آخر 10 مشاركات
إحساس جديد *متميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (الكاتـب : الحكم لله - )           »          1022 - ألعاب النخبة - دايانا هاميلتون - د.ن (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          هائمون في مضمار العشق (2) .. سلسلة النهاية * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          1018 -الحب المستحيل - بني جوردان - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1017-درب الفردوس شيرلي كمب - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          1015- بعد شهر العسل - الكسندرا سكوت- عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree8Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-06-20, 03:31 AM   #1

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي *بين أحضان القدر** مكتملة ومميزة **











السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... الرواية القصيرة الغير حصرية الثانية بإذن الله🌹🌹
بين أحضان القدر








عزيزي القارئ لا تنسى الصلاة في وقتها فالرواية تنتظر وأجر الصلاة في وقتها يطير.
المقدمة

يتململ على فراشه، يحاول اتخاذ قرار نهائي بين خيارين كلاهما أمر من الحنظل، هل يستسلم للإغواء الدافئ التوسل القاتل من أطرافه لأجل راحة ناقصة، و لثواني إضافية؟ أم يُنفض عن نفسه الكسل ويضغط بجبروت لا يجيده سوى عليها ليقوم الى واقع أَمَر من أحلام تنتابه اللحظة ؟ انتظر ! ...انها ليست أحلاما! على الأقل ليس اليوم، بل واقع الأمس القريب ،حين تلاسنت عليه الأفواه الجاهلة بتطفله ، في عزاء أشبه بمسرحية ساخرة سوداء ،كل يلعب دوره فيها، بمهارة تلقائية .
:" من ذلك الرجل ؟ ابن اخر له؟"
:" أجل .... الثاني عشر من بين العشرين "
:" يا إلهي..... انه ابن الرابعة التي لم تُطل معه ؟"
:" تمامًا .... تزوجها لسنة فقط و تركها حُبلى"
تلوى جسده على فراشه كما قلبه المنتفض فأصدر السرير أنينا مواسيًا لآلامه، عكس الكلمات من وحي الذكرى ، منعدمة الرحمة .

:" ابن الجنوبية..... طلقها و عادت الى أهلها ... دون سبب يُذكر"
": وهل كان المرحوم يحتاج لعذر أو سبب ؟ لكن لمَ لم تأتي.... لتُنهي صف الحمام البيض* من الأرامل ؟"
:" هي مطلقة و ليست أرملة ما الفائدة من حضورها؟ لا إرث لها....و حتى لابنها الذي تكلف مشقة السفر عبثا"
:" أجل .... سمعت أنه لم يترك سوى الديون بعد أن كان من أغنى أغنياء المدينة "
:" إنه جزاء المزواج "
فتح عينيه على وسعهما والضحكات السمجة الساخرة، لاتزال ترج خلايا دماغه. تجمد للحظة مكانه، ينتظر جلاء توابع الحلم كان يعلم أن حضور عزاء والده ،لن يجلب عليه سوى كوابيس جديدة، و كأن القديمة لا تكفيه, زفر بضجر ليتخذ وجهه تلك الملامح المنحوتة ببراعة الأيام المتتالية لتجعل منه رجلاً عبوساً بجدارة ، رفع كفه و مسح على وجهه حبات العرق ليبدأ بروتينه اليومي ونظر الى المكيف البائس فوق رأسه ،يرميه بسهام لو كانت تتشكل من العدم لكانت أطاحت بقطعة الحديد من على الجدار فيتشتت الى قطع صغيرة ،تُطفئ و لو القليل من حِمَمِ الجحيم في صدره، شبح ابتسامة باردة عكْس الأجواء من حوله يلوح على زاوية فمه من فكرة استمتع بتخيلها فلن تغادر حدود عالم أحلامه المتشابكة بين يقظة يتحكم في خيالها ونوم يفقد عليه السيطرة لصالح جحيمه المستعر ولأنه لن يتحمل كلفة مكيف جديد فقد منح مقلتيه ثانية إضافية ،تُسدلان فيه ستارهما لخيال جمح الى حياة أخرى ليست له أو على الأقل هكذا اعتقد.

*الحمام البيض ...كناية على الأرامل في بعض الشعوب ترتدي لباس الأبيض للحداد


روابط الفصول
المقدمة ....أعلاه
الفصل الأول الى الخاتمة.... نفس الصفحة

**رابط التحميل**
https://www.mediafire.com/file/qtr61745zdscjxo











التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 18-12-20 الساعة 06:08 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 03:35 AM   #2

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول

حانت منه نظرة أخيرة إلى مرآته ذات الإطار الأسود الباهت ككل شيء في حياته الفوضوية لم يكن يتأمل وسامة وجهه ولا حسن مظهره الذي يعكف على التشبث به كآخر قشة في رتابة واقعه المُر لكنها عادة أدمنها كأخرى تُشكل خطوات مملة تنظم يومه العادي، الواقعي جدًا.
ترك غرفة نومه تسبح في فوضى عارمة وتحرك تجاه المطبخ فأتفه أمنياته في حياته الحالمة أن يجد وجبة فطور تنتظره صباحًا كما يحدث في أغلب العائلات. عاد نفس الشبح للبسمة المفقودة، تتجسد على قسماته العابسة، يهمس ساخرا. "حين تكون لدي عائلة "
حرك رأسه بتهكم أسقط معه أفكاره الحالمة وتجه إلى البراد، فتحه و ظل واقفًا مكانه، يتبادر على ذهنه سؤالا أتاه الرد عليه قبل أن ينطق به لسانه .
:"لا تُتعب نفسك .... لا أكل في البراد و لا في كل هذا المطبخ البائس"
التفت إلى والدته المتأهبة في وقفتها، تتخصر بكلتا يديها، رافعة حاجباً واحدًا باستفزاز، أغلق باب البراد و استند عليه، قائلا بهدوء تعلمه بحكم عمله في القانون :" صباح الخير يا أماه...تفضلي .... أنا مستعد للنغمة اليومية أرجو أن لا تنسي شيئًا لكن أسرعي قليلا...... فقد تأخرت بالفعل ".
كلما اعتقد انه قد بنى لنفسه حصنًا يحميه من سهام الألم ، الموجهة له من أقرب الناس إليه ، تُصيبه الجديدة بضربات تدك حصنه الوهمي فيقف عاجزا أمام معضلته الحياتية ليتذكر حكمة قديمة ذات معنى لا يفهمه حقا إلا من انطبق عليه ,(بغلٌ يلف حول الساقية فوق التبن).... سوى أن التبن في حالته ليس بوفير وهو بالفعل جائع.
:"كف عن مزاحك الثقيل .... و أخبرني أين زوجتك المصون؟"
لكم تشبهه والدته وهي تبتسم بسخرية مريرة عابسة ،فكر في سره مع ان جديه كانا يخبرانه بإرثه للعينين السوداوين كالفحم من والده كما أنفه المعقوف وفمه البني اللون وحتى في طوله الغريب على أخواله و هذا ما أكده باقي عائلة والده كما رأى مِمن يُفترض بهم أنهم أخوته لكن تظل الطباع و اللبن الذي أرضعته والدته المخضب بحسرة القلب و مرارة العيش، فكان سُما بدل أن يكون شرابا طيبًا، يوطد العلاقة بين الأم و ولدها , ألهذا تكرهه؟.....
ولا تعامله كما تعامل سائر الأمهات أولادهن ، لأنه يذكرها به ؟ تساءل قبل ان يتنبه لقربها، فشحذ حواسه ليلتقط الكلمات من بين شفتيه الشاحبتين.
:"حالك لا يعجبني .... لا عمل جيد تكسب منه المال كالرجال ولا بيت لائق ولا حتى زوجة مناسبة أخبرني الى متى ؟ هذا الاستهتار في حياتك يكاد يستعجل آخرتي "
حل الصمت بثقله عليهما، يتبادلان النظرات .... المتهمة.... اللائمة.... المتوسلة
تحرك أخيرا و بخطى واسعة، يقول بنبرة أقرب لحشرجة :" عن إذنك أماه..... أنا تأخرت، ستجدين مالاً على المنضدة في البهو"
أسرع بخطواته غير عابئ بجوابها الذي يعلم سابقا بمدى لذاعته، تنفس براحة حين لفحه هواء الصباح القارص، شاكرًا ربه أن وصلة العذاب قد مرت سريعاً في يومه ذاك, شعر بالبرد يلف عظام جسده، فلعن بخفوت حين تذكر معطفه المنسي على المشجب , التفت ينظر إلى باب البناية بتردد ،فعاد أدراجه تجاه سيارته، لاعنا من جديد, احتل مكان السائق و أسرع في وضع المفتاح ليشغلها صافقا الباب بحدة ، ليس فقط هروبا من الصقيع، بل لأنه لن يُغلق سوى بدفعة شديدة :"لا ....لا .... أرجوكِ .... ليس اليوم أيضا ....آه"
تنهد بتعب و ألقى برأسه الى الخلف ،مسدلا جفنيه . يغمغم ببؤس.
:" لما لا يتغير شيء في يومي اللعين ؟.... و لو لمرة واحدة أوووووف !"
فتح عينيه في نفس اللحظة التي انتفض فيها بدنه، ضاربا المقود بغل قبل أن يخرج منها :" إلى الجحيم يا قطعة الخردة .....أقسم سأبيعك لمركز الخردة لأن هذا مكانك .... يا خردة ! اللعنة !"
صاح بسخط حين ركل إحدى دواليبها لتعيد له الألم مضاعفًا , مسد على رجله من فوق حذائه الجلدي الأسود فتجمد مكانه، يرمق صبياً صغيراً يحمل محفظة كتب عملاقة أوهي من تحمله لم يعد متأكدا ....تحدث بنفس سخطه ليَحُد من تحديق الصبي به كأنه فاقد لعقله :" أ ليس لديك حصة ؟"
انتفض الصبي مُجفلا ، فاعتدل يمنح المحفظة العملاقة هزة لتبتعد إلى أعلى ظهره ثم أطلق ساقيه الصغيرتين للريح، راقبه حتى أختفى ثم خطى تجاه ناصية الشارع ليوقف سيارة أجرة فخيار الحافلة قد أضحى مستحيلا بسبب تأخره. ""المحافظ تتضخم و الكتب تكثر والعلم يتقلص و الجهل يتفشى.... زمن العجائب"
تململ في وقفته، يرمي ساعة هاتفه بنظرات حانقة من حظ يومه الأسود لكنه شاهد ما هي أحلك و أقتم. لم يكن هاتفه المسكين من انفرد بنظراته الحارقة سُخطا لكن جسدًا ضئيلا مغطى برداء أسود من رأسه الى أخمص قدميه حتى أن نوع الحذاء لا يظهر.
ضم شفتيه يزمهما إلى الأمام، يحاول النظر إلى ذلك السواد بطرف عينه ليتأكد من شعوره الذي يلح على عقله بأفكار مُخجلة، قد سبق و تعرض لها ،ليهجم عليه القرف بظله، ممتزجا بالعبوس مُرهقا قسمات وجهه الذكورية رغم تأكده من تردد ذلك الطيف من التقدم نحوه، قرر أن مزاج يومه قاتم بما فيه الكفاية من بدايته لا يحتاج لظل أسود آخر قد يجلب له مشاكل هو في غنى عنها لذا تجاهله بكل بساطة وأشار لسيارة أجرة ، مُرسلة من قدر عطف على استسلامه له برحابة صدر مكتسبة بجدارة ..... إلا أن فضوله أجبر مقلتيه على النظر إلى المرآة الجانبية ليقطع شكه بيقين أن الطيف الأسود لم يكن سوى امرأة متوشحه بالسواد تتبعه، ليست زوجته!
أراح جسده على مقعد السيارة ،متسائلا في سره "من هي يا ترى؟ ...... و ماذا تريد مني ؟"
*******************************
راقبه من تحت نظّارته الطبية، محافظا على بسمته الجانبية، تلقي بسماحتها على وجهه الصبوح، فتضفي على ملامح وجهه الخشنة، وسامةً ليست نابعة من قسماته الذكورية العادية , ألقى الورقة من يده على سطح مكتبه، ليسند رأسه على قبضة احدى يديه، متأملا الشاب الأصغر منه بعقد كامل أو أكثر بسنة ، متحسرا على شبابه الضائع بما كسبت يديه هو دون علة اتخذها سببا في تعاسة حياته,
" قُصَيْ الشرقي" اثنين و ثلاثين سنة، محامي درجة ثانية وهذا يعني أنه يعمل مساعدا للمحامي المرموق، صاحب المكتب حتى لو كان الأول و أمثاله من يقومون بكل العمل من التحقيق و البحث و جمع الإثباتات وحتى كتابة المذكرات والمرافعة أيضا إذا اقتضى الأمر ليضيف إليه رب العمل اسمه المعروف شكلا أو حتى مضمونا، تفاديا لخطأ التعميم.
الحق يقال، قصي محام ماهر لكنه يجهل ذلك، كما يجهل باقي صفاته الحسنة.
زم شفته السفلى قليلا، يفكر أن الحياة لم تنصفه لكنه تراجع ساخرا من ظلم الحياة للجميع فتلك التي يعيشون عليها دنيا و ليست الجنة.
:"هل ستظل تبحلق فيّ كثيرا؟ هل أعجبك لتلك الدرجة ؟"
من يسمع مزاحه لصديقه و مساعده، السيد مُسعد ، يظن أن الضحكة الساخرة لا محالة مرافقة لحديثه، وهذا لم يحدث.
لوح مسعد بيده بعد أن سحبها من تحت دقنه المغطاة بلحية خفيفة، مشذبه بنية اللون وإن تخللتها شعيرات بيضاء بدأت بالانتشار بخفر كأنها خجلة من صاحبها الحنون ... يجيب :" ابتسم قليلا يا رجل لن تدفع ثمنا بالمقابل .... أعدك ..... ثم ...."
قطع حديثه حين دخل الساعي، بعد دقتين سريعتين على الباب المشرع على مصراعيه، يقول بخفة دمه المعهودة وكأنه ليس الأقل مركزا ومدخولا بينهم، ل
فيظهر وكأن الحياة لم تنل منه كما فعلت بمن هم أعلى منه شأناً.
:"سيد قصي .....الشاي و الشطيرتين بالبيض والجبن "
وضع الحاجب الصينية الصغيرة على مكتب قصي الذي لا يزال قرب النافذة الكبيرة والوحيدة لتلك الغرفة ذات الطلاء الأخضر الباهت والتي تخلو سوى من طاولتين خشبيتين وأربع كراسي خشبية.
:"شكرا لك عم صبحي ..... خذ"
مد له بمال فتسلمه الحاجب بقبضته ثم قبله بخفة قبل أن يدسه في جيبه, حرك قصي رأسه ساخرا من تلك الحركة الساذجة وكأن تقبيل المال يضاعف من قيمته.
:"على فكرة ......هو لم يقبله تبجيلا له بل لأنه يعتبره نعمة كبيرة من خالقه ..... و قد حمد ربه تزامناً مع تلك القبلة الخاطفة "
تناول الشطيرة من على مكتبه وارتشف من الشاي قبل أن يعود الى مكانه قرب النافذة، قائلا بنفس سخريته القاتمة :" أستغرب فعلا يا مسعد مدى وضوح أفكاري أمامك.... أنت تخيفني في بعض الأحيان "
اتسعت بسمته الهادئة، مجيبا بتفكه تلمع له مقلتيه، مُسبلا برموشهما ليغيظه :"أنت كتاب أقرأ كلماته بسهولة و إن تعسر عليّ فهمها "
بلع قصي اللقمة في فمه ورمقه بتساؤل، ظهر أثره على المنطقة بين حاجبيه الأسودين فاسترسل مسعد، قائما من مكانه تجاهه :" مثلا .... لاحظت مذ دخلت أنك متوتر فوق العادة والسبب يكمن في الشارع الذي لم تكف عن النظر إليه وجعلك ملتصقا بالنافذة ..... فما هو يا ترى ؟"
أنهى حديثه مطلا عبر النافذة، مستشعرا تصلب صديقه الذي ألقى بآخر قطعة في يده إلى فمه يمضغها، قائلاً بتردد وهو يشير إلى مكان ما :" أترى ذلك الجسد الضئيل المنزوي؟ المتشح بالسواد! "
مطط مسعد شفتيه مقطبا ، ينظر إلى المعنية فأردف قصي قائلا :"تبعتني كل المسافة من بيتي إلى هنا "
التفت مسعد إلى صديقه، يتساءل بحيرة :"هل أنت متأكد من أنها ليست زوجتك ؟"
أومأ سلبا و قد تغضنت ملامحه بقرف فأشار مسعد إلى وجه الأول، يستدرك مع نظرة ذات معنى :" و هذا أيضا لغز محير أنت لا تحب زوجتك ... أفهم ذلك من تعابير وجهك ... لكن لا أعلم لمَ؟"
تنفس بزفير حاد قبل أن يقول و نظرة حادة باردة قد استحكمت بمقلتيه :"هناك أمور من الأفضل عدم ذكرها .... صدقني "
هز مسعد كتفيه باستسلام، يعقب بحنو عبر عنه بلمسة على كتف صديقه :" أنت تعلم رأيي جيدا "
نفخ قصي و ابتعد عنه ليجلس على مكتبه، يفتح أزرار سترته السوداء ثم هدر بحدة باردة بينما يسحب سيجارة من علبتها :" أجل ... أجل ! أنا من أعذب نفسي و لا ألتزم بالصراط المستقيم... أتذكر كل حروفك مسعد .... ارحمني"
بسمته لا تفارق ثغره، مستندا على النافذة المغلقة بظهره، يرد و هو يضم ذراعيه إلى صدره :" الله لن يغير ما بك حتى تغير ما بنفسك يا قصي و أنت إنسان معدنك أصيل ... مهما أنكرت و استنكرت "
هز رأسه يائساً ،يتهرب بفتح أحد الملفات المتكومة على مكتبه فاستطرد مسعد متجاهلا بينما يعود إلى مكتبه :" المهم ..... ماذا ستفعل بشأن المرأة التي أنت متأكد....أنها ليست زوجتك ؟"
انتظر منه جوابا ظن بأنه لن يناله حتى نطق به أخيراً :" سأفعل ما أفلح به دوما .. التجاهل "
ضحك مسعد بصخب، يمسد على مقدمة رأسه التي بدأ الصلع هجومها الطاغي عليها ثم قال بمرح :" من الجيد أن يعرف الإنسان نفسه "
رمقه بضجر فرفع مسعد يديه ببراءة، يشير إلى النافذة :" لا أظن أن الأمر سيفلح هذه المرة بالتجاهل .... بما أنها اقتفت أثرك طوال تلك المسافة"
تنفس بملل، يقول بضيق :"و بماذا تنصحني؟ ..... يا ناصح "
ضحك مسعد ببشاشة مشوبة ببعض القرف المصطنع ،يرد بهزة كتف مستخفة بما نطق به :" أولا أطفئ السيجارة ...فأنا لست مرغمًا على استنشاق السم معك ثانيا اذهب و اسألها ماذا تريده منك ؟"
تجمد قصي مكانه، يحدق به بتفكير ساهم لثانية أو اثنتين ثم قام من مكانه منتفضاً، يهتف بصرامة كما يدعك السيجارة بطبق الطفاية قبل أن يسرع خارجًا.
:" اللعنة على ذلك ! سأفعل "
:" على رسلك! ستخيفها يا متهور"
لكن قصي بخطواته الواسعة، كان قد ابتعد عن المكتب فقام مسعد متوجها إلى النافذة ،يهمس بأسف مشفق :"هداك الله يا قصي و سامح الله كل الآباء الذين استخفوا بحجم المسؤولية تجاه أبنائهم "
********************************
هرول مصمما ،يقسم بغلظ أيمانه أن يعلمها درسا لن تنساه، أن فقط كانت من جنس ز....
:"آه .....آسف ... مصطفى " ,ابتسم زميله يوماً ما قبلاً ، أما الحاضر فقد افتتح مكتبا له وفي نفس البناية وكأنه بذلك يريه فشله في مهنته، وتأخره عن الركب طبعا ذلك لم يكن سوى من نسج خياله المعقد ، الباحث عن أي مشجب كريم ،يتحمل عبئ أخطائه.
:"ما بك يا رجل؟ سيتوقف قلبك يوما ما من استعجالك الدؤوب"
رفع أصابعه، يحك جبهته بخفة، يرد بتوتر حرص على إخفائه.
:" كيف حالك مصطفى ؟"
أخفى مصطفى احدى يديه في جيب سرواله، كحركة اعتادها بينما الأخرى تمسك بمحفظته السوداء، قائلا بود يحفظه لقصي كما يعتبره صديقا نوعا ما بسبب سلوكه الغريب و المنعزل، عن الناس عموما.
:" بخير الحمد لله لازلت أنتظر جوابك ... العمل معي ؟ هل نسيت؟"
استطرد مصطفى في حديثه حين لاحظ نظرته الحائرة، فأجابه و هو ينصرف. مستعجلا :" آسف مصطفى .... أنا مستعجل.... أراك لاحقا"
استدار مستأنفا طريقه إلى مكتبه، يفكر أن قصي الشرقي ميؤوس من أمره ،متأسفاً على مهارته الضائعة والمستغَلة من طرف أُناس لا يقدرونها حتى فعمله برفقته أعلمه حسن معدنه، لكن بعد عشرة و تمحيص عن قرب فقصي ليس بالرجل الواضح، كثيرا ما يُظهر عكس ما يتصف به وهذا شيئ يحيره بالفعل، يعترف أن الرجل يهوى تعذيب نفسه ،قد تكون له أخطائه ومن لم يخطئ في حياته، خصوصًا في مرحلة ريعان الشباب! لكن ذلك ينتهي حين يلتزم الرجل و يتعهد بتكوين أسرة، فيصبح مسؤولاً وتستمر الحياة عكس صديقه، يبدو عالقاً وسط فخ ذنب ليس له، دمر طفولته و ضيع مراهقته وبداية شبابه في اللهو والاستهتار حتى بعد ما تزوج أضحى أكثر انغلاقاً على نفسه و تعقيدا.
:" صباح الخير سيد مصطفى "
تنحنح مجفلا على صوت مساعدته فخطفت منه نظرة متفحصة، متهورة.
تأنقها الزائد مؤخرًا ،أصبح يشكل عبئاً على حياته لا يعلم لم؟ ليس أنها لم تكن جذابة من قبل فهي تتوفر على مقومات الفتاة الجميلة بين جسم رشيق و شعر كستنائي مصفف دائمًا، وجه قليل الزينة لكن ملفت بتلك التقاسيم الصغيرة.
رفع يده يمسد على رأسه من الخلف، يتحسس شعيراته فتذكر حديث زوجته أمس أنها قد استطالت قليلا , مهلا , زوجته ! تمالك نفسه وحدّ من اتساع مقلتيه، يقول بتوتر مغلف بحدة وغضب من نفسه.
:"أين أحمد ؟"
تلك النظرة البريئة، أبعد ما يكون عن ما يريده في تلك اللحظة لكنه حرص على إبعاد عينيه عنها تجاه حجرة زميله، يأتيها ردها بنبرة رقيقة أنثوية مهلكة.
:"السيد أحمد اتصل قبل قليل.....سيقصد المحكمة قبل أن يأتي "
هز رأسه، يغمغم قبل أن يلجأ إلى مكتبه، مسرعاً :" أهتمي بعملكِ و لا تقاطعيني إلى أن يصل أحمد ....و اعلميه انني أنتظره"
تحركت رموشها من وقع اقفاله لباب مكتبه بقوة ،فابتسمت تعض شفتها السفلى بنصر تظن بأنها على اعتاب تحقيقه.
****************************
وقف أخيراً يلتقط أنفاسه المتبخرة من فمه كدخان أبيض من شدة البرودة بينما الغافلة تستند بضهرها على جذع نخلة بين مثيلاتها المنصبة زينة على جانبي الشارع الكبير، المسمى تكريما لأحد أشهر العلماء العرب في زمن العزة و الازدهار العربي الاسلامي **ابن رشد**
استعاد هدوءه فحملته قدميه إليها ليرى انعكاس ظله على جسدها الضئيل الذي انتفض صدمة وخوف على ما يظن.
تأملها مقطبا بحيرة حين تكومت على نفسها، تطرق برأسها فهتف بعصبية و نفاذ صبر :"من أنت ؟ و لماذا تلاحقينني ؟"
لازالت منكسة برأسها، يلمح ارتعادها غير أنها ثابته في مكانها فأغمض عينيه، يحاول التمسك بآخر ذرات الصبر النادرة في صدره.
تنفس بصعوبة في خضم الصقيع المحيط به، يقبض على كفيه يضمهما إلى فمه لينفخ فيهما من أنفاسه الحارقة كأعصابه الثائرة ليستدرك مستسلمًا يهم على الابتعاد فحسه كرجل قانون، ينبئه بكارثة أخرى ستزيد من قتامة حياته المأسوفة على أمرها :"حين تقررين التحدث .... انتِ لابد تعلمين مكان مكتبي "
:" أستاذ ...."
تجمدت خطوته دون أن يلتفت إليها ،يتأكد إن كانت النبرة الهادئة الرزينة ذات النغمة الثقيلة نوعا ما ، تنتمي إلى ذلك الجسد الضئيل :" أنا ......"
التفت فألجمت لسانها، ليقول مقطبا :"هل تريدينني في قضية ؟"
أومأت مرات عدة، فرفع يده يمسد على جبينه مفكرا ثم أشار للطريق أمامه، مستطردا بهدوء يحاول أن يحافظ عليه باستماته.
:" لن نتحدث في الشارع ..... اتبعيني إلى مكتبي "
**********************************
وقف مسعد يتنحنح، يرمي قصي بنظرة ذات معنى ،مشيرًا إلى الفتاة الساكنة على الكرسي الحديدي دون أي بوادر لتتحدث، ليستنتج استحياءها من وجود شهود فقرر الانسحاب ليرحمها من تلبكها الواضح ،فصديقه لا يساعد البتة بتلك الملامح العبوسة، المنذرة بانفجار وشيك أن لم تبدأ بتحريك لسانها بما تريده :" قصي ....سأذهب للإحضار التوكيلات عن إذنكم"
هز رأسه و راقبه إلى أن اختفى ثم عاد إلى بلوته، يقول بأسنان مطبقة دون أن يزيل السيجارة من بينهما :" دقيقتين ....إن لم تبدئي بالتحدث ستفقدين فرصتك معي"
قارن قوله بإبراز ساعته المعدنية ثم سحب السيجارة يدعك طرفها بغل قعر طبق الطفاية.
تحركت و كأنها تجلس على صفيح ساخن تتنحنح بخفوت في محاولات لتحدث دون جدوى , ضيق مقلتيه المظلمتين، يحاول كشف أفكارها المعذبة لها كما هو واضح فكان هو من استطرد مجددا، يسأل بفضول غمر أحشائه :"دعيني إذن أسأل أنا ... و أنت تجيبين "
أردف حين لمح اهتمامها من خلال سكونها على مقعدها فهي لم تنظر إليه منذ لقائه بها رغم اختفاء وجهها خلف الخمار الأسود حتى عينيها :" ما هي نوع القضية ؟"
تحدثت بخفوت التقطه فانتفض من مكانه كما انتفضت خلفه فزعا ،يصيح بغضب أسود أرعبها حتى عادت للارتعاد :" أعيدي ما قلته ؟"
أمسكت عنقها خوفا من فوق نسيج الخمار، فاقترب منها دون أن تتجرأ على التحرك خطوة واحدة، يعيد السؤال بهمس مغيظ، كفحيح ،أجبرها على النطق بنبرة مرتعشة، متقطعة ، أقرب لحشرجة أنفاس تعتصر حنجرتها ألماً :" قضية إثبات نسب ".
******************************
أجبر قدماه على التوقف للحظة لا لشيء سوى لتأمل تلك المتأنقة التي تقلب كيانه بمجرد ملمحها، كلما أهلت عليه بملامحها الصغيرة المبتسمة فتجسد لعينيه أجمل فتاة رآها في حياته أو هذا ما يُخيل إليه لكن كما هو مسلم به الكمال لله وحده، فهو خير من يعلم بخطتها التي مهما اقنع نفسه بمدى خبثها، يأبى قلبه الغبي أن يطيعه و ينعت حبيبته بسارقة رجال ،رجل واحد على وجه التحديد، رئيسه المحامي مصطفى ،صديقه الصدوق الذي يعتبره زميلا له في مكتبه ويعامله كشريك أكثر منه مجرد موظف ,تنفس بعمق ثم حرك رجليه محاولا تجاهلها لكن القلب اهتز من نبرة صوتها الرقيقة المتعمدة لتتلاعب بذلك الجزء الأحمق من رجولته وكم يغضبه معرفة ذلك :"الأستاذ مصطفى ينتظرك في مكتبه..... أستاذ أحمد"
إيماءة رأس تكاد تلمح، كانت كل ما نالت منه قبل ان يستأنف خطواته تجاه مكتب صديقه فإن كان قلبه احمق ويصدقه ذلك الجزء من رجولته فلازال لديه بقية باقية من عقل و حكمة, فليساعده الله إن تخليا عنه لصالح الأنوثة الطاغية، تستغل أسلحة فتاكة والأدهى أنها تعلم كيف تستغلها جيدا.
*مكتب قصي*
( يا الهي أليس هناك واحدة شريفة؟ ما هذه المصيبة يا ربي ؟ كنت أعلم بان اليوم أشدهم قساوة).... وجدانه تتقطع بسكاكين الظنون ،نارا مستعرة تأكل أحشائه دون رحمة , رفع كفيه و شد على رأسه بغل، أنفاسه تتلاحق باحثة عن متنفس من جحيم أحرقتها.
ساكنة مكانها لا تأتي بحركة، أفكارها تموج في عقلها، مشكّلة فوضى عارمة لم تحسب لغضبه حسابًا كان يجب أن تفهم قصد العم صادق حين حذرها، يقول ,اذهبي يا بنتي... إن استطعت إقناعه سياتي بحقك من فم الأسد.... لن يساعدك غيره، لم تصدق حظها و تحمست، كيف لا و قد وعدها انه سيتفهم وضعها ويتكفل بالقضية مجانا ثم أعاد جملته الأثيرة ,فقط إن استطعت اقناعه!
تهدل كتفاها بإحباط جلي ثم التفتت بهدوء تتجه نحو الباب الذي قبل أن تبلغه وقفت، تقول بنبرة أيقظته من جحيم أفكاره القاتلة لينظر إليها مجفلا، يستغرب متى ابتعدت عنه وأصبحت قرب المخرج :" آسفة سيدي ..... عمي صادق أرسلني و قال .."
:" العم صادق العلوي ؟"
هتف مقطبا بحيرة فأومأت، تضيف بنفس رزانتها ونبرتها الثقيلة :" أجل ...فهو شيخ حينا وهو من أرسلني إليك"
تحرك قصي عائدًا إلى مكتبه، يفكر أن العم صادق من بين القليلين من الناس، الذين شاءت الأقدار معرفته جيدا وهذا ما يحيره ويشعل من فتيل فضوله.
كيف له أن يبعث بتلك الفتاة المجسدة لكل شيئ يكره؟ بل يمقته! إلا اذا كانت ....رفع رأسه إليها بحدة كأنه اكتشف أمرا ما على حين غرة فأشار لها، يهتف بجدية و حزم.
:"عودي إلى مقعدك و ابدئي بسرد التفاصيل ولا تغفلي شيئا مهما ظننته تافها "
أذهلها تغيره المفاجئ ، فأسرعت بينما تسترجع تحذير العم وكلها تصميم على إقناعه ليس من أجلها ولا من أجل سمعتها لكن من أجل ولديها ..... أجل ...رفعت رأسها دون أن تنظر إليه فمن أجل توأمها، فلذات كبدها، مستعدة لخوض حرب شرسة .

