آخر 10 مشاركات
1056-نهاية التحدي -كارول مورتيمر - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1006 - تشابك الأقدار - هيلينا داوسن - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1058-لمسة حنان-بني جوردن-قلوب ع (كتابة/ كاملة )** (الكاتـب : miya orasini - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          567 - قانون التجاذب - بيني جوردان - قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          قلبه من رخام (37) للكاتبة الآخاذة: أميرة الحب raja tortorici(مميزة) *كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          الستائر السوداء (الكاتـب : ررمد - )           »          لؤلؤة تحت الرماد-قلوب احلام زائرة-للكاتبة [ام البنات المؤدبات]*كاملة&الروابط* (الكاتـب : ام البنات المؤدبات - )           »          13-ليلة عابرة-مركز دولي قديمة (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree11Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-06-20, 07:52 AM   #1

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي *سراج أريج* *مكتملة ومميزة *











عدت بفضل الله لأنشر الرواية القصيرة الثالثة بعد *فاكهة المحبة* و*بين أحضان القدر* ... *سراج أريج* ... اتمنى أن تنال إعجابكم.





الرواية عبارة عن خمس فصول سأقوم بنشرها اليوم ان شاء الله

الفصل الأول في المشاركة التالية
باقي الفصول .... بالأسفل
.
رابط التحميل
https://www.mediafire.com/file/7lhtd69hzwlzddj








دانه عبد likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 12-07-20 الساعة 11:54 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 07:58 AM   #2

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول


بسم الله الرحمان الرحيم
سراج أريج

بوووووووووه.!!!!... انتفضت ترفع رأسها منتزعة نفسها من عاصفة أفكارها إلى المجسم الضخم أمامها كصوته المفزع، إنه تماما كما يسمونه في بلدتهم (البابُّور) الباخرة الكبيرة.
تنفست بعمق ليتخلل عبير البحر بذراته المالحة خلايا صدرها، تتأمل كِبر هذا الصرح العظيم. لطالما تمنت رحلة بحرية تجوب بها الدنيا غربا وشرقا، معه هو! بحثت عنه بعينيها لتجد في مقلتيه لمحة من حبيبيها الأزلي الأول و الأخير...سراج، ها قد عبرت تلك اللمحة وراحت ليعود الجمود والحقد، يغير من رجلها الذي مرت أيام حياتها البائسة تتمنى ظله. ألا يقولون احذر ما تتمناه؟... إنهم محقون، فقد تمنت رحلة على باخرة ومع حبيبها الوحيد وها هي تعيش حلمها إلا أنه ليس حلما كما تمنته وتخيلته بل كابوس مخيف لا ينتهي.
أشار لها لتتقدمه ففعلت وهي تجر حقيبة يدها الصغيرة، رغم احتقاره لها وكرهه الظاهر على وجهه العبوس إلا أنه لم يسمح لها بتكبد عناء أمتعتها.
تبعته بصمت لا تريد إشعال فتيل غضبه الحارق، فقد تعلمت بأصعب الطرق مدى خطورته وتفوقه على قدرة تحملها.
توقف فتوقفت وهي مأخوذة بأناقة المكان من حولها، تلتهم التفاصيل بمقلتيها السوداوين كسواد ليلة دلماء. كان بهوا كبيرا للاستقبال والناس فيه شتى، فلم يلفت اهتمامها سوى صغارا يلهون ببراءة حسهم، يشكلون دائرة تختلط فيها ضحكاتهم بأنشودتهم الشعبية لترحل مع الكلمات الى أول يوم دق فيها قلبها يتسابق ليلحق بالنضج باكرا فما كانت حياتها في حيهم الفقير سهلة لتنعم بالرخاء وكمالية التمتع بالطفولة فكان العزاء مجسد في تجمع الاصدقاء وابتكار ألعاب لا تكلف الأهل عبئا ليسوا أهلا له.
كلمات ليست من لهجتهم الأصلية، فبلدتهم من مدينة جنوبية وكثيرا ما تساءلت عن سبب هجرتهم الى العاصمة الصناعية كما يسمونها خصوصا بعد زيارتها للبلدة. أقرت لنفسها حينها أفضلية البقاء فيها ولو فعلوا لم يكن ليظهر عليهم العوز لأن الناس في القرى لاتزال متآزرة والغني منهم يحن على الفقير بعكس المدن الكبرى حيث القوي يلتهم الضعيف بلا رحمة.....


آشتاتا تاتا... آ ولاد الحرّاثة (الفلاحين)
آ المعلم بوزكري... طيّب(اخبز) لي خبزي بكري
باش نعشّي وليداتي...وليداتي عند القاضي
والقاضي ما جاب(لم يعلم) خبار...المجاعة نايضة(ظهرت) فالدّار
لا أتاي(الشاي)... لا سكّر
لا حليب... لا قهوة
غير الحيوط(الجدران) والخوى... يطيح(يقع) الفار يتكوى

آشتاتا تاتا، آ ولاد الحرّاثة
آ المعلم بوزكري... طيّب لي خبزي بكري
باش نعشّي وليداتي... وليداتي عند القاضي
والقاضي راجل غلبان... ديما مبوّق(مُخدر) ديما سكران
حالتو كاتشفّي العديان... يتسارى من بار لبار
خاشي(يدس) فقنّوفتو(فمه) سيجار
ماركة هافان يا أحرار... ثمنو يعشي دوّار


)أريج .....توقفي !!)... نظرت إليه تلهث من فرط حماسها، خصلات شعرها المموجة تخفي وجهها الذي رغم صفار بشرته من سوء التغذية كأغلب أبناء ذلك الحي البائس لم يغير من جمال تقاسيم وجهها المليح.
أزال الخصلات من على وجهها فزحفت حمرة الخجل تلتحم بالصفرة والبسمة تزين ثغرها الشاحب.
(ألم أحذرك من اللعب مع الصبيان!...)... قطبت بخفة ورمت المجموعة خلفها بنظرة خاطفة قبل ان ترد بعبوس تلمع له مقلتيه بنفس السواد خاصتها.
(هما اثنان فقط والباقي فتيات ...هما من أصدقائي سراج ....)... بلعت ريقها من شكل مقلتيه اللامعتين كلما نادته باسمه رغم سنها المبكر بين الطفولة والنضج، تتلمس تغيراته وغرابة مواقفه تجاهها دونا عن باقي بنات الحي وهذا ما يثير غيرة أغلبهن من صديقاتها وغيرهن، لكنها دائما ما تعزي ذلك للصداقة القوية بينه وبين والدها كما يحب دعوته...ابنه الذي لم يُرزقه.
اقترب منها قائلا بتملك، دق له قلبها أول دقة صاخبة، صمّتها عمن حولها سواه.
(لا أريد لأي إنسان يحمل صفة الذكورة أن يقربك لا صديقا ولا بأي صفة أخرى ....ولا حتى أخا... هل فهمتني؟... )... أومأت بدهشة مع أنها لم تفهم شيئا ليطلق سراحها بعد أن أردف بما جعل قلبها الصغير المسكين، يرفرف بدقاته المتلاحقة الصاخبة فتلهث وهي ثابتة مكانها.
(أنا فقط!.. أنا ...أخوك وصديقك....كما سأكون حبيبك وزوجك ....أنا قدرك الوحيد....يا أريج ....).
عادت من ذكراها، تبحث عنه من جديد، تريد تأكيدا لما عاشته، تأكيدا لماض ظلموه بذنوبهم وتبرأ الزمن من أفعالهم. لتلحق بتلك اللمحة مجددا عبر مقلتيه قبل أن يخفيها بسرعةٍ لم تكن كافية، علمت فيها أنه كان يشاركها الذكرى كما في الماضي وأن مرح الأطفال أمامهما أخذهما في رحلة تشاركاها رغما عن الأقدار كما يتشاركان الحياة بعد كل ما حدث أو على الأقل بعد ما لا تعرفه عن سبب تغيره تجاهها، كرهه وحقده واحتقاره لها هي زوجته على الورق.
حركت رجليها تتبع خطواته الرتيبة دون أن تهتم بالأروقة المتعاقبة أمامها، لا تحدق سوى بحذائه الأسود اللامع، تختلط عليها الذكريات بمشاهدها معه قبل أن يقرر الرحيل.
لم يتغير فيه سوى ملبسه الذي انتقل من الغير رسمية بسراويل الجينز المهترئة الى حلل أنيقة سوداء عدا عن ذلك فهو كما هو بهيبته المصاحبة له أينما رحل وجِدّيته مع غيرها هي ووالدها، أجل والدها ....لمعت مقلتيها بدموع الحنين، تشتاق له كما لن تشتاق لأي مكان في وطنها، فهو وطنها الأول والأخير، كانت لتفعل أي شيئ من أجله والله شاهد عليها أنها بدلت الغالي والنفيس كي تعالجه لكن الأجل لا قدرة لأحد على تغير موعده.
أجفلت من ارتطام وجهها بظهره الصلب، ليلتفت إليها بعبوسه، يهمس بجمود.
(كفي عن سهوك!..)... هزت رأسها بطاعة صامتة فزفر يفتح بابا تبين أنه لغرفتهما.
دخل بالأمتعة ثم تحركت من خلفه، تقف بقلب الغرفة تتأملها.
كان غيرها ممن تشبعوا من مباهج الحياة وكماليتها ليحتقر ضيق الغرفة أما هي فقد انشرح صدرها، لأناقتها و ترتيبها كما نظافتها.
غرفة بسريرين كل واحد منهما يلتصق بالحائط المقابل للآخر، عليهما شرشف أبيض ناصع بينهما منضدة تحت النافذة المطلة على المحيط الواسع بزرقته المتلألئة تتراقص فرحا لأشعة الشمس الدافئة.
وعت من تأملها على قوله البارد قبل أن ينسحب مغلقا عليها باب الغرفة بهدوء.
(لا تخرجي من هنا ...مهما حدث ....هذا باب الحمام ...أحذرك من عصياني ....). لمحت الباب الجانبي الذي ذكره ثم ارتمت فوق أحد الأسرة، تبتسم رغما عنها فمن هو مشهور بالعصيان سواء لوالدها أو له هو غيرها؟ تحولت البسمة الى حزن تهمس لنفسها.
(و إلى أين أخذك العصيان يا أريج؟؟ ....كدت تقعين في هوة سحيقة لا قرار لها ....).
خرج مسرعا يعتلي الدرج متوجها الى سطح الباخرة لا يكن يرى أمامه فلم يتنبه لجمال السطح بمسابحه المتنوعة أو الجلسات الحميمية بمختلف التصاميم، كل ما غايته زاوية يتشبث فيها بالدرابزين الحديدي كي يلتقط أنفاسه الضائعة، تلك التي راحت تهرب منه لصاحبتها، بلى، بعد كل ما حدث، لازالت هي صاحبة أنفاسه وقلبه بل كله.
رفع وجهه الى السماء متنهدا بآهة خرجت من صميم أحشائه، تفر من جحيمها الى الهواء الرحب. يتساءل بألم شق قلبه بطعنة غادرة.
(كيف لها أن تفعل ذلك؟.. أريجه هو! ... ذات القلب الطيب والمبادئ الراسخة ....صاحبة الشخصية القوية ...التي لا يتزعزع لها فكر أو قناعة ....كيف استسلمت بتلك السهولة؟ ...حتى لو كان من أجل والدها ...كيف ؟)... اتسعت مقلتيه وعيا حين سمع صوت انطلاق الباخرة، ليمسح على وجهه، منفضا عنه التعب الجسدي والعقلي، تتلاطمه مشاعر هائجة تذر نفسه على أعتاب الجنون.
ليته تركها ورحل!
ليته لم يضنيه وعد قطعه بقسم مقدس لوالدها!
ليته لم يعد أبدا! .... بل ليته لم يهاجر أبدا!
ليته بقي وتزوجها رغم الفقر و الحياة الصعبة! فهل كانت لترضى؟ هل كانت لتقبل بمعيشة ظلت تأفف منها كل يوم؟ ألم تكن هي السبب في سفره من أساسه؟ بل ألم يكن كل شيئ فعله أو لم يفعله في حياته البائسة من أجلها؟.
حرك رجله بثقل واقترب من مقعد لم يتنبه لبرودة خامته الحديدية، فقط ألقى عليه جسده وضم رأسه بين كفيه ليتوه عبر صور كانت له نسمات باردة في غربته الحارة الجافة.
مشاهد له معها من الحياة الماضية، بدأت في عمر صغير لكلاهما.
أول مرة رآها وهي لم تكمل السنة العاشرة بعد في حين هو قد أتم سنته السادسة بعد العشرة. لازال يتذكر سبب دخوله الى بيتهم بعد أن أنقذ والدها من مصير موت كان محتوما على إثر طعنة من أحد صعاليك حيهم البائس وما أكثرهم! يتكالبون على الضعيف منهم، خصوصا إن كان شريفا وصاحب ذمة صادقة.
يذكر جيدا كيف أنه لم يفعل شيئا ذا أهمية فقط أقله الى المركز الصحي التابع لمنطقتهم لكنه السيد محمد دوما على عهده، يحفظ الجميل مهما صغُر. شكره حينها واعتبره الابن الذي لم يلده وأدخله بيته بعد علمه عن تشرده، ابن لوالدين معوزين، ماتا وتركاه ليتجرع مآسي الحياة لحاله فكان له الوالد الذي لم يُرزقه وكان له هو الابن الذي لم يحظى به.
لازال يتذكر نظرتها المريبة بينما تتطلع إليه بمقلتين كالبلور أسود اللامع بفضول قبل أن تقترب منه أخيرا، تسأله بعبوس طفولي محبوب عن هويته وعلاقته بوالدها.
وكان حينها والدها من أجابها بأنه قد حصل على ابن جديد، سيشاركها كل شيئ تملكه. انتظر غيرة أطفال وغضب تصحبه إهانات من كلمات سوء قد ألفها. لكنها فاجأته كليا حين اتخذت البسمة من ثغرها البيت الذي تمناه لنفسه، تهتف بسرور **حصلت على أخ! ....حصلت على أخ!**.
ضحك والدها والتفت إليه يخبره أنها دائمة الالحاح عليه بالزواج كي تحظى بأسرة وأم وأخ وأخت فراوده الاستغراب متسائلا 'أ ليست صغيرة على فهم تلك الأمور؟' لتقف أمامه تنفخ من أوداجها الضئيلة، تتخصر بحنق أضحكه ..**أنا أفهم كل شيئ ...الخالة الضَّاوية تخبرني بكل شيء** ليقهقه والدها ضاحكا من سذاجتها، غافلة هي عن مكر النساء.
تلك كانت البداية لتمر الأيام والسنون بحلوها ومرها والفتاة تكبر أمامه يوما بعد يوم.
اعتبرها أختا يحميها في الشارع والبيت على حد سواء بينما يتعلم الرجولة كيف تكون على يد والدها الذي رباه على الصدق والحزم في آن واحد، الأمانة والحيطة، القوة والرحمة فما كان ليعيش على الواحدة دون الأخرى في زمانهم الذي لا يرحم.
وفي يوم من تلك السنون اكتشف نوع حبه لتلك الضئيلة المصْفرة، حين بدأ الصبية في التجمع حول أنوثتها الجذابة للأعين الطامعة وهناك تحول من حام لأخت الى حام لحب قد ولد في قلبه قبل ذلك بكثير فرعاه ورواه بماء الحياة على جهل منه بحقيقته.
تنبه الى الصخب من حوله، ينتزعه من ذكرياته انتزاعا فنظر الى ساعته قبل أن تتسع مقلتيه، مستغرب سرعة مرور الساعات كلما كانت هي محور فكره. قام متوجها الى المطعم، يحضر لهما طعام فلا بد أنها جاعت إذ لم يلاحظ تناولها لشيء منذ يومين، منذ وفاة والدها.
فتح باب غرفتهما ليجدها نائمة على أحد السريرين، بملابسها وحذائها.
تنهد بصمت يكتم زفراته وجلس على السرير المقابل، يتأملها بشغف لم يستطع انتزاعه من قلبه بالرغم من كبريائه المجروح ورجولته المطعونة.
لم يستطع قلبه اللعين سوى الركض بدقاته كلما كانت حوله... ومتى لم تكن؟ حتى وهو بعيد عنها في غربته. عبس بغضب تشكل من العدم ولم يهدأ عنه أبدا، يفكر كيف لها ان تنام قريرة العين والحرب في أحشائه تغلي؟ ها هي تبرهن له ولمرة أخرى أنها لا تهتم.
قلبها الذي أسره قد نسي وجفا بفعل البعد أو أنها لم تحبه منذ البداية وكل شيئ كان من وحي خياله الذي ضج بها.
احتدت أنفاسه غير قادر على تحمل تلك الأفكار، يهتف بهذر متعصب.
(أريج!).. انتفضت من غفوتها تتلفت حولها بسهو تحاول التذكر، لينساب على وعيها الادراك فجأة مع رؤية وجهه الغاضب.
اعتدلت والذهول يغلف أفكارها، كيف غفت بتلك الراحة وهي التي عدمتها منذ أن رحل هذا الذي أمامها لتعدم الأمان والسكينة ويحل مكانهما الخوف والريبة؟
نظرت الى الطعام الذي فتح أكياسه على المنضدة تحت النافذة، فاقتربت بينما يهتف بتلقائية.
(اغسلي يديك أولا...).. ابتسمت له بحلاوة أعادته الى الماضي، تذكره بعدم نسيانه، مهما أدعى لن ينسى العمر الذي تشاركاه. أطرق برأسه يعود لعبوسه، فاختفت بسمتها وضمت شفتيها حنقا بينما تقوم لتغسل يديها. كل منهما يحاول بلع الطعام وكأنه الشوك ينهش حلقيهما.
هو يتهرب منها وهي تحاصره بمقلتيها، استرجعت بعضا من قوة عزيمتها لتسأل من جديد.
(سراج ...لماذا تغيرت؟.... ما الذي فعلته؟... وإن كنت لم تعد تحبني ...لماذا تزوجتني ؟... لم أكن لأطالبك بوعدك ...كنت لأتفهمك ...)... قالتها والسكاكين تنهش في صدرها مع كل كلمة تلقيها في وجهه المطرق. زفرت بيأس، فمدت يدها لترفع رأسه لكنه انتفض قبل أن تصل إليه، لتهتف بحزن طغى عليه الذهول.
(لهذه الدرجة!... لا تتحمل حتى لمساتي؟ .... لماذا تزوجتني إذن... لماذا؟)... تهدجت نبرتها في آخر حديثها، فاقترب منها الى ان أصبح وجهيهما لا يفرق بينهما سوى القليل من الهواء، يجيبها بفحيح، حاقد ضاعف من ريبتها.
(وعدٌ قطعته على والدك...وعليك قبله .... لكنك لن تفهمي معنى الوفاء بالوعود ....أنت التي بعت نفسك للشيطان ... من أنت؟ ....صدقا ...أين هي أريج التي كبرت امامي؟... تلك التي تربت على المبادئ... والتي تعلم حدودها مهما ادعت التحرر وقوة الشخصية؟ ....أين هي؟.. كيف تغيرت الى أخرى ضعيفة.. متخاذلة؟...كيف؟...)... انكمشت على نفسها، تضم شفتيها خزيا.
صادق في قوله لقد تخاذلت وتنازلت حتى أوشكت على الضياع.
ابتسم ببرود متهكم، يردف قبل أن يخرج بشكل عاصف.
(هل بلعتِ لسانك؟... لقد تغيرتِ بالفعل ...لأن أريج التي أعرفها كانت لتقيم الدنيا ولا تقعدها، مدافعة عن نفسها بشراسة ...لكن ماذا ستقولين الآن؟)... شهقت تبكي بحرقة بعد خروجه وضمت ساقيها الى بطنها، تعود للخلف فوق سريرها، تهمس بوجع.
(لم تكن الحياة سهلة بعد رحيلك يا سراج .... كان على أريج أن تتسلح بقوة من نوع آخر.... كي تستطيع العيش بدونك و في كنف والد مريض... أريجك كسرتها مصاعب الحياة ...وتكالبت عليها الظروف ...فماذا كانت لتفعل غير الذي فعلته ؟؟.... ارحمني يا رب ...).
استلقت على وضعية الجنين، تضم إليها ركبتيها فارتخت أهدابها بتعب، تستعين بمصدر السرور في قلبها كما دأبت على الفعل منذ رحيل مصدر أمانها وسكون هواجسها.
*قبل سنوات*
تقف أمام المرآة، تتفقد قفطانها الجديد الذي ظنت بأنها لن تحصل عليه وستضطر لحضور زفاف صديقتها بثياب عادية لكن حبيب قلبها فعلها ودفع ثمنه، رغم رفض والدها الذي أتاها صوته، يؤنبها باستياء.
(لم يكن عليك تحميله ما لا يطيق يا ابنتي ..)... التفتت إليه، تهتف بعتاب.
(من فضلك أبي دعني أسعد به ...ثم أنا طلبت منه تأجيره ....لم تكن غايتي شراء واحد ...).. هز رأسه بيأس فاقتربت منه تقبله على وجنته، تردف بسرورها الطفولي المدلل.
(لا تحزن أبي ...لو لم يقدر على شراءه لما تكلف عناء إحضاره ...إنه سراج أبي ...لا يستحي من أحد...). ضم رأسها من الخلف يقول بحكمة، تعلمها من قسوة الظروف.
(تعلمي العيش على قدر رزقك بنيتي ....لا تتطلعي الى السماء فتفقدي النعم التي على الأرض منثورة بين قدميك ... والأخطر أن تقعي في الحفر لأنها ايضا على الأرض... أنزلي رأسك العنيد هذا قليلا من عليائه وانظري حولك ...)... رافق كلماته الأخيرة بدقة خفيفة على رأسها فعبست بطفولية ثم قامت، تجيب بمرح.
(أنا ذاهبة للعرس ...أخبر ابنك المفضل أن يأتي لاصطحابي ...تعلم الأعراس هنا تنتهي مع بزوغ الفجر...) شيعها بأنظار حانية وخائفة، يهمس بتضرع.
(أدعو الله أن يحفظك من الشرور ...ومن الدّين ...دين والدك ... أسأل الله أن يقبل توبتي ...).
أما الغافلة عن معاني الحكمة فقد أسرعت وكل فكرها، ينحصر في عرض أناقتها والتدلل أمام صديقاتها كي تثير الغيرة كعادتها حين تذكر من اشتراه لها وقد كان لها مأربها و الفتيات يرمقنها، بعضهن بغبطة وحسد وأخريات بينهن واحدة بالذات، ترميها بسهام الحقد.
(انظري يا أريج ... جمانة ترمقك بحقد ...أخاف عليك من عينيها ...)... ضحكت أريج، ترد بمزاح بينما تشير بكفها مستخفة.
(جمانة من؟... هل صدقتن؟... غيرت اسمها وأنتن لم تُكذبن خبر ...رحم الله أيامك يا سلوى السُّم ...أصبحتِ جمانة وترتدين من الماركات العالمية ...وجميعنا يعلم كيف ومن أين؟...). ...همست صديقتها بمكر.
(ششش ... ستغضب وينقلب العرس على رؤوسنا ...)... دفعت أريج بشعرها الأسود المفرود بالمكواة المنزلية الى الخلف ثم وقفت تُعدل من هندامها، قائلة باستعلاء ...
(أنا من سيقلب العرس لكن الى فرح ...هيا أنت وهي قمن للرقص... أريج بذات نفسها ستغني ...)... هللن لها وهي تتوجه الى الفرقة الشعبية كي تشدو بصوتها الرقيق الذي يشهد لها كل من في الحي بعذوبته، باستثناء والدها وسراج اللذان يستشيطان غضبا حين تتدله الأفواه استمتاعا بها وكأنها يلزمها عاملا آخر لجذب العيون الراغبة.

