ان لديه ابنة مصابة بمتلازمة داون رأى في عينيها نظرة امتعاض جعلته ينفر منها ولكنه أعطاها فرصة حتى يرى طريقة تعاملها مع ابنته .. فهى الجزء الأهم بالنسبة له في موضوع الزواج ..
في أول لقاء وكان بالنادى .. استطاعت اخت سامى أن تتقن تمثيل انها مرحبة بآية وعاملتها بود .. ولكن عبد القادر أراد ان يتأكد من تصرفاتها معها وهى منفردة بها فاستاذن منها بانه ذاهب الى الحمام .. اخذ يراقبها عن بعد وشاهد ما توقعه منها .. فهى بمجرد ان غاب عن اعينها ابتعدت عن البنت وبدأت في استخدام الموبايل .. اقتربت منها آية لتشاهد ما تفعله بالموبايل .. فما كان منها الا انها نهرتها بشدة ودفعتها بيدها لتجلس .. هنا ظهر عبد القادر بسرعة وحضن ابنته ثم ذهب بها من امامها دون ان ينطق بكلمة واحدة ولكنه رمقها بنظرة قال فيها كل ما يمكن أن يقال ..
حاول سامى بعد ذلك ان يبرر له ما حدث .. وان وجهة نظر اخته انها لم تنهرها ولكنها حاولت تقويم سلوكها على أساس ان هذا هو جزء من مسئولياتها مع آية بعد ان تصبح زوجته ..
لم يقتنع عبد القادر .. واعتذر لسامىى عن اكمال مشروع الزواج ..

كان عبد القادر هو الوحيد الذى يعلم لماذا كان سامى يسيء لسمعة اجلال ويحاول ابعاد عبد القادر عنها ..

تنبه عبد القادر بعد لحظات من شروده عندما سمع صوت آية بالأسفل .. فقال لأمه : طيب يا ست الكل أنا نازل اقعد مع اجلال وآية .. اصل آية زى ما انتى عارفة مش بتنام غير على قصص اجلال .. بس احنا حنتعشى الأول .. مش حتيجى تتعشى معانا ؟
فايزة : لا يا حبيبى اتعشوا انتم .. انا بتعب لما اتعشى وانام ..
عبد القادر : اللى يريحك يا أمى .. بس على فكرة .. الست فاطمة جايه معاهم ..
فايزة : لا كده بقى أنا ممكن انزل اقعد معاها شوية .. انا مش بشبع من كلامها وخفة دمها والأمثلة اللى بتقولها عمال على بطال طول ما هي بتتكلم .. قاموس أمثلة .. ما شاء الله ..
ابتسم عبد القادر وكان في غاية السعادة لانه احس انه على وشك تكوين عائلة كبيرة الجميع فيها على حب ووفاق ..

مر يومان كانت اجلال تعمل فيهم مع عبد القادر في عيادته في صمت .. لقد فكرت كثيرا في طلبه ولكنها لم تصل الى قرار بعد .. وكالعادة .. تصارع القلب والعقل كل لحظة خلال اليومين .. فالقلب يأمرها أن توافق على الزواج من عبد القادر وليكن عدم الانجاب هو الثمن الذى تدفعه مرغمة لحياة الرفاهية التي ستعيشها .. وفى النهاية فهى لديها آية التي ستصبح ابنة لها .. فهى حقا تحبها ولا تجد في حالتها ما يعيبها .. بل على العكس حالتها تلك قد تعتبر ميزة لها .. فهى ستتعامل مع قلب طيب بريء لا يعرف المكر أو الغل والحقد وجميع الصفات السيئة التي قد تتصف بها الفتيات في مثل هذا العمر .. أو أحيانا يتصفن بأسوء الصفات بطبيعتهن .. فالبنات في كثير من الأحيان يغرن على آبائهم من امهاتهم اللاتى يلدهن .. فكيف تكون تصرفاتهن ومشاعرهن تجاه زوجة الأب ..؟!! .. بالتأكيد كانت لتعانى أشد المعاناة ان كانت آية فتاة طبيعية ..
أما العقل فانه يحاول اقناعها بأن عبد القادر لم يرغب في الزواج منها سوى لحاجته لأم بديلة ترعى ابنته .. وقد وقع الإختيار عليها فقط لتعلق آية بها بعد أن أظهرت للجميع وبالأخص آية أن حنانها نابع من قلبها والا ما السبب الذى يجبره على ان يتزوج ممن في مستواها ..؟!!

كان عبد القادر يتحين الفرصة ليسألها عن قرارها بخصوص طلبه للزواج بها .. فعندما انصرف آخر مريض بالعيادة .. قال لها : تعبتى النهاردة يا اجلال .. علشان كده انا حكافئك ..
ابتسمت اجلال ابتسامة واهية : لا ابدا يادكتور .. أنا كويسة .. مش تعبانة ولا حاجة ..
عبد القادر : آه .. افهم من كده انك بترفضى المكافئة بشياكة ..

أحست اجلال بالحرج من تعليقه .. فابتسمت بخجل : ياخبر يا دكتور .. هو أنا اقدر !!
عبد القادر مبتهجا بردها : طيب يا ستى .. كتر خيرك انك جبرتى بخاطرى وحتقبلى مكافئتى .. شوفى بقى .. احنا بعد تعب النهاردة ده .. أنا عازمك على العشا في مكان حيعجبك جدا ..

اضطربت اجلال من المفاجأة .. لقد أصبحت بعد دقائق مطالبة بان ترد على طلبه .. والا لماذا يقوم بدعوتها على العشاء .. لابد انه سيطلب ردها على طلبه للزواج منها .. وهى ليست مستعدة بعد .. فردت بتردد : طيب وايه لزوم العشا بره .. وبعدين احنا كده حنتأخر على آية وهى بتستنانى علشان احكى لها قصة قبل النوم ..
عبد القادر : متشغليش بالك بآية .. هي مش حتنام الا لما ترجعى وتحكى لها القصة .. وبعدين أنا مصر على العشوة دى ..

لم تجد اجلال بدا من ان ترضخ لدعوته .. فاتجها بالسيارة الى أحد مطاعم أكبر الفنادق ..
ترجلت من السيارة ثم دخلت الى جواره الى بهو الفندق فنظرت الى ملبسها ثم وضعت يدها على صدر البلوزة التي ترتديها وكأنها تداريها من عيون حارس باب الفندق وزواره ..

بعد لحظات من السير في اتجاه مطعم الفندق .. ازداد توترها وبدأت تتعثر في مشيتها من خجلها من ملابسها .. فلاحظ هو التوتر باديا عليها حين التفت اليها يكلمها فقد بدا هذا واضحا من حمرة الخجل بوجهها وعلى مشيتها حيث تأخرت عنه خطوتين .. فقال لها : مالك يا اجلال .. فيه حاجة تعباكى ؟ ..
اجلال بتلعثم وتوتر واضحين : لا أبدا .. أنا كويسة ..
عبد القادر مستنكرا ان تكون فعلا بخير.. وكان واضحا فزعه عليها : امال ليه مرة واحدة اتغيرتى ووشك احمر بالشكل ده والتوتر باين عليكى .. لو تعبانة قولى .. احنا ممكن نروح اقرب مستشفى .. أو اكلم دكتور من زمايلى ييجى البيت يكشف عليكى ..
اجلال وهى تحاول طمئنته : صدقنى يا دكتور أنا كويسة .. مفيش حاجة .. كل الموضوع انى حسيت ان هدومى اللى لابساها مش مناسبة للمكان مش أكتر ..
ابتسم عبد لقادر وقال لها : أنا اللى آسف .. كان لازم آخد بالى من الموضوع ده .. أعذرينى .. سكت للحظة وهو يضع يده على جبهته يفركها ثم قال لها : اسمعى .. تعالى نخرج من هنا .. أنا افتكرت حاجة عايز اجيبها ..

خرج الاثنان من باب الفندق فتنفست اجلال الصعداء وكأنها قد خرجت للتو من مأزق شديد ..
شاور عبد القادر للعامل الذى أعطاه مفتاح سيارته فأومأ العامل برأسه وبعد خمس دقائق كانت السيارة امامهم من جديد .. فقال لها عبد القادر : اركبى العربية .. حنروح نجيب حاجة ضرورية الأول .. بس مش عايزك تحملى هم اننا حنرجع تانى هنا نتعشى ..

لم تفهم اجلال ماذا يدور بخلده ولكنها اكتئبت قليلا لانها سوف تضطر ان ترجع الى نفس الفندق بنفس الملابس وتخوض التجربة للمرة الثانية في هذا اليوم ..
بعد عشر دقائق .. وقف عبد القادر بسيارته امام محل كبير يعرض ملابس حريمى في غاية الرقة والثمن الباهظ .. فدعاها الى الدخول معه الى هذا المحل .. وفى الداخل طلب منها ان تختار ما تشاء من ملابس تعجبها..

في البداية رفضت بشدة .. ولكن مع ضغطه عليها والحاحه واصراره على ان تختار الملابس .. وافقت اجلال في النهاية بشرط ان ترد له ثمن الفستان الذى ستختاره .. لكنه بالطبع وافق فقط حتى ترضى ان تفعل ولكن في قرارة نفسه لن يأخذ منها ثمنه ..

بعد ان اختارت احد الفساتين والذى كانت قد اعجبت به كثيرا من أول لحظة شاهدته في فاترينة المحل عندما نزلت من السيارة .. شاهده عليها عبد القادر وهى تخرج من حجرة قياس الملابس .. لم يصدق نفسه من جمال طلتها بهذا الفستان .. يعلم انها جميلة بطبيعتها .. ولكن الفستان غالى الثمن قد اضفى عليها جمالا آخر .. وزادها بهاءا فوق بهاءها .. فابتسم لها ابتسامة اعجاب ورضا وطلب منها عبد القادر أن تظل مرتدية إياه ..

كان عبد القادر قد طلب من البائعة التي كانت تصاحبهم اثناء اختيار اجلال للفستان فستانا آخر قد اعجبه هو وعدة أطقم من الملابس للصباح وأخرى للمساء وطلب منها أن تجعل أحد العمال يضعهم بالسيارة ..

أنهى عبد القادر واجلال الشراء من المحل ودخلوا بعد ذلك الى محل الأحذية والشنط وفعل فيه مافعله في محل الملبوسات .. ثم انطلقا عائدين الى الفندق من جديد ..
دخلا الى الفندق ولكنها في تلك المرة كانت واثقة من خطواتها تمشى الى جواره تقفز قفزا وكأن الملابس الجديدة والحذاء والشنطة قد اضفوا عليها روحا أخرى .. روحا مفعمة بالثقة والانظلاق وحب الحياة ..

ارشدهم جرسون المطعم الى احدى الطاولات في ركن بعيد هادئ بالمطعم .. وبعد ان جلسا بدقائق قليلة جاءهم جرسون آخر بقائمة الطعام والمشروبات .. ثم تركهم دقائق وهو ينظر إليهم من بعيد في انتظار أن يشاور له عبد القادر ..
حدد عبد القادر اختياراته بسرعة .. في حين كانت اجلال محتارة في الاختيار .. فقال لها عبد القادر بود : شايفك محتارة .. تحبى اساعدك في الاختيار ؟
ردت بهدوء وخجل : بصراحة أنا مش فاهمة اى حاجة من انواع الأكل الكتيرة اللى مكتوبة هنا .. ممكن اطلب زى ما حتطلب انت ..

ابتسم وهو يقوم من على الكرسى الذى امامها ليجلس على الكرسى الآخر بجوارها ويقترب من قائمة الطعام وبدأ يشرح لها أنواع الطعام المعروضة بالقائمة فى هدوء وتروى .. ثم قال لها : هه يا ستى ايه بقى اللى عجبك من الأكلات دى ؟ ..

كان وجه اجلال وهو يشرح لها قد عاد الى الاحمرار من جديد .. ولكن هذه المرة كان بسبب قربه الشديد منها ومعاملته الرقيقة التى أثارت أنوثتها وجعلتها تشعر من جديد بمشاعر كادت ان تنساها .. ولكنها فى النهاية تماسكت واختارت احد الأكلات حتى تنهى هذا لموقف المخجل ..
ذهب الجرسون بعد ان حدد له عبد اللقادر الطلبات وعاد بعد خمس دقائق بأكواب العصير .. لينتظرا الطعام ..
في هذه الأثناء نظر عبد القادر في عيون اجلال وقال لها : ياترى فكرتى في اللى طلبته منك من يومين يا اجلال .. ؟

كانت اجلال تعلم انه لابد انه سوف يفاتحها في هذا الموضوع هذا المساء .. لذا لم تتفاجأ بسؤاله ولكنه اطرقت برأسها وهى تقول : بصراحة فكرت .. بس موصلتش لقرار ..
عبد القادر وقد صدمه الرد قليلا وكأنه يقرر أمرا : يعنى فيه أمل..
نظرت له اجلال ولم ترد ولكن عينيها قد اعطته الإجابة .. فهى كانت تتأمله على غير العادة .. ففهم من عينيها انها تعطيه الأمل .. لذا اردف يقول : طيب اعتبرينى حد تانى غير عبد القادر .. اعتبرينى مثلا .. ماجدة .. أنا بحس انها قريبة من قلبك ..
قاطعته اجلال : فعلا .. الريسة ماجدة قريبة أوى من قلبى ..
عبد القادر : تمام .. أنا بقى دلوقتى ماجدة .. مش عبد القادر ..
ابتسمت اجلال مستنكرة مايقول .. ولكنه أكمل كلامه : قولى لى بقى يه اللى جواكى .. يا ترى خايفة .. ولا مترددة .. ولا فيه حد تانى .. وبفكرك انا مش عبد القادر خالص .. وعايزك تاخدى راحتك وتقولى كل اللى بتفكرى فيه بدون خجل وبدون تردد .. وصدقينى .. أنا حساعدك في اتخاذ القرار من غير تحيز لعبد القادر واللى هو عايزه .. لأنى عارفه كويس انه مش ممكن يقبل يتجوز الا من واحدة مقتنعة بيه ميه في المية ..

كانت اجلال تنظر اليه تحاول ان تستوعب ما يقوله .. ولكنه كلماته كانت مشجعة لها بالقدر الذى يجعلها تتكلم معه بكل صراحة ووضوح فقالت بعد أن ترددت قليلا : بصراحة .. أنا لو لفيت الدنيا دى كلها مش ممكن الاقى حد زى حضرتك .. في طيبتك وحنيتك واخلاقك .. وعرضك للجواز منى ده بالنسبة لى حلم مكنتش اجرؤ إنى حتى احلمه .. سكتت قليلا ثم اردفت بتلعثم : لكن شرط عدم الخلفة وانجاب أولاد هو اللى مخلينى مترددة .. مش علشان انى زى اى ست نفسها تكون أم وبس .. لكن علشان انا حسيت انك بجوازتك منى انك عايز أم بديلة لآية مش أكتر .. انت خايف انى لو خلفت أهتم بابنى او بنتى وأهمل آية .. وساعات بفكر انك فعلا خايف من ان ابننا يتولد زيها ..

سكتت اجلال قليلا ثم قالت .. بصرحة .. أنا مش حاسة انى حكون مستريحة .. وخايفة انى بعد فترة مقدرش احافظ على الشرط ده وأحن لأنى أكون أم .. بس ده لو حصل أنا مش ممكن أهمل آية ابدا .. لأنى فعلا بحبها من قلبى .. أما بالنسبة أن المولود يكون زيها .. فأنا راضية بكل اللى ربنا بيكتبه لنا .. ومش شايفة انها مشكلة بالمرة ..

كان عبد القادر يستمع اليها ولكنه غير مقتنع بالمرة من انها متقبلة لأمر ان يكون لها وليد من متلازمة داون أو من ذوى الاحتياجات الخاصة .. ولكنه لم يفكر أبدا ولم يخاف من انها بمجرد ان تنجب سوف تهمل آية .. لم يخطر على باله مثل هذه الأفكار .. ربما لثقته في حبها لآية ..

رد عليها عبد القادر بعد أن صمت كثيرا : أنا زى ما أنا مستوعب اد ايه انتى بتحبى آية .. مستوعب مخاوفك واللى نفسك فيه .. ومفكرتش ابدا ولو للحظة واحدة انك ممكن تتغيرى بالنسبة لآية لو خلفتى .. بس يا اجلال انتى معشتيش اللى أنا والمرحومة مامة آية عشناه .. ولا تعرفىى يعنى ايه يكون عندك ابن أو بنت بالشكل ده .. وكل اللى حواليكى بيعاملوه ويعاملوكى على انك فيكى او فيه شيء مش طبيعى .. على انك منقوصة أو فيكى عيب .. شعور مؤلم جدا على ضناكى وعلى نفسك .. وهو ده اللى مش عايز اعيشه مرة تانية ولا عايزك انتى كمان تعيشيه .. انتى بتقول انك حتكونى راضية لو ربنا رزقك بمولود زيها .. صدقينى اللى على البر دايما عوام .. لكن لما بينزل البحر بيعرف اد ايه هو ممكن يكون متعب وغدار .. سكت للحظات ثم قال : أما بالنسبة لأنى عايز اتجوزك علشان تكونى ام بديلة لآية وبس .. فالكلام ده غير صحيح بالمرة .. لأنى .. لأنى معجب بيكى من زمان .. من أيام ما كنتى طالبة عندى فى المعهد ..

كانت اجلال تستمع اليه وهى مطرقة برأسها الى الطاولة .. ولكنها عندما سمعته يقول انه كان معجبا بها منذ ان كانت طالبة بمعهد التمريض نظرت اليه متعجبة مما يقول فسكت عبد القادر للحظات ثم قال : أيوة يا اجلال أنا كنت ومازلت معجب بيكى .. ويمكن دلوقتى اتحول الاعجاب الى حب .. وحب كبير كمان بعد ما لمست فيكى جوانب انسانية مكنش ممكن اعرفها عنك الا لما اقرب منك واتعامل معاكى وأعرف اد ايه انتى انسانة طيبة وحنونة ..أنا لما رجعت من الإعارة وشوفتك من جديد وعرفت انك انفصلتى عن جوزك اتمنيت انى اتجوزك .. لكن كنت متردد بسبب فرق السن اللى انتى ممكن متوافقيش عليه .. وكمان بسبب ظروف آية ..

سكت عبد القادر على امل ان يكون قد اقنعها بوجهة نظرة وان تكون قد زالت مخاوفها .. ولكنها
ردت بعد لحظات كان فيها قلبها ينبض بشدة بسبب اعترافه بحبه لها .. فقالت بكل هدوء : الكلام اللى حقولهولك ده يا ريت تفهمه زى ما حقوله ومتفكرش فيه من اى ناحية تانية لأنه ملوش تفسير وغرض غير اللى حقوله وبس .. سكتت مترددة ثم قالت بثبات : حسب ما عرفت من خالتى من كلامها مع والدة حضرتك .. أنك بعد عمر طويل لك وليها .. الواصى على آية حيكون ابن عمتك .. ترددت اكثر ولكنها اكملت .. وانه يعنى انسان مش كويس .. ده حسب وصف مامتك .. يا ترى لو اتجوزنا ونفذت شرطك بعدم الخلفة أنا إيه اللى حقدر اعمله معاه علشان احمي آية من طمعه واى صفة حتكون ليه لو لا قدر الله بعد عمر طويل لك وللست الوالدة .. أنا يا دكتور خايفة على آية أكتر من نفسى .. انت في الوقت ده يمكن حتكون امنت لى مستقبلى بمبلغ كويس أعيش منه مرتاحة .. لكن المسكينة دى حيكون ايه مصيرها مع انسان زى ده .. ياترى حضرتك فكرت في الموضوع ده .. وده احتمال وارد .. أنا عارفة ان كلامى ممكن يتفهم بصورة تانية .. بس ربنا يشهد على ان كلامى نابع من خوفى على آية .. مش حنكر انى كأى ست نفسى أخلف ويبقى عندى ولاد .. لكن السبب الأهم للخلفة هو انى حيكون ليه صفة في حياة آية بوجود أخ أو أخت لها ..

لم يكن عبد القادر يدرك أو يفكر من قبل فى هذا الموقف الذى كان يمكن لإبنته ان تكون فيه اذا توفى الا بعد ان سمع الكلام الذى قالته اجلال للتو .. فأطرق برأسه يفكر مليا فيما قالته .. ووجد أن كلامها صحيح .. ومعها كل الحق فيما تقول ..

ظل شاردا لدقائق لا يتكلم .. ولم يقطع شروده الا الجرسون آتيا باللطعام ليضعه امامهم على الطاولة ..

كان عبد القادر يتناول عشاؤه في صمت .. لا يزال يفكر في كلام اجلال .. وتقريبا لم يتناول الا القليل من طعامه .. وكذلك اجلال التي كانت تخشى صمته فوق خشيتها من ان يفهم كلامها خطاءا ..

علم عبد القادر ان اجلال ليست جميلة وانسانة طيبة وحسب .. بل هي أيضا تمتلك عقلا راجحا .. فهاهى تفكر في احتمالات في غاية الأهمية .. كان هو الأولى ان يفكر فيها .. هى على صواب .. فما الذى قد يحدث لآية اذا ما رحل هو عن الدنيا وتركها تحت وصاية إبن عمته هذا الذى ليس لديه ذرة ضمير .. بالتأكيد سوف تضيع الإبنة المسكينة ..

شعر عبد القادر بالخوف الشديد لمجرد أن تذكر شيء مثل هذا .. شعر بأنه يخاف أن ينقضى أجله ويترك آية فريسة لهذا الذئب .. ادرك انه كان مخطئا عندما وضع شرط عدم الانجاب في حالة زواجه من اجلال أو من غيرها .. لذا أول ما فكر فيه هو سرعة إتمام الزواج منها بدون هذا الشرط .. بل أصبح هو من يتمنى أن ينجب منها وفى اسرع وقت ممكن ...

أخيرا تكلم عبد لقادر وقال : لو قلت لك يا اجلال انى تراجعت عن شرط الانجاب .. توافقى على الجواز منى ..؟؟

---------------------------------------------------------

اطمئن اشرف على ايمن بعد الجراحة .. فغادر ومعه ورنيم و رغد من أمام غرفة العناية المركزة التي كان يرقد فيها أيمن بعد الجراحة .. واتجه الثلاثة الى المصعد .. فضغط أشرف على زر المصعد وبعد ثوانى معدودة يفتح باب المصعد ليبتسم اشرف لأمير الذى كان صاعدا بالمصعد ....

