آخر 10 مشاركات
234 - ستيفاني - ديبي ماكومبر (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          واقعة تحت سحره (126) للكاتبة: Lynne Graham (الجزء 3 من سلسلة العرائس الحوامل) *كاملة* (الكاتـب : princess star - )           »          منحوسة (125) للكاتبة: Day Leclaire (كاملة) (الكاتـب : Gege86 - )           »          دموع بلا خطايا (91) للكاتبة: لين جراهام ....كاملة.. (الكاتـب : *ايمي* - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          من خلف الأقنعة (100) للكاتبة: Annie West *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          اللقاء العاصف (23) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة+روابط* (الكاتـب : Dalyia - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          [تحميل] يدري إن أسباب ضعفي نظرته يدري إني ما أقاوم ضحكته بقلم/ساكبت العود جميع الصيغ (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          30 - الضائعون - روميليا لاين - ق.ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : عنووود - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-06-20, 09:59 AM   #11

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي


(( الفَصْلُ التَّاسِعُ ))

أسدلت الشمس ستائرهـا البُرتقاليـة على المكان، أستيقظت "أميرة" بـ نشــاط، فقد سيطر عليهـا شعورها بـ الطاقة الإيجابيــة، هبطت من على الفراش، وولجت للمرحاض الخاص بها للأغتســال، بعد فترة خرجت من المرحاض لـ تستمع إلى رنين هاتفهــا الحمول، فـ ركضت نحو الكومود لـ تمسك بهِ ثم ضغطت على زرَّ الردَّ بعد أن قرأت أسم المُتصل، وضعت الهاتف على أذنهــا وهي تُردف بـ :
-آلو.. أيوة يا آسر .

تساءل بإبتسامة هادئة :
-أيوة يا أميرة، أوعي تقولي أن أنا صحيتك من النوم ؟؟..

هتفت بنفي وهي تجلس على الفراش :
-لأ أبدًا، أنا صحيت من رُبع الساعة .

حمحم قبل أن يُغمغم بـ عينين باسمتين عاشقتين :
-طيب أنا عاوز أشوفك ؟؟..

همست بإبتسامة صغيرة :
-وأنـا معنديش مانـع
.
نهض من مكتبــه وهو يردد بـ تأكيدٍ مليئ بالحمـاس :
-يبقى أتفقنــا، هاجي أخدك من قدام القصر بتاعك، وبعدين نروح أي مكان يعجبك .

هبت واقفة وهي تتجه نحو خزانتهــا قائلة :
-تمام وأنا هبقى جاهزة بعد عشر دقايق .

خرج من المصعد لـ يتوجه نحو خارج المصنع وهو يتمتم :
-طيب وأنا مستنيكي، يالا مع السلامة .

-مع السلامة .

أغلقت الهاتف، ثم فتحت خزانتهــا وعلى وجههـا إبتسامة واسعة مُشرقة، سحبت ملابسهــا بـ هدوء وهي تقول بـ سرور :
-يارب، خلي السعادة إللي أنا فيهـا دي تبقى دايمًا .

******

بـ داخل أحد المحـال المشهورة بـ صُنع المشروبات المثلجة، جلس "آسر" بصحبة "أميرة"، أثارتـه إيماءتهــا وإبتسامتهـا حتى تناولهـا للمشروب بـ هدوء وبساطة، أستحوذت على الجُزء الأكبر من تفكيره، تنهد بـ حرارة وهو يسألهــا بإبتسامة عميقة :
-أميرة، أنا سمعت عنك أنك إنتي بتشكي في أي حد بيدخل حياتك، حتى حبيبة وكامل، عرفت منهم إمبارح أنك لما قولتلهم عن حياتك، قولتلهم بعد سنين، أشمعنا أنا إللي قولتيلي عن حياتك وإحنا لسه متعرفين على بعض من فترة مش كبيرة خالص ؟؟..

صمتت للحظات معدودة ثم قالت بإبتسامة صغيرة :
-عـارف يا آسر، بعد ماإنت تعبت وحكتلي عن حياتك، حسيت أنك شبهـي أوي، أعُجبت بـ ثقتك وبإجتهادك، مع الوقت بدأت أحس بالأمـان معاك، أمـــان أنا أفتقدتـه بعد ما نادر خطفني وحاول يعتدي عليا، وإنت بتقولي أصرخي، أنا كان نفسي حد يعمل معايا كده من زمـان وفـ نفس الوقت مبقـاش مكسوفـة منـهُ، أنا بحس بالأمـان وأنا معاك، وكمـان إنت الشخص إللي رسمتــه فـ خيالي وأنا صغيرة لما كُنت بقرأ روايــات .

فتح كفــهُ لها كأنــهُ سيصــافحها لـ تــدفن أصابعهــا في بطن يده، سرق قُبلــة من ظهر يدهــا، فـ دبت قشعريرة في جسدهــا لـ تلك القُبلة الرقيقة، هتف بعدهـــا ووميض الإصرار في عينيـهِ :
-وأنا هفضل أمانك يا أميرة، هبقى سند ليكي، وده وعـد يا أميرتـــي .

أتسعت إبتسامتهـــا لـ يُتابـع بـ ثقة مؤكدًا صدقــه :
-والوعد دين، والدين ميسدهـوش غير راجـل .

صمت للحظة قبل أن يقول :
-وعاوز أقولك على حاجة تانيـة .

تساءلت بـ فضولٍ :
-ياترى إيــه ؟؟..

أجابهـــا بـ ثقة أكبر محاطة بـ نظرتـه المُتيمة :
-إنتي بـ مــية راجل يا أميرة .

إبتسمت بـ سعادة مرددة :
-ربنا يخليك ليـاا يا آسر، وتفضل تفرحني كده، أنا مش بعرف أقول كلام حلو و...

قاطعهــــا بـ جدية :
-أنا مش عاوزك تقولي حاجة، أنا عاوز حاجـة تانيـة .

تنغض جبينهـا بـ عدم فهم قائلة :
-حاجـة إيــه ؟؟..

ردَّ بـ نبرة لا مثيل لهـا.. مليئة بالعُمـق وهو ينظر نحو عينيها الساحرتين مُباشرةً :
-عاوزك تحبينـــي .

نظرت لهُ بإبتسامة عميقة قائلة بـ خفوت :
-أنا مش مُتأكدة من مشاعري لسه، وحاسه إني متلخبطة جامد، أتمنى تبقى فاهمني .

أسند ظهره على المقعد بإسترخــاء قائلاً :
-فــاهم، وعلى العموم أنا مستني الإعتراف ده، خُدي وقتك ومتجيش على أعصابــك، كفايـة إمبارح .

أخفضت رأسهــا حينما تذكرت ليلـة الأمس، عادت تنظر إليــه وهي تومئ بـ رأسهـــا بالموافقة، زفر زفيرًا حارقـًا، مُنتظرًا ذلك اليوم التي ستأتي فيـه تخبرهُ أنهــا عشقتـــه كما يعشقهـــا، عشق لا مثيــل لــهُ .

******

كان يُسير بـ صالة المطـار وأنظــار الفتيات تُحيط بـ ذلك الشـاب الأنيق، هو طويل القــامة، بُني العينين، ووسيم الملامح، أستمع إلى رنين هاتفــه، فـ أخرجــه من جيب بنطالــه، وجــه نظره على أسم المُتصل ثم ضغط على زر الرد قائلاً بـ هدوءٍ وبإبتسامة هادئة بعد أن وضع هاتفـه على أذنـه :
-آلو.. أيوة أنا خلاص وصلت.. هاروح على القصر على طول.. خلاص تمام.. مع السلامة .

أغلق الهاتف، ثم أتفت برأسه عفويًا لـ يجد فتــاة ما تطالعـه بـ هيام وبـ نظرات حالمــة، إبتسم إبتسامتــه الجذابـة وغمز لهـا بـ عبث، ثم أرتدى نظارتـه الشمسية وغادر المكـان بأكملـه تاركـًا إياهـا تتنهَّد بهيــام .

******
بعد ساعـة، دخلت "أميرة" القصر وهي تعبث بـ هاتفهــا، كان ذهنهــا مشغول فـ بدون قصدٍ وشعورٍ منهـا كانت تصطدم بـ أحدهم، تراجعت للخلف وقد أصدرت شهقة قوية على أثر الخضة، رفعت رأسهــا لـ تُصيبهـا الصاعقة عندما وجدتــه أمامهــا، في حين إبتسم لها إبتسامة واسعة وهو يقول بـ بهجة :
-إيــه يا ميرا، وحشتيني جدًّا !!..

أتسعت عيناها بـ دهشة وهي تنطق بـ :
-حــازم !!..

نظر لها بإبتسامة جذابـة وهو يقول :
-بس تعرفي إنك أحلويتي أوي .

هزت رأسهــا بـ ذهول وهي تتساءل :
-إنت رجعت إمتى ؟؟..

-أجابهــا بـ بساطة :
-من نُص ساعـة .

إبتسمت إبتسامة صغيرة مرددة :
-حمدلله على السلامة .

رد بإبتسامتـه :
-الله يسلمك يا بنت عمي .

سألتــه بإهتمام :
-عملت إيــه في دراستك هناك ؟؟..

أجابهــا بـ حماسٍ :
-لأ كانت كويسة جدًا الحمدلله، جبت جيد جدًا .

أتسعت إبتسامتهــا قائلة بـ سعادة :
-ألف مبروك يـا حازم، ألف ألف مبروك .

أومـأ "حازم" رأسـه مُجيبًا بـ بهجة :
-الله يبارك فيكي يا ميرا، أنا كُنت بعمل إللي عليـا فـ أكيد ربنا كان بيساعدني .

أومأت بـ عينين باسمتين :
-أكيد يا إبن عمي، بس بجد أنا فرحت جدًا، أنك أخيرًا خدت شهادة زي دي .

هتف بإرهــاق :
-الحمدلله يا ميرا، طيب بقولك إيـه أنا كُنت مستنيكي عشان أسلم عليكي، أنا طالع أنام لأني مُرهق جدًا .

هزت رأسهــا مرددة :
-تمام يا حازم وأنا بردو طالعة أوضتي أعمل شوية حاجات .

أشـار بـ يده وهو يتراجع للخلف عدة خُطوات :
-طيب أنا طالع، يالا سلام .

أومأت "أميرة" إليهِ بـ يدها مُغمغمة :
-سلام .

رمقهــا بـ نظرةً أخيرة قبل أن يتحرك نحو الدَرَج بـ خُطوات مُرهقة، إبتسمت "أميرة" إبتسامة صغيرة وهي تجده يخلل أصابع يده بداخل فروة شعره، قالت بـ خفوت لـ ذاتها وهي تتأملــه بـ دقة محركة رأسهـا للجانبين :
-واضح إنك متغيرتش للأسوء بالعكس، بقيت أحسن من الأول بـ كتيــر .

******

في صبــاح يومٍ جديد، كانت تغوص بـ داخل النوم العميق، أستيقظت على صوت قرعات على باب غُرفتهــا، لم تُجيب بل فضلت أن تكمل نومهــا، أنفتح الباب على مصراعيــهِ لـ تدخل "حبيبة" بحماسٍ وهي تُصيح مُنادية عليهــا، تأففت "أميرة" وهي تفتح عينيها بـ تثاقل، نطقت بـ ضيق :
-هو إنتي عفريت العلبة بتاعي ؟؟..

أقتربت منهــا بـ خُطوات سريعـة وهي تقول بـ حماسٍ :
-قومي يالا يا ميرو، آسر مستنيكي تحت .

أنتفضت من مكانها لـ تتحرك شفتاها تلقائيًا هاتفـة بـ :
-آسر !!..

أومــأت رأسهــا بـ خُبث لـ تقول بـ جدية زائفة :
-طب أتفضلي بـرا عشان أغير .

هتفت "حبيبة" بإبتسامة ماكرة ذات مغزى :
-ماشي يا ميرو، بس على فكـرة...

صمتت للحظتين قبل أن تخبرهـا بخُبثٍ :
-إنتوا ليقين على بعض .

طأطأت رأسهــا بخجل وهي تبتسم إبتسامة صغيرة، ألقت عليهـا نظرةً أخيرة قبل أن تنصرف من الغُرفة بأكملهــا، نهضت عن الفراش، دلفت "أميرة" إلى المرحاض الملحق بـ غُرفتهـا لـ تغتسل، ثم بدلت ثيابهـا وأرتدت بنطالاً من الجينز ذو لون أزرق فاتح، ومن الأعلى أرتدت بادي أبيض ذي فتحـة صدر مُثلثة، ومن فوقــه أرتدت سترة طويلة رماديـة تميل للخُضرة الباهتـة ثم أحكمت غلق أزرار السترة، ومشطت شعرهـا الأسود على عجالـة، أتجهت إلى باب الغُرفة ومن ثم دلفت إلى خارجهــا، هبطت إلى الأسفل وهي تبحث بـ نظرات حائرة عن "آسر" وصديقتهــا، قطبت جبينهــا فـي حيرة مُتسائلة :
-إيــه ده ؟؟.. هُمــا راحوا فين !!..

أنتبهت كافة حواسهــا فجــأة عندما أستمعت صوت "آسر" وهو ينطق بإسمهـا، فـ ألتفتت بـ بصرهـا ثم جسدهــا ناحيتــه لـ تجده يبتسم لهــا، تشدقت مُبتسمة :
-آسر !!..

هتف "آسر" بإشتياق :
-وحشتيني .

لم تستطع السيطرة على تلك الإبتسامة التي ظهرت على شفتيهـا الحمرواين بـ لونهـا الطبيعي فـ جعلت عينــاه تبتسم لـ شوق أكثر عن ذي قبل، أجابتــه بخجلٍ :
-وإنت كمان .

حركت رأسهـا لـ تبحث بـ عينيها قائلة بـ تساؤل :
-هي فين حبيبة ؟؟..

رد بإبتسامة :
-واقفة بـرا مع آدم وكامل .

حدقت "أميرة" فيـه بـ دهشة مُتسائلة :
-إيــه ده !!.. هُمــا هنا ؟؟..

رد عليهــا بـ هدوءٍ :
-أيوة، هُما عاوزين يطمنوا عليكي من إمبارح، فـ أتفقنـا أننا نجيلك النهاردة، بس طلبت منهم يقفوا بـرا دلوقتي عشان عاوز أقولك على موضوع مُهم .

تسائلت بـ حماسٍ :
-موضوع إيــه ؟؟.. شوقتنـي .

دس يديـهِ بداخل جيب بنطالـه الأسود لـ يُجيبهــا بإبتسامة ساحرة :
-في حفلة بُكرا، حفلة كبيرة أنـا إللي عاملهـا، حفلة تنكريـة .

أتسعت عيناها بـ ذهول وفي ذات الوقت بـ بهجة حيثُ تمتمت :
-بجـد !!.. مش مصدقة .

قالت كلمتهــا الأخيرة وهي تضع يديهـا على فمها بـ سعادة عارمة، بعدهـا أبعدت يديهـا ثم إبتسمت شفتيهـا المُمتلئتين بـ إتسـاع أسر عينــاه لثوانٍ قبل أن يستعيد توازنــه، أستدار بـ جسده نحو الأريكة ساحبًـا حقيبة بلاستيكية، رمقهــا بـ عينـان عاشقتـان وهو يمد يده نحوهــا بـ كيسًا بلاستيكيًا قائلاً بـ نعومـة :
-خُدي .

حركت عيناها في حيرة مُتسائلة بـ فضولٍ :
-إيـه ده ؟؟..

هتف بإبتسامة برزت أسنانـه البيضاء :
-أنا عارف أنك بتحبي الأبيض، بس اللون الأسود أنا واثق أنـه يليق بيكي، أتفضلي .

مدت يدها نحو الكيس البلاستيكي لـ تأخذه، وقبل أن تفتحــه، كان يمنعهـا بـ قولـه :
-بلاش تفتحيهــا دلوقتي، الفستــان ده لـ حفلة بُكرا إن شاء الله .

ثم أضــاف بهمسٍ مُغرٍ :
-على فكرة، إنتي مش هتبقي ضيفة بُكرا، إنتي صاحبة الحفلة والليلة دي .

أحمر وجههـا خجلاً، أخفضت عيناهــا غير مُصدقـة ما يحدث، تشعر بأنهـا بـ داخل حلمٍ جميل، لمعت عيناهـا تأثرًا ثم عادت تنظر إليـه لـ تقول لـهُ بـ بسمة صغيرة :
-ربنـا يخليك ليـاا يا آسر .

أجابهــا بـ عينين عاشقتين :
-ويخليكي ليـاا يا أميرتـي .

شعرت "أميرة" بالخجل الشديد يجتـاح كل خلية من جسدهـا، هي تخشى أن تنغمس في نهر الحب، ولكــن هو حطم ذلك الشعور بـ كلماتـه الصادقة، إبتسمت لـه إبتسامة واسعة، وقبل أن يتحدث بـ كلمة واحدة، أستمع إلى صوت شخص يتحدث خلفــه قائلاً :
-صبـاح الخير يا ميرو .

التفت "آسر" ناحيتــه وهو يحدجــه بـ دقة، قطب "حازم" جبينــه وهو ينظر لذلك الشخص الذي يحدجــه بـ نظراتٍ غريبة، بينما أجابتــه "أميرة" بـ بسمة صغيرة :
-صباح النور يا حازم، نمت كويس ؟؟..

أجابهــا بإبتسامة واسعـة غير عابئًا بوجود ذلك الشخص المجهول الهوية :
-آه الحمدلله، البيت كان واحشني .

هتف بإبتسامة واسعة :
-وكمان مصر كانت واحشني أوي .

عاد ينظر لذلك الشخص بـ نظرات يملؤهـا الريبة، بينمـا الأخير يشعر بـ غيرة من ذلك الشخص، هو يُحدثهـا بـ تلقائيتـه وهذا ما يُغيظـه، فالغيـرة كـالجمرة.. وتلك الجمـرة تنبض في يســار صدره، ولا يُمكن أن تنطفي، أشــار "آسر" بـ يده مُتسائلاً بـ هدوءٍ عكس تمامًا العاصفة التي بـ داخلـه :
-مين ده ؟؟..

ردَّت "أميرة" عليـهِ وهي تُشير بـ يدهــا ناحيـة "حازم" :
-ده حازم فؤاد شاهين، يبقى إبن عمـي، كان عايش في أوروبـا بيدرس هناك ورجع إمبارح بعد ما نتيجتـه ظهرت .

تشنجت قسماتــه وعضلات فكـه حينما هتفت بإسم عمهــا الذي كالذئب على هيئة إنسـان، ألتفـت "آسر" بـ رأسـه ناحية "حازم"، مد يده وهو يقول بـ تهجم :
-أهلاً .

مد "حازم" يده لـ يصافحــه مُتعجبًا من نظراتــه، تسائل في شئ من الحيرة :
-طب مش تعرفينــا ؟؟..

حمحمت "أميرة" قبل أن تُجيبــه :
-معلش نسيت، ده آسر الألفـي، صاحب أكبر مصانع لحوم، بشتغل في مُستشفى والدتـه وأنا الدكتورة بتاعتـه .

أرتسمت إبتسامة صغيرة على ثغره مرددًا :
-سعيد إني قابلتك يا مستر آسر .

دس "آسر" يديـهِ بداخل جيب بنطالـه قائلاً بـ نظراتٍ غامضة :
-أنـا أكتر .

هتف وهو يشير بإصبعيـه :
-لازم نتقابل مرة تانية .

إبتسم وهو يقول بـ غموض مُثيـر :
-ده أكيد، أنا واثق أننـا هنتقابل كتير الفترة الجاية .

راوده شعور التعجب من كلماتـه الغامضة ولكن لم يهتم، قــال "حازم" بإبتسامة لم تصل إلى عينيهِ :
-طيب عن إذنكم .

إنصرف من المكان بأكملــه، فـ أستدار "آسر" لهـا ثم سألهــا بـ حدةٍ :
-إزاي هو قاعد هنـا ؟؟..

عقدت ساعديها أمام صدرها وهي ترُدَّ عليـهِ بـ صوتٍ جــاد :
-أولاً.. حازم يبقى إبن عمي، هو معندوش مكـان يقعد فيـه غير هنــا وأظن إنت فاهم كويس وضع عمي ومراتـه إزاي، ثانيًا وده الأهم.. هو مش زي عمي ولا مراتـه، عمي شيطان إنما هو لأ، هو واحد بيحب الضحك والهزار، مطلعش زي أبوه، هو طالع زي أبويــا أنا، وغير كده إحنـا متربين مع بعض من وإحنـا صغيرين .

مط شفتيـه للجانب وهو يقول بـ عدم إقتناع :
-أميرة، واحد أبوه شيطان وأمـه عقربة، يبقى هيطلع إيــه ؟؟..

ردَّت عليـه بـ ثقة :
-يخلق من ضهر فاسد عالم يا آسر .

نفخ "آسر" بـ تبرم قبل أن يقول :
-على العموم ده مش موضوعنــا، هستناكــي بُكرا على الساعة 6 هاجي أخدك من باب القصر بتاعك، وننطلق على القصر بتاعي .

أمسك بـ كف يدها ثم رفعـه ناحيـه فمـه لـ يُقبلـه برقـة، ثم هتف بهمسٍ :
-هستناكي يا أميرتــي !!..

******

في مساء اليوم التالي، وقفت "أميرة" تتأمل الفستان الذي أحضره لهـا "آسر"، كان فُستانًا طويلاً باللون الأسود، ومصنوعًا من قماشي الستان الممزوج بالشيفون، ومطرز من الصدر حتى الخصر باللأليء والفصوص اللامعة، أمـا فتحة الصدر فـ كانت ليست واسعة ولا ضيقـة، أما أكتافـه فهي قصيرة تغطي مُقدمة ذراعيهــا، إبتسمت إبتسامة واسعة وهي تنظر على ذلك الفستان الرائع، وجدت ورقة صغيرة بداخل الكيس البلاستيكي لـ تأخذهــا ثم بدأت بـ قرأتهـا لـ تجد أنـه كتب بلغة منمقة :

"أعلم أنكِ تعشقين اللوَّن الأبيض.."
"ولكن الأسود سُيليق بكِ.."

أرتسمت إبتسامة واسعة وعيناهــا تتلألأ بـ سعادة، ثم تركتهـا على الفراش، تحركت نحو المرحاض وولجت للداخل، أستقلت في حوض الأستحمام بعد أن ملأته بالماء الدافئ والصابون المُعطّر، دقائق ليست كثيرة، كانت تخرج متوجهه نحو الفراش، سحبت فستانهـا وبدأت ترتديـهِ بـ خفـة، ثم أرتدت في قدميهـا حذائًا من نفس اللوَّن الفستـان، ولكن ذو كعب عال إلى حد مـا، ومشطت شعرهـا لـ تتركـه مُنسدلاً على ظهرهـا .

وقفت "أميرة" أمام المرآة مذهولـة، تتأمل أنعكاس صورتهـا فيهـا، بدت رائعة بحق في فستانهـا الأنيق، أعجبتها صورتهـا في المرآة، فتحت درج التسريحة لـ تخرج منه عقدًا فضيًا رقيقـًا يحمل شكل القلب، أرتدتـه حول عنقهــا ثم جذبت حقيبتهـا الصَّغيرة بعد أن تأكدت من هيئتهـا، توجهت نحو باب الغُرفة أستعدادًا للذهــاب إلى قاعـة حفل تنكرية بصُحبة "آسر" الذي سيمر عليهـا ليأخذهـا في سيارتـه، دلفت خارج غُرفتهـا ثم سارت عبر الرواق قبل أن تتجـه إلى الدرج، هبطت عليـهِ بخُطوات حتى لا تدهس طرف فستانها بكعب حذائهـا العالي، خرجت من القصر لـ تجد واقفـًا مُنتظر قدومهـا، في الأثناء كان "آسر" مُستندًا بـ ظهره على سيارتـه السوداء، رفع كُمَّ سِترتـه السوداءُ، وألقى نظرة عاجلة على الساعة الفضية التي تُحيط بـ معصمـه، بعدهـا ألتفت برأسـه للجهه الأُخرى عسى أن يجدهـا، وبالفعل حينمـا ألتفت برأسـه وجدهـا واقفـة تنظر لهُ مُبتسمة، تحركت عينـاه بـ بُطء على وجه "أميرة"، فـ أَسَرتـه قسماتـه الملائكية وجمالــه، حاول أن يصرف عينيهِ ولكن لم يفلح، أقترب منهــا عدة خُطوات وكذلك هي تقدمت للأمام، وقف "آسر" أمامهـا ناظرًا إليهــا بـ شوق، أتسعت عينـاه من كثرة عدم تصديق بأنهــا بذلك الجمـال الشرقي، ثبت بصره على عينيها الجميلتين العميقتين، فـ كانت عيناها السوداوان تُضئيـان في حلاوة، فإذا نظر أحد بهما ترقرقت فيهمـا بسمة وديعـة .

نظرت "أميرة" لـهُ بإبتسامتهــا التي أصبحت تبتسمهــا كثيرًا مؤخرًا، تأملت شكلــه لـ تجده يرتدي بزلة أنيقة -ذات اللوَّن الأسودُ-، وقميصًا بـ ذات اللوَّن، ورابطة عنق بـ نفس اللوَّن أيضًا، شعرت بالخجل من تأملـه لهـا، بينمــا كان ينظر لهـا بشموخ وهيئتـه تنم عن الهيبة التي يمتلكهـا، غمغم بنبرة مدهوشة :
-إنتي إزاي قمر كده ؟؟..

شعرت "أميرة" بالخجل الشديد يجتـاح كُل خلية من جسدهـا عقب عبارة "آسر" معهـا، قبض على كفي يدهــا ثم تحركـا معًا نحو السيـارة، أستقلت هي أولاً، ثم لحـق بهـا "آسر"، أدار المحرك ثم ضغط على دوَّاسـة الوقود مُنطلقــًا نحو قصره، حيثُ تُقـام هُناك حفلة تنكرية .

بعد فترة وجيزة، كان "آسر" جعلهـا تدخل من باب جانبي للقصر، وسـارا نحو غُرفتــه، جعلهــا تدخل هي أولاً ثم لحق بهـا، زادت ضربـات قلبهـا حينما وجدت ذاتهـا بداخل غُرفتــه، وضعت يدهـا على صدرها ناحية موضع قلبهـا ثم سألتــه بنبرة متوجسـة :
-إنت جايبني هنـا ليـه ؟؟..

أجابهــا بنبرة هادئة :
-مفيش حد هيشوفك دلوقتي، وبعدين لازم تنزلي الحفلة وإنتي لابسة القنــاع وكذلك أنـا، وكمـان إحنـا هنظهر بطريقـة خاصـة .

تنفست الصعداء وهي تتحرك نحو الأريكة لـ تجلس عليهــا، تحرك نحوهــا ثم جلس بجوارهـا مُتمتمًا بـ :
-أنا عُمري ما هفكر إني أأذيكي يا أميرة .

رفعت وجههـا ناحيتـه مُغمغمة :
-غصب عني، أنا بشك في كُل حاجة، ومش قـادرة أسيطر على الأحسـاس ده .

سحب كفي يدهــا لـ يحتضنـه بين راحتيــه وهو ينطق بـ بنظراتٍ قوية :
-ماتخفيش طول ما أنا معاكي، أنـا وعدتك إني هسعدك، وهتبقي أقوى من الأول، أنـا بوعدك إني عُمري ما هخليكي تنامي وإنتي زعلانة سواء مني أو من حد غيرك، ولـ تاني مرة بقولهــا، الوعد ده دين، والدين ميسدهـوش غير راجـل !!..

******

أنتظر على أحـرّ من الجمـر حضورهـا، مُنذ دقائق كثيرة وهو يذرع أرض الشرفة في القصر جيئة وذهابًا، دنـا أحد الخدم منـه؛ يسألـه إذا كان يرغب في أحتساء كوبٍ من العصير المُثلج، ولكن هزَّ رأسـه بالرفض وقد نفذ صبره من إنتظار معشوقتـه فهو لا يُحب الإنتظار كثيرًا، فـ عاد الخادم دون أن يتفوَّه بـ كلمة واحدة، شعر أنـه على وشك الإنفجـار من كثره الغضب المشحون بـ داخلـه، قرر أن يدخل عسى أن يجدهـا، وبالفعل عقب خروجـه كان يجدهـا تدخل من باب القصر وهي تنظر حولهــا بـ غرابة وتوتر، تحرك نحوهـا بـ خُطوات سريعة حتى وصل إليهــا، سألهـا في شئ من العتـاب :
-إيـه إللي أخرك كده ؟؟..

ردت عليـهِ بـ توتّر :
-الطريق كان زحمـة .

شعر بـ توتّرهــا من المكان، فـ أمسك يدها لـ يضغط عليـهِ بـ رفق وهو يقول مُبتسم :
-إنتي قلقانة من إيــه ؟؟.. ماتخفيش محدش يقدر يقرب منك ولا يقولك حرف طول ما أنا موجود، تعالـي معايـا .

ظل مُمسكـًا بـ يدها وهما يتحركـا نحو الشرفة، دخلت "حبيبة" أولاً وهي تتنفس بـ عُمق ثم جلست على إحدى المقاعد الموجودة، بينمـا وقف "آدم" يتأملهــا، لفت أنتباهـه شعرهـا المعقوص إلى أعلى رأسهـا والذي أظهر جمـال وجههـا الملائكي، كانت ترتدي فُستانًا طويلاً رقيقـًا -ذات اللوَّن الوردي-، ودَّ لو أن يحملهــا بين ذراعيــهِ وأصطحابهــا إلى مكان بعيد عن البشر، كان قلبهـا يتخبط بين ضلوعـها، وحينما التفتت لـ تنظر إليـه شعرت بـ عينيهِ العاشقتين تقومانهـا بإعجاب شديد، بعثت لهـا تلك النظرات ذبذبات كهربائية، فـ سريعًا أخفضت بصرهـا للأسفل .

أدخل يده في جيب بنطالـه لـ يخرج قنـاع ذهبيًا، مد كف يده نحوهـا بالقنـاع وهو يقول بإبتسامة :
-ألبسي القنـاع ده، ولا أقولك..

نظرت لهُ بإستغراب لـ يقول بإبتسامة وقد أتسعت أكثر :
-أنا إللي هلبسهولك .

أنحنى بـ جسده نحوهـا وهو يضع القناع على جُزء وجههـا العلوي، ربط القناع بـ خفـة ثم أقترب من أذنهـا هامسًا لهـا :
-إنتي النهاردة.. أحلى من ملكات جمال العالم يا حبيبة .

أغمضت عيناهــا وهي تقاوم تلك الكلمات التي تأثر عليهـا بشكل غريب، تـابع بذات الهمس بعد أن أنهى ربط القناع :
-يالا بينـا يا معشوقة .

******
هبطــا "آسر" و"أميرة" الدرج تزامنًا مع خفوت الأضواء، إستقبلهم ذاك الحشد الكبير بـ تصفيق حــار، كان أرتدى قناع باللوَّن الأسود لكي يتناسب مع حلتـه بينما أرتدت "أميرة" قناعٍ باللونُ الفضي، توقفــا في مُنتصف القاعـة، قبض على كفي يدهـا ثم فرقـع بأصابعــه، لـ يأتي أحد الأشخـاص ثم أعطــاه الميكروفون، أخذه منـه بينما عــاد الشخص إلى حيثُ ما أتى، رفع الميكرفون ناحية فمـه ثم حمحم قبل أن يقول بـ نبرة العاشقين لا مثيل لهـا :
-النهاردة مش أي يوم يا جماعة، الحفلة دي أتعملت مخصوص لـ أميرتــي، أميرة أشرف شاهين، أتشديت ليهـا من أول النظرة، بنت 100 راجل، قويـة.. ذكيـة.. حنينة.. طيبة.. شُجاعـة.. محبوبة.. عندهـا إرادة وإصرار، كُل الصفـات دي أكتشفتهـا فيهـا في الفترة الصُغيرة إللي سمحتلي إني أعرفهـا، مفيش حد زيهـا، حُبي ليهـا غريب فعلاً، لأني قابلتهـا صُدفة وحُبي ليهـا كان من أول نظرة !!..

ألتفت برأســه لـ يحدق فيهـا بنظراتٍ لا ينظرهـا إلا العاشق :
-أميرة، بقولك قدام الكُل إني بحبــك، ومش عاوز حاجـة غير إننـا نبقى مع بعض لـ طول العُمر، دخلتي حياتي فجــأة من غير سابق إنذار، وأنا إللي بيدخل حياتي مش بيخرج منهـا .

أخذت منـه الميكرفون لتتساءل وهي ترفع حاجبيهـا للأعلى :
-لأ، إحنـا هنتغر ولا إيــه ؟؟..

سحب منهـا الميكرفون لـ يهتف بـ ضحك للجميع :
-هي دي أميرة يا جماعة .

أصدر بعضهم ضحكاتٍ عاليـة، بينما أخفضت "أميرة" رأسهــا بإستيحاء لـ يُتابع "آسر" بـ عينين باسمتين :
-وبقولهالك تاني يا أميرتي قدام الكل إني بعشقك مش بحبـك وبس !!.. إنتي ببساطة خدتي قلبي وهربتي من أول مرة شوفتك فيهـا بـ فُستانك الأبيض، حُبـي ليكـي كـان من أول نظرة .

إبتسمت إبتسامتهـا الواسعة، حينهـا وضع كفه على وجنتها البيضاء مُتسائلاً بـ عدم تصديق :
-أنا مش عارف إنتي عملتي فيا إيـه بظبط !!..

أغمضت عيناها بـ ضحك لـ يُضيف وعيناه لا تفارقانهــا أبدًا :
-تتجوزينــي ؟؟..

عقد لسانهـا عن اللفظ، رمقتــه بـ عيني لامعة من عدم التصديق خلف قناعهــا الفضي الامع، وضعت كف يدها على فمهـا غير مُصدقة وهي تبتسم بسعادة، رماهـا بإبتسامتــه التي عشقتهــا مُنذ الوهلة الاولى، هزت رأسهــا إيجابيًا دون تردد وهي تُجيبــه بـ سعادة عارمة لا توصف :
-موافقة، موافقـة طبعًا يا آسر، أنا كمان بحبك جدًّا !!.. بحبـــك أوي !!..

