آخر 10 مشاركات
للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          [تحميل] عندما عبروا حدود الظلام ،للكاتبة/ عاشقة أمها (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          134_ اتى ليبقى _ جانيت ديلي _روايات عبير القديمة (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : تلميذة الحب - )           »          قلبه من رخام (37) للكاتبة الآخاذة: أميرة الحب raja tortorici(مميزة) *كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          79 - أين المفر ؟ - لوسي جيلين - ع .ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          غسق الماضي * مكتملة * (الكاتـب : ريما نون - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-03-09, 07:06 PM   #21

بنوته عراقيه

نجم روايتي وعضو بالسينما ورئيسه تغطيه و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارThe Vampire Diaries

alkap ~
 
الصورة الرمزية بنوته عراقيه

? العضوٌ??? » 9075
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 23,449
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » بنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


سلمت الايادي على المجهود الرائع ...يعطيك العافيه

بنوته عراقيه غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 04-03-09, 10:04 PM   #22

sweet_apple

? العضوٌ??? » 71949
?  التسِجيلٌ » Jan 2009
? مشَارَ?اتْي » 285
?  نُقآطِيْ » sweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud of
افتراضي

مشكووووووره يالغلا وسلمت يداك على المجهود الرائع واتمنى تكملينها في اسرع وقت

sweet_apple غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-09, 12:13 PM   #23

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
Elk


الفصل الثامن


كل ما حدث على تلك الصخرة بجانب النهر حين عرض جيرالد الزواج على رونى حدث بسرعة فيلم سينمائى
وتملك السرور العمة لويزا والتزلاء لنجاح مسعاهم فى التوسط بهذا الزواج الذى انتهى بسرعة وبقوا اياما يتناقشون فى من هو الذى كانت مساعيه فى الوصول الى هذه النتيجة اكثر من مساعى غيره واذ احتسبت العمة لويزا لنفسها الضل الاول فى ذلك اصبح ادعاؤها هذا الموضوع نقاش بين النزلاء فى غيابها
لم يقل بيتر شيئا كثيرا فى البداية فقد استغرق هذا منحاه يومين لكى يستوعب الوضع الراهن الذى ابتدا يشعر بالارتياح اليه وقد منحه جيرالد ورونى وقتا يفكر فيه فى هذه الامور قبل ان ياخذاه الى النزهة حيث اوضحا له ان لا شئ قد تغير لانه سيتابع العيش فى النزل فهو لن يترك النزلاء الذين اصبحوا جدودا له شغوفين به
كما ان رونى وجيرالد اجريا بعض الحديث هما ايضا تناول جعل موعد الزفاف الاول من شهر اغسطس والذى كان بعد عدة اسابيع فقط .... وكذلك موافقة جيرالد على العيش فى النزل ما راوه جميعا غاية فى التعقل كما ان رونى قررت ان النزلاء عموما والعمة لويزا خصوصا لهم كل الحق فى ان يعرفوا ماضيه باجمعه وقد ذعر جيرالد فى البداية ولكنه وافق اخيرا
وكما كانت رونى تنبات فقد استمع النزلاء والذين كانوا قد اصبحوا يحبون جيرالد ويحترمونه استمعوا برزانة بالغة الى ذلك فيما بعد على انفراد عبروا عن موافقتهم ومساندتهم له
اما القاضى كنيغهام والذى كان دوما المتكلم غير الرسمى باسم الاخرين ومع ذلك كان محترما منهم تماما فقد اوجز وصف مشاعرهم بهذا الشكل " لقد كنت اعلم منذ البداية انك كنت رجلا قلقا ذا ماضى مضطرب يا ولدى جيرالد ولكننى ادركت ايضا كما رايت فيما بعد انك من اولئك الاشخاص ذوى الاصالة والطيبة "
وكانت كلماته هذه افضل هدية زفاف ممكن ان يمنحها لجيرالد رونى
اما بالنشبة الى حفلة الزفاف نسها فقد قرروا ان تكون بسيطة لا تكلف فيها وقد سبب هذا الاستاء للعمة لويزا التى كانت تحلم دوما برونى عروسا متالقة فى الثوب الابيض وبنفسها فى ثوب ام العروس الازرق وقد فسرت رونى رغبتها فى جعل حفلة الزفاف بالغة البساطة . فسرت ذلك بالرغبة في الاقتصاد وليس في نقص العواطف , وحيث أن العمة لويزا كانت امرأة واقعية , فقد اقتنعت بأن هذا هو الأفضل .
ولكنها لم تشأ أن تستمع إلى ما أخذ يبحثه الخطيبان بالنسبة إلى ترتيبات النوم . لقد ذعرت , في الواقع ولم تضيع الوقت فأخذت تطلب من روني موافاتها إلى إحدي اجتماعاتها الليلية في غرفتها لبحث هذه المسألة .
كانت روني تجلس كعادتها في نهاية سرير لويزا , وكان باقيا على حفلة الزفاف أسبوعان فقط , وكانت هذه أول فرصة تسنح للمرأتين للاجتماع للتشاور . وذلك منذ إعلان الخطبة , أو هذا ما قالته روني , أما الحقيقة فهي انها كانت تتعمد تجنب دعوة عمتها لها للاجتماع حتى الآن .
أخذت تعبث بطرف اللحاف كعادتها كلما أخذت تفكر , وهي تتساءل عن أفضل جواب تقابل به عرض لويزا , لغرفتها الخاصة , وهي اكبر غرفة في النزل , علي العروسين , بما في ذلك السرير المزدوج الذي كانت تستعمله مع زوجها العزيز الراحل والذي جددت فراشه السنة الماضية فقط .
لم يكن أمام روني من خيار سوى القول ان جيرالد لم يتزوجها إلا لأجل الاحتفاظ ببيتر اما النوم في الغرفة ذاتها فلم يدخل هذه الإتفاقية ..
وبهذا يتحطم قلب عمتها , فقد كانت العمة لويزا تعتبر نفسها وسيطة الزواج هنا وبالتالي فهي تتوقع أن ترى الزوجين , اللذين جمعتهما معا , يعيشان بأتم سعادة .
ثمة طبعا , خيار آخر وهو أن تشكر عمتها وتستلم منها الغرفة , ثم تدع الطبيعة تأخذ مجراها .
كان هذا الخيار الأخير مغريا , حيث أن روني لم تكن تجد من جيرالد أي نفور من هذه الناحية بعد ذلك الاجتماع بينما على الصخرة عند النهر قبيل إعلان الخطبة والذي لمست أثناءه مشاعر جياشة نحوها ما زال قلبها يخفق لذكراها .
لو انها فقط واثقة من أن قلب جيرالد يخفق هو أيضا لنفس الذكرى .
ولكنها لم تكن واثقة , بل العكس تماما , فقد كانت رأت نظرة ندم في عيني جيرالد بعد أن طلب منها الزواج , كانت تلك النظرة تعبر عن ندم واضح وكأنه قال ذلك بلسانه , ومنذ ذلك الحين لم تجد منه أي تقرب نحوها , كما أنها هي لم تحاول أن تفاتحه في الأمر , ويبدو ان أيا منهما لم يكن واثقا مما يريده الآخر منه , وحيث ان الظروف كانت بهذا الشكل , فان تبادل الحديث بينهما بشكل عاطفى لم يكن واردا .
ولكنهما كانا يتظاهران أمام بقية النزلاء وخصوصا العمة لويزا , بملاطفة كل منهما للاخر وتبادل الابتسامات المشرقة .
كذلك كانا يشتركان في أخذ بيتر إلى النزهات والتفرج على الألعاب والفرق الرياضية وأماكن التسلية , أو أخذه إلى أماكن السباحة في البحيرات حيث كان ينتهى الأمر بجيرالد إلى لفت نظر كل فتاة فوق الثانية عشرة من عمرها .
أما بيتر فلم يعد ذلك الصبي الخجول الذي كان جاء اليهم منذ حوالي الستة أسابيع , فقد اصبح يتصرف كأي طفل طبيعي ذي والدين محبين , عدا ولع النزلاء الآخرين به .
في حوض السباحة مع جيرالد وبيتر , لم تكن روني تعلم أنها الأنثي الوحيدة التي كانت تثير مشاعر جيرالد , وكانت هي في الواقع تشعر بجاذبية بالغة نحوه , وكانت ترى أن أحسن مزاياه هي قدرته على التظاهر بأنه لا يهتم بأية امرأة ما عداها هي .
كان رجلا غاية في الرقة , حقا كما أخذت تفكر حالمة , وكانت فكرة مشاركته غرفة واحدة تزداد جاذبية كل يوم , ولكن لسوء الحظ , الرغبة من طرف واحد لا تكفي لانشاء علاقة عاطفية أو زواج حقيقي .
وهذا ما جعل روني امام خيار ثالث , وهي مواجهة عمتها الآن , وهذا الخيار هو المراوغة .
وهكذا رفعت عينيها فتقابلتا مع عيني عمتها , وإذا بها تذهل , بدا وكأن لويزا قد كبرت في السن مؤخرا , ما بدت معه أعوامها السبعون واضحة جلية , وبدون النظارات بدت عيناها باهتتين قصيرتي النظر , كما بدا وجهها مليئا بالتجاعيد .
فقالت تسألها وقد بدت الحدة في نظراتها : " هل أنت بخير يا عمتي ؟ "
فأجابت العمة باستياء : " لا تغيري الموضوع , فقد كنا نتحدث عن غرفة النوم هنا , ولا أدري ما الذي يشغل تفكيرك من هذه الناحية "
" حسنا , سأخبرك , ولكن حالما تردين على سؤالي أولا "
" أنا بخير "
" ولكنك تبدين مرهقة "
أجابت العمة بحدة : " طبعا أبدو مرهقة , فالوقت يقترب من منتصف الليل , والآن ماذا بالنسبة إلى غرفة النوم ؟ "
" حسنا .." وتلعثمت روني متمنية لو أنها تحسن الكذب أكثر من ذلك . " في الواقع , فكرنا أنا وجيرالد .. في ان نترك ترتيبات النوم كما هي الآن حاليا و .. "
استقامت العمة لويزا جالسة وقد اسود وجهها غضبا . " ماذا ؟ وفكرة أي معتوه هي هذه ؟ اتظنينني لا أعرف ؟ "
وانحنت إلي الأمام تهز اصبعها في وجه ابنة أخيها . " والآن اسمعي ما أقول , الخجل مع الرجل هو شيء ..."
" أنا لا اخجل من الرجال , يا عمتي "
فقالت عمتها بحدة وازدراء : " من المؤكد انك لا تخجلين , وهذا هو السبب في أن حشودهم لا تنفك تطرق بابنا طوال هذه السنوات "
" أنا أكره تهكمك , يا عمتي لويزا "
" وأنا أكره عنادك , فنحن متساويتان " ورق صوت العمة فجأة ." اسمعيني يا حبيبتي , ان رجلا مثل جيرالد مارسدن لا يأتيك كل يوم ."
فكرت روني في أن هذا صحيح , بينما تابعت العمة تقول : " كما انهم لا يطوفون يطلبون من امرأة مثلك أن تتزوجهم , مهما كان السبب "
واضافت الجملة الأخيرة عندما رأت روني تهم بمقاطعتها بحدة بقولها , ماذا تعنين بقولك امرأة مثلي ؟
لقد استكها تعديل عمتها لكلماتها النارية تلك , على كل حال . مضت لحظات من الصمت أخذت المرأتان أثناءه تحدقان في بعضهما البعض بكآبة .
وقطعت روني الصمت أخيرا بسؤالها : " ما الذي تريدين قوله , يا عمتي ؟ "
