آخر 10 مشاركات
حب في الأدغال - ساره كريفن - روايات ناتالي** (الكاتـب : angel08 - )           »          دوامة الذكريات - فانيسا غرانت - روايات ناتالي** (الكاتـب : القصايد - )           »          الحب الذي لا يموت - باربارا كارتلاند -روايات ياسمين (الكاتـب : Just Faith - )           »          اللقاء الغامض - روايات ياسمين (الكاتـب : Just Faith - )           »          التوأمتان - روايات ياسمين** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          بين نارين - باربارا كارتلاند -ياسمين (حصرياً) (الكاتـب : Just Faith - )           »          الساحرة الغجرية (16) للكاتبة المميزة: لامارا *كاملة & مميزة* (الكاتـب : لامارا - )           »          القلب الهارب _ باربرا كارتلاند _ الدوائر الثلاثة (الكاتـب : MooNy87 - )           »          حب و كبرياء - بني جوردان - الدوائر الثلاث** (الكاتـب : لولا - )           »          إبنة الليل - جينث موري - الدوائر الثلاث ( تصوير جديد )** (الكاتـب : angel08 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree860Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-03-21, 12:11 AM   #1261

بت الجوف

? العضوٌ??? » 381739
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 619
?  نُقآطِيْ » بت الجوف is on a distinguished road
افتراضي


مساء الخير الفصل ٣١ مش لاقياهو

بت الجوف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-21, 05:14 AM   #1262

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بت الجوف مشاهدة المشاركة
مساء الخير الفصل ٣١ مش لاقياهو
https://www.rewity.com/forum/t469585-125.html


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-21, 09:22 PM   #1263

طيوبه2

? العضوٌ??? » 131788
?  التسِجيلٌ » Jul 2010
? مشَارَ?اتْي » 284
?  نُقآطِيْ » طيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond reputeطيوبه2 has a reputation beyond repute
افتراضي

اعد الايام وانتظر على احر من الجمر يوم الاربعاء اتمنى تنتهي معانات غسق ولا اتمنى نهاية الروايه شكرا ل ياغاليه على هذا الابداع واستمري لان قلمك مبهر وقصصك جميله

طيوبه2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-03-21, 10:16 PM   #1264

randa duidar
 
الصورة الرمزية randa duidar

? العضوٌ??? » 417296
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 212
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » randa duidar is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور
منتظرين على احر من الجمر والحمد لله أن المنتدى فتح


randa duidar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-03-21, 11:37 PM   #1265

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني و الثلاثون



الفصل الثاني و الثلاثون

"الأخير"





