آخر 10 مشاركات
هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          [تحميل]رواية قل متى ستحبني؟!!/ للكاتبة شيماءمحمد ShiMoOo، مصرية (الكاتـب : Just Faith - )           »          16- انت وحدك - ناتالى فوكس . حصريا" (الكاتـب : فرح - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إمرأتي و البحر (1) "مميزة و مكتملة " .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عروس راميريز(34)للكاتبة:Emma Darcy(الجزء الأول من سلسلة عرائس راميريز)*كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: أكثر ثنائي أنتم في شوق للإلمام بتفاصيل قصته :
أوس و جوري 47 58.75%
كاظم و تيجان 25 31.25%
غسان و شمايل 10 12.50%
معتصم و رونق 22 27.50%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 80. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree2110Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-20, 07:24 PM   #31

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة رحيمي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موافقة ان شاء الله

بداية جيدة وشكرا انك تشجعتي وكتبتي

القصة عجبتني هذا رأيي

السرد واللغة جيدين جدا اكثر من جيدين لاول مرة تكتبي
وبدون اخطاء هذا كلش حلو

الاشخاص رواية عجبوني

تماضر شخصية مااقدر احكم عليها الا انها قوية وقاسية وما تشوف الا نفسها صح وتعرف مصلحة ابنها وهذا يدل على انها اكثر شخصية مخطئة
فاتح يموت هكذا ما انقهرت الا على انتقامه وزوجته من بعد شنو راح تشوف من مصائب
عباس يا ويلي
ليث مسكين
جوري واوس
اتوقع اوس يذكر شي مما حصل

الاخوات الثلاثة

كرهت اخت تماضر اكثر منها
بنتها وقصة تعلقها باخوها اكثر عجيب

ما عجبتني تماضر من اخذت حفيدها للقبر ابنها

شنو راح يصير من تجه عباس عند تماضر

مقهورة على سمية وصفية


أهلا بك حبيبتي ...سعيدة جدا أن روايتي نالت إعجابك
أتمنى أن يروقك القادم أيضا تحياتي العطرة لك

الديجور likes this.

ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 07:50 PM   #32

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

وآن اوان قطافك ..🌸
الفصل الثالث ..🌹
ما شاء الله وتبارك الله على اسلوبك ولغتك الجميلة والقوية والالفاظ الفصحى البليغة 👍👍تسلم ايدك فصل طويل ضخم مليئ بالاحداث والتشويقات للقادم ..👏👏

بداية ...
باوس ابن المربية زاهرة وعلاقته الجميلة القوية وكلامه الموزون مع ليث بعدم اثارة المشاكل في عزاء والده ..
علاقته بجوري ابنة فاتح علاقة حب من طرف واحد طرفه هو بينما جوري تعتبره كاخ لها وصديق ..


تماضر ..بقوتها وجب وتها اعتقد كان لازم تكون بتلك الشخصية من كثرة ما رات في حياتها هناكزالكثير حولها لم يكشف بعد ولكنها افهمت ليث بهدوء سبب ما فعلت بعد ان قرات ما يدور في تفكيره ..
انتزعت الارض ليس حبا بالارض والمال ولكن لتكون باسم ابنها فاتح ..حبيييت ..👍

فريدة ورقية وسماح عمات شمس موقفهن سئ ومعاملتهن لشابة بعقل طفلة مجحف وحقير ..
تماضر تحاول ان تكفر عما بدر منها في حق شمس واغضب وازعل فاتح بالتقرب منها والدفاع عنها ..

ظهور كاظم واضح ان هناك شئ من ناحية نادين وهي السبب في بعده ..ما حبيتها ابدا ندين الابنة تيجان فطرت على معتصم ووالدتها ندين كما هي لم تتحرك مشاعرها بالحزن والتاثر على ما اصاب ابنها كل ما تفكر فيه المال والجاه والواجهة الاجتماعية ..


وهناك ايضا صفية وحقيقة التوؤم وما حدث معها هل عباس الذي اتى الى تماضر له علاقة ايضا بالكشف عن الاحداث ؟
يعطيكي العافية على التنزيل مرة اخري ورب ضارة نافعة الاحداث غاية في التشويق والجمال ..
بالتوفيق ان شاء الله وانتظار الفصل الرابع بشوق ..👍❤✋
حبيبتي أنت
كلامكم الحلو يعطيني دفعة لأستمر و يمنحني بعض الثقة في نفسي كوني موجودة هنا وسط كاتبات مميزات بحق
شكرا من القلب

الديجور likes this.

ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:09 AM   #33

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء

الديجور likes this.

قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 11:01 AM   #34

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصص من وحي الاعضاء مشاهدة المشاركة
اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء
لكم جزيل الشكر لدعمكم اللامشروط لكل من يطرق بابكم....بارك الله فيكم

الديجور likes this.

ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 05:18 PM   #35

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,977
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

يعطيك العافية

سلمت يمناااااك
🍃🌷

الديجور likes this.

Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 10:12 PM   #36

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل الرابع"

حياة الإنسان ليست سوى مجموعة من التحديات..
هناك من يدرك بفطرته انه لم يخلق أبدا ليركن إلى الدنيا و يرتاح فيواجه المصاعب بصدر رحب..
و هناك من لا يصل إلى فهم الواقع الكفاحي للحياة إلا إذا مر بعثرات قد تترك على روحه ندوبا عميقة..لكنه يتعلم كيف يتأقلم بالتدريج فيتحسن أداؤه بشكل مذهل غير متوقع..
و هناك من يعيش و يموت دون أن يعقل أبدا الحياة على حقيقتها مؤذيا نفسه و من حوله.. يلف و يدور في نفس الحلقة المفرغة..يرتكب نفس الأخطاء و يتجرع نفس الألم مرارا و تكرارا..فلا هو وجد الراحة التي لطالما تمناها.. ولا هو خلّف بصمة تصرخ أن قد مر فلان يوما ما من هنا..
" فيلا في حي راق بالعاصمة"