بدا وكأن الإرهاق قد ازداد في ملامح العمة وعينيها فأغمضتهما لحظة , ثم تنفست بعمق : " أريد ان أقول إنني اعلم جيدا أن ثمة شيئا بينك وبين جيرالد لا تريديننا , أنا والنزلاء , ان نعلم به , وهذا لا غبار عليه , فكل انسان له أسراره الخاصة , كما أقول على الدوام , وأنا لست من نوع الأشخاص الذين يدسون أنوفهم في شؤون الآخرين , إلا اذا كان لذلك علاقة بي أو من لي , ومن لي غيرك ؟ "
وحملقت في روني التي همت بالكلام , ولكن عمتها اسكتتها بقولها : " هنالك المزيد أريد قوله , وأريدك أن تنتبهي جيدا لذلك لأنه مهم جدا , ان الأمور بينك وبين جيرالد ليست كما ينبغي وأنا واثقة من أن هناك سببا جيدا لذلك , قد اكون عجوزا ولكنني لست غبية , وأتصور أنكما انتما الاثنين لديكما اسبابكما الخاصة للقيام بهذا العمل , وأتصور أن السبب هو بيتر , وليس لي اعتراض على هذا , أما ما اعترض عليه فهو كيف أنك يا فتاتي تريدين أن تلقى بعيدا بهذه الفرصة التي تجلب لك السعادة مع هذا الرجل "
" عمتي "
" سبق وطلبت منك عدم مقاطعتي يا روني "
" ولكنك لا تفهمين "
فقالت العمة بحدة : " ألم أقل هذا بالضبط منذ دقيقة ؟ ان ما لا تفهمينه يا فيرونيكا سايكس , هو أنه مهما كان السبب الذي بينك وبين جيرالد معقدا , فإن لديك فرصة لجعله ينجح , فكري يا فتاتي ... وكوني انانية ولو مرة واحدة في حياتك "
أنانية ؟
وتابعت العمة تقول : " لابد انه كان لديك شعور ما نحو الرجل لكي يجعلك تتزوجينه يا روني "
تململت روني بضيق دون أن تقول نعم أو كلا , حتى دون أن تقول ذلك لنفسها , ولكن لويزا لم تكن بحاجة إلي الكلمات , فقد شردت نظراتها ومدت يدها تربت على يد ابنة اخيها وهى تقول : " أريد أن أقول , إذهبي وافعلي كل شيء طالما الفرصة سانحة لذلك " واتكأت إلى الوسائد خلفها وتئاءبت , ثم تمتمت تقول : " وإياك أن تجرؤي على القول ( كل ماذا ) "
كانت روني متعبة , وفوق كل التمزق النفسي الذي تملكها أثناء الأيام القليلة الماضية , لم تكن بحاجة إلى المزيد من عمتها .. فقالت لها " اليد الواحدة لا تصفق يا عمتي "
فتثاءبت العمة مرة أخرى وقالت : " هذا صحيح تمام , ولكن إذا كان المكان مناسبا وكذلك التصرف من ناحيتك , فكل شيء سيتم على خير ما يرام "
ضحكت روني بالرغم مما تشعر به من انهاك وهي تقول : " صدقيني , يا عمتي "
وأخذت العمة تضحك بهدوء , هي أيضا , ولكنها سرعان ما عادت تقول جادة : " كل ما أقوله هو أن ليس هناك من يستطيع الحصول على سمكة دون أن يضع طعما في الصنارة ثم ينزلها في النهر , انك فتاة رائعة محبوبة , يا روني , وإذا لم يكن جيرالد يلاحظ هذا فهو أحمق , وكل ما عليك القيام به هو أن تمنحيه وقتا للإعتراف بذلك لنفسه ولك , هذا إذا كنت تريدينه حقا "
وهل هي تريده حقا ؟ ياليت الأمور بهذا الوضوح , قالت : " هنالك أمور كثيرة تتعلق بهذا عدا عن مجرد كوني أريد الرجل , ياعمتي , ان لدي جيرالد مشكلات كثيرة عليه أن يحلها "
"وهل هناك من يساعده على حلها أحسن منك ؟ "
" ما زال ثمة الكثير مما يتعلق به , لا تعرفينه أنت يا عمتي "
" هذا ما فهمته , ولكن ما دمت تعلمين ذلك ما هو الأمر ؟ "
" لقد عاني في حياته كثير "
فقالت العمة بحزن : " أعلم ذلك " اضافت وهي ترى نظرة الاستفهام السريعة في عيني روني : " انك لست الوحيدة في هذه الأسرة التي تعطف على ضحايا الظلم , يا عزيزتي , فقد أدركت منذ اللحظة التي وقعت فيها عيناي على ذلك الرجل , انه نال قسطه من الألم في هذه الحياة , وسرعان ما هفا قلبي إليه , حينذاك , فقبلته في النزل "
ابتسمت المرأتان الواحدة للأخري بتأثر صادق , لتقول روني بعد لحظة : " انك عميقة المشاعر , يا عمتي لويزا , وماكرة أيضا "
" إذن ستأخذين غرفة النوم ؟ "
فهزت روني رأسها وهي تضحك بهدوء وعجز .. ان هذه المرأة لا تحيد كما تريد . نزلت من السرير , وهي تقول : " تصبحين على خير يا عمتي "
************************
في هذه الأثناء , كان جيرالد مستلقيا على سريره في غرفته وقد جافاه النوم , كانت ذراعاه متشابكتين تحت رأسه وهو يحدق في الظلام , مستمعا إلي أنفاس بيتر العميقة وهو يسائل نفسه كيف وصل إلى هذه المرحلة .
هاهو ذا الآن , بعد ان كان رجلا كل احلامه هو أن يخرج من السجن بكلمة شرف ليعيش حرا طليقا , يرى نفسه الآن مرتبطا بزوجة وأسرة ... كيف حدث هذا ؟
ألم يكن وحيدا طوال حياته ؟ ألم يقسم على ان يبقى كذلك ؟ وأن لا يحمل سوى مسؤولية نفسه فقط ؟ وهو لديه فكرة عما وضع نفسه فيه , حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت ؟
نعم , انه يعرف نتيجة كل هذا , وهو ما يبعث الذعر في نفسه , ولا شك أنه فقد عقله , ما جعله يضع نفسه في مثل هذا الموقف .
أخذ يتململ في فراشه بضيق , لقد أقنعته تلك المرأة بالقيام بهذا الدور بما في ذلك الاحتفاظ بالصبى إلى أن يعثر على الجدة , انه ما كان ليبقى الصبي معه لولا نظراتها إليه بتلك العينين المتألقتين , ونواحها على بيتر الصغير المسكين ذاك .
ثم ذهابها من وراء ظهره إلي السيد تيلمان , لتخبره بأكاذيب كان عليه ان يمضي وقتا شاقا في محاولة التنصل منها , ما جعله يشعر بالذنب .. ما هى الحاجة إلى كل ذلك ؟
وما كانت حاجته إلى طفل يتعلق بركبته ضاحكا له , لقد كانت تمثل مكر النساء بأجلى مظهر , تلك الفتاة المشاغبة .
أليست النساء جميعا كذلك ؟ أليست العمة لويزا والسيدة هنكز كذلك وهما تضغطان عليه , بطريقتهما الحلوة , بخططهما لحفلة الزفاف وحديثهما عن الحب وغير ذلك ؟
وفي النهاية , كان دوما هناك سبب هذا البلاء .. أمه ..
اما كان بإمكانك ان تمنحيني والدا من زواجك من رجل ثاني , يا أماه ؟ إذن لكانت حياتي غير ما اصبحت عليه , بعد ذلك , وما كان حدث لي كل هذا .
وما كان بيتر وفيرونيكا سايكس يعنيان شيئا بالنسبة إليه , ولكن .. ما الذي يعنيايه بالنسبة إليك الآن يا جيرالد ؟
وإذ لم يعد يستطيع البقاء مستلقيا بهذا الشكل , أو حتى البقاء في الغرفة , نزل من سريره , وهبط إلى الطابق الأسفل على أطراف أصابعه متجها نحو الباب الأمامي ففتحه ثم خرج إلى الشرفة .
أنعشه هواء الليل البارد , فأخذ يعب منه بعمق , ما جعله يشعر بشيء من الإرتياح , ووقف بجانب حاجز الشرفة وأخذ يحدق في البيت المقابل الأرجواني اللون , والذي محا الليل لونه الآن , لحسن الحظ .
تذكر عندما سبق ووقف بهذا الشكل في تلك الليلة التي اعترفت له روني فيها بزيارتها للضابط تيلمان , كانت تجلس على الارجوحة تلك .
وأراح جبينه إلى أحد أعمدة الشرفة وقد غلبه التعب وتشوش الذهن , بعد اسبوعين سيصبح رجلا متزوجا .. فماذا بعد ذلك .
" جيرالد ؟ "
سمعها تنطق باسمه في نفس الوقت الذي سمع فيه صرير الأرجوحة .. لقد كانت هنا , وشعر بيدها على كتفه , فاستدار إليها .
تراجعت خطوة , فرأى عينيها في عتمة الشرفة , واسعتين مضيئتين غامضتين .
سألها وقد تملكه سخط بالغ إذ تراه في مثل هذا الضعف و .. الألم .
" ما الذي تفعلينه هنا ؟ "
أجابت بحدة مشبكة ذراعيها فوق صدرها وقد رفعت رأسها : " تبا لذلك .. انها شرفتي وبإمكاني أن أجلس فيها متى شئت "
ولأنه لم يسبق لها السباب , فقد رفع جيرالد حاجبيه بعنف ودهشة , وبان الهزل في جانبي فمه : " انك وقحة هذه الليلة , أليس كذلك ؟ "
" نعم , حسنا " ووجدت روني نفسها تقول ضاحكة : " لقد تعلمت طريقة الكلام هذه من الرجال الذين حولي "
" من الرجال الذين حولك هه ؟ "
مال جيرالد على الحاجز ومضى ينظر إليها . انها خطيبته , وحامت نظراته حولها , وفجأة أرخى ذراعيه ووقف مستقيما , كل ما كانت ترتديه هو قميص متوسط الطول .
فقال وهو يحول نظراته إلى السقف , قال شاتما : " يا للهول , ألا ترتدين روبا ؟ "
ظنت روني انها لم تسمع جيدا , فقالت له : " أرجو المعذرة ؟ " ما هذا الكلام الذي يقوله رجل لصاحبة النزل الذي يقيم فيه ؟ حسنا لخطيبته ؟
سألها هامسا بغضب بالغ : " كيف تخرجين ليلا هكذا ؟ ألا تعلمين أن هناك منحرفين يدورون في الأنحاء ينتظرون من هو مثلك لكي .."
فقاطعته قائلة : " آه , ان من يسمعك يظنني اقوم باستعراض في برودواي , نيويورك , بدلا من الوقوف في شرفتي الخاصة في مدينة أوريغون الصغيرة "
" نعم " استدار ينظر إلى الشارع , وتراجعت هى خطوة " اظننى سأذهب إلى النوم الآن "
" حسنا , تصبحين على خير "
" جيرالد ؟ "
" نعم ؟ "
" عمتي لويزا تريدنا أن نأخذ غرفتها بعد الزواج "
وقبل ان تنهى جملتها . كان قد أخذ يستدير محدقا فيها مرة أخرى , لم يعرف ماذا يقول .. فقد كان يريد هذا الأمر أكثر من أى شيء آخر . وأخذ يتفحص وجه روني لكي يعرف ما تشعر به , ولكن كل ما استنتجه من ملامح روني الهادئة , على كل حال , هو عدم اكتراث مبطن باللهفة .
وكذلك اشتداد قبضتها على أعلى ذراعها , تدل على انها متوترة , ونظرة في عينيها الواسعتين المتألقتين أقنعته بشكل ما , بأنها تترقب منه شيئا .
اقترب منها هامسا : " روني ... ما الذي تريدينه .. يا حبيبتي ؟ "
ما الذي تريده ؟
ياله من سؤال .
انها تريده هو .
وفاضت نفسها بالرقة والمشاعر .
عاد وهو يهمس : " انك لن تندمي أبدا , فنحن سننسجم تماما وذلك طالما دام هذا الأمر بيننا "
طالما دام هذا الأمر بيننا ...
جمدت روني وسرت الرعشة في جسمها وتوقف قلبها لحظة عن الخفقان .
انهما طبعا سينسجمان طالما دام هذا الأمر بينهما .. كما أخذت تحدث نفسها , فما الذي كانت تتوقعه من رغبة صرفة دون حب ؟
وإذ أحس بالتغير فيها .. إذ بدا وكأنها جمدت فجأة , أخذ ينظر إلى وجهها .
" روني حبييتي , ماذا حدث ؟ هل جرحتك بكلمة , هل قلت شيئا ساءك ؟ "
فتراجعت روني عدة خطوات إلى الخلف : " كلا " وبذلك جهدا لكي تبتسم , ولكنها لم تشأ أن يعرف جيرالد بما كانت تشعر به حينذاك , فهو لم يخرج عن انه كان صادقا معها , على كل حال , بقوله الحقيقة , وليس ما كانت تتمناه , فهو لم يحدثها عن عالم خيالي جميل حافل بالحب والعواطف .
ولماذا عليه ان يقول ذلك ؟ فليس هو الذي سعي وراء هذا الزواج , بل هي .
ولم يكن هو الذي وقع في الغرام , بل هي .



* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-09, 11:48 PM   #24

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
Elk


الفصل التاسع

رغم أن الأيام القليلة التي تلت كانت حافلة بالعمل , إلا أن قلب روني وعقلها كانا فقط على جيرالد , وكانا في صراع بالغ .
لقد قامت بشيء غبي .. فقد وقعت في غرام الرجل الذي سيتزوجها فقط لأجل المصلحة .
أخذ عقلها يحدثها بأن هذا ليس أمرا تافها وإنما هو غاية في الغباء ولا يقوم به إلا قلب اعتاد النزف كقلبها .
حدثها عقلها ساخرا أن ليس عليها فقط أن تساعد الرجل في الخروج من محنته .. ليس عليها أن تمنحه شهرا أو سنة أو اثنتين أو ثلاث من حياتها , بل أن تمنحه قلبها , ولماذا لا ؟
قلبها الحنون على الدوام , كان يحثها على حبه , فهو يستحق الحب ويحتاج إلى أن يكون محبوبا , وفي الوقت المناسب , همس لها , قلبها ذاك , بشوق حلو مر , بأن ذلك الرجل ربما , ربما فقط , سيتعلم كيف يبادلها الحب .. إنما مع مرور الوقت .
حدثها قلبها بالمنطق قائلا إنه رجل عاش مهجورا غير محبوب طوال حياته .. أولا , هجره والده , وبعد ذلك أمه وذلك لأسباب لا يعرفها ولكنها لا بد أن تكون باعثة على اليأس , وبعد ذلك دفعه المجتمع , بعد أن أعاقه الروتين الحكومى , إلي أن يصبح فردا من اولئك الذين عثرت بهم التقدم بعد أن أرغمهم على الخروج على القانون , فعاشوا في المجتمع بصفة أفراد دون انتماء إلى أسرة .
لقد حان الوقت لكي يعلم أنه ليس فردا وحيدا في الحياة . هكذا حدثها قلبها . إنه أنا . إن جيرالد مارسدن محسوب علي .
ثم , وهي تنظر إليه يقذف الكرة لبيتر , أو يقص العشب في فناء المنزل , أو يلعب مع العمة لويزا والسيدة هنكز بينما يعمل في غرفة المخزن بالمطرقة و المسمار , عند ذلك تعدل روني من قولها هذا فتضمنه كل اولئك الأشخاص .
وتقول لنفسها انه محسوب معنا . معى ومع بيتر وكل الآخرين . إننا جميعا نسانده .
وعندما سخر عقلها منها , قائلا .. نعم , ولكن إلي متي سيهتم بك ؟ أجابت بكلمة جيرالد لإسكاته , والتي كانت ( طالما دام هذا الأمر ).
والذي قد يكون ... من الممكن أن يكون زمنا طويلا جدا . وفي نفس الوقت لن تدع القلق يتملكها , ولن تنزعج , بل ستبذل كل ما في مقدورها لكي تكون زوجة ومعينة له وأما لبيتر , وربما , ربما فقط يمكنها ان تجعل جيرالد يبادلها الحب .
******************************
أول شهر أغسطس .. يوم زفافه .
كانت مشاعره تتأرجح بين الذعر والتوقع المتوتر , وذلك كل ساعة على الأقل منذ تقدم إلى روني طالبا الزواج ... وكان جيرالد عقد ربطة عنقه ثلاث مرات خلال عشر دقائق وهو يسب أصابعه التي كانت تعوزها الخفة بسبب التوتر .
حملق في صورته في المرآة , وازداد سبابه إلى أن أسكته صورة وجه ظهر بجانب وجهه .
سألته روني والتي كانت مصممة على أن تكون سعيدة متفائلة في هذا اليوم الهام . سألته قائلة : " أية مشكلة بالنسبة إلي ربطة العنق هذه ؟ "
لكن الخوف والتوتر لم يسمحا لجيرالد بأن يماثلها شعور , فرد عليها بحدة : " أخرجي من هذا الحمام "
" اسمع , إن من حقي أن أكون في الحمام متي شئت . فأنا التي أنظفه "
قالت ذلك مستجمعة كل ما أمكنها من شجاعة وبشاشة , بينما تكافح في نفس الوقت مشاعرها الهامدة بمركب النقص ازاء مظهر جيرالد الرائع الوسامة بجانبها في المرآة . كان شكله الجميل قد جعل وجهها يبدو لها عاديا أكثر من أي وقت مضي .
فقال ضاحكا : " إنك نسيت أن تشتمى بقولك تبا لهذا , أليس كذلك ؟ " كان مزاجه الغاضب سرعان ما يتحسن عند حضور روني , هذه الأيام . وكان هذا يذكره بأن ما هو مقدم عليه كان شيئا حسنا تماما .
كانت رائحتها تشابه رائحة مرج الزهور الذي كانا يتمشيان فيه في الرابع من تموز وضحكتها هذه جعلتها تبدو جميلة حقا .
وكانت تقول مجيبة : " نعم , حسنا هذا لأنك قد أصبحت تشتم كثير هذه الأيام عني وعنك " ثم أضافت بلهجة حادة : " لم يفت الوقت بعد على تغيير رأيك في الزواج , كما تعلم "
" وهذا أيضا بالنسبة إليك , يا روني "
فهزت رأسها : " أنا لست كذلك "
فتأوه من أعماقه : " حسنا .. ولا أنا اريد أن أكون كذلك "
وعاد يحاول عقد ربطة عنقه وقد قطب جبينه .
فسألته : " هل تريدني أن أقوم بذلك لأجلك ؟ "
" كلا , فقد تمكنت منها " واستدار من أمام المرآة : " ما الذي تعرفينه عن عقد ربطات العنق , على كل حال ؟ "
" الكثير " وعلقت روني قرب المغسلة المنشفة التي كان جيرالد استعملها , مستمتعة بما تتضمنه هذه المهمة الصغيرة من معنى العلاقة الحميمة بينها وبينه , بعد ساعات قليلة فقط , سيكون عليها رسميا أن تقوم بمهمات زوجية صغيرة مثل هذه , وذلك طوال الوقت . وقفز قلبها لهذه الفكرة . وقال تجيبه : " إن زوج عمتي كان يطلب مني أن أعقد له ربطة عنقه كل يوم أحد "
" لابد أن زوج عمتك كان شخصية لامعة " وتناول سترة بذلته الجديدة المعلقة خلف الباب فارتداها وهو يقول : " أنت وعمتك تتحدثان عنه على الدوام "
" كان رجلا محترما "
" وبناء محترما أيضا , أذا نحن حكمنا عليه من طريقة بنائه هذ1 المنزل ومن أدواته التى ما زالت العمة لويزا تخبئها "
" الأدوات التي استعملتها , يا حضرة المهندس في بناء الغرفة لبيتر في غرفة العتق تلك "
ثم مدت يدها تمر بها على ياقة سترته وقد بدا في عينيها فيض من الحب والزهو بهذا الرجل , ثم قالت : " ماهي الأسرار الأخرى التي تخفيها ؟ "
وإذ تعلقت نظراته بنظراتها , ورأي فيها مشاعر لم يمكنه سبر غورها , توترت أعصابه وشعر بجاذبية قوية نحوها .
ثم قال بصوت ينضح بالمشاعر : " أظن أن رغبتي فيك لم تعد سرا "
فاغمضت عينيها وهي تقول : " كلا , لم تعد كذلك "
" الليلة .. الليلة لن يكون ثمة أي ممانعة أو تحفظ , أليس كذلك ؟ "
فقالت بصوت مرتجف : " نعم , لن يكون ذلك "
**************************
وبعد ذلك بأكثر قليلا من الساعة كان جيرالد قد أنهي عقد ربطة العنق بشكل أنيق جعل جيرالد يدهش لأنه لم يبد بشكل الأنشوطة كما كان يخاف .
قال القاضي لبيتر الصغير والذي كان يبدو نسخة مصغرة عن جيرالد في بذلته المخططة , قال له : " تستطيع الآن أن تقبل أمك ووالدك "
فابستم الصبي بخجل , وهي المرة الأولي التي يظهر فيها الخجل منذ أسابيع , ثم تحول إلي روني التى انحنت أمامه وضمته إلي صدرها , وقد تملكها شعور رائع وهي تضم هذا الجسد الصغير إلي صدرها . ثم نظرت إلي جيرالد الذي كان واقفا ينظر إليها بهدوء . وخلفه كانت العمة لويزا والسيدة هنكز تمسحان دموعهما بينما القاضي وليو يخرجان منديليهما .
نهضت روني واقفة وما زال بيتر بين ذراعيها , ثم تقدمت به نحو جيرالد . مدت يدها إليه وعندما أمسك هو بها جذبته ليقترب منها . عندئذ التفت بيتر ومد ذراعه يطوق بها عنق جيرالد . وهكذا وقف الثلاثة متعانقين .
إنها أسرته .
وانفجرت هذه الكلمة في ذهن جيرالد كالقنبلة . طالما بقيت أسرته هذه , فشعور الوحدة لن يعاوده .
كانا قد تناولا عشاء الزفاف في فندق كارلتون وعدا عن المقيمين في النزل , كان معهم عدد من الأصدقاء شاركوا معهم المناسبة السعيدة . وكانت سارة صديقة روني الحميمة , والتي لم تكن مرتبطة بأي رجل .. كانت هناك تلقي الأرز على العروسين السعيدين , كما فعل ذلك أيضا مراقب العمال الفظ القوي البنية الذي يعمل في البناء مع جيرالد وكذلك مايك الكبير أرسل برقية تهنئة من سجن قصر الجزيرة فيها : ( ولدي جيرالد . أخرج الآن وكن رجلا واحصل على وظيفة حقيقية ) .
بعد عشاء الزفاف , صعد بيتر والرجال كبار السن إلى سيارة الفان وعادوا إلى المنزل .
أما سارة ومراقب العمال , واللذان كان انسجامهما معا واضحا , فقد غادرا المكان معا .
ومن ناحية أخري , صعد جيرالد وروني إلى جناح العرائس في الفندق ليمضيا ليلة الزفاف التي قدمتها العمة لويزا لهما هدية العرس .
دخلا إلى الغرفة المترفة حيث كان في وسطها أكبر سرير ممكن أن تسعه غرفة . كانا ما يزالان متوترين مرتبطي اللسان تجاه بعضهما البعض بشكل لم يسبق له مثيل منذ تعارفا . لقد تظاهر جيرالد وروني بأنهما لم يلحظا السرير هذا وهما يتقدمان في الغرفة . وكان كل منهما يحمل حقيبة صغيرة تحتوي على ما يحتاجه لليلة واحدة , ثم وضعاها بجانب الأريكة المواجعة للمدفأة القائمة في آخر الغرفة الفسيحة .
أخذ يجولان في أنحاء الغرفة معجبين بهذا وذاك , متظاهرين بأن اهتمامهما مركز على التحف والديكور بينما الحقيقة أنهما لم يكونا يلحظان سوى بعضهما البعض .
هتف جيرالد وقد بدا الارتياح في صوته وهو يرى ما بدا على وجه روني وهي تبتعد عن النافذة التي كانت تتظاهر بأنها تنظر منها , هتف يقول : " آه , الشراب " ومد يده إلى البطاقة المعلقة في عنق الزجاجة الموضوعة على المنضدة بجانب السرير , فقرأ فيها : " أجمل التهاني والتمنيات من مدير وموظفي الفندق إلي السيد والسيدة .." وهنا سكت جيرالد وقد خشن صوته , ما جعله يتنحنح لكي يستمر في القراءة . " السيد والسيدة جيرالد مارسدن " .
ألقي نظرة على روني ثم قال بإبتسامة مغتصبة : " هذا لطف منهم , أليس كذلك ؟ "
شعرت روني وكأن لسانها التصق بحلقها . ووجدت من الصعب أن تبتسم وهي تجيب : " بكل تأكيد "
" طبعا ما دمنا ندفع لهم ذلك المبلغ أجرا لليلة " وضحك بصوت خافت بينما كان يفكر متسائلا بحيرة , عما يجعلهما يقومان بهذه المحادثة التافهة ؟
" هذا صحيح " وتظاهرت بالضحك هي أيضا , وهي تعبث بعقدة حزام ثوبها الحريري الوردي اللون والرائع الجمال .
أمسك جيرالد بالزجاجة وقد تاهت عيناه بعيني روني , وسألها : " هل يمكنك شرب كوب آخر ؟ "
كان يريد بالشراب , أن يساعده على تجاوز هذا الوضع الغريب . تبا لذلك , ما الذي حدث له ؟ إنها ليست المرة الأولي التي يرى فيها امرأة ولكن لم يحدث له قط مثل هذا التوتر من قبل .
" بالتاكيد " أجابته روني بذلك وقد انقبض قلبها وهي تتساءل عما إذا كان كل العرسان بهذا الشكل الغريب من الارتباك وعدم الارتياح , أم أنهما هما فقط كذلك ؟ فالطريقة التي كان جيرالد ينظر بها إليها بهذا النهم , وبهذا ...
وشعرت بجفاف في حلقها , بينما ملأ هو الكوبين بشراب الورد , ثم جاء بهما إليها وهو يقول : " إننا نتصرف كمعتوهين , اتعلمين ذلك "
جعلتها لهجته الجافة تبتسم قائلة : " نعم , أعلم ذلك "
" أري أن نتوقف عن ذلك حالا "
" و أنا أري ذلك أيضا "
فازداد اقترابا منها وهو يقول : " أريد أن أشرب نخبا , يا روني .."
