آخر 10 مشاركات
قلبي فداك (14) للكاتبة: Maggie Cox *كاملة+روبط* (الكاتـب : monaaa - )           »          معضلة في شمال الطائف * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          إنه انت * مكتملة * (الكاتـب : الكاتبة الزرقاء - )           »          121 - خاتم الأنتقام - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة(حصريا)( مكتوبة/كاملة )** (الكاتـب : miya orasini - )           »          حنينٌ بقلبي (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-07-20, 10:59 PM   #31

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي



الحلقة 18

ما إن عادت إلى طفلها حتى راح يقص عليها كل ما فاتها من البرنامج.. استمر في الثرثرة بينما لم تعد تسمع شيئًا مما يقوله.. تصارعت أعماقها في جنون.. ترى.. ما سر هذا الحزن الذي تملكها..؟
كان سيتزوج إذًا.. ولكن ما الذي يعنيها فى هذا الأمر..؟ وهل ظنته سيظل راهبًا للأبد مهما أقسم لها على ذلك؟
عندما فكر في الزواج اختار طبيبة.. امرأة من الطبقة الراقية التي ينتمي إليها.. لم يكن الزواج نقطة ضعف كما كان يخبرها دائمًا.. المشكلة كانت فيها.. هي فتاة المطعم البلهاء التي خدعها باسم الحب فغرقت في عشقه حتى النخاع.. أخذت نفسًا عميقًا حاولت به التخلص من دموع بدأت تتجمع في عينيها.
ما يؤلمها بالأكثر هو ما قاله بشأنها لتلك المرأة.. كيف طاوعه قلبه ولسانه على التشهير بها وفضحها بهذه الطريقة..؟ ابتسمت ساخرة.. يبدو أنها مازالت حمقاء حتى الآن.. وكأن لمثله قلب كبقية البشر؟
تنبهت عندما هتف صغيرها وهو يغادر الأريكة هرولة:
- بابا.
احتضنه وهو ينظر إلى سالي غاضبًا.. قال بصوت خشن:
- سالي.. أريد التحدث معك.
لم تكن في حاجة إلى كثير من الذكاء لتدرك أنه تقابل مع تلك الحية بالخارج.. أمازالت جالسة حيث تركتها..؟ ترى بماذا أخبرته؟
قالت دون أن ترفع عينيها عن التلفاز:
- ليس بيننا ما نتحدث بشأنه؟
زفر بضيق قبل أن يقبّل طفله قائلًا:
- حبيبي.. اذهب إلى غرفتك الآن.. أريد التحدث إلى ماما.
- أنا أريد أن أشاهد التلفاز.
- غرفتك بها تلفاز آخر.
- لا أعرف كيف أشغله.
صاح في عصبية ينادي الخدم.. وما إن أقبلت الفتاة حتى قال:
- سعاد.. خذي نور إلى غرفته وشغلي له التلفاز.
هتف الطفل في تمرد:
- لا أحب أن أشاهده بمفردي.
- حسنًا.. ابقي معه حتى أناديك من جديد.
- كلا.. أريد ماما.. هي تحب البرنامج.
نظر إليه حسام غاضبًا فلم يجد مفرًا من الذهاب مع الفتاة بوجه عابس.. ما إن اختفى حتى جلس حسام بجوارها وهو يحاول التحكم في انفعالاته بصعوبة قائلًا:
- ما هذا الذي فعلته مع سلمى؟
- من سلمى؟
صرخ بصبر نافد وهو يضغط على أسنانه غيظًا:
- سالي.. أسلوبك هذا يثير جنوني.
- امرأة لا أعرفها.. كيف تريدني أن أتحدث عنها؟
- إنها ضيفتك قبل أي شيء آخر.. كانت في بيتك.. كيف تعاملينها هكذا؟
- هذا ليس بيتي.
أمسك ذراعها بعنف ليديرها نحوه صارخًا:
- أخبرتك ألا تتحدثي بهذه الطريقة.
- اترك ذراعي.. طبيبتك لم تكُف عن القول بأن هذا بيتها هي وما أنا إلا لصة سرقته منها.
أردفت في تهكم وهي تلقي عليه نظرة عابرة:
- وسرقتك أنتَ أيضًا.
- ماذا؟ سلمى قالت ذلك؟
غمغمت في غضب:
- لستُ أدري كيف كان لهذا المنزل أن يضم ثلاثتكم؟!
ضاقت عيناه محذرًا:
- ماذا تعنين؟
زفرت صامتة.. عاد يجذبها من ذراعها ولكن برفق هذه المرة قائلًا:
- تعالي لأصالحكما معًا.. سلمى إنسانة رائعة.. الصدمة هي التي جعلتها تتصرف بعنف.
- ربما كانت رائعة بالنسبة لك.. أنا لا أجدها كذلك بل هي متغطرسة وقحة.
- مشكلتها الوحيدة في أنها تعشقني بجنون.
خلصت ذراعها منه.. تابع في حنين:
- بينما أنا لحظي العاثر.. أعشق مجنونة أخرى.
نظرت إليه مستنكرة.. ها هو قد عاد يتحدث عن الحب من جديد.. تسمرت عيناها فوق كتفه قليلًا قبل أن تتخلى عن هدوئها المصطنع وتصرخ في جنون تعجب له:
- لن أصالح هذه المرأة.. وإن أرغمتني على ذلك سوف أجعلك تندم.
نظر إلى كتفه ليكتشف سر جنونها.. كان قميصه مُبللًا بدموع سلمى و مساحيقها.. رقصت عيناه وهو يتمعن في ملامحها الملتهبة.. ما اجتاحها كان كافيًا لغفران عصيانها الذي لا ينتهي.
أطلق تنهيدة طويلة واستدار لينصرف عندما استوقفته ساخطة:
- ولماذا تعشقك بجنون كما تقول ما لم تشجعها أنتَ على ذلك..؟ مشاعرها رد فعل لمشاعرك.. حذار أن تخبرني بأنكَ تحبني مرة أخرى.
التفت إليها فتابعت بلا وعي:
- هل توطدت علاقتك بها كما كانت معي؟
أجابها بسرعة:
- كلا.. أنا لم أقترب من امرأة أخرى منذ رحيلك.
تجاهلت الجزء الثاني من إجابته قائلة:
- كانت ذكية إذًا وليست حمقاء مثلي.. استطاعت أن تحمي نفسها منكَ.. لم يجبرها حبها لك على التفريط في كل شيء لأجلك.. ولهذا وحده أردتَ الزواج منها.
لم تستطع الصمود امام المشاعر التي اجتاحتها كالإعصار فراحت تنتحب بطريقة هيستيرية.. ضمها إليه في شوق وحنين هامسًا:
- كلا يا حبيبة عمري.. ليس ذكاءها هو ما منعني من معاشرتها.. بل لأنني لم أرغب في هذا.. هي لم تسلبني عقلي قبل قلبي كما فعلت أنتِ.
تنبهت فجأة إلى أن دموعها قد اختلطت بدموع غريمتها فوق صدره وكتفيه فأزاحته صارخة:
- ابتعد عني.. حذار أن تحاول لمسي مرة أخرى.. فأنا أكرهك.. أكرهك أكثر مما تتخيل.
*****
تنفست سالي الصعداء.. فهي المرة الأولى التي تخرج فيها من قصر الجحيم هذا.. وكأنها مسجون كُتبت له الحرية من جديد بعد أمد طويل.. حسام مُتغيب عن المنزل في مهمة خاصة ولا تدري متى سيعود منها.. الرجل الكبير ذهب إلى الطبيب لإجراء بعض الفحوصات الطبية.. صحته ليست على ما يرام هذه الفترة.. يبدو انه هو أيضًا لا يطيقها كما أنها لا تطيقه.
قررت أن تصطحب ابنها في نزهة خاصة.. سوف تجعلها نزهة جميلة تتقرب فيها منه وتعلقه بها من جديد.. أحضرت معها دفتر البريد الخاص بها ربما احتاجت لمزيد من النقود.. تهلل الطفل عندما وافقت على طلبه وركبا معًا أتوبيس النقل العام.. حمدًا لله.. مازالت أحلامه بسيطة تستطيع تلبيتها له.