ضحك بـ سعادة بعد أعترافهــا، فـ من أجمل لحظات في الحُبَّ هي وقت الأعتراف !!.. ضمهـا إليه دون أن يمس جسدهـا فعليًا، بل اكتفى بـ ضم رأسهـا إلى صدره، بـ بساطة أنهـا أصبحت تخصـه، أنهــا وُلدت لتكون لـه، تأثيرهــا ظهر عليه مُنذ أول لقاء بينهمــا، مسح على خُصلاتهـا بـ حنو، زادت نبضات قلبــه، أعترتــه الراحــة حينما أعترفت بـ حُبهــا له، هو لا يُريد أي شيء بعد الآن سوى أن يكون معاهــا .

تفاجأت من تلك الحركة حيث فغرت شفتيهــا بصدمة، بينما تراجع "آسر" وهو يقول في الميكرفون بإبتسامة عريضة :
-إن شاء الله قريب جدًّا هتسمعوا خبر عن فرحنــا .

عادت تضحك "أميرة" بـ سعادة أشد عن ذي قبل، حيث ضحكت ضحكة مشرقة تلألأت فيهـا عيناها السوداء، وكشفت عن أسنانهـا البيضاء المتراصة بـ تناسق شديد، قبض "آدم" على كفي يد "حبيبة" لـ يسحبهــا نحو المكان الذي يقف فيه كُلاً من "آسر" و"أميرة"، شهقت "حبيبة" من تلك الحركة المفاجئة، حاولت أن تسألـه ولكن نظرات التي كانت تحاصرهـا بـ فضول جعلتهـا تصمت، كانت ترتدي قنـاع باللون الذهبي، بينما أرتدى هو باللون الأسود ولكن شكلـه يختلف تمامًا عن شكل قنـاع إبن عمـه، سحب "آدم" الميكرفون من إبن عمـه ثم قربـه ناحية فمـه قبل أن يقول بإبتسامة وبـ صوتٍ جــاد :
-مساء الخير على الجميع، بمـا إن إبن عمي قـال إللي نفسه فيه فـ أنا كمان هتكلم فـ إللي نفسي فيـه .

أشــار بـ يده ناحية معشوقتـه وهو يتمتم :
-حبيبة الشناوي، الجميلة الهادية، حُبهــا مغرق حياتي، بس هي عنيدة مش عايزة تعترف !!..

نظرت لـه بـ عينين مذهولتين عاجزة عن النطق من قوة المفاجأة، بينما تـابع بـ تنهيدة :
-حبيبة يعني الحب، وأنا معاها عرفت الكلمة دي، كلمة مش سهلة خالص غير إللي يقدر، عاوز أقول إني بحبهــا أوي، وعندي أستعداد أعمل أي حاجة عشان بس تبتسم، لأن إبتسامتهـا عندي بالحيــاة وبإللي فيهـا !!..

أستدار بـ رأســه ليحدق في عينيهـا مباشرةً وهو يقول بإبتسامة ماكرة :
-يالا يا معشوقة أعترفي قدام الكل إنك بتحبيني زي ما أنا بحبـك .

عقد لسانهــا عن اللفظ بل حدقت في وجهه بـ عدم تصديق، أضــاف "آدم" بـ نبرة العاشقيــن :
-حبيبة أنا بحبـك جدَّا، أنا مُسشتعد أعمل أي حاجة عشانك والأيام هتوريكـي ده وهتثبت ده بـ جداره، مش عاوز أكون حاجة غير إني أبقى حُبـك ونصيبك في الحيــاة دي .

أعتراها الذهول أكثر عن ذي قبل، شعرت بـ سعادة عارمة تجتاحهـا، صمتت نصف دقيقة حتى أستطاعت ونجحت في الإستيعاب، سحبت منـه الميكرفون وهي تُـرد عليـهِ الرد الذي ظل ينتظره بـ فارغ الصبر :
-موافقة، موافقة يا آدم !!..

******
للمرة الثانية فرقـع "آسر" بأصابعـه لـ تصدح موسيقى عاليـة، جذبهـا إليـه ثم أحاط خصرها وأطبق أصابعـه على يدهـا بـ شدّة، شعر بالقشعريرة التي سرت في جسمهـا، ولكن كان يود مُنذ فترة أن يسرق بعض لحظات تلك، تميالا على تلك الألحـان بـ مشاعر واحدة، كانت عيناهـا مملؤتان بـ بريق العشق والسعادة، تأملت ملامح وجهه بـ دقة، شعرت بـ حرارة جسدهـا ترتفع وهي تتأملـه، أعجبتهـا قسمات وجهه التي منحوتة من الصخر وعينيهِ السوداوتين اللتين تلاحقانهـا بإصرار، نظر لهــا بإبتسامة جانبية ساحرة، أغمض عيناه حينما أستنشق رائحة التي تفوح من ثوبهـا، أحس بدفء غريب وهو يرقص معاهـا، فتح عينـاه وهو يجوب ببصره على قسمات وجههـا، كان صوتـه حنونـًا وناعمًا حينمـا قـــال :
-تعرفي أنك جميلة أوي ؟؟..

تلألأت عيناها وهي ترد بمرح :
-يعني حاسة !!..

رفع حاجبيـهِ بثقة قائلاً :
-تؤتؤ، إنتي أحلى واحدة جت عيني عليهـا .

هتفت بدون تفكير :
-في نـاس أحلى مني بكتيــر !!..

تقوس فمـه لـ تظهر من خلفهـا إبتسامة واثقة ساحرة وهو يُجيبهــا بـ ثقة ونعومـة في آن واحد :
-بس مفيش حد يقدر ياخُد قلبي غيرك إنتي وبس يا أميرتـي !!..

******
كمـا وصفهـا تمامًا، "الجميلة والهادئة"!!..، رغم أنهـا أخفت الجزء الأعلى من وجههـا بقناعهـا الذهبي، إلا أن جمالهــا ظل موجودًا، تمايلا على تلك الألحـان بسعادة وبهجـة، بينما ظل يتأمل بـ عينـاه عن وجههـا بإشتياق وبهجة، مُنذ أن خُلق وهي معـه، هي الوحيدة التي بداخل قلبــه، يرى أن تلك اللحظات من أسعد لحظات حياتـه، لم يصل إلى تلك الثواني بسهولة، في الفترة الأخيرة ظل يحلم بهـا ليلاً ونهارًا، هي وبكُل بساطة سرقت قلبـه منذ الوهلة الأولى !!..

إبتسم لهـا بسرور وهو يقول :
-مش مصدق إنك وافقتي !!..

ردت عليـه بـ خجل :
-أنا كُنت مستنية الوقت المُناسب وأهو جـه !!..

-وده أحلى وقت !!..

سألتــه بـ بسمة صغيرة :
-بس إزاي عرفت إني بـ بادلك نفس المشاعر ؟؟..

أجابهـا بهمسٍ وهو يحدق في عينيها :
-عينيكي !!..

صمت للحظة لـ يجذب إنتباها وهو يتابــع :
-أحلى حاجة فيكي هي عينيكي، عينيكي كانت بطلع كل إللي جواكي من غير ما تنطقي بحرف واحد !!..

هتفت بـ حاجبين مرفوعين :
-إنت بتقرأ عيون بقى كويس .

هتف بإبتسامة واثقة :
-معاكي إنتي وبس، لكن مع حد تاني صعب يا معشوقة .

******
عادت إلى القصر بعد أنا قـام "آسر" بتوصليهــا، دخلت بخُطوات هادئة وإبتسامة صغيرة تعلو على وجههـا، تنهدت تنهيدة حــارة عميقـة، وقبل أن تصعد على الدرج أستمعت إلى صوت إبن عمهــا وهو يجأر بغضبٍ شديد، قررت أن تذهب إليهم لتعرف سبب وصولـه إلى تلك الحـالة التي نادرًا يصل إليهـا، ولكن قبل أن تدخل أستمعت إلى صوت عمهــا القائل بعصبية :
-يعني إيــه ؟؟.. هتكسر كلامي !!.. ده أمـر !!..

صــاح "حازم" بضيق :
-بس أمر غلط، أنا لا يُمكن أعمل حاجة زي دي فـ بنت عمي، مش كفاية أنها معيشانا العيشة دي !!.. مش كفاية إنك إنت وماما ضيعتوا كل ثروتنـا على لعب القمـار !!.. جاين تبصوا على فلوسهــا ليــه ؟؟.. أنا لا يُمكن أعمل كده .

هبت "سميرة" من مكانها ثائرة وهي تقول بصيغة آمره :
-إسمع يا حازم، إنت هتتجوزهــا يعني هتتجوزهـا، إحنا مش عى آخر الزمن هناخد شوية فلوس من حتة بنت صغيرة .

هتف "حازم" بـ قوة :
-محدش قال إنك إنتي وبابا تضيعوا الفلوس، وأنا مش هتجوزهـا، لأنهـا أختي !!.. أنا بعتبرهـا من زمان أختي وصاحبتي، لكن حبيبتي لأ، وأنا مش هضحك عليكي مهمــا حصل .

-شُكرًا جدًّا يا إبن عمي !!..

أنتفض جميعهم من هول الصاعقـة، خطت "أميرة" للداخل بخطوات ثابتة وهي تحدق فيهم بثقة، أقترب من "حازم" الذي حدق بهـا بذهول مع إتساع عينيه الطفيف الذي أثبت أنه واقع تحت تأثير صدمة واضحة، هتفت بـ بسمة صغيرة قائلة :
-طول عُمرك جدع يا إبن عمي .

ثم أستدارت ناحية عمهــا الذي تصلب جسده م قوة المفاجأة بينما قالت لـه بإبتسامة قوية :
-حقيقي يا عمي أنا مش عارفة إنت طالع لمين ؟؟..

ثم أنتقلت بأنظارهـا إلى زوجة عمهـا قائلة بسخرية :
-وإنتي كمان يا سميرة هانم مش عارفة إنتي كده ليــه ؟؟..

رمقتهــا الأخيرة بنظرة قالة تود الفتك بهـا، أضافت "أميرة" بإبتسامة أكثر قوة :
-بس أحب أقولك إنتي وعمي، إنكوا جيتوا متأخر، أصل أنا أتقدملي عريس وأنا وافقت خلاص، وهنتجوز قريب كمــان !!..

لم يتحمل "فؤاد" حيث أنفجر غضبًا قائلاً بصوتٍ جهوري :
-إيــه الكلام الفارغ ده ؟؟.. ومين ده إللي أتقدملك من غير ما يشوف موافقتي أنـا الأول !!..

هدرت "أميرة" بحدة :
-أنا عارفة إن حضرتك مش هتوافق، وهو كمـان عارف، وبعدين دي حياتـي أنا !!..

صاحت "سميرة" بصوتٍ غاضب :
-بس إحنـا بقى مش موافقين !!..

ردت عليهـا بتحدٍ سافر :
-بس أنا موافقة !!..

دنا منها عمهـا قائلاً في شئ من الغموض :
-أسمــه إيـه بقى إللي هتتجوزيــه ؟؟..

أجابتـــه بثقة :
-آســر الألفــي !!..

إبتسم إبتسامة قاسية وهو يقول :
-بلاش يا أميرة تتجوزيــه، عشان متشوفيش وشي التاني، وإنتي مش أده .

بادلتـه ذات الإبتسامة قائلة :
-وأنـا مش بتهدد يا أنكل، وإنت عارف ده كويس !!..

أقترب منهـا "حازم" وهو يقول بإقتضاب وبـ بسمة خفيفة :
-مبروك يا أميرة .

ألتفت لـه قائلة بإقتضاب :
-الله يبارك فيك .

عادت تتحدث قائلة بجدية وإبتسامة زائفة :
-طيب يا جماعة، أنا طالعة أنــام، عشان مرهقة من سهرة النهاردة، عن إذنكم .

أنصرفت من أمامهم دون أن تنتظر الرد، أرتسمت على تعبيراتهـا الثقة العالية وهي تصعد على الدرج، ومع ذلك شعرت بإنقباضة في قلبهـا، دخلت غُرفتهـا بهدوء ثم أغلقت الباب، ألقت بحقيبة يدهـا الصغيرة على الفراش ثم توجهت ناحية المرآة، حدقت في أنعكاس صورتهـا قائلة بتوتّر :
-أُسترهـا يارب، أنا قلبي مقبوض .

فـي الأسفـل، ألقـى عليهم "حازم" نظرةً أخيرة قبل أن ينصرف من المكان، جلست "سميرة" عبلى الأريكة قائلة بصدمة :
-يعني إيــه ؟؟.. يعني خلاص !!.. الخطط كلهــا بقت فاشلة !!.. يعني مش النار إللي جوايـا مش هتبرد !!.. مش هقدر أرجع زي زمــان لما كنت أقدر أحكم الكل عشان فإيدي قرش !!.. يعنـــي دي النهايــة !!..

أغمض "فؤاد" عينــاه وهو بقساوة :
-لأ يا سميرة، دي مش النهاية، أنا كنت أتمنى إني موصلش إللي فـ دماغي ده، بس خلاص إنتي إللي جبتيــه لنفسك يا بنت أخويـا !!..

******
مر عشرون أيـام بسلام، في تلك الفترة كانت تخرج "أميرة" معه يوميًا، تـارة للتسوق وتارةً أخرى لتناول وجبة الغداء أو العشاء، زاد أمانهـا وحبهــا ناحيتــه، وهي معــه تعلمت معنى كلمة الحب الصادق، تذوقت معنى السعادة الحقيقية، بينما كان دائم التأمل في ملامحهـا، لكي يطبع صورتهـا بداخل قلبـه فـ تزيده عشقـًا .

أمــا عن "آدم" و"حبيبة"، فـ حينما يتقابلان في المزرعة يظل كُلاً منهما يتحدثان بالساعات، تكون الأحاديث في بعض الأوقـات أحاديث جدية ولكن الأكثر أحاديث مرحة، كان دائمًا يبادلهـا نظرات شغوفـة عاشقة، فـ مُنذ ذلك اليوم الذي رأهـا فيهـا ونبضات قلبـه تنطق إسمهـا بعشق، فـ هي النبضات وهو القلب، هو الجسد وهي الروح !!..

******
فـي يوم من الأيـام، كانت الشمس قد أختفت عدما خرج "آسر" من مقر المصنع في طريقـه للقاء "أميرة"، وجدهـا واقفة بإنتظاره، هبط من سيارتـه وراح يحدق بها وهي تقف على بُعد خُطوات منه، إبتسم إبتسامة صغيرة وهو يحييهـا، سارا معًا نحو أحد المطاعم القريبة، تركتـه تلك المرة يقودهـا إلى المطعم، سحب مقعدًا بلباقة لتجلس إلى طاولة الطعام وقد غمرهـا السعادة فهو كان يغمرهـا بلطفـه المعتاد، جلس "آسر" قُبالتهـا على طاولة الطعام، أشـار بيده إلى النادل الذي أتى على الفور عن طلب نوع الطعام، أخبره بما يُريده وكذلك هي، فـ أومـا النادل رأسـه بتهذيب ثم تحرك من مكانه .

بعـد قليـل، وضع النادل أفضل الأطباق وأشهرهـا على الطاولة المربعة بتأنٍ، إبتسم بتهذيب وهو يتسائل :
-في حاجة تانية حضرتك عاوزهـا ؟؟..

أجابــه بإقتضاب :
-لأ شُكرًا .

أنسحب النادل بهدوء ليتركهم سويًا وسط أجواء موسيقية هادئة، راح يتأملهـا وهي تتناول طعامهـا فـ شعر بشرودهـا من ملامحهـا، دس الشوكة في فمـهُ وهو يسألهـا :
-مالك يا أميرة ؟؟..

قالت بإجابة مُختصرة :
-عمي ومراتـه .

سألهـا بجدية :
-في جديد ؟؟..

هتفت بإضطراب :
-شكلهم مش ناويين يعدوا جوازنـا على خير، قلبي مقبوض من اللحظة إللي بلغتهم فيهـا بالقرار ده !!..

رمقهــا بعينين حـادة مُتسائلاً بغلظة :
-وإبن عمك ؟؟..

ردت بتنهيدة :
-بالعكس، هو فرحـان، وخصوصًا لما عرف إني هتجوزك إنت .

حرك رأسـه إيجايبًا بخفة مرددًا :
-طيب تمام .

نظر لهـا نظرةً طويلة قبل أن يحزم قرارهُ :
-أميرة، إحنـا نكتب الكتاب بكرا .

تركت الشوكة فجأة وهي تحدق فيه بينما أستطرد هو :
-بصراحة أنا مش قادر أصبر أكتر من كده، وغير كده عشان نقدر نُحط عمك قدام الأمر الواقع، والفرح نعملـه بعدهـا بـ شهر؛ عشان تبقي مُستعدة تمامًا، هَـاا.. موافقة ؟؟..

لم تحدْ نظراتهـا المذهولـة عن وجهه، ثواني وكانت تتحدث في شئ من الصدمة :
-إنت لخبطني خـالص، أنا مش عارفة أفكر ولا أستوعب حتى !!..

أمسك بكف يدها لـ يطبق عليهِ بـ أصابعه قائلاً وعلى وجهه بسمـة صغيرة :
-أميرتـي، إنتي عرفاني كويس، وأنا كمان عارفك كويس جدًّا، أنا مش عايزك تخافي خالص أو تكوني متوترة، شوفي إيـه إللي يريحك وأنا هنفذه من غير تردد .

دقيقـة.. دقيقتين وكانت أجابتــه الإجابـة التي جعلت قلبـه يرقص من قوة السعادة :
-خلاص يا آسر، أنـا موافقة .

أتسعت بسمتــه ثم رفع كف يدها ناحية فمـه لـ يُقبلــه بنعومـة قائلاً بهمسٍ :
-بحبك يا أميرتـي .

أخفضت رأسهـا بخجل وخديَّها متورديْن حياءً، أرتسمت إبتسامة واسعة على شفتيهـا وألتمعت عيناها بشدة، تنهد تنهيدة عميقة، فـ تلك الفتـاة حتمًا ستجعلـه يفقد عقلـه تمامًا، هو حاليًا يشعر بأنه جالس فوق جمرات نارية مشتعلة من العشـق !!..

******
هي تدرك بأن رِفقتـه تروق لهـا أكثر عن أي شيء آخر، لذلك وافقت أن يأخذها إلى أحدى المقاهي الشهيرة، وصلا إلى المقهى وجلسـا لـ وقت قصير، حيثُ أصطحبهـا إلى الشرفة المطلة على النيل مُباشرةً، بعد أن أخبرتـه برغبتهـا بالذهاب إلى هناك، كانت النجوم تتلألأ في السماء السواداء، وكان القمر قد ظهر أيضًا، فـ بدى المنظر رائع لمن يراه، سألهـا "آدم" بـ عينين باسمتين :
-حبيبة، إنتي بتبقي مبسوطة وإنتي معايا ؟؟..

نظرت له بطرف عينيهـا قائلة بإبتسامة فيها شئ من المكر :
-آدم، لو أنا مش ببقى مبسوطة مش هخرج معاك من أساسـه .

وقف قبالتهـا ودس يديهِ بداخل جيب بنطالـه وهو يقول :
-معشوقـة، إيـه رأيك لو نتجوز بكرا ؟؟..

أرتفع حاجباهـا للأعلى في صدمة جلية، هتفت بلا تصديق :
-نعــم !!..

أجابهـا بجدية :
-أنا عاوز إجابة مُحددة .

أصابهــا التوتر البالغ حيث قالت :
-آدم إيـه إللي إنت بتقولـه ده ؟؟.. أنا أتلخبط أوي .

تشكلت إبتسامة متحمسة على شفتيـهِ قائلاً :
-ليـه بس ؟؟.. أنا عاوز أبقى أمانك وتبقي مراتي رسميًا قدام الكل، وبعدين بصراحة أنا مش قادر أصبر أكتر من كده، فالموضوع ده إللي هيرحيني، وإن شاء الله نعمل الفرح بعدهـا بشهر .

نظرت لـه بدهشة أعلى عن ذي قبل مرددة :
-إيــه إللي إنت بتقولـه ده ؟؟!!..

فرك "آدم" طرف ذقنـه عدة مرات ثم قال :
-على فكرة أنا بقولك نفس الأقتراح إللي أقترحـه آسر، يعني هو قـال لـ أميرة، وهي وافقت !!..

هزت "حبيبة" رأسهـا قائلة بعدم إستيعاب :
-إيــه !!.. هي وافقت ؟؟.. معقولة !!..

هتف بإبتسامة جانبية :
-أومـال إيـه يا بنتي !!.. عشان كده أنا عايزك تفكري، عشان تبقى الفرحـة فرحتين !!.. وتبقى ليلة عُمرهـا ما تتنسي، وكمـان نعمل فرحنـا مع فرح إبن عمي وصاحبتك، عشان تبقى فرحة أكبر .

أحتضن كفي يدهـا براحتي يده مُتسائلاً بـ لُطف :
-هَـاا.. قولتـي إيـه يا معشوقة ؟؟..

أطلت عينيهـا نظرةً حائرة تشفّ عن عدم إستطاعتهـا إجابة تساؤلـه، إبتسم إبتسامة هادئة لـ يبث لهـا الطمأنينة وهو يتمتم :
-معشوقـة لو إنتي محتارة ومش عارفة تفكري أو قلقانة أو حتى مش عايزة، أنــ....

لم يكد يتم عبارتـه حتى قالت وقت تألقت عيناها ببريق حامس :
-أنا موافقة يا آدم .

تراقصت إبتسامة ساحرة على شفتي "آدم"، رفع يده القابضة على كفهـا الصَّغير ناحية فمـه ثم قبلـه برقة، همس لهـا بعشقٍ جـارف :
-بحبـك يا معشوقتي !!..

******
في مساء يوم التالي، أصر "حازم" بأن يكون معهـا في تلك الليلة، لـ يشهد عقد قرأنهـا، هو مُنذ الصغر يعتبرهـا شقيقتــه، شعر بـ سعادة تغمره حينما علم بأنهـا ستتزوج من أحبتـه وكذلك هو، لم يخبر والده أو والدتـه قط؛ خوفـًا ومنعًا من حدوث مشكلة حتى لو كانت صغيرة مع إبنـة عمـه الوحيدة، خاصةً أنهـا ليلة من ليالي العُمر، تمنى بنية صافية أن تدوم تلك السعادة للأبد .

وصلت سيارتين أمام مدخل القصر لـ عائلة الألفي، ترجل كُلاً من "أميرة" و"حبيبة" و"حازم" من السيارة الأولى، بينما ترجل "آسر" و"آدم" و"كامل" من السيارة الثانية، دخل الجميع القصر وبداخل كل شخص مشاعر مختلفة .
أرتدت "أميرة" ثوبًا طويلاً باللون الأبيض، وتركت شعرهـا الأسود ينسدل على ظهرهـا لـ تبدو فتـاة جذابـة رغم رقتهـا، بينما أرتددى "آسر" قميصًا باللون الأبيض وبنطالاً باللون الأسود، وترك أول أزرار قميصـه مفتوحـة لتصدره عضلات صدره الضخمـة والصلبة، إبتسم لهـا إبتسامة لا توصف، لقد تأكد اليوم أنهـا خُلقت لـ أجلـه فقط .

دبت القشعريرة عندما لمس كفهـا، ووضع المأذون المنديل على كفيهمـا، ليبدأ بعقد قرأنهما، وكان كُلاً من "كامل" و"حازم" شاهدان على زواجهمـا .

تم عقد قرأنهمـا بعد دقائق حيثُ قــال المأذون :
-"بارك الله لكما، وعليكما، وجمع بيكما في الخير."

وقف "آسر" لـ يجذبهـا من يدهـا، ثم احتضنهــا بقوة، تعلقت به بشدة وهي تبتسم بسعادة، بينما سحب "آدم" معشوقتـه خلفـه ثم أجلسهـا على الأريكة بجوار المأذون، هتف "آدم" بإبتسامة مشرقة وهو يوجـه أبصاره على وجههـا :
-يالا يا شيخنـا جوزني بسُرعة، ده أنا ما صدقت أنهـا وافقت .

سألهـا المأذون بصوتٍ هادئ :
-هل توافقين على هذا الزواج ؟؟..

حركت رأسهـا سريعًا بإبتسامتهـا ليقول وهو يفتح الدفتر :
-على بركة الله، أين البطايق ؟؟..

أخرج "آدم" بطاقتـه الشخصية من جيب بنطالـه وكذلك هي أخرجتهـا من حقيبة يدهـا، بدأ المأذون في كتابة بياناتهم في الدفتر الخاص بهِ ثم أمسك بالمنديل مرددًا بصوتـه العذب :
-"وخلقنـا لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليهـا وجعلنـا بينكم مودة ورحمـة."

مد "آدم" يده وكذلك "حبيبة" لـ يقبض يدها ثم وضع المأذون المنديل فوق كفيهمـا ليبدأ عقد قرأنهمـا، ظل "آسر" محاوط خصر "أميرة" بذراعـه الأيمن وهو يبتسم لهـا بشغف، بينما "أميرة" تتابـع ما يحدث لصديقتهــا بسعادة عارمة .

دقائق أخرى مرت على الجميع، وكان أنتهى المأذون من عقد قرأنهمـا، نهض "آدم" من مكانه على الفور ثم قبض على كفي يدها بقوة ليجذبهـا إليـه، شهقت "حبيبة" بينما هو أحتضنهـا بقوة، أستنشق عبيرهـا بجنون، ودفن وجهه في عنقهـا، قــام كُلاً من "كامل" و"حازم" بتوصيل المأذون، وقرر كُلاً منهما بأن يجلسان في حديقة القصر.

تراجع "آدم" عنهـا وهو يقول بشغف :
-مبروك يا معشوقتي .

إبتسمت بخجل مرددة :
-الله يبارك فيك يا آدم .

أمسك كفي يديهـا مرددًا بحماسٍ :
-بقواك إيـه، تعالي معايا أوريكي أوضتي .

ثم غمز بنصف عين قائلاً بخبثٍ :
-إللي هتبقى أوضتنا إن شاء الله يا جميلة .

أخفضت عيناها بخجل جلي قائلة :
-لأ بلاش خلينـا هنـا أحسن .

سحبهـا خلفــه هاتفـًا بإصرار :
-لأ معلش، عشان لازم تقوليلي رأيك، ولو حابـه تغيري حاجة فيهـا، لأن ده حقك .

زفرت زفيرًا حارًا مستسلمة لـ طلبــه، صعد على الدرج بخطوات هادئة ولم يترك يدهـا، تابع "آسر" ما يحدث بإبتساة ماكرة، وعندما أختفى إبن عمـه وزوجتـه، تحركت أنظاره الماكرة ناحيتهــان بينما هي تنظر لهُ بريبة ملحوظة، إبتسمت له بتوتر قبل أن تقول :
-طـ.. طب أنا رايحة أشوف حازم وكامل راحوا فين .

وقبل أن تستدير كان يمسك يدهــا مرددًا :
-تعالي هنـا، إنتي فاكرة إني هسيبك .

مــال برأسه ناحيتهـا هامسًا بنعومة :
-أنا ماصدقت إنك بقيتي مراتي يا أميرتـي !!..

صمتت تمامًا ولم تعرف ما الذي يجب أن تقولـه، أتسعت إبتسامتــه أكثر وهو يلف خصرهـا بذراعه الأيمن، وبذراعــه الآخر أسفل رُكبتيهـا ليحملهــا بين ذراعيــه، شهقت "أميرة" وهي تقول بإرتبـاك :
-آسر، إنت بتعمل إيـه ؟؟.. وهتودينـي فين ؟؟..

همس بإبتسامة خلابـة :
-متستعجليش، هتعرفي دلوقتـي .

صعد على الدرج متوجهًا ناحية غُرفتـه، كان الباب مواربًا فـ دفعـه بجانب جسده بخفة، دلف للداخل وهو مثبت أنظـاره على عينيهـا التي تجعلـه في حالـة جنون، أنزلهـا برفق وما إن لمست الأرض، إبتعدت فورًا عنـه وهي ترمقـه بتوتر، أغلق باب الغرفة بـ هدوء، ثم ألتفت إليهـا وعلى وجهه إبتسامة هاتفـًا بإشتياق :
-مش قادر أصدق إن حلمي أتحقق .

دنى منهــا وهو يدس يده في جيب سترتـه لـ يُخرج عُلبة صغيرة -ذات اللون الأزرق-، ألتمعت عيناهـا بحماسٍ وهي تنتظر بشغف كبير ما بداخلهـا، فتح العُلبة وقربهـا ناحيتهــا لـ تزداد لمعان عينيهــا المبهورتين، كانت سلسلة رقيقة من الذهب يتدلي منهـا لقبهـا "نصفــي"، وبجانبهــا سوار أيضًا من الذهب خطت حروف لقبهـا الثاني "أميرتــي"بـ فصوص الماسية، شهقت وهي تضع يديهــا على شفتيهــا، ثم خبأت وجههـا براحتي يدها مانعة هبوط دموعهــا الغير مصدقة، أسند العُلبة على التسريحة لـ يقبض على يديهـا وهو ينطق بـ إبتسامة صغيرة هامسًا بإسمهـا :
-أميرة .

أبعد يديهـا من على وجههـا لتظهر دموعهـا السعيدة، هتفت بإبتسامة مرددة بتلعثم :
-مـ.. معلش، بس أنا أتفاجئت، والمُفاجأة فرحتني أوي .
وضع إصبعـه على شفتيهـا مانعًا إياها من النطق بـ أي حرف قائلاً بصوتٍ رجولي قوي وهو يُحدق في عينيهـا مباشرةً :
-أميرة إنتي بقيتي مراتي، طالمًا بـتدمعي من الفرحة يبقى انا أسعد إنسان على وجه الأرض، مش عاوز أشوفك دموعك إللي فيهـا أي نوع من الحُزن تاني، دموعك بتقطعني حتت .

أحتضن وجههـا براحتي يده قائلاً بهمسٍ صادق :
-وبعدين إنتي تستحقي أي حاجة حلوة، وطول ما انا فيـا نفس يبقى متشليش هم، لأني سندك وهفضل وراكي، وعيني مش هاتشوف حد غيرك إنتـي وبس .

أنزل يديه ليجذب العُلبة ثم أخرج منـها السوار ووضعهـا حول معصمهـا، وأمسك بالسلسلة الرقيقة، لـ يضعهـا حول عنقهـا برقة، شعرت بـ أنفاسـه الحـارة تلهب عنقهــا، فـ أغمضت عينيهــا مقاومة تلك الرجفة التي أعترتهـا على حين غرة، أغلق القفل ثم رفع بصره نحوهـا لـ يجدهـا مُغمضة العينين، لم يبتعد عنهــا بل ظلت أنفاسه الحـارة تلهب وجههـا وعنقهـا وهي تقاوم ذلك الشعور الجديد عليهـا، رفع يده ناحيـة وجنتهـا يتلمسه برقة، ثم خلل أصابع يده بداخل فروة شعرهـا، هتف بشقاوة :
-نسيت أديكي هدية تانية .

فتحت عيناهــا وهي تتسائل بـ خفوت وإستغراب :
-هو في هدية تانية ؟؟..

حرك رأســه بحماسٍ، لتسألــه وهي تعقد ما بين حاجبيهـا :
-إيـه الهدية دي ؟؟.. مش إنت...

لم يدع لهـا فرصة لكي تكمل حديثهـا وتساؤلاتهــا، حيثُ قام بـ تكبيل شفتيهـا بـ شفتيـه في قُبلة عميقة مُشتاقة هادئة .. مليئة بالشغف.. بالعشق.. قُبلة مليئة بالحُب دون أي رغبة، سرت قشعريرة قوية في جسدهـا حينما قَبّلهــا بدون سابق إنذار، شعر بخجلهــا وتوترهـا، فـ حاوط خصرهـا بقوة أكبر، حاول الإبتعاد ولكن لم يستطع، أصطبغ وجههـا بـ حُمرة خجل تُكاد على وشك الإنفجار من قوة الخجل، إبتعد عنهـا أخيرًا، وهو يحاول أن يضبط أنفاسـه الاهثة، تراجعت للخلف عدة خُطوات وهي تقول بـ تذمر :
-على فكرة إنت قليل الأدب، أنا متوقعتش منك ده !!..

أتسعت عينـاه بدهشة مرددًا بضحك :
-يابنتي إنتي مراتي !!..

قالت بتذمر أشد :
-بردو يا آسر .

أقترب منهـا وهو يقول مُبتسمًا :
-خلاص يا عيون آسر .

صمتت ولم تنطق بحرفٍ واحد، أضــاف بشقاوة :
-بس تعرفي شكلك حلو أوي وإنتي مكسوفة كده .

نظرت له فجأة وأشرت بإصبعيهـا مرددة بتحذير :
-آســر .

أقترب منهـا أكثر وهو يرد بهمسٍ :
-عيونـه .

ظهر خجلهـا بوضوح لـ تقول سريعًا :
-أنا رايحة أغسل إيدي .

ثم ركضت ناحية المرحاض وما أن دلفت للداخل حتى أغلقت الباب، وضعت يداهـا على قلبهـا الذي يضخ بعنف، بينمـا هو دس يديـه بداخل جيب بنطالــه، تراقصت إبتسامة خلابة على شفتيـهـا، وتألقـت عينــاه ببريق خاص.. تأكد أن عشقــه لهــا جعلــه مجنونـًا بهـا، وسيقتلـه بـ بُطء إن اصابهــا مكروهًا ما .

******
أصدت شهقة خافتة وقد برقت عيناها بعدم تصديق، أتسعت إبتسامتهــا حينما فتح عُلبة صغيرة من القطيفة -ذات اللون الأحمر-، لـ تجد بداخلهــا خاتم ماسي، كانت الماسة ذات حجمٍ كبير، خطف جمال الخاتم بصرهــا، ألقى العُلبة على الفراش بعد أن أخرج منهـا الخاتم، ثم أمسك كف يدهـا لـ يُلبسهـا إيــاه في أصبعهـا بحذر ونعومـة، عبرت نظرة عيناهــا عن البهجة والفرحة، جذبهــا من خلف عنقهـا إلى لـ يُضمهـا إلى أحضانــه وهو يقول بـ همسٍ عاشق :
-بعشقـك يا معشوقة .

ذراعيهـا إلتفـا حول خصره، لحظات مرت وكان أبتعد بـ وجهـه فقط، ثبت بصره على عينيهـا، فـ أغرتـه تلك لمعة التي بهمـا، كانت تدقق ملامحه التي لأولُ مرة تراهـا عن قُرب، أستندت بـ كفيهـا على صدره، سيطر عليـهِ شعور غريب وجديد عليـهِ وهي بالقرب منـه، شعر بـ ضربات قلبـه تتزايد، لذلك وبدون تردد أنحنى على شفتيهـا طابعًا عليهمـا أول قبلة رقيقة تحمل الكثير من الشغف نحوهـا، أستسلمت لــه رغم شعورهــا بالخجل الشديد لـ فعلتـه الغير متوقعة، ولكن لوهلة أستسلمت لذلك الخدر، تراجع عنهـا وهو يحدق في عينيهـا المُغمضة، لـ يقول بـ هدوءٍ وعلى شفتيـه إبتسامة ساحرة :
-تعرفي أنك شكلك زي القمر يا معشوقة ؟؟..

