آخر 10 مشاركات
ودواهم العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : emy33 - )           »          423 - امرأة من دخان - سارة مورغن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          إمرأة الذئب (23) للكاتبة Karen Whiddon .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          وحدها تراني (19) من سلسلة لا تعشقي أسمراً للكاتبة المبدعة: Hebat Allah (كاملة&مميزة) (الكاتـب : Hebat Allah - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          بين نبضة قلب و أخرى *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          رغبة التنين (1) للكاتبة: Kristin Miller (رواية خيالية قصيرة) .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الحارس ومملكة الورود (3) لكاتبة: P.C. Cast كـــاملة *مميزة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          274 - رماد الحب - آليسون فرايزر (الكاتـب : عنووود - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-06-20, 12:30 AM   #1

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي وعاد ينبض من جديد * مكتملة *


أصدقاء منتدى روايتي:
أنا سعيدة بوجودي معاكم وأتمنى أقدر أخليكم انتوا كمان سعداء بوجودي بينكم
اسمي أماني عطاالله
عندي خمس روايات منشورة ورقي
وعضو اتحاد كتاب مصر
وعايزة أنشر رواية معاكم علشان نتعرف ببعض واتشرف برأيكم فيها







روابط الفصول

الفصول 1، 2، 3، 4، 8,7,6,5 .... بالأسفل
الفصول 9، 10، 11، 12 نفس الصفحة
الفصول 13، 14، 15 ، 16، نفس الصفحة
الفصل 17
الفصل 18
الفصول 19..20..21 نفس الصفحة
الفصول 22، 23، 224، 25، 26، 27 نفس الصفحة
الفصول 28، 29 ،30 نفس الصفحة
الفصل 31، 32، 33 الأخير




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 13-08-20 الساعة 06:05 PM
أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 02:06 AM   #2

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html

الرجاء تنزيل المقدمة او الفصل الأول خلال 3 ايام لان هذه المشاركة تعتبر دعاية ومكانها قسم شرفة الاعضاء



واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء


قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 03:00 AM   #3

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي وعاد ينبض من جديد

الحلقة الأولى:

انطلق القطار في طريقه إلى أسوان وتعلقت عيناه بتلك الجالسة على المقعد المقابل لمقعده.. لم يكن جمالها وحده هو ما يجذبه إليها بقدر ما جذبه حزنها الرهيب الذي أسرها معه إلى عالم آخر.. كانت شاردة إلى الحد الذي منعها من الإحساس بجلوسه في مواجهتها.
يستطيع أن يقسم بأنها لا تبصر شيئًا رغم تحديقها في وجوه كل المسافرين من خلال زجاج النافذة التي التصقت بها.. تخفي نفسها من شيء ما.. استدارت نحوه تائهة وانهمرت دموعها كشلالات غزيرة حاولت جاهدة أن تصدها بكلتا يديها بلا جدوى.
تراجِعت في فزع عندما مد إليها يده ببعض المناديل الورقية في محاولة للمساعدة.. رفعت إليه وجهًا كسماء يوم شتوي قارص لبدتها السحب والغيوم.. كانت صغيرة لم تتجاوز العشرين بعد.. هشة كالفراشات.. قسماتها جميلة متناسقة.. كل ما فيها رقيق خجول.. عدا ذلك الحزن العنيف..
تجاهلت يده قليلًا وهي تحاول فتح حقيبة صغيرة تتمسك بها.. فأوقعتها أرضًا وتناثرت محتوياتها.. ساعدها في جمعها.. لم يكن بها "مناديل".
عاد يمد يده بالمناديل قائلًا:
- تفضلي.
قبلتها منه بيد ترتجف وهزت رأسها شاكرة.. حاولت التحكم في انفعالاتها من أجل هذا الغريب الذي ينظر إليها في حيرة:
- بالله كُفي عن البكاء.. وأخبريني كيف يمكنني مساعدتك..
زادتها كلماته إحباطًا فانهمرت دموعها بغزارة أكبر.. زفر بضيق وهو يتناول منديلًا آخر ليقدمه لها لكنه ما لبث أن وضع المنديل في جيب سترته وقدم إليها العلبة كاملةً وهو يحذرها مبتسمًا:
- ليس معي مناديل أخرى...
ساد الصمت بينهما فترة حتى هدأت أخيرًا وهمست من بين انفعالاتها المتشنجة:
- شكرًا لك.
ابتسم في ود قائلًا:
- شريف حمدي .. طبيب بشري.
هزت رأسها مُرحبةً فأردف:
- وأنتِ... ما اسمك؟
تأملته في حذر قبل أن تهمس في صوت بالكاد وصل مسامعه:
- سالي.
- سالي... يا له من اسم جميل..!
ترى ماذا سيفعل عندما يعلم بهروبها.. وماذا عن النقود التي سرقتها من الخزانة.. كلا.. لم تسرقها بل هي ثمن بخس لحياتها التي تلاعب بها... كثيرًا ما أخبرها بأنه سيعثر عليها أينما ذهبت... لهذا السبب لم تذهب إلى منزل جدتها... حان الوقت كي تختفي من حياته للأبد.
- سالي.. سالي....... سالي...
استيقظت من شرودها لتتمعن في رفيق القطار... كان شابًا في بداية الثلاثينات تقريبًا.. مُعتدل القامة.. خمري البشرة.. أسود الشعر ويضع نظارة طبية رقيقة.. يبدو جادًا وصارمًا رغم العطف الذي يبديه نحوها.
- لماذا أنتِ فزِعة.. وخائفة.. وشاردة إلى هذا الحد؟!
هزت رأسها في ارتباك قائلة:
- أنا... أنتَ واهم.
ابتسم قائلًا:
- واهم.. أتمنى هذا.
عادا للصمت من جديد حتى قطعه:
- من لكِ في أسوان؟
غمغمت في دهشة ممزوجة بالخوف:
- أسوان....!
- هذا القطار متجه إلى أسوان.. ألا تعلمين هذا...؟!
- نعم... نعم... أنا ذاهبة إلى أسوان.
- من سيكون في انتظارك عندما يصل القطار؟
- لا أحد... أعرف طريقي بمفردي.
- سالي... مِمَّن تهربين؟
- أهرب..! قلتُ لكَ أنتَ واهم.
- أنتِ صغيرة و...
قاطعته غاضبة:
- أنا ممتنة لك على ما قدمته لي.. وسأكون أكثر امتنانًا إذا ما توقفت عن الكلام والتزمت الصمت.
أشار بيده قائلًا:
- آسف.
تنهدت بعمق والتفتت إلى النافذة تحدق في اللاشيء من جديد.. وعاد يتلصص النظر إليها عاجزًا عن منع نفسه من الاهتمام بشأنها..! ترى من هي هذه الفتاة..؟ من أي شيء هاربة..؟ وماذا سيحدث لها بعد ساعات قليلة؟ لماذا ترفض مساعدته؟
فتح حقيبته وأخرج منها بعض الشطائر التي أعدتها والدته من أجله وألحت عليه كي يتناولها أثناء رحلته بالقطار.. فلتذهب هذه الفتاة للجحيم ما الذي يجبره على الاهتمام بفتاة طائشة عنيدة مثلها؟!!
كان غاضبًا جدًا.. شعر بإهانة كبيرة على يد هذه الطفلة.. ولكنه وجد نفسه يردد اسمها دون إرادته ويقدم لها بعضًا من طعامه:
- سالي... تفضلي.
التفتت إليه... شعرت فجأة بجوع شديد.. منذ فترة طويلة لم يدخل جوفها الطعام.. فكرت بالرفض لكنها عدلت عن فكرتها وهي ترى ابتسامته المشجعة ويده الممدودة إليها باستماتة وإصرار.
ابتسمت شاكرة وهي تتناول الشطيرة من يده وتقضم بعضها في نهم قائلة:
- من أجل الطفل فقـ...
اختنقت الكلمات وكادت تختنق معها عندما انحشرت قطعة من الطعام في حلقها بينما اتسعت عيناه وهو يلقي نظرة سريعة على بطنها قبل أن يتظاهر باللامبالاة ويعاود قضم شطيرته في هدوء مصطنع.
حاولت أن تقلده وراحت تبتلع شطيرتها في صعوبة بالغة حتى نجحت أخيرًا في الانتهاء منها.
قدم لها أخرى فهزت رأسها رفضًا.. لكنه أصر قائلًا:
- من أجل الطفل.
حدقت في وجهه وابتلعت ريقها بانفعال... أهي خائفة من عابر السبيل هذا الذي اكتشف سرها مصادفة...؟
كيف إذًا ستواجه العالم كله قريبًا.. عليها أن تتحلى بالشجاعة بالفعل لا أن تتصنعها فقط ..
مدت يدها تتناول منه الشطيرة قائلة بصوت ثابت:
- من أجل الطفل.
قال بعد فترة:
- أنا تخصص "أمراض نساء وتوليد".
- تشرفت بمعرفتك.
- هل أنتِ متزوجة؟
- ليس هذا من شأنك.
عض على شفتيه قبل أن يتنهد قائلًا:
- توقعت هذا.
- ما الذي توقعته ؟!
لاحظت الاتهام في عينيه واضحًا.. فأردفت:
- نعم كنتُ متزوجة.. ولكن ليس زواجًا عاديًا.. إنما...
- زواجًا عرفيًا إذًا.
بماذا تخبره..؟ ربما ظنه هذا أفضل كثيرًا مما ستخبره به.. فما كان بينها وبين حسام.. أو هكذا تخيلت.. زواج روحي.. لا يُخط على الورق.. هزت رأسها صامتة.. لكنه عاد يقول بضيق وهو يشعل سيجارة :
- لا فرق كثيرًا بين الزواج العرفي والخطيئة.. كلاهما ينتهي بمأساة من وجهة نظري.
تأملته غاضبة ها هو وجهه الصارم قد بدأ في الظهور.. تلاشت الحنية الزائفة التي كان يمثلها.. ترى هل سيشاركه المجتمع تلك النظرة الدونية إليها..؟ ألن يوجد من يغفر لها سقطة في لحظة ضعف؟
- اسمعينى جيدًا.. أنا اؤمن كثيرًا بالقدر.
- ماذا تعني؟
- أعني أن القدر لم يضعني في طريقك عبثًا... أستطيع مساعدتك على تخطي هذه الكارثة.
تأمل عينيها المتعلقتين بوجهه في رجاء وأردف:
- في أي شهر أنتِ؟
- الشهر الثاني.
- ممتاز.
فهمت ما يعنيه فهتفت معترضة:
- لن أقبل بأي حلول ثمنها التخلي عن طفلي.
- فكري جيدا قبل أن ترفضي عرضًا من السماء.
- عرضًا من السماء.. أليس الإجهاض محرمًا..؟!
- بلى... أنا لا أقبل إجراء عمليات من هذا النوع... ولكن في حالتك فهو فرصتك الوحيدة للحياة من جديد.
- أنا لا أحتاج مساعدتك.. حياتي ثمنٌ لطفلي.
- كفاكِ عنادًا وطيشًا أوصلك لما أنتِ فيه الآن.
تحجرت الدموع بعينيها وهي تنتهره ساخطة:
- كُف أنتَ عن محاكمتي.. ليس لكَ الحق في إدانتي.
زفر بضيق قبل أن يهمس في صدق:
- أنا لا أدينك.. لكنني أخشى أن أتركك فتسقطين في يد من لا يرحم.
- ماذا تعني؟
- أنت صغيرة.. وجميلة.. أخشى أن يقودك أحدهم في طريق لا عودة منه.
تسرب بعض القلق إلى قسماتها لكنها عادت تقول وهي تهز رأسها في عناد أزعجه:
- لن أتخلى عنه.. لن أفعل به كما فعل الجميع بي.. سيكون طفلي وأخي وحبيبي ومعيني في هذه الحياة.. سوف نعيشها معًا أو نتركها معًا.
تأملها بدهشة.. ما الذي يجعلها تتمسك بطفل مثله لهذه الدرجة..؟!
- حسنًا.. اعتبريني عابر سبيل واخبريني قصتك تفصيلًا.. فربما أمكنني الإمساك بخيط ما استطيع به إنقاذك أنتِ والطفل معًا.

حدقت فيه طويلًا قبل أن تذهب إلى عالمها القاسي.. عالمها الذي هربت للتو منه إلى عالم جديد لا تعرف بعد كيف ستواجهه.. ولكم تخشى أن يكون أقسى..!






التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 18-06-20 الساعة 10:38 AM
أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 03:06 AM   #4

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي وعاد ينبض من جديد

الحلقة الثانية

- سماح... أمل... تهاني... عزة... وهذه هي رفيقتنا الجديدة في الشقة "سالي".
هكذا قدمتها "إيمان" إلى رفيقاتها في السكن الجديد وقدمتهن إليها.. كانت صحبة جيدة بغض النظر عن بعض النزاعات الخفيفة التي تنشأ بينهن من حين لآخر.
سالي أتت من إحدى ضواحي الجيزة لتحقق حلم جدتها الكبير وتلتحق بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة.. جدتها لأمها والتي تولت تربيتها بعد انفصال والديها منذ زمن بعيد.. هي من ترسل لها نفقاتها الخاصة من معاشها القليل.. حاولت سالي إقناعها بالعدول عن فكرة الجامعة والاكتفاء بمعهد عامين فقط حتى تعمل وتساعدها في تكاليف المعيشة لكنها رفضت بشدة وناشدتها أن تلتحق بالجامعة وازدادت إصرارًا بعد أن حصلت سالي على المجموع الذي يؤهلها لذلك في الثانوية العامة.
انتهى عامها الأول بسلام.. ومع بداية العام الدراسي الثاني بدأت مشاكلها في الظهور.. مرضت جدتها واضطرت لترك دراستها مؤقتا والاعتناء بها حتى تستعيد صحتها.. لكن الأمر تطور للأسوأ ورحلت عنها للأبد.. يومها تهدّم كل شيء.. فقدت ملجأها الوحيد.. واكتفى والداها بعد تقديم واجب العزاء بمعسول الكلمات دون أن يجرؤ أيٌّ منهما على عرض المساعدة خشية من أن تستغلها بالفعل.. عليها أن تبدأ بالعمل.. لا سبيل لإكمال دراستها الآن.. ستذهب لإحضار أشيائها وتودع رفيقاتها.
- سالي ماذا تقولين؟
- لا مفر من ذلك.. لابد أن أترك الجامعة وأبحث عن عمل.
- حسنًا.. عندي فكرة أتمنى أن توافقك.
- ما هي؟
- ما رأيك في أن تعملي معنا بالمطعم؟
- ماذا؟
- وما المشكلة.. فنحن جميعًا نعمل هناك.. هل تجدين في سلوكنا ما يدعو للخجل؟
- أبدًا.. ولكن...
- ولكن ماذا؟
- ربما لا أجد في نفسي الجرأة لعمل كهذا.
- هذه ليست مشكلة.. سوف تعتادين العمل بمرور الوقت.
صمتت سالي مفكرة ثم قالت بعد فترة بصوت يشوبه التردد:
- وماذا عن صاحب المطعم.. هل سيوافق على توظيفي عنده؟
- ولمَ لا..؟ فأنتِ فتاة جميلة ومهذبة.. كل ما ينقصك هو إظهار بعض القوة والشجاعة.
عضت سالي على شفتيها صامتة فأردفت زميلتها مشجعة:
- ما قولك..؟ هل نحدثه بشأنك؟
تنقلت عيناها بينهن.. كُنَّ في لهفة لمعرفة رأيها في العرض.. هل سترضى بالعمل نادلة معهن في المطعم.. تستطيع عندئذ إكمال دراستها الجامعية وتحقيق حلم جدتها الغالية.. يا إلهي كم تفتقدها..!
- سالي.. لم تحددي موقفك بعد؟!
- حسنًا.. سأنتظر رد السيد سعيد صاحب المطعم.
*****

لم يكن العمل شاقًا أو مخيفًا كما كانت تعتقد.. السيد سعيد لطيفًا معها ربما أكثر من المعتاد.. لكنها تستطيع أن تضع حدًا لحديثه كلما لزم الأمر.
اشتهرت بين رواد مطعم العندليب الأسمر بابتسامتها المشرقة ومشيتها الرشيقة التي تشبه بها عارضات الأزياء.. برغم أيامها القليلة في العمل إلا أن الكثير من رجال الأعمال الذين يتناولون طعام الغداء وربما العشاء أحيانًا في ذلك المطعم.. تعلقوا بها وكانوا يطلبونها بالاسم حتى أن بعض رفيقاتها شعرن بالغيرة منها ولكن كان البقشيش الكبير الذي كانت تحصله يوميًا وتقتسمه معهن بلا أدنى طمع منها أجبرهن على احترامها بل وحبها أيضًا.

مضت الأحداث بلا مشاكل لم يعكر صفوها سوى ظهور هذا الثلاثي المزعج الذي دأب على اعتراض طريقها بألفاظ تخدش الحياء ونظرات تعريها بطريقة تربكها بل تطاول الأمر أحيانًا إلى لمسات تفقدها صوابها وتسلبها الهدوء والابتسامة التي عهدها رواد المطعم بها.
وقعت في حيرة من أمرها.. هل تخبر السيد سعيد بأمر ثلاثتهم..؟ هل سيصدقها..؟ وإن صدقها هل سيقبل بخسارة زبائنه من أجلها..؟ خاصة وأن هؤلاء الثلاثة ينفقون ببذح ملحوظ.. ماذا لو طردها من العمل..؟ ماذا ستفعل حينها؟ لقد استقرت أمورها أخيرًا.. للمرة الأولى في حياتها تشعر بفائض من المال يمكنها من شراء ما تريده من مستلزماتها البسيطة دون خوف من عجز مادي.
استشارت رفيقاتها في الأمر فنصحوها بالتأني قليلًا.. فالسيد سعيد رغم رقته ولطفه معهن.. فهو جشع يعبد المال ويقينًا لن تكون النتيجة لصالحها.
اتفقن أخيرًا على أن تعمل هي في الفترة الصباحية.. قد يمنعها ذلك من حضور معظم المحاضرات ولكنه سيخلصها من هؤلاء السفلة الذين يعترضونها.
وما كادت تتنفس الصعداء حتى ظهروا مجددًا في الفترة الصباحية بعد أن سألوا السيد سعيد عنها فأخبرهم بأمرها.. كادت تجن ماذا تفعل وأين تذهب لتتخلص من إزعاجهم..؟!

أشار أحدهم إليها بابتسامته الاستفزازية.. تجاهلته واستمرت في خدمة الرواد الآخرين وكأنها لم تره.. عاد يناديها بصوت مرتفع وطريقة حميمية بغيضة أشعرتها بالخجل خاصة عندما تنقلت نظرات الجالسين بينهما.. اتجهت إليه وصاحت غاضبة:
- بأي حق تناديني هكذا وأنتَ لا تعرفني؟
- ومن قال إنني لا أعرفك؟
أزاحت يده عندما حاول ملامستها بينما أردف في عبث:
- ألسنا نتقابل هنا كل يوم منذ أكثر من شهر مضى؟
- نتقابل..!
- نعم أيتها المستبدة التي حاولت الهرب مني ولكن قلبي دليلي.
زفرت بضيق قائلة:
- حسنًا.. والآن ماذا تريد؟
همت بتدوين ما يريده لكنه عاد يهمس بوقاحة:
- نريدك أن تأتي معنا إلى السينما.
- آسفة.. أنا لا أذهب إلى السينما.
أجابها زميله الذي كان يتفحصها بعيون ناعسة:
- لماذا.. هناك فيلم رومانسي رائع وستكتمل روعته وأنتِ معنا.
أكمل ثالثهما بنفس النظرة الوقحة:
- ولكن عليكِ أن ترتدي شيئًا قصيرًا يظهر جمال ساقيكِ.
أردف وهو يمس فخديها بوقاحة:
- هذا المقاس سيكون مناسبًا جدًا.

شهقت بفزع وسقط ما بيدها أرضًا.. ترقرقت الدموع في عينيها وهي ترى نظرات الجالسين التي توجهت نحوها مستنكرة.. بينما انطلقت حناجر ثلاثتهم في ضحك محموم توقف فجأة عندما تقدم أحد رواد المطعم وراح يكيل لهم الصفعات واللكمات حتى سال دمهم قبل أن يُخرج من سترته قيودًا حديدية ويقيدهم بها.. ساقهم أمامه بعدها كالخراف خارج المطعم فاقترب منه السيد سعيد على عجل هامسًا في توسل:
- حسام بك.. يمكننا أن نسوي الأمر هنا لا داعي للشـ.......
أجابه الآخر في لهجة باردة قبل أن يكمل طريقه:
- اخرس أنتَ.. لكَ معي حساب آخر.. إن كنت لا تستطيع أن تحمي العمالة عندك في هذا المطعم فلا يحق لك افتتاحه.. هل تفهمني؟
نظر السيد سعيد إليه في ذعر دون أن يحاول اعتراض طريقه.. حانت منه التفاتة إلى سالي.. لابد أنه سيطردها الآن ولن ينتظر للمساء.. تعجبت حين هتف ساخطًا:
- أكملي عملك.. هيا.
في المساء كانت في شوق لمعرفة المزيد عن هذا الذي لم يفارق مخيلتها طوال فترة عملها.
- اسمه حسام منصور.. ضابط شرطة بالقسم المجاور للمطعم.
- لكنني لم أره من قبل.
- إنه يختفي ويعاود الظهور فجأة كالأشباح.
- لا تتحدثي عنه هكذا.
ضحكت رفيقتها قائلة:
- معكِ حق تدافعين عنه.. لقد خلصك من هذا الثلاثي المزعج.
تنهدت سالى حالمة فهمست صديقتها مُحذرة:
- استيقظي يا صغيرتي.. طريقك مسدود مسدود مسدود.
زجرتها قائلة:
- لماذا تقولين ذلك؟
- كلنا حاولنا من قبل.. لم ينجح معه شيء.. فهو مُتحجر القلب والوجه أيضًا.
حدقت سالي في وجهها مستنكرة فأردفت:
- لم نره يضحك ولو مرة واحدة مُذ عرفناه.. كلماته قليلة وكأنه يعد حروفها قبل أن ينطق بها.. اسألي من شئتِ عنه وسوف يخبركِ بما أقوله وأكثر.

لكن سالي بقيت في عالمها.. فليقولوا ما شاءوا عنه.. ستظل تراه بعيون أخرى.. عيون لا ترى فيه إلا فارسًا رفع عنها ظلمًا لم يرفعه كثيرون يتبسمون في وجهها كلما رأوها.
في صباح اليوم التالي رأته جالسًا في نفس المكان وعلى نفس الطاولة حيث كان يجلس أمس.. تذكرته الآن.. كان قد طلب فنجانًا من القهوة وكادت تسكبه فوق ملابسه من شدة توترها وانزعاجها لوجود هؤلاء الملاعين الثلاثة.. كيف يتحدثون عن قسوته المتناهية وهو قد بدا مُتفهمًا صبورًا معها..؟!
اقتربت منه وعلى شفتيها ابتسامة حلوة قائلة:
- صباح الخير يا سيدي.
أجابها باقتضاب:
- صباح النور.
- أشكرك على ما فعلته لأجلي أمس.
- لأجلك..!
ابتلعت ريقها وهزت رأسها في ارتباك بينما أردف بنفس النبرة الجافة:
- لقد قمت بواجبي يا آنسة.
هل هو حقًا متحجر القلب والوجه كما أخبروها عنه..؟ هل ينبغي أن ينتهي الحديث بينهما على هذا النحو؟ بعد سُهدها الليل كله.. محال.
عادت تسأله بفضول:
- ماذا فعلتَ بهم؟
- أعدك ألا ترينهم مرة أخرى ولو مصادفة.
أذهلتها ثقته بنفسه وهذا اليقين الذي يتحدث به فغمغمت شاردة:
- إلى هذا الحد..؟!
ظلت تحملق بوجهه فتابع بخشونة أيقظتها من أحلامها الوردية:
- إلا إذا كنتِ تريدين غير ذلك بالطبع.
هتفت مستنكرة:
- أنا...؟!
خيل إليها أنه يبتسم حينما أردفت بجدية:
- ماذا أقدم لكَ يا سيدي؟
توالى مجيئه إلى المقهى لتناول وجبة الغداء.. لماذا تشعر بأنه يعاملها بطريقة مختلفة عن الفتيات الأخريات.. هل هي تتوهم هذا؟ تكاد تقسم أنه ابتسم لها ذلك اليوم.. إحدى رفيقاتها أخبرتها ذات مرة أن هناك شيء مُختلف فيه.. ربما ازداد وسامة وجاذبية أيضًا.
أصبحت ابتسامته تلقائية وهو يلقي عليها تحيته كل صباح.. ابتسامة تعلن لها عن شروق الشمس وبدء يوم جديد.. وحياة جديدة أيضًا.. نظراته إليها نور أضاء عالمها.. كل من غَنَّى يتحدث عنهما.. حتى الطيور المغردة.. كلمات العشق والغزل كتبت من أجلهما فقط.. عملها أيضًا أصبح له مذاق آخر.. وكأنه موعد غرامي معه.. صارت تنتظره وتشتاقه بلوعة شوقها إليه.
ترى أيعقل أن يكون هذا هو الحب الذي يتحدثون عنه والذي تجاهلته طويلًا وظنت أنه خرافة لا وجود لها في الحقيقة..؟
كساحر بّدَّلَ عالمها بكامله.. أعلنته حبيبًا.. توجته ملكًا على قلبها..













أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-20, 07:14 AM   #5

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثالثة:

- أنا لن أتزوج أبدًا..
تحولت انفراجة شفتيها إلى ابتسامة بلهاء.. لا كلمات تعبر عن مدى صدمتها.. لماذا يتقرب اليها إذًا.. ماذا يريد منها.. ماذا يظن فيها..؟!
أمسكت القلم بأصابع حاولت أن تجعلها ثابتة وهي تغمغم:
- ماذا تريد أن تتناول اليوم يا سيدي؟
تأملها صامتًا حتى كادت تبكي ضعفًا وقهرًا فأسرعت تغادر الطاولة إلى زائر آخر.. حاولت أن تنشغل عنه بانهماكها في العمل.. تجنبت النظر إلى طاولته.. لكنها حين نظرت إليها أخيرًا كان قد غادرها.
لا تدري كيف عادت إلى مسكنها.. حمدت الله على أن رفيقتها بالغرفة لديها دوام ليلي.. لن يزعجها أحد.. فهي بحاجة ماسة لأن تكون بمفردها.
في الصباح ما إن رأتها رفيقاتها حتى هتفن في فزع:
- يا إلهي ماذا حدث لكِ؟
- ماذا بي؟
- ألم تري وجهك في المرآة؟
أسرعت إلى الحمام وما إن رأت عينيها المتورمتين ووجهها المنتفخ حتى شهقت في تأثر واندفعت دموعها من جديد.
- سالي.. ماذا بكِ؟
- عندي وعكة.. أحشائي تؤلمني بشدة.. لست أدري كيف سأذهب للعمل؟
- فليذهب العمل للجحيم.. المهم الآن هو صحتك.. ماذا أكلتِ أمس؟
- ربما كان شيئًا فاسدًا أو مكشوفًا.. لا أتذكر.
- هل تشعرين بالحاجة للطبيب..؟
- سأذهب للصيدلي بعد قليل.. ليس معي نقود لإجراء كشف طبي.. ويكفي الأيام التي سأتغيب فيها عن العمل.
- لا عليكِ.. يمكننا مساعدتك في بعض النفقات.
- أشكركن.. لا أحب أن أثقل على أحد.
- سالي....
- كل ما أرجوه منكن.. هو أن تعتذرن للسيد سعيد نيابة عني.. أحتاج إلى بعض الوقت حتى استعيد قدرتي على العمل من جديد.
حين عادت إيمان من العمل نقلت لها تمنيات كل من سأل عنها بالشفاء.. كانوا كُثرًا.. لكنه لم يكن منهم.. كذلك فعلت تهاني ولم يكن أيضًا منهم.. لم يتخلَ عن غطرسته ليسأل عنها.. بل تخلى عنها هي وتغيب عن المجيء للمطعم ما تبقى من الأسبوع.. كيف خُدعت لهذا الحد..؟ يا لها من حمقاء بلا عقل..!
أخيرًا عادت للعمل.. ليست في رغد من العيش يسمح لها بالتدليل.. بلا نقود.. لا جامعة ولا مسكن ولا مأكل أيضًا.. لكنها الآن أفضل حالًا وأكمل عقلًا.. سوف تتجنب هذا الضابط المخادع.. فهي لم تعد تعشقه بعد حديثه المهين معها.. بل تكرهه أيضًا.
لا تقصد أن تبحث عنه في كل الوجوه من حولها.. نظراتها إلى طاولته المفضلة من وقت لآخر جاءت مصادفة.. لهفتها كلما نادى أحدهم ماهي إلا شوقًا للعمل بعد غياب أسبوع كامل عنه.. لكنها كاذبة...
ما إن وقعت عيناها على بريق ابتسامته.. حتى اعترفت بأنها كاذبة.. وأيقنت بأنه لن يغادر حياتها بنفس السهولة التي دخلها بها ... بل ربما لن يغادرها أبدًا..
حاولت أن تتجاهله وأرسلت إحدى رفيقاتها لتلبي احتياجاته.. لكنها عادت تخبرها أنه يريدها بالاسم دون سواها فلم تجد مفرًا.. اتجهت نحوه بخطواتها الرشيقة ورأسها مرفوع لأعلى في محاولة لإعلاء كرامتها التي أهدرها.
حاولت تجاهل نظراته الفاحصة قائلة:
- أمرك يا سيدي.
- حمد لله على سلامتك.
- أشكرك.. ماذا يمكنني أن أقدم لك؟
- أريد التحدث معك.
- هذا مكان عمل .
- حددي المكان الذي يناسبك.
- ليس لدي وقت.
- ماذا ستفعلين غدًا؟
- محاضراتي حتى الرابعة وعملي هنا يبدأ في السادسة.. بالكاد أبدل ملابسي وأتناول طعامي.. على أية حال ليس بيننا ما نتحدث بشأنه.
قال بعد صمت ليس بالقليل:
- أحضري لي كوبًا من الشاي وبعض الشطائر.
مضت تلبي ما طلبه منها.. يا الله.. بهذه السهولة تخلى عنها..؟! فهو ليس كما أخبروها عنه.. قالوا لا يتنازل عما يريده أبدًا.. ربما هي لا تعني له الكثير.. ومن قال أنه يريدها.. من هي حتى تستحق اهتمامه وسعيه من أجلها..؟
غادر بعد قليل.. لم يحاول إزعاجها مرة أخرى.. لم يطلب لقاء آخر في موعد آخر.. لم يسألها عن يوم عطلتها.. لفظها أسرع مما تخيلت.
*****

هتفت سالي ساخطة وهي تلعن السائق المتهور الذي كاد أن يصدمها.. ماذا لو صدمها بالفعل..؟ سوف يقلب حياتها رأسًا على عقب.. ولكن ماذا يعني هذا لشخص مثله يقود مثل هذه السيارة الفارهة..؟ كيف يشعر باحتياجات الآخرين من البشر..؟ هذا إن شعر بوجود أمثالها من الأساس..؟
تراجعت بحدة عندما فتح لها الباب.. فتحت فمها لتزيده سبابًا.. ولكن الكلمات توقفت فجأة عندما عرفته.. حاولت إكمال طريقها غير عابئة به ولكنه قال في نبرة حاسمة:
- من الأفضل أن تصعدي إلى السيارة بنفسك.
تلفتت حولها.. فهي أمام الجامعة والطريق مزدحم جدًا.. ماذا يمكنه أن يفعل إذا لم تطعه؟
ابتسم وقد قرأ أفكارها:
- اصعدي يا سالي.
- ماذا تريد مني؟
- سأخبرك.. ولكن هيا يا سيدتي المهمة فليس لدينا وقت نهدره.
صعدت بجواره على مضض وهي تغمغم:
- إلى أين تأخذني؟
- اطمئني.. مهنتي تمنعني من اختطافك.
- أخشى أنها تمنع زملاءك من القبض عليك.
اتسعت ابتسامته قائلًا:
- لديك أفكار سيئة عن ضباط الشرطة.
- ليس جميعهم.
قهقه قائلًا:
- لا تقصدينني أنا بالطبع.
توقف بعد قليل أمام أحد المطاعم المُطلة على النيل.. أنزلها من السيارة وقادها إلى الداخل في رقة.. يا له من حلم وردي كثيرًا ما راودها في اليقظة قبل المنام.. أجلسها حول طاولة جميلة تزينها الزهور وراح يتأملها مليًا قبل أن يهمس وكأنه يخشى أن يوقظها من حلمها الذي تجلى عنيفًا فوق ملامحها:
- ماذا أطلب لكِ؟
انتفضت قائلة:
- ماذا تريد مني؟
هز رأسه في حيرة قائلًا:
- لست أدري.. حقًا لست أدري.
- هل أتيت بي إلى هنا.. وبهذه الطريقة البوليسية لتقول لي ذلك؟
ارتعدت عندما احتضن كفيها بين كفيه قائلًا:
- أريدك معي.
- قلت إنكَ لن تتزوج أبدًا.
- الزواج نقطة ضعف.. ومهنتي أوجدت لي أعداءً كثرًا.
- ماذا تعني؟
- سوف تتعرضين لمخاطر لا حصر لها لو تزوجتك.. سينتقم منكِ أعدائي في حال عجزوا عن الوصول إليَ.
- أنا مُستعدة للمغامرة.
- وأنا مستحيل أن أغامر بحياتك.. لقد وجدتك بعد أن ظننت أن لا وجود لكِ.
- وكيف تريدني أن أكون معكَ إذا لم أكن زوجتك؟
- أريدك حبيبة.
- سيدي.. أنا أقدم أطعمة.. مشروبات.. أشياء من هذا القبيل.. لكنني أبدًا لا أقدم نفسي لأحد.
تأملته في حدة وأردفت:
- أنا لستُ بائعة للهوى.
- فهمتني خطأ.. أنا لا أبحث عن الجنس.. أنا فقط أريد الحب.
هزت رأسها بعصبية واستنكار قائلة:
- الحب.. عن أي حب تتحدث..؟ عُذرًا.. طلبك ليس عندي.
- لماذا؟ هل الحب من المُحرمات؟
- مفهومك عن الحب من المُحرمات.. الحب عندي.. زواج وأطفال وبيت يضمني.. أحتاج إلى أسرة أكثر من حاجتي للحب.
ابتسم مُتهكمًا.. أخرج علبة مُذهبة يضع فيها سجائره.. ولاعته أيضًا ذهبية.. هو من عالم وهي من عالم آخر.. يعقد معها الآن صفقة.. ترى كم سيدفع ثمنًا لها..؟
كلما تمنعت سيعرض ثمنًا أكبر.. ثراؤه لا يعنيها.. لكن عليه أن يصمت.. كلماته هي ما يكسرها ويفتت عزيمتها.
- حبيبتي...
- حبيبتك..! كُف عن حديثك هذا.. بالله لا تتخذ من وحدتي وضعفي قوة لك.
- لماذا تتحدثين هكذا؟
- وكيف تريدني أن أتحدث.. أنتَ تقودني للجنون..؟!
- أنا لا أريد منكِ أكثر من شمس ابتسامتك وبراءة العشق في نظراتك.
حملقت بوجهه غير مصدقة.. أيُعقل ما يتفوه به بثبات وكأنه أمر طبيعي..؟ على أية حال ما يطلبه منها ليس لها خيار فيه حتى الآن.. فهي تعشقه شاءت أم أبت.. أو هكذا تظن.. نظراتها وابتسامتها له لا يد لها فيها.. حواسها تحركها مشيئته.. لكن يبقى البُعد عنه أكثر أمنًا.
- أمازلتِ خائفة مني؟
- أترك يدي.
ابتسم وهو يضغطهما بطريقة زادتها إرباكًا.. تخضب وجهها خجلًا وغضبًا وشدت يديها بعنف قبل أن تردد ساخطة:
- كيف تريدني أن أصدقك؟ هل تصدق أنتَ ما تقوله؟
- تناولي طعامك.. الوقت يداهمنا.
- لا رغبة لي.
- إنه أفضل من الطعام الذي تقدمونه في العندليب الأسمر.
- لماذا تأتي عندنا إذًا؟
- كيما أراكِ.
حدقت بوجهه قبل أن تبتسم في عصبية مريرة.. آخر ما كانت تتوقعه هو أن يكون مُختل العقل.. ولكن كل ما عليها فعله الآن هو أن تكون حذرة.. سوف يملَّها بمرور الوقت.. هي أيضًا سوف تتخلص تدريجيًا من هذا الشعور العجيب الذي تملكها نحوه.
لا بأس فهذه قصتها الأولى مع الحب وعليها أن تخرج منها بأقل الخسائر الممكنة.. حسنًا.. لتوهمه الآن بأنها وافقت على طلبه حتى لا تثير جنونه.. أخبروها أنه حين يثور يصبح عنيفًا مدمرًا.
*****




أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-20, 07:16 AM   #6

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الرابعة:

الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن عادة.. فبدلًا من أن تتخلص من حبه كما وعدت نفسها.. تعمقت وتعمقت فيه حتى غرقت تمامًا وأصبح من المحال نجاتها منه.. مضت أيامها التالية كالحلم.. الدقائق القليلة التي يمضيها في المطعم ما بين غداء وعشاء كانت عالم يكفيها أن تحيا لأجله.. حتى غيرته التي بدأت تطل عنيفة لتنتقدها بلا رحمة.. باتت تعشقها بقدر ما تشقيها وتجلب لها المتاعب.. أجبرها أن تقسو على بعض الرواد ولا تبتسم لهم.. وأن تتجنب آخرين.. حتى مشيتها.. طلب منها أن تكون أكثر جدية.
عطلاتها غدا لها لون آخر.. ما بين المحاضرات أو في نهاية اليوم.. حتى أمسياتها بعد العمل الشاق لم تسلم من التفكير فيه.. أحلامها لم يرحمها.. يا الله فهي تعشقه حد الرعب.. نعم.. ماذا لو اختفى هو أيضًا..؟ ماذا لو خسرته..؟ ربما تموت أو تجن.
كانت ابتسامتها تلقائية وهي تقدم فنجان من القهوة لأحد رجال الأعمال.. ربما تمادى الرجل قليلًا في حديثه.. فهي تسمع ولا تصغى.. فليقل ما يشاء.. هذا عملها وعليها أن تتحلى بالصبر دائمًا وتتظاهر بالسعادة والتأثر لما تسمعه من كلمات وما لا تسمعه أيضًا.
أشار لها حسام فأسرعت تلبي نداءه.. لكنه كان كالبركان الثائر.
- أمرك حسام بك.
- من هذا الرجل؟
- أي رجل.. فهم كثر؟
- معك حق.. ما عدتُ أستطيع العد.
- حسام.. هل تشعر بالغيرة؟
- أحدهم يكرر على مسامعك كلمات من الغزل.. وآخر عيناه تنهش في جسدك.. وثالث يمسك يدك بطريقة تثير الجنون.. ماذا تريدينني أن أفعل؟ ما عدتُ أركز في عملي.. أفكاري كلها هنا.. هل تفهمين خطورة ما أعانيه.. أنا أتعامل مع مجرمين..؟!
- حبيبي ماذا تريدني أن أفعل..؟ إنه عملي.
- لابد أن تتركي هذا العمل.
- ماذا؟ وكيف أعيش بعدها؟
- سأدفع لكِ راتبك أضعافًا.
- أنتَ تهذي.
- هكذا..؟! يبدو أنني أخطأت الاختيار.
تركها ومضى.. كادت تسقط مُغشيًا عليها.. ابتسمت في هيستيريا.. هل سيتركها حقًا..؟! أنهت عملها بصبر نافد وعادت لمنزلها.. عالمها خاوٍ كما كان منذ شهور قليلة.. لكن أفكارها مزدحمة بطريقة بشعة.. دائمًا كانت تقنع نفسها بأنها تحلم وأن وجوده غير حقيقي أبدًا.. وكيف يُعقل أن يعشق رجل مثله بلهاء مثلها.. حاولت أن تعيش هذه الخديعة.. إنه حلم لا وجود له.. لكنها لم تنم تلك الليلة.
عشرة أيام من الجحيم.. اختفى .. ربما ذهابه الآن أفضل لذا ستبقى صامدة.. لن تحزن.. ولمَ الحزن وهى تعلم منذ البداية أنه ليس لها..؟ ألم يكن رحيله بلا خسائر هو ما أرادته..؟ لكن من قال إنه رحل بلا خسائر؟ أين قلبها إذًا؟ وماذا عن دعواتها التي لم تنقطع يومًا وهي تطلب من الله أن يكون لها؟
ربما هذه الدعوات هي سبب تعاستها الآن.. هي ما زرع في قلبها أملًا خادعًا كالخنجر المسموم.. كثيرًا ما كانت تسير بجوار القسم الذي يعمل به عامدة.. كم تشتاق طيفه مصادفة.. هل انتقل إلى مكان آخر.. إنه دائم التنقل كما قيل عنه.. هل تذهب إلى القسم لتسأل عنه.. ولم لا؟
- صباح الخير يا سيدي.
- صباح النور.. كيف أستطيع مساعدتك؟
- أريد أن أسأل عن شخص ما.
- هل هو هارب أم محبوس احتياطيًا على ذمة التحقيق؟
- كلا.. إنه زميل لك.
- ماذا؟
- يُدعى حسام منصور.
تأملها عاصم صامتًا وهو يجاهد لإخفاء ابتسامته:
- حسنًا.. ماذا عنه؟
- أخبرني أنه يعمل هنا.. هل هو موجود..؟
- كلا.
- لكنه يعمل هنا.. أليس كذلك؟
- من أخبرك انه ضابط وأنه يعمل هنا؟
- هو.. هن.. رفيقاتي في المطعم.. أتقصد أنه كان يخدعني كل هذا الوقت؟!
ضحك عاصم قائلًا:
- أنتِ سالي؟
تنفست الصعداء وهزت رأسها موافقة.. فأردف عاصم قائلًا:
- أنا عاصم صديق حسام.. حدثني عنك كثيرًا.. أهلًا بكِ.
- أهلًا بك يا سيدي.. ماذا قال لك عني؟
- قال أنكِ فتاة مجتهدة.. ومرحة وجميلة.. وأنكم تقدمون وجبات لذيذة.. لذا أفكر جديًا في زيارتكم.
- أشكرك.. ومرحبًا بك في أي وقت تشاء.. أين هو؟
- من؟
- حسام.. حسام بك.
- ليس موجودًا الآن.. بماذا أساعدك؟ هل أساء أحدهم إليكِ؟
- كلا.. أنا.. نحن في المطعم.. هو متغيب منذ فترة فشعرنا بالقلق من أجله.. نخشى أن يكون قد حدث له مكروه.
- كلا هو بخير اطمئني.. أقصد اطمئنوا.
احمرت وجنتاها خجلًا.. يبدو أن صديقه هذا يعرف أكثر مما يصرح به.. ودّعته وأسرعت تغادر القسم بأقدام ترتجف اضطرابًا وهي لا تصدق ما تفعله.. أين حياؤها الذي لطالما اتسمت به..؟
لو علمت جدتها لكانت ماتت حسرة من أفعالها الشنيعة.
كانت السابعة مساءً عندما أبصرته يتجه إلى طاولته المفضلة.. ربيع ينادي قلبها الذابل حزنًا.. شمس أطلت بعد ليل طويل.. حبيب طل فجأة في غربة لا تنتهي.
تنقلت بين الموائد تنتظر إشارته بلا جدوى.. أشار لإحدى رفيقاتها وطلب فنجانًا من القهوة.. حسنًا.. فليفعل ما يشاء إلا أن يختفي.. يكفيها أن تراه فهي تحيا بأنفاسه.. كانت تتلصص النظر إليه حين لمحت إشارته إليها.. اتجهت إليه في تمهل وأمسكت بالقلم والنوتة الصغيرة قائلة:
- أمرك يا سيدي.
- ما الذي فعلته هذا الصباح؟
احمر وجهها خجلًا.. لقد أخبره عاصم إذًا.. أمن أجل هذا أتى الآن..؟ حتى يوبخها..؟!
كان يحدق في وجهها ساخطًا فغمغمت:
- كنتُ قلقة بشأنك.
- حذار أن تفعلي هذا مجددًا.
- حسنًا.. هل هناك أوامر أخرى؟
- نعم.
حدقت في وجهه بمزيج من الحب والشوق والرجاء فتابع:
- اليوم هو الأخير لكِ في العمل هنا.
- حسام أرجوك.
- هذا أمر.
- أعدك بأنني سأبحث عن عمل آخر ... أمهلني بعض الوقت فقط .
- كلا.. أنا.. أو عملك هنا.
- أنتَ ظالم ومستبد.
نظر إليها صامتًا ينتظر ردها.. تنهدت قائلة:
- حسنًا.. أدعو الله أن أجد عملًا قبل أن ينتهي ما معي من نقود.
- وجدتُ لكِ عملًا آخر أيتها المجنونة العنيدة.
- حقًا.. أين؟
- سأخبرك غدًا عندما نلتقي.
تأمل البريق في عينيها قائلًا:
- اشتقت إليكِ كثيرًا.
- كاذب.. لقد اختفيتَ حتى لا تراني مصادفة.
- كنتُ في مهمة.. وكنتُ غاضبًا.
- حمد لله على سلامتك.. من المهمة ومن الغضب أيضًا.
كانت وظيفتها الجديدة في مكتبة كبيرة يملكها رجل مُسن على خلق طيب.. عملها الجديد أتاح لها وقتًا أطول للمذاكرة وانتظامًا للدراسة.. وهذا ما قالته لرفيقاتها وربِّ عملها حين سألوها عن سبب تركها للعمل في المطعم.. كان أكثرهم ضيقًا هو السيد سعيد الذي حاول أن يثنيها بكل الطرق عن تركه وعندما فشل في ذلك هددها بدفع غرامة واحتجاز ما تبقى لها من أجر الأسبوع ولولا تدخل حسام في الأمر ما انتهى لصالحها.
*****


- هل أنتِ سعيدة في عملك الجديد؟
- نعم.. يتيح لي فرصة أكبر للاهتمام بدراستي.. لقد راجعت معظم المواد الدراسية وأصبحت مُستعدة للامتحان تقريبًا.
- جيد.. أتمنى لكِ التوفيق دائمًا.
- أشكرك.
- هل ضايقك هذا الرجل من جديد؟
- أي رجل تقصد؟
- سالي.. لا تتحدثي بهذه الطريقة وكأنكِ تعرفين جمعًا من الرجال.
ضحكت في عذوبة قائلة:
- حقًا لستُ أدري عمن تتحدث؟
- أتحدث عن صاحب المطعم.
- السيد سعيد؟
لمعت عيناه بصبر نافد فأردفت:
- لا تقلق من جهته.. لقد أصبح لطيفًا جدًا معي.
- ماذا تعني؟
- كان يزورنا بالأمس القريب.. مُحملًا بالفاكهة والحلويات.
- ولماذا يزوركن؟
- لقد اعتاد ذلك مُذ تركتُ المطعم.. لكنه لم يحاول إزعاجي أبدًا.
- ما هو الإزعاج من وجهة نظرك؟
- حسام.. ماذا بك؟
- ماذا بي..؟! بأي حق يدخل هذا الرجل إلى مسكن مجموعة من الفتيات يَعِشْنَ بمفردهن؟
ابتسمت في ارتباك قائلة:
- إنه ليس غريبًا عنا فهو....
- فهو ماذا؟
- إنه رب عملنا.. وإن كان سابقًا بالنسبة لي.. كما أنه مالك الxxxx أيضًا.
- وهل هذا يعطيه الحق لزيارتكن..؟ وفي هذا الوقت المتأخر..؟!
- فقط يطمئن علينا قبل أن يصعد إلى شقته.
- أهو يسكن معكن في نفس الxxxx أيضًا؟
- نعم.
- رائع.. هذا ما كان ينقصني.
كان حسام على يقين بأن هذا الرجل لا ينظر لها نظرات عابرة.. كثيرًا ما شعر بالضيق من نظراته المتفحصة إليها.. كان سببًا رئيسيًا لجعلها تترك العمل لديه.. والآن يذهب إليها في مسكنها.. أتراه يفكر في الزواج للمرة الثالثة..؟
تذكر حديثها عن الوحدة التي تعيش فيها ورغبتها الشديدة في تكوين أسرة.. السيد سعيد يعلم بالطبع هذا الأمر وربما يحاول استغلاله.
- حسام.. بماذا تفكر؟
نفث دخان سيجارته ببطء قبل أن يأمرها في حسم:
- عليكِ البحث عن مسكن آخر.
ضحكت بعصبية قائلة:
- ماذا..؟ ومن أين لي بمسكن آخر..؟ راتبي كله لا يكفي.. ولا تقل لي بأنكَ سوف تتكفل بالأمر.
تفحصها صامتًا فتابعت:
- حسام.. أنا أشاركك حتى الآن هذه القصة المجنونة التي لا أعرف لها نهاية.. لكن بالله لا تحملني فوق طاقتي.
- أتسمين قصة حبنا.. القصة المجنونة؟
- ألديك تسمية أفضل لها؟
- القصة الخالدة.
ابتسمت ساخرة فتابع:
- أتنكرين أن معظم قصص الحب التي خلدها التاريخ لم يكن الزواج نهاية لها.
- أنا لا أريد أن يخلدني التاريخ.
ابتسم قائلًا:
- حسنًا أيتها الترابية.. لدي مسكن لكِ.
نظرت إليه بارتياب فأردف:
- ستكونين بمفردك.. ولن أتكلف أية نقود إضافية.
- أحقًا..! وأين هذه الشقة المعجزة؟
- شقتي.
هتفت في عصبية:
- ها قد اكتملت القصة المجنونة بنهاية أكثر جنونًا.
- اسمعيني جيدًا قبل أن تسخري من حديثي.
- ماذا تريدني أن أسمع؟ ماذا تظن بي..؟ ماذا أقول لكَ؟ كيف أقنعكَ بأنني لست سيئة كما تتوهم؟
- أنا أعرف من أنتِ جيدًا.. لو كنتِ رخيصة ما فعلتُ كل هذا من أجلك.. ما كنتُ اهتممت بكِ من الأساس.. حذار أن تتحدثي هكذا مرة أخرى.
حدقت في وجهه بتمعن.. لكم تتمنى أن يكون صادقًا ولكن كيف..؟!
أمسك يديها برقة وقبلهما قائلًا:
- أعدك بأن لا أضايقك أبدًا.. لن تشعري بوجودي على الإطلاق.. أنا معظم الوقت في مهام خارجية أو وردية ليلية.. أيام عطلتي أمضيها مع أبي.. يمكنني المبيت عند عاصم إذا دعت الحاجة فهو أيضًا غير متزوج.
- عُذرًا.. ولكن إذا كنتَ لا تحتاج إلى هذه الشقة فلماذا استأجرتها من الأساس؟
- نوع من الاستقلال.. ربما لأضع فيها أغراضي.
- تستأجر شقة خصيصًا لوضع أغراضك..!!
ابتسم صامتًا.. ترى ماذا تحمل لها الأيام معه..؟ هل هو صادق بالفعل أم أنه مخادع لا يصيبه الملل..؟ وماذا لو رفضت عرضه هذا؟
لم تشأ أن تخبره.. هي أيضًا تشعر بالريبة من تصرفات السيد سعيد الصبيانية.. كثيرًا ما حاولت التظاهر بالنوم خلال زيارته لهن.. لكن رفيقاتها كن يوقظنها مرغمة.. كان واضحًا أنه يأتي خصيصًا من أجلها.. لكم شعرت بالخوف والقلق من نظراته المتوحشة إليها ووقفت عاجزة عن غلق باب حجرة لا تملكها بمفردها..!
- سالي.. أين ذهبتِ..؟ بالله يا حبيبتي لا تفكري كثيرًا.
- حسام.. أنا..
- لا تقلقي.. أنا لن أزعجك أبدًا.. كل ما أريده هو أن تكوني بخير.. إذا شعرتِ بأي خطر من جهتي يمكنكِ العودة من حيث أتيتِ.













أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-20, 03:11 AM   #7

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة الخامسة

في صباح اليوم التالي كانت تنتظره تائهة.. لماذا تعاملها الأيام بهذه القسوة.. تذكرت والديها ساخطة.. فهما السبب في معاناتها المستمرة.. لماذا أنجباها ثم تركاها وحيدة في عالم لا يرحم؟ ترى كيف ستنتهي قصتها مع حسام..؟!
داخلها يقين بأن النهاية لن ترضيها أبدًا.
ها هي سيارته الفارهة قد ظهرت أخيرًا.. ألقى عليها تحية الصباح مُبتسمًا قبل أن يفتح لها باب السيارة لتجلس بجواره.. ابتسامتها الباهتة وصوتها الواهن أخبراه كم تعاني..! لكنه لم يعلق.
توقف بعد فترة أمام إحدى البنايات الشاهقة في منطقة راقية.. أهنا توجد الشقة التي استأجرها لوضع أغراضه؟!
حمل حقيبتها الصغيرة بيد بينما أمسك ذراعها باليد الأخرى وقادها إلى إحدى الشقق بالطابق الرابع.. كانت شقة متوسطة المساحة حجرتين و"ريسبشن" بالإضافة إلى المطبخ والحمام.. تأملت أثاثها البسيط الذي لا يتلاءم مع ما ينفقه حد التبذير أحيانًا.. لم تكن ترتقي لذوقه الذي تعرفه.. خمنت أنه استأجرها بالأثاث الموجود بها.. شقة مفروشة؟!
- سالي.. لماذا أنتِ صامتة؟
ابتسمت في توتر قائلة:
- لا شيء.. لا شيء أبدًا.
- اطمئني يا حبيبتي.
تراجعت في فزع عندما هم بوضع يديه على كتفها مما جعله يتراجع ساخطًا:
- سالي أنا لن أؤذيكِ.. كفاكِ رعبًا مني.
أمسك يدها يقودها إلى المطبخ.. فتح الثلاجة قائلًا:
- لقد أحضرت لكِ بعض المشتريات حتى تعتادي المنطقة.. سأتركك الآن.. إنها شقتك تصرفي بحريتك كاملة.
- وأنتَ؟
- سأذهب إلى عملي.. وبعدها سأذهب مع عاصم.
- ألن تأتي إلى هنا؟
- إذا احتجت شيئًا من أغراضي.. سأتصل بكِ تليفونيًا قبل أن آتي.
ودعها بضغطة عنيفة على يدها وكأنه يعاقبها لظنها السييء به.. تأوهت في ألم قبل أن تغلق الباب خلفه بنظرة ساخطة.
مرت الأيام هادئة.. الجامعة والعمل يستهلكان معظم وقتها.. الوقت القليل الذي تمضيه وحدها في المساء بعد عودتها بالكاد يكفي لاسترجاع دروسها.. امتحاناتها الأسبوع المقبل.
حسام كان وفيًا بوعده فلم يحاول إزعاجها أبدًا.. نادرًا ما كان يأتي إلى الشقة ليأخذ بعض الأغراض التي يحتاجها أو ليبدل ملابسه.. كان يتصل بها قبل أن يأتي ويتأكد أنها ليست موجودة حتى لا يضايقها.
مضت الأيام سريعًا.. ها هي قد أنهت السنة الثانية لها بتفوق.. لابد أن جدتها التي تراقبها من العالم الآخر سعيدة الآن لأجلها.. عامان فقط وتضع أقدامها على بداية الطريق.. سوف تبحث عن عمل مناسب يليق بتعليمها الجامعي.. ستذهب لتعيش في مسكن جدتها.. ولكن ماذا عن حسام؟
- مبروك يا حبيبتي.. نجحتِ بتفوق.
- الفضل يعود لك.. لولا اهتمامك ما كان هذا التفوق.
- أنتِ فتاة مجتهدة وسوف تحققين كل ما ترغبين.
شردت في كلماته.. أتراه حقًا لا يعلم ما ترغب فيه.. أم أنه يتجاهل عن عمد؟!
حسام... هو نقطة ضعفها الوحيدة في هذه الدنيا.. دائمًا ما كانت جدتها تخبرها بأنها فتاة قوية.. زملاؤها أيضًا أخبروها بالأمر ذاته.. لطالما كانت قادرة على تحمل المسئولية بطريقة تحسد عليها.. لكنها معه عاجزة لا تدري ماذا تفعل.. تتركه يقودها وكأنها طفلة صغيرة.
- سالي.. اليوم أيضًا شاردة.. بماذا تفكرين؟
- أنا...
- يا الله.. ماذا بكِ؟
- حسام.. لقد أثقلت عليكَ كثيرًا.. سلبتك مسكنك و........
- صِدقًا يا سالي إن لم تكفي عن حديثك هذا ستتعرضين للضرب.
- ولكن إلى مـ........
- قلتُ اصمتي.. دعينا اليوم نحتفل بكِ.
تنهدت صامتة.. هكذا هو دائمًا عندما تحدثه بالأمر.. لكن ما هي النهاية..؟ ربما خبرتها في الحياة قليلة لكنها تعلم أن لكل شيء ثمن.. فما هو الثمن الذي يريده منها..؟ إلى متى سيظل يحبها من أجل الحب وحده..؟ متى سيطلب الثمن؟
أخذها إلى السينما.. شاهدا فيلمًا رومانسيًا رائعًا كم تتمنى أن تنتهي قصتهما معًا بمثل هذه النهاية السعيدة.. صحبها بعدها إلى فندق فخم تناولا فيه عشاءً فاخرًا وبعد كل هذا سألها عن هديتها..!
- ماذا؟ هدية أيضًا.. بعد كل هذا..؟!
- سوف تختارين هديتك.. أم أختارها أنا؟
- حسام.. هذا كثير جدًا.. كيف يمكنني رد جميلك؟
- لقد أصبحتِ ثقيلة الظل.
- حسام...
- هل طالبتكِ بشيء؟
- ومتى سوف تطلب؟
- ماذا تظنينني سوف أطلب؟
- لا أدري.
صرخت حتى التفت الناس إليها عندما ضغط كفها الصغير في كفه حتى شعرت به يتمزق هامسًا بضيق:
- ربما يرغمك هذا على الصمت.
اشترى لها جينز وتي شيرت.. ثوبًا أيضًا وحذاءً جذاب عالي الكعب.. كل ما يفعله يزيدها عجزًا.. أصبح الثمن باهظًا جدًا.
كان الوقت قد تأخر عندما أوصلها إلى المسكن.. قالت في أسف:
- سوف ينزعج عاصم عندما تداهمه في مثل هذا الوقت.
- لا عليكِ.. معي مفتاح الشقة لن أوقظه.
تأملته بنظرة غريبة أثارت ريبته قبل أن تهمس مودعة:
- حسنًا.. طابت ليلتك.
قبل كفها وفتح لها باب السيارة قائلًا:
- طابت ليلتك.. هيا.. أضيئي المصباح حالما تصلين حتى اطمئن.

وضعت الهدايا التي أحضرها فوق الأريكة.. ستتركها هنا.. لن تأخذها معها.. نعم عليها أن ترحل الآن.. كل يوم يمضى يقيدها إليه أكثر.. ما إن تتسلل أولى خيوط النهار حتى تتسلل معها من حياته للأبد.. ستكتب له خطابًا تشكره فيه على كل ما فعله من أجلها.. سوف تعتذر عن إزعاجها المستمر له.. بقصد كان أو بدون قصد...
هل يجب أن تخبره بأنه الحب الأول والأخير..؟
من المستحيل أن تعشق بعده أبدًا.. كما من المستحيل أن تحيا هكذا العمر كله.. ستعود إلى منزل جدتها.. سوف تجد عملًا هناك وتعيش وحدها.. ولمَ لا وقد اعتادت الوحدة..؟ سوف تتحمل المواصلات من هناك إلى الجامعة.. مرة واحدة في الاسبوع تكفي ولن تكلفها الكثير من الجهد أو المال.
أحضرت قلمًا وورقة بيضاء.. اختلطت حروفها بدموعها المنهمرة.. وكيف لا وهي تودع حب العمر كله.. حبيب لن يتكرر..؟
- سالي.. هل أنتِ بخير؟
- حسام....
- مضى أكثر من نصف ساعة ولم تضيئي مصباح غرفة نومك.. ماذا بكِ؟
ابتلعت ريقها قبل أن تغمغم في ارتباك:
- آسفة.. لقد سهوت.
- ماذا تكتبين؟
حاولت إخفاء الورقة قائلة:
- لا شيء.
- دعيني أرى هذا اللاشيء.
جذب الورقة من يدها عنوة.. قرأها في عبوس قبل أن يهتف ساخطًا:
- هكذا إذًا.. منذ الصباح وأنا أعلم أنكِ تخفين شيئًا عني.
أشاحت بوجهها عنه فأردف ثائرًا:
- كنتُ على يقين بأنكِ تدبرين لشيء ما.. لكنني لم أتخيل أبدًا أن تتركيني بهذه السهولة..
- حسام.. أرجوك لا تزِد الأمر صعوبة.
- أنا لا أستطيع العيش بدونك.
- أنتَ لن تتزوجني.
- لقد أخبرتك بمخاوفي.. لماذا لا تفهمين؟
- ليتك أنتَ تفهم بأنني لا أستطيع أن أحيا هكذا للأبد.
- هل ضايقتك في شيء..؟ أحاول جاهدًا أن أعمل لراحتك.
- هذا ما يضايقني.. إلى متى ستفعل ذلك دون مقابل؟
- أنا لم أطلب منك شيئًا.. كفاك وهمًا.
- اتركني أرحل.
- كفاك جنونًا.
- سوف أرحل عاجلًا أم آجلًا.. وكل يوم نمضيه معًا يزيد من عذاب الرحيل.. اتركني أذهب اليوم أفضل من الغد.
- ماذا تقولين..؟ أنا لن أتركك.. ولن تتركينى.
راحت تنتحب في هيستيريا فلم تشعر بنفسها بين ذراعيه ولا بقبلاته الملتهبة التي دمرت ما تبقى لها من إرادة.. حملها إلى غرفتها بلا مقاومة ولم يغادر تلك الليلة.
ها هي قد دفعت الثمن الذي حاولت أن تتجنبه طويلًا....
تركت عملها في المكتبة كما طلب منها.. تقبلت هداياه التي غمرها بها بصدر رحب.. تنزهت معه بلا خجل.. شاركته حياته كاملة بلا وخزة ضمير.. لن تُعلق حياتها على ورقة يكتبها مأذون.. الله وحده شاهد على حبها الكبير له.. فلتحيا يومها وليذهب الغد إلى الجحيم.. مجنون هوالعاقل في زمن مجنون.
لكنها كانت مُخطئة.. مُراهِقة حمقاء عاشقة.. أغمضت عينيها وتركت معشوقها يقودها حيثما شاء.. وحينما فتحتهما أخيرًا.. وجدت نفسها على حافة الهاوية.
- حسام حبيبى.. أخيرًا عُدت.
احتضنها بشوق بالغ وغمرها بقبلاته قائلًا:
- كانت مهمة صعبة للغاية ولكنها تمت بنجاح.. أشد ما فيها قسوة أنها حرمتني منكِ كل هذا الوقت.
- عندي لكَ مفاجأة سأخبرك بها بعد الغداء.
- ولمَ ليس الآن؟
- كلا.. بعد الغداء.
تناولا طعامهما في سعادة.. ما أجمل أن يكونا معًا.. فهو عشقها الذي لم ولن ينتهي أبدًا.. ثمرة الحب التي تنبض الآن بين أحشائها سوف تزيدهما قربًا وتوحدًا.. ستجمعهما معًا إلى الأبد.. سوف تغير هواجسه المجنونة.. ستخلصه من خوف لا مبرر له وتعلمه أن يترك كل شيء بيد الله.. حبيبها المجنون.. هل كونها ليست زوجته سيمنع المجرمين من الانتقام منها لو شاء الله ذلك..؟
- والآن حبيبتي وقد انتهينا من الطعام.. هاتي ما عندك كلي آذان صاغية.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-20, 03:15 AM   #8

