آخر 10 مشاركات
1026 - مؤامرة قاسية - هيلين بروكس - د.ن (الكاتـب : pink moon - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          المدللة *متميزة* (الكاتـب : محمد حمدي غانم - )           »          حالات .... رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1434)"مكتملة" (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          صدمات ملكية (56) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الأول من سلسلة العائلة الملكية) ×كــاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          2 - الإعصار - روايات دار الامين** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          308 - بداية حب - روايات دار الحسام (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree626Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-21, 03:03 PM   #5141

لمار 99

? العضوٌ??? » 268172
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 169
?  نُقآطِيْ » لمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond repute
افتراضي


بالانتظاار واخيراا 🔥😍



لمار 99 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 05:22 PM   #5142

Saino Yaso

? العضوٌ??? » 456554
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 181
?  نُقآطِيْ » Saino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond reputeSaino Yaso has a reputation beyond repute
افتراضي

جيجي حبيبتي بانتظار جديدك ومواجهة قوية بين خوسيه وأيا بس ياريت ما يكون في انفصال لأنهم من أحب الشخصيات على قلبي كمان نيوس طمنينا عليه وأعجبت جدا بوقف ديامنتي واتمني فلور تتحكم في غيرتها خاصة وأن ابنها عنده ميول لاين وشكلنا كده هنحضر فرحهم لو ف جزء آخر😍😍😍 باختصار نحن عطشي الغيث فامطرينا

Saino Yaso غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 05:38 PM   #5143

Wejdan1385

? العضوٌ??? » 392089
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 469
?  نُقآطِيْ » Wejdan1385 is on a distinguished road
افتراضي

💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻

في الانتظار

💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻


Wejdan1385 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 08:23 PM   #5144

Rossa
 
الصورة الرمزية Rossa

? العضوٌ??? » 1763
?  التسِجيلٌ » Jan 2008
? مشَارَ?اتْي » 481
?  نُقآطِيْ » Rossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond reputeRossa has a reputation beyond repute
افتراضي

هو طبعا لازم خوسيه بكون متضايق يعني بسسسس
ماله حق بالنهايه ، هو يعرف عن سرها و ليش تخفيه عنه 🙄 ،، ثاني شي في اساليب ثانيه يكسب فيها ثقة آيا مو يجبرها على انها تجي له غصب و تقول اي انا اثق فييك و اسلمك نفسي 100٪ بعد كل اللي سويته !


Rossa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 08:42 PM   #5145

emily yong

? العضوٌ??? » 352044
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 291
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » emily yong is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك action
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

في الانتظار ❤❤❤
🌷🌷🌷🌷


emily yong غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 09:17 PM   #5146

Mirage lina

? العضوٌ??? » 443865
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 62
?  نُقآطِيْ » Mirage lina is on a distinguished road
افتراضي

متشوقة كتيييييييير لفصل النهاردة 😘😘😘😍😍😍😍😍

Mirage lina غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 09:31 PM   #5147

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,962
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

بالانتظار اميرتنا الاقتباس خطير طبعا انا من خلف خوسيه رغم.مل خطاياه السابقة عمل كلشي لازم للحفاظ على عيلتو لكن ايا وعدم ثقتها فيه كان عائق بوجه محاولاتو ليجي كارلوس ويخرب كلشي هل راح تستعمل ورقة مرضو متل ما قالت سابقا للخصول عالحضانة الله.يستر

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 09:59 PM   #5148

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد قليل سيتم تنزيل الفصل، فقط ساراجع بعض الاخطاء الاملائية

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 10:51 PM   #5149

لمار 99

? العضوٌ??? » 268172
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 169
?  نُقآطِيْ » لمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond reputeلمار 99 has a reputation beyond repute
افتراضي