كان أمير قد وصل الى المشفى يريد أن يطمئن على ايمن بعد الجراحة وفوجئ بوجود رغد .. فأحس بأن الصورة قد اكتملت امامه وتأكد من مشاعرها تجاه أيمن .. خاصة عندما نظر الى عينيها فوجدهما شديدتى الاحمرار من البكاء .. بل وجهها كله يدل على انها بكت كثيرا .. فلم تبكى رغد في موقف كهذا .. ولم جاءت من الأساس الى المشفى .. بالتأكيد جاءت لتطمئن عليه وتكون بجواره في هذا الظرف العصيب .. أحس أمير بغصة في قلبه .. كان ينظر اليها وقلبه يتمزق من فقدانها وهى أمامه تقف باكية على حبيب آخر .. لكنه تماسك وحاول أن لا يظهر شيئا مما يجول بقلبه وخاطره ..

أحست رنيم أن الموقف محرج .. علمت من نظرات أمير لرغد أنه فعلا يكن لها مشاعر خاصة .. لكنها في نفس الوقت شعرت بالحرج لوجود رغد بالمشفى .. فأرادت أن تخفف من وطئة الحرج الذى شمل المكان فقالت بتلعثم : أهلا يا أمير .. انت جاى تتطمن على أيمن ..؟ هو بخير .. كان المفروض نوصل رغد للجامعة في سكتنا .. بس للأسف الوقت سرقنا وانشغلنا مع أيمن قبل ما يدخل العملية .. معلهش يا رغد سامحينا .. ضيعنا عليكى مشوارك ..
كان أمير يردد بداخله .. يا ليتك تصمتين يا رنيم ولا تحاولى تبرير وجودها هنا .. فانما تبريرك يزيد من تأكدى أنها هنا لأنها تحبه ..

نظر أمير الى رغد فوجدها تحاول جاهدة أن تخفى ملامح البكاء من على وجهها وعيونها .. فقال مستهزءا : واضح ان المشوار اللى ضاع على رغد كان مهم جدا لدرجة أنها تبكى علشانه ..

شعر أشرف ورنيم وأيضا رغد بسخرية أمير الواضحة وملامح الغضب التي تصاحب سخريته .. فهم أشرف بالكلام ولكن رغد قد سبقته وردت بثقة وإباء .. لا يا أمير .. المشوار مكنش مهم ولا حاجة .. كل الموضوع انى أيمن صعبان عليه .. علشان كده بكيت ..

نظر أشرف ورنيم اليها غير مصدقين ما تفوهت به للتو .. فهاهى تقريبا تعلن أنها تكن عاطفة ما لأيمن ..لذا أراد أشرف ان ينهى هذا الجو المشحون فقال : على فكرة يا أمير .. أيمن دلوقتى في العناية المركزة يعنى مش حتقدر تشوفه الا من شباك العناية .. عموما والده معاه .. الدكتور قال ان ده اجراء طبيعى بعد العمليات اللى بالشكل ده .. ولازم يمر عليه أربعة وعشرين ساعة في العناية لغاية ما الحالة تستقر .. بس عموما هو طمنا ان العملية ناجحة باذن الله .. لو تحب ممكن ترجع معانا ..
رد أمير : لا .. أنا حطمن عليه وبعدين امشى .. أنا معايا عربيتى .. ممكن تروحوا انتم .. ثم عاد الى سخريته من جديد .. يمكن رغد تقدر تلحق مشوارها .. يا للاعلشان معطلكمش اكتر من كده ..
لم ترد رغد .. ولم تنظر اليه .. ولكنها توجهت الى المصعد وضغطت على زره بعصبيةواضحة ليصد المصعد من جديد ثم دخلت فيه وهى تقول بنرفزة : ياللا يا رنيم .. احنا اتأخرنا ..
دخلت رنيم ثم تبعها أشرف وهما يقولان : سلام يا أمير ..

ضغطت رغد على زر الهبوط فانغلق باب المصعد وأمير ينظر اليها بنظرة كلها لوم وعتاب وهى تنظر اليه بضيق ثم أشاحت بوجهها تنظر الى سقف المصعد قبل أن ينغلق باب المصعد مباشرة .. ليودعها أمير للمرة الأخيرة بعينيه ..

ظل أمير واقفا مكانه ينظر الى باب المصعد .. يلوم نفسه ويسألها لماذا تصرف بهذه الطريقة .. لماذا لم يتحكم في نفسه ولم يضبط مشاعره .. فهو ليس من شيمه ان يتهكم على أحد بهذه الطريقة .. لقد ضاعت منه رغد من قبل أن يصارحها بحبه له .. فلماذا يضايقها على أنها أحبت سواه وهى لم تخطأ بحقه .. ولا تعلم انه يكن لها كل هذا الحب الذى يعصر قلبه عصرا كلما رآها أو حتى تذكرها .. انما العيب عنده .. هو من أخطأ أنه لم يصارحها منذ بدأ يشعر بحبها يملأ قلبه .. وتركها لا تعلم عن مشاعره لها شيئا حتى خطف أيمن قلبها ..

مرت دقائق من اللوعة .. ثم لم يجد أمير بدا .. فقد انتهى أمر رغد وأصبح من الصعب أن تكون له .. كما هو من الصعب ايضا أن تغادر قلبه بسهولة .. فاتجه الى حيث يقبع أيمن .. غريمه الذى لا يعلم هل يشفق عليه بسبب ما يمر به الآن من مرحلة حرجة في حياته ويحتاج لدعاء كل من يعرفه .. أم يحقد عليه لأنه خطف منه حبيبته .. ؟

لاحظ أمير والد أيمن يقف أمام نافذة غرفة العناية يتطلع الى ابنه وقد شحب وجه الرجل من الخوف والقلق عليه .. فاقترب منه ثم قال : السلام عليكم يا أنكل .. حمد الله على سلامة أيمن .. أنا أمير أخو أشرف .. طمنى على أيمن ..

نظر اليه حسين ودموع عينيه لا تبارح مقلتيه وقد بدا عليه الاجهاد والتعب والحزن وكأن عمره قد زاد عشر سنوات في يوم وليلة ثم قال : أهلا يا أمير يابنى .. أيمن بخير .. ان شاء الله حيقوم بالسلامة .. بس انت ادعيله ان النهاردة يمر على خير ..
أمير وهو مشفق على حال الرجل : ان شاء الله .. ان شاء الله يا انكل يقوم بالسلامة وربنا يطمنك عليه ويحفظهولك ..
حسين بانكسار : تسلم .. تسلم يا حبيبى .. اتفضل .. اتفضل استريح ..

جلس أمير بجوار حسين على كرسيين أمام غرفة العناية .. فظل حسين متكئا بمرفقيه على ركبتيه واضعا وجهه بين كفيه يدعو لإبنه ويستغفر الله ..

أراد أمير أن يخرج الرجل ولو قليلا من حزنه الذى يكاد أن يفتك به .. فقال له بهدوء : تسمح لى يا انكل انا حغيب عليك عشر دقايق ..

لم ينظر اليه حسين .. ولكنه أومأ برأسه فقط .. فغادر أمير الى بوفيه المشفى وأحضر مجموعة من الساندوتشات والمشروبات وعاد اليه بعد قليل .. وقال له : اسمع بقى يا انكل .. أنا تقريبا مفطرتش لغاية دلوقتى .. وجعان جدا .. ومش حآكل أي شيء من الأكل ده لو حضرتك رفضت تآكل معايا .. وارجوك ما تكسفنيش .. انت أكيد زيي .. مأكلتش حاجة من بدرى ..
نظر اليه حسين وهو يقول له مبتسما من خلف الحزن الذى كسا ملامحه : تسلم يا أمير يا بنى .. صدقنى أنا ماليش نفس للأكل .. بس علشان خاطرك وتصرفك الجميل ده .. أنا حآخد سندوتش واحد لانك تعبت نفسك ..

أخذ أمير وهو يتناول الطعام هو وحسين المبادرة في جر حسين الى أحاديث جانبية لعله يخرجه ولو قليلا من التفكير في أمر أيمن .. فقال : هو حضرتك معندكش غير أيمن ؟
حسين : فعلا يا أمير .. أيمن هو ابنى الوحيد .. خلفته في بداية الجواز .. وبعد كده امه كانت خايفة على قوامها وجسمها وكانت بترفض بشدة انها تجيب أولاد تانيين .. وحرمت أيمن من انه يكون له أخ أو أخت طيبين زيك كده .. بس بعد ما انفصلنا واتجوزت من واحد تانى خلفت منه اتنين ..

أخذ حسين يتكلم عن حياته وعن ما مر به في الدنيا فحكى لأمير كيف تزوج من أم أيمن بعد قصة حب عنيفة .. وكيف وقف أمام الدنيا وتزوجها ضد رغبة والده .. لأنها لم تكن من نفس طبقته .. هو تعرف عليها أيام الجامعة وأحبها حبا كبيرا .. وهى أيضا فعلت .. كان يراها كالفراشة الجميلة المنفتحة على الحياة .. الكل يحبها لجمالها وخفة ظلها .. كم كانت واثقة من نفسها وتبعث البهجة أينما تواجدت .. كان يظن حينئذ انه قد امتلك السعادة المنشودة بزواجه منها وأن ذلك الحب لن ينتهى أبدا .. لكن اختلاف الطباع بينها وبينه والتي ظهرت بعد فترة وجيزة من زواجهما أمات الحب الذى كان بينهما و جعل الحياة بينهما مستحيلة .. وأصبح يرى انسانة أخرى غير التي أحبها وحارب الدنيا حتى يتزوجها .. لذا تم الطلاق وعاش هو بعد ذلك لا يستطيع الزواج بعدها وتفرغ لتربية ابنه ..

كان حسين يستفيض في الكلام وسرد أدق تفاصيل مشاعره تجاه زوجته السابقة قبل وبعد الزواج .. وكيف انتهى هذا الحب ومات بينهما في كل مرة اختلفا فيها .. حتى تحولت مشاعر الحب تجاهها الى الكره .. وأصبح لا يطيقها في حياته .. بل وهى أيضا أصبحت تبادله نفس المشاعر ..

كان أمير يستمع الى ما يحكيه له حسين وعقله لا يتوقف عن اسقاط ما يذكره له على حبه لرغد .. كان يتساءل هل من الممكن أن يحدث بينه وبين رغد ما يحكيه له حسين اذا ما بادلته يوما الحب وتزوجا ..؟؟!!! بل هل من الممكن ان يتحول الحب على الإطلاق الى كره ؟؟!! .. كان قلبه المتيم بحب رغد كان رافضا أن يصدق ما يحكيه حسين .. وكل ما شعر به في هذه اللحظة أن حكاية حسين له في هذا الوقت تحديدا إنما هو عزاءا لما علم من أمر حب رغد لأيمن ..

ظل أمير في صراعه اليومى بين قلبه وعقله بعد أن غادر المشفى واطمئن على انه أخرج حسين من حزنه وخوفه على ابنه ربما لساعتين .. ليمشى هائما بسيارته يتجول في الشوارع مستمعا الى موسيقى تتلاعب بمشاعره وتعصف بوجدانه الى أن وصل مرة أخرى الى شاطئ البحر ليجلس متأملا موجات البحر التي ترسو على الشاطئ الواحدة تلو الأخرى .. ففى رحلة احداها يتحدث عقله بأن مايحدث له ربما هو الخير الذى يقدره الله له .. وفى رحلة الأخرى يتحدث قلبه الذى يأبى الا حبها ان يظل بداخله حتى وان عصره عصرا .. حتى أحس بالتعب من كثرة التفكير .. فهم بالرحيل والعودة للبيت لعله يخلد الى النوم .. ويأتي صباح جديد يذهب فيه الى الشركة يتقابل فيها مع زملاء العمل المستقبلي لربما ينسى أمر الحب في خضم العمل ..

عاد أمير الى المنزل وكان ابويه قد خلدا للنوم بعد أن اطمئنت عليه أمينة تليفونيا قبل أن تنام.. حيث أخبرها انه في طريقه للعودة .. وكانت غادة هي من ظلت مستيقظة تذاكر دروسها تارة .. وتتصفح البرامج الاجتماعية على اللابتوب تارة أخرى ..

لاحظ أمير أن باب حجرة غادة مفتوحا .. فشعر برغبة في أن يجلس معها قليلا قبل أن يذهب الى حجرته فى محاولة منه أن يجاهد التفكير في رغد قبل أن يخلد للنوم .. وأيضا يطمئن على احوالها .. فهو لم يتكلم معها طوال اجازته هذه المرة .. كان يريد أن يعرف الى ما وصلت اليه في موضوع حسام ..

طرق الباب المفتوح ثم قال مبتسما ابتسامة بسيطة لم يستطع من خلالها أن يخفى الحزن والهم الذى يعتلى صدره ووجهه : غادة حبيبتى .. يا ترى ممكن اقعد معاكى شوية .. ؟

انتبهت له غادة .. وكانت في هذه الأثناء تنظر الى اللابتوب وقالت : امير .. تعالى .. أنا كنت قاعدة مخنوقة من المذاكرة واللاب .. كويس انك جيت نتسلى مع بعض شوية .. ثم غمزت له بعينيها مع ابتسامة من ابتساماتها الجميلة .. وبالمرة أعرف آخر اخبارك .. وليه انت مش في المود اليومين دول زى ما بابا وماما بيقولوا وقلقنين عليك ..
أمير وهو يخبط بكفه على جبينه : آه .. الظاهر انى أنا اللى جيبته لنفسى .. ده أنا يادودة يا جميلة اللى جاى أطمن عليكى وعلى أحوالك .. تقومى تحاولى تلعبى معايا نفس اللعبة ..

قاطعته غادة بحماس وهى تجذبه من يده ليجلسا على كرسيين أمامهما طاولة بجوار نافذة تطل على البحر : طيب ايه رأيك يا باشا .. انت تفضفض لى وبعدين أنا افضفضلك .. ولو انى معنديش حاجة اقولها .. بس مش مشكلة اخترعلك حاجة والسلام ..
أمير : ماشى ياستى بس على شرط .. تبتدى انتى الأول لغاية ما اخترعلك أنا حاجة افضفض بيها ..
ضحك الإثنان ثم قالت غادة : تمام .. شوف ياسيدى .. أنا بإختصار ابيض يا ورد .. الموضوع اللى كان شاغلنى من فترة بينتهى شوية شوية ..

كان أمير على علم من والدته بما وصلت له غادة من أن حسام هو شخص غير مناسب لها .. ولكنه أراد أن يحاورها في الحديث حتى يطمئن أن ما علمه من أمينة هو الحقيقة التي اقتنعت بها غادة مؤخرا .. لذا سألها : لأ .. مش فاهم .. انتى آخر مرة اتكلمنا فيها في الموضوع ده كنتى مقتنعة ومتمسكة بالشخص ده .. ايه اللى حصل خلاكى تقولى ان الموضوع بينتهى .. ؟
غادة : شوف .. علشان أكون صريحة معاك .. هو اللى أنهى الموضوع من بعد ما قابل بابى هنا .. صحيح مكنتش متوقعة انه ينهيه يالطريقة دى .. بس لما هديت شوية حسيت انه كويس انه عمل كده .. على الأقل تصرفه ده خلانى اشوفه على حقيقته ..
كانت غادة تتكلم عن حسام دون ذرة حقد عليه وعلى تصرفه معها .. بل هى فى الحقيقة كانت مقدرة لموقفه ومشفقة على وضعه بعد ان علمت كل شيء عنه ..

كان أمير يستمع اليها ويتحين الفرصة لمزيد من الأسئلة حتى يخرج جميع ما في جعبتها تجاه هذا الموضوع .. فسألها : وياترى ايه هي حقيقته اللى وصلتيلها ؟

سكتت غادة قليلا بتوتر .. وظهرت بعض الدموع في مقلتيها .. لاتعلم لها سببا . ربما كانت من أجل حبا قدا بدا لها رائعا يوما ما ثم تكسر على حقيقة من أحبيت .. وربما حزنا على انها قد خدعت فيمن سلمت له قلبها يوما ما وسمحت أن تلمس يده يداها فى لحظة ضعف ..

تكلمت غادة بعد أن افسح لها أمير مجالا احتراما لمشاعرها في تلك اللحظة : حقيقته اللى مكنتش شيفاها ظهرت واضحة لى من أول ما حضرت مقابلته مع بابى وأشرف .. كنت حاسة ساعتها بكل كلمة حد فيكم قالهالى عنه .. كان واضح انه كذب علي من البداية .. زى ما انت قلت لى قبل كده .. كان واضح انه امكانياته ضعيفة .. بس مش هو ده اللى خلانى آخد قرارى بالبعد عنه في نفس يوم المقابلة .. لما لقيته بيصب عرق من أسئلة بابى له .. اللى خلانى اقرر أو أشعر أنه مش هو ده الشخص اللى يناسبنى هو كدبه اللى استمر لآخر لحظة شفته فيها .. واكتر ما ضايقنى فد كذبه .. انه في الوقت ده بيكدب على بابى نفسه ..
أمير : يعنى انتى كنتى مقررة انك تنهى الموضوع من ساعة ما قابل بابا ..
غادة : يمكن مكنش قرار بمعنى قرار .. بس يمكن ساعتها كنت في حالة غير مستقرة ومشاعرى مضطربة بشدة .. كنت حاسة كانى بتفرج على فيلم البطل فيه بقى مش بطل .. بقى حد تانى كنت مشفقة عليه وعلى تخبطه .. حسيت ساعتها ان مشاعرى نحيته كانت بتتبخر وبتتبدل بمشاعر شفقة على راجل تانى غير اللى كنت فاكرة نفسى بحبه .. لدرجة انى تمنيت بينى وبين نفسى ان المقابلة تنتهى بأى شكل ويخرج من البيت من كتر ما هو صعبان عليه ..
أمير : أيوة .. بس انتى في بداية كلامك قولتى ان الموضوع لسة بينتهى شوية شوية .. أفهم من كده ان لسه فيه بقايا متخلصتيش منها لحد دلوقتى ..
غادة بغيظ : تقدر تقول ان الموضوع انتهى فعلا .. بمعنى انى مش ممكن ارتبط بيه .. وكمان اتأكدت من ان مشاعرى بالنسبة له مكنتش مشاعر حب حقيقىى .. تقدر تقول انى حبيت حبه ليه .. حبيت مدحه فيه .. حبيت أوى الحوارات اللى كانت بينا واللى دايما كانت بتنتهى بجملة .. انتى مش جميلة وبس .. انتى كمان شخصيتك رائعة .. لكن بالرغم من انى وصلت للحقيقة دى .. الموضوع مش حينتهى جوايا الا لما أفهم هو ليه كدب عليه وعلى نفسه من الأول .. وكمان لازم زى ما هو فوقنى لما بعد بدون كلمة واحدة .. لازم أفوقه على حقيقته .. وأفهمه انه يبطل يحلم باللى ميقدرش يحققه .. وانه يوقف كدب على نفسه وعلى بنات الناس اللى بيعلقهم بيه .. لازم يعرف ان قطار الزواج من واحدة مفيش بينها وبينه تكافؤ في أي شيئ .. القطار ده فاته من زمان .. ولازم ياخد وبسرعة القطار اللى يناسبه علشان ميضيعش باقى حياته وتفوته كل القطارات .. وفى النهاية يلاقى نفسه واقف وحيد على المحطة .. ومفيش قطار واحد ممكن يركبه ..

كان أمير يستمع الى اخته ذات السبعة عشر عاما ويشعر أنها قد كبرت فجأة .. لا .. بل أن هذه التجربة هي ما اثقلتها وجعلت عقلها ينضج قبل أوانه .. ولكنه أراد أن يكمل محاورتها حتى يطمئن الى ما اقتنع به منها بعد سماع ما سمع فقال : طيب انتى مش خايفة انك لو حصل وكلمك أو حتى كلمتيه انه ينجح في انه يجذبك له مرة تانية ؟
غادة : كنت عارفة ان سؤال زى ده ممكن يدور براسك .. بس صدقنى .. البنت لما بيسقط الراجل من نظرها بيكون أمره انتهى تماما من حياتها .. كمان .. انت فيه حاجة متعرفهاش عنى .. وهى انى لما بتعرض لمواقف .. اى مواقف في الحياة بجمع عنها أو عن اللى يشبهها معلومات كتيرة .. وبقرأ .. أو بشوف فيديوهات كتيرة عن مواقف مماثلة لناس غيرى مروا بيها .. وفى النهاية بقدر أعرف اتصرف في الموقف .. علشان كده .. لما حصل وان حسام انتهى بالنسبة لى مقدرتش اسيب الموضوع يمر كده مرور الكرام .. أنا قريت كتير عن الشخصيات اللى شبه حسام سواء كان من الرجالة أو الستات .. وعرفت انهم مساكين بعقولهم اللى بيتطلعوا بيها للارتباط باشخاص مش مناسبين ليهم بالمرة .. وفى النهاية .. بيتعبوا في مشوار حياتهم .. حتى لو نجحوا في الارتباط بالأشخاص دى .. لأن ببساطة عدم التكافؤ .. واختلاف الطبع بينهم بسبب فرق العمر أو الفرق المادى والاجتماعى بيقضوا على حاجة اسمها تفاهم بينهم .. وبالتالي حتى لو فيه حب .. اكيد مع كتر المشاكل .. اكيد حيضيع .. كمان الشخصيات دى بتبقى حساسة جدا ومعندهاش ثقة لا في اللى بيرتبطوا بيهم ولا حتى في نفسهم .. وده بيسبب نوع تانى من الخلافات بينهم .. خلافات بيكون سببها الكرامة وعدم الثقة فى النفس والكلام ده .. ودى خلافات بيبقى صعب حلها ..
نظر اليها أمير مبتسما وقال : كبرتى و يا غدغودة .. ايه الكلام الكبير ده يا بنت .. لا .. لا .. أنا مش ادك .. اسيبك بقة واروح نام .. أنا كده اطمنت عليكى ..
وقبل أن يتحرك من مكانه .. دفعته غادة بكلتا يديها فأقعدته مرة أخرى على الكرسى وهى تقول : لا يا حبيبى .. احنا اتفقنا .. ومش حسيبك غير لما تفضفضلى .. زى ما فضفضتلك .. هو دخول الحمام زى خروجه .. اصحى يا بابا ..
ضحك أمير مقهقها على كلامها وقال : طيب .. طيب .. والله أنا نسيت الاتفاق .. بس طالما فكرتينى .. خلاص .. حفضفضلك يا ستى .. بس مش عارف أقول ايه .. أنا مفيش حاجة عندى تتقال ..
غادة باصرار : لا فيه .. بدليل انك كنت راجع من الجيش مبسوط ومفرفش .. ومفيش يومين الا وحالك اتقلب مرة واحدة .. فمتقنعنيش ان مفيش حاجة .. وبعدين متنساش انى خبرة في الحياة .. وأعرف أقرا اللى ادامى كويس ..
قاطعها أمير مازحا : طبعا.. طبعا .. والفضل يرجع للسيد حسام ..
غادة بجد :سيبك بقى منى و من السيد حسام ده .. وقولى بجد .. مالك .. ايه للى شاغل بالك بالشكل ده؟ شكلك كده بتحب .. صح .. ايوة .. أيوة .. هو الموضوع كده .. ياللا بقى ار واعترف مين هي .. وعرفتوا بعض ازاى .. وموضوعكم وصل لفين .. و...........
قاطعها أمير : بس .. بس .. حيلك .. حيلك .. اوام كده ألفتى قصة .. وخليتينى بحب .. لآ طبعا .. مفيش حاجة من دى خالص .. كل الموضوع انى كنت مشغول شوية .. بفكر في مستقبلى يا آنسة .. يعنى حشتغل ايه .. وفين .. وكده يعنى .. بس تقدرى تقولى كده انها خلاص اتحلت .. أو بمعن أصح بابا حلها لى .. ان شاء الله حشتغل معاه في الشركة .. وعلى فكرة .. أنا ابتديت فعلا .. أقصد .. ابتديت برنامج تدريبى ..