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة السادسة

وضعت يدها في سعادة فوق بطنها قائلة:
- احزر أنتَ.
اعتدل في جلسته واتسعت عيناه في توتر وهو ينقلهما من بطنها إلى وجهها قائلًا:
- ماذا تقصدين؟
- ألم تفهم بعد؟
- هل أنتِ حامل؟
تهلل وجهها قائلة:
- نعم حبيبي.. أنا لم أصدق في بداية الأمر ولكن الطبيب أكد لي.. أنا في غاية الشوق لرؤيته.. لستُ أدري كيف سأحتمل تسعة أشهر كاملة حتى يولد وأحمله بين يدي.. أتمنى من الله أن يكون نسخة منكَ وأنا واثقة من هذا لأنني لا أرى سواك في الكون كله.
كان يتأملها في ذهول صامتًا فعادت تهتف به:
- أنتَ أيضًا مثلي.. لا تصدق الأمر.
أشعل سيجارة وراح ينفث دخانها في تجهم فجلست بجواره هامسة:
- حسام.. ألستَ سعيدًا؟
ابتلع ريقه دون أن ينظر إليها قبل أن يقول في حسم اعتادته منه لكنها كرهته هذه المرة:
- تخلصي من هذا الطفل.
- ماذا؟!
- لسنا في حاجة إلى أطفال.
- هل أنتَ جاد؟! محال أن تكون جادًا.. أيها المهرج أنتـ......
- سالي أنا لا أمزح.
ارتعدت شفتاها في صدمة دون أن تقوى على الرد بينما أردف:
- أحد الأسباب الرئيسية في إقلاعي عن الزواج هو عدم رغبتي في وجود أطفال.
- لكنكَ تعلم أنني أريد أطفالًا.. أريدهم بشدة.
- الأطفال هم نقطة الضعف الأقوى في عملي.
- إذاً تخَلَّ أنتَ عن عملك.. أنا لن أتخلى عن طفلي.
- كفاكِ جِدالًا لا جدوى منه.. سوف أذهب غدًا لرؤية أبي.. عندما أعود أرجو أن نكون قد انتهينا من هذا الكابوس.
- كابوس.. كيف أمكنكَ أن تقول عنه هذا؟
- سالي...!!
- أنا لن أطيعك هذه المرة.. أبدًا.. سآتي معكَ إلى والدك.. سأخبره بالأمر وأنا واثقة أنه لن يفكر مثلك.. سوف يعلن زواجنا على الملء و.......
أمسك ذراعها في قسوة وقاطعها قائلًا:
- زواجنا..! أنتِ إذًا لستِ بالبراءة التي ظننتها.. أنتِ ماكرة خبيثة.. دبرتِ لكل شيء منذ البداية.
- دبرتُ..!! أنا منذ عرفتك وأنا أسير خلفك معصوبة العينين.
- لن أصدق حرفًا واحدًا مما تقولينه بعد الآن.
تركها تبكي حظها التعس وغادر الشقة ولكنه ما لبث أن عاد بعد قليل وألقى ببعض الأدوية أمامها قائلًا:
- تناولي هذا.. الجرعة موجودة في النشرة.
هزت رأسها في عناد وهي تغمغم:
- كلا.
- كلا... !
- لن أتنازل عن طفلي ولو قتلتني.
تأوهت ألمًا عندما أمسك شعرها بقسوة صارخًا:
- سالي.. هناك وجه آخر لا أحب أن أظهره لكِ.. إلا إن كنتِ أنتِ تريدين رؤيته.
أزاحها بعنف قبل أن يعود وفي يده كوب من الماء ليرغمها على تناول الدواء لكنها قاومت بشراسة.. بادلها جنونها وراح يصفعها بقوة ويكيل اللكمات إلى بطنها حتى أشفق عليها ولكنها لم تشفق على نفسها.. فصرخ غاضبًا:
- هذا الطفل غير شرعي.. تخلصي منه أولًا وبعدها نتحدث في أمرنا.. سأتركك حرة.. افعلي ما تشائين.. إن أردتِ.. تزوجي وأنجبي أطفالًا بعدد ما شئتِ.. وأنا سوف أساعدك.
تأملته غير مصدقة.. أهذا هو حبيبها الذي ضحت بكل شيء من أجله..؟ يقتل طفله ويزوجها من آخر.. أي جنون يتحدث به..؟ هزت رأسها مستنكرة.
- سالي.. أخشى أن أقتلك.

ظلت صامتة مما زاده جنونًا فراح يتحرك في الغرفة كالوحش الهائج دون أن يرفع عينيه عن وجهها المنهك.. هجم عليها من جديد وأمسك شعرها قائلًا:
- والآن اخبريني.. كيف سنتخلص من هذه المصيبة..؟ لا تصمتي كالأموات.
- أعدك بأنني سأذهب.. لن تراني مرة أخرى ولكن أترك لي الطفل.
- ماذا؟
- سأعتبره هدية منكَ.. علمتُ الآن أنني لا أمثل لكَ شيئًا على الإطلاق ولكنكَ كنتَ كل شيء لي.. اتركه لي ذكرى منكَ.
- كُفي عن ضعفكِ المصطنع هذا.. أنتِ متآمرة صغيرة.. وكأنني أراكِ للمرة الأولى أيتها المخادعة..!
نظرت إليه في عتاب فتابع:
- لماذا لم تتخذي وسيلة لمنع حدوث هذا الحمل...؟ عرفتُ قبلكِ نساءً كثيرات لم تتجرأ أية منهن وتفعل ما فعلته أنتِ.. أنتِ أكثرهن جرأة وخبثًا.. لكنني لستُ صيدًا سهلًا يا صغيرتي.
أغمضت عينيها وسدت أذنيها في ألم.. كيف خدعها لهذا الحد..؟ كيف صدقت زيفًا بهذا المقدار..؟
لمعت عيناه فجأة وجذبها إلى غرفة النوم قائلًا:
- هيا.. بدّلي ملابسك.
- لماذا.. أين سنذهب؟
- ستعرفين بعد قليل.
- حسام ......
- أسرعي.
استسلمت كعادتها حتى توقف أمام إحدى العيادات الخاصة.. تعلقت به في أمل أخير.. نعم أنه لا يمزح.. هو لا يريد هذا الطفل.. لكنها تريده بشدة وكأنها لن تنجب بعده.. بداخلها يقين لا تدري مصدره بأنه سيكون طفلها الوحيد.. هاجس يأمرها أن تتشبث به بكل قوتها لأنها إن فقدته لن تنجب غيره.
انحنت وقبلت يده في توسل قائلة:
- حسام.. بالله عليكَ أترك لي الطفل.
- هذا الطفل سيكون وصمة عار للجميع.. لماذا تتشبثين به هكذا..؟!
- إنه طفلي وأنا أحبه.
- وهو سيكرهك بقدر هذا الحب عندما يكبر بلا أب ويدرك كيف أتيت به.
هل حقًا ما يقول..؟ شعرت بإحباط شديد فتبعته بلا وعي.. استسلمت تائهة للطبيبة التي أدخلتها إحدى الغرف لإجهاضها.. ولكن من المحال أن يكون صادقًا.. كيف يقابل طفلها كل هذا الحب الذي تشعر به نحوه بالكره لها..؟!
خرجت الطبيبة بعد فترة من غرفة العمليات.. سألها في لهفة:
- هل هي بخير..؟
- نعم.. اطمئن.
- هل يمكن أن أراها..؟
- فقط انتظر قليلًا حتى يتلاشى مفعول المخدر.
عاد بها إلى مسكنه من جديد وكأن شيئًا لم يكن.. وكأنه لم يقتل للتو طفله.. بقيت صامتة شاردة غير عابئة بمحاولاته المستميتة لاسترضائها.
- حبيبتي.. أعلم أنني كنتُ قاسيًا معكِ.. لكنكِ تصرفتِ بحماقة شديدة.
لم تتحرك عندما قبل رأسها وأردف:
- وما حاجتنا للأطفال.. ظننتُ أنني كل شيء لكِ كما أنكِ كل شيء لي.. في المستقبل أرجو أن تكوني أكثر حرصًا.
في المستقبل..! وهل يتخيل أنها قد تعاشره مرة أخرى..؟ يا له من مختل.. كيف أمكنه مجرد التفكير في أن هذا قد يحدث..؟!
راح يقبل كفيها في اعتذار مُقَنَّعٍ هامسًا:
- أحبك يا سالي.. أقسم بأنكِ حبي الأول والأخير.
أمازال يتحدث عن الحب.. عن أي حب يتحدث..؟ وأية حمقاء سوف تصدقه بعد الآن؟!
- سأذهب غدًا لرؤية أبي.. لن أتغيب عنكِ طويلًا.. لولا قلقه بشأني بعد المهمة الأخيرة ما ذهبتُ وتركتك أبدًا.. أخشى أن تفاجئه إحدى نوبات القلب بسببي.. سأعود بعد غد وإن أمكن في مساء الغد.. لن أتأخر عليكِ.
قبل رأسها ووجنتيها.. ضمها إلى صدره وراح يربت على ظهرها مُرددًا كل العبارات التي كانت يومًا تهيم شوقًا لسماعها.. لكنها بدت كالموتى بين ذراعيه.. جُثة هامدة بلا مشاعر حتى هتف ساخطًا:
- سالي.. لا تصمتي هكذا.. بالله قولي شيئًا.
تأملته بمرارة قبل أن تغمغم في نبرة ظلت تطارده طويلًا فيما بعد:
- لن أغفر لك.
عاد في مساء اليوم التالي يناديها في لهفة لكنها لم تجب.. فوق فراشهما تركت تلك الورقة اللعينة.. بقلب مُرتعد راح يقرأ حروفًا قليلة لكنها تقطر موتًا.. سطرًا واحدًا عذبه عمرًا طويلًا:
- بعد أن عرفت أن ما بيننا لم يكن حبًا.. فأنا في حاجة ماسة إلى ثمنه الآن.
فتح الخزانة والأدراج.. لم تأخذ معها شيئًا من ملابسها الكثيرة التي أهداها لها.. رسائل العشق التي تبادلاها معًا ممزقة وملقاة أرضًا.. صورهما أيضًا.. اكتفت بالنقود والقطع الذهبية.. كان واضحًا أنها كفرت به وبالحب معًا.. كيف لم يفهمها رغم وجودها بين ضلوعه.
أيعقل أن يكون فقدها للأبد..؟ لن تعود... لن تغفر له.




























أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-06-20, 04:46 PM   #9

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة السابعة

- تفضلي يا سالي.
دلفت سالي إلى عيادة الدكتور شريف الذي أخبرها أنه في حاجة ماسة إلى ممرضة جديدة بعد أن تزوجت ممرضته السابقة وقررت ترك العمل.
همس في ترحاب:
- يمكنكِ أيضًا الإقامة هنا في العيادة حتى تجدي المسكن الملائم.
ترقرقت الدموع في عينيها هامسة:
- أشكرك يا سيدي.
- ولمَ الشكر؟! سيفيدني وجودك هنا أكثر مما سيفيدك أنتِ.
ابتسمت ابتسامة باهتة فأردف:
- بعض الأطفال مُزعجين.. لا يحلو لهم المجيء إلى الدنيا إلا بعد منتصف الليل.. أرجو ألا يكون طفلك واحدًا منهم.
همت أن تعلق بشيء ما قبل أن تعض على شفتيها وتمسك بطنها في ألم صارخة:
- سيدي.. أشعر بدوار ومغص شديد.. أخشى أنني أفقد الطفل.
- ماذا؟ دعيني أفحصك.
شعرت بتوتر وحرج شديد لكنها لم تجد مفرًا من الأمر.. تمددت ليفحصها بوجه تخضب احمرارًا ما بين خجل وألم.. لكنه بدا جادًا وملتزمًا قبل أن يتحدث قائلًا:
- يبدو أنكِ تعرضتِ لإجهاد شديد.. يوجد نزيف.
هتفت بفزع وتوسل:
- هل يعني هذا أنني فقدتُ الطفل؟
- كلا.. ليس بعد.. لكن هذا قد يحدث.
- بالله افعل شيئًا.
فتح خزانة أمامه وأخرج منها بعض الأدوية واستعد لحقنها حين عادت ترجوه واهنة:
- سيدي.. بالله عليكَ أنا أريد هذا الطفل.. أخبرتك كم عانيتُ من أجله.. لا تسلبني إياه.
تأملها في عتاب قائلًا:
- سالي.. أنا طبيب وقد أقسمتُ أن أحافظ على شرف المهنة التي أعتبرها رسالة مُقدسة.. لا تخافي.. سأبذل قصارى جهدي للإبقاء على طفلك بناء على رغبتك.

