آخر 10 مشاركات
القرصان الذي أحببته (31) للكاتبة الأخاذة::وفاء محمد ليفة(أميرة أحمد) (كاملة) (الكاتـب : monny - )           »          قدري أحبـك (1) من سلسلة لا تعشقي أسمراً - للكاتبة المبدعة: Just Faith *مميزة & كاملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          شهريار .. على باب الفاتنات *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          زائر الأحلام (8) للكاتبة : Janet Elizabeth Jones .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          2015- وسط الصحراء المحرقة -سوزان ميشيل- روايات عبير 2000 [حصرياً على منتديات روايتي] (الكاتـب : Andalus - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          208 - خطيبة بالإيجـار - ليندساي ارمسترونغ (الكاتـب : Fairey Angel - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما رأيكم بكتابة جزء ثاني من رواية سارية في البلاط الملكي
نعم 90 85.71%
لا 15 14.29%
المصوتون: 105. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree71Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-04-20, 09:28 PM   #21

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي


الحياة تشبه الشطرنج
رقعة سوداء يليها أخرى بيضاء
كل ظلام يقابلك في سبيلك حتمًا ستجد خلفه النور
ككتاب جميل الغلاف والقصة
حبكة ممتعة بدايتها حزن وسقوط حتى نستمتع بجمال النهاية!
لا تتوقف عند الأسطر الحزينة فقد يكون التالي أسعد..
لكن هناك بعض الأسطر قادرة على تغير النهاية تمامًا
لابد من الوقوف عندها إما أن نتعلم
أو نستسلم !!

جالسًا بشرفة غرفته الواسعة المطلة على حديقة القصر ذات البحيرة الصافية ، اختياره هذا الجناح بالأخص لأنه يشعر فيه براحة نفسية.
شاردًا بنظره في البعيد حيث أطراف مملكته المترامية ، ودارت بعقله العديد من الأفكار يحاول أن يبعد نفسه عما يقض مضجعه ولكنه يصر أن يغم أيامه ولياليه.
علاقته بوالدته.. لا يعلم مشاعره نحوها ولا يستطيع أن يحدد!!
طالما كانت علاقتها بهما بعيدة ، من الظاهر أنها تسعى لمصلحتهما..
ولكن النوايا خفية.. تسعى لمصلحتها فقط .
لا يشعر نحوها بالشوق كأي علاقة بين أم وابن طبيعيين.
فهي ليست لها بالأمومة علاقة ولن تكون.
عند هذا الخاطر انتفض في مكانه مانعًا عقله من التطرق إليها ، لن يسمح لأفكاره أن تنحرف إلى هذا الجانب ، وقد اعتاد أن يهذبها.
نادى حارس جواده أن يخرجه ، فهو منذ زمن لم يتفقد رعيته ، كما أمر بإحضار وزيره.
مرت دقائق ودخل جاد إلى جناحه بعد أن أذن له الجنود دون الرجوع لملكهم ؛ لمعرفتهم للعلاقة الوطيدة بينهم ، فلا يستطيع أحد الدخول إلى ملكهم في أي وقت يشاء غيره.
لفت نظره مظهر الجناح المبعثر ليهز رأسه بيأس ، يبدو أنه عاد لمشاكله مع الخادمات.
يكره ما تفعله جواريه من اقتناص الفرص للالتصاق به فأصبح لا يريدهن في جناحه.
صار يتطوع أن يرتب جناحه فلم يعد يظنه ابن الأسرة الحاكمة وأنه ملك من تصرفاته.. ولا من عامة الشعب حتى.
فهو رجل نادر ، وهذا سبب قربهما من بعضهما.
يبدو أن هناك ما يقض مضجعه ويؤرقه لكي تتكون كل تلك الفوضى ، شروده الفترة الأخيرة أقوى دليل ، فلم يرد الضغط عليه ، فطالما كان غامضًا ولا يبوح إلا بالقليل.
تنحنح ينبهه إلى دخوله ، ولكن يبدو أنه في عالم آخر :
-"مولاي!!"
التفت إلياس ينظر له نظرات غير مفسرة صامتة حتى أردف بعد برهة من الوقت متنهدًا :
-"جاد أعدّ نفسك سنتفقد الرعية ، وأعدّ لي ملابسي الخاصة"
أراد الاطمئنان عليه ، فحاله لا يسره ، فاقترب منه :
-"ولكن إلياس لمَ أشعر أن شيء ما يؤرقك؟
حاضر بجسدك فقط وروحك بعيدة..
أنا لا أضغط عليك ولكن أشعر أن السبب وراء تفقد الرعية ليسوا الرعية أنفسهم ، بل أشعر بهروبك من شيء ما"
قاطع استرساله هزة رأس إلياس عندما أعاد نظره لمملكته من جديد يشيح بكفه :
-"ليس الآن.. ليس الآن جاد ، أريد الانطلاق وحسب.. هيا"
-"أمرك مولاي!"
أردف منسحبًا للخلف تاركًا إياه في أفكاره.
حين سمع صوت إغلاق باب غرفته أطلق تنهيد عالٍ ، فجاد ليس له أي ذنب سوى أنه صديقه.
وأي ذنبٍ هذا الذي يحمله شخص مثله؟!
هل كان يحلم بعد أن هرب من تحكم والدته وخنوع والده أن يلتقي بشخص مثل هذا مخلص بحق!
شخص إن ألقى بنفسه في أعتى الحروب ، وأشد الصراعات سيكون معه جنبًا إلى جنب ، بل سيتقدمه يتلقى كل السهام بصدره ، وليس بالمؤخرة كأهله.
أهل!
هل يحق له أن يطلق عليهم أهل؟
هل لأنهم أسرة مالكة ، يحق لهم التحكم بمصير الشعب؟!
هل لأن الله أنعم عليهم بالمُلك ، استباحوا لنفسهم سلب شرف الفتيات وكينونتهم ويصبحن جواري!!
ألانهن جميلات ، يضيع تعب الأم بالوضع والأب بالتربية والتعليم؟!
كان يسمع أنينهن بنفسه عندما يتفقد أحوالهن ليلًا.
وآه يا محبوبتي على مصيرك ، وآهات على حال أهلك من بعدك!
آه على قلبي المستكين بين جوانبي لأجلك!
وعقله لم يرحمه فأخذه إلى ذكرى حزينة أخرى بينه وبين والدته..
★★★★
كالشمع يبكي وما يدري!
أعبرته من حرقة النار أم من فِرقة العسل؟
يجلس في الفراش طفلًا ذو ستة عشر عامًا مريضًا بحُمى قاسية كادت أن تفتك به ، بجواره أخيه عيناه مليئة بالحزن والخوف عليه ، يسمعه بين الحين والآخر يسأل والده بنبرة قلقة :
-"أبي متى سينهض أخي متعافيًا؟
أنا لا أريد رؤيته هكذا''
فيطمئنه والده أنه سيكون بخير عما قريب فلا داعي للقلق.
راقدًا يهذي بكلمات مبهمة يذكر والدته من بينهما فلا وجود لها!
مرت أيام مرضه لا يوجد بجانبه سوى نيار ، وأبيه ووزيره يطمئنون عليه بين الحين والآخر..
وحين تم شفاءه بحمد الله دلفت والدته عليه بحجة الاطمئنان عليه ، قابلها بالسخرية أنها تذكرته الآن!
فزفرت ببرود ولامبالاة واقتربت منه تمسكه من كتفيه تقول بجمود وقسوة :
-"هل ارتفاع ضئيل في الحرارة يفعل بك كل هذا؟
ماذا ستفعل بعد سنوات قليلة وتتلقى السيوف والرماح من وسط المعركة؟
هل ستقف تستقبلها بصدر رحب أم ستعاركها لتنتصر؟"
ناظرها بصمت وجمود للحظات ، ثم أزاح يدها عنه وابتعد عنها يجيبها بعبارات أكبر من سنه بمراحل انعقد حاجبيها لها وأصابتها الدهشة أن تخرج تلك الكلمات منه هو ويقولها لها ، تنظر لظهره المقابل :
-"معكِ حق أمي ، لكن الأمرين لا علاقة بينهما..
فأنا كنت راقدًا في الفراش مصابًا بحُمى شديدة لأكثر من أسبوع.. أسبوع كامل لا وجود لكِ بجانبي!"
التفت لها بجانب جسده رافعًا رأسه بشموخ يبتسم بسخرية مكملًا :
-"هل كنت سأتشرف بزيارتك عندما يأتيكِ خبر موتي؟"
-"إلياس.؟!!"
صرخت به بحدة وقسوة أن يتذكر أنها والدته وليست أحدًا آخر ، فهز رأسه بضحكة خافتة ولم يلتفت لصراخها وقال :
-"أعلم أنكِ تريديننا أقوياء ، لا نخاف شيء ولا أحد.. لكن الاطمئنان على ابنك في مرضه وتقويته أن ينهض وتظلين بجانبه هو كامل القوة يا أمي"
اقترب منها أكثر يهمس لها :
-"هناك لحظات نريد فيها والدتنا وليست الملكة"
★★★★★
قاطع حالته التي كلما غرق فيها نسى العالم وما فيه ، صوت الحارس يخبره أن ملابسه قد جهزت وأن جاد انصرف ليشرف على الخيل.
أبدل ملابسه الملكية بأخرى عادية.. يؤمن بداخله أن البشر سواء ، ولكن الجميع كان يخاله ممسوس وبالأخص أمه ، بينما أخوه ينهره بلطف وأبوه بالنهاية يخضع لسلطانها.
بينما حرصت هي بالنهاية ألا تخرج أفكاره ومعتقداته خارج جوفه ، وحينما يئست منه ومن حقوق الإنسان التي يعلنها كلما حدث ما يكره تركته لأفكاره بيأس.
أراد دائمًا الهرب بلا عودة ، ولكن أخوه من كان يقنعه بالعدول.
آه من ذلك السند الذي تخلى عنه ، ولكن لا يستطيع كرهه ولن يستطيع..
فحبه في قلبه أكبر من أي شرارات حقد قد تولدها أمه وأكبر من المُلك والمملكة.
نزل إلى الإسطبل حيث الخيل المجهزة وجد عندها جاد الذي عندما شعر بوجوده استدار وابتسم له بإشراق سرعان ما أنسته همومه يشاركه الابتسام.
بدأت الرحلة من حيث انتهت الأفكار..
بدأت من مؤازرة صديق ، ولم تنتهِ بعد!
بدأت وبدأ كل شيء لم ولن يكون في الحسبان.
غابة موشحة بالخضرة والأشجار العالية على الجانبين.. أهناك راحة بعد هذه!!
يرى هؤلاء الناس من عامة شعبه على طبيعتهم.. من يتدربون على قطع الأخشاب ، وآخرون ينقلون الحجارة ، وهناك من يقف كحرس لهم ولكنهم منهم ، يصدون أي حيوان عنهم لحين ينتهون.
أينعم يوم براحتهم ويستيقظ ليبحث عن قوت يومه فقط!!
بئسًا لمن يرى المُلك شيئًا عظيمًا وراحة ممتعة ، بل هو الوجه الآخر للعذاب والرعب!
لطفًا لمن حمل راية المسئولية عن قوم ما!
ولكن هو خلاصهم الوحيد.. فعندما يرى كيف يتعذب رعية الممالك الأخرى ، يعد نفسه ألف مرة أنه لن تنفذ مآربهم ولو لآخر نفس في صدره.
- "مولاي"
قالها جاد بصوت عالٍ لكي ينتبه من شروده.
- "جاد نحن وحدنا ، يمكنك أن تناديني إلياس كما اعتدت.. أحب هذا ولا تضع بيننا الحواجز بكلمة مولاي.. ما أبغضها!!"
هتف به بغضب مصطنع ولكن نظراته فيها شيء من المرح والمكر المحبب الذي دفع الآخر للضحك ملئ شدقيه على تذمره ، فللمرة المئة يقسم أنه ليس منهم فناغشه بمرح :
-"ما بك إلياس؟!
أعلم أن القتل صعب وتكره كل هذا وأنك صامد لأجل رعيتك.. ولكن أشعر أن همومك تزداد ، ما بك يا صاح؟!
لا بد أن تفرغ ما بداخلك لكي تشعر بالراحة"
ساد الصمت بينهما لا يقطعه سوي حفيف أوراق الشجر من حولهما ، وأصوات حيوانات تأتي من البعيد.
تنهد إلياس بألم ، وأردف :
-"لا أعلم ، أخرجت ما بداخلي لك آلاف المرات ، ولكني لا أتعافى!
لا أعلم ما هو الحل صدقني؟!
أشعر أن الإناء بداخلي امتلأ بالألم ، أخرج ما بداخلي لكي أدع فقط مكان للتنفس ، سأختنق"
صمت قليلًا كمن يسيطر على انفعالاته التي لا يعلم لها مسمى ، أهي غضب ، سخط ، حزن ، أم شوق وحنين؟!
تنفس بعمق ينظر للأمام بشموخ ظاهري يتطلع للطبيعة من حوله :
-"لا أعرف من أين تأتي كل تلك الهموم؟!
لا أجد عائلة بجانبي .. أحزن على ما مضى ، أم مخططاتهم الجديدة ، أم ماذا؟"
قاطعه جاد بنبرة حازمة يشوبها بعض الألم ، يقطع سيره بوقوفه بخيله أمامه :
-"قلت لك أنت لم تتخطَ ما حدث.. تخطاه وأنساه هذا هو الحل..
إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من التحليق فوقك ، ولكنك تستطيع منعها من أن تعشش في رأسك"
صَمت .. والصمت أبلغ من الكلام .
يعلم أن هذا هو الحل ولكن طاقته تنتهي..
حروب ونزاعات ، ورعية!
والدته تريد ضم مملكته للشمال ، تظن بذلك أنها تسترجعه إليها بعد ما فعلته بالماضي.
هل يوجد قلب أقسى من قلبها؟!
يريد فقط أن يقف يصرخ ولكنه أبدًا ليس بالضعيف!!
ليس معنى أن يمتلك مبادئ وأخلاق ودين أن يكون ضعيفًا.
لكنه بالنهاية بشر ، ولكن لا أحد يفهم هذا.. علاقته بصديقه هي الوحيدة التي تشعره بآدميته.
أما جاد.. فكان على الجواد بجانبه يفكر كيف يزيح همومه؟!
يعلم أن صديقه بعد هذه الرحلة سيرتاح ، ولكن ليست تلك الراحة الأبدية فإنها مؤقتة!
راحة لإزالة الهموم من كتفيه ، ودفنها داخل عقله في ركن بعيد لإرهاقه فحسب .
- "إلياس"
ناداه يلتفت إليه بنظرة ، ليجيبه بخفوت كمن لم يفق من شروده بعد ، ليردف طالبًا منه بجدية :
-"أريدك أن تخبرني بما يحوم بداخلك"
-"وهل البوح سوى كلمات تملأ ذلك الإناء الذي ينضح بالألم؟!
فلا هي تخففه ، ولا هي تسكنه"
قالها إلياس بصوت يائس يطالع صديقه.
- "ولكن البوح والحديث يعيد طاقتك لا تنكر ، فلا تعارض وأخبرني هيا"
رد عليه جاد بحزم فلن يضيع هذه الفرصة يعيد فيها صديقه إلى قوته وشحنها مرة أخرى.
ابتسم إلياس بسخرية يهز رأسه بيأس ، بماذا سيخبره؟
كلمات تُعاد دائمًا حتى صارت تثير الملل عن قلوب تخلت تاركة قلبه لا يعلم غير السُهاد والألم!
ليس هناك من يحاول العزف على أوتار الوصال وكأنه لم يكن من العائلة غير أبيه!
رفع رأسه للسماء يهتز فوق خيله المتهادي في سيره بغنج ، يفكر هل لتلك القطيعة يومًا أن تموت وتنتهي؟!
تركه جاد ولم يقطع حبل أفكاره ، تركه يرتب كلماته ويشحذ ما بقلبه حتى يخرجه بطيب نفس واقتناع عقل.. ليسمعه بعد لحظات يقول :
-"أخبرني جاد ، هل ندمت أمي على قطيعتي؟
ألم تحن يومًا لضمي؟
ألم تذرف الدمع على فراقي؟"
ضحك ضحكة ألم متنهدًا بعمق كمن يلقي بدواخله لقلب الغابة ، وأكمل تساؤله ناظرًا إلى صديقه الذي يستمع إليه برحابة صدر يعلم أنه لا ينتظر منه إجابة :
" أتعلم لا أتذكر لها ضمة على آلام قلبي ولا كلمة تضمد بها جروحه..
آلامي ليس لها من طبيب ، فطبيبها أُم تطيبها بأملاح
تشعلها ، لهذا محوت وجودها من تلك المكانة وأعلن قلبي الحداد عليها منذ زمن"
أنهى كلماته بنظرات قوية حازمة بينما ظل جاد يطالعه بتأثر واضح على محياه فنظر للطريق بصمت يستعيد رباطة جشأه.
فأكثر ما يكرهه هو شفقة أحد حتى لو كان هو.. ولكن قلبه يؤلمه عليه
ليس شفقة بل كره لتلك المرأة ، وحب لإلياس .
فكيف يكون هذا الرجل من تلك المرأة الخبيثة؟
استمرا في رحلتهما ، نزلا إلى الأسواق بالمملكة.. و دَون إلياس كل الملاحظات التي سيناقشها مع الوزراء حين عودته.
لا أحد يعرفه هنا ، ولا يريد الشكوك تزداد حوله ، فكان يتفقد أحوال كل بلد يومًا أو يومين ، ويستأجران غرفة للمبيت ، ثم يستأنفان رحلتهما صباحًا.
بعد عشرة أيام في تلك الرحلة التي حاول بها جاد قدر المستطاع التهوين عليه.. يحثه كل ليلة على الحديث قصرًا ، ولن ينسى أبدًا تلك الليلة التي دمعت فيها عينيه..
وهل لغيرها هذا التأثير عليه.. محبوبته؟
تلك الجارية التي أحبها وخديجة انتقمت منها.
ليس لشيء سوى أن من ملكت قلب من تحبه من الجواري .
ولأنها جارية اعتقدت أنها امتلكت روحها فأخبرت الملكة رقية بحبهما.
كانت وحيدة والدها وبعد تلك الفضيحة التي شبت ، قتلت نفسها ومات والدها غمًا ، ومن يومها لم يعد إلياس كما كان.
ويوم التجمع بالقصر هو يوم الحزن ، يخاف اقترابه كل عام لما له من أثر على صديقه ، لتحديد موعده في اليوم التي انتحرت فيه حبيبته.
تذكر بضع كلمات من خاطرته..
"محبوبة فارقت الروح!!
تركتِ قلبًا محطمًا يوم أعلنتِ استسلامك..
لم تثقي بي.. لم تثقي بقوتي!
كانوا يدفعون السيف في صدري ولم يصل قلبي..
أنتِ وحدك من دفعته بقوة ليخترق القلب المكلوم لفراقها.
نزف للموت ولم يعد بعدك"
★★★★★
يتبــــــع



هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:30 PM   #22

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

اللسان مجرم مسجون خلف قضبان الأسنان
والعقل مسجون بين بلورة الجمجمة
إن أفرجت عنهما عند الغضب أو الضعف
ألقوك في زنزانة الندم والحسرة
بحياة مؤبد شبيهة بالإعدام أصدر حكمها الضمير