بانتظارك أميرة القلم 🔥😍

لمار 99 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 11:02 PM   #5150

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع و الثلاثين

نيويورك
(امريكا)
.
.
.
قرأت ذات مرة أن 'العلاج الكيماوي أحيانًا يكون منقذًا للحياة كما يمكنه ان يكون مميتا و قاتلا..'
وفي حالة والدتها فليس السرطان ما قتلها انما العلاج، جسدها لم يتحمل ان يتم تدميره.
بوضوح ...العلاج الكيميائي هو السبب الرئيسي للوفاة وليس السرطان نفسه ،
و بينما تتطلع الى لونا... طفلتها الصغيرة و الجميلة التي اصبحت ظل نفسها في غضون اسابيع تشعر ميغان بالعجز و الوجع.
رغم ان العلاج المٌرهق أفقدها شعرها و حاجبيها و رموشها الا انه لم يفقدها رغبتها في البقاء حية، كانت تراها شبه واعية بعد تلقيها الجرعات و قد فقدت من وزنها الكثير الى أن أصبحت جلدة على عضم، لكن ابتسامتها المنيرة يملأها الأمل... ترفض فقدانها أيضا كما فقدت والدتها بنفس المرض، ولا أختها التي ماتت بسبب حادثة السيارة.
انهت واجباتها نحو ارشيبالد و أخد المدير الجديد مكانها بعد أن نجح في لقائه بالرئيس التنفيذي( المرعب كيليان ارشيبالد) ، قبل رحيلها أقام لها زملائها حفل وداع و تلقت الكثير من الهدايا، سوف تفتقدهم كلهم او تشك ان تفتقد مزاج كيليان الشرس و المرهق نفسيا... رغم رحيلها مازال يتصل لياخد أخبار لونا... و كما وعد... تلقت رسالة من القسم المالي للمستشفى الذي يُعلمها بأن المتبقي من تكاليف العلاج هو 0.
كيليان ارشيبالد دفع كل مصاريف العلاج... رغم قساوته و شراسته الا انه صاحب قلب كبير و طالما وقف مع موظفيه في الحاجة.
اليوم هي حرة تماما للاهتمام بلونا دون ان يشغلها شيء عنها، انها تنزل معها في المستشفى التي تتلقى علاجها فيها، و بما ان حالتها كانت في خانة خطرة، فان الطريق نحو الشفاء طويل نوعا ما، بالأمس أخدت جرعتها من الكيماوي و هذا يجعلها تنام كل الوقت، ربما يدمر العلاج الكيميائي الخلايا السرطانية لكنه يدمر أيضًا الخلايا السليمة. و يسبب هذا التلف آثارًا جانبية.
كانت تتقيأ، أحيانا تتبول على نفسها لحسن الحظ أن فريق الرعاية الصحية الخاص بها موجود للمساعدة في منع الآثار الجانبية وعلاجها و متابعة صحتها بشكل عام.
رأتها تتقلب في سريرها ثم تفتح عينيها، كانت الممرضة قد وضعت انابيب الاوكسجين في انفها لتساعدها على التنفس، أبعدت ميغان الكتاب الذي تقرأه و دنت منها:
" كيف تشعرين يا ملاكي؟"
" انا عطشى..." تمتمت بصوت ضعيف.
" سأجلب لك المياه فورا..."
توجهت الى البراد لتخرج قنينة مياه معدنية و معها كأس من زجاج، الفريق الطبي قطع العلاج مؤقتا مرتين بسبب انخفاض عدد خلايا الدم. تم تعديل الجرعة مؤخرا و يبدو أن جسدها يتجاوب.
ساعدتها على بلع المياه الباردة، كانت هزيلة لدرجة انه بإمكانها رؤية المياه تنزل من حنجرتها نحو معدتها، حرقتها عينيها بشدة، الا انها منعت نفسها من اظهار ضعفها، أخمدت آلمها ودفنته تحت وجه شجاع.
لونا لم تعد للنوم، رغم جفونها الثقيلة بقيت مستيقظة لبضع دقائق، جلست بالقرب منها و امسكت بيدها:
" عندما اشفى... اريد الحصول على حيوان اليف..."
ميغان تكره الحيوانات في بيتها، وسبق و رفضت عدة مناورات لونا، لكن هذه المرة مختلفة، تستحق الحصول على كلب بعد الشجاعة الكبيرة التي أظهرتها خلال العلاجات القاسية.
" اعدك ان نفكر في الموضوع جديا..." قالت ميغان وهي تنحني على راسها و تقبله...
" كنت أحلم بأنني وسط محميات الفيلة و الزرافات..." تمتمت لونا، بصوت اشد تعبا مما كان.
ضحكت ميغان بخفة:
" لا تنوين تبني فيل صغير؟؟ أحذرك لونا... هذا ليس قانونيا بالمرة..."
ابتسمت الصغيرة و نظرت اليها بنظراتها الجميلة:
" أخبرتني أوكتافيا بأن الفيلة الآسيوية لا تشبه الفيلة الافريقية... اخدها والدها الى الهند و الى التايلاند و الى أفريقيا..."
جال كيليان العالم مع ابنته ووضعه تحت قدميها، وان لم يكن متوفرا لتحقيق أحلامها الكبيرة فهناك ايموجين و بالتأكيد لوكا الذي يعشقها و يحقق أحلامها مهما كانت مجنونة.
" سنقوم برحلة طويلة بعد شفائك... و سنرى الفيلة و الزرافات و الأسود أيضا..."
توردت وجنتيها الشاحبتين و شعرت بأنها أحسنت باقتراح مماثل، أوكتافيا فتاة تملك كل شيء نعم الا انها لا تملك قلب لونا الطيب، هذه الاخيرة لا تتردد بالتباهي أمامها كلما جمعتهما الفرصة و لونا لا تتدمر أبدا من حياة صديقتها الصاخبة، لكن يبدو أن المرض اثار حفيظتها أخيرا... تشعر ميغان احيانا بأن أوكتافيا تحاول دوما اظهار الفرق المادي بينهما.
نيويورك مدينة ساحرة ،تجعل المرء يشعر وكأنه في فيلم. ربما يكون هذا بسبب سيارات الأجرة الصفراء ، والجنون ، والمباني المميزة ، و المتاحف... سنترال بارك...هاي لاين.. البيتزا في ليتل إيطالي.، لونا سعيدة بالعيش فيها الا انه من الواضح بأنها ترغب برؤية اشياء أخرى، رغم عملها كمديرة ارشيبالد كانا يملكان برنامج مقدس من المستحيل التهاون فيه، كل نهاية أسبوع يجربان شيء جديد و يكتشفان أنواع أخرى من الرياضات غير التي يزاولانها عادة... لونا تعشق التزلج على الجليد و هي تنتمي الى فريق محلي حصل على نجمته الأولى العام الفائت... تجهل ان كانت الصغيرة قادرة على الاستمرار بعد ان تستعيد عافيتها... هذا اذا لم يغلبها السرطان و ياخدها منها كما فعل مع أمها.
" هل يمكننا الذهاب الى الهند؟؟" سألتها لونا، بين اليقضة و النوم" أخبرتني أوكتافيا بأن 'كيرالا' عجيبة للغاية و مثيرة للاهتمام... الحياة البرية و الحيوانات و القطارات و القصور و الشواطئ المليئة بأشجار النخيل ورحلات القوارب على القنوات المورقة... يمكننا ان نشرب حليب جوز الهند... "
صمتت، وعندما القت عليها نظرة رأتها و قد غرقت في النوم، بقيت في مكانها تراقب عملية تنفسها المنتظمة، و تركت عيناها تسمحان لدموعها بالنزول ، السرطان لئيم... لايحق له مهاجمة المخلوقات الصغيرة و سرقة طفولتهم و برائتهم... لونا الصغيرة تخوض معركة شرسة ضد وحش بأذرع عديدة... وحش لا يرحم.
عدّلت عليها الغطاء قبل أن تقرر بدأ البحث في هاتفها عن البلدان التي تتميز بمحميات حيوانية و أيضا بأجواء لطيفة... ان رغبت لونا باحتساء حليب جوز الهند في مناخ استوائي فستعمل على تحقيق أمنيتها... الغريب هنا... أن لونا لا تحب جوز الهند... هل هي طريقة يائسة للتعلق بالحياة و تجربة كل ما لم يكن أهمية عادة؟؟
فركت صدغها في محاولة تأخير ظهور الصداع الناتج عن التوتر.
طرقات على الباب دفعتها لهز رأسها، لم يكن الفريق الطبي و لا الممرضة انما' ناومي مارشال' و 'جومانا دارسي'، مرت لحظات الدهشة الأولية قبل ان تقوم اليهما، يجب حماية لونا من الفايروسات التي يجلبها معهم الزائرون، نظرات المرأتين كانت محملة بالشفقة و الرأفة، تركتهما يلقيان نظرة على طفلتها قبل أن يخرجون الى الرواق:
" كيف عرفت؟؟" سألت ميغان صديقتها القديمة ناومي التي هزت كتفيها:
" الأخبار تتسرب بسرعة في نيويورك، كما انك تركت العمل عند ارشيبالد و المدير الجديد يتباهى بنفسه لدرجة ان الجميع علم بأمر استقالتك... لن تغضبي من سؤالي المباشر لكيليان هيه؟؟ لقد لاحقته لدرجة انه اضطر للتعرية عن أسباب استقالتك "
هزت كتفيها :
" لا باس بالأمر... لطف منكما المرور لرؤيتها"
تدخلت جومانا و التي يناديها الكل بجيمي:
" مابها الصغيرة؟"
ترددت قليلا قبل ان تشبك ذراعيها فوق صدرها و تهز مجددا كتفيها بأسف:
" السرطان هاجم جهاز مناعتها..."
هذه الكلمات الصغيرة تمكنت منها، قدوم ناومي مفاجأة لها، منذ تواجدها هنا لم تتلقى زيارة أحد، لأنها ببساطة لم تخبر أحد الاسباب، هي لا تعاتب كيليان أبدا، تعرف جيدا ناومي و عنادها و اصرارها عندما تريد الحصول على شيء فهي تحصل عليه، الم تختبر هذا عندما كانت تخرج مع لوكا؟؟ ناومي لم تتقبل يوما انفصالهما و فعلت كل ما بوسعها كي تجمعهما مجددا، دنت منها ناومي و اخدتها بين ذراعيها، فهمت السبب عندما شعرت بالدموع على وجهها، تجهل متى سمحت لها بالانفلات من سيطرتها امام الناس، تعلمت من العمل مع كيليان ارشيبالد ان تكون صلبة و قاسية في كل الظروف، الا ان زيارة ناومي خذلت سيطرتها و جعلتها انسانة مجددا بدل واجهة الروبرت التي تلاقي بها كل الناس.
" آسفة عزيزتي... "
" الكيماوي قضى على صحتها تماما" تمتمت بين شهقتين " لا أريد فقدانها... انها عائلتي الوحيدة"
" أعرف... " مسدت على ظهرها بنفس الطريقة التي مسد عليها لوكا في تلك الظروف القاسية التي أفقدتها أختها و زوجها" سأعمل على الا تبقي وحيدة في هذه الظروف... ففي النهاية أنت نسيبتي المفضلة"
رغما عنها ضحكت ميغان من خلال دموعها و ابتعدت عن أحضان ناومي لتتطلع في عيناها البنفسجيتين:
" منذ زمن لم أعد نسيبتك..."
"هل تم أخذ دماغك من قبل كائنات فضائية؟" سألتها ناومي و هي تلوي شفتها " انت ولوكا تحبان بعضكما البعض رغم عنادكما الشديد... ستتحسن الأمور و ستعودان لبعضكما... الى أن يتحقق ذلك ستبقين نسيبتي ... "
" سيخيب أملك في النهاية" قالت ميغان و هي تقبل منديل من جيمي لتمسح دموعها " لوكا يكرهني... اظنني آخر امرأة يرغب بعودتها الى حياته"
" لماذا؟؟ لأنك اجهضت الطفل؟؟" القت نظرة إحراج الى جيمي التي لا تبدو مفاجأة من هذا السر المهين الذي يثقل لياليها" لعلمك... لو كنت مكانك لفعلت الشيء نفسه، لا توجد امرأة في العالم ترغب بطفل رجل مستهتر مثله، الا انه تغير ميغان... "
بلعت ريقها و جعدت المنديل في يدها:
" من اخبرك بشأن الطفل؟؟"
" هو أخبرني..." اعترفت " اتى الى بيتي ثملا و أخبرني بكل أوجاعه وقد أذرف الدموع ميغان... أخبرني ان ذلك الطفل كان فرصته الوحيدة للم الشمل... هو لا يتألم لإنهائك حملك بقدر ما يؤلمه تضييع فرصة بناء شيء جديد... أعرف أخي... و اعرف بانه لم يخرجك من رأسه..."
ناومي لم تكن شاهدة على النظرات التي رمقها بها ذلك المساء عندما اخبرته الحقيقة، لم تكن شاهدة على كمية الخيبة، الغضب الأسود، الملامة في وجهه، لوكا يكرهها و هذه هي الحقيقة... الحقيقة الموجعة... غمرها الحزن المكبوت لفترة طويلة... حزن دفنته بعمق شديد ، خبئته بعيدًا تحت الأثاث مثل الغبار الذي لم يُنظف أبدًا ، والذي لم يرَ ضوء النهار أبدًا، مسحت جيمي على ذراعها:
" ما رأيك ان نجلس قليلا في الكافتيريا..."
" لا يمكنني ترك ابنتي بمفردها..." اعترضت بغصة.
" لا يمكنك التهرب مطولا من هذا الموضوع" نبهتها ناومي:" انت في ظروف قاسية و تحتاجين الى الدعم..."
فجأة فهمت الى ما ترمي و شعرت بأنها تُفرغ تماما من الداخل، هزت رأسها بشك:
" انت لم تخبري لوكا هيه؟؟"
" انه في طريقه الى نيويورك" اكدت الشقراء صاحبة العيون البنفسجية الغريبة " أمضى الأشهر الأخيرة في كرواتيا حتى يقف مشروعه الوليد على قدميه، الا أنه أخد أول طائرة ما ان عرف بأن لونا تنزل في القسم الخاص بالسرطان"
لم تجد ميغان ما تقوله، أولا لأنها لم تتوقع ردة فعل مماثلة من لوكا الذي يُقدس عمله و بأن يتركه خلف ظهره للعودة الى الوطن و الاطمئنان على لونا... قريبة المرأة التي قتلت طفله... و ثانيا لأن ناومي لا تيأس أبدا من دفع أحدهما نحو الأخر... انها الوحيدة في العالم التي تؤمن بعلاقتهما الميتة و الميؤوس منها... الوحيدة التي ترى الخير في الشر و الضوء في الظلام مهما كان مهيمنا.
" وماذا سيرى في الوضع ناومي؟؟ بأنني استقلت من عملي الذي يُكسبني ذهبا من اجل ابنة اختي بينما فرطت في طفلي بكل بساطة؟"
كم تكره نفسها بسبب هذا، نعم ... في ذلك الوقت لم تفكر كثيرا في النتائج، كانت قد اتت على فقدان المتبقي من عائلتها و اصبحت أما بين ليلة و ضحاها و استأمنت لوكا على قلبها قبل أن يكسره الى أجزاء، اكتشفت خيانته بأسوا الطرق... في النهاية... 'بريتني' المتسببة في السوء الفهم...أو ربما هي نفسها المسؤولة الوحيدة عما آلت اليه الأوضاع.
" اسمعيني..." قالت جيمي بلطف:" عادة لا أتدخل فيما لا يعنيني الا انني أحب لونا كثيرا، وهي بحاجة لدعم الجميع... كلما رأت اهتمام الناس بها كلما كان علاجها سريعا... "
لم تفكر أبدا في هذا، هي وجيمي ليستا صديقتين، المحامية الذكية و الجميلة صديقة المارشال منذ ان كانت ناومي في الجامعة، سبق و احتكت بلونا بسبب أوكتافيا، حتى انها لعبت دور الحاضنة مرة أو مرتين، واهتمامها بها حاليا يدفئ قلبها بشدة، انها محقة، على لونا ان تختلط بالناس و أن ترى بأن الجميع يهتم بصحتها و يريدها أن تُشفى... أخطأت بالاحتفاظ بمرضها سرا.
* * *
لندن
( انجلترا)
.
.
.
كما توقعت، وجدت شقيقها ينزل في بيت عمها ادواردو و خالتها كاثرين، عندما يزور لندن يفضل دافيد البقاء بقرب كاثرين بدل قبول دعوة فرجينيا في ستارهاووس، قد يكون شقيقها متحرر جدا و واسع الافاق الا انه للان لم يتقبل انفصال والديه، الطلاق مازال يؤثر عليه، و رؤية سعادة الكونت و فرجينيا يشعرانه دوما بالذنب، للأسف... روبيرتو لم يمر لشيء آخر و مازال يشعر بالخيانة لسيما بولادة الصغيرة، شعورها شخصيا؟؟ مازالت تشعر بالعجز التام و الاستبعاد و تتمنى فقط أن تتغير أحاوله و أن يأخد زمام حياته بيده و ينسى أمر فرجينيا.