استيقظت بعد منتصف الليل.. تأملت ما حولها في قلق.. ما هذا المكان الغريب..؟ شهقت في ألم عندما تحركت بعصبية لتغادر الفراش.. تذكرت الآن.. أين ذهب هذا الطبيب..؟
ترى ما اسمه؟ شريف.. نعم دكتور شريف.

تجولت في المكان.. كان نائمًا في غرفة أخرى.. يا له من رجل..! شعرت بالطمأنينة لوجوده قربها.. عادت لفراشها من جديد فهي مازالت في حاجة إلى النوم ربما يختفي هذا الدوار المزعج.

- سالي.. استيقظي.. كيف حالك الآن؟
فتحت عينيها ببطء قبل أن تنهض على عجل لترد تحيته لكنه استوقفها قائلًا:
- ليس هكذا.. عليكِ أن تكوني أكثر اتزانًا ولا تعرضي نفسك للمزيد من الإجهاد.
ابتسمت قائلة:
- صباح الخير يا سيدي.. آسفة لكل ما سببته لكَ من إزعاج.
- عن أي إزعاج تتحدثين؟
- يكفي أنكَ أمضيتَ ليلتك هنا بعد عناء السفر من أجل غريبة مثلي.
- هل استيقظت ليلًا؟
- نعم.. لكنني خلدت للنوم من جديد.
- هل تشعرين بما أشعر به؟
نظرت إليه في دهشة وتساؤل فتابع مُبتسمًا:
- أنا جائع جدًا.
اتسعت ابتسامتها بينما أردف من جديد:
- سأذهب لأجد شيئًا نأكله.. لن أتغيب عنك طويلًا.
- حسنًا.. سوف أنظف العيادة حتى تعود.
التفت إليها مُحذرًا:
- كلا.. اتركي كل شيء كما هو.
- ولكنها تحتـ....
- لا عليكِ.. سأطلب من البواب وزوجته تنظيفها بعد الفطور.
- وما فائدتي إذًا؟
- سالي.. لست في حاجة لأكرر تحذيري لكِ.. حالتك حرجة.. حتى أنني أفكر جديًا في البحث عن ممرضة أخرى.
- ماذا..؟ أنتَ تعلم مدى حاجتي إلى هذه الوظيفة.
- لكنكِ مريضة وأخشى أن تسوء حالتك فتعودين لتلقي باللوم فوق رأسي.
- كلا.. لن أفعل.
عادت تنظر إليه في رجاء قبل أن تردف بسرعة:
- أنا مازلتُ صغيرة وقوية.. وأعدك بأنني لن أجهد نفسي.
توالت الأيام والشهور.. كانت سعيدة في عملها الجديد مع الدكتور شريف في عيادته.. خصص لها راتبًا كبيرًا.. منحها أيضًا البقشيش الضخم الذي يتركه بعض المرضى وعائلاتهم بعد الولادة أو مجرد الكشف.. شريف طبيب متميز.. مرضاه على درجة كبيرة من الثراء والرقي.. كثيرًا ما تمتلئ عيادته الكبيرة بالمرضى عن آخرها.. ورغم أن هذا يجهدها أحيانًا غير أنه يملأ حقيبتها بالنقود بعد غلق العيادة.. لديها الآن مبلغًا لا بأس به وضعته في دفتر التوفير الذي ساعدها دكتور شريف على فتحه في مكتب البريد القريب من العيادة.. سوف تستأجر مسكنًا عما قريب.. مسكنًا خاصًّا بها.. لم يعد الأمر مُستحيلًا كما كان في السابق.
ستحتاج أيضًا إلى مصروفات أخرى للطفل بعد شهور قليلة.. عليها أن تستمر في خطة التقشف التي وضعتها لنفسها وتحافظ على ما لديها من نقود حتى تحقق ما تريد.
استيقظت من شرودها ونهضت لتواجه دكتور شريف الذي همّ بالمغادرة:
- سأذهب الآن يا سالي.. إذا حدث أمر طارئ اتصلي بي فورًا.
- أمرك يا سيدي.. طابت ليلتك.
- طابت ليلتك.
اتجهت إلى الغرفة التي اعتادت النوم فيها.. أخرجت منامة كانت قد اشترتها مؤخرًا بعد أن شعرت بحاجتها المُلحة لها.. حمدت الله لعدم وجود حالات جراحية هذه الليلة.. فقد كان اليوم شاقًا بما يكفي.. ها قد بدأت تشعر بثقل جسدها الذي بدأ ينتفخ بشكل يزعجها ويعوق رشاقة لطالما تحلت بها.. تململت في فراشها.. شعرت بالخوف من جديد.
كلما اقترب موعد مجيء الطفل كلما ازدادت خوفًا وشوقًا لرؤيته.. ترى كيف سيكون..؟ هل سيشبهه..؟
نهضت من فراشها.. اتجهت إلى أشيائها القليلة التي تمتلكها والتي تضعها في خزانة صغيرة بأحد أركان الغرفة.. منحها دكتور شريف مفتاحًا لها.. أخرجت حقيبة يدها وفتحتها لكنها عادت تغلقها في ألم وتعود إلى فراشها تقاوم الأرق بجسدها المنهك حتى تغلب إنهاكها أخيرًا واستسلمت لسبات عميق.
استيقظت في وقت متأخر على غير عادتها.. اغتسلت وتناولت فطورًا سريعًا وبعض الأدوية التي أوصاها بها دكتور شريف لتلد طفلًا بصحة جيدة.. اتجهت إلى المطبخ لتنجز المهام التي اعتادتها حتى يحين موعد العمل في السادسة.
في العيادة الآن مطبخ يكفي لعمل ما تريده من الوجبات التي يعشقها دكتور شريف.. ألقت نظرة إلى ساعة يدها.. عليها أن تنتهي من إعداد وجبة الغذاء قبل أن يأتي من المشفى الذي يعمل به صباحًا.. لقد اعتاد أن يتناول طعام الغداء معها كل يوم قبل أن يعود إلى مسكنه القريب من العيادة لينال قسطًا من الراحة ويعاود الحضور إلى العيادة في السادسة لمتابعة مرضاه.. عمل روتيني مُزعج لكنها أتقنته.
- سلمت أناملك يا سالي.. كان الطعام رائعًا.
- صحة وعافية لك.
- يا الله.. كثيرًا ما أحببت العمل هنا في أسوان.. لكنني كنتُ أشعر بالغربة والحنين إلى الأسرة.. إلى هذا الجو الدافئ الذي تخلقينه الآن.. أنا ممتن لكِ كثيرًا.
- مهما فعلتُ لكَ يا سيدي لن أوفيك حقك.
ضحكت عندما غمغم ساخطًا:
- حمدًا لله أنني انتهيت من طعامي وإلا ما كنتُ أكملته بعد حديثك هذا.
بادل ضحكتها بابتسامة هادئة قبل أن ينهض:
- حسنًا.. أراكِ في المساء.
- ألن تشرب الشاي؟
- عندما أعود.. أنا الآن في حاجة إلى قليل من النوم.

*****
تأوهت سالي في ألم وفتحت عينيها ببطء.. طالعها وجه دكتور شريف بابتسامته الهادئة:
- حمدًا لله على سلامتك.. صبي جميل كوالدته.
ابتسمت في لهفة قائلة:
- أين هو؟
- سأحضره لكِ حالًا.
تبعته بعينيها في فضول حتى عاد بعد قليل بكومة من القماش تحوي طفلًا صغيرًا وضعه بين يديها وراح يتأملها في حنان بالغ وهي تتلقفه منه في حرص شديد وكأنها تحمل كنزًا غامرت كثيرًا لتصل إليه.. تفحصته طويلًا قبل أن ترفع عينيها إلى الطبيب في سعادة قائلة:
- أكاد لا أصدق ما يحدث.. إنه طفلي.
- تتحدثين وكأنكِ عجوز أنجبت بعد عقم طويل.
نظرت إليه مستنكرة.. كيف تخبره عن هاجسها المجنون الذي لا تعرف من أين أتى والذي يصرخ فيها دائمًا بأن هذا هو طفلها الوحيد ولن تنجب بعده؟
- لا تغضبي هكذا.. فهو طفل رائع ذو بنية قوية.
عادت تتأمل طفلها بسعادة هامسة:
- نعم.. إنه كذلك بالفعل.
- والآن.. أي الأسماء اخترتِ له؟
- إن لم يزعجك.. سوف أسميه شريف.
- ماذا؟
تأملته في فضول فتابع مُبتسمًا وهو يحمل الطفل عنها:
- هذا لا يزعجني أبدًا.. بل سيكون من دواعي سروري.. تعالَ إليَّ يا شريف.
في صباح اليوم التالي عندما حضر دكتور شريف للاطمئنان عليها وضعت على مكتبه مظروفًا صغيرًا قائلة:
- شكرًا لكَ يا سيدي.
- ما هذا؟
- إنها تكاليف عملية الولادة و....
فتح المظروف وما لبث أن نظر إليها مُتهكمًا فأسرعت تقول:
- إنها نفس القيمة التي أحصلها من السيدات الأخريات.. إن كنتَ تريد المزيد يمكنني تفهم الأمر فأنا أتلقى منكَ مميزات كثيرة لا توفرها لأي من مريضـ.....
- سالي.. هل أنتِ جادة؟
- ماذا تعني؟
- كيف تخيلتِ أنني قد أقبل منكِ نقودًا..؟!
- لدي ما يكفيني من النقود.. فأنا نفقاتي محدودة جدًا بالنسبة لدخلي من العمل هنا.
مد لها يده بالمظروف قائلًا في نبرة حاول أن يجعلها صارمة:
- خذي نقودك واذهبي الآن قبل أن أغضب.
- عُذرًا يا سيدي.. هذا الأمر غير قابل للنقاش.. إنها كرامة طفلي.
- كرامة طفلك..؟!
- نعم.. ستأخذ نقودك كاملة.. طفلي لا يقل أبدًا عن الأطفال الأثرياء الذين يولدون هنا كل يوم.
هز رأسه في عصبية وهو يغمغم:
- أنتِ أكثر من رأيتُ جنونًا حتى الآن.
- إن كنتَ تريد مساعدتي حقًا.. ابحث لي عن مسكن ملائم.




التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 26-06-20 الساعة 05:08 PM
أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-06-20, 04:49 PM   #10