عندو الزين عندو لحمام دايرو في دارو
وانا الحب وانا الغرام جابني تال دارو
عندو الزين عندو لحمام دايرو في دارو
وانا الحب وانا الغرام جابني تال دارو

كيقولوا عينيه زايغه عمرو فحياتو ما بغى
والي قال لشي وحدة زوينة كتكون غير صباغة
وانا وانا جاني على الكانة (من يوافق هواي)..امتى غيجيني
وانا والي يجيني على الكانة (من يوافق هواي)..صحة يبغيني(يحبني رغما عنه).
طرقت النغمات أذنيه وهو قادم من عمله الذي امتد الى قرب الفجر بسبب ثمن القفطان الغالي لكنه لم يكترث، بسمتها ولمعة مقلتيها أنسته كل تعب تكبد عناءه في عمله الذي يكرهه فعاد مسرعا كي يراها وهي تتأنق به فخرا، إلا أن البسمة فرت والحماس تلاشى وانقلب الى غضب و حنق من حبيبته العنيدة.
توقف على مدخل الخيمة الكبيرة المنصوبة من أجل الزفاف، يرمق الشباب الذين تجمعوا كي يختلسوا الأنظار الى العندليب الرشيق ذو الوجه الفتان. كتم غيظه بينما يعض على شفته ورفع رأسه باحثا عنها ليتوقف به الزمن، يرمق ضحكها وغنجها مع كل كلمة تشدو بها فيرفرف قلبه مع كل بسمة وهزة كتف و حاجب.
(يا سلام ... ما هذا الجمال؟)... انتفض مجفلا من هيامه بها، ملتفتا الى مصدر الغزل ليجد الشباب مفغرين أفواههم، بعضهم منسجمين وراقصين يتتبعون حركاتها فزمجر بغضب يتخذ طريقا بين الحشد، يدفع بعضلاته القوية دون هوادة، ليصل إليها بسرعة قياسية. ارتعدت وهي تراه أمامها محمر العينين فألقت بالميكرفون أرضا.
نسيت نفسها تماما في خضم انسجامها، كان في نيتها إشعال الحماس في نفوس الفتيات كي يُحيين زفاف صديقتها ولم تحسب حساب اندماجها الى أن وصل سراج. بلعت ريقها وخطت أمامه دون كلمة، تكفيها نظراته الحارقة. ما إن أصبحا في الزقاق قريبا من بيتها حتى زمجر بغضب.
(ألم أحذرك أريج ؟.. أخبرتك قبلا ...أرفض أن يستمتع أحد بجمالك وبنعومة صوتك...أرفض بشدة!...واظن أن والدك أيضا كان واضحا في هذا...لماذا أنت عنيدة؟...)... ارتبكت تستند بالجدار، تلتمس منه العون وهي تنظر إليه باستعطاف تأمل أن يؤثر فيه بينما ترتعد من خوفها ومن نسمات الفجر الباردة.
(سراج!!... من فضلك ...انا آسفة ...جدا جدا ... كنت أريد إحياء زفاف صديقتي ..).. اهتزت خصلات غرتها مع انتفاضة جسدها بسبب صياحه الغاضب بالقرب من وجهها.
(لماذا أنت؟ ...هناك العشرات غيرك من الفتيات ...لماذا أنت بالذات؟ ...بل يلزمك من يكسر رأسك الصلب هذا ..)... نفخت بحنق، تهتف بنزق.
(لم يحدث شيئ سراج ... غنيت قليلا ولهوت ...ما الذي حدث؟... لا شيئ!..)... اقترب اكثر، يُصر على أسنانه من غبائها، يفسر بغيظ.
(أجل حدث.... حدث أن الرجال تمعنوا في جمالك ولمحوا أنوثتك ...استمتعوا بغنجك و دلالك ... فأيقظت شياطينهم وقد يضعك أحدهم في عقله المريض ..... هناك نفوس مريضة كثيرة في هذا العالم يا أريج!..)... قلبت شفتها السفلى، تلتجئ الى الحل الأخير الذي تنسف به أساسات تعقله، تقول بنبرة بكاءة.
(أنا آسفة ....لم افكر في كل ذلك ...أردت التسلية مع صديقاتي ...فقط ..)... تنفس بعمق يمسح على وجهه ونزع عنه سترة بدلة عمله يديرها فوق كتفيها ثم حثها بدفعة خفيفة على ظهرها كي تتقدم، يعقب بنبرة رغم وجومها خرجت هادئة.
(آخر مرة سأسامحك فيها بما فعلته .... أحذرك .....)... التفتت اليه ناسية أمر البكاء بغته، تهتف بتحذير.
(لن تخبر أبي أليس كذلك ؟؟..) ....ضم شفتيه بيأس، يجيب بغيظ وكل ما يتمناه ضربها على رأسها علها تستفيق من عالم الجحود الذي تزوره بين الفينة والأخرى.
(و كأنك تخشين والدك....أعانه الله عليك ...)... ضحكت بمرح، تفرك كفيها ببعضهما تستجلب بعضا الدفئ.
(وأعانك أنت أيضا ...لا اريد لأبي أن يحزن ...)... ابتسم بتمهل، يرمقها بطرف عينه بعد أن عاد يحثها على المشي، يؤنبها.
(أنت أكبر محتالة عرفتها غي حياتي ....)... شهقت بتصنع، ترد بطريقة مسرحية ....(أنا ؟... أريج التي كل ما في قلبها على لسانها... سامحك الله سراج ...)... ضحك بصخب يهز رأسه بيأس واستأنفا طريقيهما غافلين عن عين حقودة، غيورة، تتبعتهما منذ خروجهما من العرس، تهمس بغل يتميز به قلبها الغيور.
(سنرى الى متى ستحتفظ بعصفورتك النقية ياسراج الأريج؟....سنرى؟ ...).



**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 02:38 PM   #3

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني


شهقت بفزع، تستفيق من استلقائها المتعب فتلفتت من جديد لتسترجع إدراكها. قامت بتثاقل بعد أن لاحظت أن الليل قد حل ونظفت المنضدة من بقايا الطعام ثم اغتسلت وغيرت ملابسها، لتقيم فرضها.
جلست بالقرب من النافذة، تتأمل النجوم المتلألئة على صفحة الأمواج الهادئ ولم تشعر بالوقت من جديد حتى فتح الباب يهل عليها بيده كيس ما، وضعه على المنضدة واستدار بصمت ليغتسل و يغير ثيابه.
راقبته يصلي فرحلت ذاكرتها إلى يوم سألته ببراءة الصغار لما لا تراه يصلي مثل والدها، فابتسم يرد أنه لم يجد من يعلمه إياها، ليتدخل والدها ضاحكا أنه أصبح له معلما وإن فقد الكثير من الأشياء ليعطيها. بعدها واضب على صلاته وكم لمحته باكيا، يطلب الغفران من ربه بسبب عمله. سلم منهيا صلاته ليجدها تنظر إليه بسهو وشبح ابتسامة يتشبث بجانب ثغرها، فدق قلبه الغبي بسرعة، جعلته ينتفض غاضبا من نفسه بعنف أجفلها، فتهربت بمقلتيها الى النافذة. جلس على السرير المقابل وفتح الكيس، يسحب منه بعض الزبادي و التفاح. ابتسمت بتلقائية، تسحب العلبة معقبة بحنين.
(لازلت تتذكر عشاءي المفضل ؟....شكرا لك ...).... وهل نسي شيئا يتعلق بها؟ همس به شيطانه والعبوس يسكن محياه لا رحيل. ألقى بالكيس أمامها بإهمال وأد البسمة الوليدة على شفتيها ثم استلقى على سريره واندس تحت الغطاء يوليها ظهره. تنهدت بحزن وتركت علبتها هي الأخرى لتحذو حذوه مثله.
عاتبه قلبه كي يتفقدها لولا الكلمات المسمومة تراود خيال عينه وفكره من بين شفتي جمانة يرافقه اعتراف عمه محمد على فراش الموت، لا يصدق كيف أخبره بما قاله وطلبه الذي يقيده بجحيم سيتلظى فيه طوال عمره، لا فكاك منه!
استدار بجسده بعد حرب كسبها قلبه الغبي مجددا ليجدها توليه ظهرها مثله بينما علبة الزبادي لم تُمس. وجم يسند جانب رأسه، يتأمل العلبة التي أخذته في رحلة عبر الزمن الى يوم من الأيام الغابرة، جمعته بأعز الناس إلى قلبه.
*قبل سنوات*
ولج الى بيت عمه محمد وفي يده كيسا مشابها، يصيح كما العادة على من يشتاق قلبه إليها باستمرار.
(أريج! ..).. وهي كما العادة تأتي مسرعة من غرفة صغيرة كباقي البيت المسقف بالصفيح بين أشباهه ليكونوا حي صفيح بين آخرين، لطالما حاربوها المسؤولين لكن عبث، تكبر كوحش كلما قطعوا رأسه نبت مكانه رأس آخر أو اثنين. سلمها الكيس باسما، ففتحته لتفتح فمها بدهشة.
(تفاح وزبادي؟... شكرا لك ...لكن التفاح غالي الثمن هذه الأيام...). اتسعت بسمته بسرور حقيقي، كم يسعده رؤيتها تقفز فرحا من أي شيئ يفعله من أجلها ولوكان بسيطا.
(لا شيئ يغلى عليك وعلى الحفاظ على رشاقتك ...)...قالها بتهكم مرح على حبها للتفاح بالزبادي كعشاء للحفاظ على رشاقة جسمها، كما تدعي. همت بقضم التفاح فسحبها منها، مستدركا برفض مؤنب.
(اغسليها أولا ....متى ستتعلمين الاعتناء بنفسك؟...)... هزت كتفيها واستدارت متوجهة الى المطبخ، ترد بتلقائية وبنبرة شقية.
(أنت هنا .... ستعتني بي ..)... عبس فضحك والدها الذي ظهر على باب غرفته، يتدخل متهكما.
(أنا دللتها و أنت أنهيت المهمة على أكمل وجه...).. اقترب منه، مصافحا، يجيبه بوجوم حل عليه مرافقا لقوله.
(أنا ذاهب الى العمل ...أراكما غدا بإذن الله ...).. ربت على كتفه، مواسيا.
(توكل على الله بني ...سيفرجها عليك لا تخف ...)... هز رأسه وغادر بعد أن تأكد من غسلها للتفاح وليراها مرة أخيرة كي يستطيع مواجهة عمله الذي يكرهه.
تمشى بخطوات حثيثة لنصف ساعة كاملة حتى وصل الى الشارع الكبير حيث يستقل قطار المدينة أو ما يسمى ب (الترامواي).
حمله الى وسط المدينة ليستقل من هناك سيارة أجرة متوجها الى أحد أكبر الفنادق حيث يعمل حارسا أمنيا. ابتسم بتهكم بارد، ليته يعمل حارسا على باب الفندق! إلا أن ذلك المكان أيضا قد أضنوا به عليه، ليحجموه ويضعوه في مكانه الذي يناسب حقارة مستواه المادي و التعليمي، من ضمن حراس الملهى الليلي حيث يجتمع من يعتبرونهم من علية القوم، لكنه لا يراهم وهم غارقين في المنكرات، يفقدون بها عقولهم سوى حثالة القوم. فكيف يعتبرونه هو حقيرا بينما لم يتلقى لا تعليما لائقا، ولا والدين أو حياة رغيدة عكسهم هم! ثم يكبر هو ليتمسك بالقليل الذي تعلمه على يدي محمد من دين و أخلاق في حين لا يظهر على أخلاقهم لا تعليمهم العالي ولا رغد حياتهم! لمح زميله حسام يقف على مدخل الملهى منتظرا إياه، يبتسم في وجهه العبوس ما إن وقعت عينيه البنيتين على مقلتيه المظلمتين.
(مرحبا صديقي ... أنت جاهز؟).. هز رأسه بنفس عبوسه الذي يتشبث بملامحه إلى أن يخرج من ذلك المكان الموبوء.
اجتاز رِواقا تمنى لو طال فلا يصل الى تلك الساحة المغلقة على نفسها تحت الأرض بأضوائها الخافتة المتغيرة ألوانها كل ثانية وبصخبها المُدوي، يكاد يصم آذانه ثم الرائحة اللعينة، خليط بين رائحة جلد الأرائك والمشروبات الكحولية ومختلف أنواع عطورهم الغالية الفواحة.
تكاد تختنق أنفاسه، لكنه العمل الوحيد الذي وجده بعد عذاب البحث المضنى، فمن سيشغل متعلم في دورات محو أمية من حي الصفيح المشهور بالصعاليك، والمجرمين. كانت لبنيته القوية التي دأب على الحفاظ عليها ليحمي نفسه و حبيبته ووالدها، ما ساعده في إيجاد العمل كحارس للملهى.
(ابتسم قليلا يا صاح ...ألن تتعود أبدا؟)... حسام صديقه الصدوق، تعرف عليه في شجار تورط به مع شباب من حيه، التفوا حوله فأغرقوه في الضياع حتى تخلى عن الدراسة ووصل به الحال أن طرده والده من البيت، متبرئا منه. صَاحَبَه مشفقا عليه، فهو ليس من حيه البائس وحاول إبعاده عنهم حتى أنه أواه في غرفته البسيطة، الملاصقة لبيت محمد هذا إن سُمي بيتا. توطدت علاقتهما خصوصا بعد أن أصلح بينه وبين أهله ومنذ تلك اللحظة لم يفارقه وكان السبب أيضا في تلك الوظيفة.
(بالله عليك حسام ...دعني وشأني)... ضحك حسام وهما يشيران لباقي العاملين بتحية موجزة.
(هون عليك الليل في بدايته .... الصبر يا سراج الصبر ...)... زفر باستسلام ثم سريعا ما اندمجا في عملهما، يراقبان الزبان لحمايتهم و الحذر من تصرفاتهم الرعناء في نفس الوقت بسبب السكر. تكاثر الهرج والمرج بين الفتيات العاملات بشكل سري من مختلف الجهات إن كان من الفندق أو خارجه وزبائن يمتلكون من البذخ ما يخولهم لشراء أي شيئ يرغبون به أو حتى لا يرغبون فقط لإثبات تجبرهم وتكبرهم وتعالت الرقصات و الضحكات الخليعة كما المشاهد الخليعة الفجة فزاغت الأبصار العمية عن الحق وداخت العقول عن الحكمة.
ألقى بما في الكأس في جوفه مصدرا شخره سريعة بسبب الحرق الذي سببه في حلقه ثم قال بامتعاض، يسحبها من دقنها بعنف لتنظر إليه.
(إلى من تنظرين؟ ...أنظري لي أنا!..)... استدارت إليه تخفي قرفها، تجيب بغنج مدعى ببراعة.
(أبحث عن صديقتي من أجل رفيقك فقط حبيبي ... من سيلفت انتباهي وأنت هنا معي؟...)... فتح عينيه الناعستين ثُمالة، ينظر في اتجاه ما، يرد بنزق.
(بلى ...طوال الوقت وأنت تراقبين ذلك الحارس ....من هو كي تنسيني أنا؟ .... أنا من اشتراك يا عا....... أنا من اشترى لك مشروبا لا تحلمين به في حياتك البائسة ....أنا سيدك وستقعدين تحت رجلي... أدوس عليك كالحشرة ....لأنني اشتريتك ....بمالي! ...).. ضمت شفتيها غِلا تكبت حقدا أسودا، لكنها ظلت صامتة، فهي معتادة على تلك المعاملة وأسوء، أ ليست تبيع نفسها كسلعة؟! لتصمت إذن حتى يبزغ الفجر وينتهي يوم آخر لتكسب دراهم تطير مع الريح رغم كثرتها. تلعن اليوم الذي سقطت في حفرة الجحيم تلك، صِغرها و قلة عقلها مع حاجتها غرروا بها، لترى الفلاح في كثرة المال وإن كان حراما، وإن كان المقابل بيع جسدها وكرامتها قبل ذلك فكانت النتيجة جحيم لا ينته من الذل وكره الذات وفخ لا تعلم كيف تفر منه؟. رحلت مقلتيها الى سبب هياج عذابها، من يُصَعّب عليها تحمل النار التي ألقت نفسها بها.
سراج ابن حيها الوسيم. الرجل الذي يجمع بين صفات كثيرة ميزته عن غيره رغم تشابه الظروف، يبقى هو بهيبة تخصه لحاله. أحبته بشكل مرضي وروحها تتعلق به كل يوم، بل كل لحظة أكثر فأكثر. أجفلت على صفعة مدوية حط بها سيدها الذي اشتراها تلك الليلة على وجهها بقوة أسقطتها من على كرسيها.
(يا كَلْ..!... يا حقيرة! ...أنت تتجاهلينني أنا!!...يا حثالة!....يا عا.... !..)... أسرع حراس الصالة يتقدمهما حسام وسراج الذي أوقفها ثم استدار الى الذي هم بالتهجم عليها، يُطَوّق ذراعيه بقبضتين من حديد، ينطق بهدوء مهدد حازم.
(اهدئ سيدي .....)... حاول الرجل الانسلال من بين قبضتيه فلم يجد القوة بفعل السكر، ليهتف بغضب.
(من تظن نفسك لتمسك بي ؟...سأدمر حياتك ....بل سأقفل هذا الفندق اللعين .....سأعلمكم من أنا !!...)... نظر سراج الى مدير الفندق الذي تم إعلامه في الحين برفقة فتاتين تعملان في قسم العلاقات العامة، إسم منمق يدرأ أسوء الأعمال.
تسلموه من بين يديه، يخرجونه بعدما راضوه، الله أعلم بما! ليتجاوز الجميع الموقف بسرعة البرق دون أن تتوقف الأغاني الصاخبة عن الصّدح، تغطية لأي صوت قد يعلو. استدار الى التي تبكي بصمت، يسحبها الى جهة الحمامات حيث هتف بها بحنق مشمئز.
(إن كنت غير قادرة على هذا المستنقع ....ما الذي يجبرك عليه؟...)... تركت الدموع تشوه من أصباغ وجهها، ترد بنفس الغضب.
(نفس الذي يجبرك على تحمل عمل تتأفف منه كل حين ....)... ابتسم ببرود، يقول.
(أنا لا أبيع جسدي وكرامتي لأحد ....ومع ذلك أشمئز من مجرد التواجد هنا خوفا من أن يقع عليه غضب من الله يشملني معهم ...)... ارتبكت تطرق رأسها بخزي، ترد بنبرة خفتت ذُلاّ.
(أنا مُعدمة يا سراج .... سأموت جوعا....)... ضحك بتهكم، يعقب بينما يتخصر من تحت طرفي سترته.
(أرجوك كفّي .... غيرك في الحي كثيرات ومنهن من حالهن أسوء من حالك ....فابحثي عن حجة أخرى...)... برقت مقلتيها بغيرة، تهتف بسخط.
(من تقصد ...أريج؟...)... لم يجبها يضغط على شفتيه فاسترسلت بغل.
(لسنا كملاكك يا سيد سراج ...لأن الآنسة الطاهرة كان لها من الحظ الكثير ... جعلها تكسبك حاميا لها ... على عكسي أنا لم أجد في ظهري أحد...)... أسدل جفنيه ضجرا، يقول بجمود قبل أن ينسحب.
(لا فائدة منك .... أنا تأخرت عن عملي ولا تذكري اسم أريج في هذا المكان أبدا ....أحذرك...)... غادر بغضب وهي تهمس بحقد أسود.
(لا تريد حتى لاسمها أن يذكر هنا ....الطاهرة البريئة ....خذه مني وعدا على رقبتي يا سراج .... إن لم أحضرها هنا ...الى هذا المستنقع كي تتلطخ بوحله! ....لن أكون جمانة!....).