أمسكت مقبض الباب تديره ببسمة ترتسم بحياء كحال نبضها الذي يعلو بخجل عاشق...تعب الأيام الماضية نسيته...شقاء و عذاب غيابه عنها تلاشى...رعبها اثناء بحثها عن داغر تبخر...ما تبقى في روحها هو الاشتياق الجارف له...سحبت نفسا عميقا تتهيأ به لرؤيته...فمن هذه اللحظة هي تسعى للقاء رجل احبته قد سرى بداخلها يتخلل أنفاسها و روحها...أدارت المقبض بأيد ترتعش انفعالا سعيدا لكنها شعرت بثقل المقبض و قبل أن تتعجب فتح كرم الباب...تعلقت عيناه بعينيها للحظة و لكنها كانت كافية لتشعر بالخوف...رؤية وجهه بهذه الملامح جعل نبضها العالي يتراجع بتوجس فهمست بصوت مهتز...
(ماذا حدث كرم؟!)
صمته جعل قلبها يسقط بين قدميها أما وجهه المكفهر فنال من روحها و مزقها بترقب مرتعب...خرج من الغرفة يتخطاها بخطوات توضح لها مدى غضبه...تسارعت أنفاسها تنادي عليه بصوت أشبه بالرجاء...
(الى أين أنت ذاهب؟!...كرم توقف...كرم!!)
تحركت خلفه بسرعة تنادي عليه بصوت تحاول جاهدة ألا يعلو كي لا تثير شك الجميع...والده هنا و هذا يكبلها كليا...اصطدمت بجسد هبه التي خرجت للتو من المطبخ و قد رأت كرم من الداخل و خرجت فورا لتفهم ما به...تعلقت نظراتهما به يفتح باب الشقة و يخرج منه دون أن يلفظ حرفا لكن لغة جسده تقول لهما الكثير...تحكي لغسق رعبا كبيرا...التفتت هبه اليها تسألها بترقب...
(ما به كرم يا غسق؟!)
تخطتها بلهفة متخوفة تقول اثناء ابتعادها...
(لا أعرف...يجب أن ألحق به)
تتبعتها هبه حتى وصلت الى باب الشقة تفتحه و تخرج منه ركضا خلف كرم فدارت بعينيها في ارجاء الشقة بتوجس...سليمان يرتاح في غرفته و خالد يجالس حسام في غرفة الضيوف يفهم منه ما حصل و تظن ان سماعه لاسم داغر في القضية سيزيد الطين بلة...فركت يديها معا تتمنى لو كان صالح هنا لكنه بقي مع فاطمة في المشفى هذا اليوم...همهمت بقلق حقيقي
(استر يا رب...)
هرولت غسق على الدرج بسرعة تتبع خياله الذي يبتعد عنها...ندائها المتكرر له و الذي لا يستجيب على أثره يقذف في قلبها يقين أن ما سيفعله ليس هينا...وصلت الى الباب الحديدي تخرج منه فاصطدم كتفها به...تأوهت بصوت مكتوم لكنها لم تتوقف و وقع خطوات قدمه بالشارع يبتعد عنها...لا يجب أن تتلاشى خطواته من محيط سماعها...نظرت حولها في الشارع فلمحت ظهره يختفي عند المكان الذي يصفون به سيارتهم...هرولت اليه بقلب وجل حتى بلغته نادت عليه بصوت لاهث متوتر...
(كرم توقف...ماذا يحدث معك؟!...كرم أنت تُخيفني بصمتك هذا!)
فتح باب السيارة يدخلها دون أن يجيبها لكنها تسمرت مكانها بعينين متسعتين بهلع حينما ارتفع قميصه بينما ينحني ليدلف و رأت سلاحا معلقا في بنطاله خلف خصره...في هذه اللحظة شعرت بأن الدنيا تميد من تحتها...بأنها ستخسر كرم للأبد...ماذا سيفعل و الى من سيذهب...هل هو داغر؟! لكن كرم عرف بشأن داغر منذ الأمس كما يفترض و قد كان هادئا جدا منذ عاد...أم ان هدوئه كان قناعا لأجل والده لكن ماذا دفعه لأن ينزع هذا الهدوء في وقت قصير؟!..كانت اسئلة لا يهم اجابتها قدر اهتمامها بأن توقفه...صوت الباب و هو يغلقه بعنف اعادها للشعور فارتعش جسدها بينما تلف بسرعة رغم وهن عظامها و تراخيها الى الباب الآخر تفتحه و تركب جواره...همست بأسنان تصطك برعب و كل ما أسعفها خوفها على نطقه كان اسمه...
(كرم!...)
ناظرها بعينين ملتهبتين بلهيب غضب و انتقام...هذه النظرة ترعبها عليه...ماذا تنوي يا كرم؟!...سألته بصوت مرتعش و حروف مرتعدة...
(الى أين ستذهب بهذا السلاح يا كرم؟!!!)
اعتصر عجلة القيادة اسفل كفيه لينطق اخيرا بكلمة واحدة آمرة...
(أنزلي)
اهتاجت في جلستها جواره تصرخ بشيء من رعب و رفض فحقا عقلها ليس به متسع ليصنف مشاعرها...و أي مشاعر هنا تستحق أن تقيم لها وزنا بعد شعورها بالرعب من فقد كرم!...
(لا لن أفعل...كرم ماذا حصل معك كنت هادئا منذ وصلت للبيت؟!!...كرم ارجوك لمن ستذهب؟!...بالله عليك اخبرني ماذا حدث لتتحول هكذا؟!!)
اشاح بوجهه بعيدا عنها و لا زالت كفيه تعتصران عجلة القيادة...يطحن ضروسه و حنايا روحه تنفث لهيبها الحارق...صوت انفاسه يعلو في صمت مرعب بينهما...هو يغلي من الداخل و غسق تترقب بقلب يتقلص...لا يمكنه ان يعرضها للخطر فحتى هذه اللحظة هو لا يثق في داغر بالمرة...و دون ان ينظر لها أعاد أمره بخشونة
(أنزلي يا غسق...)
صرخت به و قد انفلت حبل تعقلها تماما...أيطلب منها ان تتركه؟!...تترك زوجها و حبيبها...و الله لو كانت لحظتهما القادمة هي اللحظة الأخيرة في الدنيا فلن تتراجع عن وجودها معه...
(قلت لن أفعل...سأكون معك هذا حقي)
هذا حقها!!...نعم يا كرم ان ترى بعينيها هذين الشابين و هما يصرخان ألما حقها...و هو سيعيده لها اليوم حتى لو كان أخر ما سيفعله في حياته...شغل المحرك ليخرج بالسيارة من الحي بسرعة جنونية بينما غسق جواره تتشبث بدعائها الخفي أن يمر القادم دون خسارته...
*******
بالأعلى بيت سليمان المراكبي...
سقط الطبق من يد قمر ليتدحرج على أرضية المطبخ مصدرا صوتا عاليا كصوت خالد بالخارج...تبادلت النظرات مع هبه بوجل لتسرعا هما الاثنتان للخارج بلهفة و ذعر...وصلتا عند غرفة الضيوف فوجدتا خالد بملامح مخيفة يحاول الوصول الى باب الشقة بينما حسام يتمسك به يلجمه قولا و فعلا...
(يا أبا مازن اهدأ و لا تثير ضجة فنحن لا نريد أن يعرف عمي سليمان الآن)
ناظره خالد بحدة و قد عمي الغضب عينيه فيقول بصوت متحفز...
(الكلب داغر يظن أن بفعلته هذه في أخي سنصمت له...)
اقتربت قمر من أخيها ترجوه بخوف...
(أخي أخفض صوتك فأبي هنا و صحته لن تحتمل...أليس أنت من كان يأمرنا بألا نفصح بكل هذه المصائب أمام أبي الآن)
توقف خالد عن الحركة لكن أنفاسه بقيت مشتعلة في صدره...عائلة السمري لعنهم الله متى سيتخلصون منهم...ألا يكفي أن والده نفى أي تهمة عنهم تخص حادثه حينما أخذت أقواله الشرطة...ألا يكفي أنه يرى رغبة في عينيه تخبره عن نيته في تأديبهم لكن بمفرده دونهم...أيظن أنهم لا يزالون صغارا يخشى عليهم من مجرد عدد زائد على الرجال كأبناء السمري...و ها هي النتيجة يضربونهم ضربات متتالية بلا توقف قد اوشكت ان تنهي شباب أخيه للمرة الثانية...اجفل حينما سمع صوت باب غرفة والديه يُفتح و يخرج منه والده ببطء مستند على عكازه بينما والدته تثنيه عما يريد فعله بقلق...
(يا سليمان قلت لك لا يوجد شيء لماذا تصر على اجهاد نفسك؟!)
التقط سليمان عيني ابنه و الذي خبأهما عنه بسرعة لكن خالد لم يكن يعي أن نظرة خاطفة تكفي والده ليعرف ان هناك شيء اصاب ابناءه...اقترب منهم ليقف امامهم متسائلا بصوت يحاول جاهدا ان يعود لسيطرته...
(ما الذي تخفونه عني يا ابناء سليمان و لا تريدون لي أن أعرفه...اظننتم أنني كبرت و عجزت و لن أقوى على حمايتكم كما السابق؟!)
صوتهم جميعا وصله بلهفة و نفي من أن يفكرون به بمثل هذه الطريقة فعاود السؤال من جديد و قد أختص خالد...
(فلتخبرني يا خالد ما الذي يحصل معكم بني؟)
جز خالد على ضروسه بقوة يلتقط نظرات الجميع حوله المتخوفة فيخبر نفسه ان الحمل هذه المرة أثقل بكثير...رفع وجهه يضيق ما بين حاجبيه بترقب بعدما طرح والده سؤالا آخر...
(أين كرم لماذا لا أراه؟!)
ابتلعت هبه ريقها بصعوبة تنظر اليهم بتوتر قبل ان تقول...
(لقد خرج قبل قليل)
(خرج!!...الى اين؟!!)
سؤال خالد المصعوق زاد توترها فهزت كتفيها بقلة حيلة تقول...
(لا أعرف...لكن غسق كانت معه)
اوجس قلب سليمان بخوف على ابنه من ان يكون قد عرف عن داغر و ما فعله بغسق...أما خالد فراوده خوفا مشابها بأن يكون كرم ذهب الى داغر لينتقم منه بسبب حبسه...و من بين تصاعد الخوف و ترقب القادم دق أحدهم الباب فهرول خالد اليه يفتحه آملا أن يكون هذا كرم كما تمنى الجميع و لكل منهم سببه...لكنه تسمر حينما طلت سهر أمام عينيه...ضيق عينيه بجهل يسألها
(ماذا تفعلين هنا؟!)
ناظرته بغلٍ تقول...
(جئت أرى زوجي الذي تخلى عني دون سؤال)
احتدت نبرة صوته و قد ضغط على نفسه بصعوبة ليكتم غضبه عن والده...
(اذهبي من أمامي يا سهر و اتقِ شري في هذه الساعة)
صوت سليمان المتسائل من الداخل عن هوية الطارق رغم ضعفه إلا انها التقطته فأسرعت تدخل الشقة و تستغل كل الظروف لتعود الى هنا...لا تصدق انها خرجت خالية اليدين من بيت المراكبي...لا تصدق ان هبه و غسق بقيتا تتنعمان في نعيم و اموال هذه العائلة و هي بعدما دبرت و خططت لسنوات تخرج هكذا...هرولت الى سليمان قبل ان تصلها يد خالد و تحت نظرات قمر و هبه المصعوقتين...انحنت تتمسك بيده و تقبلها قائلة بشكوى و قد اغرورقت عيناها بدموع مزيفة...
(انجدني يا أبي الحاج...ابناءك استغلوا غيابك و استباحوا ضعفي ليطردوني من البيت و يحرموني من ابني)
انفرجتا عينا صفية بعدم تصديق تنظر لمن حولها و تتساءل...
(ماذا تقصدين يا سهر؟!!)
انتحبت بشكل مفرط تقترب من صفية بينما تقول...
(لقد لفقوا لي تهمة لم أفعلها يا أمي الحاجة...قمر، هبه و غسق الصقوا بي شيئا أنا بريئة منه و جعلوا خالد يطلقني و يحرمني من مازن)
صوت عكاز سليمان و هو يضرب الأرض كان عاليا و كأنه يبلغ الجميع ان صاحبه لم يُمت بعد ليخربوا حياتهم في غيابه و يدمروا استقرارا بناه منذ سنوات...هدر بهم يسألهم بحزم شديد البأس...
(هل ظننتم أنني مِتُ ففعلتم ما تشاؤون يا اولاد المراكبي؟)
لم تتحمل قمر تبجح و فجور سهر و هي ترى أخاها يقف مكبلا يكبح غضبه عن امرأة قد انهت حياتهما بيدها...تقدمت من سهر تجذبها بعنف من ذراعها و تبعدها عن والديها بينما تهدر بها بعدم تصديق...
(من أي طينة خلقك الله يا سهر؟!...ماذا تركتِ للشياطين من خبث و مكر؟!)
زادت حدة بكاء سهر بمسكنة و قد آثرت الصمت لتحبك كونها ضحية لكن قمر عادت تنظر لوالديها و تحكي كل شيء بقهر...
(انها كاذبة يا أبي لا تصدقها...من أدخلها خالد بيته و من اعتبرته كابنتك كانت تضمر لنا الشر...هي يا أبي من قتلت ابنيّ صالح و عرقلت حمل زوجته لسنوات و بفجور فعلت المثل مع زوجة كرم التي أتهمتها في شرفها و كدتُ أميل لافترائها...هذا البيت كان سينهار بسببها يا أبي فلا تصدق دموع المكر هذه)
رفعت سهر عينيها الى سليمان الذي يناظرها بعدم تصديق فتهمس بنحيب...
(كذب يا أبي الحا...)
هذه المرة قاطعت جملتها هبه و التي امسكت ذراعها تعتصره بقسوة بينما تهدر في وجهها...
(غلطتي انني رأفت بحال ابنك المسكين و أجلت ابلاغ الشرطة عنك...ما تستحقينه يا سهر هو الشعور بالوجع و أنتِ مسجونة بين أربع جدران تمضين الأيام بترقب و تتعلمين معهم الصبر الذي تعلمته بسببك لسنوات)
اتسعت عينا سهر بهلع و قد ظنت ان هبه لن تفعل هذا...زاد كرهها في نظرتها و حروفها و قد تمكنت نفسها الغير سوية فقالت بانتشاء...
(أنتِ أضعف من أن تؤذي نملة صغيرة يا هبه...و ضعيفة مثلك لم تكن تستحق أن تحمل في ولدين دفعة واحدة...)
اهتزت قلوبهم جميعا من هذا السواد الذي يحتل روح سهر فصدر أمر سليمان الذي حقا لم تعد تتحمل نفسه رؤية هذه المرأة أكثر...
(أخرجوا هذه المرأة من هنا...)
و كأن قمر كانت تود لو تفعلها من قبل فأسرعت تسحب سهر بقوة الى باب الشقة و تدفعها للخارج بينما تهدر بها...
(اخرجي و لا تعودي الى هنا ابدا...أعوذ بالله من شيطانك)
اغلقت الباب خلفها بحدة و التفتت تراقب هبه التي انهارت في بكاء يفتت القلوب...اسرعت صفية اليها تضمها الى صدرها و لا يزال عقلها حقا لا يستوعب ما فعلته سهر بها....بينما سهر بالخارج ظلت تحوم حول نفسها و نيران غلها لا تهدأ لذا قررت ان تحرقهم جميعا و تجعل سيرتهم على كل لسان...دقت على الباب بقوة عجيبة لتهدر بشماتة واضحة في كلماتها...
(لن تهنئوا في حياتكم و سأدفعكم ثمن ما فعلتموه بي...لست أنا الفاجرة يا قمر فأنا لست غسق التي تنقلت بين يدي الرجال و لست هدير التي حملت دون زواج و ماتت كي تخفي مصيبتها و تتخلص من حملها)
انحسرت انفاسهم في صدورهم حينما بلغت كلماتها الى سليمان الذي تجهمت ملامحه بشدة يناظرهم بشيء من التيه فيسألهم بصوت مهتز....
(هدير ماتت؟!!)
نكسوا رؤوسهم بصمت ابلغه الإجابة فاهتز في وقفته و كاد يقع لولا سرعة خالد في الوصول اليه يسنده الى كتفه...التفوا جميعهم حوله بهلع حتى اجلسوه على كرسي فرفع بصره بضعف يسأل زوجته...
(هل الأمانة التي حملتها فوق كتفيّ قبل سنوات ماتت؟!...اخبريني صفية هل ماتت ابنة عبد الصبور؟!)
دمعت عينا صفية على حال زوجها و فراق هدير فهمهمت بأسف عليه...
(انه عمرها يا سليمان...)
اغمض سليمان عينيه بعجز يراوده لأول مرة و لولا تمكنه من السيطرة على جزء صغير من نفسه لسالت هذه الدمعة المحترقة و رآها اولاده...همهم بصوت ضعيف و قلب يتألم...
(فلتسامحني يا عبد الصبور تركت ابنتك في أمانتي و قد كنت غير أمين عليها...إنا لله و إنا إليه راجعون و حسبي ربي و نعيم الوكيل)
بالأسفل...
خرجت سهر كالمجنونة من البيت تدور حول نفسها في الشارع و قد جذبت نظر بعض النسوة اللائي اجتمعن حولها...و بنظرات مخيفة و انفاس لاعنة انزلت وشاح شعرها عن رأسها لتولول بعلو صوتها وسط الشارع
(يا أهل الحي تعالوا لتروا بأعينكم ما فعلوه بي ابناء المراكبي...لقد طردوني من بيتهم و حرموني من ابني لأنني قلت كلمة الحق و لم أسكت على فجور نسائهم...تعالوا و اسمعوا مني الحقيقة التي لا تعرفونها فهذا البيت به الكثير من المصائب التي تغفلون عنها...)
تجمهر أهل الحي حولها...رجال قبل النساء...صغار و كبار...و قد دفع حشدهم في قلبها الرضا فعلا صوتها بالمزيد...
(الست الدكتورة التي تتعامل معنا من رأس أنفها ليست سوى فتاة معيوبة تستر عليها كرم...و هدير ابنة عبد الصبور لم تُقتل كما ضحكوا عليكم بل كانت حاملا في ابن حرام و ماتت و هي تجهضه)
اخرستها هذه الصفعة المدوية التي ناولها إياها والدها...ناظرته بعينين شرستين رأى فيهما انعكاس شيطان رجيم...هز رأسه ندما عليها قائلا بصوت وهن...
(إن كنت أبا ضعيفا لم يقوَ على تربية ابنته الوحيدة فلا ذنب لعائلة منحتك اسمها و عاملتك خير معاملة أن تفتري عليهم زورا و كذبا...اتقِ ربك و اخرسي سهر)
جذبها من يدها بقوة يسحبها من بين الناس الى بيته...كان يعرف ان قلب ابنته قد استولى عليه شيطانها لكنه لم يتصور يوما ان تبيع روحها ايضا له...راقبهما سكان الحي حتى اختفيا في بيت حسونة...و ان كانت اختفت مفتعلة الفتنة فالفتنة لن تختفي...لعن الله من أيقظها!
*******
تطلعت غسق حولها بتفحص متوتر للمكان الذي تتحرك به السيارة...التفتت للجانب تنظر لكرم الصامت تماما منذ خرجا من الحي بقلق...ابتلعت ريقها قبل ان تحاول مجددا معه عله يريح خوفها عليه...
(ما هذا المكان يا كرم؟!)
صوت أنفاسه العالية كان رده...لا يريد أن يفصح لها عن شيء حتى يتأكد...و بعدها سيخضب أرض روحها بدمائهما...ليُشفي غليل قلبها و يُشعرها بأن حقها فعلا عاد...رمشت بعينيها بتوتر يتصاعد و قد عرفت بأنه لن يجيب...عادت تنظر حولها بقلب يعصف بخوف كلما توغلت السيارة في هذا المكان المهجور...توقفت السيارة فجأة فأجفلت تسرع بالنظر إليه فتجد بصره معلقا على شيء أمامه مباشرةً لا يحيد...من يا كرم يستحق منك هذه النظرة اللاعنة...من سأجده في وجهي ان التفت إلى حيث تنظر...من يهددني بأخذك مني؟!...هربت منها انفاس ثقيلة بينما تلتفت ببصرها حيث ينظر كرم...كلفها الأمر لحظة...فقط لحظة أدرك فيها عقلها أي خطر يحوم حول كرم...اهتزت شفتاها دون ان تشعر و هي تنظر لداغر...توقعها صدق و يا ليته لم يُصدق ابدا...حركة كرم جوارها نبأتها بخسارته...اتسعت عيناها بصدمة متأخرة بعدما وجدته يفتح باب سيارته و يخرج منه بجسد متأهب للفتك!...مالت بجسدها ناحيته علها تتمسك به لكنه خرج بالفعل...خرج لمواجهة تخشاها كالموت...صرخت بجنون حتى شعرت بحنجرتها تنجرح و هي ترجوه...
(لا يا كرم...لا تخرج...كرم!!!)
بأيد ترتعش حاولت فك حزام الأمان عن جسدها دون أن تنظر ماذا تفعل...فعيناها معلقتان بجسد كرم الذي يبتعد عنها و يقترب من داغر...يقترب من بؤرة الشر التي أحرقتهما من قبل!...فلحت في نزعه بعد وقت شعرت و كأنه دهرا أصابها بالعجز و صور لها حياة دون كرم...فتحت باب السيارة تخرج منها لكنها لم تكن تعرف بأن رعبها جعل ساقيها رخويتين هكذا حقا إلا بعدما وقعت على ركبتيها فور خروجها من السيارة...تشبثت بباب السيارة تستند عليه و تستقيم لتلحق به...تحركت بعصوبة تدور حول السيارة من الأمام لتصل الى كرم...همست بصوت مرتعش اصابه الخرس بعد ثوان...مجرد ثوان فقط أصابت روحها في مقتل...
(كرم انتظر لا.....)
تسمرت مكانها جاحظة العينين...مبتورة الأنفاس...حبيسة ذكرى لعينة...الأصوات حولها تلاشت حتى صوت انفاسها...أذناها لا تستقبلا سوى صوت تحطيم و صرخات مكتومة...الأرض تدور اسفلها أم هي من يدور؟!...لم تشعر بأنها شارفت على السقوط أرضا إلا عندما اسندها كرم الى صدره...و هنا عادت الأصوات...عادت الأنفاس...تكاد تعدو في صدرها من سرعتها المخيفة...امتلأت الأحداق بدموع محترقة حينما رفعت وجهها الى كرم تهمس بخفوت مصدوم...
(هذان...هما)
و بعد جملتها تسارعت وتيرة تنفسها اكثر حتى تحولت انفاسها لشهقات عالية اقرب للصراخ...أبعدت بصرها عن كرم تهذي من بين شهقات مذبوحة...
(هما يا كرم هما...من دمرا حياتي...هما.....)
انقطعت كلماتها بعدما داهمتها شهقة مدوية سحبت روحها لا انفاسها فقط...خرج صوتها متأوه بخفوت يزداد مع الوقت حتى فلتت من بين شفتيها آه رجت الفضاء المهجور حولهم...آه ارتد صداها ليسقط في قلب كرم كاملا...رفعت عينيها اليهما و قد احتدت نظرتها بغضب...بكره...بقسوة و رغبة في تمزيق لحمهما...يجلسان على ركبيهما...مربوطين الأيدي و مكممين الفم...تحول همسها الخافت الى كلمات متماسكة و هي تردف بينما لا تحول ببصرها عنهما...
(هما من قما باغتصابي...)
إن كانت حالتها تذيب القلب فعلى بعد سنتيمترات قليلة فوق رأسها يوجد رجلا ليس بأفضل منها...عيناه اسودتا بغضب لا متناهي...و صدره يحترق بما تلقيه غسق من كلمات...و دمه الذي يغلي بأنين رجل ذبحوه غدرا...كله ليس بأفضل منها ابدا...قد راوده الشك بأن داغر يكذب عليه لكن الآن بعدما أكدت له قولا و فعلا بأنهما هما لن يثنيه عن قتلهما شيء...شدد من تمسكه بها بذارع بينما الآخر التف خلف ظهره يسحب سلاحه منه و يرفعه في وجوههما فيرى ارتعاشهما و يسمع صراخهما المكتوم...اصابعه تحترق ليضغط على زناد السلاح و يفرغ دمائهما القذرة لكن تواجد ابنيّ السمري المكممين جوارهما و معرفة داغر بهويتهما يجب أن يعرف عن كل هذا...دون ان يفلتهما من نطاق نظراته المرعبة خرج صوته هادرا خشنا بينما يسأل داغر الواقف جوار عزت و رجاله...
(لماذا تعرف بشأن هذين الكلبين يا ابن السمري؟!)
راقب داغر جانب وجه كرم فتأكد بأن كل ما جمعهما من عداوة على مدار سنوات لم يكشف له ابدا عما يراه الآن...إن ظن يوما أنه رأى غضب كرم فما هو إلا غر أحمق...ما يراه الآن لا يُعادل سنوات عمريهما و تناحرهما...ما يراه الآن يهدد بالإبادة لكل من يقف على هذه البقعة من الأرض!...لكن اليوم و لأول مرة في حياته هو من اختار و نفذ و قد فطن توابع مخططه و تأهب لقبول ما يراه من كرم...اليوم سيضع نهاية لحكاية طويلة الأمد خسر بها نفسه و روحه و هدير!...
(في يوم تمنيت أن أكون مثلك...أن يفتخر بي بأبي كما يفتخر أباك...أن يحاوطني أخي كما يفعل أخواك...أن أجد صديقا يسندني حينما أقع كما وجدت أنت أيوب...لكنني لم أستطع الحصول على أي مما تمنيت فتحولت أمنيتي الى كره لك...فلماذا تكون افضل مني رغم أنك أصغر...ماذا ينقصني عنك لتختلف حياتي عن حياتك فتكون أنت في اقصى اليمين و أنا في اليسار؟!!!)
صوت داغر كان هادئا و هو يحكي ما لم يستطع أن يبوح به حتى لنفسه...فما أصعب أن تعري مشاعر خبيثة طمرتها عمرا طويلا في ظلمات نفسك أمام الناس!...التفت له كرم يناظره بعينين ضيقتين رغم سرعة انفاسه الغاضبة...فأردف داغر بالمزيد فكم يريد هو إفراغ قلبه من كل هذا السواد!!..
(و دفعني كرهي لأن أتخلص من وجودك حولي حتى لا تجرح عيني رؤياك...حاولت مرات و فشلت في كل مرة...و بعد سنوات طوال لم أجد طريقا يوجعك أكثر من أذية من حولك...و قد فعلت)
(اصمت...لا تتكلم...لا تزيد عن هذا ابدا)
صراخ غسق كان عاليا بخوف واضح في كلماتها...كلمات داغر جعلتها تنفض عنها صدمة الواقع لتنقذ كرم...ما يريد قوله لا يجب أن يُقال...ما حدث بسبب داغر رغم أنه مدمر إلا أنه ماضي لن يعود أما كرم فهو الحاضر و المستقبل الذي لا تريد أن تخسره...
(غسق!!...ماذا تعرفين لا اعرفه أنا؟!!)
شعرت بأصابع كرم تنحل عن ذراعها فتتركه خاويا...صوت تساؤله يزيد من رعبها و لا تعرف ماذا عليها ان تفعل لتُخرجه من هنا...تراخى سلاح كرم فعاد ينزله جانبه ليعيد تساؤله مجددا لكن بصوت أكثر حزما...
(أجيبِ يا غسق ما الذي لا تريدين لداغر قوله؟!!!)
تكورت كفاها جانبها و قد سالت دموعها مدرارا...التفتت له تلامس ذراعه بأصابع مرتعشة كحال صوتها و هي ترجوه...
(دعنا نرحل من هنا)
ضيق عينيه بعدم تصديق ليردد خلفها بذهول غاضب...
(نرحل!!...و حقك و هذان الحقيران و ما تخفيه عني...أتريدين أن أرحل هكذا ببساطة)
نكست رأسها أمامه تبكي بصوت منتحب فيزيد لهيب قلبه عليها...ماذا يحدث هنا و يجهله هو؟!!!...أيعقل؟!!!
(قل لي كل شيء و لا تنقص حرفا داغر)
امره الهادر زاد من حدة بكاء غسق و صوت الرجال المكبلين ارضا...زفر داغر نفسا طويلا قبل أن يقول...
(رغم أنني لم أكن أريد سوى صورا مسيئة لها تشوه سمعتها و تكسر أنفك إلا أن ما حدث لها كان بطلب مني)
رفع وجهه ينظر في وجه كرم المتجهم بشدة و كأنه يعي الكلمات ببطء شديد فيقول بما قصم ظهره تماما...
(ما حدث لها كان بسبب أنها ساعدتك من قبل)
علا صوت بكاء غسق و قد انفلت عقال حبل سر ودت لو تخفيه عن كرم بكل روحها...اهتز كرم في وقفته رغم ان ملامحه لم تتخلى عن التجهم للحظة...لكن قلبه تخلى عن النبض...و رئتاه تخلتا عن التنفس...رمش بعينيه ببطء بعدما استطرد داغر...
(لم أكن أريد أن يحدث لك هذا يا دكتورة لكن ابنيّ عمي ارادا التخلص مني عن طريقك فطلبا من هذين الشابين أن يفعلا بك ما فعلا...)
اغمضت غسق عينيها تعتصرهما بألم...أيبرر لها فعلته بها؟!...أينتظر منها أن تنسى مُر ما عاشته بقول كلمتين آسفتين...لقد حرق الأخضر و اليابس...لقد دمرها من قبل و الآن يهددها بخسارة كرم...كرم!!...و كأنها استوعبت الآن فقط أن كرم قد عرف...فتحت عينيها بسرعة ترفع وجهها اليه بلهفة و جزع فتصيبها نظرة عينيه الباهتتين...ما هذا الوجع الذي تراه داخلهما؟!...همهمت اسمه برجاء باكٍ...