ستذهب إلى مكان آخر.. منطقة شعبية تستطيع فيها أن توفر له نزهة مميزة بتكلفة أقل.. تدبرت له كيس كبير مملوء بالحلوى والشوكولاتة التي يعشقها.. وضعت فيه أيضًا بعض الشطائر التي راحا يتقاسماها في سعادة طيلة الطريق.
احتضنت كفه الصغير في يدها حتى لا يختفي منها.. أصبحت اكثر حرصًا وقلقًا بعد الحادثة التي تعرض لها.. تأملته بسعادة وهو يطوح يدها الممسكة بيده في شقاوة محببة إليها.. تعلقت عيناها بإحدى نوافذ المحلات التي تبيع الملابس الجاهزة.. توقفت تتأمل الثوب المعروض فيها.. إنها المرة الأولى.. منذ فترة طويلة.. التي تهتم فيها بشراء ملابس لنفسها.. صاح الطفل الذي كان يراقبها:
- فستان جميل ماما.
وكأنها كانت تنتظر من يشجعها.. ابتسمت له قائلة:
- هل تظن ذلك؟
هز رأسه إيجابًا فاتسعت ابتسامتها وهي تدخل إلى المحل لتجربه.. كان رائعًا بالفعل.. ربما ثمنه سوف يكلفها قليلًا ولكن ليس إلى الحد المفزع.. فهو يستحق أكثر من ذلك بكثير كما قالت الفتاة التي تعمل بالمحل عندما رأتها ترتديه.
اشترت ايضًا بلوزة بلون السماء في ذروة صفائها وجينز.. منذ فترة طويلة لم ترتد الجينز رغم كونه كان زيها المفضل دائمًا.. وحذاءً أيضًا.. كم كانت بحاجة ماسة إلى حذاء جديد.. سوف تختاره أسود اللون حتى يناسب كل الأثواب التي ترتديها.. المهم أن يكون أنيقًا.
كانت سعيدة بمشترياتها الجديدة.. نظرات الشفقة والاحتقار التي يتطلعون بها إليها كانت تزعجها كثيرًا رغم اللامبالاة التي تجاهد للظهور بها.
عادا إلى المنزل مبكرًا.. لم يعد حموها بعد من عند الطبيب.. نزهتها القصيرة كانت رائعة لابد أن تكررها من وقت لآخر طالما بقيت هنا.. صعدا مباشرة إلى الطابق العلوي.. ذهبت بطفلها إلى حجرته ليغتسل ويبدل ملابسه.. من الجيد أن حجرته بها حمام خاص.. لم يشعرا بالجوع بعد.. وضعت أمامه بعضًا من كتبه قائلة:
- حبيبي.. سوف أذهب إلى حجرتي لأغتسل وأبدل ملابسي.. سأعود إليك ثانية.
- شغلي لي التلفاز ماما.
- حسنًا حبيبي.. ها هو.
تأملت نفسها طويلًا أمام المرآة وهي تجرب ملابسها الجديدة.. كانت سعيدة وكأنها طفلة صغيرة في ليلة العيد.. لا تتذكر يومًا كانت فيه سعيدة بملابسها الجديدة كما هي الآن.. منذ طفولتها أعلنت تمردها.. كانت ترفض أن ترتدي الملابس التي يحضرها لها والداها من عيد لآخر.
كيف تقبل هدايا منهما بعد كل ما فعلاه بها..؟ جدتها فقط هي من كانت تحضر لها ملابس العيد.. وإن كانت قد علمت فيما بعد بأنهما من كانا يحضران هذه الملابس لها ويطلبان من جدتها إخبارها بأنها هي التي اشترتها حتى توافق على ارتدائها.
شهقت فزِعة عندما حانت منها التفاتة إلى ساعة الحائط أمامها.. لقد استغرقت وقتًا طويلًا جدًا دون أن تدري.. أسرعت ترتدي شيئًا من ملابسها القديمة.. عجبًا.. خالت نفسها تنظر لنفسها في المرآة بازدراء كما ينظرون اليها.. غادرت إلى غرفة طفلها.. عضت على شفتيها عندما وجدته قد استسلم للنوم على الأرض بين كتبه.. حملته إلى فراشه وهي تقبله آسفة.. راحت تداعب شعره في حنان لبعض الوقت قبل أن تعود إلى حجرتها من جديد.. هي أيضًا في حاجة إلى النعاس.
ثلاثة أيام مضت قبل أن تقرر ارتداء ثوبها الجديد.. حسام سوف يعود اليوم من مهمته.. اتصل بالتليفون وأخبر والده بأنه سيكون معهم في الخامسة مساءً.. لكن هذا ليس السبب بالتأكيد.. وكيف لكبريائها أن يعترف بذلك..؟
الساعة الآن التاسعة صباحًا ومازال الوقت مبكرًا جدًا على عودته للمنزل.. إنها لا ترتديه لأجله أبدًا.
مشطت شعرها بعناية حتى صار لامعًا.. أسدلته ليغطى كتفيها في نعومة.. هزت رأسها مستنكرة وما لبثت أن جمعته بعنف في شكل ذيل الحصان من جديد.
حاولت أن تبدو لامبالية وهي ترى نظرات الشفقة والاستنكار في عيون الخدم وقد تبدلت إلى إعجاب.. تطلع إليها الرجل الكبير في نظرة عابرة وهو يرد تحيتها باقتضاب كعادته.. لم تقل ملامحه شيئًا.. يكفي أنها تخلصت من نظراته المهينة على أية حال.
أخيرًا وصل حسام.. كانوا يشاهدون التلفاز في الردهة الكبيرة.. عجبًا.. تأملها بعيون ساخطة تتوهج غضبًا أكثر من ذي قبل..!
قدم للصغير علبة كبيرة من الكرتون فتحها في لهفة ليجد بها سيارة جديدة جميلة تعمل بالريموت.. راح يلهو معه بها قبل أن يتركه لينهمك في الحديث مع والده عن المهمة التي كان فيها وكيف استطاع بمعاونة زملائه إنجازها بشكل جيد.
تصنعت الاندماج مع الفيلم الذي تشاهده برغم كونه فيلمًا قديمًا وعُرض من قبل عشرات المرات.. ساد الصمت فجأة بينهم عدا بعض صيحات الطفل من حين لآخر.. التفتت إلى حسام.. كان يتفحص حذاءها الجديد قبل أن يرفع عينيه إلى وجهها لتلمح فيهما نفس النظرة الساخطة.
نهض واقفًا فجأة فسأله والده:
- أين ستذهب؟
- سأذهب إلى غرفتي.. أنا في حاجة لبعض الراحة.
- انتظر حتى تتناول طعامك.. دلال تعد لك وجبة خفيفة.
- لستُ جائعًا الآن.. سأنام قليلًا حتى يحين موعد العشاء.
حموها أيضًا ذهب إلى غرفته.. جلست بجوار طفلها تشاركه اللعب بالسيارة الجديدة.. هو وحده من يهمها في هذا المنزل كله.
خلع حسام سترته وألقى بها فوق فراشه بعنف قبل أن يجلس بجوارها ويدفن وجهه بين كفيه في مزيج من الحزن والغضب.. أخذ نفسًا عميقًا وهو يمرر أصابعه بشعره ويشده بعنف عله يستيقظ من كابوس كاد يصيبه بالجنون.. من أين أتت بفستانها هذا..؟ والحذاء الذي ترتديه للمرة الأولى.. هل هما أيضًا هدية منه؟ لكن الطفل لم يذكر عنهما شيئًا.. ربما الطفل لا يعرف.. ربما نسى.. إنه طفل فكيف يمكن أن يتخذه مرجعًا له.. يا له من أحمق؟!
الوضع هكذا لا يمكن أن يستمر أبدًا.. عليه أن يفكر في حيلة يتخلص بها من كل ذكرى تأخذها لهذا الطبيب.. لو باستطاعته لجمع كل ما أحضرته معها من أسوان وأشعل به النار.. بل لذهب إلى أسوان وأشعل الماضي بها.. عليه أن يجد حلًا عاجلًا.. لن يموت كل يوم وهو يرى ملابس ذلك الطبيب تحتضن جسدها وتبعدها عنه.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-07-20, 08:33 AM   #32