استطاع أمير أن يخبئ موضوعه بالنسبة لرغد عن الجميع .. فهو قد اقتنع أنه لا سبيل اليها بعدما علم ان مشاعرها تتجه بقوة الى غيره ..
غادة : شغل .. مستقبل .. برنامج تدريبى .. ايه الفضفضة النص كم دى .. فين يا عم القصص والحوارات .. والشوق واللهفة .. والحاجات المشعللة دى ؟ .. يالا .. ربنا يوفقك يا باشا .. سكتت للحظات ثم أردفت .. بس عارف يا أمير .. فعلا بلاها حب .. الواحد لما يحب يرتبط احسن له يرتبط بعقله .. يعنى الاعجاب بالشخصية يكفى .. وأكيد الحب حييجى مع الوقت .. أقصد مع العشرة .. ساعات بحس أن بابى ومامى جوازهم ناجح لأنهم تقريبا محبوش بعض الحب الجامد ده قبل الجواز ..
أمير : طيب وانتى ايش عرفك .. ما يمكن كان فيه بينهم قصة حب عنيفة قبل الجواز..
غادة بلؤم : عيب عليك يابنى .. ما أنا أررت كل واحد فيهم وخليته حكى لى عن ازاى عرفوا بعض .. وازاى اتجوزوا .. وفهمت انها جوازة عقل اكتر منها قلب .. وبالأخص من ناحية بابى .. علشان كده لو عايز جوازك ينجح .. أعمل زيه .. يكفيك انك تكون معجب باللى حترتبط بيها .. والحب أكيد حييجى بعد كده .. بل بالعكس بيكون أقوى .. خصوصا لو طباعكم قريبة من بعض وفيه تكافؤ ..
لا يعلم أمير لماذا تذكر سارة في هذه اللحظة فشرد قليلا فيما مر به معها اثناء التدريب بالشركة واثناء الغداء معها .. ابتسم .. فلاحظته غادة : فعادت تمازحه : مش بقولك فيه قصة وموضوع .. أهو باين على ضحكتك والسرحان .. وانت عمال تاخدنى على اد عقلى وتقولى مستقبل وشغل وتدريب .. ماشى يا باشا .. الله يسهله .. بكرة تحفى ورايا علشان تحكيلى وانت بتتنهد ..
ضربها أمير ضربة خفيفة على كتفها وهو يضحك ويقول : بقولك ايه .. اطلعى من نافوخى .. أنا جعان نوم .. ولازم أصحى بكرة بدرى أروح لبابا الشركة .. ثم تركها وخرج وهو مبتسما يفكر في ذهابه الى الشركة غدا مبكرا ..
------------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-20, 07:22 PM   #86

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الواحد و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل الواحد والثلاثون

لم تنام بسمة في ذلك اليوم الذى قابلت فيه شريف بالنادى .. كان قد وعدها انه سوف يتصل بها بعد ان يفاتح والده في أمر زواجه منها .. ولكنه لم يفعل .. ظلت بقية اليوم تنتظر اتصاله دون جدوى حتى يأست من أن يرد عليها .. فاستسلمت الى الانتظار الى الغد لعلها تقابله في الجامعة ..

وصلت الى الجامعة في السابعة والنصف صباحا .. في حين كانت أولى محاضراتها سوف تبدأ في التاسعة صباحا .. أخذت تنتظره على باب الجامعة أكثر من ساعتين ونصف .. حتى انها قد نسيت محاضرتها .. ولكنه لم يأنى ولم ترى سيارته تقترب من باب الجامعة ..

كانت طوال فترة انتظاره تتخيل الحوار الذى دار بين شريف ووالده .. كان قلبها يحدثها أن ابيه قد رفض طلب شريف للإرتباط بها .. ولذلك لم يحضر شريف الى الجامعة خشية مواجهتها وإخبارها برفض عائلته لها .. أدركت بحدثها أن هذا هو ما حدث .. والا لماذا لم يرد على اتصالاتها الكثيرة بالأمس .. ولماذا لم يحضر الى الجامعة اليوم ؟؟؟!!!

حين يأست بسمة من حضور شريف .. جلست في كافيتريا الجامعة بعد أن راحت عليها محاضرة الصباح .. حيث قابلت الكثير من زملاء دفعة شريف .. ومعظمهم يعلم بعلاقة الحب القوى بين بسمة وشريف .. كانت تتمنى لو تسأل أحدهم عنه .. ولكن أبت كرامتها ان تفعل .. لذا أكملت يوم دراستها وحضرت محاضرتها الثانية والأخيرة في هذا اليوم وعادت الى بيتها والغضب يعصف بمشاعرها تجاه شريف الذى تركها هكذا دون كلمة واحدة تفك عنها حصار وقيد الانتظار الذى تعيشه منذ الأمس .. ولكنها قررت ان لا تتصل به مرة أخرى بعد أن احست بكرامتها قد أهدرت باهماله لها ..

لم تذهب الى الجامعة في اليوم التالى فم يكن لديها محاضرات وأيضا كانت تريد ان تثبت لنفسها انها لا تتطفل عليه أو تجرى خلفه .. ولكنها ذهب الى الجامعة في اليوم الذى يليه .. لم تنتظره كما فعلت من قبل .. توجهت الى محاضرتها الأولى والتي كان من المفترض أن تكون لوالد شريف .. ولكنها بعد أن دخلت الى قاعة المحاضرة علمت من زملائها أن المحاضرة قد ألغيت حيث أن الدكتور مجدى لديه ظروف خاصة سوف تمنعه من حضور المحاضرات لفترة ..

شعرت بسمة بأن هناك أمرا لدى شريف أو أحد من اسرته ليس على ما يرام .. لذا قررت أن تعاود الاتصال به لتطمئن عليه .. ولكن في هذه المرة وجدت أن تليفونه خارج الخدمة .. فكاد الإحباط أن يفتك بها .. خرجت من قاعة المحاضرات وتوجهت الى الكافيتريا تبحث عن اى من اصحابه المقربين تسألهم عنه .. فوجدت صديقه وليد وهو أحد المقربين منه وزميله في لعبة السلة وقد التقت به كثيرا في وجود شريف ..

كان وليد جالسا ويبدو الحزن عليه .. وهو الذى تعلم عنه أن الضحك والتهريج لا يفارق وجهه ولا تصرفاته .. كان جالسا مع مجموعة من دفعة شريف كأن على رؤسهم الطير ..

اقتربت بسمة من المجموعة والقت عليهم السلام .. فرد الجميع السلام عليها بخفوت .. فإنتابها القلق والحيرة من مظهرهم وردهم الباهت عليها .. فتحركت وجلست على طاولة أخرى بجوارهم وهى تنظر اليهم ..

نظرت بسمة الى وليد الذى فهم من نظرتها انها تريد ان تتحدث معه على انفراد .. فقام وتحرك خطوات قليلة جانبا ليجلس على طاولتها وهو يقول باقتضاب : صباح الخير يا دكتورة بسمة ..
بسمة في قلق : صباح الخير يا دكتور وليد .. سكتت للحظات ثم اردفت : انتم مالكم .. قاعدين حزانى كده ليه ..؟
لم يرد وليد وأطرق بوجهه الى سطح الطاولة في حزن عميق ..
بسمة وقد إزداد قلقها وتوترها .. تسأل بصوت متقطع : هو شريف فين .. ؟!! بقالى يومين مش بشوفه في الجامعة ولا بيرد على تليفوناتى ...
وليد بتردد : شريف .. أصله .. شريف ..

كانت بسمة في تلك اللحظات قد وصلت الى اقصى درجات التوتر والقلق : فيه ايه يا وليد .. شريف ماله .. أرجوك انطق لو انت عارف حاجة .. ارجوك تقولها .. انا حموت من القلق عليه ..
وليد بتردد .. متلعثما : شريف تعبان شوية ..
بسمة وقد احست بضربة شديدة وألم في صدرها وبالتحديد في قلبها : تعبان .. ماله .. عنده ايه .. من فضلك أتكلم ..
وليد : بصى يا بسمة .. من فضلك أنا عايزك تكونى قوية .. والكلام اللى حقولهولك من فضلك متجبيش سيرة لأى حد إنك عرفتيه .. سكت قليلا .. وكانت بسمة تستحثه بنظرانها ان يتكلم فقال بتردد : شريف عنده فقدان بصر مؤقت ..

شهقت بسمة شهقة قوية ووضعت يدها على فمها غير مستوعبة ما سمعته للتو من وليد .. وقالت بفجيعة وفي هجوم : انت بتقول ايه .. طيب ازاى .. ومن إيه ..
وليد : أرجوكى تهدى .. أنا كنت عنده امبارح والدكاترة طمنونى .. اللى عنده ده فقدان مؤقت من تأثير صدمة عصبية عنيفة اتعرض لها .. وان شاء الله مع الوقت نظره حيرجع ..
اجهشت بسمة فجأة في البكاء ثم قالت وهى تبكى : أنا السبب .. أنا السبب ..

وليد وهو يتلفت حوله ومحاولا تهدئتها : بسمة .. أرجوكى .. احنا في الكافيتريا .. والناس ابتدت تاخد بالها .. أرجوكى امسكى نفسك شوية .. وصدقينى .. شريف بخير . والمسألة مسألة وقت مش أكتر ..

حاولت بسمة جاهدة ان تكبح البكاء والشهقات ولكنها لم تستطيع فقالت له : أرجوك انت يا وليد .. من فضلك .. أنا لازم اشوفه ..
وليد : صعب .. مش حينفع .. همه مانعين عنه الزيارة .. صدقينى حتى أنا مشفتهوش الا خمس دقايق اتكلمت معاه كلمتين وعرفت انه كان فيه مشكلة مع والده .. وانتى عارفة الدكتور مجدى متشدد اد ايه .. هو موجود في المستشفى بتاعته وعاطى أوامره ان محدش يزوره بالمرة .. وانتى عارفة ان محدش من الستاف بتاعه حيخالف أوامره .. أنا عرفت الحالة بالتفصيل من بابا لأنه شغال في المستشفى مع الدكتور مجدى .. وعلى فكرة أنا قايل لزملاته في الدفعة انه عنده دور انفلوانزا شديد شوية مش أكتر وحيغيب أسبوع أو عشر أيام .. يعنى مفيش حد في الجامعة غيرى وغيرك يعرف حقيقة وضعه ..

كانت دموع بسمة لا تزال تنهمر من عينيها .. هي تكاد تعلم ما دار بين شريف وولده .. وتعلم سبب ما حدث له .. تود الآن لو أنها اقنعت شريف بعدم اخبار والده بموضوعهما .. تمنت لو ان لا يكون من نصيبها أو حتى يكرهها مقابل أن يعود نظره اليه .. تمنت لو لم تتواجد في حياته من الأساس ..

قامت بسمة من أمام وليد .. غادرت في هدوء وهى لا ترى أحد ممن حولها .. حتى وليد لم تلتفت اليه أو تشعر بوجوده معها منذ دقائق .. سارت لا تعلم الى اين تأخذها قدميها .. سارت .. سارت كثيرا لا تعلم لنفسها وجهة .. كانت لا ترى امامها أحدا .. هو فقط شريف .. تراه امامها وبداخلها .. تشعر انه يشملها من خارجها وداخلها .. ينادى عليها كما تنادى النداهة على مبتغاها ..

مرت حوالى ثلاث ساعات من السير دون هوادة ولا وجهة .. كانت تجتاح الطرق وسط الجموع لا تبالى أحدا .. توقف نحيبها .. لكن لم تتوقف دموع عينيها عن النحيب حتى وصلت الى المشفى حيث يقبع حبيبها .. وجدت نفسها تنظر الى المشفى الذى زارته من قبل مع شريف ذات مرة .. وقفت تنظر الى البوابة للحظات مترددة أن تدخل ترى شيف وتطمئن عليه .. كانت تخشى مواجهة والده فتزيد مشاكله معه .. هي تعلم جيدا رد فعل ابيه معها .. تعلم ان ابسط ردود فعله هو تدمير مساقبلها كطبيبة مستقبلية .. لكن لم يكن هذا ما يقلقها او ما تفكر فيه فى تلك اللحظة .. لكن هي كانت تخشى أن تسبب لشريف المزيد من المشاكل والتعقيدات في حياته ..

قررت أخيرا أن تدخل .. فهى لن تتحمل أن تمضى الى بيتها قبل أن تراه وتلمس يدها يداه .. تطمئنه وتطمئن عليه .. لن تتحمل .. ولن تمر اللحظات عليها بسهولة .. سوف تكون كل ثانية تمضى دون أن تراه كنصل سكين حاد يمزق نسيج قلبها ويدميه ..

توجهت بسمة الى مكتب الاستقبال بالمشفى بعد أن جففت دموعها واستعادت ثباتها .. سألت موظفة الاستقبال : مساء الخير .. من فضلك .. الدكتور شريف مجدى .. يا ترى هو في أوضة رقم كام .. ؟

لم تنظر الموظفة اليها .. فقط أومأت لها ترد عليها التحية .. لكنها انتبهت اليها بشدة وهى متسعة العينين فاغرة شفتيها عند سماعها اسم من تطلب رقم غرفته .. ثم قالت تؤكد ما سمعته للتو : تقصدى .. دكتور شريف ابن الدكتور مجدى صاحب المستشفى .. ؟
بسمة بثبات : أيوة .. هو بالظبط .. ممكن أعرف رقم اوضته .. ؟
الموظفة بتلعثم واضح .. يفضح كذبها : مش فاهمة حضرتك .. دكتور شريف مش في المشتشفى حاليا .. ممكن أعرف مين حضرتك وعايزاه في ايه ..؟
بسمة بتوسل وقد بأت الدموع تملأ مقلتيها من جديد : من فضلك .. أرجوكى .. أنا عارفة انكم واخدين تلعيمات مشددة من الدكتور مجدى ان محدش يزور شريف .. صدقينى .. أنا مش حجيب سيرة بالمرة انك انتى اللى قولتيلى على رقم اوضته .. بس أنا لازم اشوفه ضرورى .. الموضوع بالنسبة لى مسألة حياة أو موت .. من فضلك .. ارجوكى ..

لان قلب الموظفة قليلا لحال بسمة .. ولكنه لم يكن للدرجة الى تسمح لها بمخالفة تعليمات صاحب المشفى والذى يرتعب منه الجميع.. لذ ردت عليها بهدوء وبنبرة تنم عن اسفها : صدقينى .. هو مش هنا .. وحتى لو هنا .. مقدرش أقولك هو فين .. أقصد .. انه مش هنا .. من فضلك .. انتى وقفتك دى حتسبب لى قطع عيشى .. لو سمحتى ممكن تمشى قبل ما حد ياخد باله انك بتسألى عنه دكتور شريف ..
بسمة في محاولة أخيرة : صدقينى .. والله محدش حيعرف .. أنا مش ممكن ارضى بأذيتك .. خصوصا لو ساعدتينى .. وهنا بدأت الدموع تنهمر من مقلتيها بشدة دون أن تستطيع ان تتحكم فيها ..
الموظفة وقد تأثرت كثيرا بحال بسمة : من فضلك يا آنسة .. انتى كده حتسببى لى مشاكل أنا مش ادها ..

نظرت اليها بسمة بأسى ويأس شديدين ثم استدارت لتخرج من المشفى .. ولكنها بعد أن خطوت خطوتين سمعت الموظفة تقول لها بخفوت : خمسمية وأربعة ..

تسمرت بسمة في مكانها لم تصدق ما سمعت .. ثم استدارت لها وهى تمسح دموع عينيها تبتسم اليها وهى تومئ لها تشكرها بشدة .. ثم توجهت الى المصعد .. وضغطت على الطابق الخامس ..

حين خرجت من المصعد كان الدور خالى تماما فتجولت لتصل الى الغرفة رقم اربعة .. وعندما وصلت اليها .. وقفت أمامها مترددة قليلا .. ثم اقتربت من الباب وقبل أن تقرعه .. فتح الباب فجأة .. فتسمرت يدها التي رفعتها لتقرع الباب لتجد نفسها أمام امرأة في عمر والدتها تقريبا .. ولكن شتان بينها وبين والدتها .. فهى تقف أمام هانم بمعنى الكلمة ..
طال الصمت بينهما الى أن قالت لها بسمة بتلعثم واضح واضطراب : مساء الخير ..

كانت المرأة تنظر اليها متعجبة من تلك الفتاة النحيفة هادئة الجمال والتي من صوتها وملبسها ونظراتها تشعر بالرقة تنبعث من جميع جوارحها .. فردت عليها بهدوء وبعيون مملوؤة بالحزن : مساء الخير .. انتى مين ؟
تلعثمت بسمة برقتها وهى ترد عليها متخوفة من ردة فعلها : انا .. أنا بسمة .. زميلة شريف في الجامعة ..

ابتسمت المرأة ابتسامة عريضة كأنها قد وجدت ضالتها .. ولكنها أمسكت بذراع بسمة وتحركت بها بعيدا عن باب الغرفة الى أن وصلت لزاوية بعيدة فوقفت وهى تضع يدها على صدرها بعد أن أفلتت ذراعها .. ثم قالت وهى تنهج بشدة : أنا آسفة .. آسفة يا بسمة .. بس أنا مش عايزة حد يشوفك هنا خالص ..

كانت بسمة تنظر اليها في تعجب لا تستوعب ما يحدث حتى تكلمت المرأة مرة أخرى وهى تقول : أنا نسيت أعرفك بنفسى .. أنا خلود .. مامت شريف ..
بسمة بتلعثم وهى غير مصدقة : حضرتك .. بجد .. حضرتك مامت شريف ..
خلود : أيوة يا بسمة .. أنا كنت خارجة من الأوضة علشان أطلبك .. والحمد لله انى خرجت قبل ما تدخلى الأوضة ..
بسمة : مش فاهمة حضرتك .. هو ايه الحكاية ..؟
خلود : اسمعى يا بسمة .. مفيش وقت أشرح لك .. أنا لازم ارجع الأوضة حالا .. أنا عاوزاكى تخرجى من المستشفى وتستنى منى تليفون .. فيه كافيتريا على اليمين أول ما تخرجى من المستشفى .. من فضلك استنينى هناك .. ولما أطلبك تيجى لأوضة شريف .. اتفقنا ؟!!

لم تنتظر خلود ردا من بسمة ولكنها تركتها وتوجهت الى الغرفة مرة أخرى وبسمة تنظر اليها غير مستوعبة ما تقول أو ما يحدث .. ولكنها لم يكن أمامها سوى أن تنفذ ما طلبت منها .. فاتجهت الى المصعد وخرجت من المشفى واتجهت الى الكافيتريا ..

انتظرت بسمة حوالى النصف ساعة ثم رن جرس تليفونها .. نظرت الى رقم الطالب الذى كانت تعرفه كثيرا ثم فتحت الخط وقالت : ألو .. طنط سلمى ..
سلمى : مساء الخير يا بسمة يا حبيبتى .. فينك .. بقى لى كام يوم مبسمعش صوتك ..
بسمة : آسفة والله يا طنط .. بس كنت مشغولة شوية .. أنا عارفة انى مقصرة معاكى .. بس اعذرينى أصلى بمر .... ولم تستطيع بسمة أن تتمالك نفسها فانفجرت في البكاء ..

اضطربت سلمى وانزعجت بشدة .. لم تتوقع أن تكون بسمة والتي قد طلبتها حتى تمنع نفسها من ان تطلب خالد وتتحدث اليه .. لم تتوقع أن تكون هي الأخرى في أزمة أو مشكلة جعلتها تبكى بشدة هكذا .. فقد طلبتها سلمى كى تتقابل معها .. تتحدث اليها .. هي في ذلك الوقت كانت في حاجة الى صديق تلقى بنصف همومها اليه .. لكن للأسف .. فمن الواضح أن هذا الصديق هو الآخر يحتاج لمن يحمل عنه همومه .. فقالت بسمة في انزعاج ولهفة : بسمة حبيبتى .. مالك .. فيكى ايه .. بابا وماما بخير .. مالك يا بسمة بتبكى كده ليه .. ؟
بسمة وهى تحاول أن توقف نشيجها : مفيش .. احنا كلنا بخير .. بس أنا عايزة أشوفك ضرورى .. أنا ورايا مشوار حخلصه وأكلم حضرتك ..
سلمى في انزعاج من أمرها : طيب انتى فين وأنا اجيلك .. أنا راكبة العربية .. قولى لى انتى فين ..