(كرم...)
(هل كنتِ تعرفين هذا...أنني أنا سبب ما حصل لك؟!)
سؤاله رغم ثبات حروفه إلا أن قلبها يسمع صوت تحطم صاحبه الداخلي...قضمت شفتها المرتعشة قبل أن تهمس بصوت راجٍ...
(لست السبب...لا ذنب لك فدعنا نرحل من هنا أرجوك)
بنفس نظرة العين الذبيحة و ثبات صوت صارخ خلف روحه سألها...
(متى عرفتي الحقيقة؟)
ابتلعت ريقها بوجل ترسل له توسلها في نظراتها لكنه كان خارج نطاق التفاوض و لو بنظرة...طأطأت رأسها أرضا للحظات تحسم فيهم مصير كرم...لا يمكنها أن تخبره و لن تفعل لذا رفعت رأسها تحدثه بصوت متمزق...
(لن يعود لي ما خسرته )
كلماتها كانت كفتيل قنبلة تم سحبه...فتحول تجهم كرم الى جنون غاضب و هو يعيد سلاحه عاليا يشدّ أجزاءه في لحظة خاطفة و يرفعه مجددا الى الشابين بينما يهدر بصوت يشق الغمام الرمادية في السماء فوقهم...
(ربما لن يعود ما خسرته لكن لن أرحل من هنا إلا بعد قتلهم جميعا هذا حقك)
اتسعت عيناها برعب تهرول نحوه بقلب يكاد يتوقف من شدة الخوف...وقفت أمامه تحجب عنه رؤية الشابين و تتمسك بذراعيه ثم تصرخ ببكاء متوسل...
(لا اريده و الله لا أريده...لا اريد حقا يُسلبني إياك يا كرم)
خانته نظرته و هو يرمقها قرب صدره فطلَّ منها الأسف و الوجع بينما يهمس لها بصدمة...
(أنا السبب...أنا سبب وجعك يا غسق)
هزت رأسها نفيا بجنون و هي تبكي و تصرخ عل كلماتها تصل لعقله و تقنعه...
(ليس صحيحا...أنت لا ذنب لك و أنا أعي هذا...كرم أرجوك لأجلي لا تتهور و تحرمني منك...و الله كل ما أريده من الدنيا هو أنت...و الله أنت فقط)
خفت صراخها عند كلمتها الأخيرة فشعرت بتعب مخيف يسيطر عليها...ربما اصابها رعبها بالوهن...و ربما عقلها ما عاد يتحمل كل هذا الضغط...احنت رأسها أمام صدره تبكي دون أن تفلت ذراعيه من قبضتها و كأنها تُعلمه و تُعلم نفسها معه أنهما مربوطين بحبل واحد إن انقطع من طرف أحدهما سيهلك الآخر...صوت انفاسه العالية كان مسموعا و قد طال صمته بطريقة تثير الريبة حتى قرر ان يحل الصمت ببضع كلمات قتلوها...
(لم أكن أعرف أن وجودي حولك سيؤذيك هكذا...لكنني لن افرط في حقك غسق حتى لو كان هذا مطلبك أنتِ)
كلماتها المتوسلة احرقت قلبه...تنطقها وهي تتشبث به خوفا عليه...تكبله بكل ما يصدر منها...و يخشى أن تراه هكذا رغم كل شيء...لماذا وضعوه في هذا الوضع؟!...لقد جاء و هو على أتم الاستعداد لقتلهما و قد ظن أنه سيرأب صدوع روحها لكنها هي من ترفض الآن...ترفض حقها لأجله!
(لا يا كرم...)
سقط قلبها بين قدميها بعدما اصابها صوت الرصاصتين المتتابعتين و القريبتين من أذنها...لم تشعر بشيء سوى بأنها تصرخ عاليا و جسدها يتراخى كليا فتسقط تدريجيا اسفل قدميه تتمسك بساقيه و تبكي...
(لا يا كرم لا....كرم!!!!!!)
ناظرها داغر من مكانه بنظرة طويلة يُقيّم فيها حالها...ثم يرفع بصره حيث كرم الثابت كليا في وقفته يناظر المكان الذي أطلق به الرصاص...تنهد داغر بألم نابع من جرح كتفه ليلتفت الى عزت يمد يده قائلا...
(هات السلاح و سجل الفيديو كما طلبت منك...)
منحه عزت ما يريد بتفهم فأخذ داغر سلاحه و تقدم من الجالسين ارضا...يقتنص عيني سلطان ثم حكيم ثم تتعلق حدقتاه بجسد الشابين فيجلي صوته ليعلو قائلا...
(ما يحدث هنا لن يعرف عنه أحد يا دكتورة فلا تخافي على زوجك...ابناء المراكبي لا يلوثون ايديهم بالدماء)
شدَّ داغر اجزاء سلاحه هو ايضا ليرفعه و يصوبه على رأس سلطان الذي يناظره بغضب مختلط برعب فيردف بهدوء ارتدت معه ذراعه للخلف بعدما أطلق اول رصاصة...
(فهذه مهمة ابناء السمري...)
صوت اطلاق ثاني رصاصة جعلت غسق تلتفت ببطء للخلف دون ان تفلت ساقي كرم فتتسع عيناها بذهول و هي ترى الشابين لا يزالا على قيد الحياة...تحرك داغر أمام عينيها ليطلق رصاصته الثالثة فيسقط جسد شاب منهما...انتفضت في جلستها ارضا من هول ما ترى حتى وصلها صوت داغر قبل ان يطلق رصاصته الرابعة و الأخيرة...
(لا تشفقي عليهم يا دكتورة فما فعلوه بك ليس بجديد عليهم...أنتِ لست أول ضحاياهم)
راقبت داغر الذي التفت لهما ينظر لكرم و يقول...
(أعرف بما تفكر الآن كرم كما اعرف أنك لن تتراجع عن قتلي كما فعلت مع الشابين لكنك لا تريد فعلها أمام الدكتورة...و هذا حقك)
عاد الرعب يدق قلب غسق على كرم فاستندت على ساقيه لتستقيم بصعوبة و تتمسك به ترجوه بدموع لطخت وجهها و صوت مبحوح...
(لا تستمع له كرم...لا تنجرف وراء كلماته)
صوت داغر عاد ليسيطر على الأجواء فيقول بجدية...
(لكنني لن أمنحك هذا الحق كرم فهناك ما علي فعله أولا...علي إصلاح ما أفسدته)
انفرجت شفتا كرم بعد صمت دام طويلا ليسأله بصوت مفترس...
(أنت من ضحك على ابنة عبد الصبور أليس كذلك؟)
اشاح داغر بعينيه بعيدا عن كرم ليصمت...هدير لو تعرفين كم الوجع الذي اشعر به الآن لأدركتِ أنك كنت اكبر خسارة في حياتي...زفر بصوت خفيض قبل أن يتحرك مبتعدا عنهم بينما يقول بما لم يتوقعه كرم ابدا...
(كانت زوجتي...)
هذه أول مرة ينطقها و يضع لحياته القصيرة مع هدير مسمى...زوجته و هذا ما كانت عليه هي...ابتعد مع عزت و عدد من رجاله الى سيارتهم بينما العدد الآخر توجه الى الأربع جثث يحملونهم حيث الحفر التي حُفرت لهم من قبل...هنا انتهت حكايتهم للأبد...تابعت غسق جسدي الشابين تناظرهما بحدة...هذان هما يا غسق...فلترى عيناك مصيرهما نكالا لما فعلاه بك...همهمت بصوت محتقر و دعاء من قلب محترق...
(لا رحمكما الله ابدا...)
شعرت بكرم يتحرك جوارها فشددت من تمسكها به و منعته عن الحركة...التفتت له سريعا تنظر في ملامحه المحطمة و ترى في عينيه صراخ رجل ينعي سوء فعله...اغرورقت عيناها بدموع جديدة لترفع كفيها الى وجهه تحاوطه و تنظر في عينيه قائلة بصوت مرتعش...
(حينما عرفت الحقيقة اهتزت روحي كليا لكنها لم تنتقص من حبي لك...كرم لا تحمل نفسك ذنب أنت لست فاعله...اقسم بالله لا يحمل قلبي أي ضغينة لك)
تركت وجهه لتتمسك بكفه تضعه فوق صدرها و تقول ببكاء..
(بل ينبض لك و يزداد نبضا يوم عن يوم)
رأت ارتعاش فكه الملحوظ فتقلص قلبها بعدما فرطت عيناه الغاليتان في دمعة رجل لا يحق له إلا العزة...شهقت بهلع لتسرع و تضمه اليها بكل قوتها بينما تهمس بصوت مختنق جوار أذنه...
(لا تفعل يا كرم فأنت قوتي...)
شعرت بذراعيه يطوقانها بقوة ثم يدس رأسه في عنقها هامسا بصوت مهتز...
(كنت سبب وجعك...)
هزت رأسها نفيا تشدد من ضمه بينما تقول بصدق...
(بل كنت اليد الوحيدة التي حاوطتني في محنتي...كنت سندي و دعم لي...علمتني ان أتقبل قدري برضا...أن أعاند الدنيا و أقف ندا لها...علمتني كيف أعشق...كنت كل شيء يا كرم...لولا ما مررت به ما كنت لأصبح زوجتك الآن...ما مضى لن يعود و لا أريد استعادته أنا أريدك أنت وحدك)
صوت زفرته المحترقة أوجعت قلبها كما اوجع قلبها صوته حينما قال...
(ليتني ما تمنيت القرب منك يوما لكنتِ الآن افضل حالا)
خرجت من احضانه تنظر في وجهه ثم تلامسه ببسمة صغيرة تتخلل دموعها فتهمس...
(ليتك اقتربت من قبل هذا بسنوات فحالي قبلك لم يكن حالا و لن يكون بعدك...)
تقتله كلمات عشقها له...فكم تمنى سماعها من قبل و لم يخطر يوما بباله أنه سيسمعها في موقف يقف فيه كمذنب في حقها...امتلك عينيها الحمراوين بعينيه الصارختين يتتبع عشقها فيهما...هل كل هذا حقا لأجله هو؟!...ابتسمت له بسمة مرتعشة قلقة من صمته و مرتعدة من تفكيره البادي عليه...اشاح بعينيه بعيدا عنها يقول بصوت أخفى فيه تقلباته الضارية...
(يجب أن نعود للحي فلا أظن أن عودة داغر ستمر على خير)
رمشت بعينيها تسأله بترقب...
(ما شأن داغر بهدير يا كرم و ماذا قصد بزوجتي؟!)
زفر كرم بثقل فكم روح تأذت بسبب كره داغر له...عاد ينظر لغسق قائلا باستسلام للواقع...
(هدير ماتت إثر عملية اجهاض و لا نعرف من والد الطفل)
اتسعت عينا غسق بعدم تصديق...يا الهي ما هذا الكره في قلب داغر؟!...انه شيطان لا محال!...الله يستر و لا يحترق الحي بمن فيه الليلة...
*******
بيت السمري...
سقطت ام سلطان على الكرسي خلفها تناظر هذا المقطع المصور على الهاتف الذي منحه عزت لها قبل قليل...ترى ابنائها يقتلا دفعة واحدة على يد داغر...الأثنان حرمها منهما...لمن كانت تخطط و تنتظر...لمن كانت تريد ان تعيد الحق...لقد فعلت كل هذا لأجلهما...حتى يشعرا بأنها أبا و أما لهما...لتعوضهما عن مقتل والدهما و سرقة عمهما لميراثهما...اهتز الهاتف في يدها فسقط منها كما سقطت دموعها التي لم تشعر بها بعد...تحركت في كرسيها تلتفت حولها بعينين زائغتين و حينما أدرك عقلها خسارتها اطلقت صرخة عالية تنعي بها والديها...
(ولداي!!!!!!!)
ضربت صدرها مرات متتالية بعنف تولول...
(قتلكما داغر كما قتل ممدوح والدكما...سُقيتُ من نفس الكأس مرتين...يا ولداي!!!)
صرخت و صرخت و حرقة قلبها تزداد...بكت حتى ملّت البكاء و بدّلته بضحك هستيري بينما تهذي بكلمات غير مفهومة و كأنها تحدث شخص ما أمامها...ناظرها عزت قبل ان ينحني و يلتقط الهاتف فيزفر بإنهاك و يقرر ان يخرج من البيت...
بالأسفل...
اغمض داغر عينيه راضيا بسماع صوت صراخها...قتلوا هدير فليتذوقوا مرارة ما فعلوا...فتح عينيه بعدما دق عزت على زجاج نافذة السيارة يقول...
(ألن تصعد لترى والدك؟)
بهدوء فتح داغر باب السيارة ينحني و يخرج منها بينما يمسد على كتفه المتألم...و قبل ان ينطق بشيء جاءه ركضا شاب كان قد عينه عزت ليراقب الاجواء و يبلغه بكل جديد في الحي...وقف يلهث امام داغر فيقول...
(داغر...الحي كله يتكلم عن هدير ابنة عبد الصبور)
اتسعت عينا داغر بجنون يسأله بصوت خطير...
(فيما يتكلمون؟!!)
وزع الشاب نظراته المتوترة بين عزت و داغر قبل ان يقول بتلعثم...
(يخوضون في حديث يعيب اخلاقها و يقولون انها حملت في الحرام)
اغلق داغر باب السيارة بعنف يتحرك مبتعدا عنهم و في عينيه نية الشر لجميع من في الحي...لكن صوت الشاب المتلهف بلغه فأوقفه لوهلة...
(و ايضا يفعلون المثل في سيرة الست الدكتورة)
هرول عزت خلف داغر الذي استأنف السير يوقفه و يكلمه بتعقل...
(الى أين داغر الشرطة وضعت عيون في كل مكان بالحي ليلقوا القبض عليك؟!!)
نفض داغر ذراع عزت عنه يقول بصوت يحوم الغضب حوله...
(انه حق هدير و لن يثنيني عنه اي شيء)
ابتعد عن عزت بخطوات راكضة الى حيث بيت المراكبي...بينما عزت يراقبه بعينين حزينتين عليه...ضاع عمره هباءً فهو خير من يعرف إن ذهب داغر لن يعود مجددا...
أمام المقهى...
تجمهر الجيران و تعالت الاصوات و قد اباحت فتنة سهر لكل منهم مجالا ليضيف من عنده مزيدا من الحكايات...و في شرفة بيت عبد الصبور وقفت ام هدير خلف بابها تبكي بقلب يحترق على ما يصل أذنيها من كلمات يقذفون بها ابنتها...ارتعشت يدها و هي تلامس باب الشرفة و تهمس من وسط دموعها...
(اصمتوا...ألا يكفي وجع قلبي على فراقها لتزيدوه بقولكم هذا!)
أما في بيت المراكبي زاد وهن سليمان في مجلسه و الأصوات تأتيه تؤذيه بصدق بعضها و افتراء البعض الآخر...ماذا يا سليمان هل ضاع كل شيء أفنيت عليه عمرك؟!...هل اختل الميزان و تفرقوا الناس حولك؟!...ماذا يا ابن المراكبي فعلت بعائلة سلمها لك والدك من بعد أجدادك الذين حموها بأرواحهم...ظننت أنك تفعل ما في صالح اولادك بوضع نفسك في وجه المصائب تتحملها بدلا عنهم لكن انظر النتيجة!!...رفع بصره يتابع ابنه خالد الهائج أمامه كأسد يريد الفتك بكل الحي...اغمض عينيه يهمهم بتعب...
(ربي إني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين)
شعر بكف صفية تربت على كتفه بينما تهمس له بصوت يشابه وهن صوته...
(سيدبرها الذي لا يغفل و لا ينام...)
صوت صرخة قمر اجفلهما فأسرعت صفية بالنهوض اليها فوجدتها تتشبث بخالد و تمنعه من النزول للأسفل...
(لا تنزل يا خالد...لأجل أبي لا تفعل فصالح و كرم ليسا هنا)
وصلت اليهما أمهما تتمسك بذراع ابنها قائلة بأمر حازم...
(لا تفعل يا خالد...)
هدر خالد بغضب يقول...
(و هل احتمي بالبيت كالنسوة و سيرة عائلتي باتت علكة بفم الناس)
حدثته صفية بنفس الحزم..
(لن يزيد نزولك لهم سوى كلمات جديدات في حقنا...بني ما يفترون به علينا كذب و نحن نعرف هذا فخروجنا لهم و اخراسهم سيؤكد لهم انها الحقيقة)
ضرب خالد الحائط جواره بحدة ينفث عن غضبه الشديد...حانت منه نظرة لوالده فقصم ظهره ان يراه بهذه الصورة و هو الذي اعتاد ان يقف خلفه محتميا من الدنيا...الى أين ستأخذهم الأيام القادمة حقا ما عاد يعرف؟!!.
بالأسفل...
وصل داغر الى بيت سليمان يوزع نظراته على الناس حوله...لقد انقسموا فرق منهم من يعارض ما يقال عن سليمان و عائلته و منهم قلة قليلة تؤيد بكل روحها مستعينة بالبراهين...لكن و ان كانوا عددا قليلا فلهم صوت و للبقية آذان يسمعون بها...و هو هنا ليخرس اصواتهم و يطمس آذانهم كي لا يسمعوا شيئا يسيء لهدير...تحرك وسطهم فوصلته كلماتهم الهامسة و ابلغته ان ظهوره الآن كان ضروريا...
(إنه داغر السمري!)
(ترى هل جاء شامتا في عائلة المراكبي؟!)
(أين كان مختفيا كل هذه المدة؟!)
(انظروا انه يتوجه ناحية المقهى ماذا سيفعل هذا؟!!)
وقف داغر عند باب المقهى فجذب اليه انظار الجميع...استند على الكرسي المجاور له يناظرهم بغضب واضح فيقول بصوت عالٍ يخترق جدران البيوت حوله...
(بلغني أنكم تتحدثون عن ابناء المراكبي)
اقترب منه احد الشباب ببسمة خبيثة قائلا بقلب قوي فلا يهم ان كان قوله حقيقة ام كذب لكن ما يهم هو انه سيوصل هذه المعلومة لداغر السمري...
(انكشف سترهم يا داغر و ظهرت حقيقتهم)
هز داغر رأسه بتساؤل منطوق...
(كيف؟!)
اتسعت بسمة الشاب بينما يقول...
(هدير ابنة عبد الصبور حملت دون زواج و الدكتورة....)
لكمة داغر له اسقطته ارضا قبل ان يكمل حديثه...زادت همهمة الناس حوله و ارتفع سقف التخمينات و كله يصب لمصلحة تسلية اوقاتهم...اعتدل داغر ينظر في عيونهم بتحذير قبل ان يرفق تحذير صوته الى نظراته...
(من سيتطاول و يتحدث عن زوجة داغر السمري لن يكفيني قتله فقط...بل سأمزق لحمه و ألقيه لكلاب الشوارع تنهشه)
الشهقات العالية و الأعين المتسعة...المزيد من الثرثرة و الهمس...كل ما يحاوطه الآن جعله يخرسهم حينما اقترن كلامه مع هذه الورقة التي اخرجها من جيب بنطاله يرفعها عاليا...
(من تتطاولون على سيرتها و هي لم تعد بيننا الآن لتدافع عن نفسها كانت متزوجة بحضور شهود و بعقد ورقي يفقأ عين الشمس...تزوجت بعلم سليمان المراكبي و أمها لكنهم تكتموا على الخبر بسبب العداوة بين عائلتهم و عائلتنا...هدير المراكبي كانت زوجتي و الولد هو ابني فليقل من يريد في حقها حرفا لأقتلع عنقه بعده و انهي حياته)
هذا ما كان يريد قوله حقا...أن يحفظ سيرتها و يرفع شأنها...ما لم يفلح فيه و هي حية سيفعله و هي ميتة...هدير تستحق ان يزيل عنها وصف كفتاة لا ثمن لها...راقب الناس و ذهولهم...رأى في عينهم خوفهم من قول مزيدا من اللغط...هكذا يجب ان يكونوا...هكذا يجب ان يصلح ما دمرته يداه...طوى الورقة بحرص و كأنه يخشى أن تتأذى امضاء هدير بها فهذا كل ما تبقى له منها...تحرك مبتعدا عن الناس الذين افسحوا له مجالا يتحاشون جبروت داغر السمري...فلا يهم بعد تصريحه هذا ان كان صادقا او كاذبا...إن كان لسليمان هيبة لا يضاهيها احد إلا انهم يوقنون انه رجل يتقي الله حتى في أخذ حقه لذا تطاولوا بقلب جامد أما داغر فلا يقيم لأحد وزنا و هم ليسوا ندا له مطلقا...ابتعد في خطواته ليعود حيث أتى ينتظر قدوم الشرطة فقد لاحظ وجوه غريبة هنا و رأى كيف اسرعوا الى هواتفهم يبلغون عنه...لا يعرف ما الذي دفعه لأن يرفع بصره تجاه بيت عبد الصبور لكنه فعل فتسمر مكانه حينما رأى أمها تقف بملامح باكية تناظره بشيء من الرغبة في الانتقام و الشكر...اهتزت انفاسه و شعور ثقيلا يحط على قلبه يتعبه فنكس رأسه سريعا يتحاشى النظر اليها أكثر و تنفس ببطء شديد...استكمل خطواته و على بعد قريب توقفت مجددا...التفت للجانب الأيمن يناظر مسجد الحي...هل يناديه أحد أم يتوهم هو؟!...هل يجذبه من كفه أحد كي يدخل أم خيال؟!...و بين وعي و لا وعي انساق الى هذا الغير مرئي و يحركه...وقف بالباب ينظر الى السجاد المفروش على أرضية المسجد طويلا...في حياته كلها لم يطأ مسجدا...لم يدخل حتى هذا المسجد من باب الفضول...انحنى ينزع حذائه فاشتد عليه ألم كتفه...اغمض عينيه للحظات ثم استقام ليرفع قدمه و يتخطى هذا الحاجز الخشبي الصغير ليعبر الى ساحة المسجد...دلف فوجده هادئا مُطمئِنا فارغا من المصليين...خطى بقدمه و كأنه طفل يتعلم المشي لأول مرة...هناك رهبة لا يمكنه وصفها تحتل روحه...هناك شيء غريب يحدث بداخله...توقفت خطواته فجأة حينما ظهر له الشيخ عثمان الجالس في زاوية قرب المنبر يقرأ في كتاب الله...يبتسم له ببشاشة تذيب القلوب...يمنحه الدعم و السكينة في نظراته...و كأنه كان يعرف أنه قادم...و كأنه كان ينتظره حقا!!...ابتلع داغر ريقه و استكمل خطواته حيث الشيخ فجلس أمامه يرفع بصره و يقلبه في كل شبر حوله...انتبه لصوت الشيخ الرخيم بهدوء يدفعه للاسترخاء...
(ألقِ السلام بني فمن جلبوك الى هنا يحاوطونك الآن)
شيء ما بداخله انتفض و زادت رهبته اضعافا بينما ينظر حوله بتفحص ثم يعود الى الشيخ متسائلا...
(من هم؟!!)
ابتسم له الشيخ عثمان مفسرا...
(انهم عباد الله...فلا تحسب أن قدومك الى هنا في هذه اللحظة حدث صدفة...كل شيء بمقدار بني)
كور داغر كفيه يداري رعشته فيسبل اهدابه هامسا بصوت مختنق...
(و من أنا يا شيخ لأستحق أن يجلبوني الى هنا؟!!)
بهدوء شديد جاوبه الشيخ بطمأنينة...
(أنت عبد الله بني...و الله اختارك ليهدي قلبك اليه)
رفع داغر عينيه بصدمة للشيخ يسأله...
(أنا؟!!!)
هز الشيخ رأسه بنعم مبتسم المحيا مبشر بالرحمة اللامتناهية...
(و لا تقنطوا من رحمة الله...)
زاغت عيناه بتيهٍ و قلبه ينتفض خلف ضلوعه فيكبح ما يمر به من رغبة عارمة في...البكاء!! و يقول بصوت مهتز...
(الرحمة موجودة لأناس انحرفت عن خطها المستقيم و تابت أما أنا يا شيخ فلم أسر عليه لمرة واحدة حتى...)
ابتسامته الهادئة لم تتغير لوهلة و نظرته المبشرة لا تبرح عين داغر مما دفع بداخله الفضول ليسأل بخجل من نفسه...
(أيقبلني بكل ما بي يا شيخ؟!)
زادت بسمة الشيخ عثمان فيجيبه بهدوء...
(يقبلك بني...)
زفر داغر بخفوت يمنع دموعه من الانهمار فيعاود السؤال...
(قلبي محاط بسواد و لا مكان فيه لبقعة ضوء...)
اجابه الشيخ بيقين...
(سينيره لك بني...)
ارتعشت شفتا داغر بقوة و قد خانته قوة تحمله بعدما طرح سؤاله الثالث...
(و ذنبي يا شيخ؟)
بهدوء يربت على مواطن الروح اجابه الشيخ...
(يغفره لك...)
اسبل داغر اهدابه و صور حياته يراها امام رؤى العين...كلها ذنوب...كلها بلا استثناء...هز رأسه بيأس اتضح في سؤاله التالي...
(ذنبي كبير يا شيخ...انها حياة بأكملها)
تراجع الشيخ بجسده للخلف دون ان يفرط في بسمته ليردف بصوت عذب...بل شديد العذوبة...صوت يتخلل داخل أبعد عمق في روح الإنسان...ينفض عنها غبار الدنس و يطهرها بحروف من نور...حروف خلقها الله خصيصا ليخفف عن عباده سوء افعالهم...
(رحمته أكبر بكثير بني...)
ثم قال...
(يقول الله تعالى في الحديث القدسي "يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان فيك و لا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم أستغفرتني غفرت لك و لا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بيّ شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرة")
فلتت شهقة مسموعة من داغر بعدما فقد سيطرته كليا على نفسه...انهمرت دموعه تغسل وجهه و روحه...يبكي ندما...ألما...حزنا...و راحة...جسده ينتفض من خضم البكاء و الشيخ عثمان يراقبه بنفس ذات البسمة الوضاءة...امتدت يد الشيخ تربت على كف داغر قائلا بهدوء شديد...
(قم بني توضئ و صلي لله...أدعوه و هو يستمع و سيجيب مهما كانت ظنونك و ذنوبك...قل أدعوني أستجب لكم)
استند داغر بكفيه على سجاد المسجد ليستقيم و يتوجه حيث ارشده الشيخ عثمان الى حمام المسجد...تتبعه الشيخ حتى اختفى ثم عاد ليرفع رأسه عاليا و يدعو بصدق و أمل...
(اللهم انه عبدك غلبته الدنيا و شيطانه فجاءك يدق بابك و يسألك الرحمة التي وعدت فأرحمه و اغفر له و أنت خير الراحمين...)
استقام داغر واقفا في اتجاه القبلة بجسد يرتعش...ان كانت رهبة دخول المسجد هزته فما يشعره الآن لا يمكنه وصفه...انه بين يدي الله...و كما علمه الشيخ قبل لحظات فعل ليبدأ أولى صلواته على الإطلاق...ركع ثم سجد و في السجود تلاشى الكون من حوله و زادت خفقات قلبه بصورة متدافعة...همس بخفوت مرتعش و قلب ينتفض...
(يا رب...)
صمت للحظات لا يعرف حقا كيف يدعوه...أي دعاء سيوصل لله حالته و يبلغه منه رحمته...أي كلمات لم يعرفها من قبل يجب أن تقذف الى عقله ليتواصل بها مع خالقه...لكنه فارغ تماما من الداخل...لا يعرف أي شيء...ازدادت وتيرة انفاسه و هو يردد بلا توقف و دموعه تنهمر بلا توقف...
(يا رب...لا أملك سواها فتقبلها و تقبلني...يا رب...يا رب أنت أعلم بي من نفسي...يا رب)
و بعد وقت لا يفقه مدته انهى صلاته بقلب ركن للهدوء التام...شعور ليس له توصيف...استقام ينظر حوله فلم يجد الشيخ لكن صوت الناس بالخارج أبلغه انه منتظر...توجه الى باب المسجد ليرى ضابط شرطة و عساكره و خلفهم اهل الحي كلهم...التفت له الشيخ عثمان بينما يسبح على مسبحته ليمنحه بسمة راضية مشجعة...صوت الضابط المتحفز جعله ينصت بتركيز...
(لولا رجاء الشيخ بأن نترك تؤدي صلاتك لكنا القينا القبض عليك قبل وقت طويل)
انحنى داغر يلتقط حذائه قائلا باستسلام...
(أنا جاهز يا حضرة الضابط و سآتي معكم)
أمر الضابط مساعده بأن يقترب من داغر و يضع الأصفاد حول معصميه...و بهدوء طاوعهم داغر ليتحرك معهم لكنه توقف حينما لمح سليمان يقف أمام ابناءه الرجال يناظره بصمت يتفتق منه رغبة في تأديبه لكنه مجبر لأن يساير ما قاله عن قبوله و معرفته بزواج هدير منه حفاظا على سيرتها...منحه داغر نظرة طويلة آسفة و نادمة قبل ان يستأنف خطواته مع رجال الشرطة الى حيث سيارتهم...هنا انتهى فصل في حياته...فصل ضخم ملئ بما لا يريد حتى تذكره...و لا يعرف هل للغد معه نصيبا ليبدأ فصل جديد لكن أيًا كان القادم فهو راضٍ عن نهاية هذا الفصل...