فتح مقلتيه مع أذان الفجر على هاتفه ليكتشف أنه غفى على وضعه وهو ينظر الي ظهرها المسترخي والدال على استغراقها في النوم.
تنهد بعمق، يهمس لفكره متذكرا.
(لقد كانت جمانة محقة .... حين لم أكن في ظهرك ...دخلت المستنقع برجليك ..)... ذكر الله ثم قام ليستجيب لنداء.
خرج من مسجد الباخرة وعاد الى مكانه على المقعد الحديدي المنزوي، ينتظر الشمس لتتحرر من سجن أفقها، كي تُهل بآمال ترسلها كأشعة دافئة، تلامس خدود البشر بروية ونعومة تتسلل مع مساماتهم الى عمق عروقهم.
رمشت بجفنيها قبل أن تفتحهما على وسعيهما، لتلتفت برأسها الى مكانه الخالي، زفرت بوجوم وقامت تتوضأ كي تصلي الفجر ثم انتظرته على النافذة، ترمق الشروق بانبهار وكم تمنت لو أنها على وفاق مع حبيبها لكانت رحلة كاملة.
تحركت الأفكار في عقلها بصخب، تعود الى يوم نجاحها في الثانوية، كان أكثر سعادة منها، يرمقها بفخر تلألأ عبر مقلتيه المظلمتين. حينها أخبرته ووالدها انها ستكتفي بشهادة الثانوية وستبحث عن عمل. صمت والدها بينما هو اشتدت ملامحه استنكارا، يصيح عليها غضبا أن لا تحلم بالتوقف عن اكمال تعليمها. تحدته كما اعتادت وتناقشت معه بحدة، جعلته ينسحب ويختفي من حياتهما لأيام كادت فيها أن تجن. سألت والدها عن صحة قرارها، فأخبرها أنه طبعا سيسعده إكمال تعليمها، لكنه كمالية كبيرة على قوة تحمله وفي نفس الوقت نصحها أن تطيع سراج، إنْ هو تعهد بمساعدتها فهو غالبا يريد أن يراها في موضع حُرم منه لتستسلم أخيرا وتعلن رضوخ قلبها لهوى صاحبه وتبحث عنه في كل مكان إلى أن وجدته عن طريق صديقه حسام. تأسفت منه كثيرا مع تعنته المعتاد حتى لجأت إلى آخر حلولها ودمعت مقلتيها فرفع راياته البيضاء. أخبرها عن أمانيه لها بكل ما حرم منه ولو طال مكانًا بين النجوم لاشتراه لها بدمائه كي تلمع هناك بتألق يليق بها وكأن في قلبها مكان ليزداد فيه حبها له، لكنه بشكل ما علا وارتفع وأصبحت متيمة بعشقه.
تنهدت بأسى وهي تفيق من ذكرياتها لتستدير إلى شاغل أفكارها وقلبها، يدخل عليها بطعام الفطور وكما العادة أكل بصمت كما خرج.
كذلك مرت أيام طوال على السجينة التي لا تستطيع الاعتراض، فهي فقدت الحق في ذلك بل فقدت كل حقوقها لديه كما أخبرها يوم ممات والدها بعد صفعة لا تظن أنها ستنسى ألمها في أحشائها قبل خدها ما عاشت.
زفرت بضجر تقرر أن يومها ذاك نهاية لسجنها الذي لا تعرف سببه، حسنا إنها تشك، لكن كل البشر خطاؤون، وهي تداركت خطأها وأنقذها الله قبل أن تتمرغ في وحل قذر.
فلماذا لا يسامح؟ لقد كانت معذورة كما كان أسبوعا واحدا.
تشجعت قبل أن يفر منها كعادته، تناديه بتردد.
(سراج!)... استدار إليها بصبر أوشك نفاده، قُربها يهلكه ويجعل مهمة تجاهلها مستحيلة. تلبكت تفرك بين كفيها، تستطرد بتوتر.
(من فضلك ...أريد أن أخرج ...لقد مللت من الجلوس وحدي دون ما يشغلني ...).. ارتفعت زاوية فمه بما يشبه البسمة، يجيب ببرود.
(وهل من المفترض بي الاهتمام برغبات سموك ؟...)... كاد قلبه ينشطر من صدمتها، تفغر شفتيها بذهول من رده البارد، لكنه تجلد بجمود فهو بالكاد يصبر على تجاهلها وهما في الغرفة، لن يستطيع التضحية بساعات فراره منها خارجا.
(لا تقلق سأظل في سجني الى أن أموت وأتعفن ....لا تشغل بالك بي... ففي النهاية هذا ما تريده ...).. قالتها بكبرياء مجروح، فاقترب منها حتى لفحتها أنفاسه الساخنة، يرد بنظرات اسودت لا تعلم بما، رغبة أو كرها أو هما معا.
(لا تعرفين ماذا أريده يا أريج ....ومن الأفضل لك أن لا تعلمي...). ... زفر لمرات عدة ثم التفت مستأنفا طريقه خارج الغرفة بينما هي تهوي على السرير، تطلق العنان لدموعها.
اتجه الى السطح لينفرد بكرسيه البارد والشمس الساطعة تنعكس على صفحة الأمواج الهادئة، يفكر في أن الرحلة التي ظل يحلم بها ويخطط لها لم تكن مشابهة أبدا لما هي عليها الآن. كل شيئ انكسر وتحطم في فوضى عارمة، كل شيئ خطط له بحالمية، سعى له باجتهاد. خطط لكل حياته القادمة، سفره الى الوطن، زواجه من حبيبة قلبه والعودة بها في رحلة بحرية تكون لهما شهر عسل حالم.
رفع وجهه يستشعر دفئ الأشعة الذهبية فراحت خلايا دماغه تستنجد بذكرى جميلة له معها، بنسمة باردة تحل على حرارة الجحيم التي تغلي بها فلم يكن منه سوى الاستجابة لإغرائها.
*قبل سنوات*
(هيا يا سراج .....أسرع ...سأسبقك!..)... اتسعت بسمته وهو يستجيب لطفوليتها، تعدو على رمال البحر التي اسودت بفعل التلوث، فبحر العاصمة الاقتصادية قد أصيب مثل غلافها الجوي بتلوث شوه من نقاوة صفائها على عكس باقي المدن السياحية التي تشتهر بجمال ونظافة شواطئها.
(سألحق بك ...وأنت تعلمين ذلك..)... ركض خلفها حتى استسلمت وارتمت على الرمال، تلهث من فرط نشاطها وسرورها.
جلس جوارها فاقتربت منه وابتعد بخفة، لتعيد كرتها مقطبة بحيرة بينما هو يبتعد مرة أخرى لتنظر إليه بريبة رد عليها بحزم غلفه بتسلية.
(لقد كبرتِ وأصبحت فتاة جامعية .... يجب عليك الحذر في تصرفاتك ...).. انفرجت ملامحها ضاحكة، ترد بتلقائية.
(حتى منك أنت سراج؟؟).... هز رأسه مؤكدا، يجيب بمقلتين تلمعان بحب.
(خصوصا أنا ...اسمعيني أريج...).. تنبهت لجدية نبرته فركزت عليه نظرها، وهو يستطرد باهتمام.
(أنت لم تعودي تلك الفتاة الصغيرة التي تعلمت على يد والدها كيف أعتني بها ...بل كبرتِ وأصبحت ناضجة .... أعلم أنني قد لا أكون ملائما لك ...لا اظن أن أحدا يفعل .... لكنني أحبك أريج ...)... ارتعشت نبرته مع آخر كلماته فارتبكت تحمر خجلا لكنها هتفت بمزاح تدرأ به حياءها.
(ما كل تلك المحاضرة؟ ....ثم الجميع يعلم عن علاقتنا الفريدة ...وأبي يخبر الناس أينما حل أنك خطيبي ...يعني قد ابتليت بي وانتهى الأمر....)... قاطعا بقلق واضطراب لا يصيبه سوى فيما يخصها.
(لا أريج .... لا أريد لعلاقتنا أن تكون أمرا مسلما به ...بل أريد أن أتأكد من مشاعرك تجاهي ... )... لم تصدق أريج توتره وخروجه عن تباثه وحدة ملامحه فقالت بمكر، تجاهد حياءها الذي قلما يزورها.
(لماذا سراج؟... ماذا ستفعل إن أنا رفضتك ؟... ألن تغضب وتتزوجني رغما عني؟...)... اشتدت ملامحه، يبلع ريقه بمشقة آذت حلقه الجاف ثم حرك رأسه بروية ينطق بنبرة بان عليها التوتر والغضب المكبوت.
(لن ....أجبرك على شيئ أبدا ....مستحيل ... أعلم أنني لست لائقا بك ...)... رقت مقلتيها ولمعت بالدموع رأفة به تنتفض هاتفة بلهفة مستنكرة.
(أنا أمزح سراج ....أرجوك ...أنت أكثر شخص مناسب لي في هذا الكون ... من سيحتوي تهوري و جنوني ؟... من سيذكرني بنظافة طعامي؟.... والاهتمام بصحتي غيرك؟ ...سراج ...أنا ..).. صمتت تحمر غير مصدقة لما تشعر به من حياء وانفعال، قلبها يرج صدرها بصخب فابتسم لها بقسمات ارتخت، يحثها.
(أنت ماذا ؟؟...أريج)... رفعت كفها تمسك بجانب عنقها ارتباكا وهي ترد.
(أنا لن أكون لغيرك أبدا .....).... شع النور من وجهه الوضاح، يعقب بمكر انتقل إليه.
(أريج تستحي ؟.... عشت ورأيت ...)... ضحكت بقوة فعبس يتلفت حولهما، مستطردا بحنق.
(أخفضي صوتك ... كنت سأصدق للحظة ...)... وضعت كفها على فمها ترمقه باعتذار واه فتاه في مكر مقلتيها اللامعتين بما صدق أنه حبا فيه.

انتفض في مكانه على اثر هزة خفيفة أعلى ذراعه، ففتح عينيه بتعب تمكن من أطرافه.
(سيدي! ...الشمس محرقة ستصيبك بمرض... ).. تململ مكانه ليتأوه بألم، يجيب بخفوت متهكم دون أن ان ينظر الى محدثه.
(لقد أصابني المرض وانتهى الأمر ...)... قام بوهن وخطى عائدا الى الغرفة، هامسا بنفس السخرية.
(أنا من سيتعفن ويموت وليس هي ...).
لم تتحرك من مكانها، تضم إليها ركبتيها تدس أنفها بينهما، مستندة الى الجدار خلفها على السرير ورأسها مطرقة.
بأنفاس مضطربة، خطى الى سريره وارتمى عليه، يستشعر برودة تُرعد أطرافه، ليتنهد بعد لحظات بهمهمات غير مفهومة، جعلتها ترفع رأسها أخيرا لتكشف عن وجه بائس محْمَر من البكاء. تأملت استلقاءه الغريب لبرهة وهمهماته تكثر وتكثر إلى أن فقدت صبرها وترددها، لتسرع إليه تتفقده.
(سراج!... سراج!... ما بك؟....)... رد بشيئ ما لم تتبينه جيدا فاقتربت منه تخفض جانب وجهها، لتسمعه يُهستر بتوسلات لا تخص سواها.
(لماذا أريج؟ ...لماذا؟... أنا أتوجع أريج ...قلبي يؤلمني ...لماذا؟.... أريج...).. سالت دموعها من جديد، تهمس بألم، تتوسله التصديق والتماس العذر.
(سراج ...سامحني ..أعلم أنني جرحتك ...لكنني لم أخلف عهدك أبدا ...أرجوك حبيبي ...سامحني ...)... حرك رأسه بألم فاتسعت مقلتيها خوفا حين وصلتها حرارته المرتفعة، لمست جبينه فتأكدت لها الحمى.