استقبلتها خالتها، مثل المعتاد مضيئة وسط فستانها و أكثر شبابا، لكن الابتسامة المرحبة انسحبت ما ان سألتها عن دافيد.
" انه في المكتبة" شرحت لها وهي تقطب قليلا" يعقد اجتماع هاتفي..."
" نعم... بالطبع فهو يمدد اقامته هنا بدل العودة الى مكتبه في نيويورك و الاهتمام بأعماله كما يجب"
هزت خالتها رأسها وهي ترى الامتعاض و الاستياء على وجهها، مدت يدها لتضغط بها على كتفها:
" أين زوجك و ابنك؟؟"
" مع بيانكا ..." شرحت فلور متنهدة.
" سعيدة لأن الأمور تأخد مجراها الطبيعي بينهما..."
" بدآ بالحوار نعم... انهما بحاجة للكلام و توضيح الأمور بينهما..." ترفض تذكر ليلة داركو، لم ينم و لم يأكل شيئا هذا الصباح و ما ان أجابت بيانكا على رسائله ووافقت على لقاءه حتى اخد نيكولاي و طار لموعدهما.
" سوف أتفقد ان كان دافيد قد انهى مكالمته"
اعترضت كاثرين طريقها، في نظراتها يمكنها قراءة الكلمات التي تنوي قولها لها، محامي دافيد هي كاثرين، طالما كانا مقربين، وهي تضعه تماما في نفس مكانة اليكس، فهما في العمر نفسه في النهاية.
" الكل لاحظ التوتر أمس و زوجك هجم على دافيد وكان عدائيا..."
" عندما يكون اخي مستفزا فالله وحده قادر على ايقافه...انه موهوب في جرح الأخرين و يجيد لغة السخرية، و داركو لا يفقد اعصابه بسهولة، أنا متأكدة بأنه بصق بحماقة في وجهه"
" و أنت هنا لمحاسبته؟؟"
وضعت فلور يدها على جبينها و همست بصوت منهك:
" خالتي اسمعيني... أنا وسط دائرة من نار و لا أجد مخرجا، أحب دافيد فهو أخي الغالي، و أحب بيانكا... في الماضي حاولت التقريب بينهما الا ان الأمور انتهت بشكل سيء و كدت أفقد ثقة ربيبتي و زوجي، أنا هنا كي أفهم أبعاده... ان كان يتخذ المسألة كتسلية فالأفضل له أن يعود الى عارضاته و ممثلاته و يتركها و شأنها"
عضت كاثرين على شفتها السفلى، أشارة توثر عندها:
" أخبرتني فرجينيا بأنه أذرف الدموع من أجلها..."
هزت فلور عينيها الى السماء:
" نيكولاي يذرف الدموع أيضا عندما يعجز من الحصول على شيء... خالتي... كلنا نعرف شهية دافيد للنساء و استعماله لهن، انه سيد العلاقات العابرة ...في نيويورك يستعمل الناس اسمه للاشارة الى أحدهم على انه بلاي بوي... دافيد حصد الشهرة بجدارة"
" و أنت هنا كي تحاسبيني شهرتي الوسخة و علاقاتي العابرة!..."
استدارت نحو مصدر الصوت، كان دافيد يقف على خطوات منهما، يديه في جيوب بنطاله الجنزي و نظراته الزرقاء جليدية، في صغرهما، كانا يتشاجران كثرا، كلاهما يملك شخصية من نار و طباع حادة و ينتهي دوما بالأمر بعقوبة حازمة من والدهما... اليوم كبرا على ان يقفا وجها للحائط أو يكتبا على ورقة الف مرة 'لن أعيد الكرة'.
" انا هنا لنتكلم دافيد..." أجابته بهدوء محرجة من هجومها و كلماتها الجارحة.
"أنت هنا كي تتممي ما بدأه زوجك أمس... تكلمي اذن أختي، افرغي ما في جعبتك و انتقديني ..."
" لم آتي لانتقادك..." ردت بصوت مختنق.
" اندهش عندما اسمعك تتكلمين عن سمعتي... سمعتك انت فقدت لونها الاسود ما ان تزوجت من أمير صقلي... نعم بالتأكيد... الحب يصنع المعجزات، اختفت الفتاة اللعوب المستهترة التي كانت تفطر نيويورك على فضائحها و تتسلى أعمدة الصحف الصفراء بسيرتها و حل محلها امرأة عاقلة... نعم ... تزوجتي برجل جعل منك محترمة اليس كذلك؟ ما من أحد يستطيع التكلم عن فلورانس ريتشي اليوم... انها زوجة امير صقلي و أم مثالية لوريث أشد العائلات نفوذا في ايطاليا... ياله من انجاز باهر... و بأي ثمن؟؟"
لا تحب مطلقا كلامه و تعرف تماما ما سيعقب هذا من تجريح، رأته يترك مكانه و يتقدم نحوها، عيناه لا تفارقان عينيها، كانت مشتعلة و يبدو صوته مرتجفا من الغضب:
"هل تسمحين أن نعود سنوات الى الوراء؟؟ "
" دافيد..." تدخلت كاثرين الا انه تجاهلها و تابع بنبرة قاسية.
" رغم مكرك كان امكر منك و سخر منك و استعملك بحقارة... كنت تمضين وقتك بالبكاء على كتفي، فماذا توقعتي مني بينما ترمينني بأوجاعك و آلامك؟ أمضيت وقتي بحماية مؤخرتك فلورانس، من كيفن غراي من كل رجل يقترب منك لاستغلال مكانتك و شعبيتك و لم اتلقى منك سوى الملامة حتى اتى الوقت الذي تأكدت به بنفسك بأنني كنت مصيبا بشأن كل شيء و من بين هذه الأمور صديق الطفولة الذي وصل هوسه بك الى عزلك عن البقية و تحويل حياتك العاطفية الى فوضى..." توقف ليلتقط أنفاسه:" الوحش الذي آلمك كان يملك صبية جميلة بالكاد تخرج من المراهقة... عذراء مشتتة الدهن هشة و تفتقد للثقة في النفس بسبب مرضها... يالصدفة و يالها من طريقة رائعة لرد الصاع صاعين... نعم... لا أنكر انني وجدتها فكرة جيدة للانتقام من الحقير فلا شيء كان يضاهي عذابك حينها... لم يكن صعبا اغوائها... استعملتها بنفس الطريقة التي تم استعمالك بها... "
" هذا يكفي"
أدارت إليه ظهرها حتى لا يرى مزيج المشاعر على وجهها، لم يسبق ان نقاشا تفاصيل ما حدث في الماضي، اليوم الوضع اختلف، انها تعرف جيدا بيانكا و تعرف أي فتاة رائعة هي، ان يستغلها دافيد بأسوا الطرق تحطم قلبها.
"اي جزء لعين لا يعجبك في كلامي؟؟؟" زمجر بها وهو يجبرها على مواجهته.
" انا كنت امرأة دافيد... بيانكا لم تكن سوى طفلة" شعرت بالدموع تحرق عينيها، انها السبب في كل ما حدث، خلافها مع داركو دفع اخيها للتصرف بتهور ، وضعت يدها على حنجرتها فيما حرارة خانقة تغزو جسدها، بلعت ريقها لتتخلص من الألم في مؤخرة حلقها و رمشت لتطرد الوخز في عينيها، عواطف مختلطة في داخلها ، فوضوية ، تسبب شرارات مثل الذرات العالقة في تفاعل كيميائي غريب داخل كيانها.
" مند الطفولة و نحن نعيش هجمات غير مبررة و دفعنا ثمن شهرة فرجينيا بشكل قاس.. نزعة الحماية داخلي تأبى التلاشي فلورانس... مازلت ارغب بحمايتك... "
هذه المرة لم تعد قادرة على منع دموعها، الالم في حنجرتها انفجر بشكل غير محتمل و انتشر حتى انفها.
" عليك حماية نفسك من نفسك دافيد..." تمتمت فلورانس بغصة.
" لا تظني ان التجربة لم تؤثر بي..أشعر بالذنب مع كل نفس و كل ضربة قلب"
وضعت يديها على وجهها الملتهب، و ابقت نظراتها في نقطة فراغ قبل ان تهز نحوه نظراتها:
" لهذا تلاحقها؟؟ يسوقك الذنب؟ "
رأته يمضغ حنكه قبل ان يرد:
" في نيويورك وعندما طلبت مني وضع سعادتك فوق سعادتي احترمت طلبك و انسحبت ... تركت شخصيتي تأخذ إجازة من السباق و تدخل في ركود تام و عدت لارتداء ذلك الرداء اللعين ثم استيقظت على حقيقة انني أخدع نفسي... في ذلك الوقت فلورانس... كانت علاقتك بزوجك خجولة ،لم أرغب في تقويض الأرضية الهشة التي كنتما عليها و التأثير على علاقتكما الضعيفة و تركها تتضرر من الذكريات المظلمة... ابتعدت كي تتمكنين من السيطرة على حياتك و اليوم انت تعيشين الحب ... وقد حان الوقت لاخد زمام اموري، اريد شراء اخطائي فلم يعد هناك خطر بأن يتضرر زواجك من هذه المثابرة...الأمير متيم بحبك"
سقط الصمت الجليدي بينهما، انه لا يأخد رأيها فقد اخد قراراه و انتهى الأمر،الإحساس الوحيد الذي شعرت به هو خدر متجمد ، خوف واضح، و يبدو ان اخيها التقط الاشارات السلبية:
" هل يمكنك التفكير في أمري ؟؟"
" تظن بأنني لا أفكر فيك؟؟" زمجرت به " في الماضي حاولت اصلاح الأمر دافيد و فشلت... فلا أحد يمكنه التكهن فيما تفكر أو الخطوة التالية التي ستقوم بها، و الاحتكاك بك يشبه البركان فتصرفاتك غير مُتوقعة و كأننا نسير على أرض مزلزلة معك,,,, أخبرنا ما هي مشاعرك بالضبط حيالها... الشعور بالذنب أو حب.؟؟ كن دقيقا ارجوك كي اتمكن من فهمك.. "
راقبت وجهه الوسيم ينغلق و يسود بشدة، يريدها ان تحترم رغبته فقط دون طرح الأسئلة؟؟ لن تسير الأمور بهذه الطريقة... عليه ان يرد هذا ان كان يملك الجواب لسؤالها.
" اريد التقرب منها..."
" هذا لا يرد على سؤالي دافيد..."
زم شفاهه و بان الانزعاج على وجهه، هزت راسها بخيبة:
" كيف تجرؤ بطلب الدعم فيما تراودك الشكوك حول ما تشعره؟؟ "
" انه يشعر بالذنب و بالحب" تدخلت خالتها التي نسيت تماما وجودها، رأت دافيد يتراجع و كأنه لا يريد سماع المزيد،او كأنه يحضر مقطع مسرحي درامي يثير سخريته و قرفه، كاثرين لم تترك له الفرصة للاختباء من الطلقات التي تنوي ضربها به " فلور محقة، عليك ان تكون واضحا مع نفسك قبل كل شيء..."
" الواضح بالنسبة لي هو الكلمات والمحادثات والمونولوجات والتصريحات العالقة بيني و بين بيانكا... ان كان الحب يُبنى على أرضية هذه الظروف الشاذة فهو حب ملتوي و فاسد، و بعيد عن رؤيتكما الانثوية العاطفية فتطلعاتي مختلفة... أريد التقرب منها كصديق و بناء علاقة جديدة على قواعد و ركيزة طبيعية... بيانكا لم تنساني كما لم أنساها يوما... أعرف الشوق في نظرات امرأة عندما اراه و بيانكا تملك ضعف نحوي... لن أربك حياتها كما فعلت سابقا... لست مستعجلا و لا انوي الضغط عليها، سأتقرب منها بحذر و أعمل على ان تتقبل وجودي في حياتها..."
هل هناك ذكاء و خبث أكبر من هذا؟؟ تساءلت فلور وهي تتنهد تنهيدة محملة بكل ما تشعره في هذه الاثناء من احباط، لقد تملص من الرد على السؤال بطريقة مراوغة للغاية.
"فليكن... أريدك فقط أن تعدني بالا تجرحها هذه المرة..." قالت وهي تقترب منه ليتمكن من قراءة تعابيرها الجادة" بيانكا لا تشبه نسائك الإعتياديات و اللواتي يسقطن تحت قدميك ما ان تتعمد الضغط على لكنتك الايطالية... "
" تظنين بأنني لم الاحظ الفرق؟؟" سألها و هو يطأطأ رأسه جانبا" لو كانت تشبههن لما كنت اليوم في لندن بصدد نقل مقر شركتي... " شعرت فلور بأن المفاجأة سقطت على رأسها أطنان من حديد.
تبادلت النظرات مع خالتها التي هزت كتفيها، بدت مستعدة لدعمه بالتأكيد، أبقت فاهها فاغرا لبعض الوقت، لا يستطيع اخيها العيش دون مجموعة سيارته الفارهة في لوس انجلس ولا فلته الساحرة في سانتا باربارا و لسيما نيويورك وطاقتها: مزيج من الهستيريا الحضرية الرائعة والحيوية، ما يحدث جنون... هزت رأسها و سألته مباشرة... انها بحاجة لرجل صريح بحق السماء:
" تُنقل مقر شركتك الى لندن من أجل بيانكا؟؟"
" نعم..." رد ببساطة.
" و تستمر بالادعاء بأنك لا تُحبها؟؟ دافيد ريتشي... أنت غارق في الحب حتى ادنيك و كلما اعترفت بهذا كلما كان أفضل"
* * *
تاورمينا
( صقلية)
.
.
.
وجدت بريانا من تبحث عنه في صالة الرياضة، بما ان روكو غارق حتى النخاع في أعماله فإن سانتياغو يتمرن اما في صالة الرماية أو التمرين الجسدي و كما توقعت، كان بصدد الجري على آلة الركض، سماعتين في ادنيه و عيناه مركزان على النوافد العالية التي تطل مباشرة على البحر الأزرق، و كان التي الشيرت المبلل عرقا ملتصق على هضاب من العضلات، طريقة ركضه الرتيبة بدت اكثر من مجرد تمرين اعتيادي... يبدو منزعجا و يقتص من نفسه.
رأته فجأة يتصلب و يلقي نظرة نحوها ما ان اقتربت منه أكثر، انه يملك ردارات حساسة و يلتقط كل حركة من حوله، خفف السرعة و أبعد السماعة من ادنه ثم مسح وجهه بساعده كي يبعد العرق من جبينه.
" سيدتي؟"
" أنا بحاجتك"
توقفت كليا الالة و قفز منها بخفة نمر، عندما هز يده ليعيد خصلات شعره الى الوراء جذب نظرها أثار حريق مريع على ذراعه- تماما على البشرة الداخلية- من المستحيل عدم الانتباه لبشاعة مماثلة.
عادة لا تلتقي به خارج ساعات عمله و يكون وسط بدلاته الرسمية و في حلته المهيبة لاخافة اعداء روكو، انزل ذراعه ما ان لاحظ مسار نظراتها.
" امنحيني خمس دقائق لغير ملابسي"
" الموضوع كله لن يأخد خمس دقائق فلا انوي قطع تمارينك"
راته يتصلب و كان الوضع برمته لا يعجبه، سانتياغو منغلق جدا و متحفظ ..هل يشعر بثقة اكبر في بدلة الحارس؟؟ ان كان يشعر بالانزعاج من هذا اللقاء فعليها الاسراع و تركه و شأنه " سأختصر الموضوع... اريد تجهيز نهاية اسبوع في باريس كي احتفل مع روكو بمناسبة خاصة و احتاج الى المساعدة... اعرف بأنه يكره الخروج من ايطاليا بدون سبب مقنع و لا اظنه سيركب الطائرة معي دون ان يقتلني بالاسئلة..."
كان يتطلع اليها و كأنه مازال ينتظر المطلوب منه، أمام ملامح وجهها المترقبة قال اخيرا:
" العراب يكره المفاجآت و مهمتك شبه مستحيلة... لن يخرج من ايطاليا دون تقرير مفصل للبرنامج كما يجب تأمين الاماكن التي سينزل فيها"
تعرف ان مهمتها صعبة و لكنها ليست مستحيلة و ان تمكن زوجها من ترتيب حفل زفاف مفاجئ فيمكنها على الاقل ترتيب نهاية اسبوع رومانسية في مدينة العشاق كي تخبره عن حملها اخيرا، هل كشفها للسر امام سانتياغو سيحفزه لمساعدتها.؟ربما... فلتضغط عليه عاطفيا ان كان يملك عاطفة بالطبع.
"أنا حامل..." شرحت وهي تلوي اصابعها ببعض العصبية :" بعد ضغط الأسابيع الاخيرة و موت اليخاندرو تنقصنا الحميمية و اريد ان يكون وقتا مميزا عندما يكتشف بأنه سيصبح أبا"
لا ردة فعل... وكأنها امام جبل من رخام...عضت حنكها و هي تنتظر ابقي عيناه الخضراوين تتطلعان اليها ببعض التركيز قبل أن يقول:
" تهانينا..."
"شكرا لك"
" أعطيني برنامجك لاطلع عليه و سأرى بأي طريقة يمكنني المساعدة "