جالسة أمام البحيرة تسترجع ما حدث قبل أيام قليلة بعد أن عادت من الشَمال..
عادت بذاكرتها إلى اليوم التالي التي هاجمت فيه الجندي لتكمل رحلتها وكأن شيئًا لم يكن ، يبتاعون ما يريدون كي يكملوا أغراض العرس
***********
ذهبن إلى نفس التاجر.. ليقابلهما بصدمة من عودتهما مرة أخرى ووضع دهشته في عبارته الخافتة :
-"أنتن هنا مرة أخرى!!"
كادت أن تجيبه لكن شاهدته ينظر لنقطة ما في الخلف ثم ما لبس أن جذبهن لداخل محله يشير بإصبعه أن يلتزمن الهدوء قبل أن يخرج.
سمعته يتحدث مع شخص ما يسأله قائلًا :
-"أخبرني أيها البائع ، ألم تأتِ تلك الفتاة مرة أخرى إلى السوق؟"
ابتلع الرجل ريقه بتوتر خفي ولكن بصوت ثابت أجابه :
-"لا سيدي ، لم أرها وبالتأكيد هي ليست مجنونة لتأتي إلى هنا ثانيةً!"
أمره الجندي قبل ذهابه قائلًا :
-"إذا أتت ثانيةً أخبرنا.. وإلا فأنت تعرف عقابنا"
أومأ له الرجل الكبير ورجفة تصيب قلبه يعلم جيدًا أساسها لكنه تجاهلها ، وبعد أن تأكد من ذهابه عاد إليهن يتنهد براحة ؛ فأخذت تنظر له بدهشة وتساؤل من فعلته!
سألته تنظر له بقوة وغموض :
-"لماذا أنقذتنا ولم تسلمنا له؟"
جلس بتعب يستند بمرفقيه على قدمه يتطلع إليها بحزن بادٍ في عينيه ، يتنهد قبل أن يقول :
-"لأنني لا أريد أن أصبح جبانًا مرة أخرى!"
عقدت حاجبيها بتساؤل تبادل صديقتها النظرات بعدم فهم فرفعت عائشة كتفيها بجهل لما يحدث معه!
أردف مفسرًا المقصد من كلماته يبسط كفيه أمامه ينظر إليهن بغضب :
-"لقد أعطيتهم ابنتي بيدي هاتين.. أعطيتهم فلذة كبدي!!
من سهرت لتعبها.. من كبرت وعلمت.. شقى حياتي لأجلها ذهب أدراج الرياح عندما أخذتها بنفسي وسلمتها للملكة رقية ، خاضعًا لقانونهم المجحف ولم أكن من القوة التي تجعلني أقف في وجههم كما فعلتِ أنتِ."
أنهى كلماته بصوت أشبه بالنواح من شدة الألم ، يرثي حاله وحال ابنته التي لم يرها لخمس سنوات حتى الآن!!
يبكي وما أقهر دموع الرجال عندما تهبط من الذل والهوان!
مسحها بقوة ثم رفع نظراته إليهن :
-"رأيت ابنتي فيكن ، لم أستطع ان أكرر الخطأ مرتين ، لعلّ هذا يشفع لي عند ابنتي وأراها مرة واحدة قبل موتي!"
انتبه لشهقات عائشة التي سقطت دموعها تضع يدها على فمها ، وسارية التي اغرورقت عيناها ليهبط خطين رفيعين على وجنتيها ناظرة له بشفقة وحزن وغضب دفين..
كل مدى وسخطها على تلك القوانين يزداد!
ألا يوجد للظلم حدود!!
تنهدت تسيطر على نفسها تزفر الهواء بقوة دفعةً واحدةً ، حاولت التحدث فخرج صوتها خافت :
-"سترى ابنتك مرة أخرى إن شاء الله عماه..
اطمئن.. سيأتي يوم كل هذا سينتهي ، والآن علينا الذهاب فيبدو أن وجودنا في هذه المملكة سيسبب متاعب أنتم في غنى عنها"
نهض فجأة يطلب منهما الانتظار قليلًا ثم خطى إلى مكان أشبه بغرفة للتخزين ، ليغيب دقائق قليلة ثم يعود ومعه قطعتين من القماش ذو فتحات واسعة ، أسود اللون تبين أنهما غطاء للوجه أو ما يسمى النقاب.
نظرت الفتاتان لبعضهما بدهشة قبل أن تنظران إليه بتساؤل أجابهما عليه سريعًا :
-"ضعا هذا الغطاء حتى تستطيعا الخروج من هنا ، فمهما كان لا يمكن لأحد من الجنود أن يجبر امرأة على كشف وجهها ، فلا ترتدي هذا سوى المرأة المتزوجة"
وبالفعل ارتدين إياه ليخرجا بسلام من محله ، وظل ملازمًا لهما حتى عبرتا حدود تلك المملكة لتزفر سارية براحة.
*******
عادت من شرودها تبتسم للأمان التي شعرت به عندما عادت لأحضان والدها مرة أخرى ، لم تتركه تلك الليلة بل نامت بين يديه ، شعرت أن طاقتها قد استنزفت في تلك الرحلة ، وعلمت مدى الحماية والأمان التي تشعر بيها في ذلك البيت الصغير .
انتبهت على صوت الفتاة التي ظهرت برأسها من وسط البحيرة ، تقول لها بسعادة جمّة :
-"كفاكِ تفكيرًا وتعالي ، الماء منعش"
ضحكت لها وهي تسبح في البحيرة باستمتاع على ظهرها تغمز لها بابتسامة ، فآثارها مشهدها لتقف تتخلى عن فستانها فظهر لباسها الداخلي.
ألقت بنفسها في المياه متناسية كل ما بداخلها من ضغوط تحاول الاستمتاع بهذه اللحظة.
كانت تتراشق بالمياه معها بعض الوقت لتخرج مارية تخبرها أنها ستأتي ببعض الاعشاب بالقرب منها ، هبطت بجسدها بالكامل تحت الماء كمن تغسل روحها وتنعش نفسها ، ثم اندفعت برأسها للخارج شاهقة بقوة ترفع يدها تزيح شعرها للخلف ، خرجت بعدها من الماء تبرم خصلاتها تزيح قطرات الماء منها.
ارتدت عباءتها وكادت أن ترتدي قلنسوتها ، لكنها سمعت صراخ صديقتها قادم من الخلف ، فألقت ملابسها راكضة باتجاهها ، ظنت أن أحد الحيوانات هاجمها ، لكن ما رأته فاق توقعاتها.
جندي من جنود الحدود يثبت يديها على الارض محاولًا الاعتداء عليها وتقبيلها!!
تسمرت للحظات تستوعب المشهد قبل أن تركض نحوهما تزيحه من فوقها بركلة من قدمها إلى خصره جعلته ينقلب على ظهره مما أعطاها مساحة لانتشال مارية من تحته.
هب واقفًا ينظر إليها بحقد فبحثت عن خنجرها فلم تجده!
تذكرت أنها تركت كل شيء عن البحيرة.
في هذه اللحظات كان إلياس وجاد يسيران بعدما ارتاحا قليلًا بظل الشجرة القريبة من البحيرة ، وربطا بها جوادهما بناءً على رغبة إلياس بالسير على الاقدام.
قطع الصمت ينظر لجاد قائلًا
-"ألم تخبرني أن قريتك بالقرب من هنا؟
لمَ لا نذهب إلى هناك؟"
دهشة أصابته عندما سمع طلبه ، فمهما بَعُد بتفكيره هذه أول مرة يأتي فيها بذكر قريته ، بل ويريد الذهاب لها!
حثه على السير ضاحكًا كأنه صدقّ الأمر :
-"حسنًا يا صاح لك هذا.. وأيضًا سأعرفك على معلمي والذي له الفضل لما وصلت إليه الآن "
**********
مازالت واقفة بوجه الجندي ينظر لها بمكر ، قبل أن يقترب منها ببطء وعلى وجهه ابتسامة خبيثة ، يحوم بنظراته على جسدها من أعلى لأسفل لتتوقف عند جيدها الظاهر من أسفل عباءتها ، سال لعابه بتقزز وأسرع بخطواته ناحيتها يمسك بعضديها يحاول التحرش بها وتقبيلها غصبًا ، قاومته وهي تنتفض بقوة لتأتي مارية من الخلف بصخرة ضاربةً إياه على رأسه ليقع مغشيًا عليه.
سقطت سارية على ركبتيها تلتقط أنفاسها بصعوبة تحاول لملمة شتات نفسها وقوتها حتى تستطيع التفكير ، طلبت منها أن تأتي بأغراضهما من جانب البحيرة.
عادت بعد لحظات تحمل الأغراض وقد ارتدت عباءتها لكن من شدة توترها نسيت قلنسوتها.. لتترك شعرها حرًا فكل ما يهمها حاليًا الهرب من هنا.
جذبت سارية أمتعتها بقوة تعبث بها بارتباك وعدم تماسك ، ابتسمت عندما وجدت سياج خيلها في جعبتها ، فأخرجته أمام أنظار صديقتها المندهشة مما تفعله لتسألها بتعجب :
-"ماذا تفعلين سارية؟
هيا لنذهب من هنا قبل أن يعود لوعيه"
نهضت تتفقد السياج وطوله بأعين متوهجة ترمق النائم بغضب..
يتعاملون معهن معاملة الذئاب للنعاج!
ولا يعلمون أنه إذا غضبت النعاج أصبحت أكثر شراسة وقوة!
استدارت لمارية وقالت بنبرة شرسة متوعدة تشير إلى الممتد على الأرض برأسها :
-"سنذهب لكن بعد أن نلقن هذا الحقير درسًا..
هيا ارفعيه معي"
رمشت مارية بأهدابها عدة مرات تحاول استيعاب ما تريد فعله ، فانتفضت على صرختها في وجهها ورفعته معها من ذراعيه ، تهز رأسها من جنان صديقتها!
ثبتته سارية على جذع الشجرة تطلب منها إمساكه من كتفيه ، وشرعت في لف السياج حول جسده والشجرة.
فاق الجندي يحاول فهم ما يحدث له ، جحظت عيناه مما يرى وصرخ بصوت عالٍ عندما رآها تثبته في الجذع ، فانتفضت مارية للخلف خائفة من شكله وصوته ، لتكمل سارية عملها بدون الالتفات إليه.
وصل صوته لإلياس وجاد اللذان تبادلا الأنظار بدهشة قبل أن يركضا باتجاهه ، وصلا إلى مكانه فتسمرا أمام هذا المشهد..
جندي مثبت في جذع شجرة وأمامه فتاتان..
واحدة بشعر أسود تبدو عليها علامات التوتر والخوف ، والأخرى بشعر ناري يظهر عليها علامات الشراسة والتوعد تنفض يدها بعدما انتهت من ربط السياج.. والاثنتان يبدو عليهما أثار السباحة من خصلاتهم المبتلة.
أول من فاق من تسمره جاد عندما همس قبل أن يركض :
-"سارية؟"
وصل إليها يتبادل النظر بينها وبين الجندي الذي يستنجد بنظراته أن ينقذه من تلك المجنونة ، سألها بتعجب من فعلتها :
-"ما الذي فعلتيه يا مجنونة؟"
نظرت له ببراءة وقالت بفرحة طفولية
-"جاد.. كيف حالك يا صديقي؟!"
هز رأسه بيأس يفرك وجهه بيده ، فاقترب إلياس منهما يتساءل :
-"ما الذي يحدث جاد؟!"
ثم نظر للجندي فرأى خط من الدماء يهبط من رأسه ، ليعيد نظره إلى سارية يسألها لكن لون عينيها المبهرتين يراه لأول مرة بحياته أوقفه لحظات قبل أن ينفض رأسه وعاد للامبالاته ، والموقف الذي أمامه قائلًا ببرود وتريث يحاول فهم الدافع وراء فعلتهن :
-"ما الذي فعله لكِ كي تفعلي به هذا؟!"
كادت أن تتحدث لكن قاطعتها مارية تجيبه بصوت ساخر :
-"أتريد حقًا أن تعلم!
ببساطة يا سيدي كان يحاول الاعتداء عليّ!"
أنهت كلامها بصوت عالٍ وغاضب تشير بإصبعها للجندي الثائر من وضعه ، والمرتعب لوجود رجلين أمامه يخشى أن يقع في فخهما وينتقما منه أو أن يكونا من أقاربهما وقتها حقًا انتهى أمره!!
اتشحت عيناه بالغضب القاتم الذي لم تنتبه له مارية ولا سارية المشغولة بتهدئتها.. ولكن انتبه له جاد فسبّ في سره وحاول إثناءه عما هو مقدم عليه ، يحاول تنبيهه أنه هنا ليس بصفته الملك!
انشغل الرجلان بالنظرات بعيدًا عن الفتاتين.. فجاد محاولاته كلها لا تفيد ، يعرف كم أن الموقف أيقظ شياطينه ، ولو أنه حصد رؤوس جميع الزناة وناقصي الرجولة لن يهدأ ولن يطفئ ولو شعرة من نيرانه.
أما إلياس فنيران اشتعلت بين ثنايا قلبه!!
يعلم أن مملكته كما فيها الجيد يوجد السيء ، لكن أن يحدث هذا أمامه أيقظت الوحش الكامن بداخله!
يكره العنف والدماء إذا تعلق الأمر بقضية ما في مملكته !
لكن لو كان الأمر دفاعًا عن الشرف ولو أقرب الأقربين لن يتردد.
عقاب الجندي في ذمته ، ولو لآخر نفس يتردد في صدره!!
هدأت مارية ، وسارية استفاقت مما اعترى صديقتها على صدمة أنهما بثياب خفيفة وجزء من جيدها ظاهر.
استغلت انشغال الرجلين لترتدي قلنسوتها ، بينما مارية رحلت في عالم آخر ، فقلبها الآن مخطوف بـ جاد!
من رفضت الجميع ، تقع أسيرة تلك البشرة البرونزية التي تلتمع تحت أشعة الشمس الخجولة من بين أوراق أشجار الغابة المتشابكة.
عيناه بلون القهوة متدرجة في اللون ، يرتدي عمامة باللون الأسود ، وحاجبان معقودان على الدوام.. أنف مستقيم وشارب يعلو شفاه غليظة!!
جسد محارب مليء بالرجولة القاتلة اضطرب لها قلبها!
كانت تحدث نفسها وقبل أن تهبط بعينيها تستكشفه وكزتها سارية بجانبها ، يبدو أنها لم تسمعها حين نادتها :
-"ما بالك يا فتاة؟
المملكة كلها سمعتني وأنتِ لا؟!
لماذا تحدقين بجاد بتلك الطريقة؟!"
سألتها بهمس لكنها لم تجبها وأخذت تردد اسمه بقلبها قبل شفتيها.. لكن عندما نظرت له بأعين واعية وجدته يحدق فيها بحاجبين مرفوعين بعد أن انتبه لتحديقها به ، وسمع سارية حينما نادتها ولم ترد عليها.
يا لإحراجها..!!
تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها ، والصدمة الكبرى من نصيبها!
مازالت بشعرها المبتل ، وجيدها مكشوف للعنان!!
شهقت بقوة ونزعت القلنسوة من يدي صديقتها لارتدائها.
عاد جاد إلى سارية التي تقف بلامبالاة وكأنها لم تفعل شيئًا ، حاول أن يثنيها عن غضبها بهدوء اندهش له إلياس من تلك الفتاة وما علاقتها بجاد لكي يتعامل معها بأريحية؟
يبدو أن هناك المزيد عن صديقه سيعرفه عما قريب.
سمعه يقول مشيرًا للجندي :
-"سارية أنزليه وأنا سآخذ لكِ حقك ، تعلمين أنني قادر على ذلك"
نظرت له بتفكير مصطنع ترفع حاجبًا واحدًا ، تذم شفتيها قبل أن تقول :
-"أعلم أنك لن تخذلني ، ولكني لن أحل وثاقه"
نظر لها بنفاذ صبر وكاد أن يتقدم ليحل السياج من حوله لكنها بخفة رفعت جذع شجرة ملقى على الأرض ووقفت بينه وبين الجندي ، تشهره في وجهه بمرح ، تهز رأسها ببطء جعل خصلاتها تلتصق بجبهتها ووجهها :
-"حاول أن تتقدم على فعلها وسأعلمك دروسًا جديدة لم تلتحق بها مع بدر الدين منذ ذهابك"
رفع حاجبه بدهشة ممزوجة بإعجاب للفتاة التي اشتاق لها ، وأوشك على أخذ العصا منها لكن سبقه إلياس باختطافها منها بحركة محارب ماهرة ونظر لها بقوة يشاور بإصبعه بينها وبين أغراضها :
-"ارفعي أغراضك واذهبي أنتِ وصديقتك من هنا ، واتركي هذا الشيء لنا"
التفت جاد أيضًا إلى مارية الواقفة بهدوء متمسكة بطرفي عبائتها :
هيا مارية خذيها من هنا واذهبا الآن!"
أومأت له عدة مرات ونظرت لها تحاول إرجاعها عما يدور في عقلها :
-"هيا سارية ، فطالما جاد هنا فلا قلق"
لم تلتفت لها وظلت تتبادل النظرات القوية مع إلياس تتنفس بقوة وعنف..
كادت أن تعترض لكن نظراته الحادة جعلتها تصمت ، يشجعها جاد على الذهاب فرمقت الجندي باشمئزاز قبل أن ترفع أغراضها وجذبت مارية لتذهب.
التفتت له أثناء سيرها لتجده يتابعها بنظراته الغامضة يشير لها بالابتعاد ، فأشاحت برأسها بقوة واسرعت بخطواتها تاركة ثلاثتهم في الغابة سويًا.

انتهى الفصل


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:33 PM   #23

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع

الحياة شريط
والذكرى محتواه
الماضي صفحة
والحاضر طواه
الفراق ألم
واللقاء داواه.

( مقتبس )

إذا أنهك الجسد الألم
فيوجد في حنايا القلب المُتعب والمثقل بالكروب نبضة حب ونظرة أمل..
تتناثر على أنحاء جسدك المتلاطم بأمواج الماضي
لكن الشيء الثابت أن لكل شيء نهاية
والحياة إن قست فإنها لك ولغيرك
فلا حزن دائم ولا فرح دائم.

عادت سارية إلى منزلها غاضبة ، تثرثر وتزبد مع نفسها وخلفها مارية تكتم ضحكاتها بصعوبة بعدما تلقت منها نظرات شرسة ووعيد جعلتها تبتلعها في جوفها وتصمت.
قابلها بدر الدين بدهشة من مظهرها المشعث وثيابها المشوبة بالتراب ، ومارية لا تقل عنها في المظهر بل أكثر منها.. اقترب منهن بقلق مندهش :
-"ماذا حدث لكنّ يا فتيات؟"
لم تجبه سارية ودلفت إلى المنزل تبدل ثيابها تاركة صديقتها تسرد له ما حدث ، متأكدة أنها ستقوم بالتفسير والشرح ببراعة.
انتهت وخرجت برداء نظيف من اللونين السماوي والأبيض تمسك بقطعة قماش تجفف خصلاتها ، لكن عيناها اتسعت وهي ترى والدها يقترب منها بدهشة يسألها بنبرة غير مصدقة لما سمعه من مارية قبل قليل يقبض على مسبحته :
-"قمتِ بتثبيت الرجل في جذع الشجرة؟!
هل أنجبت فتاة من المفترض أن تتمتع بالرقة أم قاطع طريق؟"
شهقت باستنكار تنظر له بغيظ وأعين متسعة ، وضحكات مارية بصخب من خلفها على رد فعل عمها تضع كفيها على ثغرها دامعة العينين كفيلة باشتعال غيظها أكثر وأكملت حديثها :
-"الفضل يعود لقدوم هذين الشابين في الوقت المناسب ، فهما من أنقذاه من يدها"
عقد حاجبيه بتعجب وتساءل بتعجب :
-"من هما؟"
أرخت سارية ذراعيها أمامها تنظر أمامها بلامبالاة وقالت :
-"أنه جاد.. وشخص آخر لا أعرفه"
-"جاد!"
همس بدهشة من وجوده في الغابة في هذا الوقت!
مر كثير من الوقت لم يره فيه ، ليلمع في عقله خاطر عن وجوده في الأنحاء.
قاطع وقفتهم وحديثهم هتاف فتاة بالتحية ، فالتفت ثلاثتهم إليها يجدوها مقبلة عليهم تسير بغنج ودلال ، حسنة المظهر بشعر غجري أسود..
ترتدي ثوب يرسم جسدها الذي يأخذ شكل الساعة الرملية ببراعة.
اقتربت تقف أمامهم تتلاعب بخصلات شعرها :
-"مرحبًا بالجميع"
زفرت الفتاتان بضيق وأشاحت كل منهما بوجهها في الاتجاه الآخر ، ليرد عليها بدر الدين بترحاب :
-"مرحبًا فتون.. كيف حالك؟!"
-"بأفضل حال عماه"
التفتت إلى مارية تتأمل مظهرها وشعرها المشعث بعدما جف من فعل الهواء بخبث فهي قد سمعت حديثها له عما حدث في الغابة :
-"ما الذي حدث لمظهرك مارية؟"
قلبت نظراتها بتهكم قبل أن تناظرها ببسمة باردة مكتفة ذراعيها تجيبها بسخرية :
-"تصادمت مع أحد الفيلة في الغابة لكنني بحمد الله أرديته صريعًا"
ضحكت فتون بمجون بعض الشيء ترمقها بنظرات ماكرة وحاجب مرتفع :
-"مظهرك يعبر عما لاقيته عزيزتي"
هتاف باسمهن مصاحبة لزجرة من الأعين تلقياها من بدر الدين جعلت مارية تتراجع بخجل معتذرة.
لكن فتون لم تتراجع وزجرتها بنظرات ساخرة لاحظتها سارية التي لم تستطع السيطرة على اندفاعها.
فقالت واضعة يدها اليمنى في خصرها وتميل برأسها للجانب قليلًا :
-"ماذا هناك يا فتون؟
أرى أنكِ متفرغة!
أليس لديكِ عمل في الحانة الليلة؟"
امتعض وجه الأخرى بشدة ترمقها بغضب وغل ، بينما سارية تبادلها بتشفي رافعة حاجبها بانتصار.
رمقت الجميع بحنق وذهبت تتوعد لها بشدة سرًا ، لتضحك مارية مليء شدقيها تصفق لها ، لكن بدر الدين رمقها بعتاب هاتفًا بحزم :
-"منذ متى وهذه أخلاقنا سارية؟!"
اضطربت في وقفتها تبتلع ريقها بتوتر من لومه ، فوضعت كفيها أمامها ونظرت له باعتذار هامسة بخفوت :
-"آسفة أبي"
رفع كفه تتدلى منه المسبحة السمراء يجعلها تصمت يرمقها بقوة هاتفًا بِهنّ بلوم وعتاب :
-"أخلاقها وعملها لنفسها لا دخل لنا به ، لكني لم أربي فتياتي على إهانة أحد أو الشماتة منه..
ما حدث الآن لن يتكرر مرة أخرى ، أفهمتن؟"
حاولن التحدث والاعتذار منه فهتفن في وقت واحد :
-"أبي / عمي"
لم يختفِ العتاب من نظراته ولم يجبهن بل تركهن وذهب يكمل عمله.
فتنهدت سارية بحنق من نفسها واستدارت إلى مارية تلقي المنشفة في وجهها بغيظ وشراسة..
فلو تركتها تقول ما تريد ولم تجبها لما تلقوا هذا الغضب والعتاب من أبيها.
★★★★★★★

لا يوجد مكان مليء بالأخيار فقط أو الأشرار وحدهم!
لابد من اجتماع الخير والشر معًا
في اجتماع أذلي
ومعركة أبدية بينهما على مر الزمان.
النصر فيها دائمًا ما يكون للأقوى!


بعد ذهابها ، تحولت ملامح إلياس من الجمود إلى شيء أعلى من الغضب والثورة ظهر بتجلي في عينيه حيث كانت تطلق شزرًا..
وجاد يراقب انفعالاته علم منها أنه يحاول ضبط نفسه بشدة حتى لا يفتك بالجندي ، فمصيره بات معروفًا ، لكن ما يظهر عليه الآن يجعله يشفق رغمًا عنه عليه.
لاحظ ارتعاد ملامح الرجل عندما التفت إليه بغضبه ، راقب التصاقه بجزع الشجرة بشدة كمن يحاول الاحتماء بها منه.
اقترب منه ببطء مثبتًا نظراته في عينيه ، بدأ في فك وثاقه ولم يحد عينيه عنه ، ثم قام بلف السياج حول يده ببطء بث الرهبة في قلبه ، ووقف أمامه بطوله المهيب يسأله بخفوت :
-"الآن وبهدوء أخبرني ما الذي دفعك لفعل هذا؟!"
حاول الجندي التظاهر بالشجاعة برغم الرعب الذي يدب في جوانبه ، وقال بتبجح مصطنع :
-"وما دخلك يا هذا؟
أنت لا تعلم من أنا؟
أنا من جنود الملك إلياس ، فلا تتدخل فيما لا يعنيك وإلا سجنتك"
كاد جاد أن يفتك بذلك المتبجح ، لكنه توقف عندما رأى اقتراب إلياس منه ليقف على بعد خطوة منه ناظرًا إليه بغموض ، ثم باغته أنه أعاد رأسه للخلف ثم هبط بها لاكمًا جبهته بضربة قوية جعلته يرتطم بالأرض.
ابتسم بتشفي لكنه أسرع يمسك مرفقه عندما وجده يقترب منه ليكمل ضربه ، وهمس له :
-"ترفق ، سيأخذ عقابه ولكن ليس بتلك الطريقة"
أجابه من بين أسنانه يرمق الرجل الذي فقد وعيه ولم يكن قد استفاق بالكامل من ضربة مارية من قبل بغضب :
-"أتركني جاد ، لم أتصور وجود حثالة كهذه بين جنودي"
تمسك به بقوة أكبر يقول بصوت يشوبه بعض المرح :
-"إذا تركتك سيكون في عداد الموتى"
- "يستحق"
صرخ بها بشراسة وعينيه مازالت ترمق الملقى بغضب ، لكن استطاع الآخر السيطرة عليه وتهدئته قائلًا بحزم :
-"أعلم أعلم ، لكن ليس هنا ، فأنا لن أخبرك بما يتوجب عليك فعله إلياس"
دفعه بنوع من القوة مسيطرًا على غضبه ، ثم أخذه من هذا المكان لتبدأ رحلة عودتهما إلى القصر مرة أخرى وبداخله الكثير من الوعود والقرارات التي ستفتك بمن يتجرأ على فعل هذا ثانيةً.