فتحت عيناهـا لـ تنظر لـه بذهول، حينمـا أدركت ما حدث حاولت الفرار ولكن سُرعـان ما قبض على معصمهــا، جذبهــا ناحيتـه لـ تصبح ملتصقة بـهِ وهو يُميل عليهـا، نظرت لـه بـ ترقب، همس بـ صوتٍ قوي خشن :
-إنتي حقي من الدُنيـا .

ظلت محدقة في عينيـه، فـ أبتسم لهـا بـ هدوءٍ وهو يلثم وجنتهـا متابعًا قولـه :
-وأنا مش بسيب حقـي لحد مهمـا كان مين .

إبتسمت وهي تُخفض بصرهـا، ولكن عادت ترفعـه نحوه حينمـا نطق بإسمهـا، سألهــا بـ حماسٍ :
-إيــه رأيك نروح نتعشى بـرا دلوقتي .

إبتسمت بـ ذات الحماس مرددة :
-ياريت عشان أنـا جعانة .

حدق فيهـا بـ دهشة، ولكن تلاشت تلك الدهشة عنـه حينمـا سألتــه :
-هو إحنـا بس إللي هانروح ؟؟!..

حرك رأسـه نفيًا مجيبًا :
-لأ، آسر وأميرة كمان هيروحوا معانـا .

هتفت بتساؤل وبـ نبرة مليئة بالإهتمام :
-طب وكامل وحازم ؟؟..

هتف بإبتسامة :
-أحتمـال كبير يحضروا معانـا الأعدة، عشان تبقى اللمة حلوة .

صفقت بـ يدهـا مرددة :
-طب وإحنا مستنين إيــه ؟؟.. يالا بينــا .

أمسكت بـ كفـه لـ تسحبـه خلفهـا ناحية الباب، تملكهـا الكثير من الحماس والنشاط على ما سُيحدث، بينما هو ينظر لهــا بـ شغف وإشتياق، تضاعفت سعادتــه ولمعت عينــاه بـ بريقٍ خاص راسمًا على وجهـه إبتسامـة راضيـة .

******
بعد نصف ساعة، تحرك الجميع داخل إحدى المطاعم وأشهرهــا، توقف الجميع عن السير حينمـا أخبرهم "آسر" بأنــه سيعود إلى سيارتــه لـ جلب هاتفـه المحمول بعدمـا أكتشف بعدم وجوده معـه، تحرك عائدًا إلى سيارتـه السوداء، وبعد لحظات صغيرة عاد إليهم وهو يضع الهاتف بـ داخل جيب بنطالـه، تنهدت "أميرة" بـ عُمق لـ تقول بتذمر زائف :
-هـا في حاجة تانية ناسيهــا ؟؟..

رسم على محيـاه إبتسامة باردة وهو يرد عليهـا :
-لأ مفيش .

هتف "حازم" بمزاحٍ :
-يالا يا جماعة بقى عشان أنا جعان جدًا .

عقد "آدم" ما بين حاجبيـهِ قائلاً بتعجب :
-هو الكُل جعان إلا أنـا ولا إيــه ؟؟..

أقترب منـه "كامل" مرددًا :
-ماتقلقش، أنا كمان مش جعان .

أشـارت "أميرة" بإصبعيهـا قائلة :
-يعني إيـه ؟؟.. عايزين تفهمونـا أن أنا وحبيبة وحازم بس إللي جعانين !!..

قهقـه "آسر" ضاحكـًا بـ قوة، توقفت ضحكاتـه بعد ثوانٍ متمتمًا بمرح :
-واضح كده .

ضيقت عينيهـا متسائلة :
-قصدك إيـه ؟؟..

كاد أن يُجيب على سؤالهـا ولكن قبل أن يشرع في ذلك إستمع إلى صوت فرامل سيارةٍ مـا، إلتفت بـ جسده محدقـًا في شئ من الريبة والإستغراب، وجد صاحب السيارة يضغط على فراملهـا بقوة كبيرة، لـ تنطلق السيارة من أمامهم، حدق الجميع السيارة بعيون واسعة، خاصةً حينمـا لفت إنتباهم ذلك الشخص الذي أخرج نصف جسده من النافذة وهو يحمل سلاحًا، صوبــه إتجــاه "أميرة"، وقفت ثابتة ولكن عينـاها مدهوشة، بينمــا تحرك "آسر" من مكانــه بسُرعة البرق بعد إستيعابـــه عن تلك المؤامرة الكبيرة، ولكن قبل أن يقف قبالتهــا ويأخذهـا بين ذراعيهــا، أنطلقت تلك الرصاصة من فوهه المسدس، لـ تخترق جسدهـا بـ قوة .

كل ذلك مر في لمح البصر، لم يستوعب أحدًا ما حدث، حدقت في عينيــه المذهولتين بـ وهنٍ قبل أن يتهاوى جسدهـا، أسرع "آسر" بإسنادهـا قبل أن تسقط وترتطم بالأرضية ورفعهـا إليـهِ، رأت شريط حياتهـا يمر أمام ناظريهــا، تذكرت كل لحظة عاشتهـا سواءً كانت مليئة بالفرح أو مليئة بالحُزن، صرخت "حبيبة" بإهتيـاج وهي تنطق بإسمهـا، جثت على رُكبتيهـا وهي تمسك بـ كفهـا وقد أنهمرت دموعهــا بـ غزارة، بينما "حازم" مُتسع العينين على آخرهمـا، صدره يعلو ويهبط خاصةً حينما هبطت عينــاه تلقائيًا ناحية تلك الدماء التي تُسيل من جسدهـا .

أمـا عن "آدم" و"كامل"، فـ لوهلة أرتعش جسدهمـا، وخاصةً "كامل".. أقتربا سريعًا منهـا وهما ينطقـان بإسمهـا بعدم تصديق، بينمـا "آسر" لم يقاوم عبراتـه التي أنهمرت من طرفيـه على وجهه، وعدهـا أنـه سيحميهـا ولكن هي التي فعلت، أنتفض قلبــه بين ضلوعـه للحظة قبل أن يهمس :
-أميرة .

بلعت ريقهـا بـ صعوبة وهي تحاول أن تبقى حية لـ ثوانٍ معدودة :
-آآ.. آسر !!..

حرك رأســه نفيًا وهو يقول بـ نبرة خائفة :
-أرجوكي أستحملي، إنتي هتبقي كويسة .

أمسك بـ كفهـا بـ قبضتـه مرددًا بـ صوتٍ مختنق :
-ليـه ؟؟.. ليــه هتعذبينـا إحنا الاتنين يا أميرة ؟؟..
ردت عليـه بـ صوتٍ ضعيف :
-غصب عني .

أضافت بـ ضعفٍ أشد :
-مش بإيدي يا آسر !!..

سحبت نفسًا عميقـًا قبل أن تقول :
-بس صدقني لو جرالي حتى حاجة مش هسيبك .

أبعدت كفي يدهـا عن "حبيبة" لـ ترفعـه بـ بُطء عند صدره ناحية موضع قلبــه قائلة بـ صوتٍ متحشرج :
-أنا هعيش جواك !!..

حدق في عينيهـا مباشرةً هاتفـًا بـ رجاءً :
-لأ يا أميرة، صدقيني هتبقي كويسة بس أستحملي عشـ...

بدأت قواهـا تخبو تدريجيًا، شعرت بالظلام يغلف عينيهـا بـ قوة غريبة، ظلت تقاتل على آخر لحظة للبقاء ولكن الظلام وذلك الخدر المغري كانـا أقوى منهـا بـ كثير، أستسلمت رغمًا عنـها، سكن العالم من حولهـا، وتخدر جسدهـا تمامًا بدخول تلك الرصاصة، صرخت "حبيبة" بقوة عظيمة وهي تنطق بـ قلبًا حزين :
-آآآآآآآآآه لأااااااا !!..

بدأت الجموع تتكون حولهم متأملين ما حدث لهـا، أمتزجت عباراتهم المواسية مع تلك الحادثة، شحب وجه "حازم"، تراجع للخلف وهو يهز رأســه نفيًا غير مستوعب، هي كانت بمثابة لـه شقيقتــه وصديقتـه الوحيدة، هي الفتاة التي كان دائمًا يشاركهـا في مشاكلـه وفي فرحتــه وكل شئ، وجد ذاتـه يقول بـ همسٍ خافت :
-أبويـا، أبويـا ورا الموضوع !!..

حرك رأسـه نفيًا وهو لا يُزال يتراجع قائلاً :
-ليـه عملت كده ؟؟.. ليــه ؟؟..

شعر بأنـه سيقع ولكن أحد الرجال الذين يتابعون ما يحدث أسنده قبل أن يقع، هبطت دمعة حـــارة من عينيه وهو يصرخ :
-أمـيـــرة !!..

أقترب منـه "كامل" سريعًا مسلطـًا أنظاره عليـه قائلاً بـ صوتٍ مختنق وعينــاه تلتمع بـ شدة :
-أهدى يا حازم .

بينمـــا ظلت "حبيبة" تصرخ بأنين يدمي القلوب، ودموعهــا تهبط بـ غزارة لم تعهدهـا من قبل، أحتضنهــا "آدم" بـ قوة من الخلف بينما هي مستسلمة تمامًا، أخذت تصرخ بأعلى صوت لديهـا وهي تُشير بيدهــا ناحية رفيقة عُمرهــا :
-لأاااا، أميرة مش هتموت، أميـــرة !!.. يا أميـــرة !!..

أتسعت عينــاه بذهولٍ، تضاعفت رجفة جسدهِ، هزهــا بخفة وهو ينطق بـ :
-أميرة، أميرة بطلي الشُغل ده، إنك تُخضيني وبترجعي بعدهـا زي الحُصان !!..

لم تستجيب بالطبع حيث قد ذهبت إلى ملكوت آخر، هزهـا بقوة أشد وهو يقول :
-أميرة، يالا بقى فوقـي، بلاش تخوفيني عليكي أكتر من كده عشان أنا حاسس إن قلبي هيقف لو أستمريتي على الحـال ده !!..

أنتحب صوتـه وهو يتمتم بـ رجاءٍ شديد :
-أميرة أنا مش هعرف أعيش من غيرك، أعملي أي حاجة بس ماتبعديش عني ومتهزريش معايـا كده !!..

تأكد أن ما حدث ولا يُزال يُحدث ما هي إلا حقيقـة، حقيقــة مُــرة لا أحد يتحملهــا خاصةً إن كان شخص مثلـهِ.. عــاشـــق !!..

هو الآن يُعاني ويواجــه أقسى الأحاسيس على وجه الأرض، أحساس الفراق من أهم شخص في حياتـــه، أحتضن رأسهــا بـ ذراعيـهِ لـ يصرخ بـ قوة كبيرة غريبة لم يرى أحد مثل قوتهـا حتى أستشعر أن حبالـه الصوتية تقطعت :
-آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه !!..
**********


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-06-20, 08:48 PM   #12

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفَصْلُ العِاشَّرُ ))

تـمّ نقلهـا إلى أقرب مشفى خاصة، ترجل "آسر" من السيارة، وأتجــه إلى الباب الآخر لـ يفتحـه، حملهــا بين ذراعيــهِ ومازال نزيفهـا لم يتوقف، ثم هرول داخل المشفى وكذلك الجميع، ركض بهـا نحو الأستقبال وهو يصرخ في الجميـع غير قادرًا على السيطرة على نوبة الهلع والفزع التي أنتابتــه :
-دكــتور، عايز دكتــور بسُرعـــة !!..

تأهب الجميع الأطباء بالمشفى لـ تقديم يد العون، وبالفعل دبت حركة مريبة بين ردهـات المشفى، وضعوهـا على الفراش النقال وتحركوا بهـا للداخل والجميع بصحبتهــا، هتف أحد الأطباء لـ المُمرضة الشابة بـ عملية شديدة :
-جهزوا العمليات بسُرعة .

تحركت الممرضات يسحبن الفراش كي يتم تجهزيهـا للدخول العمليات، وخاصةً حين علمهم بهوية الحالة الحرجة الآتية، بسط "آسر" ذراعـه يحاول لمس الفراش هاتفــًا بألــم حــارق لم يشعر بـهِ من قبل :
-أميــرة، متمشيش عشان خاطري، مش هقدر أتحمل ألم بُعادك عني، أميــرة .

صرخ بـ صوتــه المختنق :
-إنتي مش هتخذليني صح ؟؟.. إنتي هاتبقي كويسة وأحسن من الأول صح ؟؟..

تشبث أكثر بهـا وهو يُتابــع :
-رُدي عليــا يا أميرة .

تم منعـه من التحرك لأكثر من هذه الحدود، وبقى واقفـًا أمام هذا الباب، لمح قميصـهُ الأبيض الملوث بـ دماء "أميرة"، لـ يزداد أختناقـــه، كان على وشك أن يفتديهـا بـ روحــه دون أن يطلب مُقابل ولكن كانت الرصاصة أسرع ما يُمكن أن أحد يتصورهـا، تهدجت أنفاسـه وأرتخت عضلاتـه، أرتجف بدنه من تخيل فقدانهـا خاصةً بعد ما رأه، تجمدت أعينـه على الباب المعدني .

أستندت "حبيبة" على الحائط وهي تشعر بـ جمود غريب، أستشعرت خسارتهــا فـ أنقبض قلبهـا أكثر، ودبت إرتعاشة قوية بداخل جسدهـا، إنتفضت على يد "آدم"، أمسك بـ كف يدهـا وسحبهـا خلفـه، أجلسهـا على المقعد المعدني، ثم جلس بجوارهـا، كان جسدهـا أشبـه قطعة من الجليد، لم تُعد تشعر بـ أي شيء، فهي الآن مُغيبة تمامًا .

جذبهـا "آدم" سريعًا إلى صدرهِ، لم يُعد يستطع أن يتحمل رؤية حالتهـا تلك، مسد رأسهـا بـ حنوٍ قائلاً بـ همسٍ خافت :
-حبيبة، صدقيني هتبقى كويسة، وهترجع أحسن من الأول، بلاش تعملي فـ نفسك كده .

نفخ بإختناق وهو يُضيف بـ ذات الهمس :
-بلاش حالة الجمود إللي إنتي فيهـا دي، عيطي.. عيطي جوا حُضني، يمكن ترتاحي !!..

لم ترد عليـه، بل أغمضت عينيهــا قبل أن تنهمر دموعهــا، أنفجرت بـ بُكاء مرير وبدأت تشهق بـ قوة، فـ ضمهــا أكثر بداخل أحضانــه عسى أن تهدأ ولو قليلاً !!..

لم تعد ساقـاه قادرة على الوقوف لـ ذلك وبدون تردد، جلس على الأرضية الصلبة الباردة، مسح "حازم" على وجهه بـ قوة، زاد الإختناق الذي بـ صدره، خلل أصابعـه بداخل فروة شعره وهو يزفر زفيرًا حارًا، كل ما يسيطر عليـها الآن هو التضرع خفية لله لإنقاذ إبنـة عمــه، هتف بـ رجاءً :
-يارب، يارب تقوم بالسلامة، هي بنت كويسة ومتستحقش ده .

أغمض عينيــه لوهلة وأسند رأســه على الحائط حينمـا بدأت ترواده الذكريـات القديمة، عاد الزمن بـه إلى الوراء وهو جالس بإريحية على الأريكة مُنتظرًا لحظة دخول عمــه "أشرف"، فقد أتت أحدى الخادمات مُرسلة إليـهِ أمر بالذهاب إلى غُرفة مكتب عمـه وأن ينتظر بداخلهــا بناء على أوامر رب عملهـا، تنهد تنهيدة حــارة وسُرعـان ما هب واقفًا عندمـا وجد عمـه يدخل، أشـار إليـهِ بالجلوس بإبتسامة هادئة، جلس بجواره وهو يسحب نفسًا عميقًا لـ يزفره على مَهَل مرددًا بـ هدوء :
-إيــه أخبار دراستك ؟؟..

هتف بإبتسامة وعينين باسمتين :
-الحمدلله، ماتقلقش يا عمي، أنا هجيب إمتياز زي السنة إللي فاتت، وخصوصًا أن دي آخر سنة ليـا فالجامعة .

لمعت عينـاه وهو يُضيف بـ شغف :
-وكمـان أنا نفسي أحقق حلمي إللي بحلم بيـه من صُغري، نفسي أخد منحة وأسافر بـرا .

ربت على كتفـه قائلاً بنبرة مليئة بالحماسٍ :
-هتحققــه، بس كمل إللي بدأتــه، وكمــان لو أحتجت حاجة قولي على طول .

أطلق تنهيدة عميقة وهو يُتـابع بـ بسمة صغيرة :
-إنت زي إبني بظبط، وكمان أنا بحس إنك شبـهي فـ التصرفـات والمبادئ .

صمت للحظاتٍ قبل أن يقول بـ تردد :
-مُمكن أطلب طلب ؟؟..

أجاب بنبرة عادية مؤكدًا على كُل حرف ينطقـه :
-طبعًا، حضرتك تؤمر مش تطلب !!..

قـال بـ جدية :
-بس هو طلب كبير مش سهل .

هتف بثقة :
-بس مش مُستحيل، وبعدين أنا أعمل أي حاجة عشان خاطرك يا عمي .

إبتسم إبتسامة لم تصل لـ عينيـه قائلاً :
-خُد بالك من أميرة، إنت زي أخوهـا، وبعدين إنتوا من زمان وإنتوا صُحاب وأكتر من أخوات، وكمـان إنت عارف إني طول الوقت في شُغلي وكذلك مراتي، خُد بالك من بنتي يا حازم .

إبتسم "حازم" هاتفـًا بثقة :
-يا عمي ده إنت لسـه كنت بتقول إحنا صحاب وأخوات، أميرة كانت جدعة معايا كتير في مواقف ملهاش عدد، وأوعدك إني هاخد بالي منهـا .

ختم كلمتـه الأخيرة وقد أتسعت إبتسامتـه وهو يومئ بـ عينيـه بنظراتٍ مُطمئنة، هز "أشرف" رأســه وهو يتنهد بإرتيــاح، وبادلــه إبتسامة شاكرة، فقد وعده بـ حمايتهــا وهو على ثقة أنـه سيفعلهـا .

عاد إلى أرض الواقع حينمــا شعر بتلك اليد توضع على كتفـه لـ تشد من أزره، فتح عينيـه بـ بُطء وألتفت بعدهـا بـ رأسـه للجانب ليجد "كامل" إلى جواره، هتف الأخير بـ صوتٍ خفيض :
-أدعيلهـا يا حازم، وبلاش تعمل كده فـ نفسك .

سحب نفسًا عميقًا وهو يقول بـ رجاءً :
-يارب قومهـا بالسلامة .

خرجت إحدى المُمرضـات من الداخل متوجهـه نحو "آسر" قائلة بهدوءٍ :
-يا أستـاذ.. لو سمحت .

حدق فيهـا بأعين قلقة، بينمـا تابعت بـ هدوئهـا :
-دي الحاجة الخاصة بـ المريضة إللي جوا، أتفضل .

أخفض نظراتـه لـ يُحدق فيمـا معهـا، رأى القلادة والسوار، وهاتفهـا المحمول، ألتقطهم منهـا ودقق بـ بصره فيهم، لا يكيفيـه نظرة، فـ قربهمـا من أنفـه لـ يستنشق عبقهـا الممزوج بهمـا، أغمض عينـاه بقوة حتى آلمـه جفنـاه من شدّة الضغط عليـه، ولكن أبت عينـاه ذرف العبرات، بعد عدة دقائقٌ.. فتح عينـاه ثم وضعهم بداخل جيبي بنطالـه وهو يخرج تنهيدة عميقـة حــارة من صدره.

ظلت أعينــه الامعة ثابتة على باب غُرفة العمليـات، مسح على وجهه يُحارب تلك الرغبة العنيفة بـ البُكاء، وفجـأة وجد ذاتــه يفكر من تجرأ وفعلهــا، بدأ التركيز يعرف الطريق لـ عقلـهُ، بدأ بـ تجميـع خيوط القصة، أول شخص قد يتجرأ على فعلهـا هو عمهــا، كور "آسر" أصابع يده ضاغطـًا بـ عصبية عليهم، وجد نفسـه يتحرك مُسرعًا ناحية "حازم" الذي ظل جالسًا على الأرضية عاجزًا عن الوقوف، وعلى حين غرة جذبــه من تلابيبــه وهو يصرخ في وجهه :
-إنت إزاي واقف معانــا، مش كفاية إللي أبوك عملــه !!.. عاوز منهــا إيــه يا أخي ؟؟!..

ظل وجهه جامد كالجليد بينما هدر الأخير بنبرة جهورية :
-لو جرالهــا حاجة هقتل أبوك، هموتـه موتة بشعة، فاهــم !!..
صرخ "حازم" في وجهه مرددًا بقوة :
-سبني في حالي بقى، أنا ساكت عشان مقدر إللي إنت فيـه، بس..

أعمــاه الغضب، فـ بحركة مُفاجئة منـه باغتـه بـ ضربة قوية بـ قبضة يده على فكـه وهو يقول بغلظة :
-وليك عين تتكلم .

ترنح في مكانــه على أثر تلك اللكمة العنيفة، ركض "كامل" ناحية "آسر" مانعًا إيـاه من الأقتراب قائلاً بصوتــه الأجش :
في إيـه يا آسر، إنت هطلع غضبـك عليـه ليـه ؟؟.. هو ذنبـه إيــه ؟؟..

رد "آسر" عليـهِ مُندفعًا في غضبـــه :
-ذنبــه إنـه إبن إللي حاول يقتل مراتي .

دنى منــه "حازم" قائلاً بنظرات حادة رغم الوهن الذي أحتل تعبيرات وجهه :
-أنا صحيح إبنـه، بس مش زيـه، المبادئ والصفات إللي فيـا خدتهـا من عمي الله يرحمــه، لأن في فترة جت والدي و والدتي أهملوني فيهـا فكُنت مُعظم الوقت عندهم، ولو طلع أبويـا هو إللي عملهـا، صدقني مش هسكت .

مسح على وجهه بإنفعال بيّن وهو يُتابــع :
-أنا وعدت عمي زمــان إني أخُد بالي منهـا، عشان ملهاش حد، وأظن إنت عارف أن أميرة مش بتثق فحد بسهولة، فـ كون أنهـا تقولي أنهـا هتجوزك، يبقى ده معنــاه إنهـا بتثق فيا جدًا .

أستشعر بـ صدق كلماتــه، فكُل كلمة نطقهــا حقيقة، رمقــه بـ نظرةً أخيرة واجمـة قبل أن ينصرف من أمامهم، تحرك "كامل" خلفـه بخُطوات متعجلة لـ مُلاحقتــهُ، وقف "آسر" أمام باب الغُرفة التي بداخلهــا روحـه وكيانـــه، هتف صديقــه بهمسٍ :
-أنا حاسس بيك يا صاحبي، بس ده مينفعش، مهمـا كان يبقى إبن عمهــا بردو !!..

قــال وقد ذهب عنـه غضبـه :
-بس إنت عارف يبقى إبن مين .

نفخ بتبرم وهو يقول بنبرة رجولية قوية :
-لعلمك بقى، حازم محبش يقول لـ أهلــهُ على جوازك من بنت أخوهم، عشان مش عاوز حد منهم ينكد عليهـا في ليلة دي .

تقوس فمــه لـ تظهر من خلفهــا إبتسامة ســاخرة وهو يقول بـ تهكم :
-نكد !!.. دي قلبت أسوأ من كده بـ كتيـــر !!..

أغمض عينــاه وهو يشعر بأن روحــه تنسحب بـ بُطء شديد، وجد ذاتــه عاجزًا عن الوقوف فـ جلس على الأرضية الصلبة وهو يُردف بألم :
-عمل كُل ده عشان الفلوس !!.. كان ياخُد أي مبلغ زي ماهوَ عايز، بس يعمل كده ليــه ؟؟.. ليـــــه ؟؟..

هز "كامل" رأســه نفيًا قائلاً بنبرة عقلانيـة :
-آسر، إنت ذكي جدًا، فكر دقيتين بس، هتلاقي أنهم عملوا كده عشان ثروتهـا، ثروتهــا كبيرة جدًا، ولما هي بلغتهم بأنهـا هتتجوزك، قرروا أنهم يقتلوهــا، بـ حيث أن الثروة تروحلهم هُمــا .

فتح عينيــه ورمقــه بـ صدمة، فـ أضاف الأخير بجدية :
-لأنهــا لو أتجوزتك، معنــاه أن لو جرالهــا حاجة لـ قدر الله، ثروتهــا هتروحلك إنت .

لم تحدْ بـ نظراتــه عن وجهه مرددًا بـ عدم تصديق :
-للدرجادي !!..

سكت للحظةً قبل أن يتحول لـ كُتلة غضب، ظهرت عروق نحره بـ قوة، وكور أصابــع يده ضاغطًا بـ عُنف عليهم وهو يُصيـح بـ عصبية :
-بس الأول أطمن عليهــا وقلبـي يرتـاح، وأنا هوريــه، هخليــه يندم العُمر كُلـــهُ، هخليــه يتمنى الموت ألف مرة ومش قادر يطولــه .

هتف "كامل" بـ حُزن :
-إن شاء الله خير يا آسر .

هز رأســه غير مُصدقــًا ما يحدث، هتف بصوتٍ مفطور :
-كُنت هفديهــا بـ روحي يا كامل بس ملحقتش .

ردد بحُزن بالغ :
-ده قدر ومكتوب .

سألـــه بـ جمود غريب :
-عُمرك حسيت أن روحك مربوطة في شخص ؟؟..

صمت ولم يُجيب على سؤالــه، في حين تابـع "آسر" :
-أن روحي مربوطة بـ أميرة، يعني لو مشيت، كأني ضعت .

كانت الجملــة عميقة بالنسبة إليــه، هو مُحقًا في شعوره إتجــاه زوجتـه، بالرغم من عدم إختباره لذلك الشعور قط، ولكن على ثقة أنــه لو كان مكانــه، لكان فعل مثل ما يفعلـه صديقــه، جلس على أحدى المقاعد القريبة منـه وهو يشعر بالقلق، مشاعر مُخيفة سيطرت على الجميع .

مرت فترة طويلة وهم ينتظرون على أحرّ من الجمر أن يطمئنهم أحد، كان الوضع ساكن للغاية والساعة تمر بـ بُطء شديد تليهـا أُخرى، نهض "آسر" من مكانــه وجاب الردهة ذهابًا وإيابًا ولمْ يتوقف لسانــه عن الدعـاء لـ زوجتـه، تأهبت حواســه وتصلب جسده حينما أنتبـه لدفع الباب، ظهر السرير النقـال ذا حجم العريض، دفعـه للخارج ثلاثة من المُمرضــات، ركض "آسر" إليهم وهو يهتف بإسمهـا :
-أميرة، أميــرة، بردو مش هتردي عليــا !!..

أبتعدت "حبيبة" عن أحضان زوجهـا راكضة إليهم وهي تقول بصوتـها المُختنق :
-ميـرا، أميرة إنتي كويسة ؟؟.. أرجوكي ردي عليـا .

جذبهــا "آدم" من ذراعيهـا مرددًا :
-حبيبة سبيهـا دلوقتي .

هتفت بـ بكاء وهي تحاول الإلحاق بهـا :
-أنا عاوزة أطمن عليهــا .

حاول أن يسيطر على حالتهـا فقـال بهدوء :
-حبيبة بقولك تعالي، إنتي كده بتأذيهـا .

توقفت وهي تُتابعهــا بعينين باكية، ضمهـا بداخل أحضانــه قائلاً :
-أهدي يا قلبي عشان خاطري، وإن شاء الله خير .

توقف "آسر" حينما لمح طبيبًا في العقد الثالث من العُمر ذا ثوب أخضر معقم وكمامة تغطي فمــهُ، هرول نحوه مُتسائلاً بتلهفٍ :
-خير يا دكتور ؟؟..

ركضت "حبيبة" نحوه وأعصابهـا تكاد تحترق من قوة الخوف، بينما البقية وقفوا يتابعون بصمت والقلق مُسيطرًا أجواء المكان، أطرق الطبيب رأســه وهو يرد بعد أن أخفض الكمامة عن فمـهُ :
-أنا مش عاوز أخبي عليك، بس الوضع كان حرج في البداية، وعلى العموم إحنا عملنــا إللي علينــا والباقي على ربنــا .

صمت قليلاً لـ يهوى قلبـه بين قدميـه، سألـــه بصوتٍ مُتقطع :
-مـ.. مش فاهم، وضحلي أكتر .

هتف بروتينية :
-العملية نجحت الحمدلله، بس حالتهـا للأسف خطيرة، الرصاصة كانت قريبة من القلب، وهي دخلت في غيبوبة مُدتهــا غير معلومة، وحاليًا إحنا هندخلهـا العناية المركزة .
من أقوى الصدمـات التي مرت على حياتــه، تجمد مكانــه غير شاعرًا بـ حولـه وغير قادرًا على الإستيعاب .

في حين كانت "حبيبة" توقفت عن البُكاء، ثمة جمود غريب مُريب أعتراهـا من شدة الصدمة، أنقطعت أنفاسهــا فجأة، شعرت بالدنيــا تدور من حولهــا، مخدر ما تسرب لـ جسدهــا حينما علمت تلك الحقيقة المُرة، أغمضت عينيهـا لـ تنسدل من مقلتي عينيهـا عبرات حارقة ألهبت وجنتيهـا، ألتفت "آدم" لهـا لـ يجدهـا تترنح، كادت أن تسقط، ولكن كان الأسرع منهـا حيثُ مد كلا يديـهِ لـ يمسك بهـا قبل أن تفقد الوعي تمامًا بين ذراعيــه صارخًا بـ رعُب :
-حبيبــة !!..

أنتفض "آدم" فزعًا وهو يحملهــا بين ذراعيــه، أجلسهــا على المقعد المعدني وبدأ يضرب وجنتها برفق هاتفًا بنبرة مرتعدة :
-حبيبة.. حبيبة فوقي عشان خاطري .

ثم حرك "آدم" راحة يده وأمسك بـها من فكهـا بـ أصابع كفـه، وظل يحرك وجههـا لليمين ولليسار، لم تستجب قط، فـ لم يكن أمامـه أي خيار آخر سوى أن يحملهـا وإرسالهـا إلى أي طبيب للفحص عليهـا بعد أستماعهـا لـ تلك الصاعقة التي لم تتوقع أن تتكرر مرة أخرى، أحكم لف ذراعـه حول خصرهــا، ووضع ذراعـه الآخر أسفل ركبتيهــا، لـ يحملهـا بين ذراعيه بـ خفة ثم تحرك من أمامهم متوجهًا بهـا إلى قسم الطوارئ بـ خُطوات مُتعجلة .

ترنـح "حازم" ولكن تماسك على آخر لحظة، ظل يردد بهمسٍ خافت :
-لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله .

كَـأنهــا غيمة أُحجبت عنــه الرؤية، وجد ذاتــه يتراجـع للخلف حتى أسند يديـه على الحائط، شعر أن قلبـه قد أقتلع توًا من مكانـه بدون سابق إنذار، وكأن الحياة بالنسبة لهـا قد توقفت تمامًا، حاول فتح عينيــه ولكن حينما فاتحهمــا وجد ذاتــه يرى حولــه لون أزرق، ترنح بـ جسده عقب تلك الصاعقة التي أطاحتــه بقوة، ركض "كامل" إليــه وأمسكــه مرددًا بقلقٍ :
-آسر، حاسس بإيــه ؟؟..

أجاب بنبرة ضعيفة :
-شايف الدنيــا زرقة .

صــاح الطبيب بصوتٍ جاد :
-لازم نخده على الطوارئ بسرعة، لأنــه على وشك أنــه يجيلــه هبوط .

فاجعة حلّت على رأســه، أطبق عينيـه بـ قوة يعتصرهمــا ألمًـا، لـ يصرخ بألم وهو يمسك رأســه بـ كلتــا يديــه ولكن ذلك الألم ليس أقوى من ألم قلبــه :
-مش قـــادر، آآآآآآآه !!..

صــاح الطبيب بنبرة عالية :
-يا محمد، بسُرعــة هات سرير نقـــال.

وفي أقل من دقيقة، كان أتى المُسعف وهو يسحب سريرًا نقالاً، عجز "آسر" عن السير، فـ أسنده "كامل" وكذلك "حازم" الذي دنى منهما سريعًا لتقديم المُساعدة، أجلسوه على السرير النقال، دفعــه كُلاً منهم متوجهين نحو المصعد الكهربائي، نظر "حازم" في وجه "آسر" وهو ينطق بإسمــه بقلقٍ :
-آسر، إنت سامعني ؟؟..

غــاب عن الوعي تمامًا راهبًا إلى عالم بعيد، هتف "كامل" بضجر ونظراتٍ قلقة للغاية :
-إيـه اليوم الزفت ده ؟؟.. أستغفر الله وبكل ذنب عظيم .

وصل المصعد إلى الطابق الثاني، ثم سحبوا الفراش برفقة المُسعف لـ يكون بداخل أحد الأقســام، وقف المُسعف وهو يقول :
-من فضلكُم خليكم هنــا، لأن ممنوع الدخول .

وقفا بالخارج والقلق يأكلهم، إنـــه يوم مليئ بالكوارث حقًا، هتف "كامل" بحُزن عميق :
-إيـه المصايب إللي بتنزل ورا بعض دي .

رد "حازم" عليـهِ بنبرة يشوبهـــا السُخرية :
-مصايب !!.. دي حاجة أقوى من كده، قول كوارث، قول بلاوي سودا .

ألتفت "كامل" لـه على حين غُرة وهو يسألــه بريبة :
-هو فين آدم ؟؟..

******

عقد ساعديــه أمام صدره وهو ينتظربـ فارغ الصبر خروج الطبيب من الداخل، جلس "آدم" أعلى المقعد، دافنًا وجهه بين راحتيـهِ، ثم مسح بـ كفـه على خُصلاتـه، كان يهز ساقيـهِ هزات متوترة لم تتوقف قط، دقائق بالنسبة إليـــه كَالساعــات وكان يخرج الطبيب من الخارج وهو يتنهد، لمحــه من طرف عينيــه، فـ وثب واقفًا وركض نحوه وقلبــه يخفق بـ قوة، وقف قبالتــه وهو يسألــه بنبرة خائفة وعينيـهِ مضطربـان :
-خير يا دكتور ؟؟.. أرجوك طمني .