شعرت بالراحة بتعاونه، روكو يثق به ثقة عمياء و سيكون من السهل اخراجه من ايطاليا:
" شكرا لك سانتياغو لن انسى معروفك"
" لا تشكريني قبل أن أتحقق بأن خططك تناسب البروتوكلات التي نتبعها في حماية العراب... يوم سعيد سيدتي"
نهاية اللقاء، لا اراديا حطت عيناها مجددا على ذراعه المصابة الا انها لم ترى سوى العضلة الخارجية القاسية تحت بشرة ذهبية، كانت البقعة المحروقة مختفية تماما بهذه الوضعية، عادت تلتقي بنظراته و جمدها ما أصطدمت به، فجأة تذكرت الخيال في المكتبة و الشعور الجليدي الذي دفعها للفرار حينها، شيء غير مفهوم يحيط بهذا الرجل، خطت الى الوراء و هزت رأسها مودعة قبل ان تنسحب من المكان لتعود الى القلعة.
بعد ان استحم سانتياغو و ارتدى ملابسه التحق بالعراب في صالة الرماية، كان قد انهى اشغاله و يقوم بالتدريب كما هي عادته كل يوم.
اوقف هذا الاخير التصويب ما ان شعر به من حوله.
" هل اورسو طورينزي هنا؟؟"
قطب سانتياغو:
" لما هذا السؤال؟؟"
" لأنك تركض الي كلما كان في الجوار... " عاد يحشو سلاحه و يحدد هذفه باحترافية مجددا "كن مهذبا معه في المرة القادمة فلم يتأخر بالشكوى منك...قال بأنك أهنته "
انتظر مهلة مشبعة بالرصاص و مزاج العراب السيء قبل ان يتذكر هذا الأخير وجوده مجددا و يواجهه بجبين مقطب:
" مالذي تريده سانتياغو؟؟"
" زوجتك تنوي مفاجاتك و أخدك الى باريس نهاية الاسبوع و قد طلبت مني مساعدتها في تحقيق ذلك..."
" باريس؟" أطرق روكو رأسه الى اليمين و تطلع اليه وهو يجعد أنفه باستياء" لما يقع اختيار النساء دوما على باريس؟؟"
هز سانتياغو كتفيه بعدم اهتمام:
" ربما لأنها عاصمة الرومانسية..."
" لاشيء رومانسي في برج من حديد سانتياغو... كما انني اكره فرنسا... تذكرني بالانتربول وبكل مآسي يانيس..." توقف عن الكلام ووضع السلاح على الطاولة بجانبه قبل أن ينتزع قفازيه " ساعدها بما تريد و افعل تماما كل ما تشاء...افرض عليها قائمة النزل التي ننزل فيها هناك و كن حذرا ان تكشف بأنني على علم بخططها..."
" عليك التمرن اذن و الا ستعرف من نفسها و أظنني سأكون اكثر مصداقية ... انت مضطر للاعجاب بباريس و ببرجها الحديدي ايها العراب"
هز روكو حاجبه، و تأمله للحظة قبل أن يساله:
" هل من أخبار عن أمير الظلام المختفي؟؟ وعدتني قبل أسابيع بأن تأتيني به و أنا أكره الانتظار... لم أعد أطيق دقيقة أخرى و أريد الانتقام لأليخاندرو ... ان لم نستعجل فسنفقد الطريق و نطفو بلا هذف، الكل يتسابق لوضع يده عليه و علينا ان نجده قبل البقية"
" أمهلني بعض الوقت"
" كم من الوقت...؟؟؟" سأله وهو يكشر عن أنيابه" حدد لي موعدا، لأنني أكره الوعود التي لا ترسى على اساسات صلبة... انت مُهمل و هذا لا يستهويني..."
" أنا آسف..."
" أسفك لن يعيد لي اليخاندرو... أريد ذلك الشاب في أقرب فرصة سانتياغو و ان اضطررت للرحيل من صقلية لايجاده فأنا أمنحك مباركتي... اذهب من هنا و عد لي به في أقرب وقت"
" لكن... باريس" اعترض بصوت متصلب.
" لدينا فريق قوي لانجاز المهمة... اعطهم تعليماتك و اتركهم يستحقون الاجر الذي يتقاضونه... لن احتاجك في الأيام القادمة لهذا افضل لو تأخد مهمتك على محمل الجد و تعد لي بالغنائم... أنا بحاجة لاستعمال ماكسويل كأداة ضغط... و ان وصل اليه الأخرين قبلنا فلن ننتصر ضد أعدائنا و سيضيع حق صديقي...و أنا أفضل الموت على الفشل مرة أخرى..."
* * *
لندن
(انجلترا)
.
.
.
جدران من زهور...ألوان براقة ...أضواء نيون، ثريات و خلفيات منقوشه، في حي 'نايتسبريدج' الأنيق يصطف كل يوم مئات السياح على أمل الحصول على طاولة في هذا المعبد ذي الحياة الوردية.
لكنه الجحيم بالنسبة لداركو الذي كان يشعر و كأنه يجلس في غمامة من غزل البنات، لايملك الجرأة للاعتراض على اختيار ابنته التي من الواضح انها تتردد كثيرا على هنا اذ ان الجميع يحيها و يبتسم لها، لسيما شاب انجليزي وراء رفوف المعجنات بألوان قوس قزح و الخيول الدوارة باللون الوردي طبعا، كان لا ينفك عن النظر ناحية منضدتهم القريبة من جدار على شكل قلب ضخم، لكن لايبدو ان بيانكا منتبهة الى أنها تثير اهتمامه، كانت وجنتيها ما تزالان شاحبتين و نظراتها فارغة، منذ دقائق وهما يتكلمان عن كل شيء ماعدا موضوع اليخاندرو، بعد ان ابتلع نيكولاي كمية من الحلوى استرخى بين ذراعي اخته قبل ان ينام كليا، وبما انه لم يعد يقاطعهما بمداخلاته الحماسية فقد اصبح الموضوع العالق بينهما مُزعجا و مُحرجا، و كم يتمنى الا يتكلمان به لأنه يرغب بهجر هذا المقهى الوردي دون التجادل مع ابنته التي تراجعت عدوانيتها و عادت تقريبا لطبيعتها.
ابقى داركو نظراته على ابنيه في الجهة المقابلة من الطاولة الممتلئة بسعرات حرارية لا محدودة، كان يملكان نفس لون الشعر، نفس الاهداب و تدويرة الوجنتين، لقد ورثا ملامحه وهما كل فخره وهو مستعدة للتضحية بنفسه من أجل سعادتهما، وهذا ما يُشعره بالحزن اتجاه بيانكا و بالذنب الشديد... لن يراها يوما تُزف لأليخاندرو و لن يقودها الى المذبح اليه... بسببه فقط لم يعد صديقه سالما الى صقلية، لو سمع أوامر روكو و نفذها و أخرج اليخاندرو الى المروحية التي تنتظر خارجا لما حدث ما حدث.
"اذن... ستعودون الى صقلية..."
جاء صوتها حذرا، و كأنها نفسها لا ترغب بخوض الموضوع المؤلم.
" يجب أن نعود نعم فقد طال غيابنا... فلورانس رائعة و متفهمة الا انها سيدة اعمال ايضا و لديها التزاماتها..."
هزت رأسها بالايجاب، لم تكن تنظر اليه بل الى وجه نيكولاي المستريح على صدرها، كانت وجنته قد توردت بفضل الحرارة اللطيفة في المكان، او ربما هو انعكاس اللون الوردي على وجهه.
يعرف بأنها محطمة... وهو محطم مثلها و أكثر... نعم... أنهما محطمان بما يتجاوز أي إمكانية للإصلاح. ولكن عليهما الكلام ليأتي علاجهما بفعاليته، بيانكا تتردد على عيادة نفسية وهو سعيد لأنها وجدت المكان الذي سيُمكنها من تجاوز المحنة... أما فيما يخصه فلم يحن الوقت ليفتح جراحه لأحد... حتى لزوجته.
التقت عيناه بعينيها القاتمتين، في الماضي... عيناها تشبهان المرايا، يسهل رؤية الأمور من خلالها، في هذه اللحظة، كانت عبارة عن يم مظلم و فارغ من العذاب و الألم... يعرف بأنها ستسأله مجددا... و يعرف بأنه سيتردد بمنحها الاجابات التي تنتظرها منه... انكمش لذكرى ضجيج جسد اليخاندرو الذي يسقط أرضا و ملأت الدماء النظرات التي يحطها على ابنته في هذه اللحظة، رغما عنه شعر بغيمة من الدموع تزحف اليهما ، رمش بذعر كي يتفادها.. لن يبكي أمامها... عموما لم يتمكن من البكاء حتى في خلوته، بالرغم من انه بحاجة ماسة لإفراغ الغضب و الحزن الذي يتآكله:
" لدي الحق بمعرفة كل شيء" سمع ابنته تقول أخيرا بصوت لين" من الغرابة الا يأتي خافيير لصقلية والا يتصل حتى..."
التقط انفاسه و اشبك اصابعه ليحطها تحت ذقنه، الهواء يزعج رئتيه، عملية التنفس صعبة في هذا الديكور الوردي المريب، انه يحتاج للتمشي و استنشاق الهواء... و الهروب ايضا من رائحة السكر التي علقت في أنفه و اخفت عنه كل الروائح الأخرى.
" أبي..." وشوشت له متوسلة:" أريد الانتقال لشيء آخر غير الاستمرار في تعذيب نفسي بالاسئلة... هذا رأي طبيبي ايضا ..."
بقيت الكلمات عالقة بينهما، انه يشعر بالفراغ ... رباه... انه بشر، و هناك حدود لما يمكنه تحمله... و قد أخد أكثر من نصيبه.
" خافيير..." بدأ ببطئ، و شعر بأن اسم خافيير يترك مذاقا مريرا على لسانه... يجهل ان كان يكرهه اكثر مما يكره نفسه..." لم يكن يوما قرصانا أو خارج قانون... انه عميل سري لدى الانتربول، استغلوا قرابته باليخاندرو كي يقحموه في حياة العراب ..."
ان كانت وجنتي ابنته شاحبة قبل قليل فالآن صار وجهها أبيض مثل الثلج، بدت و كأنها فهمت تماما نهاية الحكاية... اليخاندرو كان بمثابة كبش فداء نعم... دفع ثمن أخطائهم كلهم.
انطلقت الكلمات بمفردها و عاش مجددا تلك التفاصيل المريعة و امضى الدقائق في طياتها المظلمة، اخده الحوار بعيدا... بعيدا جدا و عندما بحث مجددا عن نظراتها كان وجهها غارقا في الدموع، الا انها لا تبدو منزعجة او حزينة... كانت تبتسم... آخر ردة فعل توقعها منها... ظن بأنها ستقطع علاقته به و تلعن روكو و تختفي من حياته لسنوات:
" مات بطلا..." استنتجت" هذا هو اليخاندرو... يفدي من يحب بروحه... لقد... لقد حبكت سيناريوهات سيئة جدا و كنت بعيدة عن كل ما قلته ... شكرا لانك وثقت بي...يمكنني ان ارى موته كتضحية جليلة و ليس العكس..."
" انت...أنت لست غاضبة مني لأنني لم أنقذه؟؟" سأله بنبرة مهتزة.
" هل تمزح؟؟؟ كيف لي أن أغضب من البطل الذي هو عليه أبي؟؟ أو حتى البطل خافيير الذي قدم نفسه لتلك المرأة كفدية، ولا من البطل روكو الذي غامر بكل ما لديه و رمى بنفسه في براثن الثنين؟؟ كان يمكن ان يعود ايضا في صندوق لسيما وأن مكانته حساسة جدا... كان يمكن أن تعود أنت في صندوق أبي هل فكرت في هذا؟؟"
نزل عليه هذا الكلام وكأنه موجة من الابر الواخزة... انه يرفض رؤية الامور من هذه الزاوية... ضميره يرفض قطعا هذه الخلاصة.. أخطأ بحق صديقه و يستحق العقاب.... لو عاد في صندوق لكان موته أرحم من عذاب ضميره.
" ليس ذنبك ماحدث داركو..." عادت تحاوره بنفس اللهجة اللينة و هي تمد يدها من خلال الطاولة الممتلئة بالكابتشينو والكعك والكب كيك ، والمشروبات الغريبة التي لم يتذوق شيء منها خوفا من أن يدخل الى عالم القصص الخيالية و الا يعود...شدت اصابعها على يده بينما يقطع عهدا على نفسه بالايعود مجددا الى هذا المكان الملون بألوان الباستيل و الزهور و الأنوثة المنتشرة من حوله و تشد على أنفاسه بشكل مزعج.
" هذه المشاعر النقية و القوية التي لا يمكن انكارها نحو اليخاندرو تثير الاعجاب و التقدير، فعلتم ما استطعتم لتسوية الامر... كان من الممكن أن تصيبك أنت الرصاصة، ربما العراب و لما لا خافيير... لكن القدر اختاره هو... ان لم يتدخل... ولم يرمي بنفسه امام سلاح تلك المرأة فلن يكون اليخاندرو الذي نعرفه... وهذا ما أحببته فيه... " كلماتها اشعلت النار في كيانه أكثر و اصبح يرغب بالهروب من المكان أكثر من قبل "وجودي بدونه يجعلني أشعر بأنني غير مكتملة، وأن جزءًا كبيرًا مني قد رحل... الا انني اشعر كخطيبة محارب منح روحه فداء للوطن... شكرا لأنك تقاسمت كل هذا معي، سأعمل على الا تُمحى ذكراه و سأستأنف قريبا أعماله الخيرية لسيما مشروعه 'سافانا' في المكسيك..."
رفع يدها الى شفاهه و قبلها بحرارة، انه سعيد جدا بردة فعلها، سعيد بأن يساعدها بتجاوز هضبة الرمال المتحركة، بينما جزء منه يريد فحسب الموت... خطابات بيانكا الجميلة لن تغير شيء لقلبه المحطم... اليخاندرو لم يكن مجرد صديق...انه قصة صداقة فاقت المثالية... قصة شراكة... قصة حزن أعمق من وجع القلب.
" أنا فخورة بك أبي..." كانت كلماتها صادقة و أصابت قلبه مثل السهم. شدّ على فكّه وهو يكافح الشعور المؤلم المتجدد، ليته يكون قادر على مشاركتها حماستها " عليك ان تنسى حماقة ان اهمالك السبب... لا اتهامات متبادلة ضد النفس أو ضد الآخر... سنمضي قدمًا ولن ننظر إلى الوراء من اليوم... سنتعلم من أخطائنا و نتعلم أيضا الغفران ..."
" متى أصبحت حكيمة؟؟" سألها برقة.
" بعد جلبي لك الى هذا المكان الزهري و رؤيتك تتلوى في مقعدك لتتحمل الديكور"
رغما عنه ضحك:
" هي طريقة رائعة للتعذيب النفسي..."
اتسعت ابتسامتها و ظهرت الغمازتين في جانبي فمها مما ذكره بطفولتها:
" انت لم تزور بعد المراحيض..."
" الرحمة... لا أنوي زيارتها... فلنرحل من هنا 'كارا' قبل أن أفقد رُشدي"
ترك مقعده و انحنى عليها لياخد منها نيكولاي الذي يشكره داخليا على نومه ليمنحهما حميمية الكلام الموجع الذي انتهى بشكل جيد في النهاية، عادة لا ينام مطلقا في هذا الوقت... تنهد الصغير عندما وضعه على كتفه ووضع عليه معطفه ليحميه من البرد في الخارج.
" سأمضي الليلة في القلعة..." قالت بيانكا " اريد أن أشبع من نيكي قبل عودتكم الى كاتانيا"
" من نيكولاي فقط؟؟" سألها.
" منك ايضا أبي..." قالت وهي تتأبط ذراعه" لقد افتقدتك بشدة وفي جعبتي الكثير لأخبرك به"
أمام الكونتوار لدفع الحساب تولى الشاب الانجليزي المهمة، رآه داركو يتلون ألف لون أمام بيانكا التي لا يبدو أبدا بأنها منتبهة لإعجابه، عندما اخرج بطاقة حسابه اعترضت هي ووضعت بطاقة حسابها في يد الشاب:
" أنا من دعاك..."
الشاب يماطل بشدة كي لا ينهي المسألة بسرعة، اخيرا وجد الفرصة ليوجه كلامه اليها:
" لم نكن نعرف بأنك مرتبطة و لديك طفل..."
احمر وجه بيانكا، دوما يظن الناس انها حبيبته، كانت ماتزال ترتدي خاتم خطوبتها بينما هو يلبس خاتم زواجه ومن البديهي التوصل الى خلاصة مماثلة، اسرعت ابنته بالتفسير:
" انه ابي... وهذا أخي الصغير"
تجرأ برفع عيناه نحوه و كأنه بالكاد يصدق كلامها، تدخل داركو ليخفف من اضطراب الفضولي الذي يرغب بشدة معرفة موقعه في حياتها:
" رزقت بها في السابعة عشر" الغلطة الذي حاسبها عليها بقسوة والديه، انها اجمل غلطة قام بها في حياته، مد ذراعه ليحيط كتفيها و يقربها اليه...و قلبه لا ينبض بدونها.
* * *

