آخر 10 مشاركات
497- وحدها مع العدو - أبي غرين -روايات احلام جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          592 - أريد زوجاً - بيبر ادامز - ق.ع.د.ن (الكاتـب : Gege86 - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          أُحُبُّكِ مُرْتَعِشَةْ (1) *مميزة & مكتملة * .. سلسلة عِجافُ الهوى (الكاتـب : أمة الله - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          زواج على حافة الانهيار (146) للكاتبة: Emma Darcy (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-03-20, 10:25 PM   #21

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل السابع عشر


الفصل السابع عشر



قضت في أحضانه ليلة مغايرة لتلك الليالي الجوفاء الأولى في حياتهما الخاصة معًا، واستمتعت بنوبة حب عنيفة مليئة بكل المشاعر الجامحة التي امتزجت بقوته الذكورية فأحيت فيها عنفوانها وجعلتها تحلق عاليًا في سماء الحب، بل وتطلب المزيدمن ذاك الشغف العاصف بالوجدان، استطاع أن يصل بها إلى مناطق لم تختبرها من قبل، خاضت بجوارحها تجربة أوقظت فيها مشاعرها الكامنة بالكامل. لم تتوقع "خلود" أن يمنحها "تميم" مثل تلك الأحاسيس العميقة، بدا مختلفًا كليًا عن ذي قبل، تأوهت بصوتٍ خفيض وهي تنهض بتململٍ من على الفراش، التفتت برأسها نحو زوجها فوجدته لا يزال مستغرقًا في النوم، تأملته بابتسامة مشرقة ووجهها يشع نضارة لطيفة .. عبثت في خصلات شعرها المتنافرة ومشطتها بيدها لتعيد ترتيبها، ثم عقصتها كعكة دون أن تربطها بمشبكٍ للرأس .. أخفضت نظراتها لتنظر إلى ما اضطرت أن ترتديه في الليلة الماضية؛ إنه واحد من قمصانه، يكاد يغطي نصفها العلوي، توردت قليلاً لمجرد تذكر تأثير رؤيته ترتديه، أعطاها جاذبية مغرية، ومنحها ليلة حافلة العواطف الجياشة، وعلى غير عادتها نهضت مليئة بالحيوية والنشاط، كانت متحمسة لإعداد الفطور له وإحضاره بالفراش، مشيت على مهلٍ وبحذرٍ حتى لا توقظه، لكنه انتبه لحركتها، تقلب على جانبه، ونظر لها بنصف عين، بادلته ابتسامة رقيقة وهي تستطرد بنعومة متعمدة التدلل في وقفتها:

-صباح الخير يا حبيبي.

فرك "تميم" وجهه بيده، وقال متثاءبًا:

-صباح الخير.

عضت على شفتها السفلى وهي تسبل عينيها نحوه، ثم تغنجت في وقفتها المغرية لتضمن تركيز كامل أنظاره عليها، وما إن نجحت في ذلك حتى تحركت مبتعدة عنه لتجعله يتأمل تفاصيلها الأنثوية عن عمدٍ فتحرك فيه مشاعره، وأضافت وهي تشير بيدها نحو عباءتها:

-أنا هاحضرلك الفطار وأجيبهولك هنا يا حبيبي.

أومأ بحاجبه معقبًا بنبرة موحية:

-طب ما تيجي أصبح عليكي الأول!

التفتت برأسها نصف التفاتة تقول له في دلالٍ ممتع وقد امتلأت عيناها بوميض لامع:

-اللي تؤمرني بيه يا حبيبي.

ثم تهادت في خطواتها المائعة نحوه لتزيد من تأجج الرغبة بداخله، وما إن أصبحت قريبة منه حتى مد يده ناحيتها وقبض على معصمها ليجذبها إليه، سقطت في أحضانه، وأحاطها بذراعيه .. وبخفة ممتزجة بالقوة رفع جسدها وأدارها للناحية الأخرى من الفراش لتغدو أسفل منه، وما هي إلا لحظاتٍ وانغمست معه في أنهر الحب اللذيذة.

.................................................. ...................

ركام محترق، بقايا مدمرة، هذا كل ما تبقى لها من العربة حين وقفت تتطلع إليها في الصباح عند الكورنيش، أخفت "فيروزة" عينيها الغائرتين خلف نظارة داكنة، لكن دمعاتها أبت الاختباء، انسابت في صمتٍ تحسرًا على حلمٍ قريب ضاع قبل أن يكتمل، لم تأبه لمن يتطلع إليها، لم تشعر بمن حولها، فقط مزيج من المشاعر الحانقة، الغاضبة، والمتألمة كان مسيطرًا عليها، مسحت بطرف إصبعها دمعاتها التي شقت طريقها عبر صفحة وجهها لتضع بعدها الهاتف على أذنها، هتفت متسائلة بصوتها المائل للبكاء:

-مافيش لسه جديد يا "علا"؟

أجابتها رفيقتها على مهلٍ:

-لأ لسه.

عادت لتسألها بعد زفير بطيء:

-و"ماهر" بيه طمنك على وضعي القانوني؟

لحظة صمت سادت بينهما قبل أن تجيبها:

-كله تمام.

مسحت بمنديلها الورقي أنفها المبتل، وأضافت تسألها:

-يعني أنا مش محتاجة أستشير محامي أو حد متخصص

نفت على الفور:

-لالالا، هو قايم بكل حاجة، معارفه كتير زي ما إنتي فاهمة

أومـأت برأسها ترد وقد شردت نظراتها في أمواج البحر المتلاطمة والتي نثرت رذاذها على عربتها:

-ماشي، بس لو عرفتي حاجة بلغيني.

قالت لها:

-أكيد يا حبيبتي، وإنتي خلي بالك من نفسك

-إن شاء الله.

أنهت "فيروزة" المكالمة معها لتلقي نظرة أخيرة طويلة على ما كانت عربتها قبل أن تستدير للجانب لتسير مجرجرة ساقيها بعيدًا عما أصبح يؤلمها.

.................................................. ..................

على الجانب الآخر، كان "ماهر" جالسًا إلى جوار شقيقته واضعًا ساقه فوق الأخرى ويتابع بأنفاس مكتومة حوارهما الخاص بعد أن أسمعته المكالمة الدائرة بينهما. تعليماته لها كانت واضحة؛ أن تماطل قدر المستطاع معها حتى لا تلجأ لمساعدة محامٍ متخصص فيفسد ما يحاول إصلاحه، أغلقت الخط، والتفتت نحوه تسأله في ضيقٍ:

-أنا خايفة "فيروزة" تزعل مني لما تعرف إني كنت بأكدب عليها، وإن المحضر اتركن ومافيش فيه جديد.

حدق فيها بنظرة جامدة خالية من العطف وهو يرد:

-ده لمصلحتها يا "علا"، الناس اللي واقعة معاهم تُقال أوي، وممكن يضيعوها، واللي أنا عملته ده هيخدمها بعدين.

رددت والتأثر ظاهر في نبرتها:

-بس هي صعبانة عليا أوي.

انتصب في جلسته يقول لها:

-للأسف احنا في غابة، والضعيف مالوش مكان فيها، وصاحبتك بعنادها حطت نفسها في عرين الأسد

سألته في قلقٍ:

-طيب هيحصل إيه بعد كده؟

أجابها برويةٍ، مؤكدًا لها أن الأمر مخطط له:

-هنحاول نخليها تتنازل، أنا متفق مع "وجدي" على ده، والصراحة هو عامل اللي عليه وزيادة عشان الموضوع ميوصلش للنيابة.

تمتمت في رجاءٍ وهي تستند بطرف ذقنها على كف يدها:

-ربنا معاها

حذرها "ماهر" بوجهٍ صارمٍ للغاية ونبرة غير قابلة للنقاش:

-إنتي خليكي متابعة معاها على الخط كل حاجة بتعملها، لوو جد أي جديد عرفيني، مفهوم؟

أومأت برأسها متنهدة في خنوعٍ:

-حاضر.

.................................................. .....................

وقف مستندًا بكفيه على حائط الحمام المبتل في منزله تاركًا المياه المتدفقة تنهال على رأسه بقوتها علها تسكت تلك الأصوات الصاخبة في عقله، والتي أصابته بالتخبط والارتباك، تردد مريب جعله يعاود التفكير في أمرها بالرغم من مرور يومين على تحرير المحاضر بينهما، أغمض "تميم" عينيه مستعيدًا المشاهد الشائكة التي حدثت له معها مؤخرًا، وكان هو طرفًا محوريًا فيها، بدا كمن يحلل الأحداث وينقيها محاولاً استنباط الحقيقة بشفافية بعيدًا عن تحيزه الذكوري الأعمى وهواجسه الخاطئة، ربما لكون حديث والده وما تردد من فمها خلال نوبة غضبها قد أوقظ إدراكه العقلاني، بالإضافة لرؤيته للأضرار الجسيمة التي قضت على العربة، فبدت بدنًا مهترئًا لا يصلح لشيء، تساءل مع نفسه بعشرات الأسئلة التي أرهقت عقله كثيرًا لإيجاد الإجابات عليها ..

ماذا لو تبدلت الأدوار وكان هو في محلها وعبث أحدهم بلقمة عيشه؟ بالطبع لم يكن ليتهاون في حقه! بل ومن الممكن أن يطيح برأس أحدهم انتقامًا منه .. تلقائيًا وجد نفسه يُوجد لها الأعذار المنطقية مبررًا تصرفها معه بعدائيةٍ بحتة، كذلك وصل إلى نتيجة مقنعة جعلته يميل لدافعها المفهوم بالتعامل معه بكل ذلك الحنق المشحون؛ قهرها على ضياع مصدر رزقها، لعلها تكون هي المعيلة الوحيدة لأسرتها، ومحدودية تفكيره جعلته يُدينها دون تهمة حقيقة. ردد مع نفسه بصوتٍ خفيض وهو يستدير بجسده:

-ما يمكن أكون غلطان!

لم ينكر أنه خلال ممارسته لطقوس الحب الحميمية مع زوجته كانت "فيروزة" ضيفة مميزة في مخيلته، لوهلة ارتبك من اقتحامها لذهنه وحاول مقاومة صورتها الخيالية ليركز انتباهه مع تلك التي تمنحه حبها غير المشروط، تعامل بشكل غير اعتيادي مع زوجته ليتغلب على تلك المتطفلة، لكنها اخترقت أحلامه الجريئة وطغت عليها بحضورها المثير لحواسه لدرجة جعلته يرغب في مطارحتها الغرام، نهض من النوم مذعورًا قبل شروق الشمس وهو يلهث وقد فزع من جموح أحلامه، تطلع إلى "خلود" بنظرات غريبة، ما لبث أن تحولت للندم بعد أن تبين ملامحها على أثر الضوء الخافت، وكأنه اقترف ذنبًا في حقها باستدعائها إلى منطقته المحرمة، نفض تدفق تلك الأفكار عن رأسه منذرًا نفسه بعواقب التمادي في تخيلها بتلك الطريقة، أكمل استحمامه محاولاً الاسترخاء غير عابئ بالوقت الذي قضاه في الحمام ..

حملق أمامه بعينين متسعتين وكأن طيف وجهها المحتقن شبه متجسد على المرآة المشبعة ببخار الماء يلومه على إحراق عربتها، أحاسيس غريبة بدأت تراوده من جديد نحوها خلال يقظته، لكنها لا تضم مشاعر الغضب من عدوانيتها، إلى حد ما مال للتعاطف معها بعد أن تفهم موقفها وأدركه من أبعاد أخرى لم يكن قد فكر فيها من قبل، شعر وكأن الوحشة التي عششت في قلبه بسبب تأثير الحبس عليه قد تضآلت قليلاً، لكن ما انتاب جسده من تأثيراتٍ حسية لمجرد احتلالها لذهنه أصابه بالتوتر، توقف فجأة عن التفكير في أمرها وتلك الدقات الخفيفة تطرق على الباب يصحبها صوت "خلود" المنادي:

-عمي "بدير" بيتصل عليك.

رد متصنعًا الجدية وهو يكبح هواجسه:

-طيب، أنا هاخرج وأكلمه، تسلمي .. يا حبيبتي.

غسل رأسه ودعكها بخشونة وهو يلوم نفسه بشدة على ضعفه غير المسبوق أمام تلك الخيالات المثيرة للشهوات، كيف يعقل ذلك وهو من يصنع إرادته بنفسه؟ كز على أسنانه يعنف نفسه بنبرة لا تتخطى الهمس:

-إنت اتجننت ولا إيه؟ فوق يا "تميم"!! مراتك ما تستهلش ده منك!

عاهد نفسه ألا يخطو مجددًا نحو تلك المنطقة المحرمة بالتفكير فيها، بل وعقد العزم على إنهاء تشاحنهما القانوني بحلٍ سريع وودي ليقطع سبل التواصل معها، غمره الارتياح بالوصول لذلك القرار.

.................................................. ............

اعتقدت بسجيتها أن الأمور تسير على ما يرام إلى أن جاءت إليها في زيارة استثنائية وغير عادية، فتحت "آمنة" باب منزلها لتتفاجأ بآخر من توقعت رؤيته، رمشت بعينيها في ذهول وتطلعت للضيفة بفمٍ مفتوح، لعقت شفتيها راسمة على وجهها ابتسامة باهتة قبل أن تبادر مرحبة بصوتٍ عبر عن اهتزاز نبرتها:

-حاجة "ونيسة"، يا أهلاً وسهــ....

لم تكمل جملتها للنهاية، حيث قاطعتها "ونيسة" تعاتبها بصوتٍ متجهمٍ، ووجه عابس للغاية:

-مكنش العشم يا "آمنة".

ازدردت ريقها في حلقها الجاف، حاولت أن تحافظ على ابتسامتها المبتورة، وقالت:

-اتفضلي يا حاجة، مايصحش نتكلم على الباب.

دفعتها بغلظة من كتفها لتمرق للداخل، ثم استدارت لتهاجمها كلاميًا:

-وهو إنتي تعرفي اللي يصح واللي مايصحش؟

ردت "آمنة" على الفور مدافعة عن نفسها حتى لا تسيء الظن بها:

-من قبل ما تتكلمي وتعاتبيني، أنا أقسم بالله ما كنت أعرف أي حاجة.

نظرت لها باحتقارٍ، وكأنها غير مقتنعة بكذبتها الساذجة، ثم سألتها مباشرة:

-ولما عرفتي، اتصرفتي إزاي؟

نكست رأسها تجيبها بلبكة بائنة:

-أنا كلمت بنتي، و.. وضاغطة عليها عشان.. تتنازل عن المحضر

ركزت نظراتها عليها وهي تسألها:

-وبعدين..؟

بلعت ريقها في حلقها الجاف وردت بتلعثمٍ:

-هي.. يعني.. آ..

كانت تبحث عن الكلمات المناسبة لتسعفها قبل أن تتفوه بما قد يأزم الأمور ويعقدها، لكن "ونيسة" استطردت موضحة دون مراوغة:

-راكبة دماغها، عاوزة تقولي كده، مظبوط؟

نفت في التو:

-لالالا يا حاجة "ونيسة"، بس الموضوع فيه سوء فهم.

رفعت سبابتها أمام وجهها تحذرها بلهجة قوية وقد توحشت نظراتها:

-شوفي يا "آمنة"، هي كلمة من الآخر...

انتبهت حواسها لما هو قادم، وتابعتها بآذان صاغيها حينما أكملت:

-بنتك لو أذت ابني فأنا هانسى الجيرة اللي كانت بينا في يوم، ومش هاعمل حساب لحاجة، سمعاني؟

أحست بدوار قاسٍ يضرب رأسها، حاولت التماسك أمامها حتى لا تُظهر ضعفها، لكن ملامحها الباهتة أكدت خوفها، واصلت "ونيسة" تهديدها العلني قائلة:

-قدامك يومين تحلي فيهم كل المشاكل، وقد أعذر من أنذر!!

رمقتها بنظرة متعالية متأففة قبل أن توليها ظهرها لتتجه نحو المنزل وهي تغمغم بحنقٍ:

-ومافيش سلامو عليكم.

