آخر 10 مشاركات
عرض مغرى (148) للكاتبة Michelle Conder .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع بلا خطايا (91) للكاتبة: لين جراهام ....كاملة.. (الكاتـب : *ايمي* - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          ندوب من الماضي ~زائرة~ || ج2 من وعاد من جديد || للكاتبة: shekinia *كاملة (الكاتـب : shekinia - )           »          651 - الجميلة والسجين - Iris Carole - د.م (الكاتـب : الحبــ الكبير - )           »          69– يدان ترتجفان - كاي ثورب – روايات عبير القديمة(حصريا) ( مكتوبة/كاملة )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-07-20, 08:54 PM   #41

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي



الحلقة 22

ألقت سالي بالسرنجة في سلة المهملات وهي تبتسم لحميها قائلة:
- حمدًا لله على سلامتك يا سيدي.. أخبرني دكتور مصطفى بأننا لسنا في حاجة إلى تكرار الجرعة مرة أخرى.. صحتك أصبحت جيدة الآن.
- شكرًا لكِ.. افتحي درج المكتب الأعلى.. سوف تجدي مظروفًا.. أحضريه.
نفذت ما طلبه منها وقدمت له المظروف ولكنه أعاده إليها قائلًا:
- إنه لكِ.
- ما هذا؟
- افتحيه.
نظرت إليه في تردد قبل أن تفتح المظروف.. وجدت به مبلغًا كبيرًا من المال.. عادت تنظر إليه في تساؤل.. قال في هدوء:
- إنه راتبك.
- ماذا؟
- لقد تعبتِ كثيرًا معي في الفترة السابقة.
- سيدي أنا لم أفعل ذلك انتظارًا للنقود.. إنه واجبي.. أنا لستُ غريبة عنكم.. أنا.. أنا...
- أنتِ ماذا؟
صمتت بعد أن أدركت ما يريد سماعه.. لو أخبرته بأنها زوجة ولده سوف يطالبها بطاعته.. سيكون عليها الاستسلام للأمر الواقع إذًا وانتظار مصيرها الذي سوف يحدده كلاهما.. رفعت رأسها لأعلى قائلة:
- لكن هذا المبلغ كبير جدًا.
- الممرضة المقيمة تتقاضى راتبًا كبيرًا.
- ولكن ليس لهذا الحد.
- هل عملتِ ممرضة مقيمة من قبل؟
- كلا.. دكتور شريف كان يعترض على ذلك.
تطلع إليها مليًا قبل أن يقول:
- اسمعيني جيدًا.. حسام سوف يكمل ثلاثة وثلاثين عامًا في الأسبوع المقبل.. سوف نقيم حفلًا كبيرًا بهذه المناسبة.. وسوف تكون فرصة مناسبة لتقديمك أنتِ ونور للأهل والأصدقاء.
- ولذلك قدمت لي هذا المبلغ؟
- أريدك أن تنفقيه بأكمله.. وإن احتجت المزيد اطلبي مني.
تلاقت عيونهما فتابع قائلًا:
- حسام هو ولدي الوحيد الذي أفنيت عمري كله من أجله.. لقد توفيت والدته أثناء ولادته.. لم أتزوج بعدها ليس إكرامًا لها فقط.. بل حتى أضمن له السعادة التي قد تحرمه منها زوجة أخرى.. أو حتى تقاسمه فيها.
صمت قليلًا ليتركها تستوعب ما يقوله قبل أن يكمل:
- أريدك أن تظهري في الحفل بصورة لائقة أمام الجميع.
حاولت أن تعيد إليه المظروف قائلة:
- اطمئن يا سيدي.. معي ما يكفي من نقود.. أعدك بأنني سوف أشــ.........
قاطعها الرجل في حسم:
- كان يمكنني أن أشتري لكِ ما أراه مناسبًا.. ما أريدك أن ترتديه.. لكنني خشيت أن ترفضي كما فعلتِ سابقًا مع حسام.
- سيدي...
- مادمتِ تتعاملين معنا بطريقة رسمية.. هذا راتبك.. اشتري به ما يناسبك.
ضغط على حروفه قبل أن يكمل وهو يشير بإصبعه مُحذرًا:
- شرط أن يناسبنا نحن أيضًا.
حاولت الاعتراض فهي ليست في حاجة إلى نقوده.. تستطيع أن تظهر بالصورة المناسبة دون الخضوع لغطرسته.. أخيرًا قرر أن ينهي المحادثة بينهما.. وضع يده فوق صدره قائلًا:
- تذكري أنني مازلتُ في فترة نقاهة.. ولا أريد أن أعود إلى الغيبوبة من جديد فكُفي عن مجادلتي.
هزت رأسها في استسلام قائلة:
- اطمئن .. سأفعل ما تريده.
جلست فوق فراشها تتطلع في حيرة إلى المظروف الذي يحتوي على مبلغ من المال يقارب ما كانت تكسبه في عام كامل رغم الراتب الكبير الذي كان يقدمه لها دكتور شريف.. كانت على يقين بأن ما قدمته من رعاية صحية له أثناء مرضه لا يستحق كل هذا المبلغ ولكن...
ربما عليها أن تنتظر حتى تتحسن حالته تمامًا ويتخطى هذه المرحلة الحرجة.. يومها سوف تخبره أن لا حاجة لها لنقوده.. سوف تلقنه هو أيضًا درسًا يجعله يتخلى عن غطرسته كلما تحدث معها.
تحسنت حالة الرجل كثيرًا في الأيام التالية مما أتاح لها الفرصة للخروج من المنزل والقيام بما تريده من التسوق.. ظلت تنتقل بين نوافذ المحال تبحث عن غايتها.. أخيرًا تعلقت عيناها بثوب نحاسي رائع.. أنه هو.. هو ما بحثت عنه طويلًا.. حذاؤه أيضًا كان قد وضع أسفله مع حقيبة للسهرة مُرصعة بالألماس بنفس اللون والرونق.. تأففت في فزع عندما لاحظت الورقة الصغيرة التي توضح الثمن الباهظ لكل قطعة على حدة.. يا الله.. هذا كثير جدًا..!
أكثر مما رصدته للإنفاق رغم محاولاتها المستمرة منذ أمس الأول لإقناع نفسها بضرورة التضحية بقدر كبير من مدخراتها للظهور بالمظهر المناسب.. شعرت بخيبة أمل قوية.. إذا استمرت في الإنفاق بهذه الطريقة لإرضاء حسام وعائلته وأصدقائه سوف تخسر كل مدخراتها في زمن قياسي.. وسيكون عليها أن تبدأ من الصفر عندما تتركه.
تألقت عيناها فجأة.. لماذا لا تذهب إلى المناطق الأقل رُقيًا.. هذه المنطقة أسعارها مرتفعة جدًا.. سوف تذهب للتسوق من حيث اعتادت.. هناك الأسعار في متناول يدها والجودة لا تختلف كثيرًا.
أسرعت تستقل الأتوبيس إلى هناك وقد عاودها الأمل في إيجاد ما يناسبهم وما يناسبها هي أيضًا.
تنقلت من محل لآخر من دون جدوى.. فساتين السهرة هنا مختلفة.. حاولت أن تجرب بعضها رغم عدم اقتناعها.. تخيلت حسام ووالده ونظرات الاستنكار والذهول تملأ أعينهما.. ربما يقتلها حسام.. أو ربما يسقط حموها صريعًا هذه المرة.
أسرعت تخلع الفستان عنها وتعتذر للبائعة بأنه لا يناسبها.. لم تنجح محاولات البائعة المستميتة في إقناعها بشرائه.. لا مفر من المغامرة.. سوف تتمادى في التضحية هذه المرة.. سوف تشتري الثوب النحاسي والحذاء فقط.. ليست في حاجة ماسة إلى حقيبة السهرة.. السهرة في منزلها لذا قد يمكنها الاستغناء عنها.
استيقظت مبكرة في اليوم التالي وذهبت إلى مكتب البريد.. عليها سحب مبلغ كبير آخر من مدخراتها.. أخرجت دفتر توفيرها بأصابع مرتعدة.. تنفست الصعداء حين وصلت للشباك وطلبت سحب المبلغ بصوت ثابت.
وصلت إلى المحل المنشود.. سوف تشتري هذا الثوب مهما بدا باهظًا.. بل سوف تشتري الحذاء أيضًا.. تعجبت حين وجدت المحل مُغلقًا.. نظرت إلى ساعة يدها.. مازال الوقت باكرًا.. سوف يفتح بعد قليل.. ليس جيدًا أن تبقى هكذا أمامه حتى يفتح أبوابه.. سوف تتمشى قليلًا وتشاهد نوافذ المحلات المجاورة.
ها هو فستانها المنشود معروض في نافذة أخرى.. تأملته في فخر وقد بدأت تتناسى ثمنه الباهظ.. استقبلتها البائعة بابتسامة واسعة وهي تشير إليها بالدخول:
- تفضلي يا سيدتي.. أنتِ أول عميلة لنا اليوم.. لذا سوف نقدم لكِ خصومات رائعة.
بادلتها سالي ابتسامتها وهي تدخل إلى المحل.. أشارت إلى مبتغاها قائلة:
- أريد أن أجرب هذا الثوب.
- لك ذوق رفيع يا سيدتي.. إنه أحدث ما وصل إلينا.
ما إن ارتدته حتى أطلقت البائعة صفيرًا طويلًا قائلة:
- أكثر من رائع.. وكأنه صمم خصيصًا لأجلك.
- حسنًا.. كم سوف يكلفني هذا الثوب؟
- شراء أم إيجار؟
- إيجار؟!
- نعم نحن نبيع ونؤجر أيضًا فساتين الزفاف والسهرة.. اختاري ما شئت.
تمكنت بصعوبة من التحكم في مشاعر الفرح التي اعترتها.. فهي ليست في حاجة إلى الاحتفاظ به.. سوف تستأجره فقط.. يا له من حظ سعيد.. يتيح لها الفرصة لإرضاء نفسها وميزانيتها والآخرين أيضًا.. أسرعت تقول:
- سوف استأجره.
- في هذه الحالة سوف يكلفك ربع ثمنه فقط.
- ربع الثمن وأنا سوف أرتديه مرة واحدة.. أليس هذا كثير؟
- إنه جديد يا سيدتي.. سوف تكونين أول من ترتديه.. هذا الثوب يقتصر على سيدات المجتمع الراقي فقط وهؤلاء ينفقن ببذخ حتى يظهرن بأبهى صورة .. ويفرحن كثيرًا عندما يجدن عرضًا كهذا.. أنتِ سعيدة الحظ.. سوف ترتدين الأحدث "موضة" وستكونين أول من ترتديه أيضًا.
هزت سالي رأسها باستسلام قائلة:
- أنتِ ماهرة جدًا في عملك.
- أشكرك يا سيدتي.. سوف تحتاجين لمصفف شعر.. أليس كذلك؟
- نعم.. أكيد.
- هل أنتِ ذاهبة إلى سهرة خاصة أم إلى حفل زفاف؟
- حفل عيد ميلاد.
- سوف أدلك إلى مصفف الشعر الذي نتعامل معه.. أخبريه فقط أنكِ من جهتي وهو سوف يهتم بكِ.. متى الحفل؟
- بعد غد.
- حسنًا.. يمكنك أن تأتي غدًا لتأخذي الثوب.
*****
سلمتها الفتاة الثوب وأرشدتها إلى مصفف الشعر الذي تعمل لديه صديقتها قائلة:
- أخبري عفاف صديقتي بأنكِ من جهتي.. سوف تعتني بكِ.. وسوف تقدم لكِ خصمًا جيدًا أيضًا.
في طريقها للعودة توقفت أمام نافذة كبيرة لعرض العطور.. ها هو عطره المفضل.. لازالت تتذكره جيدًا.. لم يغيره بعد.. لقد رأته في حمام حجرته أثناء وجودها فيها.. هل هي مُجبرة على شراء هدية له.. بالطبع كلا.. ولكن.. كيف ستقدمها له؟ هل سيقبلها منها..؟ لقد ألقت بما أحضره لها في أكياس القمامة.. ربما يفعل مثلها.
ها هو اليوم الذي انتظرته طويلًا.. ربما ليس حبًا فيه بقدر ما كان رغبة في التخلص منه.. لكم ترجو من الله أن ينتهى هذا الحفل بلا إزعاج.. لقد بذلت قصارى جهدها حتى الآن.. استأجرت فستانًا باهظ الثمن.. اضطرت لشراء الحذاء أيضًا.. ذهبت لمصفف الشعر الذي أخذ منها مبلغًا كبيرًا كادت تسقط مغشيًا عليها عندما سمعت مقداره.
طرقات على بابها أيقظتها.. حماها يشغله أمر هذا الحفل جدًا.. ها هو قد أرسل لها مجددًا حتى تستعد.. عادت تشعر بالرهبة والتوتر وهي تقول للطارق:
- ادخل.
دخلت سعاد تحمل علبة كبيرة من الكرتون.. وما لبث أن تبعها حسام.. كان يحمل شنطة من الكرتون الفاخر تحمل شعار أحد المحلات العريقة وشنطة أصغر حجمًا في يده الأخرى.. وضعت الفتاة ما تحمله جانبًا وغادرت الغرفة.
ابتسم حسام وهو ينظر إليها قائلًا:
- اليوم عيد ميلادي إن كنتِ مازلتِ تتذكرينه.
- كل عام وأنتَ بخير.
- هل أحضرتِ لي هدية؟
نظرت إليه في تردد قبل أن تفتح أحد الأدراج لتخرج منه علبة مزينة قدمتها إليه قائلة:
- شيء بسيط لمجرد المشاركة.
ابتسم وهو يتناولها منها قائلًا:
- ستكون أجمل لو قدمتها بطريقة أخرى.
- ماذا تعني؟
تراجعت للخلف عندما فضحت عيناه ما يعنيه.. فاتسعت ابتسامته قائلًا:
- لستُ مُتعجلًا.. سأنتظرك حتى آخر العمر.
- لماذا أتيتَ إلى حجرتي؟
نظر إليها مليًا ثم ضغط على حروفه قائلًا في رجاء:
- سالي.. هديتك لي هي أن تقبلي هديتي لكِ.
- ماذا تعني؟
انحنى يفتح العلبة الكبيرة التي وضعتها سعاد فوق السرير.. كان ثوبًا رائعًا للسهرة.. قدمه لها قائلًا:
- أريدك أن ترتدي هذا الثوب.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-07-20, 08:57 PM   #42