وصفت بسمة لسلمى مكان الكافيتريا التي تجلس بها ثم قالت لها : لو حضرتك جيتى ومكنتش أنا موجودة .. من فضلك استنينى .. أنا مش حتأخر عليكى ..
انهت بسمة المكالمة .. وبعد خمس دقائق رن تليفونها مرة أخرى .. كان رقم تجهله .. ردت في هدوء : ألو ..
خلود : أيوة يا بسمة .. أنا خلود .. مامت شريف .. أنا مستنياكى تعالى لى الأوضة ..
مرت عشرة دقائق قبل أن تصل بسمة الى حجرة شريف .. كانت والدته تقف خارج الغرفة تنتظرها .. نظرت خلود يمنة ويسرى لتطمئن أنه ليس هناك أحدا يرى بسمة وهى تدخل قبلها الى الغرفة ..

وقفت بسمة خلف الباب تنظر الى شريف الراقد أمامها ينظر الى جهة الباب مبتسما لكنه لا يراها .. ولكنه قال بصوت مملوء بالشوق اليها وهو يمد يديه اليها : بسمة ..
تحركت بسمة بخطوات سريعة الى أن وصلت الى جواره .. فامسكت يديه بكلتا يديها وهى تقول : شريف .. حبيبى .. سلامتك .. آسفة .. سا محنى .. أنا آسفة ..
شريف مطمئنا إياها : شششش .. أنا بخير .. أرجوكى متقلقيش .. أنا اللى آسف يا حبيبتى انى قلقتك بالشكل ده ..
بسمة بلهفة : ايه اللى حصل يا شريف .. ازاى ده حصل .. وليه ..
شريف : أنا مش عايز أضيع الكام دقيقة اللى انتى معايا فيهم في اللى حصل .. ماما حتفهمك على كل حاجة .. أنا كل اللى عايزه منك انك تطمنى .. أنا حكون كويس .. وقريب أوى .. اتفقنا ..
هزت بسمة رأسها موافقة وهى تقول : طيب .. طيب يا حبيبى .. أرجوك .. أرجوك يا شريف .. لو بتحبنى بجد .. متفكرش في أي حاجة .. اللى عندك ده شيء مؤقت .. حيروح لو بعدت عن أي ضغوط ..
شريف : حيروح .. حيروح يا بسمتى .. طول ما انتى جنبى .. أوعدينى .. أوعدينى انك تفضلى معايا مهما حصل ..
بسمة : أنا معاك .. أنا معاك يا شريف .. أنا مقدرش أعيش من غيرك ..

انتبه الاثنان لوجود خلود عندما قالت مقاطعة : ياللا يا بسمة .. مفيش وقت .. ممكن أي حد ييجى دلوقتى .. وشريف وأنا مش عايزين حد يعرف ان فيه حد زاره .. وكل ما يكون فيه فرصة حكلمك تيجى تشوفيه .. استنينى في الكافيتريا .. وأنا حكون عندك بعد ربع ساعة .. اتفقنا ..
ودعت بسمة شريف بحرارة .. كان لا يريد أن يترك يدها أبدا .. ولكنه كان مضطرا في النهاية أن يتركها ..

مرت دقائق قليلة قبل ان تصل خلود الى بسمة وأخبرتها بما حدث بين شريف ووالده وأنها لا توافق على تصرفات زوجها .. وان عليهم هي وشريف أن يتحلوا ببعض الصبر حتى يسترد شريف نظره مرة أخرى وعندها سوف يكون لكل مقام مقال ..

أحبت خلود بسمة ودخلت قلبها لحب ابنها لها .. كما انها رأت فيها الفتاة المناسبة لابنها .. كانت تنكر على زوجها تصرفاته تجاه من هم دونه في المستوى .. هي تعلم عنه كل شيىء .. وتعلم أصوله .. لذا لا توافق على أي من تصرفاته تجاه من حوله .. ما يهمها هو سعادة ابنها وحسب .. لذا قررت أن تساعده حتى يستطيع أن يرتبط بمن أحب .. فهى تعلم ما هو الحب بعد أن عاشته مع ابيه وأصرت على الزواج منه بالرغم من الفرق الواضح في المستوى بينها وبينه آنذاك .. وان كانت قد ندمت فى اللنهاية عندما اثبت لها بتصرفاته معها بعد ان تزوجها انه لم يكن يحبها بالفعل .. بل هو ليس سوى شخص وصولى لايهمه سوى نفسه .. يريد أن يحصل على أى شيء ولك شيء لنفسه التى يحبها هى فقط ولا يحب سواها وينكر على غيره ابسط حقوقه فى الحياة ..
انصرفت خلود وتركت بسمة التي كانت تنتظر سلمى ..

أتت سلمى بعد ذهاب خلود بدقائق قليلة .. رأت بسمة من بعيد فوجدتها شاردة مضطربة وفى حالة عصبية لم تراها عليها منذ أن عرفتها .. اقتربت منها .. القت عليها السلام وهى تحتضنها بحنان ولهفة .. فإنهارت بسمة فى البكاء فى حضنها ..
جلسا .. فبادرت سلمى قائلة فى فزع من بكاء بسمة : بسمة حبيبتى .. اهدى .. مالك فيكى ايه ..؟

لم تستطع بسمة ان ترد عليها من شدة بكائها .. فربتت سلمى على كفها وتركتها قليلا لتهدأ .. ثم سألتها : انتى طلبتى حاجة من الجرسون ..؟

أومأت لها بسمة بالنفى .. فنادت سلمى على الجرسون وطلبت منه كوبين من عصير الليمون ..
هدأت بسمة قليلا وتوقف بكائها .. فعاودت سلمى سؤالها : ممكن بقى تحكى لى ايه بب كل اللى انتى فيه ده .. انتى خضتينى عليكى ..
عادت بسمة تبكى من جديد وهى تحكى لها : شريف .. شريف .. يا طنط سلمى ..
سلمى بفزع : ماله شريف .. عمل ايه .. معقول يوصلك للى انتى فيه ده ..
بسمة : هو معملش حاجة .. أنا كويسة .. بس هو ......... سكتت بسمة ولم تستطيع أن تكمل كلامها فقاطعتها سلمى : بسمة .. من فضلك .. أنا مش حمل اللى انتى بتعمليه ده .. ممكن تستهدى بالله وتحكى لى .. شريف حصله حاجة لقدر الله ..
بسمة وهى تبكى : شريف فقد نظره .. فقد نظره بسببى يا طنط .. ثم أجهشت فى البكاء بشدة ..
سلمى وهى تشهق شهقة قوية وتضع يدها هلى فمها : انتى بتقولى ايه .. ازاى ده حصل .. وازاى بسببك .. لا حول ولا قوة الا بالله .. معقول الكلام اللى بتقوليه ده ..

بسمة وقد توقف نحيبها قليلا : احنا اتقابلنا فى الكلية من يومين .. وروحنا مع بعض النادى .. اتكلمنا فى حاجات كتير .. وقاللى انه عاوز ييجى يطلبنى من بابا وانه حيفاتح والده فى الموضوع النهاردة .. حاولت افهمه انه مش حيوافق .. لكنه أصر وراح فاتحه فى الموضوع .. وزى ما توقعت .. والده رفض وبشدة .. والظاهر انه اهانه وأكيد اهنا احنا كمان كعيلة اقل منهم وابنه عايز يرتبط ببنتهم .. بس الظاهر ان شريف متحملش رد فعل والده وحصلت له صدمة عصبية أثرت على نظره .... سكتت بسمة قليلا لتلتقط انفاسها .. فقالت لها سلمى : معقول .. معقول فيه اب يعمل فى ابنه كده .. لا حول ولا قوة الا بالله .. طيب وشريف عامل ايه دلوقتى .. والدكاترة قالوا ايه .. ؟
بسمة : الدكاترة بيقولوا انه فقدان بصر مؤقت .. ونظره حيرجع له بعد فترة من الراحة .. بس بشرط يبعد عن أى انفعال أو ضغوط نفسية .. هو دلوقتى محجوز فى مستشفى والده القريبة من هنا .. أنا قدرت اشوفه بمعجزة .. لان والده مانع عنه الزيارة تماما .. بس بصراحة والدته حاجة تانية خالص غير والده .. هى اللى ساعدتنى انى اشوفه وأطمن عليه .. وطمنتنى انها موافقة على ارتباطى بشريف .. هى ست شكلها طيب أوى .. عكس ابوه الدكتور مجدى المعروف حتى فى الجامعة عندنا بشدته وقسوته مع الطلبة والدكاترة .. كل الدفعات بتكرهه بسبب تكبره وشدته مع اللى حواليه .. سكتت بسمة قليلا ثم قالت .. انتى عارفة يا طنط .. لولا الظروف اللى بيمر بيها شريف دى ولولا انى متأكدة من حبه ليه .. أنا كنت رفضت الارتباط ده بسبب أبوه .. بس أرجع وأقول انى السبب فى اللى حصل له ده .. كان لازم امنعه بأى طريقة من انه يفاتح ابوه فى الموصوع .. لانى كنت متأكدة من ردة فعله .. وآدى النتيجة .. أنا السبب .. أنا السبب .. كان لازم أفهم كويس الفرق بينى وبينه .. او بمعنى اصح .. الفرق بين العلتين ..
سلمى : اهدى يا بسمة ومتقسيش على نفسك بالشكل ده .. وبعدين فرق ايه اللى بتتكلمى عنه ده .. انتى بنت جميلة ورقيقة وفى أحسن كلية فى البلد .. وألف من يتمناكى ويتمنى الارتباط بيكى وبعيلتك .. واذا كان على الفارق المادى .. فصدقينى .. ياما فيه ناس معاها فلوس كتير بس للأسف نفوسهم الخبيثة وتكبرهم على خلق الله بتضيع المميزات اللى ربنا سبحانه وتعالى ميزهم بيها على خلقه .. وأكبر مثال لكده واحد زى والد شريف ده .. وصدقينى .. لو دورتى على أصله حتلاقيه انسان فى الأصل خسيس ومش ابن اصول .. لأن ولاد الأصول عمرهم ما يتصرفوا بالتكبر والتجبر ده على خلق الله لمجرد انهم عندهم شوية فلوس .. وصدقينى .. واحد زى عم خميس بطيبة قلبه وادبه يساوى ألف واحد من عينة دكتور الغبرة ده .. وكفاية عليه اللى عمله فى ابنه ... يمكن يتعظ ويعرف ان الله حق .. بس أنا مش صعبان علي غير شريف المسكين ده .. وانتى طبعا يا حبيبتى .. بس صدقينى هى شدة وحتزول باذن الله .. وبكرة تقولى طنط سلمى قالت ..
بسمة بترجى : ياريت .. ياريت يا طنط .. يسمع منك ربنا .. صدقينى .. أنا دلوقتى ميهمنيش اى حاجة فى الدنيا غير ان شريف يعود له نظره من جديد حتى لو محصلش انه ارتبط بيه .. أو حتى بعد عنى تماما ..
سلمى وهى تبتسم : متقوليش كد يا عبيطة .. هو اختبار من ربنا لحبكم .. وان شاء الله لو فيه الخير يكون من نصيبك ..

طال الصمت بينهما كانت سلمى خلاله مترددة ان تفاتحها فى مشاكل ابناءها .. هى ليست من ذلك النوع الذى ينشر اسرار بيته واولاده لأحد .. ولكنها ارادت ان تشغل بال بسمة بشيء يجعلها تنسى ولو قليلا ما تمر به .. وفى نفس الوقت كانت تواجه ضغوطا رهيبة من كم المشاكل التى تمر بها تلك الأيام فأرادت ان يشاركها أحد قريب من قلبها فيما تمر به .. كانت تريد أن تفضفض وحسب حتى وان لم تجد حلا لتلك المشاكل عند أحد .. وبسمة كانت قريبة جدا من قلبها فى تلك الأيام .. لذا قررت أن تحكى لها عن ما تمر به من مشاكل بالرغم من انها لم تخطط لأن تقابلها اليوم من الاساس ولكنها طلبتها حتى تتفادى رغبتها وتمنع نفسها من ان تطلب خالد وتتحدث اليه .. هى غيرت وجهة اتصالها من خالد لبسمة فى آخر لحظة حتى لا تتسبب فى مشاكل له .. فالطريق قد أصبح ممهد لهما بعد موت مصطفى .. ومن السهل ان يصبح خالد لها فى هذا التوقيت .. ولكن مكالمات خالد معها فى الفترة الأخيرة علمت منها ان خالد يحب زوجته بالفعل .. وهى ايضا لم ترغب أن تدخل الى حياته من جديد فتفسدها عليه خصوصا بعد ما عرفت من خالد ان زوجته امرأة فاضلة احبته من كل قلبها وتفانت فى خدمته وتربية اولاده حتى هذا العمر.. فما ذنبها أن تؤذيها فى علاقتها بزوجها .. بل وتفسد حياة أسرية جميلة لطالما تمنت أن يكون لديها مثلها ..
تنهدت سلمى ثم قالت : وأنا اللى كنت بطلبك علشان اشكيلك همى .. الاقيكى فى الهم ده .. صحيح .. مفيش حد خالى ..
ردت عليها بسمة وهى عاقدة حاجبيها مما قالته سلمى للتو : خير يا طنط .. مشاكل ايه لا سمح الله ..؟
سلمى بتردد وخجل : الولاد .. ولادى يا بسمة ومشاكلهم اللى قلبت حياتى ..
لا تعلم بسمة لماذا خطر ببالها أن تلك المشاكل التى تتحدث عنها سلمى هى بسبب المال الذى وصى به مصطفى لها ولأبيها .. فتسرعت وقاطعتها : شوفى يا طنط .. لو ولاد حضرتك معترضين على اللى حصل والفلوس اللى المهندس مصطفى الله يرحمه وصى لنا بيها فصدقينى .. مفيش مشكلة اننا نرد الفلوس دى ونتنازل عنها لحضرتك وليهم .. زى ما حضرتك شوفتى والدى فى مكتب الاستاذ نادر كان اصلا مش موافق على انه ياخد الفلوس دى .. سكتت للحظات ثم قالت بحسرة : ويعنى هى عملت لنا ايه الفلوس .. اديكى شايفة حتى مقدرتش تقرب بينى وبين اللى بحبه ..

نظرت اليها سلمى نظرة اعجاب .. هى لطالما اعجبت ببسمة وعائلتها البسيطة ولكنها تلك المرة ازدادت اعجابا بسلميتها تجاه الأمور .. كانت تتساءل فى نفسها .. أى نفس تلك التى وهبها الله لهؤلاء الناس .. لم يرزقهم الكثير من المال ولكنه رزقهم الأهم منه بكثير .. رزقهم نفوسا طيبة مطمئنة .. راضية بما قسمه الله لهم تعيش فى سلام .. لقد وهبهم كنزا لا يعلم قيمته الا من حرم منه ..
ردت سلمى بابتسامة : اسمعى يا بسمة .. المشاكل اللى بتكلم عنها ملهاش علاقة بموضوع الفلوس ده أبدا .. والموضوع ده تنسيه وياريت منفتحهوش تانى .. الفلوس دى كانت فلوس مصطفى الله يرحمه وهو الوحيد اللى كان له الحق يوهبها لمين .. وهو اختارك انتى ووالدك وانتهى الأمر .. فياريت تنسى الحكاية دى ..
بسمة بخجل : أنا آسفة يا طنط .. والله مكنش قصدى .. أنا مش عارفة ايه اللى خلانى أفكر بالشكل ده .. ولا أقول الكلام اللى قولته .. حقك عليه .. اعذرينى .. الظاهر ان اللى حاصل لشريف مأثر على اعصابى وتفكيرى ..
سلمى وهى تتنهد : ولا يهمك ..
بسمة بتردد : طيب ممكن أعرف ايه المشاكل دى .. يمكن أقدر اساعدك ونلاقى حل لها .. ولا انتى لسة زعلانة منى وقررتى انك متحكليش ..
سلمى : أبدا يا بسمة .. مفيش غيرك أقدر احكيله .. انتى متعرفيش انتى بالنسبة لى ايه .. أنا حاسة ان ربنا بعتك ليه فى الوقت المناسب ..
بسمة : وانتى واللى ياطنط ربنا يعلم اد ايه انتى غالية عندى أوى ..

قصت سلمى ما حدث لعلا وجمال .. فكانت بسمة تنظر اليها بعيون متسعة غير مصدقة لما تسمع .. وفى نهاية حديث سلمى .. تكلمت بسمة وقالت : ايه ده .. معقول فيه ناس بالشكل ده ؟؟!!
سلمى بحزن : فيه .. فيه يا بسمة .. وفيه فى الدنيا اكتر من كده .. انتى علشان بس لسة صغيرة مشوفتيش فى الدنيا حاجات كتير .. بس أنا كل اللى شاغلنى دلوقتى هو جمال .. بندعى ربنا انه ينجى سمر .. مع انها ما تستاهلش .. بس هى الأمل الوحيد اللى ممكن ينجيه من الحبس ومن اللى اختها ممكن تعمله فيه لما تعرف باللى جرى لأختها ..
بسمة بعفوية : ليه يا طنط .. هى اختها دى تطلع مين يعنى .. ؟
سلمى بخجل : اختها تبقى الراقصة والممثلة المشهورة ............... وانتى عارفة اللى زيها بيتعملها ألف حساب فى المجتمع و بتبقى واصلة لمسئولين كبار ممكن يبهدلوا ابنى ..
بسمة وهى تشهق وتضع يدها على صدرها : يا خبر .. معقول .. معقول الاستاذ جمال يرتبط بالناس دى .. بس على رأيك .. الاشكال دى بتبقى مفترية ومؤذية .. والله دنيا عجيبة وغريبة .. رقاصة يتعملها ألف حساب .. والناس المحترمة تتبهدل .. فعلا الهرم مقلوب ..
سلمى بيأس : أيوة .. أهو ده اللى حصل .. والنصيب غلاب .. يا ما قلنا له ان الناس دى لا همه من توبنا ولا احنا من توبهم .. بس هو اللى صمم واتجوزها .. ومكنش ادامنا غير اننا نوافق غصب عنا .. وآدى النتيجة .. خيانة وقرف وقذارة .. وفى النهاية مصيبة اقع على راس ابنى وحياته .. يمكن تنتهى بحبسه ويضيع مستقبله ومستقبل ولاده .. قالتها سلمى ثم غلبتها دموعها وبكت بحرقة ..
بسمة : لا حول ولا قوة الا بالله .. اهدى يا طنط .. ان شاء الله يكون فيه حل وميحصلش حاجة وحشة ..
سلمى : وهى تمسح دموعها بمنديل أخرجته من شنطتها : يارب .. يارب يا بسمة .. ادعيلها ربنا ينجيها وتشهد فى صالحه ..

ساد الصمت بينهم من جديد لتعاود بسمة وتقول : بس تعرفى ياطنط الموضوع ده مينفعش فيه ان علا ولا جمال يكملوا مع جوازهم .. حاسة ان الموضوع كده مش حيركب على بعضه .. أنا شايفة ان الحل فى انفصالهم عن الناس الخاينين دول ..
سلمى : أنا معاكى .. بس الموضوع مش بالسهولة دى .. متنسيش أن فيه أولاد بينهم .. يعنى الخسران الأكبر فى النهاية همه الولاد اللى ملهومش ذنب فى اللى بيحصل من اهاليهم .. لكن فى النهاية همه مش أول ولا آخر متجوزين ينفصلوا عن بعض .. بس الأول نخلص من مشكلة جمال وبعدين يحلها الحلال ..
بسمة وهى تربت على يد سلمى : خير . خير ان شاء الله يا حبيبتى .. صدقينى ما ضاقت الا وفرجت .. وربنا يكتب للجميع اللى فيه الخير ..
فى تلك اللحظة رن جرس تليفون سلمى .. فالتقطته من فوق الطاولة تنظر الى رقم الطالب لتتسع نظرتها وينتابها رعشة بجسدها .. ثم فتحت الخط وقالت آلو ...........

-------------------------------------------------------------------------------

كانت أمينة فى تلك الأيام قد أطمأنت على أولادها غادة وأمير .. فغادة قد تغلبت على مشكلتها وباتت تعلم حقيقة مشاعرها تجاه حسام .. علمت انه وهم قد عاشته فى سن مبكرة من حياتها واعتقدته حبا كبيرا . ولكنه سقط من نظرها مع أول اختبار حقيقى .. وباتت تعلم الطريق الصحيح لحياتها .. وتعلم أن أهم شيء فى حياتها هما عائلتها ودراستها .. وأن الحب الذى بحثت عنه لم يحن أوانه بعد .. سوف يأتى .. ولكن فى الوقت المناسب .. وبالرغم من قسوة التجربة على إبنتها .. الا انها كانت سعيدة بالنتيجة التى اثقلت شخصية غادة وجعلتها تنضج وتعلم أن هناك أولويات فى الحياة .. وأن الحب ليس من أولى الأولويات .. هو مهم .. لكنه يأتى بعد اشياء أخرى .. فعلى كل فتاة أن تدرك هذا مبكرا .. وعلى الأهل أن يزرعوا هذا فى ابناءهم سواء كانوا بناتا أو أولادا .. فيزداد فى المجتمع الأجيال الواعية الصالحة التى تعمل على نهضته ..

أما بالنسبة لأمير .. فقد اطمأنت عليه نسبيا .. هى لا تصدقه تماما فى ان ما يشغله هو موضوع مستقبله .. ولكنها فى النهاية لا تمانع أن يمر بتجربة ما تجعله مهموما هكذا .. ففى النهاية هو رجل ولا بد له من أن يمر بتجارب فى حياته تغير وتثقل من شخصيته للأفضل وتجعله فى النهاية يستطيع ان يواجه كم المشاكل الهائل الذى يمر به المرء فى حياته .. هى لا تخشى عليه من تجارب الحب أو غيرها .. هى على يقين من تربيتها لإبنها وأنه سوف لا يقع فى معصية تغضب ربه من الموبقات والكبائر .. فأقصى ما سيمر به هو تجارب المشاعر .. وهى موقنة بأن ما يهمه فى ذلك الوقت هو شيء من هذا القبيل ..

