23-09-20, 06:48 PM | #1 | ||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| "صرخةٌ بلا صدى" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ مَرحبًا بالجمعِ الطيّبِ. عُدت والعَوْدُ أَحْمَدُ بإذن الله، واليوم بين يديّ إحدى ثرثرات قلمي التي دومًا ما تخرج على هيئةِ بوحٍ، أرجو مِن اللهِ تعالي التوفيق، وأن تنال استحسانكم، مُتقبلين إياها بقبولٍ حَسنٍ.. ******* (قصتي القصيرة الأولى) تحت عنوان.. " صرخةٌ بلا صدى " لسنا وحدنا _معشر الإنسِ_ مَن نشعر بخطرِ الفقدِ والتهديدِ، وليس هناك مِنا مَن يحيا في أمانٍ تامٍ دون أن تنتابه رجفة الخوف المقيت، حتى الطيور في أعشاشِها تشعر بذلك وتهاب فُقدان أوطانها التي ما عرفت سواها، وما شعرت بالسكنِ في غيرِها، وإذا ذُكِرَ الألم دومًا نظرنا إلى الإنسانِ على أنه الضحية الوحيدة التي تستحق مِنا الشفقة والمواساة والتفهم ولكن؛ ماذا عن الطيرِ الأخرس؟ ألأنه لا يتكلم، ولا يُجيد لغة الشكوى أخرجنا مُعاناته مِن حساباتِنا؟! لذا دعوني اليوم أعرض قصتي بلسانِ إحدى الطيور _حَمامة_ فهي الأُخرى تشعر كما نشعر، وتمتلك ما نمتلك، وهي أيضًا مُهدّدة، مُشتّتة، ولا تدري إذا صرخت سيصل صوتها يا تُرى أم سيظل مُهمّشًا لا صدى له ولا أحدًا به مُهتَم؟! _______ على شُطآنِ آمال الغدِ قد بنيتُم السدود وجعلتُم من إشراقِ الصباحِ ميلاد العتمةِ والبرود وزرعتُم في حقولِنا الأشواكَ بدلًا مِن الورود حطمتُم بوحشيتِكُم آيات التسامحِ وكنتُم مِثال الجحود نفرنا منكُم جمعًا وفُرادى فأتيتمونا في حشود أهل الزيفِ أنتُم وما غيركُم يعرف سُبل الجحود لا دين لكم وإن أقسمتُم وسيبقى للأبدِ إخلافكُم للوعود وستظلين شامخة يا بلادي وإن غيّروا المواثيق وإن بدّلوا العهود وإن ظلّوا على نواياهُم الباطلة وإن اتهموكِ بالجمود _______ ضجيج ربما ما أسمعه ويُعكّر عليَّ هدوء مَنامي، صرخات تأتي من البعيدِ اعتدتها، لذا وجبَ عليَّ مُتابعة نومي ورفع شعار اللا مبالاةِ، سيعود الصمت ليُخيّم الآن على الأرجاءِ، وتعود اللحظات إلى مسارِها تمضي برتابةٍ كما المُعتاد، والظلام سيلُفنا حتمًا بعد أن يهدأ وميض الطلقاتِ. عينيّ المُغمضتان أوجعتني صدقًا مِن شدةِ إطباقي لأجفاني، ومذاق الدمعِ المالحِ في فمي يأبى أن يزول، ويبقى ليُذكرني بمأساتي. سؤال يجرّ مِن خلفِه ملايين الأسئلة التي تُراودني متى أصبحتُ أو أمسيتُ ولا تتركني في حالي؛ تُرى متى سيحلّ الخلاص وتنتهي مُعاناتي؟ وضوء الفجر البهيّ متى سيحتل كياني وينتزع مِن جوفي قتامة ظِلالاتي؟ والشمس متى ستُشرق في سمائِنا؟ متى ستخترق أشعّتها حواجز ظُلماتي؟ كلّها أسئلة تزور خُلدي ولا أجد لها الحل الشافي، ولا أستطيع طردها بعيدًا عن خيالاتي، الحق لي في التّمني طالما ستظل مُجرد أفكار مُخبأة خلف جدرانِ ال _ليت!_ ولكن؛ لا حق لي في تحقيقِ أُمنياتي. ******* الصباح كما المساء عندنا، الأمل مفقود، والنور محدود، والطعام كما شربة الماء كلاهما غير موجود، وفي النهايةِ دومًا مُطالبين بدورِنا كعبيدٍ أن نقدم فروض الشكرِ لأننا لا زِلنا على قيدِ الحياة، ورُغم أننا ما عُدنا نشعر بها، لكن طالما أن القلبَ يُصدر صوتًا والنبض لم ينتهِ بعد إذن؛ لا زال في العُمرِ الفاني بَقية تستحق منا الحمد والثناء. عادت أُمّي إلى العُشِّ تبكي، وخط رفيع من الدماءِ يُزين جبينها الوضّاء، اقتربت مني بصمتٍ تحتويني داخل حُضنها الدافئ الذي دومًا ما أبرأ فيه مِن الآلام، مُصابةٌ، باكية، كسيرة النظرة، مكلومة الفؤاد، وجناحاها يحملان آلاف الانهزامات.. حسنًا أعلم كل هذا ولكني لن أسألها عن السبب، لا لن أفعل، لأنني أعلم السبب، لأنني أُدرك دون سؤال ما يُسبب لأُمّي العناء والشقاء، "أُمّي، جبينكِ ينزف، وجناحيكِ ما بهما؟! أشعر بأنكِ لستِ على ما يُرام! " هل قلتُ بأنني لن أسأل؟ هل قلتُ بأنني لن أفعل؟ كاذبٌ أنا لا تصدقونني، فقد عيل صبري وما عدتُ أستطيع الصمت أكثر وعزائي في تحملِ هذا العذاب أصبحتُ أُفرغه في الكلامِ. أبعدتني قليلًا عنها فغادرني غصبًا ما كنت أشعر به مِن دفء وأعترتني البرودة مِن جديد، أمسكتني برفقٍ مِن كتفيَّ وقالت: " تعلم الجواب يا صغيري، وشهدت عليه مرارًا بأُمِّ عينيكَ فماذا تريد، وفيما سيفيدكَ تكرار الكلمات؟ " طالعتها بعجزٍ، لا أدري حقًا ماذا أُجيبها؟ ماذا أقول؟ هل أُخبرها بأنني تمنيتُ أن يُخالف ردّها ما أعلمه؟ أنني تمنيتّ لو أنها كذبت عليّ، أو ربما أردتُ أن تؤكد لي ما أُدركه جيدًا حتى لا أركض خلف الأحلامِ وأنسى كابوسي الحقيقيّ؟! شعرَت بعجزي وقلة حيلتي، ومَن سواها يفعل؟! رفعت كفيها الحنونين تُعانق وجنتيّ، وأردفت بصلابةٍ أتعجب منها دومًا: " أنتَ ورِفاقكَ يا صغيري حُلمنا المستقبليّ، أنتُم مَن ستصنعون المجدَ حتمًا، وتُحررون الأرض مِن ظُلمِ العدو، أنتُم أملنا الوحيد وغُصننا النديّ " عزيمتي شدَّت وربطت كلماتها الحانية على قلبي الحزين، داوتني كما تفعل دومًا فهي أُمّي ومَن سواها يعلم حاجة نفسي وما يكتمه قلبي المسكين؟! وحين لاحت في سماءِ ثغري بسمة وئِدَت على الفور، أبدًا لم تكُن مِن نصيبي، ولم يكن الفاعل سواه