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 23

نظرت إليه ساخطة.. لماذا يعاملانها وكأنها طفلة لا حول لها ولا قوة.. لماذا لا يثقون فيها ولا في اختياراتها..؟
هذا الثوب رائع بالفعل.. ولكن الثوب الذي اختارته لنفسها رائع أيضًا بل ربما كان أفضل من هذا.
أخرج من الشنطة التي كان يحملها حذاءً وحقيبة للسهرة.. قدم لها أيضًا طاقمًا فاخرًا من الألماس.. يبدو أنه حقيقي.. نظرت إليه في مزيج من الانبهار والرهبة.. على أية حال لقد استأجرت لنفسها واحدًا نصحها به مصفف الشعر.. أبهرها أيضًا برغم كونه غير حقيقى بل تقليد.
- شكرًا لك حسام بك.. لكنني تدبرت أمري.
- أريدك أن ترتدي ما أحضرته لكِ هذه المرة.
نظر إليها في رجاء وأردف:
- من أجلي.. أخبرتك أن هذا سيكون هديتك لي.
تطلعت إليه صامتة.. لم تعجبه هديتها إذًا.. ربما كانت أبسط مما تخيلت.. لم يهتم ويسألها عنها.. لم يحاول حتى فتحها ليعرف ما هي.. وماذا كان ينتظر منها أكثر من ذلك؟ ليحمد الله.. لو عاملته بالمثل فهو يستحق الشنق جزاء ما فعله بها؟!
ماذا يتوقع منها الآن وهو يتوسل هكذا..؟ هل في كل مرة يقول لها من أجلي وهو ينظر إليها بهذه الطريقة سيكون عليها طاعته والاستسلام له..؟!
- سالي.. بالله عليكِ.. لا أريد مشاكل هذه الليلة.. أبي لم يتعاف تمامًا بعد.
ظلت صامتة.. ظن أن صمتها إذعان له وخضوع لما طلبه منها.. قبّل كفها واستدار مُنصرفًا لكنه ما لبث أن التفت إليها قائلًا:
- كوني جاهزة في تمام السابعة مساءً.. سأنتظرك في حجرتي.. أفضل أن نكون معًا وهم يروننا للمرة الأولى.
تخطت xxxxب الساعة السابعة والنصف.. نهض حسام عن كرسيه الهزاز.. ملجأه كلما كان مُتوترًا.. ذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا عدة مرات.. أين سالي؟ لماذا لم تظهر بعد..؟
لم يكن من عاداتها الجلوس طويلًا أمام المرآة.. ربما كان اليوم مميزًا لها.. ابتسم في حنين.. اليوم ستكون عروسه وحبيبته.. سيتجسد حلمًا لطالما داعب مخيلته.
نهض مُسرعًا عندما سمع طرقات على بابه.. دخل عبده بعدها ليخبره أن الضيوف في انتظاره.. هز رأسه متفهمًا.. انصرف الرجل وعاد ينظر إلى ساعته من جديد.. سوف يذهب إليها.. لابد من أن تتعجل فهو لن يقابلهم وحيدًا.
طرق بابها مِرارًا ولكن أحدًا لم يجب.. فتح الباب واتسعت عيناه في صدمة أقرب للفزع.. العلبة الكرتون في مكانها كما تركها صباحًا.. أسرع يكشف غطاءها ليتأكد من كونها ليست فارغة.. نعم الثوب مازال بداخلها.. الحذاء وحقيبة السهرة وطقم الألماس أيضًا.. لم ترتدِ شيئًا مما أحضره لها.. ضربت بكل توسلاته عرض الحائط.
أمسك العلب في ضيق وطوحها أرضًا.. كم هو في شوق لتحطيم رأسها الآن..؟ كيف استطاعت أن تفعل به ذلك؟ إلى متى ستصر على إحراجه أمام الجميع؟!
لماذا صمتت عندما طلب منها أن يقابلا الحضور معًا.. كان يظن أنها تفهمت الوضع واستسلمت له.. لكنه كان مُخطئًا.. هل أخطأ أيضًا في تفسير استسلامها لقبلاته وتجاوبها معه منذ أيام قليلة.. لماذا تركته يُقبّلها..؟ من كانت تظنه وهي تبثه أشواقًا لا تقل أبدًا عن شوقه إليها..؟ هل كانت تظنه ذلك الطبيب..؟ هل كان يقبلها بهذه الطريقة؟ وكيف سمحت له؟
الشيء الأكيد له الآن هو كونها لا تحبه.. لو كانت تحبه ما تفننت في عصيانه هكذا.. ما تحدته كل الوقت.. ما حطمت أحلام وآمال خطط لها وتمنى أن يحققها الليلة.. كان ينتظر بصبر بالغ أن ينهي كل الخلافات بينهما.
ألقى بنفسه يائسًا فوق الفراش.. أخرج سيجارة وراح يدخنها بعصبية.. بداخله بركان من الغضب.. كيف جعلته يكره يوم مولده..؟ فقد رغبته في رؤية الجميع.. لو لم يكن الحفل قد أقيم خصيصًا من أجله.. لو الأمر بيده.. ليته يستطيع الاعتذار والاختفاء في حجرته حتى يتغلب على ما يجتاحه من جنون ولوعة.
أخرج سيجارة أخرى آملًا أن ينفث مع دخانها بعضًا من إحباطه وسخطه.. ربما الثالثة.. الرابعة.. نهض أخيرًا يدفع نفسه دفعًا ليلحق بالحضور.
- أين حسام؟
هتف والده بهذه العبارة وهو ينظر إلى سالي ساخطًا.
قالت دون أن تنظر إليه:
- ربما لم ينته من ارتداء ملابسه بعد.
- كيف يتأخر هكذا وهو يعلم أن الجميع في انتظاره؟
- ها هو ذا قادم.
كان ينزل الدرج مُتمهلًا وعلى شفتيه ابتسامة واسعة استقبل بها أهله وأصدقاءه الذين تجمعوا حوله في سعادة وهم يقدمون له التهنئة.
تقدم من والده الذي احتضنه وقبله في حرارة قائلًا:
- كل عام وأنتَ بخير يا ولدي.
- وأنتَ بخير يا أبي.. أطال الله لي في عمرك.
حانت منه نظرة عابرة إليها لم تلمح فيها سوى الغضب الذي حاول جاهدًا إخفاءه.. لم يلق عليها تحيته.. لم يعلق على فستانها وتسريحتها.. حتى والده الذي لطالما ظل صامتًا مقتضبًا في حديثه معها أثنى كثيرًا على أناقتها للمرة الأولى مُذ رأته.. أشاحت بوجهها عنه صامتة.
- سنة حلوة بابا.
انحنى حسام يلتقط صغيره الذي ارتدى حلة بيضاء صُممت خصيصًا من أجله وزين عنقه بربطة عنق قرمزية جميلة.
- تعالَ حبيبي أقدمك للحضور.
- حسام.. وماذا عن زوجتك؟
هتف والده بتلك العبارة مستنكرًا.. فأجابه دون أن ينظر إليها:
- تستطيع الاعتناء بنفسها.. هي ليست طفلة.
- ماذا بكَ يا ولدي.. ماذا حدث؟
شهقت عندما أمسك كفها فجأة وجرها إلى منتصف الردهة صائحًا كالسكارى:
- والآن أعزائي.. أشكركم جميعًا على حضوركم حفل ميلادى.. وبهذه المناسبة أحب أن أقدم لكم زوجتي الجميلة "سالي" كنتُ أخيفها عنكم خوفًا من الحسد.. ألا تتفقون معي..؟!
كان يتحدث ويتحرك بطريقة مسرحية بدت للآخرين نوعًا من الكوميديا والمرح لكنها وحدها شعرت فيها بالسخرية والتهكم.
- والآن يسعدني أن أفتتح الرقص برقصة معها تعبيرًا عن حبي وامتناني.
انحنى أمامها قائلًا:
- هل تسمحين لي يا سيدتي.
استسلمت له على مضض تشاركه هذه المسرحية الهزلية السخيفة.. ظل صامت الفم والوجه عدا بسمة بلهاء بدت وكأنها حُفرت فوق وجهه على يد نحات ماهر.. لم يُكلف نفسه عناء النظر إليها وهو يراقصها حتى توفقت الموسيقى وصفق الحضور.
جذبها مرة أخرى ليعيدها من حيث أخذها بجوار والده وكأنها دمية ملَّ اللعب بها أو طفلة خشى أن يفقدها وسط الزحام.. عاد بعدها إلى ضيوفه.. يشارك الرجال في الضحك والشراب ويراقص النساء واحدة تلو الأخرى غير عابئ بوجودها.
أدركت أن الضابط الوسيم كان حُلمًا لمعظم فتيات العائلة العريقة.. وربما مازال كذلك لبعضهن حتى الآن.. هل يُعقل أنه فضلها عليهن جميعًا..؟
تطلعت شاردة إلى ملابسهن الفاخرة وشعرهن المصبوغ بكل الألوان.. الحُلي الثمين يتلألأ فوق أذرعهن وصدورهن شبه العارية.. شعرت وكأنها عادت إلى عصر الأميرات.. وكأنها سندريلا الفقيرة بينهن.
ابتسمت مُستنكرة عندما نظرت إلى ساعة يدها دون وعي منها.. هل ستعود إلى ملابسها المهلهلة وشعرها المبعثر إذا لم تنصرف قبل الثانية عشر..؟! من الجيد أنها تركت ساعة يدها الرخيصة فى حجرتها واكتفت بالأسورة المرصعة بالماسات.. حمدت الله على عدم تهورها واختيارها لملابس متواضعة دون المستوى.. كانت محقة عندما أصرت على هذا الثوب.. وكان والده على حق في تحذيره الذي بلغ حد التوبيخ حتى تهتم بمظهرها في هذا الحفل.
تنهدت بعمق وهي تتطلع لإحداهن.. كانت أكثرهن خلاعة.. تراقصه بهيام ودلال.. تهمس من حين لآخر في أذنيه لتلصق شفتيها بوجنته وكأنها تقبله.. وهو يبدو سعيدًا بما تفعله..!
لم تلحظ أن والده كان يتابع نظراتها ووجهها الملتهب بدهشة بالغة.. كان يظنها تعشق ذلك الطبيب ولكنه اكتشف الآن أنها متيمة بولده.. لماذا تعصاه إذًا..؟ لماذا تحول حياته إلى جحيم وصراع دائم؟ تبًا للنساء يجمعن كل المشاعر المتناقضة معًا.
تنبهت من شرودها عندما أقبلت الفتاة نحوها.. ترى ماذا تريد منها..؟ لكنها لم تكن تقصدها هي بل توجهت إلى حميها قائلة في ميوعة زادتها اشمئزازًا منها:
- عمي.. قُل لـ حسام أن يذهب ويرتدي زيه الميري.
ضحك الرجل قائلًا:
- لماذا ألا تعجبك سترته هذه..؟ إنها رائعة.
- أعلم أنه رائع في كل الأحوال.. ولكنه بـ بدلة الضابط له سحر آخر فوق سحره.
أشار الرجل للساقي كي يأتي له بـ حسام الذي كان قد انشغل بالرقص مع فتاة أخرى لا تقل عنها هيامًا به.
أقبل حسام بابتسامته الواسعة والفتاة الأخرى تتأبط ذراعه وكأنها أبت أن تتركه لغيرها.. وما إن سمعت بأمر بدلة الضابط حتى تحولت لطفلة هي الأخرى وراحت تصفق بيديها وتتوسل إليه أن يرتديها من أجلها هي أيضًا.
كادت تُجن.. ما هذه التفاهة التي يتشاغلن بها ويتعاركن من أجلها.. كُنَّ كالدمي ليس في مظهرهن فقط.. بل في فراغ عقولهن أيضًا.
اقتنع أخيرًا بعد إلحاح شديد من الفتيات تارة ومن والده تارة أخرى وذهب إلى حجرته ليعود بعد قليل مُرتديًا بدلة الضابط وما إن وقعت أبصارهن عليه حتى انطلقت صيحاتهن المقيتة وبدأن في وصلة جديدة من الرقص والهرج أشد جنونًا من سابقتها.
أشاحت بوجهها هربًا من نظراته التي أصابتها أخيرًا فقابلت نظرات والده التي تسمرت فوق وجهها من الجهة الأخرى.. ما هذا الذي يحدث لها..؟
صاحت بعصبية لم تستطع التحكم فيها:
- سيدي.. سوف أذهب إلى حجرتي.
- مازال الوقت مبكرًا جدًا.
- أشعر بأنني متعبة.. لا أستطيع الاستمرار أكثر من هذا.
- وهل هروبك هو الحل؟
- ماذا؟
- ذهابك الآن يسمى هروبًا.
ارتجفت شفتاها قائلة:
- يعجبك إذًا ما يفعله ولدك؟
- أنا أعرف ولدي جيدًا.. حسام لا يتصرف بهذه الطريقة ما لم يكن غاضبًا.. ماذا فعلتِ له؟
- أنا... لماذا تحملني دائمًا أسباب تهوره وجنونه؟
- لأنني لم أعرف امرأة أخرى تفعل به ما تفعلينه أنتِ.
- بالله يا سيدي.. أنا لستُ في حالة تسمح لي بتحمل المزيد.
- هل تجيدين الرقص؟
نظرت إليه في تساؤل فتابع بلا اهتمام:
- تعالي لنرقص معًا.
اتسعت عيناها دهشة وما لبثت أن ابتسمت في عصبية قائلة:
- هل أنتَ جاد؟
- نعم.. هيا.
- كم كأسًا شربتَ حتى الآن؟
- إذا تفوهت بكلمة أخرى سوف أتخلى عن مساعدتك.
شعرت بنشوة غير مألوفة عندما أخذها إلى حيث يرقصون وراح يراقصها في مرح.. تحولت أنظار الحضور إليهما وتعالت صيحاتهم وضحكاتهم.. حتى حسام توقف عن الرقص وظل يحدق فيهما بابتسامة كبيرة.. تبدو حقيقية هذه المرة.. وجدت نفسها تضحك في هيستيريا لم تستطع التحكم فيها.. تخلصت فجأة من إحباطها الذي كاد أن يقتلها.. لا تدري كم من الوقت مضى حتى عاد بها إلى الأريكة من جديد وقد شعر بالإنهاك والتعب.
همس قائلًا:
- هل أنتِ أفضل الآن؟
ابتسمت في امتنان قائلة:
- نعم.. أشكرك.
- جيد.. سوف أذهب للنوم.. لقد سهرتُ طويلًا.
- أنا أيضًا سوف أذهب.
- كلا.. عليكِ البقاء للنهاية.. من المفترض أنكِ سيدة الحفل.
- هل ترى ذلك؟
- نعم.
أشار إلى حسام والفتيات اللواتي التففن حوله كما يلتف النمل حول قطعة من السكر وأردف قائلًا:
- لا تعطيهن الضوء الأخضر للعبور إليه.
تركها ليذهب إلى حجرته ولكنه وجدها تتبعه فاستدار إليها وهتف ساخطًا:
- عنادك هذه المرة سوف يضرك أنتِ أكثر من غيرك.
- هناك دواء قبل النوم يجب أن تتناوله.
- حسنًا.. سوف أتناوله.
- سوف أتأكد بنفسي.
حدق فيها فتابعت وهي تسبقه إلى الغرفة:
- على الأقل من أجل الراتب الضخم الذي منحتني إياه.
عادت بعد قليل إلى الحفل.. كانت إحداهن قد التصقت به وسكنت تمامًا وهو يراقصها وكأنها نامت بل ربما ماتت فوق صدره.. لم تفكر كثيرًا.. بل ربما لم تفكر أبدًا.. وجدت نفسها تقترب منهما وتتصنع ابتسامة قبل أن تزيحها عنه قائلة:
- عُذرًا.. لم أعد أحتمل أشواقي إليه أكثر من هذا.
تأملها في دهشة وهي تلقي بنفسها فوق صدره بدلًا منها.. أطلق تنهيدة طويلة كادت تزيحها بعيدًا عنه لولا ذراعاه اللتان التفتا حولها وهو يغمغم ساخطًا:
- إلى متى يجب أن أغفر لكِ؟
- حتى تُكفر عن كل ذنوبك في حقي.
- ذنوبي أنا..!
ابتسم مُرغمًا عندما راحت تحصي عدد الفتيات اللواتي تجمعن حوله طوال الوقت قائلة:
- عشرات الذنوب في ليلة واحدة.. فماذا عن أربعة أعوام مضت؟
- سالي...
- نعم.
- إلى متى سوف تتجاهلين ما أريده منكِ..؟ لماذا لم ترتدي ما أحضرته لكِ؟
- ألا يعجبك ثوبي هذا؟
- لا تتهربي من سؤالي بسؤال آخر.
- ضيوفك يتطلعون إلينا في فضول.. ربما من الأفضل أن نكُف عن جدالنا ونركز في الرقص فقط.
- يالكِ من مستبدة.. كيف أصبحتِ هكذا؟
- إنها الحياة يا سيدي.
- أمازلت تحبينني؟
- كلا.
أزاحها قليلًا ليتطلع في وجهها قائلًا:
- لماذا ترقصين معي إذًا؟
- لأنني بطلة المسرحية الهزلية التي تمثلها.
تراخت يديه حولها وهو يغمغم ساخطًا:
- اذهبي الآن يا سالي قبل أن أقدم على فعل سوف يؤلمك أمام الجميع.
- مُحال أن تفعل هذا.
- وما الذي يمنعني؟
- كرامتك يا زوجي العزيز.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:00 AM   #43

