آخر 10 مشاركات
رحلة امل *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : maroska - )           »          [تحميل] حمقاء ملكت ماكرا للكاتبة/ منال ابراهيم ( جنة الاحلام ) "مصريه "( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الزواج الملكي (109) للكاتبة: فيونا هود_ستيوارت.... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          أجمل الأفلام القصيرة..«خاسب الدبابه يا غبى منك ليه».. (الكاتـب : اسفة - )           »          بحر الأسود (1) .. * متميزة ومكتملة * سلسلة سِباع آل تميم تزأر (الكاتـب : Aurora - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-10-20, 08:49 PM   #11

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفَصْلُ الثَّامِنُ

يا مُهلكتـي..
عيونك العسليـة متاهـة مُظلمـة..
سأكتفي بالتحديق فيهمـا..
فهي القصيدة..
وهي اللقـاء..

جلست "سـارة" على المقعد المُقابل لمكتبــه الفخم، أصطدمت بـ عينيــه القاسيتين مرة أخرى، لماذا ينظر إلى عينيهـا بتلك القوة والقسوة، تشعر بضيـاع أفكـارهـا بنظراتـه المتفرسـة تلك، بلعت ريقهـا بصعوبــة قبل أن تقول بتلعثم:
-خير يا مستر يوسف، حضرتك كنت عاوزنـي في إيـه؟؟..

قال بلا أي تعبير:
-إيـه سر إنك تخبي جوازك؟؟.. ومتكونيش لابسة دبلتك؟؟..

قست عيناهـا للحظة وهي ترد بإمتعاض:
-مستر يوسف آسفة، صعب إني أقول الإجابـة.

رفع حاجبيـهِ للأعلى وهو يسألهــا بحدة:
-إنتي عـارفة إن في ناس هنـا ممكن تفكر ترتبط بيكي؟؟.. هيبقى إيـه إحساسهم لما يعرفوا أنـه مستحيل لأنك متجوزة.

حركت "سـارة" رأسهــا بألم وهي تقول بخفوت:
-عارفة، بس كل ده غصب عني، مش بإرادتي.

سألهـا "يوسف" بهدوء غريب:
-أومال أتجوزتيـه ليه؟؟.. طالمًا صعب إنك تتقبلي أن حد يعرف بـ ده؟؟..

صمتت قليلاً وهي تُغمض عينيهـا بشدة تمنع ظهور دموعهـا، شعور غريب سيطر عليـه وهو يراهـا في تلك الحـالة، تنهد بعذاب وقد أرجع ظهره للخلف مستندًا إلى مقعده، نظر إليهـا مُفكرًا قبل أن يقول بجمود:
-أتفضلي يا أستاذة سـارة على مكتبك.

فتحت عينيهــا تنظر إليـهِ بإرتباك مُتسائلة بتوتر:
-طب بالنسبة على موضوع جوازي؟؟..

رد بهدوء بحت:
-مفيش حد هيعرف، وأعملي حسابك بكرا أجازة ليكي عشان ترتاحي، أتفضلي على مكتبك.

أخذت نفسًا مُرتجفًا وهي تنظر إليـه، وثبت واقفة وسـارت نحو الباب حتى فتحتـه وخرجت في هدوء، بينمـــا ظل عقلــه مشغول وهو يرى بأن هنـاك الكثير من الأسرار موجودة، ألغـاز لا يُمكن حلهـا بسهولـة، ربمـا الأسئلـة تكون في منتهى السهولـة ولكن الإجابـة صعبـة.. جدًا.

******
خرجت "كارمـا" من القسم بعد أن قام "سيف" بالتنازل عن القضية، سـارت نحو سيارتهــا وأستقلتهــا بهدوء، كادت أن تقوم بتشغيل المحرك، ولكن توقفت حينمـا أجتاح رأسهـا اللحظات الأخيرة قبل أن يتنازل، اللحظة التي طلبت فيهـا بـ جلب ذلك الشخص وثورة التي قامت بهـا، كان على وشك قتلـه حقًا لولا تدخلـه، تنهدت بتعب ولكن وجدت فجـأة من يستقل سيارتهــا بجانبهــا، رفعت حاجباهـا للأعلى وهي تقول بدهشـة:
-رامـي؟!..

إبتسم لهـا بقلق قبل أن يسألهـا:
-إيـه يا كارمـا، أنا جيتلك البيت، كنت ناوي أعملهالك مُفاجأة لقيت جارتك بتقولي أنهم قبضوا عليكي، إيـه إللي حصل؟؟..

أبعدت خُصلة مُتمردة من على جبينهـا وهي تقول:
-أنا كنت لسـه هكلمك أصلاً، الموضوع كبير أوي يا رامي، وفي حاجـة لازم تعرفهـا، بس أتمنى تقدر موقفي.

ضيق عينيـه مُتسائلاً بريبة:
-حاجـة؟؟.. حاجـة إيـه؟؟..

******

جلس "سيف" على مقعده مُتنهدًا بضيق، عل الرغم أنـه على وشك تحقيق هدفــه، لقد أقسم أن يتزوجهــا، مُنذ أن كانت في السابعة من عُمرهـا، بينمـا عمره لم يزيد عن الثانية عشر، رأهــا آية من الجمـال، البراءة ونظراتهـا الطفوليـة جعلتـه ينظر إليهـا كل مرة بفضول.

ولكن في يومٍ ما، كان يتجول في القرية برفقـة والدتـه، رأهــا تقف أمام منزل ما، يبدو أنـه منزلهــا.. تنظر للجميــع ولكن وجههـا أرتسم عليـهِ الحُزن، يومهــا نظر إليهــا بـ بسمـة صغيرة ولكن لم تراه بل والدته من رأت بسمتـه ونظراتــه الطفوليـة الجميلـة، فـ سألتــه بصوتٍ هادئ:
-بتبص عليهـا ليـه؟؟..

رد عليهـا بفضول:
-أصل كل ما بشوفهـا بحس أنها زعلانـة، وهي جميلة أوي، ده غير أن عينهـا ملونـة زيي.

إبتسمت "نادية" بحنوٍ مثير وهي تقول:
-هي فعلاً جميلـة ماشاء الله.

هتف بإبتسامـة واسعـة:
-إيـه رأيك يا ماما لمـا أكبر أتجوزهـا؟؟..

عقدت ما بين حاجبيهـا وهي تسألـه:
-إشمعنا؟؟..

رد عليهـا بـ بسمتـه الطفوليـة:
-أصلهـا جميلـة أوي يا مـاما.

أضـاف بلهجة حزينـة:
-وكمان حاسس أنهـا شبهك أوي، شكلهـا وهي زعلانـة نفس شكلك.

أنحنت عيناهـا بألم فـ تابـع قائلاً:
-وأكيد لما هتفرح هيبقى شكلهـا زيك، وأنا هبقى أخليهـا مبسوطـة زي ما أنا بحاول أفرحك يا ماما، إيـه رأيك؟؟..

ضحكت بخفـة وهي تمسح خُصلات شعره بحنو قائلة بمرح:
-خلاص وأنا موافقة، تكبر بس وأنا هجوزهالك.

عاد إلى الواقع وعينـــاه قد ألتمعت بوميض غريب، أغمض عينيــه للحظــات ساحبًا نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل قائلاً بصوتـــه العميـق الهادئ:
-أنا هتجوزهـا خلاص، بس يا ترى ليـه أنا مش فرحـان؟؟..

******
أستمع إلى كلماتهــا الجـادة وهي تقص عليـه ما حدث مُنذ أن تم القبض عليهـا حتى تنازل "سيف"، أتسعت عينـاي "رامي" في محجريهمـا من هول ما سمعـه، وتوهجت أعينـه بنظرات ناريـة لا تنذر بأي خيرٍ على الإطلاق، لم يصغِ إلى بقيـة كلماتهـا حيثُ قاطعهــا بصوتٍ جهوري أجشّ:
-إيـه إللي إنتي بتقوليـه ده؟؟.. وإزاي توافقي أصلاً؟؟..

رفعت حاجبيهـا للأعلى، فـ تابـع بغضب مُشيرًا بيده:
-إنتي أتجننتي ولا إيـه؟؟..

تمتمت "كارمـا" بإنفعال:
-يعني كنت عاوزاني أتصرف إزاي؟؟.. دي مُصيبة سودة، وأنا مش مستحملة أقابل أي مُصيبة مليش علاقـة بيهـا.

هتف صائحًا بقوة:
-مليش فيـه، شوفي حل، يا أنا يا هو.

صرخت "كارمـا" بعصبية:
-أنـا مش عيزاه، أنا مجبورة!!!..

ألتوى فم "رامي" بـ بسمـة ساخرة مُتسائلاً:
-ومن إمتى كارمـا عزيز في حد بيقدر يجبرهـــا؟؟..

ردت عليـه بتهجم:
-سيف النصـار قدر يعملهـا، بس صدقنـي أنا مش هسكت.

صمت قليلاً يتنهد، ثم قال بخشونـة:
-أسمعي آخر كلامي يا كـارمـا، لو أتجوزتيـــه حتى لو جواز على ورق، علاقتـي بيكـي هتقطع.

قالت "كارمـا" بقوة وقد أشتعلت عيناهـا:
-إنت بدل ما تشوف حل بتهددني؟؟..

هتف بجفاء شديد وقد أتخذ قراره:
-ومعنديش غير إللي قولتـه، هستنى ردك على بليل، سلام.

ترجل عن سيارتهــــا صافقًا بابهـا بقوة، تجمدت تعبيراتهـا عليه وهو يخرج من السيارة، وظلت تنظر إليـه بـ عينين قاسيتين منتفضتين تبرقان بغضب، تقوس فمهـا بإبتسامة ساخرة وهي تقول بخفوت:
-هي جت عليك، كلكم كده!!..

أرتجفت لحظة واحدة حينمـا شعرت بـ صدمة داخليـة من ردة فعلـه الغير متوقعـة، هو من أقسم لهـا مرارًا أنـه سيكون بجوارهـا ولن يتركهــا إلا وهي في أحسن حالـة، همست "كارمـا" وهي تشعر بغصـة في حلقهـا:
-تمام أنا كده أخترت، ومُتأكدة أن إختياري صح.

******
هبَّ "ثروت" واقفًا وهي يضرب بـ كلتـا يديـه على سطح المكتب بغضب جامـح، أظلمت عينـاه وظهر بريق بهمـا مُخيف، يجعل المرء يرتجف من فرطِ الرعُب، دار حول مكتبـه متوجهًا نحو رجالــه الثلاثــة الذين أبلغوه بـ آخر الأخبـار، هدر بصوتـه الجهوري المُخيف:
-إزاي الكلام ده؟؟..

هتف الرجل الأول بثبات:
-ده إللي وصلنـا يافندم، أن سيف باشا أتنازل بعد مواجهة بينـه وبين كارمـا، بس إزاي أتنازل وليـه.. ده إللي لسـه مقدرنـاش نوصلــه.

صمت "ثروت" قليلاً.. يتنفس بجنون وغضب ثم قال بحدة:
-طيب في واحد من رجالتـي زمانـه جاي، أول ما يوصل تدخلوه.

رفع عينيــه تلقائيًا نحو ذلك الشخص الذي دخل بكل ثقـة واضعًا كفيـهِ بداخل جيبي بنطالــه، ورغم علامات الغضب الذي على وجهه إلا أنـــه حينمـا تحدث، هتف بصوتٍ جــاد هادئ:
-أنا وصلت أهو.

أشــار "ثروت" إلى رجالتــه بالخروج، ثم أشـار لــه بإصبعيــهِ هاتفًا بصيغـة آمرة:
-تعـالى يا رامي.

قالهـا وهو يجلس على المقعد بهدوء زائف، في حين تحرك "رامي" نحوه ثم جلس على المقعد المُقابل لـه، هتف "ثروت" بصوتٍ قاسي:
-قول إيـه إللي حصل بظبط، من ساعة ما قولتلك تروح لكارمـا القسم لغايـة ما جيت هنـا.

******
وصلت "كارمـا" إلى منزلهــا أخيرًا، كانت على وشك فتح الباب حينمـا شعرت بـ شخص قد وقف خلفهــا، أستدارت بدون تفكير فـ أصطدمت بـ "مـاجد"، تراجعت للخلف وهي تشهق بصدمـة، ثم لم تلبث حتى هتفت بغضب مكبوت:
-نعــم، عايز إيـه يا ماجد؟؟.. إيـه إللي جابك؟؟..

هتف "ماجد" بـ بسمة صغيرة:
-جيت أشوفك يا كارمـا، أن سبتك كام يوم دلوقتـي المفروض نتكلم.

أرجعت خُصلات شعرهـا للخلف بقوة وهي تقول بحنق:
-نتكلم دلوقتـي؟؟.. ماجد أنا مش فاضية، وبعد إذنك بقـا متقوفش الوقفة دي تاني، المرة الجايـة هتجيلي سكتـة قلبية من الخضـة.

هتف "ماجد" بلهفـة:
-بعد الشر عليكي، ده أنا أموت فيهـا.

هتفت "كارمـا" بضيق:
-يا ماجد لو سمحت أمشي، وقفتنـا كده أكبر غلط، وفعلاً أنا تعبانـة جدًا، أتفضل أمشي.

تمتم بضيق:
-كـارمـا، قولتلك لازم نتكلم.

هتفت "كارمـا" بغضب:
-إسمـع يا ماجد عشان ده آخر كلام عندي، جواز مش هتجوزك، فـ شلني من دماغك.

قبض على كتفيهـا بقوة وهو يهزهـا بجنون:
-يعنـي إيـه مش هتتجوزيني، أنا بحبك وإنتي عـارفة ده.

حاولت أن تتملص منـه وهي تقول بقوة:
-بس أنا مش عايزة الحب ده، ومش هتجوزك ولا هتجوز غيرك، أوعى بـقــااااا.

صرخ "ماجد" بعُنف:
-مفيش الكلام ده، هتجوزك يعني هتجوزك، إنتي ملكــي يا كارمـا، ملكــي أنـااا وبس.

تأكدت في تلك اللحظة إن أستمرت في غضبهـا معاه ستكون هالكــة فـ صرخت بأعلى صوت لديهــا:
-ألحقونـي، ألحقونــــي، أبعد عنـي.

تابــع بجنون هادرًا:
-لو فكرتـي في حد غيري هقتلك وهقتلــه، سمعاني، يا كـارمــا هقتــلـك.

تجمع الناس حولهم محاولين إبعاده عنهــا بعد أن زاد جنونـه عن حده، وبالفعل إستطاعوا رجـال المنطقـة بأن يفصلوا بينهم، ثم أخرجوه بكل قوتهم من البناية ولكن صوت صراخــه بإهتياج مازال يصل إليهــا، بينمـا النسـاء تابعت ما يحدث بإستنكـار على تصرفات ذلك الشخص وبعض منهم تابـع بفضول.

سقطت "كارمـا" جالسـة على ركبتيهــا واضعـة يديهـا على صدرهـا محاولـة التنفس بصورة طبيعية بعد ما مرت بـهِ، فـ أقتربت منهـا سيدة ما ولفت ذراعيهــا حولهــا هاتفـة بقلق:
-قومي يا بنتي، قومي وأدخلي عشان ترتاحـي.

حركت رأسهـا إيجابيًا بهدوء وهي تتنهد بروح مثقلـة، ساعدتهــا السيدة على الوقوف فـ شكرتهـا بلطف ثم سـارت نحو منزلهــا وفتحت الباب بهدوء زائف.

أقل من دقيقة.. وكانت جلست على طرف الفراش ثم أبتلعت تلك الغصـة المريرة ودمعت عيناهــا هامسـة بإختناق:
-كل حاجـة هتبقى تمام، مفيش داعي أزعل.

******
في يوم التالي، وقفت "كارمــا" أمام مكتب السكرتيرة بـ ذقنٍ مرفوع وكأنهـا ولدت هكذا، رفعت السكرتيرة عينيهـا نحوهــا قبل أن تبتسم لهــا ببرود، رفعت الأخيرة حاجبهـا الأيسر من تلك الإبتسامـة المُستفزة ولكن حينمـا حدثتهـا كانت تقول بصوتٍ جليدي:
-سيف باشا موجود؟؟..

ردت عليهـا السكرتيرة وهي تُشير بيدهـا:
-آه موجود، أتفضلي هو مستنيكي.

أتسعت عيناهـا وهي تهمس بذهول:
-مستنيني؟!..

تنهدت بحرارة وهي تتحرك بخُطى ثابتـة نحو الباب، طرقت عليـه طرقات خفيفة وعندمـا وصلـه رده بصوتـه العميق، كانت تدخل وقد أرتسم على وجههـا إبتسامـة جادة، رفع "سيف" عينيـه نحوهــا مُبتسمًا لهـا ببرود قائلاً:
-واضح إني واحشتك لدرجـة إنك تيجي هنـا.

جلست "كارمـا" على المقعد بكل هدوء وهي ترد عليـه:
-وإنت واثق أوي من ده لدرجـة إنك بلغت السكرتيرة بإني أتفضل لو جيتلك.

برقت عينـاه وهو يقول بصوتٍ ماكر:
-طبعًا ده أنا سيف النصـار، وبعدين إنتي هتبقي مراتـي، فـ لازم تدخلي مكتبي من غير ما تاخدي إذن السكرتيرة.

إمتعضت ملامحهــا بشدّة.. فـ قال بصوتٍ عميق تمرد على قسوة وصلابة نظراتـه:
-عايزة إيـه يا كارمـا؟؟.. قولي إللي عندك.

همست "كارمـا" بوجهٍ ممتقع:
-أنا مش عايزة أتجوزك يا سيف.

أخفض وجهه قليلاً ثم رفعـه من جديد ينظر إلى عينيهـا مُباشرةً، يسبح بهمـا بكل قوتـه ضد تيارهمـا، ثم قال بصلابـة:
-أظن إننـا أتفقنـا إمبارح على المُقابل، فـ خليكي أد كلمتك.

هبت "كارمـا" واقفـة وهي تقول بحنق:
-إنت أستغليت إللي حصلي.

وثب "سيف" واقفًا ثم دار حول المكتب حتى وقف أمامهـا، صمت وهو يسحب نفسًا قامتًا جامدًا، وأخذ ينظر إليهـا طويلاً بجفاء، ثم قال أخيرًا بلا تعبير:
-من الآخر إنتي عايزة إيـه؟؟..

همست بإيجاز:
-شوف مُقابل غير الجواز أو أننـا نرتبط عمومًا.

أمسك "سيف" بذراعهـا فـ رأت وجهه قد تحول إلى اللون القاتم وبدت عينـاه مُظلمتان وهو يهمس بصرامـة:
-إنتي طول الوقت بتنفذي إللي بتقوليـه، جت عليا أنا؟؟..

أشتعلت عيناهـا وهي تقول بألم:
-محدش قدر يجبرنـي على حاجـة، أنا قولت إني موافقة لأني كنت مجبورة.

قال "سيف" بغضب أسود ويده تشتد على ذراعهـا:
-أنا مأجبرتكيش، ولا ناسية إنك أجرتي الراجل عشان يقتلني.

هتفت "كارمــا" بصدمـة:
-هو إنت لسـه مش مصدقنـي إني أنا مش ورا الموضوع ده.

هزهـا "سيف" قليلاً وهو يقول بشدة وقد أسودت ملامحـه:
-وهصدقك ليـه؟؟..

أنعقد حاجبيهـا قليلاً وهي تهمس بألم دون شعور:
-عشان كده هتتجوزنـي، عشان تنتقم مني، على ذنب أنا عُمري ما فكرت أعملـه.

ترك ذراعهـا ووقف أمامهـا يتنفس بغضب، بينمـا أطرقت "كارمـا" رأسهــا وهي تهمس بخفوت:
-هتنتقم مني يا سيف، معقولـة هتعمل كده فيـا؟؟..

عقد "سيف" حاجبيهِ بشدة ثم قال بغضب:
-إنتي هبلـة؟؟.. أنا لا يُمكن أعمل كده.

تنهدت بتعب شديد وهي ترفع وجههـا إليـهِ، فهي تواجـه الكثير، تخشى أن تسقط يومًا من شدة التعب ولا تجد من يساعدهـا، فهي بمفردهــا مُنذ أن كانت صغيرة، بقت تنظر إليـه نظراتٍ غريبة غير واضحة، قال "سيف" ببرود ووجهه يزداد خطورة:
-أنا مش من النوع إللي بينتقم بالطريقة دي، وبعدين أنا لو عايز أأذيكي، أقدر أعملها فأي وقت.

هتف "كارمـا" مُتسائلة بجدية:
-أومال عاوز تتجوزني ليه؟؟..

ضحك "سيف" بسخريـة ثم قال بصوتٍ هازئ دون أن ينظر إليهــا:
-وفاكرة يعني إني بكل بساطة هقولك السبب؟!.. تؤ هتعرفي بعدين، وعلى فكرة أنا من الأول عارف إنك إنتي مش ورا موضوع العربية.

عبس وجههـا وهي تقول:
-طب كويس إنك عارف ده.

دنا منها قليلاً ثم قال "سيف" بصوتٍ قاتم:
-أنا قولتها قبل كده يا كارما، زي ما إنتي أثبتي إنك قويـة، أثبتلك إني أقدر أعمل أي حاجة أنا عاوزهــا.

صمتت "كارمـا" تمامًا تنظر إليـه مبهوتة، وما إن أنتهى حتى بقت قليلاً كـ تمثال رخامي، بينمـــا وقف "سيف" يراقبهــا، دائمًا يشعر بأن كل لحظة تمر تزداد جمالاً، عيناهــا الزرقوتان المكحلتان، كفى بهمـا.. فهمـا أجمل شيء بهـا.. وأجمل شيء رأه في حياتـــه.

******
صمت "ثروت" بعد أن قص عليـه "رامي" الحديث الذي دار بينـه وبين غريمتـه، سحب نفسًا عميقًا مُفكرًا بشر، تابع "رامي" تعبيرات وجهه بدقة قبل أن يسألـه بجمود:
-ناوي على إيـه؟؟..

رد عليـه "ثروت" وعينـاه في خطورة الأفعى السامـة:
-هنكسرهــا، ولما ده هيحصل، سيف مش هيطيق يبص في وشهـا، ونبقى نشوف هيتجوزوا إزاي، وإنت إللي هتقوم بالمُهمة دي؟؟..

إبتسم "رامي" وهتف بلهجـة تقطر شرًا:
-وأنا معنديش مانع وتحت أمرك، هكسرهـا وهكون مُستمتع أوي وأنا بعمل كده.
******

إذا كُتبت علينـا الحرب..
فـ نحن أهل لهـا..

ظلت "كارمـا" واقفة أمامــــه تحدجــه بـ عينين خاوتين وقلب مثقل، وقد تسمرت مكانهــا وهي تنظر إلى عينيـه القاسيتين، صمتت في شرود كامل، ثم قالت بخفوت مُختنق:
-قدرت فعلاً تثبت ده ياإبن النصـار.

صمت "سيف" قليلاً.. ثم قـال بصوتـه العميق:
-خطيبك عمل إيـه لما عرف إني عايز أتجوزك؟؟..

إبتسمت "كارمـا" بتهكم وهي تنظر إليـهِ دون أن تنبس بكلمة، حرك رأسـه بإيماءة خفيفة وقد وصلـه الرد، صمت قليلاً قبل أن يقول بصوتـه العميق كـ عُمق البحر:
-أبعدي عنـه يا كارمـا، لأنك لو أستمريتي معـاه، في يوم هيكسرك. خُدي بالك من نفسك.

ظلت "كارمـا" صامتة قليلاً، ثم قالت أخيرًا بخفوت دون أن تنظر إليـه:
-ليـه بتقول عنـه كده؟؟..

أظلمت عينـا "سيف".. ثم قال أخيرًا:
-يوم ما تكوني واثقة فيـا، هقولك.

رمقتـه بـ نظرات غير مقروءة، وبدون أن تتحدث سحبت حقيبة يدهـا الصغيرة، ثم سـارت صوب الباب بخُطى ثابتة، وصفقت الباب خلفهـا بقوة وكأنهـــا على وشك الأنفجـار، تنهد "سيف" بثقل غريب بينمــا صدره ينبض بعنف من فكرة مـا، أظلمت عينـاه.. وأنتفض قلبـه، فـ أغمضهمـا لحظة واحدة قبل أن يفتحهمـا مجددًا هامسًا بصوتٍ خطير:
-هيكسرك، أتمنى أنك تلحقي نفسك، وإلا هتضيعي.

******
جلست "سـارة" على الأريكـة مُتنهدة بألم، حركت رأسهــا بتعب وهي تنظر حولهـــا، كانت على وشك أن تمدد جسدهـا على الأريكة ولكن أنتبهت على صوت رنين الجرس على باب منزلهـا، نهضت من مكانهـا ثم تحركت صوبــه، ومـا أن فتحتـه حتى أتسعت عيناهــا بصدمـة وهي ترى "سامر" يقف بـ طولـه الفارع، ينظر إليهـا بـ نظرةٍ غاضبة.

شهقت "سـارة" من الصدمة وهي ترى الباب يدفعهـا لتتعثر للخلف عدة خطوات، لكن وما إن وجدت حنجرتهـا تساعدهـا كي تبدأ في الصراخ، حتى تحرك نحوهــا كي يضع يده فمهـا يكممهـا بقوة، ويده الأخرى خلف عنقهـا إلا أن صراخهـا من تحت يده لم يتوقف وهي تطبق جفنيهـا بشدة، هتف "سـامر" مبتسمًا بشر:
-كنتي فاكرة إنك هتهربي مني؟؟.. ده أنا ما صدقت.

عادت لتتلوى صارخة تحت كفـه وهي تحاول الأبتعاد عنه لكنه لم يتركهـا وهو يهمس لهـا بقسوة:
-خلاص يا سارة، إللي كانت بتحميكي مني ماتت.

غرزت أسنانهـــا بقوة في باطن يده، فـ رفع يده عنهـا وهو يتأوه، صرخت برعب وهي تركض نحو غُرفتهــــا، أشتعلت عينيــه بغضب، ولكن تحرك خلفهـا بخُطى سريعـة منتويًا على تأدبيهـا من وجه نظره، كانت ترى نظراتـه التي تأكل منهـا وهو يقترب والقشعريرة تتسلل لأوصالهـا، أشارت له بسبابتهـا مُحذرة إيـاه من التمادي أكثر من ذلك:
-لو قربت مني هاصرخ وأعمل لك فضيحة.

ضحك بسخريـة وهو يغلق باب الغُرفـة بـ قدمـه:
-صرخي براحتك يا حبيبتي، مفيش حد هيطلعك من تحت إيدي النهاردة.

صرخت "سـارة" وهي تتراجع للخلف:
-أنسى إللي في دماغك ده، لأنه مش هيحصل.

كان يوسع من خطواتـه نحوهـا، وعندمـا حاولت الركض كان جسده الثقيل يتهجم عليهـا ليشل حركتهـا كليًا، وهو يكتف ذراعيهـا للخلف فـ ألتصق نهديهـا بصدره وهو ينطق بإنتشاء:
-وأخيرًا وقعتي تحت إيدي.

وأطبق بـ شفتيـه على وجههـا وبشرتهـا يُقبلهمـا بعُنف، حاولت جاهدة لإبعاده عنهـا دون جدوى، ذراعيهـا المُكتفان للخلف يعجزان حركتهـا، فـ بدأت تصرخ برعب محاولـة إبعاده، بينما هو فقد تحول إلى فاقد السمع لصراخهـا، فهي بين يديـه أخيرًا.

******
ترجلت "كـارمــا" عن سيارتهـــا أخيرًا، كانت عينيهـا جامدتين وقد أجتاحهـا شعور غريب، كل شئ يتساقط من حولهـا، حتى خطيبهـا المبجل قد ظهر على حقيقتـــه، هاجمهــا دوار فـ أستندت بـ ذراعيهـا على السيارة وهي تخشى أن تقع، فهي على ثقـة أنهــا لن تجد تلك اليد التي ستساعدهـا على الوقوف.

أغمضت عيناهــا ساحبة نفسًا مُرتجفًا وهي تهمس بخفوت:
-يارب، أنا دلوقتـي محتاجـة قوة، أكتر من أي وقت تاني.

فتحت عيناهـا أخيرًا ولكن سُرعان ما أستمعت إلى صوت وقوف سيارة خلفهـــا، لم تهتم ولكن شيئًا ما جعلهـا تستدير، أتسعت عينيهـا في صدمة وهي ترى شابًا مفتول العضلات بصورة مُبالغًا فيهــا يقترب منهــا، وعينــاه قد ظهر بهما بريق مُظلم وعلامات الإجرام مُرتسمة ببراعة على تعبيراتــه، وخلفــه شابًا آخر بـ نفس المواصفـات المُخيفـة، غير أنـه هناك شابًا ثالث ولكن هو من يتولى قيـادة السيارة، فغرت شفتيهــــا دون صوت وقبل أن تخرج من صدمتهــا، كانــا تحركـا نحوهــا يقبضـا على ذراعيهــا بعُنف، ودفعونهــا نحو السيارة بسُرعـة كبيرة، حاولت أن تتملص منهم ولكن فشلت في ذلك.

فقد حدث كل شئ في لحظة واحدة!

******
وضع "ثروت" الهاتف على سطح المكتب مُبتسمًا بظفر، بعد أن تلقى مُكالمة هاتفية من أحد رجـالـه يخبره بـ تنفيذ الخطوة الأولى، أسترخى أكثر على مقعده ورفع ساقـه يضعهـا فوق الأخرى وقد سرح بـ خيالــه قليلاً، أتسعت إبتسامتـه بلؤم وهو يقول بـ لهجـة غامضـة:
-ياترى بعد إللي هيحصلك، هتعملي إيـه لما أهلك يعرفوا إن بنتهم الهربانـة حصلهــا ده؟؟..

قهقه بعدهـا بصوت عالٍ مُخيف وهو يقول بصوت يهتز بصورة واضحـة من شدّة الخطر القابع بداخلــه:
-حلو أوي، وكده أبقى خلصت منك من غير يكون ليا دخل في الموضوع.

عاد يلتقط هاتفـــه ثم ضغط على رقم أحد رجـالـــه المتواجد حاليًا في الصعيد، وضع الهاتف على أذنـــه وهو يقول بصيغـة آمرة لا تقبل بالنقاش:
-نفذ إللي هقولك عليـه.

******
وصل "سيف" إلى القصر أخيرًا، صعد إلى الأعلى متوجهًا نحو غُرفة نومــه وعلامات وجهه مُتهجمـة، بدأ بـ خلع سترتـه وبفك أزرار قميصـه، سـار صوب المرحاض لـ يأخذ حمامًا باردًا يزيل بـهِ آثار التعب والإرهاق اليومي.

بعد فترة وجيزة، كان يجلس على فراشه يتكئ بظهره إلى الفراش ويده تنقبض على شكل قبضة، همس بخفوت خطير:
-معلش يا كارما، بس أنا خدت عهد على نفسي زمان إني هحميكي من أي حاجة، وده الوقت الصح.

وصلت إليه رسالة على الهاتف، أمسكه بهدوء وهو يسلط أنظاره الحادة عليه يقرأ الكلمات، وجد أنها رسالة تهديد أُخرى، إن لم يبتعد عنها فليتحمل نتيجة إختياره، في تلك اللحظة هو على وشك الأختناق، شعر بأن جدران المكان على وشك أن تطبق على صدره، فـ نهض بعُنف من الفراش، رأى كوب مـاء على الكومود الذي يقع بجوار فراشــه، فـ بدون تفكير أمسك بـه والقـاه بكل قوة في أتجــاه الباب المغلق وهو يصرخ بوحشيـة مع صوت التهشم العنيف.

أخذ يدور في أنحاء الغُرفة حتى وقف قليلاً، فـ أرتفعت أصابعـه إلى خُصلات شعره، زفر بقوة ثم ضاقت عينـاه.. عينان مشتعلتـان وصدر ينبض بصدمـة من نفســه، سحب نفسًا عميقًا وهو يقول بصوتٍ خطير:
-كـارمــا ملكي، من زمــان وهي ملكي، مش هسبهـــا.

أقترب من المرآة ثم تشبث في منضدة الزينـة بـ كلتـا قبضتيـه، نظر إلى عينيـه القاسيتين مُضيفًا بصوتـه الأجش الغاضب:
-محدش يقدر يعملها حاجة طول ما أنا فيا النفس.

صمت قليلاً قبل أن يقول:
-وكارما هعلمهــا إزاي تحبني.

حرك رأســه وهو يقول بقنوط:
-ولو أنهـا مجنونـة فـ صعب أن ده يحصل إلا بعد فترة كبيرة أكون أنا جالي الضغط والسكر بسببهـا.

ظل صامتًا بعدهـــا وهو يتحرك نحو الفراش، تمدد عليــه بهدوء وهو يفكر قليلاً، كانت عينـاه تُقسمان أن تجعلان "كارمــا" ملكــــه، عينـاه المُظلمتان تنظران إلى نقطة مـا، نظراتـــه الناريـة والحارقـة أثبتت ذلك.

******
تحرك "رامي" صوب الباب بعد أن أستمع لـ رنين الجرس، أرتسمت إبتسامة شيطانيـة على ثغره وهو يفتحـــــه، فـ دخلوا رجال "ثروت" وهم يجرّون "كارمـا" بقسوة، أتسعت عينـاهــا حينمـا وجدتـه يقف أمامهــا بـ ثبات، ولكن عينـــاه قد ظهر بريق بهمــا.. بريق الخُبث، وإبتسامتــه الماكرة تتسع أكثر، أرتجف بدنهــا وهي تنظر إليــه في صدمـة واضحـة وقلبهـــا يدق بقوة بعد أن وصلت إلى فكرة ما، ولكن سيئة.. للغايـة.

رفـع يده قليلاً ينزع شريط الاصق من على فمهــــا، فـ شهقت بعُنـف وهي تحدجـه بـ عينين مذهولتين، أبعدت خُصلات شعرهــا من على وجهه وهي تقول في صدمـة:
-إنت إللي عملت فيـا كده؟؟..

ظلت إبتسامتـه الخبيثـة مُرتسمـة على وجهه، هزت رأسهـا بعدم تصديق هاتفـة:
-طب ليـه؟؟.. عايز مني إيـه؟؟..

أتسعت إبتسامتــه وهو يُجيبهــا بـ:
-كل خير.

صمتت "كارمـا" ولم تنبس بـ كلمـة واحدة، في حين تابـع "رامي" بنبرة شياطنيـة وقد توهجت أعينـه بشراسـة مُهلكـة:
-إيـــه؟؟.. مش خايفـة؟؟..

تسائلت "كارمـا" بصوتٍ مصدوم:
-أنا هنـا ليـه؟؟..

مد أنمالـه يتلمس وجنتهــا مُجيبًا بعبثٍ:
-مش معقولـة مش عارفـة إنتي هنـا ليـه؟؟..

أبعدت يده عنهـا بعنف وقد أرتفعت نبضات قلبهــا فـ تابـع بنظرات شهوانيـة:
-وقعتـي أخيرًا في المصيدة يا روحي، إنتي مش متخيلـة أنا من زمان مستني اللحظة دي، عارفـة ليــه؟؟..

قال كلمتـه الأخيرة وهو يقبض على ذقنهـا بقوة هاتفًا بجنون:
-عشان نفسي أكسر قوتك إللي إنتي فرحانـة بيهـا دي.

أبعد يده عقب أن صرح لهـا برغبتـه، فـ تبدلت نظراتهــا للتحدي وهي تقول:
-وهو إنت فاكر إنك هتقدر على ده، مش هتقدر يا رامي، لأن إللي بيعمل كده عُمره ما يبقى راجـل، يعنـي إنت مش راجــل.

وكأنهــا جذبت فتيل القنبلـة الموقوتـة التي كانت تبيت في أحضانهـــا لتنفجر منتجـة إنسان لا تحب أن تـراه، جذب خُصلات شعرهـا فجـأة بوحشية شديدة وهو ينطق من بين أسنانــه بغضب:
-أنا بقى هوريكي إذا كنت راجل ولا لأ، مش هتخرجي من تحت إيدي النهاردة.

سقطت على الأرضية عقب أن تفاجئت بفعلتــه، سحبهــا على الأرضيـة من قدمهــا على حين غرة بكل وحشية وبربريـة وكأنهــا بهيمـة في حظيرتـهِ، فـ أصطدم ظهرهــا بالعتبـة الرخاميـة وأحتك بهـا، فـ صرخت بألم وهي تحاول تخليص قدمهـا منــه، نجحت في ذلك فـ وثبت واقفـة وقبل أن تركض كان إنطلقت منهـا صرخـة مدويـة حينمـا شعرت بـ يده تُحاوط صدرهـا والأخرى حول خصرهـا رافعًا إياهـا عن الأرض ثم إتجـه بهـا إلى باب غُرفـة النوم، لم تستطـع مقاومتــه كثيرًا بسب الالام جسدهــا التي تسبب فيهــا.

صرخت "كارمـا" بقوة وهي تقاوم بخوفٍ أكبر على ما هو قادم إليهــا، تثلجت أطرافهـا عندمـا وصل بهـا إلى الغُرفـة ليُلقيهـا على الفراش، ثم تحرك نحو باب الغُرفـة يُغلقـه بكل هدوء بالمفتـاح.

تحرك "رامي" نحوهــا فـ هبطت من على الفراش سريعًا وهي تهدر بقوة:
-خرجني من هنــا.

حرك كتفيــه وقد أصبحت نبرتـه أكثر خطورة وإيحـاء الشر:
-للأسف الموضوع مش بإيدي، كل إللي بيحصلك ده وإللي لسه هيحصلك إنتي السبب فيـه يا قُطة.

رفعت ذقنهـا تلقائيًا وهي تصرخ بـ:
-خرجنـي من هنـا حالاً يا رامي، وإلا مش هيحصلك طيب.

قبض على رسغهـا بغتـة وجعلـه خلف ظهرهــا يثنيـه بعنف وهو يصيح فيهـا بلا هوادة:
-بلاش لسانك يبقى طويل، أنا أستحملتـه بمـا فيه الكفايـة.

لم تظهر ضعفهــا رغم ذلك الألم الذي تشعر بـه، بل هدرت بقوة:
-إنت حيوان، وهتدفع التمن غالي على إللي بتعملـه ده.

أطلقت عينـاه شررًا حاميـة وهو يرمقهـا بغيظ شديد أثنـاء تهديدهـا:
-إنتي عارفـة بسبب تهديداتك وقوتك دي إيـه هي سبب فإللي هعملـه فيكي.

توقف قلبهــا عن النبض وهي تهمس بخفوت حاد:
-قصدك إيـه؟؟..

همس بجوار أذنهـا بتلذذ مريض:
-يعنـي هكسرك يا كـارمـا.

خفق قلبهـا بقوة وقبل أن تجد الفرصة لتدفعـه عنهــا كان قد أخرج من جيبـه شريطًا لاصقًا كمم فمهــا بـه بـ حركة واحدة وهو يهمس بلهجـة كـ فحيح الأفاعي:
-ودي أول حاجـة هتكسرك، إنك حتى مش هتعرفي تصرخي.

ثم دفعهـا نحو الفراش ليجثم فوقهـا مُتحسسًا جسدهــا بـ يديـه المسعورتين، قاومتــه بكل قوتهــا.. فقد كان إصرارهـــا على نجاتهــا أقوى من أي شئ.. أقوى حتى من الرعب الذي بداخلهـا.

تملك "رامي" الغضب فـ رفع يده عاليًا وهوى بهـا على وجنتهـا في صفعـة قوية، ولكن بريق القوة الذي بداخل عينيــها جعل الجنون يزداد لديه، فـ صفعهـا مرة أخرى لكن أقرب إلى لكمة هذه المرة، ثم كبل معصميهــا وهو يقول بإبتسامة قاسية:
-من أول يوم شوفتك فيـه ولقيت مناخريك طالعـة لفوق وأنا كان نفسي أكسرهالك، وأهو ده إللي هيحصل.

صرخت بخوفٍ باكي:
-إبعد عنـي.

ثم سبتــه وهي تتلوى بشراسـة ليُقيد ساقيهـا بـ قدمـه، أغمضت عينيهــا بإشمئزاز حينما وضع أنفـه بـ عنقهـا وشفتـاه تتلمس بشرتهــا فـ أحرقتهــا، هاجم عقلهــا كلمـات "سيف" التحذيرية الصارمـة، عاودت فتح عينيهــا، أخذت تتلوى بشراسة إلا أن لكمة وراء لكـمة جعلتهـــا تسكن قليلاً ويصيبهــا الدوار، أدركت أنهـــا النهاية، فـ أطبقت "كارمـا" عينيهــا وهي تصرخ بجنون ملتوية تحت رحمتــه.

شعرت بـ أنفاسهــا تزهق وأنهــا قد حانت النهايـة عندمـا سمعت صوت شق ثيابها، لا مفر.
******




Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-20, 08:58 PM   #12

djo2009

? العضوٌ??? » 79953
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 1,165
?  نُقآطِيْ » djo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond reputedjo2009 has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

djo2009 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-20, 10:39 PM   #13

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل التاسع"

أحيانًا يكون الظلام
بدايـة لحيــاة جديدة

أغمضت "كارمــا" عينيهــــا بعد أن أنهمرت دموعهــا، تأكدت أنهـــا النهايــة ولكن الوعى أبى أن يرحمهــا، ظلت كلمـات "سيف" تتردد في أذنهــا فـ زاد إنهمـار دموعهــا، لا مفر لهــا.. فهي أصبحت تحت رحمتــه الآن.

أنتفض جسد "رامي" فجــأة حينمـا وصلت إليــه أصوات طلقـات نـاريـة وأصوات صراخ شرس، أبتعد عنهــا فـ إنكمشت على نفسهـا وهي ترتجف بشدة، بلع ريقــه بصعوبــة وسُرعان ما أتسعت عينيــه عندمــا تأكد من أنــه صوت فهد آل نصــار، فـ همس بتوتر بالغ:
-ينهار أسود!!.. أعمل إيه دلوقتـي؟؟..

******
في الخــارج، أقتحم "سيف" وهو مشحون بغضب لا حدود لـه المكـان نازعًا السلاح النـاري الخاص به وخلفـــه "يوسف" وأفراد حراستــه بنفس المواصفات، أشداء البنيـة ضخام الأجسـام، دارت حرب طاحنــة بينهم لم تستغرق سوى دقيقتين، بعد أن أشهر "سيف" سلاحــه أمام رجل منهم ضاربًا رصاصة في ساقه، بينمــا ضرب أحد أفراد الحرسـة رصاصة على كتف الرجل الثاني ورصاصة أخرى على ساقــه.

وقف "يوسف" إلى جواره يهاتف الشرطة والإسعاف لـ يتدخلا فورًا بعد أن تحول الوضع لشئ مأساوي، هرول "سيف" في أتجــاه الرواق وقلبــه يقفز بين ضلوعــه فزعًا عليهــا، كان هُناك ثلاثـة غُرف فـ أقتحم كل غُرفـة يمر عليهــا لينظر بداخل من فيهـا حتى وصل إلى الغُرفة الأخيرة.

وجد باب الغُرفـة مُغلق من الداخل فـ بدون أن يفكر مرتين كان تراجع خطوتين للخلف ليندفع بكل قواه المتقدة بداخلــه نحو الباب قاصدًا خلعـه، لم يصمد كثيرًا أمام قوة أندفاعـه العنيفـة وأنفتح على مصراعيـه وهو يصرخ بإسمهـــا، فـ تراجع "رامي" للخلف تلقائيًا بعد أن أصابــه الخوف من وجوده، وشحب وجهه بعدمـا تأكد تمامًا من هلاكــه، فتحت "كارمــا" عينيهـــا بضعف وهي تنظر إليــه بإستغاثـة لأولُ مرة، فـ حضوره الآن يُعنــي نجاتهـــا من براثن الشيطان.

تسمر "سيف" مكانـــه وكأن الأرض قد تزلزلت من تحت قدميـه، تجمدت أعينـه عليهــا وهي بتلك الصورة.. حينهــا شعر بأن قلبـه توقف عن النبض، وقد فقد القدرة على التحرك أو النطق، أشتعلت نظراتـــه وتضاعفت انفعالاتـه الهائجـة، كما تلونت مقلتـاه بحمرة مُخيفـة، فـ بدا كالقنبلـة الموقوتـة التي أوشكت على الأنفجار.

حرك عينيــه القاسيتين نحو "رامي" منتويًا الأنتقام منـه بأبشـع الطرق، صرخ بشراســة وهو يندفع نحوه بجنون، أنهال عليـه بأعنف اللكمات وأشرسهـا حتى حطم فكــه، فـ تناثرت الدماء من بين أسنانــه وأنفــه، وقبل أن يسقط على ركبتيــه كان يرفع ركبتـه ويضربــه في بطنــه بعنف فـ تأهوه بصوت مكتوم، تمتم "سيف" بشراسـة:
-قسمًا بالله ما هارحمك.

قبض عل تلابيبــه بقسوة ثم دفعـــه نحو خـارج الغُرفــة صارخًا بوحشية:
-يوســــف.

أتى "يوسف" على صوتــه الجهوري الصـارم، فـ قال "سيف" بصوتٍ صلب صخري لا يحمل أي تردد:
-خلي الرجالة ياخدوا إبن****، يرموه في المكان القديم بتاعنـا، حالاً.

قال كلمتـه الأخيرة وهو يُلقيــه على الأرضية الصلبـة أمامــه، أستدار "يوسف" إلى أفراد الحراسـة مشيرًا بإصبعيــه، فـ أتى أثنين منهم كي ينفذا الأمر، في حين تحرك "سيف" بخُطـا سريعــة وقلبٍ مُرتجف نحو الغُرفـة المتواجدة بهــا، زأر بقوة وهو يُناديهــا:
-كـارمــاااااااااا.