كانت تجلس خلف المكتب الماهوجيني الأنيق حيث كان محفوظ يعمل أحيانا في البيت لساعات متأخرة.. ترتشف قهوتها السادة بتأن بينما تتطلع إلى الوثائق المبعثرة على سطحه بفضول والتي جلبها المستشار القانوني للشركة الجالس قبالتها.
سألته بعد لحظات دون أن ترفع عينيها إليه " إذا هل من اقتراحات مفيدة حول مستقبل الشركة ؟"
تنحنح ثم أوجز قائلا ببساطة " من المؤسف أننا لا نستطيع فعل شيء حتى وإن أردنا ذلك بما أن السيد معتصم في غيبوبة"
رفعت عينيها إلى وجهه و قد تغضن جبينها و ضيقت عينيها حائرة دون أن يسعفها عقلها في إيجاد رابط منطقي فيواصل شارحا بتحفظ واضح هذه المرة وقد التقط دهشتها "بصفته رئيس مجلس الإدارة الجديد طبعا....كما... تعلمين "
كان وقع المفاجأة شديدا عليها ....محفوظ أبى إلا أن يموت بهدوء على ما يبدو دون أن يجعلها تتجرع مرارة ما قاساه لوحده ....
هزت رأسها بإيجاب مقتضب تتصنع معرفتها بالأمر ثم سرعان ما أخفضت عينيها نحو الأوراق تداري الارتباك المرتسم بجلاء في حدقتيها وراحت تقلبها بيدين مرتعشتين بسرعة تغطي تلبكها الواضح تدعي اهتمامها بما تقرأه دون أن تفقه منه شيئا..
وبعد لحظات أجلت حلقها قائلة بصوت بدا هادئا إلا أنه خرج رغما عنها خائبا" هل من الممكن أن تشرح لي الوضع باختصار ...ليس لدي وقت كاف لأقرأ كل هذه الملفات ؟"..
كان من الواضح أنها تريد توضيحا منه لما استجد دون أن تجرؤ على إنكار جهلها التام للموضوع ..فما كان منه إلا أن همهم بموافقة ثم استطرد قائلا" تعلمين طبعا أن زوجك الراحل يملك سبعين بالمائة من أسهم الشركة ... من المدهش حقا أنه قبل أيام فقط قام بتقسيمها بين معتصم و تيجان وكأنه كان على علم بدنو أجله! "
تمازجت مشاعرها لما سمعته لأول مرة ....غضب ....خزي ....خيبة من محفوظ الذي لم يتكبد عناء الرجوع إليها قبل أن يتخذ قرارا كهذا أو على الأقل إخبارها إن لم يكن مهتما برأيها ...
معتصم أيضا أقصاها من اللعبة دون أن يهتم بإطلاعها على ما استجد... أما تيجان فهي متأكدة أنها وقّعت على أوراق انتقال الملكية إليها دون أن تستفسر أصلا كعادتها !..
غرقت في كرسيها بحرج شديد بعد أن كانت منذ قليل ترخي ظهرها على جلده الفاخر بخيلاء فيما واصل الرجل كلامه يفسر لها ببساطة غافلا أو ربما متغافلا عن الوضع المفضوح الذي وجدت نادين نفسها فيه "بلغ نصيب السيد معتصم خمسا وأربعين بالمائة و نصيب الآنسة تيجان خمس و عشرين بالمائة.. أنت تملكين خمس وعشرين بالمائة و الخمسة بالمائة المتبقية عائدة لبعض الشركاء المساهمين و بهذا تنتقل رئاسة مجلس الإدارة تلقائيا إلى السيد معتصم بصفته مالكا لأعلى نسبة ....وبما أنه في وضع غير مستقر فلاشيء سيتغير.. فلا يمكن أن تُوكل الأمور إليك إلا إذا أقر الأطباء باستحالة استرجاعه لوعيه....أمر لم يتم تأكيده لحد الآن ...المشكلة أن تضييع المزيد من الوقت ليس في صالحنا فقد استنزف المرحوم قسطا كبيرا من موارد الشركة المالية في ظرف قياسي مضيعا تعب سنين طويلة في أشهر قليلة فقط" ليستزيد قائلا بأسف "من المؤسف أن الفرصة الذهبية التي عولنا عليها طارت من أيدينا "
هل كان من الضروري أن يذكرها في هذه اللحظة بالذات بما تسرب من بين يديها!؟...
كانت قد عرضت عليها شركة سياحية شهيرة أن تستثمر الأراضي الشاسعة العائدة إليها في مشروع منتجع سياحي ناجح لا ريب بما أن قرية الجبل الأسود الساحلية معروفة بجمالها الخلاب واجتذابها لعدد كبير من السياح إلا أن تماضر الخبيثة عرفت كيف تقتص منها حين انتزعتها منها كديّة مستغلة موقفها الضعيف وعالمة بما سيحل على رأسها إن هي عاندتها..
عادت بذكرياتها سنين إلى الوراء..بعد وفاة أمها انتظرت بفارغ الصبر اللحظة التي تصبح فيها وثائق ملكيتها للأراضي بحوزتها لتنفذ ما خططت له ...
كان محفوظ واحدا من السياح المحليين الأثرياء الذين يزورون المنطقة في المصيف....اشتعلت شرارة الحب بينهما من نظرة واحدة...
إلا أن أخاها رفض هذه الزيجة إذ لم يعجب بمحفوظ المنفتح بشكل ينافي أعراف و قوانين وسطهم القروي المحافظ....لكنها لم تكن من النوع المذعن بصمت إذ وقفت في وجهه بعناد !..
لن تنسى أبدا ذاك اليوم حين أبرحها ضربا وسجنها في غرفتها..
كانت تعلم أن أخاها رغم غلظته الشديدة و قسوته المنفرة لن يجرؤ على قتلها وحمل ذنبها مدى حياته إن هي هربت و تزوجته رغم انفه بل أقصى ما سيفعله هو إرغامها على التنازل عن ميراثها و التبرؤ منها إلى يوم الدين ..
لذا أجادت تمثيل المسكنة باحترافية أدهشت الشيطان شخصيا و أذعنت لمشيئته تنتظر وفاة أمها التي كانت تحتضر ...وحين أمن جانبها ظنا منه أنها استسلمت ورضيت بابن عمها غدرت به وهربت مع محفوظ إلى العاصمة وبحوزتها وثائق ملكية الأراضي ...كم اختالت زهوا بنفسها آنذاك وقد ضربت عصفورين بحجر واحد..
ما أعجب هذه الدنيا الدوارة!!... ها قد فقدت كلاهما دفعة واحدة دون أن تخرج من المعركة بأي غنيمة تذكر ..فمحفوظ مات و هو على شفا حفرة الإفلاس ..وميراثها بقي على حاله مهملا لسنوات ..
أخرجها من شرودها المفكر حين سلمها مغلفا معنونا باسمها فتسلمته منه مقطبة بحيرة ترمقه بنظرات متسائلة ..أجاب على تساؤلها الصامت و قد اعترته حيرة أكبر مما جعلها تشعر بالخوف وقد انقبض قلبها المتوجس من هذا الغموض المفاجئ"أحضره حارس الأمن وقال أن رجلا طلب منه أن يوصله إلى مكتبي ..لابد أنه أرادني أن أوصله بدوري إليك بما انه باسمك"
ظلت تناظر المغلف بين يديها برعب دون أن تجرؤ على فتحه وكأنها أيقنت أن ما بداخله لن يعجبها إطلاقا و دون أن تنبس ببنت شفة دفعته إليه و قلبها يكاد يتوقف ترقبا ....
راقبت توسع حدقتيه بينما ينقل نظراته بين الوثائق التي كانت بداخله ....زاغت نظراتها واختضت بعنف حين شعرت بالجو يثقل أكثر بينهما وقد استشعرت مصيبة ما كبيرة تحملها تلك الأوراق اللعينة بين طياتها..
صوب أخيرا عينيه المتأسفتين نحو وجهها الشاحب بشدة وكأنها على وشك الإغماء و قال بتردد مشفقا على حالها وقد انعقد لسانها تماما " هذه الوثائق أمضاها زوجك شخصيا تثبت انه مدين بمبالغ طائلة أخرى! ...."
"ربما كانت مزيفة" هتفت بصوت أجوف يائس ليقر بثقة جازما بهزة من رأسه بينما يقلبها بين يديه ويعيد تفحصها جيدا"خبرتي تؤكد قانونيتها مائة بالمائة ... "

وعلمت دون أن يخبرها بالمزيد أنها عالقة في مستنقع من طين لا قاع له ..مهما تخبطت لتخرج فإنها محاولاتها اليائسة ستغرقها أكثر وأكثر في الوحل ..
كانت تعلم أن محفوظ قد ورّط نفسه في بعض الأمور المشبوهة لكنها لم تكن تتوقع أن يكون الأمر بهذه الفداحة ..
غضت الطرف و تركته يتصرف كما يحلو له ما دام بعيدا عن أعمالها الخاصة ..وهاهي ذي تتجرع من نفس الكأس فقد مات تاركا خلفه خِربة لتتعامل معها بعد أن عاشت معه أياما من العز و الدلال ..
قال مستشار الشركة بخفوت بعد تفكير ملي قاطعا الصمت الثقيل الذي خيم عليهما "أعتقد أنك مجبرة على بيع ما تملكين لإنقاذ الشركة .. فكما تعلمين الشركة رائدة بالفعل في مجالها والأوان لم يفت بعد لإنقاذها فإذا تمكنا من التفاوض مع الدائنين ونجحنا في الحصول على مهلة معينة للتسديد فإن مشكلة الدين ستُحل بالأرباح المحققة "
تعبير قاتم اعتلى وجهها المتصلب بقسوة بينما تمعن النظر في إمضاء زوجها الذي تعرفه كتقاسيم كف يدها..حتى أنها تعرفت على لون الحبر الأزرق المميز ..نفس القلم الذهبي الفخم الذي أهدته إياه العام الماضي في عيد زواجهما !..
ضحكة سوداوية بائسة كانت توشك أن تصدح من حلقها المسدود بغصة مؤلمة..يستعمل هديتها ليوقع اتفاقية الضربة القاضية والقاصمة لظهرها!..
أردفت متشدقة بنبرة صقيعية سوداء بينما تمرر أناملها بشرود مخيف على الأوراق بين يديها"أنت قلتها بنفسك..لست رئيسة مجلس الإدارة لأبذل لأجلها الغالي و الثمين وأضيع تعبي أنا لسنين طويلة من أجل إنقاذ الأنقاض التي خلفها محفوظ وراءه"
صمتت للحظات وظلت مطرقة برأسها وقد فوتت الصدمة التي ارتسمت على وجه المستشار لدرجة أنه فغر فاه للحظات وقد أدهشته بموقفها الذي لم يتوقعه أبدا ..سرعان ما تمالك نفسه وفضل أن يتريث حتى تقترح بنفسها ما تنتويه بعد أن تأكد أنها لن تأخذ أيا من اقتراحاته على محمل الجد ..وبالفعل لم تخيب ظنه إذ رفعت رأسها و قالت بنبرة قاطعة تعكس مدى عزمها على فعل ما يدور في خلدها"أعتقد أني أملك حلا آخر"
.............................
نظرت حولها إلى المكتب الفخم بعد انصرافه..كانت الساعة الماضية كجحيم بالنسبة لها عانت خلالها الأمرين لئلا تفقد أعصابها أمامه..
سرعان ما تسارعت أنفاسها فباتت تلهث بقوة وكأنها في سباق...سباق ضار مع الحياة التي أبت إلا أن تمنحها ما أرادت دوما ...ما تركت قريتها لأجله ...حياة الترف والرخاء...حياة الملوك ..هل هذه حقا بداية النهاية ؟..
أغلقت عينيها الحمراوتين وكأن الدم سينفجر في أي لحظة من العروق التي نفرت بشدة.. كابدت لتهدئ من الانتفاضة التي راحت تهز جسدها المتخشب..
نيران من الغضب و المقت كانت تستعر في جوفها متصاعدة على نحو خطير جاهدت لكبتها.. لكنها فشلت في النهاية وبحركة واحدة كانت تنتصب واقفة و تدفع الكرسي الدوار بعنف إلى الخلف ليرتطم بالباب الزجاجي لخزانة التحف الجميلة فينهار بالكامل متهشما إلى شظايا دقيقة محدثا ضجة مريعة...تماما كما قد تتهشم حياتها إن استمر الوضع على هذه الحال ...
تماضر اللعينة خطفت من بين يديها فرصة العمر ...أما محفوظ.....ابتسمت بمرارة ....محفوظ ...كان أكثر شخص عرفته في حياتها محبا للحياة و ملذاتها ربما تكون هذه النقطة أقوى سبب جعلها تنبهر به و تحبه بجنون ...وقد تكون أقوى سبب أيضا أوصله إلى الحافة ...ففضل أن يلقي بنفسه بدل أن يتراجع إلى بر الأمان...بر الأمان!؟.....لم يعد هناك أي بر للأمان .....كان يعلم هذا ....فترك خلفه صندوقا سحريا مليئا بالمفاجآت ....ما عليها سوى فتحه و ستربح العديد من الهدايا...والصدمات ....وكأنه أرادها أن تدفع الثمن وحدها تماما كما تركته يتخبط لوحده..
زمت شفتيها تخنق صرخة عذاب في مهدها تهدد بالانفلات معلنة عن فقدانها التام لسيطرتها على نفسها فلم تجد بدا من قلب المكتب رأسا على عقب لإفراغ كل ما يجيش في صدرها ....
وبعد أن انتهت العاصفة الهوجاء التي دمرت اغلب ما وجد في طريقها أسندت ظهرها المجهد على الجدار وقد تسابقت أنفاسها المجنونة بينما صدرها يرتفع و يهبط بوتيرة سريعة .. سالت دموعها التي حبستها لوقت طويل تعكس شعورها بقهر فضيع لا يطاق..
وحين هدأت ثورتها بعد عدة دقائق لاحقة هندمت ثيابها ورتبت مظهرها ثم داست على الحطام تدهسه بقسوة بحذائها الأنيق وقد وضعت هدفها نصب عينيها مدركة تمام الإدراك أن خسارة معركة واحدة لا تعني أبدا خسارة الحرب بأكملها ..

