آخر 10 مشاركات
471 - فرصة العمر الأخيرة - جاكي براون - أحلام الجديدة ( كتابة / كاملة )* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          روزان (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          هذه دُنيايْ ┃ * مميزة *مكتمله* (الكاتـب : Aurora - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          490 - رقصة تحت ضوء القمر - روبين دونالد (عدد جديد) (الكاتـب : Breathless - )           »          ابرياء حتى تثبت ادانتهم ، للكاتبة الرائعة حلم يعانق السماء ، عراقيـة (مميزة) (مكتملة) (الكاتـب : *انفاس المطر* - )           »          312-الطرف الثالث -روايات دار الحسام (الكاتـب : Just Faith - )           »          353 - رياح الجمر - ريبيكا ونترز (الكاتـب : حنا - )           »          صقور تخشى الحب (1) *مميزة ومكتملة* سلسلة الوطن و الحب (الكاتـب : bella snow - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-05-20, 10:07 PM   #121

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي


موعد الفصلين الليلة وليس الغد

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-20, 10:13 PM   #122

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس عشر
( رماد)
...............................................
مضيت وحيدة في الدرب
بلا روح .... بلا قلب ...
كجثة أحرقتها النار
فباتت رماد ...
تبعثر الريح ذراتي
بلا إشفاق ...
فتترك إطار آلامي
يبث عذاب ...
وليت عذابي في جسدي
أراه عيان ...
ولكنّي أكاد أموت
على بعد بضعة منّي
تبكي وتنادي اسمي !
فتصرخ كل أوصالي
وتبكي مقلتي حالي ..
دموع تصهر وجهي
كما البركان ...
فتمحو كل قسماته
بغير هوان ..
وتنفث كل أحلامي
مع الدخان ....
............................................
.............................................
مهما قست الحياة لن تبلغ قسوتها مداها بلا تدخل عناد البشر الذي يحاصرنا بين أصعب الاختيارات التي تفتك الروح بمجرد التنقل عبرها , وسيبقى السؤال الأصعب : على ما سيقع الاختيار ؟

