آخر 10 مشاركات
حب في الباهاماس (5) للكاتبة: Michele Dunaway *كاملة+روابط* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          محاربة الزمان - فيوليت وينسبير - روايات ديانا*إعادة تنزيل (الكاتـب : angel08 - )           »          عبير القديمة جانيت ديلي نهاية أسبوع غريبة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حرب الذكريات والحب-قلوب أحلام شرقية(77)-حصرياً -*مميزة* للكاتبة::رشا باعلوي*مكتملة* (الكاتـب : رشا باعلوي - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          أميرتى العنيدة (87) للكاتبة: جين بورتر ..كاملة.. (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          ثارت على قوانينه (153) للكاتبة: Diana Palmer...كاملة+روابط (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          11 - لن اكون لك - روبرتا ليه (الكاتـب : أميرة الورد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree860Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-02-21, 04:54 AM   #1241

شوشو العالم

? العضوٌ??? » 338522
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,012
?  نُقآطِيْ » شوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond repute
افتراضي


مساء الخير.. انا قرأت روايتك فوق ربى الحب الحقيقة رواية رائعة ومبهرة وبنتظر لقياك لي المأوى تخلص عشان أقرأها كاملة ما بتحمل انتظار الفصول لما تكون الرواية مشوقة ومتاكدة انه لقياك ما بتقل روعة عن فوق ربى الحب فطمنيني باقي كتير لتخلص ولا قربت..
ومن قبل ما اقرأ تسلم ايديك اكيد مبدعة❤️❤️


شوشو العالم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 11:46 AM   #1242

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الواحد و الثلاثون



صباح الخير جميعا لظرف طارئ مضطرة أنزل الفصل صباحا مش مساءً المرة دي...


الفصل الواحد و الثلاثون




يوم الحادث...
أوقف سيارته بعيدا عند هذا الشاطئ المهجور...اطفئ مصابيح الضوء الأمامية حينما خرج سلطان و أخاه من سيارتهما...ضيق عزت عينيه يدقق النظر من هذه المسافة البعيدة و الفاصلة بينهم...تأهب بجزع حينما خرج داغر من البيت و جرى بينهم جدال يتأرجح بين الهدوء و الاحتدام...انقبضت يداه على عجلة القيادة يضغط عليها ملجما نفسه عن الخروج لمساعدة داغر بعدما أشهر سلطان سلاحه في وجهه...دخول حكيم البيت و خروجه كان فتيل صراخ هادر بينهم...ابتلع عزت ريقه بعدما سمع صريخ داغر في ابنيّ عمه...و كأنه يطلب منهم أن يمنحوه شيئا ما أخذوه منه!...لحظات قليلة و انتفض عزت في كرسيه بعدما حدث الأمر فجأة و قد اطلق سلطان الرصاص على داغر...جن جنونه في السيارة و عقله لم يسعفه سوى في تشغيل المحرك ليصدر صوت احتكاك اطارتها عاليا فيسرع سلطان و حكيم في الهرب...فتح عزت باب السيارة و خرج منها مرعوبا يجري نحو داغر الساقط ارضا و قد غاب عن وعيه...حمله خلف ظهره بصعوبة يدخله السيارة ليتوجه به الى اقرب مشفى رغم ان في هذا المكان يفصلهم عن اقرب نقطة لتجمع سكني مسافة طويلة...و بعد رعب دام طوال طريقه توقف عند مشفى قرب حدود مدينتهم الساحلية و مدينة مجاورة لينقذه فيها...و عندئذ انكر معرفته بهوية داغر التي اخفاها قبل الولوج للمشفى...كل ما قاله للشرطة أنه وجده على الطريق ينزف و قرر أن يساعده...و هكذا بقي التحقيق معلقا حتى يستفيق داغر و تأخذ الشرطة أقواله...أما عزت فقضي تلك الأيام بين متابعة اخبار الحي و هنا...كان عليه ان يتابع كوارث ما سببه سلطان و حكيم و للأسف داغر ايضا...حادثة سليمان و التي كان يعرف عنها قبل وقوعها لم تكن بحجم فاجعة موت هدير ابدا...و الآن مصيبة جديدة متيقن من أن لداغر يد بها و هي القبض على كرم!!...