بحثت "آمنة" عن أقرب مقعدٍ لتستند عليه بيدها قبل أن يختل توازنها، زاغت نظراتها وأحست بعنف دقات قلبها، اضطربت أنفاسها وهي تولول تحسرًا:

-يا دي المصايب اللي نازلة ترف على دماغي من الصبح!

تشوش ذهنها واحتلت الهواجس المذعورة رأسها، تخيلت المخاطر تحيق بكل فرد من أسرتها دون وجود مدافع عنهم، فزعت أكثر، وما ضاعف من ذلك ارتعابها من ردة فعل شقيقها إن علم بما دار خلال غيابه، ارتعش بدنها، وهمست في هلعٍ:

-ناوية تخسريني مين تاني بعد كده يا "فيروزة"؟!

.................................................. ................

مرت الساعات كأنها أدهر عليها وهي تلملم ما ظنت أنه حلمها، أخلت "فيروزة" الغرفة التي أعدتها مخزنًا من كل ما تحتويه من أشياء ووضعتهم بالباحة الخلفية تمهيدًا لبيعهم، فوجودهم بها ليس له جدوى، تأزم الموقف حقًا بعد جدالها العقيم مع والدتها التي سعت لإجبارها على التنازل عن حقها القانوني إرضاءً لجارتها القديمة دون أن تأبه بمشاعرها المقهورة، رفضت بشدة وتمسكت بقوة بآخر حقوقها المشروعة، وبفتورٍ وحزن أخرجت آخر صندوقٍ كان موضوعًا بالزاوية، حملته بيديها وسارت نحو الكومة الملقاة لتضمه إليها، رأت "همسة" الدمعات النافرة من عينيها، دنت منها وهي تقاوم رغبتها في مشاطرتها البكاء، ثم ربتت على كتفها محاولة تهوين الأمر عليها قبل أن تستطرد مواسية إياها:

-متعيطيش يا "فيروزة"، قلبي بيتقطع عشانك.

نظرت نحوها بأسى، وقالت بصوتها المنتحب الذي يعبر عن ألمها وهي تلقي بالملاءة القماشية على الكومة لتغطيها:

-حلمي ضاع يا "همسة"، كل اللي حلمت بيه راح، ومحدش حاسس بالوجع اللي جوايا.

تماسكت أختها بصعوبة أمامها، وردت بغصة مريرة عالقة في حلقها:

-كله هيتعوض، و...

كانت بلا وعيٍ فلم تصغِ لحديث "همسة" الآسف، زادت نهنهاتها وهي تواصل ندبها المتحسر:

-ومطلوب مني بعد ده كله أتنازل عن حقي، وأسيب اللي عمل كده من غير حساب؟ ده يرضي مين بس؟

فشلت "همسة" في مغالبة دموعها المتأثرة، ورددت عفويًا:

-حبيبتي..

ثم مدت يدها لتأخذها في أحضانها من تلقاء نفسها، وضمتها إليها محاولة تهوين الأمر عليها ليس بكلماتٍ لا تسمن ولا تغني من جوع وإنما بمشاعرها الصادقة، فهي ما تملكه حاليًا لتخفف من مصابها، لم تتمكن كلتاهما من الحصول على لحظة سكينة هانئة، فقد أتت من تكدر الصفو وتعكر السلام الداخلي، صاحت "حمدية" مهللة وهي تتبختر في خطواتها متجهة نحوهما:

-هو في إيه اللي بيحصل هنا؟

كزت "فيروزة" على أسنانها في حنقٍ قبل أن تميل نحو أختها لتقول لها بصوتٍ خفيض:

-أنا مش نقصاها السعادي

اندفعت بعصبيةٍ مبتعدة عنها حتى لا تمنحها الفرصة للتشاجر معها، لكن كان كتفها الأسبق في لكزها بعنف محسوس، نظرت لها "حمدية" بتعالٍ وغيظ، ثم عادت لتحملق في أختها، مصمصت شفتيها متسائلة:

-مالها دي؟ لاوية بوزها علينا كده ليه؟

أجابتها "همسة" على امتعاضٍ وهي تمسح بيدها آثار دموعها:

-معلش يا مرات خالي، ظروف بقى.

ردت ساخرة وهي تومئ بحاجبها:

-إيه نسيتوا الزيت على النار، وانشغلتوا بالهئ والمئ فالأكل باظ؟

عبست بتعبيراتها في استنكارٍ من سماجتها الثقيلة، همت بالانصراف، وقالت لها:

-لأ يا مرات خالي، عن إذنك

غمغمت بنبرة ناقمة:

-غوري، جاتك ضربة إنتي التانية!

ألقت "حمدية" بحقيبة يدها على كتفها، واستدارت عائدة من حيث أتت، توقفت عند المدخل لتأمر زوجها ببرودٍ:

-طلع الشنط إنت يا "خليل" لأحسن مش قادرة، وبالمرة هافوت على أختك أسلم عليها، وأشوف طابخة إيه، جايز أريحك من أكل برا النهاردة!

نظر لها شزرًا وهو يتناول باقي الأجرة من السائق قبل أن يرد بوجهٍ متجهم:

-يكون أحسن بردك.

كان "خليل" مجهدًا للحد الذي يمنعه من الانتباه إلى ثرثرتها المزعجة أو حتى الاعتراض على أوامرها المملة، انحنى ليرفع الحقائب عن الأرضية مكملاً السير بتريثٍ وهو يعيد ترتيب ما سيفعله لاحقًا في رأسه؛ فأيامه القادمة مشحونة بالكثير من الأعمال الهامة.

.................................................. ................

ثينت ساقها اليسرى ووضعتها فوق اليمني لتجلس القرفصاء على الأريكة، وباستخدام أصابعها قامت "حمدية" بفرك وتدليك قدميها المتورمتين، أصدرت أنينًا عاليًا من جوفها ونظراتها تجول على وجه "آمنة" الشــارد، تفحصتها بعينين فضوليتين، كانت تعلم أن الأخيرة بها خطب ما، فجلوسها صامتة بتلك الملامح الواجمة يؤكد لها إحساسها، مهدت للحديث معها قائلة بنبرة تعمدت أن تظهر فيها تعبها:

-أما كانوا يومين ما يعلم بيهم إلا ربنا، الواحد قال يروح البلد يشم نفسه شوية يبص يلاقي النكد في ديله.

اكتفت بهز رأسها كتعبيرٍ عن استماعها لها، بينما تابعت "حمدية" مسترسلة بأسلوب يشدها للحوار وتلك النظرات اللئيمة تكسو حدقتاها:

-عارفة يا "آمنة" الولية اللي اسمها "حنان" مرات "رياض خورشيد" اللي كان مات من قريب.

ضاقت عيناها متسائلة باهتمامٍ:

-أه، مالها؟

التوى ثغرها بابتسامة ماكرة لنجاحها في الاستحواذ على انتباهها، اختفت تلك البسمة سريعًا ليحل الحزن المصطنع على تعابيرها قبل أن تقول موجزة:

-ماتت.

لطمت "آمنة" على صدرها مرددة في صدمة مفجوعة:

-يا ساتر يا رب، امتى ده حصل؟

زمت شفتيها تجاوبها:

-اليومين اللي فاتوا، راحت تزور باين قرايب جوزها، وماتت عندهم.

قالت في أسفٍ:

-إنا لله وإنا إليه راجعون.

أضافت بنبرة خالية من أي تعاطف:

-ولسه مش عارفين هايعملوا إيه مع بنتها، ما إنتي عارفة سلو بلدنا في الحاجات دي

ردت عليها بتنهيدة حزينة:

-ربنا يتولاها

وبخبثٍ مكشوف سألتها مباشرة:

-مقولتليش صحيح، إيه اللي حاصل مع بناتك؟

لم تكن "آمنة" في مزاج رائق يسمح لها بالفضفضة العفوية معها، كانت تخشى من البوح معها بما آلم بعائلتها في الأيام الماضية فتستغل الموقف كعادتها وتزيد من تعقيد الأمور، لذا تهربت من الإجابة عليها، وقالت وهي تنهض من على الأريكة لتسير بتؤدة نحو المطبخ:

-زمانت الأكل سخن، هاطفي النار عليه

نظرت لها "حمدية" في غيظٍ مكبوت، وما إن اختفت عن عينيها حتى غمغمت مع نفسها بتبرمٍ:

-بتتلاوعي عليا يا "آمنة"؟! مسيري هاعرف، ده مافيش حاجة بتستخبى عليا!

.................................................. ..................

انتهى من تدخين سيجارته الرابعة أو الخامسة، لم يعر الأمر أي اهتمامٍ زائد، فكامل تركيزه كان منصبًا على أمر آخر، ولكنها كانت وسيلته المؤقتة للتنفيس عن التوتر الغريب الذي اعتراه. راقب "تميم" الطريق بعينين حادتين ممعنًا النظر في الأوجه التي تمر أمامه، حيث انتقى تلك البقعة تحديدًا لتمكنه من رؤيتها حينما تعرج من أي اتجاه، تفحص جيبه الممتلئ بلزمة لا إرادية كل بضعة دقائق، انتصب جسده واشتد كتفاه حين أبصرها قادمة من على بعدٍ، ألقى بسيجارته ودعس طرفها بقدمه ليطفئها، ثم تأهب في وقفته. تنحنح "تميم" بخشونة طفيفة ليزيح تلك الحشرجة التي تغلف أحباله الصوتية، وبدا إلى حد ما مستعدًا لمواجهته مجددًا معها.

لم تكن "فيروزة" منتبهة لذاك الظل الواقف على مقربة من منزلها وفي تلك البقعة المعتمة، كانت مستغرقة في أفكارها المهمومة محاولة توفيق أوضاعها وفق ما توفر معها من ماديات بعد بيع كل ما يخص عربة الطعام من أدوات ومستلزمات الطهي، تسمرت في مكانها مذعورة حين أقبل عليها أحدهم بهامته الطويلة، في البداية لم تتبين ملامحه، ودق قلبها بخوفٍ طبيعي، وما إن انعكس الضوء الباهت على قسماته حتى اتضحت قسماته المألوفة؛ إنه ذاك الوغد الذي أفسد عليها حياتها! حقًا كان بارعًا في إفزاعها بخروجه المفاجئ من الظلام ليغدو في لحظة أمامها، تداركت خوفها الغريزي وتطلعت إليه بنظرات حانقة قبل أن تصيح فيه بقوةٍ مهاجمة إياه:

-إنت بتراقبني؟

نظر لها بجمودٍ تاركًا لها الفرصة لتفرغ ما في جعبتها من كلماتٍ ناقمة، وكذلك ليتمكن من ضبط تلك المشاعر الحسية التي هاجمته بشكلٍ غير متوقع، واصلت "فيروزة" صياحها الغاضب فقالت:

-فكرك أسلوب المجرمين ده هيخوفني؟ يبقى إنت متعرفنيش كويس، أنا ورايا ناس ...

رفع "تميم" كفه أمام وجهها ليخرسها بصيغة شبه آمرة:

-ابلعي ريقك شوية، أنا جاي في كلمتين وماشي

ردت معترضة بشراسةٍ على أسلوبه الفظ معها:

-مش إنت اللي هاتقولي أتكلم امتى وأسكت امتى.

نفخ في استياءٍ فاستغلت الفرصة لتضيف بغضبٍ ظاهر على وجهها المتشنج:

-ومش هتنازل عن أي محضر مهما حصل!

كانت نظراته نحوها غامضة ممتزجة بالقسوة، وبكل ترفعٍ علق عليها:

-محدش قالك اتنازلي.. مش المحضر بتاعك ده اللي هايفرق معايا.

اغتاظت من ازدرائه الملموس في طريقة تحدثه معها، وقبل أن تبادر بالكلام مجددًا هتف بهدوءٍ:

-أنا جاي في حاجة تانية خالص.

تبدلت تعبيراتها للاندهاش، ورفعت حاجبها للأعلى متسائلة بنفس النبرة المتعصبة:

-خير؟

لا يعرف لماذا ظلت عيناه مشدودة لوجهها المليء بأمارات الغضب، وكأنه يدرسه، يتمحصه، يفحص كل ذرة فيه على حدا، بات من العسير عليه أن يكبح تلك التأثيرات الحسية التي تجتاحه على نحوٍ مقلق وغير اعتيادي. تنفس بعمقٍ ليكبت ما يعتريه ويوؤده في مهده، ثم استطرد موضحًا بنبرة باردة وكأن أمرها لا يعنيه حقًا:

-أنا جاي أعوضك عن اللي حصل لعربيتك.

رددت في اندهاشٍ مذهول من عرضه المفاجئ وقد تعقد جبينها:

-تعوضني؟

أخرج "تميم" من جيب سترته المغلف الأصفر المطوي إلى نصفين، ومد به يده نحوها قائلاً:

-اتفضلي.

تجمدت يداها ولم تحركهما قيد أنملة، وكأن جسدها بالكامل قد تحول لتمثال حي، نظرت له بعينين غاضبتين متسائلة بوجهها المقلوب:

-إيه ده؟

لوح بالمغلف وهو يجيبها في بساطةٍ:

-فلوس، بدل عربيتك المحروقة.

ابتسمت في تهكمٍ غير مصدقة عرضه الذي بدا من وجهة نظرها سخيفًا ولا معنى له سوى إذلالها بشكلٍ متعمد، رفعت رأسها للأعلى في كبرياءٍ، ثم سألته بما يشبه السخرية:

-مش سيادتك أنكرت إن ليك صلة بالموضوع من الأساس، جاي تدفعلي تعويض ليه بقى؟!

ارتبك لوهلةٍ لسؤالها الصريح، ومع ذلك حافظ على ثبات نبرته وهدوئها وهو يبرر لها:

-لأني مرضاش بخراب البيوت لحد.

التوت شفتاها في ابتسامةٍ مستهجنة، ثم علقت بنبرتها الساخرة وهي تطالعه بنظراتٍ احتقارية واضحة:

-عاوز تقولي إنك يا حرام قلبك رق وصعبت عليك بعد اللي حصل فقولت أطلع قرشين للغلبانة دي أتعطف بيهم عليها، وأهي تبقى بجميلة وأعرف أكسر عينها كويس!!!

صدمته واقعيتها وأفسدت مخططاته العادية بتزمتها الحاد، كان يعتصر عقله ليجد الكلمات المناسبة التي يعلل بها تصرفه، فهي تركيبة نسائية عجيبة لم يقابلها في حياته من قبل، أخرجته من صمته حين هتفت بنبرة اكتسبت قساوة أكبر:

-شكرًا يا حضرت، أنا ما بأقبلش العوض ولا الإحسان من حد..

-بس أنا قصدي..

قاطعته بغصة شعرت بألمها في حلقها:

-محصلتش إني أشحت على نفسي!

دافعت بعزة نفس عن كبريائها الذي جرحه بعرضه السخي، تفهم موقفها ولم يعلق بشيء، لكنها أفسدت احترامه لموقفها بقول:

-خلي فلوسك في جيبك، وابقى ادفعهم للمحامي عشان يطلعك من السجن.

احتقنت نظراته من بشاعة لسانها السليط، لم يكن قد تجاوز بعد عن صفعتها، وحاول تخطيها مرغمًا لينسى كل ما يخصها بإنهاء المسائل العالقة بينهما، لكنها تعيده إلى ذروة الخلاف بحماقتها وتهورها، استطاعت برعونتها أن تستثير حميته فعنفها بحدةٍ وقد توحشت عيناه:

-الواحد غلطان إنه بيعمل معاكي أي واجب.

ردت ببرودٍ:

-مش عاوزة، خليهولك!

نظرة احتقارية له أطلت من عينيها جعلته يستشيط غضبًا، تركته يغلي في مكانه قبل أن يتحول لوحش كاسر ويهاجمها إما لفظيًا أو بدنيًا، فتجربتها السابقة معه توحي بذلك، خاصة مع عدم وجود من يدافع عنها إن تطلب الأمر تدخلاً سريعًا، بدأت "فيروزة" تسير مبتعدة عنه بخطا متعجلة غير مبالية بنظراته النارية المصوبة نحوها. كان "تميم" على وشك التحرك وهو بالكاد يكبح انفعالاته المستثارة، لكنه أدار رأسه في اتجاهها ليقول لها بنبرة عالية:

-عارفة، إنتي عاملة زي الطاووس بالظبط!