أرتجف جسده للحظة حينمـا وجدهــا ساكنـة.. ضعيفـة على الفراش، شعر أن روحــه تنسحب من صدره ببطء وهو يجيل نظره عليهـا، وقف أمامهــا وهو يهمس بإسمهــا فـ فتحت عينيهــا بوهنٍ، نزع الشريط الاصق من على فمهــا فـ شهقت بعنف، أحنى جسده عليهــا وهو ينظر إلى معالم وجهها التي تاهت من شدة الكدمـات، همس بخوف:
-كارمــا، ردي عليا.

أستقام واقفًا وهو ينزع سترتـه السوداء وألبسهــا سريعًا، ثم حاوط مرر ذراعــه أسفل ظهرهـــا وذراعـه الآخر أسفل ركبتيهــا، حملهـــا "سيف" بين ذراعيـــهِ وضمهــا أكثر إلى صدره هامسًا بهلع:
-كارمـا، كارمـــا ردي عليا.

تشبثت أصابعهــا به بوهن غريب هامسة بإعيـاء:
-سيف، كويس إنك لحقتني.

تابعت وهي تئن بألم:
-كنت هضيع.

ضمهـا إلى صدره بكل قوتـه فـ تأهوت من شدّة الألم، أغمض عينيــه يعتصرهمـا بقوة، وأرجع رأسـه للخلف ساحبًا نفسًا حادًا، عاود فتحهمـا وهو يقول بصوتٍ متحشرج:
-مش هيحصل طول ما فيـا نفس، أنا جنبك دايمًا.

تحرك "سيف" بهـا وهو يقول بخشونـة صـارمـة:
-أصمدي يا كارمــا، مش عشانـي حتى، بس عشان خاطر نفسك.

أغمضت عيناهــــا بوهن شديد، فـ سحب "سيف" نفسًا غاضبًا مُرتجفًا وهو يتجــه نحو الخـارج، قابل في طريقـه "يوسف" الذي أتسعت أعينـــه بذهول، لم يعبئ الأخير بصدمتـه حيثُ قال بصوتٍ صلب خطير وعينيـهِ تشتعلان نـار:
-الحراسـة هتنزل تحت معايا، خليك إنت هنـا لغاية ما البوليس ما يجي، ولمـا يسألوك على رامي، قولهم هرب.

حرك "يوسف" رأســه إيجابيًا وهو لا يزال يحدجهمــا بصدمة، تحرك "سيف" بخُطـا سريعــة نحو باب المنزل، فتح له أحد أفراد الحراسة باب المصعد، فـ دخل وهو يضمهــا إلى صدره أكثر، ضغط الحارس على الزر قبل أن يغلق الباب، أخفض "سيف" وجهه هاتفًا بألم وصدره يخفق بعنف:
-أرتاحي في حضنـي، إنتي في أمان دلوقتـي.

سقطت دمعتين ثقيلتين من خلف عينيهــا المطبقتين، فـ زاد الظلام على ملامحــه وبرقت عينــاه غموضًا وألمًا.

******
كانت "سـارة" مُمدة على الفراش، ملامحهــا باردة.. وروحهــا جامدة بعد أن غادر من المنزل، والصورة مازالت عالقـة بذهنهـا، خيالـهِ المائل على وجههـا وهو ينهل من شفتيهـا بعنف واضح، وسخونـة جسده التي مسيطرة عليهـا حسيًا حتى الآن وكأنهـا مازالت بين يديــه، نهضت من مكانهــا ببطء قبل أن تشهق بـ بُكاء حـارق، أتجهت نحو المرحــاض بعد أن سحبت من الخزانـة ملابس أخرى، همست بخفوت وقلبهـــا يحترق بشدة:
-في يوم هخلص منك ومن أبويــا، وساعتهــا هرتاح.

هتفت بصوتٍ غريب:
-خدتني غصب يا سامر المرة دي، بس أوعدك إن المرة الجاية قبل ما تقرب مني هكون قتلتك.

******
صف "سيف" سيارتـه أمام المدخل ثم ترجل من سيارتـه راكضًا نحو الباب الآخر لهـا، حملهــا بين ذراعيــه ثم ركض مهرولاً نحو ردهة الأستقبال صارخًا بلهجــة جهوريـة صـارمـة:
-حد يجي بسُرعــــة.

صوتــه الجهوري المُخيف جعل الجميــع يلتفت إليــه ويهرعون لمُساعدتـه، خاصةً بعد أن عرفوا هويتـه، حيثُ عاونـه الممرضين في حملهــا وقد تكونت حلقـة منهم حولــه، وضعوهـــا على الفراش النقـال وطاروا بهــا لداخل غُرفة الكشف وهو بصحبتهم، أمسك بكفهــا المتدلي هاتفًا بصوتٍ مُتشنج:
-مش هسيبك يا كارما، أنا غلط لما سبتك في الأول.

سد عليـــه أحد الأطباء بجسده الطريق على "سيف" كي يمنعـه من المرور قائلاً بلهجـة جـادة:
-من فضلك يا سيف باشـا، خليك هنــا.

أنقض عليـه "سيف" مُمسكًا به من تلابيبـه، هزه بعنف وهو يهدده بوحشـية:
-لو مشوفتش شُغلك كويس ومطلعتش من هنـا كويسـة هــ....

قاطعـــــــه برجاء رغم خوف نبرتـه:
-صدقنـي هي هتبقى تمام، وبعدين من الواضح إن مفيش خطورة.

أرخى قبضتيــه عنه لكن نظراتــه لم تتركـه، وقف "سيف" بالقُرب من الغُرفـة، شعر بألم كبير بداخل قلبــه.. نفســه يضيق.. ولهيب حُزنــه قد لثم حواسـه.. أغمض عينيــهِ بعذاب مُتذكرًا صورتهــا المكسورة مُنذ قليلاً.

ألم يقل أنـــه سيكسرهـــا؟؟..
ولكن لا حيــاة لمن تُنادي!!..

لولا أنـــه تلقى مُكالمــة هاتفيــة من "إبراهيم"، ذلك الشخص الذي كلفــه بـ مُهمة مُراقبـة "كارمـا" ليلاً ونهارًا حتى يستطيع أن يطمئن عليهــا بعد أن دخلت تلك الحرب، وبالفعل أخبره ما حدث لهــا، فـ تحرك سريعًا وحينما خرج من القصر وجد "يوسف" أمامـــه، فـ أتى معــه وخلفــه سيارتين من أفراد الحراسـة.

بعدهـا بعدة دقائق تلقى مُكالمـة أخرى منـه يخبره بـ مكان وجودهـــا الآن، فـ لم يجد حلاً سوى أن يزيد من سُرعـة سيارتـه لإلحاقهــا قبل فوات الأوان.

عاود فتح عينيــه الخضراوتين ولكن مازالت الصورة عالقـة بـ ذهنـه، فـ تلقائيًا إشتدت عضلات فكــه.. وإشتعلت بؤبؤي عيــنـاه نيران وحولهمــا ظلام دامس، كان هذا المزيج يُذيب العظام خوفًا بل رُعبًا بـ قلب أعتى الرجـال.

هتف بصوتٍ عميق:
-غلط لما سبتك، بس المرة دي مش هسيبك، حتى لو هاخدك غصب.

صمت قليلاً قبل أن يُضيف بصوتٍ أعمق:
-هخليكي تاخدي حقك منـه، وأنا كمان هاخُد حقي منـه، حقي أنــه عمل فيكي كده، وأنا مش بسيب حقي أبدًا.

سـاعـة مرت وأُخرى وهو جالسًا في رواق المشفى الطويل، يميل إلى الأمام، مُستندًا بـ مرفقيـهِ إلى ساقيـهِ، وعينيـهِ الجحيمتين تحدق بالأرض، حتى خرج الطبيب وما أن لمـح خروجــه حتى نهض سريعًا وأطبق على ذراعـه مُتسائلاً بلهفـة:
-أخبارهــا إيـه دلوقتـي؟؟..

نظر الطبيب إلى قبضـة "سيف" على ذراعـه، فقال بنبرة جـادة:
-ماتقلقش يا سيف باشـا، بس واضح إن دي محاولـة إعتداء وربنـا نجاهــا، مفيش غير بس الجروح السطحيـة والكدمـات.

بلع ريقـه بصعوبـة وهو يسألـه وجنون ملامحـه تزداد:
-طب وحالتهــا النفسية؟؟..

كان يسألــه وقبضـة يده تشتد أكثر على ذراع الطبيب دون أن يشعر، ومع ذلك رد عليـه بلطف:
-إطمن، الآنسـة واضح إنهــا قويـة، حالتهـا موصلتش لدرجـة الإنهيار، بس هي حاليًا في صدمـة من إللي حصل.

حاول أن يكون هادئًا نوعًا ما وهو يقول:
-طيب مُمكن أشوفهـا.

رد عليـه الطبيب:
-تمام، هننقلها حاليًا بس لأوضة عادية وبعدها تقدر تشوفها خمس دقايق مش أكتر.

******
لاحقًا، تحرك "سيف" بخُطا مُتلهفـة نحو الغُرفـة، وجدهــا راقدة على الفراش بتعب، أقترب ببُطئ مُحدقًا بذهول في وجههـا الشاحب المتورم، رجفـة قويـة أعترت جسده وهو يراهــا هكذا مُستكينـة، جلس على طرف الفراش ثم قبض على كف يدهـا برفق هامسًا بصوتٍ عميق كـ عُمق البحر:
-هتبقي كويسـة، وأنا هفضل جنبك.

صمت قليلاً قبل أن يقول بصوت مُختنق:
-مش هسمح لأي حاجة تكسرك، أنا هبقى ضلك يا كـارمـا.

وضع كف يدهــا على بطنهــا برفق ثم نهض بهدوء مُبتعدًا عنهــا، وقلبـــه يصرخ بألم على ما أصابهـــا، وجد عقلـه يدور في خوف غريب، أدرك اليوم وفي تلك اللحظة أن "كارمـا" مُجرد بشر قد تضعف وتسقط، سيحاولون أن يجعلوهـا تتنازل ولكن لن يسمـح بذلك، فقد ولدت قويـة وستكون هكذا دائمًا، سيكون بجوارهـــا.

******
وصل "يوسف" إلى المشفى أخيرًا، تحرك نحو ردهـة الأستقبال مُتسائلاً عن رقم غُرفـة "كارمـا"، فـ قامت موظفـة الإستقبال بإجابة سؤالـه، بحث عن "سيف" حتى وصل إلى الطابق المنشود، وجده يجلس يطرق رأســه واجمًا، تحرك نحوه بخُطا سريعـة وقد تعقدت تعبيراتـه على الأخير، وقف أمامــه صائحًا بقلق:
-سيف، إنت كويس؟؟..

نهض "سيف" وهو يسـألـه بلهجـة خشنـة:
-نفذت إللي طلبتـه منك؟؟..

حرك رأســه إيجابيًا وهو يقول:
-كلـه تمام، المهم أخبار كارمـا إيـه؟؟..

صمت قليلاً قبل أن يقول بهدوء:
-الحمدلله لحقناهــا قبل ما إبن*** يعمل فيهـا حاجـة، والكدمات والجروح السطحيـة هاتروح مع الوقت.

إبتسم "يوسف" وهو يقول:
-إن شاء الله خير.

ألقى نظرة على ساعتـه الفضيـة وهو يقول بصوتٍ حـاد كالسيف:
-طيب كـارمـا مش هتفوق دلوقتـي، أنا هاروح المخزن، وكمان شويـة هارجع على هنـا.

تنهد "يوسف" بحرارة هاتفًا:
-تمام.

أشـار بإصبعيـهِ قائلاً بصيغة آمرة:
-خليك هنـا يا يوسف، خُد بالك منهـا.

تابــع بصوت صـارم ولمعـة غريبـة ظهرت بداخل عينيـهِ الخضراوتين:
-لأن كـارمـا تخصنـي.

رفع "يوسف" حاجبـاه عاليًا وهو يسمـع منـه تلك الكلمات، لم يعبئ الأخير بـ صدمتــه بل تحرك بخُطــا ثابتـة وقد عزم على الإنتقام منـه بـ أبشع الطرق، فهو يستحق ذلك.. أرتسمت إبتسامـة شيطانيــة على ثغره وهو يهمس بصوتٍ يدب الرعب في أي قلب:
-كنت مستني اللحظة دي.

توجـه نحو خـارج المشفى، صعد سيارتــه وقادهـا بسرعـة جنونيـة حتى وصل إلى المكان المنشود، ترجل من السيارة وقد قست نظرات "سيف" المتوعدة، تحرك بخطوات متعصبـة نحو الداخل، وجده مُقيد بسلاسل حديدية مُثبتـة بـ الحائط وخيوط الدمـاء تنزف من أنفـه ومن بين أسنانـه، شعر "رامي" بأن قلبـه سيقتلع من بين ضلوعـه من فرطِ الرُعب بعد أن رأى الوجه الإجرامي لـ فهد آل نصــار.

ألتوى ثغر "سيف" بإبتسامة شرسـة وهو يقول:
-من أول يوم شوفتك فيـه وقولت إنك هتقع تحت إيدي.

بلع الأخير ريقـه بصعوبـة بينمـا دس "سيف" يديـهِ في جيبـه قائلاً:
-نظراتك كلهـا كانت واضحـة، فيهـا غضب وكره غريب، بس للأسف إللي إنت متعرفوش...

صمت قليلاً قبل أن يحدجـه بـ نظرات مميتـة هاتفًا بهمسٍ قاسٍ:
-إن كـارمـا تُخصنـي.

دنـا منـه "سيف" وبحركـة مفاجئـة أطبق على فكـه يعتصره، أخرج "رامي" أنينًا مكتومًا من جوفـه، تابـع الأخير بشراسـة:
-إنت قربت منهـا، جيت على إللي يُخصنـي، عشان كده من هارحمك.

زاد من ضغطـه العنيف على فكـه فـ صرخ الأخير من شدة الألم، هتف بقسوة:
-ومفيش حاجـة هاتنجيك مني.

شخصت أبصـاره من تهديده المُخيف، كان "سيف" يقول ببرودٍ:
-بس مش هاقتلك، أنا هموتك ببُطء لغاية ما تقولي على إللي وراك، وإللي أمرك بـ كده، لأني مُتأكد أن هنا...

أشـار بيده الأخير ناحيـة رأســه مُتابعًا بتهكم:
-في فردة جزمـة.

أرخى "سيف" أصابعـه عنـه قبل أن يتراجع قليلاً للخلف، إتجـه إلى مصدر الطاقـة وجذبــه، عاد إليــهِ قبل أن يضع ذلك السلك النحاسي على جرحــه الذي بـ جسده، قـام أحد رجـالـه بـ تشغيلــه، لتنطلق صرخـات "رامي" المُتألمـة، في حين ظلت إبتسامة "سيف" مُرتسمة على ثغره ولكن قست نظراتـه وأشتد لهيبهـا وهو يقول:
-لأ أجمد كده، إحنا لسه بنسخن.

******
وقف "رحيـم" أمام صورة كبيرة يتأملهــا بـ عينين حزينتين على رغم من لمعــة القوة التي تظهر بداخلهمــا، كانت الصورة وهو يقف بجوار صديقــه الوحيد والذي قُتل عن طريق الخطـأ، أغمض عينــاه لحظةٍ قبل أن يعاود فتحهمــاـ ولكن من يراه في تلك اللحظـة يعلم أنــه على وشك قتل أحدهم، همس بصوتٍ قوي عميـق:
-إطمن يا حُسام، حقي وحقك مش هسيبــه.

أضــاف بثقـة:
-وماتقلقش على سيف.. أخوك.

أخرج هاتفـــه من جيب بنطالــه وعبث فيــه قليلاً قبل أن يضعـه على أذنــه، وما أن أتــاه الرد حتى قال بصيغـة آمرة:
-تعالى على المكتب عندي، عشان هسلمك جواب تبعتــه على شركـة سيف الدين النصــار.

******

الظُلم.. والإنتقام..
سلسلة من الشر مُتصلة مُفرغة لا فكاك منهـا..

تحرك "يوسف" بخُطى هادئة حذرة نحو "كارمــا" بعد أن أبلغــه الطبيب بإفاقتهــا، وجدهــا جالسـة مُستندة إلى ظهر الفراش، لم تشعر بـ دخولــه بل كانت شـاردة وكأنهـا في عالم آخر، أقترب بحذر قبل أن يُناديهـا بهمسٍ:
-كارمــا؟؟..

رفعت عينيهـــا فجأة تنظر إليــه، عينين دامعتين.. غاضبتين.. قاسيتين، إبتسم لهــا بهدوء وهو يقول:
-أنا يوسف النقيب، أبقى صاحب سيف النصــار.

تراجعت للخلف أكثر وقد أصابتهــا رعشـة في جسدهــا، فـ هتف "يوسف" في شئ من القلق:
-ماتقلقيش إنتي بخير دلوقتـي، ومحدش هيقدر يعملك أي حاجــة.

أغمضت عينيهــا بقوة تكاد تعتصرهمـــا وجسدهــا يرتجف أكثر، وصدرهـا يخفق بعُنف خوفًا، تمتم "يوسف" بقلق:
-طب أتكلمي؟؟.. قولي حاجـة؟!!..

أنعقد حاجبيهــا بشدة وقد هبطت دمعتين ثقيلتين على وجنتيهـــا وهي تهز رأسهــا نفيًا، مسح على وجهه بقوة وهو يسألهـا برفق:
-طيب إنتي ليكي قرايب؟؟.. أو تحبي أتصل بحد مُعين؟؟..

فتحت عينيهــا ببُطء قبل أن ترفع يدهــا المُرتجفـة تضعهــا على فمهـا المفتوح دون صوت، فهي بـ مُفردهـا مُنذ سنوات طويلة، تجمدت عيناهــا على وجهه قبل أن تهبط من على الفراش متوجه نحو المرحــاض، ظل يتابعهــا بـ عينين قلقتين من رده فعلهــا حتى أغلقت الباب خلفهـــا، أطرق رأسـه بيأس وهو يقول بضيق:
-كان الله في عونهـا.

أستدار بـ جسده حينما وجد باب الغُرفـة قد أنفتـح، أرتخت تعبيرات وجهه المشدودة وهو يرى "سيف" الذي دخل يوزع أنظاره في المكان باحثًا عنهــا، أنقبض قلبـه وهو يسألــه بحدة:
-كارمـا فين؟؟..

أشــار بيده نحو المرحاض، فـ زفر بحرارة وهو يسألــه مُجددًا:
-إيه أخبارهـا؟؟..

رد عليـه "يوسف" بصوتٍ جاد:
-من ساعـة ما فاقت متكلمتش، رد فعلهـا يقلق.

صمت "سيف" قليلاً قبل أن يقول بجمود:
-ده الهدوء قبل العاصفـة، كـارمـا دلوقتـي عامله زي البالونة.. هتنفجر فأي لحظة.

أضـاف بلهجـة جـادة:
-أستناني برا يا يوسف، أنا هتكلم مع كارمـا شويـة.

حرك رأسـه إيجابيًا ثم تحرك نحو خـارج الغُرفـة تاركًا "سيف" مُتخبطًا بين أفكاره، عقد ساعديــه أمام صدره الضخم مُنتظرًا لحظة خروجهــا.

خرجت "كارمــا" من المرحـاض بخُطا مُتثاقلـة، ولكن سُرعان ما تراجعت للخلف وهي تشهق بفزع عندمـا وجدتـه ينظر إليهـا بـ عينيـه الجحيمتين، ضيق عينيـه بضيق وهو يراهـــا في تلك الحـالة لأولُ مرة، أقترب منهـا بهدوء وهو يقول بحذر:
-ماتخفيش يا كارمـا، ده أنـا؟!..

أرتجفت بشدة، في حين تابـع بصوتٍ حاني:
-ماتخفيش، أنا عُمري ما هأذيكي، إنتي فـ أمان.

كانت تعلم ذلك، أنهــا الآن بـ أمان، وكيف تُخـاف منـه وقد قـام بـ إنقاذهــا من براثن الشيطـان، دنــا منهـا أكثر حتى وقف قابلتهــا هامسًا بصوتـه العميق:
-كارمـا إنتي دايمًا قويـة مش هسمح إنك تضعفي مهما كان السبب.

رفعت عينيهـا الدامعتين إليــه قبل أن تخفضهمـا مرة أخرى بألم، فـ سألهـا بحنوٍ:
-مش ناويـة تردي عليا؟؟..

رفعت عينيهــا إليــه وهي تهمس بألم:
-مش قادرة أتكلم.

أعتصر قلبــه ألمًا من همستهـا الضعيفـة المُتألمـة، كاد أن يتحدث لولا دخول المُمرضــة التي إبتسمت لهمـا بـ عمليـة قبل أن تقول بـ نبرة جـادة:
-بعتذر يا مستر سيف، بس لازم أدهن ضهر الآنسـة كارمـا ودراعتهــا عشان الكدمـات والوجع يخف شويـة.

حرك رأسـه إيجابيًا قبل أن يهمس لهـا بكلمة واحدة:
-هارجعلك.

قالهــا ثم تحرك نحو الخـارج تاركًا إياهـا برفقة المُمرضـة، ظلت تنظر إلى الباب طويلاً بـ نظرات غريبـة، لا تعلم أنـه مُستند عليه من ناحيـة الأخرى وقد أغلق عينيــه مُتنهدًا بألم.

******
هدوء غريب طغى على المكان، بعد أن أتت لـه مُكالمـة هاتفيـة بـ فشل خطتــه، ظل جالسًا في مكانـه وملامحــه هادئة تمامًا وبـ يده لفافة التبغ الكوبيـة، وضعهـا داخل فمـه ساحبًا منهـا عدة أنفاس ثم زفرهـا دُفعـة واحدة، هتف بـ عُمق:
-فهد آل نصار هيبدأ يدور عليا، عشان يعرف ينتقم.

إبتسم بتهكم مُتابعًا:
-يبقى يقابلني لو ده حصل.

وثب واقفًا مُتنهدًا بـ لؤم:
-هشوف هتتصرف إزاي ياإبن النصار مع أهل مراتك، بعد ما وصلهم الخبر أن بنتهم عايشة مع واحد ومسلماله نفسهـا عادي.

أخرج هاتفــه من جيب بنطالـه قبل أن يعبث فيـه ويضعـه في أذنـه، ثوانٍ وأتــاه الرد فـ هتف بإقتضاب:
-جهز نفسك، عندك مُهمـة.

صمت قليلاً قبل أن تلتمع عينـاه بالظلام الدامس مُجيبًا:
-سيـف النصـار.

******
بعد فترة صغيرة، دخل بخُطا هادئة حذرة الغُرفـة، زفر بـ حرارة وهو يراهـا تمددت على فراشهـــا، أقترب منهــا متأملاً إياهـا بإهتمام، فـ وجدهـا مُغمضــة العينين وتئن بألم، وثوانٍ وجد دمـوع حـارقـة تهبط ببُطء شديد على وجنتيهــا، وقف بجوارهــا قبل أن يمد يده نحوهـا يمسح شعرهــا بحنو هامسًا:
-كارمـا.

حركت رأسهـا للجانبين وكأنهــا تحاول أن تهرب من شئ، وصدرهـا يرتفع ويهبط في خوفٍ، قست عينــاه دون أن تتحرك عضلـة في وجهه المُتصلب بعد أن علم ما تحاول الهروب منــه، أنتفض قلبـه بين ضلوعــه حينمـا سمع صوتهـا المُرتجف يهمس بهذيـان:
-لأ، لأ لأ إبعد عني.

فـ بدون أن يفكر مرتين مرر ذراعــه أسفل ظهرهـا ورفعهـا برفق شديد خشيًا أن يُصيبهـا بالألم من الكدمـات الموجودة على ظهرهــا، وضع رأسهـا على صدره، وبدأ يمسح دموعهــا بـ أنمالــه وهو يهمس بحنوٍ مثير:
-ده كابوس، أهدي، إنتي في أمان يا كـارمـا.

أخذ يمسح بيده الأخرى على شعرهـا مرددًا لهـا كلمات حانيـة كي يبث لهـا الطمأنينـة، أغمض عينـــاه للحظةٍ قبل أن يعاود فتحهمـــا، ظهر بريق القسوة بداخلهمــا مرددًا بصوتٍ غريب:
-هتدفع تمن إللي عملتـه فيهـا، وإلا مبقاش سيف النصـار.

******
حل الصبــاح مُعلنًا عن بداية يومٍ جديد، ظل جالسًا بجانبهــا، لم يرفع عينـاه من عليهـا وكأنــه يخشى أن يصيبهـا أي شئ بـ مُجرد أن يبعد عينيـه عنهــا، لمعـة حُزن ظهرت بداخلهمــا وهو يراهـا مُستكينة.. شاحبـة.. أعتـاد أن يراهــا قويـة.. مُتمردة، أشتاق لرؤيتهـا وهي تفتح عينيهـا وتبادله الحديث حتى لو كان قاسيًا.

أعتدل في جلستــه حينمــا رأهــا على وشك الأستيقاظ، فتحت جفنيهـا ببُطء وهي تئن من شدة الألم من تلك الكدمات على ظهرهــا، تقلبت عيناهـا فيما حولهــا حتى رأتــه يجلس بهدوء واضعًا ساقه فوق الأخرى، قال "سيف" بجمود عكس سعادتـه التي أعترت قلبــه:
-حمدلله على السلامة

ردت عليه بصوتٍ مجهد بعد أن جلست نصف جلسة:
-الله يسلمك.

صمتت قليلاً قبل أن تقول بهدوء:
-شُكرًا يا سيف، إنك لحقتني.

عقد ما بين حاجبيـه دون أن يتكلم، فـ تابعت بشرود:
-أنقذتني من كابوس كنت هعيش تفاصيلـه بقيـة عُمري.

إبتسم "سيف" دون مرح قائلاً:
-مفيش داعي للشُكر، كان لازم أعمل كده لأني بحافظ على إللي يُخصنـي.

حدقت في عينيــه مُباشرةً وهي تسألــه:
-وأنا أخصك في إيه؟؟..

رد "سيف" عليهـا بـ كلمة واحدة.. صلبة.. مُخيفـة:
-مراتـي.

أتسعت عينــاها للحظةٍ قبل أن تعودا لبرودهمـا مُتسائلة:
-بس أنا مش مراتك.

أتسعت إبتسامتــه قبل أن يسحب الورقـة والقلم من على الكومود، تمتم "سيف" ببرود:
-وقعي.

تجمدت ملامح "كارما" بصورة غير ملحوظة، قبل أن تقول بصوتٍ عادئ:
-أوقع على إيـه؟؟..

رد عليهـا بصلابة:
-إنتي عارفة كويس هتوقعي على إيــه، ده المُقابل إني أتنازل عن القضية.

عبست قليلاً هاتفـة:
-بس..

قال "سيف" بصرامة دون أن يرفع صوتـه:
-مفيش بس، وقعي.

تناولت من القلم والورقـة مُتنهدة بألمٍ خفي، بلعت ريقهـا بصعوبة وهي تتأمل الورقـة الزواج بـ دقـة، سحبت نفسًا عميقًا قبل أن توقع بـ روحٍ جامدة كالجليد، وثب "سيف" واقفًا كي يجلس بجانبهــا على طرف الفراش، أخذ منهـا الورقـة مُبتسمًا لهــا ثم طواهـا ودسهـا بجيب بنطالــه، صمت قليلاً قبل أن يقول بـ لهجة يملؤهـا الخُبث:
-لازم أقولك مبروك، بس بـ طريقتـي.

وقبل أن تسألــه كان يُعطيهـا الجواب المثالي، إتسعت عينيهــا بشدّة وقُبلتـه الجامحـة تضرب رأسهـا فـ تُصيبـه بـ دوار، كانت قُبلة عميقـة شديدة العمق بـ مشاعرهـا، إبتعد عنهـا هامسًا بصوتٍ لاهث:
-عشان تعرفي إنك بقيتي تُخصيني.

عندمـا إستعادت أنفاسهـا المسلوبـة من تلك المشاعر، هدرت فيـه بـ نبرة غاضبة:
-إنت قليل الأدب.

نهض من مكانه وهو يقول بالامبالاة:
-شُكرًا على المعلومـة، أنا رايح مشوار مهم، وبعدهـا هارجعلك.

تحرك نحو باب الغُرفـة، أنتظرت أن يخرج بـ فارغ الصبر عسى أن تستطيع الهروب بعدهـا، ولكن وجدتـه يلتفت إليهـا هاتفًا بصوتٍ لا جدال فيه:
-أنا سايب أتنين من الحراسـة بـرا، إياكِ تفكري تخرجي، مش عايز شقـاوة، تمام؟؟..

قال كلماتـه الأخيرة بإبتسامة مُستفزة جعلت الغضب يزداد لديهــا، وما إن خرج حتى قالت بضيق:
-أنا إللي جبتـه لنفسي.

******
دقـات قلبــه تزداد بجنون، جلس "يوسف" على المقعد الجلدي وعلى وجهه إبتسامة صغيرة جذابة، فهي على وشك الوصول في أيّ لحظة، نظر إلى ساعة معصمـه يحسب الوقت المُتبقي لوصولهــا، وقبل أن يعبس وجهه على تأخيرهـــا وجدهـــا تدخل المكتب بـ خُطا هادئة تمامًا حتى وصلت إليـه، أنتظر أن تقف كي تصل نسائم الياسمين التي أدمنهــا إلى أنفاســه، وبالفعل داعبت أنفــه رائحة الياسمين الناعمــة.

أطرق رأسـه قليلاً محاولاً إبعاد تلك الرائحة عن عقلــه حتى لا تلاحظ تصرفـه الغريب من وجه نظرهـا، عاود رفع رأسـه نحوها فـ وجدهـا واقفــة تنظر لــه بتوتر، تمتم "يوسف" بإبتسامة خلابة:
-صباح الخير يا أستاذة سارة، عامله إيه؟؟..

ردت عليــه بصوتهــا الهادئ:
-صباح النور يا مستر يوسف، الحمدلله بخير.

سألهـــا "يوسف" بإهتمام:
-ها قوليلي، حاسة إنك أحسن بعد ما إرتحتي إمبارح؟؟..

أطرقت رأسهــا واجمة ورفعت يدهــا تضعهــا على صدرهــا محاولة التنفس بـ عُمق، فـ ليلة أمس كانت أسوء ليلة من الليالي التي عاشتهــا، شعرت بأن الأرض تميد بهـا قليلاً فـ رفعت يدهـا الأخرى تضعهـا على رأسهـا، هب "يوسف" واقفًا وقد عقد ما بين حاجبيه، فـ دار حول مكتبـه ودنا منهـــا مُتسائلاً بعد أن أعتراه القلق:
-إنتي كويسة يا سارة؟؟..

رفعت رأسهــا تنظر لـه بـ عينين دامعتين، أنتفـض قلبــه وأتسعت عينـاه قائلاً بذهول:
-إنتي بتعيطي؟؟..

وجدت نفسهــا تهمس بإسمـه بألم:
-مستر يوسف.

تمتم "يوسف" بخفوت قوي رغم لهجتــه القلقة:
-مالك يا سـارة؟؟..

أبتلعت ريقهــا وهمست بترقب:
-مستر يوسف، ممكن أطلب منك طلب؟؟..

رد "يوسف" بإهتمام وهو يومئ برأسه:
-طبعًا، طلب إيه؟؟..

******
لم يستطع الوقوف من شدة الألم، شعر الآن بـ نتائج فعلتـه بعد ذلك التعذيب، رفع "رامي" رأسـه يرمق "سيف" بنظرات راجية، بينما الأخير يقف بـ هيبتـه ينظر لــه نظراتٍ قاسية مُظلمـة، أقترب منــــه أكثر وهو يقول بإبتسامة شيطانيـة:
-عارف يا رامي أنا عرفت منين إنك حيوان و*****؟؟..

وضع كفيـه بداخل جيبي بنطالــه مُتابعًا بنبرة شر:
-فضلت أدور وراك، لغاية ما عرفت تاريخك الـ*****.

أتسعت عينـــاه برعب، في حين تابـع "سيف" بصوتٍ فحيح كالأفاعي:
-حاولت تغتصب بنت عمك لما أهلهـا سافروا، بس لحُسن الحظ حد منهم كان قرر يرجع عشان ميسبهاش لوحدهـا، وبسبب الحكاية دي أهلك أتبروا منك.

بلع ريقـــه بهلع بعد أن تم كشفـــه، في حين أضاف "سيف" بـ عينين مُظلمتين:
-ده غير إنك كنت حاطط عينك على مرات صاحبك زمان، وكنت بتهددهــا لغاية ما عرفت توقعك وتكشف حقيقتك قدام جوزهــا إللي هو صاحبك.

صرخ "رامي" بعدم تصديق:
-عرفت ده إزاي؟؟.. مفيش حد يعرف الكلام ده؟!..

مال عليـه "سيف" بجسده وقبض على قصبتــه الهوائية ليمنعه من التنفس قم قال بصوتٍ مُخيف:
-هتدفع التمن غالي أوي، إنت غلط لما أذيتهــا، وزي ما كنت عاوز تكسرهـا أنا إللي هكسرك.

أبعد "سيف" قبضتـه عن عنقه، فـ أصابــه السعال ومع ذلك سألــه:
-قـ.. قصدك إيـه؟؟..

إبتسم إبتسامة خبيثة وهو يرد عليــه بقسوة:
-مش هترفع عينك من النهاردة على الأرض، هعيشك طول عُمرك فاكرني.

دخل فجـأة رجل ضخم بخُطا ثابتـة وخلفــه رجل آخر، كانت ملامحـه مُخيفـة، إبتسامة شيطانيــة على ثغره، بشرة سمراء وذقن غير حليقة، أنتفض "رامي" وتأهبت كل حواســه بهلع حقيقي، زاد معدل أنفاســه وهو يسألــه:
-مين ده؟؟..

رد "سيف" بـ عينين حمراوين قائلاً بتشفي:
-ده دكتور من المشرحـة، هيعالج إللي تاعبك وخلاك تبص لبنات النــاس.

صرخ "رامي" برعب وهو يزحف للخلف:
-لأااااا.

تألقت عينا "سيف" ببريق حازم وهو يردد:
-قررت إني أعجزك عجز جنسي، عشان تموت ببُطء.

تحرك "سيف" عدة خطوات للخلف وهو يخرج نظارتـه السوداء القاتمـة، هتف بصوتٍ بارد:
-آه وبالمُناسبـة، مش هتقدر تأذيني، أصل إعترافك بإللي عملتـه سجلتــه، يعني لو راجل فكر تجيب سيرتي.

نظر "سيف" للرجل قائلاً بصيغة آمرة:
-شوف شُغلك يا دكتور.

تحرك بعدهـا نحو خارج المخزن تاركًا "رامي" برفقة ذلك الرجل ومُساعده على إنفراد، دقيقة وكان صوت صراخــــه وهو يرجوهم بـ تركــه تملئ المكان، ولكن لا مفر بعد ما أرتكبــه.

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-20, 10:40 PM   #14

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


"الفصل العاشر"

أحيانًا يكون الإنكسـار مـا بعد السقوط
مُقدمة لوقفـة أُخرى أكثر قوة

الأجواء المُحيطة هادئة تمامًا، ترجل "رحيـم" من على سيارتـه؛ مُستندًا على حواف السيارة، ثم جلس على حرف السيارة الأمامي، ونظر من هذا المُرتفع الجبلي الذي ترى عبره العاصمـة كلهـا.

نظر في ساعـة يده وهو يتأفف، ثم عاد ينظر أمامـه من جديد، تحرك أمام ناظريـه سيارة أُخرى تقترب منـه، فـ علم أنه هو المُنتظر، وقف "رحيم" مُتصلبًا حتى ترجل "سيف النصـار" عن سيارتـهِ، وأقترب منـه بخُطى ثابتـة لا تخشى، إبتسم الأخير لـه بعملية مرددًا:
-فهد آل نصـار بـ نفسـه واقف قدامي؟؟..

إبتسم "سيف" دون مرح وهو يقول:
-زهقت من الجوابات، قولت نتقابل face to face، ولا إيــه؟؟..

هز "رحيم" رأسـه إيجابيًا وهو يردد بإهتمام ناظرًا حولـه بتفحص:
-معاك حق، وإخترت مكان كويس للمُقابلة.

سألــه "سيف" بصوتٍ صـارم:
-مُمكن أفهم إيه الجواب إللي بعتــه إمبارح ده؟؟..

صمت "رحيم" قليلاً قبل أن يقول بجديـة:
-زي ماإنت شوفت كده، رامي مش هيساعدك في إنك توصل لمكان إللي مشغلــه وإللي أمره أنه يأذي كـارمـا.

أشتعل الإستنكار في عينيـهِ قائلاً:
-إشمعنـا؟؟..

رد "رحيم" بصوتٍ جدًّ:
-سيف باشا، الراجل ده مش سهل، إحنا حاليًا بنتعامل مع شبح، لا عارفين شكلـه ولا حتى إسمـه؟!..

تمتم "سيف" بجدية:
-في معلومـة جديدة.

سكت مُتعمدًا ليقول بهدوء:
-إسمــه ثروت، النهاردة عرفت إسمـه من تحقيقات النيابة بعد ما ولاد الـ**** إللي خطفوا كـارمـا أعترفوا بإنـه أمرهم بـ كده، بس مش عارفين شكلـه، لإنـه أتعامل معاهم عن طريق مًكالمة موبايل.

أضــاف بـ لهجـة قوية:
-ده غير أعتراف رامي، ومن ضمن أعترافاتــه.. إنـه دايمًا مُتنكر!!.. مرة يظهرلـه بـ دقن ومن غير دقن وبـ أشكال مُختلفـة كمـان!!.. ودايمًا بيلبس نضـاره سودا، عشان محدش يعرف شكل عينـه، فـ كده مقدرش يوصفـه!!..

سألــه "رحيم" بضيق:
-والحل؟؟..

رد عليـه "سيف" بجمود:
-هنضطر نستنى أي جديد منـه.

سحب نفسًا حادًا قبل أن يُضيف بصوتٍ عميق:
-لو في جديد كلمني، أنا لازم أمشي عشان سايب كارمـا لوحدهـا.

هتف "رحيم" بتساؤل مُهتم:
-آه صح، أخبار كارمـا إيه؟؟..

تصلب جسده حينما نطق إسمهــا بذلك الإهتمام، إلتفت إليه يحدجـه بـ نظرات قاسية مُظلمـة وتقوس فمـه إلى إبتسامة شرسة قائلاً:
-هي كويسة، بس إسمهــا مدام كارمــا، تمام ولا؟؟..

شعر بالحرج من كلماتــــه ومع ذلك قال بإبتسامة صغيرة واثقـة:
-مبروك.

حرك "سيف" رأســه ومازالت تلك الإبتسامة المُخيفة مُرتسمة على ثغره، أرتدى نظارتـه القاتمـة قبل أن يتحرك نحو سيارتــه يستقلهـا بهدوء كمـا أتى، ثوانٍ وكان غادر من المكان بأكملـهِ، في حين بقى "رحيم" واقفًا شاردًا، تمتم بصوتٍ عميق:
-فهد آل نصـار بقى له نقطة ضعف؛ كـارمــا.

******
ظل واقفًا والقلق يتزايد لديــه، تراقصت إبتسامة مُهتزة على شفتي "يوسف" محاولاً تشجعيهـا على إخباره بـ طلبـهـا، أطلقت من أعمق أعماق صدرهـا زفرة حـارة وقد أطلّت من عينيهـا نظرة حائرة تشفّ عن توترهــا، بلعت ريقهـا بصعوبـة قبل أن تهمس بترقب:
-أنا محتاجة محامي شاطر يعرف يخليني أرفع قضية خلع على سامر وأكسبهـا في فترة صُغيرة!!..

رفع حاجبيــه بذهول، في حين تابعت بصوتٍ نحيب:
-أنا مش عارفة أتصرف، ولا أعرف حد، عشان كده ملقتش غير حضرتك.

مسح على شعره بقوة محاولاً التماسك، قبض على كف يدهـا برفق وهو يقول بصرامة:
-تعالي يا سارة.

أجلسهــا بهدوء على المقعد ثم جلس على المقعد المُقابل لهـا، تنهد بعُمق قبل أن يقول:
-إنتي مُتأكدة من القرار ده؟؟..

حركت رأسهـا إيجابيًا سريعًا، فـ قــال بدون تردد:
-طيب مُمكن أعرف كل حاجة من البداية.

عقدت ما بين حاجبيـهِ وهي تسألـــه بخوفٍ:
-طـ.. طب، ليـه؟؟..

فرك كفيـه معًا وهو يرد عليهـا:
-عشان أعرف أسعادك، وأفهم من المُحامي وضعك إيـه، قضايا الخلع بتاخد فترة طويلة، إحنا عاوزين نقلل الوقت على أد ما نقدر.

قالت "سـارة" في نغمة ألم:
-بابا وماما الله يرحمهـا أنفصلوا وأنا عندي 3 سنين، مشوفتوش ولا مرة، بس إللي عرفتــه بعد كدا إنــه إنسان ظالم، وأذى أُمي كتيــر أوي، وعُمره قدر يعترف بينـه وبين نفسـه إني بنتــه، لأنه بإختصار مش بيحب خلفة البنات، في يوم حد كلمنـي وقالي أبوكي بيموت، من غير تفكير روحتلـه، قولت ده أبويـا في الأول وفي الآخر لازم أطمن عليـه وأشوفـه، وخصوصًا أنـه عايش وحيد، في التوقيت ده ماما كانت سافرت السعوديـة عشان تحج.

أصغى إلى كل كلمـة تقولهـا بإهتمام بالغ، وحينمــا صمتت.. قال لهــا بصوتٍ أجش:
-كملي، أنا سامعك.

أنخرطت فجـأة في بُكاء وهي تضع يديهـا على صدرهــا، تمتمت بعذاب:
-يارتني ما روحتلـه، قالي أن في واحد طلبني للجواز وإنـه وافق، فضلت أترجاه أنه ميعملش كده، فـ هددني بـ أذية أمي وأذيتي أنا كمان، وحبسنــي أكتر من أربع أيام في مكان غريب، لغايـة ما تعبت ووافقت، وفعلاً أتجوزتـه، أفتكرت إن ربنا ممكن يعوضنـي عن إللي شوفتــه، بس أكتشفت أنــه متجوز قبل مني، وأنه أتجوزنـي جواز مؤقت لغاية ما أبقى حامل، عشان مراتـه مش بتخلف وبعدهـا ياخده مني!!..

رفعت عينيهـا الباكيتين الحمراوتين ترمقــه بألم، خفق قلبــه بعنف حينمـا تابعت:
-وأبويا طلع عارف الكلام ده، ووافق لما عرض عليـه ربع مليون جنيـة.

أغمضت عينيهــا وهي تهدر بمرارة:
-مرحمنيش، عشت معاه في مرار وعذاب، كان بيضربنــي ويعلم في جسمي بالحزام، جسمي أتكسر من الضرب، ولما أمي رجعت من السفر وعرفت إني أتجوزت كنت طلبت منهـا تسبني معاه يمكن يتعدل حاله، بس ده زاد، لغاية ما حصلتلي حادثــة عريبـة وكنت حامل، بس حصل إجهاض، ولما أمي جت تشوفني في المُستشفى قولتلهـا على إللي حصلي، خدتني على بيتنــا، وقدرت تمنعـــه أنه يقرب مني.

فتحت عينيهــا وهي تقول ببُكاء حــار:
-كانت ست قويـة، أقوى مني مليون مرة، قدرت توقفلـه، كان عندهـا أستعداد تقتلـه لو فكر يقرب منـي تاني، لغاية ما ماتت وسبتني.

هدر "يوسف" بحدة:
-عشان كده يوم ما كنت في المستشفى، جه وكان شمتان في موتهـا، مش كده؟؟..

حركت رأسهــا إيجابيًا بـ عذاب وفجأة صرخت بقهر:
-أنا عيزاه يختفي من حياتـي، عايزة أبقى حُــرة!!!..

قبض على كفيهـا وهو يقول برجاء:
-أهدي يا سارة، و..

هبت واقفــة وهي تهدر بعصبية:
-مبقتش عارفة أهدى!!!.. أنا عايزة أرجع زي الأول، عايزة أضحك.. مش أعيط!!!.. عايزة أبقى قويـة وحُــرة، عايزة أعيش!!!..

وثب "يوسف" واقفًا وقبض على ذراعيهـــا يهزهـا بقوة قائلاً:
-أهدي يا سارة، صدقينـي مش هسيبك، والله مش هسيبك لغاية ما تحققي كل ده، بس أهدي الأول!!..

وضعت يديهــا على صدره دون شعور وهي تقول بصوتٍ يقطع نياط القلوب:
-مش قــااااادرة، أنا بمـــوت، والله بمــــوت كل يوم، عايزة أرتــاح من الوجع بقاااا.

أرخى قبضتيـهِ عن ذراعيهــا وهو يقول بصوتٍ قوي وثقة لا تقبل النقاش:
-عايزة ترتاحي وتبقي قويـة، يبقى مفيش قدامك حل غير إنك تحاربي دلوقتـي، أيوة.. لما ترفعي قضية خلع هتبقى بدايـة حرب ليكي، أقفي بكل قوتك وواجهي.

حدقت فيه بوهن غريب، في حين إبتسم "يوسف" بحنو وهو يقول بـ نبرة حازمـة:
-وماتقلقيش أنا هبقى جنبك، وعيني من هنا ورايح هتبقى عليكي، هتبقي تحت حمايتي لغاية ما تاخدي حُريتك، بس دلوقتي خلي روحك قويـة.

تراجع للخلف خطوة واحدة قبل أن يسألهــا بصوتٍ هادئ مُترقب:
-تمام يا سارة ولا لأ؟؟..

ردت عليه "سارة" بخفوت:
-تمام.

