المقدمة :

لم تكن أبدا قصة أحكيها أو رواية أقرأها أو حتى فيلما أشاهده في ساعة متأخرة من الليل، بل كانت قصة حكيت عني ...قصة وصلت لمنتصفها عندما أدركت البداية ، كنت دمية مصنوعة من خزف ، دمية تحركها الخيوط بتلاعب عبقري ..دمية خاضت رحلتها الطويلة على قارب خشبي صغير ...اتسعت عيون الدمية بانبهار خادع هدوء البحر وجمال سماء مشرقة بجو بديع ،كلها مظاهر مزدوجة أخفت حقيقة واحدة :" البحر ملك النفاق !"
في لحظة واحدة امتدت لثوانٍ قليلة انقلبت السماء فصارت سوداء قاتمة وارتفعت الامواج حتى خالتها جبالا عاتية ، تلك الأمواج تقاذفتها بعنف مرواغفكلما تراءت لها النهاية وراودتها فكرت وصولها إلى بر الأمان اصدمت بصخور قاسية كاذبة ....!
كيف ومتى؟ حقا ! لا أعرف ...فقط شعرت بلا حول ولا قوة أثناء عبوري للأمواج، هل عبرتها حقا ؟ أم أنني ببساطة تجاهلتها حتى تراكمت وصارت جبلا ثقيلا سقط فوقي فجأة محطما أضلعي ومعه...عقلي ! داحضا بسخرية أي قدرة لي على التفكير المنطقي- الذي كنت أفتخر به في وقت مضى – الحياة سرقت مني الكثير بينما ظننت بكل غباء أنني سرقت منها أكثر ، القدر قلب الطاولة على رأسي صافعا إياي بكومة زهور، السعادة رفضت أن تتكرم على ولو ببقايا فتات ...فمن مثلي لا يحقها لها بشيء عظيم كالصفح والغفران أما الخيانة ! الخيانة كان لها نصيب الأسد من الفريسة ...فقد استفحلت بي وأمسكت بجسدي بين يديها الأشبه بكماشة وعرته من أي ستر حتى كشفت عورتي وفاحت رائحتي النتنة وبين هذا وذاك ظللت أمتص الذنوب كأسفنجةملئت بالمياه ، الفرق بيني وبينها أني لا أعرف الامتلاء. رباه ! هل مرت ثلاث سنوات ؟ على ماذا بالتحديد؟ على تجاهلي لخالقي بكل صلف؟ لا لقد فعلت ذلك منذ زمن بعيد ! إذن على عقوقي لوالدي..لا ذاك أيضا حدث منذ زمن بعيد ...على توقفي لزيارة قبر أمي ...لا لم أزره قط ...على جحودي لأختي الوحيدة ..لا فقد حاولت قتلها مرة إذن على ماذا ؟ ماذا ؟ وفي مكان ما لمع الجواب في كلمة يتيمة :" العقاب!" كم كنت غبية وطماعة، عمياء لدرجة مثيرة للشفقة، حمقاء بطريقة غريبة ، كنت كورقة خريفية بنية ومتيبسة ، مرتجفة حملتها الرياح إلى حيث لا تدري فإلى أين المفر؟ الله أعلم ! ما مصيري ؟ في الحقيقة أنا أعلم ولكن هل هو يعلم؟ هو ...وهو ...وهو!
منذ عرفته وشتى أنواع الدموع عرفتها عيناي واختبرتها وجنتاي وتذوقتها شفتاي- أنا التي لم تبكي في موت والدتها –ذرفت دموع الفرح يوم تزوجته وبكيت دموع الخذلان ليلة نمت في فراشهودموع الندم لحظة خنته وشتان بين الدمعة وأختها ، لن أكذب وأقول بأن ملك السيئات بدأ الكتابة يوم عرفته...لا خطاياي بدأت منذ زمن بعيد...بعيد جدا .
ثم أتى الثاني ! الوسيم الساخر ، اللطيف المرح ، ماعابه كونه لم يهتم لأي شيء ، لامبالاته ضربتني في المقتل! من أين خرج لي ؟ غير مهم بتاتا فقد عشت معه لذة محرمة وكذبة حلوة وحياة مصنوعة من العسل والحلوى !
أما الثالث فقد كان حكاية أخرى مليئة بالراحة و أسرار كبرى ...هل قلت أسرار ...لا ..قصدت فضائح كبرى .الثالث تنطبق عليه عبارة:" كلي آذان مصغية!" فقد أنصت لي وسمعني بصدر رحب إلى مالا نهاية، دون أن يحكم علي ! في بعض الأحيان ..على الأقل .
هو ..اه من هو ! لقد كان بيننا خطوة ومليون عام اختصرها بكلمة...ثم هو ما كان بيننا أعجوبة ثامنة لا تخطر على بال ، أما هو فقد أحببته بصدق وأحبني في كره ...وبين حبه وكرهه تأرجحت ذنوبي بانفلات.
عندما عرفتهم...ثلاثتهم..نبض قلبي بحب ....حب قاتل ...حب آثم...وحب صادق ..نعم فقد انقسم قلبي لهم ، فبطريقة ما ! أحببته هو وهو وهو!