بطة بطاطس likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 05:01 AM   #3

الفنانة مروة

نجم روايتي و كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية الفنانة مروة

? العضوٌ??? » 81687
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 5,812
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » الفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond reputeالفنانة مروة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بداية جميلة
موفقة ان شاء الله
لى عودة بعد قراءة الفصل الاول


الفنانة مروة غير متواجد حالياً  
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 04:21 PM   #4

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني

دقتين على الباب ودخل الى مكتب رئيسه مصطفى ،رحب به كالعادة ثم استغرقا في العمل بتناغم اتصفت به علاقتهما منذ ايام الدراسة .
"أحمد الزيان" اثنين و ثلاثون سنة ،ابن لعائلة متوسطة الحال، إن كان مستواه أفضل من قصي لكنه أبدا لم يصل لمستوى مصطفى، فقد كان الاخير ابن لأغنى العائلات في المدينة مع هذا لم يعتمد كليا على أموال عائلته ليفتح مكتبه للمحاماة، بل بجهده الشخصي و براعته في عمله , امتدت صداقتهما التي توطدت خلال الدراسة الجامعية إلى العمل و التدريب لدى نفس المحامي، ليقرر مصطفى افتتاح مكتبه الخاص وأول من طلب مساعدتهما كانا صديقيه، فكان أحدهما هو المقرب فعليا والذي وافق بسرور .
ما لم يتوقعه احمد، أن يقع في حب فتاة لا ترى سوى صديقه المتزوج من زميلة لهم، يحترمها بشدة وذلك كان من أسباب سخطه على الأمر برمته ،فزوجة مصطفى انسانة طيبة و محترمة، سيكون أكبر خطأ قد يقترفه صديقه إن هو خسر زوجته وهذا ما بات ينغص عليه حياته اليومية مؤخرا فكيف يتدخل ليمنع ما سلم به خاطره، أنه لابد سيحل عليهم بكارثة و قريبا جداً .
اقتحمت شاغلة أفكاره وقلبه اجتماعهما ، لتقدم البريد و أوراق أخرى تحتاج للتوقيع و المراجعة ، فلم تلاحظ كم الانزعاج على وجهي كلا الصديقين أو لاحظته و نال اعجاب غرورها لأن ابتسامتها المغوية لم تفارق ثغرها المثير و المتقنة زينته, ضغط أحمد على شفتيه بغل، يراقب ميوعة الفتاة أمامه ،تميل على رئيسه بجسدها تكاد تلتصق به بينما يبدو على الأخير متأثر رغم ادعائه العكس فهو خير من يعلمه وتلك القطرات من العرق التي يلمع بها جبينه في صباحهم البارد خير دليل , جز على أسنانه من عدم حيائها، فهتف دون قصد يجفلهما، فينظرا إليه، هو بحيرة متوجسة وهي بعبوس متسائل :" آنسة روان !"
تحدث مصطفى حين طال انتظاره صديقه الذي يبدو عليه الإجفال من نبرته الحادة أكثر منهما، يقول بحزم خص به الآنسة :"دعي الأوراق و عودي إلى مكتبكِ "
أطاعته على مضض، تتوعد الآخر بنظرات حارقة، آلمته في صميم أحشائه.
ابتسم مصطفى بتوتر لم يخفى عن صديقه، يستطرد بمرح فشل في ادعائه :"ما بك يا أحمد ؟ نبرتك أجفلت المسكينة"
:" مممم .... المسكينة"
نطقها بسخرية مريرة قطب لها صديقه بريبة لم يلقى لها جوابا حين عاد أحمد إلى استئناف عملهما، يجيبه بتجاهل بارد :" دعنا نكمل عملنا أريد اللحاق بالجلسة في موعدها"
********************************
:" اسمي ....ولاء أبو غالب..... أربعة و عشرون سنة ....الشهادة الوحيدة التي تحصلت عليها و بمشقة ... كانت شهادة الثانوية "
وضع قبضته أسفل ذقنه العريضة، يرمقها بتمعن، ينصت لتلك النبرة الثقيلة الهادئة والمشبعة بالمرارة والحزن.
:"لدي أخت و أخ أصغر مني.. والدي رغم تقواه و صلاحه إلا أن كلاليب الدنيا نالت بمخاليبها السامة من أحشائه دون رحمة "
أومأت سلبا تستطرد بشفقة، التمسها في صوتها الذي بدت عليه بعض من الرقة :" أنا لا ألومه .... لقد تكبد من المشقة و الهموم ما فاضت به جعبته السخية "
تدخل قاطعا استرسالها الساهم، يقول بجمود حاقد لم تلاحظه فهي لم تنظر إلى مقلتيه قبلا :"ما دور والدك في ما حدث لكِ ؟"
صمتت لبرهة قبل ان تجيب بأسف :" هو من أجبرني على الزواج فالرجل ميسور .. و لم يكن ليرده"
ابتسم بسخرية، يعقب كمن يُقِر امراً مسلما به :" و هذا الرجل الميسور متزوج و الزوجة الأولى طبعا لن تمنحه الرضى و الموافقة .... لذلك ..."
مطط شفتيه، يتعمق في تهكمه الساخر فلم تكن الأولى و لن تكون الأخيرة بالطبع :" لذلك تزوجك زواج فاتحة حتى تنجبا ... فتستغلا القانون الذي يوجب توثيق الزواج من أجل تسجيل الاطفال رغم اعتراض ورفض الزوجة الأولى... السؤال الآن هو...."
تنهد بنفس سخريته، يستطرد بمقلتين ناعستين دون أن يزحزح قبضته من تحت ذقنه النامية :" ما الذي حدث وجعل الرجل الميسور يتنكر لولده ؟"
تلكأت تفرك كفيها ببعضهما توترا أمام أنظاره المراقبة بمزيج من المشاعر المتضاربة، مانحا لنفسه قبلها وقتا ليستجمعا أفكارهما فترد بنبرة خانتها فخرجت ترتعش.
:" زوجي اختفى "
استقام في جلسته، يهتف مقطبا :" كيف ؟"
:"لا أعلم ..... حين أخبرته انني حامل لم يظهر سرورا واضحا لكن أيضا لم يكن معترضاً و طمأنني أن كل شيء سيكون بخير .... لكنه اختفى بعد شهرين .... انتظرت و انتظرت ... مرت شهور حملي و بعدها ولادتي ولم يظهر "
سأل بجدية حازمة :" ألا تعلمين عنه شيئا ... لتبحثي عنه ؟"
:" لا ..."
كان ردا مختصرا ،يخفي الكثير لكنه لم يستسلم :" من أين تعرف عليه والدكِ ؟"
ردت بتمتمة و تلك الرعشة البائسة تتمكن منها.
:" في عمله فهو حارس لمزرعة من مزارعه و قبل أن تسأل .... لقد تقصى عنه خفية لكن دون نتيجة و أنا أخشى على ولداي"
انتفض من جديد، يهتف بدهشة :" ولدان ؟"
هزت رأسها، تجيب بانهزام و خوف وشيء من الرقة والحنو.
:" أجل .... أنا أنجبت توأم صبيان "
همس بنبرة ساهمة، مشوبة بحسرة وشيء من الحزن :" سبحان الله, ما شاء الله"
استفسرت فهي لم تسمعه جيدا فتحدث متجاهلا، يستعيد نبرته المهنية :"اعطني اسمه ....و بياناتك سأرى ما يمكنني فعله "
عادت تهز رأسها ،لا تصدق حظها، تهتف بتفاؤل :"اذن ستتكلف بقضيتي ؟"
شخر بسخط يقول :"و هل لدي خيار؟ فقط من أجل حقوق الصبيان.. و بلغي سلامي للعم صادق "
*****************************
مساء .
ولج مصطفى إلى بيته منهكاً، يبتغي حماماً ساخنا ولقمة دافئة ليأوي إلى فراشه بسرعة لولا رغبة أخرى أشعلتها أنثى غير زوجته، يريد أن يطفئها في لحظتها.
تناهى إلى أسماعه أصواتا فابتسم بحنو يتجه الى مصدرها، لتتسع تلك البسمة حين لمح الصغيرة تلهو ببطاقات مصورة عليها بعض الحيوانات تريها لشقيقها الرضيع، تهتف بأسمائها بمرح يُضحك الأخير ووالدتهما تراقبهما ببهجة رغم آثار التعب على قسماتها :" بابا !"
نطقتها الصغيرة بسرور و هي تقوم إليه بلهفة، يتلقفها رافعا إياها إلى الأعلى فتعلو ضحكاتها البريئة، تبتها أخيرا ليقبلها على وجنتها والتفت الى زوجته الباسمة، تقرب منه الرضيع الذي غار من أخته لينال نصيبه من دلال والده :"مساء الخير حبيبي "
:" مساء الخير "
تلقى قبلتها ببسمة راغبة وإن خاب القليل من رجائه حين قارن وعيه الباطني بينها وبين مساعدته.
أعادت الرضيع، تستطرد قائلة :" غير ثيابك و انتعش ..... سأجهز العشاء على المائدة "