عادت للخلف خطوة ثم نظرت لريم واحتضنتها بقوة , قائلة :
ــ مستحيل ... لديها خيارين كلاهما قاتل , أن تخرج بدون روحها وهذا لن تطيقه أبدًا ... و أن تعود أدراجها ليتم جلدها كخائنة ..... أيهما تختار ؟ غارت عيناها وهي تراه يقترب منها , شعرت بأنها في كابوس , تود لو يفيقها أحد , لكن من يفعل وهي وحدها بصحراء الخديعة التي نُفيت فيها , حتى نفيها لذلك الجرم الملصق بها لم يصدقه ماذا عساها أن تفعل وقد أوصد الشك أبوابه حول قلبه ؟ فضلت الرحيل حتى تتمكن من الفرار من أجل استئناف محاكمة عادلة لكل الأطراف , لم يكن بحسبانها أن الأمر سينقلب عليها هكذا , ويجذبها آدم من ذراعها الضعيف ليضاعف ألمها , فريم هي نقطة ضعفها الوحيدة وهاهو زوجها نجح بالضغط عليها بكل قوته , لتخرج آهات قلبها الحارة و كأنها تحتضر .
تشبثت بريم أكثر وهي تحيطها بذراعيها بقوة ثم تمتمت قائلة :
ــ لن أترك روحي هنا , أفضل الموت على تركها ... تابعت وهي تدعو ربها في سرها عندما رأته يقترب منها أكثر و أكثر كالبركان الثائر, كان قلبه يغلي بدماء الحقد على فعلتها , كلما تذكر كلمات نور كاد يُجن : يا إلهي أنقذني .
لم يتأثر ببكائهما, فقد شاركت ريم أمها البكاء رغم أنها لم تر ماحدث , دموع والدتها وهيئتها كانت كفيلة بإزعاجها لتنهمر العبرات من مقلتيها وهي متشبثة بكتف أمها .
وقف أمامها مباشرة متصنعًا القوة , ثم جذب ريم بعنف جعل أمنية ترتجف جوارحها و القهر بادي على محياها , تنظر له باستعطاف علّه يتراجع عمّا يفعله , لكنه قطع صمتها قائلًا :
ــ يمكنك الآن الرحيل .
ــ لكن ريم ستبكي .... قالتها وهي تمد ذراعيها نحو ريم لتأخذها فتراجع للخلف , لا سيما أن ريم كانت ترفرف بيديها نحو أمها وتبكي.
ــ هاتها يا آدم ... تابعت وهي تصرخ : لن تقدر على رعايتها ... كيف هانت عليك دموعها , أولست أبوها ؟
ــ لأنني أبوها , لن أدعكِ تأخذينها .... قالها وهو ينهرها بنظراته الثائرة , ثم دلف وأغلق الباب خلفه , فتعالى بكاء ريم وهي تنادي : أمي ! أمي ... أخذت أمنية تضرب الباب بيديها وهي تصيح :
ــ افتح الباب ، افتحه ... حرام عليك ، تتابع صياحها أمام الباب وهي تسمع بكاء ابنتها بالداخل لكن لا حياة لمن تنادي .. لم يكن يود أبدًا التصرف معها بتلك القسوة لكن ما قالته لم يشفع لها أمامه , يتألم على الغدر الذي باغته من أقرب إنسانه لقلبه , تستعر النيران في صدره كلما تذكر الأيام الأخيرة التي تغيرت فيها للأفضل لتكن زوجته الجميلة المثالية , كاد يحسد نفسه على تغيرها المرغوب و منّى روحه بوعدها المزعوم لتفاجئه بخيانتها من أجل الإنتقام بعد ما علمت بأمر شمس التي لم يكن بينها وبينه شيء من الأساس , كاد عقله ينفجر كلما فكر بكيفية وصول أمر شمس لأمنية , سأل نفسه : كيف علمت ؟ ولماذا تصر على إخفاء لقائها بمحمود في الحديقة وتنفي الأمر برمته ؟ إلى هذا الحد كنت غافل ؟ , تعالت أنفاسه ولم يشعر بصغيرته التي تبكي على ذراعه حتى طرقت على كتفه بيديها الصغيرتين قائلة وسط نشيجها : أمي .
.....................................
هبطت الدرج وهي تترنح , فقد سُحبت روحها منها للتو , اتجهت للباب الخلفي لتخرج منه حتى لا تلتقي زينب أو نور , وما إن خرجت للطريق , سارت في منتصف الطريق كالمشردة والساعة لم تكن تجاوزت الرابعة مساءاً بعد , كادت سيارة تصدمها .
فجأة جذبها أحدهم ناحية الرصيف , كان شيخ ممن يسكنون بنفس الحي , طالع هيئتها المجهدة و وجهها الذي حُفِر عليه كف آدم , شعر أنها ابنة أصول لكن الدنيا خدشت بريقها ببراثنها , عقد مابين حاجبيه قائلًا :
ــ عليكِ أن تنتبهي للطريق يا ابنتي ، لم ترد فقال :
ــ لقد كادت العربة تصدمك , ماذا حدث لكِ ؟ بإمكاني مساعدتك .
ــ ليتها صدمتني ... قالتها وعادت لنحيبها على ذلك البؤس الذي حاصرها ولم تحسب له حساب فقد اسودت الدنيا في عينيها بعدما أخذ منها آدم نبض قلبها , لتسير بلا قلب أو روح كجثة تنتظر موعد دفنها .
هزّ الرجل رأسه آسفًا على حالها ثم نفض كفيه قائلًا :
ــ لا حول ولا قوة إلا بالله , كيف يمكنني مساعدتك ؟
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وهي تكفكف دموعها , بما تجيبه في حالتها تلك ، تخشب لسانها ولا تعرف ماتقوله , تشعر بالخزي فقد أحوجتها الظروف لتلك المساعدة من رجل كبير لا تعرف حتى أين يقطن ولا تذكر أن رأته خاصة أنها لاتخرج كثيرًا , ظلّت صامتة , فسألها :
ــ أين وجهتك ؟
نظر للطريق و مد ذراعه يستوقف إحدى سيارات الأجرة المارة , وما إن وقفت إحداهن حتى نظر لأمنية يسألها وجهتها , فقالت له وسط نشيجها عنوان بيت أبيها , انحنى الرجل ناحية السائق ثم قال له العنوان ونقّده فقد لاحظ أنها تسير بلا حقائب أو أي شيء تحمل فيه المال ، فتح باب المقعد الخلفي للسيارة ثم أشار لها لتركب , نظرت له بامتنان , شعرت بأن الله بعثه إليها في تلك اللحظة العصيبة , قالت وسط نهنهاتها :
ــ لا أعلم كيف أشكرك .
ــ أنتِ مثل ابنتي , لا تشكريني ... تابع وهو يلوح لها : انتبهي على نفسك .
..............................................
ضمّها لصدره وأخذ يربت على ظهرها , كانت أول مرة يضمها هكذا , فقد كانت علاقتهما علاقة عادية غير مميزة , يحضر لها الحلوى ويقبّلها بسرعة دون حتى معرفة رأيها فيما أحضره , لم يكن يعلم أن عناق الأطفال قد يجدي نفعًا أحيانًا بل سيخفف من وطأة المصاب , لطالما ظن أن الأطفال كائنات لا تعي شيء ولا نفع لهم حتى يصلون لسن الإستيعاب , تنهد وهو يعانقها وكأنه يحتاج لذلك العناق أكثر منها , زفر بحزن قائلًا : آه يا ريم ، أحتاج لمن يربت على قلبي .... أنا بائس يا ريم ، بل أكثر الناس بؤسًا على الإطلاق ... اتجه للأريكة ثم جلس عليها ورفع ريم عند عنقه قائلًا :
ــ ضميني يا ريم ، ضميني بقوة .
صمتت ريم عندما أوكل لها والدها تلك المهمة , ثم حاوطت عنقه بذراعيها الصغيرين وهي تضحك فهي لم تستوعب بعد ماحدث , فلأول مرة يطلب منها والدها ذلك , أعجبها الأمر وأخذت ترفرف بيديها في الهواء ثم تلصقهما بعنق آدم وهي تتنهد بمرح : أبي !
.................................................
تحتمي النفوس بالبيوت ذات الجدران و الأبواب , ومع ذلك لن تختبئ من المصائب إذا قررت مباغتتها على حين غفلة مؤكدة أن لا مناص من فتح الباب على مسرعيه أمامها , ففي جميع الأحوال لا سبيل سوى المواجهة والرضا بكل ما قُدر لها ....
سمعت رنين جرس الباب , وما إن فتحت حتى تسمرت مكانها من هول ما رأت , اتسعت حدقتاها مشدوهة و عندما استوعبت المنظر , شهقت و ضربت صدرها قائلة :
ــ يا إلهي ! أمسكت بيدها متجهة نحو الداخل ثم أغلقت الباب , طالعت هيئتها وخاصة وجهها بهلع قائلة :
ــ ماذا حدث ؟ جثت أمنية على ركبتيها قائلة :
ــ أنا أم سيئة ، بل أسوء أم .
انحنت رغدة باتجاها ثم أمسكت بذراعيها لتقوم معها نحو غرفة النوم , ارتعد قلبها من كلام ابنتها رغم أنها لا تعلم شيء , لكن هيئتها كفيلة ببث الرعب في نفسها , أخذتها لغرفة النوم ثم أجلستها على السرير , قالت :
ــ اهدأي أولًا .
ــ تركت ابنتي , ورحلت قالتها أمنية وسط دموعها , فضمتها رغدة لصدرها قائلة :
ــ ماذا حدث ؟ واصلت نحيبها مما جعل أمها تشاركها وهي لا تعلم شيء لكن بكاء قطعة منها كان كفيل بجعلها تبكي , تمتمت وهي تربت على ظهرها : اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .
ــ أريد ريم ... قالتها بصوتها المبحوح , فسألتها رغدة :
ــ أنا لا أعلم ماحدث يا ابنتي... احكِ لي أولًا .
ــ تركتها تبكي يا أمي ... تابعت أمنية وصدرها يعلو يهبط : لعلّها مازالت تبكي , ستوجعها عيناها يا أمي .