استوقفتها جملته الغريبة فالتفتت نحوه تسأله:

-نعم..

تابع موضحًا بما يشبه التهكم عليها:

-أيوه، إنتي مغرورة ومناخيرك لفوق، مالكيش كبير، ومابتسمعيش لحد، ولسانك سابق دماغك، وصدقيني ده هيضيعك.

تفاجأت من تحليله لشخصيتها بتلك الصورة التي تضعها في قالب ترفضه، تماسكت حتى لا تظهر تأثرها بوقاحته، ونظرت له بتعالٍ وهي تعقب عليه:

-طب يا ريت تخلي نصايحك لنفسك، هتنفعك أكتر مني.

لاح على زاوية فمه ابتسامة ساخرة منها مما استفزها، فاندفعت قائلة بنزقٍ:

-أه، وبالمرة قول للست الوالدة ماتتعبش نفسها وتيجي تهددنا تاني، أنا هاخد حقي منك وبالقانون!

بدا تأثير المفاجأة بائنًا على تعبيراته التي تحولت للوجوم وهو يردد:

-إيه الكلام ده؟

شعرت "فيروزة" أنها كسبت تلك الجولة لصالحها، فارتخت قسماتها وانعكس عليها القليل من الزهو، ثم قالت ساخرة وتلك النظرة المنتصرة تتراقص في حدقتيها:

-مش معقول متعرفش بده، غريبة!

اشتد في وقفته، ودنا منها خطوتين ليسألها بصوتٍ قاسٍ:

-فهميني هنا، معناه إيه كلامك البايخ ده!

حذرته بتهديدٍ صريح وهي تتراجع للخلف:

-عندك! متقربش مني وإلا هاعملك محضر تحرش وبدل السنة هتبقى عشرة!

نظر لها بعينين مغلولتين مستنكرًا بجاحتها، أهذا جزاء معروفه معها؟ ردد لنفسه في ضيقٍ، بينما تابعت "فيروزة" بنبرة تهزأ به:

-وإنت ماشاء الله سوابق، وسمعتك سبقاك.

أوصلته بنزقها المستفز إلى درجة جعلت من الصعب عليه السيطرة على غضبته الوشيكة، غالب "تميم" ما يعتريه من مشاعر حانقة ومستثارة حتى لا يتصرف بطيشٍ .. وبصوتٍ أجش رن صداه في أذنيها بقوةٍ قال لها متعهدًا:

-بكرة السوابق ده هيكسر مناخيرك ويجيبها الأرض .................................... !!!

.................................................. ................








منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 10:27 PM   #22

homsaelsawy

? العضوٌ??? » 462680
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 183
?  نُقآطِيْ » homsaelsawy is on a distinguished road
افتراضي

بالتوفيق دوما يا استاذة

homsaelsawy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 10:30 PM   #23

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي الفصل الثامن عشر



الفصل الثامن عشر



حالة من الحنق، الغيظ، السخط سيطرت على كامل جوارحه واختلطت بغضبه المكتوم لتتشعب في كل ذرة من جسده بعدما أخبرته "فيروزة" بشأن زيارة والدته غير المستساغة لها، لم يحبذ مطلقًا أن يوضع في ذلك الموقف الحرج، وبجهد مضاعف ضبط انفعالاته ليبتعد عن المكان قبل أن يرتكب ما قد يندم عليه لاحقًا بسبب نجاحها في استفزازه بتسلطها الحاد. كور "تميم" قبضة يده ضاغطًا على أصابعه بقساوةٍ، ســار بمحاذاة الكورنيش لوقت طويل حتى تخبو تلك النيران المستعرة بداخله فلا يعود لمنزله وهو على وضعه الحالي، استياء عظيم شعر به لفشله في تحقيق ما كان يصبو إليه، قادته قدماه خلال طريق عودته إلى العربة المحترقة، تجمد أمامها وحملق فيها طويلاً بعقلٍ شبه شــارد، ورويدًا رويدًا بدأت ثورته المتأججة نحوها تخبو لتتحول نحو رفيقه الذي أحدث تلك الكارثة، بدا كمن أصابه البرق فانتصب في وقفته وغير مساره ليتجه نحو منزل "ناجي"، توقع مكوثه بالسطح ليلهو كعادته كل مساء، صعد الدرجات سريعًا، وقف عند أعتاب مدخله وألقى نظرة شاملة على من فيه، وكما صدق حدسه، فقد كان متواجدًا بصحبة "حمص"، و"شيكاغو"، صاح عاليًا لينتبه ثلاثتهم لوجوده:

-سلامو عليكم

على الفور نهض "ناجي" من جلسته المسترخية مهرولاً نحوه وهو يرحب به:

-أهلاً بكبير منطقتنا، نورت المكان كله.

مد يده لمصافحته، وجذبه الأخير نحوه ليحتضنه، ثم دعاه للجلوس قائلاً:

-تعالى، ده الأعدة الحلوة لسه هتبتدي.

نظر له بعينين غائمتين ووجه عابس، لم يكن راغبًا في السهر أو المكوث معه، فمجيئه فقط كان من أجل مهمة محددة، لذا سار بتثاقلٍ نحو الوسائد المحشوة التي تفترش السجاجيد بزاوية السطح، رحب به التابعان بودٍ زائد، اكتفى بالابتسام المتحفظ لهما، صاح "شيكاغو" عن ثقة وتلك البسمة اللزجة تعلو ثغره:

-اطمن يا معلم، الحكاية عندنا..

وأضاف عليه "حمص" متخذًا موضعه في الحوار:

-وزي ما ورطناك هنحلها بطريقتنا.

التفت نحوه يطالعه بنظرات قاسية رافضًا الغموض الذي يغلف كلماته، وهتف ينذره بخشونةٍ:

-طريقتكم!! أنا مش عاوز شغل عوأ وبلطجة تاني مع الحريم!

أجابه "حمص" نافيًا:

-لأ يا كبير، دي حاجة في السليم، ومضمونة.

اقترب منه "شيكاغو" ليقول بخبثٍ من بين أسنانه المتسخة:

-وبعدين ده احنا تحت طوعك يا معلم "تميم"، ومطرح ما تودينا نروح واحنا مغمضين.

هز "حمص" رأسه مؤكدًا هو الآخر:

-أيوه، رقبتنا فداك يا كبير.

نظر لهما بعدم ارتياح، وشدد من جديد بلهجته الجادة:

-ماشي، بس أديني قولتلكم أهو، عشان محدش يلومني لما اتصرف بعد كده.

قال له "شيكاغو" دون تفكير:

-فداك يا كبير.

قبض "ناجي" على ذراع "شيكاغو" وسحبه منه لينزوي به بعيدًا عن عيني "تميم" المراقبة له، وبنبرة أقرب للخفوت سأله:

-عرفت هتعمل إيه؟

جاوبه بصوته الخفيض دون أن تفتر ابتسامته السخيفة:

-أيوه، كله زي ما فهمتنا يا ريس "ناجي".

ارتخت أساريره المشدودة، وقال له:

-طيب، عاوز البشارة تجيلي قريب.

رد يطمئنه عن ثقة واضحة:

-قريب هاتسمع اللي يفرحك، بس ماتنسناش في عرقنا.

علق في سخطٍ:

-أما تتنيل تحلها تبقى تتكلم، بلاش تقاطع يا فقري

قال بتملقٍ، وكأنه بذلك يكسب وده:

-ولو ببلاش يا معلم، مايهمكش، اعتبرها عربون محبة وتصالح

هز رأسه في استحسانٍ، ثم اختطف النظرات نحو "تميم" الذي تمركز جالسًا على الوسائد، تنحنح بصوته الخفيض وأشار بعينيه لـ "شيكاغو" ليبتعد عنه، أحضر نارجيلته ودنا منه وهو يحملها، افتعل الضحك ملقيًا دعابة خارجة، لكن لم يضحك رفيقه، بل بدا أكثر وجومًا، وسأله مباشرةً ليشعره بأنه يراقبه عن كثب:

-مقولتليش هتعمل إيه ؟

تلجلج قليلاً وهو يجيبه:

-كل خير يا صاحبي، اطمن..

حذره بجديةٍ واضحة:

-يا ريت ماتكونش مصيبة جديدة تحط على دماغي!

هتف نافيًا ليبدد شكوكه:

-لأ، دي حاجة مضمونة يا "تميم"، متقلقش!

وبالرغم من كلماته الباعثة على الاطمئنان إلا أنه لم يشعر بذلك الإحساس الذي يسعى رفيقه بكل جهده لبثه فيه، بل انتابه هاجسًا مزعجًا أن الأمور تتجه للتعقيد أكثر، وربما للأسوأ، خاصة بعد مواجهته الأخيرة مع صاحبة الرأس العنيد؛ "فيروزة".

.................................................

كارثة بكافة المقاييس حلت على رأسها، وبالكاد ستقضي على سند عائلتها إن لم تتنازل عن عجرفتها وكبريائها الذي تعتد به لأجل فلذة كبدها، انخلع قلبها خوفًا عليه، وتهدجت أنفاسها فور معرفتها بما آلم به من مصيبة لن يخرج منها بسهولة، استطاعت بصعوبة أن تتمالك نفسها لترتدي ثيابها وتفكر بذهنٍ غير مشوش حتى تصل لحل ينقذه مما بات فيه، هرولت "بثينة" نحو منزل شقيقتها لتستنجد بها بعد أن هاتفها ابنها ليخبرها بإلقاء القبض عليه بالقسم الشرطي في تهمة لم يفصح لها بعد عن فحواها، استقبلتها "ونيسة" بترحابها المعتاد متجاوزة عن أي خلاف حدث من قبل، وتفاجأت بها تبكي بحرقةٍ وهي ترجوها أن تتدخل لإنقاذ ابنها، لم يكن أمامها سوى اللجوء لزوجها ليساعدها، تركتها تجلس بمفردها في الصالون بعد أن أعدت لها عصير الليمون لتشربه وتهدأ، سارت عبر الردهة لتدخل إلى غرفة النوم حيث يستلقي "بدير" في قيلولة قصيرة، توقفت في مكانها مترددة، لم تكن راغبة في إيقاظه خلال لحظاته المقدسة تلك، لكن لا مفر، استجمعت جأشها، وتقدمت نحوه، وبكل رفقٍ هزته من جانبه هامسة له:

-حاج "بدير"! إنت صاحي يا حاج؟

نظر لها الأخير بنصف عين، تقلب على جانبه، وبصوتٍ ثقيل نائم سألها:

-في إيه يا "ونيسة"؟

بصوتٍ متذبذب أجابته:

-معلش ممكن تفوقلي كده شوية، أنا عاوزاك في مسألة مهمة

انتفض في نومته يسألها والقلق قد غطى ملامحه من طريقة حديثها:

-"تميم" جراله حاجة؟ الدكان فيه مصيبة؟ البضاعة باظت؟

ردت بالنفي:

-لأ يا حاج، الشر برا وبعيد عننا، ابننا بخير، والدكان زي ما هو.

نظر لها بغضبٍ وهو يوبخها:

-أومال مصحياني ليه يا ولية السعادي؟

أجابته على استحياءٍ:

-أصل "بثينة" برا، وكانت آ.. عاوزاك.

تقلصت تعابيره واكتست بأمارات الانزعاج وهو يدمدم بتأفف:

-هي الحكاية فيها أختك، خير عاوزة إيه؟

اعتدل "بدير" في نومته، ونظراته المستاءة ما زالت تحتل وجهه، استقامت في وقفتها وردت:

-أصل الواد "هيثم" واقع في مشكلة، وآ....

قاطعها بتبرمٍ:

-يادي الزفت الحرامي ده اللي ما بيجيش من وراه أي خير!!

ربتت على كتفه تستعطفه:

-أنا عارفة يا حاج إن بلاويه كتير، بس إنت كبيرنا، وفي مقام أبوه، ولو موقفناش معاه الواد هيضيع.

علق في سخريةٍ، وقد تقوست زاوية فمه بابتسامة متهكمة:

-تقوليش هو ماشي عدل، ما هو ضايع خلقة!

حاولت استرقاق قلبه، فقالت له بلطفٍ:

-معلش يا حاج، مالوش غيرك بعد ربنا، وأمه مكسورة الجناح

هتف معترضًا على كلماتها الأخيرة:

-دي مكسورة الجناح؟ أختك ومن غير زعل كده يتفتلها بلاد، كتلة شر ماشية على الأرض.

ردت بانكسارٍ ملموسٍ في نبرتها:

-هي أختي بردك ومالهاش غيري.

أزاح "بدير" الغطاء عن جسده، وأخفض ساقيه ليهبط عن الفراش قائلاً لها:

-عشان خاطرك يا "ونيسة" هاروح أشوفها، مع إني كنت مقرر ما اتحشرلهاش في حاجة بعد اللي عمله ابنها.

سارت خلفه تثني على معروفه الكبير:

-ربنا يخليك لينا يا حاج، طول عمر قلبك طيب وبيسامح.

.................................................. ...............

أخفض "هيثم" رأسه في خزي أمامه بعد أن تدخل لإخراجه من محبسه ودفع تكاليف الإفراج عنه منهيًا الخلاف القانوني مع ذاك الشخص الذي اعتدى بالضرب عليه خلال نوبة غضب عمياء، تملكته عزة نفسه وأفرغ في الأخير ما يعتريه من مشاعر عدائية غير مكترثٍ بتبعات جنونه الجامح، لكن لحنكة المحامي البارع، وأساليبه الجيدة في الإقناع، انتهت الأمور على خير. تطلع إليه "بدير" بنظرات المتفحصة، بدا وجهه جادًا، متصلبًا، خاليًا من مظاهر التعاطف، وبصوته الأجش هتف قائلاً للمحامي:

-متشكرين يا أستاذ، مدوخينك معانا كل يوم

رد مجاملاً:

-ده شغلي يا حاج، وأنا تحت أمرك في أي حاجة

-تسلم

تنحنح مستأذنًا:

-طيب يا حاج "بدير"، هاروح أنا أشوف مصالحي، ولو في أي حاجة ضرورية كلمني

صافحه في ودٍ:

-ماشي يا سي الأستاذ، في رعاية الله

انتظره حتى اختفى من أمام أنظاره ليستدير في اتجاه "هيثم"، رمقه بنظرة احتقارية قبل أن يستطرد:

-أفتكر كده إني عملت معاك الواجب وزيادة.

رد عليه على مضضٍ:

-أيوه.

تابع مضيفًا بازدراءٍ محسوس في نبرته:

-حد غيري مكانش سأل فيك بعد قلة أدبك وسرقتك ليا..

برقت عينا "هيثم" من جملته تلك، لكن ما لبث أن غلف نبرة "بدير" قدرًا من العطف وهو يكمل:

-بس أمك مالهاش ذنب يتحرق قلبها عليك، ولا أنا كلامي غلط؟

اعتذر في ندمٍ لم يكن يبدو أنه حقيقي:

-غلطة يا جوز خالتي.

استهزأ به في تهكمٍ:

-أها، لأ وواضح إنك ماشي على الصراط.

لم يعلق عليه وضغط على شفتيه بامتعاضٍ بائن متحملاً سخافاته، بينما لانت نبرة "بدير" قليلاً حين قال له:

-أنا نفسي حالك يتصلح، وتبقى زي باقي الشباب بتراعي لقمة عيشك وبتحوشلك قرشين عشان تتجوز بيهم، ولا عاجبك التسيب اللي إنت فيه ده؟

أظهر اتفاقه معه وردد قائلاً:

-لا يا جوز خالتي، أنا عقلي مكانش فيا، بس إن شاءالله أتغير.

ابتسم في أمل:

-يا ريت.

اضطر "هيثم" أن يجاريه بحماسٍ مصطنع في آماله الواهمة ليغير من مسار حياته الطائشة طوال سيره معه فقط ليخدعه، ودون أن يظهر حقيقة أنه يضمر له كل شر وحقد.

.................................................. .............