أشياء كثيرة ترغمنا على فعلها من غير إرادتنا
كالأمواج المتلاطمة ، إن لم تعرف أصول السباحة ستغرق ولن تجد قارب النجاة!
لكننا نقنع أنفسنا بوجود أمل في تغييرها في المستقبل..
وحبذا لو كان هذا التغيير بأيدينا
تتمنى أن يسير كل شيء كما ترغب وتريد


وصلت إلى مملكة الشمال بعد رحلة مرهقة جسديًا وفكريًا ، فهي أبدًا لم تعتد السفر لأماكن بعيدة عن مملكتها.
رغم ضيقها منه وقلقها من القادم لم تكن يومًا من الذين يفكرون في المستقبل أو الذين يعيشون في الماضي أكثر مما يستحق.
تعلمت أن تعيش اليوم والمستقبل للتخطيط ، والماضي تبني عليه الحاضر والقادم.
تعلمت أن الحياة رحلة تتزود منها بما تحب ، وأي متعة زائلة فلا توليها اهتمام أكبر من حجمها.
نظرت للقصر الذهبي من داخل قبتها بأعين منبهرة فقد حاز على إعجابها.
نعم.. لا يعتبر قصرًا فحسب!
بل عبارة عن عالم آخر ، فنيار يشبه إلى حد ما والده تقي الدين..
المكان الذين ينتمون إليه يحولونه إلى مكان للراحة ، واحة من الجنان بتلك النافورات المضيئة والمزينة بالورود وتلك النقوش.
سحرتها التفاصيل وغرقت فيها.
انتشلها من شرودها صوت أروى أنها يجب أن تهبط والتي يبدو أنها تنادي عليها منذ فترة لظهور الدهشة على ملامحها من شرودها :
-"أميرتي.. أعتذر منكِ لقطع شرودك ولكن الملكة رقية هنا ونحن وصلنا منذ فترة"
ردت عليها وقد استفاقت من تفكيرها أخيرًا بتعجب :
-"الملكة رقية!"
-"نعم مولاتي.. فهي قادمة لاستقبالك"
خرجت بأقدام متثاقلة ، فالملكة أتت لاستقبالها!
صوت سخرية هزأ بداخلها وارتجاف بارد مر بداخلها :
-"فهي بالتأكيد هنا لتكمل المحادثة القاتلة ذلك اليوم في جناحي ، أو تحذير ما يؤرق مضجعها مني"
وكانت شكوكها على حق فهي لم تستقبلها لطف منها أو حب من ذلك القلب البارد بين جنباتها..
النظرة الجامدة التي تحتل عينها خير دليل!
لكنها تمنت أو توقعت الأفضل.. لا تعلم هي لا تريد استباق الأحداث.
تمنت حقًا أن ما حدث يوم خطبتها هو غيرة أُم على ابنها في يوم كهذا.. ولكن يبدو أن الأسوأ قادم وأن كل ما يُقال عنها حقيقة مُرة يجب عليها التعايش معها ومواجهتها.
أغمضت عينيها لثواني تبث الهدوء في نفسها ، فمهما كانت من أمامها هي تعلمت الاحترام أولًا وأخيرًا ، عدا أنها الملكة الأم ولها مكانتها واحترامها ، حتى لو اكتسبت تلك المكانة بالقوة تارة وبالخداع تارة أخرى.
يبدو حقًا أن أيامها هنا معاكسة لأيامها الهادئة ، تشعر بالريح التي تسبق العواصف.
تسلحت بنظرات باردة أمام نظراتها المتفحصة ورفعت رأسها بشموخ في مواجهتها ولم تتحرك قيد أنملة عدا أنها انحنت لتحيتها ورفعت رأسها بابتسامة باردة تماثل ابتسامتها لا حياة فيها.
لتنطق رقية بنبرة جليدية :
-"أهلا بك أميرة ليان"
أومأت بهزة لا تُرى تجيبها :
-"مرحبًا بكِ أيتها الملكة ، سعيدة بقدومي إلى هنا"
ناظرتها رقية طويلًا ثم تركت حاشيتها وتقدمت منها تهمس في أذنها بفحيح خبيث :
-"أتمنى أن تستمتعي بأيامك هنا.. ولا ترفعي أحلامك للسماء لأن الأرض مصيرها"
ابتعدت عدة إنشات ونظرت في عينيها بنظرة قاتلة :
-"أعلم أن رياح التغيير التي أشعر بها ليست من فراغ.. وتحليلاتي تقودني إليكِ .
فاحذري أنا لا أحب التغيير"
ثم رسمت على شفتيها تلك الابتسامة المقززة تنادي على حاشيتها :
-"اخبروا الملك نيار بقدوم خطيبته ، وارشدوها لجناحها الذي ستقيم فيه لبضعة أيام"
شددت على مخارج حروفها ، ثم وجهت لها نظراتها ثانية بنفس الابتسامة :
-"كنت أتمنى لو أظل معكِ ليان ولكن تعلمين أمور المملكة لا تنتهي أنا متأكدة أن الملك نيار ينتظرك"
ثم تركتها وغادرت .
مرجل يغلي بداخلها هو أقل وصف لحالتها..
هل حقا قالت أن مشاعرها كره للملكة من قبل؟!
إذا ما هذه المشاعر؟
في حياتها لم تقابل امرأة مثلها بذلك الغرور والأنفة الغليظة!
تريد اقتلاع تلك البسمة التي تستفزها ولكن يبدو أنها حرب النفس الطويل.
نفضت الأفكار القاتلة وتبعت الجواري حولها إلى الجناح الذي ستقيم فيه أيام الاحتفالية.
كانت مأخوذة بكل ما يقابلها مما صرف أفكارها عن رقية.. ولكن صوت أوقفها من الحاشية على مفترق من الممرات والسلالم الرخامية الناصعة البراقة :
-"مولاتي.."
ناداها مأمون منحنيًا لها ، وعندما أولته انتباهها أكمل :
-"المملكة زادها شرفًا بقدومك..
هل تودين أن أُعلم الملك بوجودك ، أم تفضلين أخذ راحة من عناء السفر في جناحك؟!"
تنفست ببطء لتخرجه برقة فهي حقًا تريد إنهاء الأمر سريعًا.. فتلك الرحلة والاحتفال تحيطها بالضغوطات التي تأمل التخلص منها بأقرب وقت.
شعرت أنها استغرقت وقت قبل أن تجيبه :
-"لا أنا أود مقابلة الملك أولًا وبعدها سأستريح"
قالتها وكأنها أزاحت جبلًا عن كاهلها :
- "حسنًا مولاتي.. من هنا"
أشار إلى ممر وبنهايته غرفة استقبال الضيوف بينما الجواري صعدوا لإعداد ما تبقى في جناحها.
مأخوذة بتفاصيل الغرفة حال جميع تفاصيل القصر ، ذات سقف عالٍ مطعم بنقوش وزخارف رائعة جذابة يتوسطه ثريا كبيرة يهبط منها عدة ستائر منحنية ليعلق طرفها الأخر في الحائط أعطاها مظهر رائع ، وأرائك كثيرة مرصوصة بجانب بعضها بمحيط الغرفة مطعمة بالوسائد الصغيرة ، ومليئة بالنوافذ الواسعة.
قطع مأمون تأملاتها :
-"مولاتي يمكنك الانتظار هنا لحين إعلام الملك بوجودك"
-"حسنًا"
أجابته بخفوت تحاول إعداد نفسها داخليًا لمقابلته ، فهي لم تستكشف شخصيته كاملة بعد ولا تحبذ التعامل مع المجهول ، بل يعتبر مصدر القلق لديها.
في ذلك الوقت كان نيار يدور بغرفته بغضب يفكر بتلك الفتاة ، صوت بداخله يستنكر ثورته المفرطة وكأنها غير مبررة لكنه أخمده.
فهو وإن لم يكن هناك مبرر يكفي أن وجودها حية ترزق إلى الآن يؤرق منامه.
لا يهم ما يشده لها ولرؤيتها ، ولكن هي عارضت أوامره.
هاربة بنظره من مصير الجواري لكل جميلة خلقت على أرضه.
سيكسر كل قوانينه كي يحصل عليها ، ولكن يبدو أنها ليست من هنا كما يقول حراس القصر.
ماذا بالفعل لو كانت من مملكة أخرى!!
وماذا في ذلك؟
سيأتي بها مهما كلفه الأمر ، فقط لإراحة عقله وطرد السهاد.
التفت إلى مكتبه بعد أن كان أولاه ظهره وأنفق كل أفكاره أمام النافذة ولكن يبدو أن الهواء يعانده.
نادى حارسه بصوت عالٍ فهو يريد مأمون الآن أيًا كان مكانه ، ولكن غاب عن عقله أنه بعثه لاستقبال الأميرة تحت تلك الضغوطات المحيطة به.
-"مولاي.."
-"أريد الوزير مأمون الآن.."
ولكن قبل أن يجيب الحارس كان من يريده يستأذن للدخول ، حينها خرج بعد أن أمره الملك.
-"مأمون .."
قالها نيار بحزم يشوبه الغضب ، فحاول مأمون التحدث :
-"مولاي.. أنا"
ولكن قبل أن يكمل قاطعه الآخر بقوة وشراسة :
-"أريد تلك الفتاة مأمون حتى لو بأقصى الأرض..
لم تخلق بعد من تتحداني ، ولكن لن نذهب بعيدًا قبل أن نبحث حولنا والأقرب هو مملكة الجنوب فمنهم من يرتحلون إلى مملكتنا للتسوق"
-"ولكن.."
حاول مقاطعته فهو يريد إخباره بأمر ليان ولكن على ما يبدو قد نسي أمرها تمامًا :
-"لا تقاطعني مأمون.. أريدك أن تبعث بأمهر وأقوي جنودنا وحراس القصر للبحث عنها ، إن عاد بدونها مصيره القتل ، كنت سأخبر إلياس بنفسي ولكن يبدو أنه سيحضر الاحتفال متأخرًا فاحضر لي الكاتب سأبعث له برسالة"
-"أمرك مولاي"
انحنى بطاعة وداخله يتنهد بصبر ، فعلى الأميرة أن تنتظر ومن الأفضل لها ألا تقابله الآن فشياطين الإنس والجان تتراقص أمامه.
★★★★★

يتبـــــــــــــــع


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:37 PM   #24

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

أتدرون عندما يمتزج الغضب مع الشراسة؟!
يكون الناتج ثأرًا شرسًا يطيح بالأخضر واليابس.
هكذا تشعر الآن!
مهمل.. لا مبالي.. لا يعلم شيئًا عن الذوق والاحترام!!
صفات نعتته بها بداخلها وهي جالسة بانتظاره!
تنهدت بغيظ لا تعرف للمرة التي لا تعرف عددها؟
فقد توقفت عن العد منذ فترة طويلة .. طويلة جدًا.
هي هنا منذ زمن ألا يحترمها لهذا الحد!!
يجعلها تنتظر كل تلك الفترة دون أن يرسل حتى أي حارس كي تذهب لجناحها!!
تمنت لو أنها أخبرت الوزير أنها ستصعد لجناحها عوضًا عن مقابلته ، لما كانت الآن في هذا الوضع السخيف.
داعب خيالها التمرد ، ونهضت تخرج من الجناح نحو مضجعها ولم تلتفت إلى رد فعله عندما يأتي ، ستجعله يعرف من تكون بل ويقف لها احترامًا فيما بعد.. ستجعل لها الأولوية هنا قبل أي شيئًا كان!
أوصلها مأمون لجناحها بعد محاولات إقناعها بالانتظار قليلًا وخلق الأعذار الواهية له والتي لم تلق صدى لديها.
دلفت تتأمل المكان..
جناح واسع جدًا يتوسطه فراش دائري كبير محاط بالستائر الزرقاء تهبط من الثريا الكريستالية المعلقة بالسقف ترسم شكل الزهرة..
يلتحق به شرفة كبيرة تفصلها عن الداخل ستائر بيضاء.. وكثير من الوسائد بمحيط الجناح وطاولة تزيينها بمرآة كبيرة في جانب الجناح.
كانت أروى قد انتهت من ترتيب أمتعتها ، فاتجهت نحو المرآة تنزع وشاحها وتاجها محررة خصلاتها على طول ظهرها تنظر لانعكاسها ساخطة ، مشتعلة!!
مجيئها هنا بالإجبار..
رفضها لكل ما يحدث وما ستراه..
مقابلتها مع الملكة رقية في بداية اليوم..
والآن إهماله لها!!
همست لنفسها من بين أسنانها :
-"يجعلني أنتظره كل هذا الوقت وكأنني لا شيء؟
إن كان نسي موعد قدومي ستكون مشكلة ، أما لو كان يتذكر فهذه كارثة"
أغلقت عينيها تتنفس بعمق تبث الهدوء في نفسها وأكملت بوعيد شرس :
-"حسنًا أيها الملك ، سأجعلك تدفع ثمن هذا"
قاطع سخطها وتبرمها صوت تعرفه من خلفها.. هاتفًا بنبرة تميل للسخرية :
-"ماذا؟
أتتحدثين مع نفسك؟"
التفتت ليرى الشرارات الغاضبة تنطلق من عينيها علم أنها ساخطة عليه لدرجة أنها لا تستطيع إخفاء غضبها فـ رقّ صوته لين :
-"آسف.. جعلتك تنتظرين لفترة طويلة ، ولكنني نسيت حقًا في خضم أمور المملكة.. أرجو أن تسامحيني"
ابتسمت بتهكم وتقدمت خطوتين منه تضع كفيها فوق بعضهما أمامها تميل برأسها للجانب قليلًا :
-"ألا تظن أيها الملك أنك في خضم أمور مملكتك هذه تنسى أهم أمر وهو قدوم زوجتك المستقبلية وملكة المملكة عيبًا؟"
هزت رأسها استنكارًا ساخرًا وأولته ظهرها هاتفة بنبرة جادة لا تحمل جدالًا علم منها أنه غير مرحب به الآن ولا تريد رؤيته :
-"أنا متعبة من السفر.. فمعذرة منك أريد أن أرتاح"
خطت خطوة واحدة والثانية لم تكتمل بسبب جذبه لها يديرها إليه قابضًا على خصرها فاصطدمت بصدره شاهقة بدهشة!
تلاقت الأعين وامتزجت النظرات لكن انقلبت الأدوار!
الغضب سلاحها والرفق درعه!
سهام وعيدها تلاقها بحائط هدوئه!
وجهه على بعد إنش منها هامسًا بأنفاسه الحارة على صفحة وجهها كأنه يرضيها لكن يشوبها المكر الخفي :
-"لا تغضبي ، وجهك يحتقن بالدماء فيمتزج بياضه بالاحمرار وتشتعل غصون الزيتون في مقلتيك ، تجعلك وجبة شهية لصائم مثلي مشتاق للآذان"
-"نياااار"
هتفت اسمه بزمجرة شرسة لم تتأثر بعبثه ومحاولته استمالتها فلم يهتم وضغط على خصرها يقربها منه أكثر رافعًا كفه يعيد خصلاتها خلف أذنها ثم هبط على وجنتها بظاهره يلتمس نعومته هامسًا :
-"لم يجرؤ أحد من قبل على مناداة اسمي مجردًا ، حتى أبي وأمي يسبقونه بالملك"
هذه المرة هي من ألصقت نفسها به تغوص بنظراتها في عينيه ، فاصطدمت قوتهما واندلعت شرارة التحدي :
-"لكنني لست أي أحدًا نيار"
رسم ابتسامة عبثية على جانب ثغره أظهرت إعجابه الشديد بها وبقوتها ، منجذب لهالتها رغمًا عنه وأومأ مؤكدًا :
-"نعم أنتِ لستِ أي أحدًا ليان"
أنهى حديثه برفع كفها إلى شفتيه يقبلها برقة فهدأ الاشتعال بداخلها قليلًا :
-"هل تقبل جميلتي بقبول عذري ، حقًا هذه الأيام شاقة"
تنفست بعمق وأومأت عدة مرات تجيبه بصوت هاديء رزين :
-"لا بأس.. أرجو أن يكون كل شيء بخير!"
-"نعم كل شيء على ما يرام"
رحب بها وجلسا يتناولان شرابًا باردًا يزيح من الشحنات السلبية حولهما وإرهاق سفرها ، أرادت أن تقطع الصمت بينهما ، أرادت اكتشاف شخصيته ، فالمرء مخبأه أسفل لسانه :
-"نيار"
- "نعم ليان"
رد عليها يحول ببصره إليها .. عاشق جمالها الهادئ المريح للنظر.
-"هل يجب أن يقام هذا الاحتفال والجواري وما إلى ذلك!"
وقبل أن تكمل شرح وجهة نظرها قاطعها بصوت لا يحمل مجالًا للجدل :
-"نعم.. يجب أن يقام فهو تقليد من تقاليد المملكة"
حاولت أن تلينه من هذا الاتجاه ، ولكنه قطع عليها محاولتها علمت أن النقاش بهذا الموضوع منتهي.
زفرت بحنق فهي لن تنال غايتها.
صمتت قليلًا حتى جاء بعقلها أخوه إلياس ، فهي لم تره إلى الآن بالقصر ولا بخطبتها.
لكن قبل أن تسأله استأذن الحارس ينحني احترامًا وأخبره أن ما أمر به للاحتفال قد تم ليأتي ويشرف عليه بنفسه..
فاستأذن منها ليذهب وتركها في فجوة أفكارها غارقة.

لا يوجد العمران حيث لا يعدل السلطان
فيوم العدل على الظالم
أشد من يوم الجور على المظلوم
وبين الظلم الظاهر والعدل الخفي
خيط رفيع لا يراه إلا أهل القلوب.
**********
شعاره الدائم
"الحق قبل كل شيء حتى لو خسر ملكه"
فكان أول شيء فعله بعد عودته هو الإتيان بذلك الجندي.
جثى أمامه على ركبتيه في الساحة الواسعة بحضور عدد كبير من الرعية ، كان الرجل مندهشًا من مثوله بهذا الشكل فلم يأتِ بذهنه أن يصل ما فعله للملك!
رآه يقف بهيبته يضع يده اليسرى خلف ظهره والأخرى بجانبه ، يرتدي زي ملكي باللون السكري ، وأسفله بنطال ضيق ، وعمامة كتانية يزينها حجر ياقوتي عسلي.
صدح صوته الجوهري الأجش يدور بنظره على وجوه شعبه :
-"لأكثر من خمسة أعوام وأنا أحاول أن أحكم بالعدل..
أحافظ على أعراض النساء والفتيات
فمن لا يتق الله في رعيته فلا خير له في دينه ودنياه"
ثم حول نظره إلى جنديه واقترب منه يكمل بشراسة وسواد عينيه ازداد قتامة :
-"لكن من يحلل لنفسه حرمات الله ويعتدي على فتاة من مملكتي ، مفتخرًا بأنه أحد جنودي فأنا منه بريء"
توسعت عيني الرجل بصدمة من معرفته ، وتراجع بجسده للخلف يتلجلج بصوت متقطع :
-"كيف.. كيف علمت مولاي؟!"
ابتسم إلياس ابتسامة جانبية بمكر لكن نظراته امتلأت بالعنفوان :
-"لحظك العسير أن من قابلته في الغابة كان أنا"
راقب صدمته وذهوله
أنفاسه اللاهثة وجسده الذي انتفض رعبًا وقلقًا من مصيره الذي تيقنه..
قرأ في عينيه أنه سيقوم بالاعتذار والتوسل ، فالتفت بجسده يقر بصوت أعلى يصل لمسامع الكل بأنه سحب منه رتبته من الجيش ، وفي أقرب وقت يخرج من المملكة بأكملها.
اندهش جاد من قراره ، ظنه سيقوم بسجنه على الأقل ، لكن إقالته من وظيفته وطرده يعتبر عقوبة بسيطة عما فعله بالنسبة لشخصية صديقه.
صدح هتاف الجميع بإطالة عمره وحمايته لهم ، فحيّاهم قبل أن يدخل القصر بجانبه جاد الذي قال بمواربة :
-"خِلتك ستقتله أو تسجنه"
ابتسم يتابع سيره دون النظر له قائلًا بتلاعب محبب :
-"وأنا خِلتك أذكى جاد"
ثم أولاه اهتمامه ناظرًا إليه :
-"لم أفعل ذلك من فراغ ، بل ترفقت بوالدته وزوجته وأولاده..
لولاهم لكان في عداد الموتى بالفعل"
قطع حديثهما قدوم خديجة من بعيد برداءها الأزرق الحريري ترتدي وشاحًا مثبتًا في تاجها الماسي تغطي ما ظهر من صدرها ، يهبط حتى كاحلها.
اقتربت على ملامحها الامتعاض ، فضيّق إلياس عينيه قليلًا بحذر وانحنى جاد باحترام قبل أن يستأذن للانصراف وتركهما ينظران لبعضهما.
ارتفع حاجبي إلياس وهو يرى اندفاع سؤالها له :
-"أين كنت طوال هذه الأيام إلياس؟
حتى جاد كان مختفيًا"
- "وها قد عدت خديجة ، عمل مهم كان علينا إنجازه"
أجابها ببرود ثم اقترب منها هامسًا بمكر ساخر يشملها بنظراته من أسفل لأعلى :
-"لا تخبريني أنكِ اشتقتِ إليّ أيتها الأميرة"
كادت أن تضعف من همسه الذي يشعلها عشقًا له لكنها جمعت ربطة جأشها :
-"منذ متى وأنت تتهاون في عقاب أحد؟
لمَ لم تقمْ بقطع رأس هذا الجندي؟"
هنا تحولت عيناه للغضب ، ووجهه للاحتقان.
فأشد ما يكرهه أن يتدخل أحد في شئون حكمه ، ليقول من بين أسنانه وقبضته تشتد على رسغها :
-"هذه آخر مرة تتدخلين فيما لا يعنيكِ.. أفهمتِ؟!
ما أفعله لا شأن لكِ به"
نظر لها من علو وعاد لبروده الذي تكرهه به ، وعادت ابتسامته مرة أخرى كأن لم يحل الغضب عليه للحظة :
-"سأترك لكِ أمور ترتيب السفر لمملكة الشمال.. سنسافر بعد غد بإذن الله بعد شروق الشمس"
ثم مد كفه لها مرة أخرى بعد أن كان تركها :
-"والآن.. هل لي أن أنفرد بكِ بعض الوقت؟"
ابتسمت ببلاهة وجذل تضع كفها فوق كفه لتسير بجانبه رافعة رأسها بشموخ.
★★★★★★★

الخيانة ثعبان خفي في مزرعة القلوب
يتسلل بخفة وغموض نحو فريسته
يأخذ من الحقد طعامًا ومن الكره شرابًا!
ينتظر ويصبر حتى لو مرت سنوات
وعندما تحين اللحظة المناسبة
يلدغ بقوة يبخ سمه في شرايين الجسد
ينشر السواد في القلب ، ويحيل الدماء لسم
وتدفن الروح في مقبرة اللاعودة.