حرك رأسـه بخفـة قائلاً :
-عندهــا صدمة عصبية، واضح أنهـا أتعرضت لـ صدمة قوية جدًا، فـ عشان كده أُغم عليهـا .

نكس رأســه بألم وهو يسألــه :
-طب هي هتفوق إمتـى ؟؟..

أجـاب بنبرة عملية :
-لسـه شوية، بس ماتقلقش، إن شاء الله خير .

شكـره "آدم" على أداء واجبــه، لـ ينصرف الأخير لـ إكمـال عملـه، أخرج هاتفــه من جيب بنطالــه ثم عبث بـهِ قليلاص قبل أن يضعـه على أذنـه مُنتظرًا الرد، ثوانٍ وكان أجـاب الطرف الآخر، فـ هتف "آدم" بتلهف :
-أيوة يا كامل، إنتوا فين دلوقتي ؟؟.. وأخبار آسر إيــه ؟؟..

أغمض عينيـه بقوة وهو يرد عليـه :
-آسر أُغم عليـه يا آدم .

وكأن دلوًا مثلجًا سقط أعلى رأسـه جعلـه مُتجمدًا في مكانـه، رمش بـ عينيـهِ عدة مرات يجتهد الإستيعاب، قــال بتساؤل وقد أرتسم الذهول على معالم وجهه :
-إيــه ؟؟.. أُغم عليـهِ !!.. الدكتور قال إيـه ؟؟..

هتف نافيًا :
-لسـه مطلعش، بس حالتـه صعبة أوي .

خرج الطبيب من الغُرفة وهو يتنهد بـ تعبٍ واضح، همس "كامل" وهو يُتابـع :
-أهو طلع، خليك معايا ثواني .

تحرك ناحيتــه وكذلك "حازم" الذي تسائل بإهتمام :
-هَـاا يا دكتور، إيـه الأخبار ؟؟..

أجاب بصوتٍ جدَّ :
-عندهُ صدمـة عصبيـة، ده سبب الإغمــاء .

كان يستمع "آدم" إلى ذلك الحديث بإهتمام، فـ أستمع أيضًا إلى سؤال "كامل" القائل :
-طب قبل ما كان يُغم عليـه، قال أنـهُ شايف الدنيـا أزرق !!.. ده معنــاه إيـه ؟؟..

أجاب بهدوءٍ مُتمرس :
-دي من علامـات أنــه داخل على هبوط حـاد، بيحس بـ وجع في دماغـه، وبعد كدا بيلاقي نفسـه شايف الدنيـا أزرق، وفنفس الوقت بيعجز عن السير، بس هو السبب الرئيسي في الإغمـاء هو أنـهُ تلقى صدمة شديدة، على العموم أطمنوا، إن شاء الله خير، وهو هيفوق كمان شوية، بس المحلول يخلص الأول .

هز "حازم" رأسـه بتفهم :
-تمام .
-عن إذنكم .

رحل من أمامهم، بينمـا تحرك "حازم" نحو الغُرفة التي بداخلهـا "آسر"، في حين هتف "كامل" لـ صديقــه :
-سمعت ؟؟..

بلع ريقـه بمرار وهو يرد :
-أيوة، أنا لازم أبقى مع حبيبة، وأول ما تفوق وأطمن عليهـا هجيلك على طول .

سألـــه بإهتمام :
-إيـه إللي حصلهـا ؟؟..

أجاب بأسى :
-زي ماإنت شوفت، أُغم عليهـا لما سمعت الخبر، والدكتور قال صدمة عصبية .

حرك رأسـه للجانبين وهو يردد بحُزن :
-لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا أعتراض .

أضـاف وهو ينفخ بضجر :
-طب أنا رايح أشوف آسر وبعدهـا هعدي على أميرة .

تمتم بإقتضاب :
-تمام، يالا سلام .
-سـلام .

******
-يعنــي إيــــه الكلام ده ؟؟..

صــاح بهـا "فؤاد" بـ ذهول وعدم تصديق، سُرعــان ما تلاشى ذلك حينمـا أستطاع الإستيعاب حجم الكارثة التي وقع بهــا، أمتلأت عينــاه بالشر الدفين وقست تعبيرات وجهه، هدر بنبرة جهوريـة وهو يوبخ القاتل المأجور الذي كُلف بـ قتل "أميرة":
-يا غبي، إنت حيوان عايش وسط بني آدمين .

أجاب الطرف الآخر بنبرة مُرتجفة، فـ قاطعـه سريعًا وهو يصرخ فيـه بغضبٍ جامح :
-يعني إيــه ؟؟.. أنا كُنت عاوزهـا تموت عشان أخلص، أنا إيـه إللي يخليني واثق أنهـا هتموت !!.. إنت غبـي وحيـوان .

تابـع بإنفعـال بيّن :
-أسمع بقى، لو هي عاشت، أستعد للجحيم إللي هتشوفـه مني .

ثم أغلق الهاتف دون أن يستمع للرد، وقذف بـهِ وهو يُصيح :
-أنا روحت فـ داهية .

تابـع بعصبية :
-هي فعلاً مُمكن تعيش، ماهي طالعة زي أبوهـا بـ سبع أرواح .

هب واقفًا وهو يُتابع :
-المُصيبة أنهـا عارفة أن مفيش حد هيستفيد من موتهـا غيري أنا .

ألتفت فجـأة وهو يُردف بـ عينين مُخيفتين :
-بس أنا مش هقع لـ وحدي، لا يُمكن هُقع لـ وحدي .

قـال كلمتـه الأخيرة وهو يجلس على الأريكـة، يغلي بداخلـه وجسده يشتعل نارًان وحبات عرقه تتساقط بـ غزارة من كثرة الإرتبـاك الذي أعتراه، لم ينجح في ضبط أنفعالاتـه فـ بات أكر تشنجًا وتعذر عليه التفكير بـ عقلانية .

******
بعد فترة طويلة.. سـار "كامل" في أتجاه المقعد القريب من فراش "آسر"، جلس عليـهِ وهو يتنهد بـ حرارة، وجـه أنظاره الحزينة على وجـه صديقـه، ثم قـال بصوتٍ مفطور :
-آخر حاجة أتوقعهـا إني أشوف أهم ناس في حياتي بالشكل ده .

لمعت عينـاه وهو يقول بـ رجاءً :
-يـارب .

في حين كان "آسر" وهو بداخل عالمـه الخاص، وجد نفسـه يقف في مكان أشبـه بالصحراء، ظلامًا دامسًا يُحيط بـ هذهِ الصحراء، كان يلتفت حولــه بـاحثًا عنهـا بـ نظراتٍ مذعورة، بدأ يتحرك بخُطوات هادئة ولكن كُل ثانية كانت تمر، كانت تزداد سُرعة خُطواتــه حتى وصل إلى الركض، ركض وعينــاه تبحث بـ لهفة عنهــا حتى وجدهـا ولكن من على بُعد، هبت واقفة عندمـا وجدتـه، ركضت نحوه وعلى وجههـا إبتسامة مُبهجة وكأنهـا وجدت ملاذهـا، في حين وقف وقد أرتسمت إبتسامة واسعة على ثغره، أنتظر على أحرّ من الجمر أن تصل إليـهِ لـ يضمهـا بـ داخل أحضانـه، ولكن قبل أن تصل إليـهِ، كانت تسقط في حُفرة عالية شبـه عميقة، حينهـا خرج صوتـه وهو يصرخ بـ قوة صارخًا بـ إسمهـا حتى بدأ جسدهِ بـ الإنتفاض :
-أمـيــــرة !!..

إنتفض "كامل" على صوت صراخات "آسر" النائم والذي بـ ملكوت آخر، نهض سريعًا مُكبلاً حركتـه وهو يصرخ بـ إسمـه علّ صوتـه يصل إليـهِ :
-آسـر، فـوق إنت فـ كابوس، فــوق يا آســر !!..

في نفس التوقيت، كان الباب ينفتح على مصراعيـهِ، أستدار "كامل" بـ رأسـه فقط لـ يجد "آدم" يركض ناحيتـه وهو يقول بـ فزعٍ :
-في إيـه يا كامل ؟؟..

قـام "كامل" بـ تكبيل ذراعي "آسر" بـ يديـهِ وهو يصرخ بـ قوة في وجهه :
-فـوق يا آسر، ده كابوس، مش واقـع، آســر .

بدأت إنتفاضة جسده تهدأ، بينما أقترب "آدم" من إبن عمـه وهو يضع يده على قلبـه محاولاً ضبط أنفاسـه لاهثة من قوة الخضة، هتف بيأس :
-دي حالتـه النفسية صعبة .

رمقـه "كامل" بـ حدة مرددًا :
-ماتقولش الكلام ده قُدامـه، المفروض إحنا نحاول نخرجـه من إللي هو فيـه .

هدأ جسد "آسر" تمامًا، وقد عاد إلى عالمـه الخاص غير شاعرًا ما يحدث حولـه، أخفض "آدم" عينــاه بـ حُزن على إبن عمـه وصديقــه، دقيقتين وكان يتسائل بعد أن عقد حاجبيـه :
-فين حـازم ؟؟..

******
وقف "حازم" أمام غُرفتهــا بالعناية المركزة، يراقبهـا بـ نظراتــه الحزينة من خلف الزجاج، أغمض عينــاه بـ عُنف مع تذكره من وراء تلك المصائب، أعترتــه حالة من النفور كون أنـه إبن لـ مثل ذلك الرجل، ذئب على هيئة رجـل، شعر بـ تلك اليد توضع على كتفـه لـ تشد من أزره، ألتفت بـ عينيـهِ ثم بـ جسده لـ يجد فتـاة في مُنتصف العشرينات تنظر لـه بـ بسمة صغيرة حزينة، همس بصوتٍ خفيض :
-أسمـاء .

******
ومع بزوغ فجر اليوم التالي.. فتحت "حبيبة" جفنيهــا بـ تثاقل، لـ تتضح الرؤية لديهـا شيءٍ فـ شيء، بالطبع كان أول ما رأتـه "آدم" الذي صاح بلهفة بـ مجرد أن فتحت عيناها :
-حبيبة، إنتي فتحتي ؟؟.. إنتي كويسة ؟؟..

أدارت وجههـا للجهه الأخرى دون أن تنطق لـ يمسك هو وجههـا بـ يده يحركـه بـ رفق ناحيتـه لـ يطبع قُبلة حانية على جبينهـا هامسًا :
-إنتي لازم تعرفي أنهـا هتبقى كويسة، ماتعمليش كده فـ نفسك، حالتك دي بتموتني ببُطء يا معشوقتـي .

هبطت دموعهـا الحـارة من مقلتي عينيهـا لـ يمسحهم بـ حنان، حاوط وجههـا بـ يداه وهو يقول بـ رجاءً :
-أرجوكي خليكي قوية، هي محتاجة أن الكل يبقى جنبهـا، فـ لازم تبقي قوية .

وضعت يديهـا على يداه التي تحيط وجههـا، نظرت لـ عينيـه العسلي والتي لمعت بالرجاء، لـ تهمس لـه بـ مرار :
-حاضر يا آدم، هحاول أعمل كده .

هتف بإصرار :
-مفيش حاجة أسمهـا هحاول، في حاجة أسمهـا هعمل .

ضم رأسهـا بداخل أحضانـه وهو يقول بإبتسامة حزينة :
-وأنا هبقى جنبك دايمًا .

******
ساعة ونصف مرت وكان "آسر" بدأ في أستعادة وعيـه، وزع نظراتـه الواهنة على أنحاء الغُرفة غير قادر على إستيعاب ما حدث قبل إغماءه، وقعت عينـاه على "كامل" الذي هرول ناحيتـه وهو يبتسم مرددًا :
-حمدلله على السلامة يا صاحبي .

جلس "آدم" على طرف الفراش وهو يتسائل بـ قلق :
-أخبارك إيـه دلوقتي ؟؟.. حاسس بـ حاجة ؟؟..

لم يُجيب عليـه بل بدأ يعتدل بـ جسده وقد عقد النية بـأن يذهب لـ زوجتـه، أوقفـه "آدم" قائلاً بـ حدة :
-رايح فين يا آسر ؟؟..

دفعه بـ قوة وهو يقول بـ نبرة حازمة :
-رايح لمراتي .

هتف "كامل" بـ قلق :
-طب إستنى بس، على الأقل لازم تاكل حاجة، إنت كان عندك هبوط حـاد في الدورة الدموية، يعني مُمكن تُقع تاني لو مكلتش .

رمقـه بـ عينيـه الحادة :
-أنا وقعت لما معرفتش أحميهـا .

قـال "آدم" بـ نبرة قوية :
-الأسلوب ده مش هينفع .

أشـار "آسر" بإصبعيـهِ قائلاً بـ صرامة وهو يوجـه أنظاره لـ "آدم" تارة و"كامل" تارة أُخرى :
أسمـع إنت وهو، أنا هاروح لمراتي يعني هاروح، ومحدش هيقدر يمنعني عن ده .

زفر "كامل" بـ نفاذ الصبر ثم قال :
-مفيش فايدة، طب تعالى معايا هي في العناية المركزة دلوقتي .

دلف الجميـع خارج الغُرفة متوجهين نحو العناية المركزة، كان "حازم" و"أسماء" و"حبيبة" جالسين أمام الغُرفة، أشـار لهم "كامل" بالصمت حينما وجد "حازم" نهض من مكانـه، دخل "آسر" الغرفة بـ مُفرده، أقترب من فراشهـا بـ خذلان، وحدق مليًا بهـا، بلع غصة مؤلمة كانت تقف بـ مُنتصف حلقـه ثم أكمل تقدمه بـ خطوات مُتثاقلة، جلس على المقعد ثم مدّ يده إليهـا وأمسك كفهـا البارد، إنحنى يُقبلـه بـ رقة وهتف بـ تحشرج :
-قلبي واجعني يا أميرة .

لمعت عينـاه وهو يقول :
-بس أنا واثق إنك هتبقي كويسة، لأنك إنتي قوية .

أودعـه قُبلة أُخرى رقيقة وهو يُضيف بإختناق :
-معرفتش أحميكي رغم إني كُنت جمبك .

أشتعلت عينيـهِ كـ جمرتي من النــار :
-بس أوعدك إني لمـا أخرج من هنـا، هخرج وأنا رايـح أجيب حقـك، حقـك إنتي وبس .

ختم كلمـه الأخيرة وهو ينهض من مكانـه لـ يُقَبّل رأسهـا بـ حنوٍ مُثير وهو يُردف بـ ألمٍ :
-بحبك يا أميرتـي .

سـار ناحية الباب لـ يدلف إلى خارج الغُرفة، تحرك "حازم" نحوه وخلفـه "أسماء" لـ يقول لـهُ بنبرة مليئة بالحُزن :
-آسر أنا مش عدوك، وصدقني حق بنت عمي هيجي .
حدق فيـه بنظراتٍ جادة مرددًا :
-مفيش داعي للكلام ده .

أقتربت "أسماء" منـه قائلة بنبرة يشوبهـا الحُزن والتأثر :
-بلاش تعمل في نفسك كده لأنهـا محتاجة إنك تبقى جنبهـا، وإن شاء الله مراتك هتقوم بالسلامة وتبقى أحسن من الأول .

عقد ما بين حاجبيـهِ بإستغراب وهو يحدق فيهـا بـ عينين جـادة، ألتفت "حازم" لهـا يرمقهـا بنظرة سريعة ثم عاد ينظر لـه قبل أن يقول بإقتضاب :
-أحب أعرفك على مراتير في المُستقبل .

أخفضت رأسهـا بـ خجلٍ واضح، لـ يُضيف بإبتسامة لم تصل لـ عينيـهِ :
-أسمـاء وائل، أتعرفت عليهـا وأنا بدرس في أوروبـا، نزلت أنا مصر الأول وبعدهـا نزلت هي بعد ما خلصت كام حاجة كده هنـاك .

مد "آسر" يده لـ يُصافحهــا قائلاً بصوتٍ رجولي خشن :
-أهلاً يا آنسة أسماء، مبروك مُقدمًا .

ردت عليـه بعد أن سحبت يدهـا :
-الله يبارك فيـك يا أستاذ آسر، كان نفسي أتعرف على حضرتك في ظروف أحسن من كده، بس إن شاء أميرة تبقى كويسة وكُل حاجة تتصلح .

لاحت إبتسامة صغيرة حزينـة على محياه وهو يحرك رأسـه إيجابيًا قائلاً بـ خفوت :
-إن شاء الله .

ثم تحرك ناحية أحد المقاعد المعدنية لـ يجلس عليهـا بـ تعب، كتف ذراعيـهِ مُرجـعًا ظهره للخلف، ثم أسند رأســه على الحائط، حدق بـ عينـاه الضائعتـان على باب غُرفة العناية المركزة، ولا تُزال عينـاه تأبى وبـ عُنف نزول عبراتـه .

******
مر على ذلك اليوم خمسة أيـام ولا جديد في وضعهـا الصحي غير أنـه تم نقلهـا إلى غُرفة العناية الفائقة، في تلك الأيـام.. قد أقـام "آسر" مع "أميرة" بالمعنى الحرفي، بعدمـا أصر ألا يذهب إلى أي مكان، حاول الجميـع معـه وفالنهايـة حجز لـه "آدم" حجرة بالمشفى، وأصبح مُقيم معهـا، ينـام ويصحو هنـاك، بالرغم من تحديد موعد الزيـارة، ولكن لم يلتزم بالقوانين، بل ظل مرابطًا أمام غُرفتهـا بالعناية الفائقة يراقبهـا بـ نظراتـه الحزينة من خلف الزجـاج، وعينـاه تحبس بـ عُنف عبراتـه الحـارة .

******
وضعت "شيرين" المستند على سطح المكتب بـ تعبٍ، فقد إزداد العمل طوال تلك الفترة؛ بسبب غياب رب عملهـا المفاجئ، تناولت القهوة بـ ذهن شارد، محاولة التركيز في عملهـا، وحين وجدت أستحالة في ذلك ألتقطت هاتفهـا تطلب رقمـه بـ ضيق، وأنتظرت بـ فارغ الصبر الرد، ولكن وجدت الهاتف مُغلق أو غير مُتـاح، سحبت نفسًا عميقًا نافذ الصبر وهي تقول بنبرة مليئة بالضيق :
-هو قافل الموبايل ليـه ؟!.. ده عُمره ما عملهـا !!..

زفرت زفيرًا حارًا وهي تُتابع :
-ده بقالـه كام يوم قافلـه، ومش في القصر ولا بيجي المصنع !!.. أُستر يارب .

أخفضت نظراتهـا على الهاتف، ثم بدأت تعبث بـهِ، لـ تجد إصبعهـا تلقائيًا يضغط على الموقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، تفحصت تلك الأخبار بـ ملل، والتي تكون بعضهـا إشاعات، توقف إصبعهـا عن تحريك الشاشة، وقد حجظت عيناهـا بـ ذهولٍ، بلعت يقهـا بصعوبة وهي تجد الخبر كالتالـي..

(( من مصـادر موثوقـة، إصابـة إبنة رجـل الأعمـال الراحل "أميرة أشرف شاهين" بـ طلق الناري والسبب لا يُزال مجهول !!..))

همست بدون شعور منهـا :
-ينهــار أسود !!..

أغلقت هاتفهـا سريعًا، ووضعتـه على سطح مكتبهـا بإهمالٍ، أمسكت جهاز الحاسوب وقامت بـ فتحـه، لـ تبدأ بالبحث عن المزيد من المعلومات التي تخص تلك الفتـاة، ضيقت عيناهـا وهي تُتابع بـ دقة، دققت النظر في العناوين قارئة إياهم بصوتٍ مسموع :
-إصابة "أميرة شاهين" إبنـة رجل الأعمال الشهير "أشرف شاهين" بطلق ناري في ظروف غامضة !!..

أتسعت عيناهـا من هول الصدمة، في بداية الأمر ساورتها الشكوك رابطًا ما يتردد في المواقع غير صحيحة، ولكن الخبر مؤكد من كل المواقع، همست بـ جمود :
-يبقى هو أكيد معاهـا .

******
جلس "آدم" بـ جوار "حبيبة" على المقعد وهو يطلق تنهيدة حــارة من أعمق أعمـاق صدره، حدق فيهـا بـ عينين حزينتين وهو يرى حالة الجمود التي تُسيطر عليهـا، ألتقط كفهــا يقبلـه بـ نعومة، ثم قـال يإبتسامة حزينة :
-حبيبة، أنا مش قادر أشوفك كده، بلاش الحالة إللي إنتي فيهـا دي، ده مش كويس عشانك .

بلعت ريقهـا بـ تعبٍ وهي تُجيب بصوتٍ مبحوح :
-غصب عني يا آدم، أميرة مش مجرد صاحبة، دي أختي وعيلتي، كانت بتحميني من أي حاجة وحشة .

نظرت لـه بألمٍ وهي تُضيف :
-أنقذتني أكتر من مرة، أنا بخاف أعدي الشارع لوحدي زي ماإنت عارف، مرة عربية كانت راحة تخبطني بس هي لحقتني على آخر لحظة، ومرة تانية في كلب فضل يجري ورايا، وبدل ما الكلب كان يهجم عليا خلتـه يهجم عليهــا وعضهـا، حاجـات كتير أوي عملتهـا ليـا، تفتكر المفروض أبقى عاملـه إزاي لما تبقى فالحالة دي .

عادت تنظر لـ نقطة الفراغ مرددة :
-أنا طول الوقت حاسـه بيهـا، بس مش عارفة أعملهـا إيـه ؟؟.. نفسي أعملهـا أي حاجة المهم ترجع أميرة إللي ضحكتهـا مش بتفارق وشهـا، ولما بدأت ترجع زي زمـان، يحصلهـا ده !!..

قالت كلماتهـا الأخير بعدم تصديق، هزت رأسهـا نفيًا بـ مرار غير قادرة الإستيعاب، هي لا تُزال غير مدركة ما يحدث، لف "آدم" ذراعهـا حول ظهرهـا وهو يقول بـ جدية :
-حبيبة، إنتي كده ضعيفة، وأنا مش هسمحلك بإنك تبقي ضعيفة، أوعديني إنك تبقي قوية، وإنك مش هتفضلي في الحالة دي كتير .

سحبت نفسًا عميقًا كمحاولة فاشلة منهـا لضبط أنفعالاتها التي رفضت إطاعتها، تنهدت هامسة بـ حُزن :
-بوعدك يا آدم، بس خُدني فـ حُضنك، أنا بجد حاسـه بـ تعب .

طوقهـا من خصرهـا بـ ذراعـه الآخر ليضمهـا إليـهِ، أحتضنهـا بقوة فـ أستشعرت ضمتـه المليئة بالحنان وبـ عاطفة قوية بـ جسدها، أغمضت عيناهـا براحة عجيبة أجتاحتهـا بعد أن نامت على صدره، أخذ يمسح على شعرهـا بـ حنان مثير وهو يتمنى أن تنتهي تلك الفترة على خير .

******
-الموضوع بقى مُحزن جدًا .

قالتهـا "أسماء" بـ ضيق لـ كُلاً من "حازم" و"كامل"، في حين هتف "حازم" وهو يستدير بـ رأسـه ناحية زوج إبنة عمـه قائلاً بإمتعاضٍ :
-لازم حد يقعد معـاه، مش هينفع كده، وخصوصًا أنـه مش بيتكلم كتير الفترة دي .

حرك "كامل" رأسـه نفيًا مرددًا بتبرم :
-من غير ما تقول، أنا جيت أقعد معـاه قالي أنـه عاوز يقعد لوحده، وآدم من شوية جـه حاول يتكلم معـاه عشان يخرجـه من إللي هو فيـه، بس فالآخر فشل، هو مش هيرتـاح إلا لما يشوف مراتـه زي الأول .

زفر "حازم" بـ قلة حيلة، ثم قـال بإبتسامة مريرة :
-أنا إللي قهرني بجد، أن أبويـا أنا هو هو إللي عمل كده .

نظرت "أسماء" لـه نظرات مليئة بالشفقة، هتفت بـ بسمة صغيرة محاولة التخفيف عنـه :
-معلش يا حازم، ده قدرك، المهم إنك مش زيه، وصدقني هي هتقوم بالسلامة .

حرك رأسـه بإيماءة خفيفة وهو يقول برجـاءً :
-يـارب .

******
كان "آسر" مُفصلاً عما يدور حولـه، هو فقط مسلط لأنظاره الجامدة التي يملؤهـا الحُزن على زوجتـه الراقدة بالداخل، لم يكُن يرى سواهـا، وضع يده على صدره ناحية موضع قلبـه مُستشعرًا دقاتـه العنيفة والتي تتنفس بإسمهـا، سحب نفسًا مطولاً ليسيطر على أنفعالاته الحزينة بداخلـه، همس من بين شفتيـهِ :
-وحشتيني أوي .

أستند بـ كف يده الآخر على الزجاج وهو يُتابـع بهمسٍ قوي :
-صدقيني أنا هجبلك حقك، أي شخص كان السبب فإللي إنتي فيـه هيدفع التمن غالي أوي .

عاد إلى همسـه الضعيف وهو يُضيف :
-بس إنتي قومي، خليني أشوف عينيكي .

أغمض عينيـهِ بـ قوة ثم عاد يفتحهمـا وهو يتحرك إلى أقرب مقعد إليـهِ، جلس على المقعد المعدني، أطرق "آسر" واجمًا ثم وضع رأسـه بين كفيـهِ .

بعد فتة ليست بـ طويلة.. أنتبـه إلى ذلك الصوت الناعم الذي ينطق بإسمـه، أبعد كفيـهِ عن وجهه، ثم رفـع عينـاه ناحية مصدر الصوت، هتف بتعجب :
-شيرين !!..

سكت للحظةٍ ثم قـال في صوتٍ جدًّ :
-هو في حاجة حصلت في المصنع ؟؟..

تنهدت وهي تطالعـه بتلك النظرات العميقة :
-لأ مفيش حاجة حصلت، بس حضرتك أختفيت مرة واحدة، والنهاردة الصُبح عرفت بإللي حصل للدكتورة أميرة .

قال "آسر" جامدًا :
-تمام، طب إنتي جايـه عشان إيـه ؟؟..

نظرت إليـهِ "شيرين" نظرةً طويلة ثم أرخت عينيـها وقالت بـ بسمة صغيرة :
-جايـه عشان أطمن عليك، وأسألك هترجع المصنع إمتى ؟؟..

وثب قائمًا ثم أشـاح بـ وجهه بعيدًا عنهـا وهو يرد عليهـا بجدية :
-مش هرجع دلوقتي ؟؟.. مش هرجع إلا لما تفوق وتبقى كويسة .

هتفت بضيق :
-هو حضرتك مُهتم بيهـا كده ليـه ؟؟.. دي دكتورة بتشتغل عند حضرتك وبس .

قال "آسر" وهو يستدير بـ رأسـه في غضب :
-لأ .

سألتـه "شيرين" وهي تحاول أن تتماسك :
-يعني إيـه ؟؟..

نظر إليـها "آسر" ولم يجب فـ أستمرت قائلة :
-أنا حاسه أن علاقتك بيهـا أكبر من كده، فـ عشان كده أنا لاعايوة أعرف .

رد عليهـا بأعصاب ثائرة :
-أميرة مش مُجرد دكتورة عندي، أميرة تبقى مراتـي !!..

تجلدت تعابير وجهها ومازالت عالقة عليـهِ، أتسعت عيناهـا غير قادرة على إستيعاب، هزت رأسهـا نفيًا مرددة :
-إزاي ؟؟.. إزاي مراتك ؟؟.. إمتى ده حصل ؟؟..

لمعت عينــاه القاتمتــان بـ حـزن جـلي، هدأت ثائرتـه وقـال :
-كتبنـا الكتاب يوم الحادثة، أتجوزنـا ولما قررنـا نتعشى فأي مكان، حصل إللي إنتي شيفـاه دلوقتـي .

أخذت تُجبر عقلهـا على إستيعاب ما يحـدث، ولكنــه فاق قدرتهـا على الإستيعاب أيضًا، هتفت بـ ذهول :
-إيـه الكلام إللي إنت بتقولـه ده ؟!.. ده بجـد !!..

أومـأ برأسـه وهتف بجدية :
-شيرين، أميرة قبل ما تبقى مراتي هي جُزء من حياتـي وقلبـي، مش هتفهمي الكلام ده دلوقتي، بس لو في أي مشاعر جواكي، بتحمليهـا ليـاا فأنـا بقولك أنا مستحقش ده .

نظرت لـه بصمت، في حين أكمل "آسر" بهدوءٍ :
-خليني أتكلم معاكي بـ صراحة، إنتي أتغيرتي للأسوء الفترة دي، لما دخلت جواكي مشاعر عُمري ما هقدر أدهالك، وأنا بقولك كده عشان عايزك ترجعي زي كُنت أعرفك في البداية، أنا أعرفك من أيام ما كانت والدتي تعرفك والدتك ولما كانوا أكتر من أصدقـاء، أرجعي لـ شيرين الطبيعية، وصدقيني هيجي شخص في يوم يقدرك ويحترمك، وأنا هبقى زي أخوكي الكبير، لا أكتر ولا أقل .

كـل كلمة كطعنة أصابتـهـا في صميمـها، أخفضت رأسهـا وهي تقول بـ تلعثم :
-آآ.. أنا.. آآ..

عجزت عن الحديث، تفهم وضعهـا فـ قال بـ صوتٍ خالـجه الجدية :
شيرين أنا عشان عارفك كويس فـ بنصحك، لكن لو أنا مش عارفك كُنت وريتك وشي التاني، خُدي نصيحتي وأعملي بيهـا، بلاش تركنيهـا على جنب، ده لأجلك مش لأجلي أنـا .

نظرت لـه "شيرين" بـ عيون مُحدقة بـ جمودٍ غريب، همست بـ صوتٍ مُتحشرج مُحركة رأسهـا إيجابيـًا :
-تمام، عن إذنك .

ختمت بـ تلك الكلمتين حديثهم ثم أنصرف من أمامـه، ظل محملقًا بها حتى أختفت عن أنظاره، أكفهرت ملامحـه ثم عاد يتحرك إلى أمام غُرفة العناية المركزة، أستند بـ كف يده على الزجاج مدققًا النظر في وجه أميرتـه الهادئ، تنفس بـ عُمقٍ لافظًا عن صدره الزفير الحـارق الذي أخرجـه منه أثقالاً تتعبـه وبـ قوة .

******
عادت إلى منزلهـا بعد نصف ساعة، ركضت "شيرين" إلى غُرفتهـا، جلست على فراشهـا وأراحـت رأسهـا على الوســادة لـ ينثال خيط دموعها مكوَّنًا بُقعـة مائيـة على الوسـادة، أخذت تبكي وهي تتذكر كلماتـه التي فيها شئ من القسوة، ولكن كان مُحق في كُل حرف نطقـه، هي تبدلت للأسوء، ظلت تبكي بُكاءً حارًا لـ فترة لا تعلم مدتهـا، هبطت من على فراشهــا، ثم سـارت نحو المرآة لـ ترى أنعاكسهـا، أتسعت حدقتاهـا المُلتهبتـان قليلاً من كثرة البُكاء بـ شدّة وهي تحرك رأسهـا نفيًا قائلة بـ خفوتٍ :
-أنا ليـه بقيت كده ؟؟..

أخفضت عيناهـا وهي تُتابـع :
-أنا فعلاً أتغيرت للأوحش .

أغمضت جفنيهـا وهي تُضيف :
-أسلوبـي.. وطريقتي في الكلام.. ونظراتـي.. وكُل حاجة تقريبًا !!..

فتحت عيناهـا وهي تقول بإصرار :
-لأ، أنا لازم ألحق نفسي، أنا مش عايزة أخسر حاجة، يمكن ربنا عمل كده دلوقتي عشان أفوق من إللي أنا فيـه ومن إللي بعملـه .

هزت رأسهــا وهي تقول بـ صوتٍ منتحب :
-حتى الصلاة أهملتهـا !!..

كفكفت عبراتهـا بـ ظهر يدهـا مرددة بـ نبرة مليئة بالقوة ونظراتٍ حازمة :
-أنا هبدأ من دلوقتـي أتغير، مش هستنى لحد ما أخسر .

وبالفعل تحركت إلى خارج غُرفتهـا بـ خُطواتٍ سريعـة متوجهـه داخل المرحـاض للأغتسـال، بعد عدة دقائقٌ.. دلفت للخارج، وهي تُزيل عن وجههـا قطرات الميـاة الباردة بـ منشفتهـا القطنية الصَّغيرة، سـارت ناحية خزانتهـا ثم فتحت الضلفة لتسحب إسدالهـا -ذات اللون الأخضر-، أرتدتـه سريعًا ثم سحبت سَجَّـادَةُ الصَّلاة، وضعتهـا على الأرض في أتجـاه القبلة، ثم بدأت في تأديـة فرضهـا، ترقرت عبراتها بـ حدقتيهـا مُجددًا وهي تُناجـي ربهـا بأن يقف بـ جانبهـا ويغفر لهـا .

************


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-20, 04:14 AM   #13

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفصل الحادي عشر ))

ظلت "أميرة" أسيرة غيبوبــة لـ مُــدة سبعـة أيـام أُخرى، والحـال كمـا هو لم يتغيـر، لم تعطي أدنى أشــارة مُنذ أن خرجت من غُرفة العملي،ــان حتى تلك اللحظة؛ ممـا أضعف إمكانيـة وضع إحتمالات لـ حالتهـا، في حين ظل "آسر" أغلب وقتـه أمـام غُرفتهـا يراقب سكونهـا، وفي تلك الفترة.. حاصرتـه أسئلة المحقق الشرطي ليقف على ملابسـات الحـادث، لم يعطيـه أي إجابـات تفيـده في تحقيقاتـه، بل كان عقد العزم أن ينتقم بـ نفسـه بـ شراسـة لكُل من تسبب لهـا ألمًـا .

وقف "آسر" أمـام الفراش الراقدة عليـهِ حبيبتـه بين أصـوات الأجهزة الطبية التي تهتم بـالنبض وحوامل المحاليـل الطبية الموصلة بـ أوردة كفهــا، دنـا منهـا وهو ينظـر لهـا بإشتيـاقٍ واضـح على معالم وجهـه، سيطر عليـه إحسـاس الضـياع، تـأمل وجههـا الذي بدأ يظهر عليـهِ الإعيـاء أكثر عن ذي قبل، همس بنبرة ضعيفة :
-أوعي تسبينـي وتمشـي، أنـا حياتـي واقفة عليكـي، عليكـي إنتي وبـس !!..