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 02:54 PM   #4

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,016
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 05:18 PM   #5

nesrine la alegria

? العضوٌ??? » 454775
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 231
?  نُقآطِيْ » nesrine la alegria is on a distinguished road
افتراضي

اعادة القراءه❤❤❤

nesrine la alegria غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 05:38 PM   #6

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث

انتفضت، تهمس بهلع وقد نسيت أمر حزنها ووضعهما.
(يا إلهي ....سراج ...ماذا سأفعل؟... حرارتك مرتفعة ...أين سأجد دواء أو طبيبا؟ ...)... أمسكت رأسها بكلتا يديها، تفكر في حل أو بالأحرى تتذكر كل ما كان يفعله من أجلها حين تمرض، تذكرت شيئا ما فهتفت بإدراك.
(البصل !!.... يخفض الحرارة مع الكمادات بالماء الفاتر...)... نظرت حولها فضربت جبهتها، تستطرد بسخط.
(أي بصل هنا يا غبية؟... يلزمني مخفض حرارة ...يجب أن أخرج ....)... بحثت عن معطفها ارتدته بسرعة ثم توقفت تنظر إليه، تخشى عصيانه لكن لا حل آخر لديها. كانت ستفتح الباب حين لمست شعرها لتذكر الحجاب الذي لطالما تمنت ارتدائه بقرار منها إلا أنها ارتدته أخيرا لكن بأمر منه هو.
سحبت الوشاح لتحيط به رأسها وخرجت تتجول على غير هدى، فسألت بعد أن تعبت من إيجاد مكان الصيدلية. جلبت طلبها وعادت مسرعة، تلهث من الخوف والقلق.
وجدته على نفس حالته فأسندته بمشقة ليتناول قرص الدواء ثم شرعت في وضع الكمدات على جبهته الملتهبة. مرت ساعات وهو متمدد دون حركة سوى من همهمات من حين الى آخر. زفرت بحزن واقتربت منه تضم وجهه بين راحتي كفيها بحنان بالغ وظلت تتأمل تفاصيل قسماته الحبيبة وكلمات تصيح بها أحشائها دون الجرأة على تجاوز حلقها.
(انه زوجي ....أصبح زوجي ... لماذا أشعر ببعد لم أشعره حين كان لي أخا وصديقا وعائلة؟ ... أ ليس من المفروض أن يكون أقرب الآن؟ ....أنا أملك حق ضمه.. واللجوء الى أحضانه؟...كيف فقدت هذا الحق ؟...كيف؟).
فتحت فمها تفضي بأخرى مسموعة، لكنه كان في غيبوبة الحمى التي أنهت على قواه المنهكة.
(أخبرتك يا سراج ...بل رجوتك وتوسلت إليك أن لا تسافر ....أن لا تتركني لقمة سائغة ...كنت أعلم ان الأمان معك راحل... الإيمان بالله الذي طالبتني بالتحلي به لم يكن لدي قويا يا سراج ...كنت أعتبرك الأمان بدلا منه وفي النهاية هو من أنقذني في غيابك ....هو من حماني في مكان لم أكن لأخرج منه لولا رحمته بي ...أخبرني يا سراج ...ماذا كان علي فعله؟... هل كان علي مراقبة أبي يعاني؟ ...أجبني يا سراج ...لقد مات وتركني بعد أن تعافى وأصبح بعافية ....مات وانتهى أجله ...).
ضمت شفتيها والدموع على وجنتيها مدرارا ثم أعادت رأسه الى مكانه وقامت تنظر الى النافذة ليتراءى لها قرص الشمس البرتقالي يندمج مع السراب بين أمواج البحر. غروبا هادئا تماما كذلك الذي تميز به يوم أقنعها بقراره النهائي، لم تعلم أن حبيبها المحموم قد سافر مثلها بين جنبات الماضي.

*قبل سنتين*
(يا حسام ابتعد عني ....)... نطقها سراج غير مستجيب لدعابات صديقه أثناء العمل، ينتظر كالعادة بفارغ الصبر كي يخرج من هناك..
(إنها من حيّكم يا صاح وصديقة لأريجك ..).. التفت إليه غاضبا فرفع يديه يدعي الاستسلام، مستدركا ببراءة مدعية.
(إنها صديقة خطيبتك الآنسة أريج ...كلما أريده ... أن تبلغها كي تخبر صديقتها عني لا أكثر ...)... مطط شفتيه دون أن يجيبه وعينيه على شخصية مهمة من بلاد عربي، لمحه مرة واحدة في الثلاث سنوات التي عمل بها هناك ومثل المرة الماضية أحدث حضوره جلبة بين حاشيةٍ حوله وحراس شخصين كثر مما أضاف الى مهمته العبء الكبير.
(أنت لا تسمعني يا صاح!..)... زفر سراج، يجيب ببعض الجمود.
(إن كنت تريدها أمامك باب واحد لا غير ...أما لعبة الرسائل هذه لا تعمل لدي .. لستُ حمامة...)... ضحك حسام بمرح بينما هو يقطب ملاحظا رجلا ما، يدعي الرقص بخطوات قد تظهر عابثة إلا أن عينيه المترقبتين أدركت مدى ادعائها.
(لا تخف أنا معجب بها ...كما أنها مثل خطيبتك ابنة حلال ...لذا سأعرض عليها الخطوبة... وابحث عن عمل حراسة نهاري في أي مكان آخر وهكذا ... سأوفر مالا لاكتراء بيت صغير ...)... لم يتنبه له والآخر قد استولى على تركيزه بالكامل، يلمح شيئا ما يلمع من تحت قميصه مع حركاته التي يحاول إصباغ العبث عليها لكن السكر أعمى الزبون عنه وحتى حراسه الذين أعطاهم استراحة، كل واحد منهم يتسلى مع فتاة أو كأس شراب في ركن ما.
رفع يده يسكت استرسال صديقه الذي يقنعه بجدية نيته تجاه صديقة خطيبته، ليصمت على مضض يتتبع إشارة يده.
(انه ثمل آخر... فقد تركيزه على خطواته)...أخبره حسام بضجر فأومأ سراج وقد تأهبت جميع حواسه، قائلا بجدية.
(لا يا حسام ....ليس ثملا ...بل يدعي الثمالة...)... لم يمهله ليجيب، تحمله رجليه تجاه الرجل بالتزامن مع اقترابه من هدفه، ليصل مع آخر خطوة له جوار الزبون المستغرق في حديث مع فتيات يتنافسن على من تكسب وده، لتحظى بأكبر حصة من المبلغ الباهظ الذي سينثره تحت أرجلهن.
سحب مسدس من خلفه، ظَهَر له كاملا، يهم بتوجيهه إلى هدفه لولا تفاجئه بسراج الذي أجهز عليه في حركة مدروسة. دفع بالمسدس بحدة فطار في الهواء ليقع على الأرض ويتلقفه حسام المراقب لصديقه، يحمي ظهره. استقام الزبون من مكانه منتفضا من المشهد الواضح أمامه، كما تجمع حراسه في غمضة عين يحاوطونه لكن سراج كان قد أسقط الرجل على بطنه وقيد رسغيه خلف ظهره ثم استدار إلى الحائط البشري يهتف بتهكم.
(انتهى الأمر... الأولى بكم الاهتمام بعملكم ....) رمقوه بعبوس فخرج سيدهم من بينهم، يتقدم نحوه، يوجه له الحديث بريبة وبلغة بلده الأصلية.
(من هذا الرجل؟ ...ولماذا يريد قتلي؟...)... أشار سراج لمدير الفندق الذي كما العادة يحضر مع كل مصيبة تقع على رؤوسهم، يجيبه بحزم.
(سنحتفظ به في غرفة حتى تقرر ما ستفعله به....حاول قتلك ..هذا يعني أنه يخصك ...إن أردت إبلاغ الشرطة أو لا ...)... كانت تلك قوانين الفندق، أومأ عليها المدير بتأكيد وربت على ظهر سراج، يعقب بامتنان.
(أحسنت سراج ...ستصرف لك مكافئة ...)....أومأ بلا معنى ولم يسعد بمكافئتهم، فمالهم اختلط وامتزج حتى اختفت منه البركة، يطير مهما كبرت قيمته.
سلم الرجل لحراس الزبون الذين تبع منهم اثنين مدير الفندق، كي يدلهما على الغرفة المعنية بينما هو وحسام قد عادا الى عملهما، يحثان الناس على حلّ تجمهرهم. ظل الزبون مراقب لسراج مدة طويلة عاد بعدها أحد الحارسين، يبلغه بشيئ ما جعله ينتفض من مكانه مغادرا وهو يرغي ويزبد. تنفس سراج براحة يحمد ربه أنه قد رحل بمشاكله، يحسبه شخصية له أعداء قاتلين.
انتهت ليلة أخرى من جحيمه واستعدا هو وصديقه للرحيل، لكن المدير أرسل في طلبه فاستجاب وصديقه يشيعه بكلمات مازحة.
(اذهب يا بطل ...لتحصل على مكافئتك ...)... (سأخبره أنك ساعدتني ...فقط لا تصبني بعينيك الحسودتين..)... ابتسم رغما عنه من شهقة صديقه المُدعية واتجه نحو مكتب المدير ليجد أن من أرسل في طلبه لم يكن سوى الزبون الذي أنقذ حياته.
أشار له ليجلس أمامه بينما المدير يتركهما على انفراد حسب طلبه.
(أولا أريد شكرك على ما فعلته من أجلي ...)... رد سراج بسرعة.
(إنه عملي ...وليس جميلا ....).. ابتسم الرجل، يرد.
(أعلم ذلك وأنت بارع في عملك..... أخبرني سراج كم تتقاضى كراتب هنا؟...) .... ضم ما بين حاجبيه الكثين حيرة فاستطرد الرجل بهدوء.
(انا السيد مازن ال..... أظنك سمعت عن هذا الاسم من قبل ....وإن لم تفعل ...أنا رجل أعمال ...والسوق مكان قاس يُكسب الأعداء ومن أقرب الأقربين....)... لازال سراج يرمقه بحيرة والآخر مسترسل.
(أرى أن موهبتك تضيع هنا هباء في حراسة مجموعة من السكارى مقابل بعض من الدراهم ...أراهن أنها لا تكفي نصف احتياجاتك ...)... ابتسم سراج فتشجع الآخر، غافلا عن سبب بسمته الساخرة من جملته السابقة فما هو إلا واحد من أولئك السكارى الذين كان يحرسهم.
(أنا أعرض عليك عملا أهم.... وبمقابل أكبر ....لكن سيكون عليك مرافقتي الى أي مكانه اذهب إليه...)... استنفرت أطراف سراج، ينطق باستفسار.
(تريد مني حراستك؟...) أومأ إيجابا فاستطرد بفضول.
(لكنك محاط بالعديد منهم ...)... رفع قدمه اليمنى ليضعها فوق اليسرى، يعقب ساخرا ....(لكنهم ليسوا بمثل براعتك ولا اتقانك لعملك ...فأنت صاح طوال الوقت ...لا أظنك تحتسي الخمر ...)... هز رأسه مؤكدا، يقول بحزم.
(أمر واحد سيغريني لقبول عرضك ....هو أن لا أُجبر على حرام وسأحميك بحياتي ...)... ضحك الزبون، بظفر يرد.
(هذا هو الفرق بينك وبينهم ....وأنا موافق ... متى تستطيع البدء؟)... أجاب بتلقائية.
(متى ما أردت ...)...
فكر الرجل قليلا ثم سأله.
(هل لديك جواز سفر ؟)... ضحك بتهكم مرير كرد أبلغ من حديثه.
(أحذرك سيدي قبل أن توظفني ...أنا خريج محو أمية ...ولم يسبق لي أن سافرت خارج أسوار هذه المدينة الكبرى ....)... تأثر بسخريته فضحك بهدوء يقول ...(لا تهمني دراستك ...بل أمانتك ....أمامك أسبوع تجهز فيها أوراقك ...لتلحق بي الى وطني ....اتفقنا ؟!)... تنفس بعمق يفكر هل فعلا ستُفتح له أبواب الرزق الحلال؟!..لكنه أومأ على أي حال وفكره يحوم حول شخص واحد ...أريج.... كيف سيرحل ويتركها؟!.
الأيام التي تلتها كانت عذاب مضاعفا، منذ أن بلغهما بقراره المفاجئ.
حاولا ثنيه خصوصا هي، لكنه كان أقوى منها، بكل حجة أهمُّها تركه للعمل الحرام. حصل على مساندة والدها بينما هي ظلت على غضبها وإن استسلمت لرغبته فدعاها الى الشاطئ كالعادة ليراقبا الغروب وهو يلقي بحججه كي يقنعها ...(إنها فرصة لا تُرفض أريج .... عمل حلال وبأجر مناسب ...كلها سنة أو أكثر بقليل بإذن الله ...أجهز فيها بيتا يليق بنا هناك ...ثم أعود لأتزوج بك ونأخذ عمي محمد معنا ...)... هتفت بحنق طفولي رغم إعجابها بالفكرة التي داعبت أحلامها.
(ومن قال أنه حلال؟ ...ألم تتعرف به في نفس المكان الموبوء؟..) ... زفر، يفسر بصبر.
(لقد سألت عنه ...إنه رجل أعمال معروف ورث مجال عمله أبا عن جد ...لا يهمني فيما يصرف ماله ...لكن ما يهمني هو مصدره ...وبما أن تجارته حلال ...فلا حجة لدي لأرفض ثم أنا سأحرسه هو... أخبرته أن لا علاقة لي بالحرام وهو موافق...كل ما يريده هو امانتي وبراعتي في عملي )... صمتت على مضض، تنظر نحو البحر المستقبلة لقرص الشمس بين أمواجه الهادئة فاستطرد برقة، يحاول استرجاع بسمتها التي تنير حياته.
(أريج ....ألا تتمنين اجتماعنا تحت سقف واحد؟.... كزوجة وزوج؟...)...ردت بنبرة تتهدج ببكاء وشيك.
(بلى.. أتمنى ...لكنك سترحل بدلا من ذلك ....)... اقترب منها على الرمال دون أن يلمسها، قائلا بحزن يفوق حزنها.
( أريد أن أبني لنا حياة تليق بك ...معيشة بسيطة لكن محترمة وكريمة ... لا أريد لك ولا لأولادنا إن شاء الله أن تتعذبوا بسبب الفقر ....يكفي ما فات ...والفرص لا تتكرر الا نادرا ....)... رمقته بحب مقتنعة بمنطقه لكنها عبّرت بوجوم.
(لمن ستتركني سراج؟... أنا أتوه من بعدك ...)... ابتسم بحزن، يجيب بمزاح يغطي به دموعا تحجرت بكبرياء رجولي.
(أريج تتوه ؟؟... لا أصدقك ...ثم أنا أتركك في رعاية الله ... الأمان معه هو سبحانه ....سيحفظك ويحفظ عمي ...ويحفظني أينما كنت ..).. صمتت لكن دون أن تكف عن البكاء فمد يده لأول مرة مدفوع بمشاعره القوية، يمسح دمعاتها برقة، ارتجفت فأبعد يده بسرعة، يستدرك بتوتر.
(هيا أريج ....أريني بسمتك كي أتشجع ... الأيام تمضي بسرعة والحول قليل من الزمن ...)... ابتسمت رغما عنها تشعر بالخواء والفراغ من مجرد تفكيرها في خلو وطنها من حضوره، من خلو جو الأرض التي لا طالما شاركتها معه من أنفاسه ولم يكن ما أحسته ذلك اليوم ليُقارن ببشاعة شعورها يوم أن رحل بالفعل.
أفاقت من ذكراها، على كلماته التي لازال يهمهم بها لتتنبه الى حقيقة مشاركته أفكارها.
(لقد تهتِ بالفعل يا أريج ....تهتِ ... لماذا؟).... مسحت على وجهها، تومئ بحزن واجم.
(بلى يا سراج ....لقد تهت من بعدك ...).
تحمل صدره مجهودا جبارا كي يخرج من أنفاسه، يشعر بثقل كبير يجثم على كامل جسده، تحرك رغم ذلك وفتح مقلتيه بكسل، متضايقا من أشعة الشمس النافذة عبر البلور. حاول التحدث لكن الجرح في حلقه لم يسمح له، أدار رأسه تجاه السرير المقابل فلم يجدها. فزع من غيابها فتململ بثقل، يهم بالوقوف كي يتفقد الحمام فأصابه دوار أعاده الى سريره، يغمض مقلتيه آخذا من الهواء الكثير. تمالك نفسه وأرغمه على الوقوف فدخلت عليه تحمل أكياسا بين يديها. هرولت إليه حين لمحته واقفا، يرمقها بشحوب أقلقها وأمسكت به تقول.
(لماذا قمت؟ ...لم تُشفى بعد ...عد...).. قاطعها ينفض يدها من عليه بقرف، طعن قلبها بسكين الغدر، يهتف بغضب وهن.
(أين كنتِ؟... وكيف تخرجين دون إذن مني؟ ....تلك الحرية التي ألفتها انسيها ....أنت زوجتي على ذمتي ...فاحترمي ذلك ...وحافظي على كرامتي ...)... زمت شفتيها، تشعر بإهانة أصابت كرامتها هي في مقتل، تهتف بغضب حزين.
(لا أظن خروجي لإحضار الدواء و الطعام يضر كرامتك في شيئ ....أم أنك نسيت بأنني عشت تقريبا سنتين لوحدي أراعي فيهما والدي المريض ...)... لوح بيده سخطا، يحاول الحفاظ على تباته.... (أجل بالضبط ...أنت لا تُتْركين لحالك أبدا... فتُفسيدين كل شيئ... بتهورك واستخفافك بكل أمر مهم ...)... رمت الأكياس على الأرض، تمسك برأسها، تصيح بنفاذ صبر.
(يا الهي سراج ...أخبرني ماذا فعلت كي أستحق منك هذه المعاملة؟ .. أنا تعبت أقسم بأن أعصابي قد تلفت من قسوتك .... ماذا فعلت؟ أخبرني!)... أمسك معصميها بقوة يلقي بها على السرير، هاتفا بانفعال غاضب.
(أخفضي صوتك!... ما فعلته أخجل حتى من ذكره ولا أريد منك لا دواء ولا طعام ....الله الغني ...فقط انزوي واصمتي ...).
راقبته بذهول لا تصدق انه سراج، هذا الرجل أمامها انسان حاقد، ناقم، لا يمت لحبيبيها الذي رعاها ما عاشت من عمرها، وقام على حمايتها بصلة.
تحامل على نفسه وآوى الى الحمام، يزيل من عليه أثر الحمى فبقي هنالك تحت رذاذ الماء الدافئ لمدة طويلة، يفكر في فخه الذي أتقن القدر أحكامه حوله، حتى لا يفر منه يوما.
غير ثيابه وهي ساكنة أمام النافذة لا تحيد بعينيها من عليها ثم خرج بعد أن تحدث بغيظ.
(اياك والخروج من هنا ....أنا أحذرك ...)... لم يظهر عليها سماعه، لأنها لم تجبه تعود بذاكرتها إلى تلك الأيام الصعبة التي عاشتها في غيابه، تسترجع شعورها بالغربة وسط من وُلدت وكبرت بينهم. تعترف بخطء واحد كاد أن يلقي بها الى الهلاك فكيف يعتبرها موصومة بالعار؟
أجل، نظرته المقززة والطريقة التي نفض يدها من عليه، كما كلماته المهينة، برهان أكيد على اشمئزازه منها.
لكن لماذا؟ وكيف؟ هل اخطأت بمجرد الدخول الى ذلك المكان؟ تعترف بذلك لكنه والدها من تبقى لها، بل من عرفته كعائلة لها طوال حياتها. كيف لها أن تراه يذوي أمامها كل يوم، يتعذب بفعل وجعه، لم تستطع!
قلبها كان يتمزق بآلام وازت آلامه فسعت للتخفيف عنه وبدَلت كل ما استطاعت كي تؤمن له مبلغ عمليته الجراحية، ليعيش بسلام دون وجع ما تبقى له من عمر. حتى لو كان قصيرا لكنه عاشه دون آلام تقض مضجعه. لذلك هي لا يهمها الثمن وإن عاد بها الزمن ووُضعت في نفس الموقف كانت لتفعل المثل، جعدت دقنها متراجعة.
(حسنا قد أغير قليلا ...)... صمتت للحظة ثم زفرت تستطرد بسخط.
(بل كل شيئ... كنت لأفعل اي شيئ آخر إلا ان أدخل الى ذلك المكان ...وأتعرض لما تعرضت له ...)...