مراقبة حثيثة، ونظرات متربصة قاما بها خلال الفترة الماضية ليرصدا كافة تحركاته، باتا يعرفان عنه ما يلزم للقيام بمهمتهما التالية، والتي خططا لها جيدًا حتى لا يقعا في الفخ .. كان الأمر بسيطًا بالنسبة لهما، هما اعتادا فعله في أول حياتهما الإجرامية؛ سرقة احترافية لأحد الموظفين ممن يخرجون من البنك حاملين لحقيبة جلدية متخمة بالنقود، وكان "خليل" ينتمي لذلك النوع الروتيني من الأشخاص مما سهل الأمر عليهما كثيرًا، وللمصادفة العجيبة كان اليوم هو الميعاد المخصص لمنح أجور العاملين، انتظراه على مقربة من البنك ريثما ينهي الإجراءات والمعاملات البنكية ليتبعا خطواته المحفوظة خلال انتقاله في السيارة التي تعود به إلى مقر عمله، وباتفاقٍ مسبق تم إبرامه مع السائق وزميله نظير مبلغ مادي معقول دخلت الخطة في حيز التنفيذ.

وقبل أن يصل "خليل" إلى وجهته، وعند ذلك المكان الخاوي المحفوف بالأشجار العالية، قطع "حمص" و"شيكاغو" الطريق عليه. أظهر السائق فزعه ليبدو مقنعًا، ونظر إلى الاثنين الملثمين اللذين يحملان أسلحة في يديهما بخوفٍ شديد. صــاح "حمص" عاليًا وهو يصوب سلاحه الناري نحو رأسه:

-اركن على جمبك وإلا هاطير نافوخك!

لم يكن أمام السائق سوى الانصياع له، ترجل من السيارة بعد أن صفها في تلك البقعة الخالية من المارة وهو يدعو الله ألا يزهق روحه، ضربه بشراسةٍ على مؤخرة عنقه لينكفئ على وجهه وهو فاقدٌ للوعي، في حين تحرك "شيكاغو" نحو الموظف الآخر الجالس ملتصقًا بـ "خليل" يصيح به:

-انزل.

رفع الأخير يديه في الهواء يرجوه في مذلةٍ:

-ماتموتنيش، أنا عندي عيال بأربيهم! خدوا فلوسي، ساعتي، موبايلي بس سبوني أعيش!

قال له "شيكاغو" بعينين تقدحان شرًا:

-أنا مش جايلك إنت..

وتركزت عيناه المخيفتان على وجه "خليل" الشاحب، بدت نبرته واضحة وأكثر إرعابًا وهو يضيف بكلماته الموحية:

-حوارنا كله مع الخال!

ثم غمز له بطرف عينه وهو يكمل:

-ولا إيه يا عم "خليل"؟ مش ده اتفاقنا؟

انقبض قلب "خليل" وهوى بين قدميه من شدة خوفه، لم يفهم ما يحدث حوله أو مقصده من تلك التلميحات الكارثية، لكنه شعر بدمائه تفر هلعًا من عروقه، بينما تطلع الموظف بغرابةٍ إلى زميله مبديًا استرابته في أمره، وكأن الشكوك تساوره حول كون تلك السرقة المدبرة، وقبل أن يستوضح الأمر ببديهية لتنطلي التمثلية أكثر قفز فزعًا في مكانه حينما صرخ به "شيكاغو" بصوته الآمر الذي زاد من رجفة القلوب:

-انزل وما ترغيش، وإلا إنت الجاني على روحك!

-حــ.. حاضر.

قالها الموظف وهو يمسك بيدٍ مرتجفة مقبض الباب لينزل من السيارة، أمسك به "خليل" ليجبره على البقاء معه وهو يهمس له بصوته المرتعب:

-ماتسبنيش، خليك معايا.

نفض قبضته المرتعشة عنه، وقال له غير مبالٍ بما سيحدث له:

-يا عم سيبني، الواحد روحه على كف عفريت!

ترجل من السيارة ووقف في الخلاء رافعًا ذراعيه للأعلى كتعبيرٍ عن استسلامه وخنوعه، اقترب من خلفه "حمص" وضربه بقوة على رأسه ليوقعه أرضًا، وانفرد كلاهما بـ "خليل" الذي تشبث بالحقيبة وضمها إلى صدره بالرغم من الارتعاشة القوية المسيطرة على بدنه. ثبت "شيكاغو" فوهة سلاحه أمام وجهه وهو يطل عليه من نافذة السيارة، وقال له بصيغة آمرة:

-سلمني الفلوس اللي معاك يا "خليل".

اندهش مجددًا من ترديده لاسمه وكأنه يألفه، نظر له في حيرة، ومع ذلك تعلق بالحقيبة أكثر وهتف يستعطفه بصوته المرتجف:

-دي مرتبات الموظفين، وهما.. ناس غلابة و...

قاطعه بصوته الخشن:

-ماليش فيه، هاخدها يعني هاخدها.

سلمها له طواعية حتى لا يخسر حياته وقد أدرك حجم الخطر الكامن فيه، ولكن تصلب جسده في مكانه مصدومًا وهو يقول له بغموضٍ أربكه:

-بس يكون في معلومك، إنت هاتشيل الليلة دي يا "خليل"!

بهتت ملامحه أكثر، وتلعثم متسائلاً:

-أنا ...؟

فسر له ببساطةٍ:

-هو إنت مادرتش إن اللي معاك هيشهدوا عليك إنك سرقت الفلوس وعملت الحوار ده كله عشان تطلع بالمصلحة دي

هدر نافيًا عنه تلك التهمة الباطلة:

-كدب، إنتو هجمتوا علينا و...

كركر "حمص" ضاحكًا قبل أن يقاطعه في انتشاءٍ:

-هتروح في داهية يا "خليل"، ومحدش هيصدقك.

تضاعف خوفه من تلك المصيبة المهلكة، استدارت رأسه في اتجاه "شيكاغو" الذي بادر موضحًا له مباشرة:

-وكله بسبب بنت أختك، شوفت بقى!

ردد مدهوشًا وقد برقت عيناه على الأخير:

-بنت أختي؟

قست تعابير "شيكاغو" حين أكمل له:

-ما هو اللي يعادي أسياده لازم يتجاب الأرض!

لعق شفتيه وحاول ابتلاع ريقه الجاف مغمغمًا:

-أنا.. مش فاهم حاجة.

ضربه "شيكاغو" بقساوة في جانب كتفه وهو يهينه:

-هتعمل فيها غبي بروح أمك!

تأوه "خليل" من الألم المباغت، وتحمله مرغمًا ليرد مدافعًا:

-أقسم بالله ما أعرف حاجة، عملت إيه بنت أختي؟

نظر له "شيكاغو" بشراسةٍ وهو يجيبه مهددًا:

-من الآخر كده يا "خليل"، وعشان نقطم الليلة دي، بنت أختك تتنازل عن المحاضر اللي عملاها في الريس "تميم"، وإلا هتخش إنت مكانه!

ارتعشت شفتاه وهو يرد:

-بنت.. أختي

قال "شيكاغو" في عدائية ساخرة:

-أيوه، بياعة الكبدة!

هتف "حمص" من الجانب الآخر للسيارة:

-والفلوس دي رهن، تنفذ كلامك هترجع وكأن مافيش حاجة حصلت.

استأنف "شيكاغو" تهديده العلني قائلاً:

-معاك لبكرة الصبح، وإلا زمايلك هيطلعوا على النيابة يشهدوا عليك، ما إنت اللي سرقت الفلوس، وده حوار فاكس معمول!

أيده "حمص" الرأي:

-بالظبط.

وجد "خليل" صعوبة في استيعاب الموقف والإمساك بأطراف خيوطه، هتف بتلعثمٍ عله يمنحه المزيد من التفسيرات:

-أنا... بس..

قاطعه "شيكاغو" بغلظةٍ شديدة:

-مات الكلام!

ثم ضربه بمؤخرة سلاحه بعنف في جيبنه ليفقده الوعي لتكن آخر ما تلتقطه أذناه قبل أن تغيب الصورة عن ذهنه:

-سلام يا خـــال!

.................................................. ....

في كل غيظ الدنيا وحنقها ســار "خليل" مترنحًا بعد أن استعاد وعيه يعبر الطرقات حتى عــاد إلى المنزل، نزع رابطة عنقه عنه وألقاها في الطريق، وفتح أزرار قميصه حتى انكشف صدره، لم يعبأ بالهواء البارد الذي يضربه، كان غضبه المستعر يحتاج لأطنانٍ من الثلوج ليخمده، ومع إن وطأ المدخل حتى اندفع كالثور الهائج يصعد الدرجات بسرعة، توقف أمام أعتاب المنزل، لم يمنح نفسه الفرصة لالتقاط الأنفاس، بل استند بكفيه على الباب يدق عليه بعنفٍ وهو يصرخ مناديًا:

-افتحي الباب يا "آمنة"! أنا عرفت كل حاجة!

كانت صرخاته متواصلة ومرعبة في نفس الآن، حملقت فيه أخته في ذهولٍ بعد أن فتحت له، سألته بتوجسٍ وقد رأت الحالة المزرية التي عليها:

-في إيه يا "خليل"؟ بتزعق ليه؟ ومالك مبهدل كده ليه؟

دفعها بخشونة من كتفها ليلج للداخل فكادت تُطرح أرضًا من دفعته المباغتة، حافظت على اتزانها، والتفتت نحوه تسأله:

-إيه اللي حصل بس؟

تجاهلها وجال بنظراته المكان باحثًا عن ابنتي أخته، لم يجدهما أمام أنظاره، فاستدار نحو "آمنة" يصيح بها:

-بناتك فين يا "آمنة"؟ مخبياهم عني فين؟

سددت له نظرة غريبة مستنكرة ما يتفوه به، ومع ذلك أجابته بتلقائية:

-بناتي جوا، هاخبيهم ليه؟

وقبل أن تتحرك لتعترض طريقه، هرول بكامل عصبيته في اتجاه غرفة الفتاتين، ودون استئذانٍ اقتحمها صارخًا وهو يسبهما:

-عملتوا محاضر في مين يا ولاد الكلب؟

انتفضت "فيروزة" فزعًا من على الفراش حينما رأت خالها أمامها وقد اتسعت عيناها مذهولة من هيئته المهتاجة، بينما انكمشت "همسة" على نفسها وتراجعت عفويًا للخلف لتحتمي من بطشه، استشاط "خليل" غضبًا وهتف يسألهما من جديد:

-انطقوا عملتوا إيه من ورايا؟

فطنت "فيروزة" لمقصده دون الحاجة لاستيضاح الأمور، وقبل أن تبرر له تصرفها القانوني، هتفت "آمنة" في لوعةٍ معتقدة أنها بذلك تخفف من وطأة الأمور:

-بالله عليك يا "خليل" ما تعمل فيهم حاجة، كانت ساعة شيطان، وكل حاجة هتتحل

التفت نحوها بوجهه الحانق والصدمة تكسو قسماته، نظر لها في حقدٍ قبل أن يلومها:

-يعني كنتي عارفة إنهم عاملين مصيبة وسكتي؟

أسهبت موضحة الحقيقة من تلقاء نفسها بصوتها المهتز وقد تملكها الخوف من عدائيته التي تلوح في الأفق:

-ما أنا اتكلمت مع "فيروزة"، وإن شاء الله هتسمع الكلام وتتنازل عن المحضر، هي بس كانت آ....

لم يمنحها الفرصة لتبرير تصرف ابنتها الجريء، بل هجم على "فيروزة" قابضًا على كومة من شعرها، لفه حول ذراعه قاصدًا اقتلاعه ليؤلمها أكثر، صرخت من الألم الشديد، وحاولت تخليص نفسها من قبضته، وقبل أن تتملص منه كانت صفعة مدوية تهبط على وجهها، شهقت "همسة" خوفًا، وعجزت عن الدفاع عن أختها، بينما اندفعت "آمنة" بجسدها البطيء تذود عن ابنتها بطش أخيها الأهوج وهي ترجوه باستماتة:

-سيبها يا "خليل"، البت هتموت في إيدك!

توسلته "همسة" ببكاءٍ يدمي القلوب:

-حرام عليك يا خالي، "فيروزة" معملتش حاجة، خلينا نفهم اللي حصل

هدر بها بجنون:

-لأ عملت، ومش عاوز أفهم حاجة، كفاية إني هاروح في داهية بسببها

تضاعفت شراسته، ودفع بيده الأخرى "آمنة" عن طريقه لتصبح "فيروزة" في قبضته، ونال وجهها منه لكمة مباشرة ومؤلمة تركت آثارها الملتهبة على بشرتها، صرخت "فيروزة" مدافعة عن حقها المشروع:

-إنت ظالمني يا خالي، هما ولعوا في عربيتي، وحقي أنا بأخده بالقانون.

صفعها بعنفٍ على نفس الوجنة المتألمة رافضًا الإصغاء لها، ليقول بعدها بصوته المهتاج:

-كسر حقك 100 مرة، إن شاءالله يولعوا فيكي حتى، ملكيش دعوة بيهم، أنا في الآخر اللي بأشيل بلاويكم

بدا المشهد مفزعًا، مؤلمًا، وقاصمًا للأظهر .. لم تتحمل "همسة" بشاعته وتحركت لتنجد أختها التي نال جسدها من الأذى المزيد من الركلات والضربات، حاوطتها بجسدها وتحملت طيشه الأهوج حتى تكورت إلى جانب "فيروزة" على الأرضية وهي تئن من الوجع الشديد، تخدل ذراعا "خليل" من عنفه المفرط مع الفتاتين. توقف عن اعتدائه القاسي ليلتقط أنفاسه، توحشت نظراته أكثر وهو ينظر إلى أخته يأمرها بلهجته النافذة وبأنفاسٍ متهدجة وسبابته تلوح في الهواء:

-بنت الكلب دي هاتقوم تلبس وتنزل معايا دلوقت تتنازل عن المحضر...

انحنت "آمنة" على ابنتيها تبكيهما في مرارة وقهر، كانت مكتوفة الأيدي، لا تملك من القوة ما تحميهما به، رفعت رأسها فجأة نحو "خليل" لتحدق فيه بارتعابٍ مميت وهو يكمل تهديده للنهاية:

-وإلا هادفنها حية، وما هتعرفيلهاش تُربة ....................................... !!

.................................................. ......................








منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 10:32 PM   #24

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل التاسع عشر - الجزء الأول



الفصل التاسع عشر (الجزء الأول)



ليلة مُوحشة مُؤلمة تحمل كل قساوة الحياة وأوجاعها مضت عليها وهي لم تنبس بكلمة واحدة بالرغم من توسلات والدتها وبكاء أختها، بدت فاقدة للنطق وإن لم تكن كذلك، فقد اختنق كل شيء في صدرها، خبأتها "آمنة" في أحضانها واحتوتها بين ذراعيها علها تكون الملاذ الآمن لها بعد أن فشلت فشلاً ذريعًا في درء عنف خالها عنها، مسدت على رأسها بحنانٍ كبير، وانحنت تقبل جبينها وهي تُحادثها بالكلمات المواسية التي لا تملك سواها، لكن جروحها أبت الاندمال، انسابت دمعات "فيروزة" في صمت، دمعات العاجز الفاقد لحقه في الاختيار، كانت مغيبة عمن حولها، تشرد بذهنها لتعيش تلك اللحظات العنيفة الصادمة، فتنتفض وهي تئن من الألم لتعاود أمها تهدئتها بقراءة القرآن تارة، وبالمسح على جسدها برفقٍ تارة أخرى حتى توقف عقلها عن التفكير وغابت عن الوعي من شدة إعيائها.