أصـابـه شعور مُرعب من مجرد فكرة فقدانهــا، تجمدت حواسـه عند تلك النقطة، ومن بين حشرجة صوتــهُ همـس :
-فـوقــي، فوقـي وريحينــي بقـى .

أمسـك بـ كفيهـا وقربهمـا من فمـه لـ يطبع بـ شفاهـه قُبلـة مطولـة، سقطت عبراتـه على كفهـا، فـ مسحهـا بـ إبهامــه وهو يُضيـف بـ صوتٍ ضعيف مُتحشرج :
-وحشتيني جدًا يا أميرة .

وضع كفيهـا بـ حذرٍ على الفراش، ألقى عليهـا نظرة طويلة مُتأملـة، مسح على وجنتيهـا وجبينهـا بـ نعومة ورفق، تراجع عنهــا ثم رمقهــا بـ نظرةً أُخرى مودعة قبل أن يتركهـا وينصرف من المكـان تاركًا قلبـه معهــا .

******
بعد مرور عدة ساعـات قليلة.. كان أنصرف كُلاً من "آدم" و"حـازم" و"حبيبة" من المشفى، ذهب "آدم" برفقة زوجتـه إلى المزرعـة لمُتابعـة عدة أعمـال، وعقب أن تلقى إتصالاً من مدير الحسابات يخبره بـ تعب أحد العجول، فكـان يجب على زوجتـه بالذهـاب إلى هنـاك، وبالطبع قرر أن لا يتركهـا بـ مُفردهـا .

بينمــا ذهب "حازم" إلى القصر بـ وجهٍ مُتهجم، فـ مُنذ الحـادث وهو لم يذهب إلى هُنـاك إلا عند الضرورة القصوى، حتى أنـه كان يذهب القصر فجرًا لكي لا أحد يشعر بـ وجوده، حتى هاتفــه أغلقـه، ولكن تلك المرة قرر المواجـهه، فقد نفذ صبره، وشعد بأن والده حقًا هو من وراء تلك المؤامرة، فـ مُنذ الحادث لم يأتي أحدهم المشفى لـ زيارتهـا .

دق البــاب بـ عُنف شديد حتى فتحتــه إحدى الخادمات، دخل القصر بـ خُطوات ثابتـة مُحمـر الوجــه وعينــاه كـ جمرتـي من النــار، ثم نـادى على والده بــأعلى صوت لديــهِ وهو يبحث بـ عينيــهِ :
-بــابــا، يــا فؤاد بـاشـــا، تعالـى كلم إبنك .

هبط والده من على الدرج مُسرعًا متوجهًا نحوه بخُطوات سريعة، سألــه بـ قلقٍ :
-حـازم، إنت كُنت فين ؟؟.. بقالك أسبوعين مختفي !!.. وقافل موبايلك دايمًا .

نظر لــه بـ غضبٍ وهو يقول بـ لهجـة عصبية :
-كُنت فيــن !!.. كُنت مع الإنسانـة إللي إنت أذتهـا، كُنت مع الإنسانة إللي بعت رجالتك وراهــا عشان يضربوهـا بالنــار .

لم يجد سوى صوت جـائــر يضرب بـ آذانـه وهو يُصيح بإنفعـالٍ :
-إزاي تتكلـم معايــا بالشكل ده يا ولـد ؟؟.. إنت نسيت نفسك ولا إيــه ؟؟.. مش مسمحولك تعلي صوتك على أبـوك إللي ربـاك وخلاك تبقى راجـل .

قهقــه "حـازم" بـ صوتٍ مُخيف.. ثم قـال :
-إللي ربانـي !!.. لأ يا فؤاد باشـا مش إنت إللي ربتني، عمي أشرف الله يرحمهُ هو إللي رباني وخلاني أبقى راجـل، ربانـي في التوقيت إللي جيتوا رمتونـي فيـه هنـا عشان تعيشوا حياتكوا وسط لعب القمار والنوادي والحفلات، مش إنـت إللي ربتني .

هبطت "سميرة" من على الدرج راكضة نحوه، وقفت قبالتـه ثم أحتضنتـه بـ قوة، وهي تقول بـ بهجة :
-حـازم، إنت كُنت فين يا بنـي ؟؟.. قلبي وجعنـي عليك طول فترة غيابك .

لحظاتٍ وكـان أبعدهـا عنـه، نظر لهـا بـ جمود وهو يسألهـا بـ خشونة :
-إنتي كُنتي عارفة بإللي حصل لأميرة ؟؟..

رمشت عدة مرات قبل أن تتفوه :
-هـا ؟؟.. عرفت إيـه ؟؟.. هي مالهـا أميرة ؟؟..

لاحظ أنهـا تتلاشى النظر إليـه، صرخ في وجههــا بنبرة غاضبة :
-أميرة في المُستشفى، بين الحيـاة والموت، في الغيبوبة بقالهـا أسبوعين، إيــــه !!.. عايزة تقوليلي طول المُدة دي متعرفيش عن إللي حصلهــا !!..

ردت عليـه "سميرة" بـ صعوبة قائلة :
-أنا كُنت فاكرة أنا أعدة عند صاحبتهــا، زي ما كانت ساعـات بتعمل .

أرتعش صدغــاه وهو يضغط على أعصـاب فكيــهِ قائلاً بـ لهجـة حاقدة :
-يا سـلام !!.. هتبـات عند صاحبتهـا أسبوعين من غير ما تقول لحد فيكم !!.. وبعدين الحادثة مُنتشرة في كُل مكـان، الجرايد والتليفزيون والنت !!.. عايزة تفهمينــي إيـه يا سميرة هــانم ؟؟..

مط "فؤاد" شفتيـهِ قبل أن يقول بـ جمودٍ :
-إنت عاوز تقول إيــه يا حـازم ؟؟..

قــال "حازم" وقد ظهر وميض عينيـهِ الواسعتين بـ شكلٍ مروع :
-عاوز أعرف عملت كده ليـه ؟؟.. ليـه تأذي بنت أخوك الوحيدة ؟؟.. عملتلك إيــه ؟؟..

صـــاح "فؤاد" بـ غضب جـامح كالأسود مرددًا :
-أبويـا هو السبب !!.. كان حارمنـا من حاجـات كتير ملهاش عدد، فلمـا مات، كُنت عاوز أعوض الحرمـان إللي أتحرمت منـه فإني أصرف براحتـي، بس لقيت نفسي ضيعت، وهو كبر فلوسـه أكتر وأكتـر، حطيت عيني على فلوســه، ولما مــات أتفاجئت أنـه كتب ثروتــه كلهــا بإسم بنتـه، كنت فاكر أن بنته عبيطة هيتضحك عليها بـ كلمتين، لكن طلعت ذكية جدًا زي أبوهــا، وأنا لا يُمكن أسمح لنفسي أن حتت بنت زي دي تصرف عليـا وعلى مراتــي، كُنت هخليك تتجوزهـا عشان تساعدني، لكن دماغك للأسف طلعت زي دمـاغ أخويـا، لو كنت ساعدتني وأتجوزتهـا مكنش ده كُلـهُ حصل .

حدق فيـه بـ صدمة، هز رأسه بـ ذهول وهو يُردف بإستنكـار :
-مش قادر أفهمك بردو !!.. عايزني أتجوز بنت عمي الوحيدة عشان فلوسهـا ؟؟.. أنا بجد مذهـول من إللي بسمعـه ده .

تجمدت أنظــاره عليــهِ، فـ تـابع "حازم" ونيران الغيظ تتناثر من عينيـهِ :
-ليــه تعمل كده فيهـا ؟؟.. إنت مصدق نفسك ؟؟.. حرام عليك !!.. ربنا مش هيسيبك أبدًا، ربنـا مُنتقم جبــار .

لم تتحمل "سميرة" من لومـه ودفاعـه عن تلك البغيضة، رفعت حاجبهــا الأيمن للأعلى مُسخدمة يدهـا في التلويح قائلة بـ تشنجٍ :
-إيــه إللي إنت بتقولـه ده ؟!..

رد "حازم" بـ قوة كبيرة :
-بقول إللي هيحصلكُم، لو هي هتسبكوا، فـ ربنـا مش هيسيب حقهــا .

صرخ فيـه والده بإنفعالٍ بيّن :
-إنت زودتهـا أوي يا حـازم، وأنا مش هسكُت على كُل كلمة بتقولهـا .

حرك رأسـه بـ أسى وهو ينطق بـ لهجـة مُنكسرة :
-أنـا مش هقول غير حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل بجـد .

صرخت والدتــه بـ أعصاب ثائرة مرددة :
-إنت قليل الأدب، واضح أن عيشتك بـرا نستك التربية، وأنك إزاي تحترم أمك وأبوك .

لم يرد عليهـا، بل تحرك مُسرعًا ناحية والده ثم وقف قبالتـه لـ يقول لـه بـ قوة :
-بس على فكرة، حتى لو كُنت قتلتهـا، مكنتش هتاخد جنية واحد من ثروتهـا، عارف ليـه ؟؟..

نظر لـه بـ صمت، في حين أكمل "حازم" وهو يُعلن بـ قوة ناظرًا تلك النظرات التي تُماثلـه القوة :
-عشان يوم ما ضربت عليهـا نار، فـ نفس اليوم ده، كانت أتجوزت .

أنفجرت شفتــاه مُتسائلاً بـ صدمة عارمة :
-إيـــه !!.. إزاي ده حصل ؟؟..

قـال ببرود مُهلك للأعصـاب المستثارة :
-أيوة أتجوزت، وأتجوزت شخص مش سهل، أميرة شاهين دلوقتي بقت على ذمة آسر الألفي، وأظن إنت تسمع عن الراجل ده كويس أوي .

تجلت الصدمة على وجهه وتوقفت حروف كلماتـه عند طرف لسانـه، بينمـا حدجـه بـ نظراتٍ يائسة ثم أطرق رأسـه بـ حُزن جلي مرددًا :
-رغم أنـه صعب عليـا إني أقولهـا، بس حقيقي أنا ميشرفنيش أنك تبقى أبويـا .

قالهـا وهو يُلقي عليهم نظرةً مليئة بالألم والأنكسـار ثم ســار بخُطوات شبه راكضة إلى باب القصر، فتحـه ثم لـ يُخرج من المكـان بأكملـه دون أن يغلق البـاب .

جلست "سميرة" على الأريكة وقد تركزت عيناهـا المصدومتـان على وجه زوجهـا، وقف "فؤاد" مُتصلب الجسد، غير مُصدق ما حدث، أدرك أنـه في خطر كبير بعد تعريتـه أمام وحيده، أرتكزت عينــاه على الفراغ، وأنقلب عقلـه رأسًا على عقب، هتف أخيرًا بعد صمت دام لـ دقائقٌ :
-إحنا لازم نهرب، مش هينفع نستنى أكتر من كده .

جأرت "سميرة" بـ صوتهـا قائلة :
-إيـه إللي إنت بتقولـه ده يا فؤاد ؟؟.. إحنا نفضل أعدين هنـا زي الملوك، مفيش أي دليل ضدنـا عشان نخـاف ونهرب !!..

مازالت الصدمة مغلفة لعينـي "فؤاد"، هتف بإزدراء :
-إنتي متعرفيش مين يبقى آسر الألفي.. ده بطل الجمهوريـة فالمُلاكمة، يعني مُمكن يظهرلنـا فأي لحظة عشان ينتقم لـ مراته، ولو شافنـي هيدينـي علقة موت، وهيخليني أعترف بالحقيقة قُدام النيابة غصب، ده غير نفوذهُ وسلطتـه، يعني صعب أي مخلوق يقف قصاده .

تطلعت أمامهـا في الفراغ لثوانٍ قبل أن تتحدث من زوايـة فمهـا قائلة بـ حسرة :
-يعني إحنا ضيعنـا نفسنـا بإيدينـا، والأهم إني خسرت إبني الوحيد وإللي طلعت بيـه من الدُنيـا !!.. خلاص دي النهايـة ؟!.. دي نهايتنـا يا فؤاد !!..

قال "فؤاد" وهو يحاول أن يتماسك :
-عشان كده بقولك لازم نهرب دلوقتـي، مفيش حل غير ده .

******
وقف "آسر" كـالعـادة أمام غُرفتهـا بالعناية الفائقـة يُراقبهـا من خلف الزجـاج، دنا منه صديقـه "كامل" بخُطوات مُتثاقلة، ضغط يده على كتفـه مُتسائلاً بـ هدوءٍ رغم تهجم ملامحـه :
-إيـه يا آسر مش هتاكـل ؟؟.. إنت من إمبارح بليل لغايـة دلوقتي ماكلتـش !!..

أجـاب بإمتعـاضٍ :
-مليش نفس يا كامل، أدعي بس أن أميرة تبقى كويسة وتقوم بالسلامة، وأنـا هبقى كويس .

رد "كامل" عليـهِ بـ صدقٍ :
-واللهِ بدعيلهـا، وإن شاء الله هتبقى كويسة، بس قـول يـارب .

أغمض عينيـهِ للحظةٍ قبل أن يقول راجيًا :
-يـارب .

تنهد تنهيدة حـارقة نابعة من صدره، وعاد يُحدق فيهـا بـ نظراتـه الحزينـة، تأهبت حواسـه حينمـا لاحظ حركة رأسـا الخفيفة، تجمدت أنظـاره عليهـا، أغمض عينـاه بـ قوة ثم عـاد يفتحهم لـ يتأكد ممـا رأه، نطق "آسر" بـ لهفة موجهًا كلماتـه لـ رفيقـه :
-كامل، ألحق يا كامل، ركز كده على أميرة .

قطب "كامل" جبينـه بإستغراب، حرك رأسـه بإتجـاه الزجـاج وهو يُضيق عينيـه على "أميرة"، أنتبـه لـ حركة أصابـع يدهـا ف أشتعل الحمـاس بداخلـه، في حين تابـع "آسر" بلا تصديق :
-شايف يا كامل ولا دي تهيؤات !!..

هتف "كامل" بـ بهجة :
-ده بجد يا آسر !!..

أنتفض "آسر" في وقفتـه، تهللت أساريره بـ درجة كبيرة، أخذ يردد بـ نبرة مُتحمسة لفتت أنتبــاه الحاضرين :
-الحمدلله.. الحمدلله .

ثم صـاح بـ حماسٍ بـ صوتٍ مُرتفع وهو يلتفت حولته :
-يا دكتور، أميرة أتحركت .

تحرك ناحية إحدى المُمرضـات لـ يبلغهـا بمـا رأه، أستمعت إلى كلماتـه بإهتمـام ثم ركضت لـ تستدعي الطبيب، ثواني وكان أتى الطبيب ليدلف إلى الداخل لتفقدهــا، حبس "آسر" أنفاسـه وتسارعت نبضـات قلبـه من فرط التوتّر، توجس خيفـة أن يكون قد أصابهــا مُضاعفـات خطيرة، أنتظر على أحرّ من الجمـر خروج الطبيب ليطمئنـه، لم يتوقف لسانـه عن الدعـاء لحبيبتـه حتى لمحـه وهو يلج للخـارج، هرول ناحيتـه ركضًا وهو يسألــه بأنفاسٍ متهدجـة :
-أميرة عاملـة إيـه دلوقتـي ؟؟.. في حاجة خطيرة ولا لأ ؟؟..

رد الطبيب بـ هدوءٍ محاولاً بث الأطمئنـان بداخلـه :
-ماتقلقش يا مستر آسر، المدام هاتبقى كويسـة .

سألــه "آسر" بـ نبرة تلهف :
-طب هي فاقت ؟؟..

أجابـه موضحًا ووجهـه يعكس بسمة هادئة :
-أيوة بس بالتدريج، وأنا عايزك تطمن، أنـا متابع حالتهـا أول بأول .

مد يده يصافحـه بـ شُكر، ثم عاود التحديق في وجه "أميرة" الغافـل خلف الحائط الزجاجي، لمعـت أعينــه بـ شدّة وهو يقول بـ نبرة راجيـة :
-يـارب .

******
تحرك بـ خُطوات سريعـة إلى غُرفتهـا بعد أن سُمح لـه بالدخول، فتح الباب بـ حذرٍ وهو يلـج للداخل ثم أغلقـه، كانت قدميـهِ تقتربـان منهـا بـ بُطء وعينـاه لا تفارقانهــا، إبتسم لهـا بإشتيـاق وهو يجلس على طرف الفراش، مد يده بـ بُطء لـ يلتقط كفهـا، مسح بـ يده الأُخرى على جبينهـا وشعرهـا برفق .

ظل مرابطًا لـ بعض الوقت إلى جوارهـا يحدثهـا في أمور عامة آملاً أن تستعيد وعيهـا في أقرب وقت، ويرى عيناهـا التي أشتـاق لهــا، حركت رأسهـا وهي تئن بـ همسٍ ضعيف، أحتضن كفيهـا بين راحتـي يده مرددًا بـ سعادةٍ :
-أميرة، أميرة إنتي سمعانـي.. صح ؟؟..

فتحت جفنيهـا بـ تثاقل شديد، تهجمت تعابير وجههـا وتشنجت مع محاولتهـا الأعتيـاد على الإضاءة القوية، أتضح الخيـال المشوش قليلاً، شعرت بالوخزات الحـادة في صدرهـا فـ تأوهت بـألمٍ، همست بـ تعبٍ :
-آسر .

أنحنى بـ رأسـه عليهـا لـ يُقبـل جبينهـا، تراجع عنهـا ثم هتف بـ بسمة واسعة سعيدة :
-حمدلله على سلامتك يا حبيبتي .

ألقت نظرة خاطفـة على المكـان من حولهـا لـ تتبين أين هي، أستطاعت بـ بساطة أن تخمن وجودهـا في المشفى، تسائلت بـ صوتٍ خافت مُتعب :
-هو إيـه إللي حصل ؟؟.. أنـا إيـه إللي جابنـي هنـا ؟؟..

أبتلع "آسر" الغصة المريرة العـالقـة في جوفـه، أنحنى عليهـا بـ رأسـه لـ يُقبّلهـا أعلى رأسهـا بـ حنوٍ، ضغط على كفهـا وهو يهمس لهـا :
-أميرتـي، مفيش داعي تفتكري أي حاجة، كُل إللي تعمليـه دلوقتـي، أنك ترتاحـي .

وكأنهـا لم تصغِ لـ كلمة واحدة ممـا قالـه، كان تفكيرهـا منصبًا على حالتهـا، تأهوت بألمٍ مرة أُخرى حينمـا أشتدت عليهـا الوخزات الحـادة، سألتــه بـ ضعفٍ :
-أنـا بقالي أد إيـه هنـا ؟؟..

حـاول أن يتماسك عندمـا تذكر تلك الفترة التي قضتهـا بداخل غيبوبة غير مُستشعرة بـ أي شئ تُخص الواقع، ورغم ذلك إبتسم إبتسامة مُشرقة وهو يقول بـ همسٍ خـافت :
-مُمكن متفكريش فـ أي حاجة، بلاش تجهدي نفسك .

أرتسمت على محياهـا إبتسامة باهتة، فـ أكمل كلماتـه الرقيقة قائلاً :
-وأنا هفضل جمبك، أرتاحتي إنتي وبس .

حركت رأسهـا بـ تعب شديد، أغمضت عيناهـا وسُرعـان ما أستسلمت لـ خدر عقلهـا الطبيعي، لـ تُغيب عن الوعي تمامًا مرة أُخرى، نهض من مكانـه ثم أنحنى بـ جسده لـ يطبع قُبلـة مطولـة على جبينهـا، وهو يتأملهـا بأعين مليئة بالشغف والأمـل .

******
لاحقًا، جلست "حبيبة" على طرف الفراش ثم أنحنت بـ جسدهـا لـ تدفن نفسهـا بداخل أحضـان رفيقتهـا، تلاشت أحزانهـا وهي تراهـا قد عـادت للحيـاة، ترقرقت العبرات بـ قوة في حدقتيهـا بعد أن أرتـاح قلبهـا، إبتسم "آدم" بإرتيـاح وهو يراهـا قد عادت كـ الفراشة المُبتهجة، قـالت "حبيبة" بـ تنهيدة مُتعبة :
-يـــاه، أنا كُنت خايفة عليكي أوي .

إبتسمت "أميرة" إبتسامة باهتـة :
-ربنـا يخليكي ليـاا يا حبيبة، ماتقلقيش أنا كويسة الحمدلله .
كفكفت عبراتهــا بالمنشفة الورقية وهي ترمقهـا بإبتسامة سعيدة وقد أشرقت نظراتهـا، في حين قـال "آدم" بإبتسامة ودودة :
-حمدلله على سلامتك يا أميرة .

ردت عليـهِ ولم تفقد إبتسامتهـا :
-الله يسلمك يا آدم .

دنـا منهـا "حازم" وهو يقول بـ سرور :
-إنتي بجد مش عارفة سعادتنـا دلوقتي عاملـه إزاي عشان بقيتي كويسة، كُلنـا تعبنـا لما تعبتي وزاد تعبنـا أكتر في الفترة الأخيرة .

نظرت لـه في حيرة مُتسائلة :
-هو أنـا بقالي هنـا أد إيـه ؟؟..

خيم الصمت على المكـان غير قادرين على إجابـة سؤالهـا رغم سهولة إجابتـه، حدقت فيهـا "حبيبة" بأعين متوترة، في حين تساءلت "أميرة" بـ لهجة يشوبهـا الحدة :
-هو محدش بيرُد عليـا ليـه ؟؟.. أنـا بقالي أد إيـه هنـا ؟؟..

رد عليهـا "آسر" بـ صلابة :
-إنتي داخلـة على أسبوعين يا أميرة .

أرتسمت الصدمة على معالم وجههـا، تابـع "آسر" بـ وجهٍ عابس :
-أسبوعين وإنتي جوا الغيبوبة .

حدجتـه بـ دهشة كبيرة، أخفضت نظراتهـا وهي ترمش عدة مرات لـ تستوعب ذلك، بلعت ريقهـا بـ صعوبة وهي تُجاهد أن لا تظهر أي شيء أمامهم، أضـاف "آسر" وهو يوجـه أنظاره الحـادة للجميـع مرددًا بـ صوتٍ أجشَّ :
-يالا يا جماعـة مش هينفع كُلنـا نبقى هنـا، لازم واحد بس هو إللي يبقى موجود .

أردفت "حبيبة" بـ لهفة :
-أنـا هقعد معاهـا .

رمقهـا بإبتسامة هادئة مُجيبًا :
-مفيش داعي، أنا هفضل جنبهـا .

أقترب "آدم" منهـا محاوطًا إياهـا من كتفيهـا وهو يُردف بـ صوتٍ هادئ :
-يالا يا حبيبة، إنتي اصلاً لازم تروحي، على الأقل ترتاحي شوية .

نظرت لـه بـ تردد واضح، تقلبت عيناهـا فيمـا حولهـا في أرتباك، أمسك كفهـا ثم ضغط عليـهِ بـ رفق بـ أصابع يده، رفعت عينيهـا إلى عينيـه فـ وجدتـه يرمقهـا بـ عينين باسمتين لـ تبعث لهـا شئ من الأطمئنـان، أستسلمت أمـام نظراتــه الراجيـة ثم تحركت بـ رفقتـه نحو الباب، خرج "آسر" من الغُرفـة بعد أن غمز لـ "كامل" و"حـازم" ليتبعوه إلى الخـاج، أستطرد حديثـه هاتفًا بـ جدية :
-لو عايز يا حازم تقعد عندي في القصر مفيش مانـع، وصدقنـي ده شئ يسعدنـي .

رفع "كامل" حاجبـه للأعلى قائلاً بـ جدية صارمة :
-طب وليـه ؟؟.. خليـه يبـات معايـا في الشقة عندي زي أيـام إللي فاتت .

قـال "حازم" بـ جمودٍ :
-أيوة أنا هفضل عند كامل .

أستشعر "آسر" وجود خطبٍ مـا من لهجة حديثـه وملامح وجهه، فـ سألـه بدون تردد بـ جدية :
-مالك يا حازم ؟؟..

تنهد بـ حرارة وهو يُجيب بإقتضاب :
-هبقى أقولك بعدين، مينفعش دلوقتـي، الوقت مش مُناسب وكذلك المكـان .

أومـأ بـ رأسـه في تفهم مرددًا :
-تمـام .

******
بعد برهـة، دخل "آسر" الغُرفة بعد أن رسم على وجهه إبتسامة صغيرة هادئة، ولكن سُرعـان ما تلاشت عندمـا لم يجدهـا في الفراش، وقبل أن يخرج من الغُرفة لـ يبحث عنهـا، كانت تخرج من المرحـاض الملحق بالغُرفة، فـ تنفس بـ راحة ثم حدجهـا بـ قلقٍ مُتسائلاً بإهتمـام :
-إنتي كويسـة ؟؟..

كانت عيناهـا مُجهدتـان.. ضائعتـان، تحركت نحو الفراش بُخطوات مرهقة ثم جلست على طرفـه، أجابتـه هامسة :
-لأ، أنـا مش كويسة خالص .

لم يظهر تعبير مُعين على ملامحـه القاسية ممـا جعلهـا تخفض عينيهـا أمام عينيـه الحادتـان، همست بِلا حيـاة :
-تفتكر مين إللي عمل كده ؟؟..

سمعت صوت أنفاسـه الخشنة ثم رد أخيرًا بـ صوتٍ رجولي قـوي كـ تقرير أمر واقع :
-إنتي عارفة كويس مين إللي عملهـا !!.. وليـه عمل كده !!..

كانت تنظر إليـهِ رافعة رأسهـا، وهو يعلوهـا كأن حجمـه أزداد ضخامـة وتجبر، بينمـا كانت ملامحهـا باهتة على غير العـادة، تراقبـه بـ صمت وهو يتكلم، وما إن إنتهى حتى هبت واقفة بـ هدوسٍ وقد أخفضت عيناهـا وبدأ تنفسهـا يتسارع بالتدريـج.. تنفسهـا الغاضب، نظرت أمامهـا للحظاتٍ قبل أن تقول بـ خفوت فيـه إصرار :
-آسر، من فضلك سبني لوحدي شوية .

عبس "آسر" بـ شدّة وقد تحولت ملامحـه إلى الحجر.. ثم قـال بـ صوتٍ أجشَّ :
-أنا لا يُمكن أسيبك لوحدك .

همست بإختنـاق :
-أرجوك يا آسر، من فضلك سبنـي لوحدي شوية، أنـا محتاجـ...

وقبل أن تكمـل حديثهـا، كانت ذراعـاه قد جذبتاهـا إلى صدره العريض القـوي بـ شدّة، أحتضنهـا بـ قوة، أسند طرف ذقنـه فوق رأسهـا الناعم ثم همس لهـا بـ نبرة عذبة :
-بلاش تكتمي دموعك جواكي، عيطي زي ماإنتـي عاوزة، عشان ترتـاحي وتريحـي قلبك .

لم تكُن تنتظر الأمر منـه، فقد أخذت تشهق باكيـة وهي تتشبث بـ قميصـه دافنـة وجههـا في صدره، تعالت شهاقتها المكتومة وصدر صوتها الممزوج بالنحيب، لم تكُن تُصدق بأن عمهـا بـ تلك القسوة، تُكـاد أن تنزلق جالسة لولا ذراعيـه اللتين تشعران بـ أقل حركةٍ لهـا فـ تعاودان رفعهـا، أغمض "آسر" عينيـهِ بـ قوة، شعر بـ كُل ذرةٍ ألم التي تقبـع بداخلهـا، همس لهـا بـ صرامة بعد أن أظلمت عينيـهِ بـ عُنف :
-صدقيني، أنا هجبلك حقك .

بعد فترة، كانت تتراجع عنـه وهي تسند يديهـا على صدره، حاوط خصرهـا سريعًا خشيًا أن تقع، فـ جسدهـا الآن ضعيف بـ شدّة، هي عاشت طوال تلك الفترة على محاليل فقط !!.. راح يمسك بـ ذراعهـا الأيسر لـ تمر خلف عنقـه ثم وضعهـا على كتفـه وهو يقول بـ صيغـة آمرة :
-أسندي عليـا .

فعلت ما أمر بـهِ دون أن تنبس بـ كلمـة، فـ تحرك بهـا ناحية المرحـاض بخُطوات هادئة بطيئـة، تركت جسمهـا يتحرك معـه تبعًا لـ حركتـه البطيئة، شعرت بوخزات حـادة في صدرهـا، أبتلعت ذلك الألم، ولكن لم تصمد كثيرًا، حيثُ أرتسمت على تعبيرات وجههـا الألم متـآهوه :
-آآآآآه .

توقف عن جذبـه وأخفض رأسـه مُتسائلاً بـ تلهف :
-في إيـه ؟؟..

أغمضت عيناهـا بـ قوة مرددة :
-مـ.. مفيش يا آسر، آآ.. الجرح شادد عليـا شوية .

دق قلبـه بـ عُنف، عاد يُتابـع جذبـه لهـا نحو داخل المرحـاض وهو يقول :
-أستحملي يا أميرة، أستحملي .

فتح صنبور الميـاة، أبعدت ذراعـه عنـه، لـ تبدأ تغسل وجههـا، أبعد "آسر" خُصلات شعرهـا من على جبينهــا وهو يُتابعهــا بـ قلقٍ واضح على ملامحــه، جذب المنشفة القطنيـة وهو يهمس لهـا :
-متتحركيش .

بدأ يجفف وجههـا بالمنشفة بـ رفق وحرصٍ واضح وهو يُتابـع بـ صرامة :
-دلوقتي إنتي لازم تاكلي حاجة، إنتي جسمك ضعيف جدًا .

حركت رأسهـا إيجابيًا مرددة بـ خفوت :
-حاضر.

أغلق "آسر" صنبور الميـاة، ثم أنحنى بـ جسده لـ يضع ذراعـه الآخر أسفل ركبتيها، حملهـا بين ذراعيـهِ، فـ شهقت "أميرة" ثم هتفت في شئ من الصدمة :
-آسر، نزلني .

حدجهـا بـ جدية وهو يقول :
-أنا مش لســه قايل أن جسمك ضعيف، إنتي مش قادرة تمشي فـ أشيلك أحسن .

أتجـه بهـا نحو الفراش، ثم وضعهـا عليـه بـ حذر، سحب الملاءة لـ يدثرهـا، أنحنى عليهـا ومسح على جبينهـا مرددًا بـ بسمة صغيرة :
-أرتاحي شوية، عقبـال ما يجيبوا الأكل .

بلعت ريقهـا بـ تعب ثم أغمضت عينيهـا، دقيقتين وكانت أستغرقت بداخل النوم رغمًا عنهــا، أبعد يده -عن جبينهـا- ناحية كفهـا المسنود إلى جوار جسدهـا، ألتقطـه بين راحتيـهِ ضاغطًا عليـهِ بـ رفقٍ وهو يقول بـ صوتٍ خفيض :
-كُل حاجة هتبقى تمام، وكل حاجة هتتصلح يا أميرتـي طول ما إحنا ما بعض .
******
-يـــاه، أخيرًا يا حبيبة ضحكتي !!..

قالهـا "آدم" بإبتسامة واسعة وهو يلتفت بـ رأسـه لـ يُحدق في إبتسامتهـا المُشرقة، فقد تلاشى حُزنهـا، أحست "حبيبة" بالإرتيـاح الشديد لـ تلقيهـا شفاء صديقتهـا بنسبة كبيرة، وأشرقت نظراتهـا مرة أخرى، أجابتـه بإبتسامتهـا :
-طبعًا لازم أضحك، إنت مش متصور إحساسي عامل إزاي دلوقتـي يا آدم، راحة غريبة جوايـا مش عارفة أوصفهالك، بجد الحمدلله أنهـا فاقت، الحمدلله .

أدارت رأسهـا للجانب لـ تجد وجهًا مُشرقًا يرمقهـا بـ سعادة، وبإبتسامة لهـا معنى خـاص، حدقت فيـه وتوردت بشرتهـا حرجًا من طريقة تطلعـه إليهـا، سألتـه بـ خجلٍ :
-إنت بتبصلي كده ليـه ؟؟..

رد عليهـا وهو ينظر للطريق أمامه عبر زجاج سيارتـه :
-إنتي طيبة أوي يا حبيبة، طيبة جدًا، حقيقي إنتي تستحقي كُل حاجة حلوة .

قالت "حبيبة" وهي تُخفض نظراتهـا :
-أنا مش عارفة أقولك إيـه !!.. ميرسي بجد على كلامك .

أمتعضت ملامحـه بـ شدة وهو ينطق بـ :
-هو إيـه إللي ميرسي ؟؟.. أنا مش بقول مُجاملـة، أنا بقول الحقيقة .

عضت على شفتهـا السُفلى بـ حرج، بينما سحب "آدم" نفسًا عميقًا وهو يُضيف بـ بسمة صغيرة :
-بس تعرفي إنك حلوة النهاردة .

سُرعـان ما رفعت وجههـا إليـهِ مُتسائلة بـ تبرم زائف :
-إيـه ده !!.. يعني إيـه ؟؟.. يعني أنا طول الوقت كُنت مش قمر ؟؟..

أتسعت بسمتـه حتى برزت أسنانـه البيضاء المتناسقة مُجيبًا :
-إنتي طول عُمرك قمر، بس النهاردة أكتر، لأن بعد ما أميرة فاقت وشك نور من الفرحة .

خبـأت وجههـا المُشتعل خجلاً بـ يديهـا وهي تردد :
-كلامك حلو .

حرك رأسـه بإبتسامة وهو يجد وجنتيهـا تشتعل بـ حُمرة خجل، أبعدت يديهـا عن وجههـا وظلت طوال المساة المتبقية من الطريق تنظر أمامهـا، ورغم إحساس الفرحة الذي غمرهـا لكون صديقتهـا قد عادت إلى واقعهم الملموس إلا أن قلبهـا لا يُزال قلقـًا عليهـا، أبتلعت إبتسامتهـا ثم قالت بـ خوفٍ :
-آدم، أنا خايفة .

سألهــا بـ قلق بعد أن زادت نبضات قلبـه :
-خايفـة !!.. من إيـه ؟؟..

أنقبض قلبـه نوعًا ما، وهمست مُتسائلة بـ تردد خائف :
-أكيد عم أميرة مش هيسكت، ومُمكن يحاول يقتلهـا تاني !!..