يتبـــــــــــــع


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 10:13 PM   #37

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

هبّت زاهرة التي تآكلها القلق واقفة حين سمعت طقطقة المفتاح و دوران قفل الباب و هرولت نحو ابنها تهتف وقد تهللت أساريرها لمرآه" تأخرت كثيرا يا بني ..كنت على وشك الخروج لتفقدك"
ابتسم بحنان لوالدته التي مازالت تخاف عليه بشدة كطفل صغير حتى بعد أن اشتد عوده وقد بلغ الخامسة و العشرين من عمره ..داعب خدها بكفه الكبيرة بينما يشاكسها بالقول" أنا من سيقلق عليكِ إن عدت فلم أجد لكِ أثرا بينما تكونين تهيمين على وجهك تبحثين عني في هذا الليل الحالك"
أجابته تعانده متبرمة" لا تسخر مني يا ولد..أعلم أين أعثر عليك إن أردت البحث عنك"
اتسعت ابتسامته أكثر ثم قال ببساطة" بما أنكِ تعلمين أين تجدينني فلم القلق من الأساس؟"
مهما حاول أن يلطف الأجواء فإنه لن يتمكن من مداراة حزنه عن عينيها الخبيرتين..وكيف يفلح في هذا وهي تحفظ كل صغيرة وكبيرة عن وحيدها !..
مثلا تعرف أن حزنه ووجعه يتناسبان طردا مع لطفه الظاهري..كما تعرف أنه لا يبقى لوقت متأخر بالخارج يتأمل سكون الليل وحيدا إلا إذا كان في حال يرثى لها فيطيل مكوثه ريثما يتحسن قليلا كي لا يخيفها عليه ...
تغرغرت عيناها بالدموع دفعة واحدة فمدت كفها تسحبه نحوها بخشونة وقد تفجرت مشاعرها كعادتها وطوقت خصره بذراعيها قائلة بينما تنتحب بحرقة"يا روح زاهرة..هل انتابتك موجة حزن جديدة على فقدان الغالي ..أعلم كم أنت تحبه فقد كان في مقام والدك الراحل..والله أنا أيضا لازلت أشعر بعدم التصديق أحيانا"
ربت على ظهرها ببطء مستمعا إلى شهقاتها المدفونة في صدره العريض....ابتسامته المائلة تلونت بحزن عميق ليجيبها بصوت أجش فاتر " أكثر من آلمني قلبي لحاله كان ليث...كان ينتظر إجازته بفارغ الصبر ليقضيها رفقة والده...."
انفجرت باكية بصوت أعلى و قد غلبتها أحاسيسها المرهفة وقالت ببحة شجن" جوري أيضا كانت اليوم بحال مزرية .....ما إن فتحت لها الباب حتى انهارت أرضا باكية بعنف دون أن أفهم حرفا من هذرها المتقطع..لا أدري كيف سنتجاوز موته..رحمه الله "
اعتصر جفنيه بشدة حين ذكرت اسمها ..فاحتواها بذراعيه يناكفها بالقول "كفي عن البكاء يا أم أوس ..أنت تغشين كعادتك..أنا الشخص الحزين هنا الذي يحتاج مواساتك "
ضحكت بصفاء من بين شهقاتها وتذمرت بصوت أجش ترفع وجهها الذي كان مدفونا في حضنه "وكيف سأفعل و أنت بهذا الطول....انزل إلى هنا لأعانقك"
انحنى نحوها مستسلما لعناقها الدافئ وراح يهمس متأوها بنعومة"عانقيني ......عانقيني بقوة....."
..................................
"تصبحين على خير أمي " همهم منصرفا نحو غرفته لتستوقفه متسائلة "ألن تتعشى؟"
يهز رأسا نفيا ثم يجيبها قائلا" لست جائعا..أكلت قليلا من الطعام الذي جلبه الشباب"
هزت كتفها ترد تحيته ببساطة "حسنا..وأنت من أهل الخير" سرعان ما قطبت جبينها تحدث نفسها بعبوس حائرة" هل قال الشباب....منذ متى كان لديه أصدقاء ...؟ " وحين همت بفتح فمها كان قد أوصد باب غرفته ..فوقفت هناك متخصرة للحظات تتمتم وقد ازداد عبوسها أكثر "تصاحب دون أن تخبرني ؟؟...والله لن أهدأ حتى أنبش حياة أصحاب جنابك نبشا..الحذر واجب..وما أدراني بسيرتهم ..قد يكونون منحرفين لا قدر الله"
أطل رأسه يناظرها في وقفتها وقد سمع حوارها العجيب مع نفسها ثم أردف يقول ضاحكا" سامحك الله يا أمي ..ليسوا أصدقائي ..كان طعام صدقة جلبه الشباب إلى المسجد عقب صلاة المغرب "
شهقة ذهول ندت من شفتيها ثم أخفضت رأسها حرجا دون تعقيب وقد أمسكها بالجرم المشهود ..وعلى صوت ضحكاته الساخرة المتشفية كانت تتدحرج نحو غرفتها وقد شقت ابتسامة بلهاء واسعة فمها!...
......................
أغلق باب غرفته للمرة الثانية هذه الليلة... آهة عميقة متألمة فلتت من شفتيه حين تذكر ملامحها البهية التي روت بعضا من ظمأه بعد سنوات من العطش..
كيف يمكنها أن ترويه وفي نفس الوقت تزيد من وطأة عطشه أكثر؟..
كيف سيشفى الآن من حبه اليائس الذي تجذّر في قلبه و توطن في روحه رغما عنه؟..وكلّما ظن أن الفرج اقترب تضربه موجة قوية فترميه في الاتجاه المعاكس معيدة إياه خطوات و خطوات إلى الوراء .
تنهد بصوت مسموع وتمتم بحرقة"يا رب قد إشتد بي البلاء....أنت أعلم مني ببلاءي الذي سكن هاهنا في قلبي ...وأنت تعلم أني لا أملك عليه من سلطان.....يا رب إني خنت نفسي قبل أن أخون أمانتك....يا رب ثبتني فإني أخاف أن أنزلق إلى معصيتك أكثر......يا مقلّب القلوب....بت تائها لا أدري أأدعو أن تنسِيَنيها أو أن تجود علي بوصالها بما يرضيك و يرضي رسولك الحبيب"...
سالت دموع القهر رغما عنه..هو لا يستحقها..أبدا لا يستحقها..
هي بنت العز و الأصول لا تليق إلا بابن الأكابر..رجل مستقيم متعلم..ذو مال و جاه...ماذا عساها تفعل براعٍ أمّيٍ لم يتجاوز مستواه الدراسي المرحلة الابتدائية؟ ...فقير معدم لا أصول عريقة يتغنى بها ولا سمعة ذاع صيتها تسبق خطاه أينما حلّ ..
نكرة...مجرد نكرة...لا يحق له التطاول على أسياده...بل ينبغي عليه أن يكتفي راضيا بفتاتهم دون أن يرفع عينيه عن موطئ أقدامهم...
وكعادته حين يشتد به الهوى ...يتوجه نحو سجادة الصلاة يفرشها ولسان حاله يردد مستسلما أن مرحبا بسهاد الليالي إن كُتِب له أن يكون من القائمين