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 24
ألقت نظرة أخرى إلى نفسها في المرآة.. ماذا حدث لها..؟ كم مرة حدثت نفسها بأنها ستكون المرة الأخيرة التي تتفحصها فيها وأنها سوف تغادر بعدها ولكنها لم تفعل بعد..؟ كانت قد ارتدت ثوبًا أحمر اللون من قطعتين مُطعمًا باللون الكحلي في الياقة والأكمام.. ومزيدًا من الرفاهية التي بدت تدمنها.. ارتدت حذاءً أحمر اللون كانت قد اشترته منذ يومين.. أطلقت شعرها طليقًا.. أصبح رائعًا بعد أن هذبه لها مصفف الشعر في تسريحة حديثة زادتها إشراقة ونعومة.
زينت وجهها بالقليل من مساحيق التجميل.. لم تعد تعرف نفسها في المرآة.. صارت تعشقها.. أخذت نفسًا عميقًا وأسرعت تغادر الغرفة قبل أن تعود إلى المرآة من جديد.. لابد أن تلحق بهم في وجبة الغداء.
كانوا في انتظارها حول المائدة.. بادرها حماها قبل أن يرد تحيتها قائلًا:
- سالي.. كم مرة أخبرتك أن موعد الطعام مقدس؟
- آسفة.. لم أنتبه للوقت.
تأملها قائلًا:
- حسنًا.. اجلسي لا داعي لإضاعة المزيد من الوقت.
شرع حسام في تناول طعامه دون أن ينظر إليها.. أحقًا لم يرها..؟ ألم يلحظ ثوبها الجديد وتسريحتها الأنيقة..؟ ألم يلحظ حذاءها الأحمر..؟ ألم يلحظ كم بدت جميلة..؟ أهى حقًا جميلة..؟!
ما إن وضع الرجل الملعقة في فمه حتى صاح ساخطًا وهو يزيح طعامه جانبًا:
- دلال.. دلال.. خذي هذا الطعام من أمامي.
هتفت سالي مُحذرة:
- سيدي.. أنتَ مازلتَ في فترة نقاهة وتحتاج إلى طعام خفيف خالٍ من الدهون.
- هذا الطعام لا يصلح للاستهلاك الأدمي.
مد حسام ملعقته يتناول بعضًا من طبق والده.. كسى وجهه التقزز قبل أن يبتلعه مُرغمًا وهو يرى نظرات والده قد تركزت فوق وجهه.
ابتسم والده فى تهكم قائلًا:
- ما رأيك يا ولدي.. معي الحق أليس كذلك؟
تصنع ابتسامة قائلًا:
- تحمّل قليلًا يا أبي حتى تتحسن صحتك.
- من السهل أن تقدما لي النصيحة ما دمتما لن تتناولا منه.
أخذت سالي الملعقة وراحت تصب لنفسها صحنًا من طعامه قائلة:
- أنا سوف أشاركك إياه.
- أحقًا؟
- نعم.
وضعت في فمها ملعقة تلو الأخرى متصنعة ابتسامة لإقناعه بأن يفعل مثلها لكنها ما لبثت أن شعرت برغبة مُلحة في التقيؤ.. وما إن رفعت نظرها حتى وجدت ثلاثتهم يحدقون فيها وكأنهم ينتظرون ما سوف يصيبها بعد قليل.. شعرت بالحرج عندما انفجروا ضاحكين حتى الصغير الذي تمادى في الضحك طويلًا.. غمغمت ساخطة:
- حسنًا يا سيدي.. دعكَ من تناول الخضار.
أحضرت طبقًا نظيفًا وضعت به بعضًا من قطع الدجاج ووضعت بآخر بعضًا من السلطة الخضراء وقدمتهما إليه قائلة:
- يمكنك تناول هذا الآن.. ومن الغد سوف أعد لكَ طعامك بنفسي.
نظر إليها في تمرد فأردفت:
- أعدك بأنكَ سوف تستمتع به عندما أعده أنا لك.. دكتور شريف كان يحبه ويطلبه مني يومًا بعد آخر.
صاح حسام ساخطًا:
- هل كنتِ تعملين ممرضة أم خادمة؟
- تعلم جيدًا ما كان يمثله دكتور شريف بالنسبة لي.
- كلا.. أنا لا أعلم شيئًا.. أخبريني أنتِ ما الذي كان يمثله لكِ سيادة الطبيب؟
- شريف كان خطيبي.
- هل لمجرد أنه وضع خاتمًا في إصبعك صرتِ مسئولة عن طعامه وشرابه.. ماذا كنتِ تقدمين له أيضًا عندما كان يضحي ويصعد إلى الكوكب الذي كنتِ تقطنين فيه..؟ كيف كنتِ ترفهين عنه؟
- كلماتك لا تستحق التعليق.
- صمتك يعني أنني محق.. من كنتِ تظنينني الأسبوع الماضي؟
تخضب وجهها احمرارًا وهي تنظر إليه في غضب بينما هتف والده مستنكرًا:
- حسام.. كفى.. تخشيان على صحتي من بعض الدهون والأملاح بينما تحرقان أعصابي كلما اجتمعتما معًا.
- عذرًا يا أبي.. لكنها أستاذة في حرق الأعصاب.
صاحت غاضبة:
- شريف كان رجــ........
- حذار أن تذكري اسمه أمامي مرة أخرى.
غمغم والده بصبر نافد وهو يقدم له صحنه ويشير لأحد الأواني أمامه:
- ضع بعضًا منه هنا.
صاحت سالي محذرة:
- هذا خطير جدًا على صحتك.. أنتَ رجل ناضج فكف عن التصرف كالأطفال.
- كُفي أنتِ عن التدخل في شئوني.. وحذار أن تتحدثي معي بهذه الطريقة مرة أخرى.
- أنا لا أتدخل في شئونك.. أنا أقوم بعملي.
- وأنا لستُ في حاجة إليكِ بعد الآن.
أسرعت تغادر المائدة بضيق.. ليس هناك ما يجبرها على تحمل هذين المتسلطين.. نظر حسام إلى والده قائلًا:
- ربما عليكَ أن تنتبه أكثر لصحتك وتلتزم بتوجيهات الطبيب.
- اطمئن يا ولدي.. لقد صرتُ بخير.
تحولت أنظارهما إليها عندما عادت بعد قليل وقدمت مظروفًا إلى الرجل الذي غمغم في دهشة:
- ما هذا؟
- راتبك الضخم الذي منحتني إياه.. بما أنكَ لستَ في حاجة لي فأنا أيضًا لستُ في حاجة له.
- ألم تنفقيه بعد؟
- ولن أنفقه.
- من أين لكِ إذًا بثمن الملابس الجديدة ومصفف الشعر و.......؟
- كنت أعمل بجد لأربعة أعوام كاملة.. معي ما يكفي من النقود؟
- عجبًا.. مظهرك لم يكن يدل على ذلك.
- كنتُ أدخر النقود من أجل تعليم شريف.
رفعت رأسها في كبرياء وتابعت:
- ربما لم أنفق كثيرًا فيما مضى لأنني لم أكن في وسط عريق كهذا كل ما يهمه مني مظهري فقط.
تأملها الرجل مليًا قبل أن يعيد المظروف إليها قائلًا:
- احتفظي بنقودك.
- لن آخذ أجرًا لا أستحقه.
التفت إلى حسام الذي كان يتابع حديثهما صامتًا وقال:
- من أين أتيتَ بهذه الفتاة؟
حدق حسام في عيني والده.. ها هي النظرة التي انتظرها طويلًا تطل من عينيه الآن.. والده معجب بها.. نالت سالي القبول من ملك القصر في أقل من شهرين.. لكن ربما عليه ألا يفرح كثيرًا بهذا.. فهي لم تعد تحبه.. بل ربما كانت مُغرمة برجل آخر يداعب أحلامها من بعيد.
أيقظه من شروده صوت والده الذي قال موجهًا حديثه إليها:
- حسنًا يا طبيبتي العنيدة.. اتركيني اليوم حُرًا وغدًا سوف أجرب طعامك.
- ولكن...
- بالله كفى مجادلة.. هذا آخر ما عندي.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهز رأسها مُستسلمة.. نظر حسام إلى ساعته ووجه حديثه إلى الصغير قائلًا:
- أسرع حبيبي قبل أن يداهمنا الوقت.
سألته بدهشة:
- أين ستذهب؟
التفت ينظر إليها فحولت عينيها سريعًا إلى الطفل الذي صاح في مرح:
- سوف أذهب مع بابا في نزهة.
- إلى أين؟
- إلى أين بابا؟
قال في لامبالاة:
- دكتورة سلمى قدمت لنا دعوة لحضور السيرك القومي.
تاملته في اشمئزاز وهتفت بعصبية:
- اذهب أنتَ إن شئت.. ابني لن يذهب إلى أي مكان.
تطلع إليها ساخرًا قبل أن يوجه حديثه إلى الطفل:
- هيا بنا حبيبي.
صاح والده:
- من حق زوجتك أن تغار عليكَ.. خذها معك.
صاحت سالي مستنكرة:
- أغار.. وممن أغار..؟! كل ما في الأمر هو أنني لا أحب هذه المرأة.
غمغم الرجل:
- معكِ حق.. أنا أيضًا لا أحبها.. ولكن...
نظر حسام إلى والده وهتف مستنكرًا:
- أبي...
- عليها أن تعرف الآن أنكَ رجل متزوج وتحترم ذلك.
- سلمى إنسانة مُهذبة ورقيقة.. لم تتمكن بالأمس من حضور حفل ميلادي.. لهذا قررت أن تحتفل بي على طريقتها الخاصة.
- مهذبة ورقيقة..! مازلت عند رأيي فيها.. حمدًا لله أن سالي ظهرت في الوقت المناسب.
زفر حسام وهو يودعهما في طريقه إليها.. السخط الذي ظهر جليًا فوق ملامحها زاده إصرارًا على عقابها بشكل جديد.. فربما خضعت هذه المرة وكفت عن عصيانه وإثارته.
عاد والده يستوقفه قائلًا:
- انتظر حتى يكمل طفلك طعامه.
قال وهو ينظر إلى سالي في شماتة:
- سلمى في انتظارنا.. سوف نطلب وجبة سريعة في طريقنا إلى السيرك.
رغم الضيق الذي احتواها فقد نظرت سالي إلى حميها في امتنان.. يبدو أن الرجل ليس سيئًا كما كانت تظن.. قبّلها الطفل قبل أن يلحق بوالده مسرعًا.. شعرت ببعض القلق.. هل يمكن أن تؤذيه هذه الأفعى؟ ربما ما كان يجب أن تتركه يذهب.
جلست تشاهد التلفاز مع حميها.. كانت شاردة.. أفكارها هناك.. مزيج من الغيرة والغضب والخوف.. لم تعد تحتمل.. نهضت فجأة فنظر إليها الرجل في دهشة قائلًا:
- ماذا حدث؟
- سوف أذهب لأعيد الثوب الذي استأجرته أمس.
- أي ثوب؟
- ثوب السهرة.
- أستأجرتِه.. هل جننتِ.. كيف تفعلين شيئًا كهذا..؟!
- وما حاجتي للاحتفاظ به؟
- أنتِ زوجة حسام بك منصور.. ماذا يقول الناس عنا؟
- اطمئن يا سيدي.. لم أخبر أحدًا أنني زوجة صاحب السمو.
- كفى سخرية.. كُفي أيضًا عن مناداتي سيدي وكأنكِ تعملين عندي.
- أنا حقًا أعمل عندك.. ألستُ ممرضتك؟
- لكنكِ أيضًا زوجة ولدي الوحيد.. وأرجو أن تتفهمي هذا وأن تتصرفي بناءً عليه.
كان واضحًا أن صبره قد بدأ ينفد فلم تشأ أن تجادله كثيرًا.. قالت بهدوء:
- وبماذا تريدني أن أناديك؟
- نادني أبي كما يفعل حسام.
اتسعت عيناها وهي تطلع فى وجهه قائلة:
- لا أتذكر يومًا ناديت فيه أحدًا بهذه الكلمة.
تأملها الرجل في إشفاق قائلًا:
- لا بأس.. كم من الكلمات يصعب نطقها للمرة الأولى.. ولكنك سوف تعتادينها مع التكرار.
تطلعت إليه في دهشة قبل أن تبتسم مُرغمة.. يبدو أن الرجل يمتلك قلبًا كبيرًا رغم قناع القسوة الذي يُغلّفه.. وكيف لا؟ ألم يضحي بسعادته وراحته من أجل ولده الوحيد؟
- أمازلتِ مترددة..؟ لماذا تفكرين كثيرًا؟
- حسنًا يا... أبي.. اسمح لي بالذهاب الآن حتى لا يتأخر الوقت.
أسرعت إلى حجرتها لتعود بعد قليل وهي تحمل شنطة كبيرة وضعت بها الثوب.. في طريقها للبوابة وجدت نفسها تسأله بلا وعي:
- هل تريد شيئًا من الخارج؟
ابتسم قائلًا:
- أريد سلامتك يا ابنتي العزيزة.. خذي السيارة.
- أنا لا أجيد القيادة.
- السائق معكِ.
- سوف آخذ الأتوبيس.
نظر إليها ساخطًا فأردفت بسرعة.
- أخشى أن يفتضح أمري يا صاحب السمو.. اطمئن سأعود سريعًا بقدر استطاعتي.
*****