أخذ قلب روني يخفق بجنون , متوقعة منه أن يشرب نخب المناسبة , ولكنها دهشت ولم تشعر بأي نوع من الارتباك أو القلق وهي تسمعه يقول بوقار : " إليك , يا فيرونيكا سايكس , يا أكرم امرأة عرفتها "
تملكها التأثر وكذلك الحرج , فهزت رأسها وهي تقول : " وكذلك أشرب نخبك , يا جيرالد مارسدن . يا رجل الشجاعة والحنان والذي يستحق كل خير في هذه الحياة "
رجل الشجاعة والحنان ؟ هو ؟ لقد كان يخاف حتى الموت من كل ما كان يحدث , ويدعو نفسه يوميا بالأحمق لأنه لم يخرج الطفل من حياته حتى الآن .
شعر جيرالد إزاء نظرات روني الدافئة الجادة , بعدم ارتياح . شاعرا بأنه رجل مخادع محتال . وإذ حاول أن يدخل شيئا من البهجة بينها , ابتسم لها وهو يستدير إلى الراديو : " فلنستمع إلي شيء من الموسيقى "
وإذ امتلأ جو الغرفة بالأنغام الشاعرية ابتسمت روني وأغمضت عينيها تاركة مشاعرها تسبح مع الموسيقى .
سألها بعد فترة : " إنها رائعة هذه الموسيقى . ألا تظنين ذلك ؟ "
" هممم .. هل تسمع نفس الموسيقى التي أسمعها ؟ "
" لابد أنني كذلك "
مضت فترة أخري قبل أن يعود فيقول : وكانت هي تشعر بذلك حتى دون أن يقوله بالكلمات .. لقد كان رجلا وسيما يحتوى على كل ما ترغب فيه المرأة .
قال فجأة وهو ينظر في عينيها : " إننا متزوجان الآن .."
وسكت قليلا ثم تابع يقول هامسا : " وأريد أن أحقق زواجنا بكل معنى الكلمة " وهذا ما كان ..
**********************
ابتعدت روني قليلا ومضت تتأمل وجه زوجها السابح في سكون النوم والذي بدت تقاطيع وجهه الوسيمة أقرب إلي الطفولة .
إنه زوجها ... حبها .. ومدت يدها تلامس شعره المشعث ولكن إذا بملامح جيرالد تتقلص ألما وهو يتمتم بخشونة , بشيء ما غير مفهوم , ثم يقفز من السرير متوجها إلى الحمام .
أغلق الباب خلفه بعنف أوضح لروني انها طردت من تلك البقعة الخاصة في نفس جيرالد التي كان سمح لها بدخولها لقترة قصيرة . وإذ أخذت تحدق في الباب المغلق أخذت ترتجف وقد تملكها شعور بالبرد لم يكن ناتجا عن درجة حرارة الجو وإنما عن الخوف .
الخوف من أن يتحطم قلبها بوقت أقصر كثيرا مما كانت تتوقع .. أو ترجو .. الخوف من أن تتحطم أحلامها فى المستقبل حتى قبل أن تسنح لها الفرصة لكي تري جيرالد مبلغ جمال الحياة مع زوجة وطفل .
أخذت تستمع إلي صوت الدوش في الحمام وقد تملكتها التعاسة , وهي تتساءل كيف سيكون بإمكانها مواجهته عندما يخرج .
عند ذلك أخذ صوت عمتها لويزا يتجاوب في أذنيها ( إياك أن تكوني جبانة ..)
وبسرعة بالغة , اندفعت إلى الأريكة حيث كانت حقيبتها الصغيرة , ففتحتها وأخرجت منها المعطف المنزلي , فارتدته ثم أسرعت إلى المرآة , وما زالت مرهفة السمع نحو الحمام , ثم أخذت تسوي من شعرها المشعت لتتأمل بعد ذلك , نفسها في قميصها الحريري ذي اللون العاجي المتألق . لا يمكن أن تكون هذه صورتها .. وتراجعت خطوة إلى الوراء وهي تتمايل من جهة إلى أخري , فتبتلع بطنها , وتنفخ صدرها ثم تعيد جسدها إلى وضعه الصحيح وهي تضحك مسرورة ... نعم ... نعم ... هذه صورتي أنا ...
وحدثت نفسها بأنها , إذا كان جيرالد قد وجدها تفتقر إلى الجاذبية هذه المرة فستبذل جهدها لكيلا يحدث ذلك في المرة القادمة .
توقف صوت تدفق المياه في الحمام , فأسرعت روني عائدة إلي السرير , وسوت من الوسائد خلفها بحيث اتكأت عليها ثم أسدلت شعرها على كتفيها واضعة خصلة منه على صدرها , وذلك قبل أن ينفتح باب الحمام ويخرج منه جيرالد وقد التف بمنشفة كبيرة ليتوجه رأسا إلي الأريكة حيث ترك معطفه المنزلي . وإذ وقعت عيناه على روني في جلوسها المتكاسل ذاك جمد في مكانه عند باب الحمام وقد ثارت مشاعره من جديد .
وإذا به يبعد نظراته عنها بعنف , كما سبق وقفز من السرير من قبل , ثم سار متجها إلى الأريكة أشبه بجندي يسير إلى ساحة المعركة .. عابس الوجه رافع الرأس مسدد نظراته إلى الأمام .
أخذت روني تراقبه وقد توقف قلبها عن الخفقان . كم يبدو نائيا بعيدا جافيا . إنها ستكون مجنونة لو أنها ظنت .. ولكن , كلام .. إنها ستنتظر وترى ما سيكون ..
توقف جيرالد عن السير وذلك فى منتصف طريقه إلى الأريكة .. توقف فجأة مخاطبا نفسه , جيرالد مارسدن .. أيها المعتوه عديم الإحساس . إنك تبدي سلوكا عدائيا غير معقول , والوحيدان اللذان سيتألمان منه هو أنت وهذه المرأة التي تستحق كل خير .
وما لبث تشنج جسمه ان لان , استدار إليها وقد تبدد العبوس من ملامحه وحل محله الإنزعاج وأرغم نفسه على النظر إلى وجهها .
لقد أدرك أن عليه , بشكل ما , أن يجعلها تفهم ما يجول في نفسه , وكيف أن حنانها قد أخافه , وأن ظهور عاطفته كان مخالفا لك تجربة مر بها من هذا القبيل , ما جعل الرعب يكاد يطيح بكيانه .
قابلت روني عيني جيرالد المعذبتين بما أمكنها من هدوء , غير مظهرة اضطراب مشاعرها , ثم انتظرت منه أن يتكلم .
وعندما نطق أخيرا , كان صوته خشنا وهو يقول : " أنا .. آسف .. أنا آسف " وأحست هي , من نظراته أنه يرغب في القدوم إليها .
وإذ امتلأت حبا وحنانا نحو هذا الرجل الفخوربنفسه والذي يذل نفسه لأجلها , فتحت له ذراعيها .
تقدم منه بصمت , ثم قال بعد لحظة : " لم تتملكني مثل هذه المشاعر نحو امرأة أخري قط من قبل . إنك لا تعرفين كيف كانت حياتي "
فهمست تقول : " أخبرني إذن . ساعدني على أن أفهمك "
أحست بأنه يريد أن يتركها مرة أخري , ولكنها قالت له : " أبقى هنا "
كان جيرالد يدرك بأن كشفه عن مشاعره وما يجول فيها سيسبب له الألم والذل . كان ما يحثه على الابتعاد عنها وإغلاق مشاعره دونها , مرة أخرى , كان ساحقا قهارا .. ولكن احترامه .. واعتباره لهذه المرأة التي أحاطته بكل هذا الحنان جعله يبقي .
كانت رائعة فى الحب هذه المرأة التي كان يظنها من قبل خالية من أي جمال وإذا بها تبدو له الآن أجمل مخلوق على وجه الأرض . هذه المرأة التي أصبحت الزوجة التي لم يكن يريدها على الإطلاق , والتي ما زال لا يريدها .
كاد يضحك وهو يتساءل عمن تراه يخدع ؟ فحبها يزداد تملكا به بشكل أعمق مما كان يريد , وهذا أكثر الأشياء التي صادفها في حياته , إثارة للرعب .
قال : " طوال حياتي كنت أري النساء عدوات لي . لقد كرهت أمي , كرهت وخفت من كل أنثي , ما عدا مارسي "
" والدة بيتر ؟ "
فأومأ يقول : " نعم . لقد كانت مختلفة عن الأخريات . دوما كنت أشعر , مع النساء وكأنهن يسلبنني شيئا , يجردنني من حقوقي . كن دوما صاحبات السلطة . كن هن اللاتي قررن , من وجهة نظري , من يجب أن أكون , وأين أعيش وكيف ومع من , كن هن من يصدرن المراسيم بالأمكنة التي يمكنني الذهاب إليها والعكس . ولكن مارسي كانت مختلفة عنهن . فقد كنت أراها عكسهن . كانت هي الأضعف . وكنت أنا صاحب السلطة "
فقاطعته متأملة : " من الغريب أنك لم تسيء استعمال تلك السلطة كوسيلة للتوازن "
حدق جيرالد إليها بدهشة : " هذا ما قاله لي رفيقي في الزنزانة في السجن "
" وماذا قلت له ؟ "
" سأجيبك بنفس ما أجبته هو .. ماذا تظنينني ؟ وحش مفترس ؟ "
" كلا " ونزلت من السرير برشاقة واقتربت منه , وقد تملكها السرور للطريقة التي أخذ جيرالد يحملق فيها .
اقتربت منه تقول : " أظن انك رجل غاية في الحساسية والاهتمام بالآخرين ما يجعلك تخاف "
" أخاف ؟ " وإذ شعر بالاضطراب وهي تقترب منه بشكلها المغري , أبدي إشارة ساخرة : " لا تخدعي نفسك , أيتها السيدة "
لكنها أنهت كلامها قائلة بهدوء : " إنك تخاف من أن تضع ثقتك في من تراه حساسا مهتما بغيره من الآخرين "
" نعم , حسنا .. ربما , ولكن هذا يحميني من ازدياد مشاعري "
فقالت تتحداه برقة : " أحقا ؟ أصحيح هذا ؟ "
إزداد اقترابها منه .. أكثر مما كان يسمح به لأي إنسان , حتى هي . حملق في روني قائلا : " أرجوك أن تعفيني من هواية التحليل النفسي .. فقد أجري لي في السجن بما فيه الكفاية "
وسار إلي النافذة ينظر منها . كان الظلام قد حل . ومن بعيد كان المبني الحكومي قد استحال إلي كرة ضخمة من الكهرمان بسبب الأضواء المنسكبة عليه , وكانت حركة المرور الخافتة مسموعة والطريق اشبه بأفعي سوداء مرقطة بنقط من الأضواء المتحركة حمراء وبيضاء , سيارات , اناس رائحون غادون ..من اين , إلى أين ؟ وإلى أين يريد ان يصل بهذه المحادثة مع روني , على كل حال ؟ من المؤكد ان ذلك لن يكون إلى هذا المأزق .
استدار إليها مرة أخرى , فذهل لما بدت عليه من جمال , وشعر بالضعف أكثر من أي وقت مضي .. ثم قال : " اسمعي يا روني .. ربما لم تكن هذه فكرة جيدة "
فقالت بلباقة ساخرة لم تكن تشعر بها في الحقيقة : " ماذا ؟ زواجنا ؟ "
فأطلق ضحكة قصيرة : " اظن هذا غير محتاج إلى كلام , ولكن كلا " وتهجم وجهه . " أعني هذا .. هذا .. "
" الكشف عن الأعماق ؟ "
" نعم " وخفض نظراته إلى الأرض , عابسا , وهو يتخلل شعره بأصابعه . " نعم فهذا ليس شيئا أحسن شرحه أو استمتع به "
" ولا أى أحد من الناس " كانت تريد من كل قلبها أن تساعده . فسارت إليه ووضعت يدها على ذراعه , وقد أرضاها أنه نظر فقط إلى يدها تلك دون أن يزيحها , بينما تابعت تقول : " .. ولكن هل تعلم , يا جيرالد ؟ ليس في هذا ما يدعو إلى الشعور بالخزي خصوصا عندما تفضي به إلى شخص محب "
عند ذلك رفع رأسه فتقابلت اعينهما , كانت المحبة التي تحدثت عنهما تشعان من عينيها , هذا إلى شيء آخر .. شيء أكثر رقة وعمقا .. شيء جعل انفاسه تتوقف وخفقات قلبه تضطرب .
" روني .. هل لديك فكرة عما تعنيه بالنسبة إلى ؟ انه أحد الأشياء التي كنت أحاول ان اخبرك به بطريقتي المرتبكة المشحونة بالشفقة على نفسى "
فقالت روني وهي تغظي شفتيه باصابعها : " كلا , لا تقل شيئا "
فتابع يقول وهو يزيح يدها جانبا : " إنني لم أعرف قط امرأة مثلك , انك لست مثل مارسي ولا مثل أي من الآخريات .. انك .. "
قالت بهدوء : " أنا روني , وهذا كل شيء "
فقال بصوت أجش منخفض : " كلا , لا تقولى أبدا ( هذا كل شيء ) , فأنت اكثر من هذا .. اكثر كثيرا مما أتوقعه أو يتوقعه أي رجل "
وعندما فتحت فمها تحاول الاعتراض سارع يقول : " هس .. دعيني اقل هذا , اعرف انني قد اكون وغدا إذ أدعك تعيشين مع من هو مثلي .. ان هذه الافكار تتملكني .. تماما كما حدث هذا منذ فترة .. ولكنني أريدك ان تعلمي ان هذا الأمر لا يتعلق بك , انه يتعلق بي أنا , يا روني , لقد تواترت الأمور بسرعة في المدة الأخيرة , ما جعلني احتاج إلي بعض الوقت لكي اعتاد عليه .. على هذه الأمور التي تغيرت عما كانت عليه .. إذن إياك ان تظني انك انت السبب في ذلك , يا عزيزتي " وابتسم في عينيها برقة زائدة وهو يكرر : " إياك ان تظني انك أنت السبب " .



* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-03-09, 02:58 AM   #25

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
Elk


الفصل العاشر


تحدثا طويلا بكل رقة وحب , فأفضيا الواحد إلي الأخر , وإنما هذه المرة ,كانت روني هي التي تحدثت وفتحت صدرها له , حدثته عن والديها اللذين توفيا شابين وذلك بحادث مفجع .
كانا هما الاثنين , من علماء الأحياء البحرية , وكانا يقومان بالغوص عند شاطيء في اوستراليا حيث كانا ضمن فريق أبحاث عندما هاجمتهما أسماك القرش وقتلتهما , ولكن روني لم تعرف بتفاصيل الحادث إلا بعد أن اصبحت في سن المراهقة , ما جعلها فى خوف دائم من البحر .
عندما تيتمت روني كانت في الخامسة من عمرها فقط , وقد استغرق الأمر سنوات قبل ان تدرك ان والديها لم يهجراها , وانهما لم يقوما بتلك الرحلة كعادتهما ثم اخلفا وعدهما لها بالعودة في أقرب وقت .
لقد صبر جورج ولويزا على الكثير من نزوات روني أثناء سني مراهقتها , ولكن حبهما لها تغلب في النهاية عل كل شيء .
وهنا ضحكت روني بخجل لقد تطورت جذريا من طيش المراهقة وهاجس ( مسكينة أنا ) إلى النضج لتصبح شخصا أول ما تفكر فيه هو ( ما الذي يمكنني عمله لأجلك؟ ) .
والذي لم يكن جديدا , بالنسبة الى جيرالد , بطبيعة الحال , حيث انه جرب وما زال , كرم نفس روني وعطاءها الذاتي , وإذ شجعته انفتاح روني النفسي ما كان بمثابة دعوة منها لكي يشاركها الافضاء , زال حذره إلى حد اخذ يتحدث فيه عن ماضيه , عن السجن وعما جعله يدخله .
" لم اقتل أحدا قط في حياتي " قال لها ذلك يريدها أن تصدقه وأن تدرك أنه كان مجنونا أحمق في تلك الأيام ولكنه ليس سيئا حقيقة . " كل ما فعلته في ذلك اليوم هو وجودي في مخزن الأشربة ذاك , لمجرد زيادة العدد للمساندة , هل يمكنك ان تصدقي ذلك ؟ "
فأومأت برأسها إيجابا وقد امتلأت عيناها بمشاعر لم يستطع ان يحتملها كما انه لم يجرؤ على ان يفسرها ويحل رموزها , ولكنه في أعماقه كان يعلم انها صادقة وغير عادية , وبما يتعلق به كانت نادرة مثل الاحجار الكريمة .
حدثها باختصار عن مايك الكبير الذي كان قتل زوجته وأولاده في نوبة سكر عنيفة ولكنه كان بالنسبة إلي جيرالد , كان بمثابة الأب , كان مايك الكبير يشبه كثيرا في صفاته القاضي كينغهام , كما اخبر جيرالد روني , ولو كان بإمكانه ان يحب شخصا لكان مايك الكبير .
ضحك بهدوء وهو يقول ان الحب موجود فقط في الكتب والقصص الخرافية .
تشبثت روني به بذعر واخذت تبكي , لم يبك احد قط لاجل جيرالد من قبل , ليس بهذا الشكل , ولا تشبثوا به كما تتشبث روني به الآن , أو أحبوه كما تحبه , كانت غير عادية هذه الزوجة التي لم يكن يريدها في الحقيقة .
احتقر نفسه كليا عندما استسلمت روني للرقاد ووجد نفسه غير قادر على البقاء بجانبها , وهكذا نهض فنزل من السرير وارتدي ملابسه ثم تسلل خارجا من الغرفة كاللص في ظلمة الليل .
طاف الشوارع متصارعا مع افكاره . كان أدرك بأنها ليست من اللاتي كن موضع خوفه أو عدم ثقته , لا ولا الإلتزام أو المسؤولية أو حتى خسارته لحريته , كلا فالشيء الذي كان يخاف منه حقيقة , كان هو الحب .
كان الحب من المشاعر الغريبة عليه والتي لم يعرفها في حياته سوى مرة واحدة , وذلك في ذلك البيت الذي كان سكنه منذ زمن طويل , لقد كان احب اولئك الناس , وقد انكسر قلبه عندما تدخلت السلطات ونقلته من بينهم .
لم يعرف امه قط , فقد كان عمره لا يبلغ الساعات عندما تركته في موقف سيارات مخفر للشرطة , وهكذا لم تكن أمه في ذهنه سوي مجرد فكرة , وفي تجواله في هذه الشوارع المقفرة تقريبا , وصل في إدراكه إلي أن هذه الفكرة , علمه بقدرها , هي التي جعلته يمضي طوال هذه السنوات في الكراهية . كان هجران أمه له مؤلما نظريا فقط , وإلا فكيف يفتقد شيئا لم يعرفه قط ؟ ولكن ان يفصل جبرا عن والديه بالحضانة اللذين أحباره , كان شيئا حقيقيا تماما , لقد قتلت تلك الحادثة شيئا في نفس جيرالد , قتلت قدرته على الحب , أو هذا ما كان يظنه إلى أن قابل بيتر وروني .
ابتدأت ظلمة الليل تبهت حين أخذ الفجر يصبغ السماء بألوان البرتقال المتدرجة من الليلكي حتى الأحمر , ووقف جيرالد في واجهة فندق كارلتون ثم رفع بصره إلى النافذة التي ظن أنها قد تكون نافذة غرفتهما , وقد أثقل صدره , وخلفه كان الشارع قد دبت فيه الحياة بسبب أولئك الذين لم يكن نهار الأحد يمثل يوم عطلة لهم , فكانوا يسوقون سياراتهم نحو العمل . مرت حافلة ركاب مخلفة رائحة الوقود في أثره , ومن مطعم الفندق صافحت خياشيمه روائح الصبح اللذيذة .. من القهوة الساخنة والخبز الكروي , والبيض واللحم المقلي .
وتحركت معدة جيرالد تذكره بأن وقتا طويلا مضى منذ تناول عشاء الزفاف الخفيف الليلة الماضية , هذا وما زال واقفا وقد أصعقه أن يكتشف ان قابليته للحب لم تمت في نفسه على الاطلاق وإنما كانت لاتعدو أن تكون هامدة هاجعة .
وان تلك المرأة هناك خلف النافذة التي كان يحدق إليها قد أيقظت ذلك الشعور .
أشاح بوجهه عن المبني , ثم ابتعد يوليه ظهره وكأنه بذلك يولي روني ظهره , والذي كان ما يريده بالضبط , هذا اذا سنحت له فرصة الخروج من ذلك الوضع الذي وضعه الحظ فيه , لم يكن يريد ان يشعر نحو روني بأى شعور عميق , لم يكن بإمكانه احتمال أي نوع من مشاعر الحب , فقد كانت تلك الخسارة الأولي لحبه منذ سنين قد هدت كيانه , وأن يخسر حبه مرة أخري سيحطمه نهائيا .
فلماذا يغامر إذن ؟ ومن يريد المزيد من الآلام النفسية ؟ من المؤكد انه ليس هو من يريد هذا .. فقد حصد من وراء ذلك كل التعاسة التي يمكن ان يحتملها في حياته , وهو جيرالد مارسدن سوف يبقي بعيدا .. سيضع غطاء على مشاعره ويخرج من حياتها ومن كل هذه الورطة , ما دامت الفرصة سانحة لذلك .
*************************
" جيرالد ؟ " وتمطت روني في فراشها شاعرة بالسعادة وهي تستيقظ باسمة , انها متزوجة الآن من رجل رائع .. وهي قد أمضت اكثر ليالي حياتها سعادة وذلك بين ذراعي من تحب .
انقلبت على جبنها وقلبها يخفق في انتظار رؤيته , ولكن تلك الخفقان ما لبث أن تلاشي وهي ترى ملاءات السرير مكشوفة والوسادة خالية .. كان قد رحل .
وتملك روني خيبة الأمل وهي تنهض جالسة .. آه , الحمام . فيا للغباء , لابد انه في الحمام .
تصاعدت ضحكة من بين شفتيها ودفنت وجهها في الوسادة وهي تعنف نفسها بقولها ان عليها أن تهجر هذه المشاهد العاطفية المسرحية , وإلا فستصل بنفسها وبزوجها إلى الجنون .
زوجها .. وابتسمت روني حالمة .. زوجها جيرالد .. عادت تنقلب على ظهرها وهي تنصت إلي صوت تدفق الماء في الحمام , وإذ لم تسمع شيئا أجفلت .. ولكن كلا .. انه سيخرج خلال دقيقة .
وانتبهت فجأة إلى ان منظرها عند الصباح لا يسر , فقفزت من السرير وارتدت معطفها المنزلي ثم اندفعت نحو المرآة .
آه , وتملكها الإشمئزاز وهي تغمض عينيها لحظة وتتساءل لماذا في القصص والافلام العرائس دوما متألقات رائعات الجمال عند الصباح , بينما تبدو هي وكأن هناك من هاجم شعرها بخفاقة البيض ودعك وجهها بمعجون شاحب اللون .
زفرت باستياء وقربت وجهها من المرآة وهي تحرك زاويتي عينيها بأناملها بعنف , ثم تبتلع خديها وتقول بلهجة إغراء : " هذا أحسن كثيرا , يا حبيبي .. " ثم لا تلبث أن تعود إلى طبيعتها وهي تمد يدها لصورتها في المرآة قائلة : " يالك من معتوهة "
أدارت ظهرها إلى المرآة واخذت تفسك بإصبعها خصلات شعرها المتشابكة وذلك في الوقت الذي انفتح فيه الباب ودخل منه جيرالد ..
ما عدا انه لم يكن باب الحمام ذاك الذي دخل منه .
أخرست المفاجأة روني , ولكن ذهنها ما لبث ان اخذ يحدثها دون اكتراث .. حسنا , لقد كان في الخارج .. وماذا في ذلك ؟ وبصرخة سرور , اندفعت لترحب به .
" صباح الخير .. يا جيرالد .. "
كان ثمة شيء غير عادي , تجعد بذلته , قميصه غير المقفل بشكل كامل كما انه دون ربطة عنق , كان جيرالد يبدو منهكا , متعبا وقد عاد وجهه إلي التهجم .
" مرحبا " ولم يكد يلقي نظرة عليها وكان يدرك ما في تصرفه هذا من قسوة , ولكنه لم يجد طريقة أخري يبعدها بها عنه وهو يتجه إلى الحمام مباشرة وهو يقول : " لماذا لا تطلبين لنا بعض القهوة ريثما استحم بسرعة , انني اريك الخروج من هنا في أسرع وقت ممكن "
" ولكن " كان تسليم الغرفة عند الظهر , وكانت ترجو أن ..
" ان علي أن أذهب للعمل "
" العمل ؟ " لم يكن على جيرالد أن يعود إلى عمله في البناء إلى حين إشعار أخر , فقد كان العمال يقومون بإضراب ..وكانت خطته ان يستفيد من هذه الفرصة ويقدم طلبا إلى بعض الشركات الهندسية في المدنية .
" ولكن اليوم هو الأحد و .."
فتمتم يقول : " نعم , حسنا , مازال هناك بعض العمل على ان انجزه فى مخزن العتق "
وغابت بقية كلماته وهو يغلق باب الحمام بنفس العنف والحسم الذي اغلقه به الليلة الماضية , وكما فعلت روني حينذاك وقفت الآن تحدق في بياض الباب الجاف والرعب يزحف في كيانها .
لقد حدث أمر سيء , مرة أخرى , فهو يطردها من حياته .. مرة أخري , ومرة أخرى أخذت تفكر في ما ينقصها .
جمدت مكانها لحظة ما لبثت بعدها أن اخذت تفكر .. كلا , تبا لذلك .. ليس هذه المرة ! ثم دخلت إلى الحمام في أثره .
التفت جيرالد وقد أدهشه أن يسمع الباب خلفه يفتح وروني تدخل قائلة بصوت رنان وقد توهجت عيناها : " والآن .. ما الذي يحدث ؟ "
استمر جيرالد في خلع جوربيه , مبقيا ملامحه جامدة دون أن يبدو عليه اي تاثير عدا عن رفعه حاجبه بخفة , محافظا على هدوء ظاهري زائف .
تقدمت روني شاحبة الوجه , وأمسكت بكتفه , ما جعله يفقد توازنه , ثم أرغمته على إنزال قدمه , وهي تقول بانفعال : " أريد جوابا , إذا لم يكن لديك مانع "
حدثته نفسه أن يمثل دور الغبي , فاجاب : " جوابا لأي شيء ؟ "
أخذت تتأمله مليا , لقد أمضيا معا ليلة رائعة , ولكنه الآن ينظر إليها وكأنه ينظر إلى شخص غريب , إنطفا غضبها بنفس السرعة التي اشتعل بها , وفكرت باكتئاب في أن تصرفه هذا ليس إعادة لتصرفه ذاك الليلة الماضية , إنه الآن اكثر جدا وتصميما وحسما , عصر الحزن قلبها , ولكن رغم انها كانت متلهفة إلى أن تطلب منه أن يمنحها وقتا وفرصة , إلا أنها لم تخرج عن أن همست له بألم : " لماذا ؟ "
كان جيرالد , وهو يقف متجلدا أمامها , ينزف دما في داخله . هو أيضا , فقد كان منظر روني مرتبكة متألمة , يمزق مشاعره , ولكن كل ما كان بإمكانه ان يفعل , أو بالاحرى ما عليه أن يفعل , هو أن يلتزم موقفه هذا , محتفظا بالدرع الواقي له والذي كان صمم عليه خلال طوافه الطويل أثناء الليل , فإذا تركها تمزق هذا الدرع مرة أخري , فهو لن يستطيع أن يعيده بعد ذلك أبدا , وهذا ما سيكون مخاطرة كبري .
قال بهدوء : " اسمعي , يا روني , إنني أعرف انك لا تفهمين سبب تصرفي هذا , حتي انني أنا نفسي لا أفهمه , وآسف إذ اتصرف هنا بهذا الشكل , ولكن الحقيقة هي أنني حاولت ولكنني لا استطيع أن اقوم بمشهد المودة والإلفة "
وإذ لم يستطع احتمال تأملها الكئيب به , أدار ظهره إلى الألم الذي كان يتدفق من عينيها ثم فتح صنابير المياه لتتدفق هذه بكل قوتها .
ثم قال يتحدث خلال خرير المياه : " ان ما لدينا هنا هو زواج قائم على مجرد الاقتناع وهو سينتهي حالما يصبح ذلك ممكنا من الناحية الإنسانية , وقد قررت أن من الأفضل لجميع الأطراف المعنية إذا نحن أبقينا زواجنا بشكل صوري أثناء ذلك "
" فهمت "
كان ما دمر كيانه هي الكرامة الهادئة التي تجلت في جوابها هذا , فتهاوت كتفاه وسقط رأسه على صدره وهو يطلق شتيئمة بذيئة : " تبا لكل ذلك , يا روني .. من تراني اخدع ؟ حقيقة الأمر هي .. " والتفت ينظر إلى وجهها وهو يقول : " اننى وقعت في غرامك وهذا ما جعل الرعب يتملكني حتى الموت " ولكن روني لم تكن في الحمام وهو يقول ذلك .

***********************

كان اكثر ما جعل روني تمتنع عن سماع أي شيء قد يقوله جيرالد حينذاك , هو السباب البذيء الذي انطلق من بين شفتيه .
لقد وصلتها رسالة عالية واضحة .. فبالرغم من التقدم الذي أحرزاه في مجال التقارب , أو ربما بسببه , إعتبر جيرالد مارسدن الليلة الماضية غلطة وخروجا على الطريق الصواب .
كانت أحرى بهذا ان يحطم روني لولا انها استشفت رسالة أخري .. ذلك أنه رغم كلمات جيرالد الهادئة , وتصرفاته الغريبة , فإعلانه لها ذاك قد سبب لها الألم .. ومعرفتها بذلك قد خفف كثيرا من الألم الذي شعرت هي به , وأحيا في نفسها الأمل في أنه ربما مع الوقت , والمحبة والصبر ..
آه , تبا لذلك ..تنهدت روني وهي تجمع حاجياتها لكي تدخل الحمام في اللحظة التي يخرج فيها جيرالد منه . ربما كانت تخدع نفسها , ولكنها ليست بالتي تتهرب , كما انها واثقة من اسنجامهما معا الليلة الماضية , ومع ذلك فهي تكذب إذا قالت انها لم تكن تشعر بالتعاسة .
خرج جيرالد من الحمام وقد التف مرة أخري بالمنشفة , فمرت روني بجانبه نحو الحمام دون ان تنطق بكلمة وقد توترت شفتاها وقطبت حاجبيها , بينما ارتدى جيرالد ملابسه والتي كانت عبارة عن بنطلون جينز وقميص رياضي وهو يفكر في ان من حسن الحظ أن روني لم تكن بجانبه في الحمام فتسمع الكلمات الحمقاء التي كان قد ابتدأ بالإعتراف بها . كمن يحضر حبل ليشنقوه به .
كان ثمة شيء واحد مؤكد , وهو أن يضع حلا لهذه الأمور , ويخرج من ورطة زواجه هذه وذلك النزل , لأن من غير الممكن ان يبقى بجانب روني دون أن تفضحه عواطفه نحوها , وهذا لن ينتهي إلى خير , وهكذا أول ما ينبغي عليه عمله في الأسبوع القادم , هو أن ينهي كل شيء .

*****************************

في التاكسي الذي كان متجها بهما إلى البيت , إتفق جيرالد وروني علي أن يبدوا أمام العمة لويزا بمظهر حسن وكذلك أمام بيتر والنزلاء , مظهر المودة والتهذيب فقط وهو ما يتوقعون أن يعامل به المتزوجون بعضهم البعض , وقد تكون الليالي أكثر مشقة , إذ انهما ينامان في غرفة واحدة ولكن السرير , من الاتساع بحيث يستطيع اثنان أن يناما فيه .
حول كل منهما نظراته إلى مكان آخر , ثم تجاوزا هذه النقطة بسرعة .
ما أن وقفت سيارة الأجرة امام الباب , حتى كان بيتر ينطلق خارجا من الباب ليلقي بنفسه بين ذراعي روني وهو يهتف فرحا : " ها انتما عدتما " واحتضنته بشدة وهي تغالب دموعها حاملة نفسها على الابتسام .
" مرحبا , يا حبيبي " وتراجعت قليلا إلى الخلف تحدق في وجهه المرقط بالنمش .
" هل كنت تعتني بكل شيء في غيابنا ؟ "
" نعم , وقد حممني ليو وقرأت لي السيدة هنكز قصة قبل النوم وكذلك العمة لويزا , كما انني صنعت كعكا و .. "
وبينما كان بيتر يثرثر , اتجهت عينا روني إلى العمة لويزا التي كانت تسير نحوهم بهدوء , وهي تنشف يديها بالمنشفة وهي تبتسم وذلك قبل ان تحتضن جيرالد مرحبة .
هذا بينما كانت روني تظر بعطف مزيج بالمرارة إلى هذين الشخصين اللذين تحبهما اكثر من أي شيء آخر في العالم , وهي تفكر في ان عمتها لو كانت تعلم بما انتهي اليه الأمر بينهما لضربته على رأسه بدلا من احتضانه بهذا الشكل الحميم .
" .. ولكنني مسرور بعودتكما على كل حال " كان بيتر ينهي حديثه بهذه الكلمات , بينما كانت روني تطبع قبلة حارة على خده قبل ان تتركه من بين ذراعيها وهي تعود بأفكارها إلي .. اثنين من هؤلاء الثلاثة الذين تحبهم أكثر من أي شيء آخر في العالم .
وأخذت تدعو بحرارة , ألا يعثروا على الجدة كمب .