ــ اهدأي يا حبيبتي , سأهاتف جمال ومازن ليأتيا حالًا ... قالتها رغدة وروحها تتمزق من حال ابنتها .
تشبثت أمنية بملابس رغدة , ورفعت رأسها إليها ترجوها بعينيها الحمراوين قائلة : ــ قولي لهم يحضروا ريم , أرجوكِ يا أمي .
هزّت رغدة رأسها في أسف على منظر ابنتها المزري , ثم قامت من مكانها وعادت إلى الصالة تاركة ابنتها تنفرد بنحيبها المكتوم الذي كاد يفتك بعينيها المتورمتين , أخذت تبحث عن هاتفها بلا تركيز فقد فقدته مذ وصلت أمنية , وما إن رأته أمسكته بيدها المرتجفة و لمست رقم جمال لمهاتفته لكنه كان مشغول , تأففت قائلة : هكذا دائمًا , حتى في أحلك الأوقات و أصعب الظروف ... هاتفت مازن وعندما رد , قالت له بلكنة متوترة :
ــ أين أنت يا مازن ؟ تعجب مازن من سؤالها , فقال :
ــ مع رفاقي
ــ أحضر حالاً , حالاً يامازن .
اندهش مازن من ذلك الاتصال الغريب , لاسيما أنه لم يمر على خروجه الكثير من الوقت , فسألها :
ــ هل أنتِ بخير ؟!
ــ نعم بخير , لكن أمنية هنا تحتاجك ...
ــ أمنية ؟! قالها وساوره الشك بأن شقيقته ليست بخير , تمتم قائلًا : لعلّها عرفت ؟
ــ عرفت ماذا ؟ ... سألته رغدة , فتنحنح قائلًا :
ــ لا شيء... أنا قادم يا أمي .
أنهى المكالمة , واستأذن ممن كان معهم ثم استقل سيارته عائدًا للبيت وعقله يحكي له عدة تخمينات لمجيء أمنية , هل تشاجرت معه ؟ أم رأت شيئًا ما ؟ هل ؟ هل ؟ هل ؟ كل تخميناته تجعل أخته بمركز قوة بحيث أنها هي من خرجت بإرادتها بعدما أرغمت آدم على ذلك , مهما حاولت مخيلته رسم سبب قدوم أخته , لن يكون بسوء الواقع .
.................................................. ....
تفكر بحل ليس لها وإنما لروحها الأخرى التي تسمى شقيقة , تتألم لما أصابها , تبحث عن يد العون التي ما إن وصلت لها فتحت الباب لطردها , لتضيف الحياة لقلبها صدمة أخرى تجاور مالاقته من صدمات يمكن أن تكون أكثر من عدد سنين عمرها , وتظل تسأل : هل ستنجو شمس ؟
اتجهت للمتجر علّها تفلح في أمر مما خطت لعمله اليوم , هاهي فشلت في جلب يد أبيها لمساعدة شمس , حاصر الخزي قلبها وبعثره , أطلقت تنهيدة تخرج فيها كل الألم الذي اختلج روحها , أخذت عربة من عربات المتجر لتحضر على متنها كل ما طلبته أمها , بالكاد تذكرت بعض المشتريات رغم أنها لا تنسى بسهولة إلا أن ذاكرتها خانتها ولأول مرة يحدث ذلك معها , لا تعلم هل صدمتها بوالدها للمرة الثانية السبب أم ماذا ؟ تمنت لو أنها لم تكلف نفسها عناء الذهاب إليه , أو حتى ترضى بصف الحاجيات المطلوبة بخط أمها داخل ورقة صغيرة ... لامت نفسها قائلة : خانتني ذاكرتي لتؤكد لي أن الثقة بالغير أسوء شيء يفعله الأنسان في نفسه حتى لو كانت الثقة بشيء منه .
انتهت من الشراء وعادت أدراجها , لتجد أمها واقفة في المطبخ , تعد المعكرونة , وعندما رأتها هرعت نحوها وأخذت الأكياس من كفيها بينما كانت واجمة , مستسلمة بلا تعابير على وجهها , فتشت سعاد الأكياس ثم هتفت :
ــ أوه ! لقد نسيتي الكثير من الأشياء يارنا .... لامتها : سامحك الله ..
اتجهت رنا للأريكة ثم رمت نفسها عليها لتحتضنها الأريكة وكأنها بذلك ستخفف من وطأة مالاقته اليوم , خلعت حجابها وألقته أرضًا , فاقتربت منها سعاد وقطبت حاجبيها قائلة :
ــ هل غرفتك بعيدة لتقومي بخلع حجابك هنا ؟ وعلى الأرض بهذه الطريقة ؟
ــ أنا آسفة ... قالتها رنا وهي تخفي وجهها بالوسادة , فتابعت سعاد وهي تنظر لساعة الحائط متذمرة : كما أنكِ تأخرتِ كثيرًا , أربع ساعات لتحضري بعض المعلبات ؟
أحاطت رنا الوسادة بذراعيها لتحكم إخفاء وجهها خلفها ولم ترد , فصاحت سعاد : ــ أين كنتِ كل تلك المدة يا بنت ؟ ماذا تظنان نفسيكما أنتِ و أختك ؟ إلى متى سأُعامل معاملة الخدم ؟ .... تابعت وهي تشير بيديها :
ــ أنتِ هربت للشارع و هي غرقت بأحلامها ولا تريد أن تستفيق .
أزاحت رنا الوسادة من على رأسها ثم التفتت لأمها سائلة :
ــ ألا زالت شمس نائمة ؟
ــ ماذا ستفعل بيوم إجازتها غير النوم ... تابعت ممتعضة : لقد بلاني الله بفتاتين اتخذا الكسل عنوان ، اعتدلت رنا في جلستها ثم قالت :
ــ لماذا لم توقظيها يا أمي ؟ تأففت سعاد :
ــ سنعيدها ثانية ... لعلك تنسين ما كنا نتناقش فيه بالصباح , لقد أوكلت إليكِ مهمة التحدث معها بعدما انفعلت معي بالأمس ، عادت للمطبخ وهي تتمتم بكل الشتائم على ابنتيها و زوجها .
قامت رنا من مكانها نحو غرفة شمس , طرقت عدة طرقات وعندما لم تجد رد , فتحت الباب على مهل ثم أطلت من فرجة الباب , لترى الغرفة لازالت مظلمة , وأختها تتوسط سريرها متدثرة بغطائها الخفيف ..
ــ شمس ... نادت بصوت خفيض لكن لم ترد عليها فرفعت صوتها والحال لم يتغير , اقتربت منها أكثر وهي تسير على أطراف أصابعها متوجسة , تعلم جيدًا ردة فعل أختها العنيفة لكن لاسبيل لها لتطمئن عليها , جلست بجوارها ثم همست باسمها مجددًا بدون جدوى , فوضعت كفها على جبهتها لتجد حرارتها مرتفعة , شهقت فزعة و خائفة على أختها التي طال نومها بسبب مرضها ولايعلم أحد .
اتجهت نحو زر الإضاءة ,أشعلت النور ثم عادت للسرير ,حركت كتفيها بقوة قائلة : ــ شمس ، هيا قومي معي لنذهب للطبيب .. شمس... ارتجفت عندما تخيلت أنها قد تفقد أختها , تسارعت دقات قلبها لمجرد التخيل وتلاحقت أنفاسها وبدأت العبرات بالهطول , عادت لهز جسدها والهتاف باسمها , ظلّت هكذا فاستجابت شمس ببطء برمش جفنيها ، والتنهد بالآهات المتقطعة وكأنها تهذي , زفرت رنا بارتياح عندما استجابت شقيقتها لها , نحت الغطاء بعيدًا عن جسدها لتجد ماروعها , جف حلقها وهي تطالع ذلك المنظر , فصرخت صرخة مدوية ثم انحنت نحو أختها واحتضنت رأسها وهي تبكي ... ركضت سعاد خارج المطبخ باتجاه الغرفة عندما سمعت الصوت و خفقات قلبها تصدح بكل ماهو مريع .
.................................................. ....
وماسمي الشقيق شقيقًا ؛ إلا لأن هناك روحًا واحدة انشقت لنصفين كل منهما بجسديكما , يتقاسم معك الدم الذي يسري بجسدك , فهو نظيرك الذي لا مثيل له , يتألم لوجعك وكأنه أنت , يفكر معك بحل , حتى في أحلك الأوقات إن أجهدتك الحياة سينطق لسان حالك : أخ .
صف مازن سيارته وهرول مسرعًا نحو البيت , ما إن دلف ألقى السلام ثم مشط بعينيه المنزل فلم يجد أمنية بالصالة , خرجت رغدة على أثر صوت غلق الباب , أسرعت نحوه ثم جذبته من ذراعه نحو غرفة أمنية , سار معها باستسلام تام وما إن وصل حيث أمنية اتسعت حدقتاه لرؤية وجهها وعينيها المتورمتين , وقف واجمًا يحاول استيعاب مايرى , عاد بعينيه لرغدهة وهو يهز رأسه ويقلب كفيه لتخبره بما حدث لكنها أومأت نافية أن يكون عندها الجواب لما يعتمل صدره , اقترب منها أكثر ثم قال :
ــ ماذا حدث يا أمنية ؟ .. تابع وهو ينظر حوله : أين ريم ؟
أجهشت أمنية بالبكاء لدى سماعها اسم ابنتها وهتفت بلكنة مهزوزة :
ــ أخذها منّي يا مازن , اذهب وهاتها معك ... أحاطها بذراعيه و أخذ يربت على كتفيها قائلًا :
ــ اهدأي ! ظن أنها ضغطت على آدم في المغادرة فأخذ منها البنت وأن وجهها متورم من أثر البكاء ... أشار لوالدته وطلب منها أن تصنع لها عصيرًا , فخرجت رغدة متجهة نحو المطبخ آملة في أن يعلم مازن ماحدث ويساهم في حله .
جلس جوارها وعانقها فاندست بحضنه تبكي حتى أوجعتها عينيها للدرجة التي تشي باقتراب العمى , لكن الدموع تسيل رغمًا عنها وكأنها فقدت السيطرة على مقلتيها , يشعر بالقهر لأجلها , كيف يتحمل كسرها هكذا ؟
ــ احكِ لي يا حبيبتي ماحدث .. قالها مازن وهو يمسح على رأسها ؟