يتبــــــــــــــــع


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 10:15 PM   #38

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

كانت ليلة فرح صاخبة من ليالي قرية الجبل الأسود الصيفية الطويلة ....كيف لا والليلة زفاف ابن الحاج عبد العليم ..رجل سوِيّ اقترن اسمه بالمروءة و الاستقامة..و الجود و الكرم....
لم تتوقف الصواني النحاسية المحملة بكل ما لذ و طاب عن الدوران بين المدعوين من مختلف عشائر القرية و حتى العشائر المجاورة ... إطلاق الأعيرة النارية استمر لساعات ترافقه الأهازيج و المواويل الشعبية المعروف بها أهالي المنطقة ...
كانت أجواء فرح و تفاؤل ببداية حياة زوجية سعيدة ملؤها الهناء ...وقد رفعت الأيدي بالدعاء للزوجين بالذرية الصالحة و العشرة الأبدية ....
كان من المفترض أن تستأنس بالصخب البعيد الذي كان يتناهى إلى مسمعها بينما تجلس في مخدع العروس في جناحها الخاص الجديد ....إلا أنها كانت تجلس كتمثال شمع لا حياة فيه وقد هدّها التعب و أضناها لعب دور العروس السعيدة طوال الساعات الماضية ...
كم حلمت باليوم الذي تستعد فيه لعرسها وتهتم بجمالها الذي صانته لأجله لتعيش معه أروع التجارب العاطفية في ظلال الحلال المباركة فتهبه أغلى ما تملك على طبق من ذهب....لكن حلمها الجميل هذا تحول في رمشة عين إلى كابوس مرير..
عانت الأمرين من تلك التحضيرات التي أثقلت كاهلها فلم تستطع التحمل و أغمي عليها عدة مرات.. ظنوا في البداية أنها متوترة كأي عروس مقبلة على تجربة جديدة و لكن حين تكرر الأمر بشكل مقلق عَزَوْه إلى الحسد فلم يتوقفوا عن رقيها .....
وهاهي تجلس الآن في أبهى حللها كحورية هاربة من حكاوي من نسج الخيال..لكنها كانت حورية كسيرة تتمنى أن يكون ما عايشته محض خيال...
خيط صقيعي عبر ظهرها حين علت الزغاريد أكثر و أكثر أمام باب الغرفة معلنة وصول العريس ..طنين أذنيها ارتفع أكثر وقد تماوجت كل الأصوات في ذهنها فلم تعد تسمع شيئا عدا وجيب قلبها الصاخب بعد أن تعالت دقاته وقد اكتسحها رعب حقيقي ..وقد حانت اللحظة التي أرقتها وحرّمت على أجفانها رقاد الليالي..
لم تره منذ تلك الليلة المشؤومة ..بعد أن أعادها إلى البيت ولحسن حظها لم يكن والدها هناك حيث صادف زوجة خاله فقط التي فزعت حين رأت منظرها الفوضوي الرث ..لكنه طمأنها معللا أنها صادفت كلابا ضالة كانت تنبح بعيدا عنها في طريقها إلى بيت جدتها لكنها خافت أن يكونوا قريبين منها فسقطت أثناء هروبها ..
لم تجرؤ على مهاتفته بعدها كما لم يفعل هو..لكنها طمأنت نفسها ودحرت الشكوك و الوساوس التي ظلت تساورها معللة انقطاعه هذا بانشغاله بزفافهما الوشيك ..
وفُتِح الباب..فسبقته رائحة العود المسكية التي أزكمت أنفها مشبّعة كل شبر من رئتيها ..لم تكن في حالة تسمح لها بالتريث لتترك له المجال فيقرر بحرية خطوته التالية .. فلم تشعر بنفسها إلا وقد هبت واقفة بتأهب وقد استنفرت كل حواسها التي كانت منذ لحظات مشوشة فأضحت الآن تركز على كل خلجاته ..
وبصبر نافذ كانت ترفع القماش الرقيق الناعم عن وجهها .. تتلهف عيناها الكحيلتان والمشتاقتان لوجهه الحبيب ..تتسابق نظراتها على ملامحه تتقصى حالته وكلها رجاء لأن يكون ما تشعر به من انقباض مجرد نزغ شيطان رجيم ...
لكنه كان قد أغلق الباب خلفه ووقف مسمرا منكسا رأسه غير قادر على مواجهة عينيها لا لشيء سوى أنه لم يشأ أن تقرأ في عينيه ما تأجج فيهما رغما عنه .....خيبة ...انكسار و ألم شديد ...
لم يرها منذ عشرة أيام خلت كما لم يسمع صوتها الحبيب.... أمضاها هائما على وجهه يبحث لوحده بسرية تامة عن عديم الشرف ....مرّ بعذاب نفسي رهيب ...تارة يعتزم قتله دون أن يرف له جفن إن كُتِب له العثور عليه وطورا يتوعد بانتزاع رجولته البخسة التي يتباهى بها مستبيحا أعراض بنات الناس...
تناقصت الأيام و تضاءل معها أمله في العثور عليه وفي المقابل تعاظمت رغبته في الاقتصاص منه لدرجة الهوس ....وانتهت المدة التي كان يتوق فيما مضى لانقضائها فصار يتمنى أن تطول وتطول إلى ما لا نهاية .....
حتى أنه كاد يجن يوم أمس فنأى بنفسه عن الجميع ممضيا يومه على الشاطئ يسير على غير هدى يحدث نفسه كالمختل غير قادر على استيعاب ما حدث ...حتى أنه أحيانا كان يعجز عن تمييزه أحلم أم حقيقة ....
أدرك أن الواقع أقسى بكثير و هو الذي ظن باعتداد رجولي أنه تجاوز صدمته بسهولة...
وهو الذي ظن نفسه كفيلا بمحو ألمها وفتح صفحة جديدة لكليهما وكأن شيئا لم يكن ..اكتشف في الأيام الماضية خطأه الفادح..
كان مخطئا حين استصغر صدمته غافلا عن الندوب العميقة البشعة التي تركتها في روحه..
و حين استهان بدمائه الشرقية ونزعته التملكية حيث يفضل الموت على أن يلمس غيره امرأته ..
ومرة ثالثة حين بالغ في تقديره قوة تحمله..
هذا لا يعني أنه سيتراجع عن كل وعوده ...لا لن يفعل ..إلا أنه أدرك أخيرا أن الوضع أصعب مما تخيل بمراحل ..أصعب بكثير ..
لكن لابد من مواجهة المحتوم ..لم يكن بيده ما يفعله عدا انتظار ليلة الزفاف...ليحلل مشاعره....ليرى بأم عينيه ردة فعله الواقعية بدل التخيل المضني بعد أن حار في نفسه غير قادر على توقع خطوته التالية أو تحديد مشاعره بدقة ..
رنين المصوغات الذهبية و حفيف ثوبها الثقيل أنبأه بوقوفها المتأهب حالما دخل ..ذهب الخطاب المؤثر الذي جهزه أدراج الرياح و خانه لسانه و قد هربت منه الكلمات بعد أن كانت تنساب بعفوية دوما من ثغره يتغنى بكل تفصيلة فيها ....
جسده بدوره كان له من الخيانة نصيب وكأنه طوع أمر خفي خارج عن سيطرته....فتصلب بالكامل رافضا التجاوب معها بشكل أدهشه ... في وقت كانت في أشد حالاتها وهنا ....في وقت كانت في أوج تشوشها تتأرجح ما بين العقل و الجنون...لم يستوعب كيف قادته قدماه نحو الحمام الملحق بغرفتهما و دون أن ينظر إليها دمدم بصوت خفيض ميت"أنا ....سأغير ثيابي "
وعرفت أنه يهرب منها .....تعالت ضربات قلبها المذعور أكثر حين أيقنت أن الوساوس التي ظلت لأيام تنخر عقلها تجسدت أمام ناظرها بأقسى صورة ممكنة.. حينها حملت تلابيب ثوبها وهرولت تلحقه غير قادرة على استيعاب موقفه منها
لكن ما إن شعر بلمسة كفها الخفيفة على كتفه حتى التف مستديرا نحوها بكلّيته وقد تداعى قناع الهدوء الذي تدرب على مداراة دواخله به وصرخ فيها بلا وعي بنفور رهيب يخالطه استياء عميق "لا تلمسيني " ....
وكأن الزمن توقف لحظة عندهما ....انسحب الدم من وجهيهما معا....
هو بإدراك لما فلت منه دون قصد....
وهي بصدمة و ذهول لهو ما رأته ...لما قرأته على سحنته بوضوح....مزيج من الغضب والنفور ...و الندم ....ندم وصلها بمعنى غير معناه الحقيقي ....
تشنجت ملامحها المتألمة وسحبت يدها وضمتها إلى صدرها بسرعة ..ضربها في مقتل .....نادم أخيرا...على تورطه معها !...على التضحية لسترها !...
خرت عند قدميه جالسة تبكي بحرقة و تولول بلوعة وقد تهدج صوتها"كنت اعرف أنك ستندم ....كنت أعرف و أنا الغبية تعشمت ....وأنا الحمقاء تأملت .....كان علي أن أصغي لعقلي وأتصرف دون إخبارك..ما الذي دهاني لأحمّلك ما لا تطيق.."
هذيانها الأجش أخرجه من التبلد الذي جمده للحظات فأغمض عينيه مستغفرا بخفوت و قد ضربته موجة عاتية من الإحراج حين أدرك أن مشاعره تعرت تماما أمامها فظل يستمع إلى نشيجها المكتوم المتقطع دون أن يجرؤ على مواساتها ..
إلا أنه لم يستطع الاحتمال أكثر حين تصاعد بكاؤها مهددا بالتحول إلى نحيب مسموع وفي لمح البصر كان ينحنى ليحملها و يسقط بها على السرير ثم يكمم فمها ويهدر ملتاعا بنبرة معذبة وكأنه على شفير البكاء "والله لست نادما كما تظنين ....أنا خائف.. من ضعفي ..من نفسي....تحمليني أرجوكِ ..تحمليني ريثما ننسى..ريثما أنسى.."
همدت في مكانها بعد أن استشعرت فيه فاتح الذي تعرفه ...الذي لن يتوانى عن مؤازرتها مهما حصل ..استمرا للحظات يتأملان بعضهما ..يبادلها نظراتها الوجلة بأخرى معذبة مترجية يناشد صبرها بصمت ..ليكون هو من يقطع اتصال العيون حين استلقى على ظهره يسحبها على صدره متنهدا بعمق ..
تكورت في حضنه و دفنت وجهها في عنقه وهمست تترجاه بدورها بصوت متحجرش كسير من فرط التأثر" الموت أهون علي من جفاءك فاتح...أرجوك لا تجافيني ..لا تجافيني "
أغمض عينيه يعتصرهما وقد فاق ألمه النفسي كل ألم وقابل رجاءها بصمت ثقيل دون أن يجرؤ على طمأنتها زورا ...
تجسدت الصورة بوضوح شديد أمامه..لن يكون من الهين أبدا أن يتجاوز..لن يتمكن أبدا من التحكم في تصرفاته معها حتى وإن نجح و دارى عمن حوله فستظل رؤيتها تفتح الندبة لتستحيل إلى جرح مشروخ جديد غائر و بشع لم يتوقف نزيفه بعد..
وكأنه يفرغ فيها كل غضبه و عجزه عن الانتقام لكرامته الجريحة و عرضه المهدور.. رغما عنه تنتابه هذه المشاعر السوداوية التي تقض مضجعه..وكل ما يملكه ليحارب نفسه قبل أن يحارب ظروفه مزيج من أمل و إيمان...
إيمان بأن له ربا لن يضيعه و لن يوكله لنفسه طرفة عين ..وأمل بأن الأيام كفيلة بطمس كل هذه المشاعر التي لازالت طازجة ومشبوبة على نحومخيف..
فالاعتياد على الألم يخفف وطأته إلى أن يتعلم الإنسان كيف يتعايش معه مسلّما دون أن يشعر بنغزته على الرغم من وجوده ..
أما هي فقد انخرطت في نشيج مرير مكتوم حين أدركت كُنْه صمته...كم تعشمت بغباء حين تصورت أن النسيان لن يكون عسيرا على كليهما...
كذبت على نفسها وخدرت عقلها طوال الأيام الماضية تمني نفسها بليلة العمر ..أصرت بعناد تؤكد لنفسها أن مشاعر عشقهما ستتأجج بانفلات بينهما و تطغى على أي شعور متطفل ..إلا أن نظرتها الفتية و المفتقرة للخبرة لم تتوقع أن يُهمّش حبهما الليلة حين يعجز عن مجاراة هذا الكم الهائل من السواد ..
لتدرك أخيرا بمرارة أنها كُلاهما معطوب ..ولن يتم الشفاء بين ليلة و ضحاها أبدا..
استلقيا بصمت جنبا إلى جنب في الظلام وقد جافاهما الرقاد معاندا أن ينسيهما ما كان و لو لبضع ساعات يستمعان بكآبة إلى الهرج و المرج في الخارج حيث تستمر الاحتفالات السعيدة .....
وراح كل منهما يدور في فلك أفكاره و هواجسه الخاصة ....و كم بدا في تلك اللحظة المستقبل لكليهما مبهما غامضا وكئيبا..