قالتهــا وهي تطرق رأسهــا في إستيحاء، أغمضت عيناهــا بقوة تكاد تعتصرهمــا من شدة الخجل، الآن فقط أنتبهت على ما فعلتـه مُنذ دقيقة، عاودت فتحهمـا وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعهـــا بعد تلك الكلمات التي قالتهــا في لحظة إنهـار ويأس.

شعر "يوسف" ما تمر بهِ من إضطراب وتوتر عقب تذكرهـا ما فعلتــه؛ لذلك إبتسم لهــا ثم همس بإسمهـا ونظرتـه تتبع خط سير نظرتهــا:
-سـارة.

رفعت وجههـا نحوه وقد تقلبت عيناهـا فيما حولهـا بإرتباكٍ واضح، فقال بـ نبرة صارمة:
-دلوقتي تروحي تغسلي وشك، وهنبقى نتقابل بعد الشُغل عشان نتكلم فإللي هنعملــه.

حركت رأسهـا بالإيجاب ثم أستدارت متوجه صوب باب المكتب، زفر "يوسف" بنفاذ الصبر وهو يعتقل بكفـه ذراعها ليسحبهـا ناحيـة باب المرحاض الذي يقع بآخر المكتب ثم قال بنبرة متصلبة:
-أكيد مش هتطلعي بالشكل ده.

حينمــا وصل كان أرخى قبضتـه عن ذراعهــا هاتفًا بجديـة:
-يالا أدخلي أغسلي وشك.

لم تمنع نفسهــا من الإستدارة إليه مواجهة عينيه بنظرة غضب غير مُعتادة من عينيها من تلك الحركة، فـ نظر إليهـا بتحدٍ أن تتجرأ وتظهر غضبهـا للعلن، أستمرت تنظر إليـه تلك النظرة للحظات معدودة قبل أن تدخل المرحاض، تاركة قلبٍ خلفهــا ينبض بإسمهــا بجنون عاشق.

******
دخل "سيف" الغُرفة بخُطـا هادئة، إبتسم بعفويـة حينمــا وجدهـا نائمــة، دنا منهــا يحدجهــا بـ نظرات حانيــة حتى جلس على طرف الفراش، مد يده يمسح شعرهـــا برفق مُتأملاً إياهــا بـ نظرات مليئة بالشغف، كان لون بشرتهـا البيضاء مشربًا بـ حمرة يسري وديعـة، لم يستطع منع نفسـه فـ أنحنى بـ جسده قليلاً مُدابعًا شعرهــا بأصابعـه، إبتسم بشوق لشفتيهـا القريبتين من شفتيـهِ، فـ بدون أن فكر مرتين أنحنى أكثر يقبلهــا برقة حتى لا تشعر بهِ.

إبتعد عنهــا بصعوبة محاولاً ضبط أنفاسـه، نظر "سيف" إلى ساعة معصمـه وهو يتأفف، تأهوت فجـأة بألم فـ عقد ما بين حاجبيــه بقلق، مد يده يربت على وجنتهـا برفق هاتفًا بصوتٍ حاول إخراجـه هادئًا:
-كارمـا، كـارمــا إصحي.

فتحت عينيهـــا يعد ثوانٍ، ثم قالت بعد إستيعابهـا:
-سيف!!.. إنت رجعت؟؟.. في إيـــه؟؟..

سألهــا بقلق لم يخفيـه كالمرة السابقة:
-إنتي تعبانة؟؟.. في حاجة وجعاكي؟؟..

ردت عليـه "كارمـا" ببساطة:
-عادي يا سيف، ده ضهري بس واجعني بسبب الكدمات الموجودة.

حرك رأسـه بتفهم، فـ كانت توجيهات الطبيب بالراحـة التامـة والدوام على إستخدام الدهانات العلاجية ومسكنات الألم توجيهات واضحـة لا تقبل المُناقشـة، بعد أن أطلع على حالتهـا.

دقيقة واحدة فقط، وكان جلب دهان علاجي سمح به الطبيب، جلست "كارما" نصف جلســه وهي تسألــه بتوجس:
-هتعمل إيـه؟؟..

رد عليهـا بثقـة غير قابلة للتشكيك:
-هدهن ضهرك ودراعتك.

أشتعل الغضب بداخل عينيهـا وهي تهدر قائلة:
-لأ طبعًا، ده مش هيحصل أبدًا.

قبض على معصمهــا يجذبهـا نحوه بعنف قائلاً بصوتٍ مُخيف:
-صوتك أحسنلك، أسمعي كويس يا كارما، أنا ألطف إنسان ممكن تقابليـه في حياتك، بس في ثانية بقلب لأوحش إنسان تقابليـه في حياتك، بإيدك إنتي تخلي عيشتك معايا جنـة ياإمـا نـار.

هتفت "كارمـا" بعند غير عائبة بـ حديثه:
-قولت لأ يعني لأ.

صمت قليلاً قبل أن يقول بصوتٍ غريب:
-هتتعاقبي؟؟..

ردت عليه بعدم لامبالاة:
-مش بخاف.

رمقتـه بطرف عينيهــا وقبل أن تتحدث، وجدت وجهه يندفع إليهــا مُلتهمًا كلماتهـــا قبل أن تغادر حتى من شفتيهـا، كان يبدو كالطوفان لا سبيل لمقاومتـه، وكانت يداه تقبض على جسدهـا وكأنـه يتشبث بـ حياتـه.

صُعقت "كارمـا" ولكن دون شعور منهـا أستسلمت لتلك المشاعر، حيثُ أغمضت عينيهـا تاركـة ذراعيهــا ترتفعان ببطئ كي تحيط عنقـه، لأول مرة تشعر بأن جزء من الألم الداخلي يسكن، أبتعد عنهـــا محاولاً ضبط أنفاســه، في حين فتحت عينيهـــا ثم أتسعت بصدمـة واضحـة، همس لهـا بصوت عميق.. عنيف:
-صدقيني أنا عُمري ما هأذيكي، ثقي فيـا ومش هاخذلك أبدًا.

******

الخوف من الحرب
أسوأ من الحرب نفسهــا

جلست "ثريـا" على الأريكــة بـ جوار "شريف" الذي بدا عليــه الشرود، ظلت تحدجــه بـ عينين هادئتين مُتعجبة من حالتـهِ، فقد أصبح شاردًا.. حزينًا.. يائسًا.. وكأن هموم الدنيـا قد وقعت على أكتافـــه، تنهدت بـ حرارة قبل أن تضع يدهــا على كتفـه تربت عليـه برفق مُتسائلة بقلق:
-وبعدين بقا يا شريف، إنت هتفضل كده؟؟.. حالتك مش عجباني؟؟..

إلتفت برأســه إليهـــا ثم قـال بهدوء عكس ما بداخلـه:
-مفيش حاجـة يا ثُريـا، شويـة مشاكل في الشُغل؟؟..

أمتعضت ملامحهــا وهي تسألـــه بضيق:
-شُغل إيــه يا شريف؟؟.. إنت هتضحك عليا؟؟.. إبنك ماسك كل الشركات دلوقتـي، وإنت هنا فالقريـة كبيرهم، فـي إيـه؟؟..

وثب "شريف" واقفًا وهو يهدر بغضب:
-هو تحقيق ولا إيـه؟؟.. قولت مفيـش.

هبت واقفـة وقد عقدت ساعديهـا أمام صدرهــا هاتفـة بتبرم:
-أنا مراتك يا شريف، وبعدين إنت عُمرك ما كنت كده؟!.. إنت بقيت بتتعصب من أقل حاجة، فـ عايزة أعرف السبب دلوقتـي.

حاول أن ينهي الحديث معهـا، فـ لو علمت الحقيقة سيكون ردة فعلهـا سيئ، وهو لن يتحمل ما ستقولـه، لذلك هتف "شريف" بنفاذ الصبر وهو يسحب هاتفــه:
-يووه، قولتلك مفيش، إنتي عايزة يبقى في مُشكلة وخلاص؟!..

قال كلمتـه الأخيرة وهو يضع هاتفـه بداخل جيب بنطالـــه ثم توجــه نحو خـارج الغُرفـة منتويًا أن يذهب إلى مكتبـه كي يفكر في تلك الكارثة وكيفية التخلص منهــا، في حين عادت تجلس "ثُريـا" على الأريكـة ووضعت ساقهـا فوق الأخرى قائلة بضجر:
-ماشي يا شريف، بس مبقاش ثُريا لو معرفتش إيـه إللي إنت مخبيه عليا.

******
جلس "سيف" خلف "كارمـا" كي يضع الدهان على ظهرهــا، أغمضت "كارما" عينيهـــا بقوة بعد أن رفعت ملابسهــا قليلاً، أتسعت عينـي "سيف" وهو يرى التورم ولونـه الذي بدأ يميل للزرقـة، زادت نبضـات قلبـــه غضبًا وتمنى لو يراه مُجددًا كي يقتلـــه، أرتجفت حينمــا شعرت بـ أصابــع يده تضع الدهان على ظهرهــا بحنوٍ مُثير، وأجتاحهـــــا شعور غريب دافئ، أعتصرت جفنيهــا وهي تعض على شفتهــا السُفلى بألم، سمعت صوتـــه العميق وهو يسألهـــا:
-حاسـة بـ وجع؟؟..

لم تستطع أن ترد على سؤالـه بل أطرقت رأسهــا تتأهوه من شدة الألم، حرك رأســه مًستنكرًا تلك القوة التي تحاول رسمهـــا أمامـــه، ومع ذلك قــال لهــا بصوتٍ أجش حينما أنتهى:
-غطي ضهرك.

حركت رأسهــا إيجابيًا وهي تغطي ظهرهـا بحرص، بينمـا أعتدل "سيف" في جلستــه وقبض على كف يدهـا برفق يسحبـه نحوه كي يفرد ذراعهــا، بدأ بوضع الدهان بحرص شديد محاولاً ألا يضغط عليـه لكي لا تتألم، لم ينتبــه إلى تلك العينين التي تدرس تفاصيل وجهــه لأولُ مرة.

هو يتميز بـ صفحة وجه جذابة وسيمـة، ذي شعر أسود، شعرت بالحرارة تدِبُّ في أوصالهـا وهي تتأمل ملامحـه، قسمات وجهه المنحوتـة من الصخر، وعينيــه الخضراوتين العميقتين اللتين تلاحقانهـا بإصرار، وجسده المتعضل والمتكدس بالمنحنيـات.

رفع عينيــه فجـأة ينظر إليهــا فـ رأى نظرة إنبهــار بداخل عينيهــا الزرقاوتين اللتين عشقهمـا مُنذ الصغر، فـ تلقائيًا ظهر بريق دافئ باعثـة فيهـا ذبذبات كهربائيـة هزت كيانهــا، هي لم تلتقِ يومًا برجل حرك مشاعرهـا بهذه الطريقـة من قبل، تلك العينين القويتين اللتين أسرتاهـا بشدة، حتى أصبحت عاجزة عن إبعاد عينيهـا عنهمـا، فـ تسارعت الحرارة تغزو شرايينهـا، وأحست بـ دفئ غريب في قلبهـا.

أبعد عينيـه عنهــا بصعوبـة بالغـة وهو يقول:
-يالا أفردي جسمك شويـة.

سألتــه بصوتٍ هادئ:
-أنا هخرج من هنـا إمتى؟؟..

رد عليهـا "سيف" وهو ينهض من مكانـه:
-أتفقت مع الدكتور إنك تخرجي بكرا، بس مفيش مجهود الفترة الجاية لغاية الكدمات دي ما تروح.

صمتت قليلاً قبل أن تسألـه بصوتٍ غريب:
-رامي أتقبض عليـه، صح؟؟..

رد بعدم إكتراث وهو يجلس على المقعد:
-آه أتقبض عليه النهاردة، وكمان شويـة هتلاقي في حد جاي عشان ياخد أقوالك.

رسمت على محياها إبتسامة ساخرة وهي تقول:
-طبعًا لما أخرج من هنـا، هاروح معاك القصر، صح؟؟..

رد "سيف" بـ بسمة باردة قائلاً:
-ده فعلاً.

نظرت إليه "كارمـا" نظرةً طويلة ثم أرخت عينيهـا وقالت بصوتٍ واثق:
-كنت عارفـة ده كويس، شخصية زيك مش هتسبني في حالي.

قال "سيف" جامدًا:
-كويس إنك عارفـة، خليكي فاكرة إنك مراتـي.

رفع ذقنـه قليلاً وهو يبتسم بثقـة عاليـة:
-وأنا مش بسيب إللي يخصنـي ولو على موتـي.

رفعت حجباهــا عاليًا وهي تحدجــه بـ عينين مصدومتين، تأكدت أن هروبهــا منــه الآن أصبح شبه مُستحيل، هو عُرِف عنـه القسوة والصرامـة، لذلك لن يدعهـا تهرب منـه بتلك السهولـة.

تنهدت بـ عُمق قبل أن تخفض حاجبيهـا وتتمدد على بطنهــا، أغمضت عينيهـا بوهن غريب أعتراهـا، هل السبب هو ما مرت بـه في الفترة الأخيرة؟!.. أمْ بسبب شعور الأمـان ووجود حصن لن يخذلهـا أبدًا؟!..

******
في المســاء، صف "يوسف" سيارتـــه أمام مدخل بنايتهـــا ثم إلتفت برأســه نحوهــا ليجدهــا تفرك كفيهــــا بتوتر، وقد لمح بريق الخوف الذي بداخل عينيهـا العسلتين، زفر زفيرًا حارقًا قبل أن يتقوس فمـه بإبتسامـة صغيرة هاتفًا بصوتٍ أجش:
-مش قولتلك ماتخفيش طول ما أنا معاكي؟؟..

إلتفتت لـه برأســهــا تنظر لـه بـ عينين قلقتين، في حين تابــع بهدوء:
-إحنا هنروح لمحامي شاطر أعرفـه، وإن شاء الله خير، المهم ماتقلقيش وسبيهـا على ربنـا.

تمتمت "سارة" بخفوت:
-ونعم بالله.

ثم إبتسمت له وهي تقول:
-شكرًا أوي يا يوسف، أنا عُمري ما هنسى وقفتك جنبي، بجد شكرًا.

أتسعت إبتسامتــه وقال بصوتٍ جاد:
-إنتي تستحقي كل حاجة حلوة يا سـارة، وبوعدك إني هفضل جنبك.

لمعت عينـاه بـ وميض إصرار وهو يؤكد صدق نيتـه:
-والوعد دين، والدين ميسدهوش غير راجــل، أظن من ساعة ما عرفتيني آآ..

وكأنهــا فطنت إلى ما سيتفوه به، فـ قطعت حديثــه قائلة بقوة:
-أنت راجل من يوم ما عرفتك، فـ مفيش داعي تكمل الجملـة.

وسرعان ما أخفضت عيناهــا وهي تقول:
-نتقابل بإذن الله بكرا.

حرك رأسـه بالإيجاب:
-بإذن الله، خدي بالك من نفسك يا سـارة.

هزت رأسهـا إيجابيًا قبل أن تترجل من السيارة، تحركت نحو مدخل البنايــة، في حين تحرك "يوسف" بسيارتـــه مُبتسمًا بفرح بعد شعوره بأن الحيـاة ستبتسم لــه، ولكن هل ستدوم؟!..

******
نهض "سيف" عن جلستـه بقنوط، نظر في ساعة يده للمرة العاشرة، حيثُ مر الكثير من الوقت و"كارمـا" تجلس مع كلاً من ضابط مباحث ومعاونـهِ وكاتب للمحضر، كور يده كـ قبضـة وبدون شعور لكم الحائط وهو يتمتم بغضب مكتوم:
-كل ده وبيسألوهـا، دي لو بتحكي قصـة حياتهــا مش هيبقى بالشكل ده.

شعر بأن الغضب يتزايد لديـــه وغيرتــه القاتلة على وشك قتلــه، فـ بدون شعور قرر أن يقتحم الغُرفـة ولكن قبل أن يقدم على فعل ذلك كان الباب ينفتـح ويخرج منه ضابط المباحث، نظر لــه نظرات مُظلمــة حتى أنصرف، فـ دخل الغُرفـــة وهو يقول لهـا بصيغـة آمرة:
-أجهزي يا كارمـا، هنمشي من المستشفى دلوقتـي.

ظلت تنظر إليـه عاقدة حاجبيهـا بشدة، إلا أن الذهول كان ظاهرًا بـ عينيـهــا ثم قالت بحنق:
-إيـه ده؟!.. هو مش إنت قولت آآ..

قاطعهــا "سيف" بصوتٍ صـارم:
-هنمشي النهاردة، وترتاحي في البيت أحسن، هبعتلك مُمرضة تيجي تساعدك.

ثم خرج بخُطا متعجلة والنيران تشتعل بـ صدره، في حين ظلت عينيهـــا تتسعان بذهول، حركت رأسهـــا بعدم تصديق وهي تغمغم:
-بني آدم غريب جدًا.

******
جلس "عزيز" على الأريكة المقابلــة للأخرى؛ حيثُ يجلس "حامد" شقيقــه الأصغر وإبنــه الوحيد "مُصطفى"، إلتفت "عزيز" برأسـه جانبًا فـ وجد إبنـــه "فــارس" ينظر إلى نقطة ما بـ عينين غاضبتين حمراوتين، بعد أن وصلت إليــه معلومات مؤكدة عن شقيقتــه "كارمــا" تعيش مع رجل بدون زواج، هتف "عزيز" بصوتٍ حاد:
-هنعمل إيه دلوقتـي؟؟..

هتف "مصطفى" بدون تردد بلكنتـه الصعيديـة:
-هنجبهــا حتى لو من آخر البلاد ونغسل عارنـــا بيدنــا.

هدر "حامد" بصوتٍ غاضب:
-هخليهـا تجول حجي برقبتي، هوريها المُر بعد إللي عملتــه الفاجرة، ما هي تربية أمهـــا.

صــاح "عزيز" بغضب جامح وهو يهب واقفًا:
-حــااااااامد.

أمتعضت ملامحـــه وهو يضيق عينيــه بإستنكار:
-مش ده إللي حُصل ولا بجول أي كلام؟؟..

هدر "عزيز" بلهجــة غاضبة:
محدش يجيب سيرتهــا.

وثب "فارس" واقفًا وهو يقول بصوتٍ غريب:
-بكرا هنسافر، لازم نسافر.

******
دخل أحد رجالــه مكتبــه بعد أن أخذ الإذن منــه، أستدار "ثروت" إليــه يرمقــه بـ عينين غاضبتين، فـ تنحنح الأخير بقلق من نظراتـه وملامحــه المخيفة، سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل قبل أن يقول بنبرة عملية:
-تمام يا ثروت باشا، إللي عوزتـه حصل، وأهلهــا عرفوا.

أشـــار بإصبعيـــه بالخروج، فـ إمتثل لأمره وهو تنفس بإرتياح، في حين تقوس فمــه بإبتسامة مُظلمـة هاتفًا بتهكم:
-كان لازم أعمل كده عشان أعرف أعطلك ياإبن النصـار، لأنك أول ما هتشوفهم مش هتبقى فاضي وساعتهــا أضرب ضربتي إللي تكسر ضهرك.

******
مدت "سارة" يدهـا بالمفتاح تحاول فتح باب منزلهـا، وما أن فتحتـه كانت تشهق مرتعبة فجـأة حين قبضت يد قوية على ذراعهـا تدفعهـا نحو الداخل، ثم أدارتهــا إليـهِ بالقوة ملصقًا ظهرهـا إلى الحائط، رفعت وجهها برعب تنظر إليه بـ عينين متسعتين وصدرٍ يلهث، بينما بدت على وجهه معالم شيطانيـة مخيفة، تنبأهـا أنهــا بين براثن الشيطان.

أغلق بيده الأخرى باب المنزل، كانت تحاول النطق إلا أن الرعب أصابهــا بالخرس، بينما هتف "سامر" بهمسٍ غاضب:
-كنتي بتعملي إيـه معاه فالعربيـة؟؟..

فغرت شفتيهـــا قليلاً وهي تهمس بخوفٍ شديد:
-إيه إللي جابك؟؟.. عاوز مني إيـه؟؟..

شدد على ذراعهــا مكررًا بقسوة:
-إنطقي، مين ده؟؟..

مدت كلتـا يديهـا فجـأة تدفعـه في صدره دفعـة قويـة مفاجئة وهي تصرخ بغضب جامــح:
-ملكش دعوة بيا، مش هقولك على الحاجـة.

وبخفة غير معتادة منهــا إستطاعت أن تركض إلى أقرب مكان تختبئ فيه مؤقتًا، دخلت غُرفتهــا وأغلقت الباب خلفهـــا بالمفتــاح وأخرجت هاتفهـــا تطلب رقمــــه، هو الوحيد من يستطيـع نجدتهــا، وضعت الهاتف على أذنهـــا تهمس برعبٍ جلي:
-رد يا يوسف، أرجوك رد عليا بسرعـــة.

ألتفتت بفزع نحو الباب وهي تجده يقرع عليــه بعنف وصارخًا بإسمها بغضبٍ أعمى، في نفس الوقت سمعت صوت "يوسف" وهو يسألهــا بقلق:
-خير يا سارة، أنا لسه سايبك من خمس دقايق؟؟..

صرخت بهلعٍ شديد:
-ألحقنــــي يـا يوسـف.

وحينمــا شعرت بأن "سامر" على وشك خلع الباب كانت تضع الهاتف بداخل جيب بنطالهــا وبدأت تبحث عن أي شئ قد تجعلهـا تنجد من براثنــــه، أمسكت بالزهريّـة وأستندت بـ ظهرهـا على الحائط بجوار الباب، مُنتظرة تلك اللحظة التي سيقتحم فيهـا الغُرفة كي ينتقم منهــا.

وبالفعل ثانية.. ثانيتين بل ثلاث وكان الباب أنخلع وقد أقتحم الغُرفــة صارخًا بإسمهـــا مع سبة نابية، فـ بدون أن تنتظر لحظة واحدة كانت ترفع الزهريّـة وتضربهـــــا على رأســه بكل قوة وغل، أصابــــه الدوار وسقط على الأرضيــة الصلبــة فاقدًا الوعي، نظرت إليــه برعب وهي تهمس:
-هو أنا قتلتـه؟؟..

تسائلت بصوتٍ هامس ولكن مسموع، خفق قلبهـــا برعب وهي تركض سريعًا نحو باب المنزل تاركـــة ما فعلتـه، خرجت من البنايـة هاربة من ذلك الواقع، كان الوقت قد تأخر كثيرًا، ولم يعد أحد يسير في الطريق إلا قليل، دخلت إحدى الطرق الجانبية وهي لا تعلم إلى أين هي ذاهبــة، ولكن تريد الهروب، كانت تركض بلا هوادة حتى آلمتهـا ساقيهـا، فـ إنحنت إلى الأمام تتكئ بـ يديهــا إلى ركبتيهـا تلهث بتعب، وحين حاولت الركض سمعت صوت رنين هاتفهــــا، فـ أخرجتـــه وهي تسلط أبصارهـا على اسم المتصل فـ وجدتـــه.. "يوسف".

تثلجت أطرافهـــا وشعرت أن الأرض تميد بهــا، وضعت يدهـــا على صدرهــــا وهي تشعر بأنهــا لم تعد تستطيع التنفس، واليد الأخرى لم تعد قادرة على حمل هاتفهــا فـ وقع منهــا، لم تستطع إيقاف تلك الرجفـة التي حلت بساقيهــا، شعرت بالبرودة تجتاح جسدهـــا وتزيد من رعشتهـا، أصبحت غير قادرة على التحكم في خطواتهـا أو حتى في أتزانهـا، ظلام دامس سيطر على عقلهــا وأعينهــا، لـ تسقط بعدهــا فاقدة الوعي بجوار الهاتف التي لم يكف عن الرنين وكأنــه يشعر ما يحدث لهـا.

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-11-20, 10:19 PM   #15

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل الحادي عشر"

مجنونة
أنتِ لو ظننتِ
أن بإمكانك الرحيل
عياني تلاحقان خطواتك
رغمًا عنـي فـ أين المفر؟؟..

ألقى بـ هاتفـــه على المقعد بجواره وهو يزفر بغضب جامح، فلقد وصل إلى البناية التي تقطن فيهـا مُنذ لحظات وحينمــا صعد وجد باب المنزل مفتوحًا و"سامر" مُلقي على الأرض والدماء تنزف من رأســه، حاول الوصول إليهــا ولكن فشلت محاولاتــــه، وتأكد أن الهاتف بـ حوزتهــا عندما لم يسمع رنينـه بالمنزل، دار محرك السيارة وهو يمسك هاتفــــه مرة أخرى ثم عبث فيـــه قليلاً قبل أن يضعه على أذنــه، وصل إليـه صوت رجولي خشن، فقال "يوسف" بصوتٍ جهوري:
-تعالى على العنوان إللي بعتهولك، وبعدهــا إدخل عمارة رقم 7، الدور الرابع الشقة على اليمين، هتلاقوا واحد الله وأعلم إذا كان مات ولا عايش، المهم تاخدوه على المخزن بتاعنـا، ولو لسـه عايش تجبولــه الدكتور، بسُرعـــــــة.. إتحـــرك يـــالااااا.

أنهى المكالمـــة سريعًا ثم ضغط على رقم "ســارة"، وضع الهاتف على أذنــه منتظرًا الرد بفــارغ الصبر، ولكن لم تجيب، صرخ بوحشيـة:
-روحتـــي فين يا ســــارة؟؟..

زادت نبضات قلبــــه بجنون وهو يُصيــح بقلق:
-يااارب، أحميهـــــا ياااارب، وألحق أوصلهـــا.

******
وصل "سيف" إلى قصره أخيرًا، إلتفت برأســه ينظر إليهـا فـ وجدهـا تضع رأسهــــا على زجاج نافذتهــــا مُغلقة جفنيهــا وقد ذهبت في سُباتٍ عميق، إرتسمت إبتسامة صغيرة على ثغره مُتأملاً إياهــا بـ راحة غريبـة، ترجل عن السيارة ثم دار حولهــا متوجهًا إلى المقعد الخاص بهـا، فتح الباب ثم حل حزام الأمان، مرر ذراعـه أسفل ظهرهــا، وذراعــه الآخر أسفل ركبتيهــا وحملهــا برفق شديد، قربهــا "سيف" من صدره كثيرًا حتى باتت أنفاسهـا تلفح نحره، أغمض عينــاه لحظةٍ وهو يشعر بتلك الرجفة المُحببة في قلبــه، إتسعت إبتسامتــــه وهو يهمس بصوتٍ عاشق أرهقــــه العشق:
-هتفضلي في حُضنـي دايمًا، زي دلوقتــي كده.

تباطئ في خطواتـــه حتى تظل بجوار قلبــه ولو لوقت قليل، صعد إلى الأعلى متوجهًا صوب غُرفتـــه، وضعهــــا على الفراش بحرص وكأنهـــا ماسة يخشى أن يحدث لهــا أي شئ، جلس بجوارهــــا يبعد خُصلات شعرهــا عن وجههـــا كي يتأملهـــا بإبتسامة جذابــة وهو يتمتم بهدوء:
-تعرفي إنك حلوة أوي وإنتي نايمـة كده؟؟..

سحب نفسًا عميقًا وهو يقبض على كف يدهــا ثم قال بضيق طفيف:
-طريقتك بتضايقني في بعض أوقات.

رفع يدهـا ليُقبلـــه برقة مُبتسمًا بثقة هاتفًا:
-بس هعلمك تعشقيني، هبقى النفس إللي بتتنفسيــه، هبقى دقة قلبك زي ما إنتي دقة قلبي.

زفر بـ حرارة قبل أن يقول:
-أوعدك إن لمعة الحُزن إللي دايمًا بتحاولي تخبيهــا، هخليهــا تختفي ومتظهرش تاني.

إنحنى قليلاً بجسده ولثم جبينهـــا بقوة وكأنه يوشمهــا بـ إسمــه، أسند جبينـه على جبينهــا وهو يتمتم بصوتٍ مليئ بالعواصف:
-وقت غضبك ووجعك مش هتلاقي غير حُضنــي إللي ترتاحي فيه.

******
خرج رجل في منتصف الثلاثينات يتمتم بكلمات غير مفهومــة، وقف يسحب نفسًا عميقًا ويزفره على مهل، ثم مسح على وجهه بقوة وهو ينظر حولـــه بـ نظرات مليئة بالضجر، تحرك بخُطى ثابتــة وهو يغمغم بحنق:
-يعني خلاص الوقت أتأخر كان لازم تطلب مني أشتري الطلبات دي دلوقتـي!!.. طب كانت تستنى لبكرا!!!..

تنهد بضيق ولكن أكمل السير حتى ينتهي من تلك المهمة الثقيلة ويعود إلى منزلــه وتحديدًا إلى فراشـــه بعد الإرهاق الذي حل عليــه من عملـه، عقد ما بين حاجبيــــه فجــأة وهو يرى شخصٍ ما متمدد على الأرضية الصلبـة والهاتف بجواره.

تحرك بخُطى راكضة حتى وصل فـ أتسعت عينــاه بصدمة عارمـة، قال بصوتٍ مذهول:
-يا ليلة سوده!!!!.. دي بنت!!..

جلس على ركبتيـــه وأبعد خصلات شعرهــا الكثيفة عن وجههــا كي تظهر ملامحهـــا، بلع ريقــه بصعوبة وهو يتسائل في حيرة:
-طب أعمل إيـــه دلوقتــي؟؟.. أتصرف إزاي؟؟..

عدل وضعيــة جسدهـــا وهو يستغفر ربـــه بصوتٍ خافت، ربت على وجنتهــا محاولاً إفاقتهـــا قائلاً بقلق:
-آنسـة، يا آنسـة، إنتي سمعاني؟؟..

لم يجد أي إشارة منهـــا تدل على إستجابتهــا، مسح شعره بقوة محاولاً أن يجد حل سريــع، أمسك بـ هاتفهـا ولكن وجده يحمل كلمـة السر، تمتم بقلق وهو ينظر حولـــه:
-طب أتصرف إزاي أنا دلوقـتــي؟؟.. أنقلهــا على أقرب مستشفى ولا أطلعهـا عندي ونجلاء تشوفهــــا؟!..

حسم أمره سريعًا حيثُ وضع الهاتف بداخل جيب بنطالـــه ثم حملهــا بين ذراعيـــه وهو يقول بأسى:
-مفيش حل غير ده، مش هينفع أسبهـــا في الحالة دي.

دقيقتين وكان يدخل بهــــا إلى منزلـــه بعد أن فتحت له "نجلاء"، شهقت بصدمــة وهي ترى زوجهـــا يحمل فتـــاة في حين أشــار إليهـا بالصمت ودخل بهــا إلى غُرفتهمـا، عقدت ساعديهــا أمام صدرهــا منتظرة خروجــه وما أن خرج وأغلق الباب حتى صاحت بإستنكار:
-ممكن أفهم إيه ده؟؟..

رد عليهـا بهدوء:
-وأنا نازل لقيت أنهــا مُغمى عليهــا، طبعًا مينفعش أسبهــا كده!!!..

سألتـــه بضيق:
-طب مش ممكن حد يكون حاول يسرقها أو حاول يعتدي عليهــا؟؟..

قال بهدوءٍ جـاد:
-معتقدش، أولاً موبايلهـا كان مرمي جنبهـا، فـ محدش حاول يسرقهـا، ثانيًا لبسهــا تمام ومفيش أي أثر للمحاولـة، وبعدين إللي عاوز يعمل ده كان هياخدهــا معاه!!..

صمتت قليلاً قبل أن تقول بجدية:
-طب أتصل بحد يجي شوفهـا.

ضيق عينيـه بتبرم وهو يقول:
-عامله باسورد على الموبايل بتاعهــا، أنا هستنى أي مكالمـة تيجي أو لما تصحى.

تنهدت بـ عمق وهي تهتف:
-شكلهــا متبهدل خالص، أنا هاروح أقعد جنبهـــا.

وبالفعل تحركت نحو داخل الغرفـة، في حين إبتسم بـ مجرد دخولهـــا وهو يتمتم:
-هو أنا بحبك من شوية؟؟.. كفاية طيبة قلبك يا نجلاء.

******
مازال يبحث عنهــا بجنون، يشعر أنه على وشك أرتكاب جريمـة قتل، زأر بغضب وهو يبحث بـ عينيـــه عنهــا، مسح على وجهه بعنف وهو يتسائل إلى أين ستذهب في هذا التوقيت، سمع رنين هاتفـــه فـ رد بتلهف واضح دون أن يرى اسم المتصل:
-آلو.

سمع صوت صديقـــه العميق متسائلاً:
-إنت فين؟؟.. لقيتك مجتش القصر عندي وعرفت إنك مش فالقصر بتاعك؟!..

رد عليــه "يوسف" برعب:
-سارة أختفت، نزلت من بيتهـــا ومش عارف راحت فين؟؟..

قال "سيف" بقلق:
-الموضوع شكلــه كبير، طب أهدى بس عشان إنت بتسوق العربيـة وميحصلكش حاجة!!!..

قال "يوسف" وهو يخفف سُرعة القيادة:
-مش هرتاح إلا لما ألاقيهـا.

تنهد "سيف" قبل أن يقول بصرامـة:
-طيب لو لقيتهـا أبقى هاتهــا على القصر عندي، وأنا هخلي كارمــا تبقى جنبهــا، تحب أبعتلك رجالتي يدوروا عليهـا معاك؟؟..

رد عليــه وهو يهز رأسـه نفيًا:
-لأ، أنا هتصرف وهلاقيهــا.

هتف "سيف" بإقتضاب:
-هكلمك كمان شويـة، سلام.

أنهى المكالمــة معـــه وقرر إعادة الإتصال بهــــا عسى أن تريح قلبـه المسكين وتُجيب، وضع الهاتف على أذنـــه وهو يهمس برجاء:
-يارب ترد، يارب.

وبالفعل بعد عده اللحظات سمع صوت رجولي أجش يجيبـــه، رفع "يوسف" حاجبـه الأيسر وهو يبعد الهاتف عن أذنــه لكي يتأكد أنه قام بالأتصال بهـــا، عاود وضع الهاتف على أذنــه مُتسائلاً بحدة:
-إنت مين؟؟..

رد عليه الأخير بهدوء:
-زياد، هو إنت تعرف صاحبة الموبايل؟؟..

رد عليه بلهفـة:
-أيوة أعرفهـا.

سألــه بقوة:
-تقربلهــا إيــه؟؟..

صمت قليلاً قبل أن يُجيب:
-جوزهـــا.

قــال "زياد" بهدوء:
-تمام، أنا لقيت صاحبة الموبايل مُغمى عليهــا في الشارع إللي أنا ساكن فيـه، فـ خدتهــا عند شقتــي مع مراتي، فـ تعالى على عنوان *** عمارة رقم 3 الدور الأول الشقة أربعـة.

هتف "يوسف" سريعًا:
-تمام أنا جاي حالاً.

أغلق الهاتف وألقاه على المقعد بجواره، تحرك بسيارتــه بسرعـة جنونية نحو المكان المنشود، زادت ملامحــه قساوة هامسًا بألم:
-أُغم عليكي في الشارع!!!.. إنتي مينفعش حد يسيبك لوحدك أبدًا من النهاردة.

بعد نصف ســاعة، كان يحملهــا بين ذراعيـــه وهو يخرج من البنايــة، ظل يتظر إليهـا بـ عينين قلقتين حزينتين وهو يرى وجههــا يكاد أن يكون شاحبًا، فتح باب السيارة الخلفي بصعوبة بالغـــة، ووضعهــا بحرص، دار حول السيارة سريعًا وأستقل بـ مقعدهِ وقـاد سيارتـــه نحو قصر فهد آل نصــار.

******
دخل "يوسف" إلى القصر وهو يحمل "سارة" التي لا تزال فاقدة الوعي، أشــار "سيف" إليــه بـ وضعهــا في أحدى الغُرف فـ تحرك بخطوات متثاقلة وهو يخفض وجهه ليطيل النظر في وجههـا، شعر بشيء ما يضرب قلبــه بـ شدة، وضعهـــا على الفراش برفق ثم خرج من الغُرفـة بعد أن رمقهــا بـ نظرات حزينـة.

تحرك "يوسف" نحو رفيقـــه وسألــه بلهجـة تحمل الضيق من ما يحدث:
-أتصل بـ دكتور يجي يشوفهــا؟؟..

رد "سيف" عليـهِ بهدوء:
-ماتقلقش يا يوسف، هتبقى كويسـة على بكرا الصبح، المهم دلوقتـي تدخل تنام، الوقت أتأخر جدًا ووراك حاجات كتير الأيام الجاية.

هز رأســـه بالإيجاب، ثم ســـار معــه نحو الدرج وقد أصبح كلاً منهمـا شاردًا فيمـــا يخصــه، فقد أصبح الأمر في منتهى الخطورة، ولكن الحرب مازالت مستمرة.

******
في صباح يوم جديد، كان "سيف" يجلس بداخل مكتبـــه يُعيد قراءة الملف قبل أن يقوم بـ تسليمـه إلى صديقـــه، مسح على وجهه بقوة محاولاً التركيز ولكن فشل في ذلك، فـ نهض من مكانــــه متنهدًا بعمق، سمع صوت طرقات خافتـة على الباب فـ أذن بالدخول دون أن يستدير.

دخلت "كارمــا" بخُطى بطيئة ثابتـة وهي تقول بصوتٍ هادئ:
-صباح الخير.

ألتفت إليهــا وهو يُجيب بـ ذات هدوئهـا:
-صباح النور.

أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يسألهــا بإهتمام:
-أخبار ضهرك إيـه؟؟.. الوجع خف عن الأول؟؟..

أسبلت "كارمـا" جفنيهـا وهي تتنفس بسرعـة ثم ردت عليــه وهي تطرق رأسهـــا:
-آه أحسن الحمدلله.

وقبل أن تتحدث كان تسمع صوت طرقات على الباب، فـ إلتفت لـ ترى الخادمــة تفتـح الباب وهي تقول بصوتٍ هادئ:
-سيف بيـه، في أتنين عاوزين يقابلوا حضرتك برا.

عقد ما بين حاجبيــهِ وهو يلقي نظرة على ساعـة الحائط، تمتم بصوتٍ أجش:
-مين دول؟؟..

ردت عليــه الخادمـة بحيرة:
-أنا أول مرة أشوفهم، بس هما عاوزين يقابلوا حضرتك ضروري وكمان كارمـا هانم.

رفع حاجبيــه لللأعلى فـ بدون أن يفكر مرتين دلف خـارج غُرفــة مكتبــه، وقفت "كـارمــا" قليلاً وهي تشعر بألم عنيف يضرب قلبهـــا، فـ همست بخفوت:
-يارب ميكونش إللي في بالي.

وبـ قوة غريبة وجدت نفسهـــا تركض خلف "سيف"، ونبضات قلبهــا تتزايد خوفًا من أن يكون قد عاد الماضي الذي دفنتــه هي ووالدتهـــا لعدة أعوام، وقفت بجانب "سيف" وقد أعتراهـــا بعض التوتر، ولكن ملامحهـا عكس ذلك، فلقد رفعت رأسهــا بشموخ وعقدت ساعديهـا أمام صدرهــا ترمقهمــا بـ نظرات حـادة.

وقف "فـارس" ينظر إليهــا بـ نظرات غريبـة، فـ شقيقتـــه التي لم يراهـــــا مُنذ سنوات كثيرة، تقف أمامـــه الآن بثقـة، يود أن يحتضنهــا بشدة ولكن في نفس الوقت قتلهــا بعد ما سمعــه، ولكن سيتأكد الآن ويعرف الحقيقة.

في حين ظل "عزيز" يتأملهـــا، فـ إبنتــه الوحيدة قد كبرت، إبنتــه التي لم يراهـــا ما يزيد عن سابعـة عشر عامًا، تحرك نحوهــا بخطــا بطيئـة وهو يهمس بإسمهـا:
-كارمـا.

أمتعضت ملامح "سيف" وهو يسألـــه بحدة:
-مين حضراتكم؟؟..

رد "فارس" بلهجــة واثقة:
-أنا فــارس عزيز.

أشــار بيده نحو شقيقتــه ووالده وهو يتابــع بثقة عاليـة:
-أخو كــارمـا، وده أبوها إللي هو أبويـا أنا كمان.

ضيق "سيف" عينيـــهِ محاولاً أن يدخل تلك الكلمات إلى عقلــه، فـ حرك "سيف" رأســه يتمتم بضيق:
-أفندم!!..

ألتفت برأســه نحو "كارمـا" التي أنفجرت كعبوة ناسفة هاتفـة بنبرة هادرة غاضبة:
-أبويا وأخويـا مين؟؟.. إنتوا مين؟؟..

أردف "عزيز" بحدة:
-أنا أبوكي يا كارمـا، وده أخوكي فـارس.

أرتجفت وهي تتراجع للخلف عدة خطوات، حركت رأسهــا في عدم تصديق وهي تغمغم بـ كلمات غير مسموعـة، لحظتهـا كانت اللحظة المثالية لتسقط، كمـا كانت دائمًا تسقط بـ مُفردهـا، ولكن تلك المرة ما أن لامست الأرض ركبتيهــا حتى شعرت بـ ذراعين حديدتين قاسيتين تتلقاهــا إلى صدرٍ قوي صارخًا بإسمهــا بلوعـة، حينهـــا غاب عنهـــا الوعي بكل ما يحملــه من ماضٍ كانت قد دفنتـه منذ سنوات.. سنوات طويلـة.

******
صبرًا يا مُهلكـة
الحرب ستسمر
يوم لي
ويوم لك
ويوم.. لنــا

بين خيوط الظلام التي تُحيط بـ عقلهــا، شعرت بـ الذراعين تشتدان من حولهـا ومن تحت ركبتيهــا حتى شعرت بـ الألم في أضلعهـــا، ورغم ذلك إطمئن قلبهــا بـ وجود سيفهـــا الذي لن يُخذلهـــا أبدًا، فـ عادت إلى عُمق الظلام.

ضمهـــا بقوة إلى صدره وهو يُحدق في وجههــا بخوفٍ شديد، زاد خوفـــه وقلقـــه عليهــا أضعافًا حينمــا لاحظ ذلك الشحوب فـ همس بلوعــة:
-كارمــا، كـارمــا فوقـــي.

في نفس الوقت، كان "يوسف" يهبط إلى الأسفل وهو يفرك عينيــهِ غير مُدركًا ما يحدث، ولكن إنتبــه على صوت صراخ "سيـف" بإسم "كارمـا"، فـ همس بقلق:
-في إيـه على الصُبح كده؟!!..

ضيق عينيــه بريبــة وهو يرَ "عزيز" و"فارس" الذي بدا عليهمـا التوتر من ردة فعل "كارمـا" الغير المتوقعـة، فـ إقترب منهمــا مُتسائلاً بحدة:
-إنتوا مين؟؟..

هدر "سيف" بصوتــه الجهوري المُخيف:
-يوسف خليك معاهم لغايـة ما أطمن على كـارمــا.

قال كلمتـه الأخيرة وهو يستدير بـ جسده متوجهًا نحو الدرج كي يصعد إلى الطابق العلوي نحو غُرفـة نومـــه، حاول "فارس" إيقافــه ولكن قبل أن يشرع في ذلك وجد جسد رفيقــه يمنعــه عن التقدم ولو قليلاً، فقال بلهجـة غاضبة:
-إنت بتعمل إيـه؟؟.. إبعد عن طريقي.

دفعــه "يوسف" بخفـة:
-طريق مين؟!.. ده بيت سيف النصــار، لما يقولك تتحرك على مزاجك يبقى وقتهــا تتكلم.

هدر "فارس" بشراسـة:
-إنت مين أصلاً؟؟..

فـ كانت إجابة "يوسف" جاهزة حيثُ قال بإستنكار رغم قوة لهجتـــه:
-إنت إللي مين عشان تتكلم بالشكل ده، وعاوز توقف سيف ومراتـــه وهي في الحالة دي.

صُعق "عزيز" وهو يهمس بصدمـة:
-مراتــــه!!..

تراجع "فارس" للخلف عدة خطوات وهو يغمغم بذهول:
-مراتـــه؟؟.. مراتـــه إزاي؟!..

إبتسم "يوسف" بتهكم مرددًا ببساطة:
-زي الناس!!.. ياريت تتفضلوا تقعدوا بهدوء ياإمـا تطلعوا بـرا لغاية ما تيجي فرصة أحسن من دي.

******
أغلق الباب الغُرفـة بـ قدمـه ما أن دخل، ثم ســار نحو فراشـــه يضعهــا برفق عليــه، جلس على طرف الفراش بجوارهــا ثم مد يده يبعد تلك الخُصلات المُتمردة من على عينيهـا وجبينهــا، ربت على وجنتهــا وهو يهمس بقلق:
-كارمـا، كـارمــا إنتي سمعانـي؟؟..

لم يتلقى أيَّ إشارة منها، فـ همس مرة أخرى بنبرةً خائفة وهو يمسح حبـات العرق من على جبينهـا:
-كارمـا رُدَّي عليـا، كارماااا!!..

هبَّ واقفًا متوجهًا نحو منضدة الزينـة كي يسحب قنينة عطر يبدو عليهـا باهظة الثمن، عاد إليهـا وقد بدأ بـ نثر العطر على كف يده، جلس بجوارهـا على طرف الفراش ثم حرك كف يده ناحية أنفهــا مُجبرًا إياها بالإستنشاق لـ تخرج من الغيبوبـة المؤقتـة وهو يقول بصوتٍ خائف:
كـارمـااا، كارمـا فوقــي.

أرتجفت شفتاهـا مُخرجة آهة خافتـة، تحركت رأسهـا لا إراديًا مع تلك الرائحة القوية التي أخترقت أنفهـا، أستمر "سيف" في تقريب كفي يده المبتل بالعطر نحو أنف "كـارمــا" لتستنشقهـا بالإجبـار حتى تفيق تمامًا، سحب نفسًا حادًا قبل أن يقول بصوتٍ قلق:
-كـارمااا، كارمـا إنتي سمعاني؟؟..