هذا الصوت البغيض، المُخيف، الذي ينذر باقتراب سحابة الفقد، آه يا رباه! متى سيحين خلاصنا، متى النجاة؟! تركتني أُمّي وخرجت مِن عشِّنا بعد أن نبهت عليّ بخوفٍ: " لا تُبارح مكانكَ يا صغيري، لا تقترب مِن الباب، وإياكَ أن تخرج، فقط انتظرني حتى أعود إليكَ مِن جديدٍ " ******* كمّ مرَّ مِن الوقتِ على غيابِ أُمّي عني لا أدري، أمسينا دون أن أشعر ولم أهتم، فكما قلتُ الصباح كما المساء هنا تسكنهما العتمة ويحتلهما السراب، بلى، كل شيء في حياتِنا مجرد سراب، ولا حقيقة سوى أننا كُنا السادة وأضحينا على غفلةٍ تحت أقدامِ جماعة مِن الأوغادِ. أشتقت إليكِ أُمّاه، وغيابكِ عني طال، والحيرة تنهش صدري لا أدري أأخرج أم ألزم كلمتكِ ولا أُبارح الدار؟ مهلًا.. هل تسمعون صوت أُمّي يقترب كما أسمعه الآن؟ أشعر أيضًا بأنفاسِها تعدو نحوي، ها قد دخلت سالمة الحمد لله ولكن؛ إنها غاضبةٌ على ما يبدو، ودموع العجز تتراقص كما ألسنة اللهب الحارق على أعتابِ جفونِها، تُرى ماذا حدث؟ فقْدٌ جديدٌ يا تُرى أم فقط تكسرت إحدى أحلام الماضي العتيد؟ بدأَت تذهب وتجيئ بلا هوادةٍ، إذن الموضوع جدًا خطير، اقتربتُ بحذرٍ منها ثم ألقيتُ سؤالي مِن بعيدٍ: " أُمّي، هل مِن جديدٍ؟ " تسمّرت لحظة في مكانِها وكأنّ سؤالي أخذها على حينِ غُرةٍ، ثم عادت إلى حالتِها الأولى بعد أن أجابتني بإيجاز حزينٍ: " لا جديد " حسنًا فهمت وحدي أننا خسرنا أحدهم، ربما مات نتيجة طلقة نارية، أو بسبب تلك القذيفة المُدوية، ولن أستبعد أن يكون ذُبِح.. (الموت، الخسارة، الفقد، الإصابة... وغيرهم) كلّها مصطلحات تندرج تحت بندِ اللا جديد، نحن اعتدنا على هذا وأكثر كل يوم، وجديدنا الوحيد هو نيل الحرية وكما يبدو أن هذا الجديد لا يزال عنا ببعيدٍ. ******* وتمر الأيام وتتعاقب بدون روحٍ أو حديثٍ سعيد، نظرات العيون تحمل مرارة أزمنة فاتت واندثرت، ولا زالت ذكراها باقية تجري في خلايانا كما الدم يجري في الوريد، وقفتُ على أعتابِ العُشِّ أُشاهد شرارات النار الآتية مِن بعيد، دون أن أمتلك الماء لأُطفيها ولا القدرة على اعتراضِ مسارِها، وإذا فعلت فإنني هالكٌ لا محالة ولستُ أخشى على نفسي بالمُناسبة، ولكن ماذا عن أُمّي؟ هذي المسكينة لن تتحمل خُسارتي ولم يمرّ على رحيل أبي بِضع سنين. طالعتُ السماء بأعينٍ يغمرها الدمع، كما ينبوع ماء وتفجّر على غفلةٍ ويأبى أن يجف أو ينحسر، وتربيتة حانية على كتفي أتت على ما أملك مِن قوة، بلى لقد أتت على آمالي الباقية، التفت إليها أصيح في وجهِها، أعلم أن ليس ذنبها ما أُعانيه، ولا ذنبي أنا الآخر مرارة ما أتحمله: " أُمّي، لقد اشتقتُ إلى التحليقِ مع رِفاقي، لقد اشتقتُ إلى الحُريةِ، حبسكِ لي ها هنا لن يفيد أبدًا، وليس هكذا ستُحلّ القضية " ضمَّت جناحيها إلى جسدِها بصمتٍ وأحنت عُنقها للأسفلِ تخفي عني عجزها وقلة حيلتها، ولكني للمرةِ الأولى لم أتراجع عن صياحي، ثورتي اندلعت ولا مجال لإيقافها، والجوف امتلأ ولن أتحمل أكثر، إن لم أتكلم سأموت كمدًا: " حتى متى سنظل خانعين، خائفين منهم، نُطأطئ لهم حتى يدعسون بأقدامِهم على رؤوسِنا، نُبجلهم ونمنحهم السلطة ليتسيدون علينا، حتى يعطونا بقايا خُبزهم لنسدّ به جوعنا؟ الويل لمَن سكتَ عن حقِه وترك الأغراب يتجبرون عليه ويُقاسمونه ما له " ردَّت بخفوتٍ حزينٍ حاولت به أن تطيّب خاطري: " وماذا بيدِنا لنفعله يا صغيري؟ نحن نخفض لهم هاماتنا لأجلِ حمايتِكم، نصبر على ظلمِهم وقسوتِهم حتى نوفر لكم السلام... " قاطعتها وأنا أصرخ بحُرقة: " أين السلام الذي تدّعين يا أُمّي؟! نحن نُقتَل الواحد منا تلو الآخر، سلّمنا للمحتومِ ورضينا بالموتِ لنا راحة! " هزّت رأسها والعجز يتملّك منها قائلة: " فرغت منا الحِيل، وضاقت بنا الطُرق، كل الحلول تنتهي بكارثة، وكل الخُطط يكون مصيرها المزيد مِن الخراب والدمار.. ماذا سنفعل أكثر مما فعلنا؟ " بحماسٍ أجبتها، وشجاعتي كما شرارة انطلقت في داخلي وبدأت تزداد: " فلنطلب العون مِن الجيران، إن تكاتفنا معًا يا أُمّي سنستطيع أن نصدّ هذا العدوان، وفي اتحادِنا ستكون العزة لنا جميعًا، والنصر أيضًا لا محال " صمَتت طويلًا فظننتها تُفكر في اقتراحي وكمَن يصبّ الزيت على النارِ ليُبقي عليها مُشتعلة لأطولِ وقتٍ قلتُ: " ألمْ تُخبرينني سابقًا أن الجيرانَ عون لبعضِهم البعض وقت الشدّةِ والحاجة، أنهم يتكاتفون ويعملون كما اليدّ الواحدة لأجلِ... " قاطعتني بانهزامٍ والمرارة تلوح في صوتِها كما أقسى النغمات: " كانت أُسطورة، أخبرتكَ بما آمنت به ذات يوم لكنه لم يكُن إلا محض خيال، كذبت عليكَ يا صغيري فلا تتعلق بزيفِ الآمال " أردتُ الجِدال لأُدافعُ عن اقتراحي فأردفت هي تسبقني، وتزيد مِن الشعرِ بيتًا: " لم يعدّ لنا في الحقيقةِ جيران ولا أعوان، الكل باتوا ينأون عنا وكأننا عدوى ستقتلهم، جُرثومة مَن يلمسها مصيره حتمًا الهلاك، يتحدثون عنا فقط عن بُعدٍ أما الإقتراب منا بالنسبةِ لهم محال، ألم أُخبركَ أني كذبت عليكَ وأُسطورتي محض خيال؟ " أطرقتُ برأسي لا أدري ماذا أقول فهمهمتُ: " إذن! " فأكملت هي عنّي: " لا جيران، لا أعوان، في الحقيقةِ نحنُ وحدنا أمام هذا الطوفانُ الجارف، ولن ينصرنا عليه أحد " طالعتها بلوعةٍ أبثّها مَخاوفي: " سنموت! " فقالت باسمة باستسلام: " إنه مصيرُنا جميعًا يومًا ما " العجز طوّقني ودموع الحسرة طفقت مِن مُقلتيَّ فوجدتها تحتضنني، تحتويني بين ذراعيها الآمنتين، تهمس في أُذني بحبٍّ: " لا تخشَ الموت يا غُصني، لا تبكِ، الموت حقٌ علينا " أخبرتها بلوعةٍ مِن بين شهقاتي المكتومة: " ليس هكذا أُريد أن أموت يا أُمّي، لا زلتُ أُريد أن أُحلق عاليًا، أن أتعلم الطيران بسرعةٍ مثلكِ، أن أثبت شجاعتي كما كان أبي وجدي، أنا أُريد أن أحميكِ مِن الخطرِ، أُريد أن أكون لكِ السند، وتكوني عزيزة لا مُهانة، فكيف تُهان مَن مثلكِ على يدِّ هؤلاء؟ " ضمّتني إلى صدرِها أكثر، ودفء أحضانها يمنحني سكينة العالم أجمع، وصوتها في أُذني يُهدهدني حتى أهدأ: " لن أترككَ، لن أتخلى عنكَ، ستظل إلى الأبدِ بين أحضاني، ولن ينال منكَ أحد، أنا سأحميكَ دومًا مِن كل خطرٍ، فأنتَ غُصني الأخضر وأملي الوحيد في هذا العالم، وإن فقد الجميع آمالهم ففيكَ لن أفقد أملي " استكنتُ بين ذراعيها بصمتٍ وصوتها لا زال يُداعبني بحنانٍ وفخرٍ: " ثق بي أنتَ الأقوى يا صغيري، ومهما أذلّوكَ ستظل عزيز النفس، يكفيكَ ما يشهد به التاريخ لكَ مِن مجدٍ وعزةٍ ورِفعةٍ، الكل يعلم قدركَ حتى هؤلاء الملاعين، لذا أختاروكَ ليكسروا شوكتكَ فلا تهابهم أبدًا، أنتَ الأفضل حقًا " إلى هنا انتهى الجدال، ولم أستطع قول المزيد بعد أن تكسّر على سطح الواقعِ آخر الآمالِ ولم يتبقَ لي سوى كلمات أُمّي التي شحذت القليل مِن طاقتي المستنفذة خيبة وكمدًا. ******* استسلمتُ.. مُنذ آخر مرة تحدثت فيها مع أُمّي قد استسلمتُ، وأضحت أيامي تمرّ كما العادة رتيبة، هادئة، تخلو مِن الجديدِ ومِن الحياةِ والدنيا أمامي صارت مجرد رحلة أو ربما هي مرحلة كل ما عليّ هو اجتيازها فحسب، أيًّا كانت النتيجة، كنتُ أظن أن أُمّي تتعمد تحطيم أفكاري وأُمنياتي كلّها حتى لا أتشبث بخيوط الآمال الوهمية، ولكني فهمت بالأمسِ أنها فقط كانت تحاول أن تحمينني مِن حماستي الزائدة ومِن التعلّقِ بأذيالِ المحال لأنها تخشى عليّ، كنتُ أظنها هي الأُخرى استسلمَت حقًا ولكنني بالأمسِ سمعتها تبث الحماسة في نفوسِ رفاقِها، سمعتها وهي تهتف فيهم بأن المجد لأهلِه _أيّ نحن_ فشعرتُ بالفخرِ لأنني ابنها، وتمنيتُ لو خرجتُ لهم وعبَّرتُ عن مشاعري وقلتُ: (هذي الأبية أُمّي، هذي الشُجاعة تستحق الحرية، نحن لا نريد الجيران في شيء، ولا نحتاج لمَن يعنينا أمام الأعداءِ، نحن نمتلك