هز رأسه بخفة وانصرف مع احساسه بالقناعة يندثر كل يوم عن سابقه...التحق بأسرته على المائدة وبين مناغشته لصغاره ظل يسرق بعض النظرات إلى زوجته يتأمل هيئتها التي تغيرت كثيرا بعد الولادة لمرتين، لا يعلم متى أو كيف أصبحت ربة بيت تقليدية، لا تشبه تلك الفتاة التي أفقدته عقله و خطفت قلبه منذ أن رآها في الجامعة فخرّ قلبه مستسلما لجمالها و قوة شخصيتها فما الذي حدث حتى أصبح يشعر بنقص يبحث عن ملئه ....أجفل على ابتسامتها تستفسر بمقلتيها البنيتين عن سر تفرسه فيها فهمس يغمزها بتسلية، يداري بها تأنيب ضميره ": سأنتظرك إلى أن تضعي الصغار في الفراش ..... لا تتأخري علي "
:" مصطفى !"
نطقتها هدى بعتاب مازح فرفر برموشه ببراءة زائفة بينما يغادر المائدة.
آوى الى فراشه ينتظرها، يزفر بحدة حين طال انتظاره حتى انه كاد يلحق بها إلى غرفة أولاده لكن تعبه حال دون ذلك الى أن غفى بعد برهة ...... لمسات حانية أيقظته من نومه العميق وهمس رقيق يصحبه قبلات مثيرة تغلبت على تعبه وأعادت إشعال مشاعره :" حبيبي هل تأخرت عليك ؟ آسفة لكن الصغير أتعبني قليلا قبل أن ينام ....فهاودته كي لا يزعج راحتك ..."
استجاب لها برغبة شديدة وحب يكنه لأنثاه مهما تغلبت عليه شياطينه، ليتذكر تلك العاطفة الصادقة التي تكونت بينهما على مر الزمن والحياة المتشاركة بينهما .
***********************************
استنفذ جميع العلل بغية التأخر عن الإيواء الى بيته، لطالما تحجج بكل الأعمال ليقوم بها ،إن كان عن نفسه أو عن زملائه فقط كي لا يعود الى بيته أو إلى جحيمه الذي لا مفر منه، لكنه في النهاية لابد له من العودة.
تسلل بخفة علّ القدر يسعفه بحظ جيد فيلجأ الى غرفته رأسا، إلا أنه زفر مسدلا جفنيه بيأس حين تلقى الخنجر الأول من والدته المتخصرة بجانب دفة باب غرفتها :" يا مرحبا بالابن العتيد ...فخر قلبي و سلالتي ..... الحاضر الغائب "
التفت إلى والدته، مستغربا شيئاً ما في انتظارها الغير معتاد إلا إذا كان! ...عاود إغماض عينيه لاعنا حظه البائس حين تلقى الخنجر الثاني من زوجته الخارجة من غرفتهما، تهتف بنزق ساخر :" لمَ لا تدعيه يتنفس قليلا ..... اللهم احفظنا "
الأكيد أنها لم تكن تدافع عنه بل هو كَيْد بوالدته وحين تستفرد به ستُجهز عليه بباقي سمومها هي الأخرى. وعى من أفكاره الصامتة، على هتاف والدته الغاضب.
:" لا تتدخلي أيتها الحرباء ..... أنا لا أعلم كيف صبر عليكِ و لم يرى وجهك القبيح ؟"
:" أنا قبيحة ...يا أم الشؤم بذاته... يا ..."
:" كفى !"
صاح بها بلوعة وألم، يستدير بجسده مستطردا عصبية مشتعلة ...
:"تعبت .... أقسم بالله تعبت لا أعلم كيف أرضيك يا أمي أما أنت ...فالقبح قد تبرأ من أمثالك منذ زمن "
مسح على وجهه، يستطرد بغل ساخط وهو مغادر:" أنا راحل كي تستريحا مني أولست أنا خروفكما الأسود هنا؟... هنيئا لكما بالبيت وكل شيء.... الوداع "
رحل تاركا إياهما فاغرتين فمهما بصدمة ،لا يدري إلى أي أرض يلجأ.
لم يكد ينهي خطوتين خارج البناية حتى تجمدت خطوته باحثا عن مصدر الصوت النسائي الرقيق، ينادي عليه بخفوت متردد.
وجدها تحت أحد المصابيح العمومية، فتلكأ لحظة كي يتأكد منها ليجدها تقترب منه باسمة، قطب حاجبيه بحيرة يتأملها، فتاة راشدة في أواسط الثلاثين تقريبا، جسمها ممتلئ نوعا ما محجبة وجهها بيضوي بملامح لم يتبينها جيدا مع أنها تبدو مألوفة له :" السلام عليكم ....أنا إخلاص... أختك "
نسي أمر عبوسه الدائم، لتتحول ملامحه إلى دهشة يتذكر فجأة اين رآها فهي الوحيدة التي صافحته بترحاب صادق في تلك الزيارة اليتيمة لما يدعونه بيت والده، ترحاب التمسه في حرارة مصافحتها لكن توتره وكرهه لوجوده هناك أفقده تركيزه فلم يهتم بما قالته :" أنت تذكرني ....أليس كذلك ؟"
رمش بضع مرات يستعيد برودته المعتادة، فأومأ بخفة يسأل بنبرة أجفلتها ليشعر أول مرة بندم حقيقي سريعا ما وأده، فوضعه المزري لا يحتاج لهم آخر على همومه المتراكمة :"ماذا تفعلين هنا ؟"
ردت بحزن و ندم، لاح على قسماتها التي بدأت تتضح له
:"أنا آسفة إن أزعجتك .... عن اذنك "
استدارت مغادرة ليمسك بذراعها، يهتف بانزعاج :" انتظري لقد سألتك سؤالا ....و انتظر له جوابا "
هي ثانية خاطفة قبل أن تتسع مقلتيه صدمة حين ارتمت على صدره تبكي بحرقة، تشكي بهمها على من ظنت أنه حلها الأخير بعدما استنفذت سائر حيلها :" أنا هربت من والدتي و اخوتي يريدون تزويجي ... يقولون أنني كبرت وصرت بائرة و لن ينظر إليّ رجل سَوي "
أبعدها قليلا ليستعيد تركيزه الذي شتته أخته بتلك المشاعر الحميمية التي لم يعتد عليها، يسأل بريبة و تردد :"ما به هذا الذي يريدون تزويجكِ له ؟"
زاد نحيبها بطفولية تناسب ملامحها المكتنزة، تهتف بحرقة :" كبير في السن ومتزوج من امرأتين .... إنه معروف بسوء سمعته ....لكنه غني لذا أقنعت أمي أخي نعيم ليجبرني على الزواج منه مع أنه لم يكن موافقا في البداية .... أرجوك أخي لا أمل لي بعد الله إلا انت .... فباقي اخوتي قد تربوا على الحقد لا يهمهم مصيري ...بل منهم من سيشمت بي"
أمسكت ذراعيه مستنجدة بمقلتين سوداوين كبيرتين، اكتشف مدى براءتهما خصوصا حين يتعلق الدمع برموشهما :" أنت مختلف عنهم ....قلبي ينبئني بذلك .... أرجوك ساعدني أخي أفضل الموت على تكرار فعلة والدتي أنا لم أعش احساس الأبوة وكانت حياتنا جحيما بين نزاع الضرائر و خططتهن الحاقدة"
لم تعلم أن تلك الجملة الأخيرة كفيلة بأن يرمي نفسه في البحر من أجلها، فقد لمست أسوء كوابيسه دون أن تدري أم أنها حقا تفعل! رفع يده بارتباك ولمس ذراعها، يقول بهدوء و إن كان به بعض الحزم .
:" اهدئي ..... لا تبكي "
مسحت دموعها بأصابعها بشكل طفولي أوشك على اضحاكه في قعر جحيمه، تهتف بسرور و كأنها لم تكن تبكي قبل دقيقة :"هل ستساعدني أخي ؟ لن تعيدني إليهم ؟"
ضم شفتيه يفكر في ما سيفعله، يرمي البناية خلفه بحيرة وقلة حيلة والأخرى تنتظر جوابه و كأنه سيف على رقبتها.
التفت إليها، يومئ بسلب فضحكت تضمه شاكرة لتبتعد حين سمعت رنين هاتفه الملح، التقطه كطوق نجاة يمده بالقليل من الوقت، للتفكير بعيدا عن بلوته الجديدة وليته لم يجب، إذ أن الأمر يخص بلوة أخرى، تحديدا صاحبة القضية ...صاح قبل أن يغلق هاتفه بينما يسحب شقيقته خلفه ليوقف سيارة أجرة :" أنا قادم عم صادق .... حالا"
*******************************
تريد سؤاله لكنها خائفة، منذ تلقيه للمكالمة و هو في حالة لا تختلف عن التي وجدته عليها حين لمحته يخرج من البناية ليقفز قلبها براحة فهي قد انتظرت أسفلها دون أن تتجرأ على الصعود لا تدري لما جبنت في آخر لحظة ،هل هو الخوف من خيبة أخرى تضيفها لمسلسل حياتها البائس ؟ و هذه المرة ستكلفها ثمنا باهضاً، إن هي عادت إليهم مهزومة وحيدة لكن الله لم يخيب سعيها ويبدو أن أخوها الغريب هذا سيحميها ويساند قرارها فقط لو تعلم ما به ؟ و لمَ لم يدعوها إلى بيته ؟ وأين هو ذاهب ؟.
ترجل من سيارة الأجرة، طالبا من سائقها انتظاره كما طلب منها هي الأخرى مع أنه تلكأ قليلا غير متأكد من تركها في السيارة قبل أن يقرر أخيرا أن يذهب.
حرك رجليه في خطوات واسعة، يلعن يومه ذاك الذي أقسم على عدم الانقضاء، متوجها الى بيت العم صادق، فكره كله حول تلك البائسة التي أوقعت نفسها بين الثعالب دون أن تعي على حجم مصيبتها لمحه منتظرا على باب بيته، جالسا على مقعده الشهير الذي لا يتزحزح من على مكانه ...عرشه المتواضع ...عليه يقضي و يصلح بين أهل حيه.
زوى قصي بين حاجبيه الأسودين حين قابله الآخر بوجه لا يفسر، يعاجله بالهتاف قلقا :" الحمد لله انك أتيت يا بني لم أعلم ماذا أفعل ....الفتاة في خطر"
صدق حدسه ، يربت على كتف العجوز، قائلا بهوادة :" اهدأ عم صادق ..... و فسر لي كي أفهم "
تنفس العجوز بعمق يتماسك قليلا ثم عاد يجلس على مقعده، ساحبا إياه كي يجلس أمامه يقول :" ولاء ..... كان هناك رجلان يبحثان عنها....الشباب المكلف بمراقبة الحي أسرعوا إلي كي يخبروني بعد أن تركوا أحدهم ليماطل دخولهما.... فأمرتهم أن يستفسروا عن نيتهما وكما ظننت كانا عدوانيين هددا و توعدا من يخفيها عنهما سيندم أشد الندم و أنها مطلوبة لدى جهات عليا في الدولة كنت قد بعثت بمن يخفيها في بيتي هي و أبناءها .... فبحثا في بيت أبيها ثم انصرفا حين لم يجدا لها أثر ...لكن يا بني هي مسألة وقت و سيجدانها إن هي بقيت في الحي"
مسح قصي على وجهه، ها هي بلوة أخرى ألقيت على عاتقه فجأة فلماذا يكلف نفسه ما لا تطيق، ألا تكفيه مشاكله كي يزيد عليها أخرى ؟ لكنه الواجب و العمل لن يدعها فريسة لأنياب ضباع لا ترحم لمجرد أنها ضحية لا يد لها في زيجة هي الوحيدة فيها الخاسرة "
:" زوجها ليس بهين والأدهى هم أنسبائهم تلك الزيجة لم تكن في محلها يا عم صادق .... و الآن هي الخاسرة الوحيدة"
نظر اليه باستجداء مشفق، يقول بحسرة و قلة حيلة :" إنها فتاة جيدة لكن الظروف لم ترحمها لقد قاومت ورفضت لكن القدر كان أقوى منها ماذا أفعل بني؟... شُر علي من خلال تجربتك"
آثر الصمت ليمنح عقله وقت لا يملكه كي يفكر مع أن باطنه يعلم جيدا ماذا يجب عليه أن يفعل! إنه القدر كما قال العم و سيتبعه على طريقه الذي خطّه الى نهايته، إن لم يكنا الصغيران يستحقان، فمن يستحق؟ لذا ملأ رئتيه بالهواء البارد الذي نسي أمره وغفل عن شعوره به من كم همومه، يقول بحزم جاد :"أجلبها يا عم صادق ولا تخف ..... يفعل الله ما يريد"

بطة بطاطس likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 04:42 PM   #5

روجا جيجي

? العضوٌ??? » 371410
?  التسِجيلٌ » Apr 2016
? مشَارَ?اتْي » 554
?  نُقآطِيْ » روجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond reputeروجا جيجي has a reputation beyond repute
افتراضي

متميزه كالعاده
بدايه مشوقه جداً لروائع واضح انك عايزاه تناقشى فيها مواضيع مهمه الاخلاص فى الزواج وهل يكفى الحب لاخلاص الزوج مع كل الضغوطات وخصوصاً من وجود نساء تسعى للاستيلاء عليه ده فى مرحله مصطفى
وبعدين نتيجه الراجل المزواج وتاثيره على نفسيه زوجاته وبتنعكس على الاولاد
والاولاد من امهات مختلفين وده بيأدى لحقد بينهم
بالتوفيق يا حميله