ــ أريد ريم يا مازن ... تابعت وسط بكائها : الآن يا مازن أرجوك ، سأموت بدونها.
تنهد مازن بأسف على حالها مشفقًا عليها ، لكن لا يعلم كيف يتصرف يربت ويعانق ، لكن بكائها يزداد وكأن مقلتيها فتحت ممرًا لأنهار جارية من دموعها الحارة , تبعثرت الكلمات من على لسانه , حتى عقله توقف عن التفكير لحل مشكها الغامضة والتي ترفض هي الإفصاح عنها ليصل هو إلى حل لها .
ــ سآتيكِ بها يا حبيبتي ... نطق بها فسكت بكائها , ورفعت رأسها في مواجهته تطالعه بما تبقى من عينيها قائلة :
ــ حقاً !
ــ أومأ بنعم , لمح كدمة أعلى كتفها ظهرت عندما انزاح عنه الحجاب , تلمسها فتأوهت , لم يظن أنها ضُربت حتى رأى تلك الكدمة , أزاح حجابها أكثر ليرى مزيدًا من أجزاء لكدمات متفرقة حول عنقها وكتفها , انتفض لدى رؤية ذلك , لم يكن يتوقع أن يكون ضربها ولم يكن ليصدق لولا أنه سألها وهو يتفحص أجزاء تلك البقع المائلة للزرقة :
ــ هل ضربك ؟ علا نشيجها عندما تذكرت ضرب آدم لها ..
كاد يجن لأن من المفترض أنها بمركز قوة لايعرضها للضرب أبدًا , لكن من الواضح أن آدم أكثر عنفًا مما ظن , عض شفته السفلى بغيظ قائلًا :
ــ وله عين ... ذلك الحقير .
التفتت له أمنية , طالعته بنظرات راجية , كانت تكفكف دموعها قائلة :
ــ هل ستحضرها يا مازن ؟ لازالت تبكي , صوت بكائها وأنا راحلة لا يفارقني , ستتعب هكذا .
ــ سأحضرها لكِ ... هب واقفًا , قابضًا على مفاتيحه بقوة حتى تركت أثارًا على راحته ، قائلًا : والآن ، رفعت أمنية رأسها , ماسحة دموعها ثم قالت :
ــ حقاً ! ... لكن مازن تركها خارجًا وقد تملكه الغيظ من فعلة آدم الشنيعة التي لم يكن يتخيلها حتى في أبشع كوابيسه .
.................................................. ......
عندما يعتمل الصدر غضب سببه شخص ما , حينها يأتي دور الشيطان محفذًا الغاضب على الانتقام بكل ما أوتي من قوة , ولن ينسى بالطبع أن يضع على عقله غشاوة كي لا يفكر فيما سيفعله بل يفعل مايمليه عليه الشيطان فقط ....
نزل على صوته , حفذه الشيطان قائلًا :
ــ هاهو من انفرد بزوجك بدون علمك في الحديقة , لابد أن تلقنه درسًا قاسيًا على فعلته تلك ... دخل لغرفة أمه التي كانت جالسة على السرير كما المغشي عليها تدور عيناها هنا وهناك , مسندة خدها على كفها ببؤس وولدي نور يلعبان على الأرض بجوارها , عندما أبصرته رفعت رأسها تنظر له بحزن عما هو مقدم عليه , تحدث نفسها : حافظت عليكم دهرًا لتهدموا كل شيء في لحظة , تسأل نفسها أين كان يختبئ لها كل ذلك الهم ؟ لطالما أحكمت غلق بابها عليها وعلى أبنائها حتى لا تدع سبيل للشيطان ، كانت تظن أنها قدوة في رعاية الأبناء والحفاظ عليهم لتستفيق على ذلك الكابوس الذي فقدت فيه دورها الرئيسي لتقوم فقط برعاية الأحفاد بعيدًا عن النزال المنتظر ولسان حالها يقول : أنتِ أجبن من الوقوف في ساحة المعركة , نظرت له ولريم بعينيها الدامعة ثم مدت ذراعيها لتلتقطها منه , أعطاها ريم ثم خرج للصالة كالسيف المستل الذي جُهز للعدو بكل حماس حيث كان محمود واقفًا ينظر لنور باستغراب , يسألها عن سبب حزنها هكذا وبكائها .
اتجه نحوه كالسهم المشتعل وبدون سابق إنذار لكمه بقوة , فصرخت نور , أما محمود فتراجع للخلف على أثر اللكمة , تحسس صدغه وهو يتأوه قائلًا :
ــ ماذا حدث لك يارجل ؟ هل فقدت عقلك ؟ طالعه آدم بنظرات الحقد , والغضب الهادر يعلو صفحات وجهه ثم تابع صفعه بقوة على وجهه بكفيه وكان سريعًا لدرجة أن محمود لم يتمكن من الدفاع أوتسديد أي ضربة , بالكاد تمكن من الركض خارج المنزل نحو الحديقة , فتبعه آدم مقسمًا ألا يتركه حتى تفيض روحه .
شعر محمود بآلام متفرقة في وجهه الذي تورم من أثر الضرب وخاصة جفنه الأيسر, وهناك دماء قد سالت من فمه , أخذ يمسحها بظهر كفه ثم بصق على الأرض , ونظر لآدم بغيظ شديد وأشاح بيديه قائلًا :
ــ ما الذي يحدث هنا بحق الإله؟!
اتجه نحوه آدم مسرعًا ليكمل ضربه لكن محمود تمكن هذه المرة من الإمساك بكفيه قبل أن يضربه , قال :
ــ قل لي ماذا فعلت لك لتضربني هكذا ؟ هل جننت ؟
دفعه آدم بكل قوته ليسقط أرضًا لكن محمود لحق نفسه فقفز للوراء وهو يصرخ :
ــ ماذا أصابك يا رجل ؟ هل هاتفتني أختك لتضربني ؟ لم يرد آدم بل اكتفى بنفث هواء بسخونة دماءه مما جعل ممحود يرتعد من هيئته .
خرجت نور , وقفت بينهما قائلة :
ــ ستقتله يا آدم ؟ , فاختبئ محمود خلف جسدها الضخم وهو يهتف :
ــ هل ناديتني لأجل ذلك ؟ هلا عرفني أحدكما مايحدث هنا ؟
رمت نور في وجهه الورقة المنكمشة بفعل قبضة آدم , وما إن رآها محمود حتى بلع غصته , رغم أنه لم يكن متأكدًا بعد من فحواها لكنه خمن , وقد صدق تخمينه , ارتجفت أوصاله وهو ينظر لكليهما نظرات الملتاع , لكن آدم لم ينتظر , انقض عليه ليكمل ذلك النزال الذي استأنفه على باقي جسده وهو يصيح :
ــ أيها الخائن الجبان ، كيف تجرؤ ؟ كيف سمحت لنفسك بالمساس بزوجتي ؟
بالكاد نطق محمود داخل تلك المعمعة قائلًا وسط أنفاسه المتقطعة :
ــ لم أقرب زوجتك أيها الغافل الأرعن ؟ حاول جاهدًا التملص من قبضة آدم ليتمكن من الكلام بوضوح , وما إن ابتعد حتى صاح فيه وهو يعيد ما قاله , فبُهت آدم وكذا نور التي عقدت جبينها وجذت على أسنانها بقوة وهي تقول :
ــ تقصد أن الورقة ليست لك , أيها الكاذب .
ــ بلى ؛ لي .... قالها وسط نظراتهما الملتهبة , لكنه لم يأبه فقد تناول ضربًا لم يراه في حياته ولن يراه خاصة الآن بعدما خارت قوى آدم وهو واقف يلهث و صدره يعلو ويهبط كمن كان في مصارعة حرة , والعرق يقطر من جبينه حتى شعره وجسده مبتل وكأنه عاد من البحر لتوه .
التقط آدم أنفاسه ثم ذهب لذلك الواقف يمسح دماء وجهه , أمسكه من تلابيبه ثم اقترب من وجهه قائلًا بصوتٍ خفيض كفحيح الأفعى :
ــ اشرح لي كل ما حدث , و الآن ، صوبت نور هاتفها نحو زوجها وهتفت به :
ــ وتلك الصورة ، أليست لكما أيها الخبيث ؟
نظر محمود لذلك الممسك بتلابيبه , نظرة رعب فقد كان قريبًا منه كفاية ليسدد صفعات أخرى لن يحتملها وجهه الذي اختفت معالمه خلف التورمات المنتشرة فيه والممتزجة بالدماء , لكنه رغم كل ذلك قال :
ــ بل لنا ، فبصقت نور أمامه قائلة :
ــ تستحق الموت أيها الحقير .
كان ينتظر مزيدًا من اللكمات لوجهه المتورم , فأغمض عينيه لكن آدم لم يفعلها , فقد تعب لدرجة أنه لم يعد بمقدوره استكمال ضرب محمود , روحه كانت تنزف ودماؤه تغلي , أطلق زفيرًا حارًا وصلت حرارته لوجه محمود فأشفق عليه لا سيما أنه فهم سبب غضبه , قال له :
ــ ليس بيني وبينها أي شيء , أقسم لك يا آدم ، هتفت نور وهي تشير بيديها قائلة : ــ لا تصدقه ؛ إنه يكذب لتفلته من قبضتك يا آدم .
نظر لها محمود بغيظ وهو يضغط على أسنانه التي باتت تؤلمه بعد ذلك الضرب المبرح قائلًا :
ــ اصمتي أيتها الغبية ، أولست زوجك ؟ كيف تورطيني وتطعني في شرفي هكذا ؟!
ــ هه , شرف ؟ تابعت وهي تضحك ساخرة : أين أنت من الشرف أيها المعلم الخلوق ؟ لتتحدث عنه .
هزّ محمود رأسه مستنكرًا ماتهذي به نور , بينما كان آدم لايزال ممسكًا بياقتي قميصه المتبقعة بدماءه متوعدًا له بنظراته المكلومة , حدث محمود نفسه قائلاً :
ــ حاولت الحفاظ على بيتنا قدر المستطاع يانور لتهدميه في لحظة , استأنفتي إشعال النيران لتهلكي ذلك المسكين , لكنني أقسم لك أن تكوني أول من يُلسع بها ... حدثه عقله قائلاً : ليس هناك بد من الإفصاح عن الحقيقة مهما كلفك الأمر , فقد ساء الوضع وبلغ البركان ذروته ... حينئذ قرر محمود إخبارهما بكل شيء .................................................. ....................