...يتبع...






AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-03-21, 11:40 PM   #1266

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني و الثلاثون




بعد عدة أيام...
تسيران جوار بعضهما في حي المراكبي تتبعان وصفة إحدى عاملات المشغل في العنوان...نظرت نيرة جوارها لشروق التي لا تكف عن البحث بعينيها في كل مكان فسألتها بتعجب...
(من الذي تبحثين عنه؟!!)
توردت شروق بخجل تجيبها بتلعثم...
(من يعني!!...أنا فقط أبحث عن بيت فلك!)
اصدرت نيرة صوتا عاليا ساخرا توضح به انها فهمت قبل ان تردف...
(قلتي لي بيت فلك!...حسنا حبيبتي الناس قالوا البيت على يدينا اليسار فلن يطير الى جوانب الحي لتلهث انفاسك بحثا عنه حولك)
توقفت شروق فجأة حينما رأته...تطلعت اليها نيرة ببلاهة تراقب بسمتها الغير مفسرة و وجنتيها اللتان زادتا احمرارا...تتبعت وجهة نظر شروق فوجدتها تنصب على شاب يقارب سنها تقريبا جالسا على المقهى...رفعت نيرة حاجبيها عاليا تسألها بنبرة تحقيق...
(من هذا الشاب الذي تبحلقين فيه هكذا؟!)
توترت شروق بوضوح تقول بتلعثم...
(أنا...لا ابحلق في أحد!)
هزت نيرة رأسها باستهزاء تقول...
(سأصدقك أنا هكذا!!...يا ابنتي عيناك سيخرجان من مكانهما عليه...)
نظرت لها شروق بخجل تقضم شفتها بصورة محرجة...
أما على المقهى وضع الصبي الشاي أمام سوسكا المنشغل في هاتفه يبلغ كرم بأن طلبات ابنة الاستاذة فاطمة انتهت...فهكذا طلبت الحاجة ان تعود ابنتها الصغيرة عندها لتهتم بأمرها بعدما خرجت من المشفى...ارادت ان يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي و لا يلقوا بالا لكل القيل و القال حتى ينساه الناس و يطمروه اسفل الأرض...ما أصابهم كان صعبا و متتاليا لكنهم كعادتهم شامخون و ان كانوا منهكين داخليا...رفع رأسه الى حمو الذي همس جوار اذنه بترقب...
(سوسكا هاتان الفتاتان تنظران نحوك منذ فترة!!)
توجهت نظرات سيد بتعجب من تصريح حمو حيث الفتاتين فضيق عينيه قليلا ليتأكد من ان هذه الفتاة هي نفسها التي انقذته...و حينما تأكد وقف سريعا يبتعد عن المقهى و يتجه اليها بينما يتساءل بخفوت متعجب...
(ما الذي أتى بها الى الحي؟!!)
وصل اليهما فأجفلتا من صوته فقد كانتا منغمستين في حديثهما عنه...
(السلام عليكم انارت الحي...)
التفتت له شروق بسرعة و قد غزا الخجل روحها و هي ترد عليه بهمس خجول...
(شكرا لك سيد انه منير بأهله...كيف حالك الآن؟!)
كان يتحدث بجدية تامة معها...
(بخير الحمد لله...ما الذي تفعلينه هنا اقصد هل يمكنني أن أساعدك في شيء؟!)
و قبل ان تجيبه تدخلت نيرة تقول بتأكيد...
(ها أنتِ تعرفينه يا شروق...)
نهرتها شروق بكلمات خافتة جعلت سيد يقول بنفس الجدية...
(لقد ساعدتني هي و أخاها الريس عادل من قبل لذا أنا أعرفها)
لف الحرج شروق كليا فتولت نيرة الحديث...
(نحن هنا نبحث عن بيت فلك فهل تعرفه؟!)
نظر سيد لشروق متسائلا...
(هل تعرفين فلك؟!)
اومأت له بحياء تقول...
(نعم...نعمل سويا في مشغل خياطة و قد تغيبت عن العمل منذ يومين لأنها كانت متعبة بسبب حملها فجئنا نطمئن عليها)
هز رأسه متفهما ليرفع ذراعه و يؤشر على بيت هيام قائلا...
(هذا البيت الدور الثاني هو شقة هيام أم فلك)
اومأت له تهمس بخفوت...
(شكرا لك سيد...)
بفطنة تظن نفسها تملكها فهمت نيرة ما يدور في قلب شروق تجاه سيد لذا اقترحت نفسها لها بألا تجعل كل هذه المسافة التي قطعاها تضيع هباءً لذا طلبت من سيد ببسمة متسعة...
(هلا أخذتنا عند البيت فنحن غريبتان هنا و ربما ضايقنا أحد)
ضيق سيد عينيه يقيس المسافة الصغيرة بين المقهى و بيت هيام فيقول بتعجب...
(انه خلفك تماما...)
ردها عليه كان نفس البسمة المتسعة بينما شروق تجذبها من كم بلوزتها بحدة...تنهد سيد موافقا فمد كفه داعيا إياهما كي تتحركا...و في هذه الخطوات البسيطة تكملت نيرة براحة و كأنها تعرف سيد من قبل...
(هل تعرف يا سيد أن شروق تعمل و تدرس للثانوية العامة في آن واحد...لن تجد فتاة مثلها ابدا...متفانية و تتحمل الصعاب و فوق كل هذا جميلة)
اتسعت عينا شروق بحرج مميت تمنت لو الأرض تنشق و تبلعها...ما هذا الذي تفعله نيرة بحق الله...صوت سيد الهادئ زاد من حرجها حينما رد بجملة أقل من العادية...
(أعانها الله و وفقها...)
وصلوا الى بيت هيام فأشار سيد للأعلى قائلا...
(في الدور الثاني الشقة)
دخلت نيرة أولا بعدما شكرته و غمزت لشروق و كأنها تخلي لها الجو معه...ابتلعت شروق ريقها بحرج تلعن في سرها ما تفعله نيرة...كاد سيد يبتعد عنها غير داريا بما يحدث لكنها اوقفته بندائها الخجول...
(سيد انتظر...)
عاد اليها بملامحه الجدية منتظرا طلبها...تنحنحت قبل ان تسأله سؤالا متهورا لكنه مهم جدا بالنسبة لها...
(أي جامعة ستختار...أقصد ان امتحانات الثانوية بعد أشهر قليلة لذا...سألتك)
هز كتفيه بجهل واضح يقول بصدق...
(لا أعرف...لم أخطط ابدا لهذا)
هزت رأسها بيأس جعله يلقي سلامه و يبتعد عنها...خرجت نيرة من مدخل البيت فأفزعت شروق التي تعلقت روحها بجسد سيد المبتعد تسألها بلهفة...
(ماذا قال؟!!)
اجفلت شروق لتنظر لها بضيق و تقول...
(لا شيء...هيا دعينا نصعد و نطمئن على فلك)
دفعتها بخشونة للداخل فكم تود حقا لو تكسر رأسها على ما فعلته قبل قليل...و بقيت اجابة سؤالها فارغة...فقد منت نفسها بأن تعرف منه أي جامعة سيدخل لتلتحق بها و تكون قربه...هذا الشاب الوسيم الذي يشغل بالها منذ رأته يبدو لا يراها بالمرة!...
******
جلست على الأريكة تحمل الحاسوب فوق ركبتيها و تتابع أخر مستجدات المشفى...الأيام الماضية كانت صعبة و مزدحمة للغاية لذا قرر مؤيد أن يمنحها إجازة لترتاح قليلا...زفرت بصوت مسموع و قد شعرت بالحر...رفعت كفيها تلملم شعرها عاليا بعيدا عن عنقها بينما تهمهم..
(الربيع لم يحل بعد و الجو حر إذًا كيف سيكون الصيف؟!)
تركت الحاسوب فوق الطاولة الزجاجية امامها ثم انحنت بنصفها العلوي تتطلع الى يائيل الجالس أرضا يلهو بألوانه و كراسة الرسم الخاصة به...داعبت خصلات شعره بحنان حتى رفع لها وجهه فابتسمت قائلة...
(أحسنت حبيبي...)
التمعت عيناه بوضوح مبتهج قبل ان يعود لما يفعله...تثاءبت أريج بنعس فحقا لم تشعر بإرهاقها إلا بعدما ارتاحت...نزعت نعلها و رفعت ساقيها فوق الأريكة لتتسطح و تغمض عينيها بينما تهمهم...
(الراحة جعلتك كسولة يا ريجو!)
تلاحم جفنيها بتثاقل و قد سرقها النوم مما حولها بينما اواخر ما ابلغها به عقلها انها فقط بضع دقائق و ستستيقظ مجددا...
(تعال هنا يائيل يبدو لن تستيقظ الآن!)
تشعر بشيء ما يهز كتفها ثم يلامس وجهها في أماكن متفرقة و بعدها شعرت بأنفاسه تلتصق ببشرتها حتى تداخلت هذه الجملة مع ما تشعر به!...فتحت عينيها بصعوبة تضيقهما بعدم استيعاب فوجدت وجه يائيل قريب من وجهها للغاية بينما اصابعه الصغيرة تترحل على وجهها كي تستفيق...اغمضت عينيها مجددا بكسل بعدما رفعت كفها تمسح فوق وجه يائيل ببسمة ناعسة...
(إلى متى ستنامين؟!)
صوت مؤيد الساخر ببرود أجفلها فعادت تفتح عينيها على اتساعهما فتجده جالسا قبالتها على الكرسي...رمشت بعينيها كثيرا تستوعب انه هنا بملابس البيت!!...استقامت جالسة على الأريكة تسأله بصوت متحشرج إثر النوم...
(أنت هنا!...كم الساعة؟!!)
شملها مؤيد بنظرة متفحصة يراقب شعرها المشعث و عينيها الناعستين بهدوء...توقفت عيناه على عينيها قائلا ببسمة متلاعبة...
(الرابعة و النصف عصرا)
(ماذا...هل نمت كل هذا الوقت؟!!!)
صوتها العالي كان مصدوما حقا فأنزلت ساقيها عن الأريكة لتلتقط هاتفها من جوار الحاسوب و تنظر به فتتسع عيناها لتهمهم بعدم فهم...
(يا الهي!!...لقد غرقت في النوم!)
(إنه محظوظ فغيره ينتظرك منذ زمن لتغرقي و تذوبي فيه)
جملته كانت شديدة الهدوء...صريحة التعبير...وقحة الى حد كبير خاصةً أمام ابنه...و بها من القوة ما يكفي لتخرس أريج تماما...قضمت شفتها بخجل تناظره في كرسيه يقتنص عينيها بنظرة ماكرة...تنحنحت لتلتفت الى يائيل ثم تميل الى وجهه تحاوطه بكفها قائلة بأسف...
(انا آسفة حقا حبيبي لقد نمت و تركتك وحدك...هل تناولت طعامك؟!)
رمش الصغير بعينيه ببراءة جعلتها تبتسم و تميل تقبل خده حتى وصلها صوت مؤيد...
(نبيلة اهتمت به...لكنه يريدك ليريك شيئا لا يريد أن يراه غيرك حتى أنا)
ضيقت أريج عينيها تنظر ليائيل بترقب حتى وجدت بيده ورقة مطوية يتمسك بها بإحكام...عادت تجلس على الأريكة و تسحبه من يده برفق حتى اوقفته قربها تسأله بتشجيع...
(ماذا تريديني أن أرى؟)
مد لها الورقة بسكينة فأخذتها منه تفتحها فتتسمر عيناها عليها للحظات قبل أن تتأثر بدموع سعيدة و هي تعود بهما اليه تسأله...
(أنت من أكملها؟!)
برم الصغير شفتيه فبدت صورته محببة لقلبها و دفعتها الى أن تضحك بتأثر حقيقي...عادت تنظر للورقة بحنين فهذه رسمة العصفور التي منحتها له في اول لقاء بينهما...من كان يظن أن تعود لها مكتملة و بيد يائيل...و ببسمتها الفخورة به رفعت الورقة الى مؤيد تقول بسعادة...
(انظر الى بطلنا الصغير لقد أكمل رسم ذيل العصفور بمفرده)
ارتعش فك مؤيد بصورة ملحوظة و هو يتابع هذه التعرجات التي رسمها ابنه...ابتسم بحنان جارف يمد يده ليائيل فتقدم منه الصغير ليضمه اليه هامسا بصوت مهتز...
(والدك فخور بك يائيل)
اغمض عينيه بعدما شعر بكفي ابنه يحاوطان عنقه من الخلف و يدس رأسه في كتفه...شدد مؤيد من ضمه له و ابتلع ريقه متحكما في مشاعره...فتح عينيه يتطلع الى أريج الباسمة بحنان يطل من حدقتيها فمد كفه لها كدعوة أن تأتيه...رفعت حاجبها عاليا تناظر كفه تارة و عينيه تارة اخرى حتى نطق بحنان...
(تعالِ أريج...)
توردت وجنتاها بخجل و فرح...الكثير من الفرح ففي هذه اللحظة تشعر و كأنها طفلة صغيرة كابنه...تقدمت اليه تلامس كفه بتردد فتمسك بها يجذبها منه حتى جلست على عاقبيها تناظر زرقة عينيه من هذا القرب...لو يعرف كم تحبه و كم تود قبله أن يعيشا كزوجين حقيقيين لكنها خائفة من القادم...هل سيكون ابا حنونا لأبنائها و هي هل ستكون أما مختلفة عن أمها؟!...هل مؤيد لن يتغير و سيظل يشاركها مسؤوليات الحياة أم ستزيد مسؤولياتها أكثر؟!...شهقت مجفلة حينما سحبها الى احضانه جوار ابنه يضمها اليه هامسا...
(شكرا لأنك جعلتني أرى ابني حيا...)
ارتعشت بين احضانه بتأثر مما يقوله بهذه النبرة الصادقة...زفرت انفاسها السريعة جوار عنقه تهمس بحنان...
(أنت و هو تستحقان حياة جميلة)
لثم بشرة عنقها بخفة يقول بهدوء...
(اصبحت جميلة بكِ...)
انكمشت على نفسها من قبلته لكنها ابتسمت بخجل تربت على ظهره بتفهم لمشاعره في هذه اللحظة...خرجت من بين احضانه تستقيم واقفة و تنظر لهما قائلة بحماس...
(و الآن احتفالا بإنجاز يائيل سنضع لوحته الصغير جوار لوحاتي...)
ابتعدت عنهما بخطوات سريعة نحو الغرفة التي تضع فيها اشياء الرسم الخاصة بها بينما مؤيد يردد بقلق...
(إلى أين ستذهب هذه؟!!)
ابعد ابنه عنه سريعا ليقف و يلحق بها قبل ان تدلف الغرفة لكنه لم يلحق للأسف...توقف قرب الباب الذي خرجت منه للتو بملامح مصعوقة تسأله بنبرة نارية...
(أين لوحاتي؟!!!!)
تنحنح مؤيد ثم رفع اصابعه يحك انفه قليلا قبل ان يقول بترقب...
(ليسوا هنا...)
حالة أريج كانت قد وصلت ذروة الترقب و العصبية فقالت بحدة متوترة...يا الهي هذه اللوحات هي كل ما تملك...انهم اغلى عندها من اشياء كثيرة...انهم رفقة سنوات طوال...يحملون فوقهم الوانا شاركتها حزنا و فرحا و غضبا و كثير من المشاعر...
(اعرف هذا فالغرفة فارغة تماما!!)
اقتربت منه تبتلع ريقها بوجل و قد اصابها الخوف فدمعت عيناها برجاء و هي تحدثه...
(مؤيد أرجوك هذه اللوحات تعني لي الكثير فأين هم؟!!)
تنهد بخفوت و هيئتها أمامه تدفعه لأن يصرح بما يفعله دون علمها...اقترب منها يتمسك بكفها تحت نظراتها المتتبعة بترقب قائلا بمزح...
(تعالِ كي لا تبكين)
ضيقت عينيها بجهل و هي تتحرك معه حتى وصل بها الى الأريكة التي غفت عليها يأخذ وشاح رأسها من فوقها يمده لها قائلا...
(أرتديه...)
أخذته منه تتفحصه ببلاهة متسائلة بتحفز...
(لمَ؟!...مؤيد لا تحتال علي و اخبرني أين لوحاتي)
اتسعت بسمته ثم انحنى يلتقط الوشاح منها و يغطي رأسها بينما يناظر عينيها بمشاكسة فيقول بتعجب...
(احتال!...لا تخافي يا مشتغلة أنا لا احتال سوى عند رغبتي في تقبيلك)
رغم تورد وجنتيها إلا ان عينيها كانتا صارمتين...ابتعد عنها ينادي على المربية حتى وصلت فقال...
(نبيلة اهتمي بيائيل حتى نعود)
اومأت له المربية فتحرك و تحركت خلفه أريج بسبب جذبه لها...سألته بتعجب كبير بينما يقتربا من الباب
(مؤيد أين سنخرج و أنا بهذه الملابس؟!...مؤيد توقف فأنا لن أتحرك قبل أن أعرف أين لوحاتي؟!!)
فتح باب البيت يتمسك به ثم يلتفت لها متفحصا ملابسها البسيطة...بنطال قماشي و بلوزة صوفية في نظره تُعد رجالية...عاد ينظر الى عينيها قائلا بهدوء...
(ملابسك رجالية بعض الشيء لكننا لن نبتعد كثيرا...و لو أغلقتِ هذا الفم قليلا سنصل الى لوحاتك)
حدقته بغضب ظاهر من مقلتيها فابتسم بهدوء دفع بها الغيظ...استكمل خطواته للخارج دون ان يعيرها انتباها ظاهريا لكن كل حواسه منتبه لشعلته الملتهبة خلفه...خرجا من بوابة البيت فتركت يده تتوجه الى السيارة لكنه اوقفها بصوته حينما قال بتساؤل...
(الى أين؟!)
التفتت بجانب وجهها له تقول بنبرة بديهية...
(سأركب!)
تخصر في وقفته يقول ببساطة...
(انها مجرد خطوات من هنا لا نحتاج لسيارة)
ابتعدت عن السيارة تتوجه نحوه و ترمقه بترقب فتسأل...
(انا لا أفهم أي شيء و لا أمقت في حياتي إلا أن أكون جاهلة هكذا!)
ضحك بخفوت يمنحها ظهره و يشرع في المشي دون كلمة...رفعت أريج ذراعيها عاليا بيأس من تصرفاته لتخطو خلفه منتظرة ان يخبرها اين لوحاتها!!!...توقفت حينما توقف تنظر حولها فتسأله بتخمين...
(هل نحن خلف بيتك؟!)
اجابها بينما يستكمل خطواته الى هذا الملحق المتواجد خلف بيته...يدس يده في جيبه و يستخرج سلسلة مفاتيحه ثم يفتح الباب و يلتفت لها قائلا...
(ادخلي)
ضيقت عينيها تتفحص المكان بالداخل حتى سمعت ضحكته و هو يعود اليها يتمسك بكفها و يأخذها للداخل قائلا...
(لا تخافي لن أختطفك)
برمت شفتيها تقول برفض بينما تدخل...
(لست طفلة أمامك لتقل هذا!)
اغلق الباب خلفهما ثم عاد اليها قائلا بتفهم...
(أشك أنه توجد طفلة مشتعلة مثلك!)
ابتسمت بخجل قبل أن توليه وجهها بنظرة محذرة تخبئ خلفها خجلها...عادت تنظر حولها بتدقيق فتتحرك ببطء في المكان...و حينما التقط عقلها ما تراه سألته بخفوت...
(هل هذه لوحاتي؟!)
تقدم حيث تنظر يسحب الأغطية البيضاء عن لوحاتها المعلقة فوق الحائط بينما يقول بهدوء عادت فيه عجرفته المقصودة...
(رائحة الطلاء و الألوان عبأت البيت بالداخل و كأننا نعيش في مصنع صبغات لذا قررت أن ننقل لوحاتك و ألوانك الى هنا)
التفت يواجه نيران غضبها المتطايرة من عينيها ثم يرتفع حاجبيه عاليا حينما وجدها تتوجه الى لوحاتها تزيلها بعصبية من فوق الحائط...أسرع اليها يتمسك بذراعيها و يبعدها عنهم قائلا بضحكة خافتة...
(مجرد مزحة اهدئي...)