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة الثامنة

كان طفلها في شهره الثالث عندما حدثها دكتور شريف عن هذه الشقة التي اقتنعت بها أخيرًا بالرغم من كونه هو نفسه لا يبدو مقتنعًا بها.
- الشقة في الدور الثامن.. ولا يوجد مصعد كهربي في البناية.. صغيرة جدًا.. عرضها مالك الxxxx بمبلغ بخس لأنه لا يجد من يسكنها.
- لكنكَ تقول إنها قريبة من العيادة.. وهذا أمر جيد.
- نعم المساكن في هذه المنطقة باهظة الثمن لذا فهذه الشقة تقريبًا هدية مجانية.
- وأنا قبلتُ الهدية.
أشار بإصبعه محذرًا:
- ولكن الأمر سيكون شاقًا.. خاصة وأنتِ تحملين طفلًا.
- اطمئن يا سيدي.. متى يمكنني رؤية مسكني الجديد؟
- هناك أمر آخر.
- ما هو؟
- سوف تتحملين سداد قيمة الأثاث أيضًا.
تجولت سالي سعيدة في مسكنها الجديد.. شقة صغيرة بها غرفة واحدة للنوم وصالة كبيرة نوعًا ما ومطبخ وحمام.. آخر طابق في البناية يحيطها سطح كبير يطل على منظر رائع للمدينة.. الأثاث لم يكن سيئًا أبدًا.. هو أيضًا اعتبرته هدية مجانية.. غرفة نوم كاملة القطع ومائدة صغيرة حولها عدد من الكراسي لتناول الطعام.. هناك طقم للجلوس بحالة جيدة وتلفاز لا شك سيحتاجه صغيرها لاحقًا.. المطبخ كان ثروة بالنسبة لها احتوى كل ما تحتاجه بل وأكثر.. الحمام ربما كان صغيرًا لكن هذا لا يهم.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلتفت إلى دكتور شريف الذي كان لايزال يلتقط أنفاسه من صعود السلم قائلة:
- سوف أستأجرها.
- كنت أعلم أنها ستعجبك برغم هذا الدرج اللعين.
- لم تقل لي كيف عثرت عليها..؟
- مريضة عندي.. كانت لوالديها قبل أن ينتقلا لمسكن آخر.. في الطابق الأرضي.
ضحكت وقد فهمت مغزى كلماته.. مازال يحذرها قبل أن تتورط فيها.. إنه لا يدري أن هذه الشقة بالنسبة لها كانت حلمًا.. لو يعلم كم عانت حتى ماضيها القريب..!
- سالي أين ذهبتِ.. أراك شاردة؟
- الشقة رائعة.. الأثاث بحالة ممتازة.. كما قلت إنها هدية مجانية من الله.
مرت أيامها هادئة لا يقلقها سوى دفتر بريدها الذي أصبح شبه خاوٍ.. كانت تضع طفلها بجوارها في عربة صغيرة حتى تنتهي من عملها بالعيادة.. حرصت على نظافته وإطعامه بانتظام كما نصحها دكتور شريف.. هو أيضًا كان يهتم بالطفل ويفحصه من حين لآخر موفرًا له ما يحتاجه لصحة جيدة.. والصغير كان هادئًا صبورًا وكأنه يقدر ما تفعله والدته من أجله فلم يشأ أن يكون عبئًا إضافيًا فوق أعبائها الكثيرة.
لم تصدق عينيها عندما ابتسم لها بعد أيام قليلة من ولادته.. أسرعت تخبر دكتور شريف الذي ضحك وقتها وهو يتأملها قائلًا:
- وكيف لا يبتسم من كانت له أم رائعة مثلك؟
توالت ابتساماته وضحكاته المجلجلة لها وحدها قبل أن يمنحها لدكتور شريف الذي بات مُغرمًا به كوالدته تمامًا حتى أنه كان يضحي من حين لآخر ويصعد الدرج الطويل حاملًا كل ما لذ وطاب للطفل الجميل الذي شعر بأنه مسئول عنه.
وصل دكتور شريف لتناول الغداء معهما كعادته كل عطلة أسبوعية.. استقبلته سالي بابتسامة مرِحة في محاولة للتخفيف عنه وهي تلاحظ سخطه والعرق المتصبب من وجهه المنهك.. لكنه ما كاد يدلف إلى الداخل حتى غمغم بضيق:
- ما هذا؟
فوق الجدار المواجه للباب مباشرة علقت صورة كبيرة جعلته ينسى عذاب الدرج وينتابه عذاب من نوع آخر.. عاد يردف بعد حين:
- أهذا هو..؟
- نعم.
- أنا لا أفهمك.. أمازلت مغـ....
- كلا.. محال بعد كل ما فعله بي.
- لماذا إذًا؟
- من أجل شريف الصغير ليس أكثر.. أريد أن يعرف الجميع أن له أب وأن لي زوج ولم أحمل به سفاحًا.. أريده أن ينمو طبيعيًا بلا عقد.. لقد بدأ يسألني عن والده.. فرح كثيرًا عندما صنعت له هذا الإطار الكبير.. دكتور شريف هل تتفهم موقفي..؟
بدا وكأنه في عالم آخر عندما تنهد في تهكم قائلًا:
- المُراهقة والضابط الوسيم.
- دكتور شريف.. أرجوك.
هز رأسه ببعض الأسى:
- أنا أقدر موقفك.. دائمًا أقدر موقفك.
تعجبت لكمّ الحزن البادي فوق قسماته والعصبية التي يتحدث بها كلما وقعت عيناه على الإطار الذي وضعت فيه صورة حبيبها السابق.. بدا وكأنه يسترق النظر إليه خلسة.. راودتها فكرة مجنونة.. ترى أيعقل أن يغار عليها..؟ هل وقع دكتور شريف في غرامها؟!
هزت رأسها بعنف وكأنها تطرد أفكارها خارجها.. خيالها بلا شك هو ما يصور لها ذلك.. اللعنة على هذا الخيال.. كل ما حدث لها من كوارث كان لكونها صدقته يومًا.. لكن لماذا فقد الدكتور شريف اتزانه..؟ ما سبب هذه العصبية التي طغت على سلوكه مؤخرًا؟
جاء إلى العيادة مبكرًا عن عادته.. حمل مُكعبًا كبيرًا من الشيكولاتة قدمه إلى شريف الصغير الذي نظر إلى والدته قبل أن يتناولها منه ويقبله شاكرًا.. قدم لها هي أيضًا مكعبًا مثله:
- أعلم أنكِ تعشقينها.
- أشكرك.. أما يكفي اهتمامك بطفلي..؟
- أنتما عزيزان جدًا إلى قلبي.
أزعجتها النبرة التي تحدث بها.. نظراته تحمل كلمات عجز عن نطقها.. تصنعت ابتسامة وهي تهتف بانفعال:
- مازال الوقت مبكرًا جدًا.. لم يأتِ أحد بعد.
- لقد جئتُ من أجلكِ أنتِ.
غمغمت في ارتباك:
- من أجلي أنا..؟
- سالي.. أريدك أن تكملي تعليمك.. ما رأيك؟
تهللت قسماتها قائلة:
- لقد فكرت في هذا الأمر ولكنني لا أعرف من أين أبدأ.
- لماذا لم تطلبي مساعدتي؟
أحنت رأسها قائلة:
- شعرت بالخجل.. لقد تحملت ما يكفي من أجلنا.. أخشى أن يصيبك الملل منا.
- أخبرتك مِرارًا ألا تتحدثي هكذا.
*****
- شريف حبيبي.. أين أنـ.......؟

ابتلعت حروفها جزِعة.. كان صغيرها قد أحضر كرسيًا صعد فوقه وراح يتأمل صورة والده بدقة وكأنه يحفر معالمها في ذاكرته.. الشبه بينهما يثير القلق.. تشجعت وتقدمت لتحمله قائلة:
- حبيبي ماذا تفعل؟ احترس قد تسقط أرضًا.
- ماما.. متى سيأتي بابا..؟
- عندما ينتهي من عمله يا حبيبي.
- ومتى سينتهي من عمله؟
احتضنته صامتة.. ترقرقت بعينيها دموع تحجرت منذ زمن.. يومًا ما عليها أن تخبره بأن والده مفقود.. ربما مات شهيدًا وهو يدافع عن أمن الوطن.. لكن ليس الآن.
دق جرس الباب فأسرع الصغير ليفتحه لكنه عاد إليها متذمرًا:
- أنتِ تغلقينه بالمفتاح ثانية.
- لأننى أخبرتك مِرارًا ألا تفتح للغرباء.
- إنه العم شريف.
- كيف عرفت؟
- لا يأتي لزيارتنا سواه.
أسرعت تفتح الباب وهي تشير إليه مُحذرة:
- وماذا لو كان لصًا؟
دخل دكتور شريف يحمل علبة كبيرة مُزينة وضعها على المائدة قبل أن يلتقط الطفل الذي تعلق به وهو ينظر إلى والدته في عناد قائلًا:
- أخبرتك أنه العم شريف.
- يجب أن تكون حذرًا.
سأل شريف وهو يتأملهما في دهشة:
- ماذا حدث..؟ لماذا تتعاركان؟
أجابه الطفل بلهجة المنتصر:
- قلتُ لها إنك العم شريف وهي لم تصدقني.. قالت أنكَ لص.
- ماذا؟
- شريف..!
- هل هذا التحذير لي أم للصغير..؟
ضحكت مستنكرة.. تأملها في حنان قائلًا:
- هيا.. سوف نحتفل الآن بنجاح ماما في الامتحانات.
أسرع الطفل بالقفز في الهواء كالبهلوان الصغير وهو يتقدم من العلبة وقد علم ما بداخلها ولكن والدته أوقفته قائلة:
- انتظر حتى نتناول الغداء أولًا.
- بطني صغيرة.. سأملأها من التورتة.
ضحك دكتور شريف بينما كتمت سالي ابتسامتها قائلة:
- لابد أن تتناول البروتين حتى تكبر عضلاتك وتصبح قويًا.. وقتها لن أغلق الباب بالمفتاح.
صمت الطفل قليلًا وكأنه يفكر بالأمر قبل أن تنفرج أساريره ويستسلم.
في وقت متأخر من اليوم ذاته.. ابتسمت لها المريضة الأخيرة مودعة حين استدعاها دكتور شريف:
- هل هناك حالات أخرى؟
- كلا.. كانت هذه آخر حالة اليوم.
هز رأسه بارتياح قبل أن ينظر إليها قائلًا:
- سالي أريدكِ في أمر هام.
نظرت إليه في تساؤل.. صمت قليلًا قبل أن يردف:
- سالي.. أتقبلين بي زوجًا؟
حدقت به في صدمة تعجب لها.. كانت تعلم أنه يهتم لأمرها بشكل مبالغ فيه.. خيالها أخبرها مِرارًا بأنه يعشقها.. ولكن.. هل تخشى أن تخسره للأبد..؟ فهي لم تخبره بالحقيقة كاملة.. كيف ستتزوجه ما لم تخبره بها..؟ وهل سيتقبل الأمر؟
- سالي ماذا بكِ؟
- أنتَ لم تعرفني جيدًا بعد.
- من قال هذا..؟ أنا أعرفك منذ سنوات.. صدقًا.. لم أرَ في حياتي امرأة مثلك.
أحنت رأسها وقالت بصوت أقرب للهمس:
- ولكن.. ابني...
- ألديكِ شك في حبي له؟ فهو ابني أنا أيضًا.
- أنتَ تعلم كيف أتى.. كيف حملت به.
- موضوع الزواج العرفي.. أهذا هو ما يقلقك؟
رفع وجهها إليه وابتسم في حنان قائلًا:
- سالي.. لقد فكرتُ طويلًا قبل أن أحدثك في الأمر.. أنا مقتنع تمامًا بك كزوجة لسـ......
قاطعته قائلة:
- لم يكن هناك زواج ولا حتى زواج عرفي.
- ماذا...؟
صمت قليلًا قبل أن يغمغم في ارتباك:
- أخبرتك سابقًا أن لا فرق عندي بين الزواج العرفي والـ.........
قطع عبارته توترًا.. فقالت بائسة:
- لماذا لم تستطع أن تكمل كلماتك؟
- سالي.. اسمعيني جيدًا.. منذ عملنا معًا وأنا مُعجب بكِ كثيرًا.. برغم صغر سنك فأنتِ أكثر من رأيت شجاعة وصبرًا وقدرة على تحمل المسئولية.. ربما أخطأتِ في الماضي.. لكنني لا ألومك أبدًا.. فقد كنتِ مُراهقة وحيدة لم تجد من ينصحها ويساندها.
تأمل رأسها المُنكس خجلًا وأردف في عداء:
- إن كان هناك من يستحق العقاب فهو ذلك الضابط المنعدم الضمير والأخلاق.. كان ناضجًا ويعمل في مهنة تستوجب منه الحفاظ على سلامة المواطنين وأمنهم.. لا أن يغرر بفتاة صغيرة مثلك.. مثله من يستحق الشنق.
ظلت صامتة.. رفع ذقنها لتواجهه ونظر في عينيها قائلًا:
- والآن.. هل تقبلين بي زوجًا؟
- إن كنتَ لازلت مُقتنعًا بي زوجة لك.
- غاية الاقتناع.
وضع خاتم الخطبة الأنيق في إصبعها.. توالت نزهاتهما معًا بصحبة الصغير الذي أعلن عن سعادته بالتخلص من صعود الدرج الطويل كل يوم والذهاب للعيش في منزل دكتور شريف الكبير ذو الحديقة الواسعة.. دكتور شريف وعده بأن يضع له فيها أرجوحة جميلة حتى يلهو بها.
سافرا معه لزيارة والدته في القاهرة.. ضحك دكتور شريف وهو يتأمل سالي التي أصرت على ارتداء نظارة داكنة ضخمة طوال الرحلة وإن كان قد أزعجه توترها الدائم و تفحصها المستمر لوجوه المسافرين حتى وصلوا أخيرًا إلى المنزل المنشود.
رحبت بهما والدته كثيرًا.. لم تعلق على وجود الطفل بالسلب أو الإيجاب.. كان لديها فكرة مُسبقة بأنها مُطلقة منذ فترة بسبب خلافاتها المستمرة مع زوجها.. لعنة الله على الزواج المبكر.. هكذا كان تعليقها على حديث ابنها الطبيب الذي تعشقه وتقدره.. كانت تثق في رجاحة عقله واتزانه وتتمنى من الله دائمًا أن يوفقه إلى الزوجة الصالحة وأن يرزقه أطفالًا يسعدون قلبه وقلبها حتى تطمئن عليه كما اطمأنت على أخته الوحيدة من قبل.








التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 26-06-20 الساعة 05:05 PM
أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:24 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.