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-20, 10:20 PM   #123

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
الفصل السابع عشر في الطريق


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-20, 10:33 PM   #124

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع عشر
( براءة متأخرة)
.................................................. ...
ها قد تجلت باكية
تلك الحقيقة المضنية ..
نطقت براءة مهجتي
بعد الهزيمة الساحقة ..
لتؤكد معها خيبتي
القلب حاوطه الجحيم
والروح تهذي بالأنين
والموت يسري في الوريد
لا أحد يسمع صرختي
لاشيء يمكن أن يواسي
أو حتى يمسح دمعتي
من أين يأتيني المدد ؟
لأواصل السير المرير
بين الدروب المظلمة
خارت قواي معلنة
ضعفي وقلة حيلتي
والجسد غدا مستسلما
والقامة صارت تنحني
مع كل دمعة موجعة
تذرف بها تلك الحقيقة المؤلمة
.................................................
................................................
ليس هناك أصعب من انتظار الحقيقة أيًا كانت نتيجتها , لأن الانتظار بحد ذاته أقوى سجان على النفس , يأسرنا فلا نستطيع سوى عد الدقائق و اللحظات لبزوغ فجر الحقيقة مفصحًا عن الخبايا التي عذبت القلوب و نادت للشك لاحتلال الصدور ....
كان ينتظر مزيدًا من اللكمات لوجهه المتورم , فأغمض عينيه لكن آدم لم يفعلها , فقد تعب لدرجة أنه لم يعد بمقدوره استكمال ضرب محمود , روحه كانت تنزف ودماؤه تغلي , أطلق زفيرًا حارًا وصلت حرارته لوجه محمود فأشفق عليه لا سيما أنه فهم سبب غضبه , قال له :
ــ ليس بيني وبينها أي شيء , أقسم لك يا آدم ،هتفت نور وهي تشير بيديها قائلة :
ــ لا تصدقه ؛ إنه يكذب لتفلته من قبضتك يا آدم .
نظر لها محمود بغيظ وهو يضغط على أسنانه التي باتت تؤلمه بعد ذلك الضرب المبرح قائلاً :
ــ اصمتي أيتها الغبية ، أولست زوجك ؟ كيف تورطيني وتطعني في شرفي هكذا ؟
ــ هه , شرف ؟ ... تابعت وهي تضحك ساخرة : أين أنت من الشرف أيها المعلم الخلوق ؟ لتتحدث عنه .
هزّ محمود رأسه مستنكرًا ماتهذي به نور , بينما كان آدم لايزال ممسكًا بياقتي قميصه المتبقعة بدماءه متوعدًا له بنظراته المكلومة , حدث محمود نفسه قائلاً :
ــ حاولت الحفاظ على بيتنا قدر المستطاع يانور لتهدميه في لحظة , استأنفتي إشعال النيران لتهلكي ذلك المسكين , لكنني أقسم لك أن تكوني أول من يُلسع بها . حدثه عقله قائلًا : ليس هناك بد من الإفصاح عن الحقيقة مهما كلفك الأمر , فقد ساء الوضع وبلغ البركان ذروته ... حينئذ قرر محمود إخبارهما بكل شيء بعيدًا عما حدث داخل قلبه ....
ــ انطق ... باغته آدم وقد جذب ياقتيه بقوة آلمت عنقه , فأومأ محمود رأسه بنعم , فصاحت نور :
ــ لما تقابلتما بالحديقة ؟
ــ لم نتقابل ... ما إن قالها حتى لكمته نور في كتفه قائلة :
ــ كااااااااذب ، نظر لها محمود بطرف عينه اليمنى التي كانت لازالت مفتوحة وقد زاد حنقه من محاولاتها المستميتة لتوريطه , عاد ببصره لآدم الذي كان مصوبًا عينيه عليه والشرر يتطاير منهما , قال له بنبرة استعطاف وهو يرفع سبابته :
ــ لم نتقابل ورب الكعبة , لقد كنت جالسًا في الحديقة بالقرب من الأشجار بعد انتهاء الحفل ولم أشعر بالنعاس فقضيت ليلتي بنفس المكان حتى خرجت أم ريم للحديقة ومعها كتاب ... صمت ليلتقط أنفاسه , فهزّه آدم بعنف قائلًا :
ــ أكمل ، ازدرد محمود ريقه ثم تابع :
ــ خرجت ولم تراني حيث كنت بالجانب الآخر من الحديقة بين الأشجار وكان المكان مظلم بعض الشيء ,لكنني رأيتها فاتجهت نحوها لل.. تلعثم فلطمه آدم قائلاً: ــ لماذا ؟
ــ لأسألها عن سبب خروجها في ذلك الوقت المتأخر , للل لكنها عندما رأتني همّت بالرحيل إلا أنني استوقفتها لتجلس وتكمل قراءة كتابها و .... قبل أن يكمل كلامه قام آدم بخنقه قائلًا :
ــ وما شأنك أنت في أن تجلس أو ترحل ؟؟ .. كاد محمود يختنق فحاول تخليص عنقه من أصابع آدم ثم سعل قائلًا :
ــ سأموت بين يديك , أيها الأحمق ،جذبه آدم من قميصه قائلاً بصوتٍ أقرب للزئير: ــ لا شيء يسوغ لك الجلوس معها بالحديقة .
انحنت نور لتلتقط الورقة التي صارت بالية من كثرة كمشها ورميها ثم ألصقتها بوجه زوجها قائلة بصوتٍ عالٍ :
ــ وماذا عن الورقة ؟ ابتلع محمود غصته بصعوبة و زاغت عينيه بينهما , فهزّه آدم بقوة قائلًا :
ــ تكلم يا غبي .
ــ كككككك كنت أتكلم مع أم ريم بشأنها ... قالها فصفعه آدم قائلًا :
ــ يا لوقاحتك ! رفع محمود كفيه قائلًا :
ــ ليست لها , صدقني ... لم يكن يعرف من أين يبدأ لكنه تابع متلعثماً وجبينه يتصبب عرقًا : إإإإإإإ إنها لمخطوبتي ، قالها فالتفت آدم لنور يتبادلا نظرات الدهشة التي لم تطل فقد خلعت نور فردة حذائها وانقضت عليه وهي تصرخ بكل الشتائم .
ــ من تلك ؟ وما اسمها ؟ ... سأله آدم وهو يحاول تخليصه من ضرب نور , قرر محمود التكلم بعيدًا عن ذكر إعجابه بأمنيته الذي جعله يتعلق بأخرى تحمل نفس الاسم , دفع نور بيديه لتسقط أرضًا تبكي وتلطم , ثم التفت لآدم قائلاً :
ــ تعرفت إليها السنة الماضية عندما كانت تأتي للتدرب بمدرستنا لأجل السنة النهائية بكلية التربية ... حاولت نور وسط بكائها استرجاع متدربات العام الماضي لكنها لم تفلح , تذكرت من تم تعيينهن لهذا العام لكن لا أمنية بينهن ...
ــ أمنية سالم .. هو اسمها ... قالها محمود فشهقت نور وضربت صدرها , فقد تذكرتها أخيرًا كيف لا ؟ وقد كانت الأجمل بين المتدربات و الأكثر رشاقة و أناقة و كأنها كانت تأتي لأجل حفل وليس تدريب إجباري , لكن متى تعرف إليها وهما يعملان معًا بنفس المدرسة ؟... تذكرت الأسبوع الذي غابته عن المدرسة في ذلك الوقت بسبب مرض علي , أيعقل أن علاقتهما توطدت خلال ذاك الأسبوع ؟ ولماذا لم يخبرها أحد الزملاء ؟ لكن كيف ذلك وهم يخافونها ويعلمون ماستفعله إن نبشوا في أمورها الشخصية ؟ طالت همهمات عقلها و لازالت الدموع تجري أنهارًا .
كان آدم لايزال ممسكًا به و ينظر له نظرات غير مستوعبة لما تم قوله للتو , انخفضت ثورته وهدأت نفسه بعض الشيء ببراءة زوجته لكن بعد ماذا ؟ بعد طعنها بشرفها ؟ وخروجها قبل تبرأتها ... حدثه عقله : لقد فقدت كل شيء يا آدم ! كل شيء ... أمسك محمود كفي أدم ثم نحاه بعيدًا قائلًا : و الآن ابتعد عنّي .
جثى آدم على ركبتيه , مسندًا كفيه على الأرض وهو يزأر قائلًا بصوتٍ مدوي :
ــ آآآآه ، التفت محمود لنور قائلًا :
ــ عندما أخبرت أم ريم بذلك لامتني و طلبت إلي أن أعدل عن قراري وأن أكرس اهتمامي بكِ والولدين , بالرغم من كيدك لها , إلا أنها لا تريد أذيتك أيتها الحقودة ... كانت نور تتقطع وقلبها ينفث براكين الحقد , نظرت له بعينيها الدمويتين وهي تتابع شتائمها عليه وتقذفه بالحصى من الحديقة .
التفت محمود لآدم وهو يهز رأسه في أسف قائلًا :
ــ لم أرَّ في حياتي امرأة بنقاء وطهر أم ريم , كنت أظن أن أختك فقط الغبية الوحيدة في هذا البيت لكنك انضممت مؤخرًا للقائمة ... تابع وهو يشير بيده على رأسه :
ــ أوليس لك عقل للتأكد من صحة كلامها قبل اتهام الجميع ؟ لقد فقدت حياتك وزوجتك الشريفة للأبد ... أشار بأصبعه عليهما مكملًا : لا يوجد في الدنيا من هو أكثر حماقة منكما ... شعر آدم بالجروح الغائرة تنبض في كل نواحي روحه , وكأن محمود قام بوغزه بسكين بارد داخل قلبه مع نطقه لتلك الكلمات فلم يتمكن من الرد عليه فقد أحكم الخزي قبضته عليه مضيفًا لسيطرته الغفلة , ليجعل آدم يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه في تلك اللحظة , أشاح بوجهه بعيدًا عن ذاك الذي أتته الفرصة ليرد له مافعله به منذ قليل , ود لو ضحك من آدم بعدما ظهر الندم على محياه لكن شفتاه لم تسعفاه فقد تورمتا أيضًا , لكن يكفي شعوره بالنشوة لأخذ حقه دون اللجوء لخوض معركة أخرى , لم يكن يتوقع أن يأتيه حقه بهذا الشكل ، أخذ يرتب هندامه الذي اِهترأ من تلك المعركة و الملون ببقع الدم الصغيرة ثم التفت لنور وهو يحك رأسه وينظر للأعلى وكأنه تذكر شيء , ثم قال :