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 19

في غرفتها وقفت أمام المرآة تتأمل نفسها بعيون ناقدة.. لماذا لم يعجبه فستانها..؟ ما العيب فيه وهو جديد هذه المرة..؟ قُماشه من الصوف القيم.. ألوانه التي تتشابه وألوان الطيف.. تتداخل في انسجام مريح للعين.. تصميمه رائع وهو ينسدل على جسدها بنعومة ليظهر أنوثتها ويبرزها.. ربما هذا ما يغضبه..! لم يكن ينظر إليها بتلك القسوة والسخط عندما كانت ترتدي ملابسها الرثة البالية.. زفرت بضيق.. لماذا تشغل نفسها به لهذا الحد..؟ هل صدقته عندما أخبرها بحبه.. أين عقلها..؟ أمازالت حمقاء..؟
ليذهب للجحيم.. فهو ليس أكثر من أناني مُتسلط يريد كل شيء لنفسه.
استيقظت في صباح اليوم التالي على طرقات متلاحقة فوق بابها.. أسرعت تفتحه ففوجئت بصغيرها يهتف:
- هيا ماما.. سوف نذهب لحديقة الحيوان.
- مهلًا.. من أخبرك بهذا؟
- جدي.. سوف يأخذنا لحديقة الحيوان.
- ولكن...
- هيا ماما.. أريد أن أرى الأسد والفيل.
- حسنًا.. انتظر حتى أبدل ملابسي.
أعدت لهم دلال حقيبة كبيرة وضعت فيها وجبة للفطور وأخرى للغداء.. كذلك وضعت بعض المشروبات الغازية والعصائر وأعطت الحقيبة للسائق ليحملها إلى السيارة.. نزلت الدرج في تمهل وما إن رآها الطفل حتى هتف بصوت عالٍ ينادي جده.. وما لبث أن أسرع بنفسه إلى حجرته عندما لم يتلق ردًا:
- هيا جدي.. جاءت ماما.
- انتظر سوف أحضر الكاميرا.
- سوف تصورني مع الأسد؟
- نعم.
- ومع الفيل؟
- ومع الفيل.
- ومع القرد؟
- سوف أصورك مع كل حيوانات الحديقة.. كفى ثرثرة وهيا بنا.
ألقى الرجل عليها نظرة عابرة مُتسلطة كعادته قبل أن يرد تحيتها.. كانت ترتدي بلوزتها الزرقاء وبنطالها الجينز الجديد وترفع شعرها لأعلى كعادتها في ذيل الحصان.. بدت كطفلة هي الأخرى.
كما توقعت.. حسام لن يذهب معهم.. أمازال مُتعبًا منذ أمس أم أنه لا يريد رؤيتها لسبب مازالت تجهله..؟
تذكرت كيف تجنب النظر إليها وقت العشاء أمس.. تناول طعامه سريعًا وانصرف مُتعللًا بالإرهاق الشديد ولكنها تستطيع أن تقسم بأنه كان غاضبًا.
*****
لم تكن المرة الأولى التي تأتي فيها إلى حديقة الحيوان.. لقد زارتها مِرارًا.. مع جدتها أحيانًا ومع زميلاتها أحيانًا أخرى.. لكنها المرة الأولى التي تسعد فيها بهذا القدر.. لقد رأت كثير من الحيوانات والمشاهد الطبيعية التي لم ترها من قبل.. ربما لقلة خبرتها وعدم معرفتها بوجودها سابقًا.. أو لضيق اليد أحيانًا حيث إنها تحتاج لتذكرة دخول خاصة.
شعر حموها بالتعب مبكرًا.. كل ما استطاع مرافقتهم إليه كان بيت الأسد وبيت الفيل ليلتقط بعض الصور للطفل بجوارهما كما وعده.. اتجه بعدها ليجلس في كافيتريا الحديقة تاركًا سالي والسائق الخاص به يقومان بمهمة المرشد للطفل بدلًا منه.
كان السائق رجلًا مهذبًا ومرشدًا محترفًا.. لم يترك ركنًا في الحديقة إلا وأرشدهما إليه.. كان شابًا صغيرًا لم يتجاوز الخامسة والثلاثين بعد لذا لم يشعر بالتعب أو الإجهاد ولا حتى الملل من طفلها الذي كان سعيدًا جدًا وهو ينتقل من قفص لآخر ومن حيوان لآخر ليقوم بإطعامه أو تصويره بالكاميرا التي تركها الجد معهم.
اشترى لثلاثتهم الحلوى والمثلجات مِرارًا وامتنع عن أخذ النقود من سالي أخبرها بأن منصور بك أعطاه مبلغًا كبيرًا من المال للإنفاق وشراء كل ما يحتاجون إليه.
نجحت سالي بصعوبة بمساعدة حميها في إقناع صغيرها بمغادرة الحديقة والعودة إلى المنزل بعد أن تعهد الجد له بالمجيء إليها مرة أخرى قريبًا.. راقبته مبتسمة وهو يودع حيواناته حزينًا خاصة تلك التي تأثر بها وأطلق عليها أسماء والقاب محببة إليه.
في السيارة طاردتها أفكارها من جديد.. حسام.. منعها انشغالها طيلة النهار من التفكير فيه.. لماذا أصبح يشغلها مؤخرًا؟ خاصة بعد علمها بعلاقته بتلك الطبيبة.. كان يتوجب عليها أن تفعل العكس.
أصبح يتجاهلها هذه الأيام ويتهرب منها.. ترى هل فقد الأمل في عودتها إليه أم أنه فقد رغبته فيها؟
وصلوا إلى المنزل مُنهكي القوة.. استقبلهما حسام بابتسامة واسعة وهو يحتضن الطفل مُهللًا.. لكنه وسط كل هذا لم ينس أن ينظر إلى ملابسها ساخطًا.. لماذا يتضايق هكذا من ملابسها الجديدة..؟ هل أدمن رؤيتها بالملابس الرثة المهلهلة؟
يبدو فرحًا وكأنه شخص آخر لا يمت لكئيب الأمس بصلة.. استأذن حموها في الانصراف كان متعبًا.. جلست تتأمل صغيرها بحنان وهو يقص على حسام رحلته الجميلة ويقلد له الحيوانات التي رآها.. كيف تأكل وكيف تلعب وكيف تحتضن صغارها وتعتني بهم..؟
فرحت بالمعلومات الكثيرة التي تعلّمها.. حانت منها التفاتة إلى حسام فوجدته ينظر إليها.. في عينيه شيء آخر غير السخط والغضب.
نهضت واقفة وبسطت يدها للطفل قائلة:
- هيا حبيبي حتى نغتسل ونبدل ملابسنا.
تلألأت في عينيه هذه النظرة المبهمة من جديد وهو يقبل الطفل مودعًا.
في أقرب فرصة سوف تشتري ملابس جديدة لترتديها في المنزل.. الملابس المنزلية التي تمتلكها هي أكثر ما يزعجها.. عليها أن تشتري منامة وجلباب على الأقل فهي لا تدري كم سيستمر بقاؤها فى هذا المكان.
فتحت خزانتها لتحضر بعض ملابسها لكنها ما كادت تنظر فيها حتى شهقت في فزع وما لبثت أن عادت إلى حسام عدوًا.. الآن فقط فهمت نظراته الغامضة.. كان يعد لها مفاجأة.. صاحت في وجهه صارخة:
- أين ملابسي؟ بل أين كل أغراضي؟
- هل وجدت خزانتك فارغة؟
- الملابس التي فيها ليست ملابسي.
- ربما الساحرة الطيبة قد أشفقت عليكِ ومرت فوقها بعصاها وتعويذتها السحرية.
- كف عن سخريتك وأخبرني ماذا فعلت بملابسي؟
- وهل تسمين هذه ملابس.. لقد كنتُ في غاية الحرج وأنا أعطيها للسائق ليسلمها لمديرة الجمعية
الخيرية.
- ماذا؟ هل تعني أنكَ تبرعت بها؟
- وبملابس نور القديمة أيضًا.
- بأي حق تفعل هذا دون إخباري؟
- لقد عوضتك بأفضل منها.. كان من المفترض أن تكوني شاكرة.
- إن كنتَ تظن بأنه يمكنك شرائي ببعض الملابس من جديد فأنت واهم حسام بك.
- بغض النظر عن كل ما بيننا.. فأنتِ زوجتي ومسئولة مني.
- كل ما بيننا هو الطفل.. الطفل فقط.. أنا لا أريد شيئًا منكَ لأنني أكرهك.. هل تفهم أكرهك.. لا تقحم نفسك في حياتي مرة أخرى.. لا شأن لكَ بي.
تركته عدوًا كما جاءت إليه.. عادت إلى حجرتها تذرعها ذهابًا وإيابًا في ثورة.. لن تبكي هذه المرة.. وقاحته لن يداويها البكاء.. حزنها على ملابسها لا يضاهي شيئًا أمام حزنها على ملابس الطفل التي أنفقت عليها مبالغ طائلة.. سيكون عليها أن تتحمل تكلفة ملابس جديدة له حين تعود به إلى أسوان.. لابد أن تنتقم منه.. سوف تعطيه درسًا يتعلم منه أن يدعها وشأنها للأبد.
- سعاد.. سعاد.
- أمرك يا سيدتي.
- أحضري لي ثلاثة أكياس كبيرة من تلك التي تضعون فيها القمامة.
- لماذا يا سيدتي؟
- لا شأن لكِ.. نفذي ما أطلبه منك فحسب.
- أمرك يا سيدتي.
أسرعت الخادمة لتنفذ ما أمرتها به.. فتحت الخزانة وألقت نظرة على الملابس الباهظة الأثمان التي امتلأت بها قبل أن تغمغم قائلة:
- حسنًا حسام بك.. سأجعلك تفكر ألف مرة قبل أن تتصرف في شيء يخصني دون الرجوع إليَ.
عادت الخادمة بعد قليل تحمل ما طلبته منها قائلة:
- ها هي الأكياس.. هل تريدين مساعدتي؟
- كلا أشكرك.. أذهبي أنتِ الآن.
أخرجت الملابس من الخزانة وألقت بها فوق الفراش بعنف قبل أن تضعها في الأكياس السوداء.. كان هناك بعض الأحذية الثمينة وحقائب اليد أيضًا.. يبدو أن الدرس سوف يكلفه أضعاف ما كلفها.. ولكنه يستحق.. نعم لقد أخطأ.. وهي ليست مُستعدة لدفع ثمن جديد.. لن تخضع لاستبداده هذه المرة مهما بذل من أجلها.
انتهت من وضع كل ما أحضره في أكياس القمامة عدا جلبابًا واحدًا.. ظل وحيدًا فوق فراشها.. لكم كان رائعًا.. لم تتجرأ يومًا بالوقوف أمام نافذة المحال التي تعرض مثله للبيع.. ها هو نصف انتقامها قد اكتمل الآن.. عليها بتنفيذ النصف الآخر.
لكم هي في شوق لرؤية وجهه حين يكتشف انتقامها العنيف هذا..! أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنادي الخادمة من جديد وما إن أقبلت حتى نظرت إليها قائلة:
- سعاد.. ما رأيك في هذا الجلباب؟
تطلعت الخادمة إلى الجلباب في انبهار قائلة:
- رائع يا سيدتي.. وسيكون أروع عندما ترتدينه.
- نحن نمتلك قوامًا متشابهًا إلى حد ما.
- عفوًا يا سيدتي.. ما أنا إلا خادمتك.
- سوف أقدم لكِ هذا الجلباب هدية.. ولكنني سأطلب منك خدمة بالمقابل.
تعلقت عينا الفتاة بالجلباب في عدم تصديق قبل أن تهتف في لهفة:
- اطلبي ما شئتِ يا سيدتي.
- أريد منكِ جلبابًا آخر بدلًا منه.
- من أين يا سيدتي؟
- من عندك.
- من عندي أنا.. من ملابسي؟!
- نعم.
صمتت الفتاة في ذهول.. فقالت تستعجلها:
- إن كان الأمر لا يروقك.. يمكنني أن أطلب هذا من دلال وأنا أعلم أنها سوف ترحب بهذه الصفقة جدًا.
صاحت الفتاة مستنكرة:
- دلال.. مقاسها مختلف تمامًا عن هذا.. لن يلائمها أبدًا.
- لهذا اخترتك أنتِ ولكن يبدو أننـ........
أسرعت الفتاة نحو الباب قائلة:
- حسنًا يا سيدتي انتظريني قليلًا.. سأعود حالًا.
همست سالي في نشوة المنتصر:
- سنرى حسام بك من منا يلعب أفضل من الآخر في لعبة حرق الأعصاب التي بدأتها أنتَ.
عادت الفتاة بعد قليل بأنفاس لاهثة تحمل جلبابًا قدمته إليها قائلة:
- تفضلي.. إنه أفضل جلباب عندي لم أرتده سوى مرات معدودة.
تناولت سالي الثوب منها غير مبالية وما لبثت أن قدمت لها الثوب الآخر الذي تلقفته الفتاة في سعادة وعدم تصديق.. لكن سالي عادت تقول من جديد:
- هناك طلب آخر صغير يا سعاد.
- ما هو؟
- أريدك أن ترتدي هذا الجلباب غدًا.. وأنتِ تقدمين لنا العشاء.
غمغمت الفتاة ببعض الأسى:
- كنتُ أريد أن أحتفظ به للعيد.
- كلا.. أريدك أن ترتديه غدًا.. أثناء تقديمك للعشاء.. اتفقنا.
- أمرك يا سيدتي.. سأرتديه غدًا.






أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-07-20, 08:35 AM   #33

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 20

جلس حسام يستمع إلى تعليقات والده الذي بدا متأثرًا وهو يتصفح إحدى الجرائد.. اكتفى ببعض الكلمات المقتضبة ليعلن له عن وجوده بجواره على نفس الأريكة.. أما عقله فقد كان شاردًا معها.. سوف ترتدي شيئًا مما أحضره لها الآن لا مفر.. محال أن تتناول العشاء معهم بنفس البلوزة والجينز.. فهي ترتديهما منذ أمس.. سوف تُسلم للأمر الواقع فليس لديها بديل.
أقبل الصغير عابسًا واتجه إلى جده مباشرة:
- يا ملك القصر..
ضحك الرجل وهو يلقي بالجريدة جانبًا ويحمله ليجلسه فوق ركبتيه:
- نعم يا أميري الصغير.
- أين الحصان؟
- عن أي حصان تتحدث؟
راح يقلب في صفحات قصصه التي أحضرها معه من حجرته صائحًا:
- انظر.. هذا القصر به حصان.. وهذا أيضًا به حصان.. وهذا أيضًا.. أين حصان هذا القصر يا جدي؟
نظر الجد إلى حسام مُبتسمًا ثم تصنع الغضب قائلًا:
- أين الحصان يا وزيري؟
بادله حسام ابتسامته قائلًا:
- ذهب في نزهة يا جلالة الملك.
هتف الصغير مُستنكرًا:
- كيف يذهب في نزهة وحده؟ لماذا لم يأخذني معه؟
- عندما يأتي سوف نحرمه من السكر عقابًا له.
- ما لونه يا بابا؟
- خمن أنتَ حبيبي.
- أبيض وأسود.
- أبيض وأسود.. هذا هو الحمار الوحشي الذي رأيته في حديقة الحيوان.
- كلا بابا.. واحد حصان أبيض وواحد حصان أسود.
- أيها الجشع يكفي حصان واحد.. سأحضر لكَ حصان أبيض بلون الثلج.
- مع من سيلعب بابا؟
- يلعب معك أنتَ أيها الماكر.
- ومع الحصان الأسود.
قبّله الجد قائلًا:
- لا بأس يا حسام.. الحصان الأبيض هدية منك.. والحصان الأسود هدية مني.. هل أنتَ سعيد الآن يا أميري؟
هتف الطفل في سعادة:
- يحيا ملك القصر العظيم.
ضحك الجد وهو يبادل الطفل قبلاته التي غمره بها.. بادله حسام الضحك الذي تلاشى فجأة عندما وقعت عيناه على سالي.. ألقت عليهم تحيتها بهدوء وكأن شيئًا لم يكن.. بادلها الرجل تحيتها في اقتضاب كعادته.. بينما عض حسام على شفتيه طويلًا قبل أن يسألها ساخطًا:
- ما هذا الذي ترتدينه؟
- جلباب.
- من أين اتيتِ به؟
- لماذا تسأل.. هل يروق لك؟
- كنتُ قد أهديتُ سعاد مثله في ليلة العيد الماضي.
- لقد استعرته منها وسوف أعيده إليها.
تأملها في جنون بينما هتف والده مُستنكرًا:
- هل وصل الأمر لهذا الحد.. تستعيرين ملابس الخدم؟
- لم أجد ما أرتديه يا سيدي.
اتسعت عينا الرجل وهو يحدق فيها بعدم تصديق فتابعت قائلة:
- لقد تبرع ولدك بملابسي للجمعية الخيرية.
صرخ حسام غاضبًا:
- ملابسك.. تلك الخرق البالية..!
- نعم.. إنها ملابسي.. عملت وجاهدت طويلًا حتى حصلت على ثمنها.. ليس من حقك أن تتصرف فيها دون الرجوع إليَ.
فتح فمه ليعترض عندما دخلت سعاد تخبرهم بأن العشاء قد أُعد.. كتمت سالي ضحكتها وهى ترى البلاهة التي ارتسمت على وجهه فجأة وهو يحول نظراته بينهما في صدمة وعدم تصديق.
قالت الفتاة في سعادة وهي تمسك بجلبابها الجديد:
- أنظر يا سيدي.. لقد أهدتني سيدتي هذا الجلباب الرائع.
تجاهلت سالي الجنون الذي انصب من عيني حسام فوق رأسها والذي تضاعف عندما أردفت الفتاة:
- سيدتي أيضًا تلبس جلبابي.. الجلباب الجميل الذي أهديته لي ليلة العيد الماضي.. هل تذكره يا حسام بك؟
عض حسام على شفته صامتًا حتى كاد يدميها.. لم تعد تشعر بلذة انتقامها الآن بل داهمها خوف عنيف.. كان واضحًا أنه يفكر في قتلها.. تابعت الفتاة الثرثرة قائلة وهي تنظر إلى سالي في سعادة:
- جلبابي يبدو رائعًا عليكِ يا سيدتي.. وكأنه أتى خصيصًا من أجلك أنتِ.
صرخ حسام في الفتاة بصبر نافد:
- اذهبي الآن يا سعاد.
تأملته الفتاة ساخطة.. كيف ينهرها هكذا وهي ترتدي ثوبًا بمثل هذا الجمال؟!
- حسنًا.. هل تريدون شيئًا آخر..؟ إذا احتجتم أي شـ..........
عاد يصرخ فيها:
- قلتُ لكِ اذهبي الآن.. هل فقدتِ قدرتك على السمع؟
أسرعت الفتاة تغادرهم في فزع وهي ترى الشرر الذي يتطاير من عينيه.. هتف الرجل الكبير في ذهول:
- هذه مهزلة..!!
تابع وهو ينظر إلى سالي مُستنكرًا:
- أنتِ أكثر من رأيتُ جنونًا.. كيف تجرأتِ على فعل شيء على هذا القدر من الحماقة..؟!
ظلت صامتة بينما سألها حسام في ثورة مكبوتة:
- هل وزعتِ الملابس التي اشتريتها لكِ على الخدم؟!
لا تدري كيف تغلبت على خوفها وهي تقول كلماتها التي نزلت على مسامعه كالصاعقة وأفقدته ما تبقى له من تعقل:
- ليس كلها.. وضعتُ ما تبقى منها في أكياس القمامة.
صرخت فجأة عندما قفز نحوها وأمسك ذراعها ليثنيه بعنف للخلف وهو يصيح بها في هيستيريا:
- في القمامة أيتها المتشردة.. هل تعلمين كم بلغت تكلفة هذه الملابس..؟ أزرار قطعة واحدة منها.. تكفي لشراء ملابسك كلها يوم كانت ملابس.
انهمرت دموعها في ألم بينما تابع بنفس النبرة المجنونة:
- حاولت أن أجعل منكِ امرأة تصلح للحياة في المجتمع الراقي.. ولكن يبدو أنكِ أدمنت نظرات الشفقة والاحتقار في عيون الكل.. حتى الخدم.