تجلس الثلاث فتيات في منزل عائشة يساعدانها في تجهيز ثيابها..
مارية ووالدتها تفرزان الأقمشة ، وسارية وعائشة تقومان بالخياطة.
حالت والدة عائشة نظرها في الأرجاء تبحث عن شيء ما سائلة :
-"أين فتون يا فتيات؟
لماذا لم تأتِ؟"
نظرت سارية وعائشة لبعضهن بصمت ثم إليها ترفعن أكتفاهن بلا معرفة ، وقالت الأخيرة :
-"لا أعلم أمي ، أخبرتها أننا نقضي النهار سويًا فقالت أنها ستأتي"
لم تكد تنهي جملتها حتى استدرن جميعهن نحو الباب على صوت فتون التي تقف متخصرة بيد واحدة وتستند بالأخرى على حافته :
-"صباح الخير"
هتفت مارية بسخرية تلوي فمها بتهكم تتأمل قطعة قماش حمراء :
-"اذكري الله يا خالتي"
رمقتها الخالة بلوم كي تصمت ، تعلم أنها لا تستطيع كبح لجام لسانها ثم نظرت إلى فتون مربتة على المكان جانبها :
-"تعالي حبيبتي اجلسي"
قذفت مارية قطعة القماش لها بعد جلوسها فاصطدمت بوجهها اتبعتها بالخيط هاتفة بأمر مثير للحنق ونبرة ساخرة :
-"قومي بتطريز هذه برسومات جميلة أيتها المبدعة"
كتمت الفتاتان ضحكاتهن بصعوبة ، لتهتف فتون باستنكار يخفي خبثًا :
-"لا أعلم كيف لليد التي تحمل السيف والسهام ، تمسك خيطًا وتطرز الأقمشة"
-فتون"
صدح صوت عائشة بقوة لتتوقف عندما فطنت أن حديثها إثارة غيظ لسارية ، لكن الأخيرة قالت بهدوء مغلف بسخرية دون رفع نظرها عما بيدها :
-"معكِ حق عزيزتي ، فكل يد آهلة لما خُلقت له"
★★★★
في ذلك الحين وصل الجندي الموكل من نيار إلى مشارف مملكة الجنوب ، وجد جنود الحدود قابعين يحرسونها ، استقبله القائد وعلم منه أنه أتى ببرقية للملك ، فأمر أحد الجنود أن يذهب معه لإيصاله القصر.
سارا في طريقهما وسط الغابة ، وكان الغروب قد اقترب فاقترح عليه أن يضيفه في المملكة حتى الصباح ، لينطلقا إلى إحدى الحانات الكبيرة والمليئة بالشراب والغانيات.
كانت فتون من ضمن اللاتي يعملن في الحانة ، فتقدمت منهما وجلست بجانب جندي الحدود الذي قال لها :
-"مرحبًا يا فاتنة.. رحبي بضيفنا من مملكة الشمال"
نظرت له بإغواء وانحنت بجسدها أمامه هامسة بدلال :
-"مرحبًا بك سيدي لقد ازدادت المملكة شرفًا بحضورك"
كاد أن يأكل مفاتنها بعينيه فابتسمت بمكر تسمع من بجانبها :
-"أظن أنه يستحق مضايفة غالية"
اتسعت ابتسامتها أكثر واستقامت تبدأ الرقص باحترافية وغنج.
تتمايل بجسدها إليه حتى يلامس شعرها قدمه ثم تستقيم ، تصنع انحناءات متمكنة بخصرها تلتفت حوله ، ممسكة بيدها منديل حرير تحركه أمام نظره ، ثم أنهت رقصتها جالسة بجانبه بابتسامة مغوية ليصفق جميع من في الحانة على هذا العرض الرائع.
تركهم جندي الحدود عندما جاءت فتاة وأخذته ، سألته عما هو قادم من أجله فأخبرها أنه قادم ببرقية من الملك نيار.
سيطر فضولها عليها فحاولت أن تستشف أكثر عن أمرها فأخبرها :
-"لا أعلم ولكن أظن أنها بخصوص تلك الفتاة التي هاجمت الجندي في السوق منذ شهر تقريبًا"
عقدت حاجبيها بدهشة وسألت :
-"أية فتاة؟!"
رفع كتفيه بعدم المعرفة وتجرع بقية كأسه :
-"لم أرها ولكن صديقي الذي هاجمته قال أنها فتاة ذات جمال صارخ..
خصلات نارية يميزها لون عيناها الأخضر والأزرق"
توسعت عيناها بقوة لينير في عقلها اسم سارية.. الوحيدة التي تمتلك هذه المواصفات بل وكانت في هذه الفترة في مملكة الشمال مع عائشة ، فاستنتجت أنها الفتاة التي يبحث عنها الملك.
الجميع يعلم من هو خاصةً عندما يتعلق الأمر بجنوده وحاشيته ، فمالت عليه بمكر أنثى تريد التشفي بغريمتها :
-"أعرف الفتاة التي تبحث عنها"
نظر لها بلهفة :
-"حقًا.. أين هي؟"
رفعت حاجب واحد بخبث وقالت :
-"لكنك لن تستطيع أخذها بسهولة ، فكما ترى ماذا فعلت بصديقك على مرأى ومسمع من الجميع!
لكن لدي خطة إذا وافقتني عليها ستذهب بقدمها إلى ملكك ، بل وسيكافئك على هذا"
التمعت عيني الجندي بجشع وشرع يستمع إلى ما تقوله ، وعينيه تزداد لمعتها بإثارة وابتسامته تزداد :
-"ما أخبثكن أيتها النساء!"
★★★★★

ليس الذنب ذنبه ولا ذنبها
بل ذنب الذي سكب النفاق والخديعة في النهر
ليشرب منه الصادق والكاذب
فأصبح من الصعب التفريق بينهما
والضحية كانت من فنى عمره في سبيل العدل والصدق
فماذا يفعل ذو مروءة بين أهل الخداع في أرض النفاق؟!



مر يومان كانت سارية تجلس بجانب عائشة تقومان بغزل أطباق من البوص والقش قبل أن ترفع رأسها عما هي منهمكة فيه والتفتت لعائشة تسألها :
-"أتعلمين شيئًا عن مارية؟
لم أرها منذ أول أمس وهذه ليست عادتها!"
رفعت أكتافها بعدم معرفة تمط شفتيها للأمام وقالت :
-"أنا أيضًا لم أرها منذ هذا الوقت"
فوضعت ما بيدها ووقفت هاتفة :
-"هيا بنا ، لنذهب ونراها.. سأقطع رقبتها على اختفائها"
ضحكت سارية ومضت ذاهبة برفقتها إلى بيتها ، وهناك علمت أنها كانت ذاهبة للمملكة لشراء بعض الأشياء ولم تعد منذ حينها ليصلهم خبر أن الملك إلياس أخذها من ضمن مجموعة الفتيات اللاتي سترافقنه أثناء سفره إلى مملكة الشمال لحضور الاحتفال.
ارتدت سارية للخلف من الصدمة التي تلقتها للتو..
ماذا حدث؟
كيف يمكن أن يأخذوها؟
لا هم لم يأخذوها بل قاموا باختطافها!
جاء بدر الدين فهو كان على علم بالأمر لكنه لم يخبر ابنته حتى يرى ما حدث.
يشعر أن هناك شيئًا خاطئًا لا يعلم ما هو؟!
إلياس ليس من يختطف الفتيات.
المملكة كلها علمت ما فعله مع الجندي الذي تعدى على الفتاة في الغابة ليتأكد حينها أن من أنقذ ابنته ومن كان برفقة جاد هو إلياس.
لا يعلم لمَ يشعر أن ما فعلته ابنته في مملكة الشمال السبب!
يشعر أن نيار خلف كل ذلك!
كاد أن يتحدث لكن سبقته ابنته بما كان سيقوله :
-"سأذهب إلى المملكة"
ثم نظرت إلى والدها بتعابير إصرار لم يره بها من قبل وأكملت :
-"حان وقت العودة يا أبي ، أعلم أنه يريدني أنا بعد ما حدث ، لكن لا ذنب لمارية في كل ما يحدث"
أومأ يجذبها لأحضانه وهمس يحاول أن يهدأ ارتجافها يمسد فوق خصلاتها مقبلًا أعلى رأسها :
-"اهدأي صغيرتي.. سنعود من المؤكد سنعود"

انتهى الفصل


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:39 PM   #25

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس

وما النسيان سوى قلب صفحة من كتاب العمر!
قد يبدو الأمر سهلًا
لكن ما دمت لا تستطيع اقتلاعها ستظل تعثر عليها بين كل فصل من فصول حياتك.
أُخبر ذات يوم أن الوقت ينسي الألم ويطفئ الانتقام!
أُخبر أنه بلسم الغضب ، خانق الكراهية!
فلماذا حتى الآن لا يشعر بتأثير الوقت عليه؟

تصارعت الأفكار في رأس إلياس عندما وصل برفقة خديجة إلى مشارف القصر الذهبي ، وجد حشد كبير من الرعية والجنود في استقباله ، دخلت الخيول من البوابة العملاقة لتتوقف بعدها وهبط منها بزيه الأخضر الملكي وعمامة تحمل نفس اللون يتوسطها حجر ماسي على شكل حبة اللوز ، يتأمل القصر الذي لا يدخله إلا في هذا الوقت من العام بعد أن كان يقيم فيه.
مزينًا ببزخ بستائر ملونة معلقة بين الشرفة والأخرى ، وأشرطة الورود ملقاة على الممر الذي يقف في آخره أخيه نيار بزيه الأزرق وعمامته من نفس اللون.
طالت نظراتهم لبعضهما تحمل جميع المعاني من كبرياء ، غرور ، غموض ، عتاب ، غضب ، اشتياق وأخيرًا حب.
رأى والده يقف على يمينه بزيه الأبيض المعتاد ، بجواره والدته والتي لا يشعر نحوها بأي نوع من المشاعر غير أنها مجرد الملكة.
نظراتها ، وقفتها وملامحها لم تتغير ، مازالت على جمودها وغرورها الذي سيقتلها بيوم من الأيام.
جذب انتباهه فتاة بجوارها جميلة الملامح بخصلات شقراء وزي ملكي باللون البنفسجي الهادئ وتاجها الماسي ، لكنه لم يستطع أن يحدد هويتها فهي المرة الأولى التي يراها لكنه خمن أنها خطيبة أخيه.
التفت ليجد خديجة وقفت بجانبه بعدما ترجلت من قُبتها ، ليتقدما نحو والده الذي ابتسم بحنان بعد أن لبى دعوته.
يعلم كم أن الأمر شاق عليه لكنه يعلم أن له مكانة في قلبه.
اقترب منه وانحنى يقبل ظاهر كفه ، فشد تقي الدين على كتفه بفخر ورضا ، ليلتفت إلى أخيه ومد الاثنان يدهما في نفس الوقت يشد كل منهما على يد الآخر ، كابحين رغبة أن يضما بعضهما باشتياق ، لكن العينين عكستا ما في القلوب ، والنظرات عبّرت عما يجيش في الصدر من مشاعر وشوق.
لكن نيار قال بجمود قاطعًا هذا الصمت :
-"المملكة نالها الشرف بحضورك جلالة الملك"
هز إلياس رأسه يجيبه بنبرة جامدة لكن الآخر التقط الاهتزاز الطفيف بها :
-" شكراً لك جلالتك"
التفت إلى والدته مقتربًا منها والتي ظنت أنه سيرتمي بأحضانها بمجرد رؤيته لها لكنه اكتفى بانحناءة بسيطة لا تُرى :
-"مرحبًا أيتها الملكة"
جملته بمثابة صفعة مفاجأة على وجنتها!
صعقها ردة فعله فهذا أبعد ما توقعته!
اشتعلت نظراتها بالغضب الذي ابتسم له إلياس بسخرية خاصةً عندما حاولت الحفاظ على جمودها رافعة أنفها بكبرياء تومئ برأسها :
-"أهلًا وسهلًا جلالة الملك"
حال بنظره إلى ليان التي انحنت بابتسامة جميلة ، ليسمع صوت والده معرفًا إياها له :
-"الأميرة ليان ابنة الملك سليم خطيبة أخيك"
تجاهل كلمة والده الأخيرة والتقط كفها ليطبع قبلة رقيقة على ظاهر أناملها في حركة تدل على الاحترام وقال ينظر نظرة خاطفة للملكة رقية :
-"مرحبًا بالملكة المستقبلة"
ابتسم للرسالة المبطنة التي قالها والتي التقطتها رقية بصدمة وقد فهمت مقصده ، أن عصرها آن له أن ينتهي.
★★★★★★★
مرت عدة أيام بعد حضور إلياس وجاد ، كان قد حضر الملك سليم وتم استقباله بترحاب شديد.
كان نظام أيام الشكوى في المملكة قائم على أربعة أيام بلياليهم.
كل جهة من جهات المملكة يوم.
من يمتلك شكوى يتقدم بها ويسردها أمام الملوك ، فإن كان يمكن حلها في وقتها يتشاورون فيما بينهم في الوقت ذاته ، وإن أرادت بعض الوقت يعطوه ميعاد آخر ليأتي من جديد.
مرت الثلاثة أيام الأولى ليأتي اليوم الرابع والأخير ، كان من المفترض أن يقام الاحتفال السنوي للملكة بعد هذا اليوم بثلاثين يومًا ، فاستمع الملوك لجميع الشكاوي ، منهم من تم حلها ومنهم من أُجلت للنظر فيها.
وقف نيار يتحدث لجميع الحاضرين ، حيث كانت الساحة ممتلئة كلها بلا منفذ حتى امتد الحشد لخارج القصر بعدة أمتار :
-"أرجو أن يكون الجميع سعداء ، فقد حاولنا حل جميع الشكاوى بالعدل والحكمة حتى لا نظلم أحدًا ، و ...."
قاطع حديثه صوت أنثوى صدح بقوة من بين الحشد يتخلله صوت أقدام الخيل وصهيله :
-"وهل للظالم أن يحكم بالعدل؟"
امتدت رأسه يرى من التي تجرأت على اقتحام القصر وقاطعته بهذا الشكل ، حتى إلياس هب واقفًا بجواره عندما وصله الصوت ، تبعه الجميع بالوقوف.
التفتت جميع الرؤوس إلى بوابة القصر ، واصطف الناس صفين على كل جانب ، لتدخل بمهرتها البيضاء ترتدي قلنسوتها الحمراء القانية على رأسها ، فكان جاد أول من تعرف عليها ليفغر فاه بصدمة من فعلتها!
أما إلياس عقد حاجبيه وضيّق نظراته يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل؟
صوتها صدح مرة أخرى وهي تهبط من فوق الخيل بمهارة وتلتفت تزيح طرف العباءة إلى الخلف ترمق الجميع بغضب وسخط :
-"أخبرني أيها الملك.. هل من يضع قانونًا يحلل لنفسه أخذ فتاة لم تكد تتجاوز سن الرشد من أسرتها أن يحكم بالعدل؟"
رفعت يدها تزيح القلنسوة عن رأسها فظهرت خلاصتها النارية تلمع تحت أشعة الشمس الساقطة :
-"هل لملك يحرم أم عانت لأشهر من ألام الحمل والوضع كي تقر عيناها في النهاية بطفلة وهبها الله من الجمال نصيب أن يوصف أنه عادل؟
هل لملك يحرم أب قضى لياليه داعيًا الله أن يرزقه بطفلة ويفني عمره في رعايتها وحبها وتربيتها أن يكون عادل؟!"
نظرت لتقي الدين وكأنها تقول جملتها له بالأخص :
-"هل من يجبر رجلًا أفنى عمره في خدمة هذه المملكة ، لا يريد لها إلا الصالح أن يتشرد بأسرته خوفًا على ابنته من مصير محتوم كتبتموه بأيديكم بدون وجه حق"
قاطع حديثها هتاف إلياس الذي تقدم منها بعدما هبط من مجلسه يعصف بها :
-" من أنتِ كي تتجرئي وتتحدثي مع ملوكك بهذه الطريقة المتبجحة؟
قسمًا بالله ستعاقبين على ما فعلتيه لتوك''
رمقته بسخرية تناظره بقوة ترسم ابتسامة مستهزئة ، وقالت بصوت يسمعه الجميع :
-"حقًا سأعاقب لأنني أقول الحقيقة التي تتهربون منها؟!
لأنني أهتف بظلمكم وظلم قوانينكم؟"
أومأت برأسها عدة مرات مكتفة ذراعيها أمامها تصيح باتهام صريح له أمام الجميع :
-"حسنًا أخبرني أيها الملك ، ما عقاب من يختطف فتاة من أسرتها ليقدمها هدية لأخيه كي يعيد الوصال من جديد؟"
رمقها بدهشة لما تقوله وعقد حاجبيه باستنكار ، فهو لا يفهم ماذا تقول ومن تقصد؟
أتتهمه هو بخطف فتاة والسير بهذا القانون؟
يخطف فتاة ليعيد حبل الوصال الذي قطعه بيده منذ خمس سنوات؟
كاد أن يرد ، لكن قاطعه صوت والدها الذي أتى من الخلف :
-"سارية!"
هب تقي الدين بصدمة مع رقية ، وقد ارتعد جسديهما من هول ظهوره ، ليهمسا معًا في نفس الوقت :
-"مستحيل ، بدر الدين!"
خاطئون إن ظنوا أنهم تخلصوا من الماضي بدفنه!
ألا إنه دائمًا ما يجد طريق عودته!
فالتخلص من الماضي يكون بالمواجهة وليس الدفن!
هدر بها أبوها الذي جاء من خلفها يمتطي جواده الأسود بزيه الأبيض ووشاحه الذي يلفه كعمامة على رأسه.
يطالعه الاثنان بأعين جاحظة ونظرات غير مصدقة!
صدمة بعينين مختلفين..
فتقي الدين بات مصدومًا أنه على قيد الحياة ، بحث عنه طوال العشرين عامًا الماضية حتى يئس وسلّم أمره بأنه إما رحل أو توفيَّ.
أما رقية فصدمتها مختلفة ، ظنت أنها تخلصت منه إلى النهاية..
ذلك الرجل الذي كان دائمًا عقبة في طريق أمانيها ، فهل ستخسر كل ما حققته الآن؟
هل بظهوره مرة أخرى ستُفتح الدفاتر القديمة؟
ضغطت على كفيها بقوة ، وللمرة الأولى يظهر في عينيها القلق والتوتر وهي تنظر لهيئته الشامخة كالمعتاد يقترب من تلك الفتاة المتبجحة التي اقتحمت قصرهم فجأة.
أما نيار وقف بجانب أخيه وصدمه رؤية بدر الدين كبيرة عليه وقد تذكره ، هو ذلك الشيخ الذي قابله أثناء رحلة صيده لكي يسأله عن الفتاة التي أنقذته في الغابة..

ليعود بذاكرته إلى ذلك اليوم..
بعدما عاد مأمون سرد عليه ما حدث ، فقرر لقاء هذا الشيخ ورؤية المكان ، فذهب إليه في الصباح ليجده شيخ له وقار وهيبة شديدين.
رأى المكان الذي يسكنه عبارة عن مجموعة من الأكواخ على مسافات متفرقة من بعضهم لكنه يشوبه الألفة والدفء الذي يفتقده في حياته.
سأله عن الفتاة وأين يمكن إيجادها ، فكان جواب بدر الدين :
-"كما قلت لصديقك يا سيدي ، لا يوجد فتيات بتلك المواصفات هنا في القبيلة ، فأكبر فتاة هنا لا يتعدى عمرها العشر سنوات"

عاد بذاكرته يحيل بنظره إليها ، هي الفتاة بنفس المواصفات التي ذكرها الجندي له.. الفتاة التي يبحث عنها طوال هذه المدة لتأتيه بقدمها ، فتحولت ملامحه إلى الغضب وعيناه السوداء أصبحت كبئر حالك.
كان جاد أول من صُدم و أول من استفاق يهز رأسه بغضب من غبائها واندفاعها ، دائمًا ما تلغي عقلها وتسير خلف غضبها الذي سيقتلها يومًا ما.
لولا الجمع الغفير وحضور الملوك لكان الآن يعيد لها عقلها وبطريقتها هي.
التفتت سارية إلى والدها تلهث من الانفعال ، ليقترب منها ممسكًا ذراعها بحزم طفيف :
-"عندما تتحدثين مع الملوك عليكِ أن تتهذبي"
نظرت إليه بجمود تلتفت حولها ترى الحضور الغفير يراقب المشهد بانتباه شديد ، وعلامات الإعجاب على وجوههم وكأن كلماتها لم تنبع منها فقط ، بل من قلب كل شخص هنا.
ابتسمت بسخرية وعادت بنظرها لنيار الذي وقف أمامها هاتفة :
-"معك حق أبي.. لكنك لم تقم بتربيتي على احترام من هو ظالم"
ثم توجهت بحديثها إليه قائلة :
-"أتعلم أيها الملك.. إذا كنت أعلم أنك من أنقذته من الهجوم ذلك اليوم ، لكنت أمضيت في طريقي غير عابئة بما يحدث وتركتك تدبر أمرك"
ارتفع حاجبي نيار بدهشة ، والآن استطاع أن يربط كل الخيوط ببعضها ، الفتاة الذي يبحث عنها هي نفسها من أنقذته في ذلك اليوم ، وهذا الشيخ هو والدها والذي لم يكذب عندما سأله عنها..
فقد كانت في هذا الوقت في مملكته تهاجم جنديه ، فاقترب منها بابتسامة غامضة تلقي الرعب في قلوب الرجال :
-"حسنًا ، فالفتاة التي أبحث عنها لأنها اعتدت على أحد جنودي هي نفسها من أنقذتني"
ليصيح بصوته موجهًا سؤاله الساخر للجميع :
-"هل أقوم بعقوبتك أم بمكافئتك يا تُرى؟!"
كانت رقية تتابع ما يحدث لكن عقلها فقط مشغولًا بعودة بدر الدين وأن تلك الفتاة ابنته.
أما خديجة وليان لا تفهمان شيئًا مما يحدث ، ولكن دق ناقوس القلق في قلبيهما ، لتنظرا لبعضهما بعدم فهم.
إلياس نظر إلى وزيره وكأنه تذكر لقائه معها ويريد التأكد ، فالتقط جاد نظراته وتساؤله وأومأ برأسه كأنه يقول له "نعم إنها هي".
التفت الجميع لصوت تقي الدين الذي صدح بقوة آمرًا جنوده :
-"أيام الشكوى انتهت ، هيا فلينفض الجمع في الحال فالقادم من شئون القصر"
كاد الجميع أن يلبي ما أمره لكن حينما صدح صوتها عاليًا بغضب :
-"ولمَ أيها الملك؟!
فلتعتبرني من رعيتك.. أليس هذا يوم من أيام الشكوى ، والجميع يقدم شكواه في هذه الساحة لترد المظالم إلى أهلها؟
ها أنا أقدم شكواي وأمام الجميع"
في خضم التوتر الذي لفح أفراد المملكة بين انصرافهم أو بقائهم ، واضطراب الملك تقي الدين.. هل يسمح لها بتقديم شكواها التي لا يعلم فحواها إلى الآن وأن يظل أفراد الشعب في الساحة ويشهدون على عتاب من كانوا أصدقاء يومًا على افتراقهما؟!
أم يصر على موقفه؟
ورقية التي تحاول تمالك خوفها من القادم..
أما إلياس كمن يشاهد عرضًا وكأنه ليس ملكًا ، بل فردًا من العامة لا تعنيه الأحداث بشيء.
فصدح صوته البارد يجلس بأريحية لامبالية على كرسيه مرة أخرى ، يوجه كلامه لوالده ولكن عينيه على سارية وبنبرة ساخرة من والدته كأنه شعر بفراسته بخوفها وتوترها :
-"مولاي هذا حقها فهي تريد طرح شكواها كباقي أفراد الشعب ، وواجبنا الاستماع إليها"
تقدم نيار على غفلة منهم يضع يده خلف ظهره واليد الأخرى على السيف :
-" كل فرد من الشعب يعلم حدوده ، يعلم ما هي حقوقه وواجباته.. يتعلم من الصغر احترام العائلة الملكية!!
من تحميه في بيته من أي هجوم يطاله ، تساعده وتكّون له بيت ومأمن.. عائلة تحيا معه تحت هذه السماوات قبل ان تحكمه"
وقبل أن يكمل حديثه ، قاطعته سارية متحدية بنبرة غاضبة ساخرة :
-"لو كنت يومًا من أفراد الشعب تعرف حقوقك وتقوم بواجبتك.. وكان لك أخت أو ابنة أنفقت عليها من روحك ، ولأن الله حباها جمالًا ، تُفاجأ أنها تؤخذ منك على غرة..
تؤخذ من أولئك الذين يمثلون لك الأسرة..
لا تعلم عنها شيئًا؟
وهل سوف تراها مرة أخرى أم لا؟"
اقتربت منه حتى وقفت أمامه بالند تكمل بحدة وقد تحشرج صوتها من الصراخ :
-"هل هذه هي الأسرة التي تتحدث عنها؟
هل ترى بذلك مصلحة شعبك أم مصلحة احتياجاتك المبجلة؟"
أنهت كلامها صارخة ، فعم الصمت والذهول مرتسم على محيا الجميع.
ارتعاشة خفيفة مرت بداخله لعلمه أنها على حق ، فلو كانت له أخت لحارب العالم لأجلها ، ولكن سامحها الله والدته.. لم تعلمه معنى أن يكون له أحد تحت حمايته غير شعبه لأجل السيطرة لا لشيء آخر!
ولكنه لم يسمح لذلك بالظهور ، يجب أن تتأدب فقال بقوة :
-"أتعترضين على قرارات المملكة؟!
أتعلمين ما هي العقوبات؟!
صدقيني عقوبة ذلك وخيمة ، وأنا الذي سيطبقها بنفسه"
قالها بصوت حاد خطير ، لو يعلمه أحد لعلم أن القادم أسوأ.
هتف تقي الدين بصوت ثابت يخفي تأثره بعودة صديقه :
-"الساحة لا تليق بحديث كهذا ، هيا للداخل حتى نقوم بحل هذه المشكلة"
وقبل أن ترد سارية عليه ناداها والدها بحزم يشوبه اللوم والعتاب :
-"سارية أخبرتك أن تتأدبي.. إن لم تحترمي أحدًا فاحترمي من رباكِ"
-"ولكن أبي ..!!"
قطعت رقية كلامها وقد حانت لحظة تدخلها
-"نعم.. احترمي مكانتك يا ابنة كبير الوزراء ، لا يليق هذا بكما"
قالتها بنبرة عالية ونظرات خبيثة تنوي المكائد ، تلتقط نظرات سارية المتسائلة.. ثم التفتت إلى بدر الدين قائلة بسخرية :
-"مرحبًا بعودتك بدر الدين..
أيليق أن نصحو منذ عشرين عامًا نجد أن كبير الوزراء لا يوجد أي أثر له في المملكة؟"
كانت الدهشة من نصيب كل من خديجة وليان اللتان بدأتا فهم ما يحدث قليلًا ، لكن الصدمة الحقيقة كانت من نصيب سارية وجاد.
كانت تعلم أن والدها قد هرب بها صغيرة في عمر شهور خوفًا عليها من القانون الذي وضعه تقي الدين بنفسه ، والتي علمت أن زوجته من أشارت عليه بهذا الأمر.. لكنه لم يقص عليها أن علاقته بهذا القصر أنه كان كبير الوزراء ، بل كل ما تعرفه أنه كان صديق الملك!
دارت أسئلة في رأسها تحول بنظرها بين الملكة وبين أبيها
لماذا أخفى عليها مكانته هنا؟
هل كان يشغل هذا المكان عندما وضع هذا القانون؟"
شهقت بخفوت تضع كفها على فمها عندما لمع هذا السؤال في عقلها :
-"يبدو أن هذه المرأة تكن كرهًا شديدًا لأبي كما يظهر في عينيها ، لكن هل يعني هذا أنها وضعت هذا القانون لتتخلص منه؟"
أما جاد فكان أبعد ما يأتي في مخيلته أن معلمه ووالده الروحي هو نفسه وزير الملك تقي الدين ، يعلم بقصة كبير الوزراء من حديثه مع إلياس لكن لم يتصور أبدًا أنه نفسه.
لكن نيار لم يتفاجأ لأنه يعلم ، وإلياس كان يتابع كل هذا بسخرية ولامبالاة شديدة ، يعلم أن أمه السبب وراء كل هذا .. فليجلس ويرى.
قال بدر الدين برزانة معروفة عنه :
-"إذا كان في هروبي كما تسميه جلالتك سبيل في حماية ابنتي فلا ندم عما فعلته"
وعندما أدرك نيار أن الحوار سيأخذ منحنى آخر يكشف عن خبايا القصر.. أمر أفراد الشعب القادمين للشكوى بالانصراف قائلًا :
-"الآن علمتم أن ما يحدث من الأمور الداخلية للقصر.. انتهت الشكوى فلينصرف الجميع"
ثم وجه بصره لأبيه متابعًا :
-" والباقي يتم مناقشته بالداخل وليس في الساحة!"
وكأن اللقاء أيقظ شعلة الذكريات..
ذكريات عادت حاملة سوطها تدق في الرأس مسمارًا ذهبيًا ، مسمارًا قصيرًا غير كافٍ للقتل ، لكنه كافي لنشر ألم قاسي يجعلك تتمنى الموت حينها.
فتذكر تقي الدين وبدر الدين ما حدث في الماضي.
★★★★★★
يتبــــــع