ــ كدت أنسى ، سأتزوجها الشهر القادم بإذن الله ... صرخت نور لسماعها ذلك ثم قذفته بحذائها قائلة :
ــ طلقني يا خائن .
ــ بسيطة... تابع محمود وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة ثم نطق بصوتٍ واضح وبشجاعة بان شكلها جلياً على وجهه المعدوم من الضرب : أنتِ طالق .
حاولت نور النهوض لتتجه نحوه توسعه ضربًا , لكنه ركض للخارج قبل أن تصل إليه وفرّ هاربًا لينجو بحياته علّه يستطيع إصلاح ماحدث لوجهه قبل موعد الزفاف , يكفي أنه سيعتذر لمخطوبته الأيام القادمة عن مقابلتها حتى يتحسن وضعه وسيحاول التفكير بقصة مقنعة لما سيتبقى من آثار في وجهه حين يلقاها .
.................................................. ........................
تستمر الحياة بقسوتها مقسمة على أن تكمل مسيرتها حتى الذروة وكأنها تختبر مدى صبر القلوب , ومع ذلك لن ترمي عليها النفوس مايؤول إليه حالها لأنها ستنشغل بالجفاء والتباعد , أوليست تلك هي المأساة الحقيقية ؟
هرعت سعاد على غرفة شمس عندما سمعت صرخة رنا , وما إن دلفت وجدتها تبكي وهي محتضنة أختها التي كانت تهذي من ارتفاع حرارتها , اقتربت أكثر لترى بقعة دماء عظيمة أسفل شمس مفترشة السرير , فشهقت قائلة :
ــ ماذا حدث ؟ التفتت رنا لسعاد قائلة وسط نشيجها : لا أعلم .
ــ لعلها دورتها الشهرية ؟ ... قالتها سعاد وهي تتفحص حرارة شمس ،
هزّت رنا رأسها نافية وقلبها يقطر أسى, قائلة :
ــ لقد انتهت منها منذ أيام , كما أنها ساخنة يا أمي .
أمسكت سعاد بذراع شمس في محاولة منها للنهوض بها ثم التفتت لرنا قائلة :
ــ سآخذها إلى الحمام لتأخذ حمام بارد يخفض من حرارتها , أما أنتِ فلترتدي حجابك لنأخذها للمشفى ، مسحت رنا دموعها قائلة :
ــ سأتصل على صديقتي , أختها الكبرى طبيبة و لن تتأخر عن المجيء إن طلبت منها ذلك .
ــ هيا , إذن .... قالتها سعاد وهي ممسكة بشمس من أسفل ذراعيها لتسير بها حيث كانت مستسلمة تمامًا لوالدتها غير واعية لما يحدث , وبنطال منامتها ملطخ بالدماء من الخلف , اتجهت بها نحو دورة المياه وهي تقول والدموع تنهمر من مقلتيها :
ــ إلهي لا تريني فيهما بأسًا أبدًا , يارب أحفظها وعافها ولا تؤاخذها بما فعل أبوها .. ركضت رنا للصالة لتهاتف صديقتها وما إن فعلت حتى أخبرتها أن أختها بالمشفى لكنها ستتصل عليها وتخبرها بحالة شمس .
رنّ الهاتف فردت رنا وهي ترتجف , أخبرتها صديقتها أن أختها ستأتي إليهم بعد انتهاء دوامها بالمشفى وخلال ذلك الوقت عليهم استخدام الطرق التقليدية لخفض حرارتها بالماء البارد ، انتهت من المكالمة , لتجد أمها تنادي عليها لتساعدها في تحميم شمس بالماء البارد وتغيير ملابسها , رمت هاتفها على الأريكة واتجهت حيث كانت أمها واختها ، انتهت سعاد من مهمتها مع شمس بمساعدة رنا ونجحت في خفض حرارتها بشكل نسبي , أخذتها للغرفة الكبيرة حيث كان الفراش نظيف لحين تنظيف سريرها من بقعة الدم , ذهبت إلى المطبخ لتحضر مواد التنظيف اللازمة لذلك بينما جلست رنا بجوار أختها تقرأ بعض سور القرآن وتدعو لها .
استأنفت مهمة فراش شمس بفكر مشوش تتحدث مع نفسها بصوتٍ مسموع ... لا أعلم مايحدث معكِ ياشمس .. وهل أنا السبب فيما آل إليه حالك ؟ كيف أؤنب نفسي على ذنب لم أقترفه ؟ المذنب الوحيد في جميع الأحوال هو ذاك الرجل الذي لازالت محتفظة بلقبه حتى بعد رحيله عنّا ... تنهدت متابعة والعبرات قد انسالت رغمًا عنها على وجنتيها : لو تعلمين كم أحببتكما وفنيت نفسي لأجل الحفاظ عليكما يا شمس لن تجافيني أبدًا .
زاد بعدهما في الفترة الأخيرة محدثًا شروخًا أليمة في نفسيهما يصدح أنينها في الروح مضيفًا عذاب للعذاب وكلتيهما محتفظة بعنادها ورغبتها في البعد , استفاقت من مناجاة عقلها على صوت جرس الباب ولم تكن انتهت من إزالة البقعة بعد لذا واصلت العمل , خرجت رنا لتفتح للطبيبة , استقبلتها رنا بحفاوة ونادت على والدتها لترحب بها .
ــ مم تشكو دكتورة ؟ ... سألت سعاد الطبيبة التي انتهت لتوها من فحص شمس بينما كانت رنا تطالعها باهتمام , مترقبة ماستقوله .
رسمت الطبيبة على شفتيها ابتسامة مصطنعة ثم قالت :
ــ ستكون بخير , لا تقلقا , من الواضح أنها لم تأكل منذ مدة , كما أنها تعاني بعض الاضطرابات النفسية .
ــ لكن , ماذا عن الدم ... قالتها سعاد وهي تشير بيدها , فهتفت رنا :
ــ وحرارتها المرتفعة ؟
أشارت الطبيبة لكلتيهما أن تهدآ ثم أخرجت من حقيبتها قلماً و ورقة , وقالت :
ــ بخصوص حرارتها سأكتب لها دواءًا خافضًا للحرارة , أما بخصوص النزيف . شهقت سعاد لسماع ذلك وطرقت على صدرها بينما سألت رنا بشيء من الخوف : ــ نزيف ؟ أومأت الطبيبة بنعم ثم حاولت طمئنتهما قائلة :
ــ ستكون على مايرام ولكن لابد أن تحضرانها غدًا للمشفى .
اتسعت أحداق رنا وسعاد وهما ينظران لبعضهما ثم يعودا للطبيبة التي احتفظت بتخمينها حتى تتأكد في الغد ران على الجميع بعض الصمت , قطعته الطبيبة وهي تقدم ورقة الدواء لرنا قائلة :
ــ هاهو الدواء اللازم لها , وسأنتظرها غدًا لكن عليكم أولًا الاهتمام بطعامها , تابعت وهي تشير على الورقة : عنوان المشفى مكتوب أسفل الورقة .
ــ حسنًا , سنأتي بها غدًا ... قالتها رنا ثم التقطت الورقة من الطبيبة , وسارت معها للخارج تودعها بعدما شكرتها للاهتمام بأمر أختها والقدوم , بينما ظلت سعاد بجوار شمس تمسح على شعرها وهي تبكي وتتمتم بآيات من القرآن .
.................................................. .............................
عندما ينهشنا الندم معلنًا تفاقم حجم الخطيئة , فتأتي الحسرة ممسكة بسياطها لتجلدنا لكن هل سيكفي ذلك الضرب لمحو آثام الخطيئة ؟ أم إنه محض تعذيب مضاعف ؟
كان يقود سيارته بعصبية , ود لو يزيد السرعة لكن الزحام حال بينه وبين ذلك , أخذ يضرب المقود كلما تذكر حال أخته , يسأل نفسه كيف تجرأ آدم على فعلته ؟ كيف تصل به الوقاحة لهذا الحد ؟ تابع وهو يعض شفته السفلى متوعدًا :
ــ لكنني سألقنه درسًا لن ينساه مدى الحياة .
وصل أخيرًا , صف سيارته أمام منزل جابر ثم ترجل , شعر بسخونة في صدره لدى رؤية المنزل , صك أسنانه وهو يطالع بابه الذي كان مواربًا , ود لو يدخل بلا استئذان لكنه عدل عن ذلك عندما وقف أمام الباب الكبير , رن الجرس وعندما تأخر الرد قام بالطرق عليه بقوة وهو يسترق النظر بين الفينة و الأخرى من فرجته , لاحظ من كان جالسًا بالحديقة مطرقًا رأسه وكأنه أصيب بالصمم فلم يسمع الجرس أو الطرق على الباب , أمعن النظر أكثر فتأكد من هويته , حينها دفع الباب بغضب واقتحم الحديقة بلا استئذان ، وقف أمامه مباشرة , وقد عقد ذراعيه أمام صدره وهو يطالعه باحتقار من رأسه لأخمص قدمه , ثم قال :
ــ ألن ترحب بي أيها الأصم ؟ أم أن البكم أصابك أيضًا ؟
رفع آدم رأسه ينظر لمازن والحزن الممتزج بالندم بادي على محياه الذي أُنهك بفعل معركة اليوم التي انتهت بهزيمته شر هزيمة , أغمض جفنيه في أسف ولم يرد , فمط مازن شفتيه قائلًا :
ــ اممم , تعجبني تلك الدراما , أيها القائد .
ازدرد آدم ريقه , وقطب جبينه في حرج وقد توقف لسانه عن النطق , وبما ينطق ؟ وقد انتهت الكلمات بعد فعلته مع أمنية , حتى عقله توقف عن التفكير بعد مواجهته بمحمود , لم يكن بحسبانه أن مازن على موعد معه وهو منهك خائر القوى هكذا , لم يقوى على الصعود لشقته لذا فضّل الجلوس بالحديقة بعدما دخلت أخته تكمل نحيبها مع أمها ، قطع مازن صمته قائلًا بعصبية :
ــ تمثيلك للهدوء لن يجدي نفعًا ، تابع وهو يشير بيديه : هيا قم و واجهني رجلًا لرجل .
لم يجبه آدم , فأمسكه مازن من تلابيب قميصه ليقف , ثم صفعه بقوة قائلًا :