انتصب في وقفته حينما خرجت الممرضة من الغرفة...توجه اليها سريعا يقطع طريقها متسائلا بلهفة...
(كيف هي الأحوال؟!)
جاوبته الممرضة باقتضاب لتكمل طريقها...
(الدكتور لا يزال عنده يمكنك أن تسأله بعدما يخرج...لكنه استفاق و معدلاته الحيوية مستقرة على كل حال)
تركته قبل أن تسمع شكره تتوجه حيث طلب منها الطبيب...عاد عزت ينظر لباب الغرفة بقلب وجل ليس من أي شيء إلا رد فعل داغر عما حصل و يحصل...و بعد قليل خرج الطبيب و الذي أوضح له أن داغر تخطى مرحلة الخطر لكنه لا يجب ان يترك المشفى الآن خصوصا و أن الشرطة ستبدأ تحقيقاتها معه لتعرف من المتهم في قتله...و بعدها تركه يقف أمام باب الغرفة يزفر بترقب قبل ان يفتح الباب و يلج...و فور دخوله اتسعت عيناه بهلع ليركض الى السرير يوقف داغر عما يفعله...فقد اعتدل في جلسته رغم تألم ملامحه و بدأ ينزع كل الأسلاك المتصلة بذراعه!...وصل له عزت يضع كفيه فوق صدره متسائلا بتعجب...
(ما الذي تفعله يا داغر؟!!...حالتك لم تستقر كفايةً بعد!)
بحركة ضعيفة تعاني الوهن ازاح داغر كفي عزت عن صدره مستكملا ما يفعله بأنفاس تلهث من فرط الألم...ينزع اسلاكا تكبله و هو في أمس الحاجة الى أن يحلق و ينقذها!...
(ابتعد عني عزت...هدير تنتظر ردي)
زم عزت شفتيه بحزن ليعود و يمنع داغر من الخروج من السرير بحركات متضامنة قائلا...
(صحتك لن تسعفك لتفعل شيء الآن داغر)
رفع داغر له عينين هائجتين قائلا بصوت ضعيف للغاية...
(البنت ستموت لو فعلتها عن أي صحة تتحدث أنت!!)
انهى نزع كل الأسلاك منه ليستند بكفين يرتعشان على السرير و يحاول بصعوبة أن يقف...و بعدما تأوه بصوت مسموع استقام ليرفع كفه فوق كتفه الصارخ بوجع كالحريق...اغمض عينيه يهمس بتصميم
(سأصل اليها و اوقفها...لقد اخبرتني في أي حي هي)
(ما عاد يجدي نفعا)
رفع وجهه الى عزت بسرعة خاطفة و كل خلاياه تتأهب مع ضيق عينيه المتسائلتين و نبرة صوته المتقطعة...
(ماذا.. تقصد؟!)
تلكأت حروف عزت بطريقة زادت تأهبه اضعافا قبل ان يقول بصوت خافت بينما يخفي عينيه عن داغر...
(هدير ماتت...)
اصابت الصدمة عزت بعدما سحبه داغر بكل القوة المتبقية فيه من قميصه اليه...يحدق في عينيه بعينين منفرجتين بذهول و رفض فيسأله بصوت مهتز ألما و انكارا...
(ماذا تقول يا عزت؟!!!)
اشاح بعينيه بعيدا عنه صامتا لا يعرف ماذا يقول بعد ما قيل...رجه داغر بضعف جعله يفقد توازنه و يتراجع للخلف حتى كاد يقع على سريره لولا تشبث عزت به من كلا كتفيه...و رغم ضعفه الجسدي إلا انه هدر بصوت متقطع لاهث يعاني عدم التصديق...
(كيف ماتت قبل أن ألحقها؟!!...قبل أن اخبرها أنني أريدها و أريد الطفل...لماذا لم تنتظر قليلا كنت سأذهب اليها...كنت سأوقفها!)
تهدجت نبرته و خفت صوته كثيرا و عقله بدأ يستوعب...هدير ماتت...قُتلت بيديه قبل أي شخص آخر...ماذا كان ذنبها سوى هو!!...هو الغبي الذي صدق انه يسعى ليملك الدنيا و لم يشعر انه يُساق ككبش للذبح...و قد ذبحوه...قد نجحوا في فعلها الآن بعدما قتلوها بدماء باردة...همهم بصوت ضعيف بينما قبضتاه ترتخيان عن قميص عزت...
(لماذا رحلتِ هدير؟!!...لمَ؟!)
رفع عزت بصره الى وجه داغر كي يعيده للسرير لكنه تخشب بعدم استيعاب مما يراه الآن...فعيني داغر مليئتين بالندم و القهر...و حينما التقيتا عيناهما همس داغر بصوت خاوٍ و الدموع تُحتجز في مقلتيه...
(هل دفنوها أهلها؟)
تفهم عزت سؤال داغر جيدا...فميتة هدير كشفت عن سرها للجميع...أجلسه عزت على السرير يجيبه...
(ما وصلني أن أمها قدمت بلاغ للشرطة باختفائها و بعدما وجدوا جثتها دُفنت في مقابر عائلتها و ذيع خبر انها قُتلت بغرض السرقة)
رأسه مرفوعا لوجه عزت يتابع ما يقوله بأنفاس ثقيلة...عيناه تضيقان بألم الجرح و ألم آخر...ألم أشد بطشا من ألف رصاصة...يحرق فؤاده الذي ظنه لا يشعر من قبل...غامت عيناه دون ارادته فتشوشت الرؤية بينما يسأل عزت بعدم فهم...
(أي اختفاء.. أين وجدوها بالضبط!...)
اعتدل عزت يزفر نفسه بخفوت قائلا...
(الحكاية لم تصلني كاملة فمنذ ما حدث لك و أنا باقٍ هنا و أخبار الحي تصلني و هذا ما انتشر...كما أن ليس هذا فحسب ما يشغل الحي و سكانه هذه الأيام...)
ضيق داغر عينيه متسائلا فأردف عزت...
(سليمان المراكبي كان بين الحياة و الموت في المشفى بعدما اصيب في حادث)
اهتزت انفاس داغر ينزل رأسه و ينكسها للأسفل بصمت ليس صمتا...فكفاه يقبضان على شرشف السرير يعتصره بحدة...سلطان و حكيم فعلا ما خططا اليه قبل سنوات...ظنا انهما سيتخلصان منهم جميعا في يوم واحد لكنهما لا يعرفان أنه عائد ليذيقهما وبال ما فعلا...ثوان مرت لتحط عيناه على ملابس المشفى ثم يرفعهما الى عزت بنظرة سوداء قائلا بأمر لوّنه بخبث السمري و بطشهم...
(دبر لي أمر الخروج من هنا...)
رغم يقين عزت أن لا شيء سيثني داغر عن نيته إلا انه قاطعه بقلق على صحته...
(لكن الدكتور قال...)
(الليلة سأخرج من المشفى...)
صوت داغر المتحفز أخرس عزت عما يريد قوله فأنزل بصره مجددا للأرض يردد بوعيد احترقت حروفه من هذه النيران المشتعلة في قلبه...
(الليلة سأحفر بيدي قبرهما و أضعهما بداخله...)
*********
توقفوا خارج قسم الشرطة أمام سيارة يوسف...فحانت من أيوب القابع خلفهم نظرة الى غسق الواقفة بين صديقتها و أخيها...غارقة في تفكيرها و صامتة تماما منذ خرجا من الداخل...يشهد لها أنها وقفت كالطود تتحمل عظم ما حدث بنفس شجاعة بل و تمكنت من رؤية كرم حينما هاتفت معارفها...و الآن يحق لها ان تهدأ و تلتقط انفاسها...انتبه لصوت صديقتها بينما تقول...
(كيف حدث الأمر يا غسق ربما لديه اعداء تربصوا به و فعلوا هذا؟!...لا أصدق ابدا أن كرم متهما بتهمة كهذه!!)
صوت غسق خرج حازما مؤكدا للجميع ثقتها في زوجها...
(كرم برئ و أنا لن أرتاح حتى يُثبت هذا)
تنحنح يوسف متدخلا بينهما بقوله المتعقل...
(الشرطة تحتاج لدليل دوما فإن كان لديك دليل براءته أو تشكين في شخص بعينه قد يفعلها فلتقولي لنساعده و نخرجه في وقت أسرع)
اهتزت حدقتا غسق لوهلة بتردد لمحه أيوب كما لمح نظرتها الخاطفة له فتأكد من رغبتها في قول شيء خاص له...صوتها خرج متعبا حينما جاوبت يوسف
(ليس بعد...لا يمكنني اتهام أي شخص دون دليل أليس كذلك؟)
اومأ يوسف مؤكدا ليقول بعدها بنصح...
(في هذه الحالة يجب أن توكلوا محامي كما قلت من قبل...إن لم يكن لديكم محامي سأرشح لكم واحد)
أسرعت غسق تقول...
(أخت كرم الصغيرة و زوجها محاميان)
هز يوسف رأسه متفهما فقال...
(هذا جيد...عليكم السير في كل الطرق المتاحة لإثبات براءته)
تدخل أيوب قائلا بشكر حقيقي...
(سلمت يا حضرة الضابط ما فعلته معنا الليلة فوق رؤوسنا)
ربت يوسف فوق كتف أيوب قائلا ببساطة...
(لا تشكرني فكل ما فعلته أنني جعلتكما ترونه)
احتدت نظرة غسق بغضب حينما تذكرت وجه كرم المكدوم فقالت...
(هل يمكننا فعل شيء ليوقفوا طريقتهم المهينة في التعامل مع زوجي...انهم يكسرون كبريائه و يضغطون عليه كي يعترف بشيء لم يفعله)
اجابها يوسف بهدوء ليمتص انفعالها فهو ايضا لا يحب هذا النوع من التعامل...هم رجال شرطة لا معتدين و ما رآه على ملامح كرم أجج غضبه الشخصي...
(لا يوجد داعٍ فأنا حللت الأمر و لن يمسه مخلوق هنا حتى تنتهي التحقيقات)
قاطعته غسق بيقين...
(لن ننتظر لنهاية التحقيقات...كرم لن يبقى هنا كثيرا)
امسك يوسف كف اخته قائلا ببسمة صغيرة مشجعة...
(ان شاء الله ستظهر براءته قريبا و انا معكم أي وقت...هيا بنا يا ديما)
همست له ديما بحزن كبير على ما اصاب غسق...
(لحظة يوسف سأودع غسق)
افلت كفها لتقترب من صديقتها تضمها اليها هامسة بتأثر...
(كوني قوية كعادتك غسق...كرم بريء و نحن نعرف هذا و صدقيني أزمة و ستنتهي قريبا)
ربتت غسق على كتفها بروح تتجلد لأجل كرم فهمست...
(ان شاء الله...شكرا ديما على المساعدة)
قبلت وجنتها تبتعد عنها قائلة...
(لا تشكريني غسق لو بيدي أكثر من هذا لفعلته لأجلك دون تردد)
ذهبت ديما مع يوسف و بقيت غسق مع أيوب الذي تساءل بصوت مهموم لكنه مستعد لفعل أي شيء لصاحبه...
(ماذا تنوين يا دكتورة؟!)
نظرت له بجدية تسأله بصورة مباشرة...
(أين يمكنني أن أجد داغر؟!)
ضيق عينيه مرددا بتريث...
(داغر!!)
فجاء دور غسق لتتحدث بغضب ثائر تكبحه بعصوبة
(هو من فعلها في كرم...ما لم يفلح فيه قبل سنوات يعيده الآن)
حسنا هذا أول ما طرأ باله بعدما عرف في أي شأن بات صاحبه متهما...لكنه تمهل فخطواتهم الآن بحساب لأن كل خطوة مربوطة بحبل في عنق كرم و لا يمكنه ان يفرط به ابدا...كما أن داغر بعيدا عن الصورة منذ فترة طويلة كانوا يعيشون هانئين البال حتى حصل ما حصل يوم حادث سليمان و شجارهم مع أهل السمري...و من المفترض أنهم في هذه اللحظة هاربين خوفا و ترقبا للجديد فكم هو صعب أن يغامروا و يتسببوا في مصيبة اخرى للمراكبي و الأولى لم يُغلق حسابها بعد و يقينا ستطير لأجلها رقاب!!
(لكن داغر غائبا عن الحي منذ زمن حتى أننا لم نسمع عنه أي خبر...رغم انه اول من شككت بهم لكن ما الذي يجعلك متيقنة من كونه هو؟!)
عاد التردد يهاجم عينيها فأشاحت بهما عنه...زاد ضيق عينيه و قلبه يخبره بشيء خطير تعرفه الدكتورة...اقترب منها يسألها دون مواربة...فالأمر يخص كرم لا يمكنه التواكل ابدا
(ماذا تعرفين يا دكتورة؟!...من بالداخل هو أخي قبل أن يكون صاحب عمري!...ما يمر به يفقدني عقلي و صبري و كم يؤلمني رؤيته في وضع كهذا...لذا إن كنت تعرفين شيئا سينقذ كرم اخبريني به لأنني ابدا لن اتركك تواجهين الخطر مهما كانت الأسباب...أنتِ أمانة كرم في عنقي حتى يخرج بالسلامة)
رفعت له وجهها و كم هاله مظهره...الغضب مختلط بالألم ليلد صرخة محجوزة في عينيها...صرخة تود لو تخرج فتسمح لدموعها بأن تنفرط...و تسمح لصوتها ان يعبر عنها...ارتعشت شفتاها قبل أن تهمس بصوت بتفتت من كبت مشاعرها الحقيقية في هذه اللحظة...
(أنا اكيدة من كونه داغر...هو ليس بعيدا عن الحي و نحن لسنا نحيا ببال هانئ...داغر هو سبب كل شيء حدث لنا...داغر يكره كرم بكل ذرة من كيانه...يكرهه لدرجة انه اراد توريطه في تهمة مثل هذه قبل سنوات لولا تواجدي حينها...يكرهه لدرجة انه كان السبب في اغتصابي)
شخصتا عينا أيوب بعدم تصديق...و الغضب يتراقص داخلهما على مهل حتى احمرتا لتعلنا ان الخطر قادم...اقترب منها يسألها بأسنان تطحن بعضها البعض...
(ماذا تقولين؟!!...من أخبرك انه داغر؟!...من يوم الحادث و كرم لم يغفل له جفن إلا لو نقب عنهم و لليوم لم نصل لشيء)
تنفست غسق بصعوبة تقول...
(ليس مهما من أين عرفت الأهم أن نصل لداغر)
قاطعها أيوب بنبرة خطيرة...
(كيف ليس مهما؟!...انه شرفنا و شرف كرم كيف ليس مهما؟!!...كيف تخبريني أن الليالي التي عشتما تعانيان فيها مُر ما حصل ليست مهمة؟!!...كنت أرى وجعك في عينيّ كرم كل ليلة...كنت أسمع صراخك في نبرة صوته هو...كرم احترق مع احتراقك و أنا كنت شاهدا على ما مررتما به معا فلا تخبريني أنه ليس مهما أن أقتل من فعلها بك و به!!)
كور يده يضرب بها راحته الأخرى مرددا بوعيد...
(داغر!!!...يا ويلك مما ستلاقيه مني!!)
اوقفته غسق برجاء مختنق اخبره انها تجمح بكاءها...
(ارجوك أيوب توقف لا أريد هذا...كل ما أريده هو أن يخرج كرم من هنا و يعود لي)
احتدت نظرته حينما نظر في عينيها يسألها...
(من اخبرك؟!!!)
وجدت انها لو اخبرته بمعرفة سليمان و طلبه سيتوقف عن رغبته في الانتقام من داغر لها...ففي هذه اللحظة لا تريد سوى انقاذ كرم و ليس حقها...لذا قالت ببعض القوة
(الحاج سليمان من اخبرني...كما طلب مني ألا يعرف كرم كي لا نخسره و انه سيعيد حقي لي)
توقفت انفاسه للحظة و كأن لقاءه مع سليمان تاه من عقله في خضم ما يمر به من مصائب...ضيق عينيه مرددا بتفكير
(ألهذا طلبني و رفض ان يخبرني هوية الحقير الذي فعلها؟!)
ابتلعت غسق ريقها بتعب تقف أمامه و تقول بصرامة...
(أيوب ارجوك كل ما يهمني الآن كرم ثم كرم...سنفعل كما قال يوسف سنوكل محامي و سنسلك نحن طريق البحث عن داغر ليعترف بجريمته)
زفر ايوب نفسا غاضبا يقول بعصبية...
(أنتِ لا تعرفين داغر يا دكتورة!...ليس سهلا ان يعترف ابدا فكل همه ان ينهي كرم)
الثقة التي وصلته من صوت غسق أشعرته انها حقا ستفعل أي شيء لأجل صديقه...
(فقط نجده و بعدها لن أتركه دون أن يعترف...مهما كلفني الأمر)
*******
بعد ساعة و نصف...
خرج ايوب من سيارة الاجرة التي توقفت أمام بقالة أمه لينحني بعد ذلك و يحاسب السائق حتى خرجت غسق من الباب الخلفي...ابتعدت السيارة عنهما فسألها أيوب بتحفز...
(هل ستخبرينهم الآن؟)
اومأت ببطء و قبل أن تجيب وصلها صوت خالد المقتضب...
(غسق!...هل حدثك كرم اليوم؟!)
تبادلت غسق النظر مع أيوب فتدخل صالح الذي وصل للتو خلف اخيه...
(أمي اتصلت قبل نصف ساعة تبلغنا أن كرم لم يصل للمشفى بعد و قد ظنت انه لا يزال في الميناء...لكنه هاتفني عصر اليوم و قال انه سيذهب للمشفى فأين ذهب و هاتفه مغلق)
أكمل خالد بقلق...
(بحثنا عنه في كل مكان و لم نجده حتى العمال لا يعرفون أين هو!!!)
(لن تجدوه...)
جملة غسق كانت متألمة بشكل واضح جعل خالد يسألها بتوجس...
(ماذا تعنين؟!!...أين أخي؟!!!)
رأى أيوب ان عليه التدخل الآن فغسق حقا تحملت الكثير...
(تم القبض عليه يا خالد)
(ماذا؟!!!)
التعجب الهادر كان من الأخوين معا...اقترب صالح من غسق مستفسرا بذهول...
(متى قبضوا عليه و بأي تهمة؟!!)
نكست غسق رأسها للأسفل بينما تجيبه..
(مخدرات)
احتد صوت خالد بينما يقول...
(أي هراء هذا؟!!...بالتأكيد يوجد خطبا ما...في أي قسم شرطة هو؟!)
وضع أيوب كفيه على صدر خالد يرجعه للخلف قائلا بجدية...
(لن تتمكن من فعل شيء يا خالد فبالكاد تمكنا من رؤية كرم لدقائق معدودة بعدما هاتفت الدكتورة صديقتها ليساعدنا أخاها الضابط)
توقفت خطوات خالد بعدما اصابته كلمات أيوب بالجمود...همهم بتعب طفح من روحه على ملامحه
(ماذا يجري؟!...ما كل هذه المصائب و أين كانت تختبئ؟!...ماذا يحدث معنا يا رب؟!!!)
تماسك صالح بشق الأنفس بينما لسانه يردد بوجع نابع من قلبه...
(الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا اليه راجعون...فإنا لله و إنا اليه راجعون)
و من شرفة شقة ثروت شاهد ابنته تقف مع أخويّ كرم و صاحبه...ضيق عينيه بتعجب فلقد خرجت قبل ساعات قليلة بعدما وصلها اتصال من احدهم...كانت شاحبة الوجه زائغة النظرات فقط قالت ان خروجها الآن لأجل زوجها و بعدما تعود ستخبرهما بكل شيء بعدما رفضت أمل نزولها رفضا قاطعا...تتبع ثروت ابنته التي تتوجه مع أخويّ زوجها الى بيت المراكبي...تنهد بقلق عليها فبعد كل شيء هي ابنته الوحيدة و ما يمر به أهل كرم حاليا يُخيف أي أب...دلف من الشرفة فقابلته زوجته بسؤالها المتحفز..
(هل هاتفتها؟!)
اشاح بعينيه بعيدا عنها يقول بتلكؤ...
(ليس بعد...)
ارتفع حاجباها عاليا تردد بتعجب...
(و لمَ تنتظر حتى الآن يا ثروت؟!...ابنتك متهورة و الله اعلم أين ذهبت لزوجها هذا)
نظر لها قائلا بطمأنينة...
(لقد عادت قبل قليل و الآن هي في بيت زوجها)
ازدادت حدة أمل و هي ترد باستنكار...
(بيت زوجها!...هل فقدت غسق عقلها لتخطو هذا البيت مجددا...ابنتك تبدلت منذ اليوم الذي تزوجت به ابن المراكبي...باتت تتنازل و تضحي بحقها)
توجهت نحو الغرفة تنوي ارتداء ملابسها و الذهاب الى غسق فأوقفها ثروت متسائلا...
(الى أين يا أمل؟!!)
التفتت تجيبه بتصميم...
(الى ابنتي يا ثروت لأعيد لها عقلها...)
احكم ثروت تمسكه بها يقول بجدية...
(اهدئي يا أمل ابنتنا ليست في بيت غريب فهذا حق زوجها عليها أن تقف جانبه في ظروفه السيئة...أتركِ الفتاة تفعل ما تراه صحيحا و نحن معها نقوّمها ان اخطأت)
اتسعت عيناها بصدمة من استسلام ثروت و هي تميز من الغيظ لأجل ابنتها و مستقبلها...و بتأكيد تام قالت ما تؤمن به
(و هل ما تفعله ابنتك الآن ليس خطاء؟!...لا يا ثروت هذه الزيجة من البداية لا تصلح لابنتي ابدا)
زفر ثروت بضيق حقيقي من عناد زوجته و تصميمها على تفكيرها الذي يؤلم غسق و هو شاهد على ألم ابنته فقال بصوت متحفز...
(أمل يكفي...حقا يكفي ما تقولينه و تحقيرك لزواج ابنتك...غسق اختارت و انا وافقت و كرم لم نرَ منه سوى حفاظه على ابنتنا و حمايتها في عينيه...ما حدث لا دخل له او لأهله به فزوجة اخيه الاخرى تأثرت أكثر من ابنتي و المذنبة في حقهما ستنال عقابها بالقانون...رجاء لا تضغطي على غسق أكثر)
رأى التأثر جليا في عينيها فهو يعرف كم تحب زوجته ابنتهما...لكن خوفها و أمومتها يعرقلان حياة غسق و سلامها...و هذا ما لم يتمناه لابنته مطلقا...غسق اختارت كرم و هنا عليهم وضع نقطة و بداية سطر جديد فيه يقبلا بكرم زوج و والد احفادهما...
بيت سليمان...
بعدما هاتفوا فاطمة و زوجها ها هما أتيا بملامح مصدومة...ساعد حسام زوجته لتجلس بين أخوتها و قبل ان تلتقط انفاسها سألتهم بصوت يهدد بالبكاء...
(ما هذا الذي اصاب أخي؟!...)
حدثها حسام بصوت خائف عليها بعدما تتبع كفيها المتكورين فوق بطنها فيبدو حالتها النفسية سببت ألم لها...
(اهدئي يا فاطمة كل شيء له حل ان شاء الله)
اومأت برأسها تتماسك فهي هنا حبل نجاة كرم الوحيد...وجهت سؤالها لغسق الجالسة بملامح لا زالت شاحبة...
(أخبريني غسق عن كل شيء بالتفصيل...)
ابتلعت غسق ريقها تناظرهم جميعا ثم تقول...
(قبل أي شيء لا يجب أن يعرف والدكم فصحته لا تحتمل...و نحن لن نترك كرم حتما سيخرج قبل عودة والده من المشفى)
ناظر الجميع بعضه البعض...اليأس يطفو على الوجوه رغم ان الارواح متقبلة القدر و تقلبه...لكن يحق للإنسان أن يتألم و يتعب فرحلة الحياة طويلة و مصائبها لا تنضب...و رغم التعب وافقوا على التماسك فحتما لن يضحوا بعائلتهم و والدهم...لن يستسلموا و إن حطت الدنيا بهمومها اجمع فوق ظهورهم سيستكملون الطريق...
********
في هذه الأثناء...
بعدما ذهبت غسق مع خالد و صالح دلف أيوب الى البقالة فقابلته وجيدة بوجه قلق بسبب خروجه العجيب من البيت قبل ساعات دون ان يرد عليهم حتى...سألته بقلق بادي على ملامحها...
(أيوب أين كنت؟!...هل حدث شيء بني أرح قلبي؟!)
زفر ايوب نفسا مثقلا بالهموم يستند على أحد الكراسي في البقالة...يشكو في نظرته المتعبة...يلهث من فرط غضبه المحكوم عليه بالإعدام قبل ان يحرره...زم شفتيه قبل ان يقول بصوت موجوع...
(كرم يا أم أيوب...)
اقتربت منه وجيدة بترقب حذر حتى انفرجت عيناها بصدمة بعدما استرسل...
(قبضوا عليه)
شهقت وجيدة بصوت مسموع تضرب على صدرها و تردد بهلع...
(ألم يجدوا سوى كرم من بين الرجال ليقبضوا عليه...ماذا أصاب ابناء المراكبي...يا وجع قلب أمه عليه إذا عرفت)
نكس أيوب رأسه بأسى صامتا حتى خفتت صدمة أمه...تمسكت بذراعه تتساءل بقهر على ما اصاب كرم...
(بماذا اتهموه يا أيوب؟!...الشاب بالكاد يتماسك ليحمل مع أخويه حمل والدهم حتى يعود لهم و هم يزيدون حملا فوق حمله!!)
اهتاجت روح أيوب من جديد و كلمات أمه تدفعه لأن يذهب و يدك قسم الشرطة هذا ليخرج صاحبه...ليقفا جنبا الى جنب كعادتهما...ليصلا معا الى داغر الخسيس و يجعلاه عبرة لمن لا يعتبر...زفر بحدة يبتعد عن الكرسي قائلا بحمائية...
(وجدوا في سيارته مخدرات...الكلاب استغلوا وقت كهذا من كثرة مشاكله أرخى حذره و انتهزوه ليلفقوا له تهمة تنهي شبابه...لكن و حق ربي و حق صداقتي به لن اجعلهم يهنئون...سأدفعه ثمن ما يفعله بكرم غاليا حتى و ان اضطررت لقتله)
شهقت وجيدة برعب على ابنها فأسرعت تتشبث بملابسه قائلة برجاء...
(ماذا تقول يا أيوب...هل سنخرج كرم من الحبس لندخلك أنت؟!...اهدأ بني فلست وحدك الآن بل لديك زوجة تخاف عليك)
تألمت روحه مما يمر به من تكبيل غسق و سليمان له فغامت عيناه بدموع تعصف برجولته التي تزأر لأجل صاحبه ليهمس بشكوى لأمه...
(الخسيس استغل الموقف ليجر قدم كرم في بئر لا قرار له...و أنا مكبل هنا غير قادر على مساندة صاحبي...اقسم بالله سأنهيه من على وجه الأرض)
احرقت دموعه قلب وجيدة فسالت دموعها لأجل ابنها و لأجل كرم...سألته بترقب متخوفة من الإجابة...
(هل تعرف من فعلها به بني؟!)
اشاح أيوب بوجهه عنها ببعض الحدة يجز على ضروسه...فطنت وجيدة انه يعرف لكنه لن ينطق فزاد قلبها رعبا...قالت برجاء شبه متوسل عله يفكر قبل ان يلقي بنفسه في التهلكة...
(أبلغ الشرطة عنه أيوب...هم سيأخذون حق كرم منه و هكذا ستكون ساعدت صاحبك دون أن تؤذي نفسك)
تحرك أيوب للباب ليدلف الى البيت قائلا بصوت جامد يقطع به كل سبل النقاش مع أمه...
(لو كنت اعرفه لكان في عداد الموتى الآن لا أن أقف هنا و اتسامر)
تركها تقف بمفردها تشاهد اختفاءه عن عينيها فتفرك كفيها اللذين بردا من خوفها من القادم بينما تهمهم بيقين...
(تعرفه أيوب...أعرف أنك تعرفه لكنك لن تفصح...الله يجيرنا من القادم...يا رب لا توجع قلوبنا على احد منهم)
حركته كانت غاضبة و مرهقة فلم يلحظ مودة التي وقفت عند باب المطبخ تكتم فمها بكفها و دموعها تجري مدرارا على وجنتيها...لقد سمعت و عرفت أي مصير ينتظر ايوب...اغمضت عينيها تبكي بقلب مرتعد...لن تتحمل خسارة أيوب...لن تتحمل أن يولد ابنه يتيما!...
في شقة أيوب...
دلف غرفة النوم يخلع ملابسه بتجهم يداري به نيرانه المشتعلة في صدره...فتح خزانة الملابس يخرج ملابسا نظيفة...توقفت يده عن البحث بعدما سمع صوت الباب...اخرج رأسه من خلف دَرفة الخزانة فأكله قلبه على مودة التي ولجت بوجه باكٍ و عينين التهمتهما الدموع...ترك ما بيده سريعا ليهرول اليها ممسكا بكفيها يتفحص وجهها و يسألها بقلق...
(ما بك مودة؟!...ماذا صار يا بنت؟!)
انفاسها تقطعت و بصعوبة استجمعت كلماتها فقالت بتوسل...
(ارجوك ايوب...لا تقحم نفسك في شيء سيء...ارجوك لا تذهب بقدمك للسجن)
تفهم ما تقوله فهدأ هلعه عليها قليلا...سحبها من كفيها يدخلها حتى السرير و يقول بقرار قاطع...
(حق كرم واجب علي يا مودة)
كاد يترك كفيها و يعود للخزانة لكنه تسمر مكانه حينما رفعت كفيه الى فمها تقبلهما بتوسل بينما تذوب في دموعها و ترجوه...
(أرجوك ايوب لا تفعل...ارجوك هناك طرق اخرى لمساعدته دون خسارتك...اتوسل لربك لا تحرمني منك و تحرق قلبي...أنا من دونك سأموت)
اسرع يسحب كفيه منها بذهول مرددا...
(ماذا تفعلين يا مودة؟!!...لا تبالغي في خوفك سأكون بخير)
صوت بكائها يزداد و رأسها يهتز نفيا و تكذيبا لوعوده...أي خير هذا...أي خير و كل ما يحدث حولها يفزعها...لا يمكنها ان تعيش منتظرة لحظة فقده...ستموت دونه و الله ستموت...في هذه اللحظة شعرت بأهمية اخباره بوجود ابنه...ربما معرفته بهذا يجعله يتراجع عما يريده...راقبته يعود مجددا للخزانة و قبل ان يصل قالت بصوت منتحب ما جمده بكل ما في الكلمة من معانٍ...
(لأجل ابنك لا تفعل...ارجوك)
الصمت الذي خيم بعد جملتها تلك جعله يسمع صوت انفاسه الثقيلة فقط...لا و هناك نبض يهدر تدريجيا في قلبه...ابنه!...التف لها ببطء يماثل بطئ استيعابه...بملامح تهدلت دفعة واحدة و ارتسم عليها الذهول...عاد الخطوات التي خطاها مبتعدا عنها قبل لحظات...يقف أمامها بفم مفتوح من سرعة انفاسه...و صدر يعربد قلبه خلفه...نزلت عيناه الى بطنها يتفحصها ثم يعود لوجهها الدامي من فرط البكاء متسائلا بهمس غير مصدق...
(أنتِ حامل؟!!!)
اسبلت اهدابها و دموعها تسيل بلا توقف فلم تقوَ سوى على هزة رأس كإجابة...زفر أيوب انفاسه بصوت مسموع و قلبه يدق بلا توقف...رفع كفه يمسح بها فوق وجهه فيسألها بصوت مهتز...
(متى...متى عرفتي؟!)
اجابته بصوت مبحوح بألم...
(صباح يوم حادث الحاج سليمان)
زاد ذهوله فتفحصها كلها متسائلا...
(و لماذا تصمتين حتى الآن؟!!)
انفلت خوفها من قلبها و تمثل في صرخة مرتعبة...
(لأنني خائفة...خائفة من كل ما حدث و يحدث...لم أعش في حياتي مواقفا كهذه...و لا أريد أن تستمر أكثر فقلبي ما عاد يحتمل كل هذا الفقد و الخسارة...أنا مرعوبة يا أيوب من أن أخسرك...مرعوبة من ان يخسر طفلي والده قبل ان يولد...تعبت و لا يمكنني التحمل اكثر و أنت تزيد رعبي)
نكست رأسها تغطي وجهها بين كفيها و تنخرط في بكاء مرير...تمالك نفسه بصعوبة فأسرع يضمها اليه بحنان هامسا...
(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا...يا بنت يكفي بكاءً)
همهمت داخل احضانه ببكاء...
(الله لا يرضى أن تلقي بنفسك في التهلكة...إن كان لا يوجد لي خاطر عندك فتريث لأجل خاطر ابنك)
ابعد رأسها عن صدره يرفع وجهها اليه قائلا بحب دافئ...
(كيف ليس لك عندي خاطر...فأنتِ قطعة من قلبي)
لامس بطنها بكف يرتجف...فهنا ابنه و الله لا يصدق
(و أم ابني...)
سألته بأمل يتراقص وسط الدمع في عينيها...
(هل تراجعت عن قرارك و ستترك الشرطة تتصرف؟)
نظر في عمق عينيها الواسعتين قائلا بعقيدة راسخة...
(حينما يولد ابني سأعلمه إن منحته الدنيا صاحبا ككرم يقف معه كتف بكتف لأخر العمر...كرم في كفة و العالم دونكم في كفة اخرى...و لا تخافي إن كنت أضعكم أمام عيني قبل ان اخطو خطوة في اي شيء سأضع ابني قبلكم من الآن...فأنتِ خائفة ان يولد من دوني و انا مشتاق لأحمل قطعة من روحي و روحك بين يدي...)
مال يلثم جبهتها بحنان جعلها تغمض عينيها ببعض الراحة...أما هو فقلبه يردد الحمد بأن الله وهبه من وسط هذا الظلام قبس من نور يربت على قلبه المكلوم...لن اهدأ حتى تعود سريعا يا كرم لتشاركني فرحتي...صاحبك سيصبح أبا قريبا



...يتبع...








AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 11:48 AM   #1243

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الواحد و الثلاثون




أوقف عزت سيارته يناظر داغر المتألم جواره بتجهم فخروجهم من المشفى حدث بمعجزة إلهية قبل ان تصل الشرطة... تنهد ليتساءل بقلق...
(ها قد وصلنا داغر...لا أعرف لماذا طلبت المجيء هنا و أنت بهذه الحالة؟!!)
رفع داغر عينيه ينظر أمامه من خلف زجاج السيارة فتتألم ملامحه للذكرى قبل وجع كتفه بينما يقول...
(هنا لن تجدني الشرطة حتى انهي ما أريد)
فتح باب سيارته يترجل منها و يتحرك حيث البيت...صوت صراخه في ابنيّ عمه يسمعه و كأنه يحدث الآن...و كأن الرعب الذي احتله وقتها حي لا يموت بداخله فها هو يتجدد...و نفس اللهفة قد احتلته حينما لمح الهاتف مرمي ارضا منذ وقع من يد حكيم بعدما انقض عليه...خطواته اليه كانت عكس لهفته فهو يتقين بأن الكلمات التي كانت ستنقذها فيه باتت لا قيمة لها...باتت ذكرى تحرقه بنيرانها...انحنى ارضا بتوجع يشاهد بقعة الدماء المخلفة عنه و التي جفت و الهاتف جوارها...مد كفه يأخذه و يحاول فتحه...مرات يفعلها حتى ظن بأنه تعطل لكنه فتح اخيرا...و كان اول شيء يفعله هو الوصول لرسالتها...يناظر الحروف بقلب ينقبض و ينبسط بجنون...من كان يظن انها ستكون حروفها الاخيرة للأبد...شعر باختناق غريب فرفع رأسه سريعا عاليا يتحكم في انفعاله...نفس السماء التي تعلق بها راجيا يوم الحادث...لكنه ليس نفس الشخص...ابدا ليس هو!...قبض على الهاتف في كفه يردد بوعيد يلفظ معه وجع لا يُحتمل..
(سيدفعان ثمن موتك هدير...سيعيشان نفس الرعب الذي عشته ليلتها...كل من أجرم سيدفع ثمن جرمه...حتى أنا)
توقفت حروفه بعدما وصله صوت عزت الواقف خلفه...
(ماذا تنوي يا داغر؟)
استقام بمساعدته لتتعلق عيناه بالبيت قبل أن يقول بصوت مخيف...
(أبحث لي عن سلطان و حكيم)
عقد عزت ما بين حاجبيه قائلا بجهل...
(أين سأجدهما لقد اختفيا و لم يعودا للحي منذ الحادث)
قست ملامح داغر و هو يقول بيقين...
(لا يوجد أمامهما سوى مكانا واحدا...اذهب الى بيت جدهم لأمهم القديم)
زارت الدهشة وجه عزت ليردف...
(هذا بيت لم تطأه قدم انسان منذ سنوات طويلة...هل أنت أكيد؟)
نظر له داغر يقول بتأكيد...
(حينما تجدهما تعود الي و تبلغني لكن حذاري أن يشعرا بك)
اومأ عزت موافقا على مضض رافضا ان يتخذ داغر اي خطوة الآن قبل أن يسترد صحته كاملة فسلطان و حكيم ارادا قتله فلا مزح معهما...تحرك مبتعدا نحو سيارته لكنه تذكر شيئا هاما لم يعرفه داغر بعد فعاد له مناديا و حينما التفت له داغر سأله عزت بشكل مباشر...
(كرم محجوز في قسم الشرطة بتهمة حيازة مخدرات هل لك دخل بهذا)
احتل الترقب ملامح داغر فسأله بسرعة...
(متى حدث هذا؟!!)
اجابه عزت بقلق من القادم ككل...
(قبل ساعات قليلة)
اشاح داغر بوجهه بعيدا يهمهم بكلمات
(هذا الغبي لماذا يتخذ خطواته دون إذني!!...تبا لهم جميعا)
لاحظات حتى أعاد عزت سؤاله...
(داغر هل لك دخل؟!!)
زفر بألم يقول باقتضاب...
(لا استطيع فعل شيء الآن قبل ان آخذ حق هدير)
اعترض عزت برفض...
(لكن كرم ربما يترحل للنيابة أو...)
قاطعه داغر بحدة مخيفة...
(لو ظهرت الآن للشرطة لن يفلتوني...و أنا لن اسمح بأن يوقفني أحد عن حق هدير)
تراجع عزت عن مجادلته متفهما غضبه مما حصل لهدير...و الحق يقال رد فعل داغر يريح ضميره كثيرا...لقد ظن ان داغر سيثأر من ابنيّ عمه لكنه يثأر لهدير و هذا مختلف تماما عن داغر...و بعد لحظات كان يرمق داغر من داخل سيارته قبل ان يشغل المحرك و يبتعد تاركا إياه عند الشاطئ المهجور كما أراد...تتبع داغر السيارة حتى ابتعدت فاتشحت عيناه بسواد بينما يتجه الى البيت...دلفه يشعل الضوء و ينظر حوله بعينين قاتمتين...و كأنه كان هنا بالأمس فقط...تسارعت انفاسه بحدة غصبا فتأوه يضع يده فوق كتفه يمسده ببطء...القى الهاتف بإهمال فوق طاولة متهالكة بجوار زجاجتين إحداهما فارغ نصفها و الأخرى لم تفتح بعد...ناظرهما قليلا قبل ان تمتد يده و تلتقط المغلقة...تحرك ناحية أريكة خشبية بالية يضع فوقها الزجاجة ثم يزحزحها بصعوبة و صوت أنينه يعلو تدريجيا...انتهى من ازاحتها ليعتدل و يلهث متألما قبل ان تنزل عيناه حيث هذه الفتحة مربعة الشكل و التي تبدو كنافذة مقفولة بباب خشبي...انحنى على عاقبيه يزيل بلاطة من الأرضية و يخرج مفتاحا صغيرا...فتح به قفل الباب الخشبي ثم مد يده حيث الزجاجة يأخذها مجددا و يتحامل على جرحه الصارخ بينما يثني جسده ليمر من هذه النافذة...ولج و صوت توجعه ولج قبله في هذه الغرفة المظلمة...استقام يستند على الحائط حتى وصل لمصدر الضوء فأشعله لتقع عيناه على هذا الجسد المتكور جوار الحائط...بأنفاس تنهت ذهب اليه حتى بلغه فركله بقدمه قائلا بأمر غليظ...
(أنت يا ولد استيقظ...أنت هل تسمعني أم متُ؟!)
فتح الشاب عينيه بصعوبة و قد نحل وجهه عن ذي الذي رآه سيد من قبل حينما وجده و تدخل داغر...حرك الشاب كفيه المربوطين يلامس قدم داغر برجاء و صوته يخرج ضعيفا للغاية...
(جائع...اتضور جوعا)
القى داغر له زجاجة المياه فالتقفها الشاب بلهفة رغم يديه المربوطتين لكن قدم داغر التي دهست كفيه بالزجاجة قتلت لهفته كما بث حديثه الرعب في قلبه...
(لن تفعل قبل أن تخبرني ما تركتك هنا لأجله...)
تنفس الشاب ببطء يناظر داغر بتوجس جعل الأخير يفرك كفيه بقدمه اكثر حتى تأوه الشاب فانحنى داغر رغم وجعه إلا ان غضبه أكبر ليمسكه من شعره قائلا بنبرة تخيف...
(رأيت بنفسك أنني تركتك هنا أزيد من أسبوع دون طعام او شراب و لم يشعر بك أحد...يعني لو قتلتك هنا لن يكلفني أمرك سوى سكين حاد انحر به عنقك)
ارتعد الشاب و زادت انفاسه بينما داغر يسترسل...
(الشابان سأصل لهما بك او دونك لكنك الوسيلة الأسرع...لذا اختر إما اصل لهما و أنت تعيش أو أصل لهما و أنت ميت)
هز الشاب رأسه برعب تحت كف داغر ليقول بتلعثم مهتز...
(لا...لا تقتلني اتوسل اليك...سأخبرك عنهما سأقول كل شيء أعرفه لكن اتركني بعدها و شأني)
افلت داغر شعره ليضرب وجنته بحركات متتالية مؤلمة قائلا بنفس الصوت المرعب...
(إن فلحت في مساعدتي سأحررك مني)
حاول الشاب تلمس الأمل في وعد داغر فردد و كأنه لم يحفظ سوى هذه الكلمة....
(سأخبرك...سأخبرك)
********
قبل منتصف الليل بساعة...
حمل عزت لفافة الطعام التي طلبها داغر منه عبر الهاتف قبل ان يصل الى هنا...و ها هو يقف أمام الباب بعدما دقه ينتظر ان يفتح له داغر...و حينما فتحه دلف عزت يمنحه الطعام قائلا...
(لم أجد سوى مطعم واحد مفتوح في هذا الوقت فالطعام...)
توقفت كلمات عزت بصدمة حينما لمح شاب يجلس ارضا في صالة البيت...التفت سريعا لداغر يسأله بترقب...
(من هذا؟!!)
عاد داغر ليجلس على الأريكة بينما يضع كفه فوق كتفه و قد تألم بصوت خافت...عاد ينظر لعزت قائلا بأمر
(اعطه الطعام و تعال...)
بجهل فعل عزت ما طلبه داغر...فألتقف منه الشاب اللفافة بلهفة مريبة يفتحها بسرعة و يلتهم ما يقابله بنهم شرس...ضيق عزت عينيه بتعجب حتى ناداه داغر مجددا فتوجه اليه يجلس جواره على الأريكة مستمعا لسؤاله المتحفز...
(هما هناك أليس كذلك؟!)
زفر عزت بتعب من ساعات طويلة قضاها في مراقبة بيت شبه مهجور فقال...
(بعد ساعات من المراقبة كدت امشي و كلي يقين ان لا أحد به...لكنني رأيت حكيم يخرج من احدى النوافذ في الطابق الأرضي متجها الى طريق السوق المحلي و بعد فترة عاد يحمل معه اكياسا و دلف بنفس طريقة الخروج)
هز داغر رأسه متفهما و نظراته تزداد سوادا قاتما...استند على ذراع الأيكة ليقف دون حرف فوقف عزت بدوره متسائلا بدهشة...
(ماذا ستفعل بعدما عرفت مكانهما؟!)
تعلقت نظرات داغر بالشاب الذي انهال على الطعام قبل أن يقول...
(سأدفنهما بيدي كما دُفنت هدير...)
ترك عزت ليتحرك ببطء نحو الباب فأوقفه عزت بصدمة...
(الى اين في هذا الوقت؟!)
دون ان يلتفت له قال...
(أبقَ هنا و ضع عينيك على هذا الولد جيدا...)
اعترض عزت بقلق عليه...
(داغر صحتك لم تتحسن بعد تريث قليلا...)
فتح داغر الباب فلفحه الهواء البارد في هذا المكان المهجور و الخالي من البيوت و السكان...لسعاته كانت كسياط تحرق جلده بوجعها...تؤلمه لا ينكر لكنها تدفعه لأن يستفيق...همس بصوت جامد لا يوحي سوى بالانتقام...
(هدير غير مرتاحة في قبرها فلن اجعلها هكذا لوقت أطول)
اغلق الباب خلفه دون اضافة المزيد...فتخصر عزت في وقفته يهمهم ...
(على الأقل تخطو في طريق صحيح لأول مرة يا داغر)
صوت الضوضاء الذي يصدره الشاب اثناء تناوله للطعام بشراهة جعل عزت يناظره بعدم فهم ثم يتقدم منه متسائلا بفضول...
(و أنت ما هي حكايتك بالضبط و ماذا تفعل هنا؟!!)
*******
بيت المراكبي...
انتهت جلستهم بعد وقت طال بهم دون ان يشعروا...فجميعهم انغمس في مشكلة كرم و كيف لهم ان يخرجوه منها...و غسق بقيت متكتمة على معلومة داغر بشق الأنفس فلا يمكنها أن تزعزع حجر هذه العائلة أكثر مما تزعزع...هي ستصل له و ستجعله يعترف بجرمه...رنين هاتفها الصادح جعلها تتوقف قبل ان تصل لغرفة كرم حتى تجيب على والدها الذي كرر اتصاله اكثر من مرة...
(نعم أبي...)
صوتها كان مستنفذ القوى...خائرا...و ضعيفا للغاية...فهي بلا كرم أضعف من ورقة شجر نفضتها شجرتها عنها في فصل خريف...استمعت لسؤال والدها القلق و الفضولي فهي لم تخبره بعد بما حدث...حتى صفية لم تعرف بعد...فقط اتفقوا ان تهاتفها غسق و تخبرها ان كرم انشغل بالعمل و هو بخير!...و كأن كذبهم سيدوم!!...و كأن امرأة حذقة كصفية ستصدق!!...انتهى حديث والدها فجاء دورها لتجيب بينما تدلك جبهتها بتعب...
(بعد أذنك أبي سأبيت هنا الليلة فلا يمكنني أن أعود الآن...زوجي يحتاجني جانبه يا أبي...لا ليس هكذا...غدا سأخبركما بكل شيء ارجوك...حسنا أبي تصبح على خير)
خرجت هبه من المطبخ تنظر لغسق بإشفاق بعدما سمعت حديثها مع والدها...اقتربت منها تلامس ذراعها قائلة بقلق
(تبدين مرهقة جدا يا دكتورة...هل أنتِ بخير؟!)
هزت غسق رأسها نفيا تهمس بأحرف تهتز و قد احتلت روحها غصة مريرة...
(لست بخير يا هبه...قلبي يتألم كثيرا)
ضمتها هبه اليها بقوة تربت فوق ظهرها قائلة بتضامن و تأكيد...
(غمة و ستزول و سيعود بيتنا كما كان...سيعود الفرح يسكن قلوبنا كما كان الله قادر على كل شيء)
ابتعدت غسق عنها تهمس بتمني...
(و نعم بالله...)
ابتسمت لها هبه بتشجيع تقول...
(ادخلي لترتاحي في غرفتك حبيبتي و لا تحملي هم الغد فالغد لله و هو لطيف بنا)
اومأت لها غسق تتوجه نحو الغرفة بعدما قالت بخفوت...
(تصبحين على خير...)
دعمتها هبه ببسمتها البشوشة حتى وصلت الى غرفتها...فتحركت هبه حيث غرفتها هي ايضا لكنها توقفت حينما لمحت جسد مازن الجالس بمفرده في الصالة في مثل هذا الوقت...اسرعت اليه بلهفة تسأله
(مازن ما بك حبيبي؟!)
خبأ مازن وجهه عنها هامسا بحرج...
(لا شيء خالتي)
انحنت تمسح فوق شعره بعدما لاحظت انه لا ينظر اليها فقالت...
(لماذا تخبأ وجهك عني مازن؟!)
سمعت صوت بكاءه و الذي اوجعها كنبرة صوته القلقة حينما قال...
(لأنك تكرهينني بسبب ما فعلته أمي...أنا لست صغيرا و كنت موجودا حينما عرفتم الحقيقة...أمي هي من قتلت ابناءك و أنتِ تكرهينها و تكرهيني لأني ابنها)
دون تردد ضمت رأسه الى صدرها بحنان تمسح فوق شعره و تقول بدموع متأثرة...
(إياك أن تفكر بهذه الطريقة مازن...ألا تعرف كم تحبك الخالة هبه؟!...ما فعلته أمك لا دخل لك به و لا دخل لحبي لك به...حبيبي أنا ابدا لن اكرهك فلا تبكي!)
شهق الصغير بين احضانها يقول ببكاء...
(أمي لا تكف عن الاتصال بي و أنا خائف أن أجيب عليها...خائف من أبي و منكِ و من عمي صالح...خائف منها هي ايضا)
اوجعها قلبها عليه و برغم ما فعلته بها سهر إلا انها قالت لأجل الولد فقط...فأم مثلها لا تستحق ابدا ما قالت
(لا والدك و لا نحن ممكن ان نمنعك عن أمك يا مازن...أنت و علاقتك بها لا دخل لها بما حصل...انها أمك التي تحبك فلمَ تخاف منها!!...و دينك يأمرك بأن تحترمها و تطيعها إلا في معصية الله...فلا تجهد نفسك في خوف أنت أصغر منه حبيبي)
رفع وجهه لها فمسحت دموعه بكفها حتى سألها برجاء...
(هل ستدخلينها السجن يا خالة؟!...انه مكان مرعب قد رأيته على التلفاز!)
توقف كفها فوق وجهها تناظره بألم و حسرة...السجن هو مكان سهر المناسب جراء قتلها لأولادها...يا الهى لو تركتهما يعيشان لكانا يلعبان و يمرحان حولها في كل مكان الآن...لكنها قتلتهما بقلب كالحجر...لكن مازن لا يستحق أن يعيش حياة مريعة كالتي تسببت بها أمه له...الولد لا ذنب له فهل ستزيد من سوء مستقبله سوءًا؟!...
و على بعد مسافة قصيرة منهما كانت غسق تواجه ترددا يخنق انفاسها...أصابعها لا تقوَ على فتح باب الغرفة دونه...لقد دخلتها معه...آلفتها معه...و عشقته فيها...هذا الألم الذي يحطم قلبها لا يُحتمل...ادارت المقبض و فتحت الباب لتدخل...لكنها توقفت تناظر الظلام المنتشر بقلب يتفتت...الغرفة خاوية دونه...باردة بلا أنفاسه...ارتعشت شفتاها بضعف فما يحصل لكرم يؤذيها...اغلقت الباب ببطء و اتجهت للحائط المجاور له تشعل الضوء...فكان نصيب عينيها رؤية ملابسة المعلقة على المشجب...زاد ارتعاش شفتيها و برودة روحها تزداد...خطت اليه بعينين تزيغان من تكدس الدموع بهما...يبدو تجلد اليوم كله و ارتدائها زي المحاربة الباسلة حان وقت نفضهما عنها...فهي اكثر من يعرف كم تعاني...كم هي ضعيفة دون كرم...توقفت قبالة المشجب تلامس ملابسه فتسيل دموعها دون توقف...نزعت قميصه من فوق المشجب تقربه من انفها فتتسرب رائحته اليها...لا تعرف أهي حقا موجودة بقميصه أم باتت تسكن اروقة قلبها هي...اختلط قماش قميصه بدموعها فغطت وجهها به تبكي و تبكي بلا توقف...قلبها يحترق...روحها تتألم...كلها يموت دون كرم...قبلت قميصه مرات تستعيد فيها احساسها ببشرته حينما قبلت عنقه في قسم الشرطة...فلتت منها شهقاتها و هيئة وجهه المكدوم تزيد من تألمها...ضمت القميص الى صدرها تتوجه به نحو السرير...اختارت جانب كرم لتنحني و تتوسد وسادته بينما يديها تقرب قميصه من صدرها...تريد أن تشعره...تشعر كرم بهذا القرب...ان يبقى امامها لا خلف قضبان بمفرده...ما عادت تمتلك من التحمل و لو قليلا فعلا صوت بكائها...كتمت نحيبها في وسادته فتشربت خيوطها دموع وجعها و عشقها له...همهمت بصوت مختنق و الألم يتفاقم في روحها...
(عُد لي سريعا...ارجوك لا احتمل العيش دونك...قلبي يؤلمني يا كرم)
********
دق على باب هذه الشقة الصغيرة في الطابق الأرضي و وقف ينتظر الرد...بعد لحظات فتحت له امرأة ممتلئة الجسد نوعا ما تناظره بتعجب و خلفها تجمع عدد كبير من الأولاد...سألته بوجه مترقب بقلق...
(نعم...ماذا تريد؟!)
تلكأت نظرات داغر بتربص مخيف على اولادها ثم رفع عينيه اليها قائلا بهدوء...
(هل هذا منزل الست كوثر الممرضة؟)
حاوطت المرأة اولادها تخفيهم بشكل دفاعي و ان كان غير مقصود خلفها و تقول...
(نعم انا كوثر...من أنت و ماذا تريد؟!)
نظراته ترسل بداخلها شعور غريب بالرعب رغم انه ينظر بشكل عادي...محتمل لأن زيارة رجل غريب في وقت كهذا شيء لم يحدث من قبل و يثير الريبة...انتبهت له يتحدث بخفوت هذه المرة بعدما راقب المكان حوله جيدا...
(اولاد الحلال دلّوني عليك و قالوا انك من يستطيع مساعدتي)
انقبض قلبها خصوصا و ان أمر الفتاة التي ماتت و تخلصت منها مع الطبيب لم يمر عليه الكثير...تراجعت للخلف تسأله بصوت مهترئ...
(مساعدتي في ماذا؟!)
الخطوات التي رجعتها تقدمها هو و كأنه يخبرها بشكل مبطن أن لا فكاك مني...راقب وجهها الباهت و نظراتها المترقبة فقال بنفس الخفوت...
(لدينا فتاة حملت دون زواج و نريد ان نجهض الطفل قبل ان يعرف أهلها)
ارتعشت شفتاها بوهن تقول بتلعثم...
(و ما دخلي أنا؟!...أنا اعمل ممرضة في عيادة نسائية محترمة لا يحصل بها مثل هذه العمليات)
زم داغر شفتيه بتفكير قبل ان يقر أمرا واقعا و يلزمها به...
(لا اقصد عيادة الدكتورة...أنا أقصد شقة الدكتور في حي "...")