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:41 PM   #26

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

ذكريات حُفرت داخل الأعماق
صور حُفظت في العيون
حنين عظيم حُبس بالقلب
الأشواق باتت واضحة بالكلمات
والحب لا يمكن إخفاءه.

جمعتهما صداقة عميقة منذ زمن مضى ، حتى بات بدر الدين كبير الوزراء يكاد تقي الدين لا يثق في رأي أحد غيره ، وكان رأيه نعم الرأي ، ومشورته ليس بعدها مشورة.
لكن رقية كانت تعتبره عقبة في طريق الوصول لما تريد.
وجوده بجانب زوجها جعل تأثيرها على قراراته لا يأتي بثماره ، فحاولت جاهدة أن تثير المشاكل بينهما ، فتارة تتهمه بالتقصير ، وتارة تبث سمومها في أذنه لكن قوة العلاقة بينهما كانت أكبر من مخططاتها.
وفي يوم كانت تسير بالرواق المؤدي لجناح ولديها فاستوقفها صوت طفلة صغيرة يأتي من إحدى الغرف، وهمهمات مهدئة وكأن أم تغني لرضيعتها حتى تنام.
وقفت عند الباب بعد أن أفسح الحراس الطريق لها وانحنوا احترامًا ، تراقب المربية تحمل طفلة أقل ما يقال عنها ملاكك ذو شعر أحمر وكأنه شعلة نارية ، ووجه أبيض مشرب بالحُمرة.
اقتربت ببطء لا تتذكر أن هناك أحد من القصر يمتلك هذا الجمال النادر.. أو أن هناك طفلة لأحدهم من خواص الملك.
وعندما شعرت المربية بوجودها نهضت وانحنت احترامًا لها :
-"جلالة الملكة"
نطقت المربية بصوت خافت تستمع إلى ملكتها :
-"من هي؟"
قالتها رقية بصوت هادئ رغم نبرة صوتها القوية..
-"الطفلة مولاتي.. إنها ابنة الوزير بدر الدين"
أجابت بصوت خافت رغم ذبذبات التوتر فيه ، لتردد رقية اسمه بصوت جامد لا حياة فيه :
-"بدر الدين!!"
صدر الصوت منها بصدمة كأن هناك من لكمها بقوة ، يتخلله صوت الرضيعة يشبه مواء قطة أصابتها التخمة بعد وجبة دسمة أتبعتها بضحكة رقيقة بعد أن سمعت اسم أبيها كأنها تعرفت عليه.
لم تكن أخباره منتشرة إلا لدى تقي الدين ، كانت تظنه عازفًا عن الزواج.
أم هي من كانت مشغولة في الفترة الأخيرة وباتت الأخبار لا تصل إليها؟
استفاقت من أفكارها على صوت المربية تسألها بريبة :
-"هل هناك شيء مولاتي؟!"
تطلعت إليها بصمت قاتل لبضعة دقائق بينما رأسها تحيك الأفكار ، والتصارع داخلها ينتشر كدخان أسود كان بداية نيران ستترك أثرها للمدى البعيد وستطال الجميع.
تركتها دون كلمة وخرجت تحيك مؤامرتها ضد طفلة لا تفقه من الحياه شيئًا ، ووزير كل غايته العدل.
هو بالنسبة لها حنظل بحلقها ، عثرة بطريقها يجب عليها إزالته وإن لم يكن فقتله واجب.
وفي مساء أحد الأيام كانت برفقة زوجها في مضجعه ، جالسًا على أريكته الكبيرة في شرفته ، احتضنته من الخلف تمسد على صدره ، وخصلاتها السوداء تغطي جانب وجهها وهمست في أذنه :
-"مولاي.. أما آن الأوان كي نفكر قليلًا بولدينا!
فإلياس صار في سن السابعة عشر ونيار في الخامسة عشر"
أدارها تجلس على فخذيه يحيطها بذراعيه يعيد خصلاتها خلف أذنها :
-"ماذا تريدين أن نفعل لهما؟"
ابتسمت بمكر تتلاعب بخصلاته هامسة بتلاعب :
-"آن الأوان الآن كي يكون لكل واحد منهما حاشيته وجواريه الخاصة ، فما رأيك بوضع قانون خاص بهذا الشيء!"
تعجب من اقتراحها وتساءل :
-"ماذا تقصدين؟!"
-"مملكتنا مليئة بالفتيات الجميلات ، بدلًا أن يذهبوا لأشخاص عاديين فأبنائي أولى أن يتمتعوا بهذا الجمال ، ولكن لن يوافق أحد على ذلك إلا بقانون صارم"
نهض من مقعده وأوقفها معه ليسير في غرفته يفكر فيما قالته ، وهل هو صحيح أم لا؟
قانون مخصص للفتيات ليكونن جاريات لأبنائه؟
كيف لهذا أن يتحقق؟
التفت لها وقال :
-"ولكن هذا خطأ ، حتى بدر الدين لن يوافق على ذلك"
تحولت عيناها للغضب والسخط الشديد تهمس من بين أسنانها بسخرية :
-"حقيقةً لا أعلم من هو الملك بينكما!
أنت أم بدر الدين؟!"
هتف بقوة بها وعيناه جاحظة ترمقها ببوادر غضب:
-"ماذا؟"
-"لماذا تصرخ عليّ؟!
كل ما تفعله لابد من تدخل بدر الدين فيه.. أراه يؤثر عليك بشكل كبير"
حاول الدفاع عن صديقه يهز رأسه باستنكار عاقدًا حاجبيه :
-"هذا ليس صحيحًا ، كل ما في الأمر أنني استشيره كأي شخص في حاشيتي"
لوت فمها بسخرية تكتف ذراعيها أمام صدرها مقتربة منه :
-"كم من قرار أخذته وتم تغييره بناءً على رأي بدر الدين!"
ثم رفعت كفيها تضعهما على صدره قائلة بفحيح أفعى متلونة كادت أن تقترب من هدفها :
-"هو وزيرك لم أقُل شيئًا ، لكن أنت الملك ، تأخذ مشورتهم لكنك لست مجبرًا على تغييرها بسببهم ، على كل شخص أن يعرف بمكانته في هذا القصر"
تبادلا النظرات بينهما ، هو في حيرة وتفكير في كلماتها ، وهي ببراءة مزيفة تخفي ورائها مكر خبيث.
وفي الاجتماع التالي للوزراء في القصر ألقى هذا القرار بوضع القانون يتحتم على كل أسرة تملك ابنة جميلة بمواصفات خاصة ستكون ملك للقصر الملكي ، من بداية العام القادم في يوم محدد يُقام فيه احتفال خاص ، وهذا اليوم هو يوم ميلاد طفليه ، حيث صادف أنهما ولدا في نفس اليوم من العام.
انتفض بدر الدين عندما استمع لهذا القرار.. كيف يحدث ذلك؟
كيف يصدر الملك قرار يتعلق بمصير الفتيات وبأي حق؟
ومن أجل من؟
من أجل متعة وراحة أبنائه فقط!
غضب بقوة وقال بثورة يواجه تقي الدين ملقيًا تذمره من هذا القانون الجاحد :
-"كيف ذلك مولاي؟
كيف تضع قانون يتحكم بأرواح الرعية بدون وجه حق؟
فلا دين ولا شرع يرتضي ذلك"
استقام تقي الدين بغضب هاتفًا بنبرة لم يسمعها أحد من قبل يتحدث بها إلى بدر الدين :
-"يبدو أنك نسيت من تكون!
أنت تخاطب الملك ، وما أعلنته الآن ليست مجرد فكرة استشيركم فيها بل هو قانون وأمر ، سيبدأ العمل به عما قريب فلا نقاش"
ذُهل الجميع من ثورة الملك على بدر الدين ، فهذه المرة الأولى التي يرون فيها هذا المشهد!
فهو ليس فقط كبير الوزراء بل صديقه المقرب ومستشاره الخاص فلم يتوقعوا ردة الفعل تلك منه.
تباينت مشاعرهم ، منهم من فرح وانتابته السعادة بسبب كرههم الشديد له وحقدهم من قربه من الملك..
ومنهم من حزن وصُدم مما يحدث الآن بسبب حبهم له وحكمته.
صمت الجميع مترقبين رد بدر الدين الذي يقف صامتًا شامخًا ينظر للملك يتأمل ما الذي تغير به ، وما سبب هذا الهجوم المفاجئ عليه؟!
وجدوه ينحني قائلًا بهدوئه المعتاد :
-"أعتذر من جلالتك ، لكن أعذرني فأنا أنسحب من هذا الاجتماع"
ثم التفت وانطلق خارجًا من ساحة المناقشة بل من القصر كاملًا ، لكن استوقفه صوت من خلفه ليلتفت وجدها رقية تخبره :
-"يبدو أن القانون الجديد لم يلقِ إعجابك ، لم أعتقد أنك ستسخط على أفكاري هكذا"
لم يجبها بل ظلت تعبيراته مبهمة فزاد من سخطها عليه ، كان عقبة كبيرة في طريقها وزاد سخطها عندما اعتذر منها ليذهب بل وأعطاها ظهره ، فهتفت من خلفه :
-"القانون لن يخص الرعية فقط ، بل سيصل الأمر في المستقبل لفتيات القصر أيضًا"
وصلت الرسالة وعلم أن الهدف هو إبعاده عن الملك والقصر ووصل الأمر أن يلتفتوا لابنته الرضيعة!
مر يومان منذ خروجه من القصر ولم يحضر مرة أخرى ، فأمر الملك أحد الوزراء بالذهاب إلى منزله ومطالبته بالحضور فورًا ، وفي ظل الحوار مع مستشاريه وجد وزيره عاد :
-"مولاي منزله فارغ ولم نجد به أحدًا ، وعندما قمنا بالبحث لم نجد أي من متعلقاته..
يبدو أنه ترك المكان"
ومنذ هذه اللحظة ترك بدر الدين كل شيء خلفه.. منزله ، مكانته ، وظيفته ، بل ووطنه بأكمله في سبيل حماية ابنته الوحيدة ، والذهاب للغابة في مملكة الجنوب.
تخلى بصدر رحب عما أفنى عمره فيه من أجل صغيرته!
تخلى عن الغالي حتى يحافظ على الأغلى في حياته ولم ولن يندم لحظة عما فعله.

حينها تأكد تقي الدين أنه خسر صديقه للأبد..
بسبب هذا القانون خسر الشخص الوحيد الذي يثق فيه..
في تلك اللحظة أراد الرجوع في قراره وإلغاء ما أمر به ، لكن تلك الأفعى المتلونة المسماة زوجته بثت آخر قطرة من سمها في أذنه..
كيف سيكون مظهره ومكانته أمام رعيته وحاشيته عندما يتراجع عن قرار أخذه؟
ولماذا تراجع؟
بسبب وزيره الذي رفضه وترك المملكة بأكملها!
حينها كأنه يخبر الجميع أن سلطة بدر الدين أكبر من سلطته!

استفاق الجميع من دوامة الماضي على صوت سارية تهتف بكره وتصرخ بقهر لما في داخلها لما أُخفي عنها ، وغضبها الموجه لملوك ذلك القصر :
-"لن أدخل قصر تؤخذ فيه البريئات ليصبحن سبايا"
أنفاسها تهدر بعنفوان وأكملت بغيظ وعنف :
-"لن أدخل مكان أعلم أنه من الممكن أن تكون صديقتي بطريقها للمشنقة التي تسموها احتفالًا!
احتفال باغتصاب البراءة ، وتحويلهن إلى جواري!"
أشارت لنفسها بقلة حيلة ودموعها تأخذ مجراها على وجنتيها دون إرادة منها :
-"أنا فتاة مثلهن ، ولولا هروب والدي لكنت بجوارهن الآن أُنعي روحي"
تصرخ وتتحدث وكلماتها تفتح الجراح المندملة الذي يحاول الجميع تخطيها!
العزف على الجراح في تلك اللحظة بالمجان وللجميع!
فقدان صديقتها وما واجهه والدها بسبب هذا القصر ومن فيه يطبع بقلبها حقد أكبر وكره يشتعل فتيله!
لتكون كلماتها كالسكين الملتهب تنغرس في قلبيّ الأخيّن تفتح الحقيقة التي يحاولان الهروب منها طوال الوقت!
حقيقة الظلم المتسببين فيه!
حقيقة قهر قلوب كل أسرة بسببهم!
إلى هنا وقد تلبست شياطين العالم السفلي في هذه اللحظة نيار الذي تقدم منها يريد فصل رأسها ، فحاولوا الوقوف بينه وبينها عندما تقدم إلياس ومأمون يمنعانه عنها.
فالشر المتمثل في عينيه الآن كافي للقضاء عليها.
هتف بها بقوة وعيناه تحولت للون الأحمر من الغضب يحاول تجاوزهما :
-"إن لم تحترمي المكان الذي تقفين فيه ستطردين أو تودعين السجن ، ولن تشفع لك مكانة والدك أبدًا"
لم تعِ لكلام من حولها فقد أعمتها غيرتها وألمها :
-"لن أرحل من هنا إلا ومعي صديقتي!"
قالتها بصوت عال وحاد لا يقبل النقاش.
حينها تدخل تقي الدين يعلم أن أيًا منهم لن يتوقف والتطاول لا مفر منه ، فقال يقترب من سارية يضع يده على عضديها :
-"بنيتي.. لا نعلم من هي ، والنقاش لا يتم هكذا ، حتى لو أردتها ضحّي من أجلها وادخلي مكانًا تكرهينه"
ثم نكس رأسه في الأرض بحرج ، وقال بصوت خافت :
-"لقد تم جمع الفتيات للاحتفال ولا نعلم من تكون هي منهن..
لذا انتظري بالقصر وسنتناقش حول الموضوع"
وقبل أن يكمل قاطعه إلياس الذي بدأت الخطوط تتجمع بيده!
سائلًا إياها بتفكير يقترب منها بتروي :
-"ولمَ صديقتك ستكون هنا؟
أنتِ وصديقتك من الجنوب.. إذن من الذي سيأتي بها؟
فلا أحد له دخل بمملكتي"
حينها أجابته والشرر ينطلق من عينيها ترمقه بنظرات شرسة ناظرة في عينيه ترفع له رأسها نظرًا لفارق الطول بينهما :
-"لمَ لا تسأل نفسك أيها الملك؟!
تدعي أمامنا أنك ضد كل من يحاول مس الفتيات بسوء في مملكتك!
وبعدها لا أجد صديقتي ، بل يصلني أنك أخذتها هدية لأخيك حتى تعيد الوصال بينك وبينه"
قالت جملتها الأخيرة ساخرة ، مهينة الجميع بخفاء مبهم ، مشيرة بسبابتها إلى نيار الواقف خلفه بخطوة واحدة ، ثم عادت بنظرها إليه هاتفةً بشراسة واتهام بُهت له الجميع وتعالت الشهقات بقوة :
-"لذلك أنا هنا لأسألك أنت وليس أحد آخر..
بل أتهمك بأخذها"
نظر لها ببلاهة عاقداً بين حاجبيه بدهشة لا يعي ما تقوله!
تتهمه بخطف صديقتها والإتيان بها إلى هنا؟!
الرافض القاتم على كل ما يحدث لا يصدق أنه جاء اليوم الذي يتهمه أحد بما يحاربه طوال السنوات الماضية؟
هو من ترك قصره وقاطع أسرته احتجاجًا ورفضًا على هذا القانون.. الآن يُتهم أنه طبقه؟
نظر لها صامتًا ، جامد الملامح يشوبها الغموض!
حتى جاد وخديجة نظرا لها بذهول من اتهامها الجديد ، فصدح صوت خديجة بغضب تقترب منها تجذبها من مرفقها تديرها نحوها وترمقها بكره :
-"كفى لقد تماديتِ كثيرًا أيتها الفتاة..
لم أرَ تبجحك من قبل حتى تقفي في وجه ملوكك وأسيادك بهذه الجرأة"
تفاجأ الجميع بردة فعلها وأكثرهم سارية التي رمقتها بدهشة ما لبست أن تحولت لغضب تمسك رسغها تزيح يدها من عليها هاتفة من بين أسنانها :
-"ليس هناك سيدًا عليّْ ، وإذا كان ما أقوله يعتبر تبجح فما تفعلونه الجحود بحد ذاته"
هتف جاد من خلف إلياس الذي علم أنه على مشارف الغضب ، وإن لم يسيطر عليه سيجعلها تندم على ما لفظته الآن ، ليرمقها بغموض يقترب منها :
-"سارية ما الذي تقولينه؟
لماذا سنخطف صديقتك لا أفهم؟"
نظرت سارية له بغضب مشهرة سبابتها في وجهه باتهام ولم تضع في الاعتبار أنه صديق عمرها وأكثر من تعرفه ويفهمها :
-"نعم أنتم اختطفتم صديقتي بل وأكاد أقسم أيضًا"
كاد نيار أن يفتك بها يزيح خديجة من أمامه هاتفًا :
-"حقًا لقد تجاوزتِ كل الحدود"
لكن منعه ذراع إلياس من التقدم نحوها ولم يزح نظراته عنها ووجه حديثه لجاد من خلفه :
-"جاد.. أريد منك العودة للمملكة والبحث بكل ركن من أركانها عن تلك الفتاة حتى تجدها وتعود لي بها إلى هنا"
أومأ الآخر بطاعة ، ثم وجه كلماته لها بشراسة ونبرة هادئة باردة :
-"ومن هنا و حتى نجدها لن تخرجي من هذا القصر"
ارتفعت وتيرة أنفاسها وهي تستمع له ترمقه بجمود ، ليزداد توترها وتوسعت عيناها أكثر عندما تقدم منها نيار بعدما أنزل أخوه يده ينظر لها بغموض :
-"وحتى يعود جاد سأتركك تبحثين بين الفتيات اللاتي جئن إلى القصر.. فإن وجدتِ صديقتك وعد مني سأعتذر لكِ أمام المملكة كلها"
ثم تقدم منها أكثر هامسًا أمام وجهها بنبرة مرعبة :
-"لكن إذا حدث العكس وجاء بها جاد..
فأقسم بالله -جل جلاله- سأعاقبك كما لم أعاقب أحد من قبل"
شهقات مختلفة خرجت من الجميع وبالأخص ليان التي كانت تتابع ما يحدث في صمت ، تحاول أن تستشف مما يحدث شخصية وتفكير كل شخص من الحاضرين ، ولكن وجه نيار الجديد وشراسته جعلت قلبها ينتفض بين أضلعها.
لم تظنه بهذا السخط والغضب ، تشعر بالشفقة عليها على قدر إعجابها بقوتها وجرأتها لكن وسيلتها في عرضها هي المشكلة.
وخديجة التي شعرت بالسعادة والحقد عليها ، فشجاعتها علاوة عن جمالها أثاروا كراهيتها ، واهتمام إلياس بها من وجه نظرها قد أثار سخطها.
أما رقية لا يوجد أحد في سعادتها الآن ، فما أرادته بالماضي يحدث أمامها فكانت تريد أن تنتقم من بدر الدين وتصير ابنته مصيرها كمصير كل هؤلاء الفتيات ولكن لم يسعفها ذلك بسبب اختفائه ، ولهذا ستعمل على أن تجد تلك الفتاة قبل سارية وحينها سوف تضع بيدها عقابها ، وبالأخص أن أبنائها ساخطين عليها.
أول من قطع الصمت بعد كلمات نيار هو بدر الدين بهتافه الحاد مقتربًا من ابنته يحاوطها عندما شعر بتوترها وترنحها الخافت :
-"ما هذا الذي تقوله؟
ألم يكفيكم ظلم؟
عوضًا عن البحث عن الفتاة حتى لو لم تكونوا على علم بها ، تتغاضون عن الأمر وتعاقبون ابنتي على شيء أنتم شرعتموه بأنفسكم"
رفع نيار رأسه بشموخ يجيبه ببرود وثقة :
-"عقابها سيكون على إهانة ملوك البلاد بدون وجه حق ، من يريد عرض مشكلته يعرضها بكامل الاحترام وما علينا غير حلها"
ثم نظر إليها فوجدها تنظر في الفراغ وصدرها يرتفع وينخفض بقوة من شدة تنفسها فابتسم بسخرية قائلًا:
-"لكن ابنتك لا تعلم أي شيء عما يسمى احترام"
رمقته بنظرات طويلة جامدة ، وتعبيرات مبهمة لم يستشف منها أحد أي شيء لكنها لم تتحدث أو تجيبه ، فصدح صوت تقي الدين :
-"هذا أسلم حل لكِ.. المدة المتبقية حتى وقت الاحتفال هي شهر من الآن ، وطوال هذا الوقت سيعامل بدر الدين وابنته الجميلة معاملة الأهل لهم كامل الاحترام والتقدير ، لن يتعرض لهما أي شخص أيًا كان"
نظرت لوالدها بعيون دامعة تتمسك بمرفقيه وتهز رأسها برجاء هامسة له :
-"أبي لا.. لن أستطيع المكوث في هذا المكان لا"
ضمها له يضع رأسها على كتفه يربت عليها بكفه والأخرى يضم خصرها يهمس بدوره :
-"لا تخافي يا قلب أبيكِ ، لن يستطيع أحد المساس بكِ ما دمت حيًا"
يتبـــــــــع