اسبانيا
( مدريد... مقر شركة المارتينيز )
.
.
.
عكس تخميناته، فضلت آيا الالتحاق به للـ(الكلام) في وقت متأخر جدا من النهار، كانت المؤسسة قد بدأت تفرغ من الموظفين و سكرتيرته رحلت منذ زمن، زوجته التي هجرها بين الأغطية المحملة ببقايا نشوتهما الليلية اختفت و حلت محلها امرأة مظلمة الملامح و مكفهرة الوجه، نظراتها جليدية و شريرة، منذ معرفته بها... لم يرها بهذا الوجه أبدا...بدت و كأنها خرجت لتوها من الجحيم... هل اكتشافها معرفته بشركتها المبتدئة و اعمالها السرية أغضبتها لهذا الحد...؟؟؟
" تاخرتي.."
" تأخرت نعم... " ضربت وجهه بكومة أوراق أخرجتها من حقيبتها، تراجع من هول المفاجأة، هذا الهجوم الجسدي الشرس عليه دق ناقوس الخطر فورا في عقله :" تأخرت في استعاب أن من أضيع وقتي معه هو انسان متضرر كفاية و غير قابل للاصلاح... أنت انسان فاسد، أناني، سافل خوسيه مارتينيز... "
توقفت لتلتقط أنفاسها بينما جعد خوسيه جبينه وقبل ان يسأل أشارت للاوراق التي انتشرت على مكتبه ووقع بعض منها أرضا:
" كنت تعلم منذ البداية بأعمالي هيه؟؟... لقد وفرتُ كل قرش، كل مجهود في سبيل شركتي و مخاض ولادة التوأمين لا يُعتبر شيئا امام كفاحي و جهودي لأوقفها على رجليها و يصبح لها شأنا... لكن رجل مثلك لن يفهم...آه كلا... فقد ولدت و أنت ابن العظيم 'المادو مارتينيز'، ولدت وفي فمك ملعقةمن ذهب، تعيش في قلعة تشبه قلاع القصص الخيالية و أعمالك كانت مزدهرة حتى و أنت في المهد، فكيف لك بحق الشيطان ان تفهم معنى الحاجة و وجع الفقر؟؟... هذا الفقر منحك الحق في استعمالي و استغلالي.. " امتلأت عينيها بدموع الغضب و زمت شفتيها وهي تتابع " تلك الشركة التي هاجمتها خوسيه ... تلك الشركة ترمز لقوتي ... لقد بنيتها قطعة قطعة من تعبي و شقائي و ساعات النوم الضائعة لكي أحمي نفسي من الأوغاد أمثالك... تلك الشركة التي هاجمتها تُمثل المرأة التي تقف أمامك، كان يجدر بك التفكير الف مرة قبل الوقوف في طريقي و وضع العقبات بيني و بين الممونين و الجمارك و تحويل حياتي المهنية المبتدئة الى جحيم... "
جاهد لالتقاط أنفاسه و شعر وكأن صدره يتعرض للضغط بواسطة أطنان من فولاذ. لقد كان كابوس... لم يكن يريد ابدا ان تكتشف الحماقات التي ارتكبها في حقها في هذا التوقيت، ليس بهذه الطريقة على الأقل، أخفض نظراته على الأوراق فوق مكتبه، انها تحمل اسم الشركة الوهمية التي استعملها كي ينتزع من تحت يدها كل البضاعة التي كانت بأمس حاجة لها، شعر بالعار و الخجل :
" يمكنني التفسير اليك..." بدأ بالقول، و أتت الكلمات مهتزة في ادنيه، لا يملك اي تفسير جيد لازالة غضبها و هياجها، تبدو حقا فاقدة السيطرة و مستعدة للهجوم عليه كثور ثائر ان أخطا في كلماته:" أخطأت... أنت محقة لقد أخطأت... ما ان اكتشفت أعمالك حتى فقدت السيطرة و غضبت من تكتمك كنت أريد ثقتك بي...."
" تكتمي؟؟" زمجرت بحقد:" بأي حق تطلب ثقتي خوسيه؟؟ أنت الذي احتال علي و استعمل رحمي للحصول على وريث دون اخد اذني..؟؟ بالنسبة للشركة فلم يكن اهمال من جانبي و لم أنسى اخبارك بل عزمت على الاستمرار في الكذب حتى النهاية، تعرف لماذا؟؟ لأنني لا اثق في زواجنا و لا أؤمن به، كل كلامك المعسول وتصرفاتك الجميلة ما هي سوى أستراتيجية لسجني بجانبك كي تحافظ على صورة العائلة المثالية التي ترغب بمنحها للمجتمع... تريد الاحتفاظ بالشيء الوحيد الذي تؤمن بأنك نجحت به... زوجة وعائلة"
شعر بالدم ينسحب من شرايينه، كلماتها تنزل عليه مثل السوط الواحدة تلوى الاخرى:
" أنت مختل و مشوش و بحاجة للمساعدة، لكنني لا انوي هدر وقتي معك، أنت اخترتني نعم الا انني لم أخترك، قبلت بك لاسبابي خوسيه و ربما مسافة السنوات بيننا توضح ما لا يجرؤ أحد من المحيطين بك بالتفوه به جهرا، انا اصغر من دانيلا عمرا و مكاني ليس بجانب رجل مثلك... أنت لا تحمل شيئا من سمة فارس الاحلام الذي حلمت به... "
توقفت كي تلتقط انفاسها، استأنفت بمرارة بعد أن القت نظرة على الحائط الذي يعلق فيه شهاداته الجامعية و كل نجاحات الشركة على مر السنوات و حتى الكوؤس الذهبية و الفضية التي ربحها فريق البولو خاصته " لما لا تظيف شهادة مستشفى الأمراض العقلية التي استضافتك مرتين؟؟ " هزت رأسها والتقطت انفاسا وكأنها تختنق قبل أن تنفجر في وجهها مجددا بكل قسوة" أنت سرقت مني حياتي و هذا ما لن أغفره لك... أنا أكرهك"
سقط فكه وكذلك قلبه وأحشائه. بدت الأحذاث و كأنها تمر بالحركة البطيئة. وكأنه في حلم ثقيل...تحت الماء. رمش عيناه محاولًا مقاومة الصدمة والغضب والعجز. الآن ليس الوقت المناسب للتعبير عن صدمته... آيا تكرهه، الطريق الصحراوي الذي ظن بانهما قطعاه لم يكن سوى سرابا، تركته يظن بأنه اصلح ما كسر بينهما، عاش وهما في الاشهر الاخيرة.
سقط صمت ثقيل علي المكتب، بقيا يتطلعان في أعين بعضهما البعض، بينما كلاهما يعرف بانهما تجاوزا الحدود ولا سبيل للعودة الى الوراء... زواجهما تحطم كليا و أصبح مستقبلهما في متاهة من الممرات الصغيرة و الملتوية ، كلها على حد سواء، آيا محقة... انها المرة الأولى التي يريد ان يمنح المجتمع صورة كاملة و ايجابية على حياته، اصدقائه متزوجون و سعداء بزواجهم و هو تعلق بامل أن ينجح معه الأمر... وضع أمله على زواج بُني منذ البداية بطريقة عشوائية... تمتمت بعد أن وجد كلماته أخيرا:
" المختل.. و المشوش خريج المصحة العقلية يطلب منك مغادرة المكتب و القلعة منذ الليلة... ستحصلين على طلاقك كي تنعمي بالحياة التي تريدينها، لن ألمس مجددا شركتك، لو بحثت جيدا لوجدت بأنني توقفت عن ذلك منذ أشهر و بأنني سهلت عليك الكثير من الأمور منها الجمارك و التوزيع...أظن أنه لم يعد هناك ما يُقال بيننا... فقد قلتي كل ما كان في قلبك و الأمور واضحة بيننا على الأقل... "
" لا خوسيه... الأمور ليست واضحة بيننا" سمعها تقول من بين اسنانها وهي تقترب من المكتب " هناك المادو و أوزلام... الولدين الذين اجبرتني على الحمل بهما... لا تظن بأنك قادر على انتزاعهما مني... انت تجهل ما انا قادرة على فعله... سأفضحك في الميديا و سأنشر قصتنا بكل مساوئها كي اجعلك أضحوكة على مر العصور... التاريخ لا يرحم و أنت مأدبة دسمة سيتمتع المجتمع بغرس أنيابه فيها و بلعها قبل بصقها بأسوا الطرق..."
هذا التهديد قلب معدته، ليس لانه خائف بل لان المرأة التي امامه ليست آيا التي يعرفها:
" ستخبريهم ايضا بالمزاد العلني في ايطاليا؟؟ كيف اشتراك اليخاندرو بحفنة من المال" رآها تتراجع فورا " أتحرق لرؤية وجه والديك المؤمنين عندما يعرفان تفاصيلنا المخزية ..."
راقب الشحوب يزحف الى وجنتيها، لكنها قالت دون ان يرف لها جفن:
" سيتفهمونني عندما يعرفون تفاصيل صفقتك المذلة... و ان كُتب علي فقدان احترامهم فأفضل تلك الخسارة الف مرة على فقداني التوأمين..."
" تظنين بأنك قادرة على مواجهتي؟؟..." سألها من بين اسنانه، متأثر رغما عنه بصلابته امامه: "اخرجي من هذيانك آيا... انت تضيعين وقتك"
" ليس قبل ان تعرف بتفاصيل الصفقة التي اقترحها عليك..."
هز حاجبه منتظرا:
" صفقة؟"
" ما بيننا نوع من الاعمال خوسيه و بما انك وعدتني في اخر مرة بأن تحررني ان خيبت املي فأنا اناشدك بإحترام كلمتك...نحن لا نليق ببعضنا، لا يمكنني ان احب رجل مثلك و أنت... أعرف بأنني لا اهمك أيضا و لا تحبني... من الأفضل أن نتفق من أجل الصغيرين... "
عاد الصمت المتوثر ليلفهما، كان الوضع موجعا جدا، لا يعرف ان كان الوجع بسبب غبائه شخصيا لأنه صدق قدرته بالحصول على العائلة التي طالما حلم بها، او أن الوجع في كلماتها ( لا يمكنني أن أحب رجلا مثلك).
" أريد الطلاق و حضانة متساوية..."
كي ترتبط بشاب بعمر كارلوس و تعيش ملحمة الحب التي تحلم بها؟ قاوم كي لا يلمس صدغه، بداية بوادر الصداع النصفي الذي يسببه التوتر، منذ زمن لم يشعر به... آيا قادرة على ادخاله في احدى الازمات التي تحرق معها الاخضر و اليابس، و من الأفضل له ان يتخلص منها فورا قبل أن ينهار أمامها:
" ارحلي..."
" هناك ما يجب أن تعرفه" أصرت دون ان تتحرك من مكانها أو ترأف لهشاشته " أعرف بحبك الضائع لإليونور كورتيز، خالة دانيلا..."
ابقى نظراته عليها و هو ينتظر الى ماذا تنوي الوصول بالضبط.
" ذلك المساء...خلال وعكة سيسيليا الاخيرة، دخلت الى جناحها لتفقد أحوالها و سمعت حديث ما كان لا يجدر بي سماعه... كانت تشتكي للطبيب همها... أخبرته بأنها قلقة بشأن ردة فعلك ان اكتشفت بأن حبيبتك لم تمت و أنها تنعم بحياة رفاهية في نيويورك عند دانيلا و اليساندرو..." توقفت لتبتلع ريقها " يبدو ان الجميع يريد ابقاء امرها سرا... الا انني اعرف بأن الوقت حان كي تعرف الحقيقة... لهذا... لا ينفع ابدا أن نستمر في هذه المهزلة التي عليها زواجنا... امنحني الطلاق خوسيه و اذهب الى حبيبتك.. لا يُخفى عن الجميع كم كنت تحبها"
كان الوضع سريالي لدرجة انه اهتز فجأة في ضحك صامت لم يتمكن حتى من اخراج شهقاته عاليا، كشرت شفاهه على ابتسامة سيئة عندما عاد لينظر اليها:
" من بين كل الحماقات التي نطقت بها حتى ألان أعترف بأن هذه أكثرها ... قساوة ... انت تجهلين ما جمعني باليونور... لا تسمحي لنفسك باستعمالها لتتملصي من زواجنا"
" زواجنا الذي وضعت أنت بنوده..." تمتمت ببعض المرارة" أنت استحوذت علي... مثل رجل كهف يحدد أراضيه"
ما تفعله، هو غرس الخنجر، ثم اخراجه ببطئ شديد لتعيد غرسه مجددا في نفس المكان، الالم فضيع و لم يعد يتحمل الوجع:
" اليونور حية... اسأل والدتك... لستُ حمقاء كي الفق كلاما يمكنك التأكد منه... "
حرك رأسه يمينا و شمالا قبل أن يزفر:
" لكنك حمقاء كفاية كي لا تري أبعد من أنفك... أهنئك...مشروع العائلة مات في مهده و فشلت المهمة... أنت حرة تماما في فعل ما تريدينه بحياتك آيا... ففي النهاية... لا أحد يجبرك على البقاء مع رجل تكرهينه، و يتعذر عليك حبه... " راقب وجهها يبيض، كل اندفاعها تراجع، هل كانت تتوقع ان ينفجر بدوره فيها و ان يبدأ بالتهديد و العويل؟؟ " انت ممثلة رائعة... بالأمس، لم أشعر بكراهيته ولا نفورك في السرير... ظننت بأننا نتشارك حقا شيئا مميزا و بأن ثمة مستقبل بيننا..."
أبقت شفاهها مطبقة الا ان النظرات التي كانت تتطاير شرا قبل لحظات امتلأت بشيء يشبه الضياع، عاد ليجلس على مقعده و أشار لها بحركة سئمة " أحصل على النتيجة نفسها ما ان أتوقف عن توخي الحذر و أبدأ بمنح ثقتي... آملت فحسب بأن تكون النتيجة مختلفة هذه المرة... بما أن هناك طفلين في الموضوع..."
ردت بعد لحظة بصمت مشحون:
" مثاليتك... لم تكن سوى واجهة مزيفة. و كلينا لعب اللعبة نفسها...أجهل لما تتصرف ألان و كأنك ضحية !!..."
كان وجهه شاحب، يبدو متعرقا أيضا و يجاهد لالتقاط أنفاسه:
" لم اكن العب معك لعبة آيا ... اخطأت التقدير... كنت صادق معك و منحتك الوقت كي تفهمي ..."
توقف عن الكلام، حرر ربطة عنقه و أزرار قميصه و شعر و كأنه بصدد الاختناق، أشار الى الباب: " أصابت رصاصاتك الهدف و فات الوقت للكلام... ارحلي ألان... "
بقيت تتطلع اليه بعينين ضيقتين ثم قالت:
" كل ما اريده هو الطلاق و حضانة مشتركة و... وجود طبيعي بدون حروب ولا وجع، لأن هذا سيؤثر على الصغيرين... أنت خذلتني و جرحتني و أريدك أن تحترم كلمتك و أن تتركني اغادر القلعة معهما... لا أنوي الرحيل من دونهما"
" لا يهمني ما تريدين... اختفي فحسب من حياتي... لا اطيق سماع صوتك..."
بقيت للحظات في مكانها تتطلع اليه قبل أن تقرر الرحيل أخيرا.