انفرجت عيناها و جف حلقها فتمسكت بباب الشقة تغلقه بينما تقول بصوت يوشك على البكاء...
(انا لا اعرف عن ماذا تتحدث!)
وضع داغر قدمه يحيل بين درفتي الباب و غلقهما ليقول بصوت يصيبها برجفة...
(يا ست كوثر قلت لك اولاد الحلال دلوني فلا تغلقي بابك في وجهي...ثم أنا جاهز لدفع الثمن الذي تريدين من ألف الى خمسين الف غير اكراميتك)
تراخت كفاها من فوق الباب تردد بتفكير...
(خمسون ألف!)
هز داغر رأسه قائلا بتصديق...
(نعم...فقط ساعديني لنُخلص البنت من حملها)
ادخل يده في جيب بنطاله يخرج ورقة بيضاء و يمدها لها قائلا...
(هذا رقمي...نريد اجراء العملية اليوم قبل غدا فلا تطيلي التفكير)
راقبت المكان حولهما جيدا قبل ان تمد يدها و تأخذ الورقة لكن تمسك داغر بها جعلها ترفع وجهها اليه بتعجب فرمقها بنظرة غير مفهومة قائلا...
(يمكننا ان نوفر للدكتور مكان إن أراد بعيدا عن عيادته)
حدقت في وجهه بتوجس فترك الورقة لها يبتعد عن الباب و يقول ببساطة...
(من دلني عليك اخبرني ان العيادة مغلقة منذ فترة)
هربت انفاس المرأة منها بعدما القى سلامه قائلا...
(سأنتظر اتصالاك من الآن و إن تم كل شيء كما نريد سندفع ما تريدون...سلام)
اغلقت المرأة الباب خلفه تقبض على الورقة في كفها...صوت اولادها جعلها تنظر لهم بتفكير...منذ اغلق الطبيب عيادته و هي لا تجد ما تسد به هذه الأفواه العديدة و الجائعة...ربما لم يمر سوى ايام لكنها حقا فارقة...فمثل هذه العمليات كانت تحدث بشكل يومي و تدر عليهم بالمال...و الآن ماذا؟!...دق بابها خمسون ألف دفعة واحدة فهل تقول لهم لا...
خرج داغر من مدخل بيتها يتحرك بوجه اسودت ملامحه...على مدار الساعات الماضية كان يتصل بكل من يعرفه و يستفسر منه عن عيادة تقوم بمثل هذه العمليات في الحي الذي ذكرته هدير في رسالتها...و لأول مرة يصدق ان صحبة السوء لهم نفع فقد ارشده معارفه في ساعات قليلة على المكان...ابلغوه بمن يعمل به و متى اغلق و اختفى اصحابه...لقد فعلوها بعدما قتلوا هدير و القوها في الشارع... يقسم انه سيحرقهم جميعا...توقف فجأة بعدما اشتد وجع كتفه فانحنى يلتقط انفاسه بصعوبة...استقام بعد لحظات يمسد عليه مهمها بوعيد...
(هانت بقي القليل...)
********
صباح اليوم التالي...
اغلق قفل الحقيبة ثم استقام بملامح حُفر الحزن عليها يناظر ميرنا الجالسة على السرير تحاول جاهدة أن تصل لوالدها عبر الهاتف...تنهد باهر بأسى مما يحصل لهم مؤخرا...فالجميع بلا استثناء يتأذى بشدة و السبب والدته...لقد استغلت ميرنا و هوسها بوالدها اسوء استغلال و ها هي تعاني نتائج اشتراكها في تلك الجريمة و تتألم...رغم انها مذنبة لكنه لا يستطيع أن يُعنفها أو يشعر بالخزي منها بنفس الدرجة التي يشعرها مع والدته...ميرنا شخصية يسهل التلاعب بها و ليست شخصية سيئة و لذا يؤلمه قلبه حقا على ما تمر به الآن رغم استياءه مما فعلته...اقترب منها يقول بهدوء متضامن...
(لا أظن سيجيب على اتصالاتك ميرنا)
هزت رأسها رفضا بينما دموعها تسيل و يظن انها لا تشعر بنزولها من الأساس...رفعت الهاتف مجددا الى اذنها تقول برجاء باكٍ...
(يجب أن يجيب علي...أن اسمع صوته...لا أصدق أنني خسرت أبي يا باهر...أنه حياتي كلها لا استطيع العيش و هو يكرهني هكذا)
انتهى الاتصال بلا رد فتوقفت كلماتها لتشهق عاليا بألم نابض من روحها...انحنى باهر يلامس شعرها بحنان قائلا...
(والدك مصدوم مما صدر منك لكنه لا يكرهك ثقِ بهذا)
نكست رأسها للأسفل تبكي بندم...
(لقد حطمت أبي باهر...خذلته)
جلس جوارها يضم كتفها الى صدره مهادنا إياها بالقول...
(خطاؤك كبير ميرنا و الغفران فيه شيء صعب لكنه ليس مستحيلا...والدك خسر بسبب ما فعلتموه كثيرا...خسرك أنت قبل أي شيء و خسر الإنسانة الوحيدة التي اختارها ليكمل معها عمره...خسر عالما كاملا فما يمر به ليس سهلا)
غطت وجهها بكفيها تبكي على صدر زوجها تلعن كل لحظة استمعت فيها للبنى و وافقتها...لقد دمرت كل شيء بغبائها...حتى الاعتذار ها هنا لن يجدي...شعرت بذراع باهر تضمها اليه أكثر فهمست بصوت متقطع...
(لماذا لم تكرهني بعد فعلتي يا باهر؟!...أنا استحق ان أُعاقب كوالدتك تماما)
صمت باهر لوقت اصابها بالخوف فهو الوحيد المتبقي لها من الدنيا بعد والدها...لكنه حينما تكلم تقلص قلبها من نبرة صوته و حروفه التي جلدتها...
(أنا مصعوق مما اقترفتما حقا و لا أصدق حتى هذه اللحظة أنه يخرج منكما هذا الفعل...لكن كونك تعترفين بخطائك و تندمين عليه و تسعين لإصلاحه يخفف عندي وطأة الأمر...أما أمي فهي صدمتي الحقيقية و التي هزت كياني كليا...لم اتخيل يوما أنها تفكر بهذه الطريقة و فوق كل ما فعلت لا تشعر بالذنب ابدا!!)
انزلت ميرنا كفيها عن وجهها تنظر للفراغ امامها بنظرة سوداء و تهمس...
(والدتك دمرتني باهر...)
تغضنت ملامحه بالألم ليهمم بقلب يعتصر...
(أمي دمرت كل شيء...)
ابعدها عنه يستقيم واقفا ثم يقول...
(الحقائب انتهت دعينا نذهب...)
مسحت دموعها ببطء تهز رأسها موافقة ثم تستقيم و تتجه الى باب الغرفة بعدما طلب منها...
(اسبقيني أنتِ سأجلب الحقائب و آتي خلفك)
نزلت الدرج و عيناها متعلقتان بهاتفها تأمل أن يعاود والدها الاتصال...ألم يشتاق لها...ألم يحن لابنته...مخطئة و تعترف لكنه والدها لو حرمها من العفو من سيعفو عنها؟!...لم تشعر بانتهاء الدرج سوى حينما وصلها صوت لبنى الغاضب..
(سترحلان!!)
رفعت ميرنا بصرها لها ترمقها بحدة كارهة...لم تتحمل الصمت أكثر فصرخت في وجهها بوجع...
(أنتِ سبب كل شيء...خسرت أبي و حياتي كلها بسببك...أنا أكرهك و لا اتحمل البقاء معك في مكان واحد)
احتدت نبرة لبنى بينما تهدر بميرنا...
(الآن أصبحت السبب بمفردي و أنتِ ماذا؟!...أنتِ لست افضل مني ميرنا...نحن الاثنتان متشابهتان)
صرخت ميرنا بهستيرية جعلت باهر يهرول على الدرج تاركا الحقائب أعلاه ليفصل بينهما...
(أنا لست مثلك ابدا...أنتِ من خططت و اتفقت مع الرجل و الخادمة...أنا رفضت ان تفعلي هذا...رفضت ان نبعدها عن أبي بهذه الطريقة)
ضحكت لبنى ساخرةً تردف...
(كاذبة...أنتِ من وقفت أمام والدها تشهد زورا و بكامل قواكِ العقلية)
بهتت ميرنا في وقفتها و قد اخرستها كلمات لبنى فتراجعت للخلف بذهول...انها بشعة كما لبنى تماما...انها لا تستحق أن يُغفر لها ابدا...اقترب باهر منهما يسحب ميرنا المتخشبة للخلف بينما يتمالك اعصابه بصعوبة ليقول بصوت مكتوم..
(رجاءً يكفي أمي... يكفي)
ناظرته لبنى بحدة فصرخت به مستنكرة رد فعله…
(تسامحها و تقف معها و أنا أمك تهددني بترك البيت...ستتركني وحدي و تعاقبني بينما هي تقف في صفها!)
اشاح باهر بعينيه بعيدا عنها يقول بحزن...
(لم تتركِ لي خيارا آخر...)
نظر لزوجته اسفل ذراعه يقول بطلب..
(دعينا نذهب ميرنا و السائق سيجلب الحقائب)
تحركا معا تجاه الباب فهدرت لبنى بعنف غير مصدق انها ستسخر ابنها الوحيد...
(باهر ما تفعله خطأ في حقي و لن أقبل به...هل ستتركني بمفردي هنا؟!!)
وصلا الى الباب ففتحه باهر ببطء لتخرج ميرنا ثم التفت بنظرات حزينة تكاد دموعه تهطل منها ليهمس...
(ليس سهلا ما أفعله اقسم لك...لقد سلبتي مني احترامي لك و لا يمكنني أن ابقى هنا و أنا لا...لا احترمك(
اهتزت لبنى في وقفتها بعدما صرح ابنها بهذا...اغرورقت عيناها بدموع أبت ان تذرفها بينما تهمهم بكبرياء يتفتت...
(لست مخطئة)
اسبل باهر اهدابه بيأس و أسى فحتى هذه اللحظة و أمه تنكر اقترافها لجرم كهذا...همس بقلب موجوع وداعه لها
(اتمنى ان تكوني بخير دوما... الى اللقاء أمي)
اغلق الباب خلفه دون اضافة المزيد فتحركت لبنى حولها بغيظ مما يحصل...وصلت الى طاولة صغيرة فأطاحت المزهرية من عليها لتصرخ بعدها بغضب...
(ستندم باهر على ترك أمك...كلكم ستندمون)
********
خرجت غسق من بيت المراكبي بحذر خوفا من أن يراها والداها...رفعت رأسها تراقب شرفة شقة والدها و حينما وجدتها فارغة تنهدت ببعض الراحة...توجهت سريعا تجاه بيت أيوب حتى بلغته فوجدته ينتظرها أمام بقالة أمه...اقتربت منه تقول بجدية...
(دعنا نذهب سريعا فيجب أن أعود قبل أن تذهب فاطمة و زوجها الى قسم الشرطة)
نظرات أيوب كانت رافضة فانتقل رفض روحه الى لسانه قائلا...
(يا دكتورة ذهابك الى هذه الأماكن خطر عليك و أنا لن اسمح بأن تتأذي)
اردفت بتصميم لن تتراجع عنه...
(لن أتأذى لا تقلق)
تنهد أيوب بصبر يهدد بالنفاد فكل ذرة به تود لو يأتي بداغر تحت قدميه و يسفك دمائه ليستريح...النذل الذي استباح عرض صاحبه و حاول قتل والده و ختمها بتوريط كرم لا بد له ان يُقتل...انتبه لسؤال غسق المتعجل
(هل سيتأخر سيد؟!!)
قلّب أيوب بصره فيما حوله ينتظر ظهور سيد بينما يجيبها...
(لا... يجب ان يأتي الآن)
ذكر اسم سيد الآن جعله يغمض عينيه بتعب حقيقي و ترقبا للقادم...فتحهما يقول بهمٍ كل ساعة يزداد
(و هو ايضا انفلتت اعصابه بعدما عرف ما جرى لكرم...لا أعرف حقا كيف سألجم غضبه لو وصلنا الى داغر)
اشاحت غسق بعينيها عنه تداري غضبها هي ايضا...فقط لو رأت داغر امامها ستقتله بيدين عاريتين نكالا لما فعله بكرم...و بها!...زفرت انفاسها بخفوت تقلل من حدة انفعالها حتى لا ينتبه أيوب...رفعت بصرها سريعا الى سيد الذي وصل صوته لها قبل ان يصل اليهما...
(أخي أيوب السيارة جاهزة عند مدخل الحي)
سأله أيوب بترقب متريث فهو يحمل فوق عاتقيه سلامة غسق و سيد و لا يمكن ان يتهاون بها...
(أي سيارة؟!)
لاحظت غسق تأجج الغضب في ملامح سيد و كأنه يكبل نفسه بشق الأنفس فقال بخشونة...
(استأجرتها لنبحث عن ذاك الكلب)
استوقفه أيوب بسؤاله...
(هل تظن سنجده هناك بعدما هرّبه أحدهم منك؟)
احتدت نبرة سيد بحمائية يقول...
(لا لن نجده هناك و لكن علينا تتبع مساره من هناك فحتما سنجد ما يدلنا إليه)
وافقه أيوب الرأي فأستعد للذهاب لكن سيد توقف يناظر غسق بتأهب و يعود يسأل أيوب...
(هل ست غسق ستأتي معنا؟!)
نظرة أيوب كانت كافية للرد فعاد سيد لغسق قائلا برفض...
(مستحيل...نحن سنذهب لأماكن لا يصح دخولك لها يا ست غسق)
سبقتهما غسق في خطواتها بعدما قالت بقرار محسوم من قبل...
(دعونا نذهب الوقت ليس في صالح كرم)
تبادل سيد النظرات المتجهمة مع أيوب حتى قال الأخير باستسلام...
(هيا يا سيد فهي معنا و لن نسمح بأن يطالها اذى)
ضرب سيد كف بكف ينفث عن غضبه المتفاقم ثم يتحرك خلف أيوب و غسق نحو السيارة...لا يصدق حتى هذه اللحظة ان كرم قُبض عليه!!...
في ورشة الميكانيكا...
أوقف عادل المطرقة عن الدق بعدما لمح أحدهم يدخل الورشة...انحنى يضعها في صندوق ادواته و يلتقط قماشة قديمة يمسح بها كفيه اثناء تحركه الى باب الورشة و لسانه قد بدأ يرحب بالزبون...
(مرحبا...هل تريد أي خدمة؟!)
انتبه سيد الى مصدر الصوت بعدما بحث عنه فور دخوله و لم يجده فتقدم منه قائلا بتجهم لا يتمكن من التخلص منه...
(السلام عليكم يا ريس عادل...أنا سيد)
اتسعت بسمة عادل بينما يخطو الى سيد قائلا بحبور...
(و عليكم السلام يا سيد...الورشة زادت نورا و الله...كيف حالك طمئنني ألا يزال جرحك يؤلمك؟!)
بالكاد تمكن سيد من رسم بسمة ودودة يرد على عادل...
(الحمد لله حالي افضل بكثير...سلمت يا ريس عادل)
ربت عادل على كتف سيد قائلا بدعوة سعيدة...
(الحمد لله و قريبا ان شاء الله ستزيل الضمادة...تعال اجلس لنحتسي الشاي معا)
امتنع سيد بقول لطيف...
(أود أن اشاركك يا ريس عادل لكني منشغلا و يجب أن اعود سريعا.. قد جئت فقط لأسأل عن شاب ما)
بتفهم اقترب منه عادل متسائلا ليقدم خدماته ان استطاع...
(لا تحمل هما و قل لي عن أي شاب تبحث لربما ساعدتك)
وصل سيد لما اراد منذ دلف الى هنا فألتف سريعا الى باب الورشة يؤشر على بيت قريب قائلا...
(قيل لي انه يسكن في هذا البيت تقريبا في طابقه الثاني)
تجهمت ملامح عادل بشدة و انسحب كل التفهم منه ليقول بنبرة جامدة...
(ماذا تريد من شاب مثل هذا؟!)
تريث سيد في قوله فيبدو بقاء عادل في هذا الحي عرّفه على خبايا الناس هنا...
(أحدهم قال لي أنه ربما هو من ضربني و سرقني)
لانت ملامح عادل كثيرا يهز رأسه متفهما فيقول بما يعرفه...
(لكنني لم أره منذ مدة حتى انه ظهر و اختفى مجددا...سيد لا تشتبك مع مثل هؤلاء الشباب و أبلغ الشرطة افضل لك)
هز سيد رأسه متفهما بعدما فرت منه زفرة خيبة أمل فحتى الآن لم يصل لأي شيء يساعد كرم!...خرج من الورشة متوجها الى السيارة حيث أيوب و غسق...فتح الباب و ركب بينما يقول...
(للأسف لم أصل لأي معلومة فهو غائب عن الحي منذ كنت هنا أخر مرة)
نظرت غسق في ساعة معصمها متنهدة بقلة صبر فقالت...
(لن نيأس من اول محاولة...و الآن علي الذهاب الى قسم الشرطة لأن فاطمة و زوجها على وشك الوصول)
اومأ لها أيوب متفهما فأدار المحرك و قد خص سيد بقوله...
(سنوصل الدكتورة الى قسم الشرطة و نستكمل أنا و أنت بحثنا عن داغر)
تعلقت نظرات غسق بنافذة السيارة المجاورة لها...تدعو من قلبها ان يصلوا في أسرع وقت لهذا الشاب...فهو وسيلتهم الوحيدة للشابين اللذين قاما باغتصابها و إن وجدتهما ستجد داغر هي أكيدة من هذا...
قسم الشرطة...
حمل حسام حقيبته الجلدية في يد و تمسك بكف فاطمة بيده الأخرى...يساعدها لتنزل هذه الدرجات الفاصلة بين قسم الشرطة و الشارع...وجهها المتعب لا يريح قلبه خاصةً بعد ما حصل لكرم و ما حدث بالداخل اثناء تواجدهما أمام الضابط...القضية صعبة و التهمة ملتصقة بكرم و الضابط يود ان يرحلها الى النيابة في اسرع وقت...توقفت فاطمة قبل ان ينتهي السلم تلتقط أنفاسها بتعب جعل حسام يتوجس متسائلا...
(فاطمة أنتِ بخير؟!)
قضمت شفتها بوهن قبل أن تجيبه...
(بطني تشنجت قليلا...لا تقلق)
اقترب منها قائلا بصوت متخوف...
(تبدين مرهقة هل نذهب للمشفى كي نطمئن؟!)
اسبلت اهدابها تداري دمعتها المتألمة على أخيها و تهمس...
(ما يرهقني هو حال أخي يا حسام...كرم إن لم نجد من ورطه في هذا سيُسجن و يضيع عمره ظلما)
حثها على استكمال النزول بحنان بينما يقول...
(سنبذل كل جهدنا ليخرج لا تفكري سوى في هذا...الضغط العصبي ليس جيدا لأجلك و لأجل ابنتنا)
رفعا وجههما الى غسق التي وصلت توا تسألهما بصوت لاهث..
(هل انتهيتما بهذه السرعة؟!!)
وقف حسام قبالتها بعدما نزل مع فاطمة الى الشارع قائلا...
(الضابط صعب التعامل و أدلة براءة كرم ليست كافية لذا جدد حبسه حتى نصل لها)
شعرت غسق بالضياع فهذه ليست الكلمات التي تمنت سماعها...كادت تفقد رباطة جأشها كما حدث بالأمس في غرفة كرم...كادت تبكي و تصرخ و تهرول الى الداخل تكسر قيود الحبس و تُخرجه...اغرورقت عيناها بدموع منهكة تقول بتيهٍ...
(لماذا؟!!...ماذا فعل كرم ليستحق كل هذا!!)
تأثرت فاطمة بوجع غسق فسالت دموعها قهرا على اخيها...تدخل حسام يقول بمهادنة ليخفف عنهما
(لا تفقدا الأمل لا يزال الطريق طويل و لم نصل للنهاية بعد)
صدح رنين هاتف فاطمة فنظرت لزوجها تقول بقلق...
(انها أمي...لا بد انها حاولت ان تهاتف كرم مجددا)
طمأنها حسام بهدوء...
(لا تتوتري و اجيبِ عليها و ان سألتك عنه افعلي كما يفعل خالد و صالح و اخبريها انه في الميناء)
تابعت غسق فاطمة و خطواتها البطيئة و المبتعدة عنهما قليلا لتجيب على والدتها...شعرت بأنها يجب ان تستغل هذه الفرصة لتسأل حسام عما دار في بالها الآن...لم يعد يهم التروي...لم تعد تهم الخسائر...لا يهم حقا سوى خروج كرم من هنا...
(ماذا يجب أن أفعل لو هناك أحد أشك به؟!)
سؤالها الخافت اوحى لحسام نيتها في التكتم عن معرفتها بشخص آخر متورط في هذه القضية...تفهم رغبتها في التكتم فقال موضحا...
(لو هناك أحد بالفعل فعلينا أن نبلغ الشرطة عنه كي تستدعيه و تحقق معه...و هذه الخطوة بالتأكيد ستكون لصالح كرم...هل هناك أحد بالفعل؟!)
سؤاله جعلها تتردد لثوان تزن فيهم كل شيء حولها...حجم المصائب التي ستحدث لو تأكد لهم بأنه داغر...لكنها كانت مجرد ثوان غلبهم خوفها على كرم و استماتتها في مساعدته...سحبت نفسا عميقا تنظر له بعينين حاسمتين و تقول...
(نعم...داغر السمري)