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:42 PM   #27

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

القوة ليست في الصراخ
فالغضب السبب الأول في إضاعة الحقوق!
لكنها تكمن في استخدام العقل بذكاء
للوصول إلى المبتغى




دلفت إلى القصر تتأمل ما حولها من نقوش ورسومات ملكية على الحائط ، لكن هذا الجمال لا يضاهي حجم نفورها منه.
منذ أن وضعت قدمها من بوابة القصر وانتابتها قشعريرة أنها لن تخرج من هذا المكان ، لكن هذا لن يحدث ولو الثمن حياتها!
كانت رقية تسير أمامها فتوقفت في المكان الفاصل بين الناحية الشرقية و الغربية ، لتلتفت لها تطالعها من أعلى رأسها حتى قدمها بنوع من السخرية تذم شفتيها ، وصلت لعينها فرأت ثباتها الذي ينبعث منها..
بإمالة بسيطة من رأسها وجهت حديثها إلى خادمتها دون أن ترفع نظرها عنها :
-"أخبريهم أن يعدوا فراش في غرفة من غرف الحرمليك لاستضافة ابنة الوزير"
كادت الخادمة أن تنحني وتذهب لتنفذ ما أُمرت به ، لكن صوت سارية أوقفها :
-"توقفي"
ثم نظرت إلى رقية مبتسمة ببرود :
-"هذا الفراش وهذا الحرمليك لن أخطوه بقدمي ، فأنا لست من جواريكِ أيتها الملكة"
ابتسمت باستهزاء واقتربت منها أكثر تهمس بوعيد:
-"أعدك أنكِ ستكونين"
-"وأنا سأستمتع بمشاهدتك تحاولين تحقيق أمنيتك المستحيلة"
أجابتها مصطنعة البراءة في نظراتها وصوتها البارد الذي نطق كل كلمة على حِدى ، فكادت رقية تجيبها لكن يد امتدت ممسكة بساعدها تجذبها للخلف ، وصوت صدح بثبات :
-"مأمون أوصلها للجناح الغربي ، وأخبر الخادمات أن يعدوا لها غرفتها هناك"
دُهشت عندما وجدت إلياس من أزاحها من أمام والدته ، طالعته بتساؤل لكنه لم يبادلها النظرات وظلت عيناه معلقة بوالدته ، فلم تعرْ أيًا منهما اهتمامًا والتفتت لصوت مأمون :
-"هيا بنا من هنا"
ذهبت معه حيث أشار يتقدمها بخطوة واحدة تتبعه متذمرة ، فوجدت تلك المرأة التي صرخت بوجهها منذ قليل "خديجة" تستوقف مأمون قائلة مشيرة إليها :
-"إلى أين تأخذها مأمون؟
ألم تكن مع الملكة رقية حتى تريها أين ستمكث؟"
تأففت سارية تشيح بوجهها للجهة الأخرى ، وسمعت صوته يجيبها بنفاذ صبر :
-"الملك إلياس أمر أن يُعَد لها جناح كامل في الجهة الغربية"
رمقتها بسخط قبل أن تنطلق في طريقها بغضب واندفاع ، فنظرت في أثرها تتأمل فستانها الأحمر يرفرف حولها بسبب الهواء ووشاحها الذي سقط عن خصلاتها الشقراء ، ثم نظرت لمأمون وسألته :
-"هل لي أن أسأل من هذه؟"
أجابها ناظرًا في أثرها :
-"إنها الأميرة خديجة ابنة شقيق الملك تقي الدين وخطيبة الملك إلياس"
لوت شفتيها بسخرية تنظر لخطواتها الحانقة ، وهمهمت بخفوت :
-"بالفعل الطيور على أشكالها تقع"
وبالجهة الأخرى..
وقف إلياس يتطلع إلى والدته بتعبيرات واجمة يشوبها الغموض ، ولم يتحدث إلى أن قطعت هذا الصمت :
-"ما الذي فعلته إلياس؟
لمَ تركتها تذهب؟!
عليها أن تتأدب وتتعلم كيف تعامل من هم أعلى منها شأنًا"
داء العظمة إذا أصاب أحدًا لن يتركه مدى حياته ، فهو كالطاعون إذا تمسك بالجسد لا راحة منه إلا بالموت!
ضحكة ساخرة صدرت منه عندما حالت تلك الأفكار برأسه ، وأشار لوصيفاتها بالابتعاد وكذلك حراسه ، ليقترب منها :
-"دعكِ من أمر الفتاة ، فالأمر برمته لا يهمك لأنكِ لم تنتبهي لما حدث وقيل"
ظهر التوتر والتردد في حدقتيها فالتقطه قبل أن يسمعها :
-"ماذا تقصد؟"
وضع يده خلف ظهره والأخرى يحك بها ذقنه بتفكير ناظرًا لأسفل قبل أن يرفع عينه إليها هامسًا :
-"انتباهك بأكمله كان منصَّب على الشيخ بدر الدين ، كل حديثك عن هروبه وفترة تواجده في القصر"
-"إلياس.. لا تنسَ أنني والدتك فلا تتحدث معي بتلك الطريقة واظهر بعض الاحترام"
هتفت به بقوة تقاطعه وشرارات الشراسة تنطلق منها جعلته يضحك بقوة من غرورها الذي من المستحيل التخلي عنه ، ليقول بعدما هدأت ضحكاته لكن عيناه يشوبها الغموض :
-"لا لم أنسَ أيتها الملكة ، لكن لا تنسِ أنتِ أنني ابنك ودمائك للأسف تسري في عروقي"
ثم تركها في ذهولها المشوب بحزن من كره ابنها لها والذي يزداد كل يوم عن سابقه.
★★★★★★
امتزاج الغضب مع الشراسة يزيد من رغبة الانتقام وحرق كل شيء
كالمعادلة الكيميائية التي يربط متفاعلاتها مع نتائجها علاقة طردية كلما ازداد طرف من المتفاعلات ازدادت كمية النتائج!
دلفت إلى جناحها ، خلعت قلنسوتها فظهر ثوبها بلون الزرع ، وأذرع ضيقة حتى الساعد ثم تتسع على هيئة زهرة اللوتس ، يهبط باتساع ويزين خاصرها حزام من حلقات فضية ملتحمة مع بعضها ويلتحم الطرفين بطرف يهبط الثوب.
اقتلعها من شرودها صوت مأمون من خلفها :
-"وضعتِ نفسك في مأزق لن تستطيعي الخروج منه بسهولة!"
التفتت له تناظره بأعين ضيقة وكادت أن ترد لكنه رفع سبابته في وجهها بأن تصمت حتى ينتهي فاتسعت عيناها بدهشة :
-"سأخبرك بشيء قبل أن أذهب وسأتركك تفكرين به..
هناك قانون في المملكة يحق لملكها امتلاك من يريد من الفتيات وهذا القانون خاص بالشَمال فقط أي أن الجنوب لا يعترف به!"
-"ماذا تريد أن تقول؟
هل تريد إقصائي عن التفكير في أمر أن ملكك ظالم ، جاحد ، لا يمتلك قلبًا"
هتفت بشراسة ابتسم لها مأمون الذي اقترب منها ببطء يطالع عينيها المشتعلتين بعبث :
-"أريد أن أنبهك أن المملكة التي لا يعترف ملكها بقانون وضعه أبوه بنفسه وقصى بحكمه بعيدًا عن هنا لن يفعل ما تتهمينه به..
فما هدفه من اختطاف صديقتك؟"
أولاها ظهره واتجه نحو الباب ليخرج تاركًا إياها واقفة تفكر في حديثه ، لكن استوقفه صراخها الغاضب :
-"اختطفها كي يعيد حبل الوصال مع أخيه بإجباري على المجيء إلى هنا ، فأنا من يريدها ملكك"
-"إذًا فلماذا لم يختطفك أنتِ؟"
ألقاها بسخرية دون النظر إليها يتخللها قهقهة صغيرة غامضة ثم خرج مغلقًا الباب خلفه.
لم تهتم لما قاله ولم تفكر فيه وقد أعماها غضبها وقلقها على مارية.
وضعت قلنسوتها على أريكة من الأرائك المرصوصة بمحيط الغرفة بأكملها ، والتفتت تتأمل ما بها..
فراش كبير في منتصف الغرفة يلتصق بالحائط يحيطه الستائر ، وتوجد شرفة كبيرة تواجه الفراش ومجموعة من المشاعل بمحيط الغرفة ، بجانب النقوش الملكية والثريا الكبيرة في منتصف السقف.
مازال جسدها يشع من الغضب والنفور ، فمن يدخل تلك الغرفة يقسم أن شرارات من النيران تنتشر في الأجواء.
كان لها من الكبرياء ما جعلها بهذا الثبات أمام الجميع مع أن كل شيء بداخلها يرتجف.
كانت تذهب وتجيء في الغرفة كالليث الحبيس ، زمجرتها من حين لآخر بغيظ يجعلك تبتعد من أمامها في تلك اللحظة.
الأفكار في رأسها تدور حول اثنين كل ما تتمناه أن تجعلهما عبرة لمن يعتبر.
أحدهما أحمق مدّعي الفضيلة ينادي بحق الفتيات بمملكته وفي الخفاء يختطف مسكينة كل ذنبها أن حظها العسر أوقعها بين يديه ، لتكون قربانًا للأخرق الآخر الذي يظن أن الدنيا تتحرك بإشارة منه.
صوت فتح الباب أخرجها من غضبها لتصرخ دون أن تكلف خاطرًا و تلتفت لمن دخل..
فمن سيتجرأ على الدخول غير أبيها؟
هتفت بعنفوان يتصاعد في كل لحظها وغضبها يوشك على حرق كل ما حولها :
-"أبي أنا أريد الخروج من هنا ، فأنا أختنق!
وهؤلاء المجرمون ينكرون وجودها لسبب لا يعلمه إلا الله ، فقط أخرجني من هنا وسنجد طريقة أخرى"
التفتت بسرعة وملامحها تتحول للون الأحمر من الغضب والشراسة ، ووقفتها تتأهب للقتال عندما أتاها صوت يتسم بالسخرية ، صاحبه يقف بشكل مائل على جانب الباب مكتفًا ذراعيه يناظرها بتسلية:
-"هل الصغيرة تستنجد بوالدها الآن؟"
لتفقد القدرة على الحديث للحظات عندما علمت ماهية القادم.

انتهى الفصل


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:45 PM   #28

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس

أغنياء الروح هم أسياد الحياة..
مُفعمون بالحرية والبساطة والرحمة
وتلك الروح الغنية يلزمها التغيير طبقًا لقوانينك الخاصة.
فالسير على خطى الآخرين مضيعة للوقت
لأنه في النهاية لا وصول أبعد مما وصلوا إليه
بل يجب أن نشق طريقنا الخاص في الحياة
حتّى تكون النهاية مُرضية للأهداف.

نظراتها مرآة للكره الذي يملأ قلبها
يقابله هدوء يزيد من تأججه
وجهها محتقن بدماء الغضب
ككرة لهب قُذفت من جوف البركان
وبروده أمامها كان كالماء المتلقي لتلك النيران
وشراستها تنضح من قاموس لسانها تخترق الصميم
وعبثه كحائط الصد المنيع لسيل كلماتها.

رفعت إحدى حاجبيها بسخرية تقترب منه بتهديد وعيناها تقدح شذرًا يعكس نيران قلبها ، بعد أن اقتحم خلوتها تسأله :
-"هل عمرك بخس هكذا لتدخل دون استئذان؟!"
ألقت نظرة على الباب خلفه ثم نظرت له باستهزاء تشير له بعينيها :
-"لديك فرصة أخرى لتخرج من هنا قبل أن يقل كرمي تجاهك وأقرر خروجك بنفسي"
لمعت عيناه بإثارة للتحديات التي ترميها بوجهه.. تلك الفتاة تثير حاسة الصياد بداخله
وكذئب مخضرم التقط رائحة التحدي من فريسته فازداد إصرارًا عليها؛
أجابها بتنهيدة ساخرة :
-"احترسي مما تنطقين به ، فأنتِ هنا تحت رحمتي.. لا أنتِ ولا أبيكِ ولا أحد سيمنعني من أخذك حتى ولو رغمًا عنكِ ، وفي النهاية ستركعين أمامي باستسلام وخضوع حينها سأكون في قمة استمتاعي"
ضغطت على شفتيها بقوة ، اشتعلت النيران في مقلتيها لو لمسها أحد سينصهر كما ينصهر الثلج ، وبصوت خفيض يقطر كرهًا من كل كلمة :
-"خلقني الله حرة فمن أنت لتجعلني أركع؟
ما أنت إلا جبان لا تتجبر إلا على النساء!
لكن أنا لستُ كغيري ، واليوم الذي سأسقط فيه عند قدميك سيكون يوم وفاتي.. فانتظر كما شئت"
رفعت كتفيها بلامبالاة في جملتها الأخيرة ، لتلمع عيناه بغضب من كلماتها وهتف بعنفوان بعد أن اكتست الثورة وجهه :
-"لا تثيري غضبي قبل أن آخذك هنا والآن ، ولنرى من الضعيف عندها"
اقتربت منه بشراسة والغضب والاشتعال يزداد في صوتها متجاهلة الخوف الذي دب بداخلها من نبراته وتهديده :
-"فلنرى كيف ستفعلها؟!
لتكون تلك اللحظات الأخيرة في حياتك يا صاحب النزوات"
دفعت بالكلمات الأخيرة كالقذيفة في وجهه فاقترب بخفة نمر يقترب من فريسته حتى كاد أن يلتصق بها ، ليغير من طريقة هجومه ويتحدث بنعومة كاذبة :
-"قطة.. أنتِ مثل القطة ، كم ستكون محاولة ترويضك ممتعة ، وسأستمتع بكل لحظة بها وأنا آخذ تلك الشراسة التي تنبع منك قطرة قطرة"
التصق بها و نظراته تتجه ناحية شفتيها وعينيها تشع بالنيران ولا تتراجع أبدًا ليهمس بصوت خفيض :
-"أشتهي أن أتذوق النيران التي تشع منك..
فهل سيكون مذاقها لاذع أم لذيذ!"
في اللحظة التي وضع يديه على خاصرها والأخرى كانت ترتفع لعنقها ، وفي خوض تأمله لها شعر بشيء مدبب على خصره فنظر باتجاهه ليجد خنجره مصوب نحوه!
رفع بصره بذهول اتجاهها ويداه ممسكة بها ، فرأى عينيها تنطق بالبرود ، وتشع بنيران باردة صامتة ، ثم مالت برأسها إلى أحد الجانبين :
-"خطوة أخرى وسأحقق أمنيتك في الموت الآن.. لست أنا من تخضع ولست من سأسمح لأحد بانتهاكي"
المجنونة سرقت الخنجر من حزامه وهو غافل عنها باقترابه منها!
لتكمل قائلة وتضغط على الخنجر أكثر حتى شعر أنه سيخترقه :
-"فرصتك الأخيرة ، فأنا لن أندم للحظة واحدة على إراقة دمك الملوث..
فكل ما سأشعر به هو الاشمئزاز بالمعنى الصحيح لأنني اقتربت منك"
ضغط على أسنانه بغيظ يتمنى أن يكسر أنفها وقبضته تشتد عليها :
-"لم ينتهِ الأمر هنا.. ستدفعين ثمن كل حرف نطقتِ به وسترين"
لتردف ببرود :
-"وحتى ذلك الوقت الباب خلفك أيها الملك .. و يا ليتك لا تكرر الزيارة مرة أخرى"
اندفع بغضب نحو الباب وعباءته تطير من خلفه ، تناظره ببرود وتتلاعب بالخنجر بين يديها ، لتتأمله بلامبالاة ما لبست أن اتسعت عيناها بقوة وفرحة عندما وجدته خنجرها التي قتلت به الفهد لإنقاذه ، فضمته إليها بسعادة لاسترجاعه .
أما هو ففتح الباب ليصطدم برؤية ليان كانت على وشك الدخول ، لتتراجع بدهشة من رؤيته.
رفع رأسه يناظر السقف بنفاذ صبر فهذا ليس وقتها ، لتردف بدهشة بدأت تتحول لغضب عميق :
-"هل تسمح سموك أن تخبرني ماذا كنت تفعل هنا؟"
قاطعتهم سارية تقترب من الباب وعيناها تلمع بانتصار والسخرية تنطق بصوتها :
-"قبل أن أترككما لهذا الحوار الشيق لقد نسيت شيئًا جلالتك"
لوحت بخنجرها أمام عينيه الذي توشك على الفتك بها فنظرت في عينيه بتحدي :
-"هدية مقبولة فمن أنا لأرفض تلك الهدايا الملكية.. على الرغم أنه خنجري ولكن سأعتبر احتفاظك به حتى استردته هو هديتك لي "
وانحنت بسخرية وتقول :
-"المعذرة"
اغلقت الباب تاركة زوجين من العيون تناظرها بدهشة وذهول وغضب.
وقفت في مواجهته تراه يرمق الباب المنغلق بغضب ، يود أن يذهب لها يعلمها درسًا لن تنساه لكن ما يوقفه وعده وكلمة والده ، فلا أحد يجرؤ على لمسها بسوء.
انتبه إلى صوت ليان التي تقف متكتفة تنظر له بحذر وغضب طفيف تسأله :
-"والآن أظن من حقي أن أعرف ماذا يحدث ، صحيح؟!"
حاول رسم الابتسامة على وجهه وإزاحة سخطه مما حدث منذ قليل يقترب منها ، فعقدت حاجبيها من مظهره العابث وازدادت دهشتها عندما رفع كفها بأنامله الضخمة مقارنةً بها يقّبل ظاهره ويقودها أمامه هامسًا :
-"منذ اجتماعنا يوم مجيئك لم أستطع الانفراد بكِ بسبب انشغالي.. وأنا قد اشتقت إليك والحديث معك"
رفعت حاجبيها بتعجب من هذا التصرف ونظرت إلى باب الجناح الكبير خلفه بغموض.. لكنها تنهدت بصمت تومئ بموافقة وتقدمت معه لتبدأ نزهتهما لعلها تظفر بإجابات على تساؤلاتها.
يظن أنه ذئب يخضع القطيع لسلطانه وقوته ، وتناسى أن للذئب رفيقة لا تقل عنه في القوة والسلطان..
تقف خلفه بخطوة ليس لضعفها لكنها تراقب كل حركة ، تستمع لكل كلمة ، تُخزن ما يخرج منه حتى تستطيع التعامل معه.
بادرته بسؤال يحيرها منذ أن ارتبطت به :
-"هل لي بسؤال أتمنى الإجابة عنه؟!"
وقف أمامها ينظر لعينيها يضع ذراعيه خلف ظهره ، وابتسامته الجانبية مرتسمة على شفتيه :
-"بالطبع لكِ ما تريدين!"
تنهدت قبل أن تقول :
-"لماذا لم يحضر أخوك الخطبة؟
أمر غريب ألا يحضر شقيقك مناسبة هامة كهذه!"
أطال النظر إليها ، سؤالها فتح دفاتر الماضي بالنسبة له والتي لم ينسها أبدًا ، جعلته يعود بذاكرته لما مضى عندما كانا طفلين..