اخرجت نفسها من تحت كفيه تنظر له بشيء من التفهم و لمحة حزن تكبحها في عينيها فتهمس بصوت مهتز...
(لست مخطئا حتى والداي يريان أن ما افعله لا قيمة له...انه لا شيء)
نظر اليها بصمت يدقق في انطفاء روحها امامه فيتقدم منها قائلا بهدوء بث به التشجيع..
(لوحاتك هي انعكاس لمشاعرك و مشاعر إنسانة مثلك لا يمكن ان تكون بلا قيمة يا أريج...هذا مَرسَم خاص بك)
رفعت وجهها له تردد بعدم فهم كامل...
(مَرسَم!!!)
ابتسم لها يقترب منها حتى وصل لوجهها فانحنى بضع سنتيمترات ليصل الى عينيها قائلا...
(نعم...روح دافينشي التي بداخلك لا بد أن نحترمها)
راقب اتساع عينيها بعدم تصديق فأردف بنفس الهدوء...
(عند حلول الربيع سيأتي بعض الزوار هنا ليروا لوحاتك و هذا لم أكن أريدك أن تعرفيه الآن و قد استغليت انشغالك الأيام الماضية و بعدك عن لوحاتك فأخذتهم الى هنا)
ابتسم قائلا بنبرة توبيخ...
(لكن ماذا سنفعل معك و أنتِ لا أحد يتوقع خطواتك التالية و..)
صمت عن حديثه ينظر لعينيها الدامعتين بتحفز...ابعد وجهه عنها يلامس ذراعيها متسائلا بترقب....
(أريج ماذا حدث؟!!!)
سألته بصوت ينافي هيئتها...فرغم دموعها الواضحة إلا أن صوتها كان غاضبا كما يظن!...
(لماذا تفعل هذا؟!!)
زفر نفسا خفيا قبل أن يلامس وجنتها بكفه قائلا بصراحة يحتاجها معها كي تنفض عنها سلبية مشاعرها...
(لأنني أعرف أنك ناقمة على حياتك و والديك و لا اريدك هكذا بعد الآن)
رددت خلفه بعينين ضيقتين...
(ناقمة!!)
ابتسمت نصف بسمة لتبعد وجهها عن كفه و تنظر حولها بشيء من الغضب فتردد بصوت مهتز...
(بعد كل شيء تحملته و فعلته أصبحت مجرد ناقمة!!)
اقترب منها يقول بتوضيح...
(أنا أعرف أنك....)
(أنت لا تعرف أي شيء يا مؤيد...لا تعرف مطلقا)
صوتها الهادر به رغم اهتزازه من الوجع إلا انها أكملت بنفس الحدة و كأنها تعنف نفسها قبلهم...تعنف خضوعها و قبولها لأشياء لم تكن تريد فعلها...
(أنت لا تعرف معنى أن تسلب منك رغباتك...أن تجبر لفعل شيء...أن تتمنى الشعور بطفولتك و تعيشها كاملةً...أنت لا تعرف كم هو مؤلم أن تحمل مسؤوليات ليست لك و أكبر من سنك...أن تهتز دواخلك و تتشوش حياتك و مستقبلك بسبب من حولك)
صمتت تنظر له بحدة و تردف باستنكار...
(تقول تعرف ها؟!!...و هل تعرف أنني بسببهم اصبحت معقدة لا اؤمن بالزواج و ارتعد منه...هل تعرف أنني احبك و لكنني خائفة من التجربة...خائفة من أن نتحول الى صورة مكررة منهما...أن أنجب اطفالا و اتسبب في تعاستهم و كرههم للحياة...لا تقل أعرف يا مؤيد لا تقل ابدا!)
بهدوء ينافي حالتها أمامه كان يقف...يتابع...يدقق...كل شيء يصدر منها الآن و إن كان متعبا لها فهو لصالحها...فلا يريدها ان تكتم مشاعرها هذه أطول...يريد أن يخلصها من عقدتها كما وصفت...استقبل نظراتها المتمردة بغضب بأخرى هادئة متفهمة فقال...
(بلى أعرف أريج...أعرف طفلا تمنى أن يكون له عائلة تحتويه و تضمه اليها حتى و إن حملّته اشغالا لا تناسب سنه...أهلك يحبونك و يخافون عليك ربما اساءوا التصرف لكنهم لا يكرهونك و لم يتخلوا عنك و أنتِ بحاجتهم...)
اقترب منها يناظر تيه روحها فيعاود ملامسة ذراعيها و يقربها منه قائلا بوعد حاني...
(بعض الأقاويل تنص على أن فاقد الشيء هو أفضل من يعطيه لأنه يعرف معنى الحرمان منه...و أنا حُرمت من العائلة و الترابط الذي يجمع افرادها)
نكست رأسها أمام عينيه و جسدها يرتعش بسبب كبحها لبكائها...انتظر مؤيد قليلا ثم قال بيقين
(نحن مختلفون أريج...لا أنا كوالدي و لا أنتِ كوالديك...خوفك و عقدك التي تخشينها ليست سوى ضغطا على نفسك لا أهمية له...أنتِ و أنا نعي اخطاء أهلنا فهل تعتقدين أننا سنسبب لأولادنا نفس الألم)
زفرت بصوت مسموع تقبض على روحها كي لا تبكي...فلا تريد أن تبكي...لا تريد أن تبقى أسيرة لخوفها من القادم...حقا لا تريد أن تكون مجرد ناقمة على أهلها...
(أنا لا أكره أهلي...)
ابتسم بخفوت من تبريرها لمشاعرها فقال بهدوء متأكد...
(أعرف هذا ايضا...أنتِ تلومينهما على عدم شعورهما بك لكنك تحبينهما و تفعلين لأجلهما المستحيل...)
هزت رأسها ببطء متفهم لتخرج من تحت ذراعيه و تتوجه الى باب الملحق دون ان تنظر له...توقفت حينما سألها بترقب...
(الى أين؟!)
صوت انفاسها المرتعشة كان مسموعا حينما اجابته...
(سأعود للبيت...)
لم تنتظر رده ففتحت الباب و خرجت تقطع المسافة بخطوات سريعة و عقل شريد...مؤيد جعل من حياتها السابقة بكل ما بها من ألم نفسي مجرد تجربة!...هل كانت هكذا طوال الوقت؟!...هل ضاع عمرها في اللاشيء...هل حرمانها من الحب و الزواج و تكوين أسرة كباقي الفتيات خوفا من تكرار حياة أهلها مجرد هاجس لا صحة له؟!!!...
في المساء...
دلف مؤيد غرفتهما بعدما قرر ان يمنحها كل الوقت الذي شعر بأنها تحتاجه...ضوء الحمام اخبره انها بداخله فاستند على طاولة الزينة ينتظر خروجها...و بعد دقائق ليست كثيرة خرجت و فور رؤيته توقفت تنظر له بعينين مرهقتين ثم تستكمل خطواتها الى منتصف الغرفة...اقترب منها يسألها باهتمام...
(كيف حالك الآن؟)
دون ان تنظر له قالت بخفوت...
(سأقضي الليلة مع يائيل)
اغمض عينيه بتريث قبل ان يقول بجدية...
(أبقِ هنا سأبيت أنا الليلة في غرفة أخرى)
هزت رأسها رفضا تقول بتصميم...
(احتاج ان أبقى جوار يائيل الليلة...)
لا يعرف سر طلبها هذا لكنه وافقها فأريج لا تخطو خطوات عابثة...ربما تحتاج أن تلمس الدفء في طفل صغير كابنه...أو ان تفكر بعمق بعيدا عنه...ربما تحتاج لهذا فعلا لذا هز رأسه متفهما فتوجهت هي الى الباب تفتحه و تخرج منه...لكنها قبل أن تغلقه نظرت اليه تقول بهدوء...
(شكرا لأجل المَرسَم...أحببته)
ليلا في غرفة يائيل...
انقضى وقتا طويلا كما تعتقد و هي متشبثة بجسد الصغير الغافي...تفكر و تزن الأمور من منظور مختلف منحها إياه مؤيد اليوم...جملته لا تنفك تتردد في عقلها كل لحظة...تتردد بيقين و تأكيد حتى باتت وشيكة على الإيمان بها...
(نحن مختلفون أريج...لا أنا كوالدي و لا أنتِ كوالديك...خوفك و عقدك التي تخشينها ليست سوى ضغطا على نفسك لا أهمية له...أنتِ و أنا نعي اخطاء أهلنا فهل تعتقدين أننا سنسبب لأولادنا نفس الألم)
هل هي مختلفة عن والديها؟!...هل ستنجح في اقامة اسرة سعيدة مع رجل أحبته؟!...اغمضت عينيها بتعب تهمهم بخفوت مفكر...
(كانت هواجس أتعبتك عمرا طويلا أريج...ضاعت منك سنوات لن تعوض فهل ستسمحين للباقي منها بأن تضيع هي ايضا؟!!...قلتِ له أحبك اليوم...قلتِها لأنك حقا تريدين أن تبدئي معه حياة رغم خوفك منها إلا انك ترغبين بها)
توقفت عن الهمس حينما سمعت صوت مقبض الباب...ظلت على وضعية النوم دون ان تفتح عينيها...شعرت بأنفاس مؤيد حولها في الغرفة ثم انتبهت حواسها لحركته القريبة منها...انه يسحب الغطاء و يحكمه على ابنه جيدا...رغم انها لا تراه الآن لكن قلبها يرى ما يفعله...هذا الأب الحنون بداخله يدفعها دفعا لأن تتمنى بأن يكون أبا لأولادها...توقفت انفاسها فجأة حينما شعرت به قربها...يسحب الغطاء عليها هي ايضا ثم ينحني ينظر لوجهها الغافي فيميل الى وجنتها يقبلها ببطء و يهمس قرب أذنها...
(قلتِ أحبك و هربتِ الليلة من جواري لكنني سأمررها و لن أتهاون عن اعتراف أكثر عملية من هذا...اعتراف يليق بكِ يا مشتعلة)
ابتسم بعدما لاحظ تحرك جفونها من كلامه...يعرف انها ليست غافية و انه يجب ان يمنحها الوقت الذي تحتاجه مع نفسها لتصدق انها كانت تحبس روحها في خانة ضيقة للغاية و تستمتع بدور الضحية...لكنه لم يتمكن من النوم و كلمة أحبك الذي قالتها له تشغل حيز قلبه...لذا فليشغل حيز عقلها و قلبها مثله ببعض كلمات صريحة يتلاعب معها بهم...قريبا جدا يا أريج ستفتحين لي أبوابك كاملةً بلا قيود...
بعد أسبوع...
خرجت من باب البيت تحمل في يدها بعض مستلزمات الرسم...الشمس عادت لتسطع بشكل ملحوظ تخبرها بأن الربيع على الأبواب و عليها ان تنجز تحضير المعرض الذي سيقيمه مؤيد لها...برمت شفتيها بنزق من تصميمه على إقامة هذا المعرض و قد وضع تاريخا محددا له بل و أبلغ به اصدقائه و بعض المتخصصين في معارض اللوحات الفنية...ألا يهتم بكونها منشغلة في المشفى و لخطبة ديما الوشيكة و تسابق الزمن لتنهي لوحاتها...انها متوترة من ان يرى رسمها أحد غريب لكنها متحمسة أكثر و تشجيعه لها يدفعها للأمام...كادت تصل لباب المَرسَم لكنها توقفت تناظر هذه السيارة بتدقيق...انها هي لا يمكن ان تنساها...احتدت نظرتها فتحركت نحوها بغضب حتى وقفت امامها...و رغم ان الزجاج اسود لا يشف ما خلفه إلا انها تيقنت من خطوة مالكها التالية...و قد فعلها و بدلا من أن يحدثها من وراء النافذة كالمرة السابقة خرج شخصيا ليقف أمامها...سألته أريج بحدة دفاعية...
(ماذا تفعل هنا دكتور مهران؟!)
بعجرفة زائدة رد سؤالها بمماثل متهكم...
(هذا سؤالي لك...لمَ ما زلتِ هنا مع مؤيد؟!)
زاد غضبها و هي ترد عليه بشموخ...
(لأن هذا مكاني...مع زوجي و ابنه)
ناظرها مهران بحدة عاصفة كحال صوته...
(لا تكرري هذه الجملة كلما رأيتك...هذا ليس مكانك)
تنفست أريج بوتيرة متسارعة تلجم جماح لسانها عنه لكن حقا قسوته هذا ألا تتزعزع...ألا يرأف بحال ابنه و حفيده و لو لمرة...
(لماذا تكره ابنك هكذا؟!...)
لاحظت كيف اتسعت عينا مهران للحظة و كأنه لم يتوقع سؤالها هذا...فجاءت اجابته الغاضبة
(أنا أكره اختياراته الخاطئة...)
ابتسمت أريج بسخرية تردف...
(ربما لأنه لم يجدك حوله و لا مرة لتنصحه و تعلمه ما هو الخطأ و ما هو الصح!)
اشتد غضب مهران منها فهدر بها بتحقير...
(لم يبقَ سوى شخص مثلك وجد في زواجه من مؤيد فرصة ذهبية يعلمني ماذا أفعل!)
لم تتبدل بسمتها الساخرة فتقول...
(دكتور مهران اسمح لي ان أقول لك أن واجهة الأب لا تليق بك...اترك الأبوة و ما تعنيه لشخص كمؤيد)
ردد مهران بسخرية لاذعة اوجعت قلبها حقا...
(أب لطفل غير شرعي ألصقه باسمي و جعله حفيدي الوحيد)
ناظرته برفض حانق لكنها أرادت أن تخرسه...فما ذنبه يائيل ليعامل بهذه القسوة...لماذا بعض الذنوب لا تغتفر من البشر رغم كونهم لا يملكون صلاحية الغفران؟!!...ابتسمت بسمة واسعة تلامس بطنها بحركة واضحة فتقول ببطء...
(لم يعد حفيدك الوحيد...فقريبا سيصل حفيدك الثاني)
اتسعت عيناه بعدم تصديق يسألها...
(ما الذي تقولينه؟!...)
رفعت كتفيها بقلة حيلة تقول ببساطة...
(انها الحقيقة...ربما تراهما لا يستحقان كباقي الناس الذين يدخلهم مؤيد الى حياته)
اشتعلت عيناها بتهديد بينما تقول...
(لكنني لن أسمح لك بأن تصف أولادي بحثالة)
صوت انفاسه الغاضبة كان عاليا فهي تناطحه باسم حفيدين الآن...ابتعد عنها يعود الى سيارته بغضب لكنها أوقفته برجاء واضح في حروفها...
(مؤيد يستحق أن تحبه فلا تبقيه في هذا العذاب أكثر من هذا)
توقفت خطوات مهران و قد شرد عقله بعيدا...إنه نفس المطلب الذي طلبته منه إيڤا قبل سنوات...أن يحب ابنه لأنه يستحق...أولا يعرفون بأنه يعلم ان مؤيد يستحق؟...ابنه يستحق الأفضل و هذا ما خطط له في سنوات لكنه كبر و تمرد و اختار اختيارات خاطئة جعلته يخسر...لكن هل سأل نفسه يوما أهو غاضبا لأجل خسارة طبيبا ماهرا كان يعده ورقته الرابحة أم ابنا لا يملك سواه؟!!!...خرج من شروده ليلج سيارته دون ان يلتفت لها...أما أريج فتابعت سيارته التي ابتعدت لتزفر بغضب مكبوت...انتبهت لكفها الذي لا يزال على بطنها فنظرت حولها بحرج و هي تزيحه عنها...و عند نهاية الشارع وقف مؤيد الذي تبدلت ملامحه الواجمة الى ابتسامة عريضة بعدما رأى ما فعلته...لا ينكر ان كل لقاء بوالده يشعل بداخله نيران الغضب و الكره لكن مجابهة أريج له هذه المرة ازالت عنه هذا الشعور سريعا...لقد اغاظته حقا...أريج اغاظت مهران الفايد و كأنه ولد صغير تعاقبه!!...فلتت ضحكة منه ليردد بعدها بعدم تصديق...
(حامل يا كاذبة!!...)
خفتت ضحكته قليلا لتلتمع عيناه بوهج مختلف...هي من جلبته لنفسها فلتتحمل نتائج كذبتها!...
مساء نفس الليلة...
وقفت أمام مرآة طاولة الزينة تزيل الألوان الملتصقة بكفيها بتعب...تسمرت مكانها بعينين متسعتين بعدم تصديق بعدما حطت كفا مؤيد على خصرها من كلا الجانبين يرفع بهما سترة منامتها الحريرية ببطء مقصود...رفعت عينيها اليه في المرآة تسأله بصوت متحفز يعاني عدم الفهم...
(ماذا تفعل؟!!)
ابتسامته لها كانت جوابه و حقا لم يكن يحتاج أكثر منها...انتفضت من تحت كفيه تبتعد عنه بينما تسأله بترقب حينما وجدته يتحرك نحوها...
(ماذا يحدث معك الليلة؟!)
تعثرت في خطواتها حتى اجبرها بجسده أن تلتصق بالحائط خلفها...اقترب منها بوجهه يقول بتأكيد جاد...
(الدكتور مهران ينتظر حفيده الثاني...أم تريدين أن نظهر كاذبين أمامه!)
شلّها تصريحه بمعرفته بكذبتها البلهاء لوالده...فلم تشعر بأصابعه التي تسللت بخفة الى أزرار منامتها يحلّها واحد واحد...لكنه توقف بعد الزر الثاني حينما ظهرت بشرة جيدها امام عينيه فقال ببسمة عابثة...
(ظننت أنني سأبذل مجهودا أكبر من هذا!)
رمشت أريج بعينيها فأسبلت اهدابها للأسفل تنظر حيث ينظر حتى شهقت بخجل تسرع بضم فتحتي المنامة على صدرها بينما تقول بتلعثم غبي...
(الجو حار لذا ارتدي ملابسا خفيفة و...)
استوعبت ما يحدث بينهما حقا فرفعت عينيها اليه تسأله بخجل متوتر رغم غضبها...
(ما الذي تفعله مؤيد؟!!)
اقترب بوجهه اكثر فأخرسها حينما همهم أمام شفتيها...
(يبدو سأحب صيف هذه السنة يا ريجو)
ما يفعله يدغدغ مشاعرها كما ان عبثه يثير ضحكها حقا...لا يمكن لعقلها ان يدمج مؤيد هذا بذاك ابدا...لذا و من فرط التوتر علت ضحكتها أمامه تسأله بصوت متقطع...
(هل سمعت حقا...ما قلته لوالدك؟!)
تابع ضحكتها الرنانة بتفحص لهذا الجمال الذي يذوب حرجا من قربه...سايرها فيما تهذي به فقال بينما يعاود التلاعب بمنامتها...
(نعم ... )
علا صوت ضحكاتها المتوترة فأبعد مؤيد كفيه عن منامتها ليناظرها ببسمة لا ينكر سعيدة...سألها بخبث واضح من نظرته...
(هل أوترك الى هذه الدرجة؟!)
خفتت ضحكتها دون ان تفقدها كاملةً لتهمهم بفقدان للاتزان...
(يا الهي!...مؤيد أنت توترني فعلا)
ينظر في عينيها العاشقتين فيرى بين حنايا روحها قبولا و قلقا...مال اليها يلامس شفتيها الضاحكتين رغم توترها بهدوء جعلها تبتلع صوت ضحكاتها كله...ابتعد عنها قائلا بعرض مرح...
(يمكنك الاعتماد علي فأنا كنت أبا أعزبا لفترة لا بأس بها... أجيد التعامل مع الأطفال و سأساعدك في تبديل الحفاضات...فقط كل ما عليكِ فعله هو أن تمنحيني ولدا)
همست اسمه بخجل مفرط...فاقترب منها يقول بعشق لهذه المرأة التي كان لقياها مجرد صدفة عابرة في حياته فباتت بعده كل حياته...
(مؤيد يتوق لأن ينصهر جليده بين نيرانك يا مشتعلة)
ابتسمت بقلب متيم به فكانت بسمتها دعوة منها لأن يقترب...فلا يقهر البرد سوى الدفء...و هي ستمنحه دفئها
*******
في بيت باهر و ميرنا...
وقف يدق على باب غرفتها بقلق بينما يحدثها بمهادنة...
(أمي الى أين ستسافرين بمفردك الاطباء هنا قالوا مستحيل أن يعود وجهك كما كان...على الأقل انتظري لأرتب أموري و آتي معك!)
صوت صراخها الهادر من الداخل جعله يغمض عينيه بحسرة عليها...فبعدما خرجت من المشفى و قد طلب منها البقاء معه في بيته الجديد كي يرعاها في حالتها هذه...لقد تحولت الى واحدة مختلفة كليا...اصبحت اكثر عدوانية و لا تتحمل الحديث مع أحد...