**قبل سنة أو أكثر بقليل**

أفرغت اللبن المغلي في فنجان وأخذت من علبة عسل النحل ملعقة صغيرة ومزجته مع اللبن جيدا. جلست بالقرب من والدها المستلقي على السرير بتعب استبد به رويدا رويدا منذ ان رحل حبيبهما.
(تفضل أبي ....إنه محلى بعسل النحل .... كلفني ثمنا باهضا لكنه جيد لصدرك المريض ...)... تناوله منها، يرد برفض ضاعف من وهن ملامحه.
(يا بنيتي ...وفري المال ولا تصرفي كل ما يبعثه لك ...)....ربتت على جانب وجهه بحنو، تجيبه برقة.
(أنا أحاول أبي لا تخف ...اشرب هيا ..)... بسمل، يرتشف بتمهل ثم سألها من بين سعاله المستمر.
(هل هاتفك اليوم؟؟)... تذكرت الهاتف البسيط الذي تكلف ثمنه هو الآخر وأوصاها بعدم مفارقته أبدا، كي يطمئن عليهما كل يوم بمكالمة واحدة وكذلك فعل لتسعة أشهر التي سافر بها كما يبعث لها حوالة كل شهر بمبلغ من المال يكفي لسد جوعهما ومصاريف آخر سنة من جامعتها.
خصوصا مع مرض والدها وعدم قدرته لمزاولة عمله البسيط، لكنه كان يساعد في المصاريف ولو بالقليل.
(أجل أبي ...كلمات موجزة كالعادة...).. نطقتها بحزن، تشتاق دلاله واهتمامه بها، فقال والدها بحنو.
(لا بأس بنيتي ....انه يسعى للتوفير ...كي يسرع في تحقيق هدفه ...اصبري... الله المستعان)... أومأت له بتفهم، فقطبت بقلق وهي تلمح شحوب وجهه، يمسك على صدره بشدة لا يستطيع التنفس بحرية.
(أبي ...ما بك ؟ ...أجبني ...أبي!..) ... لم تسمع منه سوى الصَّحْل*صوت اختناق الصدر*، فانتفضت بخوف تتفقده وهو يزْرَق من عدم تمكنه من التنفس بطبيعية.
(أبي؟... يا رب... يا رب ...ماذا أفعل؟)... أسرعت لهاتفها تطلب حسام الذي حرص على تنفيذ وعده لصديقه، يزورهما كل يوم برفقة صديقتها التي أضحت خطيبته. أخبرها بأنه سيحضر سيارة إسعاف من المشفى العمومي وأن تتمالك نفسها كي تهتم بوالدها فعادت إليه تضمه بحنان، تحثه بملامح مرعوبة.
(تنفس أبي ...تنفس حبيبي ... حاول أبي ...لا تستسلم ...)...
بعد ساعات من الانتظار على باب المستعجلات المكتظة، ترفض الجلوس، تروح وتجيئ بتوتر. كل ما تفكر فيه انها ستفقد والدها أيضا، وستظل وحيدة. أرعبتها وساوس الشيطان وقد فشلت صديقتها و خطيبها في تهدئتها. حاولت الاتصال بسراج مرات عدة لكن هاتفه كان مغلقا كعادته في غير ميعاد اتصاله. تنفست بارتعاش تحاول التماسك، تنظر الى كل اتجاه تنتظر ظهور أحد ما يطمئنها على حال والدها حتى زفرت بخوف تعدو إلى طبيبٍ خرج يبحث عن أحد ما.
(من فضلك .... كيف هو أبي؟...) ... قطب منتظرا بتساؤل فأخبرته عن حالته واسمه، فأومأ قائلا برسمية.
(حالته حرجة ...لديه انسداد في شريان داخل الرئة اليمنى ...يحتاج لتدخل جراحي مستعجل ...)... لم تستطع البكاء وقلبها مضطرب داخل جوفها، تسأل.
(هل ستقومون بالعملية هنا؟...) ...رمقها الطبيب للحظة ثم اقترب يتحدث بهدوء، يكاد يكون خافت.
(العملية هنا ب*....*.ألف درهم ...لكن إن قصدت مصحة *....*....سأقدم لك خصما 2 بالمائة ...)... بلعت أريج ريقها ترمقه بذهول، من أين لها بكل تلك الأموال؟ وكأن خصمه الغبي قد حل المشكلة.
(فكري جيدا ...وإن قررت ابحثي عن مكتبي لنتفق ...).. خطت الى الكراسي وارتمت على واحد، تنظر أمامها بسهو فأسرعا إليها حسام وصديقتها يتسألان.
(بما أخبرك الطبيب؟ .. كيف حال العم محمد ؟..).... حدقت بهما، ترد بسهو صادم.
(حالته حرجة ...تلزمه جراحة ...وب*..* .....ألف درهم ...)... شهقت صديقتها بصدمة بينما حسام يزم شفتيه بقلق.
(من أين سآتي بالمال؟ يا إلهي! ....ماذا سأفعل؟...). ....تدخل حسام بمهادنة، يرى الرعب مرتسم على وجهها، وصديقتها تنتحب بصمت.
(أهدئي يا أريج ... سنجد حلا بإذن الله ...أخبري سراج أولا....قد يفلح في اقتراض المال من مستخدمه ...فهو الملياردير المعروف ....)... رفعت رأسها وقد أشعل فتيل الأمل في صدرها، تهز رأسها مرات عدة بملامح مثيرة للشفقة.
(أجل ....سراج سيجد حلا ...أنا متأكدة....).. ابتسم حسام لاستجابتها، يُسر قلقا بالغا لأن مالم يخبرها به، ان القنوات العربية تضج بخبر عن حادث أصاب الملياردير المعني، يسأل الله أن لا يكون صديقه قد أصيب فتكون تلك ضربة قاضية لها.
مرت الأيام وهي تحاول مكالمته دون جدوى فكادت تفقد عقلها بعد أن علمت عن الحادث والمال بين يديها ينضب بسبب مصاريف المشفى فوالدها يحتاج لآلة الأكسجين الى أن يقوم بالجراحة.
(أهدئي يا أريج ...لولا قدر الله قد مات كما تخشين ...كانوا ليبلغوا أهله ...أنا متأكدة أنه أعلمهم عنك وعن عمي محمد كعائلته ...)... هزت رأسها مرات عدة بلا معنى وهما واقفتان على باب بيتها، تشعر بالتشوش و الرعب من فقدانهما معا. أتاهما صوت جمانة القلق دون ادعاء، تستفسر وهي تخفي لهفتها كما كرهها لمن تسألها.
(هل صحيح ما سمعناه يا أريج؟... يقولون سراج تعرض لحادث وقد يكون ميتا ...)... لم ترد عليها تبلع ريقها رعبا، قلبها يهدر داخلها فتولت صديقتها أمر الرد بسخط وامتعاض.
(لا قدر الله ...هو بخير بإذن الله ..)... تجاهلتها واقتربت من فريستها، تقتنص فرصة طالما انتظرتها. (وكيف حال العم محمد ؟... يقولون حالته سيئة... ويحتاج لجراحة ...).. رمقتها أريج بغضب، تجيب بينما تتخصر بتأهب.
(سيكون بخير هو وسراج ....كلاهما سيكونان بخير ...لا تقلقي نفسك يا .....سلوى!)... رفعت راسها، تقول بتكبر صلف.
(انا اسمي جمانة ...)... ضحكت أريج بسخرية باردة فاستطردت الأخرى، ترمي طعمها السام.
(على العموم ...أردت عرض مساعدتي عليك إذا احتجت للمال ...)... رمقتها أريج بسخط بينما صديقتها تعقب بتهكم وهي تضم يديها الى صدرها.
(وهل ستقرضينها المال مثلا ؟؟...) ... مططت شفتيها، تدعي الحزن.
(لو كنت أملك مالا يكفي ...ما كنت لأتردد أبدا ... لكن إن هي أرادت هناك عمل يناسبها جدا ... وقد تجمع مالا كافيا للعملية الجراحية في ليليتين أو ثلاث ....فقط ...).. زمت أريج شفتيها، تكبت غضبا لو أطلقت سراح لجامه، لكان افترستها بينما صديقتها تشهق مجيبة بهلع.
(تريدين جرها الى مستنقعك القذر؟... أين أنت يا سراج؟؟... رحم الله أيامك ... لم يستطع أحدا تجاوز حده مع أهل بيته...)... لمعت مقلتي جمانة بكمد، تنطق من بين أسنانها.
(الفندق الذي أعمل فيه ...وكان سراج أيضا يعمل فيه ..... يحتاجون الى مغنية ذات صوت جميل ومظهر جذاب ... كل ما ستفعله هو الغناء ....لن يمسها أحد بضرر ...)... عضت أريج شفتها تفكر بسهو ورفيقتها تهتف بحنق.
(حد الله بيننا و بين تلك الأماكن ....ثم أريج مستحيل ان تعصي أمر والدها وخطيبها وتغني ...حتى بين صديقاتها ....فما بالك أمام الرجال السكارى...).. أخفت جمانة بسمة اللؤم، تقول قبل انسحابها.
(هو عمل كغيره ... والدها في حالة يرثى لها وسراج ليس هنا كي يتصرف..... تعلمين أنك عاجلا أم آجلا .ستضطرين لاتخاذ قرارات مصيرية .....مثلا ...كإنقاذ حياة والدك؟ ...).
استدارت صديقتها، تهزها من سهوها قائلة بتحذير. ...(إياك يا أريج ....لا تستمعي إليها.... إياك ....انها حية لا تضمر الخير لأحد .... إنها تغار منك ...بل حاقدة ... )..حينها نطقت أريج بيأس بدأ بالتسلل الى قلبها.
(سراج الذي تغار مني عليه ...رحل ...ولم يعد ...لماذا ستغار ؟؟...) .... صاحت صديقتها بمقلتين متسعتين.