هو الأمير المشاغب الذي لم يحمل همًا يومًا ، بل كان عكس أخيه في كل شيء.
إلياس من كان مرافق لوالده في جميع اجتماعاته ورحلاته ، وهو كان يستغل كل فرصة ليهرب من ذلك الملل.
تذكر عندما أيقظه ذات يوم رغمًا عنه ليأخذه إلى ساحة التدريب بملابس نومه يعلمه المبارزة بالسيف وإلقاء الرمح.
كلمة أخيه له لن ينساها مطلقًا يشهر السيف أمامه ليلمع النصل تحت أشعة الشمس :
-"نيار اعلم جيدًا ألا ترفع هذا السيف إلا للحق ، فاليوم الذي ترفعه فيه في وجه مظلوم فأكرم لك أن تزجه في قلبك"
كان مطمئن لوجوده خلفه يدفعه للأمام ، يسرع إليه عندما يسقط يمد إليه يده ليشكلا قبضة واحدة قوية لن تنكسر.
★★★★★★★
انتبه على لمسة رقيقة على مرفقه منها تنظر له بحيرة تسبح في عينيها الخضراء ، وكأنها بلمستها تحثه على الحديث فتنهد :
-"هناك أشياء دفنت تحت تراب الماضي لكن آثارها مازالت محفورة في النفس"
رفعت حاجبها بسخرية ووضعت كفيها فوق بعضهما في حركة جسد ساخرة :
-"لدي شعور أن قانونك الخاص هو السبب!"
صمت ينظر لها بلهيب مستعرّ لكن اهتزاز حدقتيه أخبرها أنها على صواب فاقتربت خطوة منه تناظره بقوة :
-"أنت تعلم أن هذا القانون مجحف ، والسبب في التفرقة بينك وبين أخيك.. فلماذا مازال قائمًا؟!"
نظر لها مطولًا قبل أن يقول بغموض :
-"ليس من السهل محو الماضي بتلك السهولة أيتها الأميرة!!
فما حدث أكبر بكثير من مجرد قانون ضمن قوانين كثيرة"
لم تستطع التحكم في غضبها وحميتها ، فأشاحت بيدها هاتفة :
-"مجرد قانون؟!
حقًا لا أعلم ماذا أقول أكثر مما قالته تلك الفتاة التي أوقعت نفسها في مأزق ، لكن هذا لا يمس الدين ولا الشرع بصلة"
لم يشعر بنفسه وهو يمسك عضديها بقوة يهزها بخفة هاتفًا بسخط :
-"أنتم لا ترون الأمر إلا من الظاهر فقط؟
فلا تتفوهين بما ستندمين عليه في المستقبل"
لفحت أنفاسه الساخنة صفحة وجهها يقربها منه حتى كاد يلامس جبهتها هامسًا :
-"أخبريني هل منذ قدومك إلى هنا ذهبتِ كي تري هؤلاء الفتيات اللاتي سرقنا منهن مستقبلهن وحرمنا أُسرهن منهن؟"
تركها فجأة كما أمسكها وأولاها ظهره يرفع يده إلى خصلاته يعيدها للخلف ، لترمقه بذهول من ثورته وجسده يرتجف من الانفعال فعلمت أن هناك أمر آخر نشب بينه وبين أخيه غير هذا القانون.
فوضعت كفها على كتفه تدور تقف أمامه وقالت بهدوء :
-"حسنًا دعك من أمر أخيك ، لكن أرجوك أخبرني.. أنا أشعر أنك ساخط على هذا القانون فلماذا لا تفعل شيئًا يمنع ذلك؟"
صدح صوته ثابتًا يقول لها يوليها جانبه ولم يلتفت إليها :
-"لم يأتِ أوانه بعد"
هزت رأسها بيأس وانحنت معتذرة منه كي تذهب فيبدو أنه يريد الانفراد بنفسه ، لكنه ناداها قبل أن تبتعد فالتفتت له لتسمعه :
-"إذا ذهبتِ إلى هؤلاء الفتيات ستعلمين أنه منذ قدومهن إلى القصر ، يتعلمن شتى أنواع العلوم ، وبعضهن يتعلمن الأعمال المنزلية ، ومنهن من يتزوجهن الجنود ليعيشوا حياة هنيئة..
ومن تريد رؤية أسرتها لها تلك الفرصة لكن هنا في القصر"
ثم تركها وذهب باتجاه ساحة التدريب تاركاً إياها في ذهول من كلماته وتصرفاته التي تسمع بها لأول مرة!!
إذا كان كذلك ، فلمَ لا يعلم أحد بهذا الأمر؟
رفعت نظرها للقصر ترمقه بغموض ولسان حالها يهمس بداخلها :
-"بداخلك كثير من الألغاز ، أسرار لابد من الكشف عنها"
★★★★★★
لماذا نوصّي كاتمي أسرارنا بالتكتم عليها في حين لا نستطيع أن نطبق ذلك على أنفسنا؟
البحر لا يفعل ذلك!
فإن حاول السر التمرد على كاتمه الأعظم ، أبت السماء وأسقطت وابلًا من المطر، فتصرعه إلى الأعماق.
وإذا حاولت العواصف استجوابه عنوة ، أثارت غضب السماء وانهالت عليه الصواعق.
وقف بكنزته وسرواله الفضفاض ، ممسكًا عصا طويلة غليظة يلوح بها في الهواء يفرغ طاقته السلبية التي تشع من جسده بسبب كم الذكريات التي تدفقت إلى عقله.
يقف وسط الساحة الواسعة في قصره يتدرب وقطرات العرق تتصبب من جبهته بشدة ومن ذراعيه التي تظهر فيها عضلاته الضخمة ، وخصلاته السوداء الطويلة تلتصق بجبهته.
عاد بذاكرته إلى الماضي يتذكر منذ عدة سنوات مضت..
في هذا الاحتفال أعلن والده أنه سيوليهما مقاليد الحكم تحت شورته ، ليتولى هو مملكة الشمال وأخيه مملكة الجنوب..
حينها ذهب إلى والدته يسألها :
-"هل لكِ أن تفسري لي قرار والدي؟!
هل لكِ دخل فيه مثل هذا القانون؟!"
اقتربت رقية منه واضعة كفيها على عضديه ، وقالت بنبرة يشوبها المكر الطفيف :
-"ليس لدي غير هذه الطريقة حتى أضمن أنكما لن تحاربا بعضكما يومًا ما..
فنشوة السلطة يا بني لا تعرف عزيز ولا حبيب ، وأيضًا حتى أضمن أنكما ستكونان يدًا واحدة متحدين"
نظر لها بغموض وعينين تلمعان بفراسة تستطيع كشفها بسهولة قبل أن يقترب برأسه منها و يهمس لها :
-"هل حقًا كما تقولين؟!
أم لتضمني أن يبقى إلياس تحت جناحك بعد ثورته على قانونك المجحف؟!"
تذكرت ثورة ابنها عندما سمع أبيه يقر بهذا القانون ونشره في بقاع المملكة ، بل وأمر على تنفيذه في أقرب وقت هاتفًا :
-"ما هذا الذي تفعلونه بحق الله؟
من أنتم كي تتحكموا في مصير البشر؟!
هل منّ الله عليكم بالحكم لتحافظوا على سلامة وحياة رعاياكم ، أم لتسلبوهم هذه الحياة؟!"
صمت يرفع رأسه بشموخ وقوة ، ثم نظر إليهم هاتفًا بتقرير :
-"أنا لن أعترف بهذا القانون أبدًا"
أعادت نظرها إلى نيار الذي يرمقها بصبر يعلم أنها تذكرت ما هتف به إلياس فتركها حتى انتبهت له ، فقالت :
-"وإن يكن ما تقوله صحيحًا ، هذا ليس خطأ أن أحاول الحفاظ على ابني بجانبي"
أبتسم لها بسخرية هاتفًا لها يوليها ظهره
-"أمنياتي لكِ بالتوفيق مولاتي"
كان كل شيء يسير على ما يرام ، العلاقات بينه وبين أخيه جيدة ووثيقة جدًا ، بل أنهما كل فترة يخرجان في رحلة صيد خاصة بهما للترفيه كأخين وليسا كملكين.
حتى جاء هذا اليوم الذي طلبته فيه والدته لكي يذهب إليها ، وجدها تقابله بابتسامة أثارت الريبة بداخله ، فسألها :
"أخبروني أنكِ طلبتِ رؤيتي"
- "نعم نيار تعالَ.. اليوم جاءت مجموعة من الفتيات من مملكة الجنوب ، بعثهم أخيك كهدية لك وأنا قد أخترت لكَ أجملهن لتكون ملكك الليلة"
رفع حاجبه باستنكار.. منذ متى وأخيه يرسل له الفتيات وهو رافض لقوانين المملكة؟!
يشعر أن ثمة أمر تخططه والدته ، فسألها مباشرة دون مواربة :
-"ماذا يدور في رأسك؟!
ما تقولينه لن يصدقه طفل ، فإلياس لن يقدم على فعلة كهذه.. فمن الأفضل أن تخبريني ما الذي تخططين له أمي"
لم تجد بد من إخباره بأمر تلك الجارية التي يحبها إلياس ، وقد علمت بالأمر منه عندما جاء ليخبرهم أنه يريد الزواج بها ، وعندما رفضت أن يختلط الدم الملكي بدم جارية عاند أخيه بشدة ، لتقوم بإحضار تلك الفتاة إلى هنا بمساعدة خديجة والتي لم تتوانَ لحظة في الإسراع بإرسالها.. ليسمعها تقول :
-"والحل الوحيد كي نبعد هذه الجارية عنه أن تسلب عذريتها ، فلا يوجد رجل يقبل أن يتزوج بثيّب"
استشاط غضبًا من تفكيرها الشيطاني ، كيف تفعل ذلك؟!
نعم هو من الرافضين أن يختلط الدم الملكي بجواري ، لكن المتضرر الوحيد من هذا الأمر هو أخيه فقط!!
هل هناك أم تتفنن في وضع الخطط لإلحاق الضرر بابنها كما تفعل هي؟!
ولكنه يعلم جيدًا أنه إذا رفض ستفعل أي شيء آخر حتى لو اضطرت لقتلها.
فرفع رأسه ويده اليمنى خلف ظهره ينظر لها من علو.. وتاجها الملكي الكبير موضوع بشموخ فوق رأسها وتلك النظرة الخبيثة في عينيها ، فقال وهو يومئ برأسه :
-"حسنًا أمي.. أرسليها لي الليلة"
لم ينسَ موقف أخيه حينها عندما كاد أن يشن حرب عليه لولا تدخل والده ، فكانت النتيجة انفصال إلياس بمملكته ، وقرر عدم الخطو لمملكة الشمال غير في الاحتفالات العامة مثله مثل أي ملك آخر.
فاق من تفكيره ملقيًا العصا على الأرض بقوة يزأر كأسد جريح ، يضع كلتا يديه على رأسه يعيد خصلاته إلى الخلف مشددًا قبضته عليها يهمس لنفسه :
-"لماذا ليان؟
لماذا فتحتِ أبواب الماضي؟!"
★★★★★★★
وهي مضت ليلتها بعد أن تركت نيار وصعدت لجناحها لترتاح وتصفي ذهنها حتى تصل إلى حل لكل تلك التعقيدات حولها.
جلست في شرفة جناحها وضوء القمر في عتمة الليل هو رفيقها وتتساءل!!
لمَ كل التعقيدات؟
ولمَ هالة الغموض حول الجواري في القصر؟
إذا كان نيار لا يعتزم أذيتهن فلمَ إذا يحرمهن من حياتهن الطبيعية كأي فتاة جميلة كانت أو قبيحة؟!
وصل بها التفكير إلى سارية وما فعلته صباحًا منذ دخولها المفاجئ للجميع حتى إغلاقها لباب جناحها.
هي لا تبغضها فهي تعلم أن نيار لن ينظر لها ، هي فتاة وتعلم أن سارية لم تكن لتجعله يقترب منها أبدًا.. ومما بدأت تفهمه أنه من الخارج يبدو عابثًا ولكن من الداخل مثقل بالهموم.
فمن نظرات سارية ، وسخطه عليها ليس هناك شيئًا تقلق منه.
عادت بتفكيرها إليها..
شجاعة بتهور..
وغضب يكاد يحرق القصر بمن فيه..
نعم إنها صاحبة قضية ولكن لماذا لا تتعامل بحكمة؟
عزمت أن تنفرد بها في الصباح لتتناقش معها بأي طريقة.. فهي مع الشجاعة تحتاج لحكمة لتوجيهها.

يتبـــــــع


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:49 PM   #29

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

أشرقت الشمس و كان الجميع مجتمعًا على الطاولة الملكية الكبيرة لتناول الفطور ، في عادة ملكية قديمة أن وجبة الافطار يتناولونها سويًا وسيلة منهم لجمع شملهم والتواصل.
بعد أن انتهى تقي الدين طلب من بدر الدين الحديث ، فقد حان الوقت كي تتضح الأمور وتصفية الحسابات القديمة ، وافق الأخير على طلبه فنهضت رقية من خلفهم بعدما استشعرت خطر انفرادهما ، تخاف كشف الماضي وهتفت لزوجها :
-"هل لي حضور هذا الاجتماع مولاي؟!"
فنظر لها تقي الدين وقال بتقرير :
-"معذرة فهذا الحديث خاص بيني وبين بدر الدين"
ليذهبا تاركين إياها ترمقهما بغضب وسخط.
اختنقت سارية من ذلك الجو وتلك النظرات والعقول الفارغة.
خديجة تكاد تلتهم إلياس بنظراتها ، ولو تستطيع لوضعت جدار عازل بينه وبين كل أنثى مارة بجواره أو تقع عينها عليه.. فما بالكم بها؟!
ونيار اختفى..
رقية تشرد وتعود للواقع بنظرات غامضة ولكنها مؤذية.
وكذلك ليان كأنها تود أن تقول شيئًا.. فقررت أن تخرج من ذلك الجو الخانق للخارج ؛ لعله يخفف من تلك الشرارات والقلق داخلها!
يراودها خيالات أن الأمر لن يمر على خير مطلقًا.
استأذنت ليان تريد اللحاق بها ، فكادت رقية أن تشغلها عندما لاحظت مراقبتها لسارية وخروجها من قاعة الجلوس وتأهبها لكي تخرج خلفها ، ولكن ليان أسرعت بالخروج.
سألت أحد الحراس إن كان رآها، فدلها على ذهابها نحو الحديقة الخلفية للقصر.
وصلت إلى هناك وجدتها تجلس على الأرض العشبية أمام النافورة بنظرات شاردة مفكرة ، فسعلت قليلًا حتى لا تفاجئها وقالت :
-"هل يمكنني الانضمام إليكِ للتحدث؟"
نظرت نحو الواقفة خلفها فقالت بسخرية :
-"لماذا؟
حتى تكملي ما بدأوه؟"
جلست بجانبها بعدما قامت بنشر ثوبها حولها تقول بابتسامة هادئة :
-"بل كفتاة عادية غير راضية عما يحدث"
لم تجب سارية بشيء في بادئ الأمر ، بل أعادت نظرها للأمام ثم قالت :
-"سنوات حياتي مرت وأنا حانقة على تلك القوانين لمجرد أنها السبب في ترك والدي لوطنه ومنزله.. لكن عندما فقدت صديقتي شعرت بفداحة الأمر وشعور الأهل"
التفتت إليها ليان بنظراتها الصافية مربتة على ظاهر كفيها في إشادة :
-"دعيني أهنئك على شجاعتك في عرض قضيتك ، ولكن دعيني أيضًا ألومك على غبائك"
استقامت الأخرى فجأة تنظر لها بدهشة هاتفة :
-"غبائي!"
أكملت بإماءة من رأسها بهدوء تشير لها :
-"أجل غبائك واندفاعك ، كان يجب عليكِ التفكير قبل أن تقومي بأي تصرف ، فالاندفاع ليس الحل..
والآن هلا جلستِ حتى نتحدث كالبشر"
أومأت برأسها وعادت لجلستها بجانبها تستمع إليها حين أكملت :
-"لنراجع أفعالك المتهورة..
لو رأيتِ ما فعلتيه لوجدتِ أن تهورك هو من وضعك في هذا الموقف ، فجميعنا نعلم أنكِ محاصرة بأنكِ إن لم تجدي صديقتك ستخسرين حريتك"
كادت أن تقاطعها لكن ليان أوقفتها برفع كفها أمامها مكملة بحزم :
-" أعلم أنه من الممكن أن تجديها لكن فرصتك ضئيلة في هذا"
ثم أكملت تضع يدها على كفها بهدوء تميل بجسدها إليها قليلًا :
-"سارية.. الشجاعة والقوة ليسوا الحل دائمًا ، فيجب عليكِ استخدام عقلك وذكائك حتى تصلي لمغزاكِ"
استقامت بعد ذلك من مكانها ووقفت تناظرها من علو قائلة :
-"أظن أنكِ فهمت المغزى من حديثي وأتمنى أن تفكري به جيدًا ، وتصلحي ما تفعلينه قبل فوات الأوان"
استدارت لتذهب تاركة إياها ساكنة في مكانها تراجع حديثها ، تتذكر أفعالها المتهورة وأنها محقة فيما قالته..
فهي من تسببت بوضع نفسها في معركة كبيرة لا تعلم هل ستنجو منها أم لا؟
ضربت رأسها بكف يدها عدة مرات توجه كلامها لنفسها بحنق :
-"أنتِ غبية يا سارية.. غبية"
★★★★★★

عتاب الأحباب والأصدقاء
كسحب شوكة من الوجدان والروح
أمرًا يثير الألم والاحتراق
لكن طالما كان وجودها أكثر ألمًا.

كان تقي الدين يقف مقابل بدر الدين.. كل منهما ينظر للأخر نظرات تحمل في طياتها عتاب ، لوم ، استفسار ، واشتياق للصداقة القديمة.
نظرات تكفلت بالحديث ببراعة تفوق براعة الكلمات عما مر وحدث!
لوم وعتاب عما آل الأمر بينهما وقد كانا لا يستطيع أحد التفريق بينهما!
كان بدر الدين أول من قطع هذا الصمت وتلك النظرات بنبرته الهادئة :
-"ها نحن يا مولاي.. فيما سنتحدث؟"
أطال تقي الدين النظر له قبل أن يقول بنبرة يشوبها العتاب :
-"لماذا رحلت يا بدر الدين؟!"
تنهد يضع طرف وشاحه العريض على مرفقه مبتسمًا بصبر ينظر لمسبحته المتأرجحة في يده :
-"لإنقاذ ابنتي من طغيان كان سيلحق بها..
كان سيأتي يوم ويطالها القانون مثلها مثل أي فتاة في المملكة"
هز تقي الدين رأسه برفض وعدم تفهم يشيح بيده شاعرًا بالغيظ :
-"فجأة تتخلى عن كل شيء وتذهب!
مالك.. مركزك.. بيتك وموطنك وترحل؟!"
ارتفعت وتيرة الآخر قليلًا بقوة ثابتة ورأس شامخ :
-"وأتخلى عن روحي في سبيل الحفاظ على حياتها ، فلا مالي ولا مركزي ولا أي أحد أهم عندي منها"
زفر تقي الدين يشد على كفيه خلف ظهره يحاول الحفاظ على هدوءه ، فسمعه يكمل :
-"أنا لا يهمني إلا الخروج من هنا مع ابنتي بخير.. كان باستطاعتي أخذها ونذهب فمن ضمن القوانين أن الشخص يمكنه سحب شكواه ويرحل في طريقه ، لكن هذا درس لها حتى تستطيع التحكم في غضبها فيما بعد ، ولتحكم عقلها كي لا تؤدي بها الظروف لنتائج عكسية"
فرد عليه الآخر بنوع من الإصرار والتقرير :
-"ومن قال أنني سأسمح لكْ بالرحيل مرة أخرى؟
أريد لوزيري العودة وقبله صديقي المقرب ليكون بجانبي ، فلا يوجد في العمر بقية يا بدر الدين"
هز رأسه برفض وابتسامة صغيرة على شفتيه المحاطة بلحيته البيضاء يجيبه بنبرة غامضة :
-"وجودي لن يكون في مصلحة أحد يا مولاي ، على النقيض فإنه سيفتح أبواب من الماضي من الأفضل أن تظل منغلقة"
-"ماذا تقصد؟!"
تساءل تقي الدين بحيرة فأجابه بعدم اهتمام :
-"لا يهم.. الأهم أنني أريد ضمان سلامة ابنتي"
وضع يده على كتفه مشددًا عليه يطمئنه :
-"لا تقلق لن يمس سارية مكروه إن شاء الرحمن"
★★★★★★


الخوف من المجهول سهم قاتل في منتصف الصدر
جرح عميق تبقى آثاره موجودة في العقل
غصة بالقلب لا شفاء منها إلا بالكشف عنه
المجهول قصة ألفها القدر ومثّلها الزمان
وكان الإنسان ضحيته!

مر يومان على وجودها في القصر ، كانت تتجهز حتى تخرج للبحث عن صديقتها في القصر ، فأخرجها من انشغالها دقات الباب.
أذنت للطارق بالدخول لتدخل فتاة في ريعان شبابها ، تنحني نصف انحناءة أمامها تقول باحترام وابتسامة جميلة مشرقة على وجهها :
-"سيدتي أنا وسام.. سأكون مرافقتك طوال وجودك في القصر بأمر من الملك تقي الدين"
ابتسمت سارية ابتسامة صغيرة مقتربة منها :
-"مرحبًا وسام.. يسعدني مرافقتك بالطبع لكن لا تنعتيني بسيدتي ، أنا سارية فقط وهذه آخر مرة تنحني فيها لي..
ما رأيك كبداية أن ترشديني للحرمليك فأنا لا أعرف مكانه"
ابتسمت بسعادة لها تستشعر طيبتها :
-"بالتأكيد سارية لنذهب"

إذا شعرت يومًا بالكره تجاه نيار والقصر ، فقد تضاعف وهي ترى عدد الفتيات التي تم أخذهن من أهلهن بهذا العدد فبعضهن شارد تبدو علامات الحزن على وجههن ، والبعض الآخر بدأ بالحديث سويًا للترفيه عن أنفسهن.
نفضت أفكارها وغضبها وقررت التركيز على البحث عن مارية بينهن ، وبعدها لكل حادث حديث.
أخذت تدور بينهن ووسام تتبعها ، تنظر لوجه كل واحدة علها تلمح وجه صديقتها.. فعليها أن تجدها بأسرع ما يمكن حتى تخرج من هذا القصر الملعون قبل أن تقع بين يدي أحد الأحمقين.
فهما لن يتسامحا مع تحديها إياهما أمام الشعب.
أصابها اليأس وهي تدور أكثر من مرة حول الحرمليك ولا يوجد أي أثر لصديقتها ، ومعالم الحزن ظهرت على وجهها.
لاحظتها وسام واقتربت للتخفيف عنها مربتة على كتفها برقة :
-"أنه اليوم الأول لبحثك يا سارية..
لا تبتأسي هكذا ستجديها لا تقلقي"
رفعت عينيها بابتسامة خفيفة تشد على كفها :
-"شكرًا لكِ وسام قد أرهقتك معي"
هتفت الأخرى سريعًا مقاطعة كلماتها :
-"إنها وظيفتي سارية وأنا سعيدة أنني أرافقك"
ابتسمت دون تعقيب واستدارت تنوي الخروج ، فوجدت من تقف أمامها تمنعها ، لتحدق بتفكير قبل أن تتوسع عينيها بمعرفة مدركة أنها الشيطانة خطيبة إلياس.
لمعت عيني خديجة بسخرية وغضب دفين عندما رأتها :
-"انظروا من هنا!
الوقحة الصغيرة!
أخبريني هل وجدتِ صديقتك التائهة"
نظرت لها سارية ببرود من أسفل لأعلى ولم ترد عليها تحاول أن تتحرك لتتجاوزها ، فغضبت الأخرى وصرخت باشتعال :
-"من تظنين نفسك لتتجاهليني بهذا الشكل؟"
لتردف سارية ببرود :
-"وهل قلتِ شيئًا يستحق الرد؟"
اقتربت الأخرى منها تهمس بحثيث غاضب :
-"كم أتمنى أن ينتهي هذا الشهر سريعًا لأراكِ في مكانك الحقيقي أسفل قدمينا راكعة..
جارية حقيرة كما هي حقيقتك ، وعندها ستندمين على تلك الوقاحة التي تنبع منك وعن مواجهتك لأسيادك"
اشتعلت سارية بغضب فلقد نجحت في إثارته لتقترب منها بوجهها الذي ينبعث منه الشراسة :
-"هذا ما يفعله الجبناء الخاسرون يا هذه..
يتمنون ما ليس في أيديهم ويحاولون أن يظهروا من يعارضوهم بصورة حقيرة حتى يتخطوا مدى انحطاطهم!
بالتأكيد أنتِ لستِ من تلك الشخصيات ، أليس كذلك؟"
قالت الكلمات الأخيرة بسخرية وابتسامة جانبية ظهرت شفتيها خط مستقيم تراقب توسع عيني خديجة بذهول وغضب أثر كلماتها ، ثم أضافت بعنفوان :
-"ثم أنا لا سيد لي ، وأبدًا لم ولن أركع إلا للذي خلقني"
جن جنون خديجة واحتقن وجهها بدماء الغضب والغيظ من قوتها ، تمسك مرفقها تجذبها بغضب :
-"سنرى أيتها الوقحة.. وعندها سأجعلك تبتلعين تلك الكلمات السامة التي نطقت بها حرفًا حرفًا"
نظرت إليها باستهزاء تتحرك مبتعدة تتبعها وسام التي توقفت بعيدًا منذ رأت خديجة ، بخطى سريعة تواكب خطواتها.
لكنها توقف عندما هتفت اسمها بصوت عالٍ انتبه له من حولهن :
-"لماذا لا نرى مدى قدرتك وشجاعتك المزعومة؟
لكِ وقتك ، إن فشلتِ ستكونين خادمتي.. سأجعلك تحت قدمي في مكانك الحقيقي"
وسارت للداخل دون أن تعطيها فرصة للرد والتي كانت تشتعل من الغضب وتقسم أن تلقن تلك المغرورة درسًا لن تنساه ولكن صبرًا
لكل مقام مقال.
★★★★★★★
يتبــــــــع


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 09:51 PM   #30

هديرر

? العضوٌ??? » 385828
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 136
?  نُقآطِيْ » هديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond reputeهديرر has a reputation beyond repute
افتراضي

لا يمكن أن نجد السعادة ونحن غارقون في حديثنا عن الألم
ولا يمكن أن نجد الراحة ما دُمنا نصنع طريقًا لليأس يتمكن منا
فالبقاء ليس للأقوى
البقاء لمن يوقن أن مازال هناك أمل.