إن نجح ذاك الصعلوك في شيء ما تلك الليلة فقد نجح في إخراج أسوء ما فيهما ..ببساطة كانا يعيشان حالة من الموت على قيد الحياة..يمضيان أغلب أوقاتهما معا صامتين وكأن الكلمات ماتت بينهما ..
وكأن كل منهما يخاف أن ينطق.. فيؤلم ..ثم يندم ..
وفي نفس الوقت لم يكن من الهين تحمل الصمت...أن تكبت معناه أن تتألم و تتوجع خائفا من أن يبلغ احتمالك منتهاه يوما ما ..فيأتي انفجارك المحتوم بما لا يحمد عقباه..
شهر كان من المفترض أن تكون أيامه أحلى من الشهد إلا أنها مرت بشكل ثقيل خانق كالجحيم ..
فاتح كان يحاول معاملتها بلطف قدر الإمكان إلا أن تباعده كان يزيد يوما بعد يوم خائفا عليها من نفسه ..من غضبه و نقمته..بالكاد يتمكن من النظرإليها أو الكلام معها بشكل طبيعي أمام الآخرين..
بينما قلبه كان يتلظى في نار العذاب لحالها دون أن يملك ما يخفف من وطأة ما تقاسيه ..كانت تضغط على نفسها بما يفوق قدرتها على الاحتمال لتكون لائقة به تجهد نفسها طوال النهار تخدم أمه كأنها آلة لا يعرف التعب إلى جسدها سبيلا ..
ضغط هائل غير طبيعي يجعلها تسقط نائمة بعمق بلا حراك مباشرة عقب صلاة العشاء..حتى أن فاتح كان أحيانا يضع أصبعه أمام أنفها يتأكد من تنفسها ..ثم لا تلبث طويلا حتى تستيقظ فزعة في جوف الليل فتمضي ما تبقى منه مندسة في حضنه تتشممه باحثة عن الأمان ..
كان هذا الوقت الوحيد الذي يتقاربان فيه بصمت ..تشعر بأنه مستيقظ أيضا وقد أبى الرقاد أن يريحه قليلا لكنها لا تجرؤ على إفساد لحظات السكينة النادرة بالكلام ..
كانت مستلقية على سريرها في مخدعها بعد أن عاودتها نوبة أخرى ..منذ أيام وهي تعاني من كثرة الإغماء بشكل بات مقلقا ..إضافة إلى تهيج معدتها حيث لا يستقر بها طعام أو شراب أكثر من عدة دقائق ..
كانت زاهرة تجلس قربها تضم كفها البارد بين يديها الدافئتين تطرق برأسها بينما تبكي و تشهق بحرقة ..تململت صفية في مكانها و شدت على يد زاهرة بلطف ثم أردفت بمزيج من الضيق و الأسى "بالله عليك يا زاهرة كفي عن بكاءك المريب ...ألم تلاحظي كيف صارت عمتي تنظر إليكِ.. كلما تأتين تعانقينني ثم تباشرين في وصلة البكاء و النحيب كمن قُتِل له قتيل!"
رفعت زاهرة عينيها المبللتين بالدموع تتأملها مليا ... بدءا من عينيها الغائرتين و الحمراوتين نزولا إلى شفتيها المتيبستين.. وكأن تدقيقها في وجه صفية الشاحب المتعب زاد من فورة مشاعرها أكثر إذ صدر تأوه معذب من بين شفتيها المرتجفتين وتمتمت بصعوبة وسط شهقاتها " لا يمكنني التحكم بنفسي .. كلما أراك أتذكر ذلك اليوم الأسود الذي لجأتما فيه إلى بابي ...خسئ الكلب الملعون"
أغمضت صفية عينيها التعبتين بينما تستمع إلى زاهرة التي سيطرت عليها إحدى نوبات انفعالها فراحت تكيل له الشتائم بلا توقف..وحين شعرت بالرضا على أداءها المتميز لامست وجهها بحنان فيما تدمدم بأسى واضح " وكيف لا أبكي ..أنظري إلى نفسكِ وقد بانت عظامكِ من شدة هزالكِ" سكتت للحظات تكفكف دموعها المطيرة لتردف بعدها بلهفة وأمل وقد مرت بخاطرها فكرة أبهجتها "ربما أنتِ حامل...يا رب يا رب ...تَفرحين و تُسعدين الغالي "
اعتصرت جفنيها المطبقين بقوة متألمة وقد استحكمت حلقها غصة مسننة حين سمعت كلام زاهرة البسيط و الجميل الذي قد يبهج قلب أي عروس جديدة ويثلج صدرها ..
إلا أنه نحر قلبها نحرا من الوريد إلى الوريد ..جاهدت لتحافظ على تماسكها الظاهري بينما ترد عليها بهدوء مبتئس "لا..لست حاملا"
حيرة تلبست زاهرة فتوقفت دون وعي منها عن البكاء لتسألها ببساطة " لماذا أنتِ متأكدة هكذا .. متى كانت آخر دورة ؟"
تأففت صفية قائلة بانزعاج واضح راغبة في تغيير هذا الموضوع البائس "قلت أني لست حاملا ..كفي عن التحقيق معي كالشرطي"
إلا أن زاهرة التي تعرف صفية حق المعرفة تجاهلت تماما كلامها و قد شعرت بوجود خطب ما ..ثم ما لبثت أن توسعت عيناها بفزع حقيقي وصاحت بلوعة بينما تخبط فخذيها بكفيها "يا مصيبتي أم أنه لم يقربكِ أبدا..كنت أعلم ..والله كنت اعلم أن العين الحسود ستفتك بكما .."
حوقلت صفية في سرها ثم اعتدلت جالسة وقالت برفق تربت على كتف زاهرة "هوني عليكِ يا زاهرة ..واشعري قليلا بما يقاسيه..الأمر ليس بالهين على كلينا..سنرى أياما جميلة إن شاء الله و ينقشع كل هذا الغمام"
ضمتها زاهرة إليها بقوة تبكي ببؤس وقد توطن الحزن في قلبها النقي الطيب ..وبعد أن هدأت قليلا قالت بنبرة أمل مشجعة " والله معك حق ..أنظري إلي مثلا تزوجت بمحمد ولم يأذن لي الله إلا بعد أن كدت أقنط من رحمته وأنجبت أوسا بعد عشرين سنة من زواجي وأنا ابنة أربعين عاما ..وُلد أبكر بشهرين عن ميعاده ضعيف البنية عليل الجسد ومكث في مشفى المدينة لشهر كامل أبكيه ليل نهار حتى نضبت دموعي وظننت أن الفرح لن يطرق بابي ...والحمد لله هو الآن قد بلغ الرابعة غلام طبيعي بل ويبدو أكبر من أقرانه لسرعة نموه ما شاء الله"
.............................