(لا دخل لك بما سأفعله يا باهر ألم تكن تريد تركِ من قبل فها أنا أمنحك الفرصة لتتركني)
عاود الدق على بابها يقول برجاء...
(أمي ما حدث قد حدث و لا يمكننا تغييره و هذا المجرم قُبض عليه...رجاءً أمي تقبلي ما أنتِ به الآن و ربما فيما بعد سنجد حلا يعيد وجهك كما كان)
حلَّ الصمت عليهما لفترة توجس فيها باهر حتى فتحت لبنى الباب بعنف تخرج منه و تقف امام ابنها...بهذه الضمادات اللعينة التي تخبئ خلفها وجها مشوها...بنصف رأسها الأيمن الذي فقد شعره...بهيكل لم تتخيل يوما ان تصل اليه...ناظرته بعينين جاحظتين بجنون و هي تصرخ...
(أي قبول هذا الذي تطلبه مني؟!...أتطلب أن أقبل هذا المسخ الذي بتُ عليه!...أن أداري وجهي عمري القادم كله عن الناس خلف ضمادات كجثة ميتة...لا يا باهر لن اتقبل هذا و لن انتظر الغد ليرأف بي...سأسافر للخارج و أدفع كل ما يتطلب لأعود كما كنت بل أفضل...)
لامس ذراعها بعينين متأثرتين بما تمر به فهمس بضيق لأجلها...فلا يريد أن يقول ان كل هذا حدث بسبب سوء تصرفها مع فلك...يخشى ان يخبرها ان هذا جراء ما فعلته يدك...لذا همس فقط اسمها برجاء واضح
(أمي...ارجوك)
نفضت كفه بعيدا عنها بحدة لتصرخ به بعصبية زائدة و تدلف غرفتها تصفق الباب في وجهه...
(ابتعد باهر...اذهب الى المدللة زوجتك و كن جوارها كما تفعل دوما)
تنهد باهر بضيق مما يحصل و يدفعه لأن ينهار...نظر الى الصالة يراقب خيال ميرنا الجالسة كشبح لا روح به...من أين سيجدها هو لينقذ ما يمكن انقاذه؟!!...
رن هاتفها فاستفاقت من حالة الشرود التي وقعت بها...التقطته تقطب ما بين حاجبيها بتوجس حينما لمحت اسم محامي والدها عليه...فتحت الخط بوجل تستمع بصمت مطبق لما يُقال ثم اتسعت عيناها بهلع و سقط الهاتف من يدها كما اطلقت صرخة غير مصدقة جعلت باهر يهرول ناحيتها متسائلا بهلع...
(ماذا حدث ميرنا؟!!)
نظرت له ببكاء مرتعد تقول بصوت متقطع...
(أبي...فقد الوعي في الشركة...و نقلوه للمشفى!!)
زاد بكاؤها بينما تهمهم بتيهٍ...
(هل سأخسره كما خسرت أمي؟!...)
رفع باهر وجهها اليه يسألها بجدية فلا وقت لمخاوفها التي تصرخ من خلف حدقتيها...
(ميرنا اهدئي و اخبريني في أي مشفى هو؟!)
ارتعشت حروفها و هي تخبره عن المشفى التي نقلوا والدها اليها...
في المشفى...
راقبت والدها من عند باب الغرفة و لم تقوَ على أن تخطو الى جسده الذي تعلقت به اسلاك عدة...تبكي بقهر و رعب من أن يتركها بمفردها و يرحل هو ايضا...هي السبب فيما وصل اليه...هي التي حولت حياتهم الى جحيم...فقط يستفيق و ستفعل لأجله اي شيء...فقط يفتح عينيه و يبتسم لها بحنان كما كان يفعل...انتبهت لصوت الطبيب الذي وقف قبالة زوجها المتسائل بقلق عن حالة حماه...
(لقد ارتفع ضغط الدم بنسبة مخيفة لذا قمنا بالفحوصات اللازمة و سننتظر نتائجها حتى نحدد حالته...السيد طارق لم يكن يشكو من شيء كما انه يتابع صحته بفحوصات دورية كل ستة أشهر!!)
زاد بكاء ميرنا فناظرها باهر بتضامن ليعاود الرد على الطبيب...
(مؤخرا حدثت أمور كثيرة أثرت على نفسيتنا جميعا و السيد طارق كان المتضرر الأول)
هز الطبيب رأسه متفهما ليردف بنصح...
(السيد طارق في سن يجعله عرضة للمخاطر الصحية حتى و ان كان يهتم بصحته و لياقته فهذا ليس كافيا...لا أخفيكم سرا اخشى على حالة القلب فالمعدلات الحيوية له لا تبشر بالخير)
شهقت ميرنا بهلع تبتلع ريقها بخوف و تنظر بتوسل للطبيب تارة و لزوجها تارة اخرى...همست بخفوت مرتعد
(افعل أي شيء يا دكتور ليعود أبي كما كان...لو تطلب الأمر أن يسافر للخارج لا بأس فقط...فقط يعود أبي لي بلا ضرر)
ناظرها الطبيب بتفهم يقول بعملية...
(لم نحدد الوضع بعد، نتائج الفحوصات ستكون الفيصل في حالته و ان كانت الحالة تحتاج السفر سنخبركم بهذا...لكن نصيحة من طبيب والدك يا ابنتي حاولوا ان تهيأوا له حياة بلا ضغوطات او مشاكل أن تنهوا أي خلاف لأجله فهذا سيغير من حالته النفسية و التي ستساعدنا كثيرا عضويا)
تركهما الطبيب و ابتعد فارتمت ميرنا على صدر زوجها تبكي بصوت عالٍ قائلة بتأنيب ضمير...
(أنا من يحق لها أن تكون مكانه الآن ليس هو...لقد آذيت أبي يا باهر أنا السبب)
ضمها باهر اليه بقوة يخفف عنها ببعض الكلمات و نظره قد تعلق بطارق الفاقد للوعي...كم كان ضعيفا يعاني المرض و العجز!!...
صباح اليوم التالي...
(فلك الفطور جهز تعالِ...)
وضعت هيام الطبق فوق طاولة الطعام لتجلس على الكرسي تنتظر ابنتها...خرجت فلك من غرفتها تتمسك بوشاحها ببعض التعب البادي على ملامحها...الحمل يزداد ثقله رغم انها لم تنهي شهرها الخامس بعد...وصلت الى الكرسي تتمسك به لتجلس ببطء جعل امها تقول برفض...
(ترفعين يدك بالكاد يا فلك فلا تنزلي اليوم و خذي اجازة)
تنهدت فلك بأنفاس مرهقة لتلتقط رغيف الخبز بينما تقول بخفوت...
(لقد تغيبت قبل أسبوع و لا يمكنني الغياب مجددا هكذا راتب الشهر لن يتبقى فيه شيء )
جزت هيام على ضروسها تتماسك كي لا تضايق ابنتها لكنها حقا لا تتحمل ارهاقها هذا و هناك حل لذا قالت ببعض الحزم...
(لو تقبلين الظرف الذي يرسله زوجك لك ستوفرين على نفسك هذا التعب كله...انه حقك يا فلك و حق ابنك ايضا فلماذا ترفضينه؟!)
دون ان ترفع بصرها لأمها قالت بحزم اكبر...
(ابني لن ينفق عليه غيري يا هيام)
زفرت هيام بغيظ من افعال ابنتها...حسنا تتفق معها في حرية قرارها بأن تنفصل عن طارق حتى لو ظلا على الورق زوجين...حسنا تتفهم ما تمر به ابنتها بسببها قبل أي شخص آخر و تؤيد خطواتها التي تظن انها راحة لها...لكن ما تفعله من رفض لأموال هي حقها ستوفر عليها هذا الجهد و التعب هذا ما يجننها...انه حقها شرعا و قانونا حقها ان ينفق عليها زوجها و على ابنه لا جدال فيه...لذا تكلمت برفض واضح...
(فلك كل ما تفعلينه هو حقك و لن اتدخل به مادام أنتِ مرتاحة فهذا الأهم...لكن ابنك ما ذنبه تحرمينه من والده و عز والده...هل ترضين له بأن يشتهي شيئا و بسبب قصر يدك لا تستطيعين شراءه له بينما أموال والده تشتري له جبالا من الاشياء...لقد جربتِ الظلم و ما يفعله بالناس فلا تظلمي ابنك يا ابنتي)
طحنت فلك ضروسها بحدة و قد التزمت الصمت...تركت الخبز من يدها لترفع عينيها الى أمها تقول بوجع ناضح من روحها...
(أهون علي أن يشتهي شيئا لا يمكنني شراءه له بدلا من أن يعيش ذليلا يعاني كره من حوله له و شكهم فيه)
اهتزت حدقتا هيام بدموع على حال ابنتها...متى سينتهي عقاب الدنيا لفلك التي لا ذنب لها في شيء؟!...انتبهتا لصوت الطرقات العالية فوق الباب فضيقت هيام عينيها بينما فلك توجست ملامحها بترقب...استقامت هيام تتوجه الى الباب بينما تردف بقلق...
(من سيأتي لنا في هذا الوقت من الصباح؟!...استر يا رب!)
فتحت الباب فاتسعت عيناها بصدمة من هيئة ميرنا المزرية...تناظرها ببكاء مرير و زوجها خلفها يحمل وجهه ملامح الفزع ربما...سألتها ميرنا ببكاء و توسل
(أين فلك؟!!...)
ردت هيام سؤالها بواحد محتد...
(ماذا تريدين منها بعد فعلتك القذرة بها؟!)
انتحبت ميرنا ببكاء دامي لتتوسل مجددا...
(ارجوك احتاجها ضروريا...أبي في المشفى و نحن بحاجتها)
تهدلت ملامح هيام بقوة حينما عرفت سبب الزيارة...عادت تنظر للخلف فتجد ابنتها قد استقامت مستندة على الكرسي تنظر لجسد ميرنا بشحوب واضح...رأتها ميرنا فهرولت اليها تتمسك بكفها بكف يرتعش من الرعب فترجوها ببكاء...
(فلك أرجوك أبي يموت في المشفى...حالته ازدادت سوءا عن الأمس...أرجوك أبي أحبك و منحك حنانه فلا تبخلي عليه بمسامحة ستساعده كي يعود لي...أرجوك يا فلك لا يمكنني خسارة أبي و الله لا يمكنني)
تعلقت عيناها ببطن فلك فقالت بما جال في خاطرها كي تقنعها...
(هل تريدين أن يأتي ابنك الى الدنيا و لا يجد والده...أرجوك لأجل ابنك أنتِ لا تقسو على أبي أكثر و هو بحاجتك هكذا)
رغم ذبول فلك و تيه ملامحها التي تفصح عن خوفها مما سمعت إلا انها صمتت تماما...صمت زرع الفزع في روح ميرنا و سحب منها اخر فرصة يمكن ان تساعد بها والدها...شعرت بباهر الذي حاوط كتفيها من الخلف يسحبها معه بينما يقول بتفهم لوضع فلك...رغم انه ظن انها ستذهب معهم لكن حقا يعذرها...
(هيا ميرنا لقد فعلتِ ما بوسعك)
رفضت ميرنا الذهاب بينما تقول برعب مهتز...
(لكن أبي يا باهر...أبي سيموت!)
تنهد باهر بصمت متعب يخبرها به بأن ما باليد حيلة...نظرت ميرنا لفلك بتوسل لكن الأخيرة كانت ضائعة في تفكيرها الخاص مما دفع ميرنا لفقد الأمل كله على عتبة بابها...و بعد رحيلهما توجهت هيام بترقب لفلك التي رفعت وشاحها فوق رأسها تسألها
(الى أين ستذهبين؟!)
ببطء خاوٍ جاوبتها فلك بوجه شاحب...
(الى العمل...)
تحركت ببطء امام عيني والدتها المترقبة...فهي ترى خوف فلك بعدما عرفت عن حالة زوجها...لكن هل ستلين أم ان حقا الدنيا كانت قاسية معها للحد الذي جعل قلبها أشد قسوة...
في مشغل تهاني...
توجعت فلك بصوت عالٍ حينما انجرح اصبعها من إبرة ماكينة الخياطة...تجمعن الفتيات حولها بهلع و قد نزلت تهاني من مكتبها الى الدور الأرضي لترى ماذا يحدث...ابعدت الفتيات عن فلك و نظرت الى اصبعها بتدقيق...الجرح ليس كبيرا الحمد لله...امرت الفتيات بلطف بعدما اطمأنت على فلك...
(الجرح بسيط يا بنات هيا للعمل)
ثم ربتت على كتف فلك الشاردة و قد لاحظت تغيرها منذ أتت اليوم فقالت بتفهم...
(هل أنتِ بخير فلك؟!...لو تشعرين أنك تحتاجين اجازة اليوم لا بأس فالشغل اليوم قليل و البنات هنا جميعهن)
وقفت فلك بصعوبة تحاوط بطنها بكفها السليم و تنظر لتهاني بحرج قائلة...
(انا آسفة يا ست تهاني و لكني اليوم لست بخير)
ابتسمت تهاني في وجهها تقول بهدوء...
(لا تهتمي حبيبتي بأي شيء سوى صحتك و صحة ابنك)
هزت فلك رأسها بشكر و ابتعدت عن الماكينة الخاصة بها لترحل لكن صوت تهاني المتردد اوقفها...
(فلك انتظري قليلا...)
توقفت فلك تنتظر قولها لكن تهاني تمسكت بذراعها تساعدها حتى تصل الى باب المشغل فيبتعدا بقدر كافٍ عن الفتيات...ابتسمت بحرج واضح بينما تقول...
(لا أعرف هل يصح ما سأقوله أم لا و لكن يعلم الله أنني أفعلها بنية الخير)
ضيقت فلك عينيها بعدم فهم حتى قالت تهاني بتوضيح...
(أنتِ لست بخير منذ جاء زوجك الى هنا...تبدين طوال الوقت شاردة و الهم مرتسم على وجهك...أنا لا أعرف ما الذي حدث بينكما من قبل و لا أريد أن أعرف لكن واضح أنكما منفصلين دون طلاق...نصيحتي و أنتِ مثل أختي الصغيرة إن كانت هناك فرصة للصلح بينكما لا ترفضيها خاصةً و في طفل بينكما...لا تخربي بيتك بيدك صدقيني خراب البيوت ليس هينا و قد جربته أنا و ندمت بعد فوات الأوان)
ازداد شحوب وجه فلك بشدة و لوهلة شعرت ان الدنيا تدور بها و هي بالكاد تتشبث كي لا تسقط...بصعوبة اومأت بلا صوت لتهاني ثم فتحت باب المشغل و خرجت...تمشي في الشوارع بلا هدف...تفكر في اشياء كثيرة تبدأ بابنها و تنتهي عنده...لا تنكر ان معرفتها بمرض طارق هز روحها...لن تكذب و تقول كرهته و تتمنى موته...بل هي متألمة لما يمر به...طارق لم يبخل عليها يوما بحنانه و عطفه...طارق كان أبا حنونا تمنته...لا تريد له الأذى و كم هو صعب قرارها و مسامحته على شكه بها...شعرت بتعب قدميها الشديد فرفعت بصرها تنظر حولها بلا تصديق...انها عند البحر هل سارت كل هذه المسافة دون ان تشعر...توجهت بخطوات بطيئة لتجلس على الأريكة الخشبية الموضوعة امام البحر...تنظر لمياهه التي لطالما أتت اليها هاربة كلما طالتها نظرة او لمسة من رجل غريب...حاوطت بطنها بكفيها تهمس لصغيرها بتعب...
(رأيت من الدنيا ما لم اتمنى ان تراه أنت فاخبرني ماذا أفعل؟!)
صمتت قليلا و كأنها تسمع اجابته فعادت تهمس...
(أمك لم تعرف يوما ما هو الحب حتى شعرت بك داخلي...علمتني شعورا افتقدته عمرا طويلا بني)
تنهدت بألم لتردف...
(ضحيت كثيرا براحتي و صمت على اشياء كثيرة كي لا أؤذي من حولي...هل أضحي الآن ايضا و اسامح والدك؟)
اهتزت انفاسها بحزن على حالها فهمست بصوت مختنق...
(كلهم ظلموني بدايةً من أب نبذني حتى أب شك فيّ...أمك تعرف معنى الظلم و معنى ان تكون طفلا بلا أب...أمك اشتهت حضن الأب و تمنته من الغريب بني...لا أريد لك المثل لكنه صعب و الله)
اغمضت عينيها لتسيل دمعة وحيدة على وجنتها فتهمس بشفاه مرتعشة...
(لكنه ليس مستحيلا...أنت تستحق أن تحيا مع والدك...أن تنعم بأحضانه و حبه...ألا تشتهي عطفه و تطلبه من الغريب...لن أجد أهم منك عندي لأضحي لأجله فقد فعلتها للغريب من قبل أأبخل عليك بها؟!)
فتحت عينيها تناظر بطنها فتبتسم بسمة حزينة لكن حروفها كانت صادقة...
(فلك تحبك كثيرا و لن ترضى لك ما رضيته لي الدنيا)
ابعدت كفها عن بطنها تمسح دموعها بتصميم بعدما اتخذت قرارها...نظرت حولها ببحث لم يطل حتى وجدت شابة تصغرها بقليل تمسك هاتف و تلتقط صورا لها على الشاطئ...استقامت تقترب منها و تطلب برجاء...
(هل يمكنني اجراء مكالمة من هاتفك فخاصتي ليس معي)
نظرت لها الفتاة بتفحص قليلا قبل أن تمنحه لها بينما تقول..
(حسنا لكن لا تبتعد عن هنا...)
أخذته فلك تشكرها و تقف جوارها تضغط ارقام هاتف طارق و تدعو ان يكون متاحا...لحظات و وصلها صوت الرنين فاتسعت رئتاها و هي تلتقط الهواء حولها تشجع نفسها به على اتمام ما تنويه...رفعت بصرها للبحر حينما وصلها الرد فقالت بصوت مهتز...
(ميرنا...في أي مشفى والدك؟!)
فور رؤيتها في بداية الرواق هرولت ميرنا اليها تضمها بقوة بينما تقول بانفعال شاكر...
(شكرا لك يا فلك...حقا شكرا لقدومك)
ابتعدت عنها فمنحتها فلك نظرة متفهمة تسألها...
(أين غرفة والدك؟)
تمسكت ميرنا بيدها تأخذها حتى الغرفة و قبل ان تدلف اوقفتها تقول بندم...
(آسفة على كل شيء)
ابتلعت فلك ريقها ببطء قبل ان تقول بخفوت...
(صحة والدك هي الأهم الآن...علينا أن نكون معه كي يعود لكما)
لامست بطنها في جملتها الأخيرة تؤكد دون قصد منها انها لولا ابنها ما كانت هنا الآن...تركت ميرنا و دلفت الغرفة على طارق...أوجعها قلبها عليه و هي تراه نائما هكذا بلا حول و لا قوة...طارق منحها يوما ما تمنت و هي ستمنح ابنه اليوم ما يتمنى...جلست جواره على كرسي ملاصق للسرير ثم مدت كفها تلتقط كفه و تشدد عليه بحنان لتنطق برجاء متأثر...
(طارق نحن هنا...ابنك جاء ليطمئن عليك)
ظلت تحدثه لفترة ليست طويلة حتى شعرت بكفه يتحرك داخل كفها...تأهبت و اقتربت بصعوبة منه تنادي عليه مرارا...فتح عينيه بصعوبة ينظر لها بتعب كبير...ابتسمت لوجهه المرهق و قد غلبتها دموعها حينما نطق اسمها بعدم تصديق...
(فلك...أنتِ هنا؟!)
اومأت له تربت على كفه قائلة بأمل يحتاجه...
(نعم طارق...كلنا هنا و معك...عليك أن تُشفى سريعا فأولادك ينتظرونك و يحتاجونك معهم...هم غيرك لا شيء فلا تحرمهم من وجودك)
ردد اسمها ببسمة متعبة للغاية و كأنه يتأكد به أنها هنا اخيرا...أما هي في هذه اللحظة شعرت بأنها أقوى من الدنيا و أكبر من الظروف...ان تكون هنا بعد ما مرت به جعلها تشعر و كأنها نفضت عن عاتقها حمل ثقيل...نعم لا يزال أثاره مطبوعة على كتفيها و لكن على الأقل زال...