تجاوبت "كـارمــا" معه وبدأت تستعيد وعيهـا، أستمع إلى همهماتهـا غير المفهومـة وهي تحرك رأسهـا للجانبين، فتحت عينيهـا بتثاقل شديد ثم تساءلت بتعبٍ:
-آآه.. أنا فين؟؟..

قبض على كف يدهـا ورفعــه يُقبلــه، ثم قال بـ بسمة صغيرة:
-ماتقلقيش إنتي في أمان.

بدأت بإستيعاب على ما يحدث حولهـا فـ أعتدلت في جلستهــا وهي تهمس بريبـة:
-هو إيـه إللي حصل؟؟..

صمت قليلاً قبل أن يُجيبهـا بـ جدية:
-في أتنين تحت بيقولوا أنهم أخوكي وأبوكي، ولما سمعتي ده أُغم عليكي، مُمكن تقوليلي دلوقتـي إيه الحكاية عشان أعرف أتصرف.

رفعت عينيهـــا المصدومتين إليـــه، فقد تمنت أن يكون كابوسًا وقد خرجت منـه، قالت بصوتٍ مضطرب:
-أنا معرفهمش.

أقترب منهـا أكثر وهو يزيح جانبي شعرهـا عن وجههـا بـ كلتا يديـه ليهمس لهـا مُلامسًا وجههـا بأنفاسـه الدافئـة:
-بتكدبي ليـه؟؟..

قالت "كـارمـا" دون أن تنظر إليـه:
-مش بكدب.

صمتت "كارمـا" بعدهـا مُرتبكةً، فقال "سيف" بهدوء بعد فترة طويلـة:
-أنا مش عايز أضغط عليكي، بس فعلاً الوضع مُعقد، فـ قولي الحقيقة عشان أعرف أساعدك وأتصرف معاهم، ياإمـا تروحيلهم بنفسك دلوقتـي تواجهيهم، أو تقولي الحقيقة وأنا إللي هواجهم.

هزت رأسهـا قليلاً غير مستوعبـة الكابوس الذي تحيــاه، تنهدت "كارمـا" تنهيدة مُثقلة كبيرة قبل أن تقول أخيرًا:
-هو فعلاً أبويـا وفارس يبقى أخويا غير شقيق، من الأب بس، بس أنا سبتهم من زمـان أنا وماما، سبناهم أكتر من 17 سنـة، ومحدش قدر يوصلنـا.

سألهـــا "سيف" بترقب وهو يقاوم رغبـة عنيفـة في أن يضمهــا لـ صدره:
-وإيـه السبب؟؟..

فغرت شفتيهــا قليلاً ولكنهـا أرغمت نفسهـا على التنفس قبل أن تصاب بالدوار مرة أخرى ثم قالت بألم:
-مش هقدر، مش هقدر أتكلم، مش قاااادرة، دي حاجة أتدفنت من زمان، ليـه وصلولي؟؟.. أنا مش عيزاهم، مش عيزاااااهم.

قالت أخر كلماتهــا بصراخ وهي تهز رأسهـا بالسلب، فمـا كان منـه إلا أن جذبهـــا بين ذراعيـهِ ليدفن وجههـا في صدره بقوة، أغمضت عينيهــا بوهن غريب مُستسلمـة تلقائيًا، في حين كان "سيف" جالسًا كـ بركان على حافـة الأنفجـار، قال بصوتٍ عميق:
-كلـه هيتحل، أنا هتصرف، متشليش هم.

أبعدهــا عنــه وهو يقول بصوتٍ أكثر عُمقًا وثقةً:
-خليكي هنـا، وأنا هتصرف، أوعي تتحركي من مكانك لغاية ما أجيلك.

حركت رأسهـا بالإيجاب، فـ وثب واقفًا ثم خرج من غُرفتــه، كانت ملامحــــه قاسية وهو يتحرك بخُطى سريعة ثابتـة هامسًا لنفســه:
-الحرب دي مش هتنتهي بالسهولة زي ما كنت فاكر، الموضوع أكبر من كده.

******
وقف أمامهمــا يحدق فيهمــا بـ ملامحــه المُتهجمـة القاسيـة، توتر "فارس" من نظراتــه العدائية وشعر أنــه على وشك أن يفتك بـه، أقترب "عزيز" منــه يقول بلهجــة حــادة:
-لازم أصدق أنهـا مراتك، فين قسيمـة الجواز.

حرك نظراتــه القاسيـة في أتجـاه "يوسف"، فهم الأخير طلبــه بدون أن ينبس بكلمـة واحدة، فـ تحرك صوب غُرفـة المكتب، ثوانٍ وكأنهـــا دقائق كثيرة حتى عاد ومعـــه وثيقـة الزواج، أعطاهـا لـه بوجهٍ محتقن، ثم وقف جانبًا يتابـع ما يحدث بصمت.

حدق "عزيز" في الوثيقـة بدقـة إلى أن رفع عينيـه نحو "سيف" الذي إبتسم لـه بتهكم، بلع ريقــه بصعوبـة حينمـا سمع جملتــه الصارمـة:
-خلاص إطمنت، تقدر تتفضل من هنـا بهدوء.

دنـا "فارس" منــه وهو يقول بحدة:
-نتفضل إيـه!!.. إحنا عاوزين نشوف كـارمــا ونقعد نتكلم معاهــا.

قست عينـاه دون أن تتحرك عضلة في وجهه ثم قال بلهجـة هادئة لكن أمتلأت بنبرة الحزم الذي لا يقبل الجدل:
-أظن إنت شوفت حالتهــا بعد ما شافتكم، فـ مفيش كلام هيحصل إلا لما تبقى كويسـة.

هتف "عزيز" بضجر:
-طب هنتكلم معاهـا إمتى؟؟..

رد "سيف" عليـه وهو يحرك كتفيـه ببساطة:
-مقدرش أقولك الإجابـة، ده يتوقف عليهـا هي وعلى نفسيتهـا.

هدر "عزيز" بغضب:
-يعني إيـه الكلام ده؟؟.. أنا أبوهــا و..

تصلبت ملامح "سيف" تمامًا وأشتعلت عيناه بلهيب أسود مُخيف قائلاً:
-أبوهـــا يعني إيه؟؟.. آخر مرة شوفتهــا إمتى؟؟.. كلمتها إنت؟؟.. ومن شكلهــا يقول إنك طلعت عينهــا زمان.

أطرق "عزيز" رأســـه ثم عاود يحدق فيـه بغيظ قبل أن يقول:
-يالا يا فارس نمشي من هنـا.

أستدار بجسده قبل أن يتحرك صوب الباب وخلفـــه "فارس" وآثار الصدمـة لا تزال على تعبيرات وجهه، ظل "سيف" يرمقهمــا بغضب أسود ولكن تمالك نفســـه من أجلهـــــا.

حرك "يوسف" رأسـه في حيرة على ما يحدث ولكن قبل أن يتحدث كان جسده قد تصلب حينمــا سمع صوت خطوات تقترب منــه، ودق قلبـــه بجنون حينمــا هاجمتــه رائحة الياسمين، فـ ألتفت سريعًا ليجدهــا تقترب منــــه بهدوء ولكن نظرة عينيهــا مليئة بالخوف، فـ دنا منهــا مُبتسمًا لهـا بـ بهجـة:
-أخيرًا فوقتـي، حمدلله على السلامـة.

سألتـــه "سارة" برعب:
-أنا بعمل إيــه هنا؟؟..

رد عليهــا ومازالت الإبتسامة على وجهه محاولاً بث الطمأنينة بداخل قلبهــا:
-إنتي نزلتي من البيت وأغم عليكي في الشـارع، وعشان أنا كنت بتصل بيكي كتير في حد لاقكي ورد عليا وقالي على مكانك، مكنش في حل غير إني أجيبك على هنـا، لأنه صعب أرجعك البيت وأنا معاكي، فـ جبتك على قصر صديق ليا عشان مراتـــه هي إللي تكون جنبك.

ألتفتت برأسهـــا إلي حيثُ أشــار، فـ وجدت شخص يراقبهمــــا بـ عينيـه المُظلمتين، فارع الطول وعريض المنكبين، نظراتــه تبعث الخوف في أي قلب، فـ إضطربت تلقائيًا وهي تهمس لـه:
-ده عامل زي الرجل الأخضر أو كينج كونج.

إبتسم "يوسف" من همستهــا الخافتـة، فـ نظر إلى رفيقــه قائلاً بلهجـة مرحة قليلاً:
-إيه يابني النظرة دي؟!.. البنت هتخاف منك، وبعدين الموضوع عدا خلاص.

أطرق "سيف" رأســه قليلاً قبل أن يرفعهــا متوجهًا بـ أنظاره نحوهــا هاتفًا بصوتـه القوي:
-حمدلله على السلامـة يا أستاذة سـارة.

تعمد أن لا يُشير بـ معرفتــه عن أمر زواجهـــا حتى تطمئن، فـ إبتسمت بتوتر قائلة:
-الله يسلمك.

وضع "سيف" يديـه بداخل جيب بنطالـــه قبل أن يقول بجدية لـ "يوسف":
-أنا طالع لكارمــا أطمن عليهـا، وبعدهـا هي هتنزل عشان تقعد مع الأستاذة سارة شويـة، خدوا راحتكم.

أنتظرت "سارة" حتى أنصرف بالفعل، فـ عاودت النظر إلى "يوسف" قبل أن تسألــه:
-بس لبسك بيقول إنك كنت بايت هنــا.

رد عليهــا "يوسف" بـ بسمة جذابـة:
-أنا بقالي كام يوم بايت عنده.

تسائلت "سارة" بإستنكار:
-في وجود مراتـــه.

أتسعت إبتسامتـــه الجذابة قبل أن يُجيبهـــا بهدوء:
-لسه متجوزين إمبارح، وبعدين الموضوع طويـل جدًا.

تنهد بحرارة قبل أن يقول بصوتٍ جـاد:
-دلوقتــي روحي أقعدي أرتاحي، وأنا هخليهم يحضروا ليكي الفطـار.

قالت "سارة" بخوف ونظراتهــا مترقبة إجابتــه التي تخشاهــا:
-أنت روحت شقتـي إمبارح؟؟..

نظر إليهـا طويلاً قبل أن يُجيبهـــا بلهجة تمكن من جعلهـا عادية:
-أيوة روحت، كان باب شقتك مفتوح ولقيت سامر هناك، ماتقلقيش هو لسـه عايش، وهتصرف في حكاية طلاقك.

ترددت "سارة" وهي تقول:
-بس آآ..

قاطعهـــا بصرامـة:
-مفيش بس، يالا روحي على أوضتك وأرتاحي، وأنا هعمل مشوار صغير وهرجعلك، وكمان شوية كارمـا هتنزل تشوفك.

حركت رأسهــا بالإيجاب وهي تلتفت متوجه نحو الغُرفة التي حينما أستيقظت وجدت ذاتهـا بداخلهـــا، في حين قال "يوسف" وهو يشمر ساعديــهِ:
-يالا أما أروح أربي الكلب إللي أسمــه سامر ده شوية.

******
وقفت "كـارمــا" أمامـــه تهدر بـ بضعة كلمات بغضب جامـــح، بينمــا هو يقف أمامهـــا عاقدًا ساعديـه أمام صدره الضخم يرمقهـــا بـ نظرات هادئـة، حاولت أن تكون هادئة نوعًا ما وهي تقول:
-بلاش أستفزاز.

رد عليهــا بلهجـة صارمـة:
-أنا مش بستفزك، بس مش هسيبك لوحدك بالشكل ده.

صرخت "كارمـا" بلهجـة غاضبــة:
-سبني لوحدي بقاااااا.

أقترب منهـا بهدوء ثم جذبهـا إليـهِ بقوةٍ يحتضنهـا حتى كاد أن ينصهر عظامهـــا وهو يقول بنفسٍ مُهتز:
-أعتبريني الوحدة إللي هتهربي ليهــا.

حاولت دفعــه ومقاومتـــه ولكن دون جدوى، فقد أنهمرت دموعهــا الحـارة وهي تتشبث بـ قميصـه دافنـة وجههـا في صدره، تعالت شهاقتها المكتومة وصدر صوتها الممزوج بالنحيب، تُكـاد أن تنزلق جالسة لولا ذراعيـه اللتين تشعران بـ أقل حركةٍ لهـا فـ تعاودان رفعهـا، أغمض "سيف" عينيـهِ بـ قوة، شعر بـ كُل ذرةٍ ألم التي تقبـع بداخلهـا، همس لهـا بـ صرامة بعد أن أظلمت عينيـهِ بـ عُنف:
-إياكِ تتهزهي يا كـارمـــا، إياكِ تضعفي وتقعي، إيـاكِ.

كلماتـــه أيقظت قوتهــا وشراستهــا، فـ بدأت تتوقف عن البُكــاء ثم أبتعدت عنــه ببُطء مطرقـة رأسهــا، رفع "سيف" يده يداعب شعرهـا المتناثر حول وجههـا الشاحب المغرق بالدموع، ثم قال بخشونـة:
-أيوة كده، هي دي كـارمـا إللي أعرفهــا.

صمتت قليلاً ثم تسائلت وهي تحدق في عينيـهِ مباشرةً:
-إنت أتجوزتني ليـه؟؟.. أنا كنت فاكرة إنك هتنتقم مني في الأول بس لقيتك بتعاملني زي الملكـة!!..

رد عليهـا بثقتــه المعهودة:
-لأن ده مكانك الحقيقي، إنك تبقي ملكـة مش أقل من كده.

دنا منهــا ثم رفع يده ليمسح تلك الدمعـة الرقيقة بإبهامـه، وهمس بصوتٍ قوي يحمل الكثير من العواصف:
-إنتي قوية يا كارمـا، إياكِ تضعفي في يوم من الأيام، إياكِ حد يهزك أو حد يزعلك، حتى لو كان أنا.

صمت قليلاً وهو يحدق في عينيهـا الزرقاوتين:
-لو هخليكي ضعيفة يبقى أبعدي عني، لأنك كارمـا عزيز يعني رمز القوة.

أطرقت "كارمـا" رأسهــا وهي تهمس بإضطراب:
-أنا حاسة إني تايهة لأول مرة!!.. إنت ليه بتعاملني كده؟؟..

رفع ذقنهــا بيده يبتسم لهـا إبتسامة تُذيب القلوب، ثم عاد يحتضنهـا من جديد ولكن بقوة أكبر تاركًا أحد يديـه تتحرك بحرية على ظهرهـا وكأنه لا يصدق أنها بين أحضانه، حاوطت "كارمـا" عنقه وتعلقت به وكأنه حبل النجـاة، فقد كان العناق مليئ بالدفئ جعلت كل الآلامهـا تسكن، دفن "سيف" وجهه في عنقهـا وهمس بصوتٍ لا يُكاد يُسمع:
-كان عهد عليا من 17 سنـة إني أعمل كل حاجة عشان تسعدك.

شدد على أحتضانهـا حتى رفعهـا عن الأرض بضعة سنتيمترات، كان صدرهـا ينبض بعُنف بتزامن مع ضربات قلبه التي تضربهـا بقوة، همست بصوتٍ خافت مُندهش بعد جملتـه:
-إنت مين؟؟..

إبتعد عنهــا وأخذ يبعد خُصلات شعرهـا التي تعلقت بـ ذقنــه الناميـة قليلاً وحين إقترب منهـا إنحدر إلى فكهــا يُقبلــه مطولاً ثم أجابهـا بهمسٍ خطير:
-سيف النصـار وبس.

******
-كفايــــة حرااااااام عليكم.

صرخ بهـــا "سامر" وهو يسقط من كثرة اللكمات التي تلقاهـــا على أيدي رجـال "يوسف"، إبتسم "يوسف" وهو يجزبـه من تلابيبــــه هاتفًا بشراسة:
-إنت لسه شوفت حاجـــة، ده أنا هوريك أيام سودة بعد إللي عملتـــه.

سدد له لكمة عنيفــة وهو يصرخ بوحشية:
-هطلقهـــا.

رد عليه الأخير بإصرار:
-مش هيحصل.

لكمـــة أشد وأعنف عن ذي قبل، فـ سقط مرة أخرى يئن بألم، حدق في أحد رجالــه هاتفًا بصيغــة آمرة:
-روقوه لغاية ما يقول حقي برقبتي ويطلقهـا بالتلاتـة.

ثم خرج من المخزن وهو يرتدي نظارتــه القاتمــة، أستقل في مقعد القيادة وأغمض عينيــه قليلاً يفكر في مستقبلـه ومستقبل "سارة"، ظل على تلك الحالة لفترة قصيرة ثم ترجل عن سيارتـه عائدًا نحو داخل المخزن، فـ وجده جالسًا ينظر حولــه بقلق برهبة، أقترب منه قبل أن يسألــه بجدية:
-فكرت ولا لسه؟؟..

صمت قليلاً قبل أن يقول وهو يحرك رأسه إيجابيًا:
-فكرت.

أغمض عينيـــهِ وهو يقول:
-مش مستعد يجرالي حاجة، سارة طالق، طالق بالتلاتـة.

******

وقف شخص ما ينظر حولــه بريبـــة كي يتأكد من عدم وجود أي مرء بالمكان، وضع يديــه بداخل جيب بنطال منتظرًا شخص مـا، وبالفعل بعد دقائق أتى ذلك الشخص المنتظر، فـ تحرك نحوه يحيــه بهدوء ثم ناولـــه سلاح ناري، فـ سألـه الأخير بهدوء:
-مين المرة دي؟؟..

رد عليه بإبتسامة شيطانية:
-ثروت باشا بيأمرك تقتل سيف النصــــــار.

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-11-20, 10:20 PM   #16

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل الثاني عشر"

ثمة حزن نخجل منـه
وأخر يبكينــا
وينتهي الأمر

تحرَّك "سيف" نحو داخل الشرفة بخُطواتٍ مُتثاقلة، إستند بمرفقيـه على حـافة الشرفة، وحدق أمامــه بـ نظرات شاردة، داعبت نسمات الهواء العليل وجهه، تأمل ذلك الليل الأسود والنجوم التي تتلألأ في السماء، لمعت عيناه بوميض غريب وهو يراقب النجوم بصمتٍ تام بعينيـه الخضراوتين، أبعد مرفقيـه وهو يتنهَّد بـ عُمقٍ، ثم تمطع بـ كفيـه وهو يجلس على الأريكة، نفخ بضيق وهو يشعر بجلسته الغير مريحة فـ عدل وضعيته أكثر لـ يرى إضاءة هاتفـــه المنبعثة منه، فـ إلتقطــه ونظر على الرقم المدون وقد أكفهرت ملامحــه قليلاً، وضع الهاتف على أذنه وهو يُجيب بهدوءٍ زائف:
-آلو.

رد عليــه "شريف" بلهجـة جـادة:
-أيوة يا سيف، إيـه أخبارك؟؟..

إبتسم بتهكم قبل أن يهتف:
-أكيد مش متصل بيا عشان تطمن عليا؟؟.. فقول إنت عاوزني فـ إيه؟؟..

لم يُجيبـــه "شريف" إلا بعد فترة طويلـة حيثُ قال بصوتٍ حزين:
-إنت واخد فكرة وحشة أوي عني.

هتف "سيف" بجدية وعينـــاه قد بدت قاسية للغاية:
-تفتكر المفروض أخد فكرة إيـه عنك؟؟.. بلاش نتكلم في الموضوع ده لأن أنا وإنت عارفين نهايتـه كويس أوي وإللي عُمرهـا ما هتتغير.

تنهد "شريف" بأسى، فـ بالفعل مهمــا تحدث وبرر لـه لن يتراجع عن موقفــه، إنتبــه إلى جملتـــه الجادة والتي أصابتـــه بالصاعقـة:
-بس عشان تبقى عارف أنا أتجوزت.

رفع حاجبيــه للأعلى وهو يغمغم بصدمة:
-إتجوزت؟!..

تابــع "شريف" وهو يحاول الإستيعاب:
-إتجوزت إمتى؟؟.. وإزاي؟؟..

تقوس فمـــه إبتسامة جانبية مُجيبًا وقد ظهر بداخل عينيــه وميض العشق دون أن يدري:
-كارمـا عزيز.

أتسعت عينـــاه بشدة من هول الذهول وهو يهمس:
-نعــــم؟!!.. إزاي؟؟.. ملقتش غير إللي وقفت قصـاد أبوك وتتجوزهــا.

رد "سيف" بحدة:
-والله لما وقفت قصادك كان عشان الحق، يعني من الآخر الكلام ده إنت إللي جبتـه لنفسك.

قال "شريف" بغضب محاولاً الدفاع عن نفســه:
-مش بمزاجـي، مش بمزاجي إللي بعملـه ده، إنت عارف كويس أنا معنديش أكتر من الفلوس، فـ هعمل ده كلــــه ليــه؟!..

صمت "سيف" قليلاً قبل أن يبتسم وهو يقول بغموض غريب:
-تمام، أنا وكـارمــا هنكون عندك بكرا، هنقعد معاكم كام يوم، وبالمرة أقعد معاك ونتكلم في حكايـة الأرض وعن الناس إللي بتجبرك إنك تعمل ده.

خفق قلبـه برعب وهو يسألــه:
-إنت بتقول إيــه؟؟..

أتسعت إبتسامتـــــه وهو يقول بثقـة:
-لما أجيلك نبقى نتكلم، سلام.

أنهى المكالمــة معــــه وقد تلاشت إبتسامتــــه تدريجيًا، أغمض عينيـه وهو يسحب نفسًا عميقًا ثم زفره بعدهــا على مهل محاولاً التفكير في تلك المعضلة، فقد أصبح الأمر في منتهى الخطورة، ولا يزال يجهل بعض المعلومات الهامـة التي تتعلق بـ والده و"كارمــا".

******
كانت "سارة" تجلس بداخل غُرفتهــا وشعور الضيق يعتريهـــا بسبب جلوسهـا بـ مفردهــا مُنذ الصباح، حتى "يوسف" لا يزال بالخارج لم يأتي، أستمعت إلى صوت طرقات هادئة على باب الغُرفة فـ أعتدلت في جلستهـــا سريعًا، ثم تمتمت بصوت مبحوح:
-أتفضل.

دخلت "كارمـا" وهي تبتسم بهدوء، أغلقت الباب خلفهـــا وهي تقول بصوتٍ جاد:
-عارفـة إن المفروض كنت أنزل من بدري أقعد معاكي، بس أنا كنت تعبانة شوية فـ مقدرتش أنزل.

حركت "سارة" رأسهـا إيجابيًا دون أن تُجيب، عقدت "كارمـا" ما بين حاجبيهـا وهي تسألهـا:
-مبترديش ليــه؟؟..

أجابت "سارة" وهي تحرك كفيهـا ببساطة:
-مش عارفة أرد أقول إيـه؟؟..

جلست "كارمـا" على طرف الفراش ثم تسائلت بجديـة:
-ماشي، بس قوليلي الأول إيــه حكايتك؟؟.. سيف بس قال إنك موجودة وأجيلك.

ضيقت "سارة" عينيهـا وهي تسألهــا بإهتمام:
-سيف!!.. سيف مين؟؟..

رفعت الأخيرة حاجبهــا الأيسر، فـ هتفت "سارة" دون شعور:
-آآه قصدك إللي شبـه الرجل الأخضر؟؟..

قالت "كارما" بدهشة:
-إنتي بتقولي إيــه؟؟..

إبتسمت "سارة" وهي تقول بخجل بعد أن أدركت كلمتهــا الأخيرة:
-آ.. آسفة مقصدش، بس أنا تلقائيـة، ده كان تعبيري لما شوفتـه النهاردة.

زفرت "كارمـا" بحرارة، ثم قالت بـ بسمـة صغيرة:
-آه الرجل الأخضر ده يبقى جوزي.

صمتت "سارة" قليلاً.. قبل أن تقول فجـأة:
-تعرفي إنكوا ليقين على بعض.

أعتدلت في جلستهــا وهي تسألهـا بإهتمام:
-إشمعنـا؟؟..

ردت عليهــا بإبتسامة:
-من بصاتك وكلامك فيهم قوة، بتتكلمي بثقـة وعينيكي فيهـا لمعة قوة، مستر سيف نفس الكلام، لـه هيبـة وشخصيتــه قوية جدًا، أنا طبعًا دايمًا بسمع عنـه، بس أول مرة أقابلـه النهاردة، فـ عشان كده حسيت إنكم ليقين على بعض جدًا ماشاء الله.

إبتسمت "كـارمـا" تلقائيًا وهي تتذكر جملتـــه التي كررهـا أكثر من مرة بأن لا تضعف، فهي رمز القوة والكبرياء، تنهدت بـ عُمق قبل أن تقول بشرود:
-حكايتنــا صعبـة، بس مسيرهـا هتعدي.

أضافت بصوت جـاد مُتسائلة:
-المهم دلوقتـي؟؟.. إيـه حكايتك؟؟..

أطرقت "سارة" رأسهــا قليلاً ثم رفعتهــا مُجددًا نحوهـــا هاتفـة بألم:
-هحكيلك.

******
هبت "ثريـا" واقفــة وهي تهدر بغضب جـامح بعدما علمت بـ مكوث "سيف" في قصرهـا بدءًا من الغد، بينمــا "شريف" يقف أمامهــــا ينظر إليهـا نظرات بدون حيــاة، فـ هو يحمل هموم كثيرًا ولم يُعد قادرًا على إزاحتهم، صرخت زوجتـــه بعصبية:
-إنت عارف إني مش طايقـة إبنك كويس، فـ ليه توافق أنه يجي؟؟..

قال "شريف" بحدة:
-أعقلي يا ثُريا، ده إبني في الأول وفي الآخر، ده غير إني محتاجـــه أكتر من أي وقت تاني.

هدرت "ثريـا" بحدة مماثلة:
-يعني إيـه محتاجـه؟؟.. وأنا ذنبي إيـه؟؟.. إنت عارف إن وجوده بيحرق دمي، ومع ذلك إنت مش فارق معاك، إيــه المُعاملـة دي؟؟..

صرخ "شريف" بغضب:
-حرام عليكي يا شيخـة، أرحمينــي بقا، إنتي إيــه؟؟.. عشرين سنــة بحالهم مشوفتش إبني فيهم غير مرتين، عشرين سنـــة وأنا عايش معاكي إنتي وإبننــا إللي راح، كفايـة إنــه لغايـة دلوقتي مش قادر يسامحنـي، كفاااايــة.

صرخت بإستنكــار:
-يسامحك ده إيــه؟؟.. هو آآ..

قاطعهـــا بصوتــــه الجهوري:
-إنتي لسه هتقولي ليــه؟؟.. كفايـة أنـــه أتحرم من حناني ومن فلوسي، طول عمره كان عايش في حـالهُ هو وناديـة، ناديـة إللي ربتــــه صح، وخليتــــه راجل بمعنى الكلمـة.

إبتسمت "ثريا" بسخريــة وهي تقول:
-آه ناديـة، إللي بعد ما سبتني بـ فترة، أتجوزتهـــا وخلتها ست البيت هنا.

إبتسم بـ مرار وهو يقول:
-أستحملت مني إللي إنتي مقدرتيش تستحمليــه، كفايـة أنهـا أستحملت سنتين ذل وإهانـة منك هنـا عشان بس تقعد مع إبنهـــا، كفاااااية.

كانت عينيهـــا حمراوتين.. غاضبتين.. قاسيتين.. في حين تابــع "شريف" بصرامـة:
-لولا إبنــي كان زمانــا أنا وإنتي عايشين في الشــارع.

أشــار بإصبعيــه قائلاً بصيغـة آمرة:
-فـ لازم تعرفي كويس أوي، هو هيجي هنــا، يقعد براحتــــه حتى لو فضل قاعد العُمر كلــــه، ومش هو وبس، لأ.. ومراتــــه.

تصلب جسدهــــا وهي تهمس بذهول:
-أفندم!!!!.. مراتــــــــه مين؟؟..

رد عليهــا "شريف" بصلابــة:
-سيف أتجوز، وهيجي هو ومراتــه بكرا.

هدرت "ثريا" بإستنكـــار وقد زاد غضبهـــا أضعافًا:
-كمـــاااااااااان، مش آآآ..

قاطعهـــا بحدة:
-أنا قولت إيــه؟؟.. مفيش كلام بعد إللي قولتــــه.

قال كلمتــــه الأخيرة وهو يتحرك بخطا سريعــة نحو خــارج المكان، ظلت واقفـة في مكانهـــا مُتجمدة من هول الصدمــة، همست بخفوت:
-مش كفايــة حرقـة قلبي على إبني!!.. كمان رايح تجيب إبن ناديـــة ومراتـــه!!!..

همست بحرقــة وعيناهــا تلتمع بالشر:
-مش هيحصل أبدًا الكلام ده، وأنا مش هقدر على سيف لوحدي.

أغمضت عينيهــــا بقوة وهي تقول:
-هشوف معاملتــه مع مراتــه، لأن شكلي كده هطلع كل غلي عليهـــا.

عاودت فتح عينيهــــا وهي تقول بصوتٍ مخيف:
-لو لقيتك بتحبهـــا، يبقى أنا عرفت نقطة ضعفك، وساعتهــا بس هقدر كسرك ياإبن ناديــــة.

******
أنهت "ســارة" حديثهـــا عن حياتهــا وما مرت بــه خاصةً في الفترة الأخيرة، إبتسمت "كارمــا" لهــا وهي تتأملهـــا بـ نظرات شاردة، رفعت ذقنهــا قليلاً قبل أن تقول بصوتٍ غريب ظهر به بعض الألم:
-حكايتك صعبة، بس كلنـا كده في الأول، هنتوجـع جامد بس مع الوقت هنعدي ده.

تنهدت "كارمـا" بخفوت قبل أن تهمس:
-بس حظك كان حلو، إنتي لما وقعتـي لقيتي يوسف، إنمـا في ناس تانيـة بتقع لوحدهــا دايمًا ومش بتلاقي الإيد إللي تساعدهـا على أنهـا تقف، ويمكن بيعيشوا العمر كلــه كده.

نهضت من مكانهــا وهي تقول بثقـة:
-إنتي قويـة يا سارة، إنتي إنسانة قوية، مش لازم القوة تظهر في الملامح، القوة بتظهر لما بتقفي مع الحق وبتظهر في الأزمـات.

تمتمت "سارة" بشرود:
-بس أنا عاجبني فيكي أن ملامحك باين عليهـا القوة.

ردت عليهـا بتهكم:
-أوعي تصدقي الكلام ده، لما بنظهر القوة في وقت مش وقتــه، بيبقى عشان حاجة من الأتنين، ينضحك على نفسنـا وأننا تمام ومش بنقع أبدًا، يا إمـا عشان إللي قدامنــا ميفتكرش أننا لقمـة سهلة، سهل أنـه ياكلهـا أو يرميهـا ويدوس عليهــا.

لم تجيبهـــا "سارة" بل أطرقت برأسهــا، أستمعــا إلى صوت طرقات على باب الغُرفــة قبل أن تدخل كبيرة الخدم بخطى هادئة، وجهت أنظارهــا نحو "كــارمــا" مُبتسمة قبل أن تخبرهــا قائلة:
-كارمـا هانم، سيف باشا عاوزك ضروري.

ثم حركت أنظارهـــا في أتجــاه "سارة" مُضيفـة:
-ويوسف باشا وصل، وعاوزك ضروري يا أستـاذة سـارة.

******
على رغم من أن الحب فيـه
من الألم والحنين والعذاب
إلا أنــه علينــا أن نستسلم لـه
فـ لا شيئ أثمن منــه

تحرك "ثروت" بشموخ نحو غُرفــة مكتبــه وإبتسامة مُخيفة أرتسمت على ثغره، وخلفــه العديد من الرجــال أشداء البنيـة، دخل بخُطى ثابتـة متزجهًا نحو المقعد الجلدي، نزع سترتـه السوداء ووضعهـــا على ظهر المقعد ثم جلس بكل هدوء، رمقهم بـ نظرات حــادة قبل أن يسألهم:
-سيف النصــار هيبدأ يدور على أي ثغره عشان يوصلي، وإحنا لازم نمنعــه، ومش هو لوحده..

سكت لحظةً قبل أن يُتابــع بحدة أعلى:
-وكـارمـا مراتـــه، لازم هي كمان تموت، لأن زي ما قولت قبل كده، همـا الأتنين قوة جبـــارة، لو أتجمعوا سوا، يبقى إحنا هنضيع.

هز كُلاً منهم رأســه في أقتناع، طأطأ "ثروت" رأســه قبل أن يرفعهــا يحدجهم بقسوة:
-لازم النهاردة، النهاردة يموتوا قبل بكرا، أتغدى بيهم قبل ما يتعشوا بيا، فاهمين ولا لأ؟؟..

قال أحدهم بصوتٍ جـاد:
-تمام يا ثروت باشا، إحنا عارفين هنعمل إيـه وهنظبط الموضوع ده النهاردة.

بـ قبضة يده ضرب عل سطح مكتبــه وهو يقول بشراســة:
-الساعة دلوقتي 6، ساعة والأقي إنكم جهزتوا خطة وتبلغوني.

سحب شخصًا آخر نفسًا عميقًا قبل أن يتمتم:
-تمام يا باشا.

أشــار بإصبعيــــه بـ نظرات قاسية، فـ غادروا من المكان، وكُلاً منهم يتنفس بإرتياح عقب خروجـه حيًا، غمغم "ثروت" مع نفسـه بشرود:
-لو ضربت عليـه نار، ممكن يعيش ويكون عمل زي مراتـــه لما حاولت أقتلهـا، فـ لازم أحط خطة بديلة تخليني أخلص منهم كلهم، لازم ده يحصل.

******
جلس "رحيم" على الأريكـة وهو يضع هاتفـــه على أذنــه يستمع إلى كلمات الطرف الآخر، أطرق رأســـه مفكرًا بـ عمق، فالوضع قد أصبح في منتهى الخطورة، وثب واقفًا وهو يسب بداخلـه بضجر هاتفًا بحنق:
-يافندم أعمل إيـه يعنــي؟؟..

قال الطرف الآخر بصوتٍ جدًّ:
-إحنا بقالنا فترة كبيرة موصلنـاش لأي حاجة غير أسمــه، لازم نتصرف ونعرف الباقي، وبعدين مش سيف النصار بيساعدك في الحكاية دي.

قال "رحيم" بشرود:
-سيف النصـار غامض، بس أنا متأكد أنه مرتب خطة، لكن إزاي معرفش، بس إللي خايف منـه، هو بعد ظهور كـارمـا عزيز.

تنهد قبل أن يُضيف:
-أنا مش عارف هي طلعتلنا منين؟!.. وإيه السبب إللي يخليهـا تقف ضد شريف في حكاية الأرض؟!.. يعني هي نُسخة من سيف النصار، نفس الغموض.

رد عليـه الأخير بلهجة قويـة:
-بس من ناحيـة كـارمـا فـ أنا مطمن، أنا عارف إنك قلقت بعد ما أتجوزهـا لأنهـا بقت نقطة ضعفــه، وخايف إن الخطة تبوظ بسببهـا، بس لازم تطمن لأن لما دورت عن معلومات ليهـا عرفت أنها شخصية قوية، مش بتقع بالساهل، ولو وقعت بتقوم بسرعة البرق، فـ إطمن.

تمتم "رحيم" بتهكم:
-بس هي فـ خطر، ناسي إللي عملــه رامي الـ****، ولولا تدخل سيف!!..

إبتسم الأخير بثقـة:
-وعشان كده بقولك إطمن، واحدة تانية غيرهــا كان زمانهـا فضلت كام يوم منهـارة، لكن من تاني يوم وقفت على رجلهــا، ده غير شخصية زي سيف النصـار مش هيسبهـــا إلا لما تبقى أقوى من كده، إنت ناسي هو مين؟؟..

حرك "رحيـم" رأســه بالإيجاب قائلاً بـ بسمة:
-معاك حق.

******
دخلت "كارمــا" إلى الغُرفــة باحثـة عنـه بـ عينيهــا الزرقاوتين، ظلت تُسير حتى وجدت نفسهـا تقف خلفـــه بداخل الشرفــة، كان يدخن بشراهــة كي يخرج ضيقــه، ولكن تصلب جسده حينمــا شعر بـها تقف خلفــه، ألتفت إليهـــا يرمقهــا بنظراتٍ جادة قبل أن يقترب من الطاولة الصّغيرة كي يدهس سيجارتــه في المنفضة الكرستالية، إستمع إلى صوتهـا هاتفـة بجدية:
-ياريت بلاش تشرب سجاير، مؤذيـة.

إلتفت برأســه إليهــا، فـ تابعت:
-ده غير أنهــا بتتعبني جامد.

إبتسم بعبث وهو يقترب منهـا قائلاً بمكر:
-وأنا مرضاش إنك تتعبي.

عقدت ساعديهـــا أمام صدرهــا وهي تسألـــه:
-ياترى كنت عاوزني فـ إيه؟؟..

رد عليهــا بهدوء:
-جهزي نفسك، بكرا هانروح القريـة، هنقعد في القصر كام يوم.

رفعت حاجبيهــا مُتسائلة بإمتعاض:
-ليـه؟؟..

أجابهــا بصلابـة وهو يضع يديـهِ بداخل جيبي بنطالــه:
-الموضوع دخل في الجد، في حاجات لازم أعرفهـــا لما أوصل هناك.

عقدت ما بين حاجبيهــا وقبل أن تسألـه مرة أخرى، كان قال بـ بسمـة جذابة:
-وقبل ما تسألي إيه هي الحاجات دي، هقولك على كل حاجــة بس أول لما تثقي فيا.

رفعت حاجبهـــا الأيسر وهي تتسائل بريبة:
-وإنت إيه إللي أعرفك إني لسه مش واثقة فيكي.

غمز وهو يُجيبهــا بثقـة:
-أنا بردو خبير العيون، وبعدين أنا مش أي حد، أنا سيف النصـار.

إبتسمت إبتسامة صفراء، في حين دنا منهـــا وهو يقول بـ بسمة ماكرة كـ عينيـه الخضراوتين:
-وبعدين إنتي مراتـي، يبقى إزاي مش هفهمك؟!..

حاوط خصرهــا بـ ذراعــه وجذبهـا إليــه فـ أصطدمت يديهــا بصدره العريض، حدقت في ملامحـــه القاسية ثم قالت بجمود:
-آه طبعًا بتفهمني كويس أوي، بس ممكن تشيل إيدك.

همس بصوتٍ خطير:
-تؤتؤ، إنتي لو تعرفي أد إيـه كنت مستني اللحظة دي، مش هتقولي كده.

دفعتــه فجــأة وهي تسألــه بغضب:
-أنا عايزة أعرف إنت مين؟؟..

رد عليها وهو يهز كتفيـه ببساطة:
-ما أنا قولتلك سيف النصــار؟؟..

ردت عليهـــا بصوتٍ عال:
-لأ، كلامك غريب، بتتعامل معايا كأنك تعرفنـي من زمان، بغض النظر عن جملتك دلوقتـي، لكن لما قولتلي في تاني مُقابلة لينـا إننا أتكلمنــا قبل كده وأتقابلنـا أكتر من مرة، ولما قولتلي كان عهد عليا من 17 سنـة، يعني إنت كان عندك 12 وأنا كان عندي 7 سنين.

سكتت للحظات قبل أن تُتابــع وهي تحرك رأسهـا بعدم إستيعاب:
-أنا عايزة أعرف إنت مين؟؟.. فهمني؟؟..

ظل "سيف" يستمع إليهــا قبل أن يرفع عينيـه إلى عمق عينيهــا ثم قال أخيرًا بصوتـه العميق:
-للأسف مش هقدر أقول الإجابات دلوقتـي، أنا عارف إحساسك دلوقتـي، حاسة بـ توهان وقلق.

أقترب منهـا قبل أن يرفع يديــه يقبض على كفيهـــا برفق، ثم تابـع كلامــه هادئًا مُبتسمًا:
-صدقيني هقولك على كل حاجـــة بس لما تثقي فيا.

أبعدت يديـه عنهـا بعنف وهي تسأله:
-إنت عاوز تجنني؟؟.. أنا مش هثق فيك أبدًا.

تلاشت إبتسامتــه تدريجيًا قبل أن يهمس فجأة بوحشية:
-هتثقي وهتحبيني.. وإلا مبقاش سيف النصــار يا بنت عزيـز.

ثم تحرك بخُطى غاضبة نحو الداخل، ظلت واقفــة تنظر أمامهـــا بذهول وهي تشعر بـ دوامـة غريبة، سـارت نحو الأريكة تجلس عليهـــا، ثم غطت وجههـــا بـ كفيهــا وهي تشعر بألم في رأسهـا من كثره التفكير والأسئلة التي تودّ معرفتهـا ولكن لا إجابـة.

******
جلست "سارة" بإرتباك على المقعد وهي تتأمل المطعم بـ نظرات مبهورة، ولكن ظل قلبهــا بخفق بقوة وهي ترى رب عملهـــا يجلس أمامهــا بكل هيبة، إبتسمت بتردد قبل أن تبعد تلك الخُصلة المُتمردة من على جبينهــا، ثم قالت بتوتّر:
-هو إحنا جينا هنا ليــه؟؟..

إبتسم "يوسف" بعذوبة مُجيبًا:
-سارة، إنسي تمامًا فكرة إني رئيسك في الشغل.

عضت على شفتهــا السُفلى بإرتباك وهي تنظر حولهــا، ولكن إنتبهت لــه حينمـا قال وقد أتسعت إبتسامتـه الجميلة:
-وبعدين في خبر حلو، حبيت أقولهولك.

هتفت "سارة" بلهفة:
-خبر حلو؟؟.. إنت مُتأكد؟؟.. خير يارب، إيـه الخبر؟؟..

هتف "يوسف" وهو يشير بيده:
-أهدي يا سارة، مستعجلة ليه؟!.. ما أنا هقول أهو.

وضعت يدهــا على قلبهـا وهي تهمس:
-بقالي كتير مسمعتش الكلمـة دي؟؟.. خبر حلو على رغم أنهم كلمتين لكن لما بتتقالي كان بيبقى قليل.

أسترخى "يوسف" أكثر في جلستــه وهو يقول بثقة:
-من النهاردة كل حاجة هتبقى جميلة، وأول الحاجة دي هو طلاقك.

تمتمت بأسى وهي تخفض رأسهـا:
-لسه بدري على الحكاية دي، لسـه لما أرفع قضية خلع وهي بتقعد فترة طويلة.

شعر بـ نغزة في قلبــه من لهجتهـا الحزينة.. اليائسة، ولكن أخفى ذلك الشعور وهو يقول بحنوٍ:
-خلاص يا سارة، إللي بتتمنيـه حصل، سامر طلقك.

رفعت رأسهـا سريعًا وهي تسألــه بنبرة مصدومـة:
-إيـــــــه؟!!!..

حرك رأسـه بالإيجاب مؤكدًا على كلماتـه التي تفوه بهـا، فـ سألتـــه بنبرة تلهف:
-إنت بتتكلم بجد؟؟..

رد عليهـا بـ ضحك:
-يابنتي هو أنا هكدب عليكي ليـه؟؟.. حصل خلاص، سامر طلقك.

أتسعت عيناهـــا بدهشة مُتسائلة بذهول:
-طـ.. طب إزاي؟؟..

رد "يوسف" عليهــا بجدية:
-لما وصلت لبيتك، ولقيتــه مرمي على الأرض، كلمت رجالتي وخدوه على المخزن، ربيتـــه شوية وأمرتــه يطلقك، وده إللي حصل وبعدهــا أتفقت معاه يجي بكرا عشان يبعتلك ورقة الطلاق، وهياخد 100 ألف جنيـة مُقابل أنه ميقربش منك.

هدرت بصوتٍ عال وقد أتسعت عينيهـا بإستنكار:
-100 ألف جنية ليــه؟؟..

قال "يوسف" سريعًا وهو يضرب جبينــه:
-صوتك يا بنتي، حرام عليكي ده مصر كلهـا سمعتك.

نظرت حولهــا بتوتر بالغ، وزاد مُعدل خفقان قلبهــا وهي ترى تلك النظرات الفضولية، أطرقت رأسهــا إرتباك وهي تهز قدماهــا تحت المائدة، حدجهــا "يوسف" بـ نظرات مُشفقة على حالهــا، وعلى توترهـا البالغ الغريب، همس بداخلــه بصوتٍ عنيف:
-أقسم بالله لو أستمريتي على كده لأخدك في حُضنـي ومش هسيبك، يااااارب صبرني على إللي أنا فيـه.

تابــع بيأس بدخلــه وهو يطرق رأسـه:
-بحب طفلة.

عاود رفع رأســه ليجدهــا تنظر حولهـا بتوتر، فـ هتف برفق:
-إنتي ليه موترة نفسك أوي كده؟؟.. ماتقلقيش من حاجة طول ما أنا معاكي.

تسائلت "سارة" بـ أمل:
-يعني خلاص الموضوع هيخلص؟؟..

حرك رأسه إيجابيًا، قبل أن تسألـــه:
-طب الفلوس إللي هتدفعهـا، أنا مش هقدر أرجعلك منهـا أي حاجة، أنا مش معايا أي آآ..

قاطعهـــا "يوسف" بلهجة جهورية صارمـة:
-إيه إللي بتقوليه؟؟.. فلوس إيـه إللي ترجعيهــا؟؟..

زفر بحرقة وهو بنظر حولــه نظرات غاضبة فـ وجدهم ينظرون إليهم بإهتمام، فـ قابل نظراتهم بإستنكـار ثم عاد ينظر إليهـا ليجد إرتباكهــا قد زاد، فـ هتف بضيق:
-ما تبطلي توترك ده؟؟.. إحنا لو هنعمل جريمة مش هتبقي بالشكل ده؟؟..