* * *
كابري
(ايطاليا
.
.
.

" أنا أكره هذا المكان"
كلمات أوكتافيا أجبرت سانتو على هجر حاسوبه بعينيه، كانت الشمس تنحرف قليلا للجنوب، و سماء كابري تتأهب لاستقبال ألوانها الرائعة، لقد أمضيا اليوم في التجول و العبث و بدت سعيدة و اكثر صحة الا انها عادت لتدمرها الاعتيادي، كانا يجلسان على شرفة الصالون الذي تم ترميمه و تأثيته، مازال البناء جاريا في الجهة الشرقية من المعصرة، و يعترف بأن النتيجة رائعة، تفوق المهندس بإبهاره.
" ما ان ينهون البناء حتى تكون رائعة..." قال لها برقة و هو يلتقط يدها في يده و يعصر عليها:" لما لا تذهبين للعب قليلا مع أبناء مدبرة البيت"
هزت ابنته حاجبيها:
" العب مع ابناء الخدم؟؟؟ هل تمزح.؟"
" أتكلم بجدية..."
" انهم غريبوا الأطوار... كما ان مدبرة المنزل تضع خرقة على رأسها و لا تعجبني"
" انها تتبع اعتقادات مختلفة لهذا تضع وشاحا على رأسها... " شرح لها سانتو بنبرة حازمة" ولم أعتدك جارحة و لا متهكمة... مالذي يحدث لك؟؟"
لم ترد، ابقت عينيها على نقطة ما في الحديقة دون ان تنظر اليه، كانت فحسب تقلب شفتها باستياء.. تبدو ضجرة و قلقة ايضا، يجهل ما يقلقها بالضبط:
" ان كانت هناك مشكلة فيمكننا مناقشتها أوكتافيا... اتيت بك الى ايطاليا كي تغيري ثلوج موسكو بشمس ذهبية رائعة و ظننتك سعيدة بهذا التحول كما انك استمتعت طيلة النهار"
" أفتقد أمي..." قالت له وهي تحول أخيرا عيناها اليه" لما لا تدعوها الى هنا..؟؟ "
" كلا ..."
" لكن لماذا؟؟"
"لأننا بصدد الطلاق ..." ندم فورا على قسوته، شفة ابنته السفلى ترتجف و بدت على شفير البكاء، مد يده اليها فتركت مقعدها و أتت الى حضنه:" أنا آسف... اعرف كم ان الوضع صعب عليك حبيبتي.."
منذ ان عاد من بيت فيرنا بالأمس وهو عبارة عن كرة اعصاب متنقلة، يبحث عمن ينفجر فيه ليشفي غليله، لم يتمكن من النوم ليلا و في الفجر ادرك بأنه أخطأ.
تصرف معها كما لو كانت واحدة من حريمه، اليس اختلافها ما جذبه لها؟؟استثنائيتها و تميزها ؟
لقد تسرع جدا و هذا التسرع أحدث فهوة سحيقة بينهما و قد يفقدها في أية لحظة، هذا اذا لم يكن قد فقدها فعلا...
مشكلته انه لا يطيق الانتظار،آه كلا... يتهم أوكتافيا بالدلال بينما هو مدلل أكثر منها و قد ترقب ان تتقبل فراشته الرقيقة الحاحه و تطلبه دون اعتراض، تماما كما تفعل ابنته معه في هذه اللحظة.
لقد خيبت أمله لأنه السباق بتخييب أملها...
فيرنا لا تحلم بالسلطة كإيموجين و لا تعطي الثروة أهمية، و لا موقعه الاجتماعي يؤثر بها، انها بسيطة، متواضعة و كل حلمها هو مساعدة الناس...
و هو أحبها لأنها هي... فيرنا، بإعاقتها،و بثنورتها المتهالكة و بقلبها الذي يتسع للعالم بأسره...انه مفتون بها.
اضطر لمنحها مسافة ريثما ينزل غضبها منه، بالرغم من ان كل دقيقة في كابري بعيدا عنها هو تعذيب نفسي حقيقي، يعرف بأنها عملت في الصباح بفندق القرية، و تناولت الغداء مع عمها قبل ان تذهب لكابين الطبيب الشاب ولم تعد منها حتى ألان... قد لا يعتبر الرجل منافسه في عدة أمور سوى فيما يتعلق بفرينا...لأنه هو الأخر مفتون بها.
ما يجعل غيرته أقل هيجانا هو معرفته الأكيدة بأن عائلة الطبيب أتت في زيارة، اي أن حبيبته ليست بمفردها معه.
ما عليه سوى الصبر و حياكة خطة جديدة للتقرب منها دون ان تصده.
لا يرغب بإرعابها مجددا و باخافتها،الباب الهش الذي فتحاه بينهما في الجزيرة سيغلق.
فيرنا عنيدة جدا... انها مُهرة متوحشة كبرت في البراري و تعشق حريتها، ليست منجدبة لأضواء العالم البراق الذي ينتمي اليه، و الذي يجعل الصيد مملا فكل شيء متوفر على القائمة يكفي استعمال بطاقة الائتمان او اسمه للحصول على كل ما يريد.
عليه ان يتعلم الطريقة الصحيحة للانضباط مع طباعها... لن يغريها بدفتر شيكاته كما هي العادة.
هناك الكثير من الامور العالقة بينهما،مثلا هويته.. للان هي تجهل بأنه يملك اثنتين... و بأنه ليس فقط ابن يانيس ايميليانو بل أيضا ابن جاك ارشيبالد.
تململت أوكتافيا بين ذراعيه:
" أنت تخنقني..."
" أنوي خنقك اكثر و اكثر ..." خفف من قبضته عليها و ارخى ذراعيه قبل أن يقرب شفاهه من شعرها و يقبل رأسها " أحبك يا مدللة ابيكِ "
" و أنا أحبك كثيرا..."
أخبرته مستشارة ابنته النفسية ان علاقته المتوترة بايموجين تؤثر بشدة على الصغيرة، وهذا يقلل قدرتها على الصمود في وجه تفكك العائلة التي كانوا عليها.
الوالدين هم الذين يمكنهم تقليل أو عكس العواقب السلبية الخطيرة المحتملة على الأطفال.
انه يتفهم شعور أوكتافيا بالخسارة، رحيله من البيت يقلقها و يخيفها، تظن بأنه سيجبرها على هجر عالمها في ميامي حيث عائلة والدتها و أصدقائها، لو كانت ايموجين مؤهلة للاهتمام بها كما يجب لما كانت معه في هذه اللحظة، لكن الطلاق لا يمر كما تمنى و زوجته السابقة تصعبه عليهما بإستعمال ابنتهما و استغلالها.
يعرف بأن النتائج السلبية للطلاق قصيرة الأجل و سينقضي ضعف التكيف النفسي والاجتماعي والعاطفي ، ومفهوم الذات السلبي أيضا لسيما في حالات الصراع تماما كما هو عليه الحال حاليا...، مع الوقت ستكبر ابنته و ستفهم بأن طلاقه لا يشملها اطلاقا و بأنها شمس حياته.
"ابي"
" أمممم"
" سألني خالي لوكا عما انوي امتهانه في كبري..."
" خيالة محترفة اليس هذا ما سبق و اخبرتني به؟"
" احب ركوب الخيل بشدة نعم, الا ان السيارات و المحركات تشغفني... قالت امي بانه مجال رجالي.."
ابعدها عنه ليتطلع الى وجهها
" بل هو مجال مختلط ... توظف ارشيبالد الكثير خبيرات الميكانيك حول العالم ناهيك عن البقية اللواتي يعملن في فرق من الفنيين الذين يهتمون بالاختبارات والرسومات ... مديرات ماليات او كمهندسات و مصممات نماذج مثل ميغان... في غضون الثماني سنوات الأخيرة، تضخمت القوة العاملة لدى ارشيبالد بنسبة 130٪ لتصل إلى 30500 شخص حول العالم و نصفها من النساء عزيزتي، هناك عدة مجالات يمكنها اثارة اهتمامك دون تلطيخ يديك بالشحم "
"انه نمو مذهل لعلامتنا التجارية المرموقة" ابتسمت له ملئ فمها" أمي تراني أفضل في بذلة بيضاء خلف مكتب أنيق.."
" صحيح أن هذا أشد أناقة من بدلة ملطخة بالشحم..." مسح على شعرها وقال بجدية " ما يهم هو ما تريدين انت أوكتافيا؟؟ "
راقبها تفكر قليلا قبل أن تقول:
" الابتعاد عن حلبات السباق و المحركات و التحدي الذي يفرضه مجال السيارات السريعة سيحزنني، و لأكن صريحة... لا أحب المجال الطبي لسيما الطب التجميلي و لا أريد احزان أمي بالتعرية عن ميولاتي ، ربما زي الميكانيك ليس أنيق الا انني احب تلطيخ نفسي بالشحم و الغوص في المحركات وفهمها، أريد ان اكون مثلك، قادرة على ابهار العالم بالانجازات الاستثنائية و التصاميم الفريدة من نوعها و ان اكون دائمآ في القمّة... أريد أن اكون المديرة التنفيدية لأرشيبالد و الا من سيهتم بالشركة عندما تصبح عجوزا أبي..؟."
ضحك سانتو وهو يعود لخنقها مجددا بين ذراعيه و قبل ان تتدمر وقف ووضعها فوق كتفه الى ان اطلقت صرخة ممزوجة بين الحماسة و السعادة:
" أمامك سنوات من العمل الشاق كي تستحقي مقعدي ايتها الصغيرة... كنت في عمرك عندما لطخت يداي بالشحم و الزيوت... ما رأيك ان نتمم هذه المحادثة المشوقة في مطعم حول اطباقك المفضلة..؟؟ "
" الكثير من البطاطا المهروسة و جبل من شرائح اللحم المفرومة "
جعد انفه بينما يشير لمدبرة البيت بأن تجمع اغراضه من الطاولة:
" هذا امريكي للغاية!!! "
وضعها على ساقيها بجانب السيارة التي استأجرها للتنقل في كابري:
"بيتزا اذن؟؟ سأطلب المثلجات للتحلية ففي النهاية نحن في عاصمة المثلجات"
فتح لها باب السيارة و ضرب بخفة على ظهرها:
"هيا اصعدي و احكمي اغلاق حزام الامان"
" هل يمكنني القيادة؟؟" سألته متحمسة.
" كلا..."
قد يجد البعض هذا جنونيا الا ان أوكتافيا تعرف القيادة جيدا منذ السادسة من عمرها، سبق و اهداها سيارة تناسب قامتها الصغيرة الا انها محترفة و تجيد التلاعب بالمحركات العادية و السريعة على حد السواء.
عندما اغلق الباب رآى شاحنة فيرنا تقتحم بوابة المزرعة، شعر بأن قلبه ينفجر وسط صدره، بقي متسمرا في مكانه، يراقب تحرك الشاحنة نحو البناية البيضاء التي أصبحت منزله بفضل أعمال البناء الموفقة:
" أبي..." استعجله صوت ابنته.
" انتظري لحظة حبيبتي..."
ودون أن يبعد نظراته عن الشاحنة القديمة و المتهالكة تحركت ساقيه نحوها ما ان توقفت أمام حقل الورود التي يهتم بها عيسى بكل حب، هو و زوجته جعلا من هذه المزرعة جنة حقيقية و هو ممتن لفيرنا لأنها وضعتهما في طريقه، شد على أصابعه المتعلقة بينما يصل الى الشاحنة في الوقت نفسه الذي يقفز فيه السائق الى الخارج.
انتبه فورا الى خطئه، لم تكن فيرنا انما عمها ايليو، هو من تكفل بتوزيع الخضر.
الخيبة تشكلت في خنجر تم غرسه بين ضلوعه، لااراديا وضع يده على مكان الآلام الا انه ابقى ملامحه محايدة:
" مرحبا سيدي... طلبيتك جاهزة..."
" مرحبا ايليو..." ادلف يده في جيب بنطاله و اخرج الاوراق النقدية قبل ان يضع ثلاث ورقات في يد الرجل الذي القى نظرة مندهشة الى المبلغ.
" هذا كثير... التكلفة اقل بكثير..."
" إعتبره تعويض عن ازعاجي لك بالأمس... لم اقصد التطفل في ساعة متأخرة...أنا آسف "
أخد ايليو ورقة قبل أن يطوي الورقتين الاضافيتين و يعيدهما اليه:
" اعتذارك مقبول... "
أمام ملامحه المصرة ادرك سانتو بأنه يعود مجددا لارتكاب غلطة بإستعمال المال، استعاد الورقتين ووضعهما في جيبه بينما بدأ ايليو بإفراغ شاحنته من صناديق الخضر، رآى عيسى يسرع نحوه لمساعدته.
" أبي..." هذه المرة خرجت أوكتافيا من السيارة لتلتحق به" هل تأتي؟؟ أنا أتضور جوعا..."
ابنته لا تتكلم الايطالية ولا يظن بأن إيليو فهم كلمة من الروسية الا انه من الصعب عدم الشعور بالفضول حيال تواجدها هنا، نظر اليها إيليو بإصرار قبل أن يقول:
" هل هي إبنتك؟؟"
هز رأسه بالايجاب، وضع عيسى عدة صناديق على كتفه قبل أن يتوجه بها الى الداخل غير مهتم بالموضوع.
" كل شباب القرية عملوا عند الإيميليانو... ان لم يكن في مزارع العنب ففي حقول الزيتون اوالمصانع او غيرها... رأيت والدتك مرتين و ربما ثلاثة... كانت تجلب لنا المياه و احيانا الطعام و تحب التحدث الينا لتحسن لكنتها الايطالية..." حط نظراته على أوكتافيا مطولا قبل ان يجزم بهدوء " ابنتك نسخة مصغرة عنها... "
كما هو نفسه نسخة من يانيس، هل يمكن أن تكون الحياة أكثر سخرية من هذا؟؟ هو و ابنته عبارة عن نسخ مقلدة لأناس مروا من قبلهم، نظر الى جدائل ابنته الشقراء، الى بشرتها البيضاء و الحمرة التي تسبح على وجنتيها وقد استعادت كليا صحتها بعد توعكها الغريب في ميامي، ربما ورتث ملامح والدته... الا انه سيعمل على الا ترث ايضا لعنتها،للاسف... قصة والدته محزنة و موجعة و نهايتها مأساوية ،مد يده الى ابنته التي التقطتها فورا و قال لها بهدوء:
" فلنمضي..."