...يتبع...









AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-03-21, 11:49 PM   #1267

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني و الثلاثون





بيت المراكبي...
خرج حسام من غرفة زوجته يحمل حقائبها في كلتا يديه قائلا بسعادة واضحة...
(لقد وضعت كل شيء داخل الحقائب...)
ضحكت فاطمة بخجل بعدما تحدث صالح بمزح...
(لقد جئت قبل قليل لماذا تتعجل هكذا؟!)
تنحنح حسام بحرج بعدما ترك الحقائب ارضا ليتوجه الى زوجته قائلا بحب...
(و الله البيت دون فاطمة لا يُطاق يا صالح)
صدح رنين اساور صفية الجالسة جوار سليمان على الأريكة حينما مدت ذراعيها تأخذ حفيدتها من بين كفي زوجها...تقبلها بحب و تحمد الله ان وجودها هنا الأيام الماضية لطف من اجواء قاسية عاشوها...لا تريد ان تنهدم عائلتها مهما واجهت من صعاب و لن تسمح بهذا...تحدثت بنبرة حنونة بينما تهدهد الصغيرة...
(ابنتك اعتادت على احضان جدها سليمان ستتعبكما حينما تعود معكما للبيت)
اقترحت هبه بلهفة و قد تعلقت كثيرا بابنة فاطمة...
(إذًا دعيها لنا يا فاطمة و الله سنضعها داخل اعيننا)
نظرت فاطمة لابنتها بتردد قبل ان تقول...
(و الله يا هبه لم أعد استطيع النوم دونها...دون ان اشعر بجسدها جواري)
اتسعت بسمة هبه بحب لتقترب منها تقبلها بحنان و تردف...
(حفظها الله لك حبيبتي و اسعد قلبك بها)
انتبهوا الى سليمان الذي تعلق بحفيدته بطريقة تبهج قلب فاطمة حينما طلب من زوجته...
(هات البنت يا صفية لم أشبع منها)
ضحكت صفية حينما بكت الصغيرة فرفعتها قليلا للأعلى بينما تقول...
(لا أنا و لا أنت البنت تريد أن ترضع)
نظرت الى غسق الواقفة خلف الأريكة تمد لها الطفلة و تطلب بلطف...
(خذيها يا ابنتي و اعطيها لأمها كي ترضعها)
توترت غسق و قد تأهبت كليا فقالت بخوف و هي تبتعد للخلف...
(أنا أخاف أن أحملها فأوجعها...)
تعالت ضحكاتهم التي غابت عن البيت لوقت طويل بسبب خوف غسق الحقيقي من طفلة حجمها كحجم الكف...اقتربت قمر من أمها تحمل ابنة اختها بينما تقول...
(لا يا دكتورة هذا لا يصح عليك أن تتدربي على صفية الصغيرة حتى حينما يأتي ابنك تكونين قد اكتسبت خبرة)
توردت غسق بخجل فرفعت عينيها حيث كرم الجالس جوار خالد و كلاهما صامتا...ابتلعت ريقها تداري بسمة مرتعشة من تخيل تشتاق الى ان يصبح حقيقة...لكن كرم بات يتعامل معها بشيء من الحذر...تعرف ان معرفته بسبب الحادث تسبب له بعض التردد لكنها لن تتركه حتى يتأكد من أنها لا تحمله أي ذنب...انتبهوا الى صوت الباب فأسرع صالح اليه يفتحه حتى طلَّ منه والدي غسق...رحب بهما بحفاوة و دعاهما للدخول فدلفا يلقيان السلام على الجميع...ركضت غسق الى والدها تتعلق في رقبته فضمها اليه بقوة كبيرة...و هو ايضا تغير منذ عرف عن حادثها باتت نظرته حزينة و احضانه عميقة أكثر دفئا...كأنه يعتذر لها بهم و يتأسف بطريقة غير منطوقة...رحبت صفية بأمل و قد طلبت من قمر ان تسرع بضيافتهما...
(قمر حبيبتي احضري ضيافة المولودة لخالتك سريعا)
جلست أمل على الكرسي تقول بخفوت حرج...
(لا تتعبين نفسك يا أم خالد)
ردت صفية بعتاب ودود...
(أي تعب هذا يا أم غسق و الله زيارتكما لنا عيد)
شكرتها أمل بلطف ثم نظرت حولها تسأل..
(أين العروس الصغيرة؟)
ابتسمت صفية تجيبها...
(شعرت بالجوع فأخذتها أمها لترضعها دقائق و تعود)
هزت أمل رأسها بتفهم تردد بالدعاء للطفلة الجديدة...بينما قبالتها جلس ثروت قرب سليمان يسأله عن حاله و يطمئن عليه فأجابه سليمان بالشكر و حمد الله على كل شيء...حانت نظرة من ثروت الى كرم الشارد جوار أخيه فتنحنح يناديه..
(كرم بني أحتاجك قليلا...)
التفتت غسق الى والدها بتعجب كما نظر له كرم بنفس الشعور...لكنه اومأ ليسرع و يقف داعيا إياه بأدب...
(تفضل يا استاذ ثروت يمكننا الجلوس في غرفة الضيوف)
مرا بغسق التي ناظرت والدها بقلق فابتسم لها يلامس وجنتها بحنان ليطمئنها...عادت تجلس على ذراع كرسي والدتها كي تتمكن من رؤية ما يحدث في غرفة الضيوف...
فتح كرم الباب يدعو ثروت كي يدخل قبله...شكره ثروت ملبيا دعوته حتى جلسا الأثنان قبالة بعضهما ليقول ثروت بألم شاكر...
(غسق أخبرتني بكل شيء بني...لا أعرف أي شكر سيوفك حقك على وقوفك معها و حمايتها)
خفتت انفاس كرم و شعوره بالضيق يزداد...الرجل يشكره على حماية ابنته ماذا لو عرف انه السبب فيما حدث؟!...عيناه خذلتاه و حلقتا اليها في جلستها بالخارج...تضحك بينما أمها تحمل ابنة فاطمة و تلبسها خاتما ذهبيا كمباركة...ابتلع ريقه ليعود الى والدها فيقول بما يؤمن به من قلبه...
(احيانا نؤذي روحنا دون شعور لكنها تبقى روحنا التي لا نفرط بها ابدا...و ابنتك روحي يا عمي)
ابتسم ثروت براحة من تصريح كرم...لقد فعلها لأنه يحب غسق ليس واجبا و أُجبر عليه...سأله بلهفة أب يود لو يطمئن على وحيدته...
(هل تحبها بني؟!)
عاد كرم ينظر للخارج فتلاعب وتر قلبه ضحكاتها الغالية...قال دون ان يفلتها من مجال بصره...
(سنوات منذ لقائنا الاول...و انا اسير خلفها كظلها احميها...سنوات عرفتها فيهم كما عرفت نفسي.. لتتحول حمايتي الى عشق فلم ابصر سواها من نساء الارض...سنوات لم يزيدني عشقي لها إلا عشقا رغم كل صعوبة واجهتها معها)
تنفس ثروت برضا يدعو الله ان يكلل حياة ابنته و كرم بالمزيد من الحب...ابتسم بسعادة لتحنو نبرته حينما قال...
(أرحت قلبي بني...فليديمكما الله لبعضكما و يفرح قلبي برؤية ابنائكما)
هز كرم رأسه متفهما بشكر غير منطوق...و بعدها كانا قد خرجا من الغرفة فألقى ثروت سلامه عليهم ليصطحب زوجته و يرحلا...بينما غسق تعلقت عيناها بكرم الذي توجه الى فاطمة يأخذ ابنتها منها و يحملها بين ذراعيه فينبض قلبها شوقا لأن يحمل ابنهما هكذا...توردت حينما مال يلثم وجنتي الصغيرة بدفء تعرفه جيدا...اتسعت عيناها حينما تعلقت عيناه بها...راقبته يبتعد بوجهه عن الصغيرة و يناديها بصوت أجش يذيب خلاياها...
(تعالِ غسق...)
ابتسمت رغما عنها بينما تستقيم لتذهب اليه...وقفت أمامه تنتظر قوله لكنها اجفلت بخوف حينما وضع الصغيرة بين احضانها...تخشبت في وقفتها تقول برجاء جعلهم يضحكون...
(كرم ارجوك احملها...كرم ستقع مني و الله)
شهقت برعب حينما فردت الصغيرة ذراعيها عاليا تمط جسدها بين ذراعي غسق...اقتربت غسق من صدر كرم حتى لامسته الصغيرة فقالت برجاء...
(لماذا تفعل هذا؟!...هل أوجعتها أم ماذا؟!)
مد كرم كفه يلامس خصرها قائلا بصوت شجي فعيناه لا تزالا حزينتين...
(لا تخافي و اهدئي كي لا تفزع من صوتك...)
نفذت كما طلب منها فشعرت بأنها امسكت بزمام الأمور...استرخت قليلا تنظر للصغيرة و تستمتع بقربها الناعم منها...رفعت وجهها لكرم ببسمة حلوة تقول...
(كم هي حلوة يا كرم!)
غاص في عينيها بنظرة غامضة جعلتها تردها له بأخرى تفيض عشقا لتخبره أنها تهيم به...أنها نفضت عنها كل ما حدث فعليه ان يفعل المثل...انها لا تريد شخصا من هذه الدنيا كما تريده...
بالليل...
خرجت صفية من غرفتها بعدما رأت خالد من نافذة غرفتها يدخل البيت...انتظرته حتى فتح الباب فاستقبلته ببسمة حنونة..
(حمدا لله على سلامتك بني...)
اقترب منها مردفا بخفوت...
(سلمك الله يا أمي...هل تنتظريني؟!)
اومأت له تدعوه كي يجلس معها على الأريكة...نفذ مطلبها و جلس جوارها فرفعت صفية كفها تمسح فوق رأسه بحب قائلة...
(كيف حالك حبيبي؟)
هز رأسه بتعب يقول...
(نحمد الله يا حاجة صفية)
انزلت كفها عن رأسه تنظر له بحزن على حاله...سهر تركت في روحه شرخا و شعورا بالذنب تجاه أخوته...زفرت بغضب منها فو الله حبسها الذي أصر عليه كرم بعدما كادت هبه تتراجع ليس كافيا...تنهدت تستغفر ربها بخفوت ثم تقول ما خططت له منذ فترة فحياة ابنها يجب ان تعود لطبيعتها...
(خالد حبيبي أريد أن أحدثك في شأن هام...)
تحفز في جلسته متسائلا...
(خيرا يا أمي؟!)
ابتسمت له تقول...
(كل الخير ان شاء الله...أنت لا تزال شابا حماك الله من العين و لديك ابن يحتاج من ترعاه و تتقي الله فيه لذا بني لا ترفض طلبي بأن تتزوج من جديد)
ردد بتعب يتقطر من حروفه...
(مجددا يا أمي!!)
اومأت له قائلة...
(مجددا يا خالد...هذه المرة الفتاة من اختياري...طيبة و مطيعة و من عائلة ذات أصل...لن تبقى بمفردك هكذا طوال العمر بني...تحتاج من تستحقك و تعوضك عما عشته حبيبي)
زفر خالد بصوت مهموم بينما يناظر امه التي تشجعه بنظراتها...
غرفة كرم...
وضعت غسق احمر الشفاه على طاولة الزينة لتعاود النظر الى نفسها بخجل مرتعش...انها ترتدي قميص نوم لأول مرة...اختارته لأجل كرم...و تزينت لأجل كرم...ترى هل ستعجبه و يراها جميلة؟!...قضمت شفتيها ببسمة مترقبة للقادم...توقفت عيناها عند بطنها فلامستها بكفها من خلف قماش قميصها الحريري...وقفت بالجانب تنظر لحجمها و تتخيل ان تكبر و ينمو بداخلها ابنا لكرم...ضحكت بسعادة فما أحلاه خيال!...انتبهت لصوت الباب فتسمرت كفها فوق بطنها حينما دلف كرم و تسمر مكانه هو ايضا...ترى بوضوح اعجابه بهيئتها...ترى تأثره الواضح على وجهه بها...ازاحت كفها عن بطنها تتقدم منه ببطء خجول...فيتتبع بشرة ساقيها البيضاوين من أسفل هذا القميص القصير بعدم تصديق...هل كل هذا الجمال هيئته له هو؟!...رمش بعينيه حينما توقفت قرب صدره تبتسم بحياء يعلو معه نبض قلبه...حل الصمت بينهما لكنها بددته بصوتها الخجول...
(هذه أول مرة أعرف انك تحب الأطفال)
نظر اليها بانشداه يقول بصوت متماسك أمام سحرها...
(و من لا يحبهم؟)
اتسعت بسمتها لتقترب منه و تهمس...
(ستكون أبا حنونا)
اهتزت روحه مما تقوله و من قربها و من جمالها الذي يأسره...لكن هناك غصة تقف في حلقه منذ عرف...ضيق عينيه و قبل ان يستوعب شعر بشفتيها فوق شفتيه بعدما استطالت على اطراف اصابع قدميها...انفاسها التي تختلط بأنفاسه...قرب جسدها من جسده...انها تهبه روحها بطيب خاطر...ابتعدت عنه تنظر في عمق عينيه هامسة برجاء صادق...
(لا ذنب لك فيما حدث...لولاه ما كنت هنا اليوم معك)
نظر لها بأسف أسرعت لتمحيه حينما قالت بعشق...
(لولاه ما عرفت أنني أحبك...كنت بداخلي منذ المرة الأولى التي رأيتك بها لكنني كنت ضيقة عقل لا أفهم)
امسكت كفه بيديها ترفعه الى صدرها كما فعلت يوم عرف عن الحادث...فتهمس ببسمة عاشقة...
(أنت في دمي...في روحي...في قلبي...و في كياني)
ناظر كفه فوق قلبها طويلا قبل أن يعانده قلبه و يُحسن استقبال اعترافها...مال اليها يحملها بين ذراعيه و يضمها بقوة يلثم شعرها بشفتيه هامسا...
(لو تعرفين ان كنوز الارض لا تساوي لمسة واحدة لهذا الليل الطويل الذي حباك الله به)
ضحكت بصوت خجول بين احضانه تهمس له...
(ظننت أنني لن أسمعها منك لكن يبدو ان ابن المراكبي سيسمعني إياها الليلة)
ابتسم يستشعر دفئها بين احضانه فيقول بحب يتدفق من روحه...
(كيف لرجل عشقك لسنوات أن يكتفي بقولها مرة واحدة بالله عليك)
انزلها من بين احضانه ينظر اليها بعشق ينفض معه ما علق على جدار روحه بعد ما عرفه...يعدها بأن يكون القادم أفضل لهما معا...أن يحاوطها بروحه و يعوضها عن كل شيء...همس قرب شفتيها ببسمة رفرف قلبها لها...
(احتاج لسنوات مثلهن أردد فيهن كل لحظة قول أحبكِ...أحبكِ يا غسق)
ترقرقت عيناها بدموع طفيفة اغمضتها عليهم حينما مال يقبلها قبلة عاشق اجاد عشقها و كتمانه حتى اضناه...مال يرتوي بعد رحلة طويلة للغاية...فهو و هي كشطرين تماثلا مهما تباعدا سيلتقيان...
*******
بعد نصف شهر...
صوت زقزقة العصافير قرب شرفة غرفة نومها لم تكن السبب الوحيد في استيقاظها...فصوت الرسائل على هاتفها لا يصمت و لو للحظة!...زفرت ديما بضيق بينما تزيح الغطاء عنها تردد بصوت حانق...
(يا ناس انه يوم خطبتي ألا يمنحوني بعض الوقت لأنام و استريح)
التقطت الهاتف من فوق الطاولة المجاورة للسرير فتنقلب عيناها بغضب غير مصدقة انه هو من يزعجها...فتحت رسائله ترسل واحدة منزعجة بينما تردد حروفها بصوت مسموع...
«إن ظهرت الليلة كعفريت و هرب مني المدعوين سيكون السبب أنت»
وصلها عدة وجوه ضاحكة ثم ارفق معها رسالة جعلتها تغمض عينيها بغضب...
«لا تتحججين بقلة النوم دمدوم فأنا راضٍ بك كيفما تكونين»
ارسلت له سؤالا مصاحبا له عدة وجوه حمراء غاضبة...
«ما هذا دمدوم؟!!»
اجاب بضحكة تكاد تسمع صوتها...
«ادللك حبيبتي»
«لا تفعل...»
رسالتها كانت قصيرة حانقة جعلته يولي الحديث لدفة اخرى فسألها...
«هل تناولتِ فطورك؟»
زفرت بنعس ترد...
«لا...»
فجاءت رسالته التي دفعتها للضحك حتى توردت وجنتاها..
«هيا اسأليني و أنت...»
تنهدت ترسل له كما يشاء...
«و أنت؟!»
ارسل لها باستفاضة...
«منذ زمن يا كسولة...لقد استيقظت جائعا فطلبت من أمي أن تقلي لي البيض لكنها ارفقت معه بطاطس و باذنجان مقلي رغم أني لا أحبه لكنني لم ارد أن يضيع تعبها هباءً...»
كتمت ضحكتها بصعوبة تستند بكفها على وجنتها حتى أرسل لها مجددا...
«ماذا ستفعلين؟»
ارسلت له ببسمة تشعر بالتسلي...
«سأكمل نومي...»
ضحكت مجددا عاليا حينما ارسل...
«اسأليني و أنت...»
ارسلت له سريعا...
«كنت سأرسله دون أن تطلب...و أنت؟!»
ارسل لها وجه بقلبين في عينيه ثم كتب...
«سأنزل عند الحلاق و بعدها أذهب الى خالاتي و عماتي آخذهن الى بيت أبي ثم اتجهز و آتي اليك يا قلب كاظم»
ابتسمت بخجل من رسائله و كادت ترسل له وداعا لكنها تذكرت شيئا ما فسألته سريعا...
«كاظم لحظة لم تخبرني بعد أي ربطة عنق سترتدي...أتحب القصيرة أم الطويلة؟!»
«أحبك أنتِ...»
رسالته اخرستها لبعض الوقت و جعلت وجهها يزداد احمرارا يوازي حرارة الأجواء الربيعية...قضمت شفتيها بخجل لتغلق تطبيق الدردشة ثم تقرر ان تهاتفه و حينما اجابها قالت بخفوت خجول...
(و أنا ايضا...)
اغلقت الهاتف بعدها لتضعه جوارها غير عابئة باتصالاته و رسائله التي تتوالى بينما تعود للنوم و تهمهم...
(عقابك على ايقاظي لن أجيب عليك و ابقى هكذا حتى المساء)
ابتسمت بخجل تردد...
(أيها الكاظمي لقد احببتك...)
******
اليوم التالي...
وقفت أريج بحلتها الرسمية أمام المَرسَم استعدادا لاستقبال الوافدين الذين دعاهم مؤيد قبل نصف شهر تقريبا...هناك فرحة تشع من عينيها و تزيد جمالها في عينيه المتابعتين لها...اقترب منها يرحب بمن يأتي ثم يميل على أذنها متسائلا بخفوت...
(هناك شيئا لا أعرفه يحدث معك!)
انشغلت عمدا مع الزوار فهمست له دون ان تنظر اليه...
(لا شيء فقط يخيل لك!)
بعدما لمحت غسق و كرم قادمين اسرعت اليهما تبتعد عن مؤيد المتفحص لها...هناك شيء تخفيه عنه لكن ما هو؟!...رحبت بغسق و شكرت كرم على قدومه و قبل ان تدعوهما للداخل لمحت ديما التي تتأبط ذراع خطيبها...فلتت منها ضحكة مسموعة تتذكر كيف كانت اجواء الخطبة بالأمس...كاظم هذا سيجنن ديما يوما ما...انه ملتصق بها و كأنها ستطير منه...تعجبت غسق من ضحكتها فالتفتت لتجد ديما في وجهها فتضحك هي ايضا...ديما تبدو كمن تم القبض عليها و تريد الهرب...اقتربا منهم فأسرعت ديما الى كرم تقول...
(مرحبا استاذ كرم هلا ارشدت كاظم الى حيث يجتمع الرجال)
ضحكت أريج قائلة...
(المَرسَم صغير فلا يوجد مكان لتقسيم الرجال عن النساء)
بهتت ملامح ديما و كادت تبكي حتى قالت أريج...
(مؤيد هناك سيرشدهما و أنتِ و غسق ابقيا معي)
تنفست ديما براحة حتى قال كاظم...
(ديما لا تبتعدي عن هنا)
(أين سأذهب يا كاظم؟!!)
تعجبها جعل غسق تضحك بخفوت سرق من كرم ابتسامة عاشقة...اقترب منها هامسا
(و أنتِ ايضا لا تبتعدي عن عيني فهذا الجمال يحتاج لعين تحرسه)
ابتسمت له بخجل متورد ثم اومأت بهدوء متفهم...ابتعد مع كاظم الى مؤيد الذي استقبلهما للداخل و حينما اختفى كاظم زفرت ديما تقول بتعب...
(اخيرا ربع ساعة دون ابن الساهر...)
ضحكت أريج تسألها بتعجب...
(خطبتكما كانت بالأمس هل مللت من الآن؟!)
توردت ديما بخجل فلا تنكر انها تحب كل هذا من كاظم لكنها تحب ان تناكفه اكثر...فقالت بخفوت
(انه ملتصق بي...)
(بغراء...)
صوت غسق و أريج خرج عاليا يكمل لها جملتها التي تستخدمها لتداري بها تأثرها بكاظم...اجفلت منهما للحظة ثم انفجر ثلاثتهما بضحك عالٍ...اقتربت غسق و ديما من أريج يحاوطاها اليهما و يتوجهن الى داخل المَرسَم...
في نهاية اليوم...
لقد رحل الجميع بعدما أثنوا على لوحاتها و شجعها المختصون بالفن...وقفت في منتصف المَرسَم تنظر بسعادة للوحات حتى شعرت بخطوات مؤيد خلفها...و قبل ان تلتفت احاطها من خصرها يسند ذقنه على كتفها قائلا...
(مبارك يا ريجو كان يوما ناجحا)
لامست كفيه بحنان تقول...
(بسببك أنت...)
تنهد بتفكير قبل أن يسألها...
(ألم يحن الوقت لأعرف ماذا تخبئين عني؟)
ضحكت بيأس منه فلا يسهو عن شيء ابدا...ابتعدت عنه تلتفت له قائلة...
(بلى قد حان...)
مدت كفها له فألتقفه ببسمة صغيرة شاعرا بالحماس...أخذته الى جزء داخلي من المَرسَم به ادواتها فضيق عينيه ينظر حوله...وقفت قرب حائط تلامس قطعة القماش المعلقة عليه قائلة...
(هنا لا تبحث بعيد...)
وقف بصره عند الحائط يناظره بعدم فهم حتى نطقت بصوت ناعم خجول...
(هنا توجد لوحة لم يرها أحد غيري...لوحة رسمتها أنا و أنت)
ضيق عينيه يحرك رأسه الى الجانب بتساؤل حتى ازاحت القماش...زال ضيق عينيه...و تلاشى تساؤله...و تجمد لوهلة حينما رأى صورة صغيرة لأشعة السونار...تعلقت عيناه بها يسألها بصوت اهتز...
(هل هذه لكِ؟!)
اومأت له تلامس بطنها قائلة بدموع سعيدة...
(نعم...هنا ابننا يا مؤيد)
خطى خطوتين و بعد الثلاثة كانت محمولة بين احضانه يضمها اليه بتأثر كبير...همهم جوار أذنها بسعادة جلية
(أنتِ حامل...منحتني ما حُرمت منه مع يائيل...أريج أنا سعيد...حقا سعيد)
ضمته اليها بقوة تهمس له...
(و أنا ايضا سعيدة جدا...أنا أحمل طفلك يا متعجرف)
ضحك مؤيد عاليا ينزلها من بين احضانه يقبل جبهتها قائلا بمشاكسة...
(هكذا ارتحت فانتظار الدكتور مهران لحفيده الثاني لن يطول)
شاركته ضحكته و قلبها يشعر بالرضا...كيف كانت ستحرم نفسها من كل هذا خوفا من المستقبل و مسؤولياته...انها تعشقه كل يوم اكثر مما مضى...
في بيت مؤيد...
جلسا أمام يائيل المتابع لهما بترقب حتى قالت أريج ببسمة حانية تمهد له نفسيا بأنه سيملك أخا جديدا...
(يائيل ما رأيك لو انضم لك طفل صغير و أصبح صديقك...تلعبان معا و تقضيان اوقاتكما برفقة بعض؟!)
لاح الفهم على محياه فزادت لمعة عينيه قبل ان يرمش منتظرا المزيد...ابتسمت أريج براحة من رد فعله فلامست بطنها تقول بسعادة...
(هو لا يزال صغيرا بعض الشيء...سينمو هنا لعدة أشهر قليلة و بعدها سيأتي ليبقى معك...ليكون أخاك أو أختك...هل أنت سعيد بهذا؟!)
تعلقت نظرات يائيل ببطن أريج ثم نظر لوالده طويلا فشجعه مؤيد بنظرة حانية و بسمة مطمئنة...اقترب يائيل من أريج يضع كفه فوق بطنها يتحسس مكان أخ وعدوه به...عاد ينظر الى عينين أريج الحانيتين ثم ينظر الى بطنها...لحظات مرت قبل ان يجفلهما ما حصل...بصوت مهتز...طفولي...يهز وجدان مؤيد...و يلامس قلب أريج...نطق يائيل بحروف تشق غمام الصمت لتزين مسمع والده....
(بابا...)
كرر كلمته و كأنه يسألهما أن هنا طفلا لأبي...ابتلع مؤيد ريقه بصعوبة يتجه نحو ابنه بجسد يرتعش من طول الانتظار...لامس ذراع ابنه بعينين دامعتين طالبا برجاء...
(كررها يائيل...)
نظر يائيل الى عيني والده طويلا يرى فيهما ذكريات كثيرة عاشاها معا فيقرر ان يمنحه مكافأة الانتظار و الصبر...نطق مجددا بتأمل لملامح والده الحنونة...
(بابا...)
شمله مؤيد بين احضانه بقوة يغمض عينيه فتسيل دموعه بتأثر...هذه أول مرة يسمع فيها صوته...كم اشتاق لهذه اللحظة...شعر بجسد أريج الذي اقترب منهما تطوقهما معا فهمهم لابنه بسعادة...
(نعم بني...قلها مرارا و لا تتوقف...انتظرتها سنوات)
تشبث يائيل بوالده يريح رأسه على كتفه ملبيا طلب مؤيد بعذوبة طفولية...
********
توقفت السيارة امام بيت شوقي فخرج منها رجب ثم وجيدة التي مالت تساعد مودة بحذر شديد قائلة...
(على مهل حبيبتي...)
ابتسمت مودة بشكر لها تطمئنها...
(لا تقلقي يا خالة أنا بخير الحمد لله)
حذرتها حماتها بجدية...
(مودة يا ابنتي لا تخبري النسوة اللائي سيأتين الليلة بحملك حبيبتي دعينا نتقي شر الحسد)
اومأت لها مودة بتفهم تقول...
(كما تريدين خالتي...اصلا لن يأتي الكثير الليلة المعظم هنا يأتي ليلة العرس فقط)
هزت وجيدة رأسها برفض تقول...
(الاحتياط واجب حبيبتي...)
خرجا والدا مودة يستقبلانهم بترحيب حار...اقتربت بهيرة من ابنتها تسألها بلهفة...
(كيف حالك حبيبتي...هل يتعبك الحمل يا مودة؟)
تعلقت بذراع أمها تقول ببسمة فرحة...
(لا تقلقي يا أمي أيوب لا يتركني و خالتي معي و لا تبخل علي بالنصائح)
ربتت أمها على ذراعها تدعو بتمني...
(يسره الله لك حبيبتي و أبهج قلوبنا بابنك يا رب)
توقفت عند عتبة البيت تقول بجدية...
(مودة أنا لم أخبر أحد هنا من معارفنا بحملك فلا تخبريهم أنتِ ايضا)
ضحكت مودة بعدم تصديق لكل هذه الاحتياطات من أمها و حماتها...هل هي أول من تحمل؟!!...هزت رأسها بتفهم تسأل بعده...
(أين مسرة؟!)
جاوبتها أمها ببسمة سعيدة...
(بالأعلى تتجهز...اصعدي لها حبيبتي)
في غرفة مسرة...
وقفت امام المرآة تدندن ببسمة متسعة بينما تضع المرطبات فوق بشرتها...
(شباكنا ستايره حرير...من نسمة شوق بتطير...و بقالي كتير يا حبيبي...يا حبيبي بقالي كتير...بستنى تجيب الفرحة و التوب الأبيض و الطرحة...و نطير نطير نطير زي العصافير)
دلفت مودة لتضحك من قلبها على هيئة اختها...التفتت مسرة بسعادة تهرول حيث اختها و تضمها باشتياق ثم تنحني تقبل بطنها محدثة إياها...
(مرحبا يا حبة الفول أنا خالتك...العروس)
ابتسمت مودة بسعادة تلامس وجه اختها بفرحة قائلة....
(مبارك حبيبتي....)
احمرت مسرة خجلا ترتمي في احضانها قائلة...
(اشعر و كأنني سأطير من الفرح)
ضحكت مودة قائلة بدعوة مرحة...
(فلتطيري حبيبتي و تسعدي مع عريسك)
قضمت شفتيها بحرج تسأل اختها...
(متى سيأتي؟!)
تحركت مودة الى السرير تجلس عليه قائلة...
(على وصول مع أيوب و كرم)
تنهدت مسرة بهيام تعاود الوقوف أمام المرآة تهندم نفسها لمقابلته...دقائق مرت حتى سمعت صوت سيارة تقف اسفل البيت...هرولت الى النافذة فرأته يخرج مع صديقيه فعادت الى منتصف الغرفة تدور حول نفسها قائلة بسعادة...
(أتى...أتى يا مودة)
في المساء...
رفعوا جميعهم أكفهم امام وجوههم يقرأون الفاتحة و بعدها أخرج أنور علبة مخملية ليلبس عروسته خاتم الخطبة...ساعدته مودة ثم ابتعدت تقف جوار ايوب الذي مال هامسا لها...
(الحمل زادك حلاوة يا يمامة)
ابتسمت قبل ان تقول بمشاغبة...
(يقولون الولد يُقبّح أمه بينما البنت تزيدها حلاوة)
حاوط خصرها قائلا بصدق...
(ولد أو بنت يكفي أنك أمهما....)
و عند أنور وقف يستقبل المباركات من الحضور حتى سنحت له الفرصة ليهمس لمسرة بسعادة...
(مبارك يا خمرية...)
رفعت وجهها المتورد له فغمز لها ببسمة اصابتها باضطراب في سرعة نبضاتها...اشاحت وجهها عنه بخجل تفرك كفيها بينما تهمس لنفسها...
"قلبي سيتوقف..."
******
بيت المراكبي...بعد عدة اسابيع
أتى صالح بوجه شاحب من الخارج فوجد أمه في صالة البيت...اقترب منها يسألها بتوجس...
(ما بها هبه يا أمي؟!)
طمأنته صفية بهدوء...
(لا تقلق يبدو تعبت من وقوفها مع اختيك و غسق لتحضير عرس خالد...هي في غرفتها ترتاح و معها غسق و فاطمة)
مسح صالح فوق فمه بقلق حتى خرج والده من غرفته يسأله...
(صالح بني هل انتهى نصب السرادق؟)
قبل أن يجيبه صالح دلف كرم من باب البيت يتولى الرد عن أخيه القلق...
(نعم يا حاج كل شيء تجهز الحمد لله)
تمتم سليمان بالحمد يسأله مجددا...
(و خالد أين هو؟)
رد كرم مجددا بدلا من صالح...
(يتجهز يا حاج فالرجال على وشك الوصول)
فُتح باب غرفة صالح فأسرع اليها بلهفة...نظر الى غسق التي ظهرت منها يسألها بقلق....
(ما بها هبه يا دكتورة؟!)
اقترب كرم من أخيه ينظر الى وجه غسق المتبسم فينبض قلبه لأجل اخيه حينما قالت بفرحة...
(مبارك يا صالح...هبه حامل)
ازدادت وتيرة انفاسه بقوة و هذا الخبر ينزل بردا و سلاما على لهفة قلبه...صوت اساور صفية التي تقترب جعله يتماسك كي لا يفرط في دموعه الآن...ضمته أمه اليها تبارك له بسعادة كما وصله دعاء والده الحامد...سأل غسق بفرحة يخشى أن تكون وهما...
(هل أنتِ متأكدة يا دكتورة؟)
رفعت له اختبار الحمل المنزلي تقول ببسمة...
(ان شاء الله...النتيجة ايجابية)
استأذنهم ليدلف الى زوجته يبارك لها على حمل تمناه من كل روحه...خرجت فاطمة من الغرفة تمنح أخاها خصوصيته لتقف جوار غسق و تتحدث مع أمها بسعادة...بينما غسق تعلقت عيناها بالاختبار في يدها...لقد اشترته لنفسها يوم الأمس فكان نصيبه أن يزف خبرا سعيدا لغيرها...لا بأس ستنتظر نتيجة التحاليل من أريج...اقترب منها كرم متسائلا بتفحص...
(أنتِ بخير؟)
هزت رأسها ببسمة مشرقة تهمس...
(أنا سعيدة لأجل هبه و صالح)
ابتسم بفرحة يردد...
(الحمد لله...)
داخل غرفة صالح...
اقترب منها يضمها اليه فتختلط دموعهما معا بينما يسمع صوتها...
(عوضنا الله يا صالح)
شدد من تمسكه بها يردد بقلب راضٍ...
(الحمد لله حبيبتي...الحمد لله الذي اطعمنا هذه النعمة من جديد)
في الليل...
فتح خالد باب غرفته التي تبدلت كليا بعدما غيروا الأثاث و الدهانات بها...باتت جديدة كهذه العروس التي تقف بخجل قرب السرير و تنتظره...اقترب منها بهدوء يتنحنح قائلا...
(مبارك...)
وصله صوتها الرقيق من خلف طرحتها التي تغطي وجهها...
(بارك الله فيك يا أبا مازن)
صوتها ناعم فهل شكلها مثله...لقد ترك لأمه حرية التصرف في هذه الزيجة و تابع هو الأمور مع رجال عائلتها...لم يرها من قبل لعدة اسباب اولهم انه ما عاد يهتم سوى ان تكون اصيلة تصونه و ثانيهم ان اهلها محافظين بعض الشيء...كل ما عرفه ان اسمها راضية...اقترب منها بلطف يرفع الطرحة عن وجهها فتتسع عيناه لوهلة مأخوذا من جمال محياها...اسبلت اهدابها بحرج منه فوصلها انشداه صوته...
(ما شاء الله...أنتِ جميلة يا راضية)
دون ان ترفع وجهها اليه همست...
(جمّل الله أيامك يا خالد)
ضحك ضحكة رجولية دفعتها لأن تسأله بحرج...
(هل قلت شيئا خاطئا؟!)
اقترب يرفع وجهها بين كفيه ثم يقبل جبهتها بحنان قائلا...
(هذه أول مرة أحب بها اسمي)
ابتسمت بخجل بين يديه جعله يوقن ان الله عوضه خيرا مما فات...سيماهم على وجوههم أليس كذلك؟!...و راضية بوجه سمح يبهج القلب...
في غرفة كرم...
استوت غسق على السرير تراقب كرم الذي خرج للتو من الحمام و يتقدم نحوها...استقر في مكانه على السرير طالبا النوم بعد يوم طويل و مرهق...لكن نظراتها المتعلقة به جعلته يضيق عينيه متسائلا...
(ماذا هناك؟!)
بجدية تامة قالت...
(أريد أن أنام في حضنك...احتاج ان اشم رائحتك)
رفع حاجبيه عاليا بتعجب جعلها تفسر بمزيد من الجدية...
(كرم و الله لا أمزح بداخلي رغبة ملحة في شم رائحتك...بالكاد سيطرت عليها طيلة اليوم لكن الآن لا استطيع ان أنام دون أن افعلها)
ضحك بخفوت فدفعها للغضب منه بينما تحذره...
(لا تضحك...)
هز رأسه بتفهم يفتح ذراعيه قائلا ببسمة عاشقة...
(حسنا تعالِ)
التصقت به تدس انفها في عنقه و تسحب رائحته بانتشاء غريب...تحركت حنجرته اسفل انفها من فرط الضحك الذي يكتمه فهمست و هي منشغلة عنه...
(آه كم أحب رائحتك يا كرم...)
مال يلثم رأسها بحنان ليغمض عينيه مستعدا للنوم لكنه فتحهما مجددا بتعجب أكبر حينما قالت بصوت ناعس...
(لقد قرأت أبيات شعرية قبل يومين و شعرت أنهم كُتِبوا لك...هل تود سماعهم فزحمة البيت بسبب عرس خالد لم تمنحني الفرصة؟!)
همهم بموافقة باسمة بعدما تشبثت بخصره تغمض عينيها قائلة ما حفظته عن ظهر قلب...