صمت لـ ثوانٍ قبل أن يحرك رأسـه نفيًا هاتفًا بـ ثقة :
-معتقدش، لأن آسر مش هيسكت وهياخُد بالـه من أميرة .

سحبت نفسًا عميقًا تثلج بـهِ صدرهـا، دقائقٌ.. وكـان صف سيارتـه أمام مدخل بنايتهـا، أستدار إليهـا وهو يُحدق فيهـا بـ نظراتٍ خاصة ثم قال بـ صوتٍ جاد :
-لو عوزتـي أي حاجة يا حبيبة، أي حاجة مهما كانت، تتصلي بيـا فورًا، وأنا هبقى أطمن عليكي عن طريق الموبيل .

هزت رأسهـا هزات متتالية مرددة بـ تأكيد :
-حاضر، بس أنا هطلع أنـام على طول، أنا بقالي كتير منمتش .

أستخدم يده في التلويح وهو يُردف بـ :
-ماهو واضح عليكي، نامي كويس ومتشغليش بالك بأي حاجة .

ألتقط كف يدهـا لـ يقبلـه بـ رقة وهو يقول بـ بسمتـه التي لم يفقدهـا :
-يالا لا إله إلا الله .

رد عليـه وقد لمعت عيناهـا :
-سيدنا مُحمد رسول الله .

رمقتـه بـ نظرةً أخيرة عبرت عن الكثير، أهمهـا السعادة.. الإشتياق، ترجلت عن السيارة متوجهه بخُطوات سريعة إلى داخل بنايتهـا، عقب أن تأكد من دخولهـا كان أدار محرك السيارة ثم ضغط على دواسة الوقود بـ قوة قبل أن ينطلق بالسيارة متوجهًا إلى مزرعتـه .

******
في المسـاء، دخل وكيل النيابة الغُرفة التي ترقد بداخلهـا "أميرة" بعد أخذ الأذن بالدخول، هب "آسر" واقفًا ثم صافحـه بـ عملية شديدة، في حين أعتدلت "أميرة" في جلستهـا بـ هدوءٍ، وقف وكيل النيابة وهو مسلط أبصاره على المجني عليهـا وهو يقول بـ صوتٍ خشن :
-حمدلله على سلامتك يا مدام أميرة .

حرك رأسهـا بـ خفة وهي تُجيب بـ خفوت جـاد :
-الله يسلم حضرتك .

هتف وكيل النيابة وهو ينظر لـ "آسر" بـ جدية قائلاً بـ هدوءٍ :
-مُمكن يا آسر باشا تسبني شوية مع المدام عشان نحقق معاهـا وناخُد أقوالهـا .

تهجم وجهه بـ طريقة مُزعجة، هتف بـ عبوسٍ :
-ماشي .

تحرك ناحية الباب بخُطوات ثابتة، أمسك بـ مقبض الباب ثم أداره وهو ينظر لـ زوجتـه نظراتٍ مليئة بالضيق ثم ولج خـارج الغُرفة، جلس وكيل النيابة على المقعد المعدني الذي يقع بـ جوار الفراش وسألهـا بـ صوتـه الهادئ :
-جاهزة ؟؟..

نظرت لـه بـ تأكيدٍ محركة رأسهـا إيجابيًا :
-أيوة.. جاهزة .

******
بعد فترة وجيزة، خرج وكيل النيابة بخُطوات ثابتة هادئة من الغُرفة، لمحـه "آسر" من طرف عينيـهِ، فـلما رأه وثب قائمًا من مكانـه وركض ناحية غُرفة زوجتـه، دخل الغُرفة ليجدهـا عاقدة ساعديهـا أمام صدرهـا، ووجههـا خالٍ من التعبيرات، تحرك بـ بُطء متوجهًا نحو فراشهـا وهو يتسائل :
-قولتي لوكيل النيابة على مين إللي حاول يقتلك ؟؟..
نظرت إليـهِ "أميرة" ولم تجب فـ أستمر قائلاً بـ صوتٍ حـاد كالسيف :
-ساكتة ليـه يا أميرة ؟؟.. أوعي تكوني قولتـي وجبتي أسم عمك فالموضوع .

صمتت لـ برهة قبل أن تُجيب بـ صوتٍ خالٍ من الحيـاة :
-أيوة جبت أسمـه فالموضوع .

أنعقد حاجبـاه في صرامة قاسية، تشنجت عضلات جسده وكانت واضحة وضوح الشمس من ثيابـه الضيقـه عليـهِ، سألهـا بـ صوتٍ مُرعب :
-ليـه ؟؟.. ليـه عملتـي كده ؟؟..

أشـاحت وجههـا عنـه قائلة في حزم :
-لأن دي الحقيقة، وكان لازم يعرف مني، بدل ما يعرف من حد غيري، وساعتهـا هتبقى مُشكلة .

قـال في صرامة أكثر قسوة وقد أكتسى صوتـه بـ نبرة مُخيفة :
-مكنش في داعي، أنا كُنت هاجبلك حقك بـ طريقتي و...

قاطعتــه "أميرة" وهي رافعة رأسهـا نحوه في غضب :
-إنت كده هتودي نفسك فـ داهية، وأنا مش عايزة ده يحصل .

سألهـا بـ غضب جـامح :
-وهو صدقك ؟؟.. إزاي هيصدقك ومفيش دليل واحد ضده ؟؟..

هتفت بـ قوة دون أن ترمش رمشة واحدة :
-أسمع يا آسر، عشـان هنقفل على الموضوع ده، ده حقـي أنـا، وأنا عارفة كويس إيـه إللي بعملـه، ووكيل النيابة هيبعتلـه إستدعـاء عشان ياخُد أقوالـه، وبالنسبة لدليل ضده، فـ أنـا عارفة أنا هجيبـه إزاي .

نظر "آسر" إليهـا وقد هدأت ثائرتـه وقـال ساخرًا :
-أطلع منهـا أنا بقى ؟؟..

ردت عليـه بـ جمودٍ غريب :
-أنا مقولش كده، أنا هحتـاج مُساعدتك أكيد، لأني مليش حد غيرك أتسند عليـه .

ران الصمت على المكان بضع لحظـات، قبل أن يشدّ "آسر" قامتـه في محاولة لأستعادة سيطرتـه على أعصابـه قبل أن يلقي جسده على المقعد القريب من فراشهـا، مد يده بـ بُطء لـ يقبض على كفهـا، أخفضت "أميرة" عينيهـا من عينيـهِ إلى كفهـا القابـع في كفـه القوية، همس لهـا في شئ من الضيق :
-أنـا آسف إني أتعصبت عليكي .

سكتت للحظةٍ ثم قالت في صوتٍ حـانق :
-مفيش داعي تعتذر .

أرتسمت على تعبيراتـه علامـات الجدية وهو يعتذر منهـا :
-خلاص أنـا آسف بجد، حقك عليـا .

نهض من مكانـه لينحني عليهـا قليلاً ثم قبّلهـا أعلى جبينهـا، تراجع عنهـا وهو يتحدث بإبتسامة صغيرة :
-خلاص بقى يا أميرتـي، طب أعملك إيـه عشان تسامحيني .

قالت بـ عبوسٍ :
-مش عاوزة حاجة .

جلس على طرف الفراش وهو يتنهد بـ ضيق، لكن سُرعـان ما ألتعمت عينـاه بـ خُبث وهو ينطق بـ مكر :
-أنا عرفت أنا هصالحك إزاي .

رمقتـه بـ توجس بعد أن ضيقت عينيهـا، أستشعرت من نظراتـه ما ينوي فعلـه، فـ رفعت إصبعهـا أمام وجهه وهي قول بـ تحذير :
-ماتقربش مني، إياك ثم إيـاك .

همست بـ خُبث وهو يقرب وجهه أكثر إلى وجههـا مرددًا :
-لأ أنا لازم أصالحك، مينفعش مراتي حبيبتي تبقى زعلانة مني وأنا مصالحهـاش .

هتفت بـ لهفة وهي تضع كفيهـا على صدره لـ تبعده :
-لألألألأ، انا مسمحـاك خلاص، إبعد بقى وبلاش آآآ...

لمعت عينـاه تلك المرة بـ بريق مُختلف، أمسك بـ وجههـا بين يداه يثبتـه، لـ يُقبّل شفتاهـا قُبلة هادئة.. مُشتاقة، دبت القشعريرة في جميـع أنحـاء جسدهــا، وأغمضت عيناهـا مُستسلمة لذلك الشعور الذي أجتاحهـا بدون سابق إنذار، تراجع عنهـا بعد لحظاتٍ عندمـا شعر حاجتهـا للهواء، وأسند جبينـه على جبينهـا قائلاً بأنفاس لاهثة :
-هـاا يا أميرتـي، لسه زعلانة مني ؟؟..

ظلت مُغمضة عيناهـا ولم تُرد عليـهِ، فـ تــابع بـ نبرة لن تسمع "أميرة" مثلهـا أبدًا :
-بحبـك .
******
بعد مرور ثلاثة أيـام، ظل يلازمهـا بالمشفى لم يتركهـا سوى مرة واحدة ذاهبًا إلى قصره لكي يقوم بـ تبديل ملابسـه وللأغتسـال، تـابع كل شاردة أو واردة تُخصهـا لـ يضمن تماثلهـا للشفـاء، قضى في تلك الليالي معهـا في فراش مجاور أُحضر خصيصًا لـه، كان دائمًا يتعاهد مع نفسـه أن يجعل القادم أفضل بالنسبة لهـا ويعوضهـا عمـا فـات كُلمـا رأهـا بـ تلك الحـالة .

تلقت "أميرة" الرعاية الفائقة ممن حولهـا حتى أستعادت عافيتهـا، تفاجـآت عندما وجدت رفيقتهـا تدخل وبـ صحبتهـا أثنين من زملائهـا مُنذ أيـام الجامعة، أسقبلتهم بترحيب شديد، هتف بـ سعادة :
-معقولة !!.. أنـا مش قادرة أصدق، ميرسي بجد على تعبكم .

هتف إحدى زميلاتهـا مرددة :
-على إيـه بس، أنا صحيح مش صاحبتك وكنـا مجرد زمايل، بس بجد أنا حاسـه بيكي، وكُنت بتابـع حالتك أول بأول مع حبيبة، لأن أنا وهي لسـه بنتواصل مع بعض .

حركت "أميرة" رأسهـا بـ خفة مُجيبـه :
-آه ما أنـا عارفة، حبيبة بتقولي دايمًا أنهـا بتتاوصل معاكوا وحقيقي أنا مبسوطة إني شوفتكوا .

وجهت أنظارهـا السعيدة نحو باب الغُرفة عندمـا أستمعت إلى دقات "آسر" وهو يطل بـ رأسـه قائلاً بـ جدية :
-مساء الخير .

أتسعت إبتسامة "أميرة" مرددة :
-صبـاح النور يا آسر .

أقترب من فراشهـا وهو يقول بـ نظراتٍ حانية :
-في ضيوف عاوزين يشوفوكـي .

أتسعت عيناهـا وهي تقول بـ ذهول :
-ضيوف !!..

رد عليهـا بـ لطف :
-أيوة، رجـال وسيدات أعمـال، عاوزين يطمنوا عليكي، في منهم إللي أشتغل مع والدك وفي منهم إللي كانوا أصدقاء والدك ووالدتك الله يرحمهم .

نظرت لـه بـ صمت، فقد عقد لسانهـا عن اللفظ، ولكن نظراتهـا عبرت على ما لم تنطق بـهِ، عاود الخروج من الغُرفة، وفي خلال لحظاتٍ كان يدخل مُجددًا وبصحبتـه بعض من رجـال وسيدات أعمـال، أستقبلتهم "أميرة" بإبتسامة واسعة وهي تُرحب بهم بودّ حقيقي، ثم بدأت تتبادل معهم الحديث .

بعد مرور وقت ليس بالقليل، كان أصطحبهم "آسر" إلى الخارج شاكرًا إياهم على القدوم، تنهـد تنهيدة حــارة ثم تحرك إلى الداخل ساحبًا المقعد المعدني إلى جوار فراشهـا، سألهـا بإهتمام :
-مبسوطة ؟؟..

ردت بدون تفكير :
-جدًا، بجد آخر حاجة كُنت أتوقعهـا، الحمدلله .

تنهدت بـ عُمقٍ مُتسائلة :
-أنا هخرج إمتى من هنا ؟؟..

رد عليهـا بـ عملية :
-أنا أتكلمت مع الدكتور النهاردة وقالي أنك هتخرجي بُكرا بإذن الله .

ألتفت بـ رأسه ناحية باب الغُرفة بعد أن أستمع إلى دقـاتـه الخفيفة، فـ أذن بالدخول بـ صوتـه الحـاد، دخل "كامل" و"حازم" الغُرفة بـ وجهٍ واجم، أستشعر "آسر" وجود شئ سيء قد حدث، فـ سألهم بـ توجس :
-في إيـه ؟؟.. مالكُم ؟؟..

بعد صمت طويل.. رد "حازم" عليـه بإختناق :
-أبويـا وأُمي هربوا .

أصبح الصمت هو سيد الموقف، نظرت له "أميرة" بـ وجهٍ خالٍ من التعبيرات، بينمـا حدق "آسر" فيـه بإندهـاش مصدوم، تحولت عينيـه لـ جمرتين متقدتين من النـار.. أو الجحيـم، ضغط على أصـابع يده وهو يكورهم معًا، في حين لم يتحمل "حـازم" تلك النظرات فـ تحرك بخُطوات متعجلة إلى خارج الغُرفة، لحق بـهِ "كامل" مُستشعرًا ما يمر بـهِ صديقـه الجديد .

حركت "أميرة" رأسهـا للجانب لـ تسألـه بـ جدية :
-مالك ؟؟..

رمقهـا بنظراتٍ عدائية وهو يقول :
-مالي !!.. مضايق طبعًا !!..

نظرت لـه بـ غموض، بينمـا أضـاف "آسر" بنبرة متوعدة :
-هُمـا فاكرين يقدروا يهربوا مني، لكن ده مش هيحصل أبدًا.. أبـدًا .

قال كلمتـه الأخيرة بـ غضب جـامح، في حين قـالت "أميرة" بـ غموض مُثير :
-مفيش داعي للقلق يا آسر، أنا عارفة هُمـا فين ومع مين .
لم تحدْ بـ نظراتهـا عن وجهه مرددًا بـ تعجب شديد :
-عارفة !!.. عارفة إزاي ؟؟..

تقوس فمهـا لـ تظهر من خلفهـا إبتسامة غامضة وهي تقول بـ ثقة :
-لأني ببساطة كُنت براقبـه بس من بعيد، بشوف رايـح فين وجـاي من عند مين .

أبعدت خُصلة مُتمردة من على جبينهـا لتضعهـا خلف أذنهـا وهي تُضيف :
-بدأت أراقبـه من ساعة ما سمعت أنـه بدأ يخطط إزاي ياخُد ثروتـي !!..

حدق بهـا "آسر" بـ صدمة ألجمت حواسـه حتى عضلات جسده تيبست عدا لسانـه الذي همس بـ ذهولٍ :
-إيــه ؟؟..

راقبت بأعين واثقة ذهولـه، تـابعت وهي تحرك كفيهـا بـ بساطة :
-وعلى فكرة أنا كُنت عارفة أنـهُ هرب، هو هرب فـ نفس اليوم إللي فوقت فيـه .

حل الذهول على قسماتـه المشدودة، وبرزت مقلتـاه في محجريهمـا وهو يتساءل مصدومًا :
-والبوليس عـارف ده ؟؟..

حركت رأسها بالإيجـاب هاتفة بـ نبرتهــا الهادئة :
-أيوة طبعًا، تاني يوم بظبط عرفت منهم في التوقيت إللي إنت سبتني فيـه عشان تروح القصر، وهُمـا طبعًا دلوقتـي شاكين فيـه، وحاليًا بيدوروا عليـه، بس أنا مش فـارق معايـا؛ لأني زي ما قولتلك أنـا عارفة هو ومراته فين .

أصغى لهـا بإهتمـام ثم سألهـا بـ جديـة :
-هو مش غريب أن عمك يأجر رجالـة عشان يقتلوكـي ؟؟.. إزاي دفع للرجالة دي ؟؟.. إنتي قولتيلي قبل كده أنـه مش لاقي ياكـل ؟؟..

صمت لثوانٍ قبل أن يقول بـ تفكير :
-معنى كده، أن مُمكن في حد يكون ساعده !!..

زفرت زفيرًا حارًا ثم قالت :
-ده وارد جدًا، المُهم دلوقتـي أنا عاوزة أسألك على حـاجة مُهمة .

قـال وهو يومئ بـ رأسـه :
-قولي ؟؟..

سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بـ حذرٍ :
-إنت تعرف حد أسمـه "ديـاب سطـام"؟؟..

نظر لهــا بإستغراب شديد وهو يقول بـ تعجب :
-ديـاب سطـام ؟؟.. لأ معرفش حد بالإسم ده .

طالعتـه بـ نظراتٍ غير مفهومة ثم أخفضت رأسهـا بـ أسى، بينمـا سألهـا متوجسًا :
-بتسألي ليـه ؟؟..

فركت كفيها معًا وهي تُجيب قائلة :
-أصل عمي كان بيروح للشخص ده كتيـر، وآآ.. آ.. مُمكن ده يبقى الشخص إللي ساعده من ناحيـة الفلوس !!..

فرك "آسر" مؤخرة عنقـه هاتفًا بـ صوتٍ رخيم :
-ده شئ متوقع جدًا .

سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مَهَل، ألتقط كف يدهـا بين راحتيـهِ ضاغطًا عليـهِ بـ رفقٍ، تطلع إليهـا بـ نظراتـه العميقة وهو يسألهـا بـ حنوٍ مثير :
-قوليلي إيـه إللي فـ دماغك، لأن الموضوع ده مش هينفع تتصرفي فيـه لوحدك .

أرتسمت إبتسامة صغيرة على شفتي "أميرة" وهي تقول بـ نظراتٍ هادئة :
-هقولك يا آسر .

************


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-20, 10:56 PM   #14

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفصل الثاني عشر))

في صبـاح يوم التـالي، أنتظر "آسر" خـارج الغُرفة بعد أن أحضر لهـا ملابس جديدة وتُليـق بهـا، وكذلك هو.. فقد قـام بـ تبديل ملابسـه، حيث أرتدى بنطالاً من الجينز ومن فوقـه أرتدى أحد القمصـان القطنيـة باللون الأسود والمنقوش على ظهرها كلمات إنجليزية باللون الأبيض، والذي أخذت شكل جسمـه وأبرزت عضلاتـه المتكدسـة، أخرج هاتفـه الأنيق من جيب بنطـاله موجهًا بصره الحـاد على الساعة لـ يجدهـا الواحدة ظهرًا، عاد يضعه بـ داخل جيب بنطالـه وهو يتنهد بـ حرارة .

خمسة دقائقٌ.. وكانت تخرج "أميرة" من الغُرفة، تفحص ملابسهـا فـ وجدهـا تُليق بهـا كثيرًا، فقد أختـار لهـا بنطالاً جينز قاتـم وإحدى الكنزات البيضاء الطويلـة، وأنتقى لـ قدميهـا حذائًا رياضيًا، إبتسمت لـه إبتسامة خفيفة، في حين سألهـا بـ تساؤل متحمسٍ :
-هـاا.. إيـه رأيك فـ لبس ؟؟..

أرتسمت على تعبيراتهـا علامـات الإعجـاب وهي تُجيب :
-حلو جدًا، وكويس أن أخترت اللون الأبيض، لأني بحبـه جدًا زي ما إنت عـارف .

حرك رأسـه قائلاً بـ تأكيدٍ :
-عشان كده أنا أخترت اللون ده .

ألتقط كفهـا بـ يده قائلاً :
-يالا بينـا .

******
-هو إحنـا رايحين فين يا آسر ؟؟.. إنت هتوديني القصر عندك ؟؟..

تساءلت "أميرة" وهي تتمعن في الطريق جيدًا، سحب نفسًا عميقًا وهو يُجيبهـا بإقتضاب :
-لأ، مش هانروح القصر عندي .

أنعقد ما بين حاجبيهـا مُتسائلة بـ تعجب شديد :
-رايحين طيب عند القصر بتاعـي ؟؟..

هتف بـ هدوءٍ :
-لأ بردو .

أعتدلت في جلستهـا لـ تُحدق فيـه بـ نظراتٍ حـادة وهي تتحدث بـ :
-هو كُلـه لألأ !!.. طب ماتقول إحنـا رايحين فين ؟؟..

أجابهـا بـ جدية وهو يدير عجلة القيادة :
-أمي الله يرحمهـا كان ليهـا شقة كبيرة جدًا، كُنت أنا إللي أشترتهـا عشان لمـا تريح أعصابهـا تروح هنـاك، أنا وإنتي هانروح الشقة دي، ونبعد عن القصور شوية .

أخفضت نظراتهـا وهي تقول بـ شرود :
-تعرف أن أنـا كان نفسي أجرب إني أعيش فـ شقة، مش فالقصر .

قطب جبينـه بإستغـراب مُتسائلاً في حيرة :
-أشمعنـا ؟؟..

ردت وهي تبعد خُصلة مُتمردة من على جبينهـا :
-عادي، بس يمكن ده بسبب إن القصر كبير أوي عليـا، وأنا أغلب الوقت كُنت ببقى أعدة لوحدي، كده يعني .

هز رأسـه بإيماءة خفيفة مرددًا بـ تفهم :
-فهمتك .

عادت تُحدق في الطريق وتتأمل تفاصيلـه بـ شرود، أنتبهت لـ يده التي أمسكت كفهـا، حدقت بـهِ بـ نظراتهـا الهادئة فـ وجدتـه يجذبـه نحو فمـه وقبلـه بـ عشقٍ، همس لهـا وهو يضغط بـ أصابع يده على كفهـا قائلاً بـ صوتٍ رخيم :
-حقك هيرجع النهاردة، ده وعـد مني .

بعد نصف ساعة، كان وصلا أمـام باب المنزل، ولجت هي أولاً داخل المنزل وهي تتفحص المكان بـ عينيهـا السوداويـان، حاولت التماسك بعد أن أعتراهـا التوتر وشئ من الخوف، فـ أستدارت بـ جسدهـا ناحية زوجهـا وقد ضمت ذراعيهـا لـ صدرهـا، وجدتـه يضغط على زر الإضاءة لـ تضح إليهـا رؤيتـه ورؤيـة المنزل، دنـا منهـا وهو يبتسم لهـا محاولاً أن يبث لهـا الطمأنينة من خلال نظراتـه وإبتسامتـه المعهودة معاهـا فقط، وضع كلتـا كتفـاه أعلى ذراعين "أميرة" وردد بـ صوتٍ عميق :
-أميرة، بلاش تخافي من حاجة، أو حتى تتوتري، بلاش.. أنا هفضل معاكي ومش هسيبك أبدًا مهمـا حصل .

أنزل يديـهِ لـ يطوق خصرهـا بـ ذراعيـه محاصرًا إياهـا بداخل أحضانـه، تسارعت دقـات قلبهـا من نبرتـه العميقـة، تـابع "آسر" بـ صوتٍ خفيض صادق :
-بعشقك يا أميرتـي .

تهدجت أنفاسهـا من فرط المشاعر التي أجتاحتهـا، حدق فيهـا بـ نظراتٍ مليئة بالعشق، أغمض عينيـهِ وهو يميل عليهـا لـ يطبع قُبلة رقيقة على شفتاهـا ولكن لامست شفتيـه راحة يدهـا، فتحتهمـا لـ ينظر إليهـا في شئ من الذهول، ضحكت بـ خفوت وهي ترمقـه بـ نظراتٍ مرحة، وضعت كفيهـا على صدره لـ تقول بإبتسامة وبـ ثقة :
-آسر، ده مش وقتـه خالص .

رد بـ ملامح ماكرة قائلاً بـ خشونـة طفيفة :
-إنتي كأنك قولتيلي لأ .

حركت رأسهـا إيجابيًا وهي تضحك، ثم ردت بـ تحدٍ سـافر :
-أيوة، ولو فاكر إني أول مُقابلة بينـا، قولتلك هتلاقي شخص يقولك لأ، وأنا الشخص ده .

قـال بـ ذهول :
-إنتي طلعتي مُصيبة يا أميرة .

أومـأت بـ رأسهـا وكأنهـا تؤكد لـه هذا، في حين قـال بـ رومانسية :
-بس بردو بحبـك .

قـالت بـ لهجة صادقة :
-وأنـا كمان يا آسر، بحبـك أوي .

مسح بـ يده على شعرهـا بـ رفق مُبتسمًا لهـا إبتسامة مليئة بالشغف، هتف بـ نبرة هادئة :
-طب أنـا نازل عشـان أعمـل إللي أتفقنـا عليـه أمبارح .

قـالت وهي تومئ بـ رأسهـا :
-تمام، رغم أن حـازم صعبـان عليـا جدًا .

قال "آسر" بـ نبرة عقلانية :
-حازم هيبقى كويس إن شاء الله، وكمان لما يتجوز الإنسانه إللي بيحبهـا وهي كمان بـ تحبـه، مع الوقت هينسـى، وإحنـا هنبقى جمبـه دايمًا .

قـالت بـ حماسٍ :
-وأنـا ناويـة أساعده أني أخليـه يمسك الشركة بتاعت بـابـا الله يرحمـه، بدل ما تتصفـى وكده يعنـي .

رد بإعجابٍ :
-الفكرة حلوة فعلاً .

همس لهـا بـ جدية :
-طب أسيبك أنا لأن زمان آدم وصل ومستنيني، وإنتي كلمي كامل عشان تقوليلـه على دوره في الخطة، وكلمي الراجل إللي كان بيراقب عمك ومراتـه .

حركت رأسهـا بالموافقة، فـ قَبّل جبينهـا قبلة مطولة، ثم تراجع عنهـا، رمقهـا بـ نظراتٍ أخيرة قبل أن يتوجـه خارج المنزل، أخرجت هاتفهـا من جيب بنطالــها ثم بدأت تعبث بـه باحثة عن رقمـه، وقعت أنظارهـا على إسمـه فـ ضغطت عليـهِ ثم وضعتـه على أذنهـا، أنتظرت الرد للحظاتٍ حتى أتاهـا الرد، فـ قالت "أميرة" بـ صوتهـا الجـاد :
-آلو... أيوة يا كامل... أنـا كويسة الحمدلله... لأ متروحش المُستشفى... أنا خرجت من المُستشفى من شوية... المُهم أسمعني دلوقتـي لأني محتاجة مُساعدة منك...

******
بعد عدة ساعـات، أستقل "آسر" السيارة بـ طريقة سريعـة، أدار المحرك وهو ينظر بـ جانبـه حيثُ تجلس زوجتـه مُتأملاً قسمـات وجههـا الجـامد، ألتفت بـ رأسـه للخلف لـ يُحدق في الراجل الجالس بإحترام مُتسائلاً بـ غلظة :
-جاهز يا مجدي ؟؟..

رد "مجدي" بـ تأكيدٍ :
-أيوة يا باشـا جاهز .

عاود "آسر" يُحدق أمامـه بـ نظراتٍ جـادة، أخرج ذراعـه من النافذة لـ يُشير إلى السيارة الواقفة خلفـه، أرتدى "آدم" نظارتـه السوداء عندمـا رأى إشـارة من إبن عمـه، أدار المحرك وهو يقول :
-على بركة الله .

هتف "كامل" بإمتعاض وهو ينظر لـ "حازم" بعد أن ألتفت بـ رأسـه للجانب :
-مكنش في داعي إنك تيجي يا حازم .

هتف "حازم" بـ نبرة خاليـة من الحيـاة :
-لازم أشوف نهاية أبويـا، رغم أنـه صعب عليـا، بس لازم أشوف .

ختم كلمتـه الأخيرة بـ تنهيدة حـارقة نابعـة من قلبـه، أخفض "كامل" رأسـه حُزنًا عليهِ، بينمـا بدأ "آدم" يقود السيارة، وقد أمتدت غـابة السكون بينهم .

بعد ساعة ونصف، توقفت السيارتين أمـام مخزن مهجور، حدق "آسر" بـ نظرات قوية ذلك المكـان ثم تسائل بـ صوتٍ أجشَّ :
-إنت مُتأكد يا مجدي من المكـان ولا لأ ؟؟..

رد عليـهِ "مجدي" بـ جدية :
-ماتقلقش يا باشـا، هو ده المكان .

قالت "أميرة" بـ همسٍ جـاد :
-طيب أنـا نازلة، والبوليس هيوصل في خلال عشر دقايق، محدش يدخل، تابعوا من بعيد وبس، مش عايزين غلطة تحصل .

تشنـج وجهه بـ حمرة ملتهبة وقست نظراتـه المحتقنين، هتف بـ تهجم :
-مع إني أنا مكنتش حابب ده خالص .

أجابتـه بـ هدوءٍ مدروس :
-معلش يا آسر، أدعيلي أن ربنـا يُستُرهـا .

أضافت قبل أن تترجل من السيارة :
-سـلام .

ترجلت من السيارة صافقة بابهـا بـ حذرٍ ثم تحركت نحو المخزن بـ خطوات سريعة، أعتصر قلبـه بـ شراسة خوفًا على زوجتـه التي ذاهبة إلى الجحيم، كتم غضبـه بـ صعوبـة بالغة في نفسه وهو يقول بـ خوفٍ رغم تهجم ملامحـه :
-ربنا معاكـي .

******
دخلت "أميرة" بـ خُطوات ثابتة المخزن وهي تتفحص المكـان بـ دقة، تنفست بـ عُمقٍ وهي ترى المكـان هادئ تمامًا، تحركت في أحد أركـان باحثة عنهم لـ تقع عيناهـا الحادتـان على عمهـا وزوجتـه وعلى بعضُ من الرجـال الذي يبدوا على ملامحهـم الإجرام، هب الجميـع واقفًا بعد أن أخرجوا أسلحتهم، ورغم ذلك ظلت ثابتـة، رفعت حاجبهـا للأعلى وهي تنطـق بـ هدوءٍ :
-نزلوا السلاح، لو نيتـي كانت شر، أظن مكنتش أدخل لوحدي .

عقدت ساعديهـا أمام صدرهـا مرددة :
-فـ يُستحسن تنزلوا السلاح .

أشـار لهم "ديـاب سطـام" بـ يده وهو يحرك رأسـه بـ هدوءٍ، أخفض كُل منهم سلاحـه، بينمـا هي ألتفتت بـ رأسهـا لـ تُحدق في وجه عمهـا، شحب وجه "فؤاد" لـ سببين؛ أنهـا كشفت مكانـه بـ سهولة، والآخر أنـه بالتأكيد أتى زوجهـا معـه وستكون حياتـه بين يديـهِ .

صُعقت "سميرة" وزادت نبضـات قلبهـا بـ قوة، تهدجت أنفاسهـا وهي ترى مصيرهـا القاسي، أستقامت "أميرة" أكثر في وقفتهـا قبل أن تأخذ بضع خُطواتٍ تجاههـم، تحدثت بـ صوتٍ ثابت :
-قبل ما أسلم على أي حد فيكم، عاوزة أعرف مين فيكم "ديـاب سطـام" ؟؟..

حل الأرتبـاك على وجوههـم، بلـع "ديـاب" ريقـه قبل أن يقول بـ ثقة زائفة :
-أنـا ديـاب سطـام .

تراقصت إبتسامة واثقة على شفتيهـا قائلة :
-كان نفسي أتعرف عليك يا ديـاب، دي فُرصة حلوة أوي .

تساءلت "سميرة" بـ نبرة مُهتزة :
-آآآ.. إنـ.. إنتي عرفتـي مـ.. مكانـا إزاي ؟؟..

أجابتهــا وقد زادت ثقتهـا :
-أنـا أميرة بنت أشرف شاهين، كان عندي مليون طريقة عشان أوصلكم، وأنا أستخدمت طريقة منهم .

لم ينبس "فؤاد" بـ بنت شفة، عجز عن الحديث تمامًا من قوة الصاعقة، ظل مُحدق فيهـا بـ نظراتٍ مذهولـة، تفحصت "أميرة" وجوههـم بـ تمعن، لـ تتسـع عيناهـا تلقائيًا عندمـا وقعت عيناهـا على الشخص الذي أطلق عليهـا النـار، أستعادت ذاكرتهـا ومضـات خاطفـة من مشهد محاولة إغتيالهـا، أنتفض قلبهـا من مكانـه وهي تتذكر الألم الحارق الذي شعرت بـه عندمـا أخترقت الرصاصة جسدهــا، حركت أصبعهــا إتجاهـه مرددة بـ همسٍ ولكن قوي :
-إنت.. إنت إللي ضربت عليـا النـار ؟؟..

أبتلع القاتل المأجور ريقـه بـ توتر بعد أن كشفتـه، أستشاطت نظراتهـا غضبًا وهي تتساءل بـ نبرة مُنذرة بالخطـر :
-رُد عليـاا، مش إنت إللي ضربت عليـا النـار ؟؟..

أجابهـا وهو يهدر بـ شر دفين :
-أيوة أنـا إللي ضربتك بالنـار، إيــه ؟؟.. فكرانـي هخـاف مثلاً ؟؟.. أنـا أصلاً مش عـارف إنتي إزاي لسه عايشة ؟؟..

قهقهت "أميرة" بـ قوة، ثم قـالت :
-أمر ربنـا، ربنـا كاتب إني مش هموت دلوقتـي .

عادت ملامحهـا إلى القسوة وهي تُردد لـ "ديـاب" وعمهـا :
-ياريت يا أونكل فؤاد ويا ديـاب باشـا، تطلعوا رجالتكوا بـرا، لأني بصراحـة محتاجة أتكلم معاكم شويـة، عايزة أتكلم معـاك إنت وعمي ومراتـه و..

نظرت ناحية القاتل المأجور وهي تقول بـ تهكم :
-ومع الشخص للي حاول يقتلنـي .

ظل الصمت سائدًا لـ بعض الوقت إلى أن تخلله صوت "ديـاب" القائل بـ جدية :
-سبونـا معهـا، الكُل يطلع ماعدا إللي قالت عليهم يفضلوا .

جذب كُلاً منهم سلاحـه ثم تحركوا بعيدًا عنهم كمـا أمرهم، هتفت "أميرة" بـ قوة :
-حلو أوي، معلش هستأذنكم فـ حاجـة كده فإللي هعملـه وياريت محدش يتدخل .