* * *
مدريد
( اسبانيا)
.
.
.

كان الظلام قد لون سماء مدريد منذ زمن، يجهل خوسيه كم من الوقت بقي في مكتبه وسط العتمة، لا ينيره سوى الانوار الخارجية، اتى فوج التنظيف الليلي و بداو بعملهم في تطهير المكاتب و النوافد الزجاجية وافراغ القمامة و عندما دخلت موظفة التنظيف الى مكتبه و هي تدفع عربة مواد التنظيف تسمرت في مكانها ما ان أشعلت الأنوار، ثم تراجعت معتذرة وهي تغلق الباب، يعرف المنظر المرعب الذي قدمه لزائرته... قميص مفتوح، شعر شعث ووجه مكفهر.. اتى على افراغ زجاجة الوسكي المفضلة اليه... ووالدته... اتصلت به عدد من المرات...وربما هي بصدد البحث عنه في كل المدينة، يعرف ما ستقول بهذا لا يرد... آيا رحلت من القلعة برفقة التوأمين.
انتهى كل شيء...
عادت حياته لنقطة الصفر.
جزء منه يريد أن ينكمش ويموت... مواجهته مع آيا لم تكن سوى قطرة المياه التي أفاضت الكأس.
الكثير من الأمور ضغطت على صبره الهش... احيانا الحقيقة تشبه التخاريف... وحقيقته مرعبة... هو لا يتعلم من أخطائه... خيبته مع اليونور، دانيلا التي قطعت صلتها به بعد أن منحها كل شيء... موت اليخاندرو... آيا التي قفزت على الفرصة لتفر من حياته.
واشتد هذا الألم الدائم... مثل قشرة جافة مزقت من روحه...ثم شعر بانه لم يعد بمفرده، انتصبت الشعيرات في قفاه بينما يهز رأسه ببطئ ليجد اليخاندرو يجلس مقابلا له، مثل المعتاد، ابتسامة شاسعة على وجهه.. وسامته الشابة مشعة، أسنانه المصنفة البيضاء تتلألأ تحت الانوار التي أشعلتها الموظفة قبل قليل... بقي يحملق اليه..
متجمد مكانه من الألم و الحنين، مسح على وجهه و أغمض عينيه بقوة الى ان ارتسمت نجوم خلف جفونه، ثم عاد ليفتحها و عندما فعل مجددا كان قد اختفى، اعمت الدموع عينيه و أبقى رأسه بين يديه مطولا قبل أن يقرر الاتصال بالشخص الوحيد القادر على مساعدته، ما ان سمع صوته حتى قال بغصة:
" لقد هجرتني... أخدت الاطفال و رحلت"
" اهدأ..." تمتم روكو بصوته الذي يشبه البلسم "أخبرني ما الذي حصل..؟؟"
عاد يغمض عينيه، أصبح من الصعب جدا التقاط أنفاسه أو حتى التحكم في دموعه:
" أنا مغرم بها..."
" أعرف" وشوش له روكو برقة" كلنا انتبهنا لذلك الا أنت..."
"دوما تأتي ردات أفعالي متأخرة..." فرك صدغه " مشيت في طريق خاطئ منذ البداية، ولا فكرة لدي عن كيفية إخراج نفسي من الثغرات التي حفرتها لنفسي... كل شيء يختلط في رأسي... أنا أرى اليونور... ارى اليخاندرو و أرى جدّي..." هز راسه الى المقعد أمامه ووجد اليخاندرو ومجددا يجلس على المقعد، هذه المرة يضع يده على صدره من جهة قلبه كما يفعل دوما كي يخبره بأنه يدعمه و أنه قلبيا معه...كان يرتدي نفس البدلة التي تم دفنه بها، يبدو حقيقا للغاية، و خوسيه يقاوم رغبته بمد يده و تحسسه للمرة الأخيرة... موته دمره... انه يعاني بشدة مند أسابيع و لا أحد يفهمه... انقلبت عليه القوة التي حاول التظاهر بها، رحيل اليخاندرو أداه بشدة " انه يجلس أمامي و يبدو حقيقيا ... أعرف بأنه ميت... الا أنه امامي روكو... آيا محقة، أنا مشوش و مختل"
" آيا تفوهت بالحماقات... و لا أظنها تقصد هذا الكلام..."
وضع يدها فوق عينيه ليمنع نفسه من النظر امامه:
" أنها تعرف بشأن المصحة النفسية، أخبرتني بأنني مثير للشفقة و بأنه من المستحيل أن تحب شخص مثلي ثم رحلت... نظرة الخيانة في عينيها... الطريقة التي ودعتني بها بدت نهائية للغاية... "
"كلا..." قاطعه روكو ببعض الحزم " هي لا تملك الخيار"
" لا أنوي اجبارها لسيما و أنا أعرف بأنها محقة في كل كلمة... أنا لست طبيعي روكو... الى متى ستستمر بحمايتي بحق الجحيم..؟؟ كلانا يعرف بانني متضرر نفسيا..."
" سوف أطير الليلة الى مدريد..."
بشكل ما أشعل هذا غضبه، ابعد يده على عينيه، اختفى اليخاندرو، و شعر بالحزن لهذا، انه يحتاج لنصائحه، يحتاجه في حياته كما كان دوما:
" لن تستمر في لعب دور الدجاجة الأم كلما واجهت مشكلة... "
" أعرف بأنك تستطيع تسيير أمورك معها فلم تكن بحاجتي يوما لعلاقاتك العاطفية... لكن هناك أمور علينا التكلم بها.."
من خلال غيمة الكحول يمكنه تمييز لهجة العراب الحاسمة، هناك شيء يدفعه لأخد الطائرة ليلا لرؤيته؟؟ كلام آيا السخيف على اليونور عاد الى الواجهة بعنف جعل رأسه يدور، قذف بتهكم:
" أمور مثل أن اليونور حية؟؟"
كان يتوقع ان ينفجر هذا الأخير في الضحك لسخافة الموضوع، الا انه لم يتلقى أي ردة فعل مماثلة.
" روكو؟؟.."
" اسمع..."
" رباه..."
فتح فمه وعاد ليغلقه، شعر و كأن سقف المكتب سقط على رأسه،فجأة تغيرت البانوراما من حوله ووجد نفسه في سن التاسعة، يرتجف من الرعب و يختبئ تحت الشراشف بينما البرق يضرب بقوة في الخارج و ينير الغرفة المظلمة، لم يكن البرق ما يخيفه انما الزيارات الليلة المريبة، لكن هذه المرة كان مستعدا لحماية نفسه، وعندما أبعدت اليد الحاجز بينه و بين مهاجمه وجه سلاح والده أمامه وضرب ضربة واحدة.
" خوسيه...رد علي أرجوك"
كان صوت روكو، لكنه لم يرد، عدة ابواب فُتحت في عقله و رآى الدماء على أرضية غرفة نومه تترك أثار قاتمة بسبب الظلمة، ثم تردد صدى خطوات مسرعة و ما هي الا لحظات حتى أنير المكان وظهرت والدته...
" أنت لا ترد على الهاتف"
رمش كي ينتشل نفسه من المتاهة التي دخلها،كان ثمة تداخل بين الماضي و الحاضر، عاد ليرى والده على ركبتيه قرب الجسد، يحاول ايقاف النزيف بينما والدته تهزه من كتفيه بحدة دون أن تتوقف عن السؤال:
" مالذي فعلته خوسيه؟؟ مالذي فعلته بُني؟؟"
ثم هزته مجددا تلك اليدين، مرتين ثلاثة، فجأة اختفى كل شيء و انتقل بسرعة البرق الى الحاضر ليجد نفسه أمام والدته، كانت تحاول اخراجه من كابوسه، لم يكن يتوهم... سيسيليا في مكتبه... ما ان تجاهل مكالماتها حتى قررت البحث عنه كما تفعل دوما :
" أنا قتلت جدّي؟؟ "
راقب وجهها يشحب، غرق في محيط عواء من الألم، هذه الذكريات التي عادت الى السطح بوحشية الى أن اخارت قواه، جلس على المقعد اذ لم يعد قادرا على الوقوف، دنت منه والدته ووضعت راسه على صدرها، تهدهده كطفل صغير،كرر كلامه بعدم تصديق" لقد صوبت المسدس نحو صدره و أطلقت عليه النار..."
" أنت لم تفعل يا طفلي..."
كانت تكذب، وهو يعرف ما فعله، يعرف ألان لما تم ادخاله الى المستشفى في عمر التاسعة، عادت الحقائق أكثر شراسة الى رأسه، كانت يدي جده اكثر جرأة من لمسات جد طبيعية لحفيده، أغمض عينيه كي يمنع الذكريات من التراكم في مخيلته، مايراه مخيف... مخيف للغاية قال لها بصوت محطم:
" لقد كان ينتزع ملابسي..."
" سأتصل بالطبيب..." وكأنها لم تقاطعه و لم تخرج هاتفها من حقيبة يدها، استرسل في القول و كأنه يهدي:
" أطلقت النار أمي... " ذكرياته مازالت بعيدة وضبابية:" كنت طفلاً ولم يكن لدي أي فكرة عما تمثله إيماءته ، كنت أتعرق من الخوف كلما صادف وكنا بمفردنا في مكان منعزل .. "
" أنا آسفة خوسيه" جلست على ركبتيها بالقرب منه و أخدت وجهه بين يديها، خديها غارقتين في الدموع " فعلت ما استطعت لأمحي من ذاكرتك هذه الذكريات السيئة، لقد تكبدت مشقة حمايتك..."
كان من الصعب العودة الى حوار طبيعي، سيسيليا لم تنفي جريمته، كان يشعر بنفسه محطم و مدمر،كانت حياته تدور مثل العجلة البانورامية في مدينة الملاهي... خارجة عن السيطرة :
" اخبرني الاختصاصي بأنه يمكنك زيارته حتى في هذا الوقت المتأخر..."
انطلق وميض من الألم في رأسه فجأة لدرجة أنه أطلق صرخة صغيرة ، وضغطت بيده على صدغه.
" اذهبي الى الجحيم مع طبيبك سيسيليا... لا اريد التكلم مع أحد و لا أريد ان يتم محو ذاكرتي مجددا أريد الحقيقة ..." انتبه الى أنه يصرخ عندما رآى والدته تبتعد و كأنها خائفة من هجوم جسدي، فجأة تدكر يديه على رقبة اليونور... لقد كانت في سرير والده.... مالذي يحدث في عقله بحق السماء... هل اختلطت الذكريات أم أن الحقيقة ما تعود للسطح.؟
" هل اليونور حية؟؟"
كانت مضطرة لقول الحقيقة اذ انه لم يمنحها رفاهية التهرب:
" اليونور في أمريكا... لم تمت يوما... كانت مختبئة كل هذا الوقت"
تلقى الصفعة بشجاعة، روكو كذب عليه.... كان يعرف و اخفى عنه الحقيقة... ليس هو... انه الوحيد الذي يثق به.
" هل كانت تعاشر أبي؟؟" سألها مباشرة.
اقتربت سيسيليا من الكنبة و جلست عليها بدت مثل ظل نفسها، مهزومة و عجوز للغاية:
" كانت تنام معكم انتم الثلاثة... الفونسو، والدك و انت"
أمسك براسه الذي أصبح يزن طنا من الحديد:
" من هي دانيلا اذن؟؟ أختي أم ابنة عمي...؟؟"
عم الصمت مجددا، اختبار الحمض النووي لم يحدد القرابة حقا، اجزم فحسب بأنها ليست ابنته شخصيا.
" لا أحد يعرف..." أكدت متنهدة بحسرة" اسمعني خوسيه... انت بحاجة لخبرة طبية كي تستوعب الصدمة و..."
" لن أرى الأطباء مجددا..." قاطعها بوحشية وهو يقف من مكانه و يلتقط سترته و ربطة عنقه" سأذهب للبحث عن الحقيقة ايتها العجوز حتى و ان كلفني هذا المتبقي من عمري..."
" لا يمكنك الرحيل" اعترضت والدته وهي تغادر مجددا الصوفا و تعترض طريقه" أخدت زوجتك الصغيرين و رحلت من القلعة"
" على الأقل الصغيرين بأمان معها، و ليسا محاطين بأشخاص مثلك و مثلي... نحن من أسوأ البشر سيسيليا و لا نستحق عيش حياة طبيعية، دعيهما معها... لأنها أفضل منك و مني"
* * *