تركتها "آمنة" على الفراش وتفقدت ابنتها الأخرى، كانت مثلها تشكو أوجاعها، طيبت خاطرها، واتجهت إلى غرفتها تبكي بداخلها في تعاسةٍ واضحة، تكومت على نفسها على فراشها البارد تنوح وحدتها القاتلة بدون زوجٍ يحميها من قسوة الأقرباء قبل الغرباء، تجمعت هموم الدنيا في قلبها، وكادت تغفو من تعبها المضني، شهقة فزعة انطلقت من أعماق جوفها حينما سمعت الدقات الهادرة على الباب، عفويًا التفتت إلى المنبه الموضوع على الكومود، كان الوقت لا يزال مبكرًا، لكن جدسها ينبئها بكارثة قريبة. حركت بدنها المتعب من قلة النوم وإتلاف الأعصاب في اتجاه باب المنزل، وقلبها نظرت من العين السحرية فوجدت أخيها يصيح بها:

-افتحي يا "آمنة"

دب الرعب في قلبها، واهتزت كليا، لا إراديًا استدارت مستندة بظهرها على الباب، وفاردة لذراعيها على حافتيه، وكأنها بذلك تشكل حاجزًا بشريًا تمنعه من اقتحام المنزل، ثم صرخت بصوتها المبحوح:

-مش هافتحلك يا "خليل"، كفاية اللي عملته في بناتي.

صاح بها بعصبيةٍ ويده تضرب بقوةٍ على الباب:

-يوووه، أنا مش فاضي للهري ده، بأقولك مافيش وقت نضيعه، وأنا واقع في مصيبة بسبب عمايل بناتك، افتحي خلينا نخلص من الهم ده كله.

ردت عليه بارتعابٍ وقد زاد تمسكها بحافتي الباب الذي يهتز من خلفها:

-أفتحلك عشان تمد إيدك عليهم تاني؟

قال بنبرة عبرت عن ثقة واضحة:

-لأ يا "آمنة"، المحروسة بنتك زمانتها عقلت بعد الوش التاني اللي شافته مني.

هتفت معاندة بإصرارٍ رافض:

-لأ مش هافتح!

كالحرباء وقفت أعلى الدرج تتابع صياحهما بابتسامة متشفية، وكأن ما فعله زوجها بابنتي أخته قد أثلج صدرها وبرد نيران حنقها نحوهما، ارتدت "حمدية" قناع الضيق على وجهها، وهبطت الدرجات وهي تنادي عاليًا لينتبه لها:

-حاسب كده يا "خليل"، بلاش الافترى ده.

نظر لها بحدة من تصرفها غير المفهوم، لكنها غمزت له بعينها ليفطن أنها تشاركه تمثيلية ساذجة لتتمكن من إقناع أخته بالتخلي عن عنادها وفتح الباب، تنحنح "خليل" يوبخها بتجهمٍ زائف:

-ملكيش دعوة يا "حمدية"، أنا بأتكلم مع أختي.

ردت بصوت عمدت لرفع نبرته:

-هتكلمها وإنت متعصب كده؟ يبقى مافيش حاجة هتنفع.

نفخ في وجهها كتعبير عن عدم رضائه، لكنها تابعت بلطفٍ غير معتادٍ منها:

-اطلع إنت فوق بس يا أبو العيال، اشرب الشاي، وأكون أنا خدت وإديت مع "آمنة"، ماشي؟

هز رأسه على مضضٍ:

-طيب، أما أشوف

وبغمغمة متبرمة أولاها ظهره ليمسك بالدرابزون ويصعد للأعلى، التفتت تحدق في الباب مجددًا وهي تطرق عليه برفق منادية إياها:

-افتحي يا "آمنة"!

صاحت بها الأخيرة وهي ما تزال مصرة على رفضها:

-لأ مش هافتح، قولي لجوزك يبعد الأول.

ردت تطمئنها:

-هو طلع خلاص، مافيش إلا أنا.

اشرأبت "آمنة" بعنقها للأعلى بعد أن استدارت بجسدها لتحدق في العين السحرية حتى تتأكد من صدق قولها، شعرت بالارتياح لغيابه، ارتخى جسدها المشدود وامتدت يدها لتدير المقبض، أطلت "حمدية" برأسها وتلك الابتسامة الزائعة تعلو شفتيها، ربتت على كتفها في ودٍ، وسارت نحو الداخل وصوت "آمنة" من خلفها يدعوها:

-تعالي يا "حمدية".

مصمصت شفتيها لتظهر إشفاقها وهي تعقب عليها:

-قلبي عندك يا حبيبتي

همَّت "آمنة" بالبكاء مجددًا ليخرج صوتها مضطربًا:

-شوفتي أخوكي عمل فينا إيه؟

أومأت برأسها ترد بتنهيدة مطولة، وكأنها تتفق معها في الأمر، لتوحي لها بدعمها الكلي:

-متزعليش يا حبيبتي، أخوكي صعب أوي لما بيتعصب، أنا بس اللي ما بشتكيش!

تنهدت "آمنة" في أسى وقد بدا الإرهاق واضحًا عليها، تأملتها "حمدية" بتفحصٍ فرأت تلك الكرمشة تحت جفنيها، وأثار إحمرار عينيها، شعرت بالنشوة تغمرها وهي تتذكر أصوات الصراخ التي صدحت بالأمس وملأت جدران المكان، برقت حدقتاها بوميض غريب، وتنحنحت متابعة باهتمامٍ مصطنع وهي تجاهد لإخفاء ما يعتيرها من شماتةٍ وانتشاء:

-ها قوليلي فين البنات؟ عاوزة اطمن عليهم.

..............................................

عاونتها أمها على النهوض من رقدتها، وتلك الأنات تخرج من بين شفتيها لتظهر مدى الألم الذي تعانيه، بالطبع لم تسلم "فيروزة" من العبارات الشامتة والتوبيخات المستترة من زوجة خالتها التي واتتها الفرصة على طبق من ذهبٍ لتظهر سعادتها وإن لم تفصح عن ذلك علنًا، لكن كل ما كانت تفعله يشير وبقوة إلى فرحتها بالأذى الذي لحق بها. حاولت "آمنة" إقناعها بإخفاء أثار الكدمات باستخدام مساحيق التجميل، لكنها رفضت، وأصرت أن تريه ما اقترفته يداه عله يشعر بالذنب وتأنيب الضمي وإن كانت تشك في ذلك .. ارتدت ثيابها بتمهلٍ محاولة كتم آلامها، ووضعت نظارة داكنة على عينيها، لم تصغِ لتوصيات والدتها ولا نصائحها الواهية، اكتفت بما يضمره صدرها من كراهية مشبعة لخالها ومن دفعه على إيلامها.

وبتؤدةٍ حذرة ســارت إلى جوار "خليل" متخذة مسافة آمنة بينه وبينها بعد أن هبطت السلم وخرجت من المنزل لتجده بانتظارها، لاذت بالصمت بالرغم من تهديده القوي لها:

-كلمة واحدة غير اللي قولتلك عليها مش هارحمك، أنا معنديش اللي أبكي عليه.

انفرجت زاوية فمها بابتسامة حانقة، وتلك النظرات النارية مرتكزة على وجهه المشدود، أشــار لها بذراعه لتنحرف عن الطريق وتعبره متابعًا إملاء أوامره:

-واحنا في القسم، مش عاوز أسمع منك نفس، تمضي وإنتي ساكتة، أنا هتولى كل حاجة.

كان واثقًا من خنوعها له، ومنحته ذلك التأكيد بسكوتها بعد أن انهزمت معنويًا وبدنيًا، توقف عن السير ليستدير نحوها، تجمدت في مكانها وحملقت فيه بغضبٍ من خلف نظارتها، حذرها بلهجةٍ صارمة مستخدمًا سبابته في التلويح:

-ولو الظابط سألك، ما ترديش عليه، مفهوم؟

لم تحرك شفتيها لتنطق، بل تجاهلته كليًا، ولم يكترث هو بردها، واصل سيره المتعجل يقول لها بما يشبه الاستهجان:

-مالوش لازمة الكلام من الأساس.

بات الهواء خانقًا على صدرها وهي تدرك أن آخر آمالها لاسترداد حقها المسلوب على وشك أن يضيع سدى، بالطبع سينتصر ذاك الهمجي وأعوانه من معتادي الإجرام عليها بقوة القانون لتتحقق مقولة الضابط "ماهر": من لا يملك سلطة فهو ضعيف وضائع. تغلغل فيها إحساس الانكسار وبدت محبطة للغاية، انتبهت لحديث خالها الأخير حينما أصبح كلاهما على أبواب القسم:

-أدينا وصلنا، يالا خلينا نخلص من القرف ده كله، والفلوس ترجعلي، كفاية تعب أعصابي طول الليل.

تأوهت من الألم فجأة وقد شعرت بقبضته تعتصر رسغها، تقلص وجهها واحتدت نظراتها المخبأة، شدد "خليل" من ضغطه عليها وهو ينذرها:

-وده يعلمك ماتعصنيش تاني، لأن المرة الجاية بموتك يا "فيروزة"، وأهوو نرتاح منك

نفض أصابعها الغليظة عنها فأمسكت بمعصمها تفركه لتخفف من الألم، همست بصوتٍ محبط واليأس بادي عليها:

-معدتش فارقة.

.................................................. ........

كان مذهولاً وقد هاتفه محاميه منذ الصباح الباكر ليخبره بضرورة الحضور إلى القسم الشرطي لإنهاء المحاضر بعد أن وافقت الخصمة على التنازل عنها، بدا "تميم" مدهوشًا، حائرًا، مشتت الذهن وهو يحاول استنباط الأسباب التي دفعتها للمواقفة، فعلى حسب خبرته معها لم تكن سهلة الإقناع، إذًا فكيف ارتضت بقرار التنازل؟ طرأ بباله احتمالية كان قد غفل عنها دون قصد، ربما نجح رفيقه في التصرف بحنكة كما أخبره، وتم ترضيتها بشكلٍ أو بآخر بعيدًا عن حضوره مما شجعها على الموافقة، لم يدع الأمر يحيره كثيرًا، وهاتف "ناجي" ليتأكد من شكوكه، وطمأنه الأخير بنجاح مسعاه، شعر بالارتياح وتوسم خيرًا أن تنتهي الخلافات كليًا ليمحي شبحها وما له صلة بها من رأسه للأبد .. ارتدى ثيابه على عجالة، وتوجه على الفور إلى هناك.

وعلى عكس توقعاته وما رسمه عقله من خيالات في فضاءاته الوهمية، كانت "فيروزة" جالسة بوجومٍ في المقعد المقابل له تخفي وجهها خلف تلك النظارة السوداء المتسعة، لوهلة اعتقد "تميم" أنها ليست نفس الشخص الذي تجرأ عليه من قبل .. بدت غريبة، وديعة إن جاز التعبير، ساهمة، شاردة الذهن، مما أشعره بالتوجس، دار بنظراته على الأوجه المتواجدة؛ محاميه الخبير، صديقه "ناجي"، وقريب الفتاة "خليل"، الكل يبتسم في حبورٍ وكأنهم مرتضين بالتسوية، عادت أنظاره لترتكز عليها، راقبها مراقبة حثيثة محاولاً سبر أغوارها، لم تنطق بكلمةٍ واحدة، وكأن لا روح فيها، هي جسد متواجد معهم، لكن بلا حياة .. لم يرقه الأمر وزاد تغلغل إحساسه بالانزعاج، ومع هذا ترك للمحامي إنهاء الإجراءات، واكتفى بالتحديق الصامت فيها، وإن كان يظن أنها تتطلع إليه من وراء حجابها البلاستيكي.

تنفس "خليل" الصعداء حينما رأى الضابط يضع الأوراق أمام "فيروزة" لتوقع في البقعة التي أشــار لها، تنحنح "وجدي" بصوتٍ عالٍ ثم جال بعينيه على وجوه الحاضرين قائلاً:

-أفتكر إن مافيش داعي يحصل مشاكل تاني بينكم، مهما كان كلكم أهل وجيران ..

ثم مال بجسده نحو "فيروزة" موجهًا حديثه لها:

-ولا إيه رأيك يا "آنسة"؟

اكتفت بهز رأسها فالأمر لم يعد مجديًا، الكل انتصر في معركته، وهي وحدها الخاسرة. ذلك السكوت المثير للدهشة استفز "تميم"، اعتدل في جلسته، وتطلع إليها متوقعًا أن تنفجر فيه بين لحظة وأخرى، لكن تحولت عيناه نحو "خليل" حين هلل مؤيدًا:

-أيوه مظبوط، احنا أهل في بعض، وجيران وعِشرة من زمان، إن شاءالله ما يحصلش حاجة تاني.

زجره "وجدي" بحدةٍ:

-أنا موجهلها السؤال، ممكن تحط لسانك في بؤك وتسكت.

تحرج "خليل" من فظاظته معه، ووضع يده على كتف "فيروزة" ليضغط بأصابعه على عظام ترقوتها حتى تنتبه لحديثها معه، رفعت الأخيرة رأسها لتنظر نحوه بجمود، رمقها بنظرة ذات مغزى فهمتها في صمت، أخفضت رأسها وحدقت في الضابط لتقول له بصوتٍ أجوف بارد:

-كل حاجة خلصت يا باشا.

تضاعفت الهواجس لدى "تميم" من أسلوبها الغريب، وتأهب في جلسته أكثر، ليست تلك الجالسة أمامه هي نفس الشابة المندفعة المنفعلة التي ناطحته الرأس بالرأس، وتجرأت ذات ليلة وصفعته أمام دكانه بكل وقاحةٍ. كانت مستكينة، مستسلمة لأمرها، منقادة لمصيرها وكأنها فتاة ضعيفة لا تملك حق القرار، استراب في أمرها وتضاعفت هواجسه، لذا تقدم نحوها بجذعه وسألها مباشرة دون أن يهتم بتبعات قوله الصريح:

-في حد أجبرك تتنازلي عن المحضر؟

تطلعت إليه "فيروزة" بتلك النظرات الميتة، شعرت بالحنق يستعر بداخلها من سؤاله المستفز، أبكل تلك البساطة يدعي براءته وهو من يقف وراء كسرها؟ يالدنائته وخسته! تقلصت تعبيراتها وازدادت وجومًا، حتى بشرتها الشاحبة تشبعت بحمرة غاضبة وكأنها ستشتعل، ارتجف "خليل" من سؤال "تميم" المفاجئ، وخشي من تهور ابنة أخته، فهي دومًا تفسد الأمور قبل اكتمالها، فعلى الفور تدخل وهتف نافيًا:

-أجبرها إيه بس يا معلم "تميم"، هي لاقت الموضوع آ....

قاطعه "تميم" بخشونةٍ ونظراته القاتمة مسلطة عليه:

-اديها فرصة تتكلم.

هز رأسه مستجيبًا له، لكن ضغطات أصابعه القاسية على عظامها كانت كفيلة بإيقاظ آلامها وتنشيط ذاكرتها بمشهد الأمس الدامي، تأوهت بصوتٍ خفيض، وأجابت وهي تشيح بوجهها:

-لأ مافيش

أجابةٍ لم يستسغها "تميم" بالمرة، ما زال إحساسه يخبره بوجود شيء مريب، حملق في وجه "خليل" المتولي دور المصلح الاجتماعي حين قال من جديد:

-بيتهيألي كده احنا عدانا العيب وزيادة، نقدر نمشي يا حضرت الظابط؟

جاوبه برسميةٍ وهو يشعل سيجارته:

-أيوه، هنقفل باقي الإجراءات

أضــاف المحامي بابتسامةٍ عملية وهو يمد يده ببضعة أوراقٍ:

-والأستاذ "تميم" هيتنازل برضوه عن المحضر بتاعه.

تناولها منه "وجدي" معلقًا في استحسان:

-تمام.

.................................................. ......................