همست "سارة" بخفوت:
-آسفة، بس هو غصب عنـي.

مسح على وجهه بقوة ليجدهـــا تنظر إليــه وهي تُتابــع بتردد:
-أنا عُمري ما خرجت برا البيت مع حد، ده غير إني بتوتر من الصوت العالي، فـ غصب آآ..

قاطعهـــا بكلمـة واحدة:
-متكمليش.

صمتت "سارة" وهي تنظر إليــه بترقب، أردف "يوسف" بصوتٍ قوي:
-أسمعي يا سارة، مش كل شويـة هتقعدي تبرري، ولو على أن دي أول مرة تخرجي فيهـا مع حد غريب، فـ أنا مقدر ده وبحترمـه جدًا، بس مفيش داعي للتوتر ده، وبعدين إحنا مش بنعمل حاجة غلط، خليكي واثقة من نفسك.

حركت رأسهـــا إيجابيًا وهي مُبتسمة سُرعان ما أختفت عندما رأت فتـاة تقف أمامهم، عقد "يوسف" ما بين حاجبيـهِ قبل أن يسألهـا:
-نعم؟؟..

قالت الفتـاة بإبتسامة واثقة:
-أنا كنت واقفة برا ساعة لما شوفت حضرتك بتخرج من العربيـة، ولقيتك أتخبط في حد، فالموبايل وقع منك.

مدت يدهـا نحوه بالهاتف وهي تقول:
-أنا بس كنت في مقابلة مهمة مستعجلة، عشان كده أتأخرت فـ أني أديه لحضرتك، أتفضل.

إبتسم بعملية قائلاً:
-شُكرًا.

إبتسمت لهم الفتـاة إبتسامة خبيثة قائلة:
-مفيش داعي للشُكر، عن إذنكم.

وبالفعل غادرت، تنهد "يوسف" بحرارة ثم ألتفت برأســه إليهـا، وقبل أن يتحدث إستمع إلى صوت رسالة وصلت إلى هاتفــه، فـ أضاء الشاشة كي يقرأ، ولكن أتسعت عينــــاه بقلق شديد وهو يرى تلك الرسالة التي أتت من صديقـــه الوحيد.

‘‘من غير كلام كتير، تعالى بسُرعة الشقة بتاعت والدتك، في مصيبة حصلت ولازم نتقابل في مكان محدش يشوفنــا فيـه، أنا جاي وكـارمـا كمان، لأن الموضوع يُخصنـا‘‘

ولا يعلم أن تلك الرســالة هي نفس الرسالة التي وصلت إلى هاتف "سيف" من هاتفــــــه، ولكن كيف؟!..

******
في نصف سـاعة، كان "يوسف" يقف أمام باب منزل والدتـــه وخلفـــه "سارة"، دخل باب منزلـــه وهو يلتفت حول نفســه عاجزًا عن التفكير، قالت "سارة" بقلق:
-تفتكر ليه بعت كده؟؟.. إيـه المصيبة؟؟..

نظر إليهـا ولم يُجيب، ظلت صامتـة ثم ألتفتت نحو باب المنزل الذي تركتـه مفتوحًا، منتظرة لحظة دخولـه هو وزوجتـــه.

وبالفعل خمس دقائق، وكان "سيف" يدخل المنزل بخطى سريعـة وخلفــه "كارمــا" التي ما أن رأت "سارة" حتى سألتهـــا بحدة وهي تغلق باب المنزل:
-في إيــه؟؟..

هبَّ "يوسف" واقفًا وأتجه نحو يسألـــه بقلق:
-في إيـه يا سيف؟؟.. إيه المصيبة إللي تخصني أنا وإنتي وكارمـا؟؟..

رد "سيف" بصوتٍ جهوري:
-إنت هتستهبل؟؟.. إنت إللي بعتلي رسالة إن في مُصيبة حصلت وأجيلك على هنا، وكنت هعمل حادثة أكتر من مرة من شوية.

هدر "يوسف" بحدة:
-نعـــم!!!!.. إيه إللي يتقولـه ده؟؟.. أنا كنت في المطعم لما بعتلي رسالة بإني أجيلك على هنـا.

أخرج "سيف" هاتفـــه وعبث فيه قليلاً قبل أن يقول بغضبٍ جامح:
-أنا شكلي هعمل فيك حاجة، الرسالة أهيه، بعتهالي من رقم موبايلك أهو.

أعطـــاه الهاتف وهو يزمجر بغضب، في حين أتسعت عينـــي "يوسف" وهو يُعيد قراءة الرسالة أكثر من مرة، رفع وجهه نحوه وهو يقول بذهول:
-إيه الكلام ده؟؟.. ده فعلاً رقم موبايلي ونفس الرسالة إللي وصلتي منك إنت.

أخرج هاتفـــه وعبث فيــه ثم ناولــــه لـ رفيقــه، ضيق "سيف" عينيــــه بريبة بعد قراءة الرسالة ثم قال:
-ده فعلاً رقمي، معناه إيه الكلام ده؟؟.. أنا مبعتلكش حاجـة.

نظر حولــــه وهو يقول بجمود:
-في كمين.

******
أرتفع رنين هاتفــه فـ أخرجـه سريعًا من جيب بنطالـه ووضعـه على أذنــه مُنتظرًا الرد بفارغ الصبر، أتـــاه صوت أحد رجـالــه وهو يقول بثبات:
-هو فعلاً وصلوا البيت دلوقتــي.

قال "ثروت" بصيغـة آمرة:
-نفذ إللي قولتلك عليـه.

تمتم الرجل بتردد:
-بس في بنت كده جت مع يوسف، وكلهم موجدين.

أتسعت إبتسامتــه الشيطانيـة وهو يقول:
-عادي جدًا، ولعوا البيت وهمــا موجدين فيــه، المهم أنهم يموتوا النهاردة.

******
ظل ينظر "سيف" إليهم نظراتٍ يملؤهـــا الريبـة، وقفت "سارة" تنظر إليهم بخوف، فمن حديثهم أستشعرت أنهــا قد وقعت في مأزق ولن تخرج منه بسهولة، حركت "كارمـا" رأسهــا محاولة إستيعاب على ذلك الفخ الذي وقعوا فيـــه، وبدون أن تنظر إليهم قالت بقوة:
-إحنا لازم نمشي من هنا فورًا.

أستدارت بجسدهـــا تركض نحو باب المنزل، ولكن سُرعان ما توقفت، أتسعت عينيهــــا بذهول وهي تهدر بصدمـة بعد أن أكتشفت عدم وجود مقبض:
-ينهــار أسـود.

ألتفتت إليهم تنظر لهم بـذهول هاتفـة:
-إحنا وقعنـا في فـخ.

تحرك "سيف" نحو الباب مُستفهمًا، فـ قست عينــــاه تلقائيًا حينمــا فهم مقصدهــا، مسح على وجهه بعنف يتسائل:
-هنتصرف إزاي؟؟..

بعد أن أنهى "سيف" تلك الكلمات بـ لحظة واحدة، إستمعوا فجــأة إلى صوت تهشم النافذة الزجاجيـة مع وقوع شيئًا مُشتعلاً، ثانيــة أخرى وكانت هناك صوت تهشم آخر مع وقوع شيء تخرج منه النــار، ثوانٍ وكان المنزل يشتعل وأصواتهم تملئ المكان، وألسنة النيران تتعالى منه مصحوبة بدخان أسود كثيف.

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:23 PM   #17

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل الثالث عشر"

الخوف من الشئ
هو الوجـه الآخر
للفتنــة بــه

في لحظــات قليلــة، تضاعفت الجذوة وتحولت إلى ألسنـة لهب تغذت بشراهة على السجاد والمنسوجات المتناثرة على الأرضية، فـ بدأت النيران تزداد إشتعالاً وتلتهم كل ما هو حولهم، حــالة من الفزع سيطرت على "سارة" وهي تضم ذراعيهــا لصدرهــا بخوفٍ شديد، وكان العرق فيض من جسدهــا المتوهج، تشعر بإقتراب الموت، بينمــا وقف "سيف" ينظر حولــه صارخًا بإسم "كـارمــا" محاولاً الوصول إليهــا، حيثُ هدر بهلعٍ:
-كارمــاااااااا، إنتي فين؟؟..

ردت "كارمــا" عليــه وهي تنظر حولهـــا برعب:
-أنا هنـاااا يا سيف.

بينمــا أخذ يتحرك "يوسف" بحرص وهو يُصيح بإسم "سارة"، منعتــه النيران من الرؤيـة فـ زاد جنونــــه وهو يصرخ بتشنج:
-ســااااااارة.

كانت "كارمــــا" قريبــة من "سارة" فـ بدون أن تفكر مرتين ركضت نحوهـــا وهي تُصيح بقلق:
-سـااارة.

وجدتهـــا تتنفس بصعوبــة، ولا تستيطع إلتقاط شهيقًا واحدًا، فـ بدون تفكير حاوطتهـــا من كتفيهـا وخبأت رأسهــا في صدرهــا، وبيدهــا الأخرى وضعتهــا على أنفهــا كي تمنع تلك الرائحة الخانقة للدخان من أختراق رئتيهــا، وبصعوبـة وصلت بهــا إلى غُرفـة ما، تركتهـــا على الفراش ثم ركضت نحو الخـــارج، سمعت صوت صراخ "سيف" وهو يهدر بجنون:
-كـارمـاااااااا، كـارمااااااا إنتي فين؟؟..

صرخت "كارمــا" بقوة:
-عند الطرقـة، وسارة وديتهــا على الأوضــة.

صرخ "يوسف" وهو يسعل:
-الباب مقفول، مش هنعرف نخرج.

تسائلت "كارمــا" بـ نبرة مُرتعدة:
-هنعمل إيــه دلوقـتـي؟؟..

هدر "سيف" بـ لهجـة صارمـة لهـا قائلاً:
-كـارمــااا إياكي تتحركي من مكانك، إياكي.

صرخت "كــارمــا" بغضبٍ قلق:
-إتصرف يا سيف، إحنا كده هنموت.

ألتفتت بـ جسدهــا كي تلج إلى الغُرفـة، جحظت عيناهــا بصدمــة وهي ترى "سارة" متمددة على الفراش فاقدة الوعي، ركضت نحوهــا وهي تقول بخوفٍ شيد:
-سـاارة، سـاااارة، ردي عليا.

ربتت على وجنتيهــا ولكن لم تستجيب، زاد رعُبهـــا فـ خرجت من الغُرفـة وهي تصرخ بهلعٍ:
-ســاااارة أغم عليهــا، أتصرفوا.

قفز قلب "يوسف" رُعبًا بين ضلوعه، بل كاد أن يقتلع منه، حاول أن يصل إليهـم ولكن منعتــه النيران من الرؤيـة، والأبخرة السوداء السامـة أصابت عينيــه بالإحمرار والدموع، سعل "يوسف" عدة مرات كدليلاً على أختناقــه وهو يُصيح:
-هنتصرف إزاي؟؟..

وصلت السخونـة وحرارة الإنصهار العاليــة لجسدهــا، فـ شعرت بإقتراب النــار منهــا، تنفست بصعوبـة وبدأ صدرهــا يضيق، سعلت من رائحة الدخان وهي تُصيح بتعب:
-أنا بتخنق.

أنتفض قلب "سيف" وشعور العجز يعتريـــه لأول مرة، فـ هدر برجـاء بصوتــــه القوي:
-أجمدي يا كـارمـاااا، أستحملي.

بدت الرؤيـة مشوشـة لدى "يوسف" ورأسه بدأت بدوار شديد، فـ بدون أن يشعر وقع جالسًا على الأرض، وأرجع رأســه للخلف كي يسندهــا على الحائط، لم يشعر بعدهــا بتلك النيران المضرمـة من حوله، وكأن الموت حام فوق رأسه، أستمع "سيف" إلى ذلك الإرتطام العنيف، لمحــه "سيف" وهو يراه في حالـة ضعف لأول مرة، هز رأســه بعدم تصديق من هول ما يُعايشـــه فـ صرخ بكل قوة:
-يوســـف.

******
في الأسفل، كانت تقف سيارة الحراسة الخاصــة بـ "سيف النصــار" خلف سيارتـــي رب عملهم و"يوسف"، كان الهدوء يسيطر على المكان يراقبون ما يحدث بهدوء، حتى لمح الحارس الأول شخصان ملثمان يستقلان سيارة ما، ثم غادرت المكان بسرعة عاليـة، عقد ما بين حاجبيــه بريبة وهو يتسائل بصوتٍ مسموع:
-مين دول؟؟..

رد عليـه الحارس الثالث الذي يجلس في الخلف بعدم إرتياح:
-دول شكلهم عاملين مصيبـة.

دقيقتين وكانوا إنتبهوا إلى صوت ذلك الرجل الذي يقف على مقربـة منهم يصرخ بفزع قائلاً:
-يا جمااااعة في شقة بتولع.

دب القلق في قلوبهم خاصةً كان الشخص يقول تلك الكلمات وهو موجه أنظاره نحو البناية التي دخلهـا رب عملهم، ترجلوا عن السيارة متوجهين صوب الشخص الذي لايُزال يصرخ بخوف، لمــحوا تلك الأدخنـة الكثيفة والمتصاعد منهــا من أغلب النوافذ ذلك المنزل، فـ بدون تفكير ركض كل منهم نحو داخل البناية متوجهين صوب المنزل.

في أقل من دقيقة، تدافع الحراس لنجدة رب عملهم ومنزلــه الذي أشتعل بالكامل، حيثُ إجتمعوا ثم إندفعوا بكل قواهم نحو باب المنزل قاصدين خلعــه، لم يصمد كثيرًا أمام قوة أندفاعهم فـ أنفتح على مصراعيـــه، دخل أحدهم وهو يصرخ بقلق:
-سيف باشااا.

سمع صوتــه الجهوري يصرخ فيه قائلاً:
-ألحق يوسف قبل ما يجرالــه حاجــة.

أخفض الرجل أنظاره فـ وجد "يوسف" واقعًا على مقربـة من باب المنزل، ركض نحو ثم جثى على ركبتــه كي يمسك بـ ذراعـــه يضعهــا خلف عنقــه صائحًا بقوة:
-يوسف باشا، يوســــف باشا.

سمع صوتــه الضعيف وهو يغمغم:
-أنا فايق بس مش قادر أفتح عيني وأقف.

ساعده الحارس على النهوض وهو يقول:
-حاول معايا يا باشا، يالااا.

وبالفعل أخرجه من المنزل، في حين خلع "سيف" سترتــــه السوداء كي يخبئ رأســه وكتفيــه وهو يقول مطمئنًا لهــا رغم الخوف المفزع الذي سيطر على كيانـــه بالكامل:
-ماتخفيش يا كـارمـا.

توخى حذره وهو يمر في الرواق، كاد أن يتلقى ضربة عنيفة حينما سقطت إحدى الستائر المشتعلة، ولكن في اللحظة المناسبة كان يتراجع للخلف خطوتين، تنحى جانبًا بحرص حتى وصل إليهـــا، وقبل أن يجذبهـــا هدرت بفزع:
-لأ، أنقذ سارة الأول يا سيف، أرجوك أنقذهـا الأول عل الأقل أنا لسه فايقـة.

أمسك ذراعهــــا بقوة وهو يقول بصوتٍ أجش:
-هنقذهــا أكيد بس تعالي إنتي الأول وآآ..

قاطعتـــه بعينين دامعتين وهي تقول برجاء:
-لأ أنقذهــا هي الأول، على الأقل أنا لسه فايقـة إنما هي كده هتتخنق وهي مُغمى عليهـا.

أرخى قبضة يده عن ذراعهــا ثم إتجـــه نحو داخل الغُرفــة ليجدهــا فاقدة الوعي على الفراش، ألتقط أحد الأغطيـة الموضوعة على الرف بداخل خزانـة الثياب بعد أن ألقى سترتــه على الأرض، ركضت "كارمـا" نحوه وهي تسأله بلهفة:
-هتعمل إيـه؟؟..

لم يُجيبهـــا بل فرد الغطاء في الهواء ليضمهـا بـه قائلاً بصرامـة دون أن يرفــع صوتــه:
-لازم أتأكد أن مفيش حاجـة هتأذيكي.

تأكد من تخبئة جسدهـــا بالغطاء، ثم حمل "سارة" بين ذراعيـــه قبل أن يتحرك بخُطى سريعـة حذرة نحو الخــارج وهي خلفــه تتبع خطواتــه بحرص شديد، تدخل الأمن سريعًا بأجهزة الإطفاء كـ محاولـة أوليـة لإخماد الحريق ريثمــا تصل عربات الإطفاء، أسرع أحدهم بسحب "سيف" و"كارمـا" بعيدًا عن المنزل.

كان "يوسف" يجلس على الدرج وبيده كوبًا من الميـاة جلبــه أحد الجيران له، نهض من مكانــــه سريعًا حينما وجدهم متوجهين نحوه، خفق قلبــــه بعنف وهو يرى "سارة" فاقدة الوعي، وضعهــا "سيف" على الأرض ثم تراجـــع للخلف بخطوات مُتعثرة حتى جلس على الدرج، جثى "يوسف" على ركبتيــه أمامهــا ثم أمسك رأسهـــا وهو يقول بذعر:
-ســارة، سارة، ردي عليا أرجوكي.

كان وجههــا شاحبًا مما زاد الألم بداخل قلبـه المسكين، أقترب بأذنــه من أنفهــا، فـ أحس بسخونة أنفاسهـا الضعيفـة، أمسك رأسهـــا ومسح على بشرتهــا قائلاً بحرقـة:
-سـارة، فوقي يا سـارة.

أقتربت منـه إحدى السيدات –من ذوي الشيبة- بخُطى مُتثاقلــة، ثم قالت بلهجة جـادة:
-هاتهــا يا أستاذ يوسف عندي، مينفعش تفضل بالشكل ده هنا لغاية ما الإسعاف تيجي.

هز رأســه سريعًا، مرر ذراعـــه أسفل ظهرهــا وذراعــه الآخر أسفل ركبتيهــا، وثب واقفًا وهو يحملهــا بين ذراعيـــه ثم سـار خلف جارتـــه، بدا مجئ تلك الجارة الطيبة كـ طوق النجاة بالنسبة له، أخفض عينيـه يتأملهــا بحُزن، تُكاد أنفاســه تتوقف من هول ما يشعر بـه من الألم.

******
أغمض "سيف" عينيـه بتعب وهو يرجع رأسـه للخلف قليلاً واضعًا يده على صدره محاولاً أن يتنفس بـ عُمق، دنت منــه "كارمـا" وهي تقاوم دوار رأسهــا، جثت على ركبتيهـــا أمامـــه، ثم أمسكت يده تسألــه بقلق:
-سيف، سيف إنت كويس؟؟..

فتح عينيــه بصعوبــة وهو يقول بهدوء:
-ماتقلقيش، أنا تمام.

سحبهــا برفق نحوه كي تجلس بجانبــه على الدرج، وبدون أن ينبس بكلمـة واحدة حاوط كتفيهـــا يضمهــا إليــه بقوة يزفر بإرتياح، أراحت رأسهـــا على صدره بتعب مُتنهدة بألم وهي تهمس بضعف:
-كُنا هنموت.

مسح على شعر رأسهــا وهو يقول بحنو رغم قوة لهجتــه:
-كُنا فعل ماضي، المهم دلوقتـي إحنا بخير، وبعدين أنا جمبك دايمًا؛ يعني هفضل طول عمري زي ضلك، ماتقلقيش.

إلا أن قلبهــا أمتلئ قلقًا فـ همست غير مرتاحة:
-مش عارفة، بس إللي حصل ده غريب، إزاي يوسف أتبعتتله رسالة من على نفس موبايلك، وهو بعتلك نفس الرسالة من على موبايلك؟؟..

أغمض عينيـه يهز رأسـه بتعجب وهو يُجيب:
-مش عارف.

صمت قليلاً قبل أن يسألهــا بإهتمام:
-حاسـة بـ حاجـة؟؟..

ردت عليـه بتعب:
-دايخة أوي.

تأهوه من نبرتهــا الواهنــة، فـ شدد على إمساكـه بهـا، تنهد تنهيدة مثقلة كبيرة حتى كادت أزرار قميصـه تطير من مكانهـا، أغمض عينيـهِ للحظات وهو يهمس بصوتٍ خطير:
-أرتاحي في حضنـي دلوقتـي، كل حاجة هتبقى تمام.

لم تكن تنتظر الأمر منـه، بالفعل أغمضت عينيهـــا بتعب غير عابئة بـ نظرات من حولهــا، يكفي أنــه بجوارهــا، فهي على ثقـة أنه من سيأذيهــا في وجوده ولو بكلمـة واحدة قد أتى إلى الموت بـ قدميــه، فتح "سيف" عينيـه القاتمتين ينظر أمامـه بلا وجه معينـة وهو يفكر بجمود، فـ لقد أنتهت معركة أخرى بـ فوزه، ولكن هل سيظل يُحــارب من أجل سلام عائلتــه للأبد؟؟.. هل سيظل يحارب الشبح؟؟..

******
لاحقًا، وقف "يوسف" أسفل البناية يتأمل منزل والدتـــه بـ عينين متألمتين بعد أن تفحم، أغمض عينيــه للحظات محاولاً أن يبدو صلبًا، مسح تلك الدمعـة التي كانت على وشك الهبوط سريعًا قبل أن يراهــا أحد، تحرك نحو عربـة الإسعاف حيثُ تجلس "سارة" بداخلهــا ترتدي تلك الكمامة البلاستيكية التي تمدهـا بالأكسجين، إبتسم لهــا وهو يسألهــا بإهتمام:
-كويسة دلوقتـي؟؟..

حركت رأسهـا بالإيجاب وقد تلألأت عينيهـا الباسمتين، أحس بإرتفاع نبضات قلبـه في صدره وهو يقول بإبتسامتـــه الساحرة:
-يـااااه أنا خوفت عليكي أوي لما شوفتك مُغمى عليكي، وخصوصًا النار كانت في كل مكان.

أطرقت رأسهــا بخجل، فـ إتسعت إبتسامتـــه أكثر وهو يُتابــع:
-المهم دلوقتـي إنك بخير.

******
لحظات وأمتلأ المكان برجال الشرطة ليحققو فيما حدث، قـام "سيف" بـ توقيع على عدة أوراق بوجهٍ جامد قاسٍ، ثم أعطاهم للضابط الذي تناول منــه تلك الأوراق بـ بسمة جـادة، وتحرك بعيدًا عنـــه كي يتحدث مع ضابط آخر على ما وصل إليـه من معلومات ذلك الحريق والذي يُخص الرجل الأعمال "يوسف النقيب".

وضع "سيف" يديـــه بداخل جيبي بنطالـــه وقد أخفض رأســه بشرود عميق، لم يشعر بتلك القدمين التي تقترب منــه بتوتر، بقيت "كارمـا" في الخلف مترددة في البوح بـ كلمة واحدة، أقتربت منــه مطأطأة الرأس، تُقدم قدمًا وتُؤخر الأخرى، همست لنفسهــا بصوتٍ مُتألم:
-شكلي هحبك ياإبن النصـار، وده إللي أنا خايفـة منـه.

ألتفت فجـأة وكأنه شعر بهــا، تراجعت تلقائيًا للخلف رافعــة عينيهـــا الزرقاوتين نحو عينيـه الخضراوتين العميقتين تُكاد أن تغرق بهمــا، ولكن لمحت لمعة ألم ظهرت بداخلهمـا، هل هو تألم؟؟.. من ماذا؟!..

تأمل تفاصيل وجههـــا بـ عينين عاشقتين، شعر بألم يعتري قلبــه وهو يرى وجههـا شاحبًا ملوثًا ببعض الشحوم السوداء، وعينيهــا التي طالمًا عشقهما منذ الصغر حزينتين كالعادة ولكنهم مرهقتين إرهاقًا جلي.

إقترب منهـــا متسائلاً بإهتمام قلق:
-مالك يا كارمـا؟؟.. إنتي كويسـة؟!..

ردت عليـه ببسمة صغيرة وعينيهــا تلتمعان بشدة:
-المفروض أنا إللي أسألك السؤال ده، إنت كويس؟؟..

إبتسم تلقائيًا وهو يُجيبهــا:
-أنا كويس.

سألتـــه بقلق:
-بجد؟!..

أقترب منهــا بهدوء ثم رفع يده يتلمس بشرتهــا بأصابعـه متمتمًا:
-بجد.

همست لـه متسائلة بوجهٍ أشرق مع لمساتـه الحنون:
-آ.. طب هانروح إمتى؟؟.. أنا تعبت أوي خلاص.

******
جلس "فارس" على الأريكــة بجوار والده الذي بدا عليه الشرود والحزن، ربت على كتفـه برفق فـ إلتفت ينظر إليــه بـ إبتسامة باهتـة واهنـة، صمت قليلاً قبل أن يسألــه "فارس" بجدية:
-ممكن أعرف مالك؟؟.. إيه إللي مزعلك دلوقتـي؟؟..

رد عليـه "عزيز" بنبرة شـاردة:
-بنتي كبرت وهي كرهاني، في شعور أقسى من كده.

هتف "فارس" بنبرة جامدة:
-بصراحة أنا لو مكانهــا عُمري ما كنت هقدر هكلمك وأقولك حتى السلام عليكم.

أخفض "عزيز" رأسـه وهو يقول بقهر:
-حتى إنت يا فارس، أنا مليش غيرك إنت يابني!!..

قال "فارس" بلهجـة قويـة:
-مش هقدر أكدب عليك، بس فعلاً أنا جت فترة وأنا صُغير كنت كرهتك بعد ما أختي مشيت مع مامتهـا، الفرق إللي بيني وبينهـا سنـة يعي كنت حاسس بوجودها، ظلمتهـا وظلمت مامتهـا، كنت أوقات ببقى محتاج أختي بس لما كنت بدخل أوضتهـا وألاقيهـا مش موجودة، كنت بحس بـ كُره من ناحيتك، لغاية ما كبرت وقررت إني أخرج الكُره ده، وإن لو في نصيب أشوفهــا يبقى هشوفهـا.

إبتسم إبتسامة حانيـة وهو يُضيف:
-لما سمعت الكلام البطال عنهــا أتوجعت، دمي كان محروق وقتهـا، بس في صوت جوايا كان بيقولي أختك لا يُمكن تعمل كده أكيد، أمهـا كانت ست كويسة، يبقى أكيد هتربيهـا تربية كويسة مُحترمـة، ولما شوفتهـا قدام عينيـا..

أغمض "فارس" عينيـه بقوة وهو يتنهد بألم قائلاً:
-كان نفسي أخدهـا في حضنـي، بس حسيت إني متكتف، وجوزهـا واقف قدامي مش عارف أقول إيـه ولا أتصرف إزاي!!.. ولما وقعت قدامي على وجع قلبي إللي حسيتــه، أتأكدت عشان أكسبهـا هيبقى صعب.

تمتم "عزيز" وعينــاه تلتمعان بـ وميض الآسى:
-نفس إحساسي يا فارس، بس إللي أنا مُتأكد منــه، إنهـا عُمرهـا ما هتسامحنـي.

وثب "فارس" واقفًا هاتفًا بعزم وبصوتٍ لا يقبل الجدال:
-بس أنا مش هسكت، هخلي علاقتنــا زي ما كنت بتمنى دايمًا.

******
ظل "ثروت" غاضبًا بشدة بعد أن تلقى مكالمة هاتفيـة تخبره بـ فشل مخططـه، أخذ يثور على كل من أمامــه ويتوعدهم بالتهديدات، جال بـ مُخيلتــه كل الأفكـار السيئة التي من المحتمل أن يتعرض لهـا على يد فهد آل نصـار، إن لم يقُم بتحصين حالـهُ جيدًا، فـ أخذ يهدر بصوتــه:
-كده هيوصلي، هيوصلــي إبن النصـار.

سألـــه أحد الرجــال بخوف منـه ومن لهجتـه:
-هنعمل إيه يا باشـا؟؟..

صمت قليلاً وهو يقول بصوتٍ غامض:
-الوحيد إللي عارف شكلي هو شريف، أقتلوه قبل ما سيف يوصلــه ويعرف كل حاجـة.

******
حاوط خصرهـا بـ ذراعـه وقربهــا إليـه بشدة نحو صدره، فـ أسندت يدهـا تلقائيًا على صدره العريض، نظر "سيف" نحو رفيقـــه الذي أنشغل كثيرًا بـ"سارة"، حرك رأسـه بيأس على عشقــه لهــا وهو يتمنى أن تبادله ذات المشاعر، فـ هو يعلم قلب "يوسف" جيدًا، لن يتحمل إن لم تحبــه، فلقد عشقهـا حد النخـاع.

حاول أن يطرد تلك الأفكــار من عقلــه، ثم قال بصوتٍ قوي وهو يُشير بيده لـ "يوسف":
-يالا يا يوسف عشان نمشي.

تمتمت "سارة" بحرج:
-طيب أنا همشي بقا.

هتف "يوسف" بإستنكـار:
-نعــم؟!..

أردف "سيف" بصرامـة دون أن يرفع صوتـه:
-مش هينفع يا سارة، أولاً إنتي تعبانة، ثانيًا الوقت أتأخر خلاص، لو كده بكرا ترجعي شقتك.

ترددت "سارة" قائلة:
-بس أنـا آآ..

قاطعهـــا "يوسف" وهو يقول بحدة:
-سارة، إحنـا قولنـا إيـه؟؟..

أومأت برأسهــا وقبل أن يتحرك كل منهم نحو سيارتـه، إستمعوا إلى صوت مُتلهف يأتي من خلفهم وهو يهدر بـ:
-كـارمــاااااا.

تخشب جسدهــا وتصلبت تعابير وجههـا حينمــا رأتــه، همست بصدمـة:
-ماجد!!..

أقترب "ماجد" منهـا سريعًا يقبض على ذراعيهــا مُتسائلاً بلهفـة:
-إيـه إللي حصل يا كارمـا؟؟.. آآآ..

أنفلتت أعصاب "سيف" من حديثـه معهـا بتلك الحُريـة والأشد لعنـة هو أنه قبض على ذراعيهــا بدون خوف، فـ قبل أن يُتابع "ماجد" كلماتــه وجد من يجذبـه بعُنف من ياقة قميصــه، وقبل أن ينظر إلى صاحب تلك الحركة، وجد من يسدد لـه لكمـة عنيفـة نحو فكـه، فـ تناثرت الدماء على الفور، ظل مُمسكًا بـه من تلابيبــه وهو يصرخ بـه بإهتياج مبالغ فيـه:
-مش مرات سيف النصـار إللي يبصلهـا حد ويمسك حتى إيدهــا.

تأوه "ماجد" من الألم، ومع ذلك صرخ بحنق:
-وإنت مالك؟؟.. كـارمــا تبقى حبيبتي!!..

وكأن تلك الكلمات كانت هي البطاقة الخضراء كي يندفع إليـه كالثور الهائج قابضًا على عنقــه بشراسـة وبصوتٍ جهوري أفزع من حولـه:
-حبيبتك مين يا إبن الـ****، إنت عارف أنا ممكن أعمل فيك إيـه؟؟.. أنا ممكن أخد روحك بـ إيدي دلوقتـي حالاً.

ليزيد "ماجد" الطين بلة وهو يقول:
-وإنت مالك ومال كارمتـي؟؟.. تقربلهــا إيــه؟؟..

ضغط على عنقـه بعنف محاولاً خنقـه، وقد أشتدت تعبيراتــه شراسـة مُبتسمًا إبتسامة شيطانيـة وهو يقول:
-كارمتك!!!.. النهاردة كان نفسي أقتل وخصوصًا قبل ما أشوف خلقتك، أتشاهد على روحك يا****.

******

-من أنت؟؟..
سيفك وحصنك الذي لن يخذلك..
-ومن أكون بالنسبة لك؟؟..
حبيبتي ومليكتـي..
فـ أنتِ من يُناديكِ قلبي في كُل ثانية..
ومن أفقدتني عقلي وأعادت لي روحي..

أحست بإرتفاع نبضات قلبهــا في صدرهـا وهي تراه على وشك إرتكاب جريمـة قتل من غيرتــه القاتلــة، ظل جسدهــا مُتصلب وعقلهــا عاجزًا عن الإستيعاب، في حين أندهش "يوسف" من كلمات ذلك الرجل وأرتفع حاجبيـه للأعلى في صدمة جليـة، أخذ يضغط "سيف" على رقبتـه وهو يزمجر غاضبًا، أرتجف "ماجد" تحت قبضتـه كمـا تحشرج صوتـه، أخذ يُصـارع ويحاول بكُل قدرتـه على أن يستنشق نسمة هواء، تحول وجهه للون الأحمر الداكن ثم تغير إلى اللون الأزرق، ومع ذلك لم تتراخى أصابع "سيف" عن عنقـه، وصل إليـه صوت يُناديــهِ صارخًا بـ قوة:
-لأ يا سيف، أبعد عنـه.

كان صوت رفيقــه "يوسف" وهو يقترب منـه بخُطواتٍ سريعة، وقف أمامـه ثم قبض على ذراعـه بـ قوة، حاول أنتزاع يده المطبقة على رقبة "ماجد" قائلاً بـ رجاءً رغم حدة لهجتـه:
-سيبـه يا سيف، هيموت في إيدك، هتودي نفسك فـ داهية يا بني آدم أنت.

أرخى أصابعـه عن رقبتـه، أحتقنت عينـاه بـ حُمرة مُخيفة وهو يطالعـه بـ بنظراتـه الشرسة ثم قال بصوتٍ مُخيف:
-لو فكرت تقرب منهـا تاني، قول على نفسك يا رحمن يا رحيــم.

أخذ يسعل بـ قوة، لم يستطع أن يتحرك من مكانـه وهو يتحسس رقبتـه، فقد كان محاصر بين براثن وحش كاسر، وقف "سيف" ثم أستدار بجسده مبتعدًا عنـه، ولكن قابل في طريقـــه ثلاثـة من الضباط الذين رأوا ما حدث، تسائل أحدهم بـ حدة بالغـة:
-إيــه إللي بيحصل ده؟؟..

قبل أن يُجيبــه كان إستمع صوتٍ من خلفــه يصرخ بغضب:
-إنت إزاي تعمل كده؟؟.. أنا مش هسيبك.

التفت إليــه "سيف" وهو يهدر بشراسـة:
-هو إنت عاوز تموت النهاردة ولا إيــه؟؟..

قال تلك الكلمات وهو يقترب منـه ولكن وجد جسد رفيقــه يسد عليـه الطريق، تمتم "يوسف" برجاء:
-أهدى يا سيف عشان خاطري، هو بيقول أي كلام.

ثم ألتفت برأســه نحو "ماجد" وهو يقول بصوتٍ جهوري:
-ممكن تمشي من هنا، إحنا مش ناقصين.

تراجعت "سارة" للخلف وهي تسمع صوتـه الجهوري لأول مرة، في حين قال "ماجد" بصوتٍ عال:
-مش همشي إلا وكارمــا معايا.

صرخ "سيف" بجنون وهو يحاول دفع جسد "يوسف":
-معاك يا إبن الـ****، سبني أموتــــه.

هدر ضابطٍ ما بصوتٍ صـارم:
-بــــس.

أقترب ضابط آخر نحو "ماجد" وهو يسألــه بحدة:
-إنت تعرف كارمـا هانم؟؟.. تقربلهــا إيـه؟؟..

رد عليــه "ماجد" بقوة:
-أعرفهـا طبعًا، تبقى حبيبتي.

مسح "سيف" وجهه بقوة ثم مرر أصابعه على شعره الذي ود ولو للحظة أن يقتلعــه من مكانــه من شدة الغضب، هدر بغضبٍ جامح:
-بردو بيقول حبيبتي.

رمقــه "يوسف" بـ نظرات راجيـة، بينمــا سألـه الضابط موجهًا أنظاره نحو "ماجد" بدهشة:
-حبيبتك مين؟؟.. يا أستاذ إللي بتتكلم عنهـا دي تبقى زوجـة سيف النصــــار.

رد عليـه "ماجد" بحنق:
-ده كدب يا حضرت الضابط، كارمتي لا يُمكن تتجوز، لأنها هتتجوزني أنا.

لم يتحمل كلمات ذلك الشخص الثقبل، فـ بدون تفكير دفع رفيقـــه بقوة راكضًا نحوه وهو يهدر بصوتٍ جهوري قاسي:
-إنت مصمم تموت النهاردة، وأنا مش هحرمك من ده.

جذبـه من تلابيبـه بـ قوتـه الغاضبة المستثارة لـ يسدد لـه لكمة عنيفة عرفت طريقهـا، تدخل ثلاثـة ضباط محاولاً أثنين منهم إبعاد "سيف" عنــه، وبالفعل نجحــا في ذلك بعد مُعانــاه كبيرة، ولكن غضبــــه مازال يتضاعف وهو يسمع لهجـة ذلك البغيض وهو يقول بجنون:
-يا باشا الكلام ده كدب، كارما حبيبتي وآآآ..

نطقت "كارمـا" أخيرًا هادرة بعصبية:
-أنا مش حبيبتك، أنا معرفكش سبني في حالي بقاااا، أرحمنـــي، مش كل شوية تطاردني.

أقترب "يوسف" من أحد الضباط ثم همس له بصوتٍ خفيض:
-شوف حضرتك الراجل ده شكل قواه العقليـة في حاجـــة، أنا من رأيي لازم نمشي من هنا، وإلا سيف مش هيستحمل ويمكن يأذيــه.

صمت الضابط قليلاً ثم قال بصوتٍ عالٍ جاد:
-سيف باشا، تقدر تتفضل دلوقتـي، وإحنا هنتصرف مع الجدع ده.

قال كلمتــه الأخيرة وهو يُشير نحو "ماجد" الذي أتسعت عينيـه بجنون، أخذ يقول بطريقـة هيستريـة:
-لا يا باشا، خليه يمشي بس كارمــا لأ، كـارمـااااااااا.

ظلت تنظر "كارمـا" إليـه بـ عينين دامعتين، تُشفق عليــه كثيرًا وعلى نفسهــا من ما يحدث لهــا، تأهوت حينمـا قبض "سيف" على ذراعهـــا بقسوة يجذبهــا خلفــه قائلاً بصوتٍ مُرعب:
-يالا، ولينا حساب مع بعض في البيت.

******
لاحقًا، أنتفضت من مكانهــا وهي تستدير لــه بعد أن صفق الباب بقسوة، تخشب جسدهــا وتصلبت تعابير وجههــا حينمــا رأتــه بغضبـه المشحون يطالعهــا بـ نظراتــه الناريـة، شعرت بـ جفاف شديد يجتاح عقلهــا وبتسارع نبضات قلبهــا، توترت نظراتهــا من تحديقـه العدائي لهــا، شل تفكيرهــا مما يمكن أن يفعلــه بهــا، حاولت التحدث بصوتٍ مُرتبك قائلة:
-سيف بلاش عصبية، وأنا هشرحلك كل حاجــة.

مد ذراعــه ليقبض على سغهــا بقوة، أعتصره بـ أصابعــه وهو يجذبهـا نحوه بشراسة وعنف قائلاً:
-تشرحي؟!.. تشرحي إيــه يا هانم!!.. أنطقي بينك وبينـــه إيــه؟؟.. بتحبيــه؟؟..

أرتجفت شفتاهــا قائلة بصدمـة:
-إ.. إيــه؟!..

رد عليهــا وقلبــه يخفق بعنف خشيًا من الإجابة:
-إنتي سمعتيني كويس يا كارمــا، أنطقي بقولك.

حاولت تحرير يدهــا من قبضتــه وهي تقول بألم:
-يا سيف أنا مش بحبــه، والله مش بحبـــه، إنت مشوفتش حالتــه؟!!..

فشلت في تحرير يدهــا من قبضتــه، قبض على ذراعيهــا ليهزهــا بعنف مكملاً صراخــه المهتاج بهـا:
-حالتــه؟!!!.. أيوة شوفت، دي حـالة واحد عاشق!!!.. واحد بيعشقك، بيعشق مراتـي!!!..

تأهوت حقًا من شدة الألم، لم تكن بإستطاعتهــا تحمل الأوجاع، فـ حاولت دفعــه وهي ترد مدافعـة عن نفسهـا:
-ماجد إنسان مش طبيعي، أنا ذنبـي إيـــــه؟؟.. ربنا وقعني فـ طريقـــه زي ما وقعنــي في طريقك.، أرحمنــي وطلقنــ...

جذبهـا إليــه بقوة لينهي صراخهــا بـ شفتيـهِ المجنونتين بينمــا أخذت تضربــه في صدره بـ قبضتيهـا ولكن دون جدوى، بعد عدة لحظات من الشغف الغاضب، أمسك بـ ذقنهـا يرفع وجههـا إليـه قائلاً بصرامـة وبـ عينين تضاهيانـــه في الظلام:
-أمسحي كلمـة طلاق دي من القاموس عندك يا بنت عزيز، إحنا مصيرنـا واحد ومفيش حاجـة هتفرقنـا غير الموت.

أتسعت حدقتـــاهــا وهي تهمس:
-لأ، مش ممكن.

إبتسم لهــا ببرود رغم شراسـة عينـــاه ثم تمتم بصوتٍ هادئ نوعًا ما:
-ده آخر كلام عندي.

حدجهــا بـ نظرات أخيرة قبل أن يتحرك بخُطى متعجلة نحو المرحاض لكي يغتسل عله يتمكن من نسيان أحداث اليوم، جلست "كارمـا" على طرف الفراش بصدمــة جليـــة، رفعت يدهــا تمسك رأسهــا التي بدأت تدور وهي تقول:
-لأ، يعني إيه الكلام ده؟!.. بقيت أسيرتــه!!..

******
أدار صنبور المياة البارد، وأخفض رأســه أسفلــه مياهه المنهمرة، أستمتع بتلك البرودة القاسية التي أطفأت إلى حد كبير نيرانـه المستعرة في عقله، لم يدرِ كم مر عليه من الوقت وهو باق على تلك الوضعية، لكنه كان يبحث عن السلام الداخلي، عمن يخمد ذلك البركان الهائج في صدره، أبعد رأســه أخيرًا عن الماء المنهمــر، ثم خرج من المرحاض، ليجدهــا على تلك الحـالة، أقترب منهــا ثم قال بصيغة آمرة:
-قومي يالا عشان تغيري هدومك.

لم تتحرك من مكانهـا أو تظر إليـه، فـ تابع بجدية:
-أنا كنت أشتريت شوية لبس ليكي هتلاقيهم في الدولاب.

رفعت عينيهــا تحدق بداخل عينيــهِ لتجد بداخلهمــا المكر وهو ينطق بـ:
-وطبعًا مش محتاج أعرف المقاس.

جملة وقحـة تبعهــا غمزة أشد وقاحــة، أشتعلت عيناهـــا بحنق وهي تهب واقفــة، في حين عقد ساعديــه مُبتسمًا لهـا بإستفزاز، أرتسمت على تعبيراتهــا علامات الضجر وهي تقول بحدة:
-شوف بقا، فكرة إنك تعرفنــي من زمان وأسلوبك إللي فيه القسوة دايمًا، مش هسمح أنك تتعامل بيه معايا، أنا كارمــا عزيز ياإبن النصــار، مش بخاف إلا من إللي خلقنـي، ولو كنت فاكر إني آآ..

كان طوال تلك اللحظات أثناء حديثهــا الغاضب وعينـاه لا تفارقان شفتيهــا حتى لاحظت هي ذلك، فـ توقفت عن إلقاء كلماتهـا الغاضبة، وشعرت بالدماء الحــارة تندفع في شرايينهــا.. الوقح!!..

دنا منهــا قليلاً وحاوط خصرهـا بـ ذراعــه هاتفًا بإبتسامة مُهلكـة:
-بتنسي بسرعـة، مش كنت قولتلك إياكِ تضعفي؟!..

رفع ذقنهــا بإصبعيــه، فـ تألمت روحـه حينمــا رأى عتاب عينيهــا الزرقاوتين المهلكتين لروحــه العاشقـة، همس لهـا بخفوت:
-آسف لو زعلتك.

أتسعت عيناهـــا بدهشة وفغرت شفتيهــا قليلاً وهي تراه يعتذر، "سيف النصــار" يقدم لهـا أعتذار مهذب، في حين قرر أن يقدم لهـا إعتذارًا بشكل آخر، بـ طريقتــه هو والخاصــة.

فقد سحبهــا نحوه بذراعــه وراح يقبّلهـا، قُبلة بـ مذاق التوت البرّى، أستسلمت لذراعيــه ولخدر النشوة، شعرت أنها ثملة بالقُبل، بكل الوعود التي منحتهــا شفتـاه، وحينمـا أبتعد لم تقل شيئًا، شفتاه تسرقان دائمًا صوتهــا، لذلك تحركت قدماها بخُطواتٍ مُسرعـة نحو المرحاض، تاركة خلفهــا رجلاً يبتسم بثقـة العاشق، الذي تأكد أنهـا على وشك الوقوع في بئر العشق وهو سيكون مُنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر.

******
بعد فترة، خرج "سيف" من المرحاض فـ وجدهـــا قد تمددت بـ جسدهـــا على الفراش وذهبت في سُباتٍ عميق، إبتسم تلقائيًا وهو يجلس بجوارهـــا، مُراقبتهــا مُتعة لا يُمكن وصفهــا، أرجع خُصلة خلف أذنهــا وهو يهمس بصوتٍ دافئ:
-تعرفي مهمــا عدا الوقت عُمري ما هزهق منك.

تنهد تنهيدة حــارة وهو يقول بشرود:
-أنا أستنيتك 17 سنة، مقدرتش أحب حد غيرك، ولسه مش قادر أعرف السبب؟!..

قَبّل جبينهـا قُبلة عميقـة وهو يهمس بخفوت:
-إنتي خايفة تحبي وتتجرحي، أنا هشيل الإحساس ده ومش مستعجل، المهم النتيجة.