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:02 AM   #44

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 25

قاربت xxxxب الساعة الثانية عشر مساءً.. لقد تأخرا كثيرًا.. ماذا يفعلان كل هذا الوقت..؟ لقد ذهب حموها للنوم منذ وقت طويل وتركها هنا تذرع الردهة ذهابًا وإيابًا بأعصاب مضطربة.. هل حدث مكروه لطفلها لا قدر الله..؟ ماذا فعلت به تلك الأفعى..؟ ما كان يجب أن تتركه يذهب معهما أبدًا.. كيف استسلمت ولم تدافع عنه بطريقة أكثر شراسة؟
وصلا أخيرًا.. تنفست الصعداء.. تطلع حسام إلى سخطها قائلًا في لامبالاة:
- مساء الخير.
- مساء النور.
احتضنت طفلها قائلة:
- لماذا تأخرت هكذا..؟ كدت أموت قلقًا.
- كانت نزهة جميلة ماما.. رأيت الفتاة تمشي فوق الحبل والأسد يقفز وسط طوق النار والساحر والحمامة و.....
تركه حسام يقص عليها ما رآه وصعد إلى حجرته.. إن كان كل ما يهمها هو طفلها فما شأنه هو..؟ ولكن صبرًا جميلًا سيجعلها تقر عاجلًا أم أجلًا بعشقها له.. سيقتلها غيرة حتى تستسلم.