كان الأمر محيرًا، مزعجًا، مثيرًا للتساؤلات، ورأسه ليس بالمكان الخاوي ليمتلأ بما يخصها، انتظر على أحر من الجمر انتهاء ما يخصه من إجراءات ليهرع ورائها تاركًا "ناجي" والمحامي يكملان الباقي، وراجيًا في نفسه ألا تكون قد ابتعدت كثيرًا، تنفس الصعداء حينما رأها لا تزال واقفة بجوار خالها على مقربة من القسم، والأخير يتحدث معها وهي غير منتبهة له، تردد في التقدم نحوها وسؤالها مباشرة في حضوره، ولحسن الحظ ابتعد "خليل" عنها ليتجه نحو كشكٍ قريب يبتاع منه شيء ما، استغل الفرصة وأسرع في خطاه ليجذبها بقبضته من ذراعها ويسحبها عنوة بالقرب من شجرة عريضة عند الناصية، تفاجأت من جرأته وجره لها بذلك الشكل السافر والمتحكم، نفضت ذراعها بقوة لتتحرر منه، ورمقته بنظرة نارية يكاد يجزم أنها يراها من خلف نظارتها، تراجع خطوة عنها وسألها دون مراوغة:

-غيرتي رأيك ليه؟

التوت شفتاها ببسمة متهكمة، وهزت رأسها في سخرية قبل أن ترد متسائلة بصوت من أصابه السأم:

-يعني مش عارف؟

تطلع إليها بنظراته المستريبة، كانت مستفزة لأبعد الحدود، تستثير إدراكه وحواسه بشكلٍ جنوني وكأنها طاغية تعرف كيف تذبذبه، هتف يسألها من بين أسنانه المضغوطة وهو يبذل قصارى جهده ليضبط انفعالاته:

-فيكي إيه متغير؟

لم تتحمل نكرانه الكاذب فانتزعت عن عينيها نظراتها لتكشف له عن الكدمات التي تحتل وجهها، صاحت به بهياجٍ غير عابئة بنبرتها التي ارتفعت:

-بص وإنت تعرف كويس!

اهتز كيانه بشكلٍ لم يتوقعه حين رأى علامات العنف ظاهرة على قسماتها، وذاك فقط ما كشفت عنه، لكن الباقي مخبأ أسفل ثيابها، ضاقت حدقتاه في ضيقٍ واستنكار، وسألها:

-إيه ده؟ حصلك من إيه؟

كادت أن تضحك بمرارةٍ من سؤاله السخيف، أيهزأ بها حقًا ويدعي براءته؟ اكتفت بالنظر باحتقارٍ له قبل أن تولية ظهرها وتعود إلى خالها قاصدة تجاهله، لم يغضب منها "تميم"، بل شعر بإحساسٍ متعاظم بالذنب نحوها، وإن لم يعلم تفاصيل الأمور بعد، لكن كلماتها المقتضبة مع نظراتها اللائمة أوحت له بتورطه في إيذائها بذلك الشكل العنيف والسافر، سحب نفسًا عميقًا حبسه في صدره المتأجج ولفظه على مهلٍ، كانت نظراته تتبعها حتى اختفت عند الزاوية، لكنه التفت كالملسوع فجأة وقد صــاح "خليل" عاليًا بذلك الأسلوب الرخيص المستجدي العطف والشفقة:

-بالله عليك يا باشا تخليهم يرجعوا فلوسي، أنا عملت كل اللي طلبوه مني بالحرف الواحد، ودلوقتي مافيش محاضر ولا نيابات ولا غيره.

في البداية ارتبك من وجوده، فكامل تركيزه كان مع ابنة أخته، وبالتالي حضوره باغته، تدارك نفسه، ورمقه بنظرة غريبة وهو يسأله مستوضحًا:

-فلوس إيه؟ أنا مش فاهم حاجة منك!!

أجابه بأنفاسٍ لاهثة وهو يحاول استدعاء دموع التماسيح ليبكي أمامه:

-فلوسي اللي خدوها غصب عني يا معلم، هاروح في داهية وأنا عندي عيال..

لم يستوعب شكواه الغريبة، لكن ما لبث أن اتضحت الأمور أكثر حين أضاف بصوته المتهدج:

-أنا خليتها تحت طوعكم، وقطمت رقبتها وكنت مستعد أموتها عشان ترضى عني!

حدق فيه مدهوشًا بما أملاه على مسامعه، وبدأت ملامحه تقسو تدريجيًا، توتر "خليل" من صمته وظن أنه سيتراجع عن وعده، لهذا ألح عليه:

-رد عليا يا معلم "تميم"، ماتسبنيش كده!

تفقه ذهنه الآن لما حدث، وإن لم يعرف بالضبط كيف تم إجبار "فيروزة" على التنازل، تركه يتوسله باستماتة وسـار بخطواتٍ أقرب للركض عائدًا إلى رفيقه "ناجي"، لحق به "خليل" صائحًا باستعطافٍ أشد:

-بالله عليك ترجعلي الفلوس، هاروح في داهية.

كانت صوته عاليًا بالقدر الكافي الذي جعل "ناجي" يسمعه وهو يبتسم بسماجةٍ غير منتبه للوجه الذي اربد بغضبه المحموم والمقبل عليه مندفعًا، توقف عن الهرولة ليتلقط أنفاسه، ثم استأنف رجائه:

-ده مال ناس يا خوانا، وربنا المعبود ما فلوسي!

انتصب "ناجي" في وقفته، ونظر له بتسلية قبل أن يقول في تفاخرٍ وزهو:

-شكلك اتعلمت درسك كويس يا "خليل".

أومأ برأسه قائلاً بتلهفٍ:

-أيوه، اتعلمته، هترجعلي الفلوس؟

نظر "تميم" بحنقٍ إلى "ناجي" الذي بدا في أوجه وهو يحذر:

-وتاني مرة محدش يقول للغولة عينك حمرة.

ضجر من موقفه الأبله وسأله بعصبيةٍ بدت ملموسة في صوته:

-في إيه يا "ناجي"، فلوس إيه دي؟

تنحنح قائلاً برجفةٍ طفيفة دون أن تخبو بسمته اللزجة:

-احم.. أنا عارف هو بيتكلم عن إيه..

مال ناحيته ليهمس له:

-وبعدين مش أنا وعدتك هاحل الموضوع على طريقتي، اطمن، كله تمام!

نظر "خليل" في توتر ممزوجٍ بالخوف إلى الاثنين، خاف من تراجع أحداهما عن إعادة الأموال له، فتساءل الفزع متعمقٍ فيه:

-يا معلمين ريحوني، هترجعوا الفلوس؟

لوح له "ناجي" بكف يده وهو يقول:

-خلاص، اطمن، ارجع على بيتك والأمانة هتلاقيها هناك.

أحس بقليل من الارتياح يغمره، اندفع كالمغيب نحو "فيروزة" التي راقبت توسلات خالها من على بعد ووجهها يعبر عن سخط غير محدود، جذبها من يدها بقساوة وهو يأمرها:

-يالا يا بت، تعالي معايا، هنرجع البيت

تلك المرة رفضت الاستجابة له وأزاحت يده عنها وهي تقول بحدةٍ:

-معلش كده

تقدمت بثباتٍ نحو "تميم" تناديه بصوت يلهث من الانفعال:

-ثانية واحدة يا معلم ...

استدار نحوها من ندائها الذي استرعى انتباهه وقد حلت الدهشة على خلجات وجهه، وقفت قبالته تنظر له بعينين تنطقان بالغضب، وقالت بنبرتها المتهدجة وهي بالكاد تسيطر على ثورتها الهائجة بداخلها:

-كده إنت خدت حقك وزيادة، بس حقي أنا .. لسه!

ضاقت نظراتها نحوه، كان مشدوهًا بحديثها، مأخوذًا بعينيها المليئتين بالشجن، ما زال يحاول جمع قطع الأحجية ليفسر كيف ومتى تم إنجاز الأمر بسلاسة، نفذ صوتها المنكسر إلى قلبه كالخنجر الحاد حين همست بألمٍ عميق:

-ومش مسمحاك فيه!

أحس بزلزال يعصف به، بانهيارٍ لشيء كان مترسخ به، وكأن كلماتها قد أحدثت الشرخ المطلوب. تنفست "فيروزة" مطولاً لتكبح نوبة البكاء التي تهاجمها الآن، لن تنهار أمامه! استقامت في وقفتها وتوعدته بنبرة لا تعرف الغفران:

-وهايجي يوم وهاردهولك.

نظر لها بفمٍ مفتوح وعيناه تتطلعان إليها في حيرة، لم يلومها أو حتى يبادلها الكراهية، كان مأخوذًا بالتحول السريع في طباعها، لكنه كان واثقًا أن الفتاة المتهورة قد عادت إلى طبيعتها التي يعهدها. استطاع "تميم" أن يلمح خالها وهو يخطو بعصبية نحوها، تأوهت "فيروزة" من الألم وقد أمسك بها من كتفها بشراسةٍ ليديرها إليه، رفع كفه للأعلى يعنفها ونناويًا صفعها علنًا:

-إنتي مش هتتلمي أبدًا.

وقبل أن تطال يدها وجهها المتألم، كانت قبضة "تميم" تمسك بمعصمه، أبعد ذراعه وهو يهدر به بصوت اخشوشن بقسوةٍ:

-إيدك عنها!

ارتجف من نظراته النارية وهيئته المتحفزة التي أنذرته بعدم المساس بها دون أن يتفوه بذلك الأمر المنطوق، أخفض "خليل" ذراعه وهز رأسه بخنوعٍ قائلاً:

-خلاص يا معلم، احنا ماشين..

وبحذرٍ واضح أشـار لابنة أخته لتسير معه، وبقي يختلس النظرات ناحية "تميم" الذي كان مستعدًا للانقضاض عليه في أي لحظة دفاعًا عنها .. نظرة أخيرة حزينة حانت بها "فيروزة" نحوه أوغرت صدره أكثر، ابتعدت بالفعل لكن بقيت كلماتها ترن في أذنيه لتشعره أن انتصاره في معركتهما القصيرة لم يكن نزيهًا أو حتى بالتراضي ............................................ !!

.................................................. ...................






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 10:36 PM   #25

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الرواية روووعة اتمنى لك التوفيق 🌹

زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 10:36 PM   #26

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل التاسع عشر - الجزء الثاني

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 10:38 PM   #27

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل العشرون



الفصل العشرون



سكون مريب وحائر محمل بعشرات الأسئلة ســاد في المكان للحظاتٍ معدودة حتى يستوعب الجميع حجم المفاجأة التي حلت على رؤوسهم حين أعلنت موافقتها على الزواج من ذلك العريس المجهول الذي لم تلتقيه بعد، تطلعت "آمنة" إلى ابنتها مذهولة بعينين متحسرتين وكأنها تلومها على قبولها بعرض الزواج، تحاشت "همسة" النظر إليها حتى لا ترى نظراتها المعاتبة، ونكست رأسها، في حين احتقن وجه "فيروزة" على الأخير، وبدت كبركانٍ ثائر ينذر بانفجاره الوشيك، شعرت بدقات قلبها تتسابق لتزيد من حالتها الهائجة، بدا صوت أنفاسها المتهدجة مسموعًا، اقتربت من أختها وأمسكت بها من ذراعها لتجبرها على النظر إليها، ظلت جامدة كالصنم وكأن جسدها تخلى عن روحه .. بالطبع كان "خليل" هو الوحيد الفائز في تلك الجولة المحسومة منذ البداية، وإن جاء انتصــاره بمحض الصدفة ودون عناء، هلل بسعادة غامرة وقد انفرجت أساريره:

-على بركة الله، هاكلم الجماعة وأظبط معاهم كل حاجة وأعرفكم...

ثم ألقى نظرة سريعة على ثلاثتهن تعكس لمعان حدقتيه قبل أن يتابع:

-وإنتو جهزوا نفسكم، خلينا نفرح بقى.

لم يضف المزيد، وانصرف من المكان صافقًا الباب خلفه، حينها هتفت "آمنة" وهي تلطم على خديها:

-عملتي كده ليه يا "همسة"؟ ردي عليا

أخفضت رأسها ولم تجرؤ على النظر نحوها، في حين تابعت ندبها المصدوم:

-هو أنا قصرت معاكي في حاجة؟ بترمي نفسك في النار ليه يا ضنايا؟ حد طلب منك توافقي؟ ليه توقعينا من خالك، وهو مابيرحمش!

غطت "همسة" أذنيها بكفيها حتى لا تسمع المزيد من عباراتها اللائمة، وأطبقت على شفتيها بقوة وهي تجاهد ألا تنظر ناحيتها، نعم اتخذت قرارها في لحظة متهورة ولا تريد من أحد أن يلومها، شعرت بالألم يجتاحها، بصدرها يختنق، بالعبرات تتجمع في مقلتيها، شهقة خافتة انفلتت منها حينما قبضت "فيروزة" على رسغها وجذبتها عنوة لتسير خلفها، أدخلتها إلى غرفتهما، وأوصدت الباب خلفها، ثم هتفت تسألها بكل ما يعتريها من غضب، وحنق:

-إنتي اتجننتي يا "همسة"؟

نظرت لها في حزنٍ، وحافظت على صمتها الاضطراري حتى لا تفصح عن أسبابها، لم تقبل "فيروزة" بسكوتها، فهزتها بعنف وهي تواصل صراخها بها:

-إزاي توفقي على العريس ده؟ هو إنتي تعرفيه أصلاً؟ اتكلمي يا "همسة"، فهميني!

نفضت قبضتيها عنها، وردت بحدةٍ وهي توليها ظهرها لتتجنب نظراتها المحتدة:

-أهوو اللي حصل.

دارت حولها لتغدو في مواجهتها، وقالت بتهكمٍ:

-أكيد مخك جراله حاجة، ما هو دي مش تصرفات ناس عاقلين.

سحبت "همسة" شهيقًا عميقًا تخفف به الغصة التي تعصف بحلقها، وردت في مرارةٍ:

-ده أحسن حل يريح الكل.

نهرتها بقسوة:

-محدش طلب منك تعملي كده، مش أي حاجة خالك يقولها نوافق عليها، ده مستقبلك يا "همسة"!

نظرة حذرة رمقتها بها قبل أن تجلس على طرف الفراش، تحركت "فيروزة" لتقف من جديد أمامها، واستأنفت هجومها الشرس عليها علها تفيق من أوهامها:

-إني بترمي نفسك في النار مع ناس مابيرحموش، إنتي شوفتي بنفسك عملوا فيا إيه، وأنا مش هاستناكي تضيعي، مش هاسمح بده لو فيها موتي..

غامت عينا "همسة" وهي تحدق بها، اقتحم مخيلتها المشاهد العنيفة والمؤلمة التي تعرضت كلتاهما لها، لن تسمح بتكرار ذلك الأذى الدامي مهما كلفها الأمر، نفضت ذكراهم عن عقلها وحاولت جمع سعادة غير موجودة لتقول بابتسامة باهتة:

-يا ستي أنا مبسوطة، خالك قال إنه عريس كويس، وأهله معروفين في المنطقة، يعني فرصة حلوة ماتترفضش

رفت على شفتيها ابتسامة ساخطة مستهزأة قبل أن تتلاشى لتعاود تعنيفها:

-إنتي مستوعبة اللي بتقوليه؟ عاوزة تقنعيني بحاجة إنتي أصلاً مش مصدقاها!!

وفجأة هتف بنبرة عازمة وقد قست تعابيرها:

-أنا هاطلع أقول لخالك إني رفضتي.

هبت واقفة لتمسك بها من ذراعها، وتوسلتها:

-لأ يا "فيروزة"، ده قراري ومش هارجع فيه.

هتفت بها بنبرة أقرب للصراخ:

-ليه؟ فهميني؟

قالت بألمٍ وقد ارتخت قبضتها عنها:

-أهوو كده وخلاص.

أمسكت بها "فيروزة" من كتفها، وتطلعت إليها في قوةٍ قائلة لها:

-والله؟ من غير أي سبب، يبقى إنتي مش في وعيك وأنا هاتصرف!

همت بالتحرك لكن اعترضت "همسة" طريقها ورجتها من جديد:

-استني يا "فيروزة"!

قالت معاندة طلبها:

-لأ، مش هاستنى، ولو إنتي مش صعبان عليكي نفسك فأنا مش هاسيبك تضحي بنفسك حتى لو عشانا

هتفت بإصرارٍ:

-ماتضغطيش عليا يا "فيروزة"، أنا مش هارجع في كلامي مهما حصل.

ردت عليها في عندٍ أشد منها:

-إنتي مش واعية للي بتعمليه، محتاجة حد يفوقك و...