كان في المجلس وحيدا كدأبه منذ أيام يفضل أن يختلي بنفسه وإن تحتم الأمر وجلس رفقة أبيه و إخوته يكون صامتا في أغلب الأحيان.. تقدمت أمه نحوه بعد أن أوصدت الباب خلفها ..ناظرته للحظات بعينيها الصقريتين متأملة شروده الحزين ثم مطت شفتيها متشدقة بنبرة واثقة ومستاءة بشدة" هل هذه هيأة عريس لم يتم شهره الأول بعد ..هل ندمت على زواجك بعد أيام قليلة فقط ؟
تنهيدة حارة صدحت من حلقه بينما يناجيها برجاء "أمي " لتقاطعه هاتفة بحدة "صه ولا كلمة.. تركتك تصول و تجول دون تدخل مني أراقب حالك البائس .....أظننت أنني سأنخدع بك؟ .....تعاستك واضحة للأعمى يا ابن بطني ..حذرتك مرارا و تكرارا لكنك عنيد كالبغل لا تسمع كلام أمك أبدا... وها أنت الآن تأبى أن تعترف بخطئك الفادح ..تلك الساحرة..قريبا جدا سأتشفى من حالها حين يبطل سحرها و تطلقها و تعيدها مذمومة مدحورة إلى حيث تنتمي"
مرر كفيه على صفحة وجهه بصبر نافذ ليردف بصوت واهن "أماه..لا تضغطي علي أكثر ..لطفا ...كفي عن تخيلاتكِ تلك...لست نادما و لن أندم أبدا "
أظلمت عيناها بغموض بينما تركز نظراتها عليه لولهة ثم قالت بهدوء ناقض تماما ما كانت عليه منذ ثوان خلت "لقد استدعيت طبيبة القرية إلى هنا " ثم تستطرد مجيبة تساؤلا صامتا ظهر جليا في مقلتيه"أعتقد أن زوجتك حامل "
بالرغم من أنه تهرب من أسر عينيها المتفحصتين إلا أنه أجابها بنبرة قاطعة لا تحمل ذرة شك واحدة بين طياتها "لا...أنتِ مخطئة"
أمالت رأسها جانبا فيما تضيق عينيها بتفكير ثم رفعت حاجبيها تقول بدهشة" هل تشكك بعيني الخبيرة يا ولد؟ ..يمكنني تمييزها بنظرة واحدة" لتواصل بلهجة ممطوطة ذات مغزى" أم أنك لم...."
انتصب واقفا و قد اشتعل وجهه إحراجا ثم لوح بيده هاتفا بنبرة خفر مخنوقة "
أمي توقفي عن إحراجي ....ألم يكفكِ الدليل الذي وضعته في صباحيتي بين يديكِ؟"
هزت كتفيها ثم طفقت تفسر ببديهية و قد لوت شفتها السفلى مستهجنة ثورته لأجل أمور طبيعية لا حرج من الخوض فيها " كان تفسيرا لكلام قلته بنفسك...لا سبب يجعلك تنفي حملها هكذا إلا إذا لم تلمسها من الأساس.." ثم تقر ببساطة قائلة دون أن تغفل عيناها عن قراءة اختلاجاته "أو إذا كنت على علم بعدم تأخر موعدها الشهري طبعا ..فهذا احتمال آخر..على كلّ الطبيبة في مخدعك الآن ...بيدها دحض الحمل أو إثباته"
..........................
"مبارك حملكِ سيدة صفية " رمت الطبيبة قنبلتها بينما تبتسم ببشاشة في وجه صفية التي أغمضت عينيها وقد فاضت دموعها مرتحلة تباعا على خديها الممتقعين لتتعانق مجددا أسفل ذقنها و تتقاطر مبللة ثوبها ..
كانت الطبيبة التي ظنت نفسها مرسال البشرى غافلة عن الصدمة التي جمدت مريضتها سيما وأنها كانت أصلا متعبة و شاحبة بشدة ..
وبقدرة قادر تمكنت من رسم ابتسامة مرتعشة على شفتيها بينما تتقبل التبريكات من الطبيبة و عمتها تماضر التي قررت مرافقة الدكتورة إلى الخارج فيما تشرح لها بعض التعليمات اللازم إتباعها لأجل صحة كنتها..
زاهرة التي كانت ملتصقة بالحائط تلجم طبيعتها المندفعة بشق الأنفس وقد شوه الذعر ملامحها راقبت بعينيها تماضر حتى توارت عن أنظارها وحين تأكدت من ابتعادها عن جناح ابنها بما يكفي سارعت نحو صفية تنتحب بانفعال مرير وقد تخبط لسانها بينما تهذي بصوت مبحوح لم تتعرف عليه من فرط الرعب" وا مصيبتاه...لم ينفع المشروب الذي دبرته لكِ..كيف حدث هذا ..وقد نزفتِ بعدها ..كيف..ماذا سيحدث الآن ..يا ويلي ..يا ويلي "
كانت صفية جامدة تماما كتمثال شمعي أتقن صانعه نحت أصدق تعابير الذهول و الصدمة بدقة على تقاسيم الوجه..لم تسمع فاتح الذي كان يقف خارج الغرفة حين دخل و هدأ زاهرة التي كانت تولول كالمجنونة ثم طلب منها أن تأخذ ابنها أوس و تتوجه مباشرة إلى بيتها قبل أن تثير ريبة أمه التي انقلب حالها فباتت تخطو فوق السحاب مختالة وقد انشرح قلبها المغتبط بالبشرى التي هلّت ..
وقف يتأملها بشجن بينما تعتصر بطنها بكفها ببطء شديد عيناها مغمضتان وقد أنضبت صدمتها دموعها دفعة واحدة..تعض بقوة على شفتها السفلى بينما تئن بعذاب مزق نياط قلبه..
دون أن يشعر فرت دمعة يتيمة غالية من عينه.. كيف لا وهي دمعة رجل جريح الكرامة مكسور القلب مصابه جلل وعلته عصيّة ..
وإن كانت حياته قد تغيرت ذلك اليوم..فإنها اليوم قد انقلبت رأسا على عقب ..إلى الأبد..
تقابلت أخيرا نظراتهما مطوّلا ..وإن نجحا في إسكات الأفواه عن البوح فإن للعيون فيما بينها كلاما لم ينجحا في كبته..
أسرع نحوها ملبيا نداء عينيها الميتتين والفارغتين بشكل رهيب وقد اختض قلبه فزعا على حالها فتناسى تباعده ..نفوره..انتقامه ليدسها في حضنه الرحب المديد بقوة وكأنه يريد أن يمتص كل عذابها ليتحمله وحده..
كانت طوال فترة الحمل هادئة بشكر مريب وكأنها تخطط لشيء ما بينما لم يتوان فاتح عن الاهتمام بها و مراعاتها تساعده في ذلك زاهرة..أما أمه فقد انشغلت عنه لحسن حظه بالتحضير لزفاف أخته رقية..
لن ينسى أبدا ذلك اليوم ..حين دخل مخدعه وقد عاد مبكرا من عمله على غير عادته بعد أن شعر بصداع رهيب يفتك برأسه..
أجفلت حين دخوله دون سابق إنذار بينما كانت يداها خلف ظهرها ..تخفي شيئا ما؟..تظاهر بأنه لم يلاحظ شيئا وأكمل طريقه ناحية الحمام بعد أن ألقى السلام وشرح لها سبب عودته ثم وقف يراقبها من شق الباب الذي واربه ..
اتسعت عيناه رعبا لهول ما رآه...كانت تفرغ علب الأدوية على عجالة ..تنوي قتل نفسها ؟..تسابقت قدماه نحوها وفي لمح البصر كان يضرب كفها بحدة لتتناثر الحبوب والأقراص على أشكالها أرضا يمنعها من أن تدسها في فمها دفعة واحدة..
حدث كل شيء بسرعة رهيبة إذ سرعان ما تحولت صدمتها لكشفه أمرها إلى جنون مطبق حين راحت تضرب صدره بكل ما أوتيت من قوة وقد كُسِرت قوقعة تبلدها أخيرا..
تطلب منه الأمر وقتا ليتمكن من السيطرة عليها وإلجام جموحها إذ لم تتوقف عن التخبط بين يديه و توجيه الضربات نحو أي مكان تطاله يداها إلا بعد أن خارت قواها بالكامل ..
كان يجثم فوقها يقيد حركتها بذراعيه و ساقيه..صدره يعلو و يهبط تتسابق أنفاسه الهائجة بعد أن بذل جهدا خرافيا مقابل أنفاسها التي لم تكن أقل هيجانا ..
يرمقها بخيبة واضحة وجرح عميق من تصرفها المحبط بينما تتحداه بنظراتها الغاضبة والناقمة على كل شيء حولها ..
دفعته عنها بخشونة ليعتدلا جالسين ..كانت على وشك أن تنفجر في وجهه مجددا إلا أنها فغرت فاها مشدوهة في اللحظة التالية حين لطم خدها بقوة أدارت وجهها..
دموع حارقة لسعت عينيها بينما تقول وقد احتكمت الصدمة مخارج حروفها " تض..ربني ..تضربني "
صاح فيها يهزها بقوة وقد توحشت عيناه الغاضبتان" خسارة فيكِ حب السنين ..هل أحببت امرأة ضعيفة أصبح الإنتحار مخرجا في نظرها ..هل هان عليكِ أن تموتي كافرة..أعيدي إلي صفية التي أعرفها "
وكأنها كانت مغيبة لا تعي ما تفعله بنفسها فاستفاقت وقد هالها صنيع يديها ..نشجت وقد مزق صدرها ألم حاد بينما تقول بتقطع "لا أعلم كيف حدث هذا..وكأن ..وكأن شيطانا تلبسني ..أنا ..أنا "
سرعان ما لانت ملامحه فكان يحتضنها بدفء وحنان يهدهدها ثم كان يتمتم دافنا وجهه في شعرها يهدئ من روعها" لا بأس عليكِ..استعيذي بالله حبيبتي ..سنتجاوز كل شيء معا ..لابأس"
..............................
كان بكاء الصغيرين عاليا حين دخل فاتح مخدعه..زاهرة كانت تترجاها قائلة وقد ارتسم البؤس على محياها "أصغي إلي أرجوكِ..نفرا من الزجاجة من أول مرة وتقبلاها بصعوبة بالغة.. انظري إليهما ..يرفضانها الآن تماما..أرضعيهما أرجوكِ..هل ستتركينهما يموتان جوعا؟"
أشاحت صفية بوجهها لا تريد النظر إلى وجوههما الصغيرة وقد احتقنت من شدة بكاءهما وكأنها تخشى أن يرق قلبها لحالهما " ألا تفهمين..لن أرضعهما ..أبعديهما عن ناظري ..لا أطيقهما "
صاحت أمها الجالسة قبالتها بلوعة " أعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد..وحدي الله يا ابنتي واهتمي بصغارك.."ثم تنهرها بالقول الغاضب وقد تجسدت في ذهنها خواطر لم ترق لها بل و أفزعتها" ماذا إن رأتكِ حماتكِ تتصرفين هكذا..هل تريدين أن يعيدوكِ إلينا و يحرموكِ من أبنائكِ بعد أن يرموكِ بالجنون؟ "
"هلّا سمحتم لي بلحظة انفراد معها من فضلكن " انسحبت أمها حين سمعت رجاء فاتح دون أن تنسى أن تحذر ابنتها بصمت بإشارة من عينيها تتبعها زاهرة التي جرجرت قدميها بانكسار وقد أبى الحزن أن يغادر سحنتها..
صبيحة يوم أمس وبعد ولادة متعسرة دامت لساعات ولد كل من ليث و جوري في أتم الصحة و العافية ..كان فاتح خائفا جدا من هذه اللحظة..لحظة رؤيتهما لأول مرة ..
رغم أنه حقق تقدما باهرا طوال أشهر الحمل وقد نجح في السيطرة على مشاعره منتقلا إلى مرحلة أخرى من التسليم بقضاء الله والرضا بمشيئته إلا أنه خاف أن يعود إلى نقطة البداية فتتأجج مشاعره الناقمة من جديد حين يجد نفسه مغصوبا على تقبلهما كجزء منه..
وسبحان من بيده القلوب يقلبها كيف يشاء!..حين أبصرهما أول مرة تحرك قلبه نحوهما ..أدرك حينها أنه رآهما ببصيرته ..صغيران وضعيفان بلا حول ولا قوة..والأدهى و الأمرّ أنهما (بلا نسب) ..لم يكن لهما يد في البشاعة التي كانت سببا في جلبهما إلى هذه الدنيا ..والتي لن يتحمل أحد سواهما وزرها في مجتمع لا يرحم ..
أقسم حينها سرّا بالذي حرم الظلم على نفسه ..أن يكون ما حيى عائلتهما وعزوتهما ..أن يكون الأب والحامي و السند..عسى أن يكونا تذكرة عبوره نحو جنان الرحمان..
توجه بصمت نحو الصغير ليث وحمله بحرص ثم وضعه في حجرها برفق وفي عينيه نظرة رجاء يناجيها أن ترأف برضيع بريء..أن ترأف بصغيرها ..بدمها..كان يعلم أنها تحتاج دعمه وإرشاده لتلتمس طريقها وقد تاهت تماما وبالمقابل كان مستعدا ليبذل الغالي و النفيس في سبيل إنجاح زواجه الاستثنائي وتحويله إلى زواج طبيعي بلا نقائص أو عقد مستعصية ..
همهم يلامس خده الناعم المتورد بحنان فياض حقيقي يحسد عليه "ابني الصغير الجائع..لا تؤاخذ أمك العصبية..أرأيت كيف تتصرف وكأنها طفلة حمقاء غيورة"
ثم حمل جوري التي كانت تبكي بدورها بعنف يهدهدها بينما يقول بشقاوة احتكمت صوته رغم البسمة الحزينة التي لوت شفتيه" ابنتي الجميلة ستنتظر دورها بأدب ..وسأحكي لها كيف سأحتفي بولادتها لأيام وأيام دون توقف .. سأذبح المزيد من الأضاحي لعينيها البهيتين ..وأوزع الصدقات لتضحك شفتاها الورديتان طول العمر"......