أفقدته غشاوة الجنون صوابه واستمر في صراخه وتوبيخه لها.. لم يلحظ الطفل الذي تعلق بملابس جده وانهمر باكيًا في رعب.. ولا والده الذي حاول في استماتة أن يفصل بينهما من دون جدوى حتى أعياه الإرهاق فسقط أرضًا.
أزاحها بعنف لتسقط على الأريكة خلفها.. أسرع الطفل إليها بينما أسرع هو إلى والده يحاول إسعافه لكن الرجل كان قد فقد وعيه تمامًا واستسلم للغيبوبة التي أصابته.. حمله بين ذراعيه وهو يصرخ في الخدم الذين تجمعوا حوله في قلق:
- اتصلوا بالطبيب.. اطلبوا منه أن يأتي إلى هنا فورًا.
التفتت سعاد إلى سالي التي جلست تحتضن طفلها ويبكيان معًا في جزع:
- لا تخافي يا سيدتي.. فهذه ليست المرة الأولى التي يصاب فيها بهذه النوبة.. سيكون بخير.. اطمئني.
تطلعت إليها بعيون يملأها الأمل والدموع.. يبدو أنها تمادت كثيرًا هذه المرة.. رغبتها في الانتقام من حسام جعلت منها وحشًا مفترسًا.. وها هو الرجل يرقد بين الحياة والموت بسبب حماقتها.. كان يمكنها أن ترفض ملابسه بطريقة أقل حدة وعدوانية.
إحساسها بالذنب قاوم رغبتها المُلحة في أخذ طفلها والهروب به إلى حجرتها والاختفاء بها حتى تنتهي الأزمة التي كانت سببًا مباشرًا فيها.. وجدت نفسها بلا وعي تتجه إلى حجرة حميها.. لكنه لم يكن هناك.. جذبتها الأضواء إلى حجرة أخرى لا تبتعد عنها كثيرًا.. وجدته ممددًا فوق الفراش وفوق أنفه وضع حسام جهاز للتنفس الاصطناعي وآخر لقياس النبض فوق صدره في محاولة لإسعافه حتى يأتي الطبيب.. كانت الغرفة أشبه بتلك المخصصة للعناية المركزة في المستشفيات.
يبدو أنه متيم بوالده.. كان يحتضن كفه بكلتا يديه ويهمس باسمه في لوعة ورجاء.. رفع رأسه إليها عندما شعر بوجودها وهتف مُحذرًا:
- إن حدث له مكروه لن أسامحك.
لانت ملامحه قليلًا عندما رأى طفله ينظر إليه في رعب وقد التصق بوالدته ليحتمي فيها أو ربما ليحميها منه.. أشار إليه بالتقدم نحوه لكن الطفل ازداد التصاقًا بها.. تنهد بعمق صامتًا فلم يكن في حال تسمح له بمداعبته الآن.
وصل الطبيب.. نادت سالي على سعاد لتأخذ الطفل إلى حجرته وتبقى معه حتى يخلد للنوم وهي تهمس في أذنه:
- لا تخف حبيبي.. سيكون جدك بخير.
فحص الطبيب الرجل بعناية قبل أن يحقنه ببعض الأدوية ويعلق له المحاليل قائلًا:
- اطمئن حسام بك سيكون بخير.. المهم الآن هو الرعاية الجيدة والانتظام بمواعيد الدواء حتى لا يتعرض للمضاعفات.. سوف أستدعي له ممرضة مقيمة حتى تقوم بهذه المهمة.. ولكن المشكلة أن الممرضات المقيمات اللواتي أثق فيهن أصبحن عملة نادرة.
هتفت سالي بسرعة:
- يمكنني أنا القيام بهذه المهمة.
- هل عملتِ ممرضة من قبل؟
- نعم.
- رائع.. كنتُ في حيرة من أمري.. خاصة وأن الممرضات المقيمات عندي معظمهن مشغولات حاليًا.
كتب لها بعض الارشادات التي يجب عليها إتباعها وكذلك بعض النصائح الهامة عند حدوث مضاعفات مُشددًا على ضرورة الاهتمام بالمواعيد التي حددها للحقن.. هزت رأسها متفهمة.. في طريقه للذهاب قال لها:
- إذا احتجتِ لأي شيء أو عند حدوث مكروه لا قدر الله.. عليكِ أن تتصلي بي فورًا.. إذا أتممت عملك بمهارة سوف أحتاجك في مهام أخرى.
التفت إلى حسام وتابع قائلًا:
- بعد إذنك طبعًا حسام بك.. أنتَ تعلم أن الخادمات كُثر هذه الأيام أما الممرضات المقيمات اللواتي يجدن عملهن فقد أصبحن عملة نادرة جدًا كما أخبرتك.
انصرف الطبيب فتطلع إليها حسام في غضب قائلًا:
- أرجو أن تكوني سعيدة الآن.
أحنت رأسها صامتة فعاد يهتف بها:
- لا تقفي أمامي هكذا.. اذهبي وبدلي جلباب الخادمة هذا.
أسرعت تغادر الغرفة.. لم يكن هناك مجال للعناد الآن.. كل ما يهمها هو أن يُشفى الرجل سريعًا وألا تكون سببًا في حدوث مكروه له.. ليس خوفًا من حسام ولكن خوفًا من الحياة بضمير معذب.
أمضت ليلتها بجواره على كرسي قريب من فراشه حتى تستطيع متابعته بشكل أفضل.. حسام أيضًا لم ينم تلك الليلة بل ظل معها في نفس الحجرة.. لم يتحدث معها طوال الليل بالرغم من أن عيناه لم تكف عن ملاحقتها خاصة وهي تحقنه بالأدوية أو تتابع المحاليل.
كانت السابعة صباحًا عندما تثاءب قائلًا:
- لابد أن أذهب للعمل الآن.. للأسف لا يمكنني الاعتذار اليوم.. سوف أحاول أن استأذن مبكرًا حتى تنالي قسطًا من الراحة.
هزت رأسها صامتة.. بعد انصرافه.. حاولت أن تغفو فوق مقعدها وقد رفعت ساقيها فوق مقعد آخر.. ضبطت المنبه أمامها حتى لا تغفل طويلًا عن مريضها.. استيقظت قبل الوقت الذي حددته لنفسها.. مازال الوقت مبكرًا جدًا حتى يحين موعد الدواء التالي.. سوف تذهب لتغتسل ربما تتخلص من شعورها بالإعياء والملل ولكن سيكون عليها ارتداء نفس البلوزة والجينز كما ترتديهما الآن.
ماذا لو ذهبت لتشتري بعض الملابس وعادت سريعًا..؟ لن يستغرق الأمر وقتًا.. موقف الأتوبيس لا يبعد كثيرًا عن المنزل.. هي تعرف الطريق جيدًا حيث ذهبت وطفلها في المرة السابقة.