لم تكن "همسة" مثلها قوية الشكيمة، بل أضعف ما يكون لتتحمل مثل تلك الضغوطات المعاتبة، لذا انفجرت تبكي في صراخ لتبوح بما يجيش في صدرها:

-وأنا مش هاستحمل أشوف خالك بيمد إيده تاني عليكي أو عليا، وأمك واقفة بينا مش عارفة تعمل إيه، أيوه أنا وافقت أتجوز عشان ألاقي سند لينا، احنا طول عمرنا لوحدنا، خالك عمره ما هيكون الحماية ولا الأمان، ومع أول مشكلة هيدوس علينا زي الغرب.

تفاجأت بانهيارها، وضمتها إليها بقوةٍ لتحتويها حتى تهدأ، ثم مسحت على ظهرها بلطفٍ وقالت:

-واحنا مش محتاجين حد، احنا جمب بعض وسند لبعض!

ردت عليها بصوتٍ مهتز وهي تحاول السيطرة على نوبة بكائها:

-أنا عارفة.. وبعدين خلينا نفرح، أنا عاوزة أتجوز، ودي فرصة كويسة، وبعدين كلها كام شهر وربنا يكرمني بعيال تبقي إنتي خالتهم.

بدت "فيروزة" غير مقتنعة بالمبررات الواهية التي تملأ بها مسامعها، كانت متأكدة أنها تختلق تلك الأعذار لتخفي معاناتها حتى وإن عاشت حبيسة تعاستها الأبدية.

.................................................. ..........

طرق بخفةٍ على باب غرفته قبل أن يفتحه ويطل برأسه عليه ليتأكد من استيقاظه، ابتسم قليلاً حينما وجد "تميم" جده جالسًا على مقعده الوثير بجوار النافذة، والمصحف الشريف بين يديه يقرأ فيه بصوته الخفيض، دخل بهدوءٍ وأغلق الباب من ورائه، ثم تحرك صوبه وجلس عند قدميه ليستمع إلى ترتيله العذب، شعر بالسكينة تتغلل جوارحه، لحظات من الاطمئنان والدفء غمرت كامل جسده وأوقفت تدفق الأفكار المزعجة في رأسه، بدا في حالة استرخاء وراحة تمنى أن تطول فلا يعود للواقع القاسي. دقائق أخرى قضاها في حالة خشوعٍ وإنصات حتى أنهى "سلطان" القراءة وأغلق المصحف ليقبله ويتمسح بجبينه عليه قبل أن يضعه على الطاولة، أخفض نظراته إلى حفيده، وسأله بصوته الهادئ:

-إنت كويس يا "تميم"؟

أجابه بعد تنهيدة مطولة مهمومة:

-لأ يا جدي.

سأله بتأنٍ:

-مالك؟

أجابه ببساطةٍ وكأنه بذلك يفرج عن مكنونات صدره:

-مخنوق.

دقق النظر فيه، وقال مباشرة:

-مراتك مزعلاك؟

أجابه نافيًا وقد بادر بالثناء عليها:

-لأ بالعكس، دي قايدة صوابعها العشرة ليا، بتعمل كل حاجة وأي حاجة عشان ترضيني.

رد عليه يدعو لها:

-ربنا يباركلك فيها، أومال في إيه؟

جاوبه باختناقٍ ووجهه يعكس حزنًا غريبًا:

-حاسس إني متكتف، مش عارف أتصرف.

تركزت عيناه معه، وسأله مستوضحًا:

-وده من إيه؟ أبوك كان قالي إنك حليتم المشاكل إياها، في حاجة جدت تاني؟

رد بالنفي:

-لأ.

-طب في إيه؟

أجاب بعد زفيرٍ طويل وبطيء:

-"هيثم" ابن خالتي هيتجوز.

وكأنه شعر بصعوبة الكلمات واختناقها وهي تخرج من جوفه، فسأله بتريثٍ عله يفهم ما يدور في رأسه:

-وده يزعلك يا "تميم"؟

لاذ الأخير بالصمت، فتطلع إليه جده بتفرسٍ، رأى أمارات الانزعاج متجسدة على ملامحه، هز رأسه في خفة، ثم استطرد يقول دون مراوغة:

-شكله مضايقك فعلاً.

تشجع "تميم" ليقول رغم اهتزاز نبرته:

-أصل .. الجوازة دي بالذات.. ليها علاقة بالحرمة اللي رفعت إيدها عليا

رد ساخرًا:

-ناوي يتجوزها عشان يربيها ولا إيه؟

شعر بتقلص يضرب معدته وكأن مصارحته قد ضغطت على جرحه الذي لم يندمل بعد، حملق فيه مدهوشًا قبل أن يرد مؤيدًا جملته وكل ما يظهر في عينيه قلق وتقرب:

-مش بعيد يا جدي!

علق "سلطان" في كلمات ساخرة:

-لأ و"هيثم" مش هيتوصى، جايز يدبحها ويرمي جتتها للكلاب.

جزع قلبه وأحس بالدماء تهرب من عروقه خوفًا عليها بمجرد اجتياح مشاهد خيالية تجسد ذلك لعقله المشحون، تفحص "سلطان" ملامح حفيده المبهوتة متسائلاً:

-إنت خايف عليها منه؟

ابتلع ريقه وضغط على شفتيه محاولاً تجاوز سؤاله الصريح، بينما تابع جده بلهجة مغايرة لتلك المازحة:

-شكلك بيقول كده حتى لو معترفتش بده.

قال متهربًا:

-أنا مابحبش الظلم ولا الافترا يا جدي، دي كل الحكاية

لاحت بسمة صغيرة على جانب شفتيه وهو يرى حالة التخبط الواضحة عليه، الأمر أعمق من مجرد ما يبوح به، حتمًا هناك شيء خفي يخفيه عنه، وهو لا يريد الاعتراف به، ومع ذلك لم يضغط عليه، سيتركه على راحته إلى أن يفصح له عن أسراره .. فكر "سلطان" قليلاً، ثم رفع يده ووضعها على كتف حفيده ليربت عليه، واستطرد يقول له بصوتٍ رخيم ليحفزه:

-إنت موجود عشان تمنع ده، خليك مع الضعيف قصاد القوى في الحق، سامعني اقف مع الحق مهما كان مين الظالم!

تطلع إليه بعينين تتوهجان بشكلٍ غامض، لكن منحته تلك التوصيات شعورًا مريحًا أسكن مؤقتًا ما يعتريه من هواجس وتوتر .. عندما قام "تميم" منصرفًا شد "سلطان" على يده ليعيد على مسامعه:

-إياك تظلم الغلبان حتى لو جنى عليك في يوم! ماشي يا ابني؟

ابتسم يقول له وكأنه يعده وهو ينحني ليقبل كفه:

-حاضر يا جدي.

.................................................. ......

بعد مُضي أسبوع من إعلان موافقة العروس على الارتباط، كان الجميع مشغولاً بالترتيب لزيارة عائلية لإتمام الخطبة رسميًا .. وقفت "خلود" خلف أخيها في غرفة نومه تتأمل انعكاس هيئته المهندمة بمرآة التسريحة التي تحتل الحائط الأيمن بعد أن ارتدى السترة الرمادية الجديدة، كان مظهره مغايرًا لذاك السوقي الفظ، بدا راقيًا، ومقبول الملامح. ضبط "هيثم" رابطة عنقه، ومشط شعره ليثبت المتناثر منه، ظهر وميض الإعجاب جليًا في عيني أخته، ابتسمت الأخيرة في سعادةٍ وجابت بحدقتيها على كامل شكله المرتب، ثم رددت بتهليلٍ كبير مادحة إياه:

-الصلاة على النبي، الصلاة على النبي، قمر ياخواتي.

التفتت "بثينة" نحوها ترمقها بنظرة باردة قبل أن تنطق:

-ربنا يحميه من العين.

اعترضت عليها دون أن تخبو ابتسامتها المتحمسة:

-هو أنا هاحسد أخويا؟ ده الغالي عليا..

ثم ربتت على كتفه في رفقٍ وهي تدعو له:

-ربنا يتمملك على خير يا "هيثم"

رد مجاملاً:

-متشكر يا "خلود".

تابعت مضيفة وهي تخرج علبة حمراء مصنوعة من القطيفة من حقيبة يدها الجلدية اللامعة:

-شوفت جبتلك إيه على ذوقي، حاجة تحطها في الصينية تملى بيها عين عروستك.

أمسكت والدتها بالعلبة وفتحتها لتلقي نظرة متأنية على الخاتم العريض المليء بالفصوص البراقة، بدا الانبهار واضحًا على ملامحها، أدارته بين أصابعها وقالت في ثناء:

-ذوقك تحفة يا بت.

علقت في زهوٍ:

-من بعض ما عندكم يامه.

أعادت "بثينة" العلبة إلى ابنتها والتي دستها في الحقيبة لتتساءل بعدها باهتمامٍ حتى تشبع فضولها:

-أومال إنتي تعرفي العروسة؟ شوفتيها قبل كده؟ بيقولوا اسمها "همسة".

أجابتها بوجهٍ خالٍ من التعبيرات وهي تدير رأسها لتتجه نحو الفراش حتى تجلس على طرفه:

-مش فكراها أوي بصراحة، بس أعرف أمها، أصلها كانت جارة خالتك زمان قبل ما تعزل وتنقل على بيت "سلطان" الجديد.

هتف "هيثم" باستهجان، وتلك النظرة الناقمة تعلو تعبيراته:

-لعلمك أختها كانت عاملة مشاكل مع جوزك وجابتله البوليس.

ارتفع حاجبا "خلود" للأعلى، وحركت عينيها لتنظر في اتجاه والدتها التي استطردت محتجة:

-وإيه اللي يشبكنا معاهم؟

أوجز بغموضٍ دون أن تتغير قسماته المنزعجة:

-تحكمات بقى!

نظرات حائرة تبادلتها "خلود" مع والدتها لاحظت فيها تذمرها، توجست خيفة من إفساد الأمر، فهتفت بحذرٍ كمحاولة جادة منها لوأد أي خلاف قبل نشوبه:

-خلاص يامه الموضوع اتفض والكل اتصالح، وطلع "تميم" مالوش دعوة، ده سوء تفاهم وراح لحاله.

ردت عليها بنظراتٍ متنمرة:

-أنا قلبي مقبوض، بناقص منها الشبكة السودة دي.

اقتربت منها، وقالت مدافعة عن عائلة العروس:

-حرام، ده حمايا بيشكر فيهم.

نفخ "هيثم" بصوتٍ مسموعٍ ليضيف بعدها في سأمٍ:

-بأقولكم إيه أنا دماغي مصدعة، هاطلع أشرب سيجارة في البلكونة تكونوا خلصتوا لبس.

ردت عليه والدته وهي تومئ برأسها:

-ماشي يا ضنايا.

تابعته "خلود" بنظراتها إلى أن اختفى بالشرفة، فأدارت رأسها في اتجاه والدتها وسألتها:

-هو ماله يامه؟ هو مش مبسوط ولا إيه؟

جاوبتها بقليل من الضيق:

-والله ما عارفة، هو على دا الحال أديله كام يوم.

سألتها مستوضحة:

-مش الجوازة دي برضاه بردك؟

ردت دون تفكير:

-أيوه، هو حد يقدر يجبره على حاجة مش عايزاها، بس إنتي عارفة دماغ أخوكي، محدش بيفهمه.

اتسعت ابتسامتها العابثة، وقالت بوجهٍ شبه متورد:

-بكرة عروسته تدلعه ويشوف الهنا على إيديها.

تنهدت تقول لها في توجسٍ:

-يا ريت، ولو إني مش مرتاحة.

سرت عدوى القلق إليها، وتساءلت بتعابيرٍ تحولت للوجوم:

-ليه بس يامه؟

أجابتها بامتعاضٍ:

-جوز خالتك مابيجيش من وراه الخير

دافعت عنه "خلود"، فقالت:

-هو في زي عمي "بدير"، والله إنتو ظالمينه

نظرت لها بحدةٍ قبل أن توبخها:

-أيوه ياختي دافعي عن حماكي، ماهو أبو النبي حارسه وصاينه المعدول جوزك!

استاءت من هجوم والدتها غير المبرر على كليهما، فجلست إلى جوارها، وحاوطتها من كتفيها لتنصحها بأسلوبها السلس:

-بلاش يامه ندور على العكننة بإيدينا، خلينا نفرح ونتبسط، أخويا يستاهل كل خير، وأنا مستبشرة خير بالجوازة دي.

رمقتها بنظرة مستهزأة قبل أن تسألها في مكرٍ:

-أومال مافيش حاجة كده ولا كده؟

نظرت لها في عدم فهمٍ، انزوى ما بين حاجبيها متسائلة:

-حاجة إيه دي يامه؟

منحتها إجابة مباشرة:

-أمارة يا بت إن باطنك شايلة!

تضرج وجهها بحمرة قليلة، ونكست رأسها في حرجٍ قبل أن ترد على استحياءٍ:

-يادي الكسوف .. إيه الكلام ده بس، هو احنا لحقنا؟

ربتت على فخذها مشددة عليها بلهجة تعبر عن جديتها:

-لأ شيدي حيلك مع جوزك شوية، عاوزين نسمع البشارة قريب، دي الفرحة اللي بجد!

زفيرٌ بطيء أخرجته من بين شفتيها لتعقب بعدها بنبرة جمعت بين قليل من الرجاء والأمل:

-ربنا يسهل، دي حاجة في علم الغيب، ووقت ما ربنا يأذن هنفرح كلنا.

استندت "بثينة" بيديها على الفراش لتجبر جسدها على النهوض، ثم هتفت بزفيرٍ مرهق:

-ماشي يا فالحة، خليني أكمل لبس عشان منتأخرش، الحكاية مش ناقصة!

تحركت عيناها معها، ورددت بمرحٍ لطيف وهي تمد يدها إلى داخل حقيبتها لتخرج هاتفها المحمول منها:

-طيب يامه، وأنا هاكلم "تميم" أشوفه عمل إيه.

.................................................. ...................

وضعت تاجًا رقيقًا أعلى رأسها بعد أن صففته وعقصته كعكة كبيرة فيما عدا بضعة خصلات متناثرة على وجنتيها، مسحة ناعمة من مساحيق التجميل اتخذت مكانها ببشرتها لتزيدها تألقًا وجمالاً، تأملت "همسة" ثوبها الذهبي الذي اختارته لتلك المناسبة بنظراتٍ مبهورة، كان متماشيًا مع تفاصيل جسدها الممشوق، زحزحت بيدها أطرافه الطويلة للجانب حتى لا تتعثر فيها حين تقوم من جلستها، انخفضت نظراتها لتجول على عنقها وعظمتي الترقوة اللاتين اختبأتا خلف شالٍ رقيق شفاف يحمل نفس اللون اللامع، أحست بصدرها يعلو ويهبط في توترٍ، لكن تلك اللمسة المطمئنة من أختها على كتفها وهي تنحني عليها هدأتها قليلاً، أمعنت النظر في ثوب توأمتها الزيتي المتلألئ، كان يليق بها، ويغطي كامل جسدها فيما عدا مرفقيها، وعلى عكسها تركت "فيروزة" شعرها ينسدل على ظهرها ووضعت مشبكًا رقيقًا يمسك ببعض خصلاته عند الفارق الذي أحدثته فيه، اقتربت " منها وداعبتها بإعجابٍ:

-زي القمر يا "هموس" ، ماشاءالله عليكي.

نظرت إليها من خلال المرآة، وقالت بنبرة مرتبكة:

-قلبي بيدق جامد يا "فيرو".

ابتسمت وهي ترد عليها ساخرة:

-طبيعي، ما دي أول مرة هنشوف فيها ننوس عين أمه.

اكتسبت ملامح "همسة" تعابير مزعوجة، وردت تلومها وقد استدارت ناحيتها:

-إنتي بتتريقي؟

حاولت ضبط ضحكتها التي تسعى للانفلات من بين شفتيها، وهتفت متصنعة الجدية:

-أكيد، عريس مجهول الهوية، لا شوفناه ولا عرفناه، وجاية إنتي تتخطبي ليه، لازم أستغل الموقف.

نهضت من على الكرسي الصغير -منزوع الظهر- المستقر أمام المرآة، وقفت قبالتها لترد معاتبة إياها في خوفٍ محسوس:

-بلاش بالله عليكي توتريني بزيادة، أنا ماسكة أعصابي بالعافية.