البسالة والقوة التي تُمكننا مِن خوض حربِنا وحدنا والتصدي لعدوِنا دون طلب المساعدةِ مِن أحدٍ) حسنًا لقد تمنيتُ قول هذا فعلًا ولكنني لم أخرج ولم أفعل ما تمنيت، فضَّلت أن أفي بالعهدِ الذي قطعته على نفسي أمام أُمّي لتكون مطمئنة عليّ (لن أُبارح العشّ وحدي بدونِها). وفجأة بينما كنت أجلس في انتظارِ عودتها سمعت صوت نواحٍ عنيف في الخارجِ، أخذ يقترب مِن عُشِّنا رويدًا رويدًا، لستُ أدري ماذا حدث لحظتها ولكنني شعرتُ بأن هناك مَن انتزع قلبي مِن بين أضلُعي عُنوة، شعرتُ وكأنني أُنازِع في سكراتِ الموت الأخيرة، فشهقتُ غصبًا أُحاول استنشاق الهواء ولكنني توقفت فور أن انفتح الباب ودخلت جماعة مِن أهلي وأُمّي المُدرجة في دمائِها بين اثنين منهم يحملانها لعجزِها التام عن الحركة. ركضت نحوها أصرخ بصدمةٍ يتضاربها الذهول ولن أُبالغ إن قلتُ أنها كانت كبوادر الجنون، هززتها بعنفٍ وأنا أقول: " ماذا حدث؟ أُمّي افتحي عينيكِ، رُدّي عليّ " لكنها لم تُجِبني للأسف، وتولى الرد عنها أحدهم قائلًا: " لقد ضحَّت بنفسِها لأجلكَ، ذهبنا لنأتي بالطعامِ فرفضوا أن يعطوها، طلبوا منها أن تُسلّمكَ لهم ليقتلوكَ فقد نفذت حصّتكَ وما عاد لكَ في ظنِّهم أيّ حق في الحياةِ " عُدتُ ببصري إليها، أُطالعها بقهرٍ وأنا أصيح: " لكنها وعدتني ألا تتركني وحدي، قالت أنها لن تستسلم، كيف تموت الآن وأنا.. أنا لا زلت بحاجتِها؟ " ربَّت آخر على كتفي بمواساةٍ وقال: " نحن إلى جواركَ، لقد أوصتنا الأبية عليكَ، ولن نترككَ وحدكَ أبدًا، أطمئن " هززت رأسي بعنفٍ وعَبراتي تنهمر بغزارة، تتساقط على اليمينِ واليسار وقد بدأت بالفعلِ أهذي: " لا، أنا لا أُريد سوى أُمّي " جلستُ على الأرضِ إلى جوارِها وأنا أنوح بحُرقةٍ بينما صوت هذياني يرتفع أكثر: " لقد تركتُ لهم آمالي وأحلامي، فرّطت في أُمنياتي واستسلمتُ، ارتضيتُ الهوان والذل وأطعتُ أوامرهم الجائرة عليّ، لقد فعلتُ كل شيء كيّ يتركونا وشأننا فلماذا أخذوكِ مِني؟ " لم ترد، انتظرتُ جوابَها لكنها لم تمنحني إياه، فصرخت أُعاتبها: " لِمَ استسلمتِ وقد وعدتِني ألا تفعلي، لِمَ ذهبتِ دوني؟ أُمّاه أنا لا زلت بحاجتكِ، أُمّاه ردي عليّ " تعالت مِن حولي تمتمات تحمل الحوقلة والاستغفار، ولكني لم أُبالِ سوى بتلك الساكنة، الشاحبة أمامي، فعُدتُ لِهذياني مِن جديد علّه يُسكّن حُرقتي، ولوعة فؤادي: " هل تدرين ماذا يعني رحيلكِ الآن؟! جناحاتي الضعيفة ستنكسر، وَعودي لن يشتدّ، ظهري سينقسم إلى نصفين.. غُصنكِ سيذبل يا أُمّي.. أنا ميتٌ بدونكِ فلماذا رحلتِ؟ " ربتُّ على وجنتِها برفقٍ وصوتي يخفت رغمًا عني بعد أن هدَّه صراخي السابق: " لماذا رحلتِ؟ أنا ضعيفٌ بدونكِ وبكِ أقوى، إن غابَ الماء فكيف سينمو الغُصن؟ لا زلتُ أسقط كلما حاولت الطيران فمَن سيُعلمني ما أجهله وكيف أجمعُ الحَبَّ؟ " طأطأتُ برأسي والانكسار يُزين هامتي، وعلى جَبيني كلمة (خاسِر) مَخطوطة بوضوحٍ، لم أعد أشعر بشيء في تلك اللحظة حتى العتاب والألم أضحيا رفاهية ما عُدت أمتلكها. استلقيتُ إلى جوارِها أرضًا، أضمّ جسدي الخامد بإرادتي إلى جسدِها الساكن غصبًا، وهمهمتُ لها بخفوتٍ وكأنّي أُسرّها القول: " لقد ضحيتِ بنا معًا يا أُمّي، فالحياة لن تطيب لي بدونكِ، أنا بكِ لاحق فلا تتعجلي الهرب وانتظريني فقد تكسّرت جناحاتي وأحتاجكِ على التحليقِ أن تُعينيني، هل تعلمين؛ في موتكِ كان خلاصي وتحريري ولم تكُن منكِ مجرد تضحية ذهبت كما يعتقدون سُدى؟ " _______ جاءَت تحكي لنا عن الخساراتِ عن بلدِها الذي كان... وما عاد فيا حَسراتي! جاءَت تنوح على صدرِ الزمانِ مُرددة الآيات والشعاراتِ جاءَت تُخاطِر بالعبراتِ الغالية فخَسِرَت بحمقٍ ما لها مِن رهاناتٍ وعادت مُحملة بالأسى والأنّاتِ باكية.. مُعذبة.. مُكللة بالعثراتِ حسنًا.. الكلُّ يشهدُ أنها مُغامِرةٌ لا تقبل بالاستسلام ولا تفقه لُغة النكباتِ الكلُّ يعلم أنها مُكابِرةٌ ولا تُرضيها مَذلة الانهزاماتِ والكلُّ حذرها من بطشِ العدو فقالت: أنا لها وللانتصاراتِ ذهبَت شجاعة، فخورة، وتسابق النسماتِ وحين عادت كانت تقول: لِمَ ذهبتْ؟ ها قد خَسِرت! ليتَ الزمان يعود بي إلى الوراءِ ويا أسفاتي! سرقوها الحُلم الفَتيّ وانتزعوا غصبًا براءة الضحكاتِ سلبوا روحها وقسّموها عليهم ولكنها لم تكفي للأسفِ فالتفتوا لأعيُنِها التي تشبه بريق النجماتِ أخذوها عُنوة وعلى أنوارِها بدأت الرقصات جعلوا من صوتِ آلامِها موسيقاهم وعلت الهتافات وما انهمر من دمعِها كان شرابهم وتضاربوا الكاسات وحين صرخَت مُستنكِرة لم تنلْ سوى الصفعاتِ والطعناتِ صمتت تُكَفكِف دمعها وجُرحها الدامي فظنوا أنها ماتت حثوا عليها الثرى ودُفِنَت والقلب بين جُنبيها يبكي ما آل له الحال فيا لها مِن نهاياتٍ! ☆ تمّت بحمدِ الله ☆ قراءة ممتعة | ||||
24-09-20, 08:39 AM | #3 | |||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| اقتباس:
دمتِ بخير أيضًا🌹 | |||||
26-09-20, 05:18 PM | #5 | |||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| اقتباس:
| |||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|