جلست أمينة فى هذا الصباح بعد أن غادر خالد ومعه أمير الى الشركة .. وغادرت رغد الى مدرستها .. جلست فى الركن المفضل لها من صالة المنزل .. الركن الدائرى ذو النوافذ المطلة على البحر .. ذلك الركن الذى يشعر الجالس فيه أنه يحتويه ويضمه كالأم الحنون .. جلست تحتسى قهوتها الساخنة بعد أن احضرتها لها أم سعيد .. تنظر الى البحر فى شرود .. وجدت نفسها تعاود التفكير فى خالد وسلمى من جديد .. فهكذا المرء .. عندما تنتهى مشاكله ومشاغله يصبح لقمة سائغة لفراغه .. فيبدأ الشيطان والنفس يتلاعبان به .. يذكرونه بأمور قد تفسد عليه هدوئه وراحة باله .. وجدت نفسها تتساءل .. هى مازال خالد على اتصال بسلمى .. هى يحدثها تليفونيا .. هل يتقابلا حينما يذهب الى القاهرة .. فهو بحكم عمله يذهب الى القاهرة كثيرا لعقد اجتماعات وصفقات .. ألف هل وهل درات بخلدها ولم يخرجها منها سوى تليفونها المحمول الذى رن فجأة .. فالتقطته تنظر الى رقم الطالب .. ابتسمت حين علمت انها رنيم فردت بسعادة : صباح الخير يا رنيم يا حبيبتى .. طمنينى عليك .. انتم بخير ..
رنيم بصوت مضطرب : الحمد لله يا ماما .. احنا كويسين ..
أمينة : مالك يا رنيم .. صوتك مش عاجبنى يا حبيبتى .. فيه حاجة .. ؟
رنيم بنفس الاضطراب : مش عارفة .. بس الدورة متأخرة اكتر من اسبوعين .. وخايفة أكون حامل ..

احست أمينة بسعادة بالغة لسماعها باحتمال ان تكون رنيم قد حملت فردت : خايفة .. وتخافى ليه ان شاء الله .. ده الشيء الطبيعى لأى اتنين متجوزين ..
رنيم بتلعثم : أنا لو عليه اكيد حكون مبسوطة .. ده الشيء اللى بتمناه .. بس أشرف .. خايفة يفهم انى عملت كده عن قصد .. وخالفت اتفاقنا ..
أمينة بنرفزة : بقولك ايه .. بلاش كلام فارغ .. بلا اتفاق .. بلا غيره .. سيبك انتى من كلام الرجالة الخايبة اللى زى ابنى .. وخليكى معايا أنا .. عند هذه اللحظة بدت نبرتها سعيدة وهى تسألها .. قوليلى .. انتى عايزة ولد ولا بنت ؟
رنيم بسعادة : طيب مش لما نتأكد الأول ..
أمينة : بصرف النظر .. انتى نفسك فى ايه ؟
رنيم : لو عليا .. أنا طول عمرى نفسى المولود الأول يكون بنت .. بس يا ريت يكون ولد علشان خاطر أشرف بيحب الولاد .. كان بيقولى كده أيام الخطوبة ..
أمينة : تعرفى أنا بقى نفسى يكون توأم .. ولد وبنت .. الله يا رنيم .. دى تبقى نعمة كبيرة أوى من ربنا ..
رنيم : يا خبر يا طنط .. هو أنا حمل توأم .. ده أنا خايفة انى معرفش اتعامل مع طفل واحد .. تقوليلى توأم ..
أمينة : لا ياختى .. حتعرفى تتعاملى ولو كانو عشرة حتى .. دى الفطرة يا بنتى .. وبعدين ربنا بيبعت البرد على أد الغطا .. وانتى ما شاء الله عليكى ست بيت كويسة .. يعنى حتتعاملى كويس باذن الله .. سكتت للحظة ثم قالت : بقولك ايه يا رنيم .. انتى وراكى حاجة دلوقتى ..
رنيم : لا يا ماما .. أنا فاضية .. اشرف نزل الشغل وأنا مفيش ورايا حاجة ..
أمينة : طيب ايه رأيك ما تنزلى تشترى اختبار حمل من الصيدلية وتيجى تعمليه هنا ..
رنيم : مش نستنى شوية يمكن الدورة تيجى بكرة ولا بعده ..
أمينة : بقولك ايه .. خير البر عاجله .. وبعدين احنا حنخسر ايه .. ادينا بنتسلى .. ونطمن فى نفس الوقت ..
رنيم : انتى شايفة كده ..
أمينة : أيوة .. ياللا بقى متضيعيش وقت ..

مرت حوالى ساعة وربع لتصل رنيم ومعها اختبار الحمل .. جلست مع أمينة قليلا تلتقط انفاسها ثم قالت لها أمينة .. ياللا يا روحى .. قومى ادخلى الحمام واعملى الاختبار وبشرينى ..

دخلت رنيم الى الحمام ثم خرجت بعد حوالى ربع الساعة وهى مبتسمة فى خجل : ايجابى .. طلع ايجابى يا ماما .. فيه حمل ان شاء الله ..

انفرجت أسارير أمينة وهى تقف وابتسمت فى فرحة بالغة وهى تحتضن رنيم : مبروك .. ألف مبروك يا رنيم يا حبيبتى .. اللهم لك الحمد والشكر .. اسمعى يا رنيم .. انتى اقعدى استريحى هنا .. أنا داخلة اتوضا واصلى ركعتين شكر لله وبعدين ننزل سوا للمعمل نعمل تحليل حمل هناك علشان نتأكد ..
رنيم : هو الاختبار ده مش كفاية ؟
أمينة : لا يا حبيبتى مش كفاية .. لازم نقطع الشك باليقين .. ساعات الاجهزة دى بتكون بايظة .. علشان كده تحليل المعمل ضرورى .. قبل ما نقول لحد ..

انهت رنيم اختبار الحمل فى المعمل وتأكدت هى وأمينة من صحة لحمل .. ثم رجعت هى وأمينة الى منزلها وهى سعيدة وخائفة فى نفس الوقت من ردة فعل زوجها ..
مكثت معها أمينة حوالى ساعتين انهت فيهما الغداء لرنيم حتى تجعلها تستريح ولا تعمل شيء ثم غادرت الى منزلها ..

كانت أمينة لا تزال بين الحين والآخر تفكر فى خالد وسلمى .. ففى اليوم الذى يسافر فيه خالد الى القاهرة لعمل ما .. يصيبها هذا الوسواس ولا يتركها حتى يعود اليها وتنظر الى عينيه وتطمئن نسبيا من أنه لم يلتقى بسلمى .. ولكنها تظل فى النهاية فى دائرة الشك ..

جلست فى حجرتها بعد ان عادت من عند رنيم وهى تفكر .. فحدثتها نفسها بأن تتصل بسلمى .. ولكن كيف ؟ .. فهى لم تحدثها منذ زمن طويل .. فربما فعل كهذا يزيد من شك سلمى بها .. فتعود نفسها وتذكرها بأنها لم تعزيها فى وفاة مصطفى لظروف مرضها .. فتتذكر أن العلاقة بينهما لم تكن فى يوم من الأيام بتلك القوة كى تحرص فيها أمينة على تعزية سلمى خصوصا بعد مرور شهور على وفاة مصطفى .. ثم تعود نفسها تحدثها بأن هذا لا يهم .. فالمهم هو أن تسمع نبرة صوتها وتتحسس ردود فعلها للمكالمة .. فربما علمت شيئا من حديثها معها ..

فى النهاية قررت أمينة أن تطلب سلمى لتعزيها فى وفاة مصطفى وتخبرها بعذرها الذى منعها من ان تتصل بها طوال هذه الفترة .. كانت أمينة وسلمى قد تبادلا أرقام الموبايل فى احدى المرات القليلة التى تقابلا فيها كأسرتين قبل وفاة مصطفى ..

ردت سلمى على الاتصال وهى جالسة مع بسمة بالكافيتريا بعد أن تأكدت من أن من يطلبها هو أمينة زوجة خالد .. كانت متفاجئة من الاتصال ..
ردت سلمى وقد إنتابتها رعشة لا تعلم سببها : ألو ..
أمينة بهدوء : السلام عليكم .. باشمهندسة سلمى .. أنا أمينة مرات خالد صاحب المهندس مصطفى الله يرحمه ..
سلمى : أهلا .. أهلا مدام أمينة .. طبعا عارفاكى .. أنا مسجلة رقمك عندى .. ازيك .. وازى المهندس خالد والولاد ..
أمينة بارتباك : الحمد لله كلنا بخير .. أنا آسفة انى اتأخرت فى الاتصال بيكى علشان اعزيكى فى موت المرحوم .. البقاء لله .. وربنا يصبركم ..
سلمى : حياتك الباقية .. أنا متشكرة جدا لاتصالك .. ومفيش داعى للأسف .. أنا عرفت ظروفك من المهندس خالد .. حمد الله على سلامتك ..
أمينة وقد شعرت بغيرة وضيق من اتصال خالد بسلمى أثناء مرضها .. بل واخباره اياها بتعبها وما حدث لها ولكنها ردت بهدوء : الله يسلمك ..
سلمى : يارب تكونى بخير دلوقتى .. بصراحة المهندس خالد كان قلقان عليكى جدا .. هو كان بيتصل بينا من وقت للتانى يطمن علينا وعلى أحوالنا بعد مصطفى الله يرحمه .. ولما عرفت منه اللى حصل كان نفسى آجى ازورك وأطمن عليكى بنفسى .. بس أعذرينى .. ظروف وفاة مصطفى كانت مش عادية .. واستجوابات ومحاكم زى ما انتى عارفة ..
أمينة : لا يا حبيبتى .. ده واجب علينا اننا نقف جنبك فى الظروف دى .. الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة ..
سلمى : ميرسى يا أمينة .. ومتشكرة جدا على اتصالك .. وسلامى للمهندس خالد والولاد ..
أمينة : يوصل ان شاء الله .. ونطمن عليكم دايما .. مع السلامة ..
سلمى : مع السلامة ..

أغلقت أمينة الخط وهى لا تدرى ماذا استفادت من هذه المكالمة الغريبة التى قامت بها بدون مناسبة .. كانت تفكر فيما ستظنه سلمى عنها .. خصوصا لو أن هناك لا تزال علاقة بينها وبين خالد .. وماذا سيظن أو سيكون رد فعل خالد لو علم من سلمى أن أمينة قد هاتفتها ؟؟!! ندمت ان فعلت واتصلت بسلمى .. لكن ما حدث قد حدث .. وعليها مواجهة الأمر ..
أما من ناحية سلمى فقد ظلت شاردة تفكر فى هذه المكالمة التى لم تكن تتوقعها أبدا .. حتى لاحظت بسمة شرودها وسألتها : مالك يا طنط .. سرحتى أوى بعد المكالمة دى .. يا ترى مين أمينة .. وليه المكالمة بينكم رسمية أوى كده .. ؟

سلمى وقد تنبهت من شرودها كأنها تخرج من الماضى الى الحاضر : أمينة دى يا ستى تبقى مرات المهندس خالد اللى قابلتيه فى وفاة مصطفى .. فاكراه ؟.. كان معانا من أول لحظة .. هما من اسكندرية .. بس أمينة تعبت أيامها ودخلت المستشفى فترة .. كانت بتعانى من جلطة سببت لها شلل .. بس الحمد لله هى دلوقتى بخير .. كانت بتعزينى فى مصطفى الله يرحمه ..
بسمة : ياه .. بعد الوقت ده كله .. والله فيها الخير .. الظاهر انها بنت أصول فعلا ..
سلمى وقد بدت حسرة وأسى على وجهها : هى فعلا بنت اصول .. والا مكنتش تستاهل ان خالد يتجوزها .. وبدون ن تدرى كانت الدموع قد ملأت مقلتيها وأصبحت عيناها تلمعان بهم ..
نظرت اليها بسمة بتعجب : مش فاهمة .. تقصدى ايه ؟ .. وايه الدموع اللى فى عنيكى دى .. ؟ أكيد افتكرتى حاجة خلتك حزينة بالشكل ده ..

لم تمتلك سلمى القدرة على كبح دموعها فانسابت على خديها وقد غلبها الشوق من جديد الى خالد الذى مازال قلبها ينبض بحبه .. عصفت بها ذكريات الماضى فى لحظة .. تذكرت كيف كانوا على وشك أن يعترف كل منهم بحبه للآخر.. ثم أتت عاصفة فى لحظة واحدة على يد توفيق لتطيح بأحلامهما سويا ليكون من نصيب أمينة .. وتصبح هى من نصيب مصطفى ..
مرت لحظات سيطرت فيها سلمى على مشاعرها فقالت لبسمة : ياللا بينا يا بسمة .. أنا حاسة انى تعبانة ومحتاجة استريح شوية ..

كان من الواضح لبسمة فى تلك اللحظة أن سلمى لم تكن تعانى من ضغوط بسبب مشاكل ابناءها فقط.. ولكن زاد عليها ذكرياتاها التى هاجمتها فجأة .. فرق قلب بسمة لحالها واقتربت منها لتحتضنها وتواسيها فيما تعانيه و تمر به من ضغوط .. ثم قاما سويا وتحركا الى السيارة وعادا الى البيت ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-20, 06:53 PM   #87

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثانى و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل الثانى والثلاثون

عاد خالد من القاهرة الى بيته فى العاشرة مساءا .. كان كالعادة متعبا من السفر والعودة بالاضافة الى الاجتماعات .. كانت أمينة فى انتظاره فى صالة البيت .. وما أن دخل البيت والقى عليها السلام .. انتصبت واقفة تأخذ منه شنطة اللابتوب التى كان يحملها وهى تقول بابتسامة بسيطة : حمد الله على سلامتك يا حبيبى .. ثوانى والعشا حيكون جاهز على السفرة .. ادخل انت غير هدومك على ما احضره ..
خالد : انتى عاملة ايه يا أمينة النهاردة .. وفين غادة وأمير ؟
أمينة : نا بخير لحمد لله .. غادة فى أوضتها .. وأمير لسة مرجعش من الشركة لغاية دلوقتى ..
خالد : وايه اللى أخره لغاية دلوقتى .. المفروض ان التدريب بتاعه يخلص النهاردة على الساعة سبعة ..
أمينة : مش عارفة .. ممكن نتصل بيه بعد ما تتعشى .. يمكن يكون خرج مع اصحابه .. عموما هو باقى له يومين والاجازة تنتهى ويرجع وحدته .. يمكن بيلحق يقضى شوية وقت مع اصحابه قبل اجازته ما تنتهى ..

لم يرد عليها خالد ودخل الى حجرته ليعود بعد ربع ساعة ويجلس على السفرة وقد جهزتها أمينة التى ظلت صامته مترددة فى ان تخبره بما حدث خلال يومها .. خصوصا بمكالمتها مع سلمى .. لكنها فى النهاية قالت انه من الافضل ان ترجى هذا الموضوع حتى تخبره بحمل رنيم فقالت بهدوء : مبروك يا خالد حتبقى جد ان شاء الله ..
نظر اليها خالد وقد انفرجت اساريره من السعادة بهذا الخبر وقال : انتى بتتكلمى جد يا امينة .. رنيم حامل بجد ..
أمينة بابتسامة وهى سعيدة بوقع الخبر عليه : أيوة يا سيدى هى اتأكدت النهاردة .. ربنا يتمم لها على خير ..
خالد : يارب يا أمينة .. يارب .. وياترى أشرف عمل ايه لما عرف ..؟
أمينة : بصراحة معرفش .. بكرة الصبح ان شاء الله لما اتصل بيها ابقى أعرف .. بس عموما هى خايفة من رد فعله .. لانه مكنش عايز ولاد دلوقتى ..
خالد باستياء : ليه يعنى .. أمال كان بيتجوز ليه .. أنا مش عارف ايه الخيابة بتاعة الجيل ده اللى ما يعلم بيه الا ربنا .. كل واحد يتجوز يقولك أنا مش عايز خلفة دلوقتى .. زى ما يكون الأمر باديهم .. طيب ده يحمد ربنا .. ده فيه ناس بتقعد سنين علشان تشوف لها حتة عيل .. سيبكم منه .. ولو زعلها أو اعترض على عطية ربنا صدقينى أنا اللى حقف له المرة دى .. هو ايه مش عايزنا نتمتع بأحفادنا .. ده ايه الأنانية دى يا ربى .. لا حول ولا قوة الا بالله ..
أمينة وقد أحست انها اخطأت أن أخبرته بأمر أشرف : اهدى بس يا حبيبى .. الموضوع مش مستاهل خالص .. حتى لو اتضايق .. صدقنى شوية وحيروق ويرضى .. متشغلش انت نفسك بيهم ..
ساد الصمت بينهم لدقيقتين ثم قالت أمينة بتردد : على فكرة يا خالد .. أنا اتصلت النهاردة بسلمى ..
خالد بدون اهتمام : سلمى مين ؟
تعجبت أمينة من رده : سلمى مرات مصطفى الله يرحمه ..

ترك خالد الملعقة من يده بهدوء فى الطبق الذى أمامه ونظر لها نظرة لم تستشف منها أمينة شيئا ثم أكمل طعامه فى هدوء ولم يعلق ..فبادرت أمينة : يعنى مسألتنيش عن سبب اتصالى بيها .. ولا اتكلمنا فى ايه ..
خالد وهو مازال ينظر الى طعامه يتناوله فى هدوء : خير يا أمينة .. ياترى اتصلتى بيها ليه .. ؟
أمينة : بصراحة حسيت انى كنت قليلة الذوق انى معزتهاش فى مصطفى الله يرحمه .. بس هى عذرتنى لظروف تعبى .. هو انت كنت حاكيلها عنه ؟ لأنى حسيت انها كانت عارفة .. ؟
خالد بنفس هدوئه وهو يرفع رأسه ويقول لها : أيوة يا أمينة .. ما انتى عارفة انى فى الفترة دى كنت على اتصال بيهم بطمن عليهم وعلى سير القضية ..
أمينة بتردد : يعنى أفهم من كده انه مفيش اتصال بيها اليومين دول ..؟
وقبل أن يجاوب خالد على سؤالها الأخير .. خرجت غادة من حجرتها لترحب به وتجلس معه ومع أمينة على العشاء ..
غادة : بابى .. حمد الله على السلامة .. جيت امتى ؟
خالد بابتسامة يشوبها الشرود : من شوية يا حبيبتى .. عاملة ايه ؟
غادة بمرح : أنا كويسة .. هو أمير لسة مجاش ..؟
أمينة : لا يا حبيبتى .. زمانه على وصول ..

جلس الثلاثة يتحدثون فى موضوع حمل رنيم وكانت غادة قد علمت من أمها به فور وصولها من المدرسة .. فأخذ كل واحد منهم يتمنى نوع الجنين واسمه وكان ثلاثتهم فى غاية السعادة بهذا الخبر .. ثم سمع الثلاثة باب الشقة يفتح ويدخل أمير قائلا : السلام عليكم ..
رد الثلاثة فى صوت واحد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
أمينة : تعالى يا أمير يا حبيبى .. تحب تتعشى وبعدين نقولك خبر حلو .. ولا نقولهولك الأول ..؟
نظر اليها أمير بتعجل ثم قال : خير يا أمى .. يا ترى ايه الخبر الحلو ده .. ؟
أمينة بفرح : حتبقى عم قريب يا حبيبى .. رنيم حامل .. عقبال ما نفرح بيك عن قريب وتجيب لنا حفيد حلو زيك ..
غادة : أو زييى يا مامى ..
أمينة بتهيدة : يارب يا حبيبتى ويفرحتى بيكى انتى كمان ..

كان خالد ينظر الى اسرته الصغيرة السعيدة ويدعو الله فى قلبه أن يديم عليه نعمة ودفئ هذه الأسرة التى لولا أمينة ورجاحة عقلها وحنانها .. ما كانت هذه الأسرة بهذا الشكل الجميل .. لذا كان يشفق عليها بشدة مما سببه لها من ألم كان واضحا أنها لاتزال تعانى منه .. والا ما الذى جعلها تطلب سلمى وتتحدث معها .. هو لا يصدق بالطبع انها قد فعلت لتعزيها فى مصطفى .. فهى تعلم جيدا ان التعزية فى الاسلام هى ثلاثة ايام فقط من الموت .. ومصطفى قد مر على وفاته شهور .. هو يعلم انها قد اتصلت بها حتى تستشف منها ان كانت سلمى لا تزال على اتصال به .. خصوصا انه كان اليوم فى القاهرة .. أمينة مازالت تشك بعلاقته بسلمى ..
وبالرغم من أن هذا كان يؤلمه الا انه كان يرغب فى ان يطمئنها أنه ليس هناك اى نوع من الاتصال بينه وبين سلمى .. وان كان فى بعض الأحيان يريد ان يطمئن عليها وعلى اولاد مصطفى من باب صداقته مع مصطفى وحسب ..
قال خالد فجأة : تعرفوا يا أولاد أنا نفسى فى ايه دلوقتى ..؟
نظر اليه ثلاثتهم متسائلين بنظراتهم حتى ردت غادة قائلة : يا ترى فى ايه يا بابى .. ؟
خالد وهو ينظر الى أمينة نظرة حب صادقة : نفسى أسافر اجازة أنا وماما نقضيها سوا فى فرنسا .. فى الريف هناك .. بس ده طبعا ما نقضى يومين فى باريس تشترى كل اللى نفسها فيه .. وبعدين نطلع على السعودية نعمل عمرة .

نظرت له امينة نظرة من نظراتها القديمة التى طالما احبها منها قبل تلك الزوبعة التى حدثت بينهم ثم قالت : انت بتتكلم جد يا خالد .. ؟ بجد عايز تعمل كده ..؟ .. لم يكن ما يشغل أمينة الذهاب الى مكان ما ولو كان فى اجمل بقاع الأرض .. لكن كان جل همها هو أن يفكر فيها خالد ويشعر بها بهذه الطريقة ..
خالد بهيام : وهو يقترب منها ويجلس على الأرض أمامها وأمام اولاده ويضع رأسه فى حجرها : أيوة يا أمينة .. هو ده احساسى فعلا فى اللحظة دى .. نفسى نعمل شهر عسل جديد و عمرة مع بعض .. نطوف حولين الكعبة سوا ونسعى بين الصفا والمروة سوا .. وندعى ربنا سبحانه وتعالى انه يديمك فوق رؤسنا ويخليكى لينا يا أمينة ..