ألتفتت بـ رأسهـا ناحية القاتل المأجور، ثم تحركت نحوه وكذلك هو تقدم عدة خُطوات، نظرت لـه بـ غموض قائلة بـ هدوءٍ مُريب :
-إنت حاولت تقتلنـي عشان شوية فلوس، بس إللي أنـا هعملـه، هيبقى عشـان أخُد حقي .

هتف الأخير بـ سُخرية :
-ليـه إن شاء الله، هتعملي إيـه يعني، ده....

وقبل أن يُـتابـع حديثـه الفارغ، كانت قاطعتـه بـ لكمة قويـة في فكـه، ترنـح مكانـه من أثر الصدمة، ولكن لم تدعـه بل جذبتـه من تلابيبـه لـ تُسدد لـه لكمة شرسة في فكـه، وبدون مُقدمـات رفعت ساقهـا وضربتـه بين ساقيـهِ، أبتعد عنهـا وهو يصرخ بألمٍ، غافلتـه بـ قبضتهـا التي أصطدمت بـ وجهه وكفهـا الذي هبط على عنقـه لـ يشعر بعدهـا بـ دوران الغُرفة من حولـه ثم غرق في الظلام لـ يسقط جسده فاقدًا الوعي على الأرض، نظرت لـه بإبتسامة شامتة وهي تقول :
-في ستين داهيـة .

صُدم "ديـاب" من ردة فعلهـا العنيفة عندمـا علمت أنـه هو الذي حاول قتلهـا، لم يستطع أن يتقدم خطوة واحدة للأمام، بل ظل مذهولاً وعينيـه واسعة، هتفت "أميرة" بـ بساطة :
-هو كان يستاهل وأكتر من كده كمان .

تقدمت للأمام وهي تُتابـع :
-نتكلم جد بقى .

نظرت لـ عمهـا نظراتٍ غريبة مُتسائلة :
-ليـه ؟؟.. ليـه يا عمي تعمل كده ؟؟.. أنا عُمري ما رفضتلك طلب، ليـه تقتل بنت أخوك الوحيد ؟؟..

نطق أخيرًا بـ صوتٍ شبـه ثابت :
-إيـه إللي إنتي بتقوليـه ده ؟؟.. أنا محاولتش أقتلك، إزاي أقتل بنت أخويـا ؟؟..

سارت نحوه وقد قست تعبيراتهـا بـ شدة هاتفـة بإستنكـار :
-لأ حاولت تقتلني، تقدر تفسرلي إيـه سبب هروبك من القصر وتيجي تُقعد في مكان زي ده ؟؟.. تقدر تقولي إزاي قاعد مع شوية قتلة ومنهم إللي حاول يقتلني ؟؟.. تقدر تقولي ليـه مفيش ولا مرة جيت زورتنـي في المُستشفى وأنـا بين الحيـاة والموت ؟؟.. وبعدين أنا سمعتك أكتر من مرة إنت ومراتك لما كُنت بتقعد تقولهـا إنك بتفكر في خطة إزاي تاخُد ثروتـي، وهي كانت تُرد تقولك أنا نفسي أجيب راسهـا تحت رجلي .

أتسعت عيون "سميرة" في إرتيـاع وهي تستمع إلي حديثهـا، تـابعت "أميرة" بـ نبرة قويـة لا تُبشر بالخير :
-كانت نيتك أنك تجوزنـي حازم، بس لما فشلت، قولت أمـا أخلص منهـا، مش كده يا فؤاد باشـا ؟؟.. وطبعًا عشان إنت مش معاك فلوس روحت لـ ديـاب وأتفقت معاه على الخطة وأنك محتاج مُساعدة مالية، وهو أكيد وافق مُقابل لمـا أموت ياخُد مبلغ ضخم من ثروتـي، مش ده إللي حصـل ؟؟..

صرخ فيهـا بـ قوة هاتفًا :
-أيوة أنا حاولت أخلص عليكي، يعنـي أبويـا كان بيدينـي المبلغ إللي أنا عاوزهُ بالعافية، تقومي إنتي إللي تصرفي عليـا أنـا ومراتـي ؟؟.. يعنـي أنا كُنت ببقى مضايق لما أروح أطلب من أبويـا الطلبات إللي أنا عاوزهـا، تقوم بنت أخويـا هي تصرف وأفضل أقولهـا على طلباتـي ؟؟..

قـالت بـ غضبٍ جـامح :
-حد قالك تضيع ثروتك ؟؟.. حد غصبك أنك تلعب قُمـار ؟؟.. إنت كان بإيدك تعمل زي أبويـا وتشتغل وتزود فلوسك، بس إنت ضيعت، ليـه تحاول تقتلنـي ؟؟..

هدر بـ صوتـه الجهوري :
-عشان مش هسمح أن حتت بت مفعوصة زيك تصرف عليـا وعلى مراتـي، ده كافية إن إبني بقى ماشي في السكة بتاعتك، أنا لو أطول أقتلك تاني هعمل كده من غير ندم .

قال "ديـاب" بإبتسامة خبيثة :
-طب ما إحنـا فيهـا، نخلص عليهـا ونرتـاح من الهم إللي إحنـا فيـه ده .

أنفجرت "أميرة" ضاحكة بـ قوة، تدافعت دماء "فؤاد" المغلولة في أوردتـه لـ تعزز رغباتـه الشرسة في الفتك بهـا، توقفت عن الضحك بعد لحظات كثيرة، هتفت بإبتسامة لئيمة :
-واضح يا ديـاب أن ذاكرتك ضعيفة جدًا، إنت ناسي إني واحدة متجوزة ؟؟..

ضغط "ديـاب" على شفتيـهِ بـ قوة كـ وسيلة للتنفيس عمـا يجيش في صدره من غضب، هتف وهو يكز على أسنانـه :
-إنتي عايزة إيـه يا أميرة ؟؟..

تساءلت بـ نبرة غريبة :
-قولي يا ديـاب، هو إنت طلبت كام أو كنت هتاخُد كام لما عمي أتفق معاك على قتلي ؟؟..

رد بـ ضجر :
-كُنت هاخُد عشرة مليون، بس للأسف بقى مفيش نصيب .

ثم نظر لـ "فؤاد" وهو يقول بـ غضب :
-الله يلعن اليوم إللي قولتلك موافق على الخطة، أنا روحت فـ داهية .

صرخ "فؤاد" مرددًا :
-وهو أنـا هاروح دريم بارك ؟؟.. ما أنا كمان رايح في داهية .

نظرت "أميرة" بإتجـاه "سميرة" التي ترتجف خوفًا، إبتسمت بـ تهكم وهي تُردف بـ :
-مالك يا سميرة هانـم ؟؟.. خايفة من إيـه ؟؟.. إنتي إللي جبتيـه لنفسك ؟؟.. إنتي كُنتي أعدة عندي زي الهانم، بس نقول إيـه ؟؟.. الطمع وحش .

أضافت بـ صدقٍ :
-عارفة لو كُنتي جيتـي وطلبتـي مني مبلغ كبير زي عشرة مليون مُقابل أنك تسيبي القصر، كُنت هعمل كده، بس إنتوا قولتوا نموتهـا أحسن، ونخلص منهـا .

ختمت حديثهـا بـ جُملتهـا الحزينة قائلة :
-يا خسـارة، يا خسـارة بجد .

وقبل أن تتحرك من مكانهـا، كان "ديـاب" مد ذراعـه لـ يقبض رسغهـا بـ قوة، أعتصره بـ أصابعـه وهو يجذبهـا نحوه بـ شراسة وعُنف قائلاً بـ بإبتسامـة شيطانية :
-على فين يا مدام، هو خروج الحمـام زي خروجـه ؟؟..

مرر بصره على جسدهـا بـ أعين مفترسة، قرأت في نظراتـه نية سيئة للغاية، أقشعر جسدهـا بإشمئزاز منه، فـ أضـاف بـ فحيـح كالأفاعـي :
-بصراحة أنا دلوقتـي شايفك خسارة على الموت، وإنتي زي الغزال إللي وقع فالمصيدة، فـ لازم أستمتع بيـه .

توقـع أن تتسع أعينهـا بإرتيـاع وهلع، أو ترتجف فزعًا، أو أقل تقدير أن تظهر علامات الذعر على وجههـا، ولكن فـاقت توقعاتـه وهو يراهـا تبتسم بـ ثقة عاليـة مرددة :
-واضح جدًا إنك غبي، وواضح أكتر إنك متعرفش مين هي أميرة شاهين .

هزهـا بـ عُنف قائلاً بـ غضب :
-إنتي فاكرة عشان ضربتـي الراجل وخلتيـه يغُم عليـه، يبقى خلاص إنتي تقدري تحمي نفسك ؟؟..

هتفت بـ بسمة باردة :
-إللي إنت متعرفهوش إني بطلة جمهورية فالكراتية .

وقبل أن يتحدث بـ غضبـه، كانت تدب إصبعهـا في عين "ديـاب" الأيمن بـ قوة لـ يرخي الأخير قبضتـه عنهـا صارخًا من الألم، أستغلت الفرصة ثم شكلت يدهـا على هيئة قبضة، لـ تسدد لـه لكمة عنيفة أسفل ذقنـه، ثم بكل رشاقة قفزت لـ تباغتـه بـ ضربة موجعة من جانبـه بـ قدمهـا اليسرى، فـ ترنح بـ قوة وفقد توازنـه ثم وقـع على الأرض وهو يصرخ بألمٍ .

أنتبـه الرجـال إلى صوت صراخ "ديـاب"، فـ تحركوا بـ خُطوات راكضة نحوهـم، ولكن سُرعـان ما أستمعوا إلى أعيرة نـارية مُتتاليـة تنطلق في الهواء، تصلب جسد "فؤاد" وقد أكتست قسماتـه بـ علامـات الذعر وهو يرى نهايتـه، أنحنى بـ جسده لـ يلتقط سلاحـه، بينمـا زادت رجفة "سميرة" وقد تأكدت من نهايتهـا، أخترقت أصوات صافرات سيارات النجدة المكـان لـ تبث بـ داخلهم الرعُب، ركض "آسر" ناحيـة زوجتـه صارخًا بإسمهـا :
-أميــرة .

أستدارت بـ جسدهـا لـ تراه، فـ تحركت نحوه بخُطوات سريعة وهي تنطق بإسمـه :
-آسر .

ومـا أن وصلت أمامـه حتى جذبهـا في أحضانـه وضمهـا إلى صدره بـ قوة، دفن أنفـه في عنقهـا وإشتم عبقهـا وكأنـه قد فقد أنفاسـه في إبتعاده عنهـا وهي تواجـه الجحيم بـ مُفردهـا، هتف بهمسٍ يشوبـه الخوف :
-آآآآآه، كُنت مرعوب عليكي يا أميرتـي .

وقبل أن ترد عليـهِ، أستمعت إلى صوت "آدم" المُتسائل بـ قلق :
-أميرة، إنتي كويسة ؟؟..

تراجعت عن أحضان زوجهـا مرددة في شئ من القلق :
-أيوة .

أندفعت قوة من الشرطة والأمن داخل المخزن، وكذلك دخل كُلاً من "حازم" و"كامل"، إرتفـع من مُكبر الصوت بهـا كلمـات الرائد "حُسـام محمد" آمرًا بـ صوتـه الصـارم :
-سلم نفسك يا فؤاد، مفيش داعي للمقاومة، المؤامرة أتكشفت خلاص .

هدر "فؤاد" بـ صوتـه الجهوري :
-لا يُمكن أسلم نفسي، أنا مش بتهدد .

هتف الرائد "حُسام" وهو يقول بـ لهجة قويـة :
-مفيش داعي يا فؤاد، أرمي السلاح على الأرض وإحنـا مش هنأذيك ولا هنأذي حد .

صرخ بـ صوتٍ مُخيف :
-مش هيحصل أبدًا، على جُثتـي .

قال كلمتـه الأخيرة لـ يبدأ بإطلاق رصاصات عليـهم، صرخ "آسر" بـ زوجتـه وإبن عمـه قائلاً :
-أستخبوا بسُرعـة .

ركض هو وإبن عمـه نحو إحدى الزوايـات المكان، أخرج "آدم" سلاحـه وهو يقول :
-كُنت متوقع أن ده إللي هيحصل .

أختبـأت "أميرة" في إحدى أركـان وهي تُخرج سلاح والدهــا، ألتفتت بـ رأسهـا تلقائيًا عندما شعرت بـ جلوس أحد جوارهـا، صدق حدسهـا وهي ترى "كامل" ويحمل سلاحًا، هتفت بـ دهشة :
-كامل !!.. إنت هنا ؟؟.. إنت جبت السلاح ده منين ؟؟..

رد عليهـا بـ تشنج :
-السلاح ده مش بتاعي، ده بتاع آسر .

تساءلت بإستنكار :
-يعني هو مش معـاه سلاح ؟؟..

رد عليهـا بـ سُخرية :
-جوزك مُعتمد على جسمـه وعلى دراعتـه، بـ صفتـه أنـه كان بطل الجمهورية في المُلاكمة .

هتفت بـ ضجر :
-حسابي معاه بعدين .
******
في نفس التوقيت، هتف "آسر" بـ صوت صارم لـ إبن عمـه قائلاً :
-آدم، أحمي ضهري .

حرك رأسـه إيجابيًا، وبالفعل تحرك من مكانـه لـ يقف "آدم" خلفـه وهو يوجـه أنظاره الحـادة على المكان، ركض "آسر" من الجهه الخلفية محاولاً كشف المكان، تحرك بإتجـاه زواية الأخيرة بالمكان لـ يجد نفسـه واقفًا خلف "فؤاد" على بُعد أمتـار، ركض نحوه بـ حرصٍ ورأى الفرصة سائحة أمامـه، أنقض عليـهِ وأمسك بـ رجليـهِ بـ قوة لـ يجذبـه بـ عُنف، فقد توازنـه وسقط على الأرض، جذبـه من تلابيبـه بـ قوتـه الغاضبة المستثارة لـ يسدد لـه لكمة عنيفة عرفت طريقهـا، هتف العم وهو يكافح لـ صد ضرباتـه المؤلمة على وجهه :
-إبعد عنـي، مش عايز أأذيك .

خرجت نبرتـه كـ زمجرة وهو يرد :
-إنت أذتني فعلاً، لما فكرت تقتلهـا يا كلـب، أنا مستني اللحظة دي من فترة كبيرة، وأنـا مش هسيبك إلا وإنت بتتمنى الموت .

كانت عينيـه أشبـه بأعين صقر الجـارح وعيونـه متلونـة بالظلام الدامس، تحولت ملامحـه لـ مزيج من القوة والشراسة وهو يسدد لـهُ لكمـات عنيفة، ثم لف يديـه بإحكـام حول رقبتـه وهو يهدر بـ صوتٍ مُرعب :
-هقتلك يا فؤاد زي ما حاولت تقتل مراتـي .

******
بدأ بعضُ من الرجـال يستسلموا وأهمهم "ديـاب"، حيثُ أخفضوا أسلحتهم وألقوا بهـا على الأرض ثم رفع كُلاً منهم ذراعيـهِ في الهواء فوق رأسـه، بعد أن وجدوا ذاتهم أمام الموت، تحرك بعض من أفراد الشرطة والأمن إتجاههم، هتف أحدهم بـ صيغة آمرة وهو يوجه فوهه سلاحـه على الرجـال :
-محدش يتحرك .

عندمـا هدأت الأجواء من إطلاق النـار، وجدت "أميرة" ذاتهـا تركض وهي تحمل سلاحهـا، ألتفتت بـ رأسهـا على حين غرة، لـ يتخشب جسدهـا وهي تجد زوجة عمهـا واقفة تحمل سلاح، كانت وجدتـه على الأرض فـ أخذتـه بدون أن تفكر مرتين، أستدارت "أميرة" بـ جسدهـا ترمقهـا بـ نظراتٍ مدهوشة، أشـارت بـ يدهـا وهي تتساءل بـ حدة :
-إنتي هتعملي إيـه ؟؟..

أجابتهـا "سميرة" بـ نبرة لا تُبشر بالخير :
-واحدة ماسكة المُسدس وجيبـاه ناحيتك تفتكري هتعمل إيـه، أكيد نفسهـا تخلص منك .

قـالت "أميرة" بـ جدية :
-مفيش داعي يا سميرة هانم تعملي ده، إنتي كده هتودي نفسك فـ داهيـة، وإنتي مش ناقصة .

هتفت "سميرة" بـ جنون :
-إنتي ضيعتيني، حتى إبنـي خدتيـه مني !!.. وجوزي هيتسجن، وفلوس مفيش، أنا مش هسيبك عايشة ثانية واحدة .

هدرت "أميرة" وهي تُشير بإصبعيهـا :
أعقلي يا مرات عمي، أنا مش هقدر أضرب عليكي نـار، بلاش تعملـي كده، أنا مش خايفة من الموت، لأني واثقة إني معملتش حاجة تغضب ربنـا، نزلي السلاح يُستحسن ليكي .

هزت رأسهـا نفيًا صارخة بـ :
-على جُثتي يا بنت أشرف .

قالتهـا وهي تحرك إصبعهـا على زنـاد مسدسهـا، أغمضت "أميرة" عيناهـا وهي تهمس بـ خفوت لا يسمعـه أحد :
-أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنـا مُحمد رسول الله .

ضغطت "سميرة" على الزنـاد لـ تنطلق الطلقة تعرف طريقهـا جيدًا، أنقطعت أنفاسهـا، وتصلب جسدهـا لـ وهلة، فتحت عيناهــا بـ بُطء شديد عندمـا وجدت أن الطلقة لم تصبهـا، تجمّدت بـ مكانهـا وشلّت حركتهـا، حينما وجدت حـازم يوليـها ظهره، أدركت على الفور دون تفكيـر أن الطلقة أصابتـه، وضع "حازم" يده على مكـان الإصابـة والتي تقع بين صدره وكتفـه، تهاوى جسده ثم سقط على الأرض مُتألمًا، صرخت إبنة عمـه بـ هلعٍ :
-حـــازم .

أرتجفت "سميرة" وهي ترى إبنهـا الوحيد قد أُصيب من سلاحهـا، تحشرج صوتهـا ولم تستطع أن تتحرك، أدركت فداحة ما فعلتـه، ولكن كان فات الآوان، جثت "أميرة" على رُكبتيـها ثم أمسكت بـ رأســه لـ تسندهـا على ساقيهـا، هتفت بـ خوفٍ وقد أنهمرت دموعهـا :
-ليـه كده يا إبن عمي، ليه عملت كده ؟؟..

ألتوى ثغره بإبتسامة صغيرة راضية وهو يقول :
-إنتي بنت عمي وأكتر من أُختي، عمي قـالي خُد بالك منهـا وأنا عملت كده .

مسحت على جبينـه وهي تقول بـ صوتٍ مبحوح :
-أرجوك أستحمل، عشان خاطري، وعشان خاطر أسمـاء .

هتف بدون تردد وهو يقول بـ وهن :
هستحمل، هـ.. آآآآآه .

صرخ بألمٍ، بينمـا تحركت "سميرة" نحوهمـا غير قادرة على الإستيعـاب بعد أن وقع من يدهـا السلاح النـاري، نطقت بإسمـه بـ قلبٍ مفطور :
-حـازم .

نظر لهـا بـ أسى وهو يتمتم :
-ربنـا يسامحك يا أُمي، ربنـا يسامحك .

بدأ يتثاقل جسده عليهـا، فـ صرخت إبنـة عمـه بـ فزعٍ قائلة للموجودين :
-إسعــــاف، إسعـــاف بسُرعـة .

في نفس اللحظة، أتى "آدم" وهو يلهث من كثرة الركض، أتسعت عينـاه بـ خوف وهو يراه في تلك الحـالة، هدرت "أميرة" بـ رجاءً :
-آدم، أرجوك ألحقــه .

ركض "آدم" ناحيتـه ثم جثى على رُكبتـه وقبل أن يتخذ أي خطوة، كان رأى أحد أفراد الأمن ذلك المشهد، فـ صرخ بأعلى صوت لديـه آمرًا وهو يتحرك للخارج :
-إسعــاف بسُرعة، في مُصــاب هنـا .
******
أخذ يضغط بـ شدة على رقبتـه وهو يزمجر غاضبًا، أرتجف "فؤاد" تحت قبضتـه كمـا تحشرج صوتـه، أخذ يُصـارع ويحاول بكُل قدرتـه على أن يستنشق نسمة هواء، تحول وجهه للون الأحمر الداكن ثم تغير إلى اللون الأزرق، ومع ذلك لم تتراخى أصابع "آسر" عن عنقـه، وصل إليـه صوت يُناديــهِ صارخًا بـ قوة :
-لأ يا آسر، أبعد عنـه .

كان صوت صديقــه "كامل" وهو يقترب منـه بخُطواتٍ سريعة، وقف أمامـه ثم قبض على ذراعـه بـ قوة، حاول أنتزاع يده المطبقة على رقبة "فؤاد" قائلاً بـ رجاءً رغم حدة لهجتـه :
-سيبـه يا آسر، متوديش نفسك فـ داهية عشان واحد زي ده .

لم تنجح محاولاتـه، فـ تـابع "كامل" قائلاً :
-طب عشان خاطر أميرة أبعد .

عند أسمهـا، أرخى أصابعـه عن رقبتـه، أحتقنت عينـاه بـ حُمرة مُخيفة وهو يطالعـه بـ بنظراتـه الشرسة، أخذ يسعل بـ قوة، لم يستطع أن يتحرك من مكانـه وهو يتحسس رقبتـه غير مُصدق أنـه على قيد الحيـاة، فقد كان محاصر بين براثن وحش كاسر، وقف "آسر" ثم تحرك مبتعدًا عنـه .

لم يستسلم "فؤاد" رغم أنـه كان على شفى حفرة من الموت، لمعت عينـاه بالشر عندما وقعت عينـاه على سلاحـه المُلقي على الأرض، بدأ يزحف بكُل قوتـه محاولاً أن يصل إلى سلاحـه النـاري، وبالفعل وصل إليهـا بعد مُعانـاه، أمسكتـه ثم بدأ بـ محاولة النهوض، كان "آسر" يتحدث مع "كامل" بـ شأن "ديـاب" فـ لم يلاحظ ما يحدث خلفـه، وقف "فؤاد" لـ يصرخ بإسمـه، ألتفت لـه الأخير وهو يحدجـه بـ نظراتـه المُخيفة، وقبل أن يطلق عليـه طلقة نارية، كانت هُنـاك طلقة أخرى تخترق جسده بـ قوة، حدق "آسر" خلفـه لـ يجد من فعل ذلك هو الرائد "حُسـام"، تهاوى جسد "فؤاد" وخـارت قواه ثم سقط على الأرض فاقدًا الحيــاة .

******
كانت "أسمـاء" متواجدة بـ منزل "حبيبة"، وقفن سويًا بالمطبخ لـ تصنع "حبيبة" أكواب من مشروب الشاي بالحليب، دقائقٌ.. وكانت رفعت حامل الأكواب وخرجت بهِ لـ تتعقبهـا "أسماء" حتى جلسن على مائدة الطعام الصَّغيرة، بدأت "أسماء" بالحديث قائلاً بـ خوفٍ :
-أنا خايفة أوي على حـازم، إنتي مش مُتخيلة الفترة إللي فاتت دي بقى عامل إزاي، بقى ساكت دايمًا، قليل أوي لما بيتكلم، وحشتني ضحكتـه بجد، ونفسي يفهم إني بحبـه، وإني لا يُمكن أبعد عنـه بسبب أبوه ولا غيرهُ .

هتف "حبيبة" مُبتسمة :
-أنا فهماكي جدًا يا أسماء، وإن شاء الله هيبقى كويس .

أضافت هي بـ قلق :
-أدعي بس أن ربنـا يُسترهـا ويبقى معاهم، أنا بجد مرعوبة أوي عليهم كلهم .

تساءلت "أسماء" بإهتمـام :
-هُمـا هيعملوا إيـه بالظبط ؟؟..

أجابتهـا بـ جدية :
-بُصي، هو آدم قالي النهاردة الصُبح، أنـه هايروح القسم مع آسر، وهيحاولوا يعملوا إتفاق مع وكيل النيابة على أن أميرة تخلي عمهـا وأي حد تبعـه يعترف بـ جريمتـه، وكيـل النيابة وافق الحمدلله، وخصوصًا أنـه كان بدأ يشك فيـه لمـا أختفى فجـأة .

قالت "أسماء" وهي تضع يدهـا على قلبهـا مرددة بـ همسٍ :
-أُسترهـا يارب، أنا قلبي مقبوض عليه .

ألتقطت "حبيبة" يدهـا لـ تربت عليـهِ بـ حنوٍ قائلة بـ بسمة صغيرة :
-إن شاء الله خير .

******
أرتفعت أصوات صراخ "سميرة" الملتاعة بعد أن وصل إليهـا أنـه قد قُتل زوجهــا، وزاد صراخهــا عندمـا رأت رجـال الإسعـاف يحملون جسد "فؤاد" على فراش نقـال، والملاءة المليئة بالدمـاء تغطي جسمـه، هرعت إليـهِ وهي تُصيح بـ جنون، فقد أستقبلت أشرس صدمـات في حياتهـا، صرخت بإهتيــاج مرددة :
-لأ يا فؤاد، ماتموتش، لأ يا فــــؤاد، مش كفايــة إبنـك .

تم وضع جسد "حـازم" بـ داخل سيارة الإسعـاف، رفض "كامل" تركـه بـ مُفرده، وبالفعل أستقل سيارة الإسعاف لـ يظل بـ جواره، بينمـا "أميرة" ألجمتهـا الصدمة عن الحديث أو التحرك وهي ترى جُثـة عمهـا، أبعدوا رجـال الإسعـاف "سميرة" بـ قوة، وعندمـا وقعت عيناهـا عليهــا، فـ بدون تردد ركضت إتجاهـهـا وهي تصرخ بإهتيـاج :
-أرتحتي يا بنت أشرف ؟؟..

لم تُعد تشعر بمن حولهـا من قوة الصدمـات فـ لم تستمع لـ حديث زوجة عمهـا بل كانت في عالم آخر، عادت إلى الأرض الواقـع عندمـا أمسكت بهـا من خُصلات شعرهـا لـ تلوي رأسهـا للأسفل عنوة وصفعتهـا على وجههـا بـ عُنف، ثم طرحتهـا أرضًا، وقبل أن تتخذ أي خطوة عنيفة ضدهـا، كانت قبضتي "آسر" تمسك بـ يديهـا لـ يمنعهـا من الأقتراب، هتف بـ لهجة مُرعبة وهو يقول :
-يعني أنا أخلص من جوزك، تطلعيلي إنتي !!..

هتفت بـ جنون :
-مش هسيبك، هقتلك وهقتلهـا، هقتلكُم كُلكُم .

أرخى قبضتـه الأيمن عنهـا لـ يصفعهـا بـ قسوة على صدغهـا، ثم صـاح بـ أحد أفراد الشرطة مرددًا بـ لهجة خطيرة :
-خدوا المجنونة دي بدل ما أعمل فيهـا حاجة .

دفعهـا بـ عُنف للخلف، لـ يسحبهـا أفراد الأمن التابعين للشرطة نحو السيارة الخاصة بهم، أخذت تصرخ بلا وعي وكأنهـا فقدت عقلهــا، ساعدهــا "آسر" على النهوض وهو يهتف بـ خوفٍ شديد :
-إنتي كويسة ؟؟..

ظهر الوهن في صوتهـا وهي تُجيبـه :
-شويـة .
ثم رفعت عينيهـا إلى عينيـهِ لـ تقول بـ رجاءً :
-يالا آسر، أنـا لازم أطمن على حـازم .

حرك رأسـه بـ تأكيد ثم سحبهـا بـ رفق إلى خـارج المكـان، فتح لهـا باب السيارة لـ تتخذ المقعد بـ جواره، أغلق الباب ثم أدار سريعًا حول السيارة لـ يستقل مقعد القيادة، أدار المحرك مُنطلقًا خلف سيارات الإسعاف وسيارات النجدة .

******
قـاد "آدم" سيارتـه بـ سُرعة عاليـة بـ عقل مشغول، لم يتوقف لسانـه عن الدعــاء لـ "حازم" بعد أن رأى حالتـه السيئة، وخاصةً بعد أن يعلم وفـاة والده، خرج من شروده وتفكيره على صوت رنين هاتفـه، ألتقطتـه لـ يُحدق في الأسم بـ ضيق، ألقى بالهاتـف بعد أن رأى أسم المُتصل وهي معشوقتـه، هتف بـ تبرم :
-مش وقتك خالص يا حبيبة .

عادت ملامحـه إلى الحُزن وإلى شروده، لم تتوقف "حبيبة" عن محاولاتهـا في الإتصال، فـ في نهايـة الأمر، وضع هاتفـه على وضع الصمت حتى يترك لـ عقلـه التفكير، في كيفية إخبارهـا هي و"أسمـاء" بشأن ما حدث اليوم .

******
بعد فترة وجيزة، وصلت سيارات عند مدخل أحد المُستشفيـات الخاصة، فُتـح الباب الخلفي لـ تُسحب نقالة الطبية التي يرقد عليهـا جسد "حازم"، هبط "كامل" من السيارة وكذلك الجميــع لـ يلحقوا بـهِ، تم إدخالـه إلى أحد غُرف العمليـات، وبقى الجميـع واقفين خـارج الغُرفة .

بعد برهة، وقف "آسر" بجانبهــا مُتأملاً ملامحهــا، شعر بـ حالة الوهن والتعب التي تملكتهـا، هتف "آسر" بـ عدم رضـا :
-شكلك مش عاجبنـي يا أميرة .

لم ترد عليـه، فـ أمسك بـ يدهـا مرددًا بـ صيغة آمرة :
-تعالي معايـا .

سحبهــا خلفـه بـ خُطوات شبه سريعة، تعثرت في سيرهـا بسبب إصابهـا بـ دوار مُفاجئ، فـ كادت أن تقع ولكن تمالكت نفسهـا على آخر لحظة، حاوط "آسر" خصرهــا وهو يردد بـ صوتـه المليئ بالضجر :
-ده إنتي مش قادرة تمشي .

******
في نفس التوقيت، حضر "آدم" وعلى ملامـح وجهه الضيق، وقف بـ جوار "كامل" ثم أطلق تنهيدة حــارة من أعمق أعمـاق صدره، سألـه الأخير بـ وجهٍ واجم :
-إنت كُنت فين يا آدم ؟؟.. سبتنـا فجأة كده من غير ما تقولنـا ؟؟..

زم شفتيـه وهو يُجيبـه :
-كُنت بقول لـ حبيبة على إللي حصل النهاردة، أتصلت بيـا أكتر من خمسين مرة، فـ قولت أمـا أقولهـا، وأخليهـا تقول لـ أسماء على إللي حصل لـ حازم .

سألـه وهو يقطب جبينـه بـ قوة :
-وهُمـا هيجوا المُستشفى ولا لأ ؟؟..

رد وهو يومئ بـ رأسـه :
-تقريبًا آه، أنا قولتلهـا على إسم المُستشفى وربنـا يُستر على رد فعل أسمـاء .

******
رفضت رفضًا باتًا أن ترحل، رغم إصرار زوجهـا إلا أنهـا لم توافق أبدًا بل ظلت جالسة بـ الحديقة، رفع رأسـه لـ يطالعهـا بـ نظراتٍ دقيقة، لاحظ وأزعجـه كثيرًا ملابسهـا التي تلوثت بـ دمـاء "حازم" وبالأتربـة التي كانت فالمخزن، إتجـه خـارج المكان المشفى للحظاتٍ معدودة ثم عاد وبـ يده سُترة جلديـة، أقترب منهـا ووضعهـا فوق كتفيهـا، سحب مقعدًا لـ يجلس عليـهِ وهو يقول بـ هدوء :
-أميرة إنتي واضح عليكي التعب، فـ روحي وأنا هطمنك و...

لم يكد يتم عبارتـه حتى تحدثت هي بـ حُزن عميق :
-يا آسر أنـا مش تعابنـة، أنا بس مصدومـة، كان نفسي عمي ميبقـاش كده، وكمـان أنـا حاسـه بـ حُزن على إبن عمي إللي فدانـي بـ روحـه من غير ما أطلب، وزعلانة أكتر لما يعرف أن أبوه مات وأمـه تقريبًا كده الله وأعلم شكلهـا أتجننت .

هتف "آسر" بـ نبرة عقلانيـة :
-أبوه يموت أحسن ما يقضي عُمره في السجن، كده أحسن بدل ما كُل يوم يتعذب ويروح يزور أبوه فالسجن، أستهدي بالله يا أميرة، وقولي يارب أنـه يقوم بالسلامة .

صمت للحظةً قبل أن يقول بـ جدية :
-بس أنا عندي شرط عشان تفضلي أعدة .

سألتـه بإستغراب :
-شرط !!.. شرط إيـه ؟؟..

أجابهــا بـ جدية أشد :
-أنا هبعت أجيب أكل، تقعدي تاكلي وبعديهـا نطلع، على الأقل يكونوا خلصوا .

زفرت زفيرًا حارًا ثم قـالت :
-حاضر يا آسر .
******
بعد نصف ساعـة، دخلت "أسماء" المشفى بـ خُطوات راكضة وبرفقتهـا "حبيبة"، كانت تبكي بـ قوة وقلبهـا ينتفض من الخوف مُنذ أن علمت إصابـة حبيبهــا وحُبهـا الوحيد بـ طلق نـاري، حاولت الأخيرة تهدئتهــا ولكن عجزت عن فعل ذلك، لمحهم "آدم" من طرف عينيـهِ فـ أدار رأسـه للجانب وقبل أن يتحدث.. كانت "أسمـاء" سبقتـه قائلة بـ تلهف :
-حـازم أخباره إيـه ؟؟..

أجابهــا بـ حذرٍ مدروس :
-لسه مفيش حد طلع وقـال وضعـه إيـه بالظبط ؟؟..

لم تتحمل قدماهـا الوقوف، فـ أمسكت "حبيبة" بهـا جيدًا خشيًا أن تقع وهي تقول بـ خفوت :
-مُمكن تهدي، بلاش تعملي فـ نفسك كده .

أجلستهـا على المقعد القريب وهي تتنهد بـ حُزن، زفر "آدم" زفيرًا حارًا وهو يُسير ناحية "كامل"، أدارت رأسهـا للجانب لـ تجد رفيقتهـا و"آسر" قادمين، ســارت نحوهمـا وهي تتساءل بـ قلقٍ :
-أميرة، إنتي بخير يا حبيبتي ؟؟..