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-07-20, 11:50 PM   #34

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الرواية جميلة😍 سالي غلطت غلطة شنيعة انها سلمت نفسها لحسام وعاشت معاه بالحرام من غير اي احساس بالذنب وهي مش صغيرة او مراهقة كانت في الجامعة اما حسام فحقير حتى لو ابوه مش موافق كان اتجوزها ع الاقل بالسر كيف بيحبها ورضي انه يعيش معاها بالحرام وحاول يقتل ابنه وبعد ماحصل له حادث وبقى عقيم اتمسك بيه لانه مش حيخلف غيره ..هي استسلمت ليه ع طول كان ممكن تحارب وعندها الاثباتات انه مكانش عاوز الولد ولا راضي يصلح غلطه ..وكمان كيف سجلته بأسم حسام من غير ورق رسمي يعني وثيقة جواز ..وشريف وضعه ايه الي وقف معاها وكان شهم برغم انه عرف انها غلطت بس متمسك بيها انا صعبان عليا شريف ومش عاجبني حسام ولا مشفقة عليه ..اما ابوه فماألومه على افكاره ..منتظرين الاحداث الجاية اتمنى لك التوفيق ودمتي بخير 💕

زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-07-20, 09:03 AM   #35

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

شكرًا زهورة
أتمنى ردي يوصلك
زمان كان ممكن الأم تسجل المولود باي اسم
شروط قيد المواليد إلى حد ما حديثة العهد
زمن الرواية هنا قديم شويه
وطبعا سالي وحسام الاتنين دخلوا في معصية ودفعوا ثمنها غالي من خلال الأحداث
ولسه هيدفعوا كمان
أما شريف فهو نموذج للإنسان الملتزم .. والدنيا فيها الطالح والصالح
أتمنى بقية الأحداث تنال إعجابك


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-07-20, 11:22 PM   #36

Rania nabile

? العضوٌ??? » 441869
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » Rania nabile is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
ممكن الروايه مواعيدها ايه و كام فصل

بالتوفيق يا رب


Rania nabile غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-20, 05:31 AM   #37

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

مواعيد النشر حلقتين كل يوم اتنين
وحلقتين كل يوم خميس
الرواية حوالي 35 حلقة

شكرا لاهتمامكم وأتمنى أكون عند حسن ظنكم


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-20, 01:07 PM   #38

البحر

? العضوٌ??? » 15862
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » البحر is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