مر أسبوعان..
جالسة في غرفتها ، ملقية برأسها على قدم والدها يمسد على خصلاتها بحنان ، يعلم ما يدور في رأسها والخوف الذي يعتمر قلبها في هذا الوقت.
فلقد أمضت هذين الأسبوعين في بحثها عن رفيقتها ، ولكنها كل ليلة تأتي له بقلب مثقل بالهموم وملامح حزينة تلقي بنفسها في أحضانه مشددة ذراعيها حوله كأنها تحتمي به مما ترى ويحدث حولها من مضايقات تتعرض لها من قبل رقية و خديجة.
سمعت صوته يقول بحنان يغمرها ويده تتغلغل في خصلاتها يصنع لها جديلة طويلة :
-"لا داعِ لذلك القلق يا صغيرتي ، طالما أنتِ على حق ومؤمنة أن الله لن يتخلى عنكِ فاطمئني"
رفعت رأسها له تستمد منه الطمأنينة قائلة :
-"لكن يا أبي مرت نصف المدة ولا يوجد أي نتيجة"
وضع جديلتها على كتفها لتصل إلي منتصف خصرها ، وابتسم لها واضعًا يده على عضدها :
-"حتى إن لم تظهر فهي في رعاية الله وحفظه"
كادت أن تتحدث لكن صوت دقات الباب أسكتتها ، فسمح بدر الدين للطارق بالدخول ليجدها وسام تدلف بابتسامة رقيقة فبادلاها بمثيلتها.. فاقتربت من سارية تقول في حماس تشيح بيدها أمام وجهها بتشجيع :
-"هيا انهضي معي ، جئت لآخذك في جولة ممتعة خارج القصر"
اندهشت سارية مما قالته وتبادلت النظرات مع والدها قبل أن تقف في مقابلها وترجمت دهشتها في كلماتها الساخرة :
-"خارج القصر!
هل الملكة العظيمة ستقبل بذلك؟
ألا تخاف أن أهرب مثلًا!"
ضحك والدها بقوة يستقيم من مجلسه قائلًا بنبرة معاتبة زائفة تخفي خلفها مكر طفيف :
-"تهربين وتتركين والدك هنا؟!
يا لكِ من ظالمة!"
تركها تنظر له بذهول وأعطاها ظهره ليختفي في غرفة جانبية مخصصة للصلاة ، ووسام تضحك على كلماته وتعابير وجه سارية من توسع عينيها بذهول وفغرة فاها ، ثم تحولت نظراتها إلى غيظ تنظر لوسام الضاحكة هاتفة :
-"كُفّي عن الضحك أيتها الماكرة..
لا أعلم لما أصبر عليكِ حتى الآن"
حاولت أن تخف من ضحكاتها فاقتربت منها تهمس بمكر :
-"بدلي ثيابك ولنذهب فهذا أمر من الملك تقي الدين.. كما أنني سأقص عليكِ قصتي"
استطاعت إثارة فضولها فتبدلت ملامحها للحماس تتجه نحو الخزانة لتبدل ملابسها بأخرى تهتف :
-"انتظري قليلًا وسأكون جاهزة"
هزت وسام رأسها بيأس منها لكنها انتبهت بعد قليل تخرج من خلف الستار بعد أن ارتدت ثوبًا أسودًا ذا قلنسوة كبيرة.
خرجت ترفعها تغطي خصلاتها المنفلتة من جديلتها الموضوعة على كتفها وقالت لوسام :
-"هيا أنا جاهزة"
رفعت الأخرى حاجبيها بانبهار من جمالها ، وحثتها على التقدم معها للخروج ، فهبطتا الأسفل تنتظران حتى يأتي الحارس بخيلهما ، لكن يبدو أن نوبة الاستفزاز اليومية ستبدأ الآن عندما سمعتا صوت رقية الصادح من جانبهما مقبلة مع وصيفاتها :
-"إلى أين تذهبان؟
ومن سمح لكما بالخروج من القصر؟!"
لم تعرها سارية اهتمام وتكلفت وسام بالرد عليها بعدما انحنت لها احترامًا :
-"هذا أمر الملك تقي الدين مولاتي ، أمرني باصطحاب سارية في جولة"
تملك الغضب والغيظ منها وهتفت تنظر لتلك التي لم ترفع نظراتها إليها :
-"كيف لجارية أن تتجول كما يحلو لها وكأنها من أصحاب هذا القصر؟"
كادت وسام أن ترد ولكن وجدت سارية تقف في مواجهة رقية تقول بهمس لا يصل إلا للواقفين :
-"أنا لست جارية لديكِ هذا أولًا!
ثانيًا هناك زوجك يمكنك الذهاب إليه وسؤاله؟"
ابتسامة جانبية ارتسمت على وجه رقية :
-"ستكونين ذات يوم وهذا وعد"
انتبهت سارية لصوت الخيل الذي جاء بهما الحارسان فابتسمت بمكر وتوجهت إليهما توجه كلماتها للملكة من خلف ظهرها :
-"لم أكن أعلم أنكِ أحببتِ وجودي لهذه الدرجة وتريدين مني البقاء بأي شكل"
صعدت على ظهره ووسام على الآخر وأكملت بسخرية:
-"كنت أظن أنكِ تريدين الخلاص مني بأسرع وقت لا أن تخططي لبقائي معك..
ما رأيك أن ننهي الحديث هنا الآن ونكمله فيما بعد؟"
قالت كلماتها الأخيرة تنحني برأسها قليلًا في حركة لا تكاد تُرى من الأساس وانطلقت بالخيل ، تاركة الأخرى تنظر لها بغضب يكاد يحرق ما حولها ثم التفتت بغيظ وثوبها يلتف حولها تندفع للداخل وخادماتها خلفها كل واحدة تنظر للأخرى بنوع من التشفي فيها.
دخلت إلى الحرمليك لتقف الجواري اللاتي كانوا في المكان احترامًا لها ، فأمرتهن بالذهاب وتولي كل واحدة منهن عمل ما في الحرمليك.. كأنها تريد إفراغ غضبها في أي شيء.
دخلت ليان بعدها فوجدت المكان فارغًا إلا منها وخادماتها تقفن في الجانب ، فنظرت لأروى بدهشة مما ترى..
الملكة تقطع المكان جيئةً وذهابًا ويظهر عليها التفكير ، فاستعاذت بالله من شيطان أفكارها.
تقدمت منها تكاد تجزم أنها تعرف السبب وراء اشتعالها ، هتفت من خلفها بنبرة عادية :
-"ما الأمر مولاتي؟
تبدين في حالة كبيرة من الغضب!"
نظرت لها رقية وكادت أن تصب كل غضبها عليها لكنها أكملت :
-"ولمَ الحرمليك فارغًا؟
أقررتم أن تخفوا الفتيات عن سارية أم ماذا؟!"
اقتربت منها رقية تهتف بغضب وصل إلى ذروته من حديثها :
-"ليان.. لا وقت لحديثك هذا ، ولا أريد أن تكون لكِ أي علاقة بتلك الجارية"
ابتسمت ليان ساخرة تدور بنظراتها بلامبالاة :
-"هل شرط من شروط زفافي ألا يكون لي علاقة بمن لا تحبينه؟"
ثم عقدت حاجبيها بتعجب مصطنع وذمت شفتيها بسخرية متابعة :
-"ثم من هي تلك الجارية؟
أنا ذكرت سارية لكن يبدو أن جلالتك لم تنتبهي لاختلاف الأحرف"
زمجرت رقية من الغضب الذي أشعلته أكثر ولكنها انتبهت لصوت خديجة التي دلفت إلى المكان :
-"لم يتبق إلا أسبوعان على المهلة المحددة لها كي تجد صديقتها ، وبعدها ستكون جاريتي"
نظرت ليان بسخرية من تلك المغرورة وردت قائلة :
-"ستذهب أحلامك سُدى يا خديجة إن وجدتها في تلك المدة"
ضحكت بصخب تقف بجانب رقية مقابلة لها :
-"مر اثنان ولم يحدث شيء.. فما الذي سيحدث في أسبوعين يا ترى؟!"
رفعت كتفيها بجهل ونبرة لامبالية :
-"من يعلم ماذا سيحدث بعد قليل؟"
صدع صوت رقية التي جلست برعونة في مكانها المعتاد :
-"إذا اكتفيتن من هذا الحديث هل لكما أن تصمتا؟"
استأذن الحارس للدخول وانحنى احترامًا لهن ، ثم توجه بحديثه إلى ليان :
-"مولاتي الملكة.. الملك نيار يريدك في ساحة التدريب ، فهو ينتظرك هناك"
اضطرب الحارس عندما سمع صراخ رقية :
-"لا يوجد ملكة هنا غيري يا هذا.. لقبها الأميرة ليان"
أمرته خديجة بالانصراف قبل أن تنظر إلى ليان بسخرية قائلة :
-"عذرًا أيتها الأميرة ، لابد من التزام كل شخص بمكانته"
تفاجئت رقية من ضحكات ليان العالية وهي تقترب منها قبل أن تقول بصرامة ظهرت بوضوح في نظراتها ونبرتها :
-"لكن الحارس لم يخطئ فأنا الملكة ليان..
فقبل أن أصبح زوجة نيار ، فأنا ملكة الشرق بعد طول عمر والدي الملك سليم أيتها الملكة"
ثم نظرت لخديجة تراقب نظرة الغضب التي تلبستها بزهو :
-"فكل شخص عليه الالتزام بمكانته أيتها الأميرة"
ثم تركتهما يتميزان من الغيظ دون انتظار رد إحداهما ورحلت حيث نيار.
وصلت إلى الجهة الجنوبية حيث ساحة التدريب الخاصة به ، فوجدته واقفًا يراقب حراسه يروضون الخيول.
انتبه لها فابتسم يستقبلها يمد لها كفه لتضع كفها الصغير به فقبلها تنحني قليلًا تحييه ، تقول برقة يشوبها الحذر :
-"أرسلت لي تريدني.. ما الأمر مولاي؟!"
-"نعم مولاتي ، لقد تحدثت مع والدك على موعد الزفاف ، سيكون في موعد الاحتفال فهو خير يوم"
انتفضت بذعر مما تسمع والتفتت له بغضب جعل وجهها الأبيض يتحول إلى الأحمر الشديد..
إلى هنا وكفى!
كيف له التخطيط وتحديد الموعد دون الرجوع لها؟
هتفت من بين أسنانها بعنفوان :
-"ماذا؟
كيف تحددان دون أخذ رأيي؟!
أنا من ستتزوج وأنا الوحيدة التي من حقها تحديد موعد عرسها"
رفع نيار حاجبه بدهشة طفيفة ثم ابتسم بسخرية ومكر يقترب منها :
-"لا أعلم ما وجه اعتراضك ليان؟
إذا كان الزفاف سيقام على أي حال ، فما الفرق في الموعد؟"
توسعت عيناها بشدة من سخريته ولامبالاته ، وضغطت على أسنانها بقوة :
-"حسنًا أخبرني هل ستتزوج من أي فتاة أيها الملك؟
أنا الملكة ليان و لي كافة الحقوق في إبداء الرأي في كل شيء يخصني وأهمهم موعد زفافي"
ثم اقتربت منه حتى كادت أن تلامس أرنبة أنفه بخاصتها تهز رأسها بالرفض ونظراتها تحتد هامسة بشراسة :
-"والذي من المستحيل أن يكون في هذا اليوم"
توقعت أن يثور أو يغضب أو يتملكه الغيظ من تحديها له ، لكنه فاجأها بردة فعله عندما وضع يديه خلف عنقها ملتقطًا شفتيها بقوة يقاطع سيل حديثها مغمضًا عينيه ، سلب أنفاسها ووعيها في تلك اللحظات البسيطة ، كما نسي العالم ومن حوله ، حتى شعر بها تحاول الإفلات منه بعدما أفاقت من صدمتها ، فأخذت تدفعه لكنه أحكم تثبيتها حتى كادت أن تختنق ، ثم تركها بعد عدة ثوان تلهث بشدة.
نظرت له بذهول وصدمة فرأته يبتسم لها يغوص بعينيه في غابات مقلتيها :
-"الزفاف يوم الاحتفال ، وغدًا سيأتي ثوب زفافك"
ليقترب من أذنها هامسًا بنبرة ماكرة :
-"قرمزي اللون يليق بملكتي"
ثم تركها في ذهولها قبل أن ترد عليه ، فأخذت تتلمس شفتيها التي تنبض بقوة ، ثم التفتت قبل أن يذهب هاتفة به تستوقفه :
-"توقف نيار"
توقف يكاد يضحك باستمتاع يلتقط الغيظ في صوتها ، يسمع خطواتها الغاضبة قادمة من خلفه حتى وقفت أمامه صارخة بغضب طفولي :
-"لن يحدث هذا الأمر.. لن أتزوج في هذا اليوم البغيض"
ورفعت سبابتها أمامه تحذره :
-"هذه المرة الأولى والأخيرة التي تقبلني فيها بهذه الطريقة نيار"
ثم تركته والتفتت بعنف جعلت خصلاتها الشقراء تضرب وجهه ، وذهبت متوجهة إلى غرفتها ، تاركة إياه ضحكاته تعلو من خلفها على غضبها يهمس لنفسه :
-"كم يثيرني إغضابك حلوتي"
★★★★★★
نحلم ولو بلقاء عابر يضم النظرات ويعيد للأعين الحياة.
لقاء يحمله الأمل كشمعة مازالت توقد في رحم الظلام.

كانت الفتاتان تتجولان في المساحات الخضراء حول القصر ، بصمت مبهم وتأمل هادئ قاطعه صوت وسام :
-"مهمتك صعبة سارية في ظل كل تلك الضغوطات حولك ، سواء من الملكة رقية أو الأميرة خديجة"
تنهدت الأخرى تنظر لرأس مهرتها وممسكة بلجامها:
-"لا أعرف وسام ، لكن ينتابني شعور أن القادم لن يسرني"
ثم رفعت نظرها إليها وقالت مبدلة مجرى الحديث :
-"دعكِ من هذا.. أخبريني كيف جئتِ إلى ذلك القصر؟!"
ضحكت وبدأت تسرد عليها رافعة كتفيها بقلة حيلة :
-"أي طريقة غير الطريقة التي ثورتِ عليها.. لا يوجد غير هذا القانون"
لوت سارية شفتيها بسخرية بدون أن تتحدث فأكملت:
-"لكن أنا كنت مختلفة قليلًا ، فالقدر وقف معي.. توفيت خادمة الملكة رقية المقربة وعُينت السيدة أسرار كبيرة الحرمليك وتم اختياري من الخادمات المخصصات للملك تقي الدين"
أومأت سارية برأسها باهتمام وسألتها :
-"ألم ترِ أهلك منذ ذلك الوقت؟!"
هزت رأسها بلا لتصمت الأخرى بحنق يزداد بداخلها وأكملتا تجولهما ، حتى جذب نظرهما طاووس باللون الأبيض يسير وسط هذه الخضرة بغنج وغرور معروف عنه فتوقفن تنظران له بانبهار وسعادة طفولية ، لتهبط سارية من فوق خيلها تنزع قلنسوة ثوبها من فوق رأسها واقتربت منه ببطء حتى لا يهرب ، وانحنت بجانبه تمسح بكفها على ريشه الناعم.. فالتفتت إلى وسام بابتسامة قائلة :
-"انظري ما أجمله!!"
رأته يبتعد ثم ما لبس أن قام بنفش ريشه وذيله فظهر بمظهر خلاب يرسم نصف دائرة في الهواء من ريشه ، ففغرت فاها بانبهار كبير وفرح مما ترى.

لكن احذر أن يغرنك الجمال..
فالطاووس لا يملك سوى جماله لكنه مغرور ذو كبرياء عالٍ
إن فقد ريشه يختفي ولا يظهر مطلقًا
فلقد اختفى معه سر بهائه!

بعد قليل وصلتا إلى القصر ، لكن قبل الدخول وجدت جاد عاد من رحلته من مملكة الجنوب وما أن رأته حتى هبطت مسرعة من خيلها متوجهة إليه بلهفة لعله أتى بأخبار جيدة عن سلامة صديقتها.
وصلت له فترجل من فوق خيله يستقبلها هاتفة :
-"جاد ، أخيرًا عدت.. أرح قلبي وأخبرني أنك وجدتها؟"
أمر الجميع بالدخول للقصر ، فدخلوا إلا وسام الذي نظر لها بدهشة أنها لم تنصع لأمره كالبقية ومازالت تمتطي خيلها تناظره بلامبالاة.
رمقها بغيظ فتاة ذات ملامح هادئة رقيقة وعيون سوداء واسعة ، خصلاتها سوداء تظهر من تحت وشاحها السماوي الشفاف ، فوجه حديثه لها بسخرية :
-"أظن أن الأمر موجه لكِ أيضًا"
فبادلته السخرية بمثيلتها وابتسامة باردة ارتسمت على وجهها :
-"أوامرك لجنودك وأنا لست من ضمنهم أيها الوزير"
هتفت سارية تقاطع هذا التشاحن القائم ترفع كفيها بوجههما :
-"هلا صمتما.. وأنت أخبرني هل وجدتها؟"
وجهت سؤالها إليه فترجلا لداخل القصر بعدما هبطت وسام من فوق الخيل وأخذهما الحارس لوضعها في الإسطبل ، فقال بيأس :
-"لا لم أجدها ، بحثت في كافة المملكة وجعلت الجنود تنتشر وتبحث في البيوت عنها لكن بلا فائدة"
هاجت تقف تقطع عليه الطريق تصرخ به بشدة :
-"كيف ستجدها وملكك أتى بها إلى هنا؟"
وضعت وسام كفيها على فمها بقلق تدور بعينها إذا كان أحد انتبه عليهم ، وزاد قلقها عندما وجدته يمسك بها من مرفقيها يهزها بقوة و يصيح بها :
-"هل جننتِ؟
كيف للشخص الذي قطع رقبة وزيره لأنه أخرج أسرار مملكته لعدوه أن يفعل ذلك؟
كيف للرجل الذي قام بمعاقبة الجندي الذي تعدى عليكِ في الغابة ونفاه من المملكة ولم يقتله بسبب عائلته أن يختطف الفتاة التي أنقذها؟!"
ترك يدها ودفعها بخفة مندهشة من حديثه وغضبه عليها ، ليكمل وهو يدور خلفها :
-"هو الذي ثار على هذا القانون منذ أن وضع..
بل وقطع حبال الوصال بينه وبين أخيه ووالدته بسبب القانون المجحف هذا منذ خمس سنوات ، يأتي الأن ويفعل ما تقوليه؟!"
نظر لها وجدها تنظر في الفراغ بل واغرورقت عيناها منه ، ففزع لأنها المرات النادرة التي تبكي فيها ، أسرعت وسام إليها تضم كتفيها بحنان ترمقه بشزر هاتف بغيظ :
-"كيف تتحدث معها بهذه الطريقة؟
من أعطاك الحق في إمساكها هكذا؟"
اقترب من سارية موجهًا حديثه لوسام بغيظ :
-"هل لكِ أن تتحدثي بالخير أو تصمتي ، فهي لا تحتاج أن تشعلي غضبها"
ثم وجه حديثه لسارية قائلًا برفق :
-"سارية أنا أعتذر عن غضبي لكن عليكِ أن تفهمي ما يحدث.. فأنتِ تتهمين شخصًا بشيء لم يفعله وهذا لا يجوز"
بكت تضع كفيها على وجهها ، وخرج صوتها محشرج يغلفه اليأس :
-"لا يوجد فائدة.. أنا يئست من إيجادها وأشعر بشيء سيء سيحدث"
حاول طمأنتها :
-"لا شيء سيحدث ولن أسمح لأحد بأن يمسّك بشيء"
حاولا الاثنان تهدئتها ، فهدأت وعادت لطبيعتها تنظر لهما وكأن شيء لم يحدث وقالت :
-"إذا علم أحد أنني بكيت سأقتلكما.. هذا شيء لم يحدث إلا نادرًا"
نظرت لها وسام بغيظ وأرادت ضربها على كبريائها هذا ، أما جاد فهز رأسه بيأس من رأسها المتصلب هذا قائلًا :
-"مازال هناك أسبوع يا سارية اطمئني"
تركهم وذهب للداخل ليرى إلياس ويخبره بما حدث.
★★★★★


الخيبة تصيب من يود استعادة الماضي
لكنها لا تمس من لا ماضي له
فالنبش في قبور الأسرار لن يعود إلا بالخراب
فإن كانت ذو أهمية فلم يكن مكانها التراب
بل ستوضع في أعالي الجبال دون خجل

خرجت الحرمليك في قمة سخطها ، تسير في شرفة واسعة تشرف على الجهة الغربية ، فوجدت بدر الدين يجلس بردائه الأبيض على إحدى الكراسي ذات الوسائد الأثيرة ، يبدو عليه الهدوء والراحة.
استندت إلى حافة الشرفة ترمقه بغموض إلى أن قررت الحديث معه.
رآها أتية من بعيد خلفها خادمتين تسير بشموخ وكبرياء وكأنها ملكت الكون ، فابتسم بداخله قبل أن ينهض مستعدًا لذلك الحديث حتى وصلت إليه ، فأشارت لخادمتيها أن تبتعدا قليلًا.
تبادلا النظرات الطويلة التي تسرد الكثير والكثير من خفايا الماضي ، لتنطق بغيظ طفيف :
-"لماذا عدت يا بدر الدين؟
بعودتك سيتم فتح دفاتر الماضي"
أجابها برزانة وسخرية يهز رأسه بعدم فهم :
-"لم أجد أي دفاتر من القديم فُتحت جلالتك"
صكت على أسنانها بقوة وقالت من بينهم بغيظ :
-"ابنتك من وضعت نفسها في عرين الأسود ، وإن كنت هربت بها في الماضي حتى تحميها من ذلك المصير ، فقد جاءت بقدمها إليه"
تقدمت منه هامسة بخبث :
-"لا أحد يهرب من مصيره يا بدر الدين ، ولا يمكن تغيير هذا المصير"
عقدت حاجبيها بدهشة عندما وجدته يضحك بصوت عالٍ مبتعدًا عنها قليلًا :
-"لا أيتها الملكة ، المصير نحن من نكتبه بأيدينا ونحن من نستطيع تغييره..
فمن كانت جارية ووصلت للمُلك أقوى مثال على ما أقول"
شهقت بغضب وذهول من كلماته وتصريحه الذي يقلل منها ، فالكل نسى أنها كانت جارية في القصر واستطاعت أن تصل لقلب تقي الدين حتى تزوجها وأصبحت ملكة هذه البلاد ، توسعت عيناها مع كلماته التالية :
-"من وضعت ذلك القانون لتتحكم في مصير فتيات كُثر ، مثال آخر على تغيير المصير..
فخير لكِ أن تخرجي ابنتي من رأسك رقية فأنتِ تعرفين ماذا يمكن لفتاة عادية أن تفعل!!"
اقترب منها أكثر وقد تحولت عيناه إلى جمرتين من قعر الجحيم ذكرتها ببدر الدين السابق الذي طالما أثار حنقها ، يهمس بوعيد يخرج من قلب أب كالأسد ينهش من يقترب من صغاره لكن بنبرة هادئة :
إن مُسّت ابنتي بسوء بسببك رقية ، سأجعلك تدفعين ثمن الحاضر والماضي.. فلا تجعلي المارد الذي دفنته منذ عشرين عامًا يرى النور من جديد"
ارتد قلبها بين أضلعها بهلع أجادت إخفاءه عندما ذكّرها بلقبه القديم.
طالت النظرات بينهما قبل أن يستدير ليذهب لكن صوتها صدح من خلفه بكلمات جعلته يقف مكانه متسمرًا :
-"لو كنت قبلت بحبي لك يا بدر الدين ، وقبلت بتلك الجارية زوجة لك ما كان كل ذلك ليحدث"

انتهى الفصل


هديرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
يتبع

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:17 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.