أضــاف بـ بسمتــه الساحرة:
-وهي إنك تعشقيني.

أنهى كلماتــه ثم تمدد بعدهـــا على الفراش، نظر إليهــا بخُبث قبل أن يحاوط خصرهـــا ويجذبهـــا نحوه فـ أصطدم ظهرهــا بـ صدره العريض القاسي، فتحت عينيهــا بخوف وهي تشهق بصدمــة، نظرت من فوق كتفهـا فـ وجدتـه هو، حاولت أن تبعد ذراعــه عنهــا وهي تقول بحنق:
-إنت بتعمل إيـه، إبعد عني.

رد "سيف" عليهــا بإبتسامة بريئة:
-أنا أتعودت أحضن المخدة قبل ما أنام.

ردت عليه بضجر:
-في مخدات هنا أهو.

سمعتـه يهمس في أذنهـا بمكر:
-بس إنتي كـ مخدة أحلى بـ كتير، ونامي بقا عشان عندنا يوم طويل بكرا.

أغمضت عينيهــا بقوة وهي تقول بداخلهــا بيأس:
-يخربيت وقاحتك.

عاودت فتح عينيهـا ثم هتفت بضيق:
-بس أنا مش مرتاحـة.

لم يُجيبهـــا "سيف" بل أغمض عينيـــه براحــة غريبـة أعترتـه بعد أن أصبحت بـ قُربـــه بتلك الطريقـة، وإبتسامة صغيرة مُرتسمة على ثغره، أغمضت عيناهـــا بتعب فهي لن تستطيع أبعاده عنهــا، وغير ذلك إرهاق اليوم جعلهــا تغفو سريعًا.

******
في اليوم التالي، فتحت عينيهـا بتثاقل وهي تتململ بجسدهــا، أستيقظت "كارمــا" وهي تنظر بجانبهــا فوجدتــه غير موجود، زفرت بحرارة ثم هبطت من على الفراش، ألتفت برأسهـا نحو الباب حينمــا وجدتـه قد أنفتح وظهر هو بـ وجهه القاسي، تقوس فمــه بإبتسامة جانبية وهو يتمتم بهدوء:
-صباح الخير.

ردت عليه بهدوء:
-صباح النور.

قال "سيف" بصوتٍ رخيم:
-كويس إنك صحيتي، كنت طالع أصحيكي عشان نفطر سوا.

أومـأت برأسهـا قبل أن تُجيبــه بتأكيد:
-تمام، خمس دقايق وهنزل وراك.

تمتم بإيجاز:
-تمام.

وقبل أن يتحرك أستوقفــه سؤالهــا حيثُ قالت:
-هما سارة ويوسف موجدين لسه؟؟..

ألتفت برأســه نحوهـا ثم رد عليهـا بإقتضاب:
-لأ نزلوا من بدري.

حركت رأسهــا بالإيجاب، فـ هتف بجدية:
-ياريت بعد الفطار أبقي حضري شنطتك، وأنا هحضر شنطتني.

ردت عليهــا وهي تشير بيدهـا:
-مفيش داعي، أنا هحضرهــا.

أقترب منهــا ثم وضع يده على جبينهــا بقلق زائف، سألتــه بريبـة:
-إنت بتعمل إيـه؟؟..

سألهــا بدلاً من أن يُجيبهـا:
-إنتي كويسة؟؟..

نظرت لـه بدهشـة وهي تسألـه:
-في إيه يا سيف؟؟..

رفع حاجبـه بـ طريقة تُثير الإستفزاز وهو يقول:
-هو طبيعي أنك تكوني بتتكلمي بـ أدب كده؟؟..

عبست قليلاً وهي تقول:
-طب والله إنت إللي ظالمنـي.

إبتسم بتهكم وهو يغمغم:
-آه ظالمك.

دنا منهــا قليلاً وقد ألتمعت عينــاه بخُبث، قبض بـ يديـه على خصرهــا وقربهـا إليـه أكثر، ثم مال بـ رأسـه ناحيـة أذنهـا وهمس وهو ينزع رابطـة شعرهـا:
-كده أحلى.

أنسدل شعرهـا الأسود على ظهرهــا، وقد زادت ضربات قلبهــا، شعرت بـ حرارة في وجنتيهـا من أسلوبــه الجديد معهـا، وضعت يديهــا على صدره لتبتعد عنـه، فـ أرخى يديـهِ وعاد للخلف عدة خطوات وقد ظهر بريق بداخل عينيـه يخطف القلوب عندمـا رأى وجنتيهـا متوردتين من الخجل، همس بصوتٍ أجش:
-هستناكي تحت، متتأخريش.

******
-أخيرًا، أُمنيتي أتحققت.

قالت "سارة" تلك الكلمات وهي تتمعن في ورقـة طلاقهـا غير مصدقة، إبتسم "يوسف" بعذوبـة قبل أن يُدير محرك السيارة كي ينطلق إلى الشركـة، سعادتــه بـ تحرريهـا من ذلك الشيطان تفوق سعادتهـــا، فـ بعد أن كان حبـه مُستحيل أصبح الآن هناك أمل، فـ قال بإبتسامة:
-الحمدلله، وربنا يعوضك بإللي أحسن منـه.

هتفت سريعًا:
-لأ، أنا مش عايزة أتجوز ولا حتى أحب، أنا خدت نصيبي.

تلاشت إبتسامتـــه تدريجيًا وهو يقول بهدوء:
-ليه بتقولي كده؟؟.. صدقيني ربنـا هيعوضك أكيد و..

قاطعتــــه برجاء قائلة:
-لأ يا يوسف، أنا مش عايزة لا جواز ولا حب، أنا عايزة أعيش حُرة لأطول فترة مُمكنـة، بس فعلاً حكاية الحب مش من ضمن أولوياتي بعد ما أطلقت أخيرًا.

صمت "يوسف" لفترةٍ طويلـة قبل أن يقول بصوتٍ خالٍ من الحيــاة:
-على راحتك.

وبداخلـــه يغمغم بتهكم مرير:
-وها قد عُدنـا إلى نُقطة الصفر.

******
خرج "شريف" من القصر متوجهًا سريعًا نحو سيارتــــه، نظر حولــه نظراتٍ أخيرة حزينـة.. وفي نفس الوقت قوة، وكأنـــه يودع المكان، كان هُناك من ينتظر خروجهُ ويتابعـــه بإهتمام، بدأ يحقق هدفهُ حينما خرج، حيثُ رفع سلاحهُ وصوبهُ نحوهُ، ليُطلق رُصاصة من سلاحهُ فـ أخترقت صدرهُ بقوة مكان موضع القلب، فـ سقط سريعًا ولفظ أنفاســه الأخيرة، أستمعت "ثريا" إلى صوت طلقـة ناريـــة، فـ بدون تفكير خرجت من باب القصر، أتسعت حدقتاهـا برعب وهي ترى زوجهـــا من على بُعد ممددًا على الأرضية الصلبة غارقًا في دمائــه، سقطت على ركبتيهـــا صارخــة بألم نابـع من قلبهـــا:
-شريـــــف، لأااااااااااااااااا.

******
كان ينظر إليهــا من طرف عينيـــه مُبتسمًا بخبث، بينمــا هي لم ترفع عيناهــا تواجه عينيه العميقتين الماكرتين، إستمعــا إلى صوت وصول رســالة على هاتفــه، فـ رفعه من على سطح المائدة وعبث فيـه قليلاً، ليجد أنهـا مُرسلة من مجهول، همس بريبة:
-إيـه الفيديو ده؟؟..

ضغط على زر الفتـح ويا ليتــه لم يضغط عليـه، أرتجفت يده المُمسكـة بالهاتف وأرتعش فكــه بصدمـة جليـة، توسعت عيناه بقوة وهو يشاهد تلك الرُصاصة تخترق جسد والدهُ بعُنف، وأسفل ذلك المقطع جملة تهديدية

’’عشان تتأكد أنك قُدام عينينا طول الوقت، لو مستسلمتش الدور هيبقى على مراتك‘‘

سيف:
-.........

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-20, 10:26 PM   #18

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


"الفصل الرابع عشر"

المشاعر الجميلـة.. والحيـاة السعيدة.. ونبـع الحُب..
لا يكون إلا مع شخص واحد في حياتنـا..
وهو أنتِ..

بهت وجهه وهو يُعيد المقطع المصور وكأنــه لا يُصدق ما يراه، يُحدق في شاشـة هاتفــه بـ نظرات خاليـة من الحيــاة وكأنه شرد في عالم آخر، تجمدت تعابير وجهه عقب تلقيه ذلك الخبر المفجع، بلع ريقــه بصعوبــة وهو يترك هاتفـــه بعدم إستيعاب، وبدون أن ينبس بـ كلمـة واحدة وثب واقفًا ثم تحرك بخُطى مُتعجلة نحو الدرج، تابعت "كارمـا" حالتــه بـ نظراتٍ قلقـة، وقعت عيناهــا على هاتفـــه فـ بدون تفكير أمسكتــه كي ترى ذلك الشئ الذي جعلــه في تلك الحـالة المُريبة.

أقل من دقيقة، وكان صوت شهقتهـــا قد أرتفعت بالمكان، تركت الهاتف وهي تهمس بصدمـة جليـة:
-ينهـار أسود، مش مُمكن، مُستحيل.

أبعدت خُصلات شعرهـا عن وجههــا وهي تهمس بقلق:
-سيـف.

هبت واقفــة راكضة نحو الدرج، توجهت نحو غُرفتهمــا وهي تغمغم بـ كلمات غير مفهومــة، وقبل أن تُدير مقبض الباب أستمعت إلى أصوات تحطم عالٍ، جحظت عيناهــا بصدمــة وحينمــا حاولت فتح الباب وجدتــه مُغلق، طرقت على الباب بقوة وهي تهدر بقلق شديد:
-سيـف، سيــف أفتح الباب.

صمتت للحظتين فقط قبل أن تطرق مرة أخرى بقوة أكبر وهي تصرخ:
-أفتــح الباب يا سيف، خلينـي أدخل، أطمن عليك، سيــــف.

سمعت صوت تهشم زجاج تلك المرة، وكأنــه زجاج المرآة، أنتباهـــا الهلــع وهي تهدر بعُنف:
-أفتـــح الباب، سيــف، سيــــــف.

أنتظرت لثوانٍ معدودة حتى وجدتــه فتح الباب، وأطل منـه هو بـ هيئــة مُخيفـة تُلقي الرعب في النفس، إلا أنهـا لم تشعر سوى بالراحـة بعد رؤيته واقفًا بخير أمامهــا، وضعت يدهـا على صدرهـا تتنفس بـ عُمق قبل أن تهمس بإسمــه:
-سيف.

وقعت عيناهــا على يده لتجدهــا تنزف بغزارة.. مليئــة بالدمـاء، شهقت برعب وهي تسألـه:
-إنت عملت إيـه؟؟..

دخلت إلى الغُرفــة بخُطى سريعـة، فـ وجدت أن المرآة الكبيرة التي تحتل مساحة حائطًا بأكملــه قد تحولت إلى شظايـا على الأرض، حركت رأسهــا بذهول بعدما علمت بأنه فعل ذلك بـ قبضـة يده، ألتفتت إليـه بـ جسدهــا ولكن صُعقت حينمـا وجدتــه غادر.

ركضت خــارج الغُرفــة عسى أن تلحق به، ولكن وجدتــه يخرج من القصر بخطوات مُتعجلــة، هبطت إلى الأسفل وهي تهدر بقلق:
-سيــــف، أستنى.

وقبل أن تصل إلى باب القصر أستمعت إلى صوت سيارتـــه وهي تغادر من المكان بأكملهـــا، وضعت يدهــا على رأسهـــا وهي تهمس في حيرة:
-أتصرف إزاي دلوقتـي؟؟.. مينفعش يفضل لوحده.

تحركت نحو الأريكــة ثم جلست عليهــا وهي تهز رأسهــا نفيًا قائلة في خوف:
-لازم أتصرف، مش هينفع أسيبـه في الحـالة دي.

وضعت وجههـا بين كفيهــا محاولة أن تصل إلى حل، حتى أتتهــا فكرة الإتصــال بـ رفيقــــه، فـ همست بقوة:
-هو مفيش غيره.

نهضت من مكانهــا متوجهه نحو غُرفـة الطعام، وجدت هاتفــه لايُزال على المائدة، فـ سحبتــه بدون تفكير وعبثت فيه قليلاً ثم وضعتـه على أذنهــا مُنتظرة الرد بفارغ الصبر، وعلامات التوتر قد أرتسمت ببراعة على تعبيرات وجههـا، أستمعت إلى رد "يوسف" الذي قال:
-أيوة يا سيف، في حاجة ولا إيـه؟؟.. ده إنت لسـه آآ...

قاطعتــــه "كارمــا" بإرتباك أخفتـه قليلاً:
-أنا كارمـا يا يوسف.

أعتدل "يوسف" في جلستـــه وهو يسألهـا بقلق:
-في حاجة حصلت يا كارمـا؟؟..

رد عليــه "كارمــا" بـ نبرة خائفـة وبصوتٍ شبه لاهث:
-أيوة، ألحق سيف، خرج زي المجنون بعد ما وصلـــه ڤيديو من مجهول، الڤيديو ظهر فيـه شريف والده وهو بيتقتل!!!!..

هب "يوسف" واقفًا ثم توجـه نحو خارج مكتبــه وهو يقول بإستنكار جلي:
-إيــه الكلام ده؟؟.. إمتى ده حصل؟؟..

هدرت "كارمــا" بقوة رغم ذلك الرعب الذي أستشعره من لهجتهــا:
-مش وقتــه الكلام ده، المهم تلحق سيف، سيف حالتــه صعبة وأنا مش عارفة هو راح فين، أرجوك ألحقــه.

كان "يوسف" يستقل بسيارتـــه وهو يقول بصوتٍ قلق:
-أهدي يا كارمـا، وأنا هتصرف.

هتفت "كارمـا" برجـاء:
-أول ما توصلـه قولي أرجوك.

تحرك بسيارتــــه وهو يقول بإيجاز:
-أكيد هعمل كده.

أنهت المُكـالمــة معـــه وهي تضع يدهـــا على فمهــا غير قادرة على الإستيعاب ما حلّ عليـه، أغمضت عينيهـــا بألم وهي تشعر بأن قلبهــا يتألم مثلمـا هو يتألم، غمغمت بصوتٍ ضعيف:
-كان الله في عونك يا سيف.

******
بخطئ بطيئة أقترب من ذلك القبر، أصابت قدمــاه إرتجافـة قويـة قبل أن يقع جالسًا على ركبتيـه أمامــه يقرأ اسم أعز شخص إليـه فالكون، حرك يده بصعوبــة وعينيــه قد ألتمعت بالدموع، إبتسم بحزن وهو يمسح على القبر بيدٍ مُرتجفـة هامسًا بألم:
-ماما.

أغمض عينيــهِ محاولاً حبس العبرات المُهددة بالنزول قائلاً:
-وحشتيني أوي.

أطرق رأســـه وهو يقول بـ بسمـة ألم:
-كل مرة بجيلك عشان أقولك على أخبار حلوة، زي نجاحي.. وعن إللي أتمنيـه وحصل.. وإني وصلت لإيـه، بس النهاردة الخبر إللي معايا صعب.

صمت قليلاً وهو يهمس بصوتٍ خالٍ من الحيــاة:
-إللي قهر قلبك زمان، وخلى إبتسامتك الجميلة تختفي، وعيونك دايمًا يبقى فيهـا حُزن مات النهاردة، أتقتـل.

رفع رأسـه بـ عينين دامعتين وهو يهمس:
-كنت فاكر أني كرهتـه بعد إللي عمله فيا وفيكي، طلع إني لسه بحبـه أوي يا أُمي.

مسح على وجهه بقوة وهو يقول بإبتسامة حزينـة تفطر القلوب:
-كان نفسي علاقتنـا تتصلح، رغم أنــه صعب وكنت عارف ده كويس، بس كان نفسي، كان نفسي يبقى أول صديق ليا، ويبقى أبويـــا بجد.

سكت لحظةً قبل أن يقول بصعوبـة وبإبتسامة مريرة:
-فضل 20 سنـة سايبني، ويوم لما أحتجلي، كان عشان اسم العيلة ميوقعش، مش عشاني!!..

هبطت دمعة حــارة على وجنتــه وهو يقول بحرقة:
-متوقعتش أن الموت ياخده بسرعة كده، كان نفسي كل حاجة تتصلح يا أمي، كان نفسي أخليه يندم أن قهرك في كل لحظة عشتيهــا، كان نفســي.

قال كلمتــه الأخيرة وهو يخفض رأســه قبل أن تسقط دمعــة حارقـة أُخرى على وجنتــه، شعر بـ يدين تقبضان على ذراعيـه بقوة وصوت قوي حزين همس لــه بألم:
-كفايـة يا سيف.

رفع "سيف" رأســه يحدج رفيقــه بـ عينين تشع منهمــا العذاب، في حين ربت "يوسف" على كتفــه قائلاً بصوتٍ أجش:
-خلاص يا سيف، الكلام هيعذبك أكتر، هو مش محتاج غير الدعاء وبس، أدعيلــه بالرحمــة.

همس "سيف" بصوتٍ ميت:
-مش مصدق، حاسس إني فـ كابوس.

رد "يوسف" عليـه بإنفعال بيّن:
-أخرج منـه يا سيف، أخرج منه بسرعة بدل ما تقع أكتر، إنت لازم تجيب حقــه.

حرك "سيف" رأســه بالإيجاب، ورفع يده قليلاً يمسح دمعتيــه بقوة، وقد عادت عينــاه إلى القسوة، توحشت ملامحــــه وهو يهمس بدون رحمــة:
-ورحمـة أبويا وأمي، لأخلي إللي عمل كده يدفع التمن غالي أوي.

أبتلع "يوسف" ريقـه موافقًا في الرأي وهو يهز كتفـه قائلاً بصرامـة:
-وأنا معاك.

سحب "سيف" نفسًا عميقًا قبل أن يقول بصيغـة آمرة:
-يالا بينـا، هنطلع على القريـة.

******
قهقه "ثروت" عاليًا بعدمــا وصلت إليــه أخبار مؤكدة بـ نجاح خطتــه، جلس على الأريكـة بإرتيــاح ثم وضع ساقــه فوق الأخرى، تقوس فمــه بإبتسامة شيطانية وقد تمنى كثيرًا في تلك اللحظة أن يعلم ردة فعل فهد آل نصــار، قال بصوتٍ واثق:
-عشان تعرف إني لو عاوز أوصلك، يبقى هوصلك.

أتسعت إبتسامتــه وهو يقول:
-لكن إنت مهمــا عملت، فـ إنت بتحارب الشبح.

حرك رأســه وهو يتسائل بـ تفكير:
-ياترى هتقف لحد كده؟!.. ولا مُستمر في الحرب إنت والسنيورة بتاعتك؟!..

******
لاحقًا، وصلت قوات الشرطة وبدأت تغزو القصر من كل مكان حتى أمتلأ بهم، وبعد وقت قصير حضرت النيابـة لمسرح الجريمـة، وتم التحفظ على جثمان "شريف" كي يتم تشريحهــا، وحينمــا وصل "سيف" و"يوسف"، طلب منه أحد الضباط بـ التوجه معـه لمقر مديرية الأمن للتحقيق بالواقعـة.

وبالفعل توجه كل من "سيف" و"ثُريا" للتحقيق معهمـا، في حين لم يتمهل "يوسف"، إذ توجه على وجه السرعة لمقر المديرية مع رفيقـه لحضور التحقيق، ولكن كان الأمر غاية الصعوبة ولم تقبل به هيئة النيابـة.

بعد مرور ساعتين متواصلتين من التحقيق، تم الإفراج عن "ثُريا" و"سيف" من سراي النيابة لعدم وجود ما يُدينهمــا، راحت "ثُريا" تخطو بسرعة للخروج من هذا المكان دون أن تنظر لـ "سيف".

راقبهـــا "سيف" طويلاً وهو يضع يديــه داخل جيبي بنطالـــه، شعر بهزه خفيفة على كتفـه فـ إلتفت برأســه، ينظر إلى رفبقــه، فـ وجده يبتسم له برفق ويهمس:
-كله هيبقى تمام.

أومئ برأســه دون أن يتحدث، ثم تحركـا نحو خــارج مبنى المديرية، ســار "سيف" نحو سيارتــــه وأستقلهــا بهدوء، وكذلك أستقل "يوسف" سيارتــه، كي يعودا إلى القصر.

******
قاومت "كارما" سلطان النوم وحاولت إلهاء نفسهـا بأي شيء لتقضي على مرارة الأنتظار، كان القلق يقتلهــا ببُطء خوفًا أن يُصيبـه أي شيء، أنتبهت حواسهــا مع صوت أغلاق باب القصر، فـ هبت واقفة من جلستهـــا لتهرول نحوه، رأت "سيف" في حالة جمود وبجواره رفيقــه الذي أشــار لهـا بيأس على حالتــه.

وقفت أمامــه وقبضت على يده التي لاتُزال تاركـة آثار دماء، ثم قالت بهمسٍ قلق:
-سيف، إنت كنت فين كل ده؟؟..

رمقهــا "سيف" طويلاً وأطرق رأســه وهو يُجيبهـا:
-كنت في المديرية.

حاولت جذبــه وهي تقول:
-تعالى معايا.

ســار معهــا نحو الدرج بخُطى ثقيلــة، شعرت "كارمـا" بغصة مريرة عالقة في حلقهـا أسفًا على حالـه، وصلت به إلى غُرفتهمــا، وقبل أن يجلس على الفراش، هتفت لــه بهمسٍ رقيق:
-لأ، روح يالا خُد شاور عشان ترتاح، إنت تعبت النهاردة.

ســار نحو المرحــاض كي يأخذ حمامًا باردًا يزيل بـهِ آثر التعب والإرهاق اليومي الذي واجههُ، أتجهت "كارمــا" نحو خزانــة الملابس، والتقطت أحد القمصان القطنية ذات الماركات العالمية باللوَّنُ الكُحلي وبنطالاً من اللوَّن الأسودُ، وضعتهم على الفراش، ثم خرجت من الغُرفــة.

******
بعد قليل، عادت "كارمـا" إلى الغُرفـة وهي تحمل صينية مليئـة بالطعام، إبتسمت بحنوٍ وهي تراه جالسًا على الفراش ويبدو أنه لم يشعر بدخولهـــا، وضعت الصينية على الفراش وهي تتأملـه بحزن، حزن عميق مسيطر على تعابيره رغم جمود وجهه، وظل على تلك الحـالة المنكسرة لبعض الوقت، جلست على ركبتيهــا أمامــه وهي تسأله بهدوء رغم تلهفهـا:
-سيف، إنت كويس؟!..

نظر إليهــا نظرة عميقة قبل أن يخفض عينيــه، أمسكت بيده وهي تقول بحنو:
-الأعمار بيد الله، أدعيلـه بالرحمة وبس.

أنعقد حاجبيــه بشدة وهو يُغمض عينيـه بقوة قبل أن يهمس:
-إنتي مش فاهمـة حاجة؟؟..

ردت "كارمـا" بصوتٍ دافئ:
-يمكن أكون فعلاً مش فاهمـة، بس إللي متأكدة منه أنه قلبك موجوع على فراق والدك.

فتح عينيـــه القاسيتين.. حمراوتين بشدة.. وكأنه يحاول حبس دموعـه بقوة، نظر إليهــا نظرة طويلـة عميقــة كـ عُمق البحر، بينمـا أحتضنت وجهه بـ كفيهـــا مُبتسمة لــه بحنان عارم ثم همست بصوتٍ ناعم:
-أدعيله يا سيف وبس، أنا حاسة بيك والله، لأني جربتـه قبل كده، فـ أوعى تخلي حُزنك يغلبك، وهات حقــه، وأنا معاك.

تنهدت تنهيدة حــارة قبل أن تتابــع:
-من أول يوم وأنا قولتلك إني واخدة الموضوع ده حرب، دلوقتـي أنا وإنت هنحارب إللي بيعمل كده، وهنجيب حق والدك وحقك وحقي، حق كل شخص أذاه.

هب واقفًا فجــأة فـ نهضت معــه وهي ترمقــه بإستغراب، أبتعد عنهـــا بخطى سريعة متوجهًا نحو الشرفـة، تحركت خلفــه وهي تسألــه بجدية:
-في إيـه يا سيف؟؟..

ألتفت برأســه مُبتسمًا لها بسُخريـة وهو يتسائل:
-إيـه الحنيـة دي يا كارمـا هانم؟؟..

عقدت ما بين حاجبيهــا، فـ تابع بتهكم:
-أنا حاسس أني واقف قدام واحدة تانيـة، مش عشان حاجة حصلت هتقومي تعامليني بـ حنيـة وأسلوب حلو، وده أساسًا مش أسلوبك معايا، ماتقلقيش أنا كويس، فـ مفيش داعي للحنية المُزيفة دي.

أقتربت منــه وهي تقول بحدة:
-لا والله، طب ما إنت أسلوبك مستفز من أول يوم شوفتك فيــه، فيه تحكم من لهجتك، وإنسان بارد، ومع ذلك لما كان بيحصلي حاجة كنت بتكون إنسان تاني خالص، إنسان حنين بمعنى الكلمـة، كل هدفـه أنه يخرجني من الحزن وأنه يطمني.

أولى ظهره لهــا، في حين تابعت "كارمـا" بقوة:
-ومع ذلك مفيش مرة سألتك إنت ليه بتعمل كده؟؟.. ومقولتش أنه أكيد بيدبر لحاجـة، لكن فكرة إن أنا أعمل يبقى إزاي؟؟!!.. أكيد في حاجـة غلط.

هدر "سيف" مُندفعًا في غضبـه وقد نفذ صبره:
-في فرق بيني وبينك، أنا حاجـة وإنتي حاجة تانيــة.

أشتعلت عيناهــا بالإستنكـار وهي تسألـــه بحنق:
-يا سلام؟!!.. إيه الفرق بقا.

رمقهــا بـ نظرة ألم لأول مرة، كور قبضة يده بقوة متمالكًا أعصابـه الثائرة، ود في تلك اللحظة أن يبوح بـ عشقــه الدفين، عشقــه الذي يزداد في كل ثانية تمر، والذي ولد حينمــا كان في الثانية عشر من عمره، مرر أصابعــه على خُصلات شعره بقوة وهو يُجيبهــا بعذاب:
-يارتني كنت أقدر أقول، ياريت.

ثم ذهب مسرعًا وكأنه يهرب من عدو حتى خرج من الشرفـة، ظلت "كارما" تنظر في أعقابـه مصدومـة مما حدث حتى رأتـه يخرج من الغرفة بأكملهــا، لم تتحمل قدماهــا الوقوف فـ جلست على الأريكة، ونور البَدْر الساطع يُخَيَّل إليها أنهـا تهيم في حلمٍ ثقيل.

******
جلس "يوسف" أمام "سيف" ينظر إليهــا بتمعن، حاول أن يعلم ما يفكر فيه ولكن عجز عن فعل ذلك، فقد كان كل ما في ذهنــه وكل ما في قلبــه غامضًا خافيًا مضطربًا، أصغى له بإهتمام قبل أن يسأله بقلق طفيف:
-خير يا سيف؟؟..

سألــه بصوتٍ جاد:
-دلوقتـــي أول حاجة لازم نعرفهـا الرسايل أتبعتت إزاي؟؟..

رد عليه في حيرة:
-مش عارف، أنا مديتش موبايلي لأي حد و..

صمت قليلاً وقد تذكر ما حدث أثناء دخوله المطعم، فقال فجــأة:
-لأ لحظة، وأنا رايح المطعم مع سارة، كنت أتخبط في حد، وبعدها بشوية لقيت بنت جاية بتقولي أنها شافت موبايلي وهو بيقع لما أتخبط في الحد ده!!..

رفع حاجبه للأعلى، ثم تمتم "سيف" بجدية:
-يبقى الشخص ده تعمد يخبطك وسرق الموبايل، بس عرف الباسورد منين؟؟..

فرك "يوسف" مؤخرة عنقـه قبل أن يقول بحرج:
-كنت لاغي حكاية الباسورد بصراحة، اليوم إللي قررت ألغي فيه الباسورد حصل إللي حصل.

رسم على محياه إبتسامة ساخرة وهو يهتف:
-لأ براڤو عليك.

تابع مُضيفًا بجدية:
-طب ده إنت، إنما أنا كنت فالبيت وموبايلي فيه باسورد، يبقى إزاي حصل؟؟..

هز "يوسف" كتفيـه قائلاً:
-مش محتاجة تفكير، يبقى أكيد حد من الشغالين إللي هنـا.

نظر له "سيف" بجمود وهو يقول بجدية:
-فعلاً مفيش غيرهم، بس مين؟؟..

سألــه "يوسف" بلهجـة جادة:
-لازم تتصرف، بس هتعرف إزاي؟؟..

رد عليــه بـ بسمة واثقـة:
-هتصرف بطريقتـي.

هب "يوسف" واقفًا وهو يقول بعملية:
-تمام، أنا همشي بقا عشان الوقت أتأخر.

إبتسم "سيف" وهو يسأله:
-هترجع القصر بتاعك؟؟..

رد عليه بمرح:
-الأول كنت عايش لوحدك زيي، إنما دلوقتـي كارما موجودة، وجودي مينفعش ليل ونهار.

ربت "سيف" على كتفــه وهو يقول بإبتسامة هادئة:
-كويس إنها جت منك، لأني كنت هطردك دلوقتـي.

تلاشت إبتسامة "يوسف" ورفع حاجبيــهِ للأعلى، قهقه "سيف" بصوتٍ عال قبل أن يقول:
-خلاص بلاش البصة دي.

إبتسم "يوسف" مرة أخرى وهو يقول:
-المهم إني مطمن عليك، هكلمك بكرا قبل بعد ما أروح الشركـة.

رد بإقتضاب:
-تمام.

******
دخل "سيف" الغُرفــة وهو يبحث عنهــا ولكن لم يجدهـــا، أعتراه القلق وقبل أن يخرج كي يبحث عنهـا أستمع إلى صوت هدير الميـاة فـ أدرك أنهـا بداخل المرحاض، تنفس بإرتيـاح قبل أن ينزع قميصــه ثم توجــه نحو الفراش وتمدد عليــه.

دقائق.. وكانت تلج "كارمــا" خارج المرحاض بعد أن أرتدت بيجامة بيضاء، تراجعت للخلف تلقائيًا حينما رأتــه قد ذهب في سُبات عميق وجزعــه العلوي عاري، أخفضت عيناهــا بتوتر وهي تترك المنشفة الزرقاء على الأريكـة بإهمال، سـارت نحو الفراش بخطوات غير مُتزنـة بعد أن أجتاحهــا شعور الخجل من هيئتـــه.

ولكن وقعت عيناهــا على ذلك الجرح القديم الذي في جانبـه، أرتعشت شفتيهــا وهي تقترب منــه كي تتأكد ممــا تراه، سُرعان ما أتسعت عيناهــا عندمـا تأكدت منـه، وقد تذكرت كل شئ، تذكرت كلماتــه وهو يؤكد لهـا بـ معرفتـه لهـا سابقًا، بأنهمـا تحدثـا سويًا من قبل، تذكرت كل ذلك، فـ كل ما هو قالــه قد حدث بالفعل ولكنهــا كانت نست.

رفعت عينيهــا إلى ملامحــه القاسية، وضعت يدهـا على فمهــا وهي تحرك رأسهـا بالنفي هامسة بعدم تصديق:
-إزاي؟؟.. إزاي مخدتش بالي منك؟!!.. لأ.. مُستحيل.

أتتهـــا تلك الذكرى المريرة والذي كان هو أحد أبطالهـا، تلك الذكرى التي كانت مُنذ عشر سنوات، دوار شديد أصاب رأسهـا، ثقل حط على دماغهــا، لم تُعد قادرة على التحكم في خطواتهــا أو حتى أتزانهــا، وضعت يديهــا على رأسهــا قبل أن تسقط فاقدة الوعي.

******

أينمــا يتواجد الحب..
تتواجد الحيــاة..

ألم غريب أجتــاح قلبــه مع أرتطام جسدهــا على الأرض، فتــح عينيــه بعدمــا شعر بـ حركـة مُريبة، أعتدل في جلستـــه وهو ينظر حولـه نظرات شموليـة حتى وجد زوجتــه تفترش الأرضية الصلبـة بـ جسدهـا فاقدة الوعي، أنتفض من مكانــه مذعورًا وهو يهمس بلوعـة:
-كارمـا.

هبط من على الفراش سريعًا راكضًا نحوهــا، جثى على ركبتيــه أمامهــا هاتفًا بإسمهــا:
-كارمـا، كارمـاااا.

أحتضن وجههــا بـ كفيــه وهو يلاحظ شحوب وجههـا، فـ صـاح "سيف" بخوف كبير:
-كارمـا، ردي عليا، سمعانـي؟؟.. كـارمــا.

بلع ريقـه بخوف وهو يمسح بـ كفــه على وجنتهـا قبل أن يتمتم بفزع:
-كارمـاااا، حصلك إيـه بس؟؟..

مرر ذراعيــه خلف ظهرهـــا وأسفل ركبتيهــا ليحملهـا، نهض بهـا متجهًا نحو فراشهمـا وأسندهــا عليـهِ بحذر، جلس على طرف الفراش ثم أخذ يضرب وجنتهـا برفق علهـا تفيق وتريح قلبـه ولكن دون جدوى، هوى قلبــه في قدميـه حينمـا لم تستجب لأي محاولات لإفاقتهـا، هب واقفًا متوجهًا نحو منضدة الزينـة باحثًا عن زجاجـة العطر، أنتزع غطائهــا بقوة ووضع بعضـه على كفـه ثم قربـه من أنفهـا كي تستنشقــه.

لم يظهر أي مؤشر حيوي على تأثرهـا بـه، رفعهـا إلى صدره وضمهـا إليـه بشدة هامسًا لهـا:
-كارمــا، فوقي عشان خاطري.

مسح على وجهه بقوة وهو يسأل نفســه في قلق شديد:
-إيـه بس إللي وصلك لكده؟؟.. أكيد في حاجـة.

******
جلس "رؤوف" بتثاقل على الأريكــة مُتنهدًا بضجر، نظر حولــه بـ نظرات تحمل من التهكم والحنق، ثم نظر بـ جانبـه ليجد أموال التي أخذهــا من "سامر" بعدمــا تزوج من إبنتــه، إبتسم بسُخريـة وهو يرى لم يتبقى منهم سوى ألف ونصف، تمتم بصوتٍ حانق على حالـه:
-هعمل إيـه دلوقتي؟؟.. الفلوس قربت تخلص؟؟..

تابـع مُضيفًا بضيق:
-والمحروسة غيرت نمرتهــا عشان موصلهاش، صحيح بت عديمـة الربايـة.

بدأ يفكر بـ عُمق وهو يغمغم:
-أنا لازم أوصلهـا أو لجوزهـا، أخُد منهم قرشين حلوين أقضي بيهم حالي، بس أوصلهم إزاي؟؟..

أعتدل في جلستــه وهو يبتسم بظفر:
-هاروح لجوزهــا الأول، هاروح لبيتــه مراتــه الأولانيـة وأشوفـه هيديني ولا لأ، ما أنا حمـاه بردو!!..

******
ويسألوني لماذا أُحبك؟؟..
أغبيــاء!!..
كأنهم يسألونني لماذا أتنفس؟!..

******
تلتفتت حولهـا بـ نظرات قلقة محاولة أكتشاف ذلك المكان الذي ظهرت فيـه فجـأة، أتضحت لها الرؤيـة تدريجيًا، عقدت ما بين حاجبيهــا وهي ترَ نفسهــا في مكان أشبه بالصحراء.

بلعت ريقهـــا بصعوبــة عندما رأت جميــع من أذوهــا، جميعهم بلا أستثناء، من حاول كسرهــا للمرة الأولى حينما كان عمرها في الخامسة عشر، وبجانبـــه "رامي" مُبتسمًا لها إبتسامة شيطانية، ويقف بجواره والدهـــا "عزيز" يحدجهــا بـ نظرات قاسية، وبجانبـــه "ماجد" الذي ينظر إليهـا بتملك مُخيف، حركت رأسهــا بالنفي وهي تتراجع للخلف عدة خطوات بينما هم يقتربون منهـا بثبات تجعل نبضات قلبهـا تزداد بـ رعب.

أستدارت بـ جسدهــا قبل أن تركض والفزع يعتريهــا، لهثت وتنفست بصعوبـة بالغــة، ودّت أن تبكي ولكن الهروب أولاً من براثنهم، لم تنتبـه إلى تلك الحفرة العالية العميقـة لا نهاية لهـا التي أمامهــا، صرخت برعب عندمــا وجدت نفسهـا على وشك الوقوع ولكن ذراعين حديدتين.. قاسيتين حاوطت خصرهــا بقوة، فـ أرتطمت رأسهـا بـ صدرٍ عريض والذي رحب بهـا كثيرًا.

رفعت عيناهــا الزرقاوتين فـ وجدت عينين خضراوتين تنظر لهــا بقلق، إبتسمت بوهن هامسة:
-سيف.

إبتسم لهــا إبتسامة جذابة واثقـة وهو يقول:
-إنتي فـ أمان، أوعي تقلقي.

******

لمح تلك العبرات التي تسقط من طرفي جفنيهـا المُغمضتين، إنقبض قلبــه بقوة وزاد هلعــه عليهــا حينمـا أنتفض جسدهــا وقد أصدرت شهقة قويـة وكأنهــا كانت على وشك الغرق أو السقوط في حفرة، ضيق عينيــه بقلق حينمـا رأى ذراعيهـا تتحركان بضعف وكأنها مقيدة بقيود وهميــة، ضمها إليـه بشدة يُكاد أن يعتصرهـا وهو يمد يده يمسح دمعاتهــا برفق، همس لهـا وهو ينحني على جبينهـا:
-إنتي فـ أمان يا حبيبتي، ماتخفيش.

قَبّل جبينهــا وهو ينحني برأســه أكثر ناحية أذنهــا هامسًا بصوتٍ أجش:
-كارمـا أصحي، ده كلـه كابوس، إياكِ تستسلمي.

بدأ يمشط شعرهـا بـ أصابعــه وهو يُقَبّل جبينهــا ووجنتيهـا قُبلاتٍ رقيقة.. دافئة هامسًا لهـا بعدم الإستسلام، أخرجت تأهوات خافتـة مصحوبـة بـ أنين مكتوم، لم تتوقف قُبلاتــه العاشقـة وهو يهمس لها بصوتـه العميق كـ عُمق البحر:
-إياكِ تستسلمي، إياكِ.

فتحت عينيهــا فجـأة وهي تشهق، فـ ضمهـا أكثر إلى صدره وهو يحدجهـا بـ عينين قلقتين، نظرت إليـه بعدم إستيعاب وكأنهــا لا تعرف من يكون، فـ أنحنى يهمس فوق جبهتهــا، يمسهــا بشفتيــه قائلاُ:
-أنا سيف.

لحظات وكانت ترفع رأسهـا إليـه تنظر لعينيــه بـ عينين واسعتين هامسة:
-سيف!!!..

أبتعدت عنــه فجـأة عن أحضانــه وهبطت على الفراش، أصابهـا الدوار ولكن تمالكت نفسهـا في اللحظة الأخيرة وهي تنظر له بصدمة، رمقهـا بقلق وهو ينهض من على الفراش مُتسائلاً:
-مالك يا كارمــا؟؟..

أخفضت عيناهــا تنظر لذلك الجرح، فغرت شفتيهــا قليلاً وهي تتمعن فيه، ضيق عينيـهِ بريبة قبل أن يخفض عينــاه على جسده محاولاً معرفة مكان ما تنظر إليـه، أغمض عينيـه بضيق وهو يضرب جبينــه بقوة بعدمـا علم ما تنظر إليـه وسبب لها كل ذلك، همس بغضب مكتوم:
-إزاي نسيت؟!..

سحب نفسًا حادًا قبل أن يفتح عينيــه ينظر إليهــا بقلق، تقدم منهــا عدة خطوات وهو يقول:
-ماتخفيش.

نظرت "كارمـا" إليـه تسألــه بصرامـة:
-ليه مقولتليش؟؟..

حرك رأسـه مُجيبًا بهدوء:
-دي ذكرى مش حلوة وصعبة، عشان كده كان لازم مجبش سيرتهـــا.

تحولت نبرتهـا إلى الضعف ودمعـة حـارة تهبط ببُطء شديد على وجنتهـا متمتمة:
-كان لازم تقولي، على الأقل عُمري ما كنت هخاف منك.

وقف أمامهــا وهو يرفع رأسهـا بإصبعيـهِ ثم أنحنى برأسـه يمسح تلك الدمعـة بشفتيـه وهو يهمس:
-إنتي عُمرك ما خوفتي مني، إنتي خوفتـي إنك تظهري ضعيفة مش أكتر، إنتي قويـة، قويــة جدًا يا كارمـا.

أسند جبينــه على جبينهــا وهو يطوق خصرهـا بذراعــه هامسًا بثقة:
-كارما عزيز ماتخفش من أي حاجـة أبدًا.

صمت قليلاً قبل أن يسألهـا بإهتمام:
-هو ده إللي تاعبك؟؟..

همست له بالألم:
-الذكرى كانت صعبة أوي، مقدرتش أنسى جملتك وإنت بتقولي إنتي ساذجـة وعبيطة، من هنا بدأت أفكر إزاي أدافع عن نفسي، فـ أتعلمت إني أمسك السلاح.

أبعد "سيف" رأسـه عنهـا يتأملهــا بإبتسامة ساحرة تسرق القلوب، بينمـا تابعت "كارمـا" وهي تضع يدهـا على صدرهـا:
-أتخنقت فجأة، حسيت إن كل حاجة وجعتني جت في بالي، كله دخل في بعضـه، كل ذكرى ليهـا وجع وأذية أقوى من التانيـة وآآ...

أحتضن "سيف" وجههـا بـ كفيــه قبل أن يقاطعهـــا بحنوٍ مثير:
-شششش، متكمليش، كله هيبقى تمام، دي مجرد ذكرى، خلتك تبقي قويـة وتتعلمي تدافعي عن نفسك، لا أكتر ولا أقل، خلي بالك قوتك هتجنن أعدائك، فـ إياكِ تستسلمي للحظة ضعف.

تابـع مُضيفًا بهدوء وبـ بسمة صغيرة تُذيب القلوب:
-يوم ما تحسي إنك هتضعفي تعاليلي، وأنا هحط مكانه القوة، لأني عُمري ما هفرح لما الاقيكي ضعيفة، لكن حد تاني ما هيصدق أنه شافك كده.

صمتت قليلاً قبل أن تسألــه:
-إنت شايفني إيـه؟؟..

رد بلا تردد:
-نقطة ضعفي.

رمقتــه بـ عينين مذهولتين وقبل أن تتحدث، كان يقول بلهجـة هادئة:
-يالا عشان تنامي.

حركت رأسهـا بالإيجاب وتوجهت معه نحو الفراش، تمددت عليــه ثم أغمضت عينيهـــا مُتنهدة بتعب، شعرت به وهو يتمدد بجوارهــا وذراعـه يطوق خصرهــا كي يجذبهــا إلى صدره، حاولت التملص منـه إلا أن يداه منعتاهـا ثم قال بخفوت أجش.. خشن:
-نامي يا كارمـا.

فتحت عيناهـا وهي تتململ هامســة بضيق طفيف:
-مش متعودة يا سيف.

أحكم الطوق من حولهـا تمامًا وهو يهمس لهـا بعُنف خافت:
-متحاوليش تبعدي، هتتعودي.

إبتسمت بيأس على عنده وصرامتـه المعهودة، أغمضت جفنيهــا بتعب مُستسلمة، دقيقة.. دقيقتين بل ثلاث وكانت غاصت في سُبات عميق، بينمــا هو غرق في تلك الذكرى المؤلمـة والتي لا يُمكن نسيانهـا مهمــا طال الزمن.

******
كان يُسير في القريــة بخُطى هادئة وهو ينقل نظراتــه الهادئة حولــه في المكان، يضع يديـه بداخل جيب بنطالـــه مُفكرًا في ذلك العمل الذي أضطر أن يلجئ إليـه، حيثُ عمل في مطعم كـ نادل، يُقدم الطعام والمشروبات وإعداد الطلبات، وتقدميهـا للزبائن، أطرق رأسـه مُبتسمًا بتهكم على حالـه مُغمغمًا بضيق:
-الأسم سيف النصار إبن الرجل الأعمال شريف النصار، لكن الواقع حاجـة تانية خالص.

أستمع فجــأة إلى صراخ يأتي من أحد البيوت الصغيرة التي على بُعد أمتار منـه، ضيق عينيـه بريبـة وهو يقترب ببُطء، أتسعت عينــاه تلقائيًا حينما فُتــح الباب فجـأة وخرجت منه فتـاة في الخامسة عشر من عُمرهــا تركض برعب، خفق قلبــه بقوة وهو يهمس تلقائيًا:
-كارمـا!!..

ثوانٍ وكان رجل يخرج من ذلك البيت ويركض خلفهــا عسى أن يلحقهــا، تحولت عيناه إلى جمرتين من اللهب أو النــار بعدمــا أدرك ما يحدث، وأنعقد حاجبيـهِ بشدة قبل يتحرك بخُطى راكضـة نحوهمــا، زادت نبضات قلبـــه برعب حينما جذبهــا من خُصلات شعرهــا كي يوقفهـــا عنوة وصرخ فيهـا بغضب:
-بتهربي مني يا بنت الـ***، طب والله لأوريكي.

صرخت "كارما" بهلع:
-ألحقني.