*****
بالرغم من ابتعاد حسام عنها في الفترة الأخيرة وانشغاله ما بين عمله تارة وما بين نزهاته التي باتت مستفزة تارة أخرى فقد تطورت العلاقة كثيرًا بينها وبين والده.. صارت تشاركه معظم أوقاته ووجباته التي باتت تعدها له بنفسها وكان يتناولها بشهية كبيرة خاصة بعد أن شعر بمفعولها السحري على صحته.
تولت تنظيف مكتبة حجرته بنفسها رغم اعتراضه واعتراض الخدم.. استخرجت منها عشرات الكتب والمجلات التي تتحدث عن أمراض القلب والضغط وراحت تقرأها بعناية وتطبق ما فيها من نصائح لصالح الرجل الذي بدأت تعشقه بطريقة تعجبت لها.
- ماذا تفعلان؟
رفعت سالي رأسها مبتسمة بينما هتف الصغير سعيدًا:
- نزرع زهورًا جديدة.. تعالَ لتزرع معنا يا جدي.
انحنى الرجل بجوارهما في حماس فقدمت له سالي بعض البذور وقدم له الصغير الأداة التي يحفر بها الأرض قائلًا:
- خذ هذه يا جدي وسوف أحضر غيرها من العم عبده.
نظر الرجل إلى سالي في امتنان قائلًا:
- من الجيد أنكما فكرتما في هذا.. منذ تدهورت صحة العم سيد الذي كان يعتني بها وعودته إلى بلدته والحديقة مُهملة.. لا يرعاها سوى عبده الطباخ في أوقات فراغه.. سوف أبحث عن أحد ليعتني بها.
- أترك هذا الأمر لنا.. من الجيد أن نجد ما يشغلنا.
- لكن الحديقة واسعة وتحتاج إلى جهد كبير.
- سوف نرويها ونزرع بعض الشجيرات الجديدة.. ويمكننا أن نستعين بأحد كل فترة ليقلم أشجارها ويقدم لنا خبراته.
تعالت ضحكاتهم غير مبالين بالطين الذي غطى أياديهم وملابسهم ولطخ وجه الصغير الذي كان أكثرهم حماسة وهو يحفر الأرض ويضع فيها البذرة ويعود ليغطيها ويرويها بالماء.
- صباح الخير.
رفعوا وجوههم في آن واحد إلى مصدر الصوت.. كان حسام يتأملهم من شرفة حجرته.. منذ متى وهو يراقبهم..؟!
- تعالَ بابا.. ازرع معنا.
نظر جده إلى ساعة يده قائلًا:
- ربما في وقت آخر.. بالكاد الآن نذهب لنغتسل ونتناول الفطور.
*****
تطلع الرجل إلى وجه سالي المكتئب وقال بهدوء:
- لماذا لم تذهبي معهما إذًا؟
تنهدت ساخطة.. كان حسام قد أخذ الصبي في نزهة جديدة مُستغلًا كونه في يوم عطلة من عمله.. هتفت في غيرة لم تهتم بإخفائها عنه:
- أخشى كونه ليس بمفرده.. معه أصدقاؤه.. صديقاته إن صح التعبير.. لقد تمادى كثيرًا.. إن كنتُ أصمت فهذا لا يعني موافقتي على ما يفعله.
- لم يطلب أحد منكِ الصمت.. دافعي عن زوجك.. شاركيه نزهاته بدلًا منهن.
تأملته صامتة.. داخلها رغبة ملحة تطالبها بطاعته ولكن... هل حقًا حسام يحبها..؟
هل تزوجها لأنه يريدها لشخصها أم تزوجها من أجل طفله..؟ لماذا لم يتزوجها سابقًا إن كان يحبها حقًا..؟
تنبهت لصوت حميها وهو يقدم لها شنطة كبيرة كانت بيده:
- سالي.. علاقتك أنتِ وحسام تزعجني.. إلى متى ستلعبان لعبة القط والفأر وكلاكما يعشق الآخر؟
- من قال إنه يعشقني..؟ إنه يعشق هذه الطبيبة.
- سلمى..؟!
- كان سيتزوجها لولا ظهوري فجأة في حياته.
صمت الرجل وأطلق تنهيدة طويلة.. كيف يخبرها بأن حسام لم يكن ليتزوجها لولا وجود الطفل..؟ حسام لم يخبرها بأمر الحادث الذي جعله عقيمًا.. كان يتوجب عليه إخبارها.. ولكنه لم يخبرها لمبررات لا يعلمها سواه.. ولا يحق له هو أن يخبرها احترامًا لولده الذي يشعر بحساسية مفرطة تجاه الأمر..
ظنت أن صمت الرجل اعتراف منه بصحة ما توقعته.. إذًا حبيبها يعشق تلك الأفعى.. ما الذي يتوجب عليها فعله الآن..؟ هل تطلب الطلاق ؟ وماذا عن طفلها..؟ وماذا عن هذا الرجل الذي تعلقت به؟ من سيرعاه حين تبتعد وتعود إلى ديارها..؟
تصنع الرجل ابتسامة قائلًا:
- ارتدي هذه واتبعيني للحديقة.
- ما هذه؟
- سوف نمارس بعض الرياضة.. ستجدينها فرصة للتخلص من ضيقك.
كان الرجل مُحقًا فما إن انهمكت في أداء بعض التمارين وداعب النسيم العليل وجهها حتى شعرت بالسعادة تغمرها وكأنه حمل معه همومها ورحل بها فخفف من شعورها بالضيق والتوتر.
هو أيضًا كان سعيدًا عندما مارس الرياضة للمرة الأولى منذ فترة طويلة.. ولكنها بدأت تشعر بالقلق تجاهه.. كيف تقنعه بألا يجهد نفسه أكثر من ذلك؟ توقفت فجأة وهتفت تتصنع الأعياء:
- من الأفضل أن نُكمل غدًا.. ما عدتُ أتحمل أكثر.
- كيف هذا.. إن كنتُ أنا لم أشعر بالإجهاد بعد؟
- جيد.. ولكن أنا لم أمارس الرياضة منذ وقت طويل.
- لم ألحظ من قبل أنكِ كسولة هكذا.
أردف مبتسمًا وهو يتطلع إلى وجهها العابس:
- تعالي لنتسابق حتى هذه الأشجار.
استسلمت مُرغمة.. ربما كانت تبالغ في قلقها لأجله.. لقد تحسنت صحته في الفترة الأخيرة.. ولكنها معذورة في قلقها.. في غفلة من الزمن أصبح لها أبًا حنونًا يعتني بها ويسأل عنها.
للمرة الأولى تخلصت من شعورها البغيض بأنها نبت شيطاني لا جذور له.. من حقها أن تتعلق به بكل قوتها.. تأملت الحديقة حولها.. البذور والشجيرات الصغيرة التي زرعاها معًا بدأت تنمو وتزهر لتطرح أملًا جديدًا يملأ قلبها.
ابتسمت لسعادته وهو يسابقها في مرح وكأنه طفل يتعلم المشي للمرة الأولى.. تبعته في حماس ولكنه ما كاد يقطع منتصف المسافة التي حددها للسباق حتى وضع يده فوق صدره وكسى الألم ملامحه.. انحنى ليجلس أرضًا وعض على شفتيه مغمض العينين.
انحنت بجواره وهى تهتف فى لوعة صادقة:
- أبي.. ماذا حدث لك؟
ابتسم وهو يرى الجزع فوق قسماتها قائلًا:
- لا تخافي يا حبيبتي.. أنا بخير.. يبدو أنني كنتُ متحمسًا أكثر من اللازم.
هزت رأسها في حيرة وهي تتطلع حولها بحثًا عمن يساعدها.. تركته مُرغمة وعادت يتبعها الخدم.. نقلته أخيرًا إلى حجرته.. كانت تتحرك كالبهلوان وهي تحاول إسعافه بكل الطرق.. شعورها الآن يختلف تمامًا عن شعور تلك الممرضة التي كانت تعتني بمريضها منذ أيام قليلة.. إنه الأب الذي طالما افتقدته.
دخل حسام إلى الغرفة في نفس اللحظة التي كانت تمسك فيها بيده وتقبلهما في حنان قائلة:
- هل أنتَ بخير الآن يا أبي؟
ضاقت عيناه في دهشة ولكنه لم يعلق.. يبدو أن العلاقة بينهما تطورت لأبعد من خياله.. شعر بالسعادة والقلق في آن واحد.. ماذا لو أصرت على الرحيل..؟ كيف ستكون الحياة من بعدها لكليهما..؟ كان يعلم أن عشقها لعنة إذا ما أصابت أحدًا فمن المحال التخلص منها.
تنبهت إلى وجوده عندما هتف في لوعة لا تقل عن لوعتها وهو يقترب ليمسك بيد والده الأخرى:
- أبي ماذا حدث لك؟
- اطمئن يا ولدي.. أنا بخير.
ساعداه حتى يعتدل في جلسته.. ابتسم للطفل الذي كان يتطلع إليه عند باب الحجرة في تردد.. تشجع وأسرع ليجلس بجواره على الفراش قائلًا:
- أنتَ بخير.. أليس كذلك؟
تطلع إلى ثلاثتهم سعيدًا قبل أن يقول:
- نعم يا حفيدي العزيز أنا بخير.. مادمتم حولي فأنا دائمًا بخير.

*****
ألقت بفرشاة الشعر جانبًا وقبلت طفلها في حنان قائلة:
- اشتقت إليك كثيرًا يا حبي.. تعودتَ على تركي وحدي هذه الأيام.
- أنتِ لا تريدين المجيء معنا.
- لا أريد أن أترك جدك بمفرده.. أخاف أن يمرض فجأة.
تسلل من بين ذراعيها ليحضر مجموعة كبيرة من البالونات الجميلة قائلًا:
- انظري ماما.
- جميلة جدًا حبيبي.. بابا أحضرها لك؟
- ماما سلمى هي التي أحضرتها لي.
وقعت الكلمات على مسامعها كالصاعقة.. غمغمت غير مصدقة:
- ماذا..؟!
- ماما سلمى هي التـ.......
- كفى.. لا تقل هذا مرة أخرى.. إنها ليست ماما.
- مازن يناديها ماما.
- مازن هذا يناديها كما يريد.. لا شأن لكَ به.. أنتَ ابني أنا.. ليس لكَ أمًا غيري.
أسرعت تغادر حجرته إلى حجرة حسام.. فتحت بابها بعنف دون أن تطرقه وهي تصرخ في هيستيريا لم تستطع التحكم فيها:
- حسام.. حسام.. أين أنتَ؟
خرج من الحمام على عجل وهو يهتف في جزع:
- هل حدث مكروه لوالدي؟
- إن كنتَ تظن بأنكَ قادر على أخذ طفلي مني لتقدمه هدية لسلمى فأنتَ مُخطئ.. لن أسمح لك بهذا مادمتُ على قيد الحياة.. اقتلني أولًا.
- لا أفهم عما تتحدثين.
- لا تتصنع البراءة.. أنتَ تفهم جيدًا ما أعنيه.
- أنا لا أفهم شيئًا.. إما أن تتحدثي بوضوح أو تتركيني لأكمل ارتداء ملابسي.
أشاحت بوجهها في خجل وقد تنبهت لحظتها فقط أنه لا يرتدي عدا سروال قصير.. ابتسم ساخرًا عندما التقطت الروب المُلقى فوق الفراش وألقت به إليه قائلة:
- ارتد هذا.
- لماذا هذه الزوبعة؟
- من منكما طلب من ابني أن ينادي سلمى بـ ماما؟
- لا أحد.. ربما كان يقلد مازن فحسب.
- هل تتوقع مني أن أصدقك؟
- أنتِ حرة.. تصدقين أم لا.. كما يحلو لكِ.
- لن تأخذ ابني لهذه الأفعى مرة أخرى.
- هل هذا أمر؟
غطت السخرية ملامحه فهتفت مُحبطة:
- لا تكن مستبدًا.. هذا ابني.
نظر إليها صامتًا فتابعت في توسل:
- حسام بالله عليكَ هذا ليس إنصافًا.. أنتَ تعلم كم عانيت من أجله.. فكيف تأخذه مني وتقدمه لهذه الأفعى؟
- لا تتحدثي عنها هكذا.
- هل يهمك أمرها لهذا الحد؟
- لا تقولي إنكِ تهتمين بشأني.
كانت تعلم أنها لا تمثل إلا رغبة عابرة في حياته ونزوة ما إن يشبعها حتى يملها كما فعل سابقًا.. ربما لو استسلمت له وأقرت بحبها طواعية لطلقها بعد شهور أو ربما أيام قليلة.. حتى وإن تركها في عصمته سيتركها خادمة لطفله وممرضة لوالده.. وغانية له في وقت الفراغ.
كلا لن تقر بحبها ولن تخضع.. إن لم تكن قادرة على اكتساب حبه لها.. فاحترامه وتطلعه الدائم لامتلاكها أفضل مما ينتظرها حال خضوعها.
ابتلعت ريقها ورفعت ذقنها لأعلى قائلة:
- كلا.. أنتَ حُر في شئونك الخاصة.. كل ما يهمني هو طفلي.. طفلي فقط.




















أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-20, 04:36 PM   #45

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,152
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

القصه حلوه تغير المشاعر مع الوقت والمواقف واقعي حتى التهاء الطفل عن امه طبيعية جدا بانتظار القصه الرائعة مكتمله

غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-20, 02:13 AM   #46

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
القصه حلوه تغير المشاعر مع الوقت والمواقف واقعي حتى التهاء الطفل عن امه طبيعية جدا بانتظار القصه الرائعة مكتمله