***************************

لكن دعاءها لم يتحقق .
وأخذت روني تحدق , بعينين مغروقتين بالدموع , إلى الشارع وهي تجلس في الأرجوحة على الشرفة الأمامية والتي كانت تهتز برفق , وكان لهذه الحركة أن تخفف عنها , ولكن هذا لم يحدث , فقد كانت من التوتر بحيث كانت مستعدة لانتهار أي شخص يجرؤ على انتهاك عزلتها هذه .
ففي منزل مليء بالناس , كان من الصعب عليها أن تجد مكانا تخلو فيه إلى أحزانها , ولكن هذه الليلة لاحظت روني ان كلا من النزلاء قد خلا بنفسه في مكان ما , واكن السبب انه أثناء العشاء , هذه الليلة , كان جيرالد قال : " هل يمكنكم ان تصدقوا . في مقابلتي الثانية فقط في شركة ميراشكي للهندسة والتصميم طلبوا مني الالتحاق بهم بصفة مصمم "
فهتفت العجوزان بصوت واحد : " أحقأ ؟ " كما قال ليو القاضي : " إنك محظوظ ونحن نصدق ذلك طبعا "
لم تحاول روني أن تخفي زهوها بجيرالد , ولا الحب المتدفق الذي شعرت به نحوه , وذلك بابتسامتها المشرقة , ولأول مرة منذ عرسهما منذ عشرة أيام , قابلت نظرات جيرالد بصراحة وهي تقول له بهدوء : " هذا اجمل خبر سمعته تقريبا "
اما أجمل خبر على الاطلاق , فهو إذا قال لها جيرالد كم يحبها .
ولكنها كانت قررت أن لاتدع مثل هذه التأملات تفسد عليها جمال هذه اللحظة . واشتبكت نظراتها بنظراته وهي تقول بابتسامة سعيدة : " تهانئي , يا جيرالد " ولكنه بدلا من أن يبادلها الابتسام , مظهرا لها وللأخرين سعادته , غامت عيناه وتهجمت ملامحه .
سألته وقد حيرها تصرفه هذا : " ألست سعيدا ؟ "
فكان أن أومأ قائلا : " نعم , ولكن لدي خبر آخر "
" آه " وشعرت روني بقلبها ينقبض , فسألته : " وما هو ؟ "
" ان جدة الصبي تعيش في عربة قطار مهجورة في بلدة بارستو في كاليفورنيا "
انفجر هذا الخبر بين تلك المجموعة السعيدة وكأنه قنبلة ذرية , جاعلا كل منهم ينظر بذهول إلى جيرالد بما تبع ذلك من صمت رهيب .
كل شخص ماعدا روني , فقد كان بيتر أول ما فكرت فيه , نظرت إليه برعب وهي تتساءل عن ردة فعله لهذا الخبر , وقد تملكها القلق عليه .
ولكن ما كان لها ان تقلق , لقد كان اهتمام الصبي منصبا على صحن الحلوي الثاني الذي تنازل القاضي له عنه قائلا , ولم يكن صادقا في ذلك , بأنه من البدانة بحيث لا يستطيع تناوله , ولهذا لم يكن منتبها إلى الحديث الدائر حوله .
حينذاك سألت روني جيرالد : " ما الذي تنوي القيام به ؟ "
وكانت الدهشة قد تملكتها لاستطاعتها الكلام رغم الغصة التي شعرت بها .. " هل .. ستعيده ؟ "
لم يجب على الفور , وساد الصمت جو الغرفة كان هو اثناءه يتفحص وجه بيتر وقد اظلم وجهه , فرفع الصبي وجهه وقد تلطخ ما حول فمه بالحلوي , وهو يضحك لجيرالد الذي حول نظراته عنه سرعة وأخذ يحدق في صحنه .
وأخيرا قال مخاطبا الجميع دون أن يخص الكلام احدا منهم , وكانوا جميعا في الأيام العشرة الأخيرة , يراقبون بصمت العلاقة المتوترة بينه وبين روني , ولكنهم كانوا اكثر لباقة من أن يتحدثوا بما يظنونه عن الوضع , والآن أيضا لم ينطق احد منهم بكلمة , ولكن جيرالد بشكل ما , وجد هذا منهم أصعب احتمالا بالنسبة إليه , مما لو هاجوا وماجوا احتجاجا , قال : " انكم جميعا تعلمون جيدا ماذا كان الاتفاق , ولم يتغير شيء " وكان يقول هذا وقد تهجم وجهه .
لم يتغير شيء ..
وها هي ذي الآن تجلس وحدها في الشرفة نصف المعتمة , شاعرة بضحكة مرة على وشك الانطلاق من حلقها , فترفع يدها إلى فمها تمنعها , لقد بقيت عشرة أيام وهي ترجو التغيير , كل يوم وكل ليلة ,كانت تستلقى بجانبه على السرير وهي تحس بمشاعرها تزداد ابتعادا عنه عما كانت عليه في بداية تعارفهما .
كانت ترجو أنها مع الوقت سيعود جيرالد إلى الثقة بها مرة أخري , وقد ينمو الحب , في قلبه , لها إنما الآن ..
تبا لكل هذا فقد تغير كل شيء مرة أخرى ولكن ليس للأفضل .
اين هو ذلك الرجل ؟ وقفزت من الأرجوحة ثم دخلت إلى المنزل . لم يكن جيرالد في أي من الغرف التي دخلتها , ولكنها كانت على صواب , فقد انعزلت العمة لويزا والسيدة هنكز فى زوايتهما المفضلة في البيت وهما تتأملان وتتفجعان على فراق بيتر .
عثرت روني علي جيرالد في غرفة عمل جورج زوج عمتها خلف البيت , وكان يضع اللمسات الأخيرة على العربة التي صنعها مع بيتر من صندوق الصابون , وذلك منذ عدة أسابيع .
سألته روني بصوت جارح كالزجاج : " لم يعد ثمة فائدة من انهاء هذه العربة , أليس كذلك ؟ "
لم يرفع جيرالد بصره عن العمل الذي بين يديه وهو يقول : " بإمكانه ان ياخذها إلى بيته معه "
" بيته ؟ " وتنفست بعمق " جيرالد , ان بيت بيتر هنا .. هنا معنا "
عند ذلك واجهها بملامح جامدة وهو يقول : " كان الاتفاق بيننا أن يكون هنا بيته إلى ان نعثر على جدته , يا روني "
فأثارها عناده الهاديء : " تبا لذلك , فنحن نتكلم عن صبي إنسان وليس مادة جامدة تجري اتفاقية بشانها , ان الصبي يحبنا يا جيرالد , وهو سعيد هنا "
" وقبل ذلك كان يحب جدته وسعيدا معها , انه ليس ابني , يا روني "
ليس ابنك ؟ "
" انك تعلمين جيدا انه ليس كذلك "
" كلا , هو ليس ابنك لحما ودما "
تقدمت نحو الصندوق العربة تمر بإصبعها عليه وهي تتابع قائلة : " ولكنه ابنك من كل النواحي الانسانية والعاطفية "
فانفجر يقول وهو يضرب الجدار بقبضته : " اللعنة , لا تقولي لي هذا "
تخلل شعره بيده وقد تقلص وجهه ألما ويأسا وهو يحدق إلي روني بعنف : اتظنينيه امرا سهلا بالنسبة إلي "
فصرخت فيه : " ولماذا تفعله إذن ؟ جيرالد .. أرجوك .. "
" لأن على أن افعل هذا .. اللعنة , انني مرغم على ذلك "
قبض على ذراعها وهزها بعنف : " إما هو , وإما أنا , ألا تفهمين ؟ إذا أنا لم أعده إلي جدته , إذا ابقيته هنا , فسأجد نفسي , مرة أخري , في وضع ليس من صنعي , لقد أمضيت حياتي ألعوبة في يد الآخرين , وهذا يكفيني "
ترك ذراعها بخشونة وهو يشيح عنها بوجهه . " بعد أن خرجت من السجن , كنت أريد أن أمضي حياتي حر التصرف بنفسى لا حكم لأحد علي , والآن انظري كيف أصبحت .."
انخفض صوته ونضح بالسخرية وهو يتابع قائلا : " ملتصقا بصبي ليس من لحمي ودمي وزوجة لم اكن أريدها قط "
لم تسمع روني أي شيء أخر إذ اندفعت هاربة من الغرفة وكأنما يلحق بها اللصوص .



* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-03-09, 10:06 AM   #26

baskota

? العضوٌ??? » 7914
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 7
?  نُقآطِيْ » baskota is on a distinguished road
افتراضي

شكرا على القصه وبانتظار الباقى

baskota غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-03-09, 05:03 AM   #27

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
Elk


الفصل الحادي عشر


سريران ومنضدة وكرسيان وضعت جميعا على سجادة رثة كانت ذات يوم حمراء اللون . يظلل المصباح غطاء لم يعد يحجب الضوء , كانت هذه هي الغرفة رقم 313 من نزل شيدي غروف في بقعة لا اسم لها على الخريطة , وتقع بعد الطريق الرئيسي رقم 99 مباشرة في وسط كاليفورنيا . نظر جيرالد في أنحاء الغرفة قبل أن يعود إلى السيارة ليحضر بيتر .
في رغبته لكسب الوقت , وعدم تبذير نقوده بالبقاء في هذا النزل أكثر من ليلة واحدة وفي رغبته إنهاء هذه المهمة الكريهة في أسرع وقت ممكن , أمضي جيرالد ثماني عشرة ساعة في الطريق . كان يقود سيارة شيفروليه عتيقة كان اشتراها بسبعمئاية دولار منذ أيام قليلة فقط . وحتي الآن يبدو أن الحق مع البائع حين قال إن السيارة صالحة رقم سوء مظهرها .
وقف جيرالد أمام هذا النزل وهو يحدق إلي بيتر الذى كان استسلم إلى النوم بعد عشاء سريع تناولاه منذ مئتي ميل تقريبا ثم تهالك أمام عجلة القيادة لحظة وهو يتنفس بضعف .
ولم تكن الأيام التي أوصلته إلى الوضع هذا , أفضل منها . فقد كانت تعاسة روني الصامتة وعتابها القاسي , حزن العمة لويزا وباقي النزلاء الذين كانت محاولاتهم التي تدعو إلى الرثاء في الظهور بمظهر التفاؤل والبشاشة غير المتحيزة كانت محاولاتهم تلك أكثر مما يستطيع تحمله وكذلك بيتر .
كان ارتباك الصبي المؤلم قد تمرد على محاولات جيرالد وروني معا في محاولاتهما أن يشرحا له الأمر . ذلك أن روني , والحق يقال , لم تدع آلامها وشعورها بالمرارة نحو جيرالد يثبطان همتها في محاولتها جعل بيتر يفهم ما لم تكن هي نفسها تفهمه .. وهو أن عودته إلى جدته هو أفضل ما يمكن أن يفعله جيرالد لأجله .
لكن بيتر لم يفهم , وما زال لا يفهم أكثر من أن بابا الذي كان أحبه لم يعد يريده , وإنه بيتر , لم يعد مسموحا له أن يبقى مع حبيبته روني وأولئك الناس المسنين الذين أصبحوا أسرته .كان مليئا بالبهجة والزهو ان أصبح لديه أخيرا غرفة خاصة به في مخزن الأشياء القديمة . وكذلك أم وأب كغيره من الاولاد مع مجموعة كبيرة من الاجداد أيضا .
كانت مراقبته للصبي وهو يفقد تألقه وصحته التي اكتسبها في الأشهر الأخيرة ليعود إلى ما كان عليه من شحوب وكآبة تجعله يشعر وكأنه اقترف جريمة وفوق هذا كله كان هدوء وبرودة روني نحوه , إلى مظاهر الآخرين الحزينة كل ذلك كان فوق احتماله .
ومع ذلك كان عليه أن يحتمل وقد فعل , وأى خيار كان لديه غير ذلك ؟ فإذا كان يريد أن يكون حرا في ذهابه إلى أي مكان لا تعيق مسؤولية نحو الآخرين وهو نوع الحياة الذي كان صمم عليه أثناء سنوات السجن إذا كان يريد هذا النوع من الحياة , فلن يتمكن من حمل مسؤولية زوجة وطفل .
لو أنه كان أقدم على هذا بإرادته الحرة لاختلف الأمر ولكان الذنب ذنبه لو أنه كان أخطأ مع روني فاضطر إلى الزواج منها ...
ولكن الامور لم تكن بهذا الشكل هنا . فهو ليس والد الطفل هذا . والسبب الوحيد الذي جعله يتزوج روني هو مارسي كمب والتي كانت من السذاجة بحيث ظنت أي أب لابنها خيرا من العدم .
حسنا , لقد كانت مارسي مخطئة عندما اختصته بهذا الشرف . وهو لم يوافق على ذلك .. ولن يمكنه احتماله .
بدا لجيرالد أن النساء على الأغلب هن اللاتي كن يقررن شؤون حياته . فقد جاء الآن دوره لكي يتسلم زمام حياته ولن يسمح لأحد , لا النزلاء ولا بيتر حتى لا روني , بأن يمنعه من ذلك , ومن العيش كما يريد .
حمل جيرالد بيتر من السيارة إلى الغرفة فأرقده في السرير وغطاه جيدا , ثم رقد هو في السرير كالأموات وقد أرهقه إجهاد نفسه , جثمانيا , بسبب قيادته السيارة ساعات طويلة , وشعوريا لهذا التصرف القاسي الذي ألزم نفسه به .