وجد من يجذبـه بعنف وصوتٍ يهدر بجنون:
-ده أنا هقتلك يا إبن الـ*** لو إنك فكرت تلمسهـــا.

سدد لـه لكمــة عنيفـة في فكـه ولكمـة أُخرى أشد وأعنف، ثم قبض على ذقنـه وهو يقول من بين أسنانـه مُقتربًا من وجه ذلك الشخص:
-عندي أستعداد أدفنك هنــا.

وقبل أن ينهي حروف كلماتـه الأخيرة كان قد رفع قبضة يده ولكمــه في عينــه هادرًا بوحشية:
-أدفنك وأنا مش ندمان.

شعر بتلك اليدين الصغيرتين التي تقبضان على قميصــه بفزع، ألتفت برأسـه إليهـا فـ وجدهـا تنظر لهما بعينين واسعتين خائفتين، فـ عاود النظر إليــه وهو يهدر بغضب متصاعد أكثر:
-لو لمحتك بتقرب منها أو من أي بنت هقتلك.

ثم دفعــه بقسوة حتى سقط على الأرض وهو يتألم بشدة، أستدار "سيف" إليهــا بعنف وهو ينظر إليهــا بعينين تستعران وكأن لهيبهمـا قد لفحهــا فـ نظرت إليـه بصمت، هدر فيهـا بعصبية:
-وإنتي ساذجة وعبيطة أوي، بتعملي إيه في وقت متأخر زي ده؟؟..

ردت عليــه بخوف من نظراتــه المُرعبـة:
-كـ.. كنت فـ.. فالدرس ولسه راجعــة.

نظرت خلفـــه فجــأة صارخــة بهلع:
-حــــاااااااسب.

وقبل أن يلتفت بجسده شعر بـ نصل حاد يضرب جانبــه بقوة فـ أنبثقت الدماء على الفور، وضع يده على جانبــه مكان موضع الإصابـة وهو يتأهوه من شدّة الألم:
-آآآآه.

لكن عينيـه أظلمت أكثر وبدتـا أكثر قاتمـة وهو ينظر لــه، وقبل أن يقوم ذلك الشخص بأي حركة أُخرى كان قبض على ذراعــه بقسوة وأستطاع أن يُلقي بالمديــة، وبدون تردد كان يقبض على يده ولفـه خلف ظهره، وبطريقة قتاليـة وبـ أقل من ثانيـة أستمع لصوت كسر أو طرقعـة جعلتــه يصرخ من الألم، وقع على الأرض يصرخ من الألم.

رمقـه بنظرات متشفيـة قبل أن يلتفت بجسده وهو يتألم بشدّة، أخفض أبصاره ناحيـة الجرح فـ وجد نفســه ينزف، فتح عينيـه ينظر إليهـا قبل أن يصرخ بغضب:
-أنا عايز أفهم درس إيـه لغاية دلوقتـي، إنطقي؟؟..

ردت عليــه بذهول وعيناهـــا متسعتان بعدمــا رأت ما حدث:
-آآ.. الـ.. درس بعيد شـ.. شوية، ماما كانت تعبانة فـ مقدرتش تـ.. تاخدني.

أقترب منهــا بخطى بطيئة ولكن إبتعدت عنــه برعب، عقد ما بين حاجبيـه وهو يسألهـا بنفاذ الصبر:
-بتبعدي ليـه؟؟..

سألتـــه بإعياء وهي تشعر أنها على وشك الموت:
-إنت كسرت إيده؟؟.. ده بجد؟؟..

أقترب منهــا خطوة أُخرى، ولكنهــا ركضت برعب جلي وكأنــه وحش سينقض عليهــا، زأر بغضب جامح وقبل أن يركض نحوهـا وجدهــا تقف، همس بإسمها بخفوت:
-كارمـا.

سقطت مغشيًا عليهــا بعدما عاشت تلك اللحظات الصعبــة، تشنجت قسماتــه وهو يصرخ بخوف:
-كارمـااااا.

ركض نحوهــا بلهفـة ثم جثى على ركبتيــه أمامهــا كي يستطيـع أن يحملهــا، أعتصر قلبــه ألمًا وهو يحملهــا بين ذراعيــه، تأهوه بعنف وهو يشعر بألم حارق في جانبـــه، ولكن أرغم نفسـه على التحمل من أجلهــا.

ســار بهــا بخُطى حاول أن يجعلهــا سريعـة نحو منزلهــا، هو يحفظ مكانــه وكأنــه بيتـه، فـ هو كان دائمًا يراهـا تقف أمام باب منزلهـا عندمـا كانت في السابعـة من عمرهــا، بدأ يتعرق بشدة والألم يُكاد أن يفتك بــه، فـ بدأ يهمس بتعب:
-هانت، هــانت خلاص، قربنـا نوصل.

وصل بهــا بعد عذاب إلى باب منزلهـا، طرق الباب بقوة وهو يشعر أنــه على وشك السقوط، أنفتح الباب أخيرًا لـ تظهر أمرأة جميلــة، همست برعب بإسمها وهي ترَ إبنتهــا في هذا الوضع، بينمــا هتف هو بصعوبة:
-دخليني بسُرعة وقوليلي على مكان أوضتهــا.

تنحت جانبًا وهي تُشير إليـه إحدى الغُرف، دخل بهــا بُخطى مُتعجلة وهو يلهث هامسًا بوهن:
-وصلنـا.

وضعهــا على الفراش برفق ثم خرج من الغُرفـة وهو يُسير بخطوات متعثرة، أقتربت منــه تسألــه بذعر:
-إيـه إللي حصل؟؟.. وإيــه الدم ده؟؟..

أسند ظهره على الحائط وهو يتنفس بصعوبـة قائلاً:
-كانت هتتخطف وأنا لحقتهــا على آخر لحظة.

حركت رأسهـا إيجابيًا عدة مرات، ثم قبضت على يده برفق وهي تقول بصيغة آمرة:
-تعالى أقعد على الكنبـة، عشان أعالج الجرح.

جلس على الأريكـة بتعب وتمدد عليهــا، لحظات وكان أغمض عينيـــه راهبًا إلى عالم آخر بعدمـا تأكد من سلامتهــا، ساعة واحدة فقط مرت وكان يعود إلى وعيـــه، فتح عينيــه الخضرواتين بتثاقل ونظر حولــه فـ وجد والدتهــا تجلس بجانبــه، إبتسمت لـه بحنو وهي تسألــه:
-بقيت أحسن؟؟..

حرك رأسـه إيجابيًا وهو يعتدل في جلستــه، تعجب من تغير قميصــه من اللون الأسود إلى اللون الأزرق القاتم، ولكن سُرعان ما أدرك أنهـا قد عالجت الجرح والقميص قد تلوث بالدماء، نظر إليهـا وهو يُردد:
-شُكرًا حضرتك على إللي عملتيـه.

ردت عليـه بجدية:
-المفروض أنا إللي أشكرك يابني، إنت أنقذت بنتـي الوحيدة.

نهض من مكانــه وهو يقول بـ هدوء:
-مفيش داعي للشكر، والحمدلله أنها جت على أد كده.

هبت واقفـة وهي تقول:
-إستنى.

مسح على وجهه بإرهاق وأنتظرهـا حتى وجدهـا تأتي وتحمل بيدهـا كوبٍ من الحليب، أعطتـه له وهي تقول بصرامـة:
-أشرب اللبن الأول عشان يقويك، مش هتتحرك خطوة إلا لما أشوف الكوباية بقت فاضية.

إبتسم لهـا إبتسامة صغيرة وهو يتناول منهـا الحليب، أرتشفــه على مَهَل ولكن نظراتــه على تلك الغُرفة التي ترقد فيهـا محبوبتــه.

******
عاد إلى أرض الواقع، فـ نظر إليها بشغف كبير وهو يراها قد كبرت وأصبحت أمرأة قوية، ولا يزال يعشقها حد النخاع، قَبّل جبينها بعُمق قبل أن يهمس بحنو:
-لو أطول أخبيكي جوا قلبي هعمل كده.

******
بعد مرور أربعة أيام كاملـة، أشرق نور الصبـاح وسطع ضوء الشمس الذهبي في المكان معلنًا عن يوم جديد، نظر "سيف" لقرص الشمس بعد أن خرج من سيارتـه، تنهد تنهيدة حـارة أطلقهـا من أعمق أعماق صدره قبل أن يرتدي نظارتـه القاتمـة.

وصل إلى مقابر آل نصـار، حيثُ قررت النيابـة السماح بـ دفنـه بعد أن تم تشريح جثمانـه وقد تبين أن رصاصة القناص هي التي أصابتـه حقًا وأودت بـ حياتـه للموت، ترك سيارتـه بعيدًا ثم توجه لداخل الممر المصفوف على جانبيـهِ مقابر المتوفين، جلس على إحدى درجات القبر الرخاميـة، ثم تمتم بصوتٍ هادئ:
-أنا جيت.

أطرق رأسـه محاولاً أن يتماسك قبل أن يقول بصوتٍ غريب:
-سبتنـي ليـه؟؟.. سبت إبنك الكبير ورميتـه الرمية دي ليـه؟؟..

سحب نفسًا عميقًا قبل أن يقول بـ بسمة ألم:
-بس إنت أكيد مرتاح دلوقتـي، على الأقل إنت مع أخويـا، حُسـام.

هبطت دمعـة حارقة وهو يقول بحرارة ألم:
-كان نفسي أعيش في حُضنك إنت وأمي، وإنك تشارك في تربيتي، كان نفسي أعيش شعور الأخ الكبير، ألعب وأعرف أعيش، لكن أنا أتبهدلت جدًا.

أغمض عينيـه وهو يتسائل بعذاب:
-يوم ما أحتجتلي كنت خسرت أخويـا، أخويـا إللي عمري ما أتعملت معـاه لكن قلبـي بيتحرق لمُجرد فكرة إنه مات مقتول، أحتجتلي وكانت كل حاجة بتنهــار، وبصفتـي إني إبنك بالأسم كان لازم ألحق كل ده، ليـه مخدتنيش من الأول وربتنـي في حُضنك يا.. يا بابا؟؟..

تجمدت ملامح "سيف" وهو يقول بصلابـة:
-أنا عُمري ما هسامحك، وجع قلبي إللي عشتـه سنين طويلة بسببك وإللي لغاية دلوقتـي بعيشــه مش هسامحك فيـه، بس حقك وحق أخويـا هجيبـه، إطمن.

أشتعلت عينـاه بلهيب أسود وهو يُضيف:
-وإلا مبقاش سيف النـصــار.

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-11-20, 02:51 PM   #19

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل الخامس عشر"

قلب الإنسان هو جنتـه أو جحيمـــه

بعد مرور أكثر من شهران وعشرة أيـام، تطورت علاقـة "سيف" بـ "كارمـا" كثيرًا، حيثُ عاشـا بعض من المواقف الرومانسية وأُخرى كوميدية، يتحدث مرة معهـا بـ لباقـة تجعلهـا تتعجب ومرة أُخرى بـ عبث وزائد عن الحدّ يصل إلى الغزل الصريح، فـ تصرخ بغضب من شدة خجلهـا ثم ترحل من أمامه سريعًا، ولكن بدأت تعتاد على كلماتــه.. أحاديثـه التي تُرضي غرور الأُنثى بهـا.

وهو يحاول أن يصل إلى خيط يجعلــه يصل إلى عدوه الوحيد حتى الآن، لم يهتم كثيرًا بـ أمر معرفة الخائنة التي تعمل لديـه، فـ وقتهـا لم يأتي بعد، وبكل الطرق حاول التقرب منهــا حتى تأكد بـ وقوعهـا في مصيدة العشق، كل ما تبقى هو الأعتراف.. وسيحدث.

******
هبطت "كارمــا" ببُطء على الدرج مُبتسمة بـ بهجـة، بادلهــا إبتسامة إعجاب جلي وبريق الإنبهار ظهر بداخل عينيـه الخضرواتين وهو يتأمل ذلك الثوب الذي قام بإختياره بـ نفسـه، عينــاه الآتي تأكلهــا بدءٍ من وجههـا المتورد وشفاهـا المُمتلئة بإغراء، وثوبهــا الذي يصل إلى كاحلهـا ولكنهـا ضيقـة بـ درجة كبيرة على جسدهـا، بالإضافـة إلى أنها من كلا الجانبين حتى منتصف الفخذ، وكذلك ذراعيهـا مشقوقان من المنكب حتى معصمهـا، وفتحة العنق الواسعة التي أظهرت عظمتي الترقوة.

وقفت أمامــه وقبل أن تسأله، كان يقول بشرود وعينـاه تتألق أكثر وأكثر:
-يخربيت حلاوتك.

إبتسامة واسعة أرتسمت على شفتيهـا وهي تسألـه بـ أمل:
-بجد يا سيف؟؟..

إرتفعت وتيرة أنفاسـه وهو يطوق خصرهـا قائلاً:
-إنتي عندك شك في ده؟؟.. أنا ناهيتي على إيدك.

ضحكت بـ سعادة وهي تقول وقد رفعت حاجبيهـا:
-الله يجبر بخاطرك.

رفع حاجبيـه بغيظ فـ بدون أن ينبس بكلمة واحدة، جذبهـا إليه أكثر كي يكسح شفتيهـا بلا رحمـة، قُبلـة عاصفـة إستهلكت طاقتهمـا معًا، قُبلـة صـارخـة بعشقهمـا الأبدي، ضمهـا إلى صدره بقوة وكأنه غريق.. وهي القشة المُتعلق بهــا.

******
جلس "رؤوف" على الأريكـة أمام "سامر" الذي رحب به كثيرًا، فـ إنتقامـه الأعمى على وشك أن يتحقق، تمعن الأخير محتويات المنزل بـ نظرات فضوليـة قبل أن يعاود النظر إليــه مُبتسمًا بخُبثٍ لئيم يُليق بـهِ كثيرًا، بادلـه الأخير إبتسامة ماكرة وهو يسألــه:
-إيـه إللي جابك ياترى؟؟.. أكيد في حاجة عاوز تقولهـا.

رد عليهـا الأخيرة بـ بسمة مُتكلفة:
-أنا تعبت عُقبال ما وصلت للعنوان بتاعك، خصوصًا المحروسـة بنتي معرفش بيتهـا بعد ما أمهـا الله يهدهــا عزلت وخدتهـا، ده غير أنها غيرت نمرتهـا عشان كده جيتلك هنا لأني عارف المكان.

هتف "سامر" بصدمة:
-هو حضرتك متعرفش أن مامتهـا ماتت من كذا شهر.

رفع حاجبيـه للأعلى وهو يسأله:
-إنت بتتكلم بجد؟؟..

أومئ رأسه مؤكدًا، فـ حرك يده وهو يقول بالامبالاة:
-يالا فـ داهية.

لم يُجيب "سامر" وهو يسأله بجدية:
-بس مقولتش بردو جاي ليـه؟؟..

حمحم قبل أن يقول بحُزن زائف:
-إنت عارف أنا راجل كبير وعايش لوحدي، ومعنديش شُغل ولا معاش حتى، وبمـا إنك جوز بنتي، فـ عاوزك تساعدنـي بـ مبلغ كده أو تخلي سارة تعمل ده، عشان أعرف أعيش مستور في آواخر أيام حياتي.

بدأت خطتـه اللعينـة، زادت عينــاه خُبثًا قبل أن يعبس "سامر" وهو يقول بضيق زائف:
-جوز بنتك إيـه؟؟.. أنا طلقت سارة أكتر من شهرين.

أتسعت عيني "رؤوف" وهو يتسائل بحدة:
-نعــــــم!!.. إيــه الكلام ده؟؟.. وليه تعمل حاجة زي كده؟!..

رد عليـه الأخير بغضب:
-كان لازم أعمل كده بعد ما أكتشفت أنها بتخونــي.

أعتدل في جلستـه وهو يسألــه بنظرات مدهوشة:
-بتخونـك!!..

تـابع "سامر" غضبــه وهو يهب واقفًا:
-أيوة أكتشفت أنها بتخوني مع المدير بتاعهــا، عشان يعني واد غنـي وحليوة، ومن بجاحتهــا بتقولي في وشي أنها بتخوني، أديتهـا علقة مُحترمـة وبعدهـا طلقتهــا، وهي لغاية دلوقتي معـاه.

صُعق "رؤوف" بعد أن ألقى زوج إبنتـه كل تلك الكلمات، أخفض رأسـه غير مُصدقًا ما يسمعــه، بينمــا تابــع "سامر" بحرقة:
-محبتش أقولك عشان متتوجعش من الـ****، بس خلاص مبقتـش قـااااادر.

نهض "رؤوف" من مكانـه متجهًا نحوه قبل أن يربت على كتفــه قائلاً بـ لهجة قوية:
-أُمهـا معرفتش تربيهـا، بس وحياة حرقة قلبك لأعلمهـا الأدب وأخليهـا تشوف النجوم في عز الضهر.

إلتفت برأسـه إليـه مُتسائلاً بإهتمام:
-يعني هتعمل إيـه؟؟..

صمت قليلاً قبل أن يطأطـأ رأسـه ثم قال بصوتٍ جاد:
-أنا كُنت مقاطع أخواتي وكذلك همـا بسبب خلافات قديمـة، سبت الصعيد كلـه وجيت على هنـا، هرجعلهم وأقولهم إن واحدة من لحمهم ودمهم عملت وبتعمل إيـه.

رفع رأسـه نحوه وهو يقول بهدوء:
-إطمن حقك هنجيبــه.

حرك رأسـه بأسى مُتمتمًا:
-أما نشوف.

أولى لـه ظهره كي يستطيع أن يخرج تلك الإبتسامة الشيطانيــة، عقد ساعديــه أمام صدره هامسًا بداخلــه بـ نبرة مليئة بالشر وعينــاه تحمل الكثير من الحقد:
-أشربي بقا، وأبقي وريني البيه بتاعك هيعمل إيـه.

*****
تحركت معـه بخُطى هادئة نحو حديقة القصر، كانت مُزينة بـ شكل جميل يخطف الأنظـار بعد أن جلب مهندس الديكور، تحركـا معًا نحو بقعة ما ولكن أكثر من رائعة حيثُ كانت مُزينـة بالورود البيضاء، إبتسمت "كارمـا" ولكن عقدت ما بين حاجبيهــا عندمـا توقفت نظراتهــا على ذلك الغريب المتواجد، أيقنت أنه المصور عندمـا وجدتـه مُنهمكًا في ضبط آلة التصوير، ألتفتت برأسهـا لـ "سيف" الذي ظل يتأملهـا بـ بسمة دافئة ونظرات غير مستوعبة، سألتـه بخجل:
-بتبصلي كده ليه؟؟..

رد عليهـا ونظراتـه مشتعلة من فرطِ العشق:
-عاوز أشوف عيونك، عشان أعرف إللي جواكي.

صمتت قليلاً قبل أن تسألــه بتحدي:
-أوصف عيوني في جملة واحدة.

إبتسم لهـا إبتسامة خلابـة وهو يجذب خصرهـا بذراعه، حدق في عينيهـا مباشرةً قبل أن يهمس بصوتٍ واثق:
-نظرات عينيكِ عند المصاعب تكون قُبلتي.

ختم كلمتـه الأخيرة قبل أن يغمز لهـا بشقاوة، ضحكت وعينيهــا تتلألأ بالدموع، فـ سألهـا:
-تحبي أقول كمان؟؟..

ردت عليـه سريعًا:
-ياريت.

قال "سيف" بصوتٍ عاشق أرهقه العشق:
-عيناكِ وطن، والوطن من دون نظراتك لا يكون.

وضعت يدهـا على قلبهـــا محاولة أن تهدئ نبضات قلبهـا التي تتزايد بجنون، أسند جبينـه على جبينهـــا وهو يهمس بحرارة ألم:
-بداخلي ألف نبضة تُخاف فقدانك.

وجدت نفسهــا تحاوط عنقــــه وتحتضنــه بقوة، ضمهـا أكثر إليــه مُستنشقًا عبيرهـــا بقوة، سمعهــا تقول له بتأكيد:
-صدقنـي مش هسيبك أبدًا، إنت عملت إللي محدش عملـهُ، ربنا عوضنـي بـ وجودك في حياتي، أكيد مش هسيبك يا سيف، مش هسيبك أبدًا.

أبتعد عنهـــا قليلاً قبل أن يمسح حبات اللؤلؤ التي تناثرت على وجنتيهـا بـ شفتيـهِ، ثم قَبّل شفتاهـا بـ عشق جارف، وهي مستكينة بين ذراعيـه تبادله ذات الشعور، أبعدتـه عنهـا بعدمـا توردت وجنتيهـا بـ حُمرة خجل، وهي تقول:
-إيه إللي بتعملـه ده، ناسي أن الفوتوجرافر هنا؟؟..

أنتبـه "سيف" لذلك المصور الذي مازال يُعدل آلة التصوير، فـ ناداه بصرامة:
-وجدي، إحنا جاهزين؟؟..

أستدار المصور إليـه بجسده ليواجه رب عملـه على وجهه إبتسامة هادئة قائلاً:
-تمام معاليك، وأنا كمان مُستعد، نبدأ؟؟..

حرك رأسـه بالإيجاب، ولكن سألتـه "كارمـا" بتردد:
-شكلي حلو، أصل أنا حاسة أن شكلي مش حلو و..؟؟..

رد عليهـا بثقة:
-كارمــا النصــار متسألش سؤال زي ده ولا تقول الكلام ده، إنتي كده بتقلي من نفسك وأنا مش هسمح بـ ده، تمام؟؟..

عقدت ما بين حاجبيهـا وهي تقول:
-كارمـا النصـار؟؟..

رده عليهـا "سيف" بجدية:
-إنتي بقيتي مراتي، فـ خلاص الناس هتعرفك بالأسم ده.

حركت رأسهـا بالإيجاب، إبتسم لها بهدوء قبل أن يستدير للمصور ويشير إليـه بـ بدأ عملـه، أستعان المصور بخبراتـه الإحترافية في ذلك المجال كي يحرص على إظهار مشاعر الحب المتأججة بين الزوجين، أخذ يظهران مشاعرهمـا بإريحية تامـة وجسد ذلك بإلتقاط عشرات الصور من زوايا مختلفة لينتقي منهـا في النهاية الأفضل والمُميز، وما إن أنتهى حتى أشـار "سيف" إليه بالإنصراف كي يبدأ بـ نشر تلك الصور في الصحف والمجلات.

تسائلت "كارمـا" بإهتمام:
-قولي يا سيف، إيه إللي خلاك تفكر في الحكاية دي، تجيب الفوتوجرافر يصورنا عشان تنزل الصور دي في الجرايد والمجلات؟؟..

أجابهــا بصرامـة:
-لازم الكل يعرف إنك بقيتي زوجـة سيف النصـار.

سألتـــه بتردد:
-مش خايف من كلام النـاس، إنهم لما يشوفوا الصور دي يقولوا إنه عمل كده بعد وفـاة أبوه بشهرين بس؟؟..

سحب نفسًا عميقًا قبل أن يبتسم بهدوء قائلاً:
-موضوع والدي 99% عارفين علاقتي مع والدي كانت وصلت لإيه، وعارفين الأسباب كمان، ده غير أني هعلن عن أنه إحنا أتجوزنـا قبل وفاتـه بكام يوم، بس بعد إللي حصل هنكتفي بـ ده مؤقتًا، لغاية ما أعرف أجيب حقـه.

سألتـه مرة أُخرى بجدية:
-طب إنت ليه أديت للخدامين أجازة النهاردة؟؟..

رد عليهــا بـ بسمة جادة:
-عشان حابب أقضي اليوم معاكي النهاردة لوحدنـا.

إبتسمت لــه وهي تحرك رأسهـا إيجابيًا، حاوط خصرهـا بنعومــة ثم توجه كل منهمـا نحو الداخل، قلب يحمل الكثير من الهموم، وقلب آخر يسأل كثيرًا ولكن دون أي وجود للإجابات.

******
ألقى "رحيم" المنشفـة على الأريكـة بإهمال متوجهًا نحو الفراش كي يسترخى قليلاً، إنتبـه إلى أهتزاز هاتفــه على الكومود، فـ سحبــه يحدج الرقم بـ نظرات مُباليـة سُرعان ما تحولت إلى خاويـة حينما رأى عدم وجود رقم وقد كُتب الرقم خاص كـ بديل (private number)، وضع الهاتف على أذنـه يُجيب بثقـة:
-أهلاً يا ثروت باشا.

سمع صوت قهقتــه، فـ شعر أن قلبـه يحترق بشدة، رد عليه الأخير بتهكم:
-ذكي أوي يا رحيم، كويس إنك عرفتني.

إبتسم "رحيم" قائلاً:
-طبعًا لازم أعرفك، مش حيوان بشري؟!.. فـ لازم أعرفك.

سألـه "ثروت" بخُبث:
-إيه يا رحيم، كل ده عشان الست والدتك؟؟..

هتف "رحيـم" بغضب مكتوم:
-أتجوزتهــا غصب عشان مكنش ليهـا ضهر، كانت مجرد نزوة في حياتك المريضـة.

هدر "ثروت" فجـأة بغضب:
-وإنت عملت إيـه؟؟.. قتلت إبنــي؟؟..

رد عليـه بدون تردد:
-ولو رجع بيا الزمن كنت هعمل كده، كان عاوز يغتصب أُختي، أسيبـه؟؟..

أضــاف بغضب سيطيح بالأخضر واليابس:
-أنا مش هسيبك يا ثروت، هدور عليك عشان أقتلك، هجيب حقي وحق أختي وأمي وحُســام صاحبي إللي قتلتـه بدم بارد، وآخرهم دلوقتـي شريف.

تمتم "ثروت" بسُخرية:
-وأنا مش بتهدد، وإسمع كويس، بلغ فهد آل نصـار لو فكر يوصلي مش هرحمــه ولا هرحم مراتــه، تمام؟؟..

قال "رحيم" بثقة عاليـة:
-سيف هيوصلك خلاص يا ثروت، هيوصلك عشان يجيب حقـه وحق كل واحد أذيتـه، ومهمـا عملت مش هتعرف تقرب من إللي يخصـه، سـلام.

أغلق الهاتف وألقاه على الفراش بعصبية، مسح على شعر رأسـه بقوة وهو يقول بإصرار:
-لازم أتصرف، لازم أوصلـه.

******
جلس "ثروت" على المقعد يفكر في كلمات "رحيم"، أعتصره القلق عندما تخيل وصول فهد آل نصـار إليـه، فـ حتمًا سيكون آخر يوم لــه، هز ركبتيــه بتوتر لم يستطع أن يخفيـه قبل أن يتحدث بتفكير مع نفسه:
-طب أتصرف إزاي؟؟.. ده هيفرمنـي لو وصلي.

صمت قليلاً قبل أن يقول فجـأة مُبتسمًا بمكر:
-الحاجة الوحيدة إللي هتعطلـه هي كـارمـا، وأنا أتأكدت أن غيرتـه عليهـا صعبة، يبقى لو أكيد عرف أنها بتخونـه هيعذبهـا، ودي أقل حاجـة.

غمغم بتفكير:
-طيب هبعتلـه صور مزيفة ليهـا وڤيديو يثبت أنها هي من لبسهـا وأي حاجة من أكسسوارتهـا، بس ياترى هتنفع ولا لأ؟؟.. الفكرة دي أتعملت قبل كده وفي ناس أكتشفت أنها كدبة.

نهض من مكانـه وهو يقول:
-أنا هنفذهـا، وهنشوف النتيجـة، سواء طلعت مرضية ليا أو سلبية.

أخرج هاتفــه وعبث فيـه قليلاً قبل أن يضعه على أذنــه، إستمع إلى صوت أنوثي.. فـ هتف بجدية:
-أيوة يا رزان، أسمعيني كويس ونفذي إللي هقولك عليـه بالحرف.

******
مر اليوم سريعًا على الجميـع، قرر "سيف" أن يذهب إلى شركتـه لمُتابعـة أعماله، وبالفعل ما أن أتى الصبـاح حتى ذهب إلى هناك، كان جالسًا على المقعد يقرأ الرسائل التي أُرسلت إليهـا بإهتمام قبل أن يسمع صوت طرقات هادئة على الباب، أذن بالدخول وهو يرفع أنظاره نحو السكرتيرة التي أقتربت من مكتبـه بإحترام قبل أن تقول وهي تناولـه ظرف:
-مستر سيف، في حد ساب لحضرتك الظرف ده.

أخذه منهـا مُتسائلاً برببـة:
-مين إللي بعتـه؟؟..

هزت السكرتيرة كتفيهـا مُجيبة:
-معرفش، مرضاش يقول أسمه ومشي على طول.

أشـار بإصبعيـه قائلاً بصرامة طفيفة:
-تقدري تتفضلي إنتي.

أنتظر خروجهـا من غُرفة مكتبـه قبل أن يفتح الظرف بـ عينين ضيقتين، سُرعان ما إتسعا عندمـا وجد تلك الصور التي تتعلق بـ شرف محبوبتـه قبل أن تكون زوجتـه، تشنجت ملامح وجهه وهو يراهـا في ذلك الوضع، أغمض عينيــه يُكاد أن يعتصرمهـا وهو يرَ أنها بـ أوضاع غير لائقة والأثواب التي ترتديهـا هو يعرفهم جيدًا، ألقى بالصور وهو يزأر بغضب، هب واقفًا يمرر أصابعـه على خصلات شعره يود أن يقتلعه، عينــاه بدت مظلمة ظلام دامس، بريق مُخيف حلّ بهمــا، وهو يهمس بشراسة:
-كـارمـاااااا.

******
جذبهـــا من شعرهــا بقسوة وهو يخرج بهــا من غُرفتــه، هبط بهــا إلى الأسفل وهو يسبهــا بغضب شديد، صرخت بألم من قسوتـــه التي تختبرهـا لأول مرة، ومع ذلك أرتسمت على تعبيرات وجههـــا القوة، دفعهــا بعُنف حتى سقطت على الأرضية الصلبـة، كتمت الألم بصعوبـة وهي تنهض، وقفت أمامـــه بشموخ بينمــا بدالهـا نظرات قاتلة تجعل المء يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعـه ولكن إلا هي.

خرجت كل الخادمات كي يتابعوا ما يحدث بقلق من رب عملهم، إرتجفوا من لهجتـه الجهورية.. الغاضبة.. المُخيفـة.. في نفس اللحظة الذي دخل فيهـا "يوسف" من باب القصر، وجد تأزم الأوضاع بين رفيقـه وبين "كارمــا"، ركض نحوهمــا وهو يسألــه:
-في إيـه؟؟.. إيـه إللي بيحصل؟؟..

لمح تلك الكدمـة القوية في وجه "كارمـا".. بل ثلاث كدمات، أثنين في وجههـا وواحدة في ذراعهـا الأيسر، همس بصدمـة:
-ينهــار أسود، ده ضربهــا؟!!!..

ألتفت إلى رفيقــه يهدر بذهول:
-سيــف، إنت بتعمل إيــه؟؟..

وجده يرمقهـا بـ نظرات شيطانيـة، في حين ظلت ترمقـه بغضب جامح وهي تصرخ:
-أنا معملتش كده، أفهم بقــاااا.

جذبهـا من شعرهـا بقسوة وهو يقول بعصبية:
-يا سلام؟!!.. أنا خلاص عرفتك على حقيقتك، ومش هرحمك، واحدة زيك لازم تموت.

دفعها بعنف حتى كادت أن تسقط مرة أخرى لولا ألحاق "يوسف" بهـا على آخر لحظة وهو يحدج رفيقه بـ نظرات مصدومـة، جحظت عينــاه بذهول عندمـا وجده يخرج سلاحـه الناري وقام بـ تصويبـه في إتجاه زوجتـه التي إبتسمت له بتهكم واضح، وهو يبادلهــا بـ نظرات قاتل مُحترف ومن عليهــا مُشتعلـة.

تحرك "يوسف" صوبـه كي يسد بجسده عليه وهو يصرخ فيه:
-إنت أتجننت!!!!.. هتعمل إيــه؟؟..

هدرت "كارمـا" بسخرية:
-إنت فاكر إني هخاف منك يا آآ..

فغرت شفتيهــا مدهوشة حينما سمعت صوتًا يصدر عن السلاح الناري، أنقطعت أنفاسهـا، وأنتفضت في مكانهـا مذعورة لتدرك أنه قد ضغط بالفعل على الزناد، أخفضت عينيهـا تتفقد جسدهـا ثم عاودت التحديق في وجهه الخالي من التعبيرات، ولكن لايُزال يرمقهـا بنظرات مميتة.

بينمـا "يوسف" يرمقـه بعدم تصديق وهو مازال لم يستوعب ما يحدث، هدر "سيف" مُتعمدًا الضغطعلى كل كلمـة ينطقهـا:
-أنا بلعن اليوم إللي شوفتك فيه، كتلة شر ماشية، وأنا هرحم العالم من إنسانة زيك، بس مش هوسخ إيدي عشانك.

إبتسم "سيف" بشراسة قائلاً:
-زي ما إنتي قتلتيني وأنا عايش، هموتك بس ببطء.

نظر لرفيقــه قبل أن يُشير بـ عينيـهِ بـ نظرة فهمهـا على الفور، تحرك "يوسف" نحو "كارمـا"، ثم قبض على ذراعهــا هامسًا لهـا بضيق:
-تعالي يا كارمـا بهدوء، بدل ما يجيب رجالته وياخدوكي بالغصب.

إبتسمت له إبتسامة مريرة، ولكن عيناهــا عندما واجهت عيني "سيف" كانت مليئة بالقسوة والسُخريـة، هتفت بقوة غريبة وهي تحدق في عينيـه مُباشرةً:
-هتندم أوي على إللي عملتـه ياإبن النصـار.

******
لا ثقـة لدي إلا عيناكِ
فـ عيناكِ لا تخون
دعيني أنظر إليهمـا

في المسـاء، صف "سيف" سيارتـــه أمام باب مدخل البنايـة ذات الطراز الحديث، ترجل من سيارتــه وهو يفتح زر سترتــــه مُتنهدًا بـ حرارة، وبريق عينيــه غريب.. غامض، لحظــات وكان يدخل منزلـــه الجديد الذي أهتم بتأسيســه مُنذ فترة لتكون البداية لهمــا سويًا، تحرك بخُطى سريعة يبحث عنهــــا حتى وصل إلى غُرفتهمــا، وجدهــــا نائمــة على الفراش وكتاب بجانبهــا، فـ توقف وإبتسم فقط، كانت إبتسامة من وجد ضالتــه.

أقترب منهــا ببطء إلى أن وصل إليهـا أخيرًا، رمقهـا بـ نظرات طويلة قبل أن يجلس بجوارهـا وينحني ليُقبّل نحرهــا من ياقـة القميص المفتوح قليلاً، قُبلاتــه كانت دافئة.. رقيقة، حركت رأسهـــا تتأوه قبل أن تفتح عينيهــا فجــأة، فـ أصطدمت بـ عينيــه الخضرواتين العميقتين، وقبل أن تشهق كان أسكتهـا بـ قُبلة مُتملكـة، حاولت إلتقاط أنفاسهــا إلا أنه كان مُغيبًا وكأنه يبحث عن نفسهـا بهـا، تحرك جسدهـا الضعيف بين ذراعيـه، وأرتفعت ذراعيهـا بوهن إلى عنقـه، يده على خصرهــا ثابتـة وكأنه يأمرهـا بعدم التحرك، لم ترحمهــا شفتــاه حتى أبتعد أخيرًا عنهـا بصعوبـة.

أعتدلت في جلستهـــا فـ جذبهــا إليه يحتضنهــا بقوة وهو يهمس بصوتٍ أجش:
-وحشتينــي.

كانت مُغمضة العينين وهي تسألــه برقة:
-مش كنت معاك الصبح، وبعدين مش إتفاقنـا إنك هتيجي بكرا عشان العيون كلهـا عليك.

أستنشق عبيرهــا بقوة وهو يُجيبهــا بهمسٍ:
-مقدرتش، مش قادر أتعود أنك تبقي بعيدة عني.

كان جسده القوي يرتجف وهو يضمهـا أكثر إليـه، ذبذباتـه تنتقل إليهــا فـ تزيد من رجفتهــا، تراجع بـ جسده يحدق في ملامحهــا قبل أن يقول بإبتسامة إعجـاب:
-بس براڤو عليكي، حقيقي أنبهرت من أدائك النهاردة.

سألتــه وهي تضحك بدلال:
-يعني عجبتك؟؟..

رد عليها بدون تردد وقد أتسعت إبتسامتـــه:
-جدًا، قدرتي تمثلي صح، ده غير المكياچ إللي عملتيـه في وشك وحركة الكدمة إللي فـ دراعك عشان يبان إني أديتك علقة محترمـة.

غمزت له وهي تهتف بفخر:
-ده أنا كارمـا بردو ياإبن النصــار، أنا أعدت ساعة قُدام المرايا عشان أعرف أطلع بالشكل ده بعد ما كلمتني، بس في حاجـة لازم أسألك عليهـا؟؟..

عقد ما بين حاجبيه وهو يقول مُشجعًا:
-أسألي براحتك، حتى لو هنقعد أسبوع، أنا بستمتع في الكلام معاكي.

إبتسمت لــه بـ بهجة هامسة:
-ربنا يخليك ليا.

سحبت نفسًا عميقًا وهي تتسائل:
-إنت لما شوفت الصور، إزاي تمالكت نفسك؟؟.. إزاي مدخلش شك جواك؟؟.. رغم إن غيرتك عليا ما تُسمى الغيرة القاتلة، إنت لما كلمتني وبتقولي على إللي الحصل، أترعبت من رد فعلك، بس أتفاجـأت لما لقيتك هادي معايا رغم لهجتك إللي كان واضح فيهـا الغضب، فـ إزاي؟؟..

قبض على كف يدهــا هاتفًا ببساطة:
-كارمـا إنتي حُب طفولتي، أنا عارفك وحافظك أكتر ما إنتي حافظة نفسك، وبعدين أنا واثق إنك مش بتاعة الكلام ده، كنتِ سلمتي نفسك من الأول للكلب إللي أسمه رامي، وأنا عارف أن في حد بيحاول يوقعنــا؛ لأن قوتنـا سـوا هتجنن أي حد، عشان كده الشك مقدرش يدخل قلبي.

أحتضن وجههـــا بكفيــه قبل أن يقول بهدير لاهب وعينــاه تلتمعان بالعشق:
-كارمــا أنا بحبـك أوي.

خفق قلبهــا بجنون وإبتسمت رغمًا عنهــا، أنهارت كل قواهــا وهي تمد يدهــا تلمس صدره برقـة أشعلت النيران في حلقاتٍ مجنونة دارت بداخلــه ثم همست بعاطفة قوية:
-وأنا بحبك أوي يا سيف.

حدقت في عينيــهِ مباشرةً قبل أن تُضيف بخفوت:
-ياإبن النصــار.

أغمضت عينيهـــا حينمــا وجدتـه ينحني إليهـا بعد أن أغمض عينيـه أيضًا، شعرت بعدهــا بـ شفتيـه وهي تسحقان شفتيهــا، يكتسحهــا بلا هوادة، قُبلتهــا التي يرتوي منهـا أكسير الحيــاة، غابت في عالمــه القاتم وضاعت مع همس مشاعره العنيفـة.

******
جلس "يوسف" على المقعد وهو يتنهد بإرهــاق قبل أن ينظر أمامـــه بشرود، فما يحدث مؤخرًا يدل على أن الأيام السوداء سُتفتح أبوابهـــا، ومن الصعب سيكون إغلاقــــه، إبتسم بشرود وهو يتذكر حينما قرر زيارتــه في شركتــه ووجده في حالة غضب كبير، غضب حتمًا سُيطيح بالأخضر واليابس، أرجع ظهره للخلف قبل أن يغمض عينيـــه بتعب يعود بـ ذاكرتـه إلى الوراء وتحديدًا ما حدث صباحًا مع رفيقـــه.

حيثُ دخل المكتب فـ وجده يسير ذهابًا وإيابًا بغضب، من تعبيرات وجهه أدرك أنه يودَّ أن يقتل أي شخص يُقابلـه، بلع ريقـه بصعوبة ثم حمحم قبل أن يُناديـه بـ توتر طفيف:
-سيـف.

ألتفت إليـه سريعًا وعينـــاه المخيفة تحدقان بـه بشر دفين هادرًا:
-إنت إيه إللي جابك؟؟..

رد عليــه "يوسف" بإقتضاب:
-كنت جاي أتناقش معاك شوية في الشغل.

صرخ بعصبية مُشيرًا بيده قائلاً:
-مش مهم، يولـع الشغل والصاحب الشُغل، يـالا سلام نورت المكان.

أتسعت عينـاه مُتسائلاً بذهول:
-إيــه ده!!!.. إنت بتطردني؟؟..

أقترب منـه عدة خطوات قبل أن يقول بصرامـة:
-يــوســــف، أنا مش ناقصك، أنا دلوقتـي عاوز أولع في حد، بلاش تيجي فيك.

هتف "يوسف" بإصرار:
-لازم أفهم الأول، إيه إللي حصل وصلك لكده؟؟..

تحرك "سيف" نحو مكتبــه يلتقط كوب الميــاة قبل أن يقذفــه وهو يزمجر بغضب، نظر "يوسف" في إتجاه المكان الذي تناثر فيـه الزجاج دون أن يهتز، بل ضيق عينيـــه مُنتظرًا إجابة سؤالــه، تنفس "سيف" بغضب جامــح قبل أن يهدر بصوتٍ جهوري:
-الكلب بعت صور تُخص مراتي في أوضـاع مش مظبوطة، عاوزنـي أأذيهـــا إبن الـ****.

أشــار بإصبعيــه وهو يقول بشراسة:
-بس أُقسم بالله ما هرحمـه، أخليه يقول حقي بـ رقبتي.

ظل "يوسف" هادئًا تمامًا قبل أن يسألـه:
-يعني مش شاكك في كارمـا وأن الصور دي حقيـ..

قاطعــــه "سيف" وهو يلتفت إليــه بـ وجهه قائلاً بصرامـة مُخيفة:
-كلمة زيادة وهنسى إنك صاحبي.

رفع "يوسف" حاجبيـه وهو يتمتم بهدوء:
-أنا بسأل سؤال مُحدد، وإنت عليك الإجابـة.

رد عليــــه بوحشيـــة:
-إنت أهبــل؟؟.. كارمـا لا يُمكن تعمل حاجة زي دي، إياك تسأل سؤال زي ده مرة تانيـة وإلا هيبقى ليا معاك تصرف تاني يا يوسـف.

إبتسم لـه بخفـة قبل أن يسألـه مُباشرةً:
-طب وهتعمل إيـه؟؟..

نظر له وغضبـه يتصاعد أكثر:
-الجساوسة إللي عندي أكيد سرقت هدوم كارمـا وبعتتهـــا للثروت، عشان يخليني أتأكد أنها كارمـا بجد، بس أنا مش هسبهـا.

تسائل "يوسف" بريبة:
-هو إنت عرفت هي مين؟؟..

حرك رأسـه إيجابيًا قائلاً بإبتسامة ساخرة:
-إمبارح أديت أغلب الخادمين أجازة، سبت أتنين بس، وكنت زرعت كاميرات في الدور إللي تحت في كل مكان؛ عشان أعرف، بعد الصور دي فتحت الجهاز عندي عشان أعرف من الكاميرات، وفعلاً عرفت هي مين، حسابهــــا عسير معايا.

تنهد وهو يحاول تهدئة نفسـه:
-أهم حاجة دلوقتـي، إني عاوز أوصل لثروت أنه خطتـه نجحت عشان أكيد الجاسوسة دي تعرف حد ممكن يوصلنـا للخيط الأساسي.

ثم نظر لـه طويلاً قبل أن يقول:
-وإنت هتكون معايا النهاردة، إنت هتدخل القصر عندي بعد ما أدخل بعشر دقايق، هتلاقيني أنا وكارمـا بنمثل قدام الخدامين وإللي موجود إني مش طايقهـا وإني أكتشفت حقيقتهــا، وإنت دورك هو أنك هتتفاجئ إني متعصب على كارمـا بالطريقة دي، وبعدهــا لما أشاورلك بـ عيني هتاخدهــا على البيت الجديد، وهمـا هيفهموا إني هاخدهـا فـ مكان تاني عشان أنتقم منهــا، تمام؟؟..

إبتسم لــه بدهشة مُتسائلاً:
-وبعدهــا؟؟..

إبتسم لـه بخُبث مُجيبًا:
-بعدهـا هي هتوصلهم إللي حصل، وتاني يوم هتلاقي تمن إللي عملتــه، وهرجع هيبة كارمـا قدام أي حد حضر إللي هيحصل، لأنهــا كارمــا النصــار.

حك "يوسف" مؤخرة عنقه وهو يغمغم:
-ده إنت داهيـة، صدق إللي سماك فهد.

******
تحرك "ثروت" وهو يضحك بصوتٍ عال بعد نجاح خطتــه أخيرًا نحو "رزان" التي إبتسمت لـــه إبتسامة جذابة، طوق خصرهـــا وهو يقول بصوتٍ خفيض:
-أخيرًا قدرت أفرق بينهم، دول جبابرة، أنا مش مصدق أن سيف طلع غبي أوي كده.

حركت رأسهــا إيجابيًا هامسة بشرود:
-فعلاً، آخر حاجة أتوقعهـا أن فهد آل نصـار يصدق بالسهولة دي.

بدأ يتلمس شفتهــا السُفلى هاتفًا:
-البركة في البت إللي شغالة عنده، إنتي قدرتي تقنعيهـا صح.

حاوطت عنقــه متمتمة بدلال:
-طبعًا مش صاحبتـي، وبعدين إنت تأمر يا باشا.

همس لهــا بخُبث:
-لأ ده إحنا كده لازم نحتفل، تعالي.