شكرا لذوقك
وأتمنى النهاية تكون عند حسن ظنك


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-20, 02:23 AM   #47

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 26

باتت الأيام تكرر نفسها في روتين ممل.. ولكن لماذا يزعجها الروتين الآن وهي سيدة القصر المُدللة.. أربع سنوات أمضتها في أسوان كانت أشد قسوة وروتينية ولكنها تأقلمت وتعايشت معها من دون شكوى.. فما الجديد؟
الفستان الذي ترتديه ألم يكن رائعًا في نافذة العرض أمس؟ تسريحتها أبهرت الفتيات وطلبن من مصفف الشعر أن يقلدها في شعورهن.. ولكن اليوم لا الفستان يغريها ولا التسريحة الأنيقة تؤثر فيها..
أطلقت تنهيدة طويلة وأسرعت تغادر غرفتها.
رفضت دعوة حميها وطفلها لقضاء بعض الوقت خارج المنزل وتناول طبق من الحلوى اللذيذة في المقهى القريب.. تعللت بمتابعة أحد المسلسلات الذي تعرضه القنوات الفضائية.. انتهى المسلسل دون أن تفهم منه شيئًا حتى شعرت بالندم لعدم الاستماع لنصيحتهما وتلبية الدعوة التي قدماها إليها.
- سيدتي.. تليفون لأجلك.
- لأجلي أنا.. ممن؟
- يبدو أنه أحد أصدقاء حسام بك.
انتفضت واقفة وهي تغمغم في فزع:
- هل حدث له مكروه؟
- لقد سألني عنه في البداية وعندما أخبرته أنه ليس هنا.. طلب مني أن يتحدث إليك بالاسم.
التقطت سماعة الهاتف بيد مرتجفة.. ترى هل هو بخير أم أصابه شيء ما..؟
- من المتحدث؟
- سالي هانم معي؟
- نعم.. من أنتَ؟
- يبدو حقًا أن البعيد عن العين بعيد عن القلب أيضًا.. حتى صوتي نسيته..!
- دكتور شريف.
- سالي.. حبيبتي.. لكم اشتقت إليكِ..؟!
- كيف توصلت لرقم الهاتف؟
- فتشت طويلًا حتى وجدته.. بينما رقم هاتفي معكِ ولم تفكري في الاتصال بي ولو مرة واحدة لأطمئن عليك.
تلعثمت في مزيج من الخجل والاعتذار:
- عُذرًا لحماقتي.. ولكن صدقًا لم أقصدها.. قلة حيلتي ربما كانت سببًا في عدم اتصالي بك.
- لا عليكِ يا حبيبتي ولكن أخبريني عن أحوالك.. أنا في غاية القلق لأجلك.
- أنا بخير.. اتصالك الآن أسعدني جدًا.
- عرفت من زملائك بالجامعة أنكِ متغيبة منذ بداية الفصل الدراسي الثاني.
- كنتُ مشغولة.
- امتحاناتك بعد شهر واحد.. لا يجب أن يشغلك عنها شيء.. أيام قليلة تفصل بينك وبين الشهادة الجامعية.. حذار أن تهملي دراستك يا سالي.
- ولكن ما الذي يمكنني فعله الآن وأنا لم أحضر للجامعة ولا يومًا واحدًا منذ بدايتها؟
- سوف أقدم باسمك عذرًا مناسبًا يبرر عدم حضورك للمحاضرات.. كل ما عليكِ هو الاجتهاد والاستعداد لحضور الامتحانات.
- وماذا عن الكتب والمحاضرات والمراجع؟
- سأرسلها لكِ في طرد خلال أيام قليلة.
- دكتور شريف.. تعجز كل كلماتي عن تقديم الشكر لك.
- كل كلماتك ترضيني.. عدا هذه الطريقة الرسمية التي تحدثينني بها.
- شريف.. أنتَ مازلتَ ملاكي الحارس.
- أنا أنتظر موعد امتحاناتك على أحر من الجمر حتى أراكِ.. ستجدينني أمام الجامعة كما كنتُ دائمًا.. لماذا لا تأتين غدًا وتمكثين بشقتك حتى موعد الامتحانات..؟ على الأقل سوف تتمكنين من متابعة المحاضرات الأخيرة.. غالبًا ما تكون هي الأكثر أهمية.
- ليتني أستطيع.
- وما الذي يمنعك؟
- حدثت تطورات كبيرة.. سأخبرك بها عندما أراك.
- أخبريني الآن.. لم أعد أطيق صبرًا.
- أنا.. أنا تزوجت من حسام.
- ماذا..؟!
- من أجل طفلي فقط.. لقد أغواه والده حتى عجزت عن إقناعه بالبقاء معي.. أصر على الرحيل معه.. فلم يكن في وسعي إلا مرافقتهما.. لم أجد حلًا آخر.
- ولكن.. الزواج منه.. لا أدري ماذا أقول لكِ..؟
- الزواج سوف يضمن حقوق طفلي.. ألستَ معي في هذا؟
- وماذا عني يا سالي؟
- يوماً ما سأطلب منه الطلاق وأعود إليكَ.
- سوف أعيش لهذا اليوم.. ولكن متى؟
- قريبًا.. قريبًا جدًا.
ودعها وأغلق الخط.. يا له من رجل ويا لها من أنانية ناكرة للجميل..!
كيف لم تفكر في الاتصال به من قبل..؟ إنه مازال يتذكرها إذًا ويهتم لأمرها.. ظنته لفظها بعد الإهانة التي وجهها له حسام في آخر لقاء لهما.
ربما خشيت عليه من ظلم حسام واستبداده لهذا لم تحاول التحدث إليه حتى تبعده عن المشاكل التي قد يسببها له.. تتهم حسام بالجحود بينما هي أكثر منه جحودًا.. تركت القلق يعتصره بينما هي تتنعم هنا وسط هذا الثراء الفاحش.. لكنها لم تكن تعلم كونها مازالت تشغله.. إنها الدوامة هي التي جذبتها فنسيت معها كل شيء.. حتى مستقبلها ودراستها.. كلا.. إنها ليست جاحدة.
أيام قليلة مضت قبل أن يفي دكتور شريف بوعده لها ويرسل الطرد الذي يحتوي على الكتب والمحاضرات.. انتقى أكثر زملائها مهارة وقام بتصوير المحاضرات الخاصة بهم حتى يرسلها إليها.. إمعانًا في حمايتها.. جعل إحدى صديقاتها ترسل لها الطرد باسمها حتى لا يتسبب لها في مشكلة جديدة مع زوجها المتهور.
أقدمت على المذاكرة في نهم شديد علها تعوض ما فاتها طيلة الشهور الماضية.. وربما تقديرًا منها للمجهود الكبير الذي بذله شريف من أجلها.. الشيء الأكيد هو أن الدراسة كان لها مفعول سحري في التخلص من الرتابة والملل اللذين أصاباها مؤخرًا.
عاد حسام أخيرًا من مهمته.. لم تره منذ أكثر من عشرين يومًا.. كادت تجن لأجله.. هل يبدو شاحبًا وفاقدًا بعضًا من وزنه..؟
احتضن والده وطفله في حميمية ولهفة بينما اكتفى بتحية جافة وجهها إليها وكأنه مُجبر عليها.. على أية حال ليس لديها ما يكفي من الوقت للتفكير في سقطاته التي لا تنتهي.. بالكاد الوقت يكفي لدراستها واستعدادها للامتحانات المقبلة.
أيام قليلة قضاها بينهم كان فيها كما رأته في المرة الأولى مُتحجر الوجه والقلب خاصة معها.. ربما تلين ملامحه قليلًا عندما يتعامل مع صغيره.. وأحيانًا مع والده.. لكن ما إن تقع نظراته عليها حتى يتصلب ويكتئب وكأنه لا يطيق رؤيتها أمامه.
عاد ليختفي في مهمة جديدة وتختفي معه أخباره كاملة.. كان والده قد اعتاد ألا يعرف شيئًا عن مهامه قبل أن ينتهي منها حفاظًا على السرية التامة التي أقسم عليها.
حسنًا .. ربما كان اختفاؤه عن المنزل خيرًا لها.
لم يتح لها ضيق الوقت إخباره بعودتها للدراسة.. لا تتوقع أن يشغله الأمر.. لو كان يفكر فيها.. ولو بقدر ضئيل.. لو كان أحبها كما تتمنى وتتوهم.. لكان اهتم بأمر دراستها كما اهتم شريف بها.
ها هي قد أصبحت شبه مُستعدة لامتحاناتها الآن.. أيام قليلة تفصل بينها وبين تحقيق حلم طال انتظاره.. سوف تحصل أخيرًا على الشهادة الجامعية.. قطعًا سيختلف الوضع معها حينها.. عليها أن تحزم حقائبها وتستعد للسفر.. حسام لم يعد بعد ولا تعلم متى سوف يعود.
- أبي سوف أسافر غدًا إلى أسوان.. الامتحانات ستبدأ في الأسبوع المقبل.
- ألن تنتظري عودة حسام؟
- لم يعد هناك وقت.
- ولكن كيف ستسافرين وحدك؟
توقفت الكلمات فوق شفتيها.. كادت تخبره بأنها ستأخذ طفلها معها ولكن ربما يُغضب ذلك حسام ويثير ريبته وعندها لن يتردد في اللحاق بها إلى هناك.. سوف يوترها وجوده ويقلل من قدرتها على أداء امتحاناتها بشكل جيد.. ربما شريف في شوق إلى رؤية الصغير.. ولكن ما باليد حيلة.. يجب أن تترك الطفل هنا.
قالت بعد فترة:
- أستطيع الاعتناء بنفسي جيدًا.. اعتنِ أنتَ بـ نور وبصحتك لحين عودتي.
*****
حقيبتها التي أعدتها الآن تختلف تمامًا عن تلك التي أعدتها منذ خمسة أشهر مضت.. لم تجد صعوبة في اختيار ما سوف تضعه فيها.. ملابسها كلها تُشعرها بالفخر.. ترى كيف ستكون ردة فعل شريف عندما يراها بهذه الطلة الجديدة..؟
تعلم أن المظهر لا يشغله.. ولكن هذا لم يكن يمنعه من إبداء إعجابه بها أحيانًا عندما كانت تُظهر بعض الاهتمام بمظهرها.. سوف لا تجد صعوبة في اختيار الثوب المناسب عندما يدعوها في سهرة للترفيه بين امتحان وآخر.. أو لتناول وجبة الغداء في أحد المطاعم الفخمة كما كان يفعل بعد الانتهاء من الامتحانات.
هزت رأسها وكأنها تطرد أفكارها خارجها.. يا لها من بلهاء.. كيف تفكر بهذه الطريقة وهى امرأة متزوجة الآن..؟
حتى وإن كان زواجها على الورق.. فهذه تعتبر خيانة.. نعم الوضع مختلف عن الماضي.. ولكن ماذا عن حسام..؟ ألم يسمح لنفسه بفعل ما هو أكثر من ذلك..؟ ألم يتواعد مع سلمى مُلقيًا بزواجهما عرض الحائط..؟ ألم يراقص قريباته في خلاعة وأمام عينيها غير عابئ بوجودها..؟ لماذا تهتم هى كثـ.......
شهقت بفزع عندما فُتح الباب فجأة لتجده أمامها.. تجولت نظراته بينها وبين الحقيبة التي كادت تغلقها قبل أن يقول:
- ما الذي يحدث هنا؟
- حمدًا لله على سلامتك.. لا يبدو لي أنكَ تجهل الأمر.. ألم يخبرك والدك؟
- أريد أن أسمع منكِ.. يبدو لي أن قصتك ستكون أكثر تشويقًا.
- أية قصة..؟ سوف أسافر غدًا إلى أسوان.. الامتحانات ستبدأ السبت القادم.
- هكذا فجأة.. من دون أية مقدمات.. وأنا آخر من يعلم؟!
- وأين أنت لتعلم..؟ لو كنتَ هنا لأخبرتك من قبل.
أشار إلى الكتب والمحاضرات فوق وسادتها وحاول التحكم في انفعالاته قائلًا:
- كيف أتيت بها؟
- صديقتي أرسلتها لي في طرد.
- صديقتك؟
- نعم.. سل والدك هو من تسلمها من موظف البريد.
- أنا أسألك أنتِ.. لا شأن لوالدي بالأمر.
- وأنا أخبرتك بما عندي.. والآن اخرج من حجرتي.. ولا تفتح الباب هكذا مرة أخرى دون أن تطرقه أولًا وأسمح لكَ أنا بالدخول.
تجاهل ثورتها قائلًا:
- أخبرتني دلال أن أحد أصدقائي سأل عني أثناء غيابي.. وأنه تحدث إليكِ عندما لم يجدني.. وأنه طلبك بالاسم.. وأنا أعلم جيدًا من يكون هذا الصديق.
أشاحت بوجهها في لامبالاة قائلة:
- حسنًا مادمتَ تعرفه.. فلماذا تسألني؟
صرخت عندما أمسك ذراعها بعنف وصاح بصبر نافد:
- اتصلتِ به إذًا من خلف ظهري.. إن كنتِ لا تدرين.. فهذه تعتبر خيانة يا زوجتي العزيزة.
- اترك ذراعي.. أنا لم أتصل به.
- كيف توصل إليكِ إذًا؟
- ليس من الصعب العثور على رقم هاتفك يا صاحب السمو.
- في أي شيء تحدثتما؟
- كاد يرجوني كي لا أتخلف عن حضور الامتحانات.. فهو رجل يهتم لشأني ويعمل لمستقبلي وليس مثـ........
- هل علم بأنكِ أصبحتِ زوجتي؟
- أخبرته أنني تزوجتك مُرغمة.. وبأنني لا ولن أطيقك.. ويومًا ما سوف أتخلص منكَ.
- هكذا إذًا.
- نعم.. وأرجو أن تكون قد انتهيت من التحقيق معي.. فأنا في حاجة للنوم.. لابد أن أستيقظ مبكرة حتى ألحق بالقطار.
- سوف نسافر معًا الجمعة المقبلة.
- ماذا؟
- بالكاد أكون قد انتهيت من أعمالي هنا قبل أن نرحل.
- أنتَ تمزح.. هل تعلم كم ساعة يحتاجها القطار من هنا لأسوان؟
- سوف نسافر بالطائرة.
- أنا لا أريدكَ معي.
- وأنا أريد أن أكون معكِ.
- أنا سوف أسافر غدًا.. وأنتَ افعل ما شئت.. أنا لا أخافك.
- جربي واعصيني هذه المرة يا سالي.. وسوف أرسل قوة من القسم لتُحضرك من وسط زملائك في لجنة الامتحان.. وليكن ما يكون.. ولكن وقتها لا تلومي إلا نفسك.
ابتسم عندما فتحت فمها كما يفعل طفلها عندما يشعر بالصدمة أو الانبهار لشيء ما.. هل يُعقل أن ينفذ تهديده هذا..؟ ولمَ لا؟
إنه مجنون وقد يفعلها.. ماذا سيقول أصدقاؤها وأساتذتها عنها وهم يرون رجال الشرطة يأخذونها من بينهم..؟ لن ترسب وحسب.. بل سوف يتسبب في رسوبها وفضيحتها أيضًا.. أغلقت فمها وترقرقت الدموع في عينيها وهي تصرخ بصوت مختنق:
- أنا أكرهك كثيرًا.
- وأنا أحبك أكثر.