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 07:18 PM   #7

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرايع

(سراج الذي تغار مني عليه ...رحل ...ولم يعد ...لماذا ستغار ؟؟...) .... صاحت صديقتها بمقلتين متسعتين.
(لا لم يرحل!! ...لقد هاجر من أجلك... من اجل أحلامكما ... يا إلهي حسام ايضا ترك العمل هناك ... يقول أن صديقه سراج من كان يهون عليه حقارة المكان ... ولم يتحمل بعد رحيله البقاء هناك.... احذري يا أريج ...إنه امتحان من الله ...)... بلعت ريقها، تجيب بحزم.
(أبي لن ينتظر عودة سراج .......حالته حرجة وسيخيرونني في وقت ما قادم ....إما المال ....إما الطرد من المشفى ..).
وكم كانت محقة حين أخبروها أن انتظاره طال، والجراحة واجبة.
شعرت بنفسها تختنق بدل والدها فانزوت عن صديقتها وحسام الذي أُسقط بيده فهو أيضا حاول الوصول لصديقه ولم يفلح في ذلك وبدأ بالاستسلام هو أيضا لليأس.
دمعت مقلتيها تنتحب بصمت، الهاتف الصغير رهين قبضتها تحدق به، تكلمه كأنه سيقفز منه ليظهر أمامها ببسمته الواثقة ونظرته الحادة، ليأتي بكل الحلول وتشعر بالأمان مجددا.
(أين أنت يا سراج؟... نفدت من بين يدي الحيل... اكتشفت أن قوتي تنبع من وجودك ....من حماياتك لي حتى من نفسي ... أنا احتاجك يا سراج ....أنا أتوه من نفسي ....ولا اعلم ماذا أفعل ؟؟). ... مسحت دموعها وقامت من مكانها، متسللة من المشفى بعدما اتخذت أسوء قرار في حياتها،..... وكانت تعلم بذلك.
(لم أكن أعلم بأنك ستقبلين بهذه السرعة ...)... زفرت أريج، تبادرها ببرود قبل أن تعدل عن قرارها الغبي.
(أحتاج الى *..*ألف درهم ....نصفهم يجب أن يؤمن غدا ...هل العمل سيضمن لي ذلك ؟...)... ابتسمت بمكر، ترد بسرعة.
(أجل ....صوتك عذب ..ولديك القدرة على إحياء الحفلات ....سيرضى عنك المدير ويسلمك المبلغ الذي تحتاجينه ...)... قاطعتها أريج بسخط، تعقب.
(هو أسبوع واحد ....هل يكفي للسداد المبلغ؟).... هزت راسها والخبث يتلألأ عبر صفحة مقلتيها البنيتين، تهمس لأحشائها المشتعلة غلا.
(بل أكثر من كافي ....ستعلقين هناك مدى الحياة .....)... في حين تنطق قائلة.
(يكفي لسداد المبلغ ...)... تنفست أريج بحدة ترمقها، فظنت الأخرى أنها ستتراجع، لكنها سألت بتصميم.
(ما هو العنوان؟)... اتسعت بسمتها، تجيب بظفر.
(سأتصل بالمدير حالا لأنني سبق وحكيت له عنك .... وأنني سأحاول إقناعك .... كما ذكرت أنك قريبة لسراج ...لذا تحمس للفكرة ...استعدي الليلة سأمر عليك كي نذهب سويا ....)... تسمرت مكانها لبرهة أمام بيت جمانة الذي لا يبعد عن بيتها الكثير، كل خلية فيها تصرخ بالتراجع وبمدى فظاعة قرارها، لكنها صمت أذان ضميرها وأومأت بلا معنى وهي تنصرف.
بحثت عنها صديقتها في المشفى ثم عادت إلى الحي وتوجهت الى بيتها فلم تجدها أيضا، لذا غادرت تظن أنها قد تكون في زيارة للشاطئ كي تنفرد بنفسها كما تفعل بعد رحيل سراج، على وعد بالعودة في المساء كي تطمئن عليها وكما وعدت وفت، لتجدها تنتظر متأنقة على رأس الزقاق.
(أريج ماذا تفعلين هنا؟ ...انت ذاهبة إلى مكان ما ؟..) ... توترت ترمقها بارتباك، فتولت التي وصلت لتوها امر الرد متشدقه.
(ستذهب للعمل يا حبيبتي!...) شهقت بصدمة وعادت ترمق أريج تهتف في وجهها المزين بغضب.
( أطعتها يا أريج؟... يا إلهي هل فقدت عقلكِ؟...)...ردت بنفاذ صبر فهي بالكاد تقنع نفسها.
(بل سأفقده إذا مات والدي وأنا واقفة مكتوفة اليدين أراقبه ... لا تخافي علي ....سأغني فقط .... سأحافظ على نفسي ....)... أومأت صديقتها بأسف، تجيب بخيبة.
(للأسف يا أريج ....أول الهاوية خطأ يجلب الآخر ....لن تشعري بنفسك حتى تنزلق رجلك...وها أنت تنزلقين فعلا ...)... ضمت شفتيها وقبضتيها بقوة تتأمل وجه صديقتها التي ترجوها بصمت ثم استدارت، تهتف بتصميم.
(هيا يا جمانة !)... اندفعت جمانة، تخفي بسمتها الشيطانية بينما الأخرى ترمقهما بقلق حانق.
مع أول خطوة لها داخل الفندق، استرجعت كلمات سراج التي ينسى أحيانا فيطلقها من سجن صدره، فهو لا يحب ذكر عمله ولا التحدث بخصوصه. تشعر بأنفاسها تختنق، وكل جزء منها رافضا، صرخ متوسلا الفرار الى أبعد مكان.
لكن لقاءها بالمدير هدأ من توترها قليلا وهو يتحدث عن سراج ومدى إعجابه بشجاعته والتزامه بعمله، كما علم عن الحادث ويتمنى عودته سالما. تفاجأت من كم المال الذي وعده بها إن هي أحيت ليلة صاخبة، لكنها قاطعته تشترط بحزم.
(تأكد أنت من أن لا يتعدى علي أحد أو يتجاوز حده ...وسأقوم بعملي ...)...وعدها بذلك وجمانة، تبتسم بمكر، هامسة لنفسها.
(أنا من سيوقع بك من برجك العالي يا ملاك سراج ...)... استعدت بعد أن اختارت من بين الفساتين التي قُدمت لها، أكثرهم حشمة، إذا اعتبر عري كتفيه من الحشمة فتذكرت رغما عنها يوم طلب منها سراج ارتداء الحجاب، رفضت حينها بشدة تحتج بعدم قناعتها ليخبرها أنه فرض كالصلاة ولا يحتاج الفرض للاقتناع بل للحب، تستعيد كلماته بالحرف تقتر حبا لها وخوفا عليها.
(لن أجبرك ...لكن حين تحبين خالقك ... ستطيعين أوامره دون نقاش أو فلسفة .. فالطاعة محبة قبل الخوف والرجاء...)... طوال خطواتها الى المسرح الذي يعلو بدرجة عن باقي الساحة وهي تفكر في كل ما حدث معها، كم كانت مدللة بين والدها وسراج، أي برج عالي وضعاها فيه كجوهرة غالية وكم تحطمت بعد رحيله ليكمل على شتاتها مرض والدها!
فجأة وجدت نفسها في وجه المدفع لم تكن أهلاً لصده.
أمسكت بالميكروفون أمامها ثم تأملت الحضور الذي لم يتنبه لها، كل غارق في وحله، لتتساءل ماذا تفعل هنا؟ كيف وصلت لتلك المساحة التي تقف فيها؟... رفعت راسها بأنفة تشد أزرها بوالدها، إن كانت ستنقذ حياته بغنائها فليكن. استدارت الى الفرقة وطلبت أغنية ما، تفتتح بها أول لياليها الدلماء ...لتصدح النغمة الأثيرة لأغنية شعبية قديمة لم تفت أذن أحد من بني شعبها إلا سمع عنها، قد تكون كلماتها خُطّت لمقاصد عدة، لكنها كانت تخبره هو ....سراج...كانت الكلمات المصحوبة بالدمعات الحارّة له فقط.
الشمعة ...
لله يا الشمعة سَلتك رَدي لي سآلي
شْ بيك فالليالي تبكي مدى انت اشْعيلا
علاش يا الشمعة تبكي ما طالت الليالي
ش بيك ياللي تتهيء لُبْكى فكل ليلة
ش بيك يا للي تنصرفي بدرارك لهطيلا
وعلاش باكيا روعتي ناس لهوى امثالي
وشبيك ياللي ظاهر حالك حالة لى وحيلا
/////
علاش باكيا وانت فمراتب المعالي
وش بيك ياللي فيك اوصاف العاشقين صيلة
////
اذا نشوف لصفرارك يصفارلو خيالي
واذا نشوف دبلتك زادت لخاطري دبيلة
سلتك لله عيد لي اش جرالك
وعلاش باكيا مدا لك
وش كان قصتك وش انهو داك
اش نهو داك باش رق خيالك
وكمن قامتك جنحالك
وتبات باكيا لحبابك وعداك
لي دون خفا احكي بما فدخالك
وحكي قصيتك نصغى لك
وانا قصيتي بها نتعداك
******
لو جيت يا الشمعة نحكي لك كل ما جرى لي
تنسى غرايبك وتسمعي لغرايبتي طويلة
اذا باكيا من نارك نيران في ادخالي
عدات كل نار فداتي وجوارحي عليلة
واذا باكيا باسقامك شوفي اسقام حالي
من قيس وارثو بعد فناه اسقام حب ليلى
واذا باكيا بفراقك مفروق عن اوصالي
وعل الفراق صابر وش صبرني عل لعقيلة
وانت منين جاك تحكي لي لولي وتالي
ما فارقة خليل بحالي ما فارقة خليلة
//////
سحب الرجل جمانة بحدة، يهمس لها برغبة فجة.
(من تلك الفتاة التي تغني؟...).. ردت بتسلية، تتغنج بأطرافها العارية.
(أنا من أحضرتها ... إنها صديقتي ....لكنها لازالت طرية ...تحتاج لوقت كي تألف الأجواء...)... بلع الشراب في فمه، يقول بشهوة شعت من عينيه الناعستين.
(سأمهلك ثلاثة أيام إن لم أحصل عليها ...ستدفعين أنت الثمن...).. هزت رأسها تبتسم بمكر فلا يلزمها سوى يوم أو اثنين كي تأمن جانبها، حينها ستمنح ظهرها دفعة خفيفة واحدة، لتجد نفسها وسط القاع.
لم تعد لبيتها بعد ان أنهت عملها وحصلت على الدفعة الأولى والثناء من مدير الفندق، بل ودعت جمانة و أسرعت الى المشفى تبحث عن الطبيب واتفقت معه على نقل فوري لوالدها الى مصحته، ليقوم بإجراء الجراحة.
فكانت تقضي نهارها مع والدها النائم طوال الوقت في المصحة وفي الليل تغادر من هناك الى الفندق.
قبلت والدها النائم، مودعة وقد اقترب موعد عملها، لتجد حسام على باب المصحة، يهتف بغضب استبد به بعد ان أخبرته خطيبته عن سبب عصبيتها وحزنها، خوفا على صديقة تراقب ضياعها دون حول منها ولا قوة.
(كيف تفعلين ذلك يا أريج؟...) ... زفرت بأسى، تجيب بحزن.
(وماذا بيدي لأفعله يا حسام؟... أن أراقب والدي يتعذب أمامي؟! ... لقد قمت بواجبي تجاهه ولم أفعل أي شيئ يشين من سمعتي ...)... ضحك ساخرا، يرد بينما يتقهقر خلفه متخصرا.
(هل تصدقين نفسك حتى؟.... مجرد دخولك الى ذلك المكان يعتبر علامة مشينة في حق سمعتك ....ماذا ستخبرين سراج؟... هل تذكرينه؟... من رعاك وحماك ...خطيبك الذي بدل الغالي والنفيس من أجلك ...من هاجر يخاطر بحياته من أجلك...)... قاطعته باكية بهستيرية صدمته وقد فاض بها الكيل وانفجر.
(سراج رحل و لم يعد! ...لقد نسي أمري ...لم يذكروا في الأخبار موت أحد في ذلك الحادث .....وهذا يعني أنه اكتفى وقرر التخلي عن همي الذي لا ينتهي ...دعني وشأني يا حسام ...أتوسل إليك... لا تقلب علي أوجاعي ...).
رحلت لا ترى أمامها بسبب الدموع والآخر يراقبها للحظة قبل أن يتبعها مسترجعا وعده الذي قطعه لصديقه.
استقبلتها جمانة بادعاء لودٍّ لم تستسغه أريج، لكنها لن تنسى لها وقوفها الى جانبها في محنتها.
(انه يريد فقط توقيعك ...متيم بصوتك ..).. ضحكت أريج بتهكم قبالة انعكاسها، تمسح على بشرة وجهها بفرشاة الزينة.
(توقيع من يا سلوى!.... انا هنا لأسبوع واحد ...ولن أعيد الغناء مرة أخرى ...)... عضت شفتها بغل، تقول بحقد مكبوت.
(اسمي جمانة يا أريج..... جماااانة!!.. لن تخسري شيئا ...بل ستساعدينني كما ساعدتك ...إن حققت له رغبته سيكافئني ...لن ترفضي أليس كذلك ؟)... لا تعلم أريج لمَ صوت صديقتها، يتردد في دهنها كله لحظة لا يفارقها.
(طريق الهاوية يبدأ بخطء يجلب الآخر ...)... لكنها لم تستطع أن تنكر عليها جميلها لذا وافقت على مضض.
رافقتها وطلبت منها الجلوس الى طاولة الرجل الذي يرمقها برغبة واضحة، يحدق بها بوقاحة ضايقتها لتستدير الى جمانة بتحذير، فهي لم تحبب نزولها الى الساحة.
إن كانت نظراتهم أثارت قرفها وهي تغني على المسرح، فإن قربهم وتحججهم بأي صدفة كي يلمسوها، أصابها بشعور قوي للاستفراغ. تعلمت بأشق الطرق الفرق الشاسع بين العفة والفجور، بين الاحتماء بملابس تحوم حول العورة بحماية من الانتهاك والافتراس وبين إحساس الخزي والعار، كأنهم يعَرُّونها بأعينهم قبل أيديهم فشتان بين النجوم المتلألئة في السماء العالية وبين الوحل المهمل في قاع المستنقعات.
اختنقت أنفاسها في حلقها، تتذكر كلمات نُقشت في قلبها والتحمت بشرايينها.
(لو طُلت مكانا بين النجوم لاشتريته لك ...)... وقفت منتفضة وكأنه حولها يصيح بها، يعاتبها، وتلفتت في كل اتجاه تبحث عن ظله.
(ما بك أريج؟ ...اجلسي)... قالتها جمانة وهي تسحبها لتعود للجلوس والآخر يتدخل بابتسامة سمجة.
(بلى ...أريج ما بك يا قمر؟ ...اجلسي وتدللي ...كل طلباتك مجابة ...)... قطبت تنظر إليهم بريبة فقدمت لها جمانة كأس عصير، تستنكر على الرجل بزجر مزعوم.
(خذي أريج ...اشربي العصير لابد أن حلقك جف من الغناء ....سيدي أريج لا تتناول الكحول لأنه مضر لصوتها ...)... ثم ضحكت بميوعة، جعلت أريج ترتشف العصير تهربا من شعورها بالغثيان. لحظات فبدأ الغثيان يتحول الى دوخة وتشوش في الرؤية. أمسكت برأسها تحاول الحفاظ على وعيها متيقظا دون جدوى، لا تشعر سوى بارتخاء في أطرافها ورغبة بالضحك والبكاء معا وكانت آخر الكلمات التي لم تنساها بعدها أبدا، هي بنبرة جمانة الحاقدة.
(إنها جاهزة يا سيدي ...سأرافقها الى غرفتك ...).
(أريج!)... أُنتُزِعَت من أسوء ذكرياتها على يدي معذبها، لتكتشف أن الليل قد حل وهي غارقة في سهوها أمام النافذة ، انتفضت حين اكتشفت أنها فوتت صلاتها فأسرعت الى الحمام دون أن تمنح الذي ارتمى على السرير بمرض لم يشفى منه بعد، بأية نظرة.
تنفس بوهن، يتساءل إن كانت تغوص في نفس سهوه الى الماضي، فتنسى الزمان والمكان حولها. رفع يده يمسد بها على جبينه لتقف على جرح برأ ولم يعد مرئيا إلا لمن تحسس مكانه فزحفت المشاهد إليه تباعا، بدأت بيوم صباحه كغيره بين حراسة مستخدمه أينما ذهب واستغلال فراغه في دراسة لعلم الحراسة، تعلمها على يد زملائه الذين اكتسب صداقتهم بأخلاقه الحسنة المصاحبة للذكاء والقوة، فيبحث ويطالع كل ما يقع بين يديه، خوفا من الاستيقاظ بغتة ويجد حياته الجديدة مجرد حلم داعب رجولته ومشاعره بأمل زائف. لن ينكر اشتياقه لوطنه بمن فيه، ضمن الأسباب التي تجعله منغمسا في العمل الى أذنيه فيحرص على جعل مكالماته موجزة قدر الإمكان لتجنب الضعف الذي يعتريه كلما تغلغلت نبرتها اليائسة الحزينة إلى أعماق قلبه المشتاق مثل وهنٍ أصابه للحظة استسلام بينما تعرضوا لهجوم غادر، ليجد نفسه في امتحان صعب بين فراره من معركة خاسرة لينفذ بجلده أو البقاء والقتال دفاعا عن رب عمله الى آخر نفس، فكان لضميره الغلبة وهو يسحب مستخدمه خلف ظهره يتسلل ويناور، متوسلا خالقه النجاة الى أن أخرجه سالما، ليسمح لنفسه أخيرا بالإغماء، فتصطدم جبهته بحجر دو حافة حادة أفقدته وعيه لأسبوعين كاملين.
فتح عينيه على إثر سماع تكبيرة الصلاة بنبرتها الأنثوية الخافتة، ليعود إلى لحظة استيقاظه من غيبوبته، حينها طلب منهم مساعدته لإقامة صلاته ليشكر ربه على فضل نعمه وبعدها رأسا هاتفها. قلبه أشعره بوجود خطب ما، نبرتها تغيرت لم تعد تلك النبرة الواثقة التي يتخللها الدلال والتسلية، بل كان بها انكسار لم يفهمه وبالتالي عاد الى عمله وروتينه، خصوصا وقد رقّاه رب عمله وضاعف من أجره وقدم له سكنا عائليا، شُيد كملحق من ضمن ملحقات كثيرة للخدم حول قصره. أخذه السرور عائدا إلى وطنه كي يتزوج بحبيبة قلبه ويعود بها ووالدها بعد أن وعده مستخدمه بتأمين أوراق إقامتهم. لم يستوعب صدمته حين تلقى صورا تخص حبيبته البريئة بين ذراعي رجل ما وفستان سهرة عاري، أُرسلت إليه بعد يومين فقط من وصوله، ليفهم أخيرا سر تغير الفتاة التي أصبحت ظل أريجه خاصته، كما سر صمت أبيها ونظراته الحزينة بخزي. انقلبت أحلامه الى كوابيس في غمضة عين واندلعت النيران لتحرق أحشائه دون رحمة.

مرت أيام أخر والباخرة الكبيرة تلتهم الأمواج بشغف وكلاهما يتمنى مرور الزمن بسرعة تخلصهما من جحيم قربهما البعيد. أما هي فلم تعد تسأله الخروج أو أي شيئ آخر، تكاد تتحول الى تمثال لامرأة جالسة على النافذة، تهمس للأمواج والنجوم فلا تتحرك سوى للصلاة حتى الطعام لم تعد تتناول منه سوى الماء والقليل من الخبز كلما شعرت بدوار. لاحظ حالتها لكن كبرياءه اللعين طغى على قلبه المطعون فتمادى في اهمالها، يلوذ بالفرار الى سطح الباخرة فيكون هو الآخر تمثال على كرسي حديدي بارد يتأمل الأفق البعيد.
حلت ليلة أخرى لكنه لم يشعر برغبة في العودة إليها، ضحك بتهكم من نفسه، بل يكبت رغبة ملحة على العدو إليها وزرعها بين أحضانه المشتاقة. سمع أنغاما قادمة من الملهى الليلي للباخرة فعاد يبتسم ساخرا، يهمس لنفسه.
(تلك الملاهي كسرطان أصاب الأمة وتفشى في سائر أطرافها ...)... تحركت خطواته تجاهه دون وعي فانجلت صورة الملهى الحقيقي من حوله، ليحل مكانها صورة الملهى في الفندق، تقدم وجلس إلى منضدة الشراب أو ما يسمونه بالبار. شعر بربته على كتفه تبعته كلمات هامسة تسبقها رائحة عطر فواحة.
(هل تحتاج لرفقة؟)... ارتفعت زاوية فمه تهكما، يلتفت إليها، يرد بمرار.
(ماذا ستقدمين لي كرفيقة؟)... ضحكت بغنج ذكره بجمانة وأمثالها فقطب بخفة، يتساءل إن كانت أريج قد تصرفت مثلهن وهي تستدرج الرجل؟ احتدت أنفاسه غضبا، يشعر بقلبه يتضخم داخل صدره حتى ضاق به.
(سأفعل أي شيئ تطلبه ...)... قبض على ذراعها العاري بقوة فأنَّت بألم، يجيب بفحيح مرعب تضاعفت به الظلمة داخل مقلتيه.
(أطلب منك إبعاد قذارتك عني ...هيا!)... نفض ذراعها بقرف، ففرت هاربة من أمامه خوفا وتدخل النادل على البار، قائلا بتحذير.
(ماذا ستشرب سيدي؟)... رمقه بحدة أرعبته فتراجع عنه، ليزفر بعنف وغادر بخطوات أقرب للركض.
فتح الباب بنفس الحدة ووجدها متحجرة مكانها بجانب النافذة، أجفلت على اثر صفعه للباب، تتسع مقلتيها صدمة من هرولته إليها. أمسكها من ذراعيها وأوقفها، قائلا بهمس حاقد.
(كيف سلمته نفسك؟.... ها؟ ....كيف أغريته؟)... قطبت، ترمقه بجهل وتعب استبد ببدنها فأصبحت كدمية خفيفة بين يديه.
(كيف سمحت له بلمسك ...هل .....هل قبلك؟...). ضحك بسخرية مريرة اختلطت بالعذاب الأليم يتلظى به، يستطرد.
(بالطبع فعل ...إلا كيف!! ...)... متجمدة هي، ذاهلة من أسئلته المبهمة.
تأملها عن قرب ليرتعش قلبه الغبي، يؤكد له أنها زوجته أخيرا، حلاله وبين يديه وكأنه يحتاج لتأكيد أحمق وهو يصبو لتذوق حلاوة قربها.
لطالما أضنته أحلامه معها وحرمته من نوم عميق مريح ليجذبها مسحورا بعطر أنفاسها ويضمها الى صدره يطبق عليها بشدة. أغراه استسلامها وتشبثها به فتنهد بألم وشوق.
عبر بأنفه على شعرها الى تجويف عنقها، يستنشق عبيرها، ساقته أمانيه وخيالاته ليظفر برغباته العميقة. قبلات نثرها على بشرتها الناعمة، متحسسا طريقه الى ثغرها وهي تستجيب له بوهن وحب تبادله إياه وإن حكمه خجل فطري لم تكن تعلم أنه فيها. قبلة فجرت أحاسيس جياشة تطالبهما بالمزيد والمزيد، منساقين خلف مشاعر قوية عصفت بهما كغلاف عزلهما عن كل ما عداهما حتى صدرت منها شهقة مكتومة صدمته لتتسع مقلتيه غير مصدق كيف قام بفعلته ؟ بل والأدهى هي! يترجم ذهوله الى كلمات أطاحت بآخر حصون دفاعاتها.
(أنت عذراء! ....كيف؟..)... تكومت على نفسها ذُلاّ تنتحب بصمت، فلملم شتات نفسه، يفر من قربها المهلك.
يجب عليه أن يستوعب، أن يفكر!
غادر الغرفة وكأن الشياطين في أثره، فضمت ركبتيها الى صدرها، تشهق بألم ينبض به قلبها قبل أطرافها. إنه يظنها ساقطة، كل تلك الاسئلة وتلك النظرات والحقد والإهانات. يظنها سلمت نفسها لرجلٍ قبله وفي الحرام.
غطت فمها حين علت صيحاتٍ تنبع من أعماق أحشائها لم تتجرأ على عبور حدود سرها.
(لقد كنت على وشك ....لو لم يبعث لك الله النجدة.... لكنت بالفعل فقدت رمز عفتك ...أنت السبب يا أريج ... أنتِ من ادعيت القوة ولم تبالي بالشبهة ... إنها بداية الهاوية ...يبدأ بخطء يتبعه الآخر... تلوى الآخر...آآآه)...

لازالت أنفاسه في سباق قاتل، يكاد يقتلع خصلات شعره من جذورها والهواء البارد على سطح الباخرة لا يكفي لإخماد السعير المشتعل في صدره.
(كيف؟... لماذا فعلوا بي ذلك؟... سلوى الحقيرة ...لكن عمي محمد وعلى فراش الموت! ...مستحيل لم يكن ليكذب ....هل خُدع هو الآخر...وحسام ...حسام!)... سحب هاتفه، يطلب رقم صديقه غير مهتم بتأخر الوقت، ليهتف بحزم ما إن أجاب عليه صوته ذو النبرة الناعسة.
(حسام أخبرني كل شيئ حدث مع أريج ...)... (سراج!... ما ....ماذا؟...)... رفع رأسه الى السماء زافرا بنفاذ صبر، يعبث بشعره الحليق بعنف.
(حسام استيقظ أنا أحتاج لأسمع منك ...)... تنبه حسام أخيرا لنبرته اليائسة فاستجمع وعيه، يجيبه معاتبا.
(لماذا الآن يا سراج؟...لقد حاولت وكل مرة كنت تتهمني بعدم صون الأمانة...)... أجابه بغضب من بين فكيه المطبقين.
(لكن الخزي كان مرسوما على مقلتيك ....فعلمت النص من عنوانه يا حسام ..).. رد عليه لائما.
(أجل شعرت بالخزي لأنني فعلا لم أصن الأمانة كما يجب ...قد اكون أنقذتها من بين براثن سلوى السُّم ... لكن ...) ...
(ماذا؟...)... قاطعه بغل فاستطرد حسام، يفسر.
(أجل كل شيئ كان مخطط من تلك المريضة ... لكنني أظل أُحمل نفسي الذنب ... أقسم لك يا سراج .... حاولت كل شيئ كي أتدبر أمر المال للجراحة ....لكن أسقط بيدي ...كانت أوقات بشعة...ومع فقدان الأمل في عودتك ...كلنا تعرضنا لضغط صعب ...وهي رأت في عرض جمانة الحل الأنسب.. تعرفها ....تظن انها ستحمي نفسها بقوتها الواهية ...لم تحسب حسابا لغدر الحقيرة ..)... زفر بقوة، يضغط على الهاتف المسكين بقوة.
(أسمعني سراج .... قد تكون أريج أخطأت بدخولها ذلك المكان ....لكن الظروف تكالبت عليها ...وفي النهاية رب العالمين حفظها لأنه علم بسريرتها النقية ... فمنحها فرصة جديدة ....هون عليك وعليها وانسيا تلك المحنة ...أكملا حياتكما كما بدأتماها .... لا تمنح تلك الحقيرة مبتغاها ...في النهاية أريج لم تخنك ...)... دس الهاتف في جيب سرواله واقترب من الدرابزين، يرمق ظلمة البحر.
(أريج لم تخنك ...أريج لم تخنك ..)...ظلت الكلمات تتردد بين خلايا عقله كشريط لا يتوقف، رغما عنه، قلبه الغبي أعلن عن سروره ورفع رايات نصره وبطريقة ما تلك النار المشتعلة في أحشائه تنطفئ بسلام لم يتحكم في حلوله على أرضه، لتبقى نار الشغف والشوق الى حبيبته تلتهب بين العذاب و اللذة.