****************************

استيقظ وكأن ذلك كان بعد دقائق فقط ليري أشعة الشمس تغمر الغرفة وبيتر يجلس متربعا على السرير المجاور , وهو ينظر إليه بعينيه البنيتي اللون , باكتئاب .
جاهد جيرالد ليجلس وسأله وهو يمر بيده على لحيته النابتة : " ما بك ؟ كم الساعة الآن ؟ "
وألقى نظرة على ساعته .. إنها الثامنة والدقيقة السابعة .. فأسرع بالنزول من السرير وهو يشتم نفسه لتأخره في النوم مفكرا في أنه إذا كان الحال بهذا الشكل فسيضطر إلي البقاء مع الصبي هذه الليلة في السيارة .
وهكذا حمل بنطلونه ودخل إلى الحمام .
" بابا ؟ .."
توقف وهو يسمع نداء بيتر المتردد والذي أخذ يجول في كيانه بمرارة حلوة , ثم التفت ببطء : " ماذا ؟ "
وإذ رأى وجه بيتر المنكسر , أخذ يشتم بصمت . لم يكن يريد أن يبدو بهذه الفظاظة ولكن كانت تخنقه غصة كما كان قلبه يقطر ألما دون أن يستطيع التوقف عن احتقار نفسه لم يهم بعمله بهذا الصبي التعس المتحير والذي لا يطلب منه سوى القليل .. ولكنه كثير بالنسبة لما يمكنه هو إعطاؤه .
وبجهد , لطف جيرالد من صوته : " ما هذا يا بني ؟ إننا في عجلة من أمرنا "
أمكنه أن يري أن الصبي كان يتكلف من الجهد ليتكلم , قدر ما كلفه هو نفسه الكلام . فقد خفض رأسه مترددا , وأخيرا قال بصوت تخنقه الدموع : " لماذا لم تعد تحبني يا بابا ؟ "
لو كانت أصابت جيرالد رصاصة في القلب لكانت أخف وقعا من سؤال بيتر البسيط هذا .
أي جواب يمكنه أن يقدمه لهذا السؤال ؟ ما الذي بإمكانه أن يخبر الصبي وكيف يفسر له الأمور ؟ إنه لا يستطيع , ولكن عليه أن يحاول .
وسرعان ما انحني جيرالد أمام الصبي الصغير ورفع الذقن المرتجفة بإصبعه وأخذ يتفرس في العينين الكئيبتين وهو يقول برفق : "الأمر ليس بهذا الشكل , يا بيتر . فهو لا يتعلق بحبي لك أو عدمه "
" قالت لي جدتي إنك بابا "
تبا لتلك المرأة .. تبا لمارسي .
" وكذلك الأمر لايتعلق بهذه المسألة , يا بني " بني .. وشعر جيرالد بشيء ينقبض في داخله . ما أسهل النطق بهذه الكلمة . وما أحسن استعمال هذه الصفة في الحديث مع بيتر . وكم تزداد سهولتها وهو يفكر وكأن هذا الصبي من لحمه ودمه .
وأن يفكر في روني , وليس في مارسي , أما للصبي .
ولكن هذا كان جنونا منه . فهو ليس والد هذا الصبي .. كما أن روني ليست أمه طبعا .
وأخيرا رفع بيتر بصره إليه : " ولماذا على إذن أن أعود إلى جدتي , يا بابا ؟ " وأخرست لهجة الاتهام في هذا السؤال جيرالد .
أخذ يحدق في عيني الصبي بقنوط وعجز . ما الذي يمكنه قوله ؟ كيف يمكنه أن يوضح للصبي أن هذا ليس أمرا هو المعني به ؟ وهنا توقف عن التفكير .. ما هذا ؟ كيف لا يكون صبي معنيا بهذا الأمر بينما هو يهجره إذ يعيده إلي الشخص الذي لم يعد مرتبطا به , ثم يدعو ذلك أمرا لا يعني الطفل شخصيا ؟
ما الذى كنت تعاني منه إذن طوال هذه السنوات , يا جيرالد ؟ تذكر أن أمك عندما هجرتك لم تكن تعنيك بذلك شخصيا , هي أيضا . ومع ذلك بقيت طوال حياتك تحتقرها لهذا العمل ...
أخذ يحدق في بيتر وهو يسمع ذلك الصوت الداخلى , ما جعل صدره يضيق حتى صعب عليه التنفس . تذكر مشاعره وهو طفل وهم ينقلونه من مكان إلى آخر ومن بيت إلى بيت ولأسباب كان أصغر أو أكثر جهلا من أن يفهمها .. أماكن كانوا دوما يجدون ثمة ما ينقصها .
تماما كما تصور جيرالد أن ثمة ما ينقصه .
تبا لذلك .. لا أريد التفكير بهذا الشكل . تفجرت هذه الكلمات بكل العذاب والقنوط الذي يتملكه , معبرا بعنف عن معارضته للقوى خارج نفسه . تلك القوى التي بدت , مرة أخرى , تفوز بالسيطرة عليه .
كلا , فهو لن يسمح به . ليس هذه المرة .
وقال بصوت أجش وهو يضم الولد الخائف إلي صدره : " استمع إلى الآن . ليس الامر هو إنني لا اريدك . فأنا .. أنا أحبك , أحبك حقا . وأنا أريد .. أريد لك الأفضل , صدقني "
أخذ يمر بيده على الشعر الأشقر , وطبع قبلة على قمته ثم قال : " إنني ساعطي جدتك بعض المال , وسأرسل إليها المزيد كل شهر وبهذا يمكنها أن تشتري لك كل ما تحتاج إليه "
أثناء احتضانه للصبي شارحا ملاطفا , كان جزء منه يبكي , بينما جزء آخر يتساءل هازئا عمن تراه يحاول إقناعه هنا , الصبي أم نفسه ؟
ولكن جيرالد أخذ يخمد في نفسه كل شعور ومضي يحاول تقديم كل مبرر ومنطق لما يقوم به .
وبعد أقل من ساعة , كان هو وبيتر في طريقهما مرة أخرى قاصدين بارستو .
" مضى وقت طويل لم نتحدث فيه بهذا الشكل , يا حبيبتي " قالت العمة لويزا ذلك وهي تتأمل ابنة أخيها باكتئاب وذلك في جلستهما المعتادة على السرير : " كانت آخر مرة قبل أن تتزوجي " وسكتت وعندما تابعت روني صمتها شاردة الذهن , أضافت تقول : " كنت أراك تزدادين حزنا منذ رحل جيرالد وبيتر ,انك تفتقدينهما أليس كذلك ؟ "
توتر فم روني وانحدرت زاويتا فهمها وهي تقول بصوت تخنقه الدموع : " إننى أفتقده , أفتقد بيتر فقط "
لم تجبها عملتها على هذا , وقالت : " لقد اتصل جيرالد مرتين هذا النهار "
" أعلم ذلك , فقد أخبرني ليو "
" لماذا رفضت التحدث إليه ؟ "
" ليس لدي ما أقوله "
" يبدو أن جيرالد يظن أن هناك موضوعا يريد إخبارك عنه "
فقالت ثائرة تقاطع عمتها وهي تنظر إليها بعينين ملتهبتين : " جيرالد , جيرالد .. هذا كل ما أسمعه منكم . إنه الوحيد الذي يهمكم أمره "
" هذا غير صحيح "
" بل هو صحيح . ليس منكم من اهتم مثقال ذرة بأنه حطم قلبي عندما أخذ مني "
تهدج صوتها ولم تستطع الاستمرار . فعضت شفتها وهي تغطي عينيها وتشهق قائلة : " تبا لذلك " واخذت تنظر إلى السقف تغالب دموعها : " لم أبكي لهذا الامر بعد الآن .لن .. "
فسألتها لويزا متظاهرة بالقسوة : " ولماذا لا ؟ ما دام يبدو أن ليس ليدك ما تفعلينه سوى هذا , هذه الأيام "
وبدا عليها الرضا عندما تشابكت نظراتها مع نظرات روني المتحدية , وأضافت تقول : " إننى لم أر في حياتي حالة إشفاق على النفس مثل حالتك هذه "
نزلت رونى عن السرير وهى تقول وقد توترت ملامحها " حسنا .... ارى اننى لن اجد اى عطف هنا "
وسارت نحو الباب
" رونى " وجعلت لهجة لويزا رونى تقف ويدها على مقبض الباب بينما تابعت العمة تقول " قال جيرالد انه سيكون هنا غذا الظهر ...."
فقالت رونى دون ان تلتفت " شكرا لهذا الانذار وحتما ساكون فى الخارج حينذاك "
" قال ان لديه مفاجأة لك "
" حسنا وان لدى مفاجأة له كذلك وهى اوراق الطلاق "
وعندما لم تقل لويزا شيئا التفتت رونى من فوق كتفها " هذا ما جئت بشانه هذه الليلة لاخبرك عنه يا عمتى لقد ذهبت هذا الصباح لمقابلة المحامى قال انه لا يظن ان اجراءات الطلاق القانونية ستستغرق وقتا لان ليس ثمة املاك مشتركة بيننا كما اننا نحن الاثنين راغبان فى ذلك ..."
" وما الذى جعلك تظنين ان جيرالد راغب فى الطلاق يا رونى "
فحملقت رونى فيها " كيف تلقين على هذا السؤال بينما تعرفين جيدا ما يجرى بيننا منذ حفلة الزفاف ؟"
قالت العمة وهى تعبس فى وجه ابنة اخيها " نعم يمكننى ان القى هذا السؤال "
سكتت وبدت الحدة فى نظراتها " يبدو لى انه مهما كان السبب فى سوء العلاقات بينكما فقد فكر جيرالد طويلا فى المدة الاخيرة ما جعله يقرر شيئا يريد ان يخبرك به واظن عليك ان تبقى هنا وتستمعى اليه اليس كذلك ؟"
واذ اقنعها منطق عمتها بالرغم منها اخذ قلبها يخفق وهى تسالها لاهثة " هل ... هل قال لك شيئا ...؟"
فرقت اسارير العمة الحازمة " قال فقط ان عليك ان لا تتصرفى بشئ قبل ان يجد فرصة يتحدث فيها اليك "
" متى ؟"
لم تكد هذه الكلمة تخرج من بين شفتيها اى لعبة يقوم بها جيرالد ؟ اخذت تتساءل عن هذا وهى تعود متمهله الى سرير عمتها ثم تجلس على حافة الفراش
كذلك تتساءل عن السبب فى ان غضبها من غدره لم يعد غضبا حقيقيا وانما مجرد استثارة وكذلك رجاء ؟
" متى قال ذلك يا عمتى ؟"
" اليوم فى الهاتف "
" و .... وبيتر ؟ ما الذى قاله عن بيتر يا عمتى ؟"
وازاء الالم فى صوت رونى والامل المرتجف اغرورقت عين العمة بالدموع فاطلقت زفرة " لا شئ يا عزيزتى اننى اسفة ولكنه لم يذكر بيتر على الاطلاق "

**********************************

لم يستطع تقرير المخبر الخاص أن يصف عربة القطار المحطمة .. الصدئة القذرة التي أرشدهما إليها السكان الذين يعيشون بنفس الحالة , والكائنة في نهاية طريق يصعد عدة أميال .
عجبا .. هل في هذا المكان القذر أمضي بيتر معظم حياته ؟ وهل منه جاءت مارسي كمب هي أيضا ؟
تمهل جيرالد في إطفاء المحرك وقد صدمه ما رأى من قذارة وبؤس . العربة المتداعية مائلة إلى جانب , والنوافذ تغطيها خرق بالية جعلته يرى المبنى المهجور الذي كان يسكنه قبل سجنه وكأنه قصر .
حتى بيتر نفسه كان ينظر إلى ذلك خائفا متسع العينين .
قابل جيرالد نظراته الكئيبة بنظرات جامدة , وسأله : " هل تعرف هذا المكان .. يا بيتر ؟ "
فأومأ بيتر برأسه وهو يعض شفته : " هل هنا تعيش جدتك ؟ "
" نعم " خرج هذا الإثبات بصعوبة من فم بيتر وشفته السفلي ترتجف .
أغمض جيرالد عينيه إزاء التعاسة التي بدت علي بيتر . لقد عاد إلى ذاكرته الآن كل شيء . مبلغ ما كان عليه بيتر من هزال عندما جاء إليهم لأول مرة ومبلغ رثاثة ثيابه , وقذارتها , وقذارة الصبي أيضا ومع ذلك فقد كان يتحدث عن جدته بمحبة ..
كانا ما يزالان جالسين فى السيارة وقد تجمد بيتر من التوجس والحيرة . وكذلك جيرالد من عذاب التردد وتمرد مشاعره عندما انفتح باب العربة محدثا صريرا . ووقف رجل كبير السن , قذر الهيئة وغير حليق الذقن وقف في المدخل يحدق في ضوء النهار الساطع شبه مغمض العينين .
ثم قال يخاطبهما بخشونة وهو يتمسك بجانبي فتحة العربة ليحفظ توازنه : " ماذا تريدان ؟ "
فقال بيتر وقد شحب وجهه : " هذا جون إنه جون . العجوز يا بابا , وهو قذر "
وصاح به العجوز غاضبا : " إنزل من السيارة وتعال إلى هنا .. تعال "
كان في هذا , القرار الحاسم بالنسبة إلى جيرالد . كان واضحا أنه , سواء كانت جدة بيتر ما تزال موجودة أم لا , ليس ثمة سبيل إلى أن يترك بيتر في بيئة كهذه . وبوجه متهجم , شرع في إدارة محرك السيارة .
ولكن فى نفس الوقت , وإذا بكلب صغير يندفع نحوهما من خلف العربة كالسهم وهو ينبح ويتقافز مهتاجا .
" آرف .. " وقبل أن يتمكن جيرالد من التصرف , كان بيتر قد أصبح خارج السيارة وركع على ركبتيه فاتحا ذراعيه . واندفع الكلب بينهما وأخذ يلعق وجهه بلهفة بالغة . أدار بيتر وجها مشرقا بالسرور والبهجة نحو جيرالد الذى كان خرج بدوره من السيارة .
قال بيتر ودموع تنساب على وجنتيه : " هذا كلبي آرف , يا بابا إنه ما زال يتذكرني " وقبل رأس الكلب . " إنه يحبني "
آه يا بيتر .. وكذلك أنا أحبك .
وخنقته غصة اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقف بجانب بيتر .
فقال له بيتر بابتسامة هي من العذوبة بحث كسرت قلب جيرالد : " يمكن ان تربت على رأس آرف , اذا شئت , فقد اخبرته انك رجل طيب "
" شكرا يا ولدي "
نعم , شكرا له لهذه الثقة به ولحبه هذا له الذي كاد هو أن يكون من الغباء بحيث يفرط به .
مد جيرالد يده المرتجفة كصوته وأخذ يربت على رأس الكلب , ثم قال بعد لحظة بهدوء : " انهم سيحبنه هناك فى النزل "
وعندما نظر بيتر إليه محملقا بدهشة , بدت على وجهه ابتسامة واسعة مرتجفة وهو يقول : " آسف أننى لم اعرف إلا الآن اننى احبك اكثر مما تحبك جدتك , في بعض الأحيان حتى الآباء يتصرفون بغباء , هل تسامحني يا ولدي ؟ "
توقف قلبه عن الخفقان واغرورقت عيناه بالدموع عندما كان جواب بيتر لكلماته هذه هو أن أحني رأسه حتى لامس ظهر الكلب ثم أخذ يبكي بمرارة .
حمل جيرالد الصبي والكلب بين ذراعيه وألق وجهه المبلل بالدمع بوجه بيتر وهو يهمس بصوت مبحوح : " أنا احبك , يا بيتر , احبك كثيرا , وأتعهد لك بأن لا أؤذيك أو اتركك بعد الآن "
ولم يمكثا سوى مدة قصيرة خارج بارستو بعد وصول الجدة , ماري كمب , والتي اصبح اسمها الآن ماري ريسون بعد ان تزوجت صديقها العجوز جون , بعد وصولها في سيارة كانت أسوأ مظهرا من سيارة جيرالد , وما لبث زوجها أن خرج ليقف عند باب العربة جامد الوجه .
كان في لهفتها وحنانها نحو بيتر وهي تعانقه ما بعث في نفس جيرالد مشاعر العطف والرقة نحوها , مهما كان الحرمان الذى عاناه بيتر عندما كان في رعايتها , فهي لم تبخل عليه قط بالمحبة والحنان , لقد أبدت الجدة ماري كل ما في وسعها للترحيب بالصبي وقال انها شاكرة لجيرالد إحضاره لها لأخذ الكلب والذى كان زوجها جون يريد أن يتخلص منه منذ مدة طويلة , ولكنها هي كانت تستمهله دوما , راجية أن يأتى هذا اليوم .
بعد ان رفضا دعوتها لهما لتناول الغداء , معهما إذ كان جيرالد واثقا من عدم قدرتها على جعل الوجبة كافية لإشراكه مع بيتر فيها , بعد ذلك دس في يدها كل ما استطاع الإستغناء عنه من نقود كانت معه , وبعد أن وعدها بمداومة الاتصال بها , وعدها هو وبيتر وخرجا .