روجا جيجي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 07:34 PM   #6

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث

أصيبت بهلع حين قرر تركها في سيارة الأجرة، تنهال عليها التساؤلات ...هل سيتركها هناك ؟هل غادر و لن يعود ؟ نفت لنفسها الأمر الغير مقبول فهو مهما كان رجل حر وأخوها، لن يتركها في سيارة مع رجل غريب في منتصف الليل, بدأ الخوف بالتسلل إلى صدرها ،تراقب السائق بحذر، أطرافها متأهبة لأي حركة غدر، لينفتح الباب على حين غرة تسببت بإجفالها واهتزاز بدنها خوفا، تبعه أمانا حين أهلّ عليها يسألها بوجه عابس، إن كانت بخير! أومأت بتوتر فعاد إلى الخلف ثم سلمها رضيع لم يكمل شهره الثالث بعد، أمسكته بدهشة مستغربة، تنظر إليه بريبة وصلت مداها حين ركبت فتاة تغطي وجهها، تحضن رضيعا آخر بين يديها بجانبها ألقت عليها السلام بخفوت مرتعش فردت عليها بنفس الهمس حيرة من كل ما يجري، لتنطلق السيارة إلى عنوان آخر كان الحل الوحيد الذي فكر به قصي الشرقي، للانزواء بعيدا عن الأعين وهناك سيتمكن من التفكير والتخطيط جيدا فالمشاكل ترف عليه من كل جهة لا تمهله وقتا ولا مساحة ليتنفس وهو الآن في مأزق حقيقي بين فتاتين كلتاهما ستلقيان به إلى جحيم مستعر .
:"مسعد ..... مسعد ...هيا إلى النوم "
اتسعت بسمة مسعد الحانية بينما يلتقط ديل شعر ابنته بمرح، يقول مازحا.
:" احترميني يا فتاة ...و ناديني أبي ولو مرة واحدة "
علت ضحكة الفتاة ذات العشر سنوات دون أن تحاول فكاك شعرها من بين يدي والدها الضاحك مما سبب في إيقاظ والدته المسنة من غفوتها على أريكة غرفة الجلوس، تهتف بسخط مزعوم :"احترم نومي أولا يا ولد عندها طالب هذه الشقية باحترامك ....لا يحظى الواحد بهدوء قربكما... يا لطيف لطفك يا رب .."
قام إليها، يقبل رأسها بمحبة خالصة لتحدو الصغيرة حدو أبيها الذي رد بلطف :"لا عاش و لا كان من يقلل من احترامك امي ..... أنت تاج متوج فوق رأسي "
طوقت والدته الصغيرة، تقبلها على وجنتها بحب، تهم بالرد ليقاطع مرحهم جرس البيت، مثيرا تساؤلات عدة حول من يكون هذا الضيف الذي حل عليهم في منتصف الليل.
فتح مسعد الباب بعد أن تعرف على صديقه عبر العين السحرية، يهتف مقطبا بقلق :" قصي ....ما بك يا رجل ؟ هل كل شيء بخير؟"
حك قصي جبهته بارتباك ،يتمتم :"أ.... نا .... مسعد... أ"
تتبع نظراته المريبة ليلمح فتاتين كل منهما تحمل شيئا ما بين يديها فعاد إلى صديقه، يسأل بريبة و حيرة :" قصي .... من هما ؟ أخبرني ...لا تستحي"
ربت على كتفه، يجيب بخفوت متردد :" هلا أدخلتنا بيتك ؟و سأفسر لك كل شيء... احدى الفتاتين أختي قصدتني في خدمة و لم أستطع ردها و الأخرى موكلتي "
اتسعت مقلتي مسعد بدهشة، فأومأ قصي يعيد كلماته المقتضبة :"سأشرح لك ...."
:" تفضلوا .... أنا آسف .... البيت بيتك صديقي "
قرن قوله بفعله، يسحبه داخلا ونادى على ابنته، يطلب منها ادخال النساء إلى حجرة الجلوس حيث ترك والدته .
******************************
ارتشف آخر قطرة من فنجان القهوة، ينهي حديثه المسترسل عن كل ما حدث فهز مسعد رأسه بأسف يرد :" يا لها من ورطة .... و ماذا ستفعل ؟"
وضع الفنجان أمامه، قائلا برجاء لا يخص به سوى صديقه بل أخوه مسعد
:" فكرت فيك مباشرة... في بيتك بالمدينة الساحلية فقط لأيام حتى أسوي جميع الأوضاع.... أعلم أن هذا يعني توريطك و..."
:" ماذا تقول يا رجل .... أنت أخي و ما يخصك يخصني لكن يجب أن تكون حذرا إنهم ثلاث أرواح يا قصي ....و أولئك الناس ليسوا بهينين "
نطق مسعد باهتمام صادق لم يره في أحد قبله لذا كان الوحيد الذي أفلح في ملأ خانة كأخ لديه، يجيبه بقلة حيلة :" لا مفر من القدر كما يقولون و أنا لن أترك حق التوأم يضيع ....و أنت خير من يعلم لما ؟"
:" طبعا أفهمك .... لكن مالم أفهمه بما أن ذلك الرجل تزوجها زواج فاتحة لحين انجابها لأنه لم يحصل على موافقة رسمية من زوجته الأولى حسب القوانين في بلدنا .... فيوثق زواجه الثاني .... لماذا اختفى بعد تحقق المطلوب ؟ فبإنجابهما يستطيعان توثيق الزواج دون معرفة الأولى من أجل النسب "
أومأ بسهو يقلب الأفكار في رأسه وقصي يرد بحيرة :" و هذا ما ينبئني بقرب خطر ما ....ومع الأحداث الأخيرة"
لم يجاريه مسعد مستغرقا في تفكيره، فاستطرد باهتمام :"ما بك يا مسعد ؟ في ما تفكر ؟"
:" أنت ستهتم بإخفاء الفتاة وأولادها ....لكن تولي قضيتها لن تقوم بها بالشكل المضبوط لذا أنا افكر في الشخص المناسب.. شخص لن يهمه مكانة الخصم .... و لن يصلوا من خلاله اليهم أثناء الدعوى القضائية "
:" من تقصد يا مسعد ؟"
سأل قصي بتوجس ليرد مسعد قائلا بجدية مقنعة :" الاستاذ مصطفى القاسم"
رددها قصي بذهن شارد:" مصطفى القاسم ؟!"
*********************************
جلسن يتناظرن فيما بينهن بغرابة، لتكون أول من قطعت السكون القاتل بينهن أم مسعد، تسأل بحيرة وإن طغى عليها لطفها المعتاد بينما تتأمل الصغيرين بين أيدي الفتاتين :"هل أنتن من معارف قصي صديق ولدي؟"
هتفت إخلاص بسرور متباهي :" أجل .... أنا أخته "
ابتسمن على إثر ابتسامتها الصادقة وام مسعد تتشجع أكثر لتستزيد بفضول :" و أنت بنيتي لمَ لا ترفعين النقاب من على وجهك ؟ ابني لن يدخل علينا دون استئذان لا تخشي شيئا .... هل أنت زوجته ؟ إذن الولدان لك أنت بنيتي اخلاص؟ ما شاء الله"
:" لا"
هتفت إخلاص بجزع، فاستدركت أم مسعد مفسرة بإحراج :" ما أعلم به ..... أن قصي لم ينجب أولادا بعد وزوجته تغطي وجهها أيضا.."
تركزت الأنظار على ولاء حتى الفتاة الصغيرة نسيت أمر النوم و غلبها فضولها، لتتعرف على الضيوف الغرباء و الآتون في وقت أغرب .
لم تجد بُدّا من رفع النقاب من على وجهها، فهي آجلا أو عاجلا يجب أن تفسر و تعلل.
نطقت اخلاص بسهو مبهورة بملامح الفتاة :"أنت جميلة جدا سبحان الله ... ما شاء الله"
تدخلت أم مسعد، تقول بريبة :" أنت لا تعرفينها ؟"
صمتت اخلاص بتوتر فردت ولاء و هي ترمي الأولى بنظرات استعطاف كي تساير حديثها ولم تخيبها حين بدأت تومئ مؤكدة على كلماتها.
:أنا واقعة في مشكلة والأستاذ قصي قرر مساعدتي لكن طبعا لا يمكنه التواجد معي لوحدنا لذا ترافقنا أخته "
هزت السيدة رأسها مبتسمة، ترد بحنو :" قصي خير من يعلم بالأصول أسأل الله أن يفك كربك و يفرج همك بنيتي .... لا تقلقي إن بعد العسر يسرا والله كبير"
لمحت إخلاص الفتاة الصغيرة، تتثاءب بتعب على المقعد بجانبها فسحبتها برقة بعد ان وضعت الرضيع النائم على الجانب الآخر، تهمس لها بمرح :"لمَ الجميلة لم تنم بعد ؟ أليس لديك مدرسة في الغد؟"
أومأت الصغيرة بمقلتين ناعستين فاستطردت إخلاص باسمة و هي تعدل رأس الأولى على حجرها، تتلمس خصلاتها الناعمة بحنان :" نامي صغيرتي .... و لا تحملي هما لأي شيء نامي يا جميلة"
لم تدرك إخلاص أن ولاء ترمقها بإعجاب والسيدة بتقدير وحكمة تشكلت في رأسها و أرجأتها لوقت لاحق .
*************************************
:"هل تظن أن مصطفى سيقبل بتوريط نفسه مع اولئك ؟"
أجابه مسعد بتصميم بينما يقوم من مكانه :" لن يساعدنا غيره سأكلمه في الموضوع غدا بإذن الله .... المهم الآن سأحضر لك مفتاح السيارة و المنزل .... يجب أن تسافر حالا لن نغامر بمزيد من الوقت ... شريحة هاتفك أتلفها وكلمني من هاتف عمومي مختلف كل مرة "
صافحه بود، قائلا بامتنان :" شكرا لك صديقي .... أنت ..."
:" لا تشكرني على الواجب, اعتني فقط بنفسك الحمد لله أن البيت ليس باسمي إذا فرضنا أنهم سيصلون إلينا اما السيارة أخفها و لا تتحرك بها أبدا"
خرجا من الصالون المفضي مباشرة إلى البهو الصغير قرب مخرج البيت وتوجه مسعد إلى غرفة الجلوس، مستأذنا لينادي عليهن على بعد مسافة من مدخله.
أخفت ولاء وجهها بسرعة وهمت إخلاص بالوقوف لكن أم مسعد ابتسمت بمكر تطلب منها عدم القيام حتى يحمل مسعد ابنته إلى غرفتها وكذلك فعل الأخير مستغربا من موقف والدته دون أن يستطيع منع فضوله من إلقاء نظرة خاطفة على من أخبره قصي أنها أخته لولا حياءها الذي أجبرها على الإطراق برأسها.
حمل صغيرته بتوتر فانزلقت كتفها وانتفضت إخلاص من مكانها تهتف بينما تمسك بها :"انتبه !"
في نفس اللحظة التي هتفت فيها، رفعت رأسها إليه ليلتقي بأوسع مقلتين مظلمتين قد رآهما في حياته، وعى على نفسه حين قامت منسحبة بعد أن تأكدت من حمله لابنته جيدا ثم تبعتها والدته مبتسمة بانتصار، تمنح لأحلامها الإذن بالجموح ؛
كان الطريق بالنسبة إليهم راحة نفسية بحثت عنها أنفسهم و الصمت مرافقهم، سوى حين تتبادل الفتاتان الرضيعين من أجل إطعامهما، لم يتحدث أو يطلب أي منهم استفسارا مستسلمين للصمت.
أشار لهما لمرافق الشقة، طالبا منهما تدبر امرهما بشأن غرفتي النوم فأخبرته اخلاص أنها مستعدة لمشاركة ولاء غرفة واحدة كي تساعدها في التوأم و كي يستأثر هو بالغرفة الأخرى تفاديا للإحراج فوافق شاكرا حين أدلت هي بموافقتها، ممتنة للفتاة الطيبة النية و المعشر.
عاد ليخفي السيارة ثم منح هاتفه نظرة متفحصة قبل أن يتلف الشريحة فوجد اتصالات كثيرة من والدته، تنفس بعمق ثم راسلها أن لا تخشى شيئا وأن المال سيصلها كل أسبوع ثم سحب الشريحة وأتلفها ليعود إلى غرفته ملقيا بنفسه على السرير الفردي، فلم تستطع جميع همومه أن تبقي مقلتيه مفتوحة بعد ، واستغرق في نوم عميق .
***************************************
*صباحا .... مكتب الدكتور مصطفى*
:"هذا هو الموضوع أستاذ مصطفى ...قصي في حاجة إلينا و أنا أعلم مدى احترامك له "
هز رأسه موافقا، يرد بجدية وبعض من الحزم :" لطالما اعجبت برجولته... شخص آخر كان ليبعد نفسه عن حرب ليست له و عن المشاكل... لا تخف سيد مسعد سأبدأ في الإجراءات اليوم بإذن الله و حينها سيظهر الزوج أينما كان"
قام مسعد باسما براحة يصافحه بامتنان، يقول وهو مغادر :" أنا ممتن لك... لنبقى على تواصل لأني سأعمل معك على القضية و أمدك بكل التفاصيل... السلام عليكم"
غادر مسعد بنفس مطمئنة شيئا ما، مع أن القلق ينهش من خلايا عقله فقصي لم يكلمه بعد ليريح باله على نفسه وعلى صاحبة المقلتين المظلمتين التي شغلت باله طوال الساعات الباقية من ليليته السابقة... لم يفكر في امرأة بعد زوجته المتوفاة ولم يستجب لوالدته في وجوب زواجه مرة أخرى حتى من أجل فتاته الصغيرة بل كرس وقته كله لهما، ابنته و والدته بالإضافة إلى العم.
تعود على ذلك و كان مقررا إكمال حياته بنفس الطريقة لكن اخت قصي حركت فيه شيئا ما يعرفه جيدا ولا يظن أنه قد يتجاهله خصوصا حين يتذكر خوفها على ابنته كما مبادئها من خلال ما قصه صديقه عليه بشأنها، يشعر أنها مناسبة جدا لظروفه ......و لقلبه .
***************************************
سبقها عطرها كما العادة يزكم أنفه، ليبدأ عذاب تخبط أفكاره، مالت عليه بتعمد ظاهر، يزداد إصرارا كلما تجاهل الأمر و لم يعقب فتلتمس أملا لما تمنته مذ وقعت عينها عليه لتنصبه صيدا ثمينا لابد و أن يقع في فخها لكنه قاوم بضراوة و لم تكن هي بالصياد السهل بل تحلت بالصبر والنفس الطويل جدا وها هي أخيرا تشعر بقرب وقوع الفريسة بين يديها لتتمتع بنصرها الزائف.
:"أستاذ مصطفى ؟"
:" مممم !"
نطقتها بدلال كتم أنفاسه فلم يصدر منه سوى همهمة كرد مقتضب، التفتت إليه دون أن تبتعد لتتأكد من تأثيرها عليه ثم استطردت بنفس دلالها :"لي صديقة استشارتني في أمر خاص و كنت أريد التأكد من صحة رأي قبل أن أخبرها به"
رفع رأسه إليها و يا ليته لم يفعل! فقد تاه في ملامحها الصغيرة البيضاء المتقنة زينتها وتلك الشفتين تتلويان بطريقة مغرية أوشكت على إفقاده اتزان عقله بهما، تردف ببسمة أخفت منها ما يعبر عن ظفرها.
:" قررت الزواج من رجل تحبه جدا ، جدا و الحقيقة هو يستحق جدا،،، جدا .."
تنحنح ينطق بتلبك واضح، جبينه العريضة تتفصد بالعرق في صباحهم البارد ذاك.
:" ه....ل تر....يدين ....أن أتقصى عن الرجل من أجل صديقتك؟"
وضعت يدها على مسند المقعد خلفه، لتتمكن من الانحناء عليه والاقتراب منه أكثر، ترد بكل رقة تعلمت إضفاءها على نبرتها الأنثوية.
:" أخبرتك .... الرجل يستحق جدا ،،، جدا... المشكلة أنه متزوج و لديه أبناء"
و كأنه أجفل لكنه سأل على أي حال لا يعلم حتى لما :"و ما رأيك أنت ؟"
ابتسمت ترفرف برموشها البنية ، ترد بغنج :" إنه رجل جيد جدا،، جدا.... و تحبه جدا ،،،جدا ......جدا "
ظلت على حالها لبرهة، تلفحه أنفاسها الساخنة العطرة قبل أن تنتفض بادعاء تستقيم واقفة، تكمل بدهاء خبيث.
:"لمَ لا تتزوجه اذن ؟ خصوصا أنه انسان مقتدر و يستطيع فتح بيتين و العدل بينهما .... كما أن الزوجة الأولى و أبناؤها حقوقهم محفوظة "
مطط شفتيه بتقبل وكأنه يفكر في أمر ما ثم قال :
"أنت محقة إذا كان الأمر كذلك و برضى جميع الأطراف.... فلا مشكلة في الموضوع "
لملمت الأوراق من أمامه والتفتت منسحبة بعد أن تأكدت من اشباع غرور رجولته مرة أخيرة بينما تدنو منه، تشكره بدلال، تلته بسمة نصر و ظفر، لم يرها..... كيف يراها ؟ و قد شغلت فكره بأمر وضع له الأساس في عقله ولا يلزمه الكثير من الوقت ليقتنع به .
***********************************
أيقظته رائحة القهوة ففتح مقلتيه بتمهل ينظر حوله، تعرف على مكان وجوده ولم يستغرق كثيرا من الوقت حتى استرجع جميع ذكرياته.
قام جالسا، يتأمل الجدران الزهرية كما الخزانة الصغيرة فعلم أنها غرفة ابنة مسعد بسريرها الفردي أيضا صغير.
عادت رائحة القهوة اللذيذة تدغدغ أنفه، فاستقام واقف، يتجه الى مصدرها.
فتح باب غرفته فتذكر موكلته لذا تسمر مكانه و نادى على اخته التي أتته مهرولة، تقول بملامح بشوشة.
:"صباح الخير أخي .... هل ارتحت قليلا ؟"
هز رأسه بتوتر، لم يعتد الاهتمام حتى من والدته، يجيب.
:" ش....كرا.... أنا ....كنت ... أين آآآ ؟"
اتسعت بسمة اخلاص، ترد عليه :"ولاء أفطرت باكرا و هي الآن في الغرفة مع الصبيين .... كي تمنحك حرية الانتعاش و الافطار انها فتاة طيبة ....أحببتها و ولديها جدا "
أومأ متوجها الى الحمام دون أن يتنازل عن تجهم ملامحه، لكنه توقف من جديد، يسأل بإدراك مفاجئ.
:"أين وجدتما طعام الافطار؟"
ردت بتلقائية :" خرجت و...."
:"ماذا ؟!"
شل لسانها وشحبت تمسد على جانبي منامتها الطويلة الزهرية كلون الوشاح الذي تضعه على رأسها بإهمال، قبالة وجهه المسود سخطا وغضبا فتراجع يتماسك، مستطردا بحزم قبل ان يكمل طريقه نحو الحمام:" لا تتصرفا إلا باذني وخصوصا الخروج نحن لسنا في رحلة استجمام .... نحن في خطر لذا أحسنا التصرف و لا تتهورا "
أخذ وقته في الحمام كي ينتعش و يبرد من أعصابه التي آلفت الثورة مذكرا نفسه أن من معه لا يد لهما في بؤس حياته بل هما أسوء منه والأدهى أنهما يريان فيه طوق النجاة ... لمحها جالسة على أحد الكراسي الأربعة الملتفة حول المائدة المستديرة في المطبخ الصغير المساحة فجلس أمامها، محاولا استجماع كلمات يعتذر بها عن الطريقة التي صاح بها لكن لدهشته كانت مبتسمة بحنو بينما تصب له القهوة و تدعوه ليأكل والمدهش في الأمر تتأسف له بملامحها المكتنزة المرحة :"أنا آسفة أخي.... لم أكن أعلم أننا في خطر فأنت لم تخبرني و حتى ولاء لم نتحدث بعد عن مشكلتها... تصرفت بتلقائية لأنني أعرف هذه المدينة.... فقد قمت بزيارتها مرات عدة "
ارتشف قهوته بتلذذ، يراقب استرسالها في الحديث مأخوذا بصدقها و براءتها، فلم يعي على نفسه و هو يأكل بنهم إلا حين قالت بمرح
:"الحمد لله أن طعامي أعجبك "
نظر إلى الطاولة فاكتشف أنه التهم أغلب ما في الصحون، ليندهش من نفسه كم كانت تواقة للإحساس بالعزوة و الأهل.
تنحنح قائما، يعقب قبل أن ينصرف.
:"سأخرج لبعض الوقت لقضاء بعض الأعمال....و سأحضر بعض البقالة .... خذا راحتكما في البيت....لأنني سأدق الجرس حين أعود و سأترك المفتاح في الباب لتوصداه جيدا بعد خروجي "
هزت رأسها موافقة لتبتسم بحبور حين عاد و قبل رأسها بتردد وتوتر ثم انصرف.
دقت باب غرفتها المشتركة مع ولاء ثم فتحته تقول :" هيا يا ولاء .... أخي خرج و ترك المفتاح في الباب ...أغلقته بنفسي "
نهضت عن السرير حين تأكدت من نوم صغارها، تجيب باسمة، مستشعرة أمانا فارقها في الآونة الأخيرة :" ماذا سنفعل ؟"
سحبتها من يدها، ترد بمرح :"سننظف البيت و انت تحكين لي عن مشكلتك ....بعدها احكي لك عن خاصتي " .
*********************************
أنهى مكالمته المقتضبة مع مسعد ثم توجه إلى البحر لينفرد بنفسه و أفكاره، لا يعلم كم من الوقت تاه في أمواج البحر, تتقاذفه أفكاره الفوضوية بين أحوال والدته الساخطة دائما وزوجته, يسأل نفسه لماذا لم يمنحها مبتغاها و يطلقها؟ ألا يكفي خمس سنوات من العقاب ؟ و من عاقبه هو على أخطائه ؟ سخرت منه نفسه أن الجحيم الذي يعيشه بحد ذاته أكبر عقاب على اخطائه التي سفهها و استقل بحجمها.
فكر بالفتاة التي خرجت له من العدم فأضحت مسؤوليته من لحمه و دمه , لن تفارقه إلا إذا عادت الى بيت أهلها أو تزوجت وبما أن الخيار الأول لن يسمح به والثاني رزق بيد الله فهو ملزم بحمايتها وهو غير معترض أبدا إذا كانت الحياة معها بذلك الحنان و الاهتمام، على الأقل سيبدأ يومه على وجه بشوش لا يعرف السخط و بشاعة السخرية .... أطل على ساعة يده فقام إلى وجهته الأخرى، متخذا مجموعة من القرارات المصيرية في حياته .
********************************
ألقت ولاء بنفسها على الأريكة، تقول بأسف و حزن :"هنيئا لكِ بإرادتك و شخصيتكِ القوية ...لم أستطع فرض رأي مع انني كنت رافضة الزواج وبشدة "
نظرت إليها إخلاص بشفقة... تفسر:" ظروفك مغايرة يا ولاء .... لديك أب له حقوق عليكِ وأنت أطعته مضحية كي تخففي من الحمل على كاهله أما أنا فقد عشت وسط جحيم نزاعات الضرائر و حروبهن ...من ضمنهن والدتي لذا كرهت الزواج بكل أنواعه "
:" أنتِ محقة .... علمت منذ اللحظة الأولى أن زواجه مني لم يكن سوى للإنجاب لم يسمعني كلمة غزل واحدة أو حاول التقرب مني إلا من أجل الحمل لكن حين علم بحملي لا أعلم لما لم يسعد ؟ فأنا لم أعتد على التحدث معه بأريحية .... ثم اختفى ... لم يشهد حتى على ولادة أبنائه "
ضمت اخلاص فمها بسخرية ثم قالت بينما تعتدل في جلوسها الى احدى أرائك غرفة الجلوس الأربع :"أما والدي العزيز رحمه الله فكانت شهوته الغالبة عليه.... كلما وقعت عينيه على فتاة جميلة أقام الدنيا و لم يقعدها لينالها... لا تكاد تُكمل معه السنة حتى يبحث عن أخرى .... و طبعا لم يكن يهمه تبعات هذه الزيجات والذين هم نحن الأبناء .... فتنقلب العائلة إلى ساحة معركة لمن ينال الحصة الكبرى من الثروة حتى انتهى بالإفلاس "
رقت نظراتها، تردف بشفقة ساهمة :"لم تريه في آخر أيامه .... مرض بشدة بسبب اهماله لحمية السكري واضطروا لبتر ساقه فأصبحوا يتقاذفون فيما بينهم كالخرقة البالية .... لم أستطع تركه فطلبت من والدتي أن تدعني أهتم به فكانت تلك الشهور المعدودة ما أتذكره كعلاقة حقيقية بيني و بين والدي"
التفتت اليها تقول بنبرة متهدجة ومقلتيها شرعت بذرف الدموع :"مع أنني لا ألومك لكنك ظلمتي أولادك قبل أن تظلمي نفسك ها هو قد تنكر لهما قبل حتى أن يراهما ....و الله اعلم كم من زيجات قام بها بنفس الطريقة فمن يفعلها أولا يفعلها ثانيا و ثالثا! "
ترقرقت الدموع في مقلتي ولاء لتصبحا كبركتي عسل لامع، تجيب بحسرة قبل أن تسرع عائدة إلى ولديها :"أقسم كان رغما عني ..... رغما عني !"
زفرت إخلاص بأسى تهز رأسها بأسف تلاه إجفال بخفة حين انطلق جرس الباب .... لاحظ عبوسها الطفيف بينما تلتقط منه بعض الأكياس، يتساءل عن مصابها فملامحها وكأنها خُلقت بشوشة، فتبعها إلى المطبخ.
لم تتحدث بعد فزادت من فضوله ولم يصبر :"ماذا هناك ؟"
نظرت إليه، تهز رأسها مغمغمه بحزن :" تحدثنا أنا و ولاء ..... فعلمت أنها أُرغمت على زواج الشؤم ذاك ..... سامحني يا الله ذكرتها بمواجعها ."
ملأ لنفسه كأس ماء، يرتشف معه مرار ذكرياته وكل ما يخشاه أن يتحول لمستقبل التوأم فالتفت منسحبا، يعقب ببرود :" أنا في غرفتي إن احتجتن لشيء" :" أخي؟!"
تسمر مكانه ثم عاد يرمقها بتساؤل ضامت :" ه....ل .... أقصد .... أحدث أهلي ؟"
ضم شفته سفلى، مفكرا يرمقها بنظراته المظلمة ثم قال :" أتلفت شريحتي .... سنخرج في وقت لاحق كي.."
:"لا .... لدي هاتف أغلقته منذ الأمس أردت... أن تحدثهم أنت كي يطمئنوا علي بصحبتك "
قاطعته برجاء فهز رأسه موافقا باقتضاب وسحبت الهاتف من جيب منامتها، تطلب رقما ما قبل أن ترفعه الى أذنها لتحدث ما بدى أنها والدتها :" أمي .... اهدئي ...أنا بخير "
احتدت نبرتها قليلا مع عبوسها الطفولي، تردف بدفاع :" انه أخي ....و على فكرة هو خير من جميع اخوتي و حتى أشقائي "
أخذ منها الهاتف على حين غفلة، يقول بهدوء غريب عليه.
:"سيدتي ... اهدئي .... لا ...."
قابله صمت وتره ثم هدأ عنه حين أتاه صوت رجل عرّفه على نفسه باسم نعيم قبل بقية حديثه عن إخلاص، ليرد بإصرار قوي :" مرحبا سيد نعيم .... أجل ....إنها معي ... لا تخشوا عليها شيئا اسمح لي ... لكنني لست موافقا على ذلك الزواج ..... إنه غير مناسب و إن كانت تشكل لكم عبئا فأنا أرحب بها بل سأحميها بقوة القانون إن استدعى الأمر"
لم يلمح الفخر الممتزج بالدهشة، تلمعان بهما مقلتيها و هو يردف بجدية و حزم :" دعوها ترتاح لأيام و حين تقرر العودة سأوصلها بنفسي إليكم إلى اللقاء"
مد لها يده بالهاتف ليندهش حين ارتمت في أحضانه، تهتف بفرحة غير مصدقة :"شكرا لك أخي ..... شكرا لك"
رفع يده بارتباك ليربت على ظهرها وملامحه لاتزال في دهشتها ليتجمدا الاثنان حين سمع نحنحة خافتة قادمة من جانب الباب، التفتا فدخلت متلكئة في خطواتها، تهمس بخفر :" نام الصغار فأتيت للمساعدة "
ترك أخته متراجعا عنها ثم انسحب قائلا بهدوء :" سأكون في غرفتي " .