...يتبع...








AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 11:50 AM   #1244

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الواحد و الثلاثون





عادت للحي بمفردها بعدما ألح عليها حسام و فاطمة كي يوصلاها معهما...لكن فاطمة كانت متعبة جدا فلم تحبذ ان تتعبها أكثر لذا رجحت ان يعودا لشقتهما كي ترتاح و هي ترجع للحي...كانت منشغلة و مهمومة تسير في طريقها دون ان تبصر الناس حقا...كلهم خيالات غير واضحة فعقلها متخم بأفكار اهم من اعادة تشكيل لمجرد خيالات...لكن شيئا ما بداخلها دفع بها شعور انها مراقبة...هناك اعين مسلطة عليها لا تتزحزح...رفعت بصرها تنظر للناس حولها فتتهدل ملامحها بذهول...أهم يتفحصونها أم هي تتوهم؟!...ضيقت عينيها دون أن تتوقف خطواتها و في كل خطوة تحس بأنها تتعرى شيئا فشيء...ماذا حدث لهم ليرفعوا اعينهم فيها و لا يستحون حتى من التقاطها لهم؟!!...النساء بعضهن يملن على بعض و يهمسن بشيء يقشعر له بدنها حتى و إن لم تسمعه...لكنها تشعره و ما تشعره حقا مروعا!!!...وصلت الى بيت والدها تدخله سريعا خوفا من أن تلاحقها النظرات اكثر من هذا...ما أصعب أن يؤشر الناس عليك دون حياء و يهمسون عن عيبك أمام عينيك و انت المتيقن من انك بلا عيب!...
وصلت شقة والدها تفتحها بالمفتاح و تلج لكنها اجفلت حينما وجدتهما جالسين على كراسي طاولة الطعام ينظران صوبها بنظرات تشبه نظرات الناس بالأسفل...قلبها انقبض برعب ثم تأخر انبساطه لفترة جفت فيها الدماء من عروقها...ليعود نابضا بعنف فيرتفع معدل الدم حتى يضرب رأسها بقسوة...تتبعت جسد والدها الذي وقف بوجه متجهم للغاية يسألها بشكل مباشر سؤال عرفت بعده ان الأمر قد كُشف باكرا جدا...
(أين زوجك يا غسق؟!)
شحبت ملامحها قلقا و تعبا...جسدها بالكاد يحملها و الدنيا لا ترأف بها مطلقا بل كلما تقبلت مصائبها وضعت فوق عاتقها مصائبا أخرى...ابتلعت ريقها ببطء تخبر نفسها معه ان لا مفر الناس و اهلها قد عرفوا...انفرجت شفتاها تجيب بحروف تصرخ بالتعب...
(كرم برئ)
هبت والدتها واقفة و قد انفلت صمام صبرها لتهدر لزوجها بانفعال...
(أرأيت بعينيك يا ثروت أنني لم اخطئ في حكمي عليه؟!...أرأيت اختيار ابنتك الى أين وصل بنا؟!!)
(أمي كرم...)
جملتها الخافتة جعلت امها تلتفت لها و تقول بحدة آمرة...
(اصمتي غسق...اصمتي)
اهتزت روحها حقا من تعنيف أمها لها...هذا الاسلوب في التعامل تراه لأول مرة...رمشت بعينيها مرات متتالية دفعت دموعها لتتكدس حتى دون رغبتها حينما هدرت امل من جديد...
(قلت لك ألف مرة هذا الشاب لا يناسبك...قلت ان الجواب يظهر من عنوانه و ان لقائكما الأول خير شاهد على سوء هذا الشاب...قلت كل ما استطعت قوله لأحمي ابنتي التي في لمح البصر تبدل تفكيرها و وافقت على شاب مثله...وقفتِ ضدنا و تزوجته و اخبرت نفسي ألا بأس غدا سيخيب ظني به و سيكون زوجا تمنيته لك لكن الآن ماذا...الآن زوجك مسجون في تهمة مخدرات يا غسق...الآن سيرة عائلته على كل لسان في الحي...مصائبهم المستورة خرجت للعلن بعدما وقعوا...الكل يتحدث عن كرم و يقولون انه يدخل المخدرات للحي...يحكون عن هذه الفتاة قريبتهم التي ماتت و يقولون ان سبب وفاتها عملية اجهاض لطفل دون زواج...حتى أنتِ طالتك الألسن و بأذني سمعت عنك ما أحرقني يا غسق...أهذه هي الزيجة التي وافقت بها؟!)
عيناها انفرجتا على اخريهما و قد كستهما الدموع الحارقة...تتحركان بسرعة كبيرة على وجه امها الغاضب...تلتقفان كلماتها من فوق الشفاه قبل ان تسمعها أذنها...ما هذا الذي حدث بحق الله؟!...من نشر كل هذا الكذب و الافتراء على كرم و اهله؟!!...همست بخفوت متيقن و كأنها تحدث نفسها قبل والديها...
(هذا كله كذب...يجب أن اضع حدا لكل هذا)
التفتت تضع يدها على قفل الباب لتفتحه لكن أمها جذبتها للخلف بقوة تصرخ بها بصدمة فوق غضبها...
(أي حد ستضعينه و لمن؟!!...هذه العائلة صلتك بها انتهت و هذا رأي والدك ايضا)
تسارعت انفاس غسق بجنون تضيق عينيها و تسأل أمها بتوجس...
(ماذا تقصدين؟!!)
صوت أمها خرج جديا للغاية و أمرها كان مخيفا لكل حواس ابنتها...
(ستتطلقين من هذا الشاب)
بهتت ملامح غسق بإجفال بعدما اصابتها الصدمة بالخرس...شفتاها منفرجتان تزفران انفاسا تعاني خلف صدرها...ارتعشتا بضعف...بتوسل...و الم لا يحتمل...ابتلعت ريقها و دموعها تنهمر فتسأل والدتها بصوت راجٍ ألا تؤكد ما قالت...ألا تقتلها بطلبها هذا...
(أي طلاق هذا يا أمي؟!!)
نظرت لوالدها تستنجد به بقولها المتوسل...
(ابي قل شيئا...أنا لا أريد أن انفصل عن كرم)
بجمود ذبحها و زاد ألمها قال ثروت...
(هذا لمصلحتك يا ابنتي)
رددت خلفه برفض مذهول...
(مصلحتي!!!)
هدرت أمها بجنون و قد اوشكت على الانفجار من تمسك ابنتها بكرم...
(نعم غسق مصلحتك...بسببه سيرتك باتت على لسان أهل الحي و الذي لم يجرؤ أحد من قبل على قول شيء عنك)
يكفي...يكفي ما عاد هناك متسع من الروح لتحمل كل هذا الألم...أيطلبون منها أن تسلخ روحها بيدها...كرم سكن روحها و كيانها فكيف تبتعد عنه...و الأدهى ما يقال عنه من ظلم و افتراء...وقفت تناظر والديها برجاء كي لا يدفعاها لقول ما حرّمته على لسانها منذ أشهر طويلة...كانت تضعهما نصب أعينها و وافقت أن تتحمل العذاب النفسي و الوجع بمفردها...فضلت ألمها عن ألمهما أما الآن فكرم يحتاج أن تضعه نصب عينيها...وحده يستحق
(أنا أحب كرم و لا يمكنني الانفصال عنه)
اختلطت دموعها مع حروف اعترافها بحبه لأهلها...فما قابلها سوى تعنت و رفض والدتها...
(أي حب هذا تخسرين بسببه سمعتك؟!!)
و هنا قُطع حبل الصمت ففاضت الروح بأنين صارخ...فاضت و لا يمكن ايقاف فيضانها أي شيء...ستكتسح ما في طريقها غصبا عنها لكن السد الذي بنته من دموعها و رعبها انهدم و انتهى الأمر...صرخت بصوت معذب يشكو و يبكي كي يشعرا بها و لو قليلا
(أي سمعة يا أمي؟!...أي سيرة تظنين أنها تلوثت بسبب كرم...من تذمين به لولاه لكانت سيرتي دُهست بقدم الناس قبل وقت طويل...كرم ستر ابنتكما أمي...ستر شرفكما يوم منحني اسمه غير عابئا بأنني تعرضت لحادث اغتصاب)
الكلمات سياط كاوية تصل للقلب في غمضة عين تجلده و تقتله...اهتز جسد ثروت بضعف بعدما اختل توازنه فأسرع يمسك بطاولة الطعام بأيد ترتعش...أما أمل فكانت الأقرب لابنتها ترى في دموعها انعكاسا لأيام و ليالٍ عانت فيهما دون أن تشعر بها...قبضت على صدر جلبابها تسألها بأسنان تصطك و رعب ينتشر حتى عمق النفس...
(ماذا...ماذا تقولين يا غسق؟!)
شهقت عاليا و كأنها عادت بقدمها ليوم التقتهما بعد عودتهما من الحج...و كأن تلك الغسق وجدت فرصة لتصرخ...فقط تصرخ بما أصابها لهما دون غيرهما...ألهبت دموعها خديها بينما كلماتها تلهب ابواها بألم يحرق...
(كنتما كل شيء في حياتي...كل ما أملك...خفت عليكما من خبر كهذا...خفت ان اقتلكما ببشاعته...تحملت اياما ثقالا اكبح بها صراخي و اخفي دموعي و رعبي عنكما...فعلت كل هذا و كنت راضية لأنكما أحب الناس الى روحي أما الآن بات يوجد رجل يوازي كل حياتي...كل ما أملك...رجل وضعته مواقفه معي جواركما في نفس المكانة...رجل وهبني سمعته لأحتمي بها و وهبته قلبي بعدما أحببته...فلا يمكنني أن اتغاضى عن كلمة تؤذيه أو ظلم يقع عليه...آسفة لكن كرم يستحق)
سقط ثروت جالسا على كرسيه بلا حول و لا قوة فصرخت غسق و أمل بينما تتجهان نحوه بهلع...انحنت غسق على عاقبيها أمامه تتمسك برسغه و تتحسس نبضه بدموع لا تتوقف...هي حقا آسفة لما قالت لكنهما لم يمنحاها فرصة اخرى...رفعت وجهها الباكي اليه تسأله برعب جلي...
(أبي بماذا تشعر؟!...أبي رد علي أرجوك)
نكست رأسها بعدما اصابتها نظرات والدها الواهنة و الصامتة في مقتل...بكت بقهر على ما يمران به بسببها فهمست بأسف...
(سامحني أبي...و الله الموت عندي كان أهون من ان تعرفا لكنكما هكذا تظلمان كرم)
شعرت بكفه الآخر يرتفع حتى سكن وجنتها...يرفع وجهها اليه فترى الدموع في عينيه المتألمتين و سؤاله ينخر في روحها بلا رحمة
(هل كنت أبا سيئا الى هذه الدرجة كي لا ألاحظ وجع ابنتي؟!)
صوت بكاء أمها الواقفة خلفها كان يعلو فهزت رأسها بسرعة تنفي بشاعة هذه التهمة عنه بقولها...
(بل كنت أبا حنونا أكرمني عمري كله و أحبني كما لم يحبني أحد من قبل...انه قدري يا أبي و أنا تقبلته بمساعدة كرم...و الله تقبلته و رضيت بكل شيء فيه فلا تحمل نفسك فوق طاقتها)
سالت دموعه فوق خديه يقول بقهر...
(ذبحوا شمسي المشرقة...ذبحوكِ يا غسق)
علا صوت بكائها فدفنت نفسها في احضانه ليضمها إليه بقوة باكيا بينما يقول...
(سامحيني يا ابنتي لأنني لم أكن جوارك في مصيبتك...لأنني خفت أن يصح ظني و رضيت بتصديق قولك و انك بخير...سامحيني حبيبتي لأنني كنت دوما فخورا بكونك شجاعة قوية تقفين في وجه المخاطر...سامحيني لأنني نسيت انك فتاة يجب أن أحميها...فلتسامحي والدك يا غسق)
دست غسق وجهها اكثر تكتم بكائها في حضنه...هنا كما تمنت يومها...هنا المكان الصحيح لتبكي مصابها...شعرت بجسد والدتها التي انحنت تضم ظهرها اليها و تبكي بصوت مسموع...كم هي آسفة لهما!
مساء نفس اليوم...
دلفت أمل غرفتها بوجه متورم شاحب من كثرة البكاء...ابنتها كانت تحتضر تحت عينيها و هي لا تفهم...و مهما قيل في هذه الحالة لن يخفف وطأة الأمر عنهما...و على رغم كل شيء غسق تسعى لأن تخفف ذلك عنهما...راقبت جسد زوجها الجالس على جانب السرير يمنح ظهره لباب الغرفة...منذ عرفا ظهر هذا اليوم بما حصل و هو هكذا صامتا ساكنا بطريقة تثير خوفها...اقتربت منه تجلس جواره قائلة بصوت مبحوح...
(غسق نامت قبل قليل...اخبرتني انها تريد العودة لبيت المراكبي كي تبقى جوارهم)
هز ثروت رأسه متفهما دون رد مما جعلها تلامس ذراعه و تهمس بصوت مختنق...
(غسق بخير يا ثروت على الأقل الآن...ابنتي تقبلت قضاء الله و قدره)
نظر لها بنصف وجهه ليهمس بصوت واهن...
(و حتى تصل لهذه المرحلة من الرضا كم عانت و تألمت!...احتوتها يد غريب بدلا منا...وقف جوارها و نحن كنا نظنه لا يستحقها)
تنهد بضعف يسألها بقلب يتفتت...
(قالت لك من هم؟!...من فعلها بها؟)
هزت رأسها نفيا تقول بغصة مريرة...
(قالت لا تعرفهم و ليسوا من الحي)
نكست امل تخفي دموعها فتنهد زوجها كمن يبكي قائلا...
(ابنتي كانت تحميني و أنا غفلت عن حمايتها...)
قاطعته أمل ببكاء خافت ترجوه...
(لا تقل هذا يا ثروت...ما عاد ينفع بعد الآن و لن يعيد ما ضاع منا...غسق مرت بتجربة صعبة خسرت بها كل شيء لكن الله وضع لها من يعينها على تخطيها)
رفع ثروت رأسه للأمام يناظر الفراغ مرددا بشكر نابع من ابوته لخصه في كلمة واحدة...
(كرم...)
*********
اغلقت زر العباءة السوداء ثم استندت على سريرها لتستقيم...اغمضت عينيها بألم حينما شعرت بالتعب...كلما زاد الحمل يوما جديدا كلما زاد وهنها...لكنها لن تتراجع لتؤمّن له مستقبلا مختلفا عن حياتها...تنفست بصورة منتظمة لتستقيم ببطء بعدها...كفها تحرك الى ظهرها تمسد عليه ثم الى بطنها تطبطب على ابنها هامسةً...
(لدينا يوم طويل كن صبورا و تحملني)
توجهت الى المرآة الصغيرة المعلقة على جدار حجرتها تجمع شعرها بضعف ثم تنحني تلتقط وشاحها و ترميه على شعرها استعداد للخروج...توقفت عند باب الغرفة حينما ظهرت هيام بنظرة حزينة تقول برفض...
(ستنزلين للعمل يا فلك ألا زلت مصممة؟!)
تخطتها فلك بهدوء حتى خرجت من الغرفة تقول...
(نعم...)
امسكتها هيام من ذراعها تنظر لبطنها قائلة...
(حملك صعب و يسبب اجهادا لك فأي عمل هذا الذي توافقين عليه؟!!)
افلتت ذارعها من أمها تقول بنفس الهدوء...
(رغم ما يمر به الحي و انشغال ايوب بأمر كرم إلا انه وجد لي عملا كما وعد و لا يمكنني رفضه...و إلا من أين سنأكل؟!)
اسرعت هيام تقول بجدية...
(أبقِ أنتِ هنا و أنا سأعمل و...)
(لن ينفق على ابني غيري...)
جملة فلك كانت حازمة و مصممة...جملة جعلت هيام تشعر بالذنب من جديد فتهمس بعدما اشاحت بوجهها عن ابنتها..
(لا تخافي فلك لن أخدم في البيوت أو ابحث عن زيجة مجددا...يمكنني أن استلم هذا العمل بدلا عنك...فقط ارتاحي أنتِ و ابنك)
تنهدت فلك بخفوت تقترب من أمها قائلة بتروٍ...
(المشكلة باتت لا تكمن بك هيام...أنا لن أسمح بأن ينفق على ابني سواي...لن أجعله يواجه نفس مصيري او يولد ليجد نفسه لقمة سائغة للدنيا و الناس...سأعمل و اجني المال لأجله حتى يعيش مستورا لا يحتاج أحد)
قاطعتها هيام بوجع...
(لكن يا ابنتي....)
ابتعدت عنها فلك تقول بحزم...
(دون لكن أمي...علي الذهاب الآن كي لا اتأخر)
تركتها و تحركت بصعوبة واضحة الى باب الشقة تخرج منه و تغلقه خلفها...تأوهت هيام بصوت مسموع لتنفرط دموعها بحسرة و تهمس بندم...
(آه يا حسرتي على شبابك يا فلك...انا السبب يا ابنتي فليسامحني الله و يغفر ذنبي)
خرجت فلك من باب البيت تسحب وشاحها فوق شعرها بعدما انزلق...نظرت حولها للنسوة اللائي تجمعن في زوايا الحي...هزت رأسها بامتعاض مما يفتعلن...ما يحدث في الحي هذه الأيام جعل لهن حديثا لا ينضب و اقاويلهن تتكاثر دون حساب أو خوف من الله...تلاقت نظرتها مع إحداهن فلاحظت كيف تسمرت على بطنها ثم اشاحت بوجهها بعيدا عنها تندمج مع قريناتها في الخوض في سير الناس...شعرت بالتقزز منهن و ما يفعلنه من بشاعة...بالأمس القريب كانت تعاني من لسانهن و تقسم لولا مشاكل بيت المراكبي الحالية لكانت سيرتها ذيع صيتها ليل نهار...فابنة هيام عادت للحي من جديد و ليس بمفردها بل حامل...حثت خطاها على المضي قدما تدعو الله ان يوفقها في عملها فقط لأجل طفلها...كي تنتشله من هنا و تجعله يكبر بعيدا عن قول أو نظرة قد يدمرا حياته كلها...
أمام باب مشغل للخياطة...
(هل أنتِ فلك التي كلمني عنها الريس أيوب؟)
وقفت فلك أمام صاحبة المشغل تهز رأسها قائلة...
(نعم أنا...)
ناظرت صاحبة المشغل بطنها قليلا قبل أن تقول...
(لقد اوصاني عليك كثيرا لذا وجب أن أوضح لك العمل هنا...فكما أرى أنتِ حامل و العمل هنا كثير و متعب فقد يتطلب الجلوس على ماكينة الخياطة يوم كامل و هذا سيكون صعبا عليك)
أسرعت فلك تقول بنفي...
(لا تقلقي سأكون بخير فأنا معتادة على العمل...لكن سأحتاج من يدربني لوقت قصير على استخدام ماكينة الخياطة لأنها مرتي الأولى)
هزت المرأة رأسها تفهما تبتسم و تقول...
(لا تخافي الريس أيوب اخبرني بذلك...سأخصص لك فتاة من العاملات في المشغل ستعلمك كيف تستخدمين الماكينة حتى تشعرين بأنك قادرة على فعلها بمفردك)
شعرت فلك بالامتنان لأيوب و ما يفعله معها...فمن يره هذه الأيام في الحي يتمكن من استشفاف الحزن و التعب على ملامحه لأجل كرم...لكنه يسعى ليفي بعهده معها...ابتسمت فلك بسمة صغيرة تومئ برأسها موافقة لكنها ترددت و هي تسألها...
(هل يمكنني معرفة قيمة الراتب؟)
تكلمت المرأة بوضوح و بساطة ترفع الحرج عنها...
(و الله الراتب للمبتدئين ليس كبيرا فأنتِ ستستغرقين فترة في التدريب...لكن ما يمكنني قوله أنه كلما زادت ماهرتك زاد راتبك و لا تقلقي في مشغلي كلنا نؤازر بعضنا و أنا لست رئيسة صعبة التعامل في أي وقت تحتاجين لشيء يمكنك طلبه مني)
منحتها فلك بسمة مستبشرة خير...الرضا هو ما يملئ قلبها الآن...ستبذل كل جهدها لتوفر احتياجاتها و احتياجات طفلها بالتأكيد...انتبهت لسؤال صاحبة المشغل
(متى يمكنك بدء العمل؟)
اجابتها فلك بنبرة احتياج لبدء حياة جديدة في الحال...
(الآن إذا أمكن...)
ضحكت المرأة بخفوت تردف...
(بالطبع يمكن...)
ثم توجهت الى باب المشغل تفتحه و تسأل فلك الدخول...و بعدما دخلت وجدت العديد من الفتيات و السيدات تجلسن خلف ماكيناتهن بينما الضحك و السمر ينتشر بينهن...و كأنهن تخلقن جوا مختلفا عن أي مكان...انتبهن جميعهن لرئيستهن حينما اشارت عليها و قالت...
(رحبن يا فتيات بعاملتنا الجديدة)
انهالت عليها عبارات الترحيب الحارة و كأن كل من هنا يعرفها و يبارك خطوتها...اتى صوت صاحبة المشغل مجددا بينما تؤشر على فتاة و تطلب منها بلطف...
(نيرة ستساعدين فلك لتتعامل مع الماكينة...أريدها خياطة لا مثيل لها بعد أسبوع)
اقتربت فتاة ربما في السابعة عشر من فلك تضحك ملء شدقيها و تكلم الرئيسة...
(من عيني يا ست تهاني....)
ربتت تهاني على كتف فلك تقول ببسمة مريحة...
(الآن لست غريبة بينهن سأتركك معهن لأنهي اشغالي في الدور الثاني)
اومأت لها فلك بشكر تتبع خطواتها فتراها تصعد سلم صغيرا يؤدي لطابق علوي يحتوي على غرفة واحدة تبدو مكتبها...عادت ببصرها للفتيات اللائي تجمهرن حولها يسألنّها اسئلة عديدة فابتسمت تجيبهن...
(المشغل زاد نوره يا فلك...من أي حي أنتِ أم انك من مدينة أخرى؟)
و قبل أن تجيب التفتت لواحدة منهن قد جلبت لها كرسي تضعه خلفها قائلة بحزم في البقية...
(انتظرن يا بنات فيجب أن تجلس و تستريح أولا فهي اثنان لا واحد)
ضحكن الفتيات يرمقن بطن فلك بسعادة و كأنها زميلة لهن من سنوات طوال قد اسعدهن خبر حملها...جلست فلك تشكرهن ببسمة حلوة ثم تسمع صاحبة السؤال تطرحه من جديد فتجيبها...
(لست من مدينة مختلفة أنا من هنا...و أسكن في حي المراكبي)
صدر صوتهن المتضامن فقالت بعضهن...
(يا لها من مسافة انك هكذا تسكنين على الجهة الأخرى من الميناء)
ابتسمت لتردف بهدوء...
(ليست مسافة كبيرة لهذه الدرجة...)
وصلهن صوت تهاني من الأعلى بينما تأمرهن بمرح...
(هذا يكفي يا بنات فلتعدن لعملكن لأنني لن أخرجكن من هنا إلا بعدما تنهين كل قطع اليوم)
رجعن بمرح تضحكن الى ماكيناتهن و قد استعدت فلك للقيام من كرسيها كي تتوجه الى نيرة المسؤولة عن تعليمها لكنها توقفت بعدما قطعت فتاة في مثل عمر نيرة طريقها تسألها بفضول خجول...
(هل أنتِ حقا من حي المراكبي؟)
اومأت لها فلك ببسمة صغيرة فأردفت الفتاة بحرج...
(أنا شروق و قد ساعدت واحدا من حي المراكبي من قبل...أنا و أخي نقلناه للمشفى...أريد أن أعرف كيف أصبح الآن لأن جرحه كان عميقا)
لامست فلك خجل الفتاة فسألتها بتفهم حنون...
(أي واحد تقصدين؟)
اجابتها شروق ببسمة متسعة و وجنتي حمراوين...
(سيد...هكذا كان اسمه)
غامت عينا فلك بحنو تجيبها...
(لا تزال الضمادة على رأسه لكنه بخير...)
همهمت شروق بصوت خافت...
(الحمد لله...)
صوت نداء نيرة العالي جعل فلك تتوجه اليها ببعض الصعوبة مما جعل شروق تسرع و تتمسك بكفها قائلة ببشاشة...
(دعيني أساعدك...)
اومأت لها فلك بموافقة تشكرها بعدها بكلمات صادقة...قلبها مرتاح لهذا المكان من يدري ربما هنا ستجد ذاتها التي تنشد
********
بعدما هاتفتها فاطمة تخبرها في أي ساعة سيتقابلون في قسم الشرطة و قد جهزت نفسها و ابلغت أيوب ان يستكمل بحثه مع سيد دونها اليوم...خرجت من بيت المراكبي تتجه الى خارج الحي و كما حدث من قبل ها هو يحدث...النسوة يرمقونها بنظرات تشعل فتيل غضبها...تغاضت عنها تستكمل طريقها لكن حديث بعضهن وصلها و كان سيئا في حق كرم فلم تتمهل للحظة...وقفت في منتصف الشارع أمام النسوة تقول بصوت محتد غاضب...
(ماذا تقلن عن زوجي؟!...ها أنا اسمعكن بنفسي!!)
ناظرتها النسوة بنظرات متباينة...بعضهن شعر بالحرج و الخوف و بعضهن ابتسم ساخرا...هدرت غسق مجددا حتى خرج من لم يخرج بعد من بيته ليشاهد ماذا يحدث من جديد...
(أليس هذا كرم الذي نشأ بينكم؟!...كيف تفترون عليه و تصدقون اكاذيبكم في حقه؟!...ألا تخافون الله؟!!)
همهمت احدى النساء في أذن صديقتها فأوقفتها غسق بصوت حاد...
(ماذا تقولين لها ها انظري من يدافع عن من فكرم و زوجته باتا سيرة لكنّ تلفقن لهما ما يعجبكن من تهم!)
رفعت رأسها بينهم جميعا تشعر بأن ما تفعله واجبا عليها...أن تحفظ سيرة كرم و اهله...فخرج كلامها كتهديد صريح...
(لا تتقون الله و تقولون على الناس ما تشاؤون حتى الموتى لم ترحموهم و تبتلون عليهم لكن اقسم انني إن سمعت حرفا يضر زوجي او عائلة المراكبي لن أرحم قائله...)
ركضت وجيدة الى غسق تتمسك بها و تسحبها معها نحو البقالة قائلة برجاء...
(اهدئي يا ابنتي نسوة الحي لا يفعلن سوى الكلام...)
تنفست غسق بحدة تقول...
(انهن لم يتركن حتى هدير رحمها الله في حالها!!)