البحر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-07-20, 08:34 PM   #39

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا بيكم


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-07-20, 08:51 PM   #40

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 21

ألقت نظرة إلى ساعة يدها.. لازال هناك أكثر من ساعتين ونصف الساعة على موعد الحقنة التالية.. وهي لن تحتاج لكل هذا الوقت.. هزت رأسها في رفض وتمتمت:
- كلا.. الأمر ليس مضمونًا.. ربما تأخر الأتوبيس لسبب ما.. ربما ازدحم الطريق أو تعرض لحادث مصادفة.. أو ربما سرقها الوقت دون أن تدري وهي تنتقي ما يناسبها.. كلا.. كلا.. لن تغامر بحياة رجل مريض.. وما العيب في ملابسها فلتبق بها..؟!
أخذتها أفكارها من جديد وتمللت في جلستها.. هل ترتدي شيئًا مما أحضره حسام لها..؟ فقط حتى يمكنها أن تشتري ملابس جديدة.. عادت تهز رأسها في عناد.. هل تستعير شيئًا آخر من سعاد.. ربما قتلها هذه المرة.. لكنها لن تبقى هكذا على أية حال.
رفعت رأسها في فزع على صوت حسام الذي يبدو أنه استأذن مبكرًا بالفعل كما أخبرها:
- ماذا حدث؟ لستِ على ما يرام.. هل أبي بخير؟
- نعم بخير.
- لماذا تحدثين نفسك إذًا؟
- أنا....!
- متى موعد الدواء؟
نظرت إلى ساعتها قائلة:
- بعد ساعتين.
- حسنًا.. اذهبي لتستريحي قليلًا وسوف أناديك حينها.
نظرت إليه في بلاهة وما لبثت أن غادرت الغرفة صامتة من دون أن تعلق بشيء مما زاد من دهشته.. يبدو أنها مرهقة وتحتاج لبعض الراحة.
في حجرتها تنفست الصعداء.. حمدًا لله أنها لم تذهب لسوق الملابس.. ماذا كان سيفعل إن لم يجدها..؟ أخذت حمامًا سريعًا ومشطت شعرها ببطء حتى شعرت ببعض الراحة.. لو لم تكن ترتدي الملابس ذاتها لشعرت براحة أكبر.
ألقت نفسها فوق فراشها وأغمضت عينيها.. لا تدري كم من الوقت مضى عندما فوجئت بالخادمة توقظها قائلة:
- سيدتي.. حسام بك يريدك.
انتفضت في فزع.. هل أهملت مواعيد الدواء.. أسرعت تغادر الغرفة إلى حيث يرقد مريضها.. نظر إليها حسام صامتًا ولكنها حين استعدت لحقن والده استوقفها قائلًا:
- هل أنتِ على ما يرام.. هل أنتِ مدركة لما تفعلينه؟
- ماذا تعني؟
- تبدين متعبة وشاردة.
- أنا بخير.. وأعرف جيدًا ما أفعله.. اطمئنلن أؤذي والدك.
ظل يراقبها في قلق حتى انتهت من عملها قبل أن يقول:
- هل تناولتِ فطورك؟
شعرت فجأة بالجوع.. تذكرت طفلها.. منذ أمس لم يأكلوا شيئًا بعد أن أفسد انتقامها عليهم العشاء.. همست:
- كلا.. شريف أيضًا لم يتناول شيئًا.
كانت تتحدث بعفوية لكنه نظر إليها ساخطًا قبل أن يهتف:
- دلال.. دلال..
- أمرك حسام بك.
- استدعي نور من حجرته وأعدي لنا الفطور.
- أمرك يا سيدي.
أقبل الطفل وأسرع يرتمي بين ذراعي سالي ليختبئ منه لكنه جذبه إليه واحتضنه قائلًا:
- هل أنتَ خائف مني؟
- أنتَ شرير بابا.
ضحك وهو يقبّله قائلًا:
- أنا أحبك كثيرًا.
- أنتَ لا تحب ماما.
نظر حسام إلى سالي ساخطًا قبل أن يقول:
- بل أنا أحب ماما.. لكنها لا تسمع كلامي.
نظر الطفل إلى والدته وكأنه ينتظر أن تقول شيئًا قبل أن يعاود النظر إلى والده الذي ابتسم له قائلًا:
- هل أنتَ جائع مثلي؟
- ماما أيضًا.
التفت حسام إلى سالي التي كانت تتأملهما صامتة.. فوجئت به يحيطها بذراعه قائلًا:
- هيا ماما لنتناول الفطور.
- وجدي.
غمغم حسام في أسى:
- هو مريض الآن حبيبي.. غداً بإذن الله.. سوف يكون بخير.
*****
ثلاثة أيام مضت قبل أن يستطيع الرجل أخيرًا تحريك يديه وساقيه حركات بسيطة.. أثنى الدكتور مصطفى على عملها بعد أن فحص المريض:
- أنتِ رائعة يا آنسة سالي.. لقد أديتِ عملك بطريقة ممتازة وسوف يتمكن المريض قريبًا من مغادرة الفراش ومتابعة حياته من دون حدوث أية مضاعفات.
- اشكرك يا دكتور على حسن ظنك بي.. كان هذا بفضل توجيهاتك.
- اكتبي لي بياناتك كاملة.. سوف أحتاج إليكِ بالتأكيد.. فأنا دائمًا في حاجة إلى ممرضة مقيمة لها مثل مهارتك وأمانتك.
التفت إلى حسام الذي بدا ساخطًا وقال:
- بعد إذنك طبعا حسام بك.
تصنع حسام ابتسامة قائلًا:
- اسمح لي يا دكتور أن أصحح سوء الفهم الغير مقصود.
نظر إليه الطبيب في تساؤل.. فأشار إلى سالي وأردف:
- أقدم لكَ سالي هانم.. زوجتي.
- ماذا..؟ ولكن....
- أعلم والتمس لكَ العذر.. فزوجتي تجيد التواضع.
- نعم.. نعم.. هي حقًا تجيد التواضع.
استدار إلى سالي وغمغم في ارتباك:
- آسف يا هانم.. لم أقصد الإهانة أبدًا.. فأنــ........
- لا عليكِ يا دكتور.. التمريض مهنة سامية.. يسعدني أن أكون سببًا في تخفيف آلام الآخرين.
- أنتِ رائعة يا سيدتي.. تقبلي تحيتي واحترامي.
قاطعهما حسام بصبر نافد:
- والآن يا دكتور.. متى يمكن لوالدي أن ينتقل إلى حجرته؟
- قريبًا جدًا.. حالته تتحسن بسرعة.. ربما يومين أو ثلاثة على الأكثر.
نظر إلى سالي وأردف:
- المهم هو أن تستمر سالي هانم في مهمتها بنفس العزيمة والتفاني.
هزت سالي رأسها وابتسمت صامتة.. ناولها ورقة خط عليها بعض التوجيهات والأدوية الجديدة قبل أن ينصرف مودعًا.