كانت تجلس ساهمة تغوص في بحور الذكريات مفكرة...أحيانا يعيش الإنسان تجارب قاسية جدا تجعله يعتقد أن الدنيا أظلمت في وجهه ثم تهل رحمة الله من حيث لا يدري فيجد نفسه راضيا سعيدا بما قسمه له .....وقد صدق الله حين قال (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) ....دمعة يتيمة تدحرجت على خديها الأيمن بينما راح لسانها يلهج بالشكر لله لما أسبغ عليها من نعم كثيرة لا تعد و لا تحصى....
وفي هذه الأثناء ضُرب باب الغرفة بقوة أجفلتها وانتزعتها انتزاعا من ذكريات جمعت ما بين الشجن والمرارة والسعادة..فكونت هذه الخلطة المتناسقة بشكل عجائبي عالمها السحري الجميل والذي ضمها وحبيبا مات فدفنت نصفها معه..
التفتت مشدوهة إلى ابنها الذي اقتحم المكان بوجه احمر محتقن ينفث أنفاسا لاهثة وقد اكفهرت قسماته .. سرعان ما انقبض قلبها لمرآه وقبل أن تنطق كان يسبقها هاتفا بثورة بينما يؤشر بسبابته نحو الباب"ما عمل ابن.....على انفراد مع جدتي في هذا الوقت من الليل ؟"
اعتصرت عينيها بقوة للحظات تستغفر في سرها حين سمعت الشتيمة القذرة التي تفوه بها ابنها الهائج والتي لم تسمعها منه قبلا إلا أنها فضلت التغاضي ثم تقدمت منه ببطء تربت على كتفه تهدئ من غضبه المشتعل قائلة بهدوء و تريث "اهدأ يا ليث....ما الذي أغضبك إلى هذا الحد؟"
بادلها نظراتها الهادئة بأخرى فائرة مرتجّة لا تقبل الخمود ليقول من بين أسنانه بفحيح هادر" منذ متى كان الشيخ عباس مقربا من جدتي ......ما الذي يفعله هنا ....أنا لن أقف صامتا أبدا ......لن أهدأ قبل أن أرميه خارجا فعليا هذه المرة "
شدت ذراعه مجفلة من نفوره(المبالغ به) تجاه رجل تعرفه من بعيد و لا تذكر أن فاتح قد تحدث عنه من قبل بشكل خاص لتصيح به بحزم وقد أغضبها جنونه المبهم " استغفر الله يا ولد.....منذ متى نتواقح مع ضيوف طرقوا باب دارنا يرجون ودنا.....بما أن جدتك ضيّفته فعليك احترام ذلك....؟"
رفع ذراعه الأخرى الحرة وضغط على عضدها برفق ناقض تماما الأتون المشتعل في عينيه ثم همس بصوت خفيض متوعد و مرتعش من شدة الغضب "عديني إذا أن تحدثي جدتي حوله فيما بعد..خذي منها ميثاقا أن لا تطأ قدماه دارنا مجددا ..وإلا فلن تأمني جانبي أبدا"
انتفضت حين تبيّنت نبرة الوعيد الجدية التي أصبغت كلامه لتنهره باستياء بالغ" هل جننت يا ولد.....هل ربيتك لتتصرف كقطاع الطرق...ما هذا النفور من الرجل...منذ متى كان قلبك بهذا السواد؟؟ "
صرخ بعنف وقد أوشك أن يفقد عقله " يارب الكون....نعم جننت...جننت.....آخر ما أوصاني به أبي كان أن أبتعد عن هذا ال..... لأجده يقفز أمام ناظري كل لحظة..سيفقدني هذا ال...عقلي "
أشّرت في وجهه بسبابتها تحذره قائلة بحزم وقد احتقن وجهها غضبا "لن أسمع مثل هذه الألفاظ السوقية تخرج من فمك مجددا .....وإن يكن ...مهما كان ما أوصاك به والدك رحمه الله ....من الواضح أنه لم يطلب منك أن تطرده من البيت كمن لا أصل أو فصل له ....لن تتصرف برعونة هكذا دون سبب وجيه"
همد وقد انحنت أكتافه ليجيبها بانكسار وضياع " لماذا لا يفهمني أحد..أنا متأكد أن هذا الوغد لن يدعنا وشأننا ....إنه يدبر أمرا ما يا أمي ....ماذا علي أن أفعل.."
ضمته إليها فاستسلم يبكي منهزما وقد تآكلته حيرة شديدة"وحد الله يا بني ....ما الذي دهاكما أنتما الإثنين .....أختك أيضا عادت رفقة زاهرة في حالة يرثى لها .؟"
كانت تحاول طمأنته خيفة أن يتهور رغم أن قلبها هي أيضا كان أشد انقباضا .....لماذا أوصاه فاتح أن يبتعد عن الشيخ عباس....و الأهم لماذا لم يكلمها عن أمر كهذا من قبل و هو الذي لم يخفِ عنها خافية من قبل؟؟... أم تُراه فعل؟؟
أكبر مخاوفها تجسد أمام عينيها ..ليث لازال شابا يافعا أمضى حياته كلها منهمكا في دراسته ..فقد حاول فاتح إبقاءه بعيدا قدر استطاعته عن كل ما قد يشغله عن بناء مستقبله كالنزاعات العشائرية و الخلافات العائلية و غيرها .. بقدر ما أسعدها هذا بالأمس فإنه يبث الرعب في نفسها اليوم..ليث بلا خبرة تماما..لن يجيد التعامل مع المصائب لوحده..بل وقد يعرقله بتصرفاته الهوجاء دون إدراك منه بدل أن يشد أزرها ..
............................