زمت وجيدة شفتيها بحزن تقول...
(الله سيحاسبهم أشد حساب...)
ظهرت مودة من عند باب البقالة تقول بخفوت متردد...
(لا تشغلي بالك بهم يا دكتورة و لا تسمحين لهم بأن يستفزونك لتنزلي الى مستواهم)
شعرت غسق بأن مودة على حق...لقد انفلت منها عقال التعقل...لكن أي عقل هذا سيتحمل كل ما يحدث لكرم؟!...زفرت بخفوت تعتدل في وقفتها و تقول...
(لم يعد بي عقل يتأنى...)
تحركت مبتعدة عنهما فأوقفتها وجيدة بتساؤل قلق على كرم..
(ستذهبين الى قسم الشرطة يا دكتورة؟)
اومأت لها غسق بنعم فظلت وجيدة تدعو من قلبها أن يزيح هذه الفترة العصيبة عنهم جميعا و تظهر براءة كرم...
قسم الشرطة...
قطعت الرواق بسرعة حتى وجدت فاطمة و زوجها يقفان أمام مكتب الضابط فسألتهما بصدر يعلو و يهبط...
(هل احضروا كرم؟!)
راقب حسام فاطمة المتعبة بشكل كبير منذ استيقظت فجر اليوم بقلق بينما يتولى الإجابة هو...
(ليس بعد نحن ننتظر...)
اومأت له غسق بتفهم لترفع بصرها و تتفحص المكان حولها...اشتاقت له بطريقة لا توصف...تتمنى ان يظهر أمامها الآن لتُشبع روحها منه...حركة حسام الغريبة لفتت نظرها فتتبعته بعدم فهم لتستقر على جسد فاطمة التي التصقت بالحائط تتكور نصف تكور و تتأوه بصوت مسموع...اتسعت عيناها بصدمة تقترب منها مستمعة لحسام المتوتر...
(فاطمة ماذا يحدث؟!...)
تجعد جبهتها كان متعرجا بشكل كبير...شكل يدل على وجعها الذي لا يحتمل...اغمضت عينيها تقول بصوت متوجع و جسد تشنجت عضلاته كلها دفعة واحدة...
(لا أعرف يا حسام فجأة داهمني الألم...)
امسكت غسق بها تسندها الى جسدها و تتساءل بقلق...
(أين الألم فاطمة و هل يمكنك تحمله أم لا؟)
تكورت اصابع فاطمة على كف غسق تقضم شفتيها قائلة بألم..
(اسفل ظهري يزداد مع الوقت و لا يمكنني تحمله)
ابتلعت غسق ريقها بتوجس تنظر لحسام الضائع أمام زوجته فقالت ببعض التماسك لأجلهما...
(يجب ان نذهب للمشفى اخشى ان تكون ولادة مبكرة)
شخصتا عينا حسام بهلع يردد بعدم تصديق...
(ولادة!!...انها في اسبوعها الثاني من الشهر السابع)
اهتزت حدقتا غسق بخوف حقيقي فشددت من تمسكها بفاطمة تنظر خلفها حيث هذا العسكري الذي جلب لهم كرسي فعادت تقول بجدية....
(اهدار الوقت ليس في صالحنا...سنذهب الآن الى أريج)
كلمات فاطمة خرجت شبه صارخة تقول برفض...
(لا يمكنني الذهاب و ترك أخي...كرم يحتاجنا)
نهرتها غسق عن تفكيرها فقالت بحزم...
(لا تفكري في أي شيء الآن)
جادلتها فاطمة بأنفاس تتهدج بوجع جعل حسام يقف مفكرا بينما يرمق زوجته التي تكاد تموت من الألم أمامه...اتخذ قراره سريعا فقال بأحرف ثابتة...
(ستذهبين مع غسق الى المشفى و أنا سأبقى هنا لأجل كرم)
نظرة غسق له كانت مصدومة في البداية قبل أن تمتزج بالشكر الجلي...اقترب حسام من فاطمة يقبل رأسها قائلا بعينين خائفتين...
(لا تخافي كرم سيكون بخير...فقط تماسكِ حتى آتي لك)
وجه كلماته التالية لغسق قائلا برجاء...
(انتبهي اليها أرجوك)
اومأت له تركن جسد فاطمة اليها و تقول بلهجة مطمئنة...
(لا تقلق..)
تابع تحركهما مبتعدتين الى الخارج فرفع كفه يكوره و يضعه على فمه يداري به خوفه عليها...ولادة مبكرة!!...همهم بتضرع مرتعب...
(يا رب لا تحرمني من زوجتي و ابنتي ارجوك)
المشفى...
واقفا عند نافذة مكتبه الزجاجية يتابع بعينين هادئتين ما يحدث بالأسفل...ليست عادتها ان تقف و تنتظر المرضى أم أن الحالة القادمة تعرفها على المستوى الشخصي...اتجه الى هاتف مكتبه يرفعه و يضعه فوق أذنه بعدما طلب رقم احدهم...ثوان و وصله رد عامل الاستقبال فسأله مؤيد بنبرة جامدة...
(ماذا تفعل دكتورة أريج عند باب المشفى؟)
وصله رد العامل المتأهب...
(الدكتورة أريج مع طاقم التمريض ينتظرون وصول حالة ولادة)
بهدوء متفهم رد مؤيد...
(حسنا...)
و بعدها أغلق الهاتف دون اضافة المزيد...ضيق عينيه مستغربا فهمهم بتفكير...
(أي حال هذه؟)
وقفت أريج عند باب المشفى جوار طاقم الممرضين ينتظرون وصول فاطمة...لقد هاتفتها غسق قبل نصف ساعة تبلغها عن الحالة و كم كانت ممتنة لسرعة تحرك غسق و جلب فاطمة الى هنا...نظرت الى ساعتها بقلق ثم رفعت وجهها حيث طريق السيارات تدعو ان تصلا قبل تطور الحالة للأسوأ...فاطمة عند اخر متابعة لها معها كانت بمعدلات طبيعية هي و الجنين...يبدو ان الضغوطات الأخيرة أثرت سلبا على صحتها...تأهبت كليا بعدما توقفت سيارة أجرة أمام الباب...تحركت أريج سريعا اليهما بعدما رأت غسق تخرج من السيارة...ساعدوا فاطمة التي تتألم بصراخ على الخروج و اجلسوها على كرسي نقال بينما أريج تطلب من الممرضين بسرعة...
(خذوا الحالة الى غرفة الفحص حالا...)
ركضت غسق خلفها بينما تسأل أريج بخوف زاد وجهها شحوبا...
(هل ستلد في الشهر السابع؟!)
لملمت أريج معطفها الطبي المتطاير اثناء هرولتها تقول بأنفاس سريعة...
(لا نعرف بعد يا غسق...)
وصلتا الى غرفة الفحص في الطابق الأرضي فدلفت أريج و أُغلق الباب لتبقى غسق بمفردها بالخارج...بقلب يخفت نبضه...بروح مثقلة...و أنفاس تخبو...استندت على الحائط جوارها تردد بخفوت...
(يا رب....)
مرت الدقائق عليها و كان الانتظار فيهم مضنيا...و كانت أضعف من أن تتحرك جيئة و ذهابا لتنفث عن توترها...بل استندت برأسها على الحائط تلامسه بأصابعها التي تحفر به بترقب...اجفلت على صوت مؤيد المندهش من خلفها
(غسق!!!...ماذا تفعلين هنا؟!!)
التفتت له سريعا تناظره بتشوش و تجيب...
(فاطمة أخت كرم تعبت و أريج تفحصها الآن...)
اقترب منها مؤيد يتفحص ملامحها متسائلا بشك...
(هل أنتِ بخير؟!)
اومأت له و قبل أن تنطق كان قد امسك رسغها يستشعر نبضها بينما ينظر في ساعته باليد الأخرى...رفع عينيه لها تحت نظراتها المصدومة فلم يكل لصدمتها وزنا بينما يقول بجدية...
(نبضك خافت جدا)
سحبت رسغها منه تقول بتأكيد واهٍ...
(أنا بخير...)
صوت فتح الباب خلفها جعلها تلتفت الى أريج التي خرجت و تتحدث مع الممرضة بملامح جادة و متحفزة...اقتربت منها غسق تسألها بلهفة متوجسة...
(كيف هي حالة فاطمة يا أريج؟!)
ما عبرت عنه عينا أريج كان غير مطمئنا لكنها استبدلت توقع السيء بالخير فقالت...
(سنجهز لها غرفة العمليات انها ولادة مبكرة)
تهدلت اكتاف غسق بقلق تسأل...
(هل الوضع سيء؟!)
ربتت أريج على كتفها تقول بعملية فشلت في اخفاء الحقيقة خلفها...
(ليس تماما و لكن ان شاء الله خير لا تخافي و حاولي ان تهاتفي زوجها كي يأتي في اقرب وقت المشفى يحتاجه لتوقيع بعض الأوراق و لا أحد غيره يصلح لهذه المهمة)
تخطتها بنظرة متوترة فالتقفها مؤيد ليبادلها بواحدة واثقة ثم يتمسك بكفها قائلا بتأكيد...
(سيكون كل شيء على ما يرام و ستنجو الحالة و جنينها...لا تتوتري)
اومأت له بتفهم تدعو ألا يسوء الأمر فحقا هي الآن تحمل مصير عائلة كاملة طحنتها الدنيا في أيام معدودات فوق عاتقها...لن تسمح بأن تزيد همهم هما...أو تكون سببا في خسارة جديدة تؤذيهم...بقيت عينا مؤيد عليها يتابعها كيف تتعامل مع المصاعب رغم خوفها منها...أريج هي أجمل امرأة شجاعة عرفها في حياته...عيناه لمحتا غسق جواره و كأنها تترنح فالتفت لها في لمح البصر و كان محقا في تصريحه قبل قليل انها ليست بخير و ها هي تفقد الوعي بين يديه...التقف جسدها بينما يردد اسمها بإشفاق...
(غسق!!!)
تجمع عدد كبير من العاملين إثر صوته فأسرع منهم البعض لجلب سرير نقال ليسعف مديرهم الفتاة بين يديه...حملها مؤيد بسرعة يضعها فوق السرير بينما يخبر الممرضين أي غرفة يأخذونها اليها...
بعد نصف ساعة...
مالت تقبل وجهها بتأثر ثم تبتعد بأعين حزينة عن السرير...راقبت المحلول المعلق بذراعها فقوست شفتها للأسفل تمنع دموعها من النزول...رفعت وجهها تجاه الباب حيث دخل مؤيد الذي رفع حاجبه قليلا متسائلا...
(أنتِ هنا ديما؟!)
صمتها لم يوقفه عن استكمال خطواته نحو غسق يتفحص معدلاتها بعدما علقوا لها المحلول...ترك رسغها برفق فوق السرير يرفع بصره الى ابنة عمه البائسة بعدما سألته بحزن...
(هل ستكون بخير؟)
بهدوء معتاد جاوبها...
(ضغطها انخفض و سبب لها هبوطا بسبب الاجهاد العصبي و الجسدي الذي مرت به مؤخرا)
تعلقت عينا ديما بغسق تقول بتبرير لغفوة صديقتها هذه...
(ما حدث لها مؤخرا صعب للغاية...)
تنهدت بصوت عالٍ تردف بحزن...
(ظننتها حامل و قلت لنفسي بالتأكيد خبر كهذا سيخفف عنها غياب كرم)
ادخل مؤيد كفيه في جيبي معطفه الطبي يكبح ضحكة عالية دغدغته بسبب ابنة عمه المعتوهة...هم في وادٍ و هي في آخر...واديها حقا كان ينقصه معتوها مماثل لها ككاظمها الملتصق بها بغراء!...و دون ان يظهر عليه أي تغيير و كأن ضحكته الملحة لم تكن قال...
(الدكتور كاظم كان يبحث عنك)
عقدت ما بين حاجبيها بوجنتي توردتا تهمهم بعبوس...
(ماذا يريد هذا الآن ألا يرى المصائب التي حلّت علينا)
هذه المرة ارتفع حاجباه الأثنان معا في لحظة تعجب لا تمر عليه كثيرا...زم شفتيه مفكرا لثوان قبل ان يقول ببساطة جعلتها تناظره بضجر...
(المصائب حلّت على صديقتك لا أنتِ...هناك طرق عدة لتهربي منه غير هذه)
تنحنحت ديما بحرج تلملم معطفها بنزق قائلة بينما تتجه الى الباب...
(ألم تسمع من قبل ان الصديق يؤازر صديقه...سأذهب احتسي القهوة ثم أعود لأرى إن استيقظت)
فتحت الباب لتخرج لكنها توقفت حينما قال ببرود...
(يُستحسن أن تحتسي قهوتك في مكان عملك لأن موعد استراحة الأطباء لم يحن بعد لربما رآك مدير المشفى... أسمع انه رجل صعب للغاية و لا نريد ان يتم توبيخك)
قوست شفتيها للأسفل بصورة مبالغة لكنها حقا كانت حزينة من تعنته و أوامره و هي فعلا متأثرة بما يحدث لغسق و تحتاج من يواسيها و يخبرها ان صديقتها ستكون بخير...همهمت بصوت مهتز من استياءها منه
(حسنا كما يشاء سيادة المدير...)
اغلقت الباب خلفها و اختفت من أمام عينيه فحان دوره ليبتسم بسمة متسعة على افعالها...التفت يراقب جسد غسق الغافية ببقايا بسمته فيهمس بهدوء...
(الجميع مرتبط بك برغبته أو دونها...و كأنهم تسلسل بدايته أنتِ و نهايته أنتِ)
مساءً....
اغلقت أريج باب غرفة فاطمة بعدما اطمأنت انها اصبحت بخير و قد تكدست غرفتها بأخوتها جميعا منذ ساعات...تشعر أن وجنتاها يشعان حرارة من فرط التعب...يوم طويل و مرهق خاصة مع غفوة غسق التي دامت لساعات...رفعت كفيها الباردتين تضغط بهما على وجنتيها كي تخفف من حرارتهما اثناء سيرها الى الحضانات كي تطمئن على ابنة فاطمة التي ولدت بحالة ليست جيدة تماما و احتاجت البقاء في حضانة لبعض الوقت...زفرت مرات متتالية تنظم تنفسها عندما وصلت الى الحضانات...دلفت تغلف رأسها و قدميها بغطاء معقم قبل ان تصل للأطفال بالداخل...القت تحيتها على الطبيب المناوب ثم توجهت الى الحضانة المخصصة لابنة فاطمة...تفحصتها بتدقيق بينما الطبيب يعطها تقريرا مفصلا عن الطفلة...شكرته بلطف لمجهوده ثم عادت الى الباب تنزع ما ارتدت و تخرج...فركت عينيها بإرهاق فاليوم ستداوم لليلة كاملة لأن فاطمة و ابنتها يحتاجان ان تبقيا تحت الملاحظة...ساقتها قدماها حيث غرفة غسق لكنها توقفت فجأة بعدما ظهر مؤيد امامها يحمل كوبين من القهوة و يمد واحدا لها قائلا بهدوء...
(قهوة؟)
ضيقت عينيها تناظره بتعجب فتقول...
(أنت ما زلت هنا؟!)
احنى رأسه بشيء طفيف الى الجانب الأيسر يقول ببساطة...
(لدي بعض الأعمال)
اتسعت عيناها بذهول تسأله بلهفة قلقة...
(و يائيل؟!!!)
بنفس السلاسة الهادئة قال...
(نبيلة ستبقى معه الليلة)
تنهدت براحة متفهمة ثم خطت مجددا الى غرفة غسق لكنه اعترض طريقها قائلا ببعض التلاعب...
(غسق بخير و قريبا ستستيقظ...يجب ان ترتاحي أنتِ كي تواصلين...قهوة؟)
سؤاله المتكرر جعلها تبتسم بسمة شقت التعب على وجهها لترسم تورد الخجل الذي يفضله بها...ناظرت عينيه من هذا القرب فلمحت في زرقتهما امواج عابثة اعتادت عليها منه مؤخرا...كم تعشقه و تعشق اطياف أزرقه الفريد من نوعه...رفعت رأسها اليه ببعض التحدي تقول بقلة حيلة...
(أين يمكنني شرب القهوة اثناء ساعات العمل لو رآني المدير سيجعلني عبرة لكل طاقم العمل هنا؟!!)
انزوت شفتيه ببسمة عابثة زادت من حمرة وجنتيها قتامةً فمال الى وجهها يقترب منها بشكل كبير و يقول بخفوت يسبب لها قشعريرة...
(لدي مخبأ سري يمكننا احتساء القهوة به دون أن يرانا مديرك)
اسبلت اهدابها بخجل جعلها تخسر نزال العيون المتبادل بينهما...مؤيد يقهر قوتها و يدحض تماسكها و يجعلها في طور الوداعة و الرقة عكس شخصيتها المشتعلة...تنحنحت بعدما لفحتها انفاسه فقالت ببعض التماسك المزيف دون ان تنظر اليه...
(و أين هذا المخبأ الذي يخفى عن المدير شخصيا؟!)
اعتدل في وقفته يتحرك في اتجاهها حتى جاورها قائلا بنبرة تتسرب اليها كتهويدة مسالمة تدفعها الى ان ترخي حصونها و تستسلم...فقط تستسلم كليا
(دعِ الأمر للساحر و لن تندمي)
منحته وجهها تناظره ببسمة خجولة جعلته يضمها بعينيه الحانيتين...لقد كانت مرهقة ليوم كامل...كانت متوترة و مشدودة الاعصاب...عليه ان يمنحها هدنة تلتقط فيها الأنفاس
مكتب مؤيد...
دلفت خلفه مكتبه تنظر حولها ببلاهة فلم تظن حقا انه سيأتي بها الى هنا...أما مؤيد حمل كوبين القهوة و توجه يضعهما على سطح مكتبه يلتفت الى هذه المتسمرة عند الباب و قد تحولت بلاهتها لضحكة خافتة...تناظره بواحتها الخضراء...بهذا الحنان الجارف من شخصيتها حتى لو لم تقصد...بهذه الروح المشتعلة و التي تجاري شخصيته...تمنحه منهما حلاوة لا يملك من الكلمات ما يفسرها فيمنحها حقها...رفعت حاجبيها قائلة بسخرية ضاحكة...
(مخبأ رائع لا يخطر على بال)
اقترب منها ببسمة صغيرة حتى توقف أمامها ينظر بخبث في عينيها قائلا...
(أليس كذلك فلن يتوقع مديرك انك في مكتبه بينما هو يبحث عنك في كل مكان)
انحسرت ضحكتها شيئا فشيء و الخجل يعاود ليطرق باب قلبها عندما خطى خطوتين اليها فتراجعت للخلف تستند على الباب بترقب ينتفض قلبها له...ارتفعت كفاه اليها فأجفلت بعدما حطتا على حجابها ينزع دبابيسه منه بهدوء عجيب...كنظرة عينيه القريبتين منها في هذه اللحظة!...ابتلعت ريقها بخجل تهمس بتساؤل واهٍ...
(دكتور مؤيد نحن بالمشفى ماذا تفعل؟!!)
انهى فك حجابها ليزيله عن شعرها فتتسع عيناها بصدمة اكتملت بعدما وضع ذراعه جوار رأسها يميل الى وجهها قائلا بصوت دافئ هادئ للغاية...
(سنحذف دكتور و ننسى اننا في غرفة المدير في المشفى...الآن لست سوى مؤيد فقط...معك أنتِ سأزيل كل الحواجز التي فرضتها بيني و بين الناس لسنوات)
وخزتها الدموع في موقف لا تريد البكاء به لكنها طبيعتها فماذا تفعل...في هذه اللحظة كل ما تريده هو ان ترتمي بين احضانه و تنعم بحبه المتدفق في شرايينها...القى مؤيد حجابها بإهمال على الأريكة الجلدية المجاورة للباب ثم ابعد ذراعه من جوارها ليتحرك بكفيه الى ربطة شعرها يفكها ببطء مقصود ثم يفرده على كتفيها بتمهل حتى سمعها تقول بصوت يذوب خجلا...
(ما...ماذا تفعل مؤيد؟!)
مال قرب وجهها يرفع خصلاتها اليه و يقبلها بحنان لم تشعره من قبل قائلا بهدوء...
(طفلتي اليوم كانت قدر المسؤولية...قامت بعملها على أكمل وجه...و الآن حان وقت أن أكافئها)
ارتعشت شفتاها بقوة و قد انفرطت دموعها بعدما اتسعت عيناها و هي تتفحص وجهه القريب...انه يشكرها على واجبها الذي أدته...يقدر عملها الجاد...انه الأول الذي يفعلها!...ترك خصلاتها تستريح على كتفها ثم وضع وجهها بين راحتيه يقترب من وجنتيها الحمراوين يلتقف بشفتيه دمعاتها هامسا...
(لا يليق بك البكاء يا مشتعلة...)
زادت وتيرة تنفسها بعدما ادركت ما يحصل فوضعت يديها فوق صدره تبعده عنها بقوة خائرة...ترسم تمسك واهٍ و تجابهه به بهمس...
(مؤيد...مجددا لقب مشتعلة...أنا لا أحب....)
اخرستها شفتاه حينما باغتها بقبلته...انها المرة الثانية!...و هل نسيت الأولى ليعيد الكرة؟!...تجمدت كليا ربما اصابها صاحب الجليد بهذا...انفاسها كانت الدليل الوحيد على بقائها حية...ابتعد عنها ببسمة ترى سعادته فيها...يتمعن النظر في حمرة خديها الممتعين له...يلامسهما بنعومة بإبهاميه و ينظر في عمق عينيها فيداعب عدم استيعابها بأمره الضاحك...
(معي لا أريد سماع لا أحب ابدا...)
همهمت بخجل مغتاظ تداري به تأثرها بهذا الرجل...
(لا تمارس عجرفتك علي و تأمرني...)
ضحك بخفوت يقرب وجهها اليه متسائلا بهمس صريح تراه هي وقاحة ليس أكثر...
(ماذا أمارس إذًا؟!)
انفرجت شفتاها و دمائها تكاد تخرج من انفها من شدة الحرج...لكزته في صدره بعنف لكنه لم يتركها فصرخت به بتلعثم لذيذ...
(أنت...لا تُطاق)
افلتها ببطء يتحرك بعده ببساطة الى الأريكة و يجلس عليها ثم يربت جواره قائلا بأمر مقصود منه اغاظتها...
(تعالِ لتنامي قليلا)
شمخت برأسها تبعد وجهها عنه لتتنفس و لو قليلا فقالت برفض...
(لا...)
صوته الهادئ كان محذرا من فعل هو قادر عليه...
(لا أكرر طلبي مرتين...لو فعلت سآتي أنا اليك و اقبلك اختاري يا ريجو)
زفرت بصوت عالٍ و كلها ترتجف من تكرار ما يقوله...مرة ثالثة ستكون قاتلة لها و لقلبها...لذا كحمامة سلام بيضاء توجهت اليه تجلس جواره قائلة بسخرية...
(أتيت أين سأنام و أنت تجلس على نصف الأريكة؟!!)
رفع كفه الى رأسها ببسمة صغيرة ليحنيه برفق يجبرها على ثني جسدها حتى استقرت رأسها على فخذه فقال ببساطة...
(ستنامين هنا فلا يوجد وسائد و اخشى ان تتشنج عضلات رقبتك)
شعر بأصابعها التي انكمشت فوق بنطاله فزادت بسمته قبل أن يقرر ان اللعب معها مسلٍ و عليه ان يزيد الجرعة...
(هل فكرتي في طلبي؟!)
هدأ خجلها قليلا فرفعت نصف رأسها له تسأله بتعجب...
(أي طلب؟!)
مال على وجهها قائلا...
(أريد طفلا منكِ)
صوت شهقتها كان عاليا كما كان رد فعلها سريعا و هي تبعد وجهها عنه بعدما اخفته بذراعها الذي وضعته فوق عينيها تقول بلهجة حادة و لكنها مرتعشة...
(طلبتني هنا لأرتاح فدعني أنام...)
انكمشت حينما شعرت بشفتيه يقبلان باطن يدها الموضوعة على عينيها ثم يضحك بصوت مسموع...مبتهج...فتضحك روحها بعشق معه و له...معترفة أن مؤيد ازال عنها توتر يوم صعب...و انه لن يتركها في حالها الأيام القادمة حتى يحقق مطلبه!
في غرفة فاطمة بالمشفى...
بعدما وصلها خبر ولادة ابنتها الصغرى اوصلت البشرى لسليمان ثم اخبرته انها ستذهب لتطمئن عليها...دلفت صفية الغرفة على ابنائها ببسمة حامدة تقترب من صغيرتها المتعبة رغم بسمتها التي استقبلتها بها...ضمتها صفية برفق الى صدرها تبارك لها ما اعطاها الله...
(مبارك يا فاطمة...الحمد لله الذي أكمل علينا فضله و نعمته...والدك سعيد للغاية و يبلغك سلامه و مباركته)
ربتت فاطمة على كف والدتها التي جلست جوارها تجيب بصوت واهن...
(بارك الله فيكما يا أمي و لا حرمني منكما...كيف هي صحة ابي؟)
قبلتها صفية فوق رأسها تجيب بطمأنينة...
(الحمد لله حبيبتي يتحسن بفضل الله...)
نظرت صفية حولها لأولادها فعادت تسأل فاطمة بشكل عادي...
(ماذا حدث لتلدي في السابع يا فاطمة فحالتك كانت مستقرة؟!)
تلعثمت فاطمة تنظر الى اخوتها بقلة حيلة جعلت صفية تعاود النظر اليهم...انهم يبتسمون لكنهم لعينيها ليسوا كذلك...قلبت البصر جيدا فشعرت بشيء انقبض قلبها له سألتهم بتوجس...
(أين كرم لماذا ليس معكم أم أنه في الميناء ايضا اليوم؟!!)
نكسوا رؤوسهم و الحيل كلها ذابت أمامها...أمهم أكثر الناس دراية بهم ان كذبوا...زاد انقباض قلبها بهلع تسألهم مجددا...
(ماذا...هل أصاب أخاكم مكروه لا سمح الله؟!!!)
في هذه اللحظة فتحت غسق الباب و دلفت بعدما عادت للوعي و أرادت الاطمئنان على فاطمة و ابنتها...تفحصتها صفية بهذه الهيئة المرهقة و البالية لتهمس بشيء أقرب لليقين...
(ابني...كرم به شيء!)
زفرت غسق بخفوت تتولى بعده راية الإجابة...
(كرم متهم في قضية مخدرات)
اتسعت عينا صفية بقوة و قلبها يؤكد لها ما شعرت به قبل أيام حينما تأخر كرم في مجيئه...تكورت اصابعها على قماش عباءتها كي تتجلد بصبر تسلحت به طيلة الفترة الماضية...لكن هنا الصبر صعب للغاية او ربما امتلأت روحها به و تشبعت لدرجة الاكتفاء...يا رب ماذا تفعل في مصيبة كهذه؟!...سليمان ماذا سيحدث له إن عرف؟!!!