*****


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-20, 02:25 AM   #48

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 27

سلمت ورقة الإجابة وخرجت على عجل.. نظرة أخرى إلى ساعتها أخبرتها بأنها استغرقت وقتًا أطول هذه المرة.. كان الامتحان أطول من المعتاد.. إنها الامتحانات الأخيرة بالنسبة لها وربما أرادت بعض الدقة والإنجاز لذا تطلب الأمر منها مزيدًا من الحرص.. عليها أن تلحق بـ شريف قبل أن يأتي حسام.. مازال أمامها ساعة كاملة قبل أن يأتي لاصطحابها كما أخبرته بموعد انتهاء الامتحان صباح اليوم.
ترى ماذا سيفعل شريف عندما يعلم بوجود حسام معها..؟ كيف ستقنعه هذه المرة أيضًا بأنها كانت مُجبرة؟
وصلت لبوابة الخروج من الجامعة.. ها هو ينتظرها كعادته.. تستطيع أن ترى ابتسامته الدافئة من مكانها.. فتح باب السيارة وترجل منها استعدادًا لاستقبالها.. يبدو فى غاية الشوق إليها كما هي في غاية الشوق إليه.
- حبيبتي.. تأخرتِ نصف الساعة.
التفتت في فزع لتجد حسام أمامها.. ما الذي أتى به الآن..؟ يبدو أنه كان ينتظرها بعد منتصف الوقت كما يفعل شريف.. هتفت في حدة:
- ما الذي أتى بك الآن؟
- يا الله.. ما هذا الاستقبال الجاحد..؟ كلما صنعتُ بكِ معروفًا ازددتِ سخطًا.. كان لابد أن تشكريني لأنني أهتم لأجلك.
- الساعة الآن الحادية عشر.. أخبرتك أن تأتي في الثانية عشر.
- أهذا جزائي لأنني أشفقت عليكِ من أشعة الشمس الحارقة؟
- كنتُ أحتاج لمراجعة بعض الإجابات مع زملائي في الصف.
- خارج أسوار الجامعة؟!
- ما الذي تريد قوله؟
تصنع ابتسامة باردة لم تنجح في إخفاء الضيق الذي تسرب إلى صوته:
- هل تنتظرين أحدًا أم يمكننا الذهاب الآن؟
غمغمت في إحباط:
- دعنا نذهب.
لم تلحظ في ذروة انفعالاتها أنه تتبع نظراتها اليائسة وهي تتطلع لتلك السيارة البيضاء الصغيرة التي توقفت على الجانب الآخر من الرصيف.. ولا النظرة الغاضبة التي طلت من عينيه وهو يتطلع بدوره إلى قائدها الأكثر إحباطًا منها.
استوقف إحدى سيارات الأجرة.. جلست بجواره في ضيق دون أن تلحظ أنه متبادل..توقفت السيارة امام أحد المطاعم.. ترجلت منها على مضض وتبعته إلى الداخل.
قال في نبرة جافة:
- سوف نتناول وجبة سريعة.
- أنا لستُ جائعة.
- أنا جائع.
جلس يتناول طعامه في صمت بينما لم تمس طبقها.. كانت شاردة.. ترى ماذا يفعل شريف الآن..؟ هل سيكون في انتظارها غدًا ..؟ لابد أن تجد طريقة للاتصال به على الأقل للاعتذار له ومواساته.. كان يبدو حزينًا جدًا وهو يراهما معًا.
ابتلع طعامه دون أن يعرف ما الذي يدخل جوفه.. لماذا هي حزينة وشاردة..؟ أتراها تعشق ذلك الطبيب حقًا..؟ ولكن ماذا عنه هو.. زوجها ووالد طفلها..؟ لقد أحبته يومًا وسلمته نفسها دون قيد أو شرط.. أيعقل أنه أصبح لا يمثل شيئًا لها الآن..؟ نظراتها الممتلئة شوقًا وحسرة وهي تتطلع لذلك الطبيب تحرقه حرقًا.. ماذا الذي يجب عليه أن يفعله..؟ وأيهما يختار.. كبرياءه أم حبه..؟
تنهد قائلًا:
- تناولي طعامك.
لم تجبه.. كانت شاردة في عالم آخر.. زاده شرودها غضبًا.. انتفضت عندما ضرب المائدة بقبضته وهتفت ساخطة:
- ما هذا الجنون؟
- معكِ حق.. جنون.. ما أفعله وما سوف أفعله جنون.
- ماذا تعني؟
- هيا لنذهب.
*****
لم يتوقف عن السباب فوق كل درجة كعادته كلما اضطر لاعتلاء السلم حتى شقتها بسطح الxxxx.. الذي تعجبت له هو شعورها بالإجهاد والسخط.. يبدو أنها أدمنت الثراء وعليها أن تتعافى منه قبل أن تزداد حالتها سوءًا وتضطر لتقديم تنازلات لا ترغب فيها.
- أخبرتك أن ننزل في الفندق بدلًا من هذا العذاب.. ولكن كيف تكونين أنتِ ما لم تعصيني؟
- أنا لم أجبرك على البقاء معي.. بل لم أجبرك على المجيء معي منذ البداية.
أشار بإصبعه محذرًا:
- سالي.. أنا حتى الآن لا أريد أن أتسبب لكِ في توتر أو أضغط على أعصابك حتى تمر امتحاناتك بسلام.. ولكن حذار.. صبرى قد بدأ ينفد.
تأملته في لامبالاة وهي تدخل إلى الحجرة الوحيدة بالمسكن وتغلق بابها قائلة:
- هل تسمح لي بتبديل ملابس؟
توجه إلى الشرفة وأمسك رأسه في ألم.. الصداع كاد أن يفتك به.. من أين له بكوب من القهوة الآن..؟ فنجان صغير لن يجدي نفعًا.. شعر بأنفاسها خلفه فاستدار إليها.. بداخله كلمات لا حصر لها لكنه لم يقل شيئًا.. سوف ينتظر أيام قليلة لا مفر منها حتى تنهي امتحاناتها.
سألها في دهشة:
- لم تبدلي ملابسك بعد؟!
- أنا جائعة.
- الآن..؟!
- اطمئن.. سوف أنزل أنا لأحضر طعامًا لنفسي.
تفحصها في غضب.. كان يعلم أفكارها.. لا شك أنها تريد الاتصال بذلك الطبيب.. هل تفتقده إلى هذا الحد..؟
قال ساخطًا:
- حسنًا يا سالي.. اهتمي أنتِ بدروسك وسأذهب أنا لأحضر لكِ طعامًا.
- لا أريد أن أتعبك.
- أحقًا..؟
- دعني أذهب أنا وأتحمل نتيجة عصياني لك.

عض على شفتيه غيظًا.. شعرت من نظراته أنه ربما يلقي بها من الشرفة فأسرعت تبتعد عنها بينما تقدم هو منها في غضب.. ولكنه ما لبث إن غادر ليحضر لها الطعام.