بطة بطاطس likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 07:36 PM   #7

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفنانة مروة مشاهدة المشاركة
بداية جميلة
موفقة ان شاء الله
لى عودة بعد قراءة الفصل الاول
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روجا جيجي مشاهدة المشاركة
متميزه كالعاده
بدايه مشوقه جداً لروائع واضح انك عايزاه تناقشى فيها مواضيع مهمه الاخلاص فى الزواج وهل يكفى الحب لاخلاص الزوج مع كل الضغوطات وخصوصاً من وجود نساء تسعى للاستيلاء عليه ده فى مرحله مصطفى
وبعدين نتيجه الراجل المزواج وتاثيره على نفسيه زوجاته وبتنعكس على الاولاد
والاولاد من امهات مختلفين وده بيأدى لحقد بينهم
بالتوفيق يا حميله
🌹🌹🌹🌹🌹
اهلااان فيك حبيبتي ... كلامك حلو كحضورك الجميل... شكرا لك يارب يعجبك لاخر كلمة


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 09:18 PM   #8

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع


وضعت صغيرها بعد أن نام أخيرا، تلتفت بتعب الى شقيقته كي تحممها بدورها شعرت بدوار فاتكأت على طرف الحوض ، تنفست بعمق تفكر أن الحمل قد ثقل عليها ويلزمها مساعدة، لكنها سريعا ما تراجعت، تنهر نفسها عن تكليف زوجها مالا إضافيا وو يبني مستقبلهما معا و أولادهما.
تحدثت بصوت مسموع لتقنع نفسها :" يجب أن أصبر .... كل شيئ يهون من أجل مستقبل زوجي و أسرتي ستتعدل ظروفنا بإذن الله .... لن أضطره ليطلب المساعدة من أهله ...يا معين "
تحاملت على نفسها وعادت الى تحميم ابنتها، تحلم بمستقبل مزهر يشملها وأبناءها برفقة زوجها مصطفى .
********************************************
لم تكف عن التحدث بخصوص أخيها وشهامة أخيها ،ولاء تراقبها بتركيز و تتشرب كلماتها بقلبها قبل روحها، يكفي ما فعله من أجلها دون أن يضطر لذلك بل تكفي شهادة العم صادق في حقه كي تعجب بأخلاقه رغما عنها، لطالما كانت حياتها صعبة ،لتنتهي بزيجة الندامة لكن ما بيدها حيلة لو عاد الزمن من جديد لفعلت نفس الشيء ،فذاك والدها الحبيب المغلوب على أمره ولن تستطيع عصيانه، تذكرت ملامحه المتحسرة و النادمة فغاص قلبها في مزيد من الحزن والوجع.
:"يا الهي يا ولاء لا أصدق أن أحد اخوتي قد نجى من الدم الفاسد المتفشي في عائلتي"
ابتسمت ولاء ترد بحياء بعد أن ألقت بنقابها على رأسها، تكشف عن وجهها الجميل :"الحمد لله .... أنا سعيدة من أجلكِ حبيبتي .... قلبك طيب لذا ربي لن يخذلكِ "
وعت اخلاص على المرارة في نبرتها وتلك النظرة الحزينة فقالت بأسف :"أنا آسفة يا ولاء .... لم أقصد أن أقسو عليك صباحا و الله سيعيد إليكِ زوجكِ ويفرج همك .... بإذن الواحد الأحد"
هزت ولاء رأسها بنفي بينما تقشر البصل فلا تعلم اخلاص إن كان بكاءها منه أو من مرارة حياتها.
:" كل ما أرجوه من ربي هو الحصول على نسب لأولادي فأنا لم أنجبهم من زنى وبعدها سأطلب الطلاق و سأعمل على تربية أولادي حتى لو اضطررت للخدمة في البيوت لا يهمني .... المهم أن يتربى أولادي على الحنان والأخلاق الحسنة لن أعرضهم لما أخبرتني به .... أبدا لن أفعل أنا أحب ولداي و لن أسبب لهما السوء ما حييت"
ضحكت اخلاص بسرور، ترفع ابهامها علامة على التشجيع، ترد بحماس.
:"جيد جدا وأنا أحببتك يا صديقتي و سأساعدكِ ان شاء الله ....هناك جمعية خيرية تساند النساء في شتى أنواع مشاكلهن وهم أناس طيبين و الله لن يتخلى عنا "
تركت البصل و قامت إليها تضمها بمحبة ،تهتف دون أن يلحظا من كان قادما فسمع حديثهما قبل أن يعود أدراجه.
:"شكرا لك .... أنا ايضا أحببتك جدا "
توجه عائدا إلى غرفته فأوقفه الهدل، أطرق أذنيه ليتأكد فالتفت ناحية المطبخ، لكنه تراجع و قرر أن يطل عليهما بنفسه ... فتح الباب بروية و مد عنقه إلى داخل الغرفة ليلمح زوجين من الأيدي الصغيرة تتحرك في الهواء ،تقدم بتردد و مع كل خطوة يتضح المنظر الآسر أمامه، جثى على ركبتيه دون أن يتجرأ على بسط يديه بل ضمهما في قبضتين وشد عليهما بقوة متأثرا بتلك المخلوقات الصغيرة، تجمد مكانه و حُبست أنفاسه، يتأمل السر الإلهي للخلق من أين يبدأ، يفكر كيف لقطعة لحم حمراء مبهرة كهذه ، تكبر و تنمو لتتحول إلى ما هم عليه الآن.
نظر إليه أحدهما فارتد رأسه إلى الخلف بخفة ، خشية أن يبكي أو يصاب بالخوف لكنه لم يفعل، بل أهداه ابتسامة قلبت كيانه و أعطت للحياة معنى آخر لديه, بلع ريقه حين رفرف الرضيع بجفنيه محدقا به بتلك المقلتين الخضراوين وهو يمد يديه الصغيرتين المكتنزتين تجاهه، كأنه يدعوه ليقترب فاستجاب مسحورا حتى لمست بشرة ذقنه الخشنة نعومة كف الرضيع.
كانت تجربة فريدة من نوعها ،يعلم أنها قد غيرت فيه الكثير ليتجرأ أكثر ويمد اصبع سبابته يلمس كفه الأخرى فابتسم حين أطبق عليها الرضيع بكل قوته الواهنة, حقا ابتسم ،بسمة صادقة من صميم قلبه الموجوع الذي نسي وجعه في لحظة ابتسم له الرضيع بل الاثنين .... اقترب بجسده جانبهما كي يتمكن من لمسهما معا، ليكتشف استجابتهما مع مناغشته، فعلت ضحكتهما مع ملاعبته المتكررة.
لم يعي على مدى روعة تلك اللحظة إلا حينما عاد الى واقعه على نحنحة خافتة ليلتفت بحدة أوجعت عنقه فلمحها مترددة بجانب الباب قام بحذر، مقلتيه معلقتين بالصغيرين كأنه يخشى أن لا يراهما من جديد ثم انصرف قائلا بخفوت بسبب الارتباك و التوتر المصاحبين له مؤخرا :"سمعت صوتهما .... فجالستهما إلى أن تنهين ما تقومين به"
راقبت خروجه بدهشة و تأثر، بدأ منذ أتت لتطل على ولديها لتجد مشهدا حفر في قلبها الأثر البليغ تركها متسمرة مكانها، تراقب الأب كيف يكون مع أولاده ولغرابة الأمر لم تتصور زوجها المختفي في مثل ذلك الموقف لا تعلم لماذا؟ خشيت على قلبها من مأزق جديد فهزت رأسها حين لم تستطع تحمل كم المشاعر المُجهزة على صدرها، تحد من أفكارها الحالمة في غير مكانها .
*********************************
كانت الحياة برتابتها مملة للبعض وشاقة على البعض وأخيرا ممتعة للبعض ..... رفع الأستاذ مصطفى قضية اثبات نسب، بعث بنسخ إشعارها إلى جميع عناوين الزوج مع تهديد خطي بإعلان القضية على سائر الوسائل الإعلامية، إن لم يظهر و يستجب لطلبات الخصم و بعد أسبوع كامل من الانتظار ،آتتهم أخيرا مكالمة من محاميه ليجتمعا في جلسة مغلقة ليتفقا فيها ....و كان مسعد خير معين له حيث جمع له شهودا على صحة زواجهم الشرعي من حي ولاء، بالإضافة الى بعض الصور كانت احدى الجارات التقطتها بسبب فضول أتى بثماره ... ليُجِّهزا أساسا لقضية متينة و طبعا حياتهما لم تخلو ،إن كان مسعد من مقلتين واسعتين تزوران أحلامه كل ليلة، دون ذكر السيدة الوالدة التي لا تمل و لا تكل من ذكرها أو مصطفى من تودد المساعدة الفاتنة و تقربها الساحر السافر الذي تحول إلى بعض التجاوزات في المزاح و المدح المتمادي فيه إلى حد الغزل في بعض الاحيان ،لتتصنع الجدية و الرزانة بعدها كي تقنعه باتخاذ خطوة جدية و قد اقتربت من مأربها تحت مراقبة أحمد الساخطة، يتمنى لو يصفعها كي يوقظها من أوهامها التي ستؤدي بها و تدمر بها اسرة امرأة أخرى لا ذنب لها ...و لم ينسى نصيب صديقه هو الآخر، يلقي إليه بكلمات ذات معنى كل ما سمحت له الظروف أما قصي فقد قضى الأسبوع في متابعة القضية مع مسعد بصعوبة بسبب المكالمات الهاتفية المقتضبة، لا ينكر كونه يعيش أحلى أيام حياته بين أناس أحبوه و احترموه دون مصلحة معترفا بأن أخته اخلاص، قد غيرت من طبعه العصبي كما تَعَلّم البسمة التي لم تعد تفارق ثغره كثيرا إما تأثرا بظرافة أخته أو من أصبحا لديهما مكانة كبيرة في قلبه خلال تلك المدة القصيرة، توأم الفتاة التي لم يرى حتى وجهها أو يحدثها سوى بكلمات للضرورة ... لكنه أصبح يحترمها و يكن لها معزة مرتبطة بأبنائها .....لن ينسى ليلة مولده الحقيقي حين قام من نومه عطشا، يتحرق لشربة ماء فتلمس طريقه بهدوء إلى المطبخ، ليأتيه صوت خافت باكي متوسل حرك رجليه صوب مصدر الصوت بفضول قلق ، ليكتشف أن الصوت لولاء الساجدة لربها، تناجيه بكلمات لا تصله من خفوتها فلا يسمع سوى شهقات بكاء حارق و همهمات غير مفهومة . همّ بالاستدارة بنفس هدوءه ليسمع دعاء يبدوا أنه في غير سجودها، لأنه بنبرة ما بين الجهر و الخفوت ....كلمات كانت من هدت آخر ثوابت الضلال في قلبه .

(( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي , وهواني على الناس , أنت أرحم الراحمين , ورب المستضعفين , وأنت ربي , إلى من تكلني ؟ إلى قريب يتجهمني , أو إلى عدو ملكته أمري , إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي , غير أن عافيتك هي أوسع لي , أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات , وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة , أن ينزل بي غضبك , أو يحل بي سخطك , لك العتبى حتى ترضى , ولا حول ولا قوة إلا بك )).....
عاد إلى غرفته و ارتمى على سريره، يعيد تلك الكلمات في رأسه مرارا و تكرارا، متيقنا أن صلتها بربها هي منبع قوتها فلماذا لم يقوي هو تلك الصلة ؟ أين كان هو عن ربه حتى حين قرر الاستقامة في حياته؟ أليست هي في مصائب أكبر من قدرتها على التحمل ؟ صادف و سمع أحاديثها مع اخته، انها مستسلمة لقضاء الله طوال الوقت، مطمئنة، و لا كأنها في خطر محدق , إذن هذا ما كان ينقصه ليهنأ و ينتهي من جحيمه، لقد مسعد كان محقا طوال الوقت، ابتسم حين تذكر وصايا صديقه، فقام يهمس بتصميم :" كان يجب أن أستمع إليك يا مسعد ".
*****************************************
جاء يوم الموعد المهم واجتمع محامي الخصمان الغائبان كلاهما فكانت جلسة مليئة بالمشاحنات و المجادلات ، لم يكن مصطفى بالند السهل فقد كشف أوراقه بطريقة محترفة جعلت الآخر يتيقن من متانة قضيتهم وأن افشاءها للعلن لن تكون في مصلحة موكله لذا استأذن و بعد مكالمة طويلة، عاد يطلب موعدا لجلسة سرية أخرى لكن بحضور طرفي الخصم بشخصهما ..... بلغ مصطفى مسعد بالأخبار الجيدة مستبشرا بالخير بها، فحملت الأخير على بساط السرور، ليخبر قصي لكن بحضوره شخصيا برفقة ابنته في زيارة لهم ولم يكن ذلك إلا بإلحاح من قلبه المشتاق .
**************************************
أجلس أحد الصبيين على حجره بعد أن ناول شقيقه لأخته المراقبة له بحنان، لقد احبته بشدة، حتى أكثر من أشقائها هي, قد يظهر باردا عبوسا، لكن من يحفر داخل قلبه يجد رجلا يتوق للحنان ليعطيه و يأخذ منه والأهم من ذلك يتصف بشهامة ورجولة لم تعهدها في الرجال حولها، التفت إليها يسألها بحيرة :"ما بك يا فتاة ؟ لما تراقبينني هكذا ؟"
ضحكت ترد بمرح :" أتساءل ما السر خلف تغيرك ؟ بمجرد قرب التوأم منك ...و كأنك لم ترى أطفالا في حياتك "
فجأة عاد العبوس البارد ليكتسح وجهه بظلمة غامضة حتى أن الصغير قد لاحظ تغيره فتململ بين ذراعيه، لكنه لم يفلته بل ضمه إليه، يجيب بيأس و قسوة :"لا لم أرى .....و لن أفعل "
رمقته بريبة تضم ما بين حاجبيها السوداوين، تعقب باهتمام :" لماذا تقول ذلك أخي؟ ما أعلمه أنك متزوج .... و الله قد يرزقك....."
:" لا...لن يرزقني! لأنني عقيم يا اخلاص! و لا أريد حديثا آخر في هذا الموضوع !"
قاطعها بحدة غير آبه لمن قدمت بالشاي وسمعت الحوار فكان احساسها ما بين الصدمة والحزن و الشفقة .... صدمة لزواجه الذي لم تكن تعلم عنه شيئا وحزنها على عقمه والشفقة على حاله اليائس من الأمل في الله المرتسم على وجهه لكن الغلبة كانت للصدمة و الحزن بعدها فقد وقعت في المحظور ورغما عنها أحبت رجلا في وقت غير مناسب بالمرة.
حل عليهم الصمت بثقله وولاء تحط بصينية الشاي على المائدة , اخلاص تراقب أخاها بدهشة لم تتجاوزها بعد أما قصي فيمرغ أنفه في تجويف عنق الرضيع، يبحث عن عبير أدمنه كتعويذة تنسيه همومه، حتى أن عقله الباطني يقسم عليه أنه لا يريد سوى تلك الحياة التي فُرضت عليه دون إعلام سابق، لكن جرس الباب كان قاطعا لأحلامه الجامحة كما الواقع دائما.
ضمه صديقه بود، يقول مبشرا اياه :" الرجل يطلب جلسة مع المدعية لمناقشة مطالبها وهم متأكدون من كسبنا للقضية إن تلاعبوا بنا فلن نمنحهم فرصة أخرى"
أجابه قصي بحماس زائف، لنهاية مغامرته الصغيرة التي قلبت كيانه إلى الأبد.
:" جيد .... تفضل بالدخول .... و أنت يا صغيرة كيف حالك ؟"
:" بخير عمي قصي ....أين الخالة اخلاص؟"
ربت على رأسها، يجيب بحاجبين مقوسين دهشة :" لازلت تذكرينها؟"
أومأت الصغيرة باسمة فاردف وهو يسحب صديقه الذي يحاول إخفاء توتره على اثر ذكر شاغلة أفكاره :" أنهما في المطبخ..... اذهبي اليهما و اطلبي من الخالة اخلاص بعض الضيافة لصديقي مع اننا في بيته "
كان دور مسعد ليندهش من تغير حال صديقه و مزاحه الغير معتاد منه، فقال و هو يرتمي على أريكة الصالون :" قصي الشرقي يمزح و يبتسم ؟ أريد التفاصيل حالا"
أما في المطبخ فإخلاص سُرت حين لمحت الصغيرة التي ضمتها و كأنها تعرفها منذ زمن كما أخبرتها أن جدتها تبلغها السلام و طلبا ملحا بزيارتها مرة أخرى ... ابتسمت ولاء فقد فهمت رغبة أم صديق قصي في لقاءهما الأول وأسرت دعاء صادقا لها فهي فعلا تستحق زوجا يحبها ويقدرها لذاتها و كمساعدة صغيرة حثتها على تقديم الضيافة لهما فأخوها لابد منغمس معه في حديث عن القضية ولا يجوز أن تخرجه من الصالة ولا ضير إن أدخلتها فهي محجبة و ترتدي ملابس فضفاضة , كانت متيقنة من طاعتها فهي بريئة الأفكار وعلى السجية .... ما إن وقفت على باب الصالون حتى بدأ احساس بالندم يراودها، تستغرب من توتر دقات قلبها, هل يا ترى ما يريده عقلها أن يخبرها به حقيقي ؟ أم انها مجرد افتراضات واهية ؟ لكن اذا كان الأمر كذلك لماذا هي متوترة الآن من مقابلته ؟ ....لماذا لديه ذلك التأثير عليها ؟ هزت كتفيها على أي حال متجاهلة الأمر برمته ودخلت بعد أن سمت بالله ؛
بلع ريقه حين ولجت عليهما ولم يستطع لجم عينيه عن البحث عن مقلتيها ،يستعيد ذلك الاحساس مع أن خفقات قلبه خرجت عن وتيرتها المعتادة، قام قصي من مكانه ليساعدها فلاحظ ارتعاش يديها وبآلية نظر إلى صديقه جاهلا بالسبب حتى، ليجد انه ليس بأفضل منها مع أنه يحاول ادعاء عكس ذلك، و كم سُر قلبه لأمر اكتشف فجأة شدة ما أراده وتمناه.
عاد مسعد بمقلتيه إلى صديقه ليجفل من بسمته الماكرة الواسعة التي انتظره بها فصمت متلبكاً، ليقول قصي ناسيا حتى خيبة نهاية هروبه من واقعه :" أخبرني يا صديقي ....أخبرني "
تنفس بعمق ثم قال بجدية، لم يكن أبدا بمراوغ ليبدأ في سنه ذاك :"في الحقيقة أنا أطلب منك يد أختك للزواج"
تحولت بسمة قصي الى حبور، يرد بمرح :" أخيرا يا صديقي ..... لكم أنا سعيد بنسبك و أنت تعلم ذلك ...لكنه زواج و يلزمه موافقة العروس"
زفر مسعد بتوتر وقصي يتلاعب بحاجبيه مردفا :"لكن سأحرص على ذكر كل محاسنك لها ....حتى قراءتك لي ككتاب مفتوح أمامك"
لم يسلم مسعد من مزاح قصي، كما لم يدعه ينصرف إلا حين تعشى معهم على أساس أن يتركا البيت للنساء ويقضيا ليلتهما في فندق قريب، وكم كانت تلك الساعات سعيدة، لا تنبئ بالليلة العصيبة المنتظرة لهم جميعا .
************************************
الليلة العصيبة كانت قد بدأت في بيت مصطفى حين تجرأ و فتح موضوع الزواج بمساعدته مع زوجته فالتجاوزات أرهقت ضميره ونفسه وتمكنت روان أخيرا من إقناعه بحبها وقبولها لزواجه و كم كان واهما حين ظن أن زوجته سترضى هي الأخرى، أليست امرأة مثل روان وتحبه بصدق كما تخبره دائما ؟ إذا ستعذره و تعترف بتقصيرها تجاهه، بإهمالها لنفسها وللعلاقة الحميمية التي اتسمت بروتينية مغيظة وغدت تفتقد للمشاعر الحارقة التي كانت عليها من قبل، ستوافق بما يجعله سعيدا فهو لن يتزوج سرا أو يراوغ من أجل أمر شرعه الله له وبما أنه قادر على العدل بين البيتين فهو حر و لا يرتكب حرامًا..
أنهى مرافعته بكل هدوء ناقض الفوضى في أعماق أحشائه، زوجته تراقبه بملامح لا تنم عن شيء أبدًا فالسيد مصطفى كان قد نسي أنها أيضا محامية بارعة، لكنها تخلت عن العمل حين حملت بابنتهما لتتفرغ للبيت والأولاد بالاتفاق بينهما ، فما الهدف من الحياة إن ضاعت تربية الأبناء؟ انتظرها بصبر لتستوعب الموضوع فقامت من مكانها تقول بنبرة هادئة تُحسد عليها :"انتظرني .... سأتأكد من نوم الصغار وأعود "
كانت تهرب لاستجماع نفسها، تستمد القوة من أبنائها، لطالما تولت شتى أنواع القضايا النسائية وكم غيرها حبها لزوجها وبيتها من امرأة حرة قوية إلى واحدة حنونة، مضحية حتى ظنوها أنها فقدت قوتها على ما يبدو لكن الصدمة مهما هيئنا لها أنفسنا يكون لها صدى مرعب ...أخذت كل الوقت الذي لزمها، تقبل صغارها تارة وتضمهم أخرى ثم تنفست بعمق قبل أن تخرج إليه لتجده على وضعه الذي تعشقه، حين يجلس بفخامة على المقعد الفردي واضعا رجلا على رجل ببدلته الرياضية السوداء وكم تحب وسامته مع انها لم تكن السبب الذي لفت بها نظرها لكنها بعد الزواج أصبحت تتأمل وجهه الطويل، بذقنه الصلبة العريضة وأنفه الشامخ مع المقلتين البنيتين ... وسامة خشنة ذات رجولة طاغية ....جلست على الأريكة أمامه ثم قالت بنفس هدوءها :"هل أنت متأكد من رغبتك بالزواج ؟"
حدق بها لبرهة، بغية سبر أغوارها لكنه لم يصل لشيء من خلال ملامحها كما عهدها مؤخرا، تعبة بعض الشيء لكن لم تفقد جمالها يعترف بذلك فهز رأسه إيجابا لتسأله بكل برود استطاعت تدبره :"من تكون و لما هي بالذات ؟"
أخبرها عنها بشيء من التردد، عن قبولها بكونه متزوجًا ولن تدمر استقرار أسرته.
أصدرت ضحكة متهكمة ثم سألت من جديد :"و لماذا أنت متأكد من موافقتي؟"
هم بالتحدث فرفعت كفها تردف بنفس البرود الساخر.
:"آه نسيت ...... لأنني مهملة و لم أعد أشبع رغباتك الجنسية بكل بساطة ....لم أعد أنثى بما فيه الكفاية لأثيرك"
:"لا ! ليس..."
اعترض متحركا في جلوسه فأوقفته بنفس الهدوء المغيض وهي تستدرك بدون مقاطعة أو تردد أو حتى ارتباك :" كما تريد .....أنت حر تتزوج بمن تشاء وقت ما تشاء ...لكنني أيضا حرة مثلك تماما "
قطب بحيرة بينما مسترسلة غير مصدقة أنها من تنطق بتلك الكلمات..
:"كما ترغب في حب يعيد إشعال لياليك ....أنا أيضا أريد ذلك ..."
:"هد......!"
قفز واقفا كمن لدغته أفعى لكنها لم تكن قد انتهت بعد، تشير إليه بتحذير جامد.
:"لا تقاطعني من فضلك ....و اسمعني للأخير كما سمعتك"
لم يصدق مقالتها الجريئة، مهما كانت محقة ،لكنه صمت على مضض فهو من فتح فوهة الجحيم عليهم جميعا فليتحمل إذن ... مالت تجاهه، تحاصر نظراته المذهولة ثم قالت بجمود صارم.
:"هل تظنني أهملت نفسي لأنني لم أعد أهتم بك أو لأنني كففت عن حبك؟ دعني إذن أصحح لك معلوماتك الخاطئة يا سيادة المحامي ..... أنت أخبرتني أنك تريد بناء نفسك بعيدا عن أهلك فاحترمت موقفك وافتخرت بك و قررت أن افعل ما تفعله الزوجة الصالحة ...الوقوف بجانب زوجها في السراء و الضراء .... لذا قررت الاعتماد على نفسي و تقليص المصاريف .... استغنيت عن كل طقوسي الشخصية كأنثى بعد أن تركت العمل بطلبك أنت لأتفرغ للبيت والأولاد حتى أحقق أمانيك و في نفس الوقت لا أكلفك مصاريف تثقل على كاهلك.... هل تظن نفسك الوحيد الذي يعمل طوال اليوم بجهد متواصل؟ لا سيد مصطفى .... أنا مثلك بل أكثر ...استيقظ باكرا كي أجهز فطورك ولوازمك كي تجدها أنت دون جهد ثم أبدأ المعركة اليومية بين اطعام الاطفال وكل ما يتعلق برعايتهم وتربيتهم وبين أشغال البيت التي لا تنتهي من تنظيف و طبخ و ترتيب ...كل ذلك قبل أن تعود من عملك الذي ينتهي ما إن تدخل إلى بيتك.... لتجد الطعام الدافئ و الحمام الجاهز و الثياب النظيفة... هل تظن ذلك يأتي من فراغ أم أن هناك خادمة أخفيها عنك؟ بل بيدي هاتين .... و حين تأكل و تستمتع بأولادك تأوي إلى فراشك متأملا ان أكون فيه كي تعاشرني ...لكن للأسف عملي لا يكن قد انتهى بعد ...فلكي تنعم أنت بالراحة والهدوء في بيتك ألاعب الصغار في غرفتهما حتى يغفيان بصمت ثم أُسرع إليك متحاملة على تعبي و عملي المستمر من أجلك و من أجل شهوة لم أشعر بلذتها من شدة الإرهاق.... فأتجاوب معك بطريقة تضاعف من تعبي في الوقت الذي كل ما أحتاجه بالفعل منك..... هو حضن دافئ حنون وكلمات مواسية تنسيني تعب اليوم الشاق "
أُخرس لسانه وجحظت عينيه، قلبه بدأ يدق بسرعة مخافة من القادم الذي يعلم جيدا أنه لن ينال إعجابه.
ابتسمت بانتصار، تستدرك قبل أن تنسحب الى غرفة أولادها.
:"اسمع قراري ثم فكر جيدا قبل أن تصدر حكمك ... سأمنح زواجنا فرصة واحدة فقط من أجل أولادنا .... لكن لا تنتظر مني ثقة أو معاملة دافئة كالسابق فأنت من أفقدنيهما وعليك استرجاعهما بنفسك... و إن قررت أن المرأة الأخرى من تريدها فهنيئا لك بها ....لكن قبلا .... ستنهي التزاماتك نحو أسرتك الأولى وهي ...أولا الطلاق مع سائر حقوقي ثم النفقة لأولادك ... كما سنقسم حضانتهم فيما بيننا بالتساوي لأنني طبعا سأعود لعملي... كما سأستغل أياما للاعتناء بنفسي فأنا اشتقت للوقت الخاص بي.... لأسترجع أناقتي أما رشاقتي فأنا لم أفقدها والحمد لله وأنت يجب أن تتحمل مسؤولية أولادك أما إن أخذت باقتراحي الأول.... فانا أطالب بمساعدة فأعمال البيت كثيرة كي اتفرغ لنفسي.....و طبعا لك ...... فبما أنك قادر على فتح بيتين فأنت بالتأكيد قادر على دفع أتعاب خادمة و مصاريفي الشخصية... تصبح على خيريا أستاذ مصطفى القاسم"
تركته بكل كبرياء و تؤدة، ينظر إلى مكان اختفائها فارتمى على المقعد خلفه، يتنفس بصعوبة وكأن أحدا ما قد صفعه بقوة رجته رجا وزعزعت جميع أساسته .
**************************************
يتقلب على فراشه كمن ينام على جمر، كل تفكيره مع التوأم فقد اعتاد على هدهدة أحدهما إلى أن ينام فيرسله إلى والدته مع أخته اخلاص ....جلس يزفر بملل و غيظ، يشتاق إلى عبيرهما الآسر لأنفاسه ووهنهما الذي يستفز أبوته و حس الدفاع و الحمية لديه أما الذي في الغرفة المجاورة فلم يكن بأفضل منه وكل تفكيره مع إخلاص.
علم أن قصي أخبر اخته وطلب منها التفكير بعمق وعدم الاستعجال كما وعدها بالتحدث معها في الموضوع باستفاضة و يجيب كل تساؤلاتها ...لكنه الفضول القاتل و الخشية من الرفض، لا يعلم سبب رغبته القوية بها بين كل النساء، شعر بضيق في التنفس فقرر الخروج إلى الشارع، يتنفس من الهواء المالح الرطب ،عله يصرف أفكاره عن الموضوع برمته ..... تفاجآ ببعضهما خارجا ليقول مسعد ببسمته الماكرة :"موضوعي واضح ....فما علتك ؟"
تنفس بشجن وعمق، تكاد تلمع مقلتيه بالدموع، يعترف :" أنا أشتاق الصغار .... اشعر بذراعي فارغتان أريدهما في حضني يا مسعد....و لا أعلم كيف ... لقد أدمنت رائحتهما و ضحكاتهما ....و نظراتهما البريئة "
تحولت نظرة مسعد إلى الجدية ، يحذره :" لكن يا قصي هما لهما والد .... س.."
:" والد لا يريدهما في حياته! .... أناني حقير !"
قاطعه بحقد ادهش مسعد الذي هتف بدوره.
:"لكنه يبقى والدهما وسينتسبان إليه يا قصي .... و إن أراد زوجته ستعود إليه و يكونون أسرة لا مكان لك فيها بينهم"
هز رأسه بملامحه الموجوعة، رافضا مرات عدة يرد :"لا .....هي لا تريده ....أخبرت إخلاص أنها ستطلب الطلاق و هو لو كان يريدهما لما تنكر لهم "
سأل مسعد بريبة حازمة :" هل أنت مغرم بوالدتهما ؟"
حدق به بذهول، يجيب بتشتت :" لا ....لا أعلم ....أنا حتى لم أرى وجهها .... لكن....لكنها انسانة محترمة .... سمعت بعضا من أحاديثها مع اخلاص مثل حبها لأولادها لدرجة أن تخدم في البيوت من أجلهما وأنها غطت وجهها من أجل الحفاظ على نفسها من الأعين الطامعة وكلها ايمان أن الله لن يخذلها.... و سيأتيها برزقها دون تبرج أو زينة ....أو "
تركه مسعد ينهي حديثه الأشبه بفضفضة أقرب للهذيان.
:"منها تعلمت الصلاة في وقتها .....و الصلاة في جوف الليل , طوال الأسبوع المنصرم دون كلمة نصح واحدة منها... كانت تقوم الليالي تبكي لربها و تشكو إليه...فعلمت مصدر قوتها .... أنا ....مسعد أنا ...."
:"أنت تحبها "
جحظت عيني قصي بهلع كمن اكتشف رؤيته للموت بأم عينيه و مسعد يردف بحزن :"أنت أغرمت بما هي عليه .... لكن ما يحيرني لما لم تحظى زوجتك بنفس ما حظيت به هي ؟ ....فهي أيضا تغطي وجهها ...و"
:" لا ....لا تقارنها بها ....أرجوك لا ..."
قالها بألم تجلى على محياه، فأمسك به مسعد، يهز جسده قائلا :" لماذا يا قصي ....و لماذا لا تطلقها ؟ أخبرني ....لماذا تهوى تعذيب نفسك ؟"
نظر إليه قصي بسهو ثم قال بنبرة بؤس و خزي أليم :" لأنها خائنة .... خائنة يا مسعد"
اتسعت مقلتي مسعد من تحت عويناته، مفغرا فمه بصدمة والآخر يستطرد حديثه بملامح بائسة.
:" اخترتها تغطي وجهها ...خلوقة تحمل من الحياء ما أقنعني بها وحين تزوجتها ....كنت قد بدأت أحبها ...و الله شاهد علي انني كنت أنوي أن اكمل معها حياتي و أعيش معها ما لم أحظى به ... من أسرة"
نفض عنه ذراعي مسعد بخفة، يلتفت إلى البحر، يكمل بلوعة.
:"لاحظت برودها تجاهي ...لكني تجاهلت ذلك ظنا مني أنها لم تألفني بعد وكم كانت صدمتي بالغة حين أخبرني بأنها حامل ..."
صمت يمسد جبينه، فقال مسعد بريبة يتخصر خلف ظهره المتشنج :" و ماذا في ذلك ؟"
استدار إليه، مجيبا بتهكم بائس :" أنا عقيم يا مسعد ..... علمت بذلك حين قمت بتحاليل من أجل مرض أصبت به في الجهاز التناسلي ....بسببه اعتزلت حياتي السابقة الرعناء والعلاقات الحرام "
تجمد مسعد مكانه وقصي يردف بنفس تهكمه القاتم :" صُدمتَ أليس كذلك ؟ أجل لطالما كنت ناقما على حياتي ...فتمردت .... وحققت لوالدتي نبوءتها بأنني سأشبه والدي ....لذا قررت كرهي قبل حتى أن تلدني فلم أحصل لا على رعاية الأب و لا حنان الأم..... و حين قررت التوبة نسيت أن الدّين لا يموت ومهما ظننت نفسك حاذقا لا تنسى أن الله موجود وهو الكمال بعينه ....فكيف تتحدى الكمال؟"
حاول مسعد استعادة تركيزه فلحظات ضعف قصي ناذره، لذا يجب عليه الحذر ليخرجه من متاهته المظلمة :" أنت لم تخبر زوجتك بعقمك يا قصي! "
ضحك من جديد ضحكة باردة ،خالية من المرح :" أجل... ألم أخبرك ؟ ظننت نفسي حاذقا "
تحولت نبرته إلى حقد و غل بينما يردف :" تغلبت على صدمتي و تدبرت أمر ابتسامة كي تطمئن ...بدأت بمراقبتها .... إلى أن دخلت إلى بناية و تبعتها متيقنا مما سأجده.... هرب الجبان من قبضتي ولم ينل من غضبي سواها... كنت سأقتلها لو لم يفلتوها الجيران من قبضتي ولحسن حظها أجهضت ... لأعرف منها بعد ذلك أنه الرجل الذي أحبته .... لكن أهلها رفضوه بسبب فقره .."
عاد مسعد إلى سؤاله :" لماذا لم تخبر أهلها و تطلقها و تنتهي من كل ذلك ؟"
استدار من جديد إلى البحر يصمت لوهلة طالت يضم جانبي سترته حتى رد بجمود.
:"لماذا لم أخبر أحدا ؟ لا أعلم.... لماذا لم أطلقها ؟ أيضا لا أعلم.... أعاقبها ...أعاقب نفسي ..... أعاقب والدتي بزوجة ظهرت على حقيقتها بوقاحتها و عدم احترامها لها ..... لا أعلم يا مسعد ....لا أعلم.... كنت ضائعا ....لطالما كنت ضائعا "
ثم عاد يقترب من مسعد، ينظر إليه في عينيه، يقول بتصميم.
:" ما أعلمه يقينا الآن..... أن مواجهة المصارحة مع أمي و زوج......مع تلك المرأة حان وقتها ... لن أقبل بهذه الحياة من جديد و لأول مرة سأحارب من أجل أمر ما ....مهم جدا لي ....و هما التوأم سأفعل كل شيء من أجل أن يحظيا بوالدين محبان مراعيان وبحياة ميسورة .... سأفعل ....و سترى"
خطى بتصميم فتبعه مسعد، يهتف بدهشة.
:"الى أين يا قصي؟ ....انها الثالثة صباحا ...."
هم قصي بالتحدث فعلا رنين هاتف مسعد، كلاهما أجفل و نظرا الى الشاشة فخطفه قصي، يهتف بجزع :"إنه رقم اخلاص ..... اخلاص !"
جحظت مقلتيه يسمع نبرة أخته الخافتة المرعوبة ثم صاح وهو يجري، يلحق به مسعد.
:"اختبئا يا اخلاص ....لا تخافي حبيبتي أغلقن عليكن في غرفة ...أنا قريب منكم...أختي الأولاد في امانتك انت قوية حبيبتي ....قوية "
أسرعا بقلبين يرتجفان من الخوف، كلاهما يتكهن بالأسوء.