...يتبع...









AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 11:54 AM   #1245

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الواحد و الثلاثون





في نفس الليلة...
خرج حكيم من نافذة الطابق الارضي في بيت جده القديم بعدما راقب الأجواء جيدا قاصدا شراء بعض الطعام...كانت خطتهم من البداية ان يقتلوهم جميعا و يختبئون هنا لبعض الوقت حتى تهدأ الاوضاع لكن و لسوء الحظ لا سليمان مات و لا داغر يعرفون له طريق بعدما اختفت جثته...لقد اخبره سلطان انه ذهب الى الشاطئ المهجور صباح اليوم التالي من قتل داغر لكنه لم يجد جثته...وقتها تيقنا انه حي لكن ظل اليقين يتأرجح بين نعم و لا...دهس قطعة من معدن فأصدرت صوتا عاليا جعله يتأهب و يلتفت حوله كالمجنون...زفر براحة بعدما تأكد انها مجرد خردة...همهم بغضب و كره لهذه الحبسة التي طالت...
(متى سنخلص من هذا القرف و نعود لحياتنا العادية فرحين بثأر أبي؟!!)
بعد وقت ليس بكثير...
عاد حاملا في كلتا يديه أكياس بلاستيكية و توجه الى نفس النافذة ليدخل منها...دخل بصعوبة نوعا ما بسبب ما بيده و قد اصابه التعجب من عدم استقبال سلطان له ككل مرة ليحمل عنه قليلا...ضيق عينيه ينظر حوله على ضوء هذه الشمعة الصغيرة فلم يجده...نادى عليه بينما يدور حول نفسه بترقب...
(سلطان أين أنت؟!)
(سلطان لن يرد...ماذا لو كنت نيابة عنه؟!)
التفت حكيم بسرعة البرق خلفه حيث هذا الصوت المعروف...تسمر في مكانه لتنفلت من يده الأكياس و يسقط محتواها بالكامل...تدحرجت ثمرة تفاح حتى بلغت قدم داغر و الذي أوقفها بها...ابتسم لحكيم بسمة تنزع الأمان من الروح ثم انزل بصره جانبه ينظر لسلطان المكبل فيعود لحكيم قائلا بهدوء...
(اخبرته أنني لن أؤذيه الآن لكنه اصدر جلبة و اصابني بالصداع لذا اضطررت لتكميم فمه لبعض الوقت)
اسودت نظرته بوعيد يقول...
(هل ستصدقني و تأتي مع من سكوت أم سنضطر لتكميم فمك أنت الآخر؟!)
اهتاجت انفاس حكيم برعب حقيقي...كي يوقعوا بداغر كلفهم الامر ثمان سنوات و قد نجحوا لكن ان يعود بعدما كُشفت اوراقهم هذا يعني انها نهايتهم حتما...تراجع للخلف يلوذ بالفرار لكنه اصطدم بعدة رجال ظهروا من العدم يسدون طريقه...كاد ان يجن مما يحصل فحاول مقاومتهم لكنهم ردعوه و هو يعرف منذ رأى سلطان ارضا انه سيقع بين قبضة داغر...فسلطان دوما اقوى منه!...شله صوت داغر الهادئ...
(البيت كله رجالي بالداخل و بالخارج...لذا وفر طاقتك ستحتاجها قريبا)
أمر داغر رجاله بحمل سلطان الذي اهتاج رغم تكبيله للخارج ثم اقترب من حكيم يكشر عن انياب غضبه بقوله السلس...
(لأنني أنوي أن امزق لحمكما و استمتع بصراخكما حتى تلفظا انفاسكما القذرة الأخيرة)
ابتلع حكيم ريقه بهلع لم يكتمل شعوره به بعدما ضربه أحد الرجال بقوة خلف رأسه افقده الوعي...
في بيت الشاطئ المهجور...
وقف داغر يمسد على كتفه المتألم بوهن واضح بينما يراقب الرجال يخرجون سلطان و حكيم و يدخلونهما الى البيت...انتبه لصوت سيارة عزت القادمة من الاتجاه الآخر فأنزل كفه عن كتفه يتوعد لهم جميعا بالعذاب...خرج عزت من سيارته مع الشاب الذي اختطفه داغر و ثلاثة رجال آخرين ليفتحوا غطاء السيارة و يجرجروا جسدين فاقدين للوعي و يتوجهون بهم الى داخل البيت...اقترب عزت من داغر يقول...
(كادا يهربا منا لولا تطويقنا للمكان الذي اختبآ به جيدا)
هز داغر رأسه متفهما ليضرب على ذراع عزت شاكرا...
(سلمت عزت...)
تحركا ليدلفا الى البيت فساعة حساب هؤلاء الأربعة باتت وشيكة لكن داغر توقف حينما صدح رنين هاتفه...سبقه عزت للداخل بينما داغر اجاب بجمود...
(نعم...)
صمت للحظات قبل ان تبرق عيناه بشرر فيقول بهدوء...
(اهلا ست كوثر...لا أعرف كيف أرد لك جميلك...ابلغي الدكتور ألا يخاف فالمكان كما قلت سنوفره لكما...لا تقلقي سأرسل سيارة تأخذكما الى عندي...يناسبني جدا...إذًا موعدنا غدا)
اغلق الخط لينزل الهاتف عن أذنه يعتصره بقسوة مرددا بصوت مخيف...
(غدا سآخذ حق هدير منهم...)
**********
تسلل بخفة معتادة يدلف من شرفة غرفة نومها بتحسب و حذر...الدخول الى بيتها كان سهلا خصوصا مع غياب ابنها و زوجته عن هنا و حارسها لا فائدة منه فها هو بالأسفل نائما و يشخر...و هو منذ طردته من هنا أخر مرة توعد لها و لم يجد افضل من هذه فرصة ليأخذ منها ما يشاء دون حساب...اشعل كشاف ضوئه يتحرك على اطراف اصابعه هنا و هناك في الغرفة...يفتش كل ركن و يأخذ كل ما تطاله يده...مجوهرات...أموال...عطور... اي شيء يشعر به نفيس سيحرمها منه و يحرق قلبها عليه...فتح درج من ادراجها فالتمعت عيناه بزهو سعيد...هذا العقد الالماسي يكفي ليعيش ملكا متوجا باقي عمره...ترك كشافه جانبا ليمد يده و يأخذ العقد لكنه توقف على صوتها المرتعش بتساؤل لازم اشعالها للضوء...
(من أنت و كيف تدخل هنا؟!!)
التفت لها ببسمة لزجة يقول بتبجح...
(اكملي نومك يا ست لبنى انا لست غريبا)
تحول خوفها الى غضب بعدما عرفت هويته فخرجت من سريرها تتجه نحوه بينما تهدر بصوت صارخ ليأتي الحارس و الخدم...
(أيها الحيوان كيف تجرؤ على سرقتي؟!...من تظن نفسك لتقتحم بيتي و غرفتي و تسرقني؟!!...سأجعلك تندم حينما القيك في السجن لتتعفن لنهاية العمر)
حاول الفكاك منها او تكميم فمها لكنها حقا امرأة مزعجة...دفعها بحدة فتراجعت للخلف بينما هو يعود ركضا الى الشرفة بعدما ايقظت حيها الراقي كله و ليس حارسها الأمني...وصلت اليه قبل ان يقفز تتشبث بملابسه قائلة بوعيد...
(لن تفلت هذه المرة...أحسبت أن ما فعلته مع فلك ستفعله هنا و أصمت لك...لا أنت لا تعرف مع من تلعب)
صوت الحارس من الأسفل وصلها عاليا بينما يهرول للأعلى...
(لقد هاتفت الشرطة سيدة لبنى)
شعر بأنه سيضيع سدى دون ان يشفي غليل صدره منها...اخرج زجاجة من جيب بنطاله يفتحها بسرعة خاطفة و يقول بصوت منتشي بينما يلقي محتواها على وجهها...
(أنت امرأة تستحق الحرق...ان امسكت بي الشرطة سأكون على الأقل وضعت بصمتي عليك)
صرخت لبنى بصوت مرعب حينما ألهب وجهها هذا السائل الذي سكبه عليها...نيران تأكل خلاياها...ألم ينتشر بلا توقف...تحركت في كل مكان حولها تصرخ و تستغيث بمن ينجدها...لا ترى...لا ترى...فقط تشعر بحريق نشب في وجهها...حريق لا يضاهي ألمه ألم!!...
شقة باهر...
استيقظ مفزوعا على صوت هاتفه في مثل هذا الوقت من الليل...استقام في سريره و قد استيقظت ميرنا جواره تناظره بترقب مرتعب...اخذ هاتفه يجيب على هذا الرقم الغريب...كان مشوشا من النعس...تائها من مصيبة لم تكن على البال تتردد حروفها في اذنه...كل ما استطاع فعله بعدما سمع بكارثية ما حصل ان يهدر بعدم تصديق في عامل استقبال المشفى...
(أمي!!!...هل أنت متأكد من أنك تهاتف الرقم الصحيح؟!)
و بعدما وصله التأكيد عن طريق اسمها الثلاثي انزل هاتفه بصدمة...سألته ميرنا بتوجس بعدما رأت عليه علامات الصدمة...
(باهر ماذا حدث؟!!!)
نظر لها بأعين دامعة يردف بصوت مصعوق...
(أمي...هجم عليها لص و سكب في وجهها حمضا)
اتسعت عينا ميرنا بهلع رهيب تناظر زوجها بأنفاس مرتعشة...
في المشفى...
وصل باهر بحالة يرثى لها حتى وصل الى غرفة والدته...كان مرعوبا...نادما على تركها...متألما لما اصابها فحمل كل مشاعره في سؤاله المقهور للطبيب الذي خرج من غرفته للتو...
(أمي...كيف هي؟!!)
صوت صراخها العالي من داخل الغرفة سبق تصريح الطبيب المشفق عليهما...
(للأسف وجهها تشوه تماما)
**********
اليوم التالي مساءً...
توقفت سيارة عزت امام بيت الشاطئ المهجور فبث المكان الخالي في قلب الطبيب الرعب...التفت للممرضة المجاورة له يهمس بخفوت متوجس كي لا يسمعه عزت...
(ما هذا المكان يا كوثر؟!!...قلت لك علينا ان نختفي عن الأعين لا أن نجري مزيدا من العمليات...ليتني ما استمعت لك)
تنهدت كوثر بنزق تقول بهمس مشابه له...
(يا دكتور لا يكن قلبك خفيفا...بالتأكيد سيختارون مكانا مثل هذا ليجروا عملية اجهاض...المبلغ كبير يا دكتور و هذا ما جعلك توافق فلن ننكر ان اغلاق العيادة لمجرد أيام جعلنا نخسر الكثير)
زفر الطبيب بقلق لم يكتمل بعدما صدر صوت عزت المقتضب...
(إن كنتما جاهزين فدعونا ندلف للبيت)
اومآ له يخرج كل منهما من السيارة و يتحركان خلفه...دق عزت على الباب الخشبي القديم ففتح له الشاب بسرعة ليدخلهم...و قد دلفا و سمعا صوت اغلاق الباب في لحظة مفاجئة...جعلتهما يشعران بشيء خاطئ...و قد اكتمل الشعور بعدما وجدوا امامهما اربعة رجال مكبلين و مكممين يحاولون اطلاق سراحهم بشتى الطرق...تراجع الطبيب للخلف يقول برعب دب في اوصاله...
(ماذا يحدث هنا؟!...من هؤلاء و ماذا تريدون منا؟!)
تراجعت الممرضة تلتصق به برعب خاصةً و ان وجه داغر المألوف ليس موجودا...لكن صوته وصلها فالتفتت سريعا تجاهه و بعض الراحة يتسلل اليها...
(لا تقلق يا دكتور و تعال...)
احتدت نبرة الطبيب و عاد يسأل مجددا...
(لن أدخل أو أفعل اي شيء قبل أن أعرف ماذا يحدث؟!)
اقترب منه داغر بوجه قاتم يقف جواره ثم يؤشر على ابنيّ عمه و الشابين اللذين اغتصبا غسق قائلا ببساطة...
(هذان هما سبب كل شيء...لقد طلبوا من هذين الشابين اغتصاب دكتورة منطقتنا ليورطاني إما مع الشرطة أو مع عائلة المراكبي لكن كرم انقذ الموقف و تستر عليه...فعادا يحفران لي قبرا جديدا بعدما فضحوا أمر الفتاة التي تزوجتها سرا لأمها...أخبروها ان ابنتها حملت دون زواج فشعرت الفتاة أن الدنيا في وجهها اسودت خاصة و انني تخليت عنها و طلبت منها ان تنسى ما كان بيننا)
صوته رغم بساطته تلون بالألم و المرارة عند جملته الأخيرة...لكنه أكمل دون توقف...
(فلم تجد الفتاة سوى ان تجهض نفسها فلقد ضاق حول رقبتها الطوق...و هنا أتى دوركما)
التفت يناظر الطبيب و الممرضة بنظرات ترعب...توحشت عيناه و اخشوشنت نبرة صوته كلما غاص في قول المزيد...
(أتت اليكما لتخلصاها من حملها ففعلتما...لكنكما لم تخلصاها من طفلها فقط بل قتلتماها و رميتما جثتها في الشارع قرب مشفى بعيدة عن حيها...)
جذب الطبيب من سترته بعنف يوازي عنف نبرته ليطرحه ارضا في لحظة غضب جامح...جاءه عزت يحمل أداة حادة تشبه السكين فالتقطها بحدة و انحنى متغاضيا عن وجع جرح كتفه ملبيا نداء وجع قلبه على هدير...لا تشغله صرخات الممرضة او صوت الرجال المكتوم خلف القماش المكبل حروفهم...لا يهمه سوى انه قبض على قاتل هدير...تمسك بشعره بقسوة يرج رأسه هادرا...
(لماذا وافقت على فعلها و قتلت البنت دون ذنب؟!!...لماذا رميتها في الشارع و كأنها شيئا لا ثمن له؟!)
الرعب الذي ملأ قلب الطبيب اخرسه فخرجت حروف توسله و تفسيره مشوهة...جلس داغر على ركبتيه جوار الطبيب يجبره على فرد كفيه قائلا بغضب...
(أي كف يمكنك التخلي عنها اليسرى أم اليمنى؟!)
بكى الطبيب متوسلا برعب لم يشفع له عند داغر بالمرة...دهس داغر كفيه بركبتيه بينما يقول...
(لكن رأيك لا يهمني فالاثنتين لمستا هدير و قتلتاها)
فور انتهائه من كلمته الأخيرة رفع السكين عاليا لينزل به على كف الطبيب الأيمن يفصله عن ذراعه...صراخ...دماء...توجع...أل م...هذا كل ما يحيطه و لكنه لا يشعر سوى برغبة الانتقام...
(ارجوك توقف...ارجوك الألم لا يحتمل!)
توسل الطبيب لم يجدي نفعا بل زاده نقما و قهرا فرفع سكينه مجددا ليفعل ما فعله قبل لحظات...استقام يراقب جسد الطبيب المسجى ارضا بصراخ يشق عنان السماء...رفع بصره نحو الشابين المكبلين فوجدهما يبكيان بصراخ مرتعب...أما سلطان و حكيم يناظرانه بذهول يتقطر الخوف منه...فليخافوا...و يتألموا...حق هدير سيعود...تحرك اتجاه الممرضة التي التصقت بالباب تولول بهلع جعلها تخر ارضا بعدما اقترب منها تقبل قدمه قائلة بتوسل
(ارجوك لدي أولاد رأيتهم بعينك...ليس لهم غيري)
انحنى يجلس على عاقبيه ينظر اليها قائلا بجمود...
(و هي كان لديها ابنا قتلتموها و إياه)
لطمت الممرضة وجهها تبكي بصراخ و ترجوه ألا يفعل بها شيئا...استقام داغر ينادي على عزت قائلا بأمر...
(عزت...ارمي هذا الدكتور أمام أي مشفى كما فعل بهدير)
قاطعه عزت برفض...
(هل ستتركه حيا ربما أبلغ الشرطة؟!!)
قال داغر ببساطة فأخر شيء يهمه مصير هذا الطبيب...كل ما يريده ان يجرب ما فعله بهدير حينما ألقاها كشيء لا ثمن له..
(لن يفتح على نفسه باب جهنم لو ابلغ الشرطة عني هذا إذا عاش)
عاد ينظر للمرأة قائلا...
(و هذه تأكد بأن ترحل من هذه المدينة لأنني اقسم لو رأيتها أمام عيني في أي مكان سأقتلها دون لحظة تردد)
اومأ عزت متفهما و قد جاء الرجال يأخذون الطبيب الذي يعاني من ألم لا يوصف و الممرضة للخارج تنفيذا لطلب داغر)
دهس داغر بقع الدماء المخلفة عن الطبيب ينظر للرجال الأربعة قائلا بوعيد...
(لا تصرخوا هكذا فما حدث هنا ليس مقامكم عندي...أنتم لكم احتفال آخر على ذوقي)
صوت عزت اللاهث و الذي عاد جريا من الخارج جعل داغر يتأهب و يستمع له...
(داغر وصلتني اخبار ان الشرطة تبحث عنك بشأن قضية كرم...زوج أخته المحامي طلب التحقيق معك)
تنهد داغر بملامح واجمة...عيناه سودتان بلون انتقامه و نيته محجوبة خلف انسان لا يعرف حقا من هو و ماذا يريد!!!
**********
نهاية الأسبوع...
انتفض طارق من فوق كرسيه بينما الهاتف على أذنه قائلا لمن يهاتفه باستهجان...
(تعمل في مشغل خياطة!!!!... منذ متى؟!)
صمت يستمع للرد قبل أن يتحرك بعيدا عن مكتبه قائلا...
(صف لي العنوان أنا قادم)
اغلق الهاتف بوجع على ما وصله ليهمم قبل أن يصل للباب...
(لماذا يا فلك؟!!!)
بعد ساعة...