ــ هذا لأجل أختي , لطمه على الجانب الآخر قائلًا : وهذا لأجل ريم التي أبكيتها برحيل أمها ... كان آدم مستسلمًا لصفعه وكأنه بذلك سيريح ضميره من تأنيبه لضرب أمنية , لم يرد عليه لا قولًا ولا فعلًا , كان لقمة سائغة لمازن الذي انتهى من صفعة ليقوم بلكمه في جسده وهو يصيح :
ــ كيف تجرؤ ؟ إن كنت لا تعلم كيف تكون معاملة النساء , ها أنا قد جئت لأعلمك ... , وصل الصوت لزينب وهي تبكي مع نور على طلاقها , مدت عنقها علّها ترى من بالحديقة , لمحت مازن فخرجت على الفور , وما إن رأت ولدها يُضرب باستسلام دون محاولة الدفاع عن نفسه , صاحت وهي تلطم :
ــ يا ويحي ، ركضت نحوهما ثم جذبت آدم من قبضة مازن وهي تصرخ وتشير بيدها :
ــ هل جننت ؟ ألم تعلمك أمك أن للبيوت حرمات ؟
رفع مازن أحد حاجبيه قائلًا :
ــ بلى ؛ علمتني , لكنكم من تعديتم على الحرمات وجئت هنا لأخذ حق أختي من ذلك الأهوج الموقن بخطأه لذا لم يرد عليّ ولو بضربه واحدة .
نظرت زينب لآدم الذي كان واقفًا كطفلٍ مذنب , وقد جال بخاطرها ذكريات طفولته الأليمة مع والده فبكت حاله , سألته وسط بكائها :
ــ ماذا فعلت لها يا آدم ؟ لم يرد , فصاح مازن :
ــ ألم يخبرك أنه ضربها ؟ ... فشهقت زينب وسألته :
ــ أين هي ؟ اتسعت حدقتا مازن في عدم استيعاب ورد ساخرًا : هل تمزحين معي ؟! ألم ترينها وهي تخرج كالمشردة من بيتكم بدون ابنتها ؟
وضعت زينب كفها على فمها ثم التفتت لآدم تلومه بعينيها وتحرك رأسها في أسف , لم تكن تعرف ما آلت إليه الأمور وهي حبيسة غرفتها , لكنها الآن أيقنت أن الكثير فاتها , ارتبكت بعد كلام مازن لكنها تذكرت منظر ابنها المضروب الذي وقف مستكينًا كما المغشي عليه , فقالت :
ــ وهل هذا يسوغ لك اقتحام بيتنا بلا إذن ؟
تأفف مازن قائلًا :
ــ استأذنت قبل الدخول , لكنكِ لم تسمعي الجرس أو الطرق على الباب .... تابع وهو يرمق آدم بنظرات غيظ : أما بخصوص أختي , فما فعله ابنك كفيل بقتله و إحراق بيتكم بأكمله .
سرت رجفة في أوصال زينب عندما كشف مازن عن وجهه الذي لم تر أوقح منه , نظرت لآدم قائلة :
ــ وأنت ما الذي دهاك ؟ هل أخافك هذا الولد ؟ لما لاتسكته ؟
ــ أنا رجل ولست ولد .... تابع مازن وهو يطالعها بطرف عينه وقد رفع أحد حاجبيه : هل له عين بعد ما فعله لمواجهتي ؟
ــ عين ؟ ...صاحت زينب وهي ترفع ذراعها في وجهه : من يسمعك يظنك أمسكت عليه ذلة , هل جننت يا ولد ؟
ــ قلت لكِ رجل ... استكمل وهو يبتسم بخبث : نعم أمسكت عليه ذلة .
ــ اخرس ، صرخت بها في وجهه ثم دفعته بيدها والتفتت لابنها الذي آثر الصمت وكأن عقله توقف عن التفكير ليدرك مايحدث , تسأله وهي تشير على مازن بإصبعها :
ــ ما الذي يهذي به هذا ؟ زفر مازن بضيق قائلًا وهو يشير بكفيه :
ــ هاتي ريم لأغادر ثم ناقشيه في الأمر على راحتك .
ــ ريم ! .... تابعت زينب وقد زمّت شفتيها وهي تطالع مازن بغيظ : لن تخرج ريم من هنا يا هذا .
ــ أعطها له ... قالها آدم بعد صمته المضني , فصاحت به :
ــ الآن نطقت ! ... بينما تنهد مازن قائلًا :
ــ خيرًا نطقت يارجل .
ــ لن يخرج أحدًا من هنا غيره ... تابعت وهي تشير لمازن على الباب : هيا أغرب عن وجهي .
رفع مازن حاجبيه وهو يتمتم بتذمر :
ــ يالكِ من امرأة عنيدة , بينما أخذ آدم ينادي على ريم بأعلى صوته فأتته بها نور , حملها متجهًا نحو مازن قائلًا بأسى والحزن يملئ مقلتيه وهو يودع ريم التي تبتسم له منادية عليه وترفرف بذراعيها الصغيرين :
ــ هاهي , انتبهوا عليها .
ــ هه , ستكون بخير طالما ابتعدت عنكم ... قالها مازن وهو يهم بالمغادرة حاملًا ريم على ذراعه , تاركًا زينب تغلي من الغيظ على عدم سماع آدم لكلامها أمام مازن , التفتت له قائلة :
ــ ما الذي فعلته ؟! هل جننت لتعطيه ريم ؟ سيضغطون عليك بها , أيها الأحمق .
تركها آدم بلا رد وانصرف مترنحًا بما تبقى من قوته التي قضت عليها معارك اليوم الضارية , يعتصره الألم على تسرعه , يشعر بأن الدنيا بأسرها قد تآمرت ضده لتفرق بينه وبينها , تصدح الأفكار السوداوية بعقله مؤكدة أنه بات الأحمق على وجه البسيطة , يدور أمام عينيه شريط اليوم بكل ماحدث ليزيد عذابه لكن بلا حل , فقد توقف عقله عند سرد مامضى فقط بدون التطرق لأي سبل تودي للنجاة .
.................................................
أجمل لحظة هي تلك التي نتمكن فيها من اقتناص السعادة لاستئناف التمتع بها لنخبر الدنيا لاحقًا أننا واعدناها وعشناها , لكن ماذا إن صنعت لنا الدنيا تعويذة تحول بيننا وبينها قبل أن تبدأ ؟
كان جالسًا بالشرفة , ينظر للكون الذي احمر بوداع الشمس بشرود وفنجان القهوة يطالعة والأبخرة الناعمة لازالت تتصاعد منه , تصدح الذكريات في ذهنه ممتزجة بما حدث اليوم , يفكر في حظه وكيف قابلها اليوم لتسلب لبّه وكيف بدت مألوفة للحد جعله يعصر عقله ليذكر أين رآها وليته لم يفعل , هاتف أحد أصدقاءه ممن يعملون مع والدها ليسأل عنها ممنيًا نفسه بأن عقله أخطأ عندما ربط بينها وبين من تذكرها لكنه وللأسف كان مصيبًا للحد الذي جعله توقف عن جلب أي ذكرى أخرى , كان يسأل نفسه : ألهذه الدرجة حظي عسر ؟ كلما اقتربت من إحداهن داهمني القدر بخفاياه وكأنه أقسم على الوقوف ضدي أو أنني ولدت بتعويذة حالت بيني وبين السعادة ... زفر بمرارة وهو يستفيق من فضفضته مع نفسه قائلًا : لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .
اتجهت نحوه والدته ثم جلست على الكرسي المقابل , التفت لها مبتسماً , فمازحته قائلة :
ــ من أخذ عقلك فليهنأ به .
ارتبك قليلًا لكنه تدارك ذلك بالتقاط فنجانه ليستأنف احتساءه بتلذذ , فباغتته :
ــ متى سنذهب ؟ عقد حاجبيه وضيّق عينيه سائلًا : إلى أين ؟
ــ إليها ؟ ... قالتها سيادة وهي تغمز له , فضحك قائلًا :
ــ من تقصدين ؟ رفعت أحد حاجبيها ونادته باستياء من تصنعه البراءة :
ــ أيمن ، أشاح بوجهه بعيدًا عنها قائلًا :
ــ ما الأمر ؟ أشارت على نفسها قائلة :
ــ أنا من عليه أن يسأل ما الأمر؟ ولست أنت .
حاول كتم ضحكاته من محاولاتها المستميتة لكشف أمر هو نفسه لا يعلم كنهه , فتابعت : عيناك فضحتك يا غالي .
ــ أمي ، أرجوكِ ... تابع متحاشيًا النظر لعينيها : لم يحدث شيئًا بعد لتقولي ذلك .
ــ بل حدث ... قالتها بإصرار وهي تضرب بيدها المنضدة .
ــ ولِما لا تقولي أنني وُفقت في عملي وحسب .
ابتسمت سيادة وهي تطالع وجهه الذي احمر خجلًا :
ــ بريق عينيك يا بُني , بريق من وجد شطره الآخر .
أعاد الفنجان للمنضدة ثم رفع ذراعيه ممازحًا إياها :
ــ فليشهد الكون أن أمي أصبحت شاعرة .
ضحكت سيادة من مزحته ثم قالت :
ــ لا تبتعد عن الموضوع يا أيمن، وقل لي من هي سعيدة الحظ ؟
ــ سعيدة الحظ ؟ ... قالها بمرارة , فتابعت سيادة :
ــ نعم يا حبيبي , كفاها شرفًا أن تكون زوجتك ، صمت هنيهة , فاستكملت : هل أزعجتك بكلامي يا أيمن ؟
هزّ رأسه نافيًا وعاد لشروده , فقالت سيادة والحزن قد شق طريقه لقسماتها :
ــ لعلك أحببتها فوجدتها مرتبطة ؟
ضحك أيمن على ماترمي إليه أمه لتخرج ذكريات طي النسيان دفنها بأعماقه , طمئنها :
ــ لا تقلقي , سألت عليها وأخبروني أنها ليست مرتبطة .
ــ سألت ؟ ... قالتها وهي تلومه بعينيها ثم صمتت
ــ مهلًا , أمي ... تابع وهو ينظر يعتذر لعينيها : الموضوع لم يأخذ إلا لحظات .
ــ لحظات ؟ .... قالتها وهي عاقدة حاجبيها ، ضحك قائلًا:
ــ تعلمين أننا في عصر السرعة , رأيتها اليوم وبعد ذلك سألت عليها .
ــ مرحي ... قالتها سيادة وهي تصفق بطريقة طفولية وتضحك ملئ فيها .
لم يشأ إفساد فرحتها فصمت وعاد لتأمل الكون الفسيح , فبترت صمته قائلة :
ــ لنذهب لهم الليلة ، لم يرد عليها , فهتفت باسمه : ماذا دهاك ؟ من المفترض أن تكون سعيدًا بذلك ؟
ــ لكن ... قالها وسكت ... فخرجت سيادة عن هدوئها قائلة :
ــ لما لا تحكِ لي كل شيء عوضًا عن تنقيطي بالكلام هكذا .