بطة بطاطس likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 10:49 PM   #9

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس

قبل دقائق..

تأكدت من نوم الصغيرة فسحبت إخلاص يدها برفق حتى لا توقظها ثم وضعت قبضتها تحت جانب وجهها، متكئة بمرفقها على المخدة، لتتمكن من تأمل وجهها .
أفكارها في صخب, كيف يأتيها رجل مناسب بعد يأسها من وجودهم ؟ لماذا هي بالذات ؟ فلا جمال تتسم به و لا منصب ولا ثراء تملكه ...لم يلتفت إليها رجل من قبل حتى حين كانت أصغر، فسمعة والدها المرحوم أبعدت عنهم الناس و كأنهم وباء ,تسلل اليأس لوالدتها لدرجة أنها كانت سترميها في زيجة بائسة، ستدمر ما بقي من رزانتها النفسية. تنهدت بخفوت ثم همست.
:" يا ترى من أنت يا سيد مسعد؟ و لماذا قلبي يرتاح لك ؟ بل لماذا أخي سعيد جدا لطلبك ؟ هل لأنه يثق فيك و يحبك ؟ أم لأنك أتيتَ طوق نجاة يريحه مني .... أستغفر الله العظيم .... طبعا أخي لن يفعل ذلك .... أنا اشعر بالناس و هو أحبني بصدق ...و يريدني بجانبه ...أنا متأكدة "
هتفت بخفوت وكأنها وجدت كنزا :" اكيد .... هو سعيد لأنني إن تزوجت بصديقه سيضمن بقائي بجانبه إلى الأبد"
تململت الصغيرة في مكانها فكتمت اخلاص فمها براحة يدها في نفس اللحظة التي انفتح فيها باب غرفتها لتدخل منه ولاء، تحمل كلا ولديها.
انتفضت إخلاص برعب أصابها والأخرى تهتف بخفوت.
:"هناك من يحاول كسر باب الشقة "
:"ماذا ؟!"
جلست ولاء، تقول بجزع :" كما أخبرتك .... انهم يحاولون كسر قفل الباب ...لو لم يكن من حديد لكانوا دخلوا علينا ....ماذا نفعل يا إخلاص ؟"
أمسكت اخلاص راسها بكلتا يديها، تجيب بفزع :" أخي ليس لديه هاتف ..... يا الله كن معنا ....هل تظنين أنهم من طرف زوجك ...؟"
هزت كتفيها بقلة حيلة، فالتفتا الى الصغيرة التي لم تعلما متى استيقظت وسمعتهما :" اتصلا ببابا ...أنا أحفظ رقمه .... أسرعا قبل أن يدخل اللصوص"
ربتت اخلاص على رأسها، تقول بهدوء زائف بينما تسحب هاتفها :"لا تخافي حبيبتي ..... كل شيء سيكون على ما يرام "
أخبرت شقيقها ثم قالت و هي تقوم من مكانها تحمل أحد الرضيعين :"هيا ولاء ....لنستغل استغراقهما في النوم لنخفيهما في الخزانة "
حدقت إليها بعدم يقين فهزت رأسها مؤكدة، تهتف :" سنخفيهما هناك برفقة الصغيرة "
:"أنا لست صغيرة .... استطيع مقاتلة اللصوص"
ابتسمت اخلاص رغم رعبها ،تقول بإعجاب.
:"أعلم أنك شجاعة ...لذا سنستأمنك على التوأم لتراقبيهما "
لم يبدو على الصغيرة التصديق إلا أنها صمتت على مضض، فتحت اخلاص الخزانة الصغيرة وساعدتها ولاء كي يرتبا الشراشف ويضعا فوقها الرضيعين ثم تركتا مكانا صغيرا للفتاة التي قبلتها اخلاص، تؤكد لها ما لم تتأكد منه هي.
:" والدك و أخي سيصلان بعد برهة ان شاء الله لا تخافي .... و اعتني بالتوأم "
هزت الصغيرة رأسها لتغلق اخلاص الباب وتخفي المفتاح داخل صدريتها ثم أمسكت بيد ولاء، تهمس برعب أطلقت له العنان أخيرا ليستولي على ملامحها المرتعشة :"سنقفل باب الغرفة أيضا و ننتظر "
؛
و كذلك فعلتا و انتظرتا، يذكران الله في سرهما حتى انتفضتا من مكانهما، مجفلتان على محاولة فتح باب الغرفة ...بدأ الدق يعلو بهدف كسر الباب فتمتمتا بالشهادة لينكسر أخيرا من خلفه رجلان مندفعان بقوة، صاحت اخلاص تدعي الشجاعة.
:" من أنتما و ماذا تريدان ؟"
تحدث واحد منهما بغلظة يرد :" نريد تلك المرأة وولديها اين هما ؟"
تذكرت اخلاص بغتة أن ولاء لم تنسى غطاء وجهها حتى في خضم رعبها لتعي على هتافها الصامد :"ماذا تريدون مني ؟ خذوني أنا ....ولداي ليسا هنا "
اقتربا منهما فتأهبت كل واحدة منهما، تنطق اخلاص بتهديد واهي :" لقد طلبنا الشرطة منذ قليل .... لن يتأخر حضور عناصرها"
ضحكا و هما يمسكان بهما، يرد أحدهما بوقاحة :" لنستمتع بوقتنا الباقي إذن.... او تخبراننا بمكان الأولاد... و لن تتضرر أي منكما "
صاحت ولاء و هي تجهز على رجله بحذائها قبل ان تدفع جانب بطنه بكوعها :" على جثتي !"
في نفس تلك اللحظة سحبت اخلاص مزهرية صغيرة من حديد خلفها على المنضدة، كانت قد فكرت في استعمالها سابقا وضربته بها على رأسه، ليمنحا لنفسيهما وقتا ثم كي يهربا من الغرفة فيتبعانهما إلى خارجها قبل أن يصرخ الصغار معلنين عن مكانهم ,
أمسك أحدهما برأس اخلاص وسحب الطرحة بشعرها، فصرخت بألم كما صرخت ولاء التي تلقت ضربة على جانب وجهها .... و كانت بداية مجموعة من الضربات في البطن و الجوانب دون رحمة، يهددانهما بالقتل إن لم يكشفا عن مكان الصغيرين.
شعرت اخلاص بدوار تلاه سواد في الرؤية ،فعلمت بقرب اغمائها بلا حول و لا قوة أما ولاء فقد أمسكت على نقابها كي لا يُكشف وجهها، وهي تتلقى الضربات من كل جانب وحين شعرت بقرب أجلها، توقف الضرب فظنت أنها بالفعل ميتة، إلا أن صوت ألفته مؤخرا، شكل كل ما يمثل الأمان بالنسبة لها، يهدد و يتوعد بأسوء العواقب للمعتدين فسمحت لنفسها أخيرا بالإغماء .
فقدا لجام التحضر و الرزانة، وهما يريان فتاتان تتلقيان الضرب بعنف جارف ... فاستدعى كلاهما حس البدائية ليجهزا عليهما بالضرب المبرح فكان لهما عامل المفاجئة كما تدخل رجال آخرون عرّفوا عن انفسهم أنهم من الجيران.... ترك قصي المجرم الذي كان بين يده حين امسكه رجلين من الجيران، مسرعا إلى اخته يحاول افاقتها برقة ،ناقضت وحشية الدماء على ظاهر يده.
:"اخلاص ؟! أفيقي حبيبتي ! انتهى الأمر ....إخلاص"
:" آآ....آآه ...."
تأكد من حياتها ،فتركها لمسعد الذي لحق به ،ليطمئن على ولاء و كما اخلاص تفاجأ بنقابها الذي لازال يخفي وجهها فاستحيا من لمسها فاكتفى بالصياح كي يتأكد من نجاتها هي الأخرى :"ولاء .... افيقي أين الصغار ؟ ولاء انتِ بخير !"
لم تستجب له فالتفت يصرخ بهلع :"أطلبوا الاسعاف ....أرجوكم ..."
قُربهما مسعد ينظر إلى وجه اخلاص المكدوم بغضب حارق، يمنع نفسه بشدة من العودة إليهما كي يقتلهما ...لاحظ تمتمها فاقترب منها ليسمع بوضوح :"الص.....غا...ر....ف....ي ... ال...خز....انة.... الص...غيرة "
لم يعي على نفسه حين أمسك بكتفيها كي يسندها، يقول برقة
:" أنت شجاعة اخلاص لا تخشي شيئا سنخرجهم ... و ستكونون بخير جميعكم"
أغمضت عينيها من الألم ومن شعور آخر قد اجتاحها حين لمحت الاهتمام و الخوف من رجل غريب عليها ،ليعلن قلبها العصيان و ينطلق بضربات تشبه في وتيرتها أثناء لحظات الرعب التي عاشتها لكن شتان ما بينهما من غمامة وردية أجفلا الاثنان منها على صياح قصي بطلب سيارة الاسعاف.
***********************************
*بعد أسبوعين*
*محكمة الأسرة*
:" اهدأ مصطفى و اترك الصبيين لأختكِ و والدتهما"
نطقها مسعد بغيض ابتسمت له اخلاص، ليبتسم مستطردا برقة.
:"أخوك جن جنونه يا إخلاص..... "
اتسعت بسمتها تتذكر اهتمامه بها طوال ايام مكوثها في المشفى هو والدته وحتى الصغيرة التي تعلقت بها كما لو أنها وجدت فيها الأم التي فقدتها وكل مرة يسألونها عن جوابها الذي ظنت انه ظاهر في نظرة عينيها لكنها تؤجل الأمر لحين اعلام اهلها، فهي لم تخبرهم بالحادث و حتى حين شفيت، أرجأت الأمر من جديد بعد جلسة ولاء للقضاء في نسب أولادها، تحول نظرها إلى أخيها الحامل للولدين يرفض تركهما، ليسرح عقلها من جديد إلى ذكرى مرافقته لها الى بيته.
اكتشفت أن والدته من ترعى التوأم وتوترت خشية مقابلتها، فتخيلت جفاء معاملتها لكن النقيض تماما ما حصل ، استقبلتها برحابة صدر وجل و قتها كانت تقضيه في رعاية الرضيعين.
:"أنت تغار لأنني لا أترك لك واحدا منهما ..."
ضحك مسعد لمزاح صديقه المرح، يحمد الله على تغيره المفاجئ والسبب بين يديه ووالدتهما بجانبهم صامتة كعادتها، مستسلمة لاستيلاء قصي على أولادها، متيقن من أن ذلك الغطاء على وجهها رحمة لها من حب كان سيشع من عينيها تجاه المغرم بولديها والذي تكفل بالدفاع عنهما حتى قبل أن يراهما ....لم يعلم مسعد أن عينيها كانت تدمع بحسرة ،فقد تعلق قلبها بهذا الرجل الذي لم ينظر إليها يوما أو حتى حاول أن يعرف شكلها ...هي تعلم يقينا أنه أغرم بولديها، أراد ان يحميهما من مصير تعرض له فوجد فيهما ما حُرم منه في حياته السالفة، غافلا بكونه لم يستولي على قلب الصغيرين فقط اللذان ألفاه و أحباه فأصبحا لا يغفيان إلا على كتفه بل استولى أيضا قلب والدتهما التي لا تعلم مصيرها وأبنائها بعد إصدار الحكم ، فزوجها أصبح مسجونا .
لا تزال على صدمتها بعد اعتراف المعتديان على رئيسهم الذي تزوجها ليخطف منها أولادها من أجل زوجته الأولى الحبيبة التي من أجلها كان مستعدا لارتكاب جرم عظيم، معتمدا على كونها معدمة ولن تتجرأ عليه، كيف سولت له نفسه أنها قد تفرط في فلذة كبدها ؟ بل كانت ستحارب إلى آخر نفس يخرج من حلقها .
رمقت قصي الواقف بجانبها، يضم إليه الرضيعين ينهل من منبع حنانه الذي لا يمل منه ولا يكل فتساءلت من جديد ...كيف بحق الله ستبعد الصغيرين عنه؟ بل كيف ستعيش من دونه ؟....