حين ألتقيتُكَ عاد قلبي نابضًا
و جرى هواكَ بداخلي مجرى دمي
و شعرتُ حضنك دافئًا و رأيتني
رغم الحياء أذوبُ فيه و أرتمي
قل لي آيا رجلا لأي قبيلةٍ
و لأي عصرٍ أو لجنسٍ تنتمي
و لمن تعود أصول عينيك التي
أضحت قناديل الضياء بعالمي

مال يقبل ثغرها الذي نطق في حقه هذه الكلمات...متنعما بحروفهم و مذاقها من فوق شفتيها...راضيا لأنها معه
و على الطاولة القريبة من السرير اضاء هاتفها برسالة نصية من أريج...
«غسق حاولت الاتصال بك طوال اليوم لكن هاتفك كان خارج نطاق التغطية...مبارك حبيبتي أنتِ حامل»






...انتهى الفصل...
و انتهت معه حكاية دامت طويلا كنت سعيدة بمشاركتها معكم و شاكرة لحُسن استقبالكم لها

...موعدنا مع خاتمة صغيرة الأسبوع المقبل...

...مع خالص شكري و حبي لكم...









AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-03-21, 11:51 PM   #1268

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي



لذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 108 ( الأعضاء 31 والزوار 77)
‏سوووما العسولة, ‏Nana96, ‏منال سلامة, ‏princess amira mimi, ‏هاجرر55, ‏ريمةمف, ‏Moon roro, ‏Dall, ‏الذيذ ميمو, ‏بدره م, ‏randa duidar, ‏rowdym, ‏طيوبه2, ‏ام فارس طويل, ‏rahasff, ‏Iraqi1989, ‏Majd_f, ‏Saro7272, ‏amana 98, ‏أنثى المجدولين, ‏Amanykassab, ‏Suli, ‏zezo1423, ‏ريماسامى, ‏كوزييت, ‏سوسو1415h, ‏noof11, ‏لؤا لو, ‏shf2000, ‏الزهره الحمراء
أدوات الموضوع


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-03-21, 11:57 PM   #1269

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,077
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ايدك آية ..كانت رحلة جميلة معك ...❤❤❤
الفصل طويييل وواضح انه جميل جدا ..
ويحتاج لتركيز ..
سأقرئه غدا ان شاء الله ..
كل الحب والود غاليتي ..والف مبروووووك انتهاء عملك الرائع ...وعقبال اعمال ثانية راقية تتألقين بها ..
❤❤❤❤❤❤❤🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


منال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-21, 12:32 AM   #1270

princess amira mimi

? العضوٌ??? » 408695
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 156
?  نُقآطِيْ » princess amira mimi is on a distinguished road
Chirolp Krackr

تسلم ايدك آية ..كانت رواية اكثر من رائعة جميلة جداااااا ...❤❤❤
كل الحب والود غاليتي❤ ..والف مبروووووك انتهاء عملك الرائع ...وعقبال اعمال ثانية راقية تتألقين بها.


princess amira mimi غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:21 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.