*****
وقفت سالي أمام بوابة الجامعة تتلفت حولها في دهشة.. نظرت في ساعة يدها.. إنه نفس موعد الأمس تقريبًا.. لكن لا أحد ينتظرها.. شريف غاضب إذًا.. ولكن ماذا عن حسام..؟ هل قرر أن يلتزم بموعده اليوم ويأتي في الثانية عشر كما طلبت منه..؟ كيف ستقضى ساعة كاملة في هذا الطقس الشديد الحرارة..؟
عليها أن تبحث عن تليفون قريب وتعتذر لـ شريف عما حدث أمس.. لابد أن تراه قبل أن تغادر إلى القاهرة.. لكم تخشى أن يسرقها الوقت وتضطر إلى الرحيل بدون رؤيته..!
- حبيبتي.
- شريف.
هتفت باسمه في لهفة عندما وجدته أمامها فجأة.. بادلته ابتسامته الحانية الممتلئة شوقًا بمثلها وهي تجاهد لتتحكم في انفعالاتها قائلة:
- كنتُ في طريقي لمحادثتك تليفونيًا.. ظننتكَ لن تأتي خاصة عندما لم أجد سيارتك.
- لقد تركتها على بُعد بضعة أمتار.. تعالي.
تبعته إلى حيث ركن سيارته.. جلست بجواره وطال الصمت بينهما حتى قطعه أخيرًا عندما همس دون أن يرفع عينيه عنها:
- تغيرتِ كثيرًا يا سالي.. لولا كونكِ محفورة في عيني وذاكرتي.. ربما ما كنتُ عرفتك.
ابتسمت في دلال قائلة:
- أتمنى أن يكون للأفضل.
قال وعيناه تسبق كلماته إعجابًا:
- بالطبع.. ملابسك.. تسريحتك.. بريق عينيكِ.. كل ما فيكِ يأسرني يا حبيبتي.
- ظننتكَ لا تهتم لهذه المظاهر.
- أعشق جوهرك وذكاءك وحكمتك.. لكنني لا أنكر أن أنوثتك أيضًا تسحرني.
- هل تعلم..؟ أنتَ أيضًا تبدو مختلفًا.. لم تكن تتحدث معي بهذه الرومانسية من قبل.
ابتسم قائلًا:
- ربما لأنني لم أعد أحتمل أشواقى إليكِ.. متى سنعود سويًا من جديد؟
- لا أدري ماذا أفعل..؟ من أين أبدأ طريق الهروب منه والعودة إليك؟
- اطلبي الطلاق.
- سيأخذ مني نــ...... شريف الصغير.
- سوف نأخذه بالقانون.. شريف في سن الحضانة.. من حقك شرعًا أن يكون معكِ.
- هل تظن هذا؟
- نعم يا حبيبتي.. افعلي ما أقوله لكِ.. لا تخافي منه.
- ربما عليكَ أنتَ أيضًا أن تخاف مني.
التفت شريف إلى مصدر الصوت مُنزعجًا بينما سحبت سالي يدها من بين يديه في ذعر وهي ترى الشرر الذي يتطاير من عيني زوجها وهو يتأملهما مُستنكرًا.. انتقل بعضًا من رعبها إلى شريف الذي غمغم في تلعثم:
- حسام بك.. كنتُ أطمئن على الآنسة سالـ.......
- الآنسة سالي زوجتي؟!
قبل أن يجد شريف شيئًا يقوله كان حسام قد فتح باب السيارة وجذبه من سترته خارجها.. صاحت سالي في فزع وهي تغادر السيارة لتمسك بذراعه:
- لا شأن لكَ به.. اتركه.. كان يطمئن عليَ.. لولاه ما قُدر لي دخول الامتحانات.
صاح بها ساخطًا:
- كلمة أخرى منكِ.. وأحرمك أنا من دخولها للأبد.
اتسعت عيناها سخطًا بينما وجه حسام حديثه إلى شريف وهو مازال ممسكًا بياقة قميصه:
- أخبرتك من قبل ان تبتعد عنها.. وليس من عاداتي أن أكرر ما أقوله مرتين.. لكن إكرامًا لتضحياتك التي صدعت رأسي.. سأقولها لك مرة أخيرة.. ابتعد عن زوجتي.
شعر بالدهشة عندما أزاح شريف يديه من حول عنقه وهو يقول في هدوء:
- طلقها.
- ماذا..؟ بأي حق تتحدث معي هكذا؟
- ليس من الرجولة أن تتمسك بامرأة لا رغبة لها فيك.
التفت حسام إلى سالي في هيستيريا.. ترى ماذا أخبرته عن علاقتهما معًا.. وصفها بالآنسة سالي.. أهي زلة لسان غير مقصودة أم أنها سخرية واستهزاء من زيجة مازالت على الورق..؟ هل يسخر ذلك الطبيب من رجولته..؟
الويل لهما معًا.. أمسك كتفيه بعنف وراح يصدمه بسيارته مرات متتابعة حتى صرخت سالي وهي تتوسل له كي يتركه ولكنه تجاهلها صارخًا في غريمه:
- هي من أخبرتك بأنها تريد الطلاق؟
نظر شريف إلى سالي في إشفاق.. قد يحرمها هذا المتوحش من دخول الامتحانات بالفعل.. تهوره في دفاعه عن نفسه قد يدمر مستقبلها.. عليه أن ينتظر حتى تنهي امتحاناتها إذًا.. قال أخيرًا في نبرة المنهزم:
- هي ليست في حاجة للشكوى منكَ حتى أشعر بأوجاعها.. أنا من رأيتك وأنتَ تأخذها عنوة من القسم.. انتهزت فرصة تعلق الطفل بك لترغمها على الزواج منك.
- هل لديك أقوال أخرى؟
- كلا.. القول الذي يمكنه أن ينهي كل تعاستها عندك أنتَ.
- إن رأيتك معها مرة أخرى.. تذكر حينها أنني حذرتك.
أزاحه بعنف قبل أن يدفعها بعنف مماثل للسير أمامه.. حانت منها التفاتة إلى الخلف حيث كان شريف يراقبها في يأس وهو يهندم ملابسه.
- قسمًا بالله يا سالي.. إن التفتِ خلفك مرة أخرى سأعود وأهشم رأسه ولن أعفو عنه ولو بكيتما دمًا أنتما الاثنان.
صرخت به في صبر نافد:
- من تظن ذاتك..؟ نحن لسنا في غابة.. يوجد قانون يحاسب المتوحشين أمثالك.
- نعم يوجد قانون.. لهذا بعد أن أهشم رأسه وأتأكد بأنه لم يعد صالحًا لأي شيء.. سأذهب لقسم الشرطة وأحرر له محضرًا أتهمه فيه بمحاولة اختطافك بعد أن رفضتِ الزواج منه وتزوجتِ مني أنا.
- لكنك كاذب.
- اثبتي أنتِ هذا يا زوجتي العزيزة.
- يالك من مستبد معدوم الضمير..!
- اكتشفت اليوم فقط بقايا من ضمير.. لولاها ما تركته واقفًا على قدميه.
- شريف لا يستحق منكَ كل هذا.
- دفاعك المستمر عنه سيكون سببًا في ضياع مستقبله.
ابتلعت ريقها وهي تحدق فيه صامتة.. إذا نفذ تهديده فربما يتسبب في غلق عيادة شريف وتشويه سمعته.. عليها ألا تكون سببًا في هدم مستقبل من كان سببًا في بناء مستقبلها.
توقف أمام سيارة حمراء صغيرة تشبه سيارات السباق.. فتح بابها ودفعها للداخل دفعًا قبل أن يجلس بجوارها خلف عجلة القيادة وينطلق بسرعة أفزعتها.
أوقف السيارة أمام أحد الفنادق الكبيرة.. ترجل ودعاها للخروج منها.. غمغت دون أن تغادرها:
- لا رغبة لي في تناول الطعام الآن.. ولا الجلوس في أي مكان.. جسدي منهك وأريد أن أذهب للمنزل.
- سوف نقضي ما تبقى لنا في هذا الفندق.
- مستحيل.
- المستحيل هو الصعود اليومي للفضاء الذي تسكنينه.. اخرجي من السيارة.
- وماذا عن كتبي و محاضـ.....
- سوف أذهب وأحضرها لكِ.
- كلا.. لن أشعر بالحرية هنا.. لن أتمكن من المذاكرة والاستيعاب الجيد وأنا حبيسة غرفة في فندق.
- سالي.. سوف نمكث هنا أو نعود غدًا إلى القاهرة.
- أنتَ تريد أن تحطم مستقبلي إذًا؟!
- الخيار لكِ.
انهمرت دموعها كالشلالات فجأة.. مشاعر الإحباط التي اعترتها كانت أكبر من أن تتحملها.. عاد ليجلس بجوارها وهو يهتف ساخطًا:
- ما هذه التصرفات الطفولية؟ إن كنتِ تظنين أن هذا سوف يثنـ.....
ألقت بنفسها فوق صدره وازدادت نحيبًا قبل أن تغمغم بأنفاس متقطعة:
- بالله يا حسام.. كُف عن قسوتك معي.. لم أعد أحتمل.
- قسوة.. عن أية قسوة تتحدثين..؟! أنا أقتل نفسي كل دقيقة حتى لا أضطر لقتلك.. ما فعلتِه اليوم يستحق القتل.. أكاد أجن.. كيف تفشين أسرارنا لآخر.. ومهما قلتِ للدفاع عنه.. فهو غريب عنا.
- أنا لم أخبره شيئًا يخصك.
- ألم تخبريه برغبتك في الطلاق مني؟
- هذا ليس سرًا.. هو ثالثنا في نفس الخندق.. هو خطيبي ومن حقه أن.....
- هو ليس بخطيبك الآن.. أنتِ زوجتي.. و ليس من حقه أن يعرف شيئًا عنا.
رفع وجهها إليه وسألها محدقًا في عينيها:
- ألم تخبريه بأن زواجنا مازال حبرًا على الورق حتى الآن؟
- كلا.. مُحال.. أنا لا أجرؤ على الخوض معه في أحاديث كهذه أبدًا.
تأملها في دهشة وعدم تصديق:
- أحقًا..؟ فيما كنتما تتحدثان إذًا قبل أن آتي؟ بل طيلة الأربع سنوات الماضية؟!
- حياتي الماضية لا شأن لكَ بها.
- ها هي أظافرك قد برزت من جديد.
عادت تستعطفه قائلة:
- عد بي إلى منزلي.. أستحلفك بوالدك وطفلك وكل عزيز لديك.
تأملها طويلًا.. كانت نظراته أقل حِدة رغم أن الضيق مازال يغلّفها.. همس أخيرًا:
- إن لم تشعري بالراحة هنا أعدك بأن نعود إلى منزلك.. وإن كنتِ لم تسألي نفسك بعد كيف أبيتُ ليلتي فوق هذه الأريكة الصغيرة؟
لاحظت للمرة الأولى الهالات السوداء التي أحاطت بعينيه.. أدركت أنه لم يذق للنوم طعمًا منذ أتى إلى هنا.. شعرت بالشفقة نحوه.. ولكن ماذا كانت ستفعل له وليس في منزلها سوى سرير واحد..؟
فتح لها باب السيارة قائلًا:
- انزلي يا سالي.
- دعنا نحضر أغراضنا أولًا من المنزل.
- ليس الآن.. أنا في حاجة ماسة إلى النوم.. أكاد أفقد الوعي من شدة الإجهاد.
- يمكنكَ النوم في فراشي إن شئت.
برقت عيناه وهو يتطلع إليها فأردفت بسرعة:
- أنا لن أنام الآن.. سوف أراجع بعض المحاضرات.
لا يعرف ما الذي أغراه بطاعتها..؟ وجد نفسه بلا وعي يقود السيارة نحو منزلها.. ربما رغبته في غزو سنواتها الماضية و مشاركتها فِراشًا لطالما اضطجعت عليه وحيدة.. ترى كيف أمضت حياتها بعيدة عنه..؟
هي أيضًا شعرت بالدهشة عندما لم يقاومها.. ما الذي يفكر فيه..؟ إن كان يظن بأنه قادر على خداعها فهو مخطئ.. غمغمت في توتر محاولة التخلص من أفكارها:
- هل هذه سيارة عاصم؟
- كلا.. لقد استأجرتها طوال مدة إقامتنا هنا.
في طريقه اشترى بعض الأطعمة والسجائر والمشروبات الخفيفة حتى لا يضطر إلى نزول الدرج وصعوده مرة أخرى.. عجبًا.. لم يشعر بالإجهاد هذه المرة.. لم يسب ويلعن مع كل درجة يصعدها.. أصابها حماسه بمزيد من الفزع وعادت تتساءل ماذا يتوقع منها.. ربما كان من الأفضل قبول عرضه والبقاء في الفندق.
- سوف أبدل ملابسي سريعًا ثم أترك لكَ الغرفة.
هز رأسه مُتفهمًا.. جلس على الأريكة ينتظرها.. ابتسم لمشاعره الصبيانية.. ما الذي يجعله سعيدًا لمجرد نومه على فراشها شبه البالي هذا..؟
تطلع لكل ما حوله بعيون جديدة.. كلها صفحات مازال يجهلها عنها.. عليه أن يقرأها بل ويعيشها أيضًا معها.. تضاءلت رغبته في حجز الفندق.. سوف يستعيد سنواته الأربع من الزمن.
خرجت ونظرت إليه صامتة.. كانت مُرتبكة وكأنه اليوم الأول لهما خلف الأبواب المغلقة.. نهض وابتسم قائلًا:
- هل يمكنني النوم الآن؟
- ألن تتناول طعامك أولًا؟
هز رأسه وهو يتوجه بخطوات سريعة إلى حجرتها قائلًا:
- حاجتي للنوم تخطت كل الحاجات الأخرى.
ارتدى منامته واستلقى مبتسمًا فوق الفراش.. لم يكن مُريحًا كفِراشه ربما.. لكن رائحتها كانت تعبئه.. أخذ نفسًا عميقًا.. قريبًا ستكون بين ذراعيه فوق هذا الفراش.. كاد يرغمها الليلة على معاشرته في الفندق لولا اعترافها بعدم إخبار ذلك الطبيب بأمر زواجهما العذري هذا.
مازالت حبيبته الخجولة التي لم تتفتح إلا له وحده.. سينتظرها حتى تأتيه طواعية.. لن يحترم رجولته إن أجبرها على معاشرته.. إنما كان سيفعل ذلك دفاعًا عن النفس عندما شعر بالإهانة منهما.
*****
تأوهت سالي عندما سقطت أرضًا من فوق الأريكة التي استلقت عليها حينما شعرت بالنعاس يداعب أجفانها فلم تعد تفهم شيئًا مما تقرأه.. نظرت إلى ساعتها.. لقد تخطت الثانية عشر مساءً.. أمازال نائمًا كل هذا الوقت..؟!
اتجهت نحو مطبخها.. كل شيء على حالته لم يتغير منذ وضعته هنا.. إذًا فهو لم يتناول طعامًا منذ الصباح.. بل ربما منذ أمس.. تتذكر أنه بقى شاردًا طوال الوقت بعد عودتهما من الجامعة.. لم يتناول شيئًا عدا تلك الشطائر في المطعم.. أيعقل أن يكون قد ذهب في غيبوبة وليس نائمًا كما تظن..؟
أخبرها أنه يكاد يفقد وعيه.. تسارعت نبضاتها بقلق وهي تتطلع إلى غرفتها الوحيدة التي يرقد داخلها.
طرقت بابها من دون جدوى.. فتحته وأضاءت المصباح لتجده مُضطجعًا فوق السرير.. هل هو نائم بالفعل..؟ اقتربت وهتفت باسمه مِرارًا لكنه لم يجبها.. كان العرق يتصبب من وجهه.. مسحته بيد ترتعد خوفًا.. شهقت حينما أمسك بها لكنه قبلها وتركها دون أن يفتح عينيه.
- حسام.. حسام.. حسام..
فتح عينيه ببطء يتطلع إليها قبل أن يغمضهما مجددًا.. أمسكت بمعصمه لتقيس نبضه.. كان ضعيفًا بالفعل.. جلست بجواره وراحت تمسح شعره ووجهه بعيون باكية.
أحضرت زجاجة من العطر.. أغرقت يدها به ووضعتها أسفل أنفه.. أشاح برأسه أخيرًا وفتح عينيه.. استند على ذراعيه لينهض جالسًا وهو يغمغم:
- ماذا يحدث؟
- هل أنتَ بخير؟
- نعم.
أمسك بجبهته وراح يضغطها قائلًا:
- الصداع يكاد يقتلني.. أحتاج إلى كوب من القهوة.
نهرته قائلة:
- منذ أمس وأنتَ تتناول أكواب القهوة من دون طعام.. كادت أن تقضي عليكَ.
- هل تهتمين لأمري؟
- لا أريدك أن تموت في منزلي.
نظر إليها مُعاتبًا فأردفت.
- هل أحضر لكَ الطعام هنا أم أضعه فوق المائدة بالخارج؟
- لا رغبة لي في تناول الطعام.. كل ما أحتاجه هو قليل من القهوة.
- سأحضر لكَ الطعام أولًا.
- انتظري.. لستُ عاجزًا للحد الذي يجعلني أتناول طعامي في الفراش.
- حسنًا.. سأضعه فوق المائدة.
عادت بعد قليل لتجده لايزال مُستلقيًا كما تركته.. فهتفت في سخط ممزوج بالقلق:
- لماذا لم تغادر الفراش.. ألم تقل إنكَ بخير؟
- أشعر بدوار.. تعالي لتساعديني على النهوض.
- أنتَ تتدلل.
- ولمَ لا؟ منذ زمن لم أتدلل عليكِ.
- حسام.. لا داعي لهذا الحديث.
- سوف أكمل نومي إذًا.
أسرعت تسحب الغطاء الذي تلفح به وتجذب ذراعه في صبر نافد.. قاومها فسقطت فوقه.. هتفت ساخطة وهي تنهض:
- أنتَ لستَ في حاجة لمساعدتي.. انهض لتتناول طعامك.. أنا الآن في حاجة إلى سريري.. الساعة قاربت الواحدة صباحًا.
- ألديكِ امتحان غدًا؟
- كلا.. لكنني في حاجة إلى النوم.
أمسك بيدها قائلًا:
- تعالي إذًا.
قبل أن تفهم ما يعنيه كان قد جذبها لتسقط بين ذراعيه.. حاولت مقاومته لكنه كان قد تمكن منها.. أنفاسه الملتهبة وقبلاته الحارة ألهبت شفتيها وعنقها.. ذابت مقاومتها أمام رغبته المجنونة فيها.. همست في محاولات يائسة.
- حسام.. ليس الآن.. أنتَ مُنهك وأنا مشغولة بامتحاناتي.. هذا الأمر لا يأتي هكذا.. لابد أن نتحدث أولًا.. هناك حسابات مُعلقة يجب أن نسويها.. انتظر.. حسام.. أرجوك....
- صدقًا حبيبتي كنتُ سأنتظر.. ولكنني الآن لا أستطيع.


*****











أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-08-20, 09:32 AM   #49

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,152
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

ياصبر حسام علي سالي
بعدين ليش سالي متطرفه يا مطيعة بزيادة يا رافضه بزيادة


غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-08-20, 09:47 AM   #50

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
ياصبر حسام علي سالي
بعدين ليش سالي متطرفه يا مطيعة بزيادة يا رافضه بزيادة
ميرسي أنك دايما معايا
كل عام وانتي بخير
عيد أضحى سعيد

هي سالي بتحبه بس خايفة يكون بيضحك عليها تاني
مفيش ثقة بسبب ماضيه معاها
وحسام كمان عنيد ومغرور وخايف يعترف لها بأنه عقيم تسيبه ومتصدقش أنه اتجوزها علشان بيحبها ومش علشان ابنه وبس


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.