30-03-20, 07:50 PM | #1 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| ندوة _ نبيل فاروق السيد / .... .... نتشرف بدعوة سيادتكم لحضور الندوة التى تقيمها .......... لم يصدق ( وجدى ) عينيه ، وهو يطالع تلك الدعوة للمرة الثالثة ، منذ وصلت إلى بريده هذا الصباح.. كانت أول مرة فى حياته ، يدعوه فيها أحدهم إلى ندوة ما ، أية ندوة.. ولكن الاسم على المظروف صحيح ، وكذلك العنوان.. لا يوجد خطأ إذن إنها دعوة موجهة إليه بالفعل.. ألقى نفسه على مقعد قريب وراح يلهث فى انفعال ، وذهنه يستعيد الموقف مرة ثانية ، وثالثة ، ورابعة.. منذ تخرج من كلية الآداب ، وبدأ رحلة البحث عن لقمة العيش ، وهو يحلم بأن يصبح كاتباً شهيراً مرموقاً ، وعلى الرغم من عشرات المقالات ، التى أرسلها إلى كل صحف ومجلات ( مصر ) ، ومئات القصص القصيرة ، التى نسخ منها عدة نسخ ، وأنفق نصف راتبه المحدود على إرسالها ، إلا أنه لم يحظ سوى بنشر مقال واحد ، فى صفحة الرأى ، فى جريدة محدودة.. وعلى الرغم من هذا ، فقد ابتاع عشر نسخ من تلك الجريدة ، وأهداها إلى أمه وشقيقته ، وجاره ، وصديقه ، وتمنى لو استطاع أن يهدى نسخة منها إلى كل زملاء العمل ، إلا أنه اكتفى بأن لصق الصفحة ، التى نشر فيها اسمه على الجدار المجاور لمكتبه ، ليطالعها كل من يأتى إليه.. ولفترة طويلة ، كان يشعر بالفخر.. إلا أنه كان المقال الوحيد ، ولم يحظ آخر بالفرصة نفسها قط ، على الرغم من أن حماسه قد تضاعف ، وأرسل بعدها ألف مقال ، لكل الصحف والمجلات الأخرى.. ومع مرور الوقت ، بدأ يشعر باليأس والإحباط ، ويتخلى عن الفكرة كلها ، ويغرق نفسه فى عمله الروتينى البائس.. ثم فجأة ، وصلته تلك الدعوة.. وأنعشت الأمل فى صدره مرة أخرى.. إنها دعوة لحضور ندوة ثقافية ، وهذا يعنى أن المجتمع الثقافى قد اعترف به أخيراً.. شعر بنشوة عارمة مع الفكرة ، وطالع الدعوة الدعوة للمرة الأخيرة ، وقرأ اسم الفندق المدون بها ، ثم نهض يختار ثياباً ملائمة للندوة.. إنها ستقام فى فندق من فنادق خمسة النجوم ، وهذا يعنى أن عليه أن يرتدى أفضل ما لديه ، لذا فقد أخرج حلة الأفراح والمناسبات الخاصة ، وأرسلها إلى الكواء ، وانتقى قميصاً ناصع البياض ، ورباط عنق زاهى الألوان ، واقترض من صديق عمره ساعته الكبيرة الذهبية ، وحلق ذقنه ، وهذب شعره ، واستخدم أفضل عطر لديه.. كانت الأيام الأخيرة من الشهر ، ولم يتبق معه الكثير ، إلا أنه لم يكن ليجازف بركوب حافلة عامة ، حتى لا يتلف زيه ، لذا فقد جازف وركب سيارة من سيارات الأجرة ، تقاضى سائقها كل ما تبقى معه تقريباً ، ليوصله أمام باب الفندق مباشرة.. ولكن مظاهر الاستقبال عوضته عن كل هذا.. كانت هناك فتاة جميلة ، أعطته زهرة حمراء ، لمجرد أنه يحمل دعوة رسمية ، وقادته إلى صفوف متراصة من المقاعد ، وأجلسته فى منتصفها ، ثم منحته ابتسامة عذبة ، وغادرته لتستقبل الآخرين.. وعلى مقعده ، جلس هو منتعشاً ( منتعظاً ) ، يبحث عن أية إشارة إلى موضوع الندوة ، وعيناه تفتشان عن أية وجوه شهيرة بين روادها ، الذين راحوا يتوافدون واحداً بعد الآخر.. لم يكن هناك أى وجه مألوف بين الحضور ، الذين تزايد عددهم حتى بلغ المائتين تقريباً ، مما بدأ يشعره بالتوتر والعصبية ، خاصة وأن الوقت يمضى ، دون أن تبدأ الندوة ، ودون أن يعرف حتى ما هو موضوعها.. ثم وصلت كاميرات التليفزيون.. وعادت إليه النشوة.. المصورون انتشروا فى القاعة ، ووضعوا الكاميرات فى عدة أماكن وتصور هو وجهه على شاشة التليفزيون ، وانتشى أكثر وأكثر ، وخاصة عندما ظهرت تلك المذيعة الشهيرة ذات الوجه الجميل ، وبدت عصبية أكثر مما ينبغى ، وهو الذى اعتاد رؤيتها باسمة الثغر دوماً على الشاشة.. وبسرعة ظهر كاتب شهير ، يعتبره مثله الأعلى ، وهو فى الوقت ذاته رئيس تحرير مجلة كبرى ، أرسل إليها العديد من المقالات ، التى لم تنشر قط.. وتسارعت دقات قلبه ، وهو يرى كاتبه المفضل عن قرب ، وتمنى لو أمكنه أن يصافحه ، أو يلتقط صورة إلى جواره .. وفور وصول الكاتب الشهير ، بدأت الندوة ، وأعلنت المذيعة الشهيرة ، وقد استعادت ابتسامتها العذبة ، وواجهت كاميرات التليفزيون.. عندئذ فقط علم هو موضوع الندوة.. وتبخرت نشوته.. وارتجف جسده بشدة.. فالندوة عن الكتاب الفاشلين ، الذين يرسلون مقالاتهم إلى الصحف والمجلات ، فلا تنشر لضعف مستواها ، أو ركاكة أسلوبها .. ولقد تمت دعوته ليمثل هذه الفئة.. لهذا لم تبد الوجوه مألوفة.. فكل الحاضرين مثله.. فاشلون.. انكمش فى مقعده بشدة ، وارتجفت كل خلية فى جسده ، وهو يحاول الاختباء من الكاميرات ، التى تجوس خلال الوجوه طوال الوقت ، والكاتب الكبير يتحدث.. ويتحدث.. ويتحدث.. ووسط حديث الكاتب الكبير ، وعلى الرغم من عدسات التصوير ، تسلل هو وسط المقاعد ، حتى بلغ مدخل القاعة.. وخرج.. أول ما فعله ، بعد أن غادر الندوة ، هو أن حل رباط عنقه ، وطواه بإهمال ، ودسه فى جيب سترته.. ثم ضحك.. ضحك من كل قلبه ، وهو يسير على قدميه ، ويداه فى جيبى سراويله ، متجها نحو موقف الحافلة العامة.. هذا كل ما تبقى له .. أن يعود.. وأن ينسى.. إلى الأبد. ------------------------------------------------------ د. نبيل فاروق سلسلة كوكتيل 2000 ـ العدد 43 ذلك اليوم وقصص أخرى | |||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|