لقد فعلها و أصلح علاقته مع والدته ....تذكر ذلك اليوم الذي عاد فيه الى بيته مع الرضيعين لتتسمر والدته مصدومة ,
أطعمهما ليلتها بنفسه كما وعد ولاء بعد أن أفاقت من إغمائها في المشفى ثم هدهدهما إلى أن غفيا تحت أنظار والدته المذهولة ...لم تستطع فتح فمها و هي ترى ابنها المستهتر البارد العبوس، يتعامل برقة وحنان، يبتسم تارة ويعبس بحزن تارة اخرى من أجل الصغيرين ... تأكد من نومهما ثم قاد والدته التي تتبع كل خطواته كطفل صغير إلى غرفة الجلوس، أجلسها وجثى على ركبتيه ليمسك كفيها بين خاصته، يطالبها بألم :"لماذا يا أمي .....لماذا ؟"
حدقت به بحيرة ممزوجة بدهشة وكأنه مجنون وغريب عليها ليردف في تساؤله :" لماذا تكرهينني ؟ من فضلك أخبريني "
تهز رأسها سلبا بصمت بينما هو يسترسل بشجن
:"أعلم انني لم أكن الابن البار الذي تمنيته .... لكن ...كان يجب أن تعذريني .... أنا كنت أتمرد على حياتي امي... الأولاد في المدرسة و أثناء اللعب يعايرونني بابن الحرام ...مع انني لست كذلك ....فقط لأن أب!.... ذلك الرجل مستهتر لم يتحل بالمسؤولية كي يربي أبناءه ويتحمل تبعات زيجاته .... و أنت .."
تدفقت دموعها فدمعت ظلمتيه معها، يشد على كفيها بلوعة.
:"أنت كنت غائبة ... لم أرى منك نظرة حب أو أحصل على ربته حنان منك وحين كبرت أصبحت تصيحين علي و لا اسمع منك سوى اللوم و كلمات كالسم .... فلماذا يا أمي لم تحبيني؟ ....و تتقبليني هل لأنني ابنه يا أمي ؟ هل أُذكرك به ؟ أتوسل إليك تحدثي "
أسدلت جفنيها تعتصرهما والدموع مدرارا على وجنتيها ،فأمسكت جانبي وجهه بكفيها، تقول ببكاء :" أنا آسفة يا بني لم أستطع تقبل فعلة والدك ...فقد خدعني و لم أكن أعلم أنه رجل مزواج و حين علمت و ثُرت عليه ...طلقني دون اكتراث و رماني لأكون مَضحكة لناس من حولي ....كرهت حياتي و كل الرجال ....و كنت أريد النسيان و حتى ذلك الأمر استكثره عليّ القدر و رزقت بك فاعتبرتك عقاب يذكرني به و بما فعله بي ..أستغفر الله العظيم..."
بكت بحرقة فقام إلى جانبها على الأريكة ،يضمها بينما تكمل بألم .

:"و انت لم تساعدني .... صرت مستهترا وصورة طبق الأصل عن رجل كرهته من صميم قلبي كما احببته يوما ما سامحني بني ...سامحني"
:" أسأل الله أن يسامحنا جميعنا أمي "
أبعدها قليلا و ربت على خدها ،يقول بتوسل
:" أرجوك أمي ... دعينا نبدأ من جديد أنا لست مثل والدي .... و سأقضي الباقي من حياتي أثبت لك ذلك, أمي يجب أن تعرفي شيئا مُهما عني ,هما شيئين في الحقيقة .."
نظرت إليه بتركيز ليردف :"أولهما انني سأطلق زوجتي ..."
:" لكن !"
أمسك يديها، يقاطع استنكارها ليكمل :" أنت لا شك لاحظتي عدم توافقنا و مشاكل أخرى أكبر من أن تنصلح .....لذا سأطلق سراحها ... لأنني ..."
تلكأ للحظة قبل أن يكمل بحسرة.
:" و هذا الأمر الثاني ....عقيم يا أمي و مستحيل ان انجب أبناء من صلبي"
شهقت والدته بصدمة، فأومأ بحزن لتسحبه إلى صدرها ولأول مرة في حياته، تشد عليه بقوة، تنتحب ببؤس.
استسلم لعناقها، يتمتع بحضن أم لم يعرف مذاقه من قبل .....
:"اهدئي أمي...لقد تقبلت الأمر وأحمد الله على قدره مهما كان"
هدأت قليلا ثم سألته عن الصغيرين فتنهد يجلس جوارها على الأريكة، يحكي لها عن قصته الغريبة العجيبة معهما، فأخذتها بهما رأفة و حنت عليهما، وكأن معرفتها المفاجئة لعقم ابنها، حرك أمومتها وعطفها تأجج من صميمه.
:"ولاء لماذا ترتعدين ؟"
أجفل قصي على هتاف اخلاص، فالتفت إلى المرتعدة ثم بحث حوله في القاعة عن سبب خوفها.
لمح رجلا مصفد ، علم بهويته يلج إلى القاعة من خلفه امرأة متأففة، ترمق من حولها بترفع. ضم شفتيه متأملا وجه الرجل في بداية الاربعينات من عمره، يقارن بينه و بين التوأم، ليكتشف أن الشبه الوحيد بينهم، هو لون و شكل العيون الخضراء, إلا أن الصغيرين، الخضرة في عينيهما تمتزج بلون بني، في الوقت الذي هو فاقع في خاصة والدهما.
لمعت مقلتي قصي بتحد حين نظر إليه لبرهة ثم للصغيرين بين يديه، ليبتسم ساخرا ببرود ،قبل أن يتخذ مقعدا بجانب محاميه. التفت إلى ولاء، يقول بهدوء
:" كما أتفقنا .....أنت تذكرين كل شيء أليس كذلك ..؟"
أومأت بتوتر ظهر حتى من فوق ردائها الساتر واتخذوا كلا مكانه لتبدأ الجلسة.

الخاتمة بعد قليل ان شاء الله

بطة بطاطس likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-06-20, 11:26 PM   #10

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الخاتمة

*بعد سنة*
:" هيا يا عروس .....أخي في انتظارك "
تنفست ولاء بعمق ثم اتسعت بسمتها و هي تعيد الغطاء الأبيض على وجهها، سعادتها لا تقدر بثمن فهي اليوم ستزف لرجل أحبته من صميم قلبها وهو يحبها دون أن يراها أحب ما هي عليه، و أحب ولديها فأرادها باختياره و طلب منها أن تمنحه الاذن ليحميها و ولديها ويكون لهم رب الأسرة المراعي الحنون و الحامي، وافقت، كيف لا توافق؟ و هي تتمرغ في حبها له ...تذكرت يوم الجلسة حين تقدم محاميها بكل الدلائل و الحجج بينما يجلس بجانبها وأخته بالجانب الآخر دون أن يتخلى عن حمل الولدين للحظة، كأنه يثبت انتماءهما له و عدم احتياجهما لوالدهما الذي تنكر لهما وسبب الألم لوالدتهما ليصدر القاضي حكمه العادل في حق أبناءها، قائلا بهيبة و وقار.
:" قضيتنا اليوم هي جريمة أكثر منها زواجا ثانيا .....و بعد ثبوت الدلائل قررنا التالي .....أولا الزيجة الثانية لسيد هشام الوالي بالسيدة ولاء أبو غالب شرعية و صحيحة و يحق للزوجة الثانية تثبيت العقد قانونيا ....و الحصول على كافة حقوقها الشرعية ...ثانية ....أولاد الزوجة الثانية ولاء أبو غالب ثبت نسبهم لوالدهم السيد هشام الوالي و يحق لها تسجيلهم على خانته في دفتره للحالة المدنية و لهم على والدهم كافة حقوقهم الشرعية .... ...رُفعت الجلسة .
رفضت ولاء تلك الحقوق بشكل قاطع حين انتهت الجلسة مسرعة إليه لتواجهه أمام زوجته، طالبة منه الطلاق ونسيانها و أولادها إلى الأبد, نظر إليها ساخرا، يجيب باستهانة.
:" أنت طالق و لا أريد رؤيتك مجددا ...لا أنت... و لا أولادكِ"
لم تشعر بالخزي أو الخوف بل كل ما شعرت به الحرية و الأمان و السعادة ... تقدمت متأبطة لذراع والدها الذي منذ أن عادت إلى كنفه وهو يعتذر لها عن خطأه الجسيم، يخبرها بأن الله علمه درسا في الرزق و الايمان به و بأقداره .
لمحته منتظرا على باب القاعة، يناغش الصغيرين احدهما بين يدي اخلاص الحامل في شهرها التاسع خلفها زوجها الساخط من حملها لصغير والثاني تحمله والدة قصي الباسمة بحنو و فخر, التفت اليها و مد يده ليستلمها من والدها، الذي أوصاه عليها ثم قبل رأسها وهناك تلكأ قليلا حتى أصابتها الريبة ،لكنه رفع رأسه ثم أثنى يدها أسفل ذراعه وتقدما إلى القاعة ....مرت الليلة على خير بين ضحكات العائلة ،فقد حضر اهل اخلاص الذين توطدت علاقتهم بقصي حين عاد اليهم بابنتهم مع طلب لزواج بصديق له، يضمنه برقبته ،سعدوا به و أحبو صدقه و حسن أخلاقه ،فاعتبروه أخا لهم كما هو بالفعل , حضر صديقي قصي مصطفى وأحمد، اللذان أقناعه اخيرا بالانضمام اليهما في المكتب فوافق بشرط دخوله كشريك وحين علمت والدته بنيته للاقتراض من اجل الشراكة، أخبرته أن هناك قطعة أرض ورثتها عن والدها فأخفت خبرها من أجله حتى تموت لتترك له سندا في الحياة.
تأثر بفعلتها وشعر بأن والدته بعد كل شيئ كانت تفكر في مستقبله و تخشى عليه .
صافح احمد قصي بود و بارك له و لزوجته ثم التفت عائدا إلى مكانه فاصطدم بجسد طري، شهقت صاحبته بخفوت، نظر اليها كي يعتذر، فرفعت كفها تقول بجدية و هي تسحب حافة طرحتها على جبينها.
:"لا مشكلة سيدي ....أنا آسفة لم اكن انظر امامي..."
ثم انسحبت بهدوء دون أن تمنحه نظرة واحدة ...تبعها بفضول إلى أن وقفت بجانب العروس فلمح قصي يرمقه بابتسامة ماكرة ،يشير له أنها شقيقة زوجته وسيدفع ثمن نظراته، بادله ببسمة شبيهة و هو يشير له لأصبعه كناية على الزواج، فضحك قصي يهز رأسه بيأس ....
:" مسعد حبيبي أرجوك أنا حامل.....و لست مريضة "
نطقتها إخلاص بحنق طفولي حين أخذ منها الصغير وأجلسها على الكرسي ثم ضم كفها بين كفيه، يقول برقة.
:" أعلم أنك حامل .... أنت ترهقين نفسكِ... الشحط اخوك يتزوج وأنت تتعبين نفسك "
:" ماذا ! شحط؟... ما شاء الله يا مسعد"
اقترب منها يرمقها بحب، يهمس بعتاب زائف.
:" تخافين على اخيكِ من عيني ؟"
ردت بعجالة و تلقائية :"سلم الله عينيك من كل شر حبيبي ...انا...."
اقترب اكثر حتى احمرت وجنتاها المكتنزتين، يهمس بوله :"دعينا نعود إلى بيتنا يا حبيبة مسعد ...يا صاحبة عيني الغزال.... فالشوق يدفعني لأخذك بين أحضاني و أمرغ وجهي في تجويف عنقك الغض"
:" مسعد !"
نطقتها بخفوت لائم فرحم حياءها و ابتعد عنها على مضض دون أن يترك كفها. التفتت عنه بخفر لتجد والدتها تراقبها بسعادة ،شعت من مقلتيها التعبتين جراء العمر و الزمن، فابنتها أفضل منها حظا لكن ....ما جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.
:"هدى ! انتظري هنا ....لا تبتعدي عني"
نظرت إليه، ترد بحنق.
:" مصطفى ....من فضلك دعني أتحدث مع صديقاتي ...لم أراهن منذ ان تركت العمل "
زفر بيأس و أشار لها بالذهاب وهو يكتم غيظه من نظرات الزملاء المعجبين بحضورها القوي ورشاقتها الملحوظة حتى في ثيابها المحتشمة الأنيقة، ليسرح به عقله إلى ذكرى ذلك اليوم الذي تصرف فيه بغباء، وطلب منها أن توافقه على الزواج بغيرها ....فقد قررت و بلغته بقرارها و نفذت ، لأنه استيقظ في اليوم الثاني ولم يجد طعاما و لا ملابس جاهزة كما العادة، فعلم أن الحرب قد قامت لتعلمه درسا لم ينساه إلى يومه هذا و كم عانى حتى يعيد ثقتها به و اول شيء فعله صرف مساعدته من عملها بخطاب توصية، ليفاجأ ببكائها و اتهامها له بخداعها لم يرهقه ضميره بتأنيبه كثيرا ،فقد سمع حديثها مع زميله قبل أن تغادر المكتب حين حاولت رمي شباكها عليه لكنه كان أذكى منه حين واجهها ببشاعتها وتلاعبها فنعت نفسه بغباء الكون ...كيف عمي عن تمثيلها؟ بل كيف كان سيدمر أسرته و يخسر زوجته المحبة و المضحية لأجله و لأجل أولاده ؟ ....من اجل غريزة أثارتها تجاوزاته المحرمة فكان سيعاقب عليها أشد العقاب.
لمح زميلا لهم يتقرب من زوجته، يهديها ابتسامة يعلم كنهها جيدا فأسرع أليها، يقسم أنه سيهرب بها من هنا حتى لو اضطر لخطفها. .
**************************************
قبلهما لمرة أخيرة ثم خرج من غرفتهما متوجها إلى غرفته و زوجته ....زوجته! لا يصدق حظه بموافقتها حتى بعد أن علمت بعقمه فأخبرته أنه فعلا لديه ولدان يحتاجانه بشدة .... وعى على حديث والدته الحنون.
:" لا تخشَ شيئا ....سأطل عليهما كل حين ...اذهب لعروسك بني "
توجه إليها و قبل رأسها، يهمس برقة.
:" أدامك الله فوق رأسي يا أمي ....تصبحين على خير"
:" تصبح على خير بني "
دخل غرفته ليجدها تجلس على السرير و قد غيرت فستانها الأبيض إلى قميص نوم ابيض طويل ،لا يكشف عن شيء من جسدها، و الطرحة لم تغيرها بعد لاتزال تغطي وجهها ... خلع عنه سترة البدلة السوداء ورماها على ظهر مقعد طاولة الزينة ثم اقترب منها، يرخي ربطة عنقه.
نظر إليها لبرهة، يتأمل تلك الهيئة المحاطة بالبياض الناصع يقارنه باليوم الذي دخلت فيه حياته لتغيرها بالكامل، فمن كان يتوقع ذلك بسوادها ذلك اليوم.
ابتسم للذكرى فانحنى و رفع عن وجهها الغطاء، ليتنفس بدهشة، يهمس.
:" سبحان من سواكِ ...."
احمرت بخجل وأطرقت برأسها، رفعه بأصبع سبابته، مستطردا برقة.
:" أنظري إلي....."
لم تفعل فأصر برقة :"ولاء !"
فعلت أخيرا مستحية بشدة حتى ارتعدت شفتاها فقال.
:" الآن صرت أعلم من أين حصل الصبيين على اللون البني اللامع الممزوج بخضار مقلهما ...عيناك كبحر من عسل مصفى ..... انت جميلة جدا يا سيدة ولاء ....و أنا محظوظ بكِ "
تهربت منه ووجهها أصبح كالطماطم من شدة الخجل فمال عليها مستنشقا عبيرها ، يردف هامسا بوله و إعجاب.
:" ليس اللون فقط ما يجمعك بهما ....بل نفس عبيرهما الذي أفقدني صوابي ...و أدمنت عليه لأحبهما و احبكِ من خلالهما "
نظرت إليه بصدمة، يومئ مؤكدا.
:" أجل .... أحبك يا ولاء .... فأنت الولاء الذي أعادني للحياة ... كنت قد فقدت الثقة بها لأستعيدها من خلال ولاءك يا ولاء لكل ما هو نقي و صادق في هذه الحياة .... و أدعو الله أن أسعدك و أغنيك عن الكون من حولكِ"
أمسكت بكفه، تجيبه بتأثر :" إن كنت أحببتني من خلال ولداي ....فأنا أحببتك لشخصك ....فأنت كل ما تتمناه امرأة حرة وحكيمة و قد أسعدتني بالفعل يوم قررت الدفاع عني دون حتى أن تعرفني ...و يوم قررت الدفاع عن حق أولادي قبل أن تراهم ..."
تلقف شفتيها في عناق امتد إلى تبادل المشاعر الصادقة وبث كلّا منهما للآخر حبه بطريقته، ليضعا أساسا لمستقبل يحلمان أن يشملهما كلاهما برفقة الصبيين ......في حب و تناغم و سعادة .

** تمت بحمد الله **


بطة بطاطس likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:46 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.