جذبهــا بخُطى هادئة نحو غُرفة نومــــه، وصوت ضحكاتهـــا تتعالى أكثر حتى وصلا إلى الداخل، كي يحتفلا بـ نجاح خطتـــه الحمقـاء، ولا يعلم ما سيحدث.

******
أسدلت الشمس ستائرهـا البرتقالية مُعلنـة عن بدايـة يوم جديد، كانت ترتكز بـ مرفقهــا إلى الوسادة وهي تتأمل ملامحــه الرجوليـة الصلبـة.. القاسية، وبيدهـا تمشط خُصلات شعره الكثيفة الناعمـة، وإبتسامة جميلة على شفتيهـــا، همست لــه بصوتٍ رقيق:
-إزاي مخدتش بالي من السنين دي كلهـا إن في حد بيعشقنـي كده؟؟..

تنهدت بحرارة وهي تتأمل تفاصيل وجههـا مُضيفـة بعدم تصديق:
-17 سنة يا سيف!!.. بجد مش قادرة أتخيل، كنت عارف النفس إللي بتتنفســه من بعيد، وقلقان تدخل حياتي، لغاية ما أنا إللي جيتلك.

أنحنت برأسهـــا ناحية وجههـا حتى لامست أنفاسهــا وجنتــه، همست برفق:
-مش هسيبك أبدًا، ياريت كنت ظهرت من زمان يمكن كان كل حاجة أتغيرت.

أقتربت بـ شفتيهـــا ناحية وجنتـه وهي تهمس بعاطفة قويـة:
-بحبك أوي يا سيف.

وقبل أن تقبّل وجنتــه برقـة شهقت بصدمة وهي تراه يفتح عينيـه فجأة ينظر إليهـا بخُبث الصيـاد، وقبل أن تتراجع كان يضع يده خلف عنقهـا يجذب رأسهــا، وقبل أن تشهق فزعة كان إبتلع ما تبقى من شهقتـهـا بداخل جوفـه، قُبلة صغيرة ولكن شغوفـة، لحظات وإبتعدت عنـــه هامسـة:
-وقح.

أخفض عينيـه على شفتيهــا ومرر إصبعـه عليهمــا هامسًا بصوتٍ أجش:
-دي حاجة بسيطـة، من هنـا ورايح كل يوم تقولي صباح الخير بالطريقة دي، تمام؟؟..

رفعت حاجبيهــا للأعلى وهي تهمس بصدمـة:
-أنا أعمل كده مُستحيل.

إبتسم بـ مكر هاتفًا:
-أبقى أعمل أنا يا بيبي.

حركت رأسهـا بذهول هامسة:
-مش بقولك وقح.

وقبل أن تنهض كان قبض على يدهــا، ألتفتت برأسهـا إليه فـ وجدتـه يعتدل في جلستـه يحدجهــا بـ عينين ماكرتين، هتفت بجديـة:
-لأ بقولك إيه، سيب إيدي عشان أنا جعانـة جدًا وعايز أكُل.

أجابهــا بلا تردد:
-وأنا كمان جعان.

حركت يدهـا الأخرى هاتفـة ببساطة:
-خلاص سيب إيدي عشان أحضر الفطار.

أقترب منهــا بـ وجهه هامسًا بعبث:
-وأنا إللي بقول عنك ذكية، أنا جعان على حاجـة تانيـة يا بيبي.

ختم كلمتـه بـ غمزة وقحــة، دفعت جسده برفق وحررت يدهـا من قبضتـه هاتفـة بضيق زائف:
-بس بقــا.

نهضت من مكانهــا كي تدلف خـارج الغرفـة وهي تهمس بصدمـة:
-يخربيت كده، ده أنا هشوف منك أيام ما يعلم بهـا إلا ربنا.

******
بعد مرور ساعتين، دخل "سيف" بخُطى ثابتـة وهو يطوق خصر "كارمــا" بـ ذراعــه القصر، أندهشت كبيرة الخدم من تواجدهـــا بعد ما حدث صباح أمس، ومع ذلك لم تنبس بـ كلمـة واحدة كي لا تُثير غضب الفهد، رفعت "كارمـا" ذقنهـا تلقائيًا بشموخ محاولـة إستدعاء الثقـة، أشار "سيف" بإصبعيـه بصيغة آمرة:
-أجمعيلي كل الخدامات بسرعـة وتكوني كمان موجودة، يالااااا.

قال كلمتـه الأخير بصرامـة شديدة جعلتهــا ترتجف وهي تعود إلى حيث ما أتت بخطوات راكضـة، إبتسمت لـه "كارمـا" وهي تتحرك معـه نحو الداخل، ثوانٍ معدودة وكان وقفت الخادمات المتواجدات أمامــه وكذلك كبيرة الخدم، تجمدت تعابير وجهه للحظة عندمـا وقعت عينــاه على الخائنـة ولكن مرر أنظاره سريعًا عليهن، لاحظ نظراتهم المُتعجبـة من وجود زوجتـــه، فـ تقوس فمــه بإبتسامة قاسية قائلاً بصلابـة:
-طبعًا مستغربين وجودهــا، حقكم.. بس لازم نحاسب إللي حاول يأذينـا ويضربني في ضهري.

صــاح بـ نبرة شرسـة:
-واحدة منكم خاينـة، سرقت قميصن تلاتة من كارمـا هانــم، ده غير إللي فتحت موبايلي عشان تبعت رسالة تخليني أروح رحلة بلا رجعـة.

فغرت الخادمــة "زينـة" شفتيهــا في رعب، ولكن تمالكت نفسهــا بصعوبـة حتى لا يتم كشفهــا، ظنت أنها ستنجو بأفعالهـــا دون أن يكشف أمرهـا أحد، ولكن أتت الرياح بمـا لا تشتهي السفن، أخفض "سيف" نظراتــه قبل أن ينظر إلى زوجتــه هاتفًا بتهكم:
-شايفة يا كارمـا خايفة إزاي بعد ما كشفتهــا؟؟.. أومال لما أحاسبهـا هتعمل إيـه؟؟..

شهقت "زينـة" تلقائيًا بذعر، فـ ألتفت إليهــا "سيف" يحدجهـــا بـ نظرات عدائية تكاد أن تفتك بهـا، نظر إليهــا الجميــع بصدمــة، في حين هتف "سيف" بشراسة:
-حلو، كشفتي نفسك بـ نفسك.

ثانيـة واحدة وكان ينقض عليهــا جاذبًا إياهــا من خصلات شعرهـــا، تعالت صرخات الخادمات برعب من غضبـــه الجامــح، وخاصةً بعدما بدأ بصفعهـــا بقسوة شديدة وهو لايُزال يقبض على خصلات شعرهـــا، هدر بوحشيـة:
-بتعضي الأيد إللي أتدمتلك يا بنت الـ***، أتجرأتي على أسيادك وحاولتي تأذيهم، ورحمـة أبويا لأوريكي أيام سودة، هخليكي تتمني أيام سودة.

سقطت "زينـة" بعد أن تلقت لكمات وصفعات شديدة، شعرت "كارمــا" بالقلق عليهــا، فـ ركضت نحوه تمنعــه من الإقتراب، كان يُلقي عليهـا سباب لاذع، وجد جسد يعترض طريقــه فـ كاد أن يلكم زوجتــه دون شعور لولا يدهــا التي قبضت على قبضتـــه المتكورة حادقة في عينيهــا مباشرةً، هدرت بصوتٍ عال:
-فـــوق يا سيف، كفـااااية البنت هتموت.

هدر بنبرة مخيفـة:
-هتموت يا كارمــا بس ببطء، بس مش قبل ما تقول مين إللي وراهــااااا.

بكت "زينــة" بألم وهي تنظر لـ فهد آل نصــار بـ نظرات هلعــة، بينمــا الخادمات يتابعن ما يحدث بخوف كبير ولكن لم تقدر إحداهن على التدخل بعد إكتشافهن حقيقتهـــا الصادمـة، ســار "سيف" بخُطى متعجلة نحو باب القصر، فتحــــه قبل أن يهدر بصوتٍ جهوري:
-محمــــود، تعالــــى حــالاً.

ركض الحارس "محمود" نحوه فـ وجده يُشير نحو خادمــة ما هادرًا بصرامــة:
-تاخد البنت دي وترميهــا في المخزن، مفيش أكل ولا شرب يدخولوا ليهـــا لغاية ما تعترف على كل حاجــة وعينكم تبقى عليهـــا كويس وإلا هحاسبكم حساب عسير.

أومئ برأســـه قبل أن يدخل مُنفذًا تلك الأوامر، تابعت "كارما" ما يحدث بـ عينين باردتين وهي ترى الحارس يجذبهــا من رسغهــا بعنف نحو الخارج، وصرخاتهـــا لم تتوقف بعد حتى أُغلق باب القصر، عاد "سيف" إليهــا وهو يحدق في الخادمات قبل أن يقول بتهديد عدائي:
-ودي نهايــة أي حد هيفكر يأذيني أو يقرب من إللي يُخصنـي، إتفضلوا على شُغلكم.

أنصرفن سريعًا من أمامــه، فـ زفر بـ حرقـة وهو ينظر إلى زوجتـــه بـ عينين مليئة بالغضب على ما يحدث، دنت منـــه مُبتسمة لــه برفق وهي تمسد وجنتـه بظاهر يدهــا ثم قالت بهدوء:
-كلـه هيبقى تمام، وهنعرف كل حاجــة.

بادلهـــا إبتسامة صغيرة قبل أن يضمهــا إلى صدره، وذقنـــه تستريح على خُصلات شعرهـــا الناعمــة، مُستنشقًا رائحتـــه التي تهدئ من أعصابــه الثائرة، كانت ضمتهـــا مليئة بالحنـــان فـ أعترتـــه راحـة غريبة، وتلقائيًا منــه أرتسمت بسمـة صغيرة على شفتيـه.

******
حاول "يوسف" أن يمنــع وصول نسمات الياسمين إلى أنفــه، يُكاد أن ينهــار لمُجرد إستنشاقــه رائحتهـــــا، مسح على وجهه بقوة وهي تقف أمامــــه تضع الأوراق بهدوء على مكتبـــه، نظرت لــه بتردد من معاملتـــه الباردة، فهي تشعر بأنـــه قد أقــام حاجز بينهمـــا، لا يتحدثا إلا قليلاً جدًا، حتى أنه لا ينظر إليهــــا، حمحمت "سارة" قبل أن تسألـه:
-مستر يوسف، هو حضرتك مضايق مني في حاجــة؟؟..

أدعى بإنشغالـــه في ألقاء نظراتــه على الأوراق وهو يُجيب:
-لأ طبعًا هكون مضايق ليـه؟؟.

قالت "سارة" بـ أسى:
-حضرتك متغير معايا أوي، بتكلمني قليل وكمان حتى مش بتبصلي؟؟..

رد عليهــا "يوسف" بجديـة:
-مفيش حاجة من دي يا سارة، شيلي الأوهام دي من دماغك.

صمتت قليلاً قبل أن تقول بصوتٍ ميت:
-مستر يوسف أنا هقدم أستقالتي.

حينهـــا رفع وجهه نحوهـــا يرمقهـــا بغيظ صائحًا:
-نـعـــم!!!!..

أشــارت "سارة" بـ يديهـا قائلة بحنق:
-طب أعمل إيــه؟؟.. ما إنت أسلوبك غريب.

حاول أن يهدئ نبضات قلبـه المُتسارعة وهو يتمتم بإضطراب:
-مفيش حاجة من دي خالص، أنا مضغوط بس شوية في الشُغل مش أكتر.

ظلت تنظر إليـــه دون أن تتحدث، فـ تابــع مُتنهدًا:
-روحي يا سارة كملي إللي طلبتــه منك.

رمقتـــه بـ نظرات غامضـة قبل أن تُسير نحو الباب وتلج للخارج، أطرق "يوسف" رأســه ووضعهــا بين كفيــه قائلاً بألم:
-مفيش فايدة.

******
أمسك "رحيم" هاتفــه يحدق في اسم المتصل بقلق، حاول التخمين في سبب أتصالـــه ولكن عجز عن فعل ذلك، فـ وضع الهاتف على أذنـــه مُجيبًا بهدوء:
-أيوة يا سيف باشا.

سمع صوتــه العميق يقول بلهجـة آمرة:
-بعد بكرا هنتقابل في نفس المكان بتاع المرة إللي فاتت، عشان نتكلم في نقط مهمـة تخص ثروت.

سألــه "رحيم" بتلهف:
-وصلت لحاجة ولا إيــه؟؟..

قال "سيف" بتهكم:
-حتى لو وصلت لحاجة، مش هبلغك إلا لما أعرف الحقيقة منك.

تسائل "رحيم" بريبة:
-حقيقة إيــه؟؟..

رد عليــه "سيف" ببساطة:
-حقيقتك إنت وثروت.

صدمتــه الجملـة، وشلت تفكيره للحظـات، صمت "رحيم" تمامًا، أكمل "سيف" كلماتــه بجديـة قائلاً:
-هعرف كل حاجة منك بعد بكرا يا رحيم، نتقابل هناك، سـلام.

وبالفعل أنهى المكالمـة معـه ببساطة كـ كلماتـــه، جلس "رحيم" على الأريكــة ومازال الذهول على وجهه وهو يقول بتساؤل:
-قصده إيـه؟؟.. ينهــار أسود لو طلع إللي في بالي صح.

هتف بضجر:
-يارب مش هقدر أستحمل يومين بحالهم، أكون قاعد بفكر.. إذا كان عرف ولا لأ!!..

******
في مســاء اليوم التالي، خرجت "سارة" من باب الشركة وهي تزفر بإرهــاق، من بعيد كانت عيون "سـامر" تُراقبهـــا وهو يبتسم بإنتصـار قبل أن يتصل بالرقم وهمس:
-خرجت من الشركة والأمن بدأ يخف شوية.

أنتقامـــه الأعمى على وشك التحقيق، أتسعت إبتسامتــــه الشيطانيــة وهو يرى سيارة ضخمــة تقف أمامهــا، تراجعت هي تلقائيًا للخلف، ولكن وجد ثلاثـة رجال يخرجون من السيارة يجذبونهــا بقسوة نحو داخل السيارة، لتنطلق بهم بعيدًا، في لمـح البصر.

******


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-11-20, 02:53 PM   #20

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

"الفصل السادس عشر"

الخوف من الفقد أو الفراق.. أقسى شعور قد نمر بــهِ على الإطلاق
وخاصةً المُحبين.. فـ هم يشعرون بإنسحاب أرواحهم ببُطء شديد
وألم كبير يجتــاح قلوبهم فـ يسقطون في بئر الظلام

بهت "يوسف" وهو يقف أمام أفراد الأمن يحدق فيهم بـ نظرات مذهولــة، شل تفكيره للحظــات طويلــة غير مُصدقًا ما قيل، وضع يده على رأســـه محاولاً الإستيعاب أو التفكير ولكن عجز عن فعل ذلك، تصاعد الغضب بداخلــه شيئًا فـ شيئًا حتى وصل أن يكون كالوحش الكاســر، جذب أحد أفراد الأمن ولكمــه بشدة وهو يصرخ بعصبيـة:
-كنت بتعمل إيـه ساعة ما حصلهـــا ده؟؟.. كنتم بتعملوا إيــــه يا بـــــاهيـــم.

دفعـــــه بقسوة ولكن الأخير لم يرفع رأســــه نحوه قلقًا من نظراتـــه، أشـــار بإصبعيـــه هادرًا بغضب وهو يمرر أنظاره بينهم:
-إطلعوا بــرااااااا.

تحرك الجميــع نحو الخـــارج، في حين ظل "يوسف" واقفًا وهو يهمس بقلق شديد:
-طب مين؟؟.. مين يعملهــــا؟؟.. أكيد في حاجــــة غلط، مين يقدر يعملهـــــا؟؟..

مسح وجهه بـ كفيه وهو يصارع للخروج من هوة حيرتـه، هوة تبتلعه بسرعة، ولا تهتم لمقاومتـــه العنيفة، دوار.. دوار عنيف أصابــه وهو يحاول الوصول لقرار، لوسيلة يحافظ عليهــا، أغمض عينيـــهِ بعُنف يُكاد أن يعتصرهمـــا حتى فتحهمـــا فجـأة بعدمـا رأى في مخيلتـــه صورة البغيض "سامر"، كور قبضــة يده وهو يهمس بشراســة:
-لو طلع ليك يد فالحكاية دي يبقى آخر يوم في عمرك.

سحب سترتــه من على ظهر المقعد الجلدي قبل أن يتحرك نحو الباب ويلج للخارج بخُطى سريعــــة محاولاً إلحاقهـــا قبل فوات الأوان.

******
قربهــــا إلى صدره أكثر وهمـــا يجلســان على الأريكة يشاهدان أحد مسلسلات المصريــة، كانت "كارمـا" قد أندمجت في أحداثــــــه المُثيرة، وتابــع "سيف" تعبيرات وجههــا الجميلـة بـ عينين غامضتين، يودَّ أن يعلم أشياء كثيرة عنهــــا ولكنــه يعلم أيضًا أنهـا تخشى أن تتحدث، ولكن يجب أن يعرف على الأقل سيستطيع حمايتها، فـ "كارمــا" كالبئر العميق.. لا نهايـة لــه.

وثبت "كارمـــا" واقفــة وهي تقول لــه مُبتسمـة:
-أنا هاروح أجيب عصير ليا وليك.

وقبل أن تتحرك أوقفهــــا نبرة صوتـه الجادة وهو يُناديهــا:
-كارمـا.

ألتفتت برأسهــا إليــه والإبتسامة مازالت تعلى على وجههــــا، رمقهــــا بـ نظرات طويلة قبل أن يسألهــــا بهدوء:
-مش ناويــة تقوليلي إيــه إللي حصل زمــان خلى علاقتك بـ والدك توصل بالشكل ده؟؟..

تلاشت إبتسامتهــــا تدريجيًا وهي ترمقـــه بـ نظرات خاويـــة لا حيــاة فيهــا، عقد "سيف" حاجبيـه بريبـــة وهو ينهض من مكانــه ثم نادهــــا برفق:
-كارمـــا.

تراجعت للخلف تلقائيًا وهي تقول بهدوء:
-طيب أنا هاروح أجيب حاجـة من الأوضـة وبعدهــا هاجي على طول عشان نكمل المُسلسل.

أولت له ظهرهــا قبل أن تُسير بخُطى ثابتـــــــة نحو الطرقـــة، وضع "سيف" يديـــه في جيبي بنطالــــه وهو يُتابعهــــا حتى أغلقت باب الغُرفــة، أخرج يده يمسح بهــا وجهه بقوة ثم مرر أصابعـــه على شعره الكثيف وهو يهمس بشراســـة:
-أنا لازم أعرف كل حاجـة مش هينفع كده، كارمـــا نفسيتهــا بتتعب لمُجرد بس أنها بتفتكر!!..

سحب نفسًا عميقًا قبل أن يتحرك صوب الغُرفـــة كي يطمئن عليهـــا، أنقبض قلبـــه عندمــا وجدهــا غير موجودة، تلقائيًا تحرك سريعًا نحو المرحاض وألصق أذنــه على الباب محاولاً سمــــاع أي حركـة بالداخل، أضطرب قليلاً قبل أن يطرق على الباب بخفــة وهو يقول:
-كارمــا، كارمــا.

لا رد، فـ أمسك بالمقبض وأداره ولكن وجده مغلق من الداخل، تأكد من وجودهـــا فـ طرق على الباب بقوة وهو يقول بخشونـة:
-أفتحي يا كارمـا، أفتحي بدل ما أكسر الباب.

كانت تضع يدهــــا على فمهـــا كي تمنع وصول صوت شهقاتهـــا إليــهِ، والدموع تغمر وجههــــــا بشدة بعدمــا رأت الذكريات المؤلمـة والتي أوصلتهـــا إلى تلك الحــالــة، تعرضت للكثير من الظلم بمفردهـــا، لم يفارقهـــا الألم والحُزن مُنذ الصغر، أغمضت عينيهـــا تكاد تعتصرهمـــا وهي تحاول منع صوت بُكائهــا أن يصل إليــه خاصةً حينمــا سمعتــــه يزمجر بغضب:
-أفتحي يا كارمـــا، مش هصبر أكتر من كده.

طرق على الباب بعُنف مُتابعًا بجموح:
-دقيقة واحدة لو ملقتش الباب أتفتح هكسره.

نهضت من مكانهـــا بصعوبـــة وهي تهمس بخفوت:
-مفيش فايدة، مش هعرف أهرب منك.

أنتظر على أحر من الجمر خروجهــــا وقلبـــه ينبض بخوف خشيًا أن يكون أصابهـــا شئ، أعترتـــه الراحـة عندمـــا رأهــــا تخرج بخُطى بطيئة وقد طأطأت رأسهـــا كي لا يرى وجههـــا الباكي، أقترب منهــا وقبض على كتفيهــــا هاتفًا:
-إنتي كويسـة؟؟.. ردي عليا وأرفعي راسك.

رفعت رأسهــــا إليــه فـ أصطدمت بـ عينيــه التي أتسعت بعدمــا رأى آثار دموعهـــا، ألتقت نظراتهمـا.. حديث طويل تبادلاه بدون كلمـة واحدة، ألتقط دموع بـ شفتيــه وهو يمرغهمـا في وجنتيهــا هامسًا بحرقـة:
-دموع ليـه يا قلبي؟؟.. مالك؟؟..

لم ترد عليه بل دفنت وجههـا بتجويف عنقــه ودموعهــا تتزايد، همس بلوعـة:
-كـارمـا، دموع وسكوت كمان؟؟.. ليــه بس، في إيـــه؟!..

رفع ذراعيـــه يحتضنهـــا بقوة حتى شعرت أنه سيطبعهــا على صدره العريض الضخم، حاوطت عنقــه بضعف وهي تشهق باكيـــة بقوة، همس لهــا في أذنهـــا:
-هشششش، كارمـا حبيبتي أهدي، أهدي وكله هيبقى تمام.

زاد من ضغط ذراعيـــه حولهــا وهو يضمهـا بقوة، أخذت شهقاتهــا تتعالى وهي تهدر بألم:
-أنا موجوعـة أوي يا سيف، قلبي بيموت مش قـــادرة.

قست عينــاه وهو يتواعد بداخلــه بالأنتقام لكل من أذاهـــا، أخذت تشهق باكيـة وهي تتشبث بـ قميصـه دافنـة وجههـا في صدره، تعالت شهاقتها المكتومة وصدر صوتها الممزوج بالنحيب، تُكـاد أن تنزلق جالسة لولا ذراعيـه اللتين تشعران بـ أقل حركةٍ لهـا فـ تعاودان رفعهـا، أغمض "سيف" عينيـهِ بـ قوة، شعر بـ كُل ذرةٍ ألم التي تقبـع بداخلهـا، همس لهـا بـ برقة:
-عشان خاطري أهدي، كله هيبقى كويس.

أبتعدت عنـــه قبل أن تهمس لـه بصوت يقطع نياط القلوب:
-في جملة زمان قرأتهـا بتوصف الحزن، "أنا مليانة زعل من جوا، وكأن كل الأرض فوق قلبي"، الجملة دي أتقالت عشاني تقريبًا.

ألمتــــه تلك الجملــة العميقــة، فـ قبض على يدهـــا برفق يسحبهـــا نحو الفراش، جلس على طرفــه قبل أن يسحبهــا برفق تجلس على ساقيــه، عدل وضع جسدهــا بحيث تستقلي بين أحضانــه وأسند رأسهـــا على ذراعـــه، وأبعد بأنماله خصلاتهـا المشعتة والتي غطت عينيهــا الدامعتين، أمتدت أنماله لتمسح دمعاتهـا برقة قبل أن يقترب بوجهه منهــا واضعًا جبهتــه فوق جبهتهــا هامسًا:
-تعرفي أنا ليه مرضتش أدخل حياتك من الأول؟؟..

بدأت تستمع إليــه بإهتمام.. فـ أكمل:
-كنت كل ما أشوفك أحس أنك مش محتاجني، رغم إني أنا محتاجك أكتر، بس كنت بحس أن دي أنانيـة، ولما دخلتي في موضوع الأرض، كنت عارف إنك هتيجي، لأني عارف إنك بتكرهي الظلم من زمان، عشان عشتيـه.

سألتـــــه بترقب:
-هو إنت تعرف حاجة عن الماضي بتاعي؟؟..

رد عليهــا بـ بسمة صغيرة:
-تؤ معرفش للأسف، لو كنت أعرف ما كنتش فكرت أسألك من شوية.

صمت قليلاً قبل أن يتابــع بصوتٍ عذب:
-كنت دايمًا شايفك ماشية بثقـة وراسك رافعـة لفوق وكأنك بتقولي محدش يقدر يقرب منك، بس لما دخلتي في موضوع الأرض خوفت، لأني عارف أن الموضوع ده وراه حاجات كبيرة، فالوقت ده قولت لنفسي حتى لو إنتي قويـة وبـ مية راجل فـ أنا عاوز أدخل حياتك وأبقى سندك، أبقى الحماية ليكي.

سكنت بين ذراعيــه وقد أستسلمت لقبضتــه على خصرهــا، أخذت ترمش بـ عينيهــا الدامعتين وقد تعلقت الدموع بأهدابهـا ، وهي تستمع إلى كلماتـــه التي يخبرهـــا بهـا للمرة الأولى، حرك جبهتــه قليلاً ليتمكن من رؤية عينيهـــا، سمعهـــا تقول بصوتٍ خفيض:
-أوعى تندمني على حنيتي معاك.

رد عليهــا بشغف:
-ماحدش هيندم غيري لو خسرت حنيتك.

أزدادت قبضتـــه حول خصرهــا وهو يهمس بصوتٍ خطير:
-إنتي بتاعتي يا كارمــا، عارفة يعني إيـــه؟؟..

ترجم لها كلماتـــه بـ قبلتة ضارية على شفتيهــا تركتهــا تلهث بقوة، بينمــا أكمل هو بشراسـة:
-بتاعتي أنا وبـس، وأثبت ملكيتي لما أتجوزتك لغايـة ما عشقتيني.

أضــاف جملــة تحمل تهديد عدواني:
-ومش هسمح أن أي حد يأذيكي، وإلا هيبقى آخر يوم في عمره.

دفنت وجههــا في عنقــته تستنشق رائحة عطره الرجولـيـة قبل أن تهمس:
-سبني أنام شوية في حُضنك يا سيف.

رد عليهـــا بخفوت:
-حُضني هو بيتك التاني، ياريت لو تعيشي فيـه دايمًا، على الأقل هكون مطمن عليكي.

******
بعد مرور ساعـــة، كان "سيف" يصف سيارتـــه السوداء أمام مدخل المخزن، ما أن أتى إليـه أتصال من أحد رجالـــه يخبره بضرورة تواجده بعدمـــا وجد رب عملــه على وشك قتل "سامر"، بحث بـ عينيــــه عنهمـــا حتى وجد "يوسف" يقترب منه بوجهٍ غاضب، أوقفــــه سريعًا مُتسائلاً بترقب:
-في إيــه يوسف؟؟.. قالولي أنك خدت سامر وهو راجع من شغله وجبتـه على هنـــا وكنت خلاص هتموتــه، إيــه إللي حصل؟؟..

رد عليـــه بعصبيــة:
-إبن الـ****، قال لأبو سارة أنه طلقهـــا عشان أكتشف أنها بتخونــــه معايـــــا، وطبعًا أبوهـــا مسكتش وبلغ أعمامهــا الصعايدة وقالهم، فـ خطفوهـــا من قدام الشركـة عشان ياإما يربوهــا ياإمـا هيموتوهــا.

بدت على تعبيرات "سيف" الشراســـة وهو يسأله بحدة:
-يعني هو خلاص أعترف وعرفت العنوان فين؟؟..

رد عليهــا بتأكيد:
-أكيد، أعترف بعد 4 ساعات ضرب وبهدلـة وتعذيب، بس مش هسيبــه بردو، هطمن على سارة وبعدهــا هتصرف معاه براحتـي، يالا نتحرك دلوقتـي.

سد "سيف" عليه الطريق وهو يقول بهدوء:
-مش هينفع دلوقتـي، الساعة 1 بليل، فـ مستحيل نروح، وبعدين إحنا هانروح الصعيد، يعني بلاوي سودا هتقابلنا وخصوصًا إنك من جوزهـا ولا تقربلهــا حاجـة، مش بعيد لو شافوك يقتلوك.

صاح "يوسف" بوحشيـة:
-دول هيقتلوهـــــا، مش هستنى اللحظة دي، لازم ألحقهــــا.

تمتم الأخير برزانــة:
-إنت هتلحقهــا بس مش هينفع دلوقتــي، وبعدين إنت مش هتروح لوحدك، لأ أنا وإنت وهنكلم رجالتنـــا يجوا معانـــا عشان الأمان.

همس "يوسف"بحرقــة:
-مش قادر يا سيف، أنا حاسس بيهـــا، حاسس بيهــا وهي بتتعذب على إيديهم.

قال "سيف" بهدوء محاولاً بث الطمأنينــة له:
-صدقنـي هتبقى كويسـة وهنرجعهــا.

تنهد بحرارة قبل أن يقول بداخلـه:
-ربنـا يستر.

******
وقف رجل ضخم الجسد أمام ثلاثـــة من رجالـتـــه، مرر نظراتــه القاسية بينهم وإبتسامة مليئة بالسُخريـة تعلو ثغره، عقد ساعديــه أمام صدره ثم سألهم بصوتٍ جليدي بلكنــة إنجليزية:
-هل من جديد؟؟..

رد عليـه أحدهم بثبات:
-لقد فشل ثروت.

حرك الأخير رأسه بالإيجاب وهو يهمس بشرود:
_لقد فشل بعد دخوله في صراع مع فهد آل نصار، والذي أوشك على الوصول إليه.

تابع مضيفًا بعينين ظالمتين:
-يجب أنا أتخلص منه ومن زوجته، فهما قوة هائلة على هذه الأرض، وتلك القوة ستدمرنا.

سأله أحد رجاله بجدية:
-بماذا تأمرنا يا سيدي؟؟..

نظر لهم طويلاً قبل أن يُجيب بهدوء مريب:
-يجب أنا يموتوا قبل الوصول إلى ثروت.

******

الشئ الذي يُقرب بين النّـاس
هو العـذاب المُشترك

وقيـل أن أكبر العذاب هو أنتظار من لن يأتي، تلك الحكمــة كانت تجول في بالهـــا مُنذ أن أكتشفت وجودهـــا في بيت أعمامهـــا ووالدهـــا الذي لم ولن تعترف بـ وجوده بعدمــا جعلهـا تُعيش في حالة يُصعب الوصف، تُعيش بجسدهـــا فقط ولكن عدم وجود روحهــا التي قُتلت من كثره الألم والعذاب، دموعهــــا الحارقـة التي أغرقتهــا أيام وليالٍ جفت، ودّت أن تبكي كثيرًا ولكن لم تجد دمعـة واحدة تذرفهـــا.

أغمضت "سارة" عينيهـــا بقهرٍ وهي تتذكر لحظة فتح جفنيهــا، وقبل أن تدرك أي شئ وجدت صفعــة قويـة تهبط على وجنتهـــا وقبل أن تستوعب شعرت بمن يجذب شعرهـا بقسوة، حاولت الإستيعاب ما يدور حولهــا وهي تصرخ من شدة الألم، أتسعت عيناهــــا تدريجيًا وهي ترى والدهـــا يقف مع رجلان وينظرون إليهــا نظرات ترتجف لهـا الأبدان، صرخت مرة أُخرى حينمـا جذبتهــا تلك المرأة من شعرهــا بقسوة أشد هادرة بجموح:
-فــاجرة، البت عيارهـــا فلت.

رددت "سارة" بهمسٍ مذهول:
-إنتوا مين؟؟..

صفعــة عنيفـة من عمتهــــا "زاهيـة" وهي تصرخ بغضب:
-أقفلي خشمك، معوزاش أسمع حسك يا فـاچرة.

سالت دموعهـــا بقهر، في حين دنا منهــا والدهـا قليلاً وهو يهدر بغضب:
-دول أعمامك يا سـ*** يا و****، ودي عمتك، هيربوكي من أول وجديد بعد عملتك السودة، بعد ما خونتي جوزك يا حـ*** يا مـ****، وأنا أعدلك ومش ورايا حاجـة، هربيكي يا إما هغسل عارك بيدي.

شهقت "سارة" بصدمــة عارمــة بعد كلمات والدهــــا، خائنة!.. كيف يخبر الجميــع بتلك الكذبـة التي تمس شرفهــا، فـ وجدت نفسهــــا تصرخ بألم:
-كــــدب، ســـامر طلقنــــي وخلاص الموضوع إنتهى، والله العظيم ما خونتــــه، أنا مظلومــة، آآآآه.

لطمـة قويـة نزلت فوق عينهــا اليُمنى لتختفي الرؤيـة أمامهـــا لحظات وهي تسمع صوت أحد أعمامهـــا ينهرهـــا:
-إنتي تسكتي ساكت، مسمعش حسك ده واصـل، دي آخرة الجاعدة في مصر.

سمعت صوت عمهــا الآخر يقول في غضب:
-دي غلطتنـا لما سبناهــا تجعد وتتربى في مصر.

ردت عليــه زوجتــــه بحدة:
-مش غلطتنـا ولا حاجـة، مُنتظر إيـه من واحدة أمهــا فاچرة، أكيد بتهــا طالعهــا زيهــا و...

صرخت "سارة" بعصبية:
-محدش يجيب سيرة ماما، روحوا حاسبوا بابا الأول إللي مفكرش بيشوفنـي ويربيني.....

جذبهـــا عمهــا الكبير من خُصلات شعرهــــا لتتوالى الصفعات العنيفة على وجههــــا وهو يصرخ بهــــا:
-يا جليلة الربايــة والشرف، تروحي تخوني چوزك إللي صانك وسترك، إنتي في موتك رحمــة يا ****.

ظلت الصفعات تهبط على وجنتيهــــا بـ عُنف وهي تستقبل ذلك لأول مرة بصدرٍ رحب، لقد أدمنت الألم، فـ ماذا بعد؟!..

******
-يعنــــي إيــــه الكلام ده؟!.. ســارة إزاي ده يحصلهــــا؟؟..

صرخت "كارمـــا" بتلك العبارة وهي تمرر نظراتهـــا بين "سيف" و"يوسف" بغضب، أطرق الأخير رأســـه واجمًا عاجزًا عن الرد، أقترب زوجهــا منهــا وهو يقول بحدة:
-براحة يا كارمـا، مش كده.

أشارت بيدهــــا وهي تقول بصوتٍ عال:
-إنت مش عارف يا سيف هما هيعملوا فيهــا، مش هيسبوهـــا بالساهل، ولو روحت إنت و200 راجل معاك مش هتعرفوا تخرجوهـــا من البلد، الموضوع فعلاً بقا مُصيبة، مُصيبـــة ولازم نحلهـــا بسُرعة قبل فوات الأوان.

هب "يوسف" واقفًا وهو يصرخ بغضب:
-يعني عيزاني أعمل إيــه؟؟.. ما تهدي بقا، أنا مش ناقص.

أشارت بإصبعيهـــا وهي تهدر بقوة:
-صوتك يوطى عن كده، لإني مش هسمح بـ ده، وبعدين أنا بقول كده لأن أبويا وأهله صعايدة، يعني عارفـة إللي هيحصلهـــا.

تمتم "سيف" بهدوء:
-أهدى يا يوسف، أنا مقدر إللي إنت فيه بس مش لدرجـة إنك تعلي صوتك عليهـا وفـ حضوري، عيب أوي.

حدجهـــا بـ نظرات صارمــة مُضيفًا:
-وإنتي أهدي على الراجل، مش مستحمل هو.

زفرت بحنق قبل أن تقول بجديـة:
-إحنا لازم نثبتلهم إن سامر قال كده كـ إنتقام من سارة، ونحاول لو كده أن بعد عدتهــا ما تخلص لو يجوزوهـــا لـ يوسف هو مش هيقول لأ.

هتف "يوسف" بتلهف:
-طبعًا عندي أستعداد، بس هنثبت إزاي أن سامر كان بيكدب؟؟..

صمتت قليلاً قبل أن ترفع ذقنهـــا مُتمتمة:
-أنا إللي هتصرف، إلا الظلم، وإللي عملـه أنا هدفعه تمن كبير، بس قبلهـــا هاخد منه إللي أنا عاوزاه.

نظرت لـ "سيف" مُبتسمة له بغموض قائلة:
-بعد إذنك يا سيف، وديني المخزن دلوقتـي، لازم أجيب الإثبات قبل ما يطلع النهار ونلحق سـارة.

******
شهق "سامر" بعنف بعد أن ألقى عليـه أحد الرجال دلو من المــاء بـ أمر من "كـارما"، إبتسمت لـــه إبتسامة تُثير الإستفزاز وهي تقترب منـــه بخُطى ثابتـة، حاول إستيعاب ما يحدث، ضيق عينيـــه محاولاً معرفــة هويتهــا ولكن عجز عن فعل ذلك فـ سألهـــا بصعوبـة:
-إنتي مين؟؟..

ردت عليـه بثقـة:
-كارمـا النصار مرات سيف النصــار.

همس بخفوت:
سيف النصـار!!..

هتفت بجديـة:
-مش هتعرفــه، أصل ده يبقى صاحب عدوك اللدود، يوسف النقيب.

إبتسم بسخريـة هاتفًا:
-قولي كده بقا، وإنتي عايزة إيـه بظبط؟؟.. وجاية ليــه؟؟..

ردت عليـه ببساطة:
-جاية أفهم منك السبب، أفهم ليـه تأذي سارة وهي عمرهــا ما أذتك؟؟..

رد عليهــــا بغضب:
-أنا دفعت كتير، دفعت كل إللي حيلتي لأبوهــا الـ****، الراجل طماع، مسبنيش إلا لما دفعت إللي ورايا وإللي قدامي، وقالي دي قطة مغمضة، فجــأة الاقي القطـة تخربشني، ولا الواد إللي معاهـــا عامل نفســه الحارس الشخصي بتاعهــــا، الاقي ظهر قدامي ويقولي سيبهـا في حالهــا طالمًا بتأذيهــا!!.. كانت لازم تعيش تعيسة.

سألتــــه بصوتٍ غريب:
-حبيت تنتقم لدرجـة إنك روحت قولت لأبوهـا أنهــا خانتك، تأذيهــا لدرجـة أن ممكن أهلهـا يقتلوهــا عشان ذنب عمرهـا ما أرتكبتــه، إنت إزاي كده؟؟..

هتف بقسوة:
-مش هتفهمي معنى إللي هقولــه، بس أنا صرفت كتير عشان عاوز أخلف، ولما لقيت البنت إللي عامله زي القطة المغمضة وفجـأة بقت بتخربش كان لازم أموتهــا.

حركت رأسهــا بالإيجاب قبل أن تقول بـ عينين باردتين:
-طيب أستعد، أستعد للجحيم إللي هتشوفـه على إيد يوسف النقيب، إحفظ الأسم ده كويس، لأنك جيت على إللي يُخصـه.

أقتربت منــه بخطى هادئة، وقبضت على خصلات شعره القصيرة بقوة ترفع رأســه إليــهـا، حدقت في عينيـه مباشرةً قبل أن تهمس بصوتٍ فحيح كالأفاعي:
-وأحفظ أسمي، كـارمـــا النصــار، لأن الأسم ده بيكره أي حد ظالم، وأنا لما بقابل الظالم باخد حقي وحق المظلوم على طول، مش بستنى.

أرخت قبضة يدهــا وهي تتراجع للخلف قليلاً، أخرجت سلاحهـــــا وصوبتــــه نحو ساقـــه، لحظة واحدة وكانت إنطلقت رصاصة تعرف مكانهــا، وصرخـــة ألم أرتفعت بالمكان قبل أن يهدر:
-آآآآآه، حرام عليكي، حــــرام.

صاحت "كارمـا" بصوتٍ جهوري:
-طيب ومكنش حرام عليك لما عملت فيهــا، لما أتهمت في شرفهـــا وتوقع ما بينهــا هي وأهلهــا، مكنش حرام عليك ولسانك الزفر عمال يقول حاجات محصلتــش.

هتفت بقسوة شديدة:
-الوجع إللي إنت حاسس بيـه ولا ربع من إللي حاسـة بيـه سارة، فـ إتوجع شويـة معاهــا.

تحركت أنظارهـــا نحو رجال "سيف" قبل أن تقول بصيغـة آمرة:
-تعالجوه بعد فترة، خليـه يدوق الوجع شويــة، فاهميــــن؟!..

هتف أحدهم بصوتٍ جـاد:
-أمرك يا كارمــا هانم.

رمقتهم بنظرات أخيرة قبل أن تعاود النظر إلى "سامر" الذي يئن من شدة الألم، إبتسمت بقسوة قبل أن تستدير متوجه نحو باب المدخل، وقد عاود شعور الألم بداخلهـــا، بعد أن تذكرت مرارة المظلوم، فهي الآن من ستجلب للمظلوم حقــه، هذا عهد عليهـــا.

******
جلست "رزان" أمام "ثروت" مُتنهدة في حيرة، وعقلهــــا يعمل في محاولـة وصول إلى تخمين ما، عقد ما بين حاجبيــهِ وهو يراهــا في حالـة شرود فـ ضمهـــا إلى صدره مُتسائلاً بخشونـة:
-في إيـه؟؟.. سرحانة فـ إيـه؟؟..

ردت عليـه بجديـة:
-البت زينــة، تاني يوم إللي حصل فيــه موضوع سيف، لقيتهـا بعتالي رسالة أنها هتقفل كام يوم عشان ظروف، فـ ظروف إيـه إللي تخليهــا تقفل؟؟..

أبتعد عنهــا وهو يسألهــا بتوجس:
-قصدك إيـه؟؟.. في حد كشفهــا؟؟.. إبن النصار آآ..

قاطعتــــه سريعًا قائلة بهدوء:
-معرفش، بس هي أختفت فجأة.

صمت قليلاً قبل أن يقول بشرود:
-معقول يكون عرف عني حاجة؟؟..

تمتمت بعدم لامبالاة:
-معتقدش وإلا كان زمانــه بقى قدامي أنا الأول قبل منك.

نظر إليهــــا طويلاً قبل أن يهمس بقلق:
-يا خوفـي لو ده يكون الهدوء قبل العاصفــة.

******
وصلت خمسـة عشر سيــارة فارهـة إلى القريــة أخيرًا بعد عدة ساعات من القيادة، هبط كل من "يوسف" و"سيف" و"كارمــا" من السيارة وهم ينظرون إلى البيت الكبير بـ نظرات تحمل الكثير من الظلام والقوة، أنتظر رجالهم إشارة منهم على التحرك وقفوا جميعهم بصلابــة.

تحرك "يوسف" و"سيف" و"كارمــا" بخُطى هادئة ثابتــة نحو البيت الكبير، أسقبلـوهم عمهـــا الأكبر ووالد "سارة" بعداوة وبغض واضح، هتف "يوسف" أولاً بهدوء:
-إحنا جايين عشان نتفاهم وتعرفوا الحقيقة.

تهكم عمهــا وهو يهتف بصوتٍ غليظ:
-تتفاهم على إيــه؟؟.. ده إنت چيت لجضاك، وحجنـا وحج شرفنـا هناخده منيـك تالت ومتلت...

قاطعـــــه "سيف" بصوتٍ صارم:
-آسف للمقاطعـة بس مفيش داعي لتهديداتك، وبعدين إنت لازم تعرف الحقيقة الأول، تعرف إنك ظلمت الأستاذة سـارة، وإللي ظلمهـــا واحد معندوش ريحـة الدم.

قال كلماتـــه الأخيرة وهو ينظر ناحيـــة والد "سارة" الذي أنكمش قليلاً في مكانـــه، ولكن أرتدى قنــاع القوة، فهو في حماية أخوتـه، قال عمهــا بصوتٍ أجش:
-مين إنت عشان تتحدث؟؟.. وبعدين حج إيـه إللي بتتحدث ويــاه؟؟..

أشــار "سيف" بـ عينيــه لـ زوجتـــه التي أخرجت من جيب بنطالهــــا هاتفهـــا، عبثت فيـه قليلاً قبل أن تقترب منــه ثم مدت يدهــا نحوه بالهاتف قائلة بثقـة:
-أتفضل شوف الڤيديو ده، فيه أعتراف سامر طليقهــا، أسمع وأعرف الحقيقة.

أخذه منهـــا وهو يحدق فيهــا بريبة قبل أن يضغط على زر ما، رأى سامر وهو مُقيد بالسلاسل الحديدية ويصرخ بغضب عن خطتــه وعن ما فعلـه والدهــا، جحظت عينــاه بذهول وهو يلتفت بغتةً نحو أخيــه هامسًا بصدمـة:
-وه!!..

أعتراه التوتر بعد كشف حقيقتـــه، هتف "رؤوف" بقلق من ردة فعله:
-إنت هتصدق كلامــه، ولا هتصدق أخوك؟؟..

إبتسمت "كارمـا" على نجاح خطتهـا، فـ لقد أعطت أوامر لأحد رجال زوجهــا بتصوير حديثهــــا مع "سامر"، كي يرى الحقيقة، أقترب عمهــا من شقيقـــه مُتسائلاً بغضب:
-تبيع بتك عشان تحبل وبعدهـا يطلجهـــا؟؟..

قبل أن يتحدث كان إلتفت على صوت صراخ شقيقتـــــــه التي هدرت بصوتٍ قلق وهي تنظر لهم:
-ألحجونــــــي، سارة بتنزف!!!!!..

صرخت "كارمــــا" بخوف:
-ســـــــارة.

تجمد "يوسف" مكانـــــه قليلاً قبل أن يصرخ صرخــة قويـــة مليئة بالألم.. ودمعــة حارقـة هبطت على وجنتــه صائحًا برعب:
-ســـــاااااااااارة.

*****


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:31 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.