*******************************

كرر جيرالد محاولاته للاتصال بروني لكي يخبرها بأنه عاد إلى عقله ورأي النور , لقد اكتشف أن بإمكانه أن يحب , انه يحب بيتر , ولكن اكثر من ذلك والأكثر أهمية هو أنه اصبح واثقا مئة بالمئة من أنه يحب روني , فهو يريدها .. يريدها في حياته في بيت يضمهما مع بيتر .
وذلك طالما دام هذا الأمر بينهما .. إنما هذه المرة كان يعني دوام الحياة .. إلى الأبد .
لم تعد كلمة إلى الأبد هذه تبدو بشكل أبواب السجن تنغلق خلفه , بل هي الآن أبواب الامان تنفتح أمامه ليدخل .
ولم تكن روني قد تحدثت إليه بعد تلك المواجهة بينهما في غرفة العمل خلف المنزل , إلا بما هو ضروري , وهذا لا يعني انه كان يلومها , فقد كان أفرغ عليها كل مشاعر القنوط والثورة التي كانت تعتمل في داخله , وما قاله من انه أرغم على الالتصاق بزوجة لا يريدها , كان شيئا لا يغتفر .
ثم ان هذا غير صحيح , حتى لو كان صحيحا يوما ما إلا انه لم يعد كذلك بكل تأكيد , فهو يحبها , حتى إنه كان يعرف هذا في ذلك الحين , ولكنه لم يكن يريد أن يعترف بذلك حتى لنفسه , لقد كان الحب بالنسبة إليه , ولمدة طويلة جدا , مجرد كلمة مؤلفة من حرفين هي مرادفة للآلام التي عاناها في حياته .
وضع معطفه في صندوق السيارة , ثم شد الحزام حول بيتر , وكذلك بالنسبة إلى نفسه , وانطلقا في رحلة العودة إلى البيت , هذا بينما التفكير في روني وحبه لها , ومعرفته بانها لا شك اصبحت تحتقره وتنفر منه , كل هذا كان يسبب له الألم إلى حد كان يشعر معه بالرغبة في البكاء من شدة ما يشعر به من عذاب .
كما كانت رؤيته لنظرات بيتر إليه والتي كانت تشع حبا وثقة .. كانت هذه الرؤية تجرحه فى الصميم وهو يفكر فيما إذا كان حقا يستحق ذلك , واكثر من ذلك انه كان يعلم بانه لا يستحقه .
ما الذى بإمكانه أن يقدم إلى هذا الصبي وتلك المرأة اللذين يحب ؟ أخذ يتساءل عن هذا وقد ملأت الوحشة نفسه فالمستقبل مع مدان سابق قد يثير مخاوفهما من وقت لآخر , مثلا ليس كل شخص في شركة ميراشكي للهندسة والتصميم قد قبل بسهولة قضية ماضيه , حيث انه كان اخبرهم جميعا به , وذلك كيلا يترك شيئا للصدف , فيعلم فجأة من كان يجهل ذلك الماضى وتكون ردة الفعل ليست مما تحمد عقباه , لقد كان هناك بعض الهمس , والنظرات الطويلة , والتجنبات الملحوظة .. ودوما ستكون هناك أمور كهذه أثناء عمله , ولن يكون هو الهدف لها على الدوام , بل أسرته أيضا .
لكنه لم يلبث أن تذكر العنف الذي كانت روني قابلت به ملاحظ البناء الذي سولت له حماقته بأن يذكر ماضي جيرالد , حدث ذلك قبل أسبوع من حفلة زفافهما وقبل بدء الإضراب , إذ جاءت إلى مكان عمله في البناء محضرة له غداءه , ما جعل ملاحظ العمال ذاك يبدي ملاحظة عن عدم العدل في أن يحظى مدان سابق بمثل هذا الطعام الطيب , وما أسبه من الكلمات , كان جيرالد سيترك الأمر يمر دون تعليق . ولكن الأمر لم يكن كذلك مع روني . فقد اندلعت النار من عينيها وغسلت الرجل غسلا بكلمات منتقاة تركته هدفا لسخرية كل شخص آخر بقية ذلك النهار وعندما تذكر احمرار وجه ذلك الرجل وما بدا عليه من الخجل والضيق , أخذ يضحك بهدوء.
لقد كانت روني مقاتلة جيدة , ولو تمكن من جعلها تبقى معه , أن تمنحه فرصة وتحبه .. إذن لضمن السعادة في المستقبل .

***************************

تبا لذلك الكلب . وألقت روني نظرة ضيق نحو حديقة الجيران وهي تدمدم متذمرة من مارغو التي تخرج دوما الكلب إلى الحديقة كلما خرجت من بيتها , تاركة الآخرين يقلقهم نباحه في الوقت الذي ينشدون فيه الهدوء والسكينة .
أخذت روني تحدث عابسة في الأعشاب الضارة بحديقتها وهي تفكر في ما إذا كان توتر اعصابها هو الذي جعلها تسمع نباح الكلب هذا النهار اكثر ازعاجا وارتفاعا .
رأت ان هذا محتمل , فالكلب كان يزن أكثر من خمسين كيلو غراما ويبلغ الثانية عشرة من عمره ما يجعل صوته عميقا منخفضا .
انحنت تقتلع بعض الأعشاب العنيدة فوخزتها شوكة , فتراجعت إلى الخلف وهي تطلق صرخة فزع أقوي مما تستوجبه تلك الوخزة .
تبا لذلك , ما الذي جري لها ؟ دمعت عيناها وهي تضع إصبعها في فمها فتحس بطعم الدم والتراب .
وإذ شعرت بغضب على نفسها وعلى كل ما يحيط بها , غطت وجهها بيديها وهي تتنفس بعمق , وتحدث نفسها بان عليها أن تنهى كل هذا , ولكن النباح كان يقترب , ولا بد أنها تفقد عقلها بينما جيرالد مارسدن لا يستحق كل هذا .
أين هو الآن , على كل حال ؟ إذا كان ما قالته عمتها صحيحا , لكان هنا الآن .
وأين بيتر ؟ هل تركه جيرالد في بارستو ؟ وهل حقا إنها لن تراه أبدا بعد الآن ؟ ولن تضمه إلى صدرها ؟
بيتر .
وهبطت كتفا روني بينما اشتدت خفقات قلبها . لشد ما تفتقد ذلك الصغير . حتى الآن , وهي تجلس وحيدة تعسة في فناء منزلها الخلفي , ظنت أنها تسمع صوته يناديها مرتفعا فوق نباح ذلك الكلب الحاد . لقد فقدت عقلها حقا ..
" روني .. " ولكن بيتر فعلا كان يناديها بصوته الصبياني : " روني , أنا عدت إلى البيت .."
عدت إلى البيت .
هبطت يدا روني وارتفع رأسها بحدة وهى تستدير مندفعة نحو المنزل . كان صوت بيتر حقيقيا . إنه هنا .
" بيتر .. ؟ " صدر هذا الصوت عنها ما بين الضحك والشهيق .
لقد كان هنا حقا , إنه يهبط درجات المنزل الخلفية مترنحا إذ كان يحمل بين ذراعيه كلبا صغيرا كان ينبح متململا سرعان ما ألقاه أرضا عندما رآها واقفة عند حوض الزهور .
" روني " واندفع بيتر مجتازا الفناء ليلقي بنفسه بين ذراعيها المفتوحتين . وسقطت هي أرضا بسبب اصطدام جسمه الصغير النشيط بجسمها , سقطت على العشب وهي تبكي وتضحك في وقت واحد ... ومرت لحظات كانت أثناءها مستلقية مع بيتر على الأرض وما زالا متعانقين وهما يشهقان وقد اختلطت أصواتهما .
حدث كل هذا بسرعة لم تدع روني تشبع شوقها إلى احتضان بيتر , وكان هذا الآن يكافح في سبيل الخلاص من بين ذراعيها وهو يتحدث مئة كلمة في الدقيقة وهو يعرفها بكلبه آرف الذى كان يهز ذيله بعنف . وبعد أن مرت بيدها على رأس المخلوق الحلو ملاطفة , أخذت تمسح بحذر دموعها التي بقيت بسبب مشاعرها المتدفقة , والتي لم تعد تتوقف , لقد عاد بيتر .
وجيرالد ..
" بابا "
تركها على الفور وهو يري ذلك الرجل الطويل القامة العريض الكتفين في كنزته الرياضية وبنطلونه الجينز الأزرق والذي كان يقف على الدرجات الخلفية . نهضت روني ببطء لتقف على قدميها . وشيئا فشيئا رفعت عينيها الدامعتين إلى أن اشتبكتا بعيني جيرالد الزرقاوين . وقفت جامدة تنظر إليه وهو ينحني على بيتر فيتحدث لحظة ثم إذا به يربت على مؤخرة الصبي يدفعه إلى الأمام فيعدو هذا مع الكلب إلى داخل المنزل .
" الكعك المحلي " قال ذلك بصوته الرجالي الخشن والذي كان أحب لمسامع روني من أحلى الأنغام . ثم تقدم نحوها متمهلا , أم لعله كان مترددا ؟ كان التصميم في عينيه اللتين كانتا تتألقان بالمشاعر التي لم تجرؤ روني على تحليلها . هذا بينما كان يتابع قائلا : " والكعك هو أهم رشوة لصبي إذا كانت من صنع البيت ويشترك فيها معه أحب أصدقائه إليه "
وقف جيرالد على بعد قدم منها وهو يضيف قائلا : " هذا ما أخبرتني به مرة هذا المعلمة البالغة الذكاء التي أعرفها "
عاد قلب روني , والذي كان يبدو متوقفا عن الخفقان إلى هذه اللحظة , عاد يخفق من جديد . لقد تذكرت متى قالت ذلك له , كان ذلك اثناء الأوقات التى كانت تعمل فيها على التقريب بين جيرالد وبيتر , وقد أرسلت جيرالد إلى غرفة المخزن في الطابق العلوي حاملا طبق كعك محلي من صنع البيت .
" في ذلك الحين . كنا نحاول أن نجعله يعقد صداقة معك" قالت له ذلك , وعيناها اللتان ما زالتا دامعتين , تتفرسان خلسة وبشوق بالغ في وجه جيرالد فيخفق قلبها وهي تري إمارات الاجهاد تكسو ملامحه . فقالت له : " ما سبب رشوتك له هذه المرة ؟ "
" لكي يدع لي وقتا اعقد فيه صداقة معك " قال لها جيرالد ذلك بصوت ينضح بالمشاعر , وهو يمد يده يمسح بإصبعه دمعة انحدرت على وجنتها : " هذا إذا كنت ما تزالين تريدين ان نكون صديقين "
لقد كان كل ما تتمناه هو أن يكونا صديقين بل أكثر من ذلك . لقد كانت خسارتها له بمثابة الهلاك , وليس لأجل بيتر فقط . وإذا كان يريد أن يمكث هنا الآن ..
ثم قالت وقد انهمرت دموعها من جديد : " نعم , أريد ذلك , طالما دام هذا الأمر بيننا "
فقال وهو يوقف جريان دموعها بإبهامه : " كلا , هذه المرة أريدها إلى الأبد "
إلى الأبد ..
نظرت إليه وأهدابها تضطرب : " وهذا ما أريده "
" لقد كنت أحمق , يا روني "
" كلا " أغمضت عينيها كليا , وأطلقت زفرة مرتجفة . وعندما فتحتهما أجفلت للنظرة التي كان يرمقها بها .
" جيرالد ؟ "
ابتلع ريقه , ولكن عينيه كانتا تحدقان في عينيها دون أن تطرفا . ورغم العذاب الذي كان يطل منهما , كانتا صادقتين وهو يقول بصوت يرتجف بالمشاعر : " أحبك يا روني . احبك "
" أوه , يا جيرالد .. " لفظت اسمه برقة متناهية حملتها كل ما يعمر به قلبها من حب له .
وعلى الدرجات الخلفية , كان بيتر وآرف بين ذراعيه , وخلفه كانت العمة لويزا والسيدة هنكز العجوز تمسحان اعينهما بينما القاضي يتصنع السعال وليو العجوز ينفخ أنفه في منديله .
أخيرا قال القاضي وقد بدا من الزهو والسرور وكأنه هو الذي رتب أمر هذه النهاية وحده قال : " والآن , هل لكما أن تتكرما علينا بنظرة ولو لأجل بيتر ؟ "



* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-03-09, 05:05 AM   #28

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
افتراضي

تمت بحمد الله .

* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-03-09, 08:18 AM   #29

baskota

? العضوٌ??? » 7914
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 7
?  نُقآطِيْ » baskota is on a distinguished road
افتراضي

شكرا على القصه حلوة بجد

baskota غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-03-09, 03:34 PM   #30

sweet_apple

? العضوٌ??? » 71949
?  التسِجيلٌ » Jan 2009
? مشَارَ?اتْي » 285
?  نُقآطِيْ » sweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud ofsweet_apple has much to be proud of
افتراضي

سلمت يداك اختاه

sweet_apple غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.