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 08:48 PM   #8

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس والأخير

فتح الباب ليدخل إليها بروح أخرى، بنفس كأنها ماتت وعادت للحياة، بعين ترى ورودا مزهرة من بعد خريف تلاه شتاء قاس. لمحها مكومة تحت الغطاء كما تركها، فابتسم بحزن، يفكر أنها أريجه ذات العادات التي لا تتغير. اقترب منها بروية ليجلس على السرير المقابل يلاحظ إن كانت تدعي النوم، لكن سكن أطرافها سوى من اهتزاز طفيف كل حين بسبب بواقي شهقات بكاء، أنبأه بأن صغيرته قد فرت إلى النوم كمهرب من أحزانها. تنفس يزيل الحذاء من رجليه، لن ينكر أنه خُدع من سلوى السُّم التي لم يكن ليصدقها لو لا تأكيد العم محمد للأمر، لكن هذا لا ينفي كونها أخطأت حين دخلت إلى ذلك المكان بعد كل تحذيراته لها وما عاشته معه من كره لعمله. عبس معترفا أن جُل غضبه كان من نفسه لأنه يشعر بالذنب كونه لم يحظر حين احتاجته صغيرته، لم يكن هناك حين تألمت وخافت على والدها ولم تعلم ماذا تفعل كي تنقذه وهو أشد من يعلم بمدى تعلقها بوالدها وبه فهما من دللاها. قام من على السرير متجها إلى الحمام، يجب عليه الاغتسال والوضوء كي يلجأ إلى ربه، ليحمده على واسع كرمه في استجابة دعائه وحفظه لحبيبته من وحل كان سيلطخها إلى الأبد ثم يسأله صبرا وفيرا وحكمة يعاملها بهما فيما هو قادم فهي وإن لم ترتكب الفاحشة فقد أخطأت في دخولها ذلك المكان ولجوئها إلى الحرام حتى من أجل إنقاذ والدها.

تململت بتعب تسلل إلى أطرافها ثم فتحت مقلتيها بتمهل، لتشعر بثقل جفنيها، تساءلت ما الذي حدث فرد عليها قلبها العاشق أنها أصبحت لحبيبها زوجة قلبا وقالبا، لكن الكبرياء لم يمهله ليسعد يئن ألما من طعنات سهام الإهانة. استدارت بجسدها، تتأمل الغرفة التي نفذت إليها أول أشعة يرسلها مولد شمس جديد فاكتشفت أن صلاة الفجر قد فاتتها. تحركت بوهن تلملم أذيال خيبتها، لتجد السرير الآخر خاليا منه فتصرخ روحها بألم يضاهي ألم كبرياءها لقد فر ولم يعد.
حتى وإن ظن بها السوء لماذا لم يعد بعد ان استوعب براءتها؟ التوت شفتيها بسخرية، تهمس وهي تحيط بدنها بالغطاء، تحملها خطوات ثقيلة نحو الحمام.
(هل تصدقين نفسك بالله عليك؟ ... إن كان الله أنقذك من كارثة فذاك لا ينفي خطأك الجسيم ....)...
انسابت المياه على رأسها كما انسابت الذكريات البائسة لآخر ليلة قضتها هناك في الملهى الليلي، ذكريات مشوشة بين ضحكات سلوى وهي تلقيها بين ذراعي ذلك الحيوان ذو الأنفاس الكريهة وكلمات حاقدة متوعدة بانتقام طال انتظاره وحبيب لم تنله بسببها، كلمات سمعتها بروحها قبل أذنيها، لتعلم رغم تيهها أن تهديدا خطرا ألمّ بها وستنهار حياتها لا محالة. تذمرت وقاومت بضعف اشتد حين حاول الرجل لمسها وضمها فانتفضت أطرافها فزعا ورفضا لانتهاك شعرت به حتى وهي تلفها غشاوة ضباب سوداء. قاومت على قدر استطاعتها تحرك يديها في الهواء وتبعد من يحاول تطويقها فقاومت وقاومت إلى أن غابت عن وعيها وشيء ما داخلها يصيح بأعلى صوته أنك ضعت يا أريج، وقعت في حفرةٍ أنت من ساعد في حفرها لك، فما لجأت إلى ربك وما جربت كرم رزقه، بل ألقيت بنفسك في عهدة الشيطان، فهل يؤتمن الشيطان يا أريج؟!
شهقت بحدة رغبة في الهواء فأسندت كفيها بالحائط، تتمالك أنفاسها المتلاحقة والمياه تنساب على بدنها بخفة. تعلم يقينا أن سراج لن يسامحها بسهولة فكيف ستكون حياتها إن هو قرر البعد عنها وعن مشاكلها، فلطالما كانت عبئا عليه حتى وهو في غربته.
صلت فرضها ثم لجأت إلى ونيسها الأزرق المتلألى، تهمس له بآلامها ومخاوفها وشكوة عن حبيب أضناها بجفائه وقسوة لم تعدها منه فما ذنبها إن كان هو دللها؟!.
دخل عليها عائدا من جولة أخرى مع نفسه، يرتب فوضى أفكاره وما إن لمحها حتى عاثت في أحشائه الفساد من جديد. رمقته بنظرة ارتعد لها قلبه العاشق فأخبره انها تشكوه منه، تستنجد به منه، وتبكي عليه بسببه. تنفس بخفوت واقترب منها يمسح على وجهه متمالك يديه لنفسه قبل أعصابه، يقول بهدوء.
(ارتدي ثيابك كي نفطر خارجا ...)... عبست ودمعة تفر من إحدى ظلمتيها دون تكبد عناء مسحها ثم هزت كتفيها، ترد بحزن يائس.
(لا أريد ...)... زفر يسدل جفنيه، ينطق بنفاذ صبر.
(قومي يا أريج ...فنحن بحاجة للتحدث ...).. نغزها قلبها خوفا من حديث لن تقوى على نطقه فعادت تهز كتفيها وهي تتجاهله ناظرة إلى البحر قبل ان تنتفض من مكانها وهو يهتف بغضب.
(أريج!!!)... تنفست بحدة تقف على رجليها، تشعر بدوار وشيك فقال بحزم وهو يشير إلى الحمام.
(ارتدي ثيابك هيا!)... قطبت تزم شفتيها وتحركت بعصبية، تحمل ثيابها إلى الحمام فابتسم بيأس من تصرفاتها الطفولية، تلك المدللة!
لأول مرة بعد أيام، مضت تلاحظ أرجاء الباخرة بعد سجنها الإجباري في غرفتها، على الأقل فضولها يرحمها من نظراته المحاصرة، تنظر هنا وهناك، تتنفس بعمق من نسيم البحر النقي. اتخذا طاولة في المطعم وطلب لهما فطورا ثم صمت يتأملها بغموض أربكها وجعلها ترتعد في مكانها.
)هل تشعرين بالبرد؟)....(ها؟!)... ردت ببلاهة أضحكته، لكنه حافظ على عبوسه، يشير إلى كمي كنزتها التي تغطي بهما كفيها فأومأت بخفة، تتهرب بالنظر إلى ما حولها. تناولا طعامها بصمت حفه التوتر من جهتها على الأقل، تنتظر حديثه الذي لا تبدو عليه نية نطقه، كأنه يستمتع بتوترها وترقبها ثم أشار لها فتقدمته ليوجهها الى السطح، حيث مقعده الحديدي المنزوي.
جلست على حافته منكمشة على نفسها تدعي التحديق في البحر بينما هي على وعي بكل حركة يأتي بها. تنهد قاعدا بجانبها فدق قلبها أسرع، تحسبه سيتوقف على حين بغتة ويريحها من عذابها.
تنحنح ثم تحدث بهدوء.
(أريج؟)... التفتت إليه بسرعة آلمت عنقها، يتأملها قليلا حتى احمرت وفاض توترها، يربكها بنظراته المباشرة. لقد أزال ذلك الغطاء الذي كان يتخذه كي يراعي الحواجز بينهما، أضحى يرمقها بوضوح وكأنه ينفذ إلى داخلها، يعريها على حقيقتها.
(ماذا حدث مع ذلك الوغد في الملهى؟).. شهقت بخفة وارتد رأسها للخلف.
لم تتوقع السؤال المباشر منه وعن ما تخجل منه حد الموت. تهربت بنظراتها، تتنفس بحدة فأمسك بيدها يثبت ظلمتيه على خاصتها، يستدرك بحزم.
(أريد معرفة كل شيئ ....فابدئي من أي مكان تريدين ...فقط تحدثي ...)... عضت شفتها ثم بللتهما، قبالة حصار نظراته الواثقة، يسألها الحديث.
ماذا ستقول؟ ومن أين ستبدأ؟
(لماذا أنت صامتة؟...تحدثي أريج ...لا تستفزي أعصابي)... حينها عبست، تهتف بسخط.
(لماذا لم تسألني من قبل؟... لماذا الآن؟... لقد صفعتني بعد موت والدي دون أن تمنحني فرصة معرفة حتى ما بك؟)... شد على أسنانه بقوة، يهمس ببرود.
(أخفضي صوتك أريج ... وتحدثي بأدب ..).. أخرصت من حدة نظراته، يفوح منه التهديد بلباسه الأسود بين سترته الجلدية وسرواله الجينز، تلائم لون شعره ولحيته السوداء على تلك البشرة المذهبة بفعل الشمس. هزت رأسها بلا معنى والتفتت إلى البحر، تتنفس بعمق تفر من تأثيره الذي تضاعف بعد غربته حتى أنها تراه مختلف عن سراج قبل سنتين، ذلك الشاب الذي حماها من نفسه قبل غيره، ذلك الذي رعاها وكان لها العائلة. أنه مختلف! اكثر رجولة وأكثر جرأة أم أنه تأثير الزواج! تذكرت ما حصل بينهما فاقشعرت أطرافها، تمسد على ذراعيها.
(إذا كنت تشعرين بالبرد دعينا نعود إلى الغرفة ...).. أومأت رفضا مرات عدة، تتهرب من الانفراد به مجددا في غرفة مغلقة، على الأقل ليس الآن.
ضم شفتيه يلحظها بطرف عينيه، متأكدا من توثرها فمن يعرفها أكثر منه؟ حبيبته لا تتحمل الضغط والانتظار والترقب لكن رفضها للعودة إلى غرفتهما أراح قلبه نوعا ما، كلاهما لا يريد الانفراد بالآخر بين جدران وباب مقفول.
(أخبرتك أن لا تسافر .... )... زفرت بعمق، تهز كتفيها بينما تنطق بسهو لا تفارق نظراتها البحر أمامها وهو يحدق في جانب وجهها.
(لكنك رحلت ... تركتني خلفك ...ورحلت ...)... سكتت بعد ان استطردت بوجوم فرد بجمود، لن يسمح لها بتحميله ذنبا لن يتحمله.
(ولماذا سافرت يا ترى؟... كي ألهو!...أو أستجم!...كل شيئ حدث أمامك أريج ...فإياك تحميلي ما لا ذنب لي فيه ...).. التفتت إليه، ترمقه بلوم طعنه في قلبه، تهمس بلوعة.
(أصبحت قاسيا يا سراج ... ماذا حدث لك ؟)... نهض من مكانه، يخطو نحو الحاجز الحديدي، ينفث انفاسه الحارقة قبل ان يستدير قائلا بخيبة.
(لقد كنت عائدا إليك ...حاملا أحلامنا بكف ومستقبلنا بكف آخر ... كانت مشاعري تهفو إليك تسبقني بأميال كي تبلغك بأخباري... أنني وفيت بعهدي لك ... عملت ليلا نهارا بجهد واجتهاد ...لا أفكر سوى بأمر واحد ...وضعته نصب عيناي...) .... اقترب منها، ينحني نحوها، ينطق بغل من فرط عذابه قرب ملامحها المتلهفة باهتمام.
(أنتِ أريج... كل ما فعلته كان من أجلك ... حتى حين وقعنا في فخ عدو متربص ... في تلك اللحظة الفارقة ... فكرت في النجاة بجلدي ... لكنني تذكرت وجهك .. ابتسامتك الحالمة بمستقبل مشرق يجمعنا ... ودموعك عند وداعي .... فتصورت الخيبة على ملامحك إذا عدت فاشلا ... لم أتحمل .. واستدرت مواجها الخطر ... وأقسمت أنني والحرب لا فراق إلا بنجاة أو موت....)
أطرقت بخزي فرفع رأسها كي تنظر إليه، يتأمل الدموع المتدحرجة على وجنتيها تباعا، يردف مشاركا إياها الوجع.
(كيف سيكون حالي؟! ...وأنا أحمل إليك اللهفة ...تكاد أنفاسي تنقطع من الحماس ...فقط كي ألمح في مقلتيك لمعة السرور والفخر وأنا أخبرك بصلاح ظروفنا أخيرا ... بقرب اجتماعنا وضمك بين أحضاني في الحلال ... لأجد المقلتين تفران مني بخجل لم أعلم مصدره .... وحين أفلحت في مواجهتهما واخبار صاحبتهما بمدى بهجتي وسعادتي... استقبلني فيهما الخزي والعار .... كيف بالله عليك سيكون حالي؟)...
خبأت وجهها بكفيها تنتحب بمرارة فزفر بحدة وقعد بجانبها، يسحبها إليه في لحظة استسلام للعشق، للعشرة، فاندست في صدره تبكي بألم ووجع كما أرادت أن تفعل يوم عودته من سفره، لكن الذنب كان أكبر من أن تتجاهله، لذا لاذت بالصمت متهربة منه.
أخفض رأسه واحتك أنفه بثوب الطرحة أعلى رأسها وعينيه تنضح ببريق امتزجت فيه شتى المشاعر والأحاسيس.
منحها كل الوقت كي تفرغ ما امتلأ به صدرها من هم وقد رافقت أنظاره السراب الى نهاية الأفق.
بعد ساعات طوال، قضاها برفقتها يتجولان في أرجاء الباخرة الضخمة، يتحاشى الخوض في الموضوع ويمهلها كي تستجمع شتاتها، شِقٌّ منه يريد استعادة تلك العنفوانية، تقف أمامه وتنطق بقوة نابعة من يقينها بصدق اعتقاداتها. نفسه ترفض تلك الخانعة الصامتة كأن الخزي يتشبث بأطرافها بينما هي عنه لاهية لكن غير غافلة، تتمنى لو أن الفترة ما بين سفره وعودته لم تكن، ليتها لم تكن!
رفعت رأسها إلى السماء، تتوه بأنظارها بين النجوم الساطعات فراقبها كيف تمسك بالحاجز مستقيمة بجذعها، معترف لنفسه أن التي أمامه قد نضجت عن الفتاة الطائشة البريئة ولم ينكر مدى حلاوتها حتى في الحجاب الذي غطى خصلاتها السوداء وتنورتها الممتدة إلى كعب رجليها وكنزتها التي تحتمي كفيها بأطرافها كأن تلك السترة فوقها لا تقيها من البرد. تذكر يوم حثها على ارتداء الحجاب فرفضت ثم يوم أجبرها على ارتدائه بعد عقد قرانهما مباشرة. عبست ملامحه بسخط لم يكن يريد إجبارها على أمر، لكنه كان غاضبا وشيء ما داخله يريد إخفاءها عن الجميع، عن الأعين المتربصة، الأعين المريضة المفترسة. وكأن بفعله لذلك سيصلح ما فات أثناء غيابه.
زفر بقنوط ثم عقب بحزن.
)لم أكن أريد إجبارك على الحجاب ....)... أجفلت من سهوها على كلماته ذات النبرة القانطة فالتفتت إليه لتلمح الحزن عنوان على قسماته، تجيب بنفس حزنه.
)إن أخبرتك أنني قررت ارتدائه قبل مجيئك ستصدقني؟)... قطب بخفة يرمقها للحظة، قبل أن يهز رأسه، مُقرا بحنو.
)لم تكوني يوما كاذبة ولا جبانة ... كنت تنطقين بقوة وثقة ...لأنك تعلمين أنك لم تخطئي ...فما الذي تغير ...كي لا أصدقك؟).. ارتبكت قليلا وحادت عينيه إلى تلك الرعشة التي شملت أطراف أصابعها قبل أن ترفعها بتوتر إلى الحاجز خلفها، تشد عليه.
بلعت ريقها ونطقت اخيرا مستسلمة.
)بلى ...كنت مخطئة... في أمور كثيرة ...)... تلكأت تنظر اليه ثم أردفت.
)ولم أفهم ذلك ..إلا بعد غيابك ...)... قام إليها يقف قبالتها، يسألها بمشاعر شتى بين الحزن والألم والإشفاق.
)من منا لا يخطئ ؟....لكنكِ رغم ذلك ...نظرتكِ كانت قوية خالية من الخجل والخزي ....فلماذا ذلك العار الذي يخفي عني بريق مقلتيك .... ما سببه؟).. ردت برفض وعينيها تلمعان بدموع وشيكة.
)لقد كنت على خطأ حتى قبل سفرك ... لكنك كنت أنت الغطاء ...فما سمحت بتجَرُّعي لنتائج أخطائي ...لكن بعد أن سافرت وكُشف عني الغطاء ... وقعت في نتائج أخطائي ...وكنت قبا قوسين من الضياع ...).. صمتت تلهث وكأن اعترافها أنهك قواها وهو جامد مكانه لا يعلم حتى بأي منطق يجيب!
)لقد عصيتك وأبي من قبل ...وغنيت بأفراح صديقاتي ولم أكن محجبة ... لكنني لم اشعر يوما بنظرة تعريني من ثيابي ...لم أشعر يوما بنظرات وقحة فجة تهتك حرمتي... لم أرى يوما أفواها مفغرة بشهوة تشتهي نهش لحمي حتى دون لمسه ....لم...).. قبض على ذراعها كي تصمت، لم يعد يتحمل النار التي تبتلع قلبه فهتف بغضب.
)لماذا؟... لماذا إذن سمحتِ بذلك؟ ...لماذا؟... وأنا لم أكن حاضرا!...).. لم تستجب لسؤاله المهدد، تسترسل بألم.
)كنت أقف هناك بينما أتساءل ما الذي أحضرني إليه؟... وكيف انتهى بي المطاف في ذلك المكان؟... )... رفعت رأسها ترمقه بتحد مع رفضها لما ستقوله، لكنها أرادت إغضابه أكثر تلك اللحظة، لا تعلم حتى لما!
)لكن هل تعلم؟... لقد كان والدي يستحق.... حتى لو حققت الحقيرة مأربها ونال مني ذلك الحيوان ...إنقاذ حياة أبي يستحق؟.... آآه انتظر سراج ...أنت تؤلمني )... تجاهل ردات فعلها، يسحبها بغضب خلفه ثم نفض يدها بحدة كما أغلق باب الغرفة، يهتف بغل.
)ما الذي يستحق؟... ذل والدك وهو يطلب مني التستر على ابنته الخاطئة؟... أم يا ترى موته على ظنه بفشله في تربية وحماية ابنته من العار؟... أخبريني ما الذي يستحق؟... فما قدره الله ينفذ...ووالدك لو قدر له النجاة كان سينجو ....لم يكن في حاجة الحرام كي ينجو يا غبية... )... جحظت مقلتيها، ترمقه بصدمة لتسأل بذهول جمد تفاصيلها الشاحبة.
)ما .... ماذا ...قال أبي؟)... قطب يحدق بها بحيرة، تلاها إدراك مفاجئ فاستفسر بذهول.
)لم تكوني تعلمين بأن والدك يعلم بما حدث؟... أو أكثر على ما يبدو مما حدث! ...)... شهقت بحدة وانتفضت تمسك بذراعيه تتوسله بهذر.
) هل يظنني فاجرة؟... يا ألهي سراج أخبرني.... هو من طلب منك الزواج مني؟. ... هل مات على ظنه بي ساقطة!....يا الهي!)... نحبت ببكاء حارق فأمسك بها يرمقها برأفة وارتمت بين أحضانه، تنطق من بين شهقاتها الأليمة.
)لقد مات غاضبا علي ...سراج ...أبي مات غاضبا علي ...لم أكن أدري ... لم يعاتبني في شيئ.. بل ربت على رأسي ودعا لي بالستر والسعادة .... لما لم يخبرني؟ ...كنت حكيت له كل شيئ ...آه ...آه ...يا ويلي ...يا ويلي من عنادي وطيشي ... آه ...)... ضمها بقوة، تتكوم ملامحه في غم عظيم، يتذكر كل حديثه مع والدها فضم شفتيه قبل أن يربت على ظهرها مهادنا بجمود.
)اهدأي!.... فرغم خطأك هو لم يغضب عليك ... اهدأي!)... رفعت رأسها، ترمقه بلهفة أضافت الى وجعه الكثير فانسل مبتعدا عنها، يمسد على جبينه، يردف بانزعاج.
)العم رحمه الله ...كان قد أخطأ في حق فتاة ...ستر الله عليها وغفر الله له .. كان ذنبا أضناه طيلة حياته ولم يمر يوما لم يذكر لي خوفه من غضب الله .. استغفر كثيرا ...لكنه لم يستطع إصلاح خطأه لأنه لم يجدها ولا يعلم عن ما حدث معها...).. تجمدت مكانها، تنصت إليه بدقات قلب تهدر في صدرها بقوة وهو يكمل بوجوم.
)كان من أشد مخاوفه طوال حياته أن يدفع ثمن دينه من خلالك... وحين علم بالأمر .. لم يحملك ذنبً يثق انه له .... بل توسلني الزواج منك ...وحتى طالبني بالجميل الذي أظل أذكره بأنه صاحبه عليّ ...)... غطت فمها بيدها ودموعها مدرارا على وجنتيها غير مصدقة لما تسمعه.
)لا أعلم كيف علم؟... )... تساءل فردت بحقد.
)كما علمت أنت ...ولن أندهش إن كان جميع من في الحي يعلم ....تلك الحقيرة )... أمسكت برأسها بين يديها، تهمس بسهو واجم.
)لكنه خطئي .... أنا من فتحت لها الباب ...أنا من وافقتها .. ..أنا من جلبت على نفسي الشبهة ...)... زفر أنفاسا ساخنة من فيض الجحيم في صدره ثم جلس على السرير وأشار لها كي تجلس أمامه ففعلت، ليقول بعد برهة.
)ماذا حدث منذ البداية إلى أن عدت؟ ...)... أرخت الطرحة، تمسد على عنقها وتسلك حنجرتها من الغصة ثم بدأت بسرد كل ما حدث ولم تغفل حتى أحاسيسها وعذابها وخوفها.
راقبها وهي تحكي، تارة تشكو له منه، وتارة تتوسله التفهم وأخرى تلومه بغضب وكل ما يفكر به أنه يريد ضمها واحتواءها، نسيان كل ما حدث والبدء من جديد.
)أنا لن أنكر ...أنا اذنبت لأنني لجأت إلى طريق خاطئ كي أنقذ أبي ... ولن ألومك إن كففت عن حبي ...لكن أبدا لن أقبل زواجك مني من أجل الوفاء بوعد ...)... عبست تخبره بحنق طفولي دفع به ليبتسم لأول مرة منذ أن عاد واستقبلته المصائب ففغرت فمها، ترمقه بإعجاب وحنين إلى بسمته الغائبة. تنحنح، يسأل بمكر.
)وماذا ستفعلين إن قررت الفراق؟)... لم تعلم ان نفس الطعنة التي شقت قلبها قد خرجت منها الى قلبه رأسا وهي تنتفض من مكانها واقفة، ترد ببرود.
)سنبقى اخوة يا سراج ...أعلم أن رجولتك لن تسمح لك بإهمالي وستظل قريبا لترعاني ...).. تلاحقت أنفاسها برعب فقام هو ايضا، يعقب بتسلية بينما الحاجب الأيسر يعلو.
)أخووه؟؟ ... مممم!...بعد ما حدث أمس ...هل بقي مكانا لأخوة بيننا؟... )... احمرت تتهرب منه فأمسك بذراعيها لتنظر إليه، تخبره بتبرم.
)لا يهم ... فأنت ...).. صمتت مرتبكة وهو يقربها منه، يسأل بهمس.
(أنا ماذا ؟؟)... لهثت، تحدق بنظراته الجديدة عليها، فيها من الحب القديم يحمل معه عبثا جديدا لم تعهده فيه، يطلق سراح رغباته الدفينة أخيرا. لم تجبه إلا بأنفاس متلاحقة دافئة فابتسم مجددا، يهمس بوله.
)كيف أنظر إليك كأخت يا أريج؟... ظننت قبلا أنني كبحت جماح العشق تجاهك لأنني كنت أحميك ونفسي مني ومن معصية الله فقط ....لكنني اكتشفت اليوم أن جهلي بمذاق وصالك والتجرع من بئر عواطفك ... كان رحمة من ربي ورفقه بي ...فكيف سأعود الى ما كنت عليه قبلا يا أريج؟).. حركت رأسها تتهرب منه، يستطرد مؤكدا غير سامح لها بالفرار.
)قولي يا حبيبة القلب والروح..).. تسمر وجهها كما مقلتيها تبحلق فيه بصدمة فأكمل يعاتبها بحنان.
)كيف تصدقين أنني كففت عن حبك؟... كيف تظنين ولو للحظة أنني قد أتركك أو أنسى أمرك؟)... لمعت مقلتيها ودمعة واحدة، تفر من سجنها فراقب تدحرجها، ترد بشجن.
)لقد تغيرت ...وأصبحت قاسيا ...لم أعد...)... بترت كلماتها وهو يشد على ضمها، مجيبا.
)لم أتغير يا أريج ...كل ما في الأمر... أنني لم أقسو عليك قبلا ...لم تري مني سوى الحنان والحب ...ولكم أكره رؤيتك للقسوة مني ...)... تشبثت به، تهمس بأمل.
)هل غفرت لي زلتي؟)... تأمل ملامحها الحبيبة إليه تتكمش في ألم يصبو لِمَحْوه ثم قال وهو يقترب أكثر واكثر.
)لست من يجب عليك القلق على غفرانه ... أريج ...بل الخالق ...من عصيت أمره وأنقذك رغم ذلك ...)... هزت رأسها مرات عدة، تقول بلهفة.
)أجل ...اجل.. لقد منحني فرصة أخرى ...وهذا ما كنت أريد اخبارك به حين حدثني عن الحجاب ...لقد شعرت بحبه في قلبي يكبر ويكبر ...فأصبحت أحب طاعته ... لذا كنت قد قررت الحجاب بعد أن استيقظت ووجدت نفسي في بيت أهلي... لتخبرني صديقتي بما حدث ...وبما فعله حسام ...كي ينقذني من بين براثن الهلاك .... الله كريم يا سراج ..الله كريم .....أحبه جدا ..جدا ...).
سحبها إليه بشدة، يروي ضمأه من حب لا يشبع منه ابدا ولن يشبع فأمسكت به كطوق نجاة لا فكاك لها منه، يكملان حديثهما بمشاعرهما، يتبادلانها بشغف ولهفة.
*بعد سنوات*
في البلاد العربي.
تسلل بخفة عبر البهو الطويل المفضي إلى المطبخ ومنه إلى الحديقة الخلفية يخبئ ما في يده خلف ظهره، يبتسم بمكر.
وقف يتأملها وهي تسرع بخطواتها بما يسمح لها بطنها المنتفخة، تلاحق ابنتهما البكرية بينما تهتف بحنق وهِن.
)عائشة .... إن امسكت بك سأعاقبك ...توقفي!..).. استدارت اليها تلك الشقية ذات الست سنوات، تتخصر مجيبة بعبوس يجمع بين ملامحهما على حد سواء.
)لذلك أهرب منكِ ...كي لا تعاقبيني ...)... ضحك سراج بصخب استدرتا على اثره نحوه والصغيرة تصيح بسرور، تعدو تجاهه.
)أبي ....لقد أتى أبي! ...)... تلقفها بذراعه الحرة، يحملها مقبلا إياها على وجنتها والأخرى ترمقهما بسخط فتقدما نحوها، يهمس لصغيرته بشيئ ما لم يعجبها في البداية لكن ما لبتت أن تغير رأيها وهي تومئ ضاحكة.
لمس وجنة زوجته بشفتيه مقبلا بخفة، يبتسم لها بحب تضاعف بمرور السنين، ليقوى بالمودة والعشرة الحسنة، تعبر باستهجان دلاله للصغيرة.
)أنت تدللها كثيرا ...).. ضحك غامزا بينما يجيب بتسلية.
)لم تتذمري حين فعلت معك نفس الشيء ...)... لم يمهلها لترد، يلتفت إلى الصغيرة، مستدركا بحنو حازم.
)هيا صغيرتي ...)... بسطت الصغيرة يدها ولمست بها وجنة والدتها، تقول بأسف.
)آسفة أمي.... سأفعل ما تريدينه ...).. قطبت بريبة، تلتها زفرة يأس وهي تشير إلى يده المخبأة خلف ظهره.
)ماذا أحضرت لها مجددا؟....) ضم شفتيه بترقب وسحب يده يريهما هديته فصاحت الصغيرة بفرح بينما والدتها تعبس بطفولية وتتركهما منسحبة الى المطبخ.
أنزل صغيرته، يخبرها بهدوء وهو يمنحها الدمية الناطقة.
)لقد وعدتني .... إن فقط أغضبتِ والدتك مرة أخرى.. سأسترجع منك الدمية ولن أجلب لك هدايا أبدا ...).. قبلته بقوة أرهفت قلبه، تجيب بثقة ...)حاضر أبي ...أعدك ...)...
انضم اليها في المطبخ يبتسم ناظرا إلى حركاتها في تتجاهله، لتنطلق من المذياع الذي تحب تشغيله على إذاعة وطنهما وهي تقوم بأعمال البيت، أغنية شعبية معروفة.
قطب من تعمق عبوسها وهي تطفئه بعنف، جعله يسرع إليها يضمها بحنو، يسألها برقة.
)ماذا بك حبيبتي؟... لماذا كل هذا الغضب؟).. التفتت إليه لتصدمه بمقلتيها اللامعتين ببكاء وشيك، تهمس بحزن.
)إنها نفس الأغنية التي غنيتها في أول ليلة لي في ذلك المكان.... كنت أغنيها لك في الحقيقة ...).. لم يراوده سوى بعض الانزعاج لا غير وكأن الذكرى قد خبت نارها ولم تعد ذات شأن في حياتهما، يجيب باسما كي يشتت ذهنها عن الحزن الذي تزداد حساسيته مع الحمل.
)في الحقيقة لا أمانع أبدا ... في أن تسمعيني شذى صوتكِ ...إنه شيئ جميل أن أملك منك كل شيئ لوحدي ...)... ربتت على صدره تعقب بوجوم لم يغادرها بعد.
)لا حبيبي ...لقد قطعت وعدا أن لا يصدر مني شيئ رفضه أبي قبل مماته ...حتى بيني وبين نفسي ...)... رفع كفه يربت على وجنتها برقة وهي تسترسل بحنين واشتياق.
)المؤمن تنقطع أعماله بعد مماته سوى من ابن صالح يدعو له ... وصدقة جارية ...وعلم ينتفع به ... وأنا سأكون له الاثنين بإذن الله ... أتصدق باسمه في كل خير استطيعه .....وأكون ابنته الصالحة التي تدعو له .... سيعلم وهو في قبره أنه لم يفشل ...وأن توبته الصادقة قد قُبلت من الله الرحيم ...)...
قبلها بشغف قبل أن يبعدها قليلا، يقول بمزاح ...(أصبحت دموعك قريبة جدا يا أريج ...الحمل يؤثر عليك ...)... أومأت، تجعد أنفها برد حانق.
)يبدو ذلك ....لكن لا تظن أنني نسيت ما فعلته لتوك ... ستفسدها دلالا ...وأنا من سيتعذب بسبب عنادها ...)..قهقه بسرور، يهمس بمكر احمرت له بحياء.
)ما رأيك إن تسللنا الى غرفتنا ...كي أمنحك هديتك ....أقصد دلالاك أنت أيضا؟....)... حاولت التنصل منه، تدعي التمنع دون جدوى.
)سراج ... هل جننت؟... عائشة س...)... سحبها برفق، يتجه بها إلى غرفتهما، يقول بمرح.
)عائشة نسيت أمرنا على الأقل لساعتين ....كي تتعلم كل شيئ عن دميتها الناطقة ....هيا أريجي ...)...
أغلق باب الغرفة بالمفتاح وساعدها لتستلقي ينضم إليها، يضمها هامسا بحب.
)أحبك أريج .... واشتقت إليك...)... كان دورها لتضحك بصخب، تهز راسها بيأس.
)إذن إنه من أجل مصلحتك ...وليس دلالا لي ...).. دنى منها يداعب أنفها بأنفه، يهمس بحب.
)ألست تحببينني يا أريج وتشتاقين لي؟)... أومأت تضم عنقه، هامسة بلهفة.
)بلى ...أحبك يا سراج أريج وأشتاقك كثيرا ...).. هز رأسه وقال قبل أن يأخذها في رحلة متبادلة المصالح.
)إذن ....فمصلحتنا واحدة ....)
تمت بحمد الله ...