كانت أمينة تستمع الى كلماته وهى تضع كفها على رأسه بحنانها المعهود .. ولولا وجود أمير وغادة لجثت هى الأخرى على الأرض وحضنته الحضن الذى يحبه دائما منها .. لم تشعر أمينة طوال حياتها مع خالد بلحظات رومانسية اجمل ولا أصدق مما تعيشه معه فى تلك اللحظات .. خصوصا أمام ابنائهم .. شعرت أمينة بحب خالد الصادق لها فى تلك اللحظة .. فتمنت لو انه قال ما قال لسلمى مئات المرات .. ثم اعتذر منها ليصالحها بهذه الطريقة الرومانسية التى احبتها منه كثيرا .. واذابتها فى حبه كما فعلت دوما منذ عرفته وهى بنت مراهقة صغيرة .. لتتذكر أغنية "شكل تانى حبك انت" لنجاة الصغيرة .. وبالتحديد المقطع الذى تقول فيه .. " من جمالك .. من حنانك يومها وانت بتصالحنى .. كنت عايزة .. عايزة أقولك قوم خاصمنى .. مش بقولك .. حبك أنت شكل تانى" .. فهى كانت تتمنى أن تتكرر مواقف الخصام بينهما .. لتعيش جمال الصلح وروعته منه ..

كان أمير وغادة ينظرون الى هذا المشهد الرومانسى باعجاب شديد .. فأمير كان يعلم لماذا يفعل والده ما يفعل .. كان يعلم ان تلك احد مرات اعتذاره لها على ما بدر منه فى حقها .. ولكن المشهد فى نفس الوقت قد أثار شجونه الى رغد .. فتمنى لو أن ما بينه وبينها مثل ما بين والديه فى تلك اللحظة ..

أما غادة .. فقد دمعت عينيها من المشهد وهى تقول : يا عينى .. يا عينى .. ده ايه ده كله يا سى بابا .. ويا ترى بقى احنا نصيبنا ايه من الرحلة الحلوة دى .. شهر عسلل من جديد فى فرنسا وجو الريف الفرنسى وبعدين عمرة .. ماشى يا عم .. الله يسهل له ..

انتبهت أمينة لوجود اولادها فضحكت من تعليق غادة وهى تقول : هو احنا نقدر نبعد عنك يا غادة يا حبيبتى .. ان شاء الله نعمل الجولة دى بعد ما تخلصى الدراسة ويكون أمير خلص الجيش بتاعه .. وتطلعوا معانا العمرة ..
غادة باعتراض وهى تبتسم : نعم .. نعم .. العمرة بس .. ؟؟!! وفرنسا ظروفها ايه بالنسبة لنا يا سى بابى ..؟
خالد مبتسما : انتم كفاية عليكم العمرة .. أما شهر عسلنا .. فده لينا لوحدنا .. مش عايزين عوازل ..
أمينة بعتاب : لا والنبى يا خالد .. متقولش عليهم كده .. ولادى حبايبى مش عوازل .. وبعدين أنا مقدرش ابعد عن غادة المدة دى كلها ..
غادة وهى تحتضن أمينة وتطوق رقبتها من الخلف : حبيبتى يا مامى .. ربنا يخليكى ليه ..
خالد : طيب أخرج أنا منها .. بس على فكرة علشان متقوليش انى مقلتلكيش .. انتى حتملى من الريف الفرنسى بعد يومين ..

غادة وهى تترك أمينة وتحتضن خالد بنفس الطريقة : ماهو ميمنعش يا خلود اننا نعمل يومين تلاتة شوبنج فى باريس زى ما قلت .. بس عموما أنا حيكفينى العمرة بس المرة ة دى .. ثم اكملت وهى تغمز بعينيها وتنظر الى والدها : ومش حبقى عزول يا سى بابا ..
أمينة وهى تقوم لتجهيز العشاء لأمير : عموما .. خلونا الأول نطمن على احوال رنيم وييجى الصيف وربنا يقدم لنا اللى فيه الخير .. أنا ححضر العشا لأمير .. وانتى يا غادة ياللا على اوضتك علشان تنامى بدرى للمدرسة ..

باتت امينة فى تلك الليلة فى حضن خالد فى طمأنيينة لم تعهد لها مثيل منذ ان تزوجت منه .. فاليوم .. واليوم فقط قد طمئن الله قلبها من ناحيته .. كانت ترى أنه لم يعالج جرحها الذى تسبب لها فيه منذ شهور قليلة .. بل انه قد أرسل لها رسالة حب صادقة رأتها فى عينيه جلية وهو يقترح ذهابه معها الى العمرة والى قضاء شهر عسل جديد .. وكأنه يرد على مخاوفها التى سيطرت عليها لدرجة أن تعتقد أنه مازال باقى على حبه لسلمى فتتهور وتتصل بها لعلها تستشف من كلامها معها شيئا عن علاقتهم التى لا وجود لها الا فى خيالها ..

باتت وهى تحلم ببداية جديدة مع خالد حبيب عمرها بعد أن أحست بأنه يبادلها نفس الحب التى ظلت تبحث عنه فى عينيه طوال سنوات العشرة بينهما .. باتت قريرة العين أنها قد نالت أخيرا ما تمنته من علاقتها بخالد ..
---------------------------------------------------------------

عرض عبد القادر الزواج على اجلال ولكن فى هذه المرة بغير شرط عدم الانجاب .. بل أصبح يريد الانجاب منها فى اسرع وقت .. كان قد سألها وهم على العشاء بالفندق : لو قلت لك يا اجلال انى تراجعت عن شرط الانجاب .. توافقى على الجواز منى ..؟؟

نظرت اليه اجلال غير مصدقة عرضه هذه المرة .. ثم اطرقت رأسها وهى تومئ برأسها بالموافقة ..
انفرجت اسارير عبد القادر من السعادة .. وقال : بس أنا عايز اسمعها ..
ردت اجلال فى خجل وهى تنظر اليه ثم تخفض اهدابها على عينيها مرة أخرى : موافقة ..

وضع عبد القادر يده على كف اجلال القابع امامه على الطاولة فأحمر وجهها بشدة وسارت بجسدها رعشة خاطفة .. فقال لها : صدقينى عمرك ما حتندمى على قرارك ده يا اجلال .. ربنا يقدرنى واسعدك السعادة اللى تستحقيها .. بكرة ان شاء الله حييجى جواهرجى العيلة للفيلا علشان تختارى الشبكة اللى نفسك فيها .. وان شاء الله نتمم الجواز خلال شهر .. لو يناسبك .. قلتى ايه يا حبيبتى ..
سرت رعشة أخرى بجسدها .. لم تتذكر اجلال ان رجل سواه قد ناداها بكلمة " حبيبتى" .. فزوجها السابق لم يناديها ولو مرة واحدة بهذه الكلمة .. لا قبل الزواج .. ولا بعده .. جل ما قاله لها أيام كان يطاردها قبل الزواج انه يحبها .. حتى دخلت بيته وبيت عائلته وواجهت أصعب حياة تواجهها فتاة فى حياتها .. فبدلا من كلمة " حبيبتى" كان يناديها هو وأفراد اسرته بأقذر الأسماء وينعتونها بأقذر الشتائم واحيانا بغير سبب واضح .. فكانت فى البداية تعترض بشدة عما يفلعونه معها .. فما كانت تلقى سوى المزيد من السباب والاهانة التى كانت تصل فى بعض الأحيان الى الضرب .. لذا استسلمت فى النهاية لهم .. فاصبحت لا تعترض على شيء مما يفعلونه أو يقولونه .. حتى تتفادى اهاناتهم ..
ردت اجلال فى هدوء وبابتسامة بسيطة : الى تشوفه يا دكتور ..

ضحك عبد القادر ضحكة سمعها من حوله فنظرت اليه اجلال بتعجب فأردف يقول : دكتور ايه يا اجلال .. ده احنا خلاص فى حكم المخطوبين وفى اقل من شهر حتبقى مراتى .. يعنى تنادينى بإسمى من غير دكتور .. أو تقوليلى زى ما أنا بقولك ..
اجلال بخجل : يعنى أقول ايه .. مش عارفة .. أنا مش واخدة على انى اقول غير يا دكتور ..
عبد القادر : يعنى متقدريش تنادينى بـ " حبيبى" .. أو على الأقل .. عبد القادر كده من غير دكتور .. هه .. ياللا .. عايز اسمعها منك ..
اجلال : طيب ..
عبد القادر : طيب ايه .. مسمعتهاش ..
اجلال وقد احمر وجهها كثيرا من الخجل وهى تقول : طيب .. يا .. عبد القادر ..
عبد القادر مهللا : الله .. الله .. طالعة منك زى السكر ..

عاد عبد القادر واجلال الى البيت بعد قضاء سهرة رومانسية جميلة .. عاد ليجد آية فى انتظار اجلال جالسة مع جدتها و فاطمة .. وبمجرد ان لمحت اجلال جرت اليها وارتمت فى حضنها .. فضمتها اليها اجلال بحنانها المعتاد ..
وقبل أن يجلس وقف بجوار اجلال وهى ممسكة بآية ثم قال بابتسامة : يا امى .. يا ست فاطمة .. انا حابب اقولكم على خبر ويارب يعجبكوا ..

نظرت اليه فايزة وهى تبتسم .. فقد عرفت من نظرته ان اجلال قد وافقت على الزواج من ابنها .. وايضا نظرت فاطمة اليه ثم الى اجلال لعلها تستشف الخبر من عينيها .. ولكن اجلال كانت مطرقة الرأس فى خجل واضح من احمرار وجهها .. تنظر الى آية وتداعب شعرها الناعم الجميل الذى يغطى رأسها كطاقية سوداء تنزل من الخلف الى بداية رقبتها ومن الأمام الى حاجبيها .. وعندما فشلت فى ان تقرأ الخبر فى عينيى اجلال قالت : يا ترى ايه الخبر ده يا دكتور عبد القادر ..
عبد القادر : أنا طلبت الجواز من اجلال . وهى وافقت ..

انفرجت أسارير فاطمة وفايزة فى سعادة بالغة .. فكل منهم كان فرحا لمن يهمه .. ففاطمة كانت سعيدة أن الله قد عوض اجلال بخير كبير بعد زيجتها الأولى وما عانته على يد زوجها السابق وعائلته .. وفايزة .. كانت سعيد لابنها الذى عوضه الله باجلال وعوض ابنته بها ايضا .. فكلاهما يستحق واحدة مثلها .. فهى كانت ترى من اليوم الأول كم هى امرأة رائعة .. على خلق وأصل طيب كأنها تربت فى بيت أصول بحق .. ترى حنانها على آية وكأنها امها التى ولدتها .. لا مجرد انسانة تعرفت عليها منذ أيام قليلة .. والأهم من ذلك انها كانت ترى سعادة ابنها الوحيد مع هذه المرأة التى كانت تتفانى فى العمل معه فى عيادته وتتفانى فى العطف على ابنته .. هى ترى انها اذا انتقلت الى جوار الله الآن فهى مطمئنة على ولدها وحفيدتها ذات الظروف الخاصة .. وقد كانت تحمل همها كثيرا اذا ما فارقت هى وابنها الحياة وتركوها فريسة سهلة لأقاربهم .. الوصيون والورثة الشرعيون لثروة عبد القادر ..

انتهى اليوم .. ودخلت اجلال هى وخالتها الى غرفتها بالاستراحة التى سوف تغادرها قريبا الى قصر عبد القادر الفسيح .. كانت سعيدة .. ولكنها فى نفس الوقت كانت مضطربة وقلقة .. بل وخائفة من المجهول الذى هى بصدده .. خائفة من الفشل .. فهو سيكون الفشل للمرة الثانية .. صحيح أن زواجها الأول كان مصيره الحتمى هو الفشل .. ولكنها كانت سعيدة بهذا الفشل الذى أوصلها الى حريتها المسلوبة فى بيت لم تشعر للحظة واحدة أنه بيتها .. وأناس لم يشبهوها فى شيء .. لكن الفشل هذه المرة سوف تخسر فيه الكثير والكثير .. وأكبر خسارة هى فراقها عن آية وعبد القادر .. ثم خروجها من الجنة التى ألفتها فى بيت عبد القادر .. كانت لا تريد أن تعود مرة أخرى لما كانت عليه .. كانت كأى أنثى تفكر فى أيامها القادمة .. هل عبد القادر يتزوجها لعطفها على ابنته .. أم يتزوجها لأنه أحبها .. هل فارق العمر بينهما سوف يكون سببا لعدم التفاهم بينهما وهل سوف يسبب لها المشاكل .. كانت تتمنى لو أن تطول الخطبة قليلا حتى تأخذ عليه وتقترب منه كخطيبة .. حتى تطمئن لطباعه .. وتطمئن انه يريدها لشخصها وليس مجر امرأة ترعى ابنته وحسب .. فهى قد أخذت عهدا على نفسها أن ترعى آية وتعطف عليها فى جميع الأحوال لسبب بسيط وهو انها قد أحبتها حبا حقيقيا بعيدا عن أى طمع أو احتياج لما هى فيه منذ أن انتقلت للعيش فى الاستراحة ..

باتت اجلال فى تفكير وخوف وقلق بجوار سعادتها .. بينما بات عبد القادر يحلم ببدايته الجديدة مع اجلال .. فهو فى حاجة لإمرأة كأى رجل .. وبحاجة الى أم بديلة لآية .. والأهم من هذا وذاك انه قد علم مدى حاجته الى حصن تلجأ اليه آية اذا ما وافته المنية ..
بالرغم من السعادة التى كان يعيشها عبد القادر فى تلك الأيام الا انه كان قلقا على مستقبل ابنته .. لذا كان أول شيء فعله فى اليوم التالى أن دخل الى حجرة مكتبه وكتب وصيته .. وفيها أوصى بأن تكون اجلال هى الوصية على ابنته وميراثها .. وأوصى أيضا بربع تركته لاجلال على ان تقسم باقى ثروته على ورثته كما ينص الشرع .. ثم طلب محاميه الخاص وطلب منه أن يزوره بالبيت وسلمه الوصية ..

بعد أن انهى مقابلته مع المحامى واطمئن نسبيا على ابنته .. طلب عبد القادر جواهرجى العائلة وأخبره انه يريد منه الحضور الى فيلته مساءا ومعه اطقم مختلفة للشبكة حتى تختار اجلال ما يعجبها .. انهى افطاره مع والدته وابنته ثم تكلم مع والدته فى انه يريد أن يتمم الزواج فى خلال اسبوعين بدلا من شهر .. فقالت له أمه بانه لا داعى للعجلة .. وانه يجب ان يعطى اجلال الوقت الذى تحتاجه لاتمام الزواج .. لم يقتنع برأى امه.. لذا بعد ان غادر طاولة الإفطار طلب اجلال تليفونيا وطلب منها ان تقابله فى حديقة البيت ..

تقابلا بعد ربع ساعة يتجولون بالحديقة الواسعة .. فسألها عبد القادر : يا ترى يا اجلال لو قلت لك انى حابب اننا نتمم الجواز قبل الشهر .. يا ترى حتوافقى ؟
اجلال مندهشة : ياه .. اقل من شهر .. بصراحة صعب اوى .. أنا كنت عايزة اطلب منك نزود الشهر .. حاسة انه قريب أوى .. وبعدين .. مش شايف اننا محتاجين شوية وقت .. مش يمكن تندم وترجع فى كلامك ..
عبد القادر مستنكرا : ايه الكلام اللى بتقوليه ده يا اجلال .. لا طبعا .. بقى انا بطلب منك نقدم الوقت .. وانتى تقوليلى أندم وأرجع فى كلامى .. طيب تتركب ازاى دى ؟

سكتت اجلال وساد الصمت للحظات فبادر عبد القادر وعلى وجهه لمسة حزن : الظاهر ان انتى اللى محتاجة شوية وقت تفكرى أو ندمانة على قرارك ..
اجلال : يا خبر يا دكتور .. أبدا والله .. أنا سعيدة جدا .. بس .... ل
لا تعلم لماذا خشيت اجلال ان تفاتحه وتسأله .. لماذا هى باللذات .. لعلها تستشف منه اجابة سؤال يراودها دائما .. ولكن عبد القادر بفطنته وحكمة سنه بادر بالكلام عندما سكتت وقال : اسألى ..
اجلال نتعجبة : اسأل عن ايه يا دكتور ..
عبد القادر : اظن اننا اتفقنا من امبارح ان مفيش ألقاب بينا ..
اجلال وهى تنظر الى الأرض بخجل : أنا آسفة .. بس اعذرنى .. أنا لسة مخدش على كده ..
عبد القادر مبتسما : ولا يهمك يا ستى .. اسألى عن اللى بيدور جواكى من اسئلة مش لاقية لها اجابات .. بس بشرط ..
تعجبت اجلال من قراءة عبد القادر لما يدور بخلدها وقالت: شرط ايه ؟
عبد القادر : لو جاوبتك على كل الأسئلة واستريحتى .. حنخلى الجواز الأسبوع الجاى ..
اجلال : يا خبر .. الاسبوع الجاى .. طيب وأنا حقدر اجهز فى المدة القصيرة دى ؟؟!!
عبد القادر : حكاية الجهزان دى خليها على .. انتى بس اكتبى لى لستة بطلباتك واللى ناقصك .. وأنا فى يومين بالعدد حكون موفرهالك ..

شعرت اجلال بانه قد رمى بالكرة فى ملعبها .. وما عليها الآن سوى أن تسأل وهو يجيب .. وهذا كان جل همها الآن .. لذا نسيت كل شيء بما فيها شرطه الذى سوف يجعلها زوجة له بعد أسبوعين وقالت فى تلعثم وتردد : ليه أنا ؟

كان عبد القادر ذكيا ولماحا بطبعه .. فابتسم لسؤلها الأول وقال : حتصدقينى لو قلت لك انى كنت معجب بيكى من زمان .. من أيام ماكنتى تلميذة فى معهد التمريض ..

نظرت اليه اجلال فى تعجب مندهشة مما تسمعه : أنا !!! .. بس انت كنت فى الوقت ده متجوز وكان عندك آية ..
عبد القادر وهو ينظر اليها بحنان أيوة انتى يا اجلال .. أنا جوازى من أم آية الله يرحمها كان جواز اجبارى .. أقصد ان الظروف هى اللى اجبرتنى عليه .. أنا كبرت فى بيت أبويا ومكنش عندى أى تطلعات نسائية .. وكانت سامية الله يرحمها متربية فى بيتنا .. هى بنت خالتى .. لما أمها اتطلقت من جوزها مكنش ليهم حد غيرنا يراعيهم .. وبابا الله يرحمه جابهم يعيشوا معانا بعد ما جوزها طردها من الشقة .. عشنا كلنا كعيلة واحدة .. كانت سامية بالنسبة لى اختى الصغيرة .. كبرنا سوا وأنا بعزها زى اختى ويمكن اكتر .. خصوصا بعد رحيل أمها كان عندها فى الوقت ده ستاشر سنة تقريبا .. وبعدها بسنتين سمعنا ان ابوها اللى عمره ما سأل عنها مات هو كمان فى حادثة عربية .. ولما أخدت الماجستير وبعه الدكتوراة كان سنى كبر .. وأبويا الله يرحمه وأمى كانت رغبتهم كبيرة أوى فى انى اتجوزها .. وعلشان مكنش فيه فى الوقت ده ست فى حياتى وافقت واتجوزتها .. وخلفنا آية .. لكن لما شوفتك فى المعهد .. غصب عنى قلبى اتحرك ناحيتك .. كنت لأول مرة بحس شعور غريب وحلو فى نفس الوقت كل ما أشوفك .. لكن فى الوقت ده عرفت انك كنتى مرتبطة .. وكان فرق السن بينا كبير .. علشان كده كتمت حبك جوايا .. لكن عمرى ما نسيتك .. فضلت أفكر فيكى حتى بعد ما سافرت إعارة .. لكن بعد وفاة سامية الله يرحمها ولما عرفت انك انفصلتى عن جوزك .. رجع لى الأمل من جديد .. سكت قليلا وهى مندهشة لسماع قصته .. أو بالأحرى قصة حبه لها .. ثم تكلم عبد القادر من جديد وهو يتنهد : عرفتى بقى يا ستى ليه انتى ؟

ابتسمت اجلال واحمر وجهها بشدة وهى فى سعادة بالغة مما عرفت وكانت فى سعادتها تلك مضطربة وهى تشعر بقلبها يرقص فى مكانه بعد أن علمت انه يتزوجها لأنه أحبها .. ومنذ زمن .. هى الآن مطمئنة انها ليست مجرد دادة لإبنته .. حتى وان كانت ارتضت بهذا الوضع حين وافقت على أن تتزوجه ..
قطع عبد القادر شرودها وهو يقول : فيه أى اسئلة تانية يا أميرتى شاغلة بالك ..؟
ردت اجلال فى خفوت وهى تنظر اليه ثم تنظر الى الأرض لشعورها بالخجل منه : لا ..

نظر اليها عبد القادر وقد سلبت عقله من خجلها الذى يضفى عليها جمال فوق جمالها : يا ترى يحق لى اسئلك نفس السؤال ؟ ليه أنا ..؟!!! .. ليه وافقتى على الجواز منى ؟

نظرت اليه اجلال متسعة العينين .. مندهشة من مباغته اياها وهو يطالبها بأن تخبره بسبب موافقاتها على الزواج منه .. تلعثمت وهى تقول : مش عارفة .. بس يمكن مش سبب واحد .. أنا حاسة بأسباب كتير خليتنى أوافق على الجواز منك .. لكن أهم سبب بالنسبة لى هو احساسى بالأمان وأنا جنبك .. خصوصا بعد ما جاوبتنى على سؤالى .. واطمنت انك بتتجوزنى علشان زى ما بتقول انك حبيتنى فى يوم من الأيام ..
قاطعها عبد القادر وهو يمسك بيدها بين راحتيه وهو ينظر فى عينيها : وحفضل أحبك لآخر يوم فى عمرى ..