توقفت سيارته أمام باب المشغل المقصود فتعلقت عيناه به يراقب المكان حوله جيدا...وقت الانصراف قد حان كما ابلغه المحامي...تأهب في كرسيه حينما فُتح الباب و بدأت تخرج منه فتيات عديدات...دقق النظر جيدا فيهن حتى لمح فلك بينهن... وخزه قلبه بألم على حالها و ما يراه...ملابسها و انكسار روحها المنعكس على ملامحها...حتى ابتسامتها باهتة كحياته دونها...يعترف انه أذنب في حقها لكنها ترفض حتى الاستماع اليه لا العفو عنه...فقط لو منحته حق الاعتذار... فقط لو تعرف أي عذاب يعيشه دونها...فقط لو يخبرها بأنه لم يشك بها لكن ظروفه المحيطة و من حوله شوشوا تفكيره...فقط لو تفهم مشاعر رجل خدعوه اقرب الناس اليه و الصقوا تهمة مثل هذه بها...كم فقط يريد منها تحقيقها و كم فقط ستبقى قائمة للباقي من عمره كي يفسرها؟!...اقتربت من سيارته دون ان تلاحظها فتبدو منشغلة مع الفتيات حولها... ترجل منها سريعا ينادي عليها بلهفة مرتعشة...
(فلك...)
تجمدت خطواتها حينما ميزت صوته...لن تنكر تفاجأت من تواجده هنا فبعد رفضها استكمال حياتها معه و هو يرسل محاميه بدلا عنه...و هي لم ترد أن يأتي مجددا...لا تريد من يشوش حياتها التي تسعى اليها...لاحظن الفتيات نظراتها الى هذا الرجل و كم كانت شاحبة بعدما لفظ اسمها...سألنّها بتحفز قلق
(ما بك يا فلك... هل تعرفين هذا الرجل؟!)
الصمت كان نصيب اجابتهن منها فهي تحدق في طارق بعينين متسعتين...هل اصابه الكبر فجأة...يبدو مرهقا للغاية...و كأنه يصل ليله بنهاره دون راحة او نوم...بالتأكيد ما حدث اصابهم جميعا في مقتل و ليس هي فحسب...انتبهت لصوت تهاني التي ظهرت بعدما اسرعت اليها احدى الفتيات تخبرها بما يحصل...
(فلك هل هناك مشكلة؟!)
خرجت فلك من شرودها تهمس بهدوء رغم اضطراب نظرتها...
(لا يا ست تهاني...انه زوجي)
نظرات التعجب و ربما الاستنكار من الفتيات و حتى صاحبة المشغل نفسها كانت متوقعة بالنسبة لفلك...استأذنت منهن لتتحرك تجاه طارق بوجه يزداد شحوبا حتى وصلت اليه فسألته بتعجب...
(ما الذي تفعله هنا؟!)
و رغم اشتياقه لها و سعادته من هذا الحديث الجاري بينهما إلا انه قال بحزم...
(هذا السؤال موجه لك أنتِ... ما هذا العمل الذي اخترته؟!!)
التمعت عيناها بحدة غاضبة لكن لمعانها لامس قلبه حتى استمع لصوتها الغاضب...
(حياتي و ما افعله بها ليس من شأن أي أحد)
(أنتِ زوجتي فلك)
جملته القاطعة خرجت حادة عالية و جعلت الفتيات اللائي تلكأن في خطواتهن ينتبهن اكثر بكثير لهما...وزعت فلك نظراتها بينه و بينهن لتهمس برفض لما يحدث...
(لا تنسى انني طلبت الانفصال طارق...و ارجوك لا تسببي لي مشكلة في مكان عملي)
زفر طارق بتعب جسدي و روحي ليقول...
(من طلب منك العمل؟!...و لماذا ترفضين المال الذي ارسله لك؟!...إن كنت تشعرين بعدم رغبتك في الانتفاع به فهو من حق ابني)
حاوطت فلك بطنها بحركة سريعة و قد طل من عينيها نزعة حماية تلقائية و هي تقول...
(هذا الطفل طفلي أنا و أنا من سينفق عليه...هو لن يحتاج أموال أحد)
اشتد ذهوله و هو يردد باستهجان...
(احد!!...أنا والده يا فلك لا تنسين)
تراخت اصابع فلك عن بطنها لتهمس بألم...
(النسيان نعمة و محظوظ من يحظى بها)
تألم حتى فاض الألم من عينيه بينما يسألها...
(هل تريدين محويّ من حياتك فلك؟!)
قضمت شفتها قبل ان تجيب بصوت مختنق...
(أنا أعيد الصورة كما كانت طارق...)
تنهد بصوت مسموع قائلا بصدق...
(لكنها لن تعود مهما حاولتِ كما كانت...لأنني أحببتك)
ابتسمت بضعف و قد احتلت الدموع عينيها فقالت بصوت يرتعش...
(غير صحيح طارق...أنت لم تحبني بالمرة أنت أحببت ما شعرته معي فقط...لو احببتني و لو بقدر بسيط ما كنت فرطت بي...عد الى حياتك طارق و الى ابنتك و انسى وجودي...بالكاد أحاول ان أعيش فلا تحرمني الشعور بالراحة)
نظر في عينيها الدامعتين يسألها رغم يقينه من الاجابة...
(و هل أنتِ مرتاحة الآن فلك؟!)
اسبلت اهدابها تبكي بصمت قبل ان تجيب...
(لا... لكنني معتادة على هذا)
رفعت وجهها له ترجوه بدموع توجعه...
(فقط اتركوني بحالي... ارجوكم)
ابتعدت عنه سريعا فالتفت يراقب خطواتها المتعبة...أمسكها بحدة غير مقصودة جعلت الفتيات يتبادلن النظرات المتأهبة...و بصوت راجٍ أكثر منه آمر قال
(سأعيدك الى بيت والدتك بنفسي)
كادت تجادل معه برفض جعله يكون حازما معها فقال بينما يفتح باب السيارة..
(اركبي فلك و لا تجعليني اعيدك دون رضاكِ)
لمحت الارهاق في عينيه فآثرت الصمت بينما تدخل السيارة ببطء و حذر...جلس جوارها يناظرها بيأس و عقله يردد ما يخشاه...
"اخشى ان ينتهي العمر بي قبل أن أعيدك الى بيتك فلك و أنتِ راضية.."
توقفت السيارة في الحي أسفل بيت هيام...خرجت منها فلك كما فعل طارق الذي يتابع هروبها منه بسرعة الى بيت أمها...نادى عليها بحزم فتوقفت بسببه و بسبب هذا الصوت الصادر من عند بيت المراكبي...تراجعت تقف جوار طارق و تتفحص ما يحدث فاتسعت عيناها بسعادة حقيقية حينما وجدت الحاج سليمان يخرج من سيارته و يستقبله عماله و أحبابه بالمباركة...همهمت بخفوت حامد
(الحاج سليمان عاد اخيرا...الحمد لله)
بيت المراكبي...
وضعت صفية وسادة صغيرة خلف ظهره على الكرسي تسأله ببشاشة غير مكتملة دون كرم...
(هل أنت مرتاح هكذا؟!)
منحها شكره في بسمته و قوله...
(مرتاح الحمد لله...سلمت يدك يا أم خالد)
ربتت صفية على كتفه بمحبة فتنهد سليمان و تفكيره يعود و ينصب فيما سيفعله بعد عودته...هدير اولهم...هذه البنت يجب ان يحل مشكلتها قبل اي فرد آخر...سأل صفية بإلحاح
(اطلبي من هدير ان تأتيني اليوم يا صفية)
نظروا جميعا لبعضهم بصمت اثار ترقبه لكن صفية اسرعت تقول...
(ان شاء الله يا حاج...)
دقق النظر في وجوه ابنائه متسائلا...
(أين أم مازن؟!...و أين كرم لم أره منذ أيام في المشفى؟!)
زادت النظرات حوله تيها و ترقبا جعلوه يوجس خيفة فيقبض على عكازه بقلق...هل عرف كرم بشأن داغر؟!!...سأل بصوت رغم ضعفه إلا انه مسيطر كما كان...
(أين كرم؟!!)
(أنا هنا يا حاج...حمدا لله على سلامتك)
ظهور كرم بعدما فتح باب الشقة و دلف جعلهم جميعا يهللون بصراخ سعيد...و كان أول من يصل اليه هي غسق...لقد ركضت حرفيا تتعلق بعنقه و تضمه اليها شاعرة ان المكان لا يحوي غيرهما...التقفها بين ذراعيه يشدد من ضمها اليه هامسا بصوت لا يسمعه غيرها...
(اشتقت اليك يا حلال كرم)
شعر بدموعها تسيل فأنزلها بعدما احاطه أخوته دون ان يبعد وجهها عن صدره...ظلت هكذا تخفي ضعفها بين طيات روحه كما اعتادت منه ان يفعل...سؤال خالد كان مسموعا لهم فقط دون ان يصل الى والده المتابع بتعجب مما يفعلون و والدته المتماسكة بشق الأنفس كي لا تهرول اليه و تضمه الى صدرها..
(كيف خرجت يا كرم؟!)
اجابه بخفوت مراعٍ لحالة والده و حالتهم...
(حسام يصف سيارته بالأسفل و سيصعد ليخبركم...دعوني اذهب الى أبي كي لا يشك أكثر بنا)
خرجت غسق من بين احضانه تمسح دموعها دون ان تنظر له...لا تعرف حقا ما هو الشعور الذي سيحتلها لو نظرت اليه...لذا ستجعله شعورا يخصهما معا بعدما يصبحا بمفرديهما...اقترب كرم من والده يقبل رأسه بعمق ثم ينحني يقبل كفيه بالتتابع قائلا...
(أنارت بيتك يا حاج...حمدا لله على سلامتك)
لا ينكر سليمان انه شعر بالراحة حينما رأى كرم لكنه ليس غرا لتمر عليه كذبة ابنائه...في غيابه حدث الكثير و هو سيعرفه...فقط ليحميهم و يؤمن حياتهم كسابق عهده...
"أنا داغر ممدوح السمري...أسجل هذا المقطع في يوم"..." بتاريخ "..." و أنا بكامل قواي العقلية دون أن يجبرني أحد على فعل ذلك...أعترف بأن كرم المراكبي بريء من تهمة المخدرات و أنني من لفقها له ليدخل السجن بسببها...)
وقفت غسق جوار هبه و قمر في المطبخ يشاهدن مقطع الفيديو الذي منحه حسام لفاطمة و التي تحدثهم باتصال فيديو من المشفى و تعرض عليهن المقطع...همهمت قمر بغيظ غاضب....
(لا أراحك الله يا داغر...من يومك و أنت تكره أخي)
ردت هبه بقول متعجب...
(لا أصدق أن داغر يعترف على نفسه ليخلي سبيل كرم!!)
قالت فاطمة بهدوء...
(لا أحد يصدق منذ الأمس...لقد هاتف ضابط تعرّف عليه حسام هناك يخبره بأن قضية كرم حصل بها تطورا سيقلب الأحداث و يصب في صالحه...و حينما ذهب رأى هذا الفيديو الذي سلمه عزت رجل داغر للشرطة بالأمس قائلا انه لا يعرف مكان داغر لكنه ارسله له مشددا على ارساله للشرطة...و هكذا انتهت الاجراءات و أخلوا سبيل كرم)
تكلمت قمر بضيق من أختها...
(منذ الأمس تعرفين ان كرم ظهرت براءته و تخفين علينا يا فاطمة؟!)
اسرعت فاطمة تزيح عنها العتاب...
(و الله ما كنت أعرف سوى صباح اليوم فها أنا محبوسة في المشفى و معي للآن...لكن كرم طلب من حسام ألا يبلغكم ليفاجئكم بخروجه)
تكلمت قمر بفرحة لا تريد تعكيرها...
(لا يهم الأمس من اليوم المهم أن كرم عاد لنا...)
تضرجت وجنتا غسق بحمرة مشتاقة فاستأذنتهما لتذهب الى غرفتها فقد رأت كرم يتوجه اليها قبل قليل...
في غرفة كرم...
صدح رنين هاتفه قبل أن يدلف للحمام كي يغتسل و يبدل ثيابه...فعاد يأخذه من فوق السرير يفتح الخط مجيبا...عقد ما بين حاجبيه بعدما ميز الصوت فقال مندهشا...
(داغر!!)
وصله صوت داغر الهادئ يقول...
(مبارك البراءة يا كرم...)
رغما عنه احتدت نبرته عندما سأله...
(لماذا ساعدتني و اعترفت بجرمك...الشرطة ستجدك في نهاية المطاف)
صمت داغر قليلا ليقول..
(ستجدني أو أنا من سيقدم نفسه لها ما عادت تفرق فالنتيجة واحدة...أنا خاسر)
اصاب كرم الذهول من كلام داغر لكن ما قيل بعده كان أشد وطأة...
(المهم و ما اتصلت بك لأجله...أنا وصلت لمفتعلي حادث اغتصاب زوجتك...نهايتهم وضعتها من قبل لكني شعرت بأهمية اخبارك بذلك قبل أن اتصرف معهم...من حق الدكتورة أن ترى بعينيها حقها يعود لتبرد نيرانها)
انفاس كرم في هذه اللحظة كانت كمرجل متقد...تشتعل بوعيد...بحنون...بغضب...و وجع...سأله بصوت يفتت الجدران حوله
(أين هم...أين أنت...ويلك مني داغر لو كانت مجرد مكيدة جديدة!)
وصله رد داغر المؤكد...
(أنا باقٍ مكاني و إن جئت و وجدتها مكيدة افعل بي ما تريد)
بنظرات متوعدة بالهلاك أمره كرم...
(اعطني العنوان....)
اغلق معه الخط بصدر يغلي من غضبه...مغتصبي غسق وجدهم اخيرا...و الله ليسفكن دمائهم دون رحمة أو تروي...توجه الى خزانة اوراقه يأخذ من علبة بداخلها مفتاح ثم ينحني يفتح درج سفلي و يمد يده ليخرج سلاحه...اليوم سيعيد لغسق حقها...




...انتهى الفصل...
...قراءة ممتعة...




الأسبوع القادم موعدنا مع الفصل الأخير إن شاء الله










AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 12:01 PM   #1246

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ديمة دمدوم مشاهدة المشاركة
كتير رائعة هالرواية ..لو سمحتو ممكن اسماء الروايات الاخرى للكاتبة ...بحثت ولم اجد
ممنونة لرأيك
ليا رواية واحدة هنا "فوق ربى الحب" و "لقياك" هي التانية


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 12:03 PM   #1247

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شوشو العالم مشاهدة المشاركة
مساء الخير.. انا قرأت روايتك فوق ربى الحب الحقيقة رواية رائعة ومبهرة وبنتظر لقياك لي المأوى تخلص عشان أقرأها كاملة ما بتحمل انتظار الفصول لما تكون الرواية مشوقة ومتاكدة انه لقياك ما بتقل روعة عن فوق ربى الحب فطمنيني باقي كتير لتخلص ولا قربت..
ومن قبل ما اقرأ تسلم ايديك اكيد مبدعة❤️❤️
ممنونة لرأيك جدا
النهاردة نزل الفصل قبل الأخير من لقياك


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 02:49 PM   #1248

MonaEed

? العضوٌ??? » 413356
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 356
?  نُقآطِيْ » MonaEed is on a distinguished road
Rewitysmile2

اوة ياالله نهاية متفجرة
فصل رهييب
غسق ماكان سيفلح الامر مع امها الا ان تقول الحقيقة ومافعله لها كرم
حقيقة مؤلمة لكن مهمة حتى ترحم كرم

غسق كانت النعم
كلمة مؤيد
البظاية منك والنهاية اليك فمل مرتبط بك بشكل او باخر
اتذكر نظرتة الاولى عندما كانت مع ديما فى الحفل

اجمل صباح من اجلك اية
دمتى مبدعة


MonaEed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 03:02 PM   #1249

رقية سامي

? العضوٌ??? » 484695
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 66
?  نُقآطِيْ » رقية سامي is on a distinguished road
افتراضي

بصراحة فصل روعة 🤩🤩🤩🤩🤩🤩
صدمة لام غسقوابواخا بس يلا علشان تهدي شوية علي كرم


رقية سامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-21, 08:15 PM   #1250

Iraqi1989

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية Iraqi1989

? العضوٌ??? » 333582
?  التسِجيلٌ » Dec 2014
? مشَارَ?اتْي » 718
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Iraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond reputeIraqi1989 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

واو .ِِيا ريت داغر تغير قبل ما هدير ماتت ..
حبيت مشاعر مؤيد وكونه بنص الهوسه واللخبطه يريد طفل😂مركز عالهدف


Iraqi1989 غير متواجد حالياً  
التوقيع
#نظرت الى عيوب الناس فوجدتها تبلغ الجبال ولكني بفضل الله توقفت لحظة انظر الى عيوبي فوجدتها بلغت عنان السماء**!!
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:26 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.