" حللت أهلا علينا يا شيخ ...مرحبا بك في دارك "
كان يجلس باعتداده المعتاد .....تتدلى مسبحته الذهبية من يده اليمنى السمراء....كان قد جلبها من بيت الله الحرام أثناء أداءه مناسك عمرته الأخيرة فقد كان هذا دأب علية القوم....يتباهون بكثرة الاعتمار و الحج.... كفه الأخرى الملأى بخواتم فضية منقوشة باليد باحتراف بزخارف تقليدية تخطف الأنفاس بدقتها و جمالها الأخاذ مبسوطة على ركبته اليسرى براحة يرسم بتأن بإبهامه دوائر صغيرة فوق قماش جلبابه الأسود الأنيق المطرز بخيوط ذهبية تماشت بشكل سحري مع لونه الداكن و لاءمت عمامته الذهبية المشغولة يدويا بزخارف سوداء جميلة ....
ابتسم بود مبالغ به لمجاملة تماضر المتوقعة .....مكانة عشيرته تفرض نفسها منذ زمن سحيق ....لكن انتقال المشيخة إلى ابن عمه عبد الحي منذ عدة سنوات زاده هيبة و جبروتا ..رغم أنه استاء كثيرا من أن يحظى ابن عمه الأصغر منه بمرتبة كهذه...
و كيف لمثله أن يدرك أن السن لا قيمة له أمام حكمة المرء و رجاحة عقله...مقومات نال عبد الحي نصيبا وافرا منها مكنته من نيل مشيخة العشيرة وبل أقرت بصلاحه و سداد رأيه عديد العشائر من قريته ومن القرى المجاورة يحتكمون إليه في النزاعات و يعملون بنصحه....أمر جعل ابن عمه الأكبر عباس يتلوى غيرة من الهيبة التي حصدها بجهده واستقامته ..إلا أن شعوره هذا لم يمنعه من استغلال مكانة ابن عمه أيّما استغلال ليحقق مآربه و يسهل طريقه نحو مطامعه...
قال بعد لحظات وقد تلونت ملامحه بالحزن ببراعة مذهلة " كيف حالكم يا أم فاتح....ما حدث كان مؤسفا حقا....خسارة كبيرة نالتها عشيرتكم بفقدان رجل حقيقي كالمرحوم"
أومأت تماضر بإيجاب توافق على كلامه لتردف بتأثر "سلمك الله من كل شر....وما لنا عدا الصبر أمام قضاء الله "
التفت في هذه اللحظة يناظر الغلام الذي استأذن ثم دخل المجلس حاملا صينية نحاسية كبيرة وقد رصفت عليها أطباق كثيرة تضم كل ما لذ و طاب من طعام من شتى الأصناف وضعها أمامه على المائدة بأدب ثم انصرف بهدوء...
بسط عباس كفه نحو الصينية وقد تدلت مسبحته الذهبية متأرجحة بينما يردف بنبرة ذات مقصد" لا داعي لكل هذا التعب....أما قلت أني من أهل الدار؟"
ابتسمت تماضر في وجهه بفتور لتقول بعفوية"أنت أعلم بالكرم وأهله يا شيخ"
هز رأسه مؤكدا مقولتها ثم قال بعدها بجدية مبالغ بها"وصلني أن فقيدنا مات بأيد جائرة ...وأنا على أهبة الاستعداد لأقتص له بالطريقة التي ترضيكِ و تخمد جمرة الفقد المتوقدة في حشاكِ"
التمعت عيناها ببريق التحدي بينما تجيبه وقد شمخت بذقنها بأنفة "يسعدني أن أشعر بوجودكم خلف ظهري ...لكنك أدرى بحرم الحاج عبد العليم... لست مجرد ثكلى ضعيفة...أنا أولى بالاقتصاص لابني بيدي ...بما يرضيني و يريحه في قبره"
تفحصها للحظات مفكرا قبل أن يطرق برأسه يتأمل كوب العصير بين يديه بينما يقول مبتسما بشرود غريب"و نعم بالله ..كما تعلمين ورغما عني يصلني ما لا أرغب بمعرفته ....وهل بيدي إن تسابق العفاريت من البشر ليهمسوا في أذني ما قد يعتبر أسرار بيوت ابتغاء مرضاتي ..... فكرت أن الوضع الخاص الذي وجدتِ نفسكِ فيه قد يحنن قلبكِ و يمنعكِ عن انتزاع حق ابنكِ المهدور ممن كانوا يوما وسيظلون رغم الظروف من دمكِ الجاري في عروقكِ.."
ثم رفع رأسه ببطء بعد ولهة وابتسامته البسيطة تلك لم تفارق شفتيه وكأنه لا يدرك خطورة ما تفوه به..
شعت مقلتاها بقسوة حادة واحمر وجهها غضبا لتماديه (غير المبرر) إلا أنها تمالكت نفسها وقررت بذكاء مسايرته وقد أنباها إحساسها بأهمية زيارته الغريبة لتداهنه بالقول بهدوء"أقدر مراعاتك الشديدة ...كما قلت بنفسك....البيوت أسرار....وأنا ممن يقدرون خصوصياتهم ..."

صوت تذمر خفيف صدح من بين شفتيه الغليظتين قبل أن يقرّ متأسفا"إذا لا مجال لمد يد العون في هذا الأمر......هذا مؤسف حقا بحكم ما سيكون بيننا"
رفعت حاجبيها مندهشة وقد ظهر ألف سؤال و سؤال في عينيها بعد أن عجزت عن فهم مقصده فيقابل ردة فعلها بذهول أشد قائلا بصوت حزين وتأثر شديد "لا تخبريني أن المرحوم لم يطلعكِ بعد؟ كنت قد فاتحته بالموضوع منذ مدة .....لم يكتب الله طول العمر ليشهد ما تمنى ....فأنا متأكد أنك لن ترديني خائبا "
قبل أن تستفسر عن مراده كانت تنهره ببعض الحدة التي فلتت منها دون وعي" تراب قبره لم يجف بعد يا عباس..أيا كان ما تريده لا يجوز أن تطالب به في وقت كهذا وأنت أعلم بالأصول"
لم يتأثر أبدا بثورتها الصغيرة وقد لاحظ أنها أسقطت لقب(الشيخ) لأول مرة بعد أن نادته باسمه المجرد ..قال بثقة شارحا وجهة نظره دون أن يتخلى عن تأثره المصطنع ببراعة " لا تؤاخذيني يا أم فاتح..لكني خفت أن تظهر حسابات أخرى لا قدّر الله فتفسد كل ما كان مبرما بيني و بين المرحوم سلفا ..ولهذا ارتأيت أن أقابلك لنتحدث بسرية تامة إلى أن يفتح الله علينا بفرحة تخفف علينا وطأة هذه النكبة"
لم يزدها كلامها إلا حيرة على حيرتها لتقول بتململ وقد بلغ فضولها أقصاه"
أفصح بالقول يا شيخ فكلامك لم يزدني إلا حيرة أنا في غنى عنها"
و غصبا عنه ارتعش ..وتعرى وجهه المتمهّر في الخبث واللؤم مسقطا قناعا مزيفا من الوقار و الحشمة ..
وكشر مبتسما كذئب جائع أظهر أنيابه أخيرا واللعاب يتقاطر منها قد وجد قطيعا يرتع في غفلة بلا راع يحرسه فتنكر في جلد خروف وامتزج بين أغنامه يبحث عن أسمن ما يملأ عينه الجشعة ....ورأت كل هذا في عينيه..في نظراته الزائغة وأيقنت أن لا فكاك من أمثاله ....
تحركت حنجرته حين بلع ريقه بشق الأنفس ثم همس أخيرا بصوت أجش هائم "خطبت جوري لنفسي من أبيها ..وأعطانيها "

انتهى الفصل الرابع


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 10:17 PM   #39

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Mini-2012 مشاهدة المشاركة
يعطيك العافية

سلمت يمناااااك
🍃🌷
حفظك الله غاليتي شكرا

الديجور likes this.

ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 02:07 AM   #40

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

يالهوى ايه القفلة دى

انتقام رهيب جدا من محفوظ لنادين واضح طبعا انها ضحت بكل شئ علشان تتجوزه وخدعت اخوها طيب ليه هو ما قدر اللى عملته عشانه وهروبها وتركها لأهلها .. نادين ومحفوظ الاتنين مافيش علاقة حب بينهم هى كانت عايزه تتمرد وتسيب القرية وخلاص ومحفوظ كان فرصتها يمكن عشان كدا ماقدرتش تحبه ويمكن هو حبها بس بجفئها وقسوتها معاه اتحول من انسان ناجح بنى شركة عظيمة زى دى لإنسان سكير ضيع نفسه ورمى كل تعب السنين وسابه للدمار

حبيت جدا رضى اوس بقضاء الله ولجوئه ليه فى كل وقت حتى وهو بيتمنى جورى وعارف انها بعيده عن اماله وطموحاته لجأ لله عشان يقدر يتحمل قضائه فيها

ذكرى مؤلمة جدا لما بعد مأساة صفية وصبر ورجولة فاتح فى التعامل معاها واخذه بإيديها عشان تتطلع من الحالة اللى وقعت فيها بالذات بعد اكتشاف حملها فى التوئم

ليها حق صفية تحب فاتح وتشعر بخسارة واحد بحنانه ورجولته معاها

وجه الشيطان عباس انسان حقير مدعى عرف يلعب اللعبة بعد موت فاتح وخلو الساحة ليه ربنا يستر وليث يقدر ينقذ اخته من براثن الذئب بالذات انه عارف ان ابوه طلب منه يبعد عنه بكل وسيلة وربنا يستر وتماضر ما تصدقه

الفصل خرافى واسلوبك ماشاء الله حلو جدا جدا تسلم ايدك

الديجور likes this.

ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.