علقت عليها أختها بجدية واضحة:

-عشانك مش مقتنعة باللي عملتيه.

تحركت الأولى من أمام المرآة لتوليها ظهرها، وردت في عصبيةٍ:

-هنرجع تاني للموضوع ده؟ مش قفلنا كلام فيه خلاص..

تطلعت إليها "فيروزة" في اهتمامٍ مراقبة ردات فعلها المتباينة والتي توحي بتخبطها وحيرتها، بينما تابعت "همسة" كلامها قائلة:

-وبعدين شوفتي خالك من ساعة ما وافقت على العريس وهو معاملته اتغيرت معانا 180 درجة، ده ناقص يشيلنا من على الأرض شيل

علقت عليها باستنكارٍ:

-ماهو مش ببلاش كل ده، ده أكيد طالع بمصلحة، خالك مابيعملش حاجة لوجه الله أبدًا!!!

وافقتها الرأي وإن لم تفصح عن ذلك علنًا.. استدارت الاثنتان معًا نحو باب الغرفة المفتوح ووالدتها تسألهما من الخارج:

-ها يا بنات، جهزتوا؟

لم تبادر إحداهما بالبرد، فقد وقفت "آمنة" عند أعتاب الغرفة تقول بصوتٍ منبهر وقد انفرد ذراعاها في الهواء:

-ماشاءالله ولا قوة إلا بالله، زي القمر يا حبيبتي

أسرعت "همسة" في خطواتها لترتمي في أحضان والدتها، أغمضت عينيها مستشعرة الدفء المنبعث من جسدها العطوف، وردت في امتنانٍ شاكر:

-ربنا يخليكي ياماما

أبعدتها عنها لتحتضن وجه ابنتها البشوش بكفيها، تأملت تفاصيلها الجذابة بعينين تلمعان بعبراتٍ فرحة وهي تغمغم بصوتها المنفعل فرحًا:

-ماشاءالله يا بنتي، ربنا يحميكي من العين.

رفرفت "همسة" برموشها في خجلٍ، في حين تابعت أمها تقول وهي تسحب شهيقًا طويلاً لتكبح به عبراتها:

-الجماعة جوم برا، أنا قولت أستعجلكم.

تساءلت "همسة" في اهتمامٍ:

-ومين قاعد معاهم؟

لاحت على شفتي "فيروزة" ابتسامة متهكمة، كانت تعلم الإجابة دون الحاجة لتخمينها، وبكل بساطة ردت على أختها تجيبها وقد كتفت ساعداها أمام صدرها:

-تفتكري هايكون مين غير مرات خالك "حمدية"؟!

.................................................. ...........

في بقعة شبه معزولة عن أعين الآخرين تمتاز بخفوت الإضاءة، وقفت كلتاهما تختبئان خلف الستارة المنسدلة كمحاولة جادة منهما لاختلاس النظرات نحو العريس الغامض دون أن يمسك بهما أحد الضيوف، سعت الاثنتان للبحث عنه وسط الأجساد المتزاحمة والتي حجبت الرؤية بوضوح، امتلأت الغرفة بالحضور، أشخاص يصحبن زوجاتهن، وتبدو أعمارهم متفاوتة، ولكنهم يتشاركون في الضحكات المجلجلة .. وما إن ظهر وجه "هيثم" والإشارة بالترحيب له لكونه الخطيب المقصود حتى شهقت "فيروزة" مصدومة، لطمت برفقٍ على خدها هامسة في جزعٍ:

-يا نهار إسود، متقوليش إن هو ده العريس!

تجمدت "همسة" في مكانها، شعرت بقشعريرة تسري في جسدها بمجرد أن أبصرته، ورددت هي الأخرى في ذهول لا يقل في صدمته عن توأمتها:

-"فيروزة"، أنا اتوترت بجد، مش معقول يكون نصيبي مع ده.

تطلعت إليها بفمٍ مفتوح، ثم ازدردت ريقها لتكمل حديثها بأنفاسٍ مضطربة:

-شكله هو..

تخشب جسد "همسة" وأمسكت بيد أختها، وكأنها تتشبث بها، التصقت قدماها في الأرضية لتعجز عن التقدم، حاولت جاهدة استيعاب الصدمة والتعامل معها، لكن تشوش ذهنها وارتبكت أكثر، وزاد توترها؟ خفقة قوية ضربت بصدرها حين سمعت "حمدية" تناديها:

-تعالي يا عروسة، واقفة بعيد ليه كده؟ تعالي سلمي على الضيوف

تعلقت بذراع "فيروزة" وهمست لها ترجوها:

-ماتسبنيش

هزت رأسها في تفهمٍ، وردت عليها:

-متقلقيش أنا جمبك..

تحركت الاثنتان سويًا في اتجاه غرفة الصالون التي امتلأت بالضيوف، ولكن وحده فقط من ارتكزت عيناه على عدوته القديمة، نسيبته الجديدة؛ فيروزة! تطلع إليها "تميم" في اهتمامٍ استغربه وقد بهتت أنفاسه، كانت فاتنة للغاية، خلابة تسلب العقول، ساحرة تخطف القلوب، حمد الله في نفسه أنها ليست العروس المنشودة، وإلا لا يعلم ما الذي كان أصابه حينئذ، تتبعها طوال سيرها المتهادي وهو يشعر بتلك الأحاسيس غير المفهومة تقتحم كيانه لتضاعف من تلبكه، وتهلك أعصابه .. أجبر حدقتيه على عدم النظر نحوها، لكن أبت حواسه الانصياع، بدا مأخوذًا بطلتها البهية، تدارك نفسه وأخفض نظراته ليشتت تفكيره عنها، التفت برأسه نحو زوجته الملتصقة به فوجدها محدقة بالعروس، تنفس الصعداء لكونها لم تنتبه إليه، مال نحوها ليهمس لها مدعيًا بالكذب:

-هاقوم أعمل تليفون وراجع.

نظرت له في اندهاشٍ مستنكر، وردت عليه بصوتٍ خفيض:

-وده وقته يا "تميم"؟ الكلام هيبدأ ولازم تبقى موجود

خشي من انفضاح أمر ارتباكه، فقال متحججًا:

-معلش يا "خلود" شغل ومش هاينفع يتأجل، هارجع كمان شوية.

كان جل ما يبحث عنه حاليًا هو الفرار ولو مؤقتًا من تلك الأجواء التي توتره بشكلٍ غير مسبوق، انسحب في هدوء من الصالون ليتجه إلى خــارج المنزل حتى يستنشق بعض الهواء عله بذلك يستعيد هدوئه المفقود.

لفت أنظارها وهو يسير مبتعدًا باحثًا عن المخرج، نظرت له "فيروزة" من طرف عينها متعجبة من ذهابه، لم تدع الأمر يحيرها، تجاهلته وكأنه نكرة لتركز كامل انتباهها مع خالها الذي بادر معرفًا وهو يحاوط توأمتها من خصرها ليقدمها للضيوف:

-دي بقى عروستنا الجميلة "همسة"، متكسفيش يا بنتي، سلمي على عمك الحاج "سلطان" الأول، كبيرنا وبركتنا.

مدت "همسة" يدها المرتعشة إلى الكهل الوقور الجالس على الأريكة المنفردة، رحبت به مرددة بصوتٍ شبه متذبذب:

-مساء الخير.

ربت على يدها وهو يرد:

-مساء النور يا بنتي، تبارك الله..

التفتت كالملسوعة إلى جانبها حين جذبتها تلك الأصابع الناعمة من ذراعها لتسحبها نحوها، حملقت في قلقٍ لوجه المرأة المبتهج وهي تقول:

-تعالي في حضني يا عروسة ابني.

لم تقاوم شدها القاسي، واستسلمت لحضنها الإجباري، لكن ما لبث أن اِربد بوجهها بعلامات الضيق حين شعرت بها تتلمسها بطريقة متجاوزة، وكأنها تتأكد من بروز مفاتنها وصلاحيتها، تراجعت للخلف رامقة إياها بنظرة حادة متأففة، وردت بوجهٍ مقلوب:

-إزي حضرتك يا طنط؟

زمت "بثينة" شفتيها لتسخر بعدها منها:

-طنط.. أنا أبقى خالتك "بثينة" يا روحي...

رمشت بعينيها في انزعاجٍ دون أن تنطق حتى لا تشحن الأجواء من لا شيء، ولكن أضافت "بثينة" كما لو كانت تملي عليها شروطها صراحةً:

-ولما تجوزي ابني هتناديني يا ماما!

ردت ببسمة متكلفة كنوعٍ من الترضية لها:

-أهـا.. إن شاءالله.

إشــارة واضحة من عيني خالها جعلتها تعود إلى مكانها لتجلس في المنتصف ملتصقة بوالدتها وأختها، نحنحة خشنة صدرت من "بدير" قبل أن يقول مستأذنًا بكل تهذيب:

-بعد إذنك يابا هاتكلم أنا .

أدار "سلطان" رأسه في اتجاه ابنه، وهتف مبتسمًا وغير ممانع:

-اتفضل يا "بدير".

ربتة رقيقة ممتنة حانت منه على كتف والده وهو يرد:

-شكرًا يا حاج..

جاب "بدير" بنظراته على الأوجه المنتبهة له، تنحنح من جديد ليزيح تلك الخشونة العالقة بأوتاره، واستطرد موضحًا:

-احم .. احنا مش محتاجين نتكلم في التفاصيل، الأمور واضحة، طلبات العروسة كلها مجابة، وماتشلش هم حاجة، و...

قاطعته "بثينة" قائلة بلهجة جادة وكامل عيناها مسلطة على وجه "همسة"

-اعذرني على مقاطعة كلامك يا حاج "بدير"، بس عشان نبقى على نور من أولها، أنا ابني هايعيش معايا.

هنا ردت عليها "فيروزة" من تلقاء نفسها بذهولٍ والرفض ظاهر على خلجاتها:

-أفندم.. تعيش معاكي؟

تحركت "بثينة" بعينيها نحوها لتقول وهي تجلس بخيلاءٍ في مقعدها:

-أه، مستغربة ليه؟ أنا أعدة لوحدي في بيت طويل عريض يرمح فيه الخيل، عاوزاه يتملى بأحفاد ولادي، وأنا معنديش إلا "هيثم"، ومش عايزاه يبعد عني، وهو الوحيد اللي بيشوف طلباتي، وبصراحة كده مقدرش أستغنى عنه!

استشعرت "فيروزة" من أسلوب حديثها لمحات من العدوانية المستترة، وربما طباع حادة غير مقبولة، لم تكن لتدع أختها تعاني، ستقف لمن يؤذيها بالمرصاد، لذا انتصبت في جلستها، وردت بنبرة مترفعة مليئة بالتحدي:

-حقك.. بس هنسأل العروسة الأول وناخد رأيها، ولو الكلام مش عاجبها يبقى آ....

نظرة قلقٍ تشكلت في عيني "خليل" وقد شاركت ابنة أخته المتهورة في الحوار، حتمًا ستوصل الأمور لطريق مسدود لتفسد الخطبة، وهو لن يسمح لها بذلك، ادعى الضحك ليجبرها على بتر باقي جملتها، وقال مرحبًا بحماس زائد:

-ده حماتها ست كُمل ومشهود بيها في كل الحتة، احنا عروستنا موافقة على طلبتها و...

اغتاظت "فيروزة" من فرض رأيه بطريقة سافرة، فقاطعته عن عمدٍ وقد ظهر التشنج عليها:

-يا خالي إديها فرصة تتكلم وتقول رأيها.

زجرتها "حمدية" بوجهٍ مكفهر قاصدة إحراجها أمام الضيوف:

-عيب يا "فيروزة"، خالك مش مالي عينك ولا إيه؟ ما تقوليلها يا "آمنة"! خليه يقول كلمتين على بعض.

لم تأبه لتسلطها الواضح، وقالت معاندة بإصرارٍ:

-لأ معلش، أنا مابقولش حاجة غلط، ده جواز، مش مصلحة.

رد عليها "بدير" ليمسك بزمام الحوار من جديد:

-واحنا مش هانضرها يا بنتي، كل حاجة هتتعمل وأحسن كمان، ولو هي هتعيش مع الحاجة "أم هيثم" البيت هيتفرش بأحلى عفش

هلل "خليل" مبتهجًا:

-أهوو، الحاج جاب من الآخر، يعني كله جديد في جديد!

بدت "فيروزة" متحفزة ومستعدة للمضي قدمًا في ذلك النقاش حتى نهايته، لن تتراخى فيما يخص شأن أختها، وإن جعلها ذلك مكروهة من الآخرين .. مصمصت "بثينة" شفتيها لتقول بتبرمٍ:

-المفروض دي اتفاقات رجالة، مش عارفة الحريم بيتحشروا ليه؟

استشاطت نظرات "فيروزة" وكادت ترد عليها بغلظةٍ لولا أن نهضت "حمدية" من مكانها لتلكزها في جانب ذراعها قبل فوات الآوان، ثم سددت لها نظرة قاسية وهي تأمرها بصوتها الخفيض:

-قومي هاتي الشربات للضيوف، يالا.. عيب نسيبهم كده، هايكلوا وشنا، مظبوط يا "آمنة"؟

شعرت "آمنة" بتوتر الأجواء واحتقانها فجذبت ابنتها من ذراعها وهي ترجوها:

-تعالي معايا يا بنتي.

ردت "فيروزة" على مضضٍ:

-ماشي.

أذعنت مضطرة لأمرها المستفز فقط حتى تنفرد بوالدتها، تركتها تتحرك أولاً ثم تبعتها في هدوء، لكن نظراتها المحمومة عادت لتلتقط صاحب الوجه الصــارم الذي أقبل عليها وقد بدا هو الآخر متفاجئًا لرؤيتها تخرج إليه وهو يتلمس طريق العودة، توقف "تميم" في مكانه مقاومًا حالة التخبط التي تشوش على تفكيره بشأنها، ابتسامة مستخفة صدرت من "فيروزة" قبل أن تهمس له وحنقها نحوه قد تجدد:

-خشلهم، أصلها كانت نقصاك إنت كمان!

أوقظت بنبرتها الخافتة مشاعره الغاضبة ناحيتها، تذكر إهانتها .. صفعتها .. تطاولها اللفظي .. إساءتها غير المقبولة .. وكل ما يوقد تلك النيران الحانقة فيه ويولّد فيه كراهية لا حدود لها لشخصها المزعج، كظم غضبه، وتنفس بعمقٍ ليحجم من انفعالاته قبل أن تخرج عن طور سكونها. عاود "تميم" أدراجه ليلحق بها، وقبل أن تطأ المطبخ أمسك بها من رسغها ليستوقفها، استدارت "فيروزة" نحو ذاك الذي أمسك بها دون استئذان، تفاجأت به قريبًا منها بمسافة خطيرة، كان جريئًا للحد الذي جعل تفكيرها يُشل لحظيًا، حدجته بنظرة نارية وهي تكز على أسنانها محاولة التملص منه وتحرير يدها، لكنه قابلها بنظرة مميتة خالية من الحياة، شدد من قبضته على جلدها الناعم وقد أخفض صوته للدرجة التي تصل إلى مسامعها ليقول لها عن عمدٍ حتى يستفز أعصابها:

-احمدي ربنا إنك مش مراتي، لأني ... مكونتش هارحمك ............................................. !!

.................................................. ............




منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 11:03 PM   #28

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل جميل😍 شكل تميم وقع ومحدش سمى عليه بس المشكله هو متجوز ومراته كويسة وبتموت فيه ياترى حتحليها ازاي . وهمسة المسكينة وقعت بإيد الكلب هيثم داهية تاخذ هيثم على محرز وهليل وحمديه ..منتظرينك ياقمر 😍

زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 12:59 AM   #29

hayat sheta

? العضوٌ??? » 426363
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » hayat sheta is on a distinguished road
افتراضي

خير ان شاء الله

hayat sheta غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 02:19 AM   #30

روحي أنا

? العضوٌ??? » 409114
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 49
?  نُقآطِيْ » روحي أنا is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
روايه جميله وفيها كمية تضحيه من جميع الأطراف


روحي أنا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:06 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.