نظر حسام إلى سالي بضيق وفتح فمه ليقول شيئًا لكنه عاد ليغلقه من جديد قبل أن يتركها ويذهب ساخطًا.. استوقفته قائلة
- أريدك أن تبقى مع والدك بعض الوقت.
نظر إليها في تساؤل فأردفت:
- أنا في حاجة شديدة للتسوق.
- هل وضعت كل ما أحضرته لكِ في القمامة بالفعل؟
- نعم.
زفر بضيق ووضع يده في جيب سترته.. أخرج حافظة نقوده وقدم لها ما بها من نقود قائلًا:
- هل يكفي هذا أم تريدين المزيد؟
أشاحت بيدها قائلة:
- أشكرك.. معي ما يكفيني من نقود.. كل ما أحتاجه منكَ هو بعض الوقت.
غمغم باسمها ساخطًا فتابعت في إصرار:
- بالله لا داعي للشجار.. والدك قد يستيقظ فى أية لحظة.
- خذي السيارة.. السائق سوف ينقلك إلى حيث تشائين.
هزت رأسها صامتة.. لم تكن في حاجة إلى سيارته ولكن لا داعي لإخباره بذلك حتى لا تتأزم الأمور.
في مكتب البريد ترددت طويلًا قبل أن تقرر سحب مبلغ كبير من مدخراتها.. يبدو أنه لا مفر من ذلك.. منذ وقت طويل وهي تتبع خطتها للتقشف حتى جمعت هذه النقود من أجل توفير حياة أفضل لطفلها.. كانت تستعد لإلحاقه بالمدرسة مع بداية العام القادم.. مدرسة رائعة اختارتها له بعناية رغم مصروفاتها الباهظة.
لن تخدع نفسها أكثر من هذا.. حسام لن يترك طفله.. كانت على يقين من ذلك مهما حاولت الإنكار.. حتى إذا ما تزوج هذه الطبيبة وطلقها.. ولو تركها تذهب به إلى أسوان من جديد.. سوف يظل يرعاه ماديًا ولن يتركه.. سوف يتكفل بلا شك بمصروفات دراسته كاملة ولن تستطيع منعه من ذلك مهما فعلت.. وهى أيضًا سوف تعود للعمل من جديد.. وربما يعاود دكتور شريف طلبه للزواج منها.. حينها لن تكون في حاجة لمثل هذه النقود مثلما هي في حاجة إليها الآن.. عليها أن تثبت لنفسها قبل أن تثبت للآخرين.. بأنها سيدة القصر.. الأمر لا يحتاج سوى لبعض الملابس والأحذية و.......
وبعض الأشياء من هذا القبيل.. تحتاج أيضًا إلى تسريحة جديدة أكثر عصرية.
حرصت هذه المرة على اختيار ملابسها ببعض العناية والتروي.. لن تختارها باهظة الأثمان إلى الحد الذي يرهقها ولكنها لن تختارها رخيصة إلى الحد الذي يثير اشمئزازهم منها.. ساعدها قوامها المتناسق على إيجاد ضالتها بسهولة.. نظرت إلى ساعتها.. لم يعد لديها الوقت للذهاب لمصفف الشعر الآن.. ربما في وقت لاحق.. أسرعت تأخذ الأتوبيس مرة أخرى عائدة إلى المنزل.
عادت إلى منزلها وقد وضعت مشترياتها في حقيبتين كبيرتين.. ساعدتها دلال في حملهما إلى حجرتها.
- هل تريدين شيئًا آخر يا سيدتي؟
- أشكرك دلال.. أخبري حسام بك بأنني سوف أبدل ملابسي وأكون معه بعد قليل.
- أمرك يا هانم.
انصرفت الخادمة.. أفرغت محتويات الحقيبتين فوق فراشها وراحت تتطلع إليها في نشوة.. ها هي الآن قد أصبحت تمتلك قدرًا لا بأس به من الملابس الرائعة.. راحت ترصها بعناية وسعادة في خزانة ملابسها.
جلس حسام مُسترخيًا.. استند برأسه فوق ذراعيه بينما رفع ساقيه فوق مقعد آخر وأغمض عينيه في كسل.. تنحنحت في بطء حتى تشعره بوجودها.. فتح عينيه وتطلع إليها وما لبث أن اعتدل في جلسته مبتسمًا.. كانت ترتدي فستانًا وردي اللون انعكست أضواؤه فوق وجنتيها فأكسبتها جمالًا ورونقًا تلقائيًا.. نظراته المتفحصة زادتها خجلًا وتوردًا.
غمغمت في ارتباك:
- عذرًا لتأخري.. أرجو ألا تكون قد شعرت بالملل.
أضاءت عيناه قائلًا:
- لا عليكِ.. ما أراه يستحق الانتظار أكثر من هذا.
أحنت رأسها وتضاربت مشاعرها بطريقة أثارت دهشتها.. نهض ليقف خلفها هامسًا:
- فستانك رائع.
ابتلعت ريقها وهى تبتعد عنه قائلة:
- أشكرك.
جلسا في صمت.. ولكن مازال وجوده معها في غرفة واحدة يثير حواسها بطريقة تزعجها.. أسرعت تلتقط أول كتاب لمسته من مجموعة الكتب التي وضعها فوق مائدة صغيرة بالقرب منها.. فتحته عله يشغلها عن التفكير والقلق.. لماذا ينظر إليها هكذا..؟
شهقت في فزع عندما نهض وجذب الكتاب من بين يديها.. أدركت وهو يقدمه لها من جديد أنها كانت تمسك به مقلوبًا.
نهضت لتضع الكتاب مكانه بيد مرتعشة قبل أن تهمس في نبرة تعكس ما تعانيه من جنون:
- لماذا لا تذهب إلى غرفتك لتنال قسطًا من الراحة..؟ أنا هنا الآن.. سوف أعتني بوالدك.
بادل همسها بطريقة زادتها جنونًا:
- أشعر بالراحة هنا.
كان واضحًا أنه يتسلى بأعصابها المضطربة.. حاولت أن تتشاغل عنه بالتطلع من النافذة حتى تتخلص من توترها.. لماذا تشعر بمثل هذا الضعف الآن..؟ هل أخطأت عندما تركت شعرها ينسدل طليقًا..؟ كانت تعلم أنه يفضله مُنسدلًا.. أمازال يعشقه هكذا..؟
تسارعت أنفاسها عندما فوجئت به خلفها يحتضن خصرها بقوة بكلتا ذراعيه ويقبل عنقها بأنفاس محمومة.. جاهدت لتقاومه.. أرخى ذراعيه قليلًا لتواجهه.. فتحت فمها لتصرخ في وجهه لكنها بدلًا من ذلك وجدت نفسها تذوب في قبلته الملتهبة وتعود معها لسنوات مضت.. وكأن الزمن كان مختبيئًا بين ذراعيه.
تركها أخيرًا وقد اتسعت ابتسامته بينما غمغمت بأنفاس لاهثة:
- إن لم تغادر الآن.. فورًا.. سوف أغادر أنا ولن أعود.. وابحث لوالدك عن ممرضة أخرى تعتني به.. لا تنظر إليَ هكذا.. هيا اذهب...











أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:14 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.