لمحته فيرنا ما ان دخلوا الى Buca di Bacco بعد ساعات حافلة من العمل الجدي، كابين فيثو اصبحت جاهزة بفضل مساعدة عائلته التي فاجئته بالزيارة لمد يد العون، أتى والديه من نابولي مع شقيقته شيلا و خطيبها روزاريو و أخيه الصغير توماسو، كانو عائلة رقيقة و لطيفة مثل فيثو تماما و تأقلمت بسرعة معهم، اهتم الرجال بكل ما هو يدوي بينما اهتمت النساء بالاثاث و الديكور، ولكي يشكر فيثو مساعدتهم دعاهم الى البيتزيريا المفضلة له. لم تتوقع ابدا مصادفة سانتو هنا، لم يكن بمفرده، طفلة تشبه الملاك تجلس معه، عرفت فورا بانها أوكتافيا ابنته...كانت تضع سماعة على أدنيها و عيناها حالمتين على هاتفها، التقت نظراتهما للحظة قبل ان تتجاهله و تجلس مع البقية في المكان الذي قادهم اليه النادل، للاسف أن مقعدها يواجه طاولة سانتو، يكفي ان تهز راسها في كل مرة كي تصتدم بعينيه الشفافتين.
مثل ما حدث في الساعات التي امضتها برفقة عائلة فيثو استرسل الجميع في محادثة حماسية، وضعت دقنها على راحة يدها و حاولت التركيز على مناقشة شيلا ووالدتها بما يخص فستان عرسها، سوف تتزوج خطيبها شهر اغسطس و للان لم تعثر الجميلة عن فستان أحلامها و عندما قررت المرأتين أخد رأيها أبقت فيرنا فمها مفتوحا من المفاجأة:
" أنا... لا أملك اي دراية في الموضوع... الازياء هي آخر اهتماماتي و لا أعرف متى تبدأ الموضة و متى تنتهي... هذه الأشياء تجريدية بالنسبة لي"
ابتسمت والدة فيثو فيما لمعت عيون شيلا:
" لو كنت أملك جمالك لما تأخرت بالاهتمام بالموضة... "
"انه مجرد وجه جميل شيلا... لاشيء أكثر قيمة من الروح..."
تجهل لما أخرجت هذه الكلمات التي تبدو متهكمة للغاية، رأت الأعين تنظر اليها مختلفة التعابير قبل أن تحط على فيثو الذي كان يبتسم ملئ فمه و قال و كأنه سعيد بنفسه:
" سبق و نبهتكم بأنها مختلفة..."
ضحك والده فيما اهتمت شيلا أكثر بأمرها:
" ما رايك أن تأتي معنا في زيارتنا القادمة للخياطة... اعتقد انك تملكين شيء راقي رغم مظهرك البسيط..."
هذه الملاحظة تركت لها بعض المرارة، هزت عينيها نحو سانتو، لم يكن قد ازال نظراته عليها.
ثم عادت بها الذاكرة الى الجزيرة في ليلة رأس السنة، تحطم الأمواج على الشاطئ ، والرمال قاسية بعد انحسار المد... القمر الفضي و الكامل الذي أشرق فوقهما مما جعل الرمال والماء يتألقان بشكل غير واقعي.
كانت لحظات غير واقعية... مع رجل غير واقعي...هذا الرجل الضخم ، ينضح بهالة من الشهوانية الخام والثقة بالنفس الطبيعية ولا يسعها سوى الإعجاب بانحناء كتفيه وذراعيه القوية .. كما لو كان قد قرأ أفكارها، راته يشمر حواشي قميصه قليلاً ليكشف عن عضلات ساعديه، هزت عينيها للاعلى مجددا و شعرت بنفسها تسبح في بركة مياه شفافة بينما يسبح المكان في طاقة غريبة تشبه الكهرباء،انه يربكها و يهزها مثل زلزال رغما عن انفها.
بجهة جهيد ابتعدت عنه بنظراتها و شعرت بالحرارة تغزو خديها عندما انتبهت ان الجميع لاحظ شرودها، يبدو ان شيلا تنتظر اجابتها على اقتراحها:
" صدقيني... لن أكون مفيدة لك... انا فاشلة تماما في اختيار الازياء كما انني لا اضع على نفسي سوى الملابس المستعملة و لم يسبق لي ان دخلت محل ملابس راقي في كل حياتي..."
" اتركيها و شأنها شيلا..." قال روزاريو وهو ينظر فجأة في نفس الاتجاه حيث يجلس سانتو و ابنته" دلك الرجل لا يزيح نظراته عليك هل يعرفك؟؟"
الكل استدار مرة واحدة لالقاء نظرة و تمنت فيرنا لو تفتح الأرض لتبتلعها، سمعت فيثو يقول:
" اليس صديقك فيرنا؟؟"
هزت عينيها نحو سانتو الذي هز يده في التحية و رد الجميع تحيته:
" انه هو... "
" لما لا ندعه للجلوس معنا بما انك تعرفينه" رأت برعب والد فيثو يقف من مكانه و يتوجه نحو طاولة سانتو الدي لم يحتاج لكلمتين أكثر ليلتحق بهم،كم كرهت العجز الذي شعرت به في تلك اللحظة! كانت تتمنى لو يرفض الدعوة لسيما و قد انهى طعامه و لا يبقيه سوى فنجان قهوة اخير، بعد التعريفات اختار الجلوس بجانبها، بينما جلست ابنته في بالقرب من شيلا، لم تنزع السماعات من أذنيها و لا تبدو سعيدة بهذا التجمع ، عموما لا يبدو انها تفهم كلمة واحدة مما يدور من حولها، رغما عنها تركت نفسها تنبهر بالملامح الكاملة للوجه أمامها، هل تشبه والدتها؟؟ هل زوجة سانتو بهدا الحسن؟؟ ان كانت كدلك لما يطلقها؟؟ لن يجد امرأة تجمع بين الجمال و النجاح المهني و الاجتماعي.
سانتو يتكلم بخفة، أصبح يقود فجأة الحديث بسلاسة و كأنه متعود على ترأس كل شيء في حياته، بدى الأمر كرئيس تنفيذي في طاولة الاجتماع، شعرت به يلصق فخده بفخدها، هذا التقارب ضربها كالصاعقه، كانت تنقر بعصبية فوق ركبتها وقبل أن تسحب يدها شعرت بيده تطبق على يدها، و بأصابعه تتشابك مع أصابعها، تسمرت مكانها و ادارت وجهها نحوه، كانت أعينهما على بعد بوصات فقط، ولم تنظر بعيدا لتجنبه بالرغم من حدة نظراته التي جعلتها تشعر وكأنها تحترق بقوة 1000 واط.
لا أحد يعرف ما يحدث تحت الطاولة، وهي لم تتحرك مخافة أن يتم فضح أمرها،بقيت هناك... جسدها موجود بينما كل احاسيسها مع الاماكن التي التحمت فيها اصابعهما و تعرقت تحت الطاولة، كانت تشعر بالحرارة و البرد، تتوق للتحرر منه و في الوقت نفسه سعيدة بإيجاد حرارته مجددا، بقيت فحسب في مكانها... تنتظر ان يقرر هو قطع الاتصال... وقد فعل بعد لحظات طويلة من التعذيب النفسي... عندما وصلت طلبياتهم و قرر مغادرتهم مع ابنته الجميلة.
بعد رحيلهما بقيت لسعته على يدها لوقت طويلة، حتى وهي تأكل شرائح البيتزا، و هي تحمل كأس النبيذ لترشقه بكؤوسهم و تتمنى بداية جديدة لفيتو، وهي تخوض المواضيع الكلاسيكية بحماسة أكبر من البداية، هل انتبه الجميع لتغير مزاجها؟؟ هل لاحظوا بأنها تضحك لأسباب تافهة و تبالغ في المديح؟؟ لم يكن للشراب دخلا للموضوع... لمسة سانتو أثملتها و استبدلت الدماء في شرايينها بالنبيد الخالص.
تعرف بأنه ليس الرجل المناسب لها، الا أنه الشخص الوحيد القادر على هزهزة كيانها بهذه الطريقة... ليس من حقها الأمل لكن من حقها الحلم و ستحتفظ بهذا السر لنفسها فقط.


نهاية الفصل قراءة ممتعة




كابري











سوما and ملك جاسم like this.


التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 09-03-21 الساعة 12:46 AM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.