**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 01:37 AM   #9

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

تعلمي العيش على قدر رزقك بنيتي ....لا تتطلعي الى السماء فتفقدي النعم التي على الأرض منثورة بين قدميك ... والأخطر أن تقعي في الحفر لأنها ايضا على الأرض... أنزلي رأسك العنيد هذا قليلا من عليائه وانظري حولك



رائعة
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
والقاضي ما جاب خبار
المجاعة نايضة فالدار
لا أتاي لا سكر
لا حليب لا قهوا
غير الحيوط والخوا
يطيح الفار يتزوا
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
والقاضي رجل غلبان
ديما مبوق ديما سكران
حالتو كتشفي العديان
يتسارى من بار لبار
خاشي فقنوفتو سيجار
ماركة هافان يا أحرار
ثمنو يعشي دوار
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
سمع يا فلان وقل لفلان
وقل يا فلان لفرتلان
القاضي رجل مزيان
كياكل خبز الجيعان
كيشرب دم الصبيان
كيتكسى بثوب العريان
منافق منو ما كان
يبات الليل كلو سكران
ويتوضا بعرق الكدحان
ويصلي فدار السلطان
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند السلطان
سمع يا فلان وقل لفلان
وقل يا فلان لفرتلان
السلطان مراوغ فنان
حامي الدين والقرآن
حافظ الحدود من العديان
بالإجماع عايشة فأمان
الدستور كلو بهتان
البرلمان عامر خرفان
"الجماني" أكبر برهان
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند السلطان
حاجيتكم وماجيتكم
على سيد خاصو بولون
سمعو مزيان قولو لي شكون
هاد السيد غمض عينو
على فمو ترسمت بسمة
وقال آ الله على حلمة
تشهيت جامع قاعو فالما
عندو صمعة واصلة للسما
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند السلطان





زوينة بزاف




الله عليك يامونمون وعلي جمالك
مجهودك في انزال قصصك البديعه وكتابتك ليها رائع اتمني لك كل التوفيق
نفسي في فكرة جديدة وفعلا لاقيتها في مجموعتك القصصيه
جميله خفيفة وقيمه احييك مرة اخرى واتمني لك دوام الابداع والصحه


modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 07:21 AM   #10

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة modyblue مشاهدة المشاركة
تعلمي العيش على قدر رزقك بنيتي ....لا تتطلعي الى السماء فتفقدي النعم التي على الأرض منثورة بين قدميك ... والأخطر أن تقعي في الحفر لأنها ايضا على الأرض... أنزلي رأسك العنيد هذا قليلا من عليائه وانظري حولك



رائعة
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
والقاضي ما جاب خبار
المجاعة نايضة فالدار
لا أتاي لا سكر
لا حليب لا قهوا
غير الحيوط والخوا
يطيح الفار يتزوا
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
والقاضي رجل غلبان
ديما مبوق ديما سكران
حالتو كتشفي العديان
يتسارى من بار لبار
خاشي فقنوفتو سيجار
ماركة هافان يا أحرار
ثمنو يعشي دوار
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
سمع يا فلان وقل لفلان
وقل يا فلان لفرتلان
القاضي رجل مزيان
كياكل خبز الجيعان
كيشرب دم الصبيان
كيتكسى بثوب العريان
منافق منو ما كان
يبات الليل كلو سكران
ويتوضا بعرق الكدحان
ويصلي فدار السلطان
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند السلطان
سمع يا فلان وقل لفلان
وقل يا فلان لفرتلان
السلطان مراوغ فنان
حامي الدين والقرآن
حافظ الحدود من العديان
بالإجماع عايشة فأمان
الدستور كلو بهتان
البرلمان عامر خرفان
"الجماني" أكبر برهان
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند السلطان
حاجيتكم وماجيتكم
على سيد خاصو بولون
سمعو مزيان قولو لي شكون
هاد السيد غمض عينو
على فمو ترسمت بسمة
وقال آ الله على حلمة
تشهيت جامع قاعو فالما
عندو صمعة واصلة للسما
آشتا تا تا تا
آ ولاد الحراثة
آ المعلم بوزكري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند السلطان





زوينة بزاف




الله عليك يامونمون وعلي جمالك
مجهودك في انزال قصصك البديعه وكتابتك ليها رائع اتمني لك كل التوفيق
نفسي في فكرة جديدة وفعلا لاقيتها في مجموعتك القصصيه
جميله خفيفة وقيمه احييك مرة اخرى واتمني لك دوام الابداع والصحه
😍😍😍😍😍😍😍😍

حبيبة قلبي يا مودي ...وحشتيني جدا .. وسعيدة انها نالت اعجابك ...ان شاء الله حنزل الباقي كل مرة واحدة لغاية مكملهم... اشكرك علىاحساسك الجميل 🥰🥰🥰🥰🥰


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:54 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.