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-05-20, 02:31 AM   #125

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

واخيرا ظهر الحق و انكشف المستور ...لكن كنت اظن ان ادام سيعاتب على الاقل نور على ما اوصلت اليه العائلة........مشهد امنية و ابنتها ريم حقا مؤثر....حقا الابناء يدفعون ضريبة الاباء رسالتك في هذه القصة فيها الكثير من تلميحات عن التربية الاباء هم من يكونون شخصية الاولاد.....اضن ان شمس مريضة بسرطان .....وامنية بعد استعادة ابنتها ستقوم فلاش باك لإعادة صياغة حياتها....المضحك ان مازن يضن قصة خيانو ادام لامنية هي ما اوصلت الموضوع الى هاذا الحد ...لم يعرف بعد العكس ننتظر ردة فعله على ذلك اما نور فانا حقا مشفقة عليها انسانة غير سوية ما شاهدته في صغرها ترك اثركبير في حياتها ...نشوف هل ستحاول اصلاح نفسها ام ستستمر في اذائها واذاء من حولها ....موفقة حبيبتي رواية رائعة .....😊😊😘

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-20, 12:07 AM   #126

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo مشاهدة المشاركة
واخيرا ظهر الحق و انكشف المستور ...لكن كنت اظن ان ادام سيعاتب على الاقل نور على ما اوصلت اليه العائلة........مشهد امنية و ابنتها ريم حقا مؤثر....حقا الابناء يدفعون ضريبة الاباء رسالتك في هذه القصة فيها الكثير من تلميحات عن التربية الاباء هم من يكونون شخصية الاولاد.....اضن ان شمس مريضة بسرطان .....وامنية بعد استعادة ابنتها ستقوم فلاش باك لإعادة صياغة حياتها....المضحك ان مازن يضن قصة خيانو ادام لامنية هي ما اوصلت الموضوع الى هاذا الحد ...لم يعرف بعد العكس ننتظر ردة فعله على ذلك اما نور فانا حقا مشفقة عليها انسانة غير سوية ما شاهدته في صغرها ترك اثركبير في حياتها ...نشوف هل ستحاول اصلاح نفسها ام ستستمر في اذائها واذاء من حولها ....موفقة حبيبتي رواية رائعة .....😊😊😘
بارك الله فيك غاليتي ورفع قدرك
ممتنة جدا لكلامك وتفاعلك الغالي ♥
سعدت وشرفت إن رسائلي وصلتك وأتمتى القادم ينول رضاك حبيبتي، وهنتظر رأيك القيّم عقب الفصول، لا حرمني الله منك
رمضانك مبارك 🌹🌹🌹🌹


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-05-20, 01:06 PM   #127

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

سبحان الله ♥🌹🌹🌹

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-05-20, 01:07 PM   #128

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌺

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-05-20, 01:08 PM   #129

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

اللهم بلغنا ليلة القدر 🌹🌹🌹🌹🌹

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-05-20, 01:09 PM   #130

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

لا إلهَ إلاّ الله ♥🌹🌹🌹

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:21 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.