حركت رأسهـا إيجابيًا دون أن تنطق بـ حرف واحد، رفعت "أسماء" رأسهـا إتجاههــا ثم هبت واقفة متوجهه نحوهــا، وقفت قبالتهــا قبل أن تنفجر غضبًا قالئلة بإهتيــاج :
-مبسوطة ؟؟.. عجبك وهو جوا في العمليـات بين الحيـاة والموت، كان لازم يجي معاكي يعني ؟؟..

لم ترد عليهـا بل ظلت ملامحهـا جامدة كـالجليـد، ردت عليهـا "حبيبة" بـ صوتٍ حانق :
-في إيـه يا أسماء ؟؟.. وهي ذنبهـا إيـه ؟؟..

هتف "آسر" بـ لهجة حــادة :
-أنـا مقدر إللي إنتي فيـه وخوفك عليـهِ، عشان كده مش هتعصب، بس إللي لازم تعرفيـه أن هو إللي أصر أُنـه يجي معانـا، وهو إللي فداهـا بـ روحـه لمـا شاف أُمـه رايحـة تقتل بنت عمـه .

تحدثت "أميرة" تلك المرة بـ جدية قائلة بـ هدوءٍ :
-أسمعي يا أسمـاء، لو إنتي حبيبتـه، فـ أنا أبقى بنت عمـه، وأنـا وهو متربين مع بعض، يعنـي مش هتمنى الشر لإبن عمي، وماتقلقيش.. إن شاء الله يقوم بالسلامة، عن إذنك .

قالت كلمتهـا الأخيرة وهي تنصرف من أمامهم، تعلقت أنظــار "آسر" عليهـا حتى وجدهـا تجلس على المقعد المعدني ووضعت رأسهـا بين راحتـي يدهـا، ضغطت "أسماء" على شفتهـا السُفلى بـ قوة وأخفضت رأسهـا بـ حرجٍ واضـح عندمـا أدركت خطئهـا، همست معتذرة منهم :
-أنـا آسفـة جدًا، آسفة بجد، بس حقيقي مكنش قصدي .

قالت "حبيبة" بإستنكـار :
-أنـا شخصيًا مضايقة جدًا، يعنـي إنتي شايفة أصلاً حالتهـا كانت عاملة إزاي والنهاردة كان يوم صعب عليهـا، وإنتي جاية تكملي .

لمعت عينيهـا وهي تقول بـ ندمٍ :
-أنـا آسفة، والله ما كُنت قاصدة .

تضايق "آسر" كثيرًا، فـ هتف بـ ضجر :
-عن إذنكُم .

أنصرف من أمامهم متوجهًا نحو نصفــه الثانـي، جلس بـ جوارهـا ثم أبعد يداهـا عن وجههـا وهو يستطرد بـ صرامة :
-أبعدي إيدك يا أميرة، خلينـي أقدر أشوفك .

رفعت رأسهـا لـه لـ تُحدق فيـه بـ صمت، جذبهـا من خلف عنقهـا لـ يضم رأسهـا بـ داخل أحضانـه، أغمضت عيناهــا بـ إرتيـاح شديد وكأنهـا وجدت ملاذهـا، أخذ يمسح على خُصلاتهــا بـ رفق، وهو يبتسم لهـا إبتسامة صغيرة مُستشعرًا تعبهـا الذي تحاول أن تخفيـه أو بـ معنى آخر تقاومـه بـ شدّة، ظلت مُغمضة العينين وأخذت تستنشق عطره الرجولي الذي كان لـه التأثيـر الأكبر في تهدئة أعصابهـا قليلاً .

ثلاثة دقائقٌ.. وكانت تفتح عيناهـا عندما أستمعت إلى صوتٍ يُنادي عليهـا بـ خفوتٍ، تراجعت عن أحضـان زوجهـا لـ ترى أن صاحبة الصوت هي "أسماء"، نهضت من مكانهـا لـ تبدأ الأخيرة بالحديث مرددة بـ ندمٍ :
-أنا آسفة يا أميرة أوي .

رمقتهـا "أميرة" بـ نظراتٍ عادية، بقت عبرات "أسماء" حبيسة عينيهـا، وعلقت غصة كالعلقم في حلقهـا ولكن تابعت بـ صوتٍ مبحوح :
-أنا عارفة إني غلط، بس حقيقي أنا مكنش قصدي، أنا من كُتر خوفي والصدمة محستش بـ نفسي غير وأنا رايحة أتهمك بـ حاجة إنتي ملكيش ذنب فيهـا .

أطرقت رأسهــا وتركت عبراتهـا العنان لـ تنساب على وجههـا، دنت منهـا "أميرة" مُسرعة لـ تحتضنهـا، تعلقت بهـا الأخيرة وهي تشهق بـ بُكاء حــار، همست لهـا بـ خفوت :
-أنا مسمحاكي، لأني حاسـه بيكي .

زادت هبوط دموعهـا الحارة ثم قالت :
-أنا خايفة عليـه أوي يا أميرة، خايفة عليـه أوي .

ردت بـ همسٍ :
-صدقيني هيبقى كويس، قولي بس يارب .

-يــارب .
قالتهـا الأخيرة وهي لا تُزال تبكي بداخل أحضانهـا وكأنهـا أطلقت العنـان لـ ألمهـا بداخل أحضان تلك الفتـاة، خاصةً عندمـا أستشعرت بالحنـان والعطف في هذا العنـاق، أتسعت إبتسامة "آسر" وهو يرى زوجتـه تغمر الآخرين بـ حنانهـا رغم قنـاع القوة والجمود الذي دائمًا ترتديـهِ، أدرك أنهـا ترتدي ذلك القنـاع عندمـا تكون بـ حاجة إلى إخفـاء ضغوطهـا النفسية أو العصبية، وأنهـا تحمل بداخلهـا روحًا لم تُعد موجودة في ذلك التوقيت، هتف بـ شغف حقيقي :
-آآه يا أميرتـي، عشقي ليكي بيزيد في كُل ثانية وكُل لحظة .

******
بعد فترة ليست بالقليل، خرج الطبيب من غُرفة العمليـات وهو يتنهد بإنهـاك، هبت "أسماء" واقفة وكذلك "كامل" متوجهين نحوه، بينمـا ظل الجميع واقفون يُتابعون ما يحدث بـ قلقٍ، تساءلت "أسماء" بـ خوفٍ :
-خير يا دكتور، أرجوك طمني .

إبتسم لهـا مُجيبًا بـ هدوءٍ :
-ماتقلقيش يا آنسة، الرصاصة مكنتش فـ مكان خطير الحمدلله، كانت يعتبر عند كتفـه، هو هيفضل معانـا هنـا يومين عشان نكون أطمنـا عليـه أكتر، والجرح بتـاعه هيحتـاج يتغير .

قـال "كامل" سريعًا :
-من الناحية دي أطمن يا دكتور، أنـا كمان دكتور وهبقى أغيرلـه الجرح، المُهم دلوقتـي هو فـاق ؟؟..

رد الطبيب بـ جدية :
-حاليًا لأ، دلوقتـي هيتم نقلـه لـ أوضة عادية، ومُمكن أتنين منكم بس يفضلوا معـاه، أول ما يفوق تقدروا تطمنوا عليـه .

ثم أضـاف وهو يستخدم يديـه في الإشـارة :
-هستأذن حضراتكُم تقعدوا في الكافيتريـا إللي تحت لحد ما يتم ما يفوق وأتنين بس يقدروا يبقوا معـاه، لأن صعب كُلكُم تفضلوا متواجدين هنـا فالطرقة، وده كمـان عشان خاطر راحة المرضى .

تـابع بـ صوتـه الجـاد :
-ويُستحسن أكتر لو تروَّحوا، لأن الله وأعلم إمتى هيفوق، يعني ممكن يقعد ساعتين أو تلاتة عقبـال ما يستعيد وعيـه، فـ يُستحسن كُل واحد يشوف وراه إيـه، وتبقوا على تواصل مع الأتنين إللي هيكونوا معـاه .

قـالت "أسماء" بإصرار :
-طيب أنا هبقى معـاه .

هتف "كامل" وهو يومئ بـ رأسـه :
-وأنـا كمان .

ألتفت "آسر" للجميـع وهو يقول بـ صوتـه الأجش :
-يبقى نمشي إحنـا .

قالت "أميرة" بـ ضيق :
-بس أنا عايزة أطمن عليـه .

وقف قبالتهـا وهو يُردف بـ :
-أسمعي يا أميرة، إحنـا دلوقتـي الحمدلله أطمنـا عليـه، وجودك هنـا مش هيعمل حاجة، وكمـان إنتي عملتي مجهود جبـار النهاردة وإنتي لسه خارجة من المُستشفى، فـ لازم تروحـي عشان ترتاحي وإلا بالشكل ده هتُقعي .

حدقت فيـه بـ تردد ملحوظ، فـ أمسك وجههـا بـ راحتي يده قائلاً بـ نعومـة :
-يالا يا أميرتـي، بلاش عند .

أستسلمت أمـام نظراتـه ولهجتـه التي تُـأثر بهـا، حاوط خصرهــا بـ ذراعـه ثم أشـار بـ يده للبقيـة بالتحرك، أمسك "آدم" يد معشوقتـه وهتف بـ بسمة صغيرة :
-تعـالي معايـا، عشان إللي هوصلك .

إبتسمت لـه وهي تومئ بـ رأسهـا ثم سـارت معـه، بينمـا تحرك كُلاً من "أسماء" و"كامل" نحو غُرفة التي يرقد بهـا "حازم" .
******
أستقلت "أميرة" السيارة في المقعد الأمامي بـ جواره، أغلق الباب بـ هدوء ثم أستقل بـ مقعده لـ يُغادر من المشفى، لم يتحدث أحد منهم طوال الطريق، بل كان الصمت هو سيد الموقف، كان في بعض الأحيـان يلتفت إليهـا لـ يمتع عينيـه منهـا ثم يدير رأسـه في الأتجـاه الآخر، ألتفتت بـ رأسـها لـه حينمـا سألهـا بإهتمام لـ يقطع الصمت الثقيل بينهم :
-تحبي أوصلك القصر عندك ؟؟..

هزت رأسهـا سلبًا مُجيبـه :
-لأ بلاش، خليني أروح عندك الشقـة، مش عايزة أروح القصر خـالص .

ثم نظرت لـه بـ توتر وهي تُضيف :
-وكمـان أنا محتاجة وجودك جنبي بـ ذات النهاردة .

رقص قلبـه فرحًا من جملتهـا تلك، هتف بإبتسامة مرددًا بـ تأكيدٍ :
-تمام، وماتقلقيش أنا جنبك دايمًا، في أي مكان، وفي أي وقت .

إبتسمت لـه إبتسامة صغيرة، ثم عادت تُحدق في الطريق بـ شرود، تابـع هو قيادتـه للسيارة دون أن يفقد إبتسامتـه، شعرت بـ ثقل في جفنيهـا، لم تقاومــه ولو مرة بل أستسلمت تمامًا، فقد سيطر عليهـا وهي بـ حاجة إليـه، ألتفت بـ رأسـه لـ يجدهـا قد غاصت بـ داخل نوم عميق، أتسعت إبتسامتـه وهو يُتابـع قيادتـه .

خمسة دقائقٌ.. وكان وصل إلى البناية التي يقطن بهـا، ترجل من السيارة وأغلق بابهـا بـ حرصٍ لكي لا يصدر صوت فـ تستيقظ، فتح الباب الثاني ثم مرر ذراعـه الأيمن على ظهرهـا وذراعـه الآخر وضعـه أسفل رُكبتيهـا، أخرجهـا من السيارة بـ حذرٍ لـ يحملهـا بين ذراعيـه بـ لطفٍ حـازم، أغلق بـاب السيارة بـ ساقـه، ثم أنطلق إلى داخل البناية متوجهًا نحو الدَرَج، حيثُ يقـع منزلـه في الطابـق الأول، وصل إلى أمام باب منزلـه ثم قرع على البـاب، لحظات وفُتح الباب فـ تنحت الخادمة "شيمـاء" للجانب لـ تسمح لـه بالمرور، دخل بخُطوات هادئة ثم سـار نحو غُرفة النوم، أسندهـا على الفراش بـ حرص ودثرهـا بالغطـاء، رمقهـا بـ نظرةً أخيرة قبل أن يلج للخارج، قـال بـ صوتٍ خشن :
-كويس أنك لسه حافظة العنوان وإنك لحقتي تظبطي البيت .

أجابتـه "شيماء" بإحترام :
-ده شُغلي يا فندم، أول ما حضرتك كلمتني قبل ما تنزل من هنـا، أنا جيت على طول .

سألهـا بـ جدية :
-جبتي اللبس ؟؟..

ردت وهي تومئ بـ رأسهـا :
-أيوة، جبت اللبس بتـاع حضرتك من القصر، وأشتريت لبس للمدام، يارب يطلع على مقاسهـا .

قـال بـ صيغة آمرة :
-طب تمام، شوفي إنتي وراكي إيـه .

حركت رأسهـا إيجابيًا ثم أنصرفت متوجهه نحو المطبـخ، عاد إلى غُرفتـه ثم أغلق الباب، سـار بـ خطـاه الهادئة إلى الفراش ثم جلس بـ جانبهـا، بدأ يزيح الخُصلات الملتصقة بـ جبينهـا، أنحنى عليهـا وهو يهتف بـ همسٍ ناعـم :
-خلاص يا أميرة، الكابوس أنتهى .

إبتسم إبتسامة باهتة مكملاً :
-هنقدر نعيش فـ سعادة، ومحدش يقدر يبعدنـا عن بعض .

قَبّل جبينهـا قُبلة مطولة ثم ردد بـ تنهيدة عاشقة :
-بحبك يا أميرتـي .

******
بعد مرور ساعتـان إلا ربع، تأهوه "حازم" بألمٍ وهو يستعيد وعيــه، بدأ يشعر ما يحدث حولـه، فتـح عينيـهِ بـ بُطء شديد لـ يجد هناك من يمسك يده، تهللت أساريرهـا وعادت إشراقة وجههـا الجميل، ألفتت لـ صديقـه وهي تقول بـ بهجة :
-حازم فـاق .

وثب واقفًا من مكانـه راكضًا نحو فراشــه، بينمـا هي أخذت تردد بـ سعادة :
-الحمدلله، اللهم لك الحمد والشكر، الحمدلله .

إبتسم "حازم" وهو يرفـع يده نحو وجنتهـا لـ يمسح دموعهــا بـ أنمالـه وهو يقول بـ همسٍ خافت :
-وحشتينـي .

أمسكت بـ يده وهي تقول بـ سرور :
-أنـا أكتر يا حازم .

سألــه "كامل" بـ قلق قائلاً :
-أخبارك إيـه دلوقتـي ؟؟.. حاسس بـ حاجة ؟؟..

رد عليـه في شئ من الألم :
-يعنـي الجرح شادد عليـا شوية .

ثم نظر حولـه مُتسائلاً :
-أومـال فين الباقي ؟؟..

أجاب بـ نبرة عادية :
-روَّحوا بعد ما أطمنوا عليك، الدكتور طلب منهم كده عشان مينفعش كلهم يبقوا متواجدين معانـا هنـا، ولا ينفع يفضلوا أعدين فالطرقة عشان راحة المرضى، بس أنا دلوقتـي هتصل بـ آسر وآدم أطمنهم عليك .

حرك رأسـه وهو يعتدل في جلستـه الغير مريحة فـ ساعدتـه "أسماء"، ثم أغمض عينـاه بـ تعب، وولج "كامل" خـارج الغُرفة بعد أن أخرج هاتفـه، جلست حبيبتـه على طرف الفراش وهي مازالت تمسك بـ يده، سألتــه بـ قلق قائلة :
-مالك يا حازم ؟؟..

فتح عينيـه لـ يُحدق فيهـا بـ غرابة، ثوانٍ وكـان يسألهـا بـ صوتٍ خالٍ من الحيــاة :
-هو أبويـا مـات ؟؟..

صُعقت من سؤالـه الغير متوقع والذي من الصعب عليهـا أن تجاوبـه، فـ ما ستقولـه ما هي إلا حقيقة.. وحقيقة مُرة، بلعت ريقهـا بـ توتر وهي تقول :
-إيـه إللي خلاك تسأل سؤال زي ده ؟؟..

هتف بـ حدة :
-رُدي عليـا يا أسماء .

قالت بـ عند :
-لأ يا حازم، أنا عايزة أعرف إيـه إللي خلاك تقول كده !!..

هتف بإختناق :
-قبل ما أغيب عن الوعي سمعت صوت صراخ أُمي وهي بـ تنطق بإسم أبويـا وبتقولـه لأ ماتموتش، صحيح أنا كُنت مغمض عينيـا بس حاسس بإللي بيحصل حواليـا .

نظر لهـا بـ عينـان تلمعـان من الدموع وهو يسألهـا بـ همسٍ :
-أبويـا مات ؟؟..

أخفضت رأسهــا بـ حُزن عميق، ورغمًا عنهـا هبطت دموعهـا بـ غزارة، همس لهـا بـ نبرتـه التي تُثير الشفقة :
-رُدي عليـا يا أسماء ؟؟.. أبويـا مات ؟؟..

دخل "كامل" الغُرفة وهو يبتسم إبتسامة واسعة على ثغره، ولكن سُرعـان ما أبتلع تلك الإبتسامة وهو يسمع صوت بُكـاء "أسماء" الحـار، دنـا من الفراش وهو ينظر لهمـا بـ توجس خائف، تسائل بـ إرتيـاب :
-هو في إيـه ؟؟.. إيـه إللي حصل .

سألـه "حازم" بـ صوتٍ شبـه حـاد :
-كامل، هو أنـا أبويـا مات ؟؟..

أتسعت عينــاه بـ صدمة، بينمـا تابـع الأخير بـ تشنج :
-ساكت ليـه ؟؟.. ما تُرد .

بلع ريقـه بـ صعوبة بالغة، ثم سحب نفسًا عميقًا وهو يكور يده بـ قوة، أجـاب بـ أسفٍ :
-للأسف أيوة .

زادت نبضـات قلبــه وهبطت دمعـة حارقة على وجنتـه، همس لـه بـ صوت يُكـاد أن يسمع :
-إزاي ؟؟..

رد عليـه وقد طأطأ رأسـه :
-حاول يقتل آسر، فـ البوليس أضطروا أنـهم يضربوا عليه نـار .

أغمض عينــاه وهو يقول بألم :
-آآآآآآه، مات وهو عامل ذنب عظيم، هيقابـل ربنـا إزاي دلوقتـي ؟؟..

أنهمرت عبراتـه الحارقة بـ غزارة، شعر بأن قلبـه سيقف من كثره الحُزن، زاد بُكائهــا وهي تراه هكذا لأولُ مرة، فمـا أصعب بُكـاء الرجل، وكأن الجبـــال أهتزت، هُم لا يبكـون إلا عندمـا يكون الألـم الحـارق، وهـا هو يفعل، أقتربت منـه وأخذت تمسح دموعـه بـ رفق وهي تنطق بـ توسل :
-أهدى يا حـازم، أرجوك أهدى .

زاد بُكائــه الحـارق المرير وهو يصرخ بـ وجع، بدأ جسده يتشنج بـ صورة مُقلقة، فـ لم يتحمل "كامل" رؤية صديقـه وهو يُعانـي من الألم، فـ هرع إلى الخـارج لكي يستدعى أحد الأطبـاء، في غضون دقيقة.. دخل الطبيب برفقة مُمرضة ثم قـام بإعطائـه إبرة مُهدئة .

أرتخت عضلات جسده ولانت ملامحـه لـ يغوص بـ داخل عالم آخر، مسحت "أسماء" دموعـه ولا تُزال دموعهـا تنهمر بدون توقف، في حين جلس "كامل" على المقعد وهو ينفـخ بـ حُزن، همست بـ صوتٍ واثق رغم ضعف نبرتهـا :
-كُل ده هيعدي يا حـازم، هيعدي وهتنسى .

************


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-20, 10:57 PM   #15

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

((الفصل الأخير))

بعد شهرين كاملين، كانت أستقرت الأحوال بين الجميــع، حيثُ بعد خروج "حازم" من المشفى، عاد إلى القصر مع إبنـة عمـه، حاول الجميـع إخراجـه من حـالة الحُزن التي أعترته، وبالفعل بدأ يخرج منهـا خاصةً عندمـا بدأ يعمـل بـ شركة عمـه، فقد أصرت إبنة عمـه على هذا فـ وافق على مضض، وبعد مرور أسبوعين قـام بـ عقد قرآن على حبيبتـه، وفي بعض الأوقـات يذهب إلى المشفى الأمراض العقلية لـ يزور والدتـه التي أُصيبت بالجنون بعد ما حدث معهـا.

تزوج "آدم" "حبيبة" بعد مرور شهر، فقد غلبــه شوقـه وعشقـه الجارف ولم يُعد يتحمل بُعادهـا عنه، رأى ألوان الحيــاة المُبهجة حينمـا تزوجهـا، في كل يوم وكل ليلة يراهـا أجمل ويزداد عشقـه لهـا، وقضى فترة شهر العسل في إحدى بلاد الأوروبية وتحديدًا "إنجلترا"، كان دائمًا يشع بأنـه يسبـح بداخل حلم جميل وهي تغمره بـ حُبهـا ورقتهـا، هي كالبحر الهائج من المشاعر وهو مُحيط عميـق من الإنفعالات العاشقة .

قامت "أميرة" بـ تأجيل حفل زفافهـا، بسبب وفـاة عمهـا ولـ مراعاة شعور إبن عمهـا، تضايق "آسر" كثيرًا في البداية وخاصةً أنهـا رفضت أن تبقي معـه في المزل، بل عادت إلى القصر لـ تبقى مع إبن عمهـا، ولكن مع مرور من الوقت بدأ يتلاشى ذلك الضيق، كانـا دائمًا يتحدثـان عن أفراحهمـا وعن أحزانهمـا، يتبادلانهـا حتى يستريحـا منهـا، وفي بعض الأحيـان يكون حديثًا رومانسيًا كالروايات والأفلام، كان يسكنهــا الشوق الجـارف إن لم تراه ولو يوم واحد .

أتفق معهـا "آسر" أيضًا بأن يتركـا القصر لـ "آدم" و"حبيبة" بعد أن تزوجـا، وأن تعيش معـه في المنزل الكبير، وافقت هي على الفور دون تردد، فـ هذهِ كانت رغبتهــا في البدايـة .

******
أشتعل الحفل الزفاف بالموسيقى الهادئة بداخل أحد الفنادق الشهيرة، جرى الزفـاف وسط حراسة مُشددة سهرت على حمادية المعوين من رجـال وسيدات أعمـال وشخصيـات سياسية، كما شـارك في إحيـاء السهرة العديد من المطربين المشهورين .

أستقبل كُلاً من "آدم" وزوجتـه و"حازم" الحشود من الضيوف بإبتسامة صغيرة، أدار "آدم" رأسـه للجانب لـ يُحدق بـ معشوقتـه وبـ ثوبهـا، فقد أختـارت وأرتدت الفستـان الأسود اللون والذي يصل إلى رُكبتيهـا، ويحد خصرهـا الدقيق حزام ذهبي ينسدل طرفـه على جانبهـا الأيسر، أمـا خُصلاتهـا فـ تركتهـا حُرة، لـ تنساب على عنقهـا .

همس لهـا بـ جدية :
-كان لازم يعني تلبسي الفُستان ده ؟؟..

نظرت لـه بـ ذهول مرددة :
-مش إنت إللي قولتلي إلبسيـه .

ذم شفتيـه مُجيبًا :
-أيوة بس كُنت مش متوقع أنك هطلعي الجُمـال ده كُلـه .

نفـخ بـ ضجر واضح وهو يعود يُحدق أمامـه، أستشعرت من لهجتـه غيرة، فـ أبتسمت تلقائيًا ثم عادت تتابع جميـع زائري الحفل بـ نظرات خاطفة حتى رأت إحداهن والتي تعرفهـا معرفة شخصية، ولم تراهـا مُنذ زمن بعيد، تحمست كثيرًا للقائهـا، هتفت وهي تنظر نحو زوجهـا :
-آدم، أنا رايحة أسلم على حد أعرفـه وراجعة تاني .

لم تنتظر رده بل توجهت سريعًا نحوهـا، رمقهـا بـ نظراتـه المليئة بالشغف حتى رأهـا تُصافح فتـاة، والشوق تجلى عليهن، إبتسم وهو يهمس بـ :
-مُهلكة .

******
أشتعل المكـان أكثر عندما ظهر صاحب ليلة وهو متأنق كـ عادتـه، ظهرت العروس وهي واقفة أعلى الدرج وبجانبهـا "أسماء" و"حبيبة"، بدأت تهبط بـ بُطء وقلبهـا يتخبط بين ضلوعهـا، شعرت بـ عينيـهِ تقوّمانهـا بإعجاب شديد، رفعت عينيهـا إليـه فـ لاحظت أن إبتسامة مشرقة الذي يبتسمهـا قد أضاءت وجهه، فـ أحست بـ دفء غريب في قلبهـا وهي تدنو منـه، تسلمهـا أخيرًا من الفتيـات، نظر لهـا للحظات صغيرة قبل أن يحتضنهــا بـ قوة، تعالت الزغاريد في المكـان وتوالت التهنئة، تألمت "أميرة" من عناقـه الساحق ولكنهـا ظلت مُبتسمة بـ بهجة، تراجع عنهـا وهو يحدجهـا بـ نظرات سعيدة عاشقة، تحركا معًا نحو المكـان المُخصص لهم فقط، فـ بدأ المدعوين بالإقبال عليهما للتهنئة، بدأ المصورين بإلتقط عدة لقطات فوتغرافية لهم، وكذلك بعضُ من الصحفيين متشوقين من أخبار مُثيرة كـ هذه .

******
بعد برهة، صدحت أغنيـة رومانسية هادئة بالمكـان، فـ نهض "آسر" وهو يمد يده لـ أميرتـه، وثبت واقفة وهي تضع يدهـا الصَّغيرة على كفـه فـ قبض عليهـا بـ أصابعـه وتحركـا نحو سـاحة الرقص .

أحـاط خصرهـا بـ بُطء وهو يُحدق بـ عينيهـا السوداويـان والتي تلمعـان بـ بريق ساحر، وضعت يدهـا على كتفـه والآخر قبض عليـهِ بأصابعـه، تمايلا بـ خفة وما بين الحين والآخر يُقّيَل باطن يدهـا، همس لهـا بـ إبتسامة مُهلكة مثل عيناهـا :
-بعشقك يا أميرتـي .

******
-مُمكن أرقص مع حضرتك ؟؟..

قالهـا "كامل" بـ بسمة صغيرة واصقة وهو يمد يده نحو تلك الفتـاة الجميلة كما يقول، فهو مُنذ أن رأهـا وقلبـه يخفق بـ قوة، ظلت مترددة لـ بعضُ من الوقت، ولكن في النهاية وافقت، ونهضت من مكانهـا متوجه نحو ساحة الرقص، سـار خلفهـا وهو يهمس :
-أهدى يا قلبي، أهدى عشان شكلي قدام النـاس .

هتف بـ حماسٍ :
-وأخيرًا هبدأ زيهم فـ قصة حُب .

******
في الجانب الآخر، كان "حازم" و"أسماء" في عالمهمـا الخـاص، يضع جبينـه على جبينهـا وبين الحين والآخر يختلس قُبلة رقيقة مثلهـا لـ كف يدهـا، هو معهــا أدرك كلمة ومعنى الحقيقي للحُبَّ، لـ طالمًا كانت واقفة بـ جانبـه في الأوقـات الصعبة، وكانت تتحمل عصبيتـه، هي حقًا حبيبتـه وحُبـه الوحيد، هو في الحقيقي لم يرى أُنثى قبلهـا ولا بعدهـا بالتأكيد، أبعد جبينـه عنهـا وهو يقول:
-تعرفي إني حبيتك أكتر لما وقفتـي جنبي الفترة إللي فاتت، حبيتك أكتر من نفسي بـ كتــير، بجد ربنـا يخليكي لياا وميحرمنيش منك يا أسماء وتفضلي منورة حياتي دايمًا.

هتفت بـ حنان :
-مفيش داعي للكلام ده، المُهم إن إنت كويس دلوقتـي، وأن إحنا مبسوطين.

هتف بـ عشق :
-والمهم أننا مع بعض .

هتفت بتأكيدٍ :
-دي أهم حاجة أصلاً .

قالتهـا بإبتسامة واسعة، فـ أقترب بـ رأسه قليلاً لـ يُقَبّل جبينهـا قُبلة مطولة، همس لهـا :
-هعوضك عن أي حاجة وحشة حصلت، بحبك جدًا يا أسماء .

ردت بـ نعومة :
-وأنا كمان يا حازم .

******
أنتهى الحفل على خير وعلى أجواء سعيدة التي لا تتكرر كثيرًا في بعض الأوقـات، حاوط "آسر" زوجتـه من خصرهـا، إبتسمت وهي تُسير معـه نحو المصعد، لوح الأثنان لـ بقية المتواجدين قبل أن ينغلق بابيـه عليهمـا، بدأت دقـات قلب "أميرة" تزداد رويدً رويدًا، بينما تهللت أسارير "آسر"، بعد لحظات خرج كلاهمـا من المصعد، وقبل أن تتحرك كان يقول بـ صرامة :
-أستني .

نظرت لـه بـ غرابة، بينما رمقهـا هو بـ نظراتـه الرومانسية، لف ذراعـه حول خصرهـا وأنحنى بـ جذعـه قليلاً للأسفل لـ يحملهـا قائلاً بـ عبث :
-ده كان لازم أعملـه .

شهقت مصدومـة وأكتسى وجههـا بـ حمرة شديدة محببة إليـه، سـار بهـا نحو الغُرفة ثم دخلا، أنزلهـا بـ رفق، جحظت عيناهـا بـ عدم تصديق وهي ترى الغُرفة في غاية الجمال، والفراش مزين بالزهور الحمراء والبيضـاء، وعلى الأرضية الصلبة الكثير من الشموع والظهور التي تسرق الأنظار، أستطاع حقًا أن يجعل الجو شاعري ورومانسي، هتفت بـ سعادة :
-إيه ده يا آسر !!.. إنت عملت كل ده !!..

قـال بـ تساؤل مليئ بالحماس وهو ينزع سترتـه ورابطة عنقـه :
-إيـه رأيك ؟؟..

قالت بإعجـاب :
-طبعًا، هي دي عايزة كلام .
ألقاهم على الأريكة، وفتح أول ثلاث أزرار من قميصـه الأسود، إبتسم وهو يهمس :
-يعنـي عجبك .

شعرت بـ خجل جامح يعتريهـا، فـ أخفضت رأسهـا وهي تقول :
-أيوة عجبنـي .

وضع إصبعـه أسفل طرف ذقنهـا، رفعـه لـ تجد نفسهـا تُحدق في عينيـه السوداء، همس لهـا بإبتسامة جذابة :
-مالك .

أبعدت أصبعهـا وهي تقول بـ تلعثم :
-مـ.. مفيش .

زادت نبضـات قلبهـا بـ عُنف، وأرتبكت كثيرًا، هي تخوض لأولُ مرة تجربة الزواج، أمسك ذراعيهـا بـ رفق بـ يديـهِ وهو يهتف بـ خفوت :
-لأ في .

قـالت بـ توتر :
-أنا خايفة .

رفـع يده لـ يمسح وجنتهـا بـ نعومة وهو يقول بـ بسمتـه المُهلكة في عين الآخرين :
-ماتخفيش، أنا عُمري ما هفكر أأذيكي .

سحب نفسًا عميقًا قبل أن يزفره على مهل، همس لهـا بـ صدقٍ :
-أوعدك إني هسعدك، ومش هخليكي تعرفي طعم الحُزن تاني .

تـابع كلماتـه الصادقة التي بهـا تأثير عليهـا :
-إنتي حياتـي يا أميرة، ومفيش حد يقدر يستغنى عن حياتـه، إنتي نبض قلبي، لازم تعرفي ده كويس وتكونـي مُتأكدة منـه .

أقترب من جبينهـا وهو يهمسٍ همسًا خطير :
-بحبك يا أميرتي .

قَبّل جبينهـا قُبلة عميقة، أغمضت عيناهـا محاولة تهدئة قلبهـا ، فـ تلك المشاعر التي بدأت تجتاحهـا لأول مرة تختبرها وبدأ يظهر التأثير على وجههـا، تراجع عنهـا لـ يتلمس بشرتهـا بـ رقة ونعومة، أقشعرت من لماستـه الحنون عليهـا، شعرت بـ أنفاسـه الحـارة تلهب عنقهـا وجههـا، وشعرت أيضًا وهو يمس شفتيهــا بـ شفتيـهِ بـ رقة، قَبّلهــا أخيرًا وأصبحت لـه هي فقط، كانت قُبلاتـه ليس رغبة بل عاشقة.. شغوفـة، بث لهـا حُبـه وعشقــه الجـارف لهـا مُنذ أن رأهـا بـ فستانهـا الأبيض، وزع قُبلاتـه على جبينهـا وعيناهـا ووجنتيهـا حتى عـاد إلى شفتيهـا لـ يُقَبّلهـا بـ عُمق وشغف، أستسلمت للحـالة الضعف لـه، وحلقت معـه للسماء، لتبدأ ليلة عاشقة تحت الضوء القمر الخافت .

************
-تمت بـ حمد الله-


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-07-20, 12:48 AM   #16

tahra

? العضوٌ??? » 24198
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,047
?  نُقآطِيْ » tahra is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

tahra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-20, 03:33 PM   #17

funy19

? العضوٌ??? » 36652
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 3,009
?  نُقآطِيْ » funy19 is on a distinguished road
افتراضي

Thaaaaaaaaaaaaaaanks

funy19 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-20, 12:06 AM   #18

sam2001
 
الصورة الرمزية sam2001

? العضوٌ??? » 165263
?  التسِجيلٌ » Mar 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,479
?  نُقآطِيْ » sam2001 is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

sam2001 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-03-22, 04:06 AM   #19

faiza shahada

? العضوٌ??? » 386119
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » faiza shahada is on a distinguished road
افتراضي

جححخهعغغفققثثصصس ككمنتالبيؤر

faiza shahada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-04-22, 03:19 AM   #20

جنى نور

? العضوٌ??? » 387009
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,555
?  نُقآطِيْ » جنى نور is on a distinguished road
افتراضي

شكرا شكرا شكرا شكرا كتير كتير

جنى نور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الحب، الرومانسية، الواقع، الألم، العذاب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:45 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.