شعرت اجلال برشعشة تسرى فى جسدها من لمسة يديه وكلماته الناعمة التى اذابت وجدانها فترنحت قليلا ليلتقطها على صدره بحنان .. لتظل لحظات فى احضانه حتى استعادت توازنها فابتعدت برأسها عن صدره ولكنه امسك خديها بحنان وهو ينظر فى عينيها .. ثم طبع قبلة خفيفة على جبينها وهو يقول بعينيه قبل شفتيه : بحبك يا اجلال ..

فى تلك اللحظة لاحظ عبد القادر آية تأتى مسرعة إليهما لترتمى فى احضان اجلال التى حمدت ربها أن أخرجتها آية من هذا الموقف الذى كادت فيه أن تفقد وعيها بين يديه بعد أن اذابها بحنانه وكلماته التى تذيب الحجر .. علمت اجلال فى هذه اللحظة انها احبت عبد القادر برومانسيته ورجولته الطاغية ..والتى انستها تماما فرق العمر الكبير بينهما ..

مرت عدة أيام انهت خلالها اجلال تجهيزاتها ليوم عقد قرانها وزفافها على عبد القادر .. كان عبد القادر قد اقترح عليها قضاء شهر العسل بأوروبا أو على الأقل بشرم الشيخ .. لكنها رفضت ووضعت شرطا لقبولها بشهر العسل فى بلد أخر بعيدا عن آية .. وهو أن يصحبا آية معهما خلال شهر العسل .. بالطبع رفض عبد القادر هذا بالرغم من سعادته بأن اجلال بالفعل تحب آية كما لو كانت ابنتها ..

فى النهاية تزوجا فى حفل عائلى بسيط حضره المقربون جدا من ذويهم واصدقائهم .. قضيا شهر العسل فى الفيلا بجوار آية وامه وخالة اجلال .. عاشا فى هدوء وسلام .. عاشا اجمل أيام عمرهما منذ زمن بعيد ..

مرت أيام الهدوء و العشق والغرام .. عاد عبد القادر بعدها الى عمله وحياته الطبيعية .. مر شهران كان خلالهما ينتظر عبد القادر خبر حمل اجلال وكأن زواجهما قد تم منذ عامين .. كان فى شوق لسماع خبر حملها بعد ان كان رافضا له من قبل .. حتى جاء هذا اليوم الذى اتصلت به امه فى عمله بالمشفى واخبرته ان اجلال قد اغمى عليها وان عليه ان يأتى الى المنزل فى الحال ليكون بجوارها وليطمنهم على حالتها ..

اصطحب عبد القادر احد اطباء النساء من زملائه ووصلا الى البيت بعد دقائق قليلة .. كانت اجلال قد افاقت من الاغماء قبل وصولهما .. وكشف عليها الطبيب ثم استدار الى عبد القادر بوجه باش يخبره بان اجلال بخير ولكنها اعراض الحمل هى التى سببت لها هذا الاغماء .. وان عليها ان تستريح حتى تستطيع ان تقوم بزيارته فى عيادته لتبدأ متابعة حملها ..

لم يشعر عبد القادر بنفسه وهو يحتضن الطبيب من شدة فرحه بهذا الخبر .. ثم اتجه الى اجلال التى كانت ترقد فى سريرها مبتسمة فى خجل عندما اقترب منها وهو يطبع قبلة على جبينها وهو يقول : مبروك يا حبيبتى.. لترد اجلال فى امتنان : مبروك علينا يا حبيبى ......
---------------------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-20, 12:25 AM   #88

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,156
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

السلام ماادري انا محظوظةوالا لا قصص جميله مانعرف نرد علي او نسينا نرد علي القصص
اتمنى القصهكاملة


غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-20, 10:38 PM   #89

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
السلام ماادري انا محظوظةوالا لا قصص جميله مانعرف نرد علي او نسينا نرد علي القصص
اتمنى القصهكاملة
أشكرك .. يتم نشر الفصول كل يوم خميس .. غدا سوف يتم نشر الفصل الثالث والعشرون باذن الله .. باقى فعدد من الفصول وتنتهى الرواية .. وسوف يتم نشرها حينئذ كاملة باذن الله ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-07-20, 04:28 PM   #90

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثالث و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل الثالث والثلاثون

مر يومان على جمال وهو بجوار غرفة العناية المركزة التى تقبع بها سمر .. وكانت سلمى تمر عليه لتطمئن على احواله وعلى حالة سمر .. كانت تدعو الله ليل نهار أن ينجيها الله حتى ينجو ابنها من المصيبة التى تنتظره ..

كان من حسن حظ جمال أن أخت سمر فى عمل خارج البلاد .. فلم تعلم بما حدث لها .. والا كانت أقامت الدنيا فوق رأسه بتصرفاتها الهوجاء .. واتصالاتها بمسئولين البلد وكثير منهم من الفاسدين الذين يتمنوا التقرب منها بأى خدمة تطلبها .. يتمنوا لمثلها الرضا .. كانت اختها سوف تستعرض قوتها ونفوذها ونفوذ فاسديها .. خصوصا اذا علمت بحقيقة ما حدث لأختها .. وربما بعد ان تنجح فى سجنه تأخذ أولاده بعيدا عنه سواء عاشت سمر أو وافتها المنية .. وهنا سوف تكون الطامة الكبرى والثمن الغالى الذى سوف يدفعه جمال من جراء زواجه من واحدة مثل سمر .. الثمن أولاده الذين سوف تقوم على تربيتهم من ربت أمهم وأفسدت تربيتها وسلوكها للدرجة التى تخون فيها زوجها بدون أن يرمش لها جفن ..

كان الأطباء قد سمحوا له أن يدخل اليها مرة أو مرتين باليوم .. يجلس بجوارها فترة وجيزة وهو ممسك بيدها .. كان خلالها تنتابه أعاصير من الأفكار والذكريات خلال اليومين السابقين .. فتارة يشفق عليها ويغلبه حبه لها ولبيته وأولاده فيشعر أن لديه الرغبة فى غفران ذنبها والتغاضى عن خيانتها القذرة له .. ولكنه سرعان ما كان يستبعد هذه الفكرة الخبيثة عن ذهنه .. فكيف له أن يعاشر خائنة مثلها من جديد .. وتارة أخرى يشعر بمدى حقارتها وحقارة خيانتها له .. وخصوصا عندما يسترجع المشهد وهى فى احضانه قبل أن يكتشف خيانتها بيومين .. ثم يسترجع المشهد الذى يقذفها فيه عشيقها وزوج اخته ياسر خارج بيته .. بل خارج حياته .. فتمزقه رجولته المهدرة والتى لم تقنع زوجته كى تذهب لرجل آخر تبحث معه عن رجولة تقنع بها وترضيها .. حينها كانت تراوده فكرة وتسول له نفسه أن يهجم عليها وهى نائمة أمامه ليقبض على رقبتها بكلا يديه يخنقها ليتخلص من عارها وعاره ويستريح .. ولولا خوفه واشفاقه على ابنائه ربما فعل هذا ..

دخل اليها فى نهاية اليوم .. ظل ينظر اليها وقد عزم أن يقتلها .. وهو ما كان يفكر بهطوال اليوم حيث كانت نيران الغيرة وخيانتها يفتكان بعقله وقلبه .. ولكنه ما ان اقتربت يداه منها حتى سمع صوتها ولأول مرة منذ الحادثة وهى تئن و تتمتم بكلمات غير مفهومة يتبعها أنين آخر من الألم الذى يشمل جميع اجزاء جسدها .. انتبه بشدة اليها وابتعد بيديه قليلا .. ثم قال لها باضطراب : سمر .. سمر .. انتى سمعانى ..

لم ترد عليه وغابت لدقائق عن الوعى فى حين اسرع هو الى الممرضات وطلب منهم احضار الطبيب لرؤيتها ..

حضر الطبيب الى سمر وطلب من جمال أن يخرج من الحجرة .. فخرج جمال ولكنه ظل يراقب الموقف من نافذة الحجرة .. فشاهد الطبيب يضبط اجهزة العناية .. ثم لاحظ حركة فى يد سمر .. وشفاهها عادت لتتمتم بكلمات .. والطبيب يقترب بأذنيه منها ..
خرج الطبيب بعد دقائق فاقترب منه جمال يسأله عن حالتها .. فقال له الطبيب : أدعيلها .. ثم أنصرف ..

لم يستطع جمال أن يدخل الحجرة من جديد فقد أعطى الطبيب أوامره بعدم دخوله اليها ..
مرت ساعة ونصف وجمال واقف خلف النافذة تارة يبكى حالتها وأخرى يرثى لحاله وحال عائلته الصغيرة التى مزقت رياح الخيانة بيتهم الجميل ..

مرت حوالى النصف ساعة ليفاجئ جمال بضابط شرطة ومعه رجل آخر يحمل دفترا بيده يقتربان من حجرة العناية المركزة التى تقبع بها سمر .. ومن الجهة الأخرى وصل الطبيب ليكون فى استقبال الضابط ..

تكلم الضابط مع الطبيب بحضور جمال : خير يا دكتور .. يا ترى نقدر ناخد أقوال المدام ؟
الطبيب : هى حالتها متسمحش .. بس هى اللى طلبت منى انى أطلب سيادتك .. لانها عايزة تدلى بأقوالها .. بس خلى بالك .. الحالة صعبة جدا .. فأرجوك بسرعة وبدون ما تجهدها بالأسئلة ..
الضابط : مفهوم .. مفهوم ..

دخل الضابط ومعه الكاتب الذى حضر بصحبته .. وفى هذه الأثناء وصلت سلمى لتجد جمال واقف خلف النافذة كعادته .. نظرت اليه فاذا به يتصبب عرقا من الهلع الذى أصابه عندما علم بان سمر قد طلبت الشرطة كى تدلى بأقوالها .. علم وقتها أنه ذاهب الى السجن لا محالة ..
ارتمى جمال بأحضان أمه يريد أن يختبئ من مصيره المجهول والعصيب الذى قد يبدأ بمجرد أن يخرج الضابط من عند سمر بعد أن يأخذ أقوالها ..

هدأ جمال قليلا ثم قال لسلمى والخوف والهلع يبدوان على ملامحه : أمى .. من فضلك تاخدى بالك من ولادى .. همه بعد شوية مش حيبقى لهم حد غيرك فى الدنيا ..
سلمى وقد اتسعت عينيها من هول ما يقوله ابنها : ايه الكلام اللى انت بتقوله ده يا حبيبى .. ان شاء الله تقوم بالسلامة .. وربنا ينجيك من أى سوء .. ادعى لها يا حبيبى .. هى دلوقتى محتاجة دعانا ..
جمال : اسمعينى كويس يا أمى أرجوكى .. مفيش وقت .. سمر طلبت الظابط علشان تدلى بأقوالها .. وهو دلوقتى عندها جوه .. وأكيد حيقبض على بمجرد ما يخرج من عندها .. كل اللى بطلبه منك انك توعدينى انك تحافظى على ولادى لغاية ما تنتهى مدة حبسى .. وكمان تطلبى من استاذ نادر يحضر فورا علشان يكون موجود معايا اثناء التحقيق ..

نزل الخبر على سلمى كالصاعقة فأخذت جمال فى حضنها كى تهدأ من روعه وتهدأ نفسها التى كانت ترتعش بشدة من المصير الذى ينتظر ابنها ..

مرت الدقائق القليلة التى أخذ فيها الضابط أقوال سمر على جمال وسلمى كأنهم دهر من القلق والعذاب .. كانا يراقبان الموقف سويا من النافذة .. كان واضح لهما أن سمر تجاهد لتخرج الكلمات من فمها .. فى حين أن الضابط كان يقترب منها بشدة حتى يستطيع أن يسمع أو يفسر كلامها ..
خرج الضابط ومعه الكاتب بعد أن أدلت سمر بأقوالها بصعوبة .. نظر الى جمال ثم قال له بثبات : حضرتك استاذ جمال جوز مدام سمر ؟

نظر جمال الى امه التى قد وقع قلبها عند قدميها من الخوف والهلع ثم نظر الى الضابط وهو يقول بتلعثم : أيوه أنا ..
الضابط : ممكن تدخل لها .. هى طلبت تشوفك .. سلامتها .. ألف سلامة .. ربنا يقومهالك بالسلامة .. قلبى معاكم .. استأذن أنا ..

تسمر جمال فى مكانه لا يصدق ما قاله الضابط .. لا يصدق أنه قد تركه ولم يقبض عليه لأنه كان السبب المباشر فى أن تصدمها السيارة المسرعة وتحدث لها تلك الاصابات العنيفة التى تعانى منها حاليا ..

نظر الى امه بعد أن انصرف الضابط ومعه الكاتب.. فوجدها تبكى بشدة وترتعش ولا تستطيع أن تتحكم فيما مرت به من خوف على ابنها .. فضمها جمال اليه وقد ذرف هو أيضا الدموع بغزارة .. ثم تركها بعد لحظات ليتجه الى الغرفة .. وقف بجوار السرير التى قد استعادت وعيها ولكنها كانت تئن من الألم فقالت له بصعوبة شديدة وبصوت يكاد يسمعه : قرب منى يا جمال ..

اقترب جمال منها وهو ممسك بيدها وقد ضغطت هى على يديه بشدة والكلمات تخرج من فمها بصعوبة بالغة : أنا قلت للظابط انى أنا اللى كنت بعدى الشارع بسرعة علشان اوصل لعربيتى لأنى كنت مستعجلة وعايزة اجيب الولاد من الحضانة وانت كنت بتحصلنى وبتعدى الشارع ورايا ومخدتش بالى من العربية اللى كانت جاية فى الطريق وخبطتنى .. سكتت قليلا تلتقط انفاسها ثم اردفت : أنا شهدت لصالحك علشان خاطر ولادنا ملهومش غيرك دلوقتى .. وعلشان أنا غلطت فى حقك .. ويا ريت تسامحنى .. ثم سكتت للمرة الثانية واردفت بعد أن التقطت انفاسها وهى تتحمل الألم : انت تستاهل واحدة احسن منى .. انس .. انسانى .. ان سا اا نى يا جمال .. وخلى باااالك من ولاااادنا .. حطهم فى عنيك .. ثم قالت بصعوبة بالغة : ساااامحححنى .. عايزة اسمعك وانت بتسااااامحنى .. يمكن ربنا يساااامحنى ويغفر لى ذنبى الكبير فى حقك وحق ربنا وولادى ..

كان جمال يسمعها وهو يضغط على يدها بشدة ويبكى بحرقة بالغة .. أغمض عينيه وهو على وشك ان يلفظها ويقول مسامحك .. مسامحك يا سمر .. ولكنه قبل ان يقولها أحس بثقل يدها فى يده ففتح عينيه ينظر اليها فرأها وهى شاخصة الى السقف ببصرها دون حراك .. ترك يدها لتسقط بجوارها معلنة عن موتها ..
جمال فى هلع : سمر .. سمر .. ردى على يا سمر .. ردى على علشان خاطرى .. طيب علشان خاطر ولادك .. ردى على يا سمر ..

كانت سلمى تراقب الموقف من النافذة وحين شهدت ماحدث جرت الى الممرضة تستدعيها وتستدعى الطبيب الذى حضر بعد دقائق قليلة .. كشف على سمر وهو ينظر الى الأجهزة التى توقفت .. ثم حاول أن يستعيد نبضها بالضغط على صدرها بأجهزة الصدمات.. ولكنه بعد لحظات دب فيه اليأس ونظر الى الأرض وهو يقول لجمال .. البقاء لله .. شد حيلك ..
صرخ جمال صرخة زلزلت الحجرة بمن فيها .. فاتجهت اليه سلمى مسرعة لتضمه االيها وهى تبكى بشدة وهو يصرخ وينادى على سمر بحرقة ..

مرت الأيام التالية بعد مراسم دفن سمر بصعوبة بالغة على جميع من فى بيت سلمى وأولهم جمال ثم علا .. أما سلمى فكانت تعيش حالة من الضيق والفوضى والزهق من حياتها التى انقلبت فى لحظات رأسا على عقب بعد ان كادت ان تبتسم لها الحياة عندما طلب منها نادر ان تشاركه حياته ..

فعلا كانت تنتظر عودة ياسر أو اتصاله بها يطلب منها الصفح والغفران .. هى لم تعلم الى الآن حقيقة ماحدث .. هى تعلم فقط أن سبب موت سمر هو ما قصته سمر وأثبتته حين أخذ الضابط أقوالها بالمشفى قبل وفاتها .. لا تعلم ان سمر هى من كانت فى احضان زوجها فى شقته بالزمالك ..

لم يتصل بها ياسر منذ أن شاهدت خيانته بعينها .. كانت تفتك بها نيران الغيرة وخيانته واهماله وعدم مبالاته بما تعانيه .. كيف له ان يتركها هكذا لا يعلم عنها وعن أولاده شيء ؟! .. كيف لا يحاول أن يتكلم معها أو يحاول ان يبرر فعلتهالقبيحة .. ألهذه الدرجة هى هينة فى عينيه .. ألهذه الدرجة هى لا تساوى محاولة منه أن يسترضيها ؟!! .. أم تراه مازال خجلا من نفسه ومن فعلته .. وماذا عن أولاده .. الم يحن إليهم قلبه .. ألا يشتاق ان يراهم ويضمهم الى صدره .. هى تعلم تمام العلم بأنهم نور عينيه .. فكيف تحمل بعدهم عنه طوال هذه الفترة ؟؟!! ..

كانت الأفكار تعصف بها ليل نهار .. لكنها لم تجد اجابة واحدة عن سيل من التساؤلات تعصف بها كل دقيقة تمر بها .. لذا قررت ذات مساء أن تذهب اليه .. أن تسأل هى عنه بعد أن حاولت مرارا وتكرارا ان تطلبه تليفونيا .. وفى كل مرة يكون فيها تليفونه مغلقا .. كانت تريد أن تضع حدا للمهزلة التى تعيشها منذ أن شاهدت خيانته بأم عينها .. لم تعد تطيق هذا الوضع الذى تعيشه .. وتشعر انه كلما مر الوقت عليها تتلاعب بها نفسها وتشعر بالضعف نحو قرار الانفصال عن ياسر .. خصوصا عندما تفكر فى طفليها وكيف سيؤثر انفالهما على الطفلين .. ولكن هناك ركن فى قلبها وآخر فى عقلها يرفضان تماما العودة اليه وغفران خيانته .. تشعر انها تريد أن تتنفس هواءا نظيفا بعيدا عن ذكرى صدمتها فيه . تشعر انها تريد بداية جديدة فى حياتها بعيدا عما عانت منه طوال الفترة السابقة والتى انتهت بموت صديقتها المقربة اليها وزوجة أخيها .. والتى لم يمهلها القدر حتى تحكى لها عن مصيبتها فى زوجها وتأخذ رأيها فى القرار الذى يجب ان تتخذه فى أمر خيانته لها .. كانت فى هذه الفترة تفتقد الى وجود سمر بشدة .. ولا تعلم ان سبب كل المصائب التى تعيشها هى سمر ..

جاء الصباح .. فتركت اولادها مع كريمة وخرجت قبل أن تستيقظ سلمى أو جمال من النوم .. وصلت الى مقر عمله .. قابلت أحد زملاؤه وسألته عنه .. فأخبرها أنه فى أجازة منذ أكثر من أسبوعين ولا يعلم عنه شيئا .. خرجت من الشركة تنوى الذهاب الى بيته بالزمالك وتركت زميله ينظر اليها بتعجب من أن الزوجة هى آخر من يعلم ..

توجهت علا مباشرة الى شقة ياسر بالزمالك .. كانت قد نسيت مفتاح الشقة قبل أن تنزل .. أو بالأحرى فضلت أن لا تفتح الشقة بنفسها كما فعلت فى المرة الأخيرة فتفاجئ بما لا يحمد عقباه مرة أخرى .. طرقت جرس الشقة وانتظرت فلم يجيبها أحد . اعادت طرق الجرس عدة مرات ولكن دون جدوى .. ايقنت ان لا أحد بالداخل .. همت ان تغادر .. فاذا بأحد جيرانه الفضوليين والتى كانت ترغب فى الماضى ان تتزوج من ياسر تقابلها وهى تقترب من الاسانسير .. فابتسمت ابتسامة عريضة صفراء وهى ترحب بها : أهلا .. يا مدام علا .. فينك .. بقى لنا زمان متقابلناش .. يا ترى اخبار الاستاذ ياسر ايه ؟؟ محدش شافه من يوم الحادثة .. يارب يكون اتصافى هو والاستاذ جمال أخوكى .. الله يكون فى عونه .. اللى حصل له مش شوية ..
تعجبت علا مما تقوله هذه الفتاة التى تعدت الثلاثين بقليل .. فقالت لها وهى عاقدة حاجبيها : حادثة .. جمال .. اتصافوا .. انتى بتتكلمى عن ايه أنا مش فاهمة حاجة من كلامك ..
الفتاة بلؤم وخبث : أنا آسفة .. كنت فاكراكى على دراية باللى حصل يوم ما العربية صدمت مدام سمر مرات أخوكى .. الا صحيح .. هى أخبارها ايه دلوقتى ..
كانت تلك الفتاة تعلم تمام العلم أن سمر قد توفت بعد أيام قليلة من الحادث .. فكونها أخت ممثلة وراقصة مشهورة جعل الأمر مشاع فى الجرائد والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعى .. ولكنها كانت لها نفسا خبيثة تريد ان تنتقم من ياسر وزوجته التى فضلها عليها ..
علا بعد أن حاولت أن تهدأ قليلا : ممكن من فضلك توضحى كلامك . أنا بصراحة مش فاهمة حاجة من اللى بتقوليه ..
الفتاة بسخرية : بجد ..!! واضح ان فيه حاجات كتيرة انتى متعرفيهاش .. عموما أنا ححكي لك اللى حصل .. ثم أخذت تحكى لها بالتفصيل ما حدث بين ياسر وسمر وجمال على مرأى ومسمع من الجيران وقد كانت هى أول من فتح باب شقتها لتشاهد مشهد دفع ياسر لسمر وما قاله لها وقتها فى حضور جمال .. ثم أخذت تقص عليها باقى الحكاية وهى تتظاهر بالمسكنة تارة وأخرى تتكلم بسخرية وتشفى كأنها تنتقم لكرامتها المهدرة عندما عرضت نفسها يوما ما على ياسر ورفضها وأخبرها بأنه يحب أخرى زميلة له وسوف يتزوج منها بمجرد أن تنتهى دراستها بالجامعة ..

كانت علا فى ذهول رهيب وهى تستمع وتعرف الحقيقة الغائبة عنها .. حينها فقط علمت من هى تلك المرأة التى كانت فى احضانه ولم تستطع أن تشاهد وجهها .. علمت كيف ولماذا صدمت السيارة سمر .. علمت ان من كانت لها صديقة أقرب لها من الأخت هى من خانتها مع زوجها .. علمت أن الدنيا بها بشر لم تتخيل يوما ما أن يتواجدوا فى حياتها ..

اسودت الدنيا فى عينها أكثر مما كانت عليه .. فلم تتلفظ بكلمة واحدة .. وتركت الفتاة ونزلت تترنح على سلم البيت ولم تدخل الى الاسانسير ولم تستأذنها وتركتها هى الأخرى تنظر اليها مبتسمة ابتسامة المنتصر المتشفى ..


هامت علا بسيارتها فى الشوارع لا تعرف لها وجهة .. كانت تفكر وتتخيل الأحداث .. ويتمزق مع كل تخيل فكرها وعقلها .. وتموت كل ذكرى جميلة بينها وبين ياسر و بينها وبين سمر مع كل كلمة سمعتها من تلك الفتاة .. لم تعد تهتم بلقاء ياسر الا لسبب واحد .. وهو أن تطلب منه الطلاق .. ربما فى الأيام الأخيرة كادت ان تتساهل معه قليلا .. كانت على وشك ان تسامحه .. فما زال قلبها ينبض بحبه .. كما انها لم ترغب فى هدم بيتها وحرمان ولديها من تربية مستقرة بين والديهم .. ربما كانت ستأتى على نفسها وتتغاضى عن خيانته على اساس انها نزوة مع أمرأة ساقطة .. لكن الآن كل شيء تغير .. فالمرأة التى قام بخيانتها معها لم تعد مجرد امرأة ساقطة .. لم تكن نزوة عابرة من رجل .. بل كانت اعمق من ذلك بكثير .. انها صديقتها وزوجة اخيها وجارتها فى كمباوند واحد .. هى من شاركتها حكاياتها عندما كانت تتحدث معها عن ياسر قبل ان تعترف له بحبها ويعترف لها بحبه .. هى من شاركتها فرحتها فى خطبتها وزواجها منه .. هى من كانت تلجأ اليها فى المشاكل البسيطة التى كانت تحدث بينها وبين ياسر فى بداية زواجهما وبعد ولادة التوأم ... هى .. وهى .. وهى .. كيف هانت عليها صداقتها لدرجة ان تخونها بهذا الشكل القذر القبيح .. وكيف استطاعت أن تخون زوجها الذى كان حبه لها حب عبادة يشاهده الجميع عيانا بيانا .. وكيف لياسر أن يسمح لنفسه بخيانتها وخيانة أخيها صديقه وجاره .. كيف .. وكيف .. وكيف .. كادت ان تجن من كثرة التفكير والتساؤلات .. حتى وجدت نفسها تصل الى بيت والدتها .. لم تصعد مباشرة وانتظرت بسيارتها تنظر أمامها من خلال زجاج السيارة الى اللاشيء .. ماذا ستفعل .. وكيف ستفعل ولماذا تفعل .. ثم خطت الى باب العمارة تاركة سيارتها وصعدت الى شقة امها التى كانت هى وجمال والأولاد الأربعة يجلسون فى صالة البيت .. أولادها يلعبون مع أولاد جمال وسلمى تتكلم مع جمال تحاول اقناعة بالعودة الى العمل .. نظرت الى الاولاد الأربعة .. ثم أمعنت النظر فى أولاد جمال تتفحصهم بعيونها كأنها تراهم للمرة الأولى ونفسها تحدثها .. تراكم أولاد من أنتم ؟؟!! أولاد سمر وجمال .. أم سمر وياسر ؟؟ .. هل .. انتم أخوة لأولادى .....؟؟؟!!
انتبهت على صوت سلمى وهى تنادى عليها : ايه يا علا مبترديش عليا ليه .. كنتى فين يا حبيبتى .. خرجتى من بدرى كده ليه ؟

علا وهى نصف شاردة وما زالت تنظر للأولاد : مفيش يا مامى .. أنا قررت أرجع النهاردة لبيتى .. ثم أخذت تنادى على كريمة التى حضرت من المطبخ فقالت لها بلهجة آمرة : كريمة .. حضرى شنط الولاد على ما احضر أنا شنطتى واسبقينى على العربية تحت البيت .. احنا حنرجع دلوقت للفيلا فى اكتوبر .. قالتها ثم اتجهت الى غرفتها لتترك سلمى وجمال ينظران اليها فى دهشة من قرارها المفاجئ ..

-------------------------------------------------------------

فى مساء اليوم الذى علمت فيه رنيم بأمر حملها .. رجعت الى منزلها وهى سعيدة للغاية بحملها الأول .. لكنها فى نفس الوقت كانت قلقة من رد فعل أشرف تجاه هذا الحمل .. فكانت تارة تنسى أمر أشرف فتشعر أنها تكاد تطير من السعادة .. وأخرى تتذكر اتفاقهما بعدم الانجاب فى الوقت الحالى فتضطرب وتقلق مما سيفعله .. لكنها فى النهاية كانت تعلم أن الأمر سيمر وسيضطر أن يوافق على هذا الحمل .. لكنها كانت لا تحب أن يكون رد فعله لأول حمل لها يحمل مشاكل بينهما ويستقبله بغضب أو خلاف معها .. كانت تخشى أن تستمر ذكرى رفضه معها بقية العمر .. كانت تريد أن يكون سعيدا عند سماعه خبر حملها .. حتى تحكى لمولودها فى يوم من الأيام عن سعادة ابيه عندما علم بحملها له ..

جاء المساء .. وحضر معه أشرف الى البيت .. كانت رنيم تنتظره جالسة على احدى الأرائك فى صالة البيت عندما فتح الباب .. ابتسمت باضطراب وقلق وهى تقول : أهلا يا حبيبى ..
أشرف وهو يميل عليها ويطبع قبلة تعود فى الآونة الأخيرة أن يطبعها على خدها عند وصوله أو مغادرته للمنزل ثم يقول لها : عاملة ايه يا حبيبتى .. بقولك ايه .. أنا مش جعان .. ولو انتى كمان مش جعانة ممكن نستنى شوية ونطلع نتعشى بره ..
رنيم : بصراحة يا أشرف أنا جعانة أوى .. وبعدين سيبك من موضوع العشا بره ده .. أنا عايزة اقضى باقى اليوم معاك هنا .. أنا عموما خرجت الصبح أنا وماما أمينة .. ثم سكتت للحظة وهى تقول باضطراب : ومحتاجة أريح شوية ..
أشرف وقد انتابه القليل من القلق : تريحى ؟!!! .. انتى تعبانة يا رنيم .. حاسة بإيه يا حبيبتى ..
رنيم وما زالت فى حالة يرثى لها : لا أبدا .. مفيش تعب ولا حاجة .. طيب مش تسألنى رحت فين أنا ومامتك ..
أشرف بدون اهتمام : يعنى حتكونوا رحتم فين .. ما انتم دايما بتخرجوا سوا .. يا اما بتشتروا حاجة .. أو بتروحوا النادى .. ايه الجديد فى ده ..
رنيم .. وقد قررت أن تلقى بالقنبلة .. وليكن ما يكون : لا يا سيدى .. فيه جديد .. أنا .. أنا ..
أشرف مقاطعا : أنا .. أنا .. انتى ايه يا رنيم .. مالك متلخبطة كده .. هو انتى وماما رحتم فين النهاردة ..
رنيم والخوف من ردة فعله يظهر على وجهها : أشرف .. تفتكر لو قلت لك انى حامل .. يا ترى حتزعل ولا حتكون مبسوط .. ؟
أشرف وقد بدا الشك يتسلل اليه : انتى حامل يا رنيم ؟؟!!! هو احنا .......

وقبل أن يكمل أشرف جملته التى أحست رنيم انها تخرج من فمه بغضب سوف يفسد عليها فرحتها .. وضعت رنيم يدها بلطف على شفاهه وهى تقول : أرجو يا أشرف ..أرجوك متكملش ..

نظر اليها أشرف نظرة طويلة وهى تنظر اليه ومقلتيها يملأها الدموع فرق لحالها وجلس وهو مطرق الرأس الى الأرض يحاول كبح جماح نفسه وأن يتحكم فى غضبه .. ولما طال سكوته وعدم النظر اليها .. أحست رنيم بغصة فى حلقها وهى تقول : الموضوع حصل غصب عنى يا أشرف .. بس بعد ما كسرت فرحتى بيه .. أنا قررت انى انزله طالما انت مش عايزه ..

نظر الها اشرف متسع العينين ويكاد أن يصيح بها بغضب ولكنه حين لاحظ دموعها تنساب فوق خديها وهى منكسرة وفى حزن شديد رق قلبه ووقف من جلسته ليقترب منها وهو يأخذها بين ذراعيه ويضم رأسها الى صدره ويقول: اياكى .. اياكى يا رنيم أسمع منك الكلمة دى مرة تانية .. حتى لو كنا مخلفين عشر ولاد ..

رفعت رنيم رأسها من فوق صدره تنظر اليه وهى غير مصدقة ما تفوه به للتو .. ثم انخرطت فى نوبة شديدة من البكاء من سعادتها مما قال .. فأمسك أشرف وجهها بكلا يديه وطبع قبلة على جبينها وهو يقول : مبروك يا حبيبتى .. مبروك علينا .. فألقت برأسها مرة أخرى فوق صدره وهى تقول : ميرسى .. ميرسى يا أشرف ..
أشرف وهو مبتسم : تعالى بقى اقعدى استريحى واقولك الكلمتين اللى كل واحد بيقولهم لمراته فى الوقت ده ..
رنيم وهى تجلس بجواره وتمسح دموعها وهى تقول : كلمتين ايه دول .. هو فيه نموذج للكلام فى المناسبة دى ..؟
أشرف : طبعا .. أمال ايه .. أنا عايزك بقى تستريحى على الآخر وأوعى تتحركى .. ومتتعبيش نفسك خالص .. ولا تعملى أى حاجة فى البيت .. أنا اللى حعمل كل حاجة يا حبيبتى .. أوعى انتى تقومى من مكانك ..

ضحكت رنيم وهى تضرب بيدها على صدره بحنان ثم تنظر اليه لا تصدق ماهى فيه من سعادة : ربنا يخليك ليه وميحرمنيش منك أبدا يا حبيبى .. ثم قفزت وهى جالسة واردفت : قوللى بقى .. انت نفسك فى بنت ولا ولد ؟
أشرف : بصى بصراحة كده ومن غير زعل .. أنا طبعا عايزه ولد .. بس لو تعملى فينا معروف تجبيلنا ولد وبنت ونبقى ضربنا عصفورين بحجر ..
رنيم وهى تخبط بيدها على صدرها : يا خبر يا أشرف .. معقول .. من بعد ما كنتش عايز خلفة من الاساس .. تقولى توأم .. هو ايه حكايتك .. احنا أول ما نشطح ننطح ؟
أشرف : مين اللى قالك انى مكنتش عايز خلفة .. أنا كنت بس بأجل الخلفة .. وانتى عارفة ليه اتفقنا الاتفاق ده من الأول .. بس أنا غيرت رأيى من فترة وكنت عايز افاتحك فى الموضوع ده .. بس انتى عملتيها قبل ما نتكلم ..
رنيم بتعجب : بس رد فعلك الاولانى كان غير اللى انا شايفاه دلوقتى .. !!
أشرف وهو يمسح جبينه بيده : منكرش انى لما سمعت الخبر كنت سعيد من جوايا .. بس فى نفس الوقت حسيت انك خالفتى اتفاقنا وحطتينى ادام الأمر الواقع .. لكن بعد ما شفت فى عنيكى الحزن وانتى بتقررى تتخلصى من الجنين .. نسيت أى حاجة ضايقتنى .. وحسيت انه من الغباء انى افسد الخبر ده واسيب مكانه ذكرى تضايقنا احنا التلاتة ..
رنيم وهى عاقدة حاجبيها : التلاتة !!
أشرف بابتسامة : أيوة .. انتى وأنا وعبد العال ..
رنيم : مين عبد العال ده ..؟
أشرف : ابننا يا حبيبتى ..
رنيم بعتاب : اخص عليك يا أشرف .. بقى ده اسم نسميهوله أو نناديه بيه فى الزمن ده ..
أشرف : وماله اسم عبد العال .. أنا أعرف واحد صاحبنا كان اسمه أشرف وبيدلعوه بعبد العال ..

ضحك الاثنان ثم مالت رنيم برأسها لتنام على صدره وهو يقبل رأسها .. ساد الصمت بينهما للحظات وهو يداعب خصلات من شعرها فوق جبينها .. شاردا فى حياتهما معا اثناء فترة الحمل .. وما سيسفر عنه هذا الحمل من ولد أو بنت يشاركانهما حياتهما بعد عدة شهور .. انتابهما شعور لذيذ وهما يتخيلان طفلهما الأول ينبت بينهما .. ولكنه شعور يشوبه بعض القلق من مسئولية هذا الوافد الجديد .. وهل هما أهل لهذه المسئولية .. ؟

تكلم أشرف بعد دقائق قليلة : يا ترى قولتى للبيت عندك عن خبر الحمل ؟
رنيم : لسه يا حبيبى .. كنت مستنية ابلغك انت الأول وأعرف رأيك ..
أشرف بتعجب : رأيي .. !! وحتى لو كنت معارض .. تفتكرى انك كنتى حتهونى على انتى أو ابننا .. يا رنيم .. ساعات بحس انك فهمانى أكتر ما أنا فاهم نفسى .. وساعات بحس انك مش فهمانى خالص .. ولا فاهمة أنا بفكر إزاى .. أنا لما بتفق معاكى على شيء .. أو بطلب منك حاجة ..فده بيبقى من وجهة نظرى علشان مصلحتنا .. بس فى النهاية هو مش قرآن منقدرش نخالفه .. سكت للحظة ثم أردف : تعرفى يا رنيم الظروف اللى مر بيها ايمن وعشتها معاه علمتنى حاجات كتير .. أهمها ان كل اللى ربنا بيبعتهولنا خير .. حتى لو كان ظاهر لنا عكس كده .. انتى لو شفتى حياة وسلوك أيمن قبل ما يتصاب بالمرض ده وشفتى حياته وتصرفاته بعده حتفهمى اللى اقصده .. حتى أنا اتغيرت بسبب اللى حصل له .. ايامها حسيت ان الصحة هى اكبر نعمة ربنا بينعم بيها على الانسان ومش المفروض اننا نهتم بصحتنا ونصرف فلوسنا على الجيم علشان نجمل ونكمل اجسامنا و نعجب اللى حوالينا ونظهر بمظهر الرياضيين .. المفروض اننا نهتم بصحتنا فى حدود المعقول وندعى ربنا انه يديمها علينا علشان نقدر نعبده على الوجه اللى يرضيه عنا .. ونقدر بصحتنا نسعى فى الدنيا على معايشنا ..
قاطعته رنيم : كلامك جميل أوى يا أشرف .. ثم ابتسمت وهى تقول: بس ايه الحكمة اللى نزلت عليك دى ..؟
أشرف وهو شارد : مش حكمة ولا حاجة .. ده اللى انا حسيته لما مريت مع أيمن بمحنته .. أيامها بصيت لنفسى فى المراية .. وبصيت لجسمى الرياضى .. وسألت نفسى .. هو احنا ليه بنصرف فلوس كتير وبنضيع ساعات طويلة فى الجيم .. نشيل فى حديد ونعمل تمارين شاقة علشان ننفخ شوية عضلات نتباها بيها على بعض وعلى خلق الله اللى مبيقدرش يعمل زينا .. ايه اللى حيعود علينا من كده .. ساعتها ملقتش اجابة .. وساعتها افتكرت أيمن واللى حصل له .. فى غمضة عين نسى حياته ونسى الجيم والعضلات .. وأصبح كل همه انه يعيش وربنا يطول فى عمره علشان يعمل حاجة كويسة ربنا يرضى بيها عليه ..
رنيم .. وحتى تخرجه من الحالة الحزينة التى انتابته وهو يتذكر مرض أيمن : صحيح .. هو حالته وصلت لفين ..؟
انتبه أشرف من حزنه وشروده : تمام .. الحمد لله الحالة مستقرة .. كلها اسبوع ويخرج من المستشفى .. ثم ابتسم وهو يقول : مع انى أنا اللى المفروض اسألك عن حالته ..
نظرت اليه رنيم عاقدة حاجبيها متعجبة مما يقول : تسألنى أنا ؟!!
أشرف ومازالت البسمة تعلو شفتيه : طبعا .. المفروض ان اخباره تكون عندك أول بأول من رغد ..
رنيم وهى تضحك : يا خبر يا أشرف .. هما لحقوا يبقى فيه بينهم الكلام ده .. وبعدين رغد دى بير غويط .. بتعذبنى على ما تتكلم عن خصوصياتها .. وأنا ماليش خلق إنى أقعد اقررها .. بس اللى أنا حاساه انها فى منتهى السعادة اليومين دول ..
أشرف : وأيمن كمان .. حاسس انه مبسوط ومعنوياته فى السما .. بس ساعات بشعر من وقت للتانى انه مهموم أو خايف من حاجة ..
رنيم : بس الحمد لله هو عمل العملية والدكاترة طمنونا انه بخير .. ايه اللى حيخوفه أو يحمله الهم ؟
أشرف : مش عارف .. بس يمكن خايف ان المرض يعاوده من جديد .. أو خايف ان السعادة اللى بيعيشها اليومين دول مع رغد تنتهى بكابوس المرض اللعين ده مرة تانيه ..
رنيم وهى تقترب من أشرف الشارد فيما يقوله : قوله يسلمها لله يا أشرف .. مفيش أحن من ربنا سبحانه وتعالى على عباده .. ربنا بيقول " ان مع العسر يسرا" .. وأيمن مر بالعسر يوم ماجاله المرض والمفروض انه بيعيش اليومين دول اليسر .. وحتى لو ربنا كاتب له ان المرض يعاوده مرة تانية .. انت لسه قايل يا أشرف ان كل اللى ربنا بيبعتهولنا خير .. حتى لو الظاهر فيه هو الشر .. ومفيش داعى يفسد على نفسه وعلى رغد السعادة اللى بيعيشوها مع بعض اليومين دول .. سكتت رنيم قليلا ثم اردفت : على فكرة يا أشرف .. رغد بتحب أيمن بشكل جنونى .. ومتمسكة بيه فى جميع احواله .. ثم تنهدت وهى تقول : يارب لو فيه خير ليهم يكونوا من نصيب بعض ..
شردت رنيم قليلا ثم سألت : الا صحيح يا اشرف أخبار أمير ايه ؟ .. يا ترى لسة حزين وزعلان مننا ومن رغد ؟
أشرف : طيب هو لو حزين وزعلان من رغد .. فده علشان حبه ليها اللى مقدرش يوصل لقلبها .. لكن حيزعل مننا احنا ليه .. احنا ايه ذنبنا ان قلبها اختار واتعلق بواحد تانى غيره ..
رنيم : اللى بيتكسر قلبه زى أمير حزنه بيخليه زعلان من الدنيا كلها وخصوصا من الناس القريبين من اللى حبها .. واحنا أقرب الناس منه ومن رغد .. ومتنساش ان أشرف صاحبك وعلاقتك بيه هى اللى قربت بين أيمن وبين اللى حبها قلبه .. ياريت يا أشرف تخليك جنبه اكتر لما يرجع من التجنيد .. هو حيبقى محتاج لحد يتكلم معاه ويهون عليه اللى بيمر بيه .. وربنا يرزقه باللى تحبه ويحبها وتسعد قلبه أكتر من رغد ..
أشرف : متقلقيش يا حبيبتى .. أنا عامل حسابى على كده .. عموما مسيره ينسى .. يمكن اليومين دول يكونوا أصعب أيام بتمر عليه خصوصا وهو بعيد ووحيد فى وحدته بالتجنيد .. لكن اعتقد انه لما تنتهى فترة تجنيده وينغمس فى الشغل مع بابا مع الوقت حينسى .. والموضوع حينتهى شوية شوية .. خصوصا لو قابل اللى تشغل قلبه من جديد ..

قامت رنيم فجأة وهى تقول : صحيح .. أقوم أبلغ ماما بالخبر .. دول حيفرحوا أوى ..
أشرف : طيب .. بس بالراحة .. انتى نسيتى انك شايلة عبد العال ولا ايه ..
رنيم بغضب ودلال : بس بقى يا أشرف .. بلاش اسم عبد العال ده .. أحسن الاسم يطلع عليه بجد ..
أشرف وهو يضحك : وماله عبد العال .. انتى نسيتى ان العال من اسماء الله الحسنى .. ولا لازم يعنى نسمى الاسماء السيس بتاعة اليومين دول ..
رنيم : مقلناش حاجة .. طبعا اسم عبد العال اسم جميل .. بس للأسف الناس اتغيرت فى الزمن ده والأسامى اللى ليها معنى جميل اصبحت محل سخرية واصحابها بيعانوا من اللى حواليهم .. خصوصا وهما لسة اطفال .. عموما لو كان ولد نسميه عبد الرحمن باذن الله ..
أشرف مفكرا فى معنى الاسم : عبد الحمن .. والله اسم جميل .. مع انى كنت حابب اسميه خالد على اسم بابا .. بس عبد الحمن احسن .. على الأقل علشان بباكى ميزعلش لو سميناه على اسم بابا ..
دخلت رنيم الى حضنه من جديد وهى تقول بحنان : ميرسى يا حبيبى ..
اشرف : ميرسى على ايه ..؟
رنيم : على إنك بتراعى مشاعر أهلى ..
أشرف ساخرا : انتى عبيطة يا رنيم .. طبعا لازم أراعى مشاعرهم .. أهلك دول أهلى .. وعمرى ما شفت منهم الا كل خير ..
رنيم وهى تغوص برأسها فى صدره : يا حبيبى